منزلة التوبة أفضل المنازل

You might also like

Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 13

‫‪ 1‬من ‪13‬‬

‫منزلة التوبة أفضل املنازل‬ ‫عنوان اخلطبة‬


‫‪/1‬أفضل االفتقار طلب العفو واملغفرة ‪/2‬أمثلة من‬ ‫عناصر اخلطبة‬
‫حياة األنبياء لطلب العفو واملغفرة والتوبة ‪/3‬منزلة‬
‫التوبة أول املنازل وأوسطها وآخرها ‪/4‬الذل‬
‫واالنكسار روح العبادة‬
‫بندر بليلة‬ ‫الشيخ‬
‫عدد الصفحات ‪13‬‬
‫الخطبة األولى‪:‬‬

‫احلمد هلل‪ ،‬احلمد هلل رفيع ال درجات‪ ،‬ب ديع األرض والس موات‪ ،‬أمحده‬
‫ويبدل سيئاهتم حسنات‪ ،‬وأشهد َّألا إله إال اهلل‬
‫‪-‬سبحانه‪ ،-‬حيب التوَّابني ِّ‬
‫شريك له‪ ،‬غافر الذنب وقابل التوب‪ ،‬مُِقيل العثرات‪ ،‬وأشهد‬ ‫َ‬ ‫وحدَه ال‬
‫نيب املكرم ات‪ ،‬املبع وث بأش رف‬ ‫عبده ورس ولُه‪ُّ ،‬‬‫أن نبينا حمم دا ُ‬
‫تسليما دائما إىل يوم‬‫ً‬ ‫وسلم‬
‫الرساالت‪ ،‬صلى اهلل عليه وعلى آله وصحبه‪َّ ،‬‬
‫الدين‪.‬‬
‫‪ 2‬من ‪13‬‬

‫أما بعد‪ :‬فاتقوا اهلل ‪-‬عباد اهلل‪َّ -‬‬


‫حق التقوى‪ ،‬وراقِبوه يف السر والنجوى‪،‬‬
‫تغرنكم احلياةُ الدنيا‪ ،‬فإهنا دار فرار ال دار قرار‪ ،‬ومطية عمل ال مطية‬
‫وال َّ‬
‫ورحبه الفوزُ يوم تقوم الساعة‪.‬‬
‫ومتجر بضاعتُه الطاعة‪ُ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫كسل‪،‬‬
‫َ‬

‫أيها المس لمون‪ :‬إن من احلق ائق الك ربى اليت ال حتجبها األه واءُ‪ ،‬وال‬
‫وجنَّه‪ ،‬ومجيع خلقه‬‫اآلراء أن ه ذا الع الَم علويه وس فليه‪ِ ،‬إنْس َه ِ‬
‫تُغريها ُ‬
‫أبلغ االض طرار‪ ،‬ال غىن له عنه‬‫مفتَقِ ر إىل اهلل غايةَ االفتق ار‪ ،‬مض طر إليه َ‬
‫طرفة عني‪ ،‬وال قي امَ له من دون ه‪ ،‬وال حي اةَ له أصال‪ ،‬فإنه ‪-‬تع اىل‪ -‬احلي‬
‫َ‬
‫القيوم الذي يقوم على خلقه مبا يُصلحهم‪ ،‬فال صالح هلم من دونه أبدا‪،‬‬
‫غريَ أن ه ذا االفتق ار وإن تع ددت أنواع ه‪ ،‬واختلفت أحواله ف إن هن اك‬
‫نوعا هو أش رفها وأكرمها وأعالها وأغاله ا‪ ،‬وهو ن وع يتس امى عن‬
‫زخ رف احلي اة ومل ذاهتا؛ إنه االفتق ار إىل اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬أن يغفر ال ذنوب‪،‬‬
‫ويسرت العيوب‪ ،‬ويطهر القلوب‪ ،‬ويأذن بالتوبة‪ ،‬ويفتح هلا املغاليق‪.‬‬

‫جريهم‪ ،‬ال ذي‬‫وقد ك ان الس عي إىل ه ذا املطلب هو دأب املرس لني وهِ ِّ‬
‫أقضَّ منهم املضاجع وأقامهم بني يدي رهبم‪ ،‬ال يفتؤون يسألونه ‪-‬تعاىل‪-‬‬
‫املغفرة والرمحة‪ ،‬بقلوب ملتهبة‪ ،‬وأنفُس مبتَِهلة‪ ،‬وأعني خاشعة‪ ،‬فهذا آدم‬
‫‪ 3‬من ‪13‬‬

‫‪-‬عليه السالم‪ -‬وقد قرع سن الندم مبا ذلت القَ َدم‪ ،‬يناجي ربه (قَ ااَل َربَّنَا‬
‫اس ِرين)[اأْل َع ر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اف‪:‬‬ ‫ظَلَ ْمنَا أَْن ُف َس نَا َوإ ْن مَلْ َت ْغف ْر لَنَا َوَت ْرمَح ْنَا لَنَ ُك ونَ َّن م َن اخْلَ َ ْ َ‬
‫شفقة األبوة إىل الرج اء يف‬ ‫‪ ،]23‬وه ذا نوح ‪-‬عليه الس الم‪ -‬وقد دعته ُ‬
‫جناة ابنه ال ذي كتب اهلل ‪-‬عز وج ل‪ -‬هالك ه‪ ،‬فعاتبه ربه ‪-‬س بحانه‪-‬‬
‫صالِ ٍح فَاَل تَ ْسأَلْيِن َما‬‫ك إِنَّهُ َع َم ٌل َغْي ُر َ‬
‫ِ‬
‫س ِم ْن أ َْهل َ‬ ‫ال يا نُ ِ‬
‫وح إنَّهُ لَْي َ‬
‫بقوله‪( :‬قَ َ َ ُ‬
‫اهلِني)[ه ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فسلم‬‫ود‪َّ ،]46 :‬‬ ‫ك أَ ْن تَ ُك و َن م َن اجْلَ َ ُ‬ ‫ك بِ ِه ِع ْل ٌم إِيِّن أ َِعظُ َ‬
‫س لَ َ‬ ‫لَْي َ‬
‫ك أَ ْن‬ ‫ب إِيِّن أَعُ وذُ بِ َ‬ ‫ال َر ِّ‬‫ألم ر ربه ‪-‬تب ارك وتع اىل‪ -‬مس تغفًِرا تائبً ا‪( ،‬قَ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ ِ ِ‬
‫ين)‬ ‫س يِل ب ه ع ْل ٌم َوإاَّل َت ْغف ْر يِل َوَت ْرمَح ْيِن أَ ُك ْن م َن اخْلَاس ِر َ‬ ‫ك َما لَْي َ‬ ‫َس أَلَ َ‬‫أْ‬
‫ود‪ ،]47 :‬وملا َعِلَم عليه السالم شرفَ هذا املطلب وأنه رأس املطالب‬ ‫[ه ٍ‬
‫ُ‬
‫ب‬ ‫(ر ِّ‬‫مل خيتص نفسَه ب ه‪ ،‬بل أش رك معه كل م ؤمن ومؤمن ة‪ ،‬ف دعا رب ه‪َ :‬‬
‫ات َواَل تَ ِز ِد‬‫ي ولِمن دخ ل بييِت م ْؤ ِمنًا ولِْلم ْؤ ِمنِني والْم ْؤ ِمنَ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ا ْغف ْر يِل َول َوال َد َّ َ َ ْ َ َ َ َْ َ ُ َ ُ َ َ ُ‬
‫ني إِاَّل َتبَ ًارا)[نُ ٍ‬ ‫ِِ‬
‫وح‪.]28 :‬‬ ‫الظَّالم َ‬
‫وه ذا خليل ال رمحن‪ ،‬األَُّمة الق انت‪ ،‬احلليم األوَّاه املنيب‪ ،‬إب راهيم ‪-‬عليه‬
‫حظا من دعائه راجيا‬ ‫الص الة والس الم‪ ،-‬يلهج هبذا املطلب وجيعل له ًّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ي ولِْلم ْؤ ِمنِني ي وم ي ُق ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يم‪:‬‬
‫اب)[إ ْب َراه َ‬ ‫(ربَّنَا ا ْغف ْر يِل َول َوال َد َّ َ ُ َ َ ْ َ َ ُ‬
‫وم احْل َس ُ‬ ‫خائفا‪َ ،‬‬
‫‪ 4‬من ‪13‬‬

‫آخ ًذا بُِلبِّه وهو ي دعو قومَ ه إىل‬ ‫‪ ،]41‬وما ي زال ه ذا اهلم مس توليًا عليه ِ‬
‫ال أََف َرأ َْيتُ ْم َما ُكْنتُ ْم َت ْعبُ ُدو َن * أَْنتُ ْم‬‫مَِّلتِ ه‪ ،‬ويعرفهم ربه بصفته‪ ،‬فيقول‪( :‬قَ َ‬
‫ني * الَّ ِذي َخلَ َقيِن َف ُه َو‬ ‫وآبا ُؤ ُكم اأْل َقْ َدمو َن * فَِإنَّهم ع ُد ٌّو يِل إِاَّل ر َّ ِ‬
‫ب الْ َعالَم َ‬ ‫َ‬ ‫ُْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ََ ُ‬
‫ني *‬ ‫ت َف ُه و يَ ْش ِف ِ‬ ‫ني * َوإِ َذا َم ِر ْ‬ ‫َي ْه ِدي ِن * والَّ ِذي ُه و يُطْعِميِن ويَس ِق ِ‬
‫ض ُ َ‬ ‫َ ُ َ ْ‬ ‫َ‬
‫ني * َوالَّ ِذي أَطْ َم ُع أَ ْن َي ْغ ِف َر يِل َخ ِط يئَيِت َي ْو َم ال دِّي ِن *‬ ‫والَّ ِذي مُيِيتُيِن مُثَّ حُيْيِ ِ‬
‫َ‬
‫اج َع ل يِل لِس ا َن ِص ْد ٍق يِف‬ ‫ب هب يِل حكْما وأَحْلِْقيِن بِ َّ حِلِ‬
‫َ‬ ‫ني * َو ْ ْ‬ ‫الص ا َ‬ ‫َر ِّ َ ْ ُ ً َ‬
‫اج َع ْليِن ِم ْن َو َرثَ ِة َجن َِّة النَّعِي ِم * َوا ْغ ِف ْر أِل َيِب إِنَّهُ َك ا َن ِم َن‬ ‫ين * َو ْ‬ ‫اآْل خ ِر َ‬
‫ِ‬
‫ال َواَل َبنُو َن * إِاَّل َم ْن‬ ‫ني * َواَل خُتْ ِزيِن َي ْو َم يُْب َعثُو َن * َي ْو َم اَل َيْن َف ُع َم ٌ‬ ‫الضَّالِّ َ‬
‫ُّعَر ِاء‪.]75 :‬‬ ‫أَتَى اللَّه بَِق ْل ٍ ِ‬
‫ب َسلي ٍم)[الش َ‬ ‫َ‬
‫برح ب النيب الك رمي عيسى ‪-‬عليه الس الم‪ -‬يف ش أن قومه‬ ‫وه ذا اهلم أيضا َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اد َك َوإِ ْن َت ْغف ْر هَلُ ْم فَِإن َ‬
‫َّك‬ ‫فق ال ُمعَِّرضًا برمحة اهلل‪( :‬إِ ْن ُت َع ِّذ ْب ُه ْم فَ ِإن َُّه ْم عبَ ُ‬
‫يم)[الْ َمائِ َد ِة‪ ،]118 :‬وذلكم الك رمي موسى ‪-‬عليه‬ ‫ِ‬ ‫أَنْ َ ِ‬
‫ت الْ َعزي ُز احْلَك ُ‬
‫رج ع إىل قومه غض بان أسفًا مَِن اختاذهم العجل إهلا أدركه‬ ‫الس الم‪ -‬لََّما َ‬
‫ب ا ْغ ِف ر يِل وأِل ِ‬
‫َخي َوأ َْد ِخ ْلنَا‬ ‫ج َل إىل ربه داعيً ا منيبً ا‪( :‬قَ َال َر ِّ ْ َ‬ ‫اهلم َوعَ ِ‬
‫هذا ُّ‬
‫اف‪ ،]151 :‬ولََّما أراد عليه‬ ‫يِف رمْح تِ ك وأَنْت أَرحم ال َّرامِحِ ني)[اأْل َع ر ِ‬
‫َ ْ َ‬ ‫َ َ َ َ َ ْ َُ‬
‫‪ 5‬من ‪13‬‬

‫السالم إغاثةَ رجل من شيعته استغاثه على رجل من عدوه وكزه فقضى‬
‫ت َن ْف ِس ي‬ ‫ب إِيِّن ظَلَ ْم ُ‬ ‫تذكر وأناب‪ ،‬وأقبَ ل إىل ربه مُ ِق ًّرا‪( :‬قَ َال َر ِّ‬ ‫عليه‪ ،‬مث َّ‬
‫ص‪ ،]16 :‬وذلك نيب اهلل‬ ‫ص ِ‬ ‫فَا ْغ ِفر يِل َفغَ َفر لَه إِنَّه ه و الْغَ ُف ور َّ ِ‬
‫يم)[الْ َق َ‬ ‫الرح ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ ُ َُ‬ ‫ْ‬
‫اهلل له ُمْل َك ه‪ ،‬وآت اه احلكمة‬ ‫شد ُ‬ ‫داود ‪-‬عليه الس الم‪ -‬ذو األي دي ال ذي َّ‬
‫ذهب عن احلق يف قضاء قضاه بني خصمني‬ ‫وفصل اخلطاب َلَّما رأى أنه َ‬
‫اس َت ْغ َفَر َربَّهُ َو َخ َّر َراكِ ًعا‬
‫(وظَ َّن َد ُاو ُد أَمَّنَا َفَتنَّاهُ فَ ْ‬
‫ه رع إىل ربه مس تغفرا‪َ :‬‬
‫ك وإِ َّن لَهُ ِعْن َدنَا لَزلْ َفى وحس ن م ٍ‬ ‫ِ‬
‫آب)[ص‪-24 :‬‬ ‫ُ َََُْ‬ ‫َوأَنَ َ‬
‫اب * َفغَ َف ْرنَا لَهُ َذل َ َ‬
‫‪.]25‬‬

‫واآلخ رين‪ ،‬ورمحة اهلل للع الَمني‪ ،‬حممد بن عبد اهلل‪ ،‬عليه‬
‫ِ‬ ‫أما س يد األولني‬
‫صلوات اهلل ما ذكره الذاكرون‪ ،‬وغفل عن ذكره الغافلون فكان أرغب‬
‫رهب ا من غض به وعقابه‬
‫الن اس إىل رب ه‪ ،‬وأخ وفهم من مقام ه‪ ،‬وأش دهم ً‬
‫وأليم عذاب ه‪ ،‬وقد أهلمه ‪-‬س بحانه‪ -‬االس تغفارَ والتوبةَ إلي ه‪ ،‬فك ان ذلك‬
‫جيري منه جمرى النََّفس؛ فعن أيب هري رة ‪-‬رضي اهلل عن ه‪ -‬ق ال‪" :‬مسعتُ‬
‫رسولَ اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يقول‪ :‬واهلل إين ألستغفر اهلل وأتوب‬
‫إليه يف اليوم أكثر من سبعني مرة"(أخرجه البخاري)‪.‬‬
‫‪ 6‬من ‪13‬‬

‫وك ان ه ذا ش أنه يف ليله وهناره‪ ،‬فعن عائشة ‪-‬رضي اهلل عنه ا‪ -‬ق الت‪:‬‬
‫فوَقَعتْ‬
‫النيب ‪-‬ص لى اهلل عليه وس لم‪ -‬ليلة من الفِ َراش‪ ،‬فالتمستُه َ‬
‫"فق دتُ َّ‬
‫ي دي على بطن قدميه وهو يف املس جد ومها منص وبتان وهو يق ول‪ :‬اللهم‬
‫ك‪ ،‬وأعوذ بكَ منك‬ ‫ك من عقوبتِ َ‬ ‫برضاك من سخطك‪ ،‬ومبعافاتِ َ‬
‫َ‬ ‫إين أعوذ‬
‫عليك‪ ،‬أنتَ كما أثنيتَ على نفسك"(أخرجه مسلم)‪.‬‬ ‫ال أُحصي ثناءً َ‬

‫آخ ر ِمْن تعبُِّده وتقرُِّب ه ق الت‪:‬‬


‫وحكَت أُُّم املؤم نني أيضا مش هدا ب ديعا َ‬
‫َ‬
‫ذهب إىل‬
‫النيب ‪-‬ص لى اهلل عليه وس لم‪ -‬ذات ليل ة‪ ،‬فظننتُ أنه َ‬ ‫"افتق دتُ َّ‬
‫بعض نس ائه فتحسستُ مث رجعتُ‪ ،‬ف إذا هو راكع أو س اجد يق ول‪:‬‬
‫فقلت‪ :‬ب أيب أنتَ وأمي‪ ،‬إين لفي‬ ‫إله إال أنتَ‪ُ ،‬‬
‫س بحانكَ وحبم دكَ ال َ‬
‫آخر"(أخرجه مسلم)‪.‬‬ ‫شأن‪ ،‬وإنك لفي َ‬

‫شِّرقٍ َوُمغَِّر ِ‬
‫ب‬ ‫ان بَْيَن مُ َ‬
‫ت ُمغَِّربًا *** َشتَّ َ‬
‫صْر ُ‬
‫شِّرَقًة َو ِ‬
‫صارَتْ مُ َ‬
‫َ‬

‫ازمً ا ألولئك املرس َلني حىت‬ ‫الذْنب وعاقبته ُمَل ِ‬ ‫وما ي زال ه ذا اخلوف من َّ‬
‫األولني واآلخِ رينَ على ص عيد‬ ‫َ‬ ‫يص حبهم يف املوقف األكرب ي وم جيمع ُ‬
‫اهلل‬
‫َّاس ِم َن الْغَ ِّم َوالْ َك ْر ِب َما اَل يُ ِطي ُق و َن َو َما اَل حَيْتَ ِملُ و َن‪،‬‬
‫واح د‪َ ،‬فتَْبلُ ُغ الن ُ‬
‫‪ 7‬من ‪13‬‬

‫ض‪ :‬أَاَل َت َر ْو َن َما قَ ْد َبلَغَ ُك ْم‪ ،‬أَاَل َتْنظُ ُرو َن َم ْن‬ ‫َّاس لَِب ْع ٍ‬
‫ض الن ِ‬ ‫ول َب ْع ُ‬‫َفَي ُق ُ‬
‫آد ُم‪َ ،‬فيَ أْتُو َن‬
‫ض‪ :‬أَبُ و ُك ْم َ‬‫َّاس لَِب ْع ٍ‬
‫ض الن ِ‬ ‫ول َب ْع ُ‬ ‫يَ ْش َف ُع لَ ُك ْم إِىَل َربِّ ُك ْم؟ َفَي ُق ُ‬
‫يك ِم ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ك اللَّهُ بِيَ ده‪َ ،‬و َن َف َخ ف َ‬ ‫ت أَبُو الْبَ َش ِر‪َ ،‬خلَ َق َ‬‫آد ُم‪ ،‬أَنْ َ‬
‫آد َم‪َ ،‬فَي ُقولُو َن‪ :‬يَا َ‬ ‫َ‬
‫ك‪ ،‬أَاَل َت َرى َما حَنْ ُن‬ ‫اش َف ْع لَنَا إِىَل َربِّ َ‬
‫ك‪ْ ،‬‬ ‫وح ِه‪َ ،‬وأ ََمَر الْ َماَل ئِ َكةَ فَ َس َج ُدوا لَ َ‬
‫ر ِ‬
‫ُ‬
‫ض بًا‬ ‫ِ‬ ‫ول َ ِ‬
‫آد ُم‪ :‬إ َّن َريِّب قَ ْد َغض َ‬
‫ب الَْي ْو َم َغ َ‬ ‫فِ ِيه‪ ،‬أَاَل َتَرى إِىَل َما قَ ْد َبلَغَنَا؟ َفَي ُق ُ‬
‫ب َب ْع َدهُ ِم ْثلَ هُ‪َ ،‬وإِنَّهُ َك ا َن َن َه ايِن َع ِن‬
‫ض َ‬
‫ِ‬
‫ب َقْبلَ هُ م ْثلَ هُ‪َ ،‬ولَ ْن َي ْغ َ‬ ‫ض ْ‬ ‫مَلْ َي ْغ َ‬
‫وح‪.‬‬‫ص ْيتُهُ‪ ،‬نَ ْف ِس ي نَ ْف ِس ي‪ ،‬ا ْذ َهبُ وا إِىَل َغرْيِ ي‪ ،‬ا ْذ َهبُ وا إِىَل نُ ٍ‬ ‫الش َجَر ِة‪َ ،‬ف َع َ‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يس ى‪ .‬فكلهم يقول كما‬ ‫وس ى‪ ،‬مُثَّ ع َ‬ ‫يم‪ ،‬مُثَّ ُم َ‬‫وحا‪ ،‬مُثَّ يَأْتُو َن إ ْب َراه َ‬‫َفيَأْتُو َن نُ ً‬
‫ق ال آدم ‪-‬عليه الس الم‪ ،-‬حىت ي أتوا إىل حممد ‪-‬ص لى اهلل عليه وس لم‪-‬‬
‫فيش فع هلم‪ ...‬احلديثَ‪(.‬أخرجه الش يخان‪ ،‬من ح ديث أيب هري رة رضي‬
‫اهلل عنه)‪.‬‬

‫اهلل لوحيه‪ ،‬واجتباهم لرسالته‪ ،‬هم أشد الناس‬ ‫فهذه أحوال مَِن اصطفاهم ُ‬
‫له خشيةً ورهبةً‪ ،‬وأرغب الناس يف مغفرته ورمحته‪ ،‬وأسرعهم إىل اإلنابة‬
‫والتوبة إليه‪ ،‬وبقدر معرفة العبد لربه يكون خوفه منه‪ ،‬وتعظيمه له‪( ،‬إِمَّنَا‬
‫خَي ْ َشى اللَّه ِمن ِعب ِاد ِه الْعلَماء)[فَ ِ‬
‫اط ٍر‪ ،]28 :‬نفعين اهلل وإياكم مبا أنزله من‬ ‫َ ْ َ َُُ‬
‫‪ 8‬من ‪13‬‬

‫البين ات واهلدى‪ ،‬وب ارك لنا يف سُنَّة خري ال ورى‪ ،‬وأس تغفر اهلل العظيم يل‬
‫الح املستغفرينَ‪.‬‬
‫ولكم من كل ذنب فاستغفُِروه‪ ،‬فيا َف َ‬
‫‪ 9‬من ‪13‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫احلمد هلل‪ ،‬احلمد هلل ال ذي جعل التوبة من خري من ازل الس ائرين‪ ،‬أمحده‬
‫‪-‬س بحانه‪ ،-‬حيب الت وابني وحيب املتطه رين‪ ،‬وأص لي وأس لم على إم ام‬
‫املتقني‪ ،‬وخامت املرسلني‪ ،‬ورمحة اهلل للعاملني‪ ،‬وعلى آله وصحبه أمجعني‪.‬‬

‫أما بعد أيها المس لمون‪ :‬فال غ روَ أن ك انت تلك هي ح ال األنبي اء‬
‫واملرس لني ‪-‬عليهم الس الم‪ -‬يف ت وبتهم إىل اهلل ‪-‬عز وج ل‪ ،-‬ف إن منزلة‬
‫التوبة هي أول املن ازل وأوس طها وآخره ا‪ ،‬فال يفارقها العبد الس الك إىل‬
‫اهلل‪ ،‬وال ي زال فيها إىل املم ات‪ ،‬فالتوبة هي بداية العبد وهنايت ه‪ ،‬وحاجته‬
‫إليها ض رورية يف النهاي ة؛ كحاجته إليها يف البداي ة‪ ،‬وإمنا ك انت التوبة‬
‫ب العبودي ات إىل اهلل ‪-‬تع اىل‪-‬‬ ‫هبذه املنزل ة؛ ألن عبودية التوبة مِْن َأَح ِّ‬
‫وأكرمها علي ه؛ فإنه ‪-‬س بحانه‪ -‬حيب الت وابني‪ ،‬ولو مل تكن التوبة أحب‬
‫أكرم اخللق عليه‪ ،‬وهلذا يفرح سبحانه بتوبة‬ ‫األشياء إليه َلَما ابتلى بالذنب َ‬
‫النيب ‪-‬ص لى اهلل عليه وس لم‪ -‬بف رح‬‫عب ده أعظم ف رح يُ َق َّدر‪ ،‬كما َّمثَل ه ُّ‬
‫الواجد لراحلته اليت عليها طعامه وشرابه يف األرض الدوية املهلكة‪ ،‬بعدما‬
‫فقَ َدها وأيس من أس باب احلي اة‪ ،‬ومل جيئ ه ذا الف رحُ يف ش يء من‬
‫‪ 10‬من ‪13‬‬

‫الطاع ات س وى التوب ة‪ ،‬ومعل وم أن هلذا الف رح ت أثريا عظيما يف ح ال‬


‫التائب وقلبه‪ ،‬وهو من أسرار تقدير اهلل الذنوب على العباد‪ ،‬فالعبد ينال‬
‫درجة احملبوبي ة‪ ،‬فيصري حبيً ا هلل؛ ف إن اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬حيب الت وابني‪،‬‬
‫بالتوبة َ‬
‫وحيب العبد املفتَّن التوَّاب؛ ِل َم ا يف عبوديته من ال ذل واالنكس ار‬
‫واخلضوع والتملق هلل والتذلل له‪.‬‬

‫ولبُّه ا‪ ،‬واهلل ‪-‬س بحانه‪ -‬أق رب ما‬


‫وال ذل واالنكس ار روح العب ادة وخمها ُ‬
‫يك ون إىل عب ده عند ذله وانكس ار قلب ه‪ ،‬والقصد أن مشعة اخلري والفضل‬
‫والعطاي ا‪ ،‬إمنا ت نزل يف مشعدان االنكس ار‪ ،‬وللعاصي الت ائب من ذلك‬
‫نصيب وافر‪.‬‬

‫اللهم إنا نس ألك بعِ ِّزَك وذُِّلن ا‪ ،‬اللهم إنا نس ألك بع زك وذلنا لك إال‬
‫إليك‪ ،‬ه ذه نواص ينا‬
‫رمحتن ا‪ ،‬نس ألك بقوتك وضَْعفنا وبغن اك عنا وفقرنا َ‬
‫الكاذبة اخلاطئة بني يديك‪ ،‬عبيدك سوانا كثري‪ ،‬وليس لنا رب سواك‪ ،‬ال‬
‫ملجأ وال منجى منك إال إليكَ‪ ،‬نس ألك مس ألة املس اكني‪ ،‬ونبتهل إليك‬
‫ابته ال اخلاضع ال ذليل‪ ،‬ون دعوك دع اء اخلائف الض رير‪ ،‬س ؤال َمْن‬
‫رقبت ه‪َ ،‬وَرغَِم لك أنفُ ه‪ ،‬وفاضت لك عيناه‪ ،‬وذلَّ لك قلبه‪،‬‬
‫خضعت لك ُ‬
‫‪ 11‬من ‪13‬‬

‫عظم ا‬
‫الناس ً‬
‫يا من نلوذ به فيما نؤمله‪ ،‬ومن نعوذ به فيما حناذره‪ ،‬ال جيرب ُ‬
‫عظما أنت جابُِره‪.‬‬
‫أنت كاسره‪ ،‬وال يهيضون ً‬

‫مث ص لوا وس لموا ‪-‬رمحكم اهلل‪ -‬على نبينا حممد س يد ولد ع دنان‪ ،‬كما‬
‫ِ‬
‫أمركم بذلك ربكم فقال يف حمكم البيان‪( :‬إِ َّن اللَّهَ َو َماَل ئ َكتَهُ يُ َ‬
‫ص لُّو َن َعلَى‬
‫َح ز ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫اب‪،]56 :‬‬ ‫يما)[اأْل ْ َ‬ ‫ص لُّوا َعلَْي ه َو َس لِّ ُموا تَ ْس ل ً‬ ‫النَّيِب ِّ يَا أَيُّ َها الذ َ‬
‫ين َآمنُ وا َ‬
‫اللهم صل وسلم وبارك وأنعم على سيدنا ونبينا حممد‪ ،‬وارض اللهم عن‬
‫صحابته الكرام‪ ،‬وإخوانه وأزواجه وذريته‪ ،‬وعنا معهم بفضلك ورمحتك‬
‫يا أرحم الرامحني‪.‬‬

‫اللهم أعز اإلسالم وانصر املس لمني‪ ،‬اللهم أعز اإلسالم وانصر املس لمني‪،‬‬
‫وأذل الش رك واملش ركني‪ ،‬ودمر أع داء ال دين‪ ،‬واجعل ه ذا البلد آمنا‬
‫مطمئنا وسائر بالد املسلمني‪.‬‬

‫عمنَ ا‪ ،‬وبلطفك ُحَّفنَ ا‪ ،‬وعلى اإلس الم والس نة واجلماعة‬


‫اللهم بفض لك َّ‬
‫مجعً ا َتَوَّفن ا‪ ،‬توفنا مس لمني‪ ،‬وأحلقنا بالص احلني غري خزايا وال مفت ونني‪،‬‬
‫اللهم ما س ألناك من خري فأعطن ا‪ ،‬وما مل نس ألك فابت دئنا‪ ،‬وما قصََّرت‬
‫‪ 12‬من ‪13‬‬

‫عنه آمالنا وأعمالنا من خ ريي ال دنيا واآلخ رة فبلغن اه‪ ،‬اللهم إنا نس ألك‬
‫اهلدى والتقى والعفاف والغىن‪.‬‬

‫اللهم آمَِّنا يف أوطانن ا‪ ،‬وأص لح أئمتنا ووالة أمورن ا‪ ،‬وأيِّد ب احلق والتوفيق‬
‫إمامنا وويل أمرن ا‪ ،‬اللهم وفقه وويل عه ده ملا فيه ص الح البالد‬
‫والتس ديد َ‬
‫والعباد‪ ،‬وملا فيه نصر اإلسالم وعز للمسلمني‪ ،‬يا رب العاملني‪.‬‬

‫اللهم انصر جنودنا املرابطني على ح دود بالدن ا‪ ،‬اللهم انصر جنودنا‬
‫املرابطني على ح دود بالدن ا‪ ،‬يا رب الع املني‪ ،‬اللهم ه ذه ذنوبنا نعرض ها‬
‫على عف وك‪ ،‬وس يئاتنا نعرض ها على إحس انك اللهم ُج ْد علينا ب العفو‬
‫واملغفرة والصفح‪ ،‬إنك أنت الرب الرحيم‪ ،‬اللهم اغفر لنا ذنوبنا‪ ،‬وإسرافنا‬
‫يف أمرنا وثبت أق دامنا وانص رنا على الق وم الك افرين‪ ،‬اللهم ما نس يناه‬
‫ك اللهم عُ ْد عليه ب العفو واملغف رة يا رب الع املني‪ ،‬اللهم‬
‫وأحص اه كتابُ َ‬
‫اغفر لنا ولوالدينا وملن له حق علينا‪ ،‬وملن أوصانا بدعاء اخلري‪ ،‬عَُّم اجلميع‬
‫بالرمحة والرض وان وعامِْلنا وإي اهم ب اللطف واإلحس ان‪ ،‬واجعل عاقبة‬
‫أمرنا يا موالنا عندك العفو والصفح والغفران‪ ،‬والعتق من النريان‪.‬‬
‫‪ 13‬من ‪13‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك ر ِّ ِ‬
‫ب الْع َّز ِة َع َّما يَص ُفو َن * َو َس اَل ٌم َعلَى الْ ُم ْر َس ل َ‬
‫ني)‬ ‫(س ْب َحا َن َربِّ َ َ‬
‫ُ‬
‫آخر د ْعوانَا أ َِن احْل م ُد لِلَّ ِه ر ِّ ِ‬‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ني‪.‬‬
‫ب الْ َعالَم َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫[الصافَّات‪َ ،]180 :‬و ُ َ َ‬

You might also like