Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 4

‫القول الفصل‪ ...‬فيما لألفغاني من أصل!

(‪)2-2‬‬

‫‪2019-02-13 | 21:10‬‬

‫من المؤرخين الذين تناولوا سيرة األفغاني بالبحث أحم د أمين في كتاب ه «زعم اء اإلص الح في العص ر الح ديث»‪،‬‬
‫«القاهرة ‪ ،1948‬وقارن بين بعض البارزين من أعالم «الحركة اإلصالحية»‪ ،‬كما تنظ ر إليهم تحليالت كث يرة‪ ،‬فق ال‬
‫«لئن كان محمد بن عبدالوهاب يرمي إلى إصالح العقيدة‪ ،‬ومدحت باشا يرمي إلى إص الح الحكوم ة واإلدارة‪ ،‬فالس يد‬
‫جمال الدين يرمي إلى إصالح العقول والنفوس أوال‪ ،‬ثم إصالح الحكومة ثانيا‪ ،‬وربط ذلك بالدين»‪.‬‬
‫ويقول المؤرخ «أمين» إن األفغ اني من أفغانس تان‪ ،‬وإن ه ينتمي إلى الحس ن بن علي ال الحس ين‪ ،‬وق د تعلم العربي ة‬
‫والفارسية ثم تعلم الفرنسية وهو كبير‪ ،‬حيث «أتى بمن يعلمه الحروف الهجائية‪ ،‬ثم انفرد بتعليم نفسه نحو ثالث ة أش هر‬
‫يحفظ من مفرداتها حتى استطاع أن يقرأ من كتبها ويترجم منها‪ ،‬ثم توسع في ذلك أثن اء إقامت ه بب اريس‪ ،‬وم ع ه ذا فلم‬
‫يحذقها كل الحذق»‪( .‬ص‪.)61‬‬

‫ومع تزايد اهتمام األفغاني بالسياسة في مصر وتمام برنامجه‪ ،‬يضيف الم ؤرخ‪« ،‬أن ه انض م إلى المحف ل الماس وني‬
‫األسكتلندي ألنه يضم كثيراً من علية القوم‪ ،‬ويضم طائفة من المصريين واألج انب»‪ ،‬ولكن م ا أغض به من الماس ونية‬
‫«أنه وجد أعضاء المحفل ال يحبون أن يتكلموا في السياسة‪ .‬وأخيراً اس تقال من ه ذا المحف ل‪ ،‬وأنش أ محفال آخ ر تابع ا ً‬
‫للشرق الفرنسي‪ ،‬وسرعان ما بلغ أعضاؤه أكثر من ثالثمئة عضو من نخبة المفك رين والناهض ين المص ريين‪ ،‬وك ان‬
‫يدرس في بيته كتب الفلسفة والحكمة‪ ،‬يريد توسيع عقول الطلبة‪ ،‬وتفتيح آفاق جديدة في فهم العالم»‪( .‬ص‪.)74‬‬

‫لماذا ذهب األفغاني إلى روسيا‪ ،‬وأقام فيها نحو ثالث سنين؟ إن معلوماتنا عن ه في ه ذه الف ترة قليل ة‪ ،‬يق ول الم ؤرخ‬
‫أمين‪ :‬وأكبر الظن أنه شغل بشيئين‪ :‬ح ال المس لمين ال روس وع ددهم نح و ثالثين مليون ا‪« ،‬وك انوا يع املون في عه د‬
‫القياصرة معاملة ظالمة جائرة»‪ ،‬واألمر الثاني ما كان لروسيا من أث ر كب ير في سياس ة الش رق ومناهض تها للسياس ة‬
‫اإلنكليزية في آسيا وضغطها الشديد على الدولة العثمانية والعمل على إتعابه ا‪ ،‬وتقطي ع أوص الها‪ ،‬ولكن ه ذه السياس ة‬
‫الروسية في رأي بعض ساسة العصر أفادت إنكلترا وفرنسا وإيطاليا أك ثر مم ا أف ادت روس يا «فل وال ض غط ال روس‬
‫على الدولة العثمانية ما سهل على فرنسا االستيالء على الجزائ ر وت ونس‪ ،‬وال على إيطالي ا االس تيالء على ط رابلس‪،‬‬
‫وال على إنكلترا االستيالء على مصر»‪.‬‬

‫قصدت اآلستانة سنة ‪ ،1928‬يقول المؤرخ أحمد أمين‪ ،‬بعد وفاة األفغاني بإحدى وثالثين سنة‪« ،‬فرأيت واجبا ً أن‬
‫ُ‬ ‫لقد‬
‫أزور قبر هذا الرجل العظيم»‪ ،‬ويقول إن من اهتم بقبر األفغاني‪ ،‬كما ذكرنا منذ قليل‪« ،‬مستش رق أم يركي حض ر إلى‬
‫اآلستانة سنة ‪ ،1926‬ونقّب عن قبره ح تى وج ده‪ ،‬فب نى علي ه تركيب ة جميل ة من الرخ ام‪ ،‬وأحاطه ا بس ور من حدي د‪،‬‬
‫وكتب اسم السيد وتاريخ والدته ووفاته‪ ،‬وفي وجه آخر كتابة تركية‪ ،‬يقول المؤرخ‪ ،‬تُرجمت لنا كم ا ي أتي‪« :‬أنش أ ه ذا‬
‫المزار الصديق الحميم للمسلمين في أنحاء العالم الخيِّر األمريكي المستر شارلي كرين س نة ‪ .»1926‬وقفن ا على ق بره‬
‫وقلت‪« :‬هنا رقد محيي النفوس‪ ،‬ومحرر العقل‪ ،‬ومحرك القلوب‪ ،‬وباعث الشعوب‪ ،‬ومزلزل العروش»‪( .‬ص‪.)115‬‬

‫وربما ك ان «األفغ اني» ك ل م ا س بق في اعتق اد الكث يرين‪ ،‬ولكن ه ك ان قب ل ك ل ش يء‪ ،‬وهن ا المش كلة‪ ،‬فيلس وف‬
‫الدكتاتورية الشرقية باسم «المستبد العادل»‪ ،‬وهو حلم راس خ في الثقاف ة العربي ة» لم يس تطع ح تى «الربي ع الع ربي»‬
‫على مدى سنوات بعد ‪ ،2011‬وعلى امتداد العالم العربي أن يغ يره‪ ،‬ف الكثير من المثقفين وعام ة أنص ار الديمقراطي ة‬
‫من الشريحة المتوسطة انحسر جمعهم وتقلص عددهم‪ ،‬ومن بقي منهم التهمه التيار الديني‪.‬‬

‫يقول أحد كبار مفكري الليبرالية العربية في تقييم موقف األفغاني آلبرت ح وراني‪« :‬لم يكن األفغ اني دس توريا ً على‬
‫أساس مبدئي‪ ،‬إذ كان مثله األعلى للحكم مثل العقائديين المسلمين‪ ،‬حكم ملك ع ادل يع ترف بس يادة الش ريعة‪ ،‬ب ل ك ان‬
‫بطبيعته أوتوقراطياً‪ -‬مؤمنا ً بالفرد‪ -‬ولجوجاً»‪.‬‬
‫ويضيف الحوراني أن األفغاني «ص رف حيات ه بكامله ا يفتش عن ح اكم مس لم يمكن ه بواس طته العم ل على إحي اء‬
‫اإلسالم‪ ،‬لكن آماله ك انت تخيب ك ل م رة‪ ،‬إذ ك ان يع ثر دوم اً‪ ،‬إم ا على ح اكم لم يطب ع على الع دل‪ ،‬أو على ح اكم ال‬
‫يعترف بسيادة الشريعة»‪.‬‬

‫ومن جانب آخر لم يكن األفغاني من أتباع المسالمة المعروفة ل دى رج ال ال دين الس نّة‪« ،‬ال ذين ك انوا يقول ون ب أن‬
‫عليهم أن يحتجوا على ظلم الحاكم وأن يرض خوا ل ه في ال وقت نفس ه‪ ،‬ب ل تب نى ب األحرى رأي األقلي ة المؤمن ة بح ق‬
‫الثورة‪ ،‬لذلك كان ينقلب بعنف على حكم حاكم يخيب أمله فيه»‪.‬‬

‫ولم يكن بوسع الحكام حتى أصلحهم أن يحققوا ما رآه األفغاني ضرورياً‪ ،‬وظ ل اس تنتاج األفغ اني أن خالص األم ة‬
‫لن يأتي على يد الحكام الصالحين وحدهم‪ ،‬فاإلصالح الحقيقي لإلس الم ال يمكن أن يتم م ا لم يرج ع العلم اء إلى حقيق ة‬
‫الدين‪ ،‬وما لم تقبلها الجماعة بكاملها وتعيش وفقا ً لها‪ ،‬ولكن ما هي حقيقة اإلسالم؟»‪.‬‬

‫(الفكر العربي في عصر النهضة‪ ،1977 ،‬ص‪.)150-147‬‬

‫يقول د‪ .‬محمد عبدالستار البدري في مق ال بعن وان «األفغ اني ش رارة الحرك ة التنويري ة في الع الم اإلس المي»‪ ،‬إن‬
‫األفغاني «كان بمثابة جسر فكري لنقل عوامل التقدم الى العالم اإلسالمي وتوفيقها مع الهوية والعقي دة اإلس المية ال تي‬
‫يعتبرها األساس»‪ .‬ورغم ذلك‪ ،‬يضيف د‪ .‬الب دري‪« ،‬فاألفغ اني في واق ع األم ر لم يق دم إال رؤى وأفك اراً دون وض ع‬
‫هيكل عملي متكامل لهذا المشروع»‪( .‬الشرق األوسط ‪.)2018 /8 /14‬‬

‫ونعود قليالً إلى د‪ .‬محمد عبدالقادر أحمد الذي يؤكد في كتابه المشار إليه عن أفغانستان‪ ،‬والذي يؤكد فيه نسب جمال‬
‫الدين إلى هذه الدولة وإلى «أسعد آباد»‪ ،‬يؤكد أنه قابل فترة وجوده في تلك المنطقة بعض أقارب جمال ال دين من أهل ه‬
‫وممن يعرف ون أقارب ه‪ ،‬وبه ذا ت زداد قض ية مول د األفغ اني تعقي داً بين إي ران وأفغانس تان‪ ...‬يق ول د‪ .‬أحم د في كتاب ه‬
‫«وجمال الدين أفغاني لحما وصليبة من أسعد آباد عاصمة مديرية كنر من أعمال كابل عاش في العاص مة ف ترة ص باه‬
‫وتنقل بين الهند ومصر والسعودية‪ .‬والفترة الزمنية ال تي تفص لنا عن وف اة جم ال ال دين ليس ت بعي دة‪ ،‬فق د ت وفي ع ام‬
‫‪1897‬م أي مضت على تاريخ وفاته حتى اآلن ست وثمانون سنة‪ .‬وه ذا م ا جعل ني في ال دورة التدريبي ة ال تي عق دت‬
‫للمعلمين األفغان في بيشاور ألح في السؤال عن أقاربه وأبن اء بلدت ه‪ ،‬فوج دت من بينهم أق ارب من العائل ة وأك دوا لي‬
‫جميعا مسألة مولده وجنسيته‪ ،‬وذكروا أن أباه كان يسمى بسيد صفده‪ ،‬وهناك تل ص غير ك ان يوج د علي ه بيت ه‪ ،‬وآث ار‬
‫بيته ال تزال قائمة‪ ،‬ويقال له ذا الت ل «ص فدركت» وكت يق ال للت ل»‪( .‬ص‪ .)324‬ال ي زال مل ف «الس يد جم ال ال دين‬
‫األفغاني» المنتفخ بالكتب والدراسات يستقبل المزيد من المفاجآت‪ .‬وقد كانت إحدى أبرز «الحمالت» علي ه م ا نش رته‬
‫مجلة «التضامن» الصادرة في لندن ابتداء من أبريل ‪ 1983‬في سلسلة مقاالت وصفت بالجريئة ضد األفغاني‪ ،‬للباحث‬
‫الناقد د‪ .‬لويس عوض (‪ )1990-1915‬بعنوان «اإليراني الغامض في مص ر»‪ ،‬حيث ص درت تل ك المق االت في أوج‬
‫الصراع السياسي واإلعالمي العربي‪ -‬اإليراني‪ ،‬وإبان الحرب العراقية اإليرانية وأجوائها‪ .‬وال مجال الس تعراض م ا‬
‫جاء في هذه المقاالت‪ ،‬ولكن د‪ .‬أحمد يقول إن د‪ .‬لويس ع وض ذك ر أن جم ال ال دين األفغ اني‪« ،‬عمي ل لروس يا وأن ه‬
‫زعيم إرهابي‪ ،‬وندد باشتراكه في المحافل الماسونية»‪ ،‬وقد قوبلت آراء د‪ .‬ع وض‪ ،‬يق ول د‪ .‬أحم د‪ « ،‬باس تنكار ش ديد‬
‫على صفحات الجرائد المصرية»‪.‬‬
‫(المسلمون في أفغانستان‪ ،‬ص‪.)324‬‬

‫إن الحديث عن حياة وأفكار األفغاني ال يمكن إيجازه في بضع مقاالت‪ ،‬وقد ال نع رف أب داً بعض الحق ائق األساس ية‬
‫عنه‪ ،‬وثمة «خطوة جريئة» قد تساهم في حسم جانب منها‪ ،‬عن طريق أخذ عينة من جثمان األفغاني بع د فتح ق بره في‬
‫كابل‪ ،‬إلجراء اختبارات الـ‪ DNA‬والحمض الوراثي‪ ،‬ومقارنة النتائج على عين ات من أقارب ه في إي ران وأفغانس تان‪،‬‬
‫وبذلك يحسم الجدل! وقد تصبح مثل هذه الخطوة صعبة للغاية إن هيمنت جماعة طالبان على أفغانستان من جديد‪.‬‬

You might also like