Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 108

‫أساطير األولين‬

‫اجلنس األدبي الضائع في‬


‫السرد العربي القدمي‬
‫رقم اإليداع لدى دائرة‬
‫املكتبة الوطنية‬
‫‪2011/7/2671‬‬

‫‪ 810‬‬
‫عبيد اهلل‪ ،‬حممد حسني‬
‫ ‬
‫أساطري األولني‪ :‬اجلنس األديب الضائع يف الرسد العريب القديم‬
‫حممد حسني عبيد اهلل‪ -.‬عامن ‪ :‬املؤلف‪.2011 ،‬‬
‫( ‪ )108‬ص‬
‫ر‪.‬أ‪2011/7/2671 .‬‬
‫الواصفات ‪/ :‬األدب العريب‪//‬العرص القديم‪/‬‬
‫يعب هذا املصنف‬
‫* يتحمل املؤلف كامل املسؤولية القانونية عن حمتوى مصنفه وال رّ‬
‫عن رأي دائرة املكتبة الوطنية أو أي جهة حكومية أخرى‬

‫أساطري األولني‪ :‬اجلنس األديب الضائع يف الرسد العريب القديم‬


‫د‪ .‬حممد عبيد اهلل (كاتب من األردن)‬

‫الطبعة األوىل ‪2013 :‬‬


‫مجيع احلقوق حمفوظة بموجب اتفاق ©‬
‫ ‬ ‫ ‬
‫مجيع احلقوق حمفوظة ‪ ،‬ال يسمح بإعادة إصدار هذا الكتاب أو ختزينه يف نطاق استعادة‬
‫خطي مسبق من النارش ‪.‬‬ ‫املعلومات أو نقله بأي شكل من األشكال دون إذن ّ‬
‫د‪ .‬محمد عبيد اهلل‬

‫أساطير األولين‬
‫اجلنس األدبي الضائع في‬
‫السرد العربي القدمي‬

‫‪2013‬‬
‫املحتوى‬

‫‪7‬‬ ‫‪................................................................................................‬‬ ‫ـ مقدمة‬


‫‪9‬‬ ‫ـ مدخل ‪.................................................................................................‬‬

‫‪13‬‬ ‫ال ـ أساطري األولني‪ :‬املصطلح والداللة ‪.................................‬‬ ‫أو ً‬


‫‪13‬‬ ‫‪ .1‬اإلشارات القرآنية ‪............................................................‬‬

‫‪19‬‬ ‫‪ .2‬املعاجم العربية ‪..................................................................‬‬

‫‪28‬‬ ‫‪ .3‬الدالالت السياقية ‪...........................................................‬‬

‫‪39‬‬ ‫ثاني ًا ـ النرض بن احلارث وأساطري األولني ‪...............................‬‬

‫‪49‬‬ ‫ثالث ًا ـ الرسد يف إطار التحدّ ي ‪.......................................................‬‬

‫‪55‬‬ ‫رابع ًا ـ إسفنديار ورستم‪ :‬استطراد توضيحي ‪............................‬‬

‫‪63‬‬ ‫خامس ًا ـ النرض وأسئلته الرسدية ‪....................................................‬‬

‫‪71‬‬ ‫سادس ًا ـ الرسد واألداء الدرامي ‪......................................................‬‬

‫‪81‬‬ ‫سابع ًا ـ مصري النرض ‪ ...‬مصري الرسد ‪...........................................‬‬

‫‪87‬‬ ‫ـ خامتة ‪...................................................................................................‬‬

‫‪89‬‬ ‫ـ اهلوامش ‪............................................................................................‬‬

‫‪99‬‬ ‫ـ املصادر واملراجع ‪............................................................................‬‬

‫‪5‬‬
‫مقدمة‬

‫يتناول هذا البحث حماولة التعريف جبنس أدبي عرفه العرب‬


‫فـي عصر ما قبل اإلسالم‪ ،‬باسم (أساطري األولني)‪ ،‬وقد برز فـيه‬
‫قاص عربي يدعى‪ :‬النضر بن احلارث‪ .‬وقد جاء ذكر (أساطري‬
‫األولني) مرات متعددة فـي القرآن الكريم ‪ ،‬فـي سياق حماججة‬
‫القرشيني والرد على اهتاماهتم‪ ،‬وبوجه خاص الرد على النضر بن‬
‫احلارث‪ ،‬القاص الذي ادّعى أن ما مسعه من القرآن الكريم ينتمي‬
‫إىل هذا اجلنس السردي‪.‬‬
‫ويسعى البحث ــ فـي غياب نصوص ممثلة هلذا اجلنس ــ إىل‬
‫إعادة بنائه وإيضاح صورته‪ ،‬والكشف عن دور رائده النضر بن‬
‫احلارث فـي تأسيس خطوات مبكرة فـي السرد العربي قبل اإلسالم‪.‬‬
‫ويقدّم البحث حتديداً للمصطلح وألبعاد الداللة من خالل ثالث‬
‫رؤى‪ :‬اإلشارات القرآنية‪ ،‬والداللة املعجمية‪ ،‬والسياقات العربية‬
‫(خارج القرآن واملعاجم)‪.‬‬
‫ويقدّم البحث صورة مقرّبة للقاص ولقصصه‪ ،‬وطبيعة مرويّاته‪،‬‬

‫‪7‬‬
‫وصلتها بالقصص البطويل الفارسي‪ ،‬مما فـيه ذكر ألبطال‬
‫أسطوريني ‪ ،‬كما يوضح البحث حضور السرد فـي إطار قضية‬
‫التحدي‪.‬‬
‫ويتابع البحث األسئلة السردية اليت وجهها النضر للنيب‬
‫الكريم‪ ،‬وجاء الرد عليها فـي سورة الكهف (قصة أهل الكهف‪،‬‬
‫قصة ذي القرنني) ويقدّم حتليالً وظائفـياً للخرب الذي سرد قصة‬
‫النضر وأسئلته‪ ،‬مما يكشف عن مروية أخرى فـي سياق أخبار‬
‫النضر وسرديّاته‪.‬‬
‫وجيتهد البحث فـي ربط املوهبة املوسيقية والغنائية للنضر‬
‫بتجربته السردية‪ ،‬كما يتساءل عن الطريقة اليت كان يقدم فـيها‬
‫مروياته وقصصه الشفوية‪.‬‬
‫وخيتتم البحث بالتوقف عند مصري النضر بن احلارث‪ ،‬الذي‬
‫أودت به عداوته‪ ،‬عندما جتاوز اجملاهبة بالسرد‪ ،‬إىل قيادة فرقة‬
‫قرشية فـي معركة بدر‪ ،‬فأسر ثم قتل صرباً (إعداماً بالسيف)‬
‫ويتساءل البحث فـيما إذا كان مصري النضر قد أثر فـي مصري السرد‬
‫العربي والنظرة إليه فـي احلقب التالية‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫مدخل‬
‫جاء ذكر (أساطري األولني) تسع مرات ﻲﻓ القرآن الكريم‪،‬‬
‫ﻲﻓ سياق تصوير موقف القرشيني ﻲﻓ احلقبة املكية من النبي حممد‬
‫صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬ومما جاء به من القرآن‪ّ .‬‬
‫وظل ذكر (أساطري‬
‫يتوسع البحث فيها‪ ،‬لنعرف‬ ‫األولني) مرتبط ًا هبذا السياق ‪ ،‬ومل ّ‬
‫نفكر يف (أساطري األولني)‬ ‫وماهيتها ‪ ،‬ويف هذا البحث ّ‬
‫ّ‬ ‫ما ّدهتا‬
‫لنحاول أن نعرف ما هي؟ وما طبيعتها؟ وما داللتها عند عرب‬
‫جنس أديب شأهنا ﻲﻓ ذلك شأن‬ ‫ما قبل اإلسالم أنفسهم؟ وهل هي ٌ‬
‫الشعر الذي رموا النبي صىل اهلل عليه وسلم به ﻲﻓ بعض األحيان‪،‬‬
‫أم أهنا أحاديث وأباطيل ال نظام هلا؟؟ أم أهنا نمط من أنامط الرسد‬
‫أو أنواعه مما عرفه العرب ومارسوه يف تلك احلقبة املبكرة؟؟‬
‫وغايتنا ﻲﻓ هذا املقام أن نبذل ما وسعنا اجلهد والطاقة لإلملام‬
‫هبذه الظاهرة أو القضية املعروفة باسم (أساطري األولني)‪ ،‬هبدف‬
‫وضعها ﻲﻓ املوقع الذي يالئمها ضمن ذاكرة الثقافة العربية بعامة‪،‬‬

‫‪9‬‬
‫وضمن تاريخ الرسد العريب بخاصة‪ ،‬إذ نراها ابتدا ًء ظاهرة رسدية‬
‫مميزة‪ ،‬عرفها أبناء حقبة ما قبل اإلسالم‪ ،‬وأسموها بذلك االسم‬ ‫ّ‬
‫الذي استخدمه القرآن الكريم حكاي ًة عنهم‪ ،‬يف سياق نقد املوقف‬
‫القريش الذي خلط بني القرآن الكريم (وعىل وجه اخلصوص‬
‫القصص القرآين) وبعض أنواع املرويات الرسدية (أساطري األولني‬
‫وما يشبهها)‪.‬‬
‫وسوف نعتمد عىل منهج واضح ﻲﻓ تتبعها‪ ،‬معتمدين عىل‬
‫القرآن الكريم الذي يعد ـ كام يقول طه حسني‪« :‬أصدق مرآة‬
‫للعرص اجلاهيل‪ ،‬ونص القرآن ثابت ال سبيل إىل الشك فيه ‪...‬‬
‫(وهو) يمثل لنا حياة دينية قوية تدعو أهلها إىل أن جيادلوا عنها‬
‫ما وسعهم اجلدال‪ ،‬فإذا رأوا أنه قد أصبح قليل َ‬
‫الغناء جلأوا إىل‬
‫الكيد‪ ،‬ثم إىل االضطهاد‪ ،‬ثم إىل إعالن احلرب التي ال ُتبقي وال‬
‫تذر ‪ ...‬لكن القرآن ال يمثل احلياة الدينية وحدها‪ ،‬وإنام يمثل شيئ ًا‬
‫آخر غريها ال نجده ﻲﻓ هذا الشعر اجلاهيل‪ ،‬يمثّل حياة عقلية قوية‪،‬‬
‫يمثل قدرة عىل اجلدال واخلصام أنفق القرآن ﻲﻓ جهادها حظ ًا‬
‫عظي ًام»(‪.)1‬‬
‫والقرآن الكريم ـ إضافة إىل متثيله للحياة الدينية والعقلية‪،‬‬
‫يعكس حياة أدبية فيها الشعر وفيها الرسد‪ ،‬والتامسنا ملا ورد فيه‬

‫‪10‬‬
‫من ذكر (أساطري األولني) وملا جاء ﻲﻓ تفسريها ورشوحاهتا قد‬
‫يساعدنا عىل إعادة بناء جنس رسدي جمهول أو مغمور من ألوان‬
‫النثر العريب القديم‪ .‬ومع ذلك فإن هناك عوائق متعددة تفصلنا عن‬
‫ذلك النوع‪ ،‬منها أن ما ورد بشأنه ﻲﻓ القرآن ويف رشوحات اآليات‬
‫املتعلقة به ورد ﻲﻓ سياق فهمه القدماء عىل أنه معاداة لذلك النوع‬
‫وألصحابه‪ ،‬ولذلك حجبوه ع ّنا‪ ،‬وعنوا أكثر ما ُعنوا بتشديد النكري‬
‫عىل مناهيض الدعوة ﻲﻓ مرحلتها املبكرة‪ ،‬ومع ذلك فسنعمل عىل‬
‫جتاوز هذه الطبقة اخلارجية‪ ،‬ونحاول النفاذ إىل ما خيتفي وراءها‪،‬‬
‫من أجل متييز الظاهرة الفنية التي نسعى إىل تفريدها وإبرازها‪.‬‬
‫وقد الحظنا أن معظم ما ورد عن (أساطري األولني) ما هو‬
‫ال امتداد وتوضيح لآليات الكريمة التي حفظت لنا بعض معامل‬ ‫إ ّ‬
‫ذلك النوع األديب القديم‪ ،‬ولذلك فنحن ندين بمعرفتنا ألساطري‬
‫األولني‪ ،‬مصطلح ًا وداللة‪ ،‬للقرآن الكريم‪ ،‬فذكره هلا مرات‬
‫متتابعة‪ ،‬دفع املصنفني واملفسرّ ين إليراد بعض الرشوحات املفيدة‬
‫ﻲﻓ بناء الصورة الغائبة‪ ،‬ومنعهم من السكوت عىل حياة نوع أديب‪،‬‬
‫هُّاتم القرآن بانتامئه إليه‪ ،‬كام اتهّ م بتهمة الشعر‪ ،‬الفن العريب الذي ال‬
‫حيتاج إىل استكشاف أو بيان‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬أساطري األولني ‪:‬‬
‫املصطلح والداللة‬

‫قبل أن نميض يف بحثنا عن النرض بن احلارث وصلته بأساطري‬


‫األولني‪ ،‬حيسن بنا أن نميض مع املصطلح نفسه لنحاول أن نتبني‬
‫أهم دالالته‪ ،‬من خالل ثالثة مداخل‪:‬‬
‫‪ .1‬اإلشارات القرآنية‬
‫‪ .2‬املعاجم العربية‬
‫‪ .3‬الداللة السياقية‬

‫‪ .1‬اإلشارات القرآنية‬
‫أمااملواضعالتيوردفيهاتعبري(أساطرياألولني)فتسعةمواضع‪،‬‬
‫اثنان منها بنص متطابق (سورة القلم‪،15/‬سورة املطففني‪،)13/‬‬
‫وهياملواضعالتالية‪:‬‬
‫‪﴿.1‬ومنهم من يستمع إليك وجعلنا عىل قلوهبم أك ّنة أن‬

‫‪13‬‬
‫كل آية ال يؤمنوا هبا حتى‬‫يفقهوه‪ ،‬ويف آذاهنم وقر ًا وإن يروا ّ‬
‫إذا جاءوك جيادلونك يقول الذين كفروا إنْ هذا إ ّال أساطري‬
‫األولني﴾‪)2(.‬‬

‫‪﴿ .2‬وقال الذين كفروا إنْ هذا إ ّال إفك افرتاه وأعانه عليه قوم‬
‫آخرون‪ ،‬فقد جاءوا ظل ًام وزور ًا‪ .‬وقالوا أساطري األولني اكتتبها‬
‫فهي متىل عليه بكرة وأصي ً‬
‫ال﴾‪)3(.‬‬

‫‪﴿ .3‬بل قالوا مثل ما قال األولون‪ .‬قالوا أإذا ِمتنا وك ّنا تراب ًا‬
‫وعظام ًا أإنّا ملبعوثون‪ .‬لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا من قبل إنْ هذا‬
‫ال أساطري األولني﴾‪)4(.‬‬ ‫إ ّ‬
‫‪﴿ .4‬وإذا قيل هلم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطري األولني﴾‪)5(.‬‬

‫‪﴿ .5‬وإذا ُتتىل عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا ولو نشاء لقلنا مثل‬
‫ال أساطري األولني﴾‪)6( .‬‬‫هذا إنْ هذا إ ّ‬
‫خرجون‪ .‬لقد‬ ‫‪﴿ .6‬وقال الذين كفروا أإذا كنا تراب ًا وآباؤنا أإنّا لمَ ُ َ‬
‫وعدنا هذا نحن وآباؤنا من قبل إن هذا إ ّ‬
‫ال أساطري األولني﴾‪)7( .‬‬

‫أف لكام أ َت ِعدانني أن أخرج وقد ِ‬


‫خلت‬ ‫‪﴿ .7‬والذي قال لوالديه ّ‬
‫آمن إنّ وعد اهلل حق‬
‫القرون من قبيل‪ ،‬ومها يستغيثان اهلل ويلك ْ‬
‫ال أساطري األولني﴾‪)8(.‬‬ ‫فيقول ما هذا إ ّ‬

‫‪14‬‬
‫‪﴿ .8‬إذا تتىل عليه آياتنا قال أساطري األولني﴾‪)9(.‬‬

‫‪﴿ .9‬إذا تتىل عليه آياتنا قال أساطري األولني﴾‪)10(.‬‬

‫ويمكننا أن نالحظ مجلة من الدالالت نستمدها من سياق‬


‫اإلشارات القرآنية حول أساطري األولني‪ ،‬كام ييل‪:‬‬
‫أو ًال ـ استخدمت اآليات الكريمة تعبري (أساطري األولني)‬
‫بصورة ثابتة‪ ،‬فليس هناك استخدامات مرادفة أو تعبريات استبدالية‬
‫من آية إىل أخرى‪ ،‬مما يومئ إىل نمط خمصوص من النوع األديب‪،‬‬
‫يعرف باسم حمدد متفق عليه‪ ،‬وليس جمرد اجتهاد يف التسمية‪ ،‬قد‬
‫يتغري من موضع إىل آخر‪ ،‬ومن موقف إىل ثان‪ .‬وتعبري (أساطري‬
‫ال أسامء األجناس‬ ‫األولني) هبذا الثبات يف االستخدام يشبه مث ً‬
‫واألنواع األدبية التي حيافظ عليها املستخدمون كأن يقال‪ :‬شعر‪،‬‬
‫نثر‪ ،‬قصة ‪ ...‬الخ‪.‬‬
‫ثاني ًا ـ مل َت ِر ْد ﻲﻓ القرآن الكريم مفردة (أساطري) منفردة‪ ،‬أو مستقلة‬
‫عن الرتكيب اإلضايف‪ ،‬كام مل تستخدم بصيغة املفرد (أسطورة)‪.‬‬
‫وهي َو ْفق نمطية تركيبها اإلضايف حتيل إىل املايض‪ ،‬وإىل أمو ٍر‬
‫بدأت ﻲﻓ حقب أقدم من حقبة نزول القرآن ومبعث النبي صىل اهلل‬
‫يسمى عند املص ّنفني العرب باجلاهلية األخرية‪،‬‬
‫عليه وسلم‪ ،‬مما ّ‬

‫‪15‬‬
‫أي أهنا ال حتيل عىل ٍ‬
‫ماض تارخيي معروف‪ ،‬وإنام عىل أزمنة قديمة‬
‫ال يعرف منها عىل وجه التحقيق إال ما يروى حوهلا من أخبار‬
‫األولني)‪.‬‬
‫وأقاصيص‪ ،‬اصطلح عىل تسميتها بـ (أساطري ّ‬
‫ثالثاً ـ ورد تعبري (أساطري األولني) بام يفيد أن عرب اجلاهلية‬
‫كوصف أو تصنيف نوعي للقرآن‬ ‫ٍ‬ ‫عرفوه‪ ،‬واستخدموه أحيان ًا‬
‫ال ومضمون ًا‪ ،‬أو لبعض أجزائه أو آياته مما نزل ﻲﻓ احلقبة‬ ‫شك ً‬
‫املكية‪ ،‬وله صلة بأخبار األقوام األوىل‪ ،‬أي مما يعرف بالقصص‬ ‫ّ‬
‫متيزت بوضوح القصص‬ ‫القرآين‪ ،‬ومن املعروف أن احلقبة املكية ّ‬ ‫ُ‬
‫تعرض له األقدمون‪ ،‬وربام طلب ًا‬‫القرآين لغايات العربة والعظة مما ّ‬
‫حلسن التل ّقي‪ ،‬ولفت انتباه الناس‪ ،‬ومرد ذلك مراعاة امليل الفطري‬
‫ص والرسد‪.‬‬ ‫اإلنساين إىل ال َق ّ‬
‫رابع ًا ـ حييل السياق إىل اإلخبار عن املفرد أحيان ًا «والذي قال‬
‫لوالديه‪« ،»...‬إذا تتىل عليه آياتنا‪ ،»...‬كام حييل إىل صيغة مجعية‬
‫بتوسع هذا التصنيف ليس عند فرد‪ ،‬بل وفق رأي مجاعة‬ ‫تفيد ّ‬
‫منهم «وإذا قيل هلم‪« ،»...‬وقال الذين كفروا ‪« ،»...‬بل قالوا مثلام‬
‫قال األولون ‪ ... »...‬وهذا يشري من بعض جوانبه إىل شيوع هذا‬
‫لكن‬
‫التصنيف االهتامي‪ ،‬إذ يمكن أن يكون قد بدأه فرد منهم‪ّ ،‬‬

‫‪16‬‬
‫تصنيفه القى قبو ً‬
‫ال عند غريه فاتّسع القول به‪ ،‬مما استلزم نزول‬
‫ختص هذه املسألة‪.‬‬
‫تسع آيات كريمة ّ‬
‫خامس ًا ـ تتوزع مواضع ورود هذا التعبري عىل تسع سور قرآنية‪،‬‬
‫ترد يف تسعة أجزاء من القرآن الكريم هي األجزاء (‪،18 ،14 ،9 ،7‬‬
‫‪ )30 ،29 ،26 ،20 ،19‬بحيث تكاد تشمل املصحف كله‪ ،‬فبعضها‬
‫ﻲﻓ األجزاء األوىل‪ ،‬وأخرى ﻲﻓ األجزاء التالية‪ ،‬واملجموعة الثالثة‬
‫ﻲﻓ األجزاء األخرية‪ ،‬ومن ناحية التلقي فإن من يقرأ املصحف‬
‫وفق ترتيبه الذي استقر عليه بعد اكتامل نزول القرآن‪ ،‬سيمر هبذه‬
‫اآليات‪ ،‬ويستذكر هذه التهمة التي ر ّد عليها القرآن الكريم ﻲﻓ تلك‬
‫املواضع املتعددة‪.‬‬
‫سادس ًا ـ تشري اآليات الكريمة أيض ًا إىل جدل العرب ﻲﻓ مكة‬
‫(جيادلونك) واجلدل دال عىل احلياة العقلية‪ ،‬وعىل احلوار ّية الرسدية‪،‬‬
‫أكثر من املنبع العاطفي واملنزع الشعري‪ ،‬كام تفيد اآليات أن أكثر‬
‫مواطن التشكك هو اجلدل حول مصدر (أساطري األولني) التي‬
‫جاء هبا حممد صىل اهلل عليه وسلم ـ وفق مذهبهم ـ وليس مضمون‬
‫تلك القصص واألخبار‪ ،‬وتشري إىل ذلك بعض التأويالت‪ ،‬ففي‬
‫اآلية ﴿وإذا قيل هلم‪ :‬ماذا أنزل ربكم‪ ،‬قالوا‪ :‬أساطري األولني﴾‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫قيل ﻲﻓ تأويلها «هذا استئناف‪ ،‬وكأهنم قالوا‪ :‬مل ينزل شيئ ًا‪ ،‬هذه‬
‫أساطري األولني»‪)11(.‬‬

‫كام نؤيد هنا استدالل نارص الدين األسد باآلية ﴿قالوا أساطري‬
‫األولني اكتتبها فهي متىل عليه بكر ًة وأصيال﴾ بام ذهب إليه ﻲﻓ‬
‫ينصب نفسه ليتعلم األخبار وقصص‬ ‫قوله «وكان ﻲﻓ اجلاهلية من ّ‬
‫التاريخ فيقصده من يقصده يستمليها ويكتبها‪ ،‬وقد أنبأنا اليقني‬
‫بذلك كتاب اهلل»(‪.)12‬‬
‫صحته بينّ ـ فإن أمر أساطري‬‫صح هذا االستدالل ـ ووجه ّ‬‫فإذا ّ‬
‫األولني وقصص األقدمني كان من الذيوع والشيوع ما جيعله ظاهرة‬
‫بارزة‪ ،‬ال تتوقف عند النرض بن احلارث وحدَ ه‪ ،‬وإنام هلا ّ‬
‫رواد آخرون‬
‫غيبوا من سجالت تاريخ األدب العريب‪.‬‬‫ّ‬

‫‪18‬‬
‫‪ .2‬املعاجم العربية‬
‫وقـفت املعاجـم العـربية(‪ )13‬عـىل بـعض دالالت (أسـاطـري‬
‫األولني) وأشارت إشارات مفيدة إليها يف مادة (سطر)‪ ،‬حيث‬
‫أرجع املعجميون لفظة «أساطري» إىل هذا اجلذر‪.‬‬
‫ونشري ّأو ً‬
‫ال قبل إمجال ما ورد يف املعاجم العربية إىل أن تلك‬
‫املعاجم ال تراعي التطور التارخيي‪ ،‬فليس لدينا معاجم تارخيية‬
‫تتابع نمو الدالالت ومسريهتا من حقبة إىل أخرى‪ ،‬فاملعاجم‬
‫العربية تورد املعنى الذي استقرت عليه الكلمة يف غالب األحيان‬
‫وجتمل سائر الدالالت كام لو كانت دالالت متزامنة دون أن‬
‫تساعدنا يف تكوين فكرة كافية عن رحلة الكلمة وانتقاهلا يف التطور‬
‫الداليل من مرحلة إىل ثانية‪.‬‬
‫وقد أشار حسام األلويس إىل ما يقرب من ذلك وهو حياول‬
‫أن يستعني باملعاجم يف دراسة فلسفية له عن الزمان يف الفكر‬
‫الفلسفي‪ ،‬فقد وجد أن املعاجم العربية «يتعذر فيها معرفة نقطة‬
‫البداية وجمرى النمو يف استعامل الكلامت ‪ ،‬وبالتايل يصبح املنهج‬
‫التارخيي نفسه ليس سه ً‬
‫ال وال بين ًا‪ ،‬ولذلك نجد أن ما تقدمه‬

‫‪19‬‬
‫معاجم اللغة متطابق ومتجاوب مع ما نجده من معان فلسفية هلذه‬
‫الكلامت‪...‬املعاجم تعكس املعنى الفلسفي وليس العكس‪ ،‬ولكن‬
‫ما هو املعنى األصيل هلذه الكلامت قبل ظهور التفسريات الفلسفية‬
‫املتطورة أو الالحقة؟ إنه أمر يصعب التحقق منه»‪)14(.‬‬

‫مع كل ذلك ففي املعاجم العربية مادة غنية موسوعية يمكن‬


‫يف حال تأملها ودرسها أن تعطينا كثري ًا من الغناء والنفع‪ ،‬وفيام ييل‬
‫جولة يف تلك املعاجم حول أساطري األولني‪ ،‬وقد فضلنا أن نرتبها‬
‫تارخيي ًا وفق وفاة املؤلف لعل لذلك بعض الداللة حول انتقال‬
‫املعنى وهجرته من مصنف إىل آخر‪.‬‬
‫أو ًال ـ معجم العني‪ :‬للخليل بن أمحد (ت ‪170‬هـ)‬
‫سطر من كتب‪ ،‬وسطر من شجر مغروس ونحوه‪.‬‬ ‫«السطر‪ٌ ،‬‬
‫ويقال‪ّ :‬‬
‫سط َر فالن علينا تسطري ًا‪ ،‬إذا جاء بأحاديث تشبه الباطل‪.‬‬
‫والواحد من األساطري‪ :‬إسطار وأسطورة‪ ،‬وهي أحاديث ال نظام‬
‫هلا بيشء‪ .‬ويسطر معناه‪ :‬يؤلف‪ ،‬وال أصل له‪ .‬وسطر يسطر‪ :‬إذا‬
‫كتب ‪.»...‬‬
‫ثاني ًا ـ هتذيب اللغة‪ :‬لألزهري (ت ‪370‬هـ)‬
‫«قال الزجاج ﻲﻓ قوله تعاىل (قالوا أساطري األولني ‪ )...‬خرب‬
‫‪20‬‬
‫البتداء حمذوف‪ ،‬املعنى‪ :‬وقالوا الذي جاء به أساطري األولني‪،‬‬
‫معناه ما ّ‬
‫سطره األولون‪ ،‬قال‪ :‬واحد األساطري أسطورة‪ ،‬كام قالوا‪:‬‬
‫أحدوثة وأحاديث ‪.»...‬‬
‫ثالث ًا ـ املحيط ﻲﻓ اللغة‪ :‬للصاحب بن عباد (ت ‪385‬هـ)‬
‫سطر من كتب وشجر مغروس‪ .‬وأسطر فالن اسمي‪:‬‬ ‫«السطر‪ْ :‬‬
‫جتاوز السطر‪ ،‬فإذا كتبه قيل‪ :‬سطره‪ّ .‬‬
‫وسطر علينا فالن تسطري ًا‪ :‬إذا‬
‫جاء بأحاديث تشبه الباطل‪ .‬وواحد األساطري‪ :‬إسطار وأسطورة‪،‬‬
‫وإسطرية وأسطور‪ ،‬وإسطري‪ .‬وهي األحاديث ال نظام هلا‪ .‬وهو‬
‫يسطـر‪ :‬أي يكـذب ويؤلـف‪ ،‬ومنـه‪ :‬أسـاطري األولـني‪ .‬وأسطـار‬
‫سطر منها وكتب‪ ،‬واحدها سطر ثم أسطار‪،‬‬‫األولني‪ :‬أخبـارهم وما ِ‬
‫ثم أساطري‪ ،‬مجع اجلمع»‪.‬‬
‫رابع ًا ـ الصحاح‪ :‬للجوهري (ت ‪393‬هـ)‬
‫«السطر‪ :‬الصف من اليشء ‪ ...‬والسطر‪ :‬اخلط والكتابة‪ ،‬واجلمع‬
‫أسطار ثم جيمع عىل أساطري ‪ ...‬واألساطري‪ ،‬األباطيل‪ ،‬الواحد‪:‬‬
‫أسطورة‪».‬‬
‫خامس ًا ـ أساس البالغة‪ :‬للزخمرشي (ت ‪538‬هـ)‬
‫«سطر واستطر‪ :‬كتب ‪ ...‬وهذه أسطورة من أساطري األولني‪:‬‬
‫‪21‬‬
‫قص علينا‬ ‫مما سطروا من أعاجيب أحاديثهم‪ّ .‬‬
‫وسطر علينا فالن‪ّ :‬‬
‫من أساطريهم‪».‬‬
‫سادس ًا ـ لسان العرب‪ :‬البن منظور (ت ‪711‬هـ)‬
‫والس َطـر‪ :‬الصـف مـن الكتـاب والشجـر والنخـل‬ ‫ْ‬
‫«السطـر‪َّ ،‬‬
‫ونحوها‪ ،‬واجلمع من كل ذلك‪ :‬أسطر وأسطار وأساطري؛ عن‬
‫ْ‬
‫والسطر‪ :‬اخلط والكتابة‪ .‬وقال الزجاج ﻲﻓ قوله‬ ‫اللحياين‪ :‬وسطور‪.‬‬
‫تعاىل «وقالوا أساطري األولني» خرب البتداء حمذوف‪ ،‬املعنى‪:‬‬
‫وقالوا الذي جاء أساطري األولني‪ ،‬معناه‪ّ :‬‬
‫سطره األولون‪ ،‬وواحد‬
‫األساطري‪ :‬أسطورة‪ ،‬كام قالوا‪ :‬أحدوثة وأحاديث‪ .‬وسطر يسطر‪:‬‬
‫إذا كتب؛ قال اهلل تعاىل «ن والقلم وما يسطرون» أي‪ :‬وما تكتب‬
‫املالئكة‪ .‬واألساطري‪ :‬األباطيل‪ ،‬واألساطري‪ :‬أحاديث ال نظام‬
‫هلا‪ .‬وقال قوم‪ :‬أساطري مجع أسطار‪ ،‬وأسطار مجع ْ‬
‫سطر‪ ،‬وقال أبو‬
‫عبيدة‪ :‬مجع سطر عىل أسطر ثم مجع أسطر عىل أساطري‪ ،‬وقال أبو‬
‫احلسن‪ :‬ال واحد له ‪.»...‬‬
‫سابع ًا ـ تاج العروس‪ :‬للزبيدي (ت ‪1205‬هـ)‬
‫«السطر‪ :‬الصف من اليشء‪ ،‬كالكتاب والشجر والنخل وغريه‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫األساطري‪ :‬األباطيل واألكاذيب واألحاديث ال نظام هلا‪ .‬قيل‪:‬‬
‫أساطري مجع سطر عىل غري قياس‪ .‬وسطر تسطري ًا‪ :‬أ ّلف األكاذيب‪،‬‬
‫سطر علينا‪ :‬أتانا ويف (األساس)‪ :‬قص باألساطري‪ .‬قال الليث‪:‬‬ ‫ّ‬
‫سطر علينا فالن ّ‬
‫يسطر‪ ،‬إذا جاء بأحاديث تشبه الباطل‪ ،‬ويقال‪:‬‬ ‫ّ‬
‫هو يسطر ما ال أصل له‪ ،‬أي‪ :‬يؤ ّلف‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫التأصيل االشتقاقي والداليل‪:‬‬
‫من الواضح أن اللغويني واملعجميني قد حاروا ﻲﻓ تأصيل‬
‫هذه الكلمة‪ ،‬ويف تتبع مسريهتا االشتقاقية‪ ،‬ويبدو أن مقارنتها‬
‫مـع كلمـات مقاربـة لفظـ ًا ومعنى مـن منظورهـم قد أسهم ﻲﻓ‬
‫ربطها باملكتوب‪ ،‬وخصوص ًا أن بعض اآليات القرآنية األخرى‬
‫مهدت الطريق أمام هذا الربط من مثل قوله تعاىل ﴿ن‪.‬والقلم‬‫قد ّ‬
‫وما يسطرون﴾(‪ ،)15‬وقوله‪﴿ :‬والطور‪ ،‬وكتاب مسطور‪ ،‬ﻲﻓ رق‬
‫منشور﴾(‪ ،)16‬وقوله‪﴿ :‬كان ذلك ﻲﻓ الكتاب مسطورا﴾(‪.)17‬‬
‫فهذه اآليات أسهمت ﻲﻓ حسم التوجيه االشتقاقي والداليل مما‬
‫الحظنا شيوعه عند املعجمني واللغويني العرب‪.‬‬
‫أن أحد ًا من القدماء مل ُيرش إىل أصل أجنبي هلا‪ ،‬فال يشء‬
‫ومع َّ‬
‫يمنع من أن تكون مما سامه العرب باملعرب والدخيل‪ ،‬وهو‬
‫ظاهرة معروفة ﻲﻓ العربية‪ ،‬بام فيها بعض ألفاظ القرآن الكريم‪،‬‬
‫وقد أشار حممد عجينة إشارة مقتضبة إىل رأي املسترشق رجييس‬
‫بالشري ‪ Blachere‬الذي يرى «أن أسطورة قريبة الصلة بقرينتها ﻲﻓ‬
‫اليونانية والالتينية إسطوريا ‪ ، Historia‬بمعنى أهنا أخبار تؤثر عن‬
‫املايض»(‪ .)18‬ونشري أيض ًا إىل أن كلمة ‪( Story‬قصة) و ‪History‬‬

‫‪24‬‬
‫(تاريخ) تنتميان لالشتقاق من األصل الالتيني نفسه‪.‬‬
‫أما االستخدام املعارص ألسطورة ـ أساطري ﻲﻓ اللغة العربية فهو‬
‫ما يقابل ‪ ،Myth‬ومنها يشتق‪ :‬ميثولوجيا ‪ Mythology‬وهو علم‬
‫دراسة األساطري‪ ،‬وهي حتمل معنى بعيد ًا إىل حد ما عن املدلول‬
‫القديم لألسطورة العربية‪ ،‬فأسطورة (‪ )Myth‬ترتبط باملعتقدات‬
‫والديانات والتصورات عن مبدأ اخللق واحلياة واملصري‪ .‬ونشري‬
‫بصورة موجزة إىل تعريف فراس السواح هلا بأهنا «حكاية مقدسة‪،‬‬
‫ذات مضمون عميق يشف عن معاين ذات صلة بالكون والوجود‬
‫وحياة اإلنسان»(‪ ،)19‬كام يشري أهنا «حكاية مقدسة يؤمن هبا أهل‬
‫الثقافة التي أنتجتها بصدق روايتها إيامن ًا ال يتزعزع‪ ،‬ويرون‬
‫ﻲﻓ مضموهنا رسالة رسمدية موجهة لبني البرش‪ ،‬فهي تبني عن‬
‫حقائق خالدة وتؤسس لصلة دائمة بني العامل الدنيوي والعوامل‬
‫املقدسة»(‪.)20‬‬
‫وما نميل إليه أن أساطري األولني مرتبطة أشد االرتباط باملعنى‬
‫املشتق من الالتينية الذي حييل إىل القص واإلخبار‪ ،‬وليس إىل‬
‫املعنى الديني‪/‬االعتقادي الذي يرتبط بامليثولوجيا أو األساطري‬
‫بمعناها االعتقادي‪ .‬وقد أدى اخللط بني املفهومني إىل سوء فهم ﻲﻓ‬

‫‪25‬‬
‫النظر إىل الرسد القديم‪ ،‬وإىل يشء من عدم الدقة ﻲﻓ حتديد السياق‬
‫األمثل للجدل بني العرب القدماء والنبي الكريم إ ّبان مبعث النبي‬
‫وبداية نزول القرآن‪.‬‬
‫ولـذلك نخـالف حممـد عجينـة الـذي ذهـب إىل أن أسـاطري‬
‫األولني بمعنى أخبار تؤثر عن املاضني (وهذا حقّ نتفق معه) لكنه‬
‫يضيف بأهنا «إنام وردت ﻲﻓ القرآن الكريم هبذا املعنى ﻲﻓ سور‬
‫وك ّفار قريش ألهنم‬ ‫مكية ويف سياق جدل واحتجاج بني النبي ُ‬
‫اعتربوا تلك األخبار من األوهام واألباطيل‪ .‬ومن خالله نعرف‬
‫أن تلك األخبار حقيقة بالنسبة للمسلمني و«أساطري» بالنسبة إىل‬
‫أهل مكة من جتار قريش‪ .‬فام كان القرشيون املناهضون للدعوة‬
‫املحمدية يسمونه (أساطري األولني) هو الذي ورد ﻲﻓ القرآن مقرتن ًا‬
‫بتسميات خمتلفة متثل شبكة من املصطلحات هي احلديث والنبأ‬
‫والقصة»(‪.)21‬‬
‫أما ما نراه نحن ﻲﻓ هذه املسألة فمؤداه أن اخلالف واجلدال‬
‫ينصب عىل ما حتمله القصص واألخبار القرآنية من‬ ‫ّ‬ ‫القريش مل‬
‫ناحية أهنا حق أو باطل‪ ،‬وهم مل يتشككوا فيها من هذا اجلانب‪ ،‬بل‬
‫انطلقوا من منظور آخر‪ ،‬فهم يعرفون لون ًا رسدي ًا اسمه (أساطري‬

‫‪26‬‬
‫األولني)‪ ،‬وقد خلطوا بينه وبني قصص القرآن‪ ،‬فمثار استغراهبم‬
‫أن ينسب حممد (صلىّ اهلل عليه وسلم) تلك األخبار التي يروهيا‬
‫إىل اهلل والسامء‪ ،‬فاختلفوا معه بشأن مصدر األخبار‪ ،‬فقد رأوها‬
‫ذات مصدر أريض‪ ،‬ﻲﻓ مقابل املصدر الساموي عند الرسول صلىّ‬
‫اهلل عليه وسلم‪ .‬ونحن نحسب أن املجتمع املكي كانت تروقه‬
‫األخبار وأساطري األولني‪ ،‬وكانوا يعقدون هلا املجالس‪ ،‬كنوع‬
‫من االحتفاء بالقص والرسد‪ ،‬ويبدو لنا أن مصدر اخللل ﻲﻓ حتليل‬
‫حممد عجينة يعود إىل انقياده إىل املعنى املعارص لألسطورة ولبعض‬
‫املبادئ املتصلة هبا من ناحية أن صاحب األسطورة يعتقد هبا‬
‫ويؤمن بمضموهنا‪ ،‬من دون أن يداخله الشك‪ ،‬أما من هو خارجها‬
‫فريى بطالهنا وأباطيلها‪ ،‬وليس هذا ما ينطبق عىل أساطري األولني‬
‫وعىل قصص القرآن‪ ،‬خصوص ًا وأن كال النوعني‪ ،‬مرتبط باإلخبار‬
‫ومواعظه ودالئله‪ ،‬وليس باإليامن ومشتقاته االعتقادية‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫‪ .3‬الدالالت السياقية‬
‫يفيضتتبعاستخداماملصنفنيواملبدعنيالعربللفظة(أساطري)‬
‫ومشتقاهتا يف القديم إىل نتيجة بينة‪ ،‬تفيد بقلة استخدامها يف‬
‫ال مواضع ورود‪ :‬أسطورة ـ‬ ‫املوروث العريب‪ ،‬وقد رصدنا مث ً‬
‫األسطورة ـ أساطري ـ األساطري ـ أساطري األولني يف‪ :‬املوسوعة‬
‫الشعرية‪ ،‬واملكتبة العربية املرافقة هلا (‪ )265‬مصدر ًا ومرجع ًا‪،‬‬
‫وهي طبعة إلكرتونية أصدرها املجمع الثقايف ﻲﻓ اإلمارات العربية‬
‫املتحدة (‪ ،)2003‬وتشمل ما جمموعه (‪ )2.439.589‬بيت ًا من الشعر‬
‫العريب من العرص اجلاهيل حتى العرص احلديث فلم نجد األلفاظ‬
‫ال بام ال جياوز عدد أصابع اليدين‪ ،‬وال تتكرر ﻲﻓ‬ ‫املذكورة تتكرر إ ّ‬
‫الشعر اجلاهيل واإلسالمي املبكر‪ ،‬بينام تستخدم استخدام ًا نادر ًا‬
‫وحمدود ًا ابتدا ًء من العرص العبايس‪.‬‬
‫كذلك احلال ﻲﻓ املكتبة الرتاثية عىل شبكة اإلنرتنت (مكتبة‬
‫الوراق عىل املوقع اإللكرتوين‪ )www.Alwaraq.com :‬ومع مكتبة‬
‫املوسوعة الشعرية‪ ،‬وما راجعناه من مصادر غري حموسبة‪ ،‬نكون قد‬
‫رجعنا إىل النسبة العظمى من املكتبة العربية‪ ،‬ونستطيع القول بأن‬
‫املصنفني واملبدعني العرب‪ ،‬مل يميلوا إىل استخدام هذه الكلمة‪ ،‬ومل‬

‫‪28‬‬
‫يشع استخدامها إ ّ‬
‫ال يف العرص احلديث يف سياق مغاير جاء متزامن ًا‬
‫مع النشاط املواكب لدراسات األسطورة (بمعنى الدراسات‬
‫امليثولوجية ودراسة األديان القديمة) ضمن تطور الدراسات‬
‫اإلنسانية ﻲﻓ العرص احلديث ‪.‬‬
‫ولو أننا تتبعنا مواضع سياقية من كالم العرب‪ ،‬لوجدنا أن‬
‫الكلمة قليلة الذيوع عندهم‪ ،‬فهي ق ّلام تستخدم خارج السياق‬
‫املرتبط بام جاء به القرآن وحماولة رشحه‪ ،‬أي أهنا مل تنتقل إىل‬
‫سياقات حيوية وطبيعية من الكالم العريب‪ ،‬وقد رصدنا مواضع‬
‫ورودها فيام بني أيدينا من مصادر ورقية‪ ،‬ومصادر حموسبة‪ ،‬فلم‬
‫نرجع إ ّ‬
‫ال بالقليل النادر‪ .‬وكأن استخدامها كان وقف ًا عىل حقبة‬
‫مبكرة من الكالم العريب‪.‬‬
‫ومن مواضع ورودها القليلة ما جاء يف املواضع والسياقات‬
‫التالية‪:‬‬
‫‪ .1‬حديث دار الندوة‪:‬‬
‫أقدم من أورده ابن سالم اجلمحي (ت ‪231‬ﻫ) ﻲﻓ طبقات‬
‫الشعراء‪ ،‬ونص اخلرب‪:‬‬
‫«أصبح الناس بمكة وعىل دار الندوة مكتوب‪:‬‬
‫‪29‬‬
‫ورشوة مثلام ترشى السامسري‬ ‫أهلى قصي ًَا عن املجد األساط ُ‬
‫ري‬
‫ري‬
‫عري مضت ع ُ‬ ‫وأكلها اللحم بحت ًا ال خليط له وقوهلا َ‬
‫رحلت ٌ‬
‫فأنكر الناس ذلك وقالوا‪ :‬ما قاهلا إ ّ‬
‫ال ابن الزبعرى‪ ،‬وأمجع عىل‬
‫ذلك رأهيم‪ ،‬فمشوا إىل بني سهم‪ ،‬وكان مما تنكر قريش وتعاقب‬
‫عليه أن هيجو بعضها بعض ًا ‪ ،)22(»...‬ويكمل ابن سالم اخلرب بام‬
‫يوضح العقوبة التي أصابت الشاعر وعشريته جزاء هذا اهلجاء‬
‫الذي ينكره القوم وهو ما ال يفيدنا ﻲﻓ هذا املقام‪.‬‬
‫(املنمق)(‪ )23‬تبدو قريبة من رواية ابن‬
‫ّ‬ ‫ورواية ابن حبيب ﻲﻓ‬
‫سالم إ ّ‬
‫ال أنه مل يورد ثاين البيتني‪ ،‬وأورد مكانه‪:‬‬
‫فـال يعـدّ هلم جمـد وال خـري‬ ‫توارثوا ﻲﻓ نصاب اللوم ّأوهلـم‬
‫يل أنه هجاهم بعدة أمور من بينها تع ّلقهم بأساطري‬ ‫ومن اجل ّ‬
‫املايض التي انشغلوا هبا عن حارضهم‪ ،‬ولذلك مل يبنوا فيه جمد ًا‬
‫جديد ًا‪ ،‬وإنام اكتفوا باملجد املتأيت من رسد األساطري‪ ،‬فالنقد ليس‬
‫موجه ًا إىل األساطري ذاهتا‪ ،‬وإنام إىل التع ّلق هبا تعلق ًا مبالغ ًا فيه‪.‬‬
‫‪ .2‬قول منسوب إىل عبيد بن عبد العزى السالمي‪ ،‬يف بيت من‬
‫قصيدة له‪ ،‬وهو البيت‪)24( :‬‬

‫‪30‬‬
‫فلم يرتكـا إ ّال رسومـ ًا كأهنا أساطري وحي من قراطيس مقرتي‬
‫ومن الواضح أن البيت ﻲﻓ وصف األطالل وتشبيهها بالكتابة أو‬
‫بام تبقى من سطورها‪ ،‬وهو أحد الصور النمطية التي ترد ﻲﻓ صورة‬
‫الطلل عند العرب‪ ،‬فأساطري هنا بمعنى سطور الكتابة أو صفوفها‬
‫وليس باملعنى السياقي الذي يربطها باألخبار والقصص‪.‬‬
‫‪ .3‬ومن استخدام لفظة (أساطري) ﻲﻓ احلقب اإلسالمية‪ ،‬ما‬
‫جاء عىل لسان معاوية بن أيب سفيان(‪ ،)25‬عندما جاءته أروى‬
‫بنت احلارث بن عبد املطلب‪ ،‬وقست يف الزجر والنكري‪ ،‬ﻲﻓ كالم‬
‫هلا‪ ،‬بحضور عمرو بن العاص ومروان بن احلكم‪ ،‬وعرضت ﻲﻓ‬
‫حديثها ملعاوية وحلضور جملسه ما كان يعيبهم قبل اإلسالم‪ ،‬مما‬
‫تراه يقلل من قيمتهم وال يتبوأون اعتامد ًا عليه املكانة التي حققوها‬
‫بعد استتاب األمر لبني أمية‪ .‬وما يعنينا قول معاوية أثناء احلديث‪:‬‬
‫عمة اقصدي قصدَ حاجتك‪ ،‬ودعي عنك أساطري النساء»‪.‬‬ ‫«يا ّ‬
‫ذكرت به من حديث اجلاهلية‬‫ولع ّله عنى بـ (أساطري النساء) ما ّ‬
‫عن اآلباء واجلدود‪ ،‬وخصوص ًا ما ّ‬
‫يمس رشف النساء أو االنتساب‬
‫خيص مروان بن احلكم إذ شككت ﻲﻓ نسبه إىل احلكم‬‫إىل األب فيام ّ‬
‫أبيه‪ ،‬وأنه إىل سفيان بن احلارث بن كلدة أشبه منه باحلكم (سفيان‬

‫‪31‬‬
‫هذا شقيق النرض بن احلارث)‪ .‬وكذلك احلال ﻲﻓ ذكرها لنسب‬
‫ابن العاص حني أراد زجرها‪ ،‬فقد ردت عليه رد ًا قاسي ًا «ولقد‬
‫ادعاك ستة من قريش كلهم يزعم أنه أبوك ‪ .»...‬فأساطري النساء‬
‫هنا ما يشيع بينهن من قصص عن املايض مما يرتبط بالنساء خاصة‪،‬‬
‫ويدخل ﻲﻓ مسائل مثل الذي أشارت إليه من نسبة الرجل إىل والده‬
‫والتشكيك ﻲﻓ نسبه ذاك‪.‬‬
‫‪ .4‬كام أورد ابن قتيبة الدينوري (ت ‪276‬هـ) يف عيون األخبار‪،‬‬
‫خرب ًا عن أيب نواس (ت حوايل ‪ 190‬ﻫ)‪ ،‬ومفاد اخلرب كام ييل‪« :‬قيل‬
‫أليب نواس‪ :‬قد بعثوا إىل أيب عبيدة واألصمعي ليجمعوا بينهام‪،‬‬
‫مكنوه من ُش َقره (أي صحفه وكتبه) قرأ‬ ‫قال‪ :‬أما أبو عبيدة فإن ّ‬
‫عليهم من أساطري األولني‪ ،‬وأما األصمعي ف ُبل ُبل ﻲﻓ قفص يطرهبم‬
‫بنغامته»(‪.)26‬‬
‫فأساطري األولني هنا تنتمي للاميض‪ ،‬كام هي داللتها ﻲﻓ سائر‬
‫املواضع‪ ،‬كام يفيدنا اخلرب بالتشديد عىل أهنا األخبار املكتوبة ﻲﻓ‬
‫س ْفر أو كتاب‪ .‬بينام ﻲﻓ خرب معاوية مع أروى بنت احلارث ال تبدو‬
‫الكتابة اشرتاط ًا ثابت ًا‪ ،‬بل استخدمت لتدل عىل أخبار املايض التي‬
‫يعرتهيا اخللل والبطالن‪ ،‬حتى لو ذاعت وانترشت‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫‪ .5‬وقد أورد الثعالبي (ت ‪ )429‬ﻲﻓ كتابه (ثامر القلوب ﻲﻓ املضاف‬
‫واملنسوب) حكاية شارحة لرتكيب‪ :‬لطمة موسى قال‪« :‬لطمة‬
‫موسى‪ :‬ترضب مث ً‬
‫ال ملا يسوء أثره‪ ،‬ويف أساطري األولني أن موسى‬
‫يعلمه بوقت موته‪ ،‬ليستعد لذلك‪ ،‬فلام كتب اهلل له‬ ‫سأل ربه أن ِ‬
‫سعادة املحترض أرسل إليه ملك املوت وأمره بقبض روحه بعد أن‬
‫حياجه‬
‫خيربه بذلك‪ ،‬فأتاه ﻲﻓ صورة آدمي‪ ،‬وأخربه باألمر‪ ،‬فام زال ّ‬
‫ويالجه‪ ،‬وحني رآه نافذ العزيمة ﻲﻓ ذلك لطمه لطم ًة فذهبت منها‬
‫ّ‬
‫إحدى عينيه فهو إىل اآلن أعور‪ ،‬وفيه قيل‪:‬‬
‫لطمـة موسـى تركتك أعور ًا‬ ‫يا ملك املوت لقيت منكـر ًا‬
‫وأنا بريء من عهدة هذه احلكاية» (‪.)27‬‬
‫استخدام أساطري األولني هنا استخدام الفت‪ ،‬إذ تبدو ﻲﻓ صورة‬
‫مرجع معروف‪ ،‬كأن يكون كتاب ًا حمدد ًا‪ ،‬أو نوع ًا فني ًا معلوم ًا‪ ،‬ينتسب‬
‫له نمط من القصص واحلكايات‪ ،‬فهذا النوع األديب ال يروى عىل‬
‫أنه حقيقة واقعة‪ ،‬وال تاريخ حمقق‪ ،‬ففي تداول احلكايات واألخبار‬
‫تقبل املادة‬
‫السرّ دية هناك تعاقد ضمني بني الراوي واملروي له عىل ّ‬
‫الرسدية والتفاعل معها دون خلطها بالواقع والتاريخ‪.‬‬
‫كام يلفتنا موقف الثعالبي‪ ،‬حينام تربأ من مسئوليته عن احلكاية‪،‬‬

‫‪33‬‬
‫فهو يوردها وصف ًا هلا‪ ،‬وتعريف ًا هبا‪ ،‬حتى ال تنرصف األذهان إىل‬
‫اعتقاده بصواهبا أو صحتها مع أن الرسد من ناحية كونه فن ًا‪ ،‬ال‬
‫التخيل والتحوير من كل‬ ‫ّ‬ ‫حيتاج إىل كل هذا التوثق‪ ،‬إذ يدخله‬
‫جانب‪ ،‬ووظيفته ليست فيام ينقله من معلومات أو تاريخ‪ ،‬بل ﻲﻓ‬
‫داللته الكلية‪ .‬ومثل هذه احلكاية التي تربأ منها راوهيا أو ناقلها‬
‫تبدو شديدة الداللة عىل فرار اإلنسان من املوت‪ ،‬وخوفه منه‪،‬‬
‫وكراهيته له‪ ،‬حتى لو كان ذلك اإلنسان نبي ًا‪ ،‬أي ﻲﻓ صورة مثالية‬
‫لتقبل حقيقة الوجود‪ ،‬فداللة احلكاية مجلة تذهب هذا املذهب‪،‬‬
‫وهو حس ُبها‪ ،‬إذ ال نطلب منها حقيقة وال تارخي ًا‪ ،‬بل نطلب منها‬
‫بالغة البيان عن موقف اإلنسان من املوت‪ .‬وفكرة لطم ملك‬
‫املوت‪ ،‬هي رفض للموت نفسه‪ ،‬وال يؤخذ املعنى احلريف بل الداللة‬
‫الكلية‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ .6‬أمـا اجلـاحـظ (ت ‪ 255‬ﻫ) فعـىل اتّسـاع معـرفتـه‪ ،‬وكثـرة‬
‫كتبه‪ ،‬وما أورد فيها من حكايات وقصص‪ ،‬فإننا ال نجده يميل‬
‫إىل استخدام لفظة (األسطورة)‪ ،‬وما جاء ﻲﻓ بعض عنوانات‬
‫(احليوان) من مثل‪:‬‬
‫ـ أسطورة خداع الغراب والديك‬

‫‪34‬‬
‫ـ أسطورة البازي والديك‬
‫ـ أسطورة الرخم‬
‫ـ أسطورة الضب والضفدع‬
‫فعنوانات من إضافة املحقق األستاذ عبد السالم هارون‪ ،‬وقد‬
‫أشار إىل عمله هذا ﻲﻓ تبويب الكتاب ﻲﻓ مقدمته للتحقيق‪ ،‬أما ما‬
‫ال مذهب املرحوم األستاذ هارون‪ ،‬فهذه األصناف‬ ‫نراه فيخالف قلي ً‬
‫أدخل فيام يسميه اجلاحظ باخلرافة ال األسطورة‪ ،‬ومما يؤيد ذلك‬
‫تعليقه عىل ما جاء ﻲﻓ شعر أمية بن أيب الصلت من ذكر «رطوبة‬
‫وأن كل يشء ينطق‪ ،‬ثم خبرّ عن منادمة الديك الغراب‪،‬‬ ‫احلجارة‪ّ ،‬‬
‫واشرتاط احلاممة عىل نوح‪ ،‬وغري ذلك»(‪ )28‬فهذا كله يدخل فيام‬
‫يسميه (خرافات أعراب اجلاهلية) ويبدو أن اخلرافة تتصل عموم ًا‬
‫بالقصص احليواين أو القصص الذي تدخل ﻲﻓ بطولته كائنات غري‬
‫أنسية‪ ،‬مما سنحاول تدقيقه ﻲﻓ غري هذا املقام‪.‬‬
‫وليس من غاية هذه الدراسة استقصاء السياقات التي وردت‬
‫فيها لفظة (أساطري األولني) ومشتقاهتا‪ ،‬فغايتنا هنا االقرتاب من‬
‫مدلوهلا وخصوصية استخدامها ﻲﻓ الكالم العريب‪ ،‬ولعل ما جئنا‬
‫به من سياقات قرآنية ومعجمية وأدبية يكفي لالستدالل عىل مجلة‬

‫‪35‬‬
‫خصائص أو مسائل لصيقة باألسطورة وبأساطري األولني من‬
‫مثل‪:‬‬
‫ـ العنرص الزمني‪:‬‬
‫تتميز األسطورة بأهنا ترتبط بالزمن املايض البعيد أو السحيق‪،‬‬
‫فوالدهتا ليست ﻲﻓ احلارض وال املايض القريب الذي يمكن التحقق‬
‫تستمر‬
‫ّ‬ ‫منه‪ ،‬ومع ذلك ـ أي مع انتامئها احلاسم للاميض ـ فإهنا قد‬
‫ﻲﻓ احلارض وتوجه فهم املستقبل والتعامل معه‪ ،‬بالنظر إىل تأثريها‬
‫املستمر ﻲﻓ الفرد واجلامعة‪ .‬ولذلك ال تطلق هذه التسمية عىل‬
‫القصص الواقعي أو القصص الراهن (أيام اجلاهلية) بل تطلق‬
‫عىل ما تناهى من أخبار املاضني‪ ،‬وقصص األولني‪ ،‬مما ينتمي‬
‫ملاض بعيد‪ ،‬حياول هذا اللون األديب إعادة صياغته‪ ،‬وبناء صيغة‬
‫رسدية له‪.‬‬
‫ـ األسلوب التوثيقي‪:‬‬
‫أساطري األولني عند العرب مرتبطة بكالم مسطور ومكتوب‬
‫ومدون‪ ،‬فهي كتابية وليست شفوية ﻲﻓ أكثر دالالهتا ومعانيها‪ ،‬إذ‬
‫ّ‬
‫مصدرها كتب وصحف مدونة عن األولني واألقدمني‪ ،‬ولذلك‬
‫ق ّلام نجد من تناولوها قد فصلوا بينها وبني شكل توثيقها الكتايب‪.‬‬
‫وهي مع أصلها املدون ﻲﻓ الكتب قد تتحول إىل صيغة شفوية عرب‬

‫‪36‬‬
‫روايتها أو رسدها اعتامد ًا عىل مصادرها املكتوبة‪ ،‬لكن البدّ من‬
‫مدون هلا‪.‬‬
‫وجود مصدر مكتوب أو ّ‬
‫ـ األسطورة واملعنى‪:‬‬
‫يميز العرب بني األسطورة والتاريخ‪ ،‬فمعنى أساطري األولني ال‬
‫يتحقق فيام تنقله من أخبار ومعلومات‪ ،‬ولذلك ال يشرتط الصدق‬
‫ﻲﻓ وقائعها وأحداثها‪ ،‬ألهنا ال تروي تارخي ًا متحقق ًا‪ ،‬وال تارخي ًا‬
‫قريب ًا‪ ،‬إنام تنتمي إىل زمن بعيد يصعب التوثق منه ومن أخباره‪.‬‬
‫ولذلك يقيم معناها ﻲﻓ دالالهتا ال ﻲﻓ صحتها التارخيية‪ .‬وأما من‬
‫نظروا هلا من زاوية حتقيقية فقد رموها بالكذب واألباطيل‪ .‬مع‬
‫أهنا ﻲﻓ حقيقتها حماولة إلعادة بناء املايض بنا ًء ختييلي ًا فني ًا بام يضمن‬
‫اإلفادة من عربه ودالالته‪ ،‬أو حتى التم ّتع بام يمكن اختالقه من‬
‫أحداث وأحوال فنية ونسبتها إىل حقب غائمة ﻲﻓ ذاكرة الزمن‪.‬‬
‫ـ الشكل الفني‪:‬‬
‫ال رسديـ ًا أو قصصيـ ًا‪ ،‬ففيها أخبـار‬ ‫تبـدو األسطورة شك ً‬
‫وأحاديث وشخصيات‪ ،‬وكل ما يذكر عنها حييلنا إىل نسبتها للرسد‬
‫القصيص‪ ،‬فلها أبطال أو شخصيات من أبناء املايض‪ ،‬وهلم أحاديث‬
‫تستحق أن تروى وأن تكتب عرص ًا بعد عرص‪ ،‬وهناك تعاقد‬

‫‪37‬‬
‫ضمني بني أطرافها عىل املنظور القصيص هلا‪ ،‬أي أن صاحبها أو‬
‫راوهيا ال يطابق بينها وبني أشكال الكتابة التحقيقية أو التارخيية‪،‬‬
‫ال قصصي ًا‪ ،‬واألمر نفسه مفهوم‬ ‫بل ينطلق من التعامل معها تعام ً‬
‫ـخ َرج من هذا الشكل‬ ‫عند املتل ّقي‪ ،‬وحتدث اإلشكاالت عندما ُت ْ‬
‫القصيص الذي يسمح بحضور العنرص اخليايل‪ ،‬لينظر إليها من‬
‫زاوية التاريخ‪ ،‬والوقائع الفعلية له‪.‬‬
‫ـ شخصيات األسطورة‪:‬‬
‫ترتبط أساطري األولني بالشخصيات البرشية‪ ،‬وقد تنسب‬
‫إليها أفعال خارقة‪ ،‬لكنها تظل ﻲﻓ صورة أفعال قصصية يراد منها‬
‫حتقيق اإلعجاب باألبطال‪ ،‬لكن خيرج عن معنى األسطورة كثري‬
‫من األشكال الرسدية األخرى التي عرفها العرب‪ ،‬وخصوص ًا‬
‫ال بارتباطه بقصص احليوان وما يدخل‬ ‫(اخلرافة)‪ ،‬وقد ُم ّيز إمجا ً‬
‫ﻲﻓ بطولته شخصيات غري إنسانية كاجلن واملخلوقات غري املرئية‪،‬‬
‫ولكن املصطلح الرسدي حيتاج درس ًا مستق ً‬
‫ال لتتبع خمتلف األنواع‬ ‫ّ‬
‫ومتييز التشاهبات واالختالفات بينها‪ ،‬وما حلق هبا من تطور ﻲﻓ‬
‫الداللة والوظيفة من عرص إىل آخر‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫ثانياً‪ :‬النضر بن احلارث وأساطري األولني‬

‫أشار املسترشق األملاين كارل بروكلامن إشارة مقتضبة إىل‬


‫صلة النرض بن احلارث بالقصص عندما عرض ملوضوع أولية‬
‫النثر العريب‪ ،‬قال ‪« :‬ويروى أن النرض بن احلارث ّ‬
‫املكي كان كثري ًا‬
‫ما يعارض النبي (صىل اهلل عليه وسلم) بحكاية أقاصيص من‬
‫أساطري بطولة الفرس‪ ،‬إذا أراد النبي (صىل اهلل عليه وسلم) أن‬
‫يعظ قومه ويستميلهم إىل اإلسالم بذكر أقاصيص األولني»(‪.)29‬‬
‫كام انتبهت الدكتورة وديعة طه النجم هلذه اإلشارة املهمة‬
‫والقصاص‬
‫َّ‬ ‫وتوسعت فيها يف بضع صفحات من كتاهبا (القصص‬ ‫ّ‬
‫يف األدب اإلسالمي)‪ ،‬مؤكدة ريادة النرض بن احلارث بوصفه‬
‫القصاص زمن ًا من ظهور اإلسالم» (‪ ،)30‬كام أشارت إىل‬
‫«أقرب َّ‬
‫أخباره وإىل مصادر قصصه لعل ذلك ييضء لنا شيئ ًا من بدايات‬
‫الرسد عند العرب‪.‬‬
‫وتكاد التفاسري واملصنفات العربية تتفق أن النرض بن احلارث‬
‫األول لتعبري «أساطري األولني» ‪ ،‬وأنه صاحب الرأي‬
‫هو املصدر ّ‬

‫‪39‬‬
‫ﻲﻓ تصنيف القرآن عىل هذا النحو‪ .‬ومما ورد فيه «قيل‪ :‬النرض (بن‬
‫احلارث) هو الذي قال‪ :‬سأنزل مثل ما أنزل اهلل‪ ،‬قال ابن عباس‪:‬‬
‫نزل فيه ثامين آيات من القرآن ‪ ...‬وكل ما ذكر فيه األساطري من‬
‫القرآن»(‪ ،)31‬كام وصف النرض بأنه كان من «شياطني قريش‪،‬‬
‫وممن كان يؤذي رسول اهلل صلىّ اهلل عليه وسلم‪ ،‬وينصب له‬
‫العداوة»‪)32(.‬‬

‫ووصفه بأنه من شياطني قريش يعني ﻲﻓ السياق العريب الدهاء‬


‫واملكر واخلبث وما هو قريب من ذلك‪ .‬وأن يصف النرض القرآن‬
‫بأنه من (أساطري األولني) فإن ذلك ينطوي عىل معرفة النرض نفسه‬
‫هبذا اللون‪ ،‬مثلام ّ‬
‫أن من وصفوا القرآن بأنه رضب من الشعر‪ ،‬هم‬
‫فن الشعر‪ ،‬كام أن ما ينسب إليه من قوله‪( :‬سأنزل مثل‬
‫ممن يعرفون ّ‬
‫ما أنزل القرآن) ينطوي عىل االستجابة للتحدّ ي الذي ورد رصاحة‬
‫عىل لسان النبي حممد صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬ونزلت به آيات القرآن‪،‬‬
‫كام ينطوي عىل ثقة مطلقة عند النرض بخربته ومقدرته‪ ،‬وإذا ربطنا‬
‫هذا التحدي بمعرفته ألساطري األولني‪ ،‬فإن «قرآنه» املفرتض لن‬
‫جياوز ما كان يعرفه‪ ،‬مع االنتباه إىل أن استخدامه لتعبري‪ :‬سأنزل‪،‬‬
‫ال يعدو معنى التأليف والوضع‪ ،‬ألنه أساس ًا ال يؤمن بأن القرآن‬

‫‪40‬‬
‫منزل‪ ،‬بل كان زعمه أن حممد ًا (صلىّ اهلل عليه وسلم) وضعه‪،‬‬
‫حصله من معرفة بأخبار‬
‫واستعان ﻲﻓ وضعه بأساطري األولني‪ ،‬وبام ّ‬
‫األقدمني‪ ،‬أو استعان عىل هذا األمر بغريه من الناس‪ ،‬كام جاء ﻲﻓ‬
‫بعض اإلشارات القرآنية التي نقدت املوقف القريش‪ ،‬وكشفت‬
‫عن جدل النرض بن احلارث ومعاداته للدين اجلديد آنذاك‪.‬‬
‫ليس بني أيدينا غري نتف من األخبار انفلتت من املصنفني‬
‫العرب ﻲﻓ سياق احلديث عن شخصية النرض بن احلارث‪ ،‬مما يمكن‬
‫أن يوضح طبيعة هذا اللون الرسدي‪ ،‬ومدى وضوحه ﻲﻓ حقبة ما‬
‫قبل اإلسالم‪ ،‬وقد ورد اإلخبار عنه يقين ًا ﻲﻓ القرآن الكريم‪ ،‬لكن ما‬
‫نريده أن تتوضح الصورة‪ ،‬وتبني خصائص هذا النوع‪ ،‬وأن نتعرف‬
‫الو ّفية‬
‫إىل نامذج منه‪ ،‬إىل غري ذلك من متطلبات الدراسة املستقصية َ‬
‫ملوضوعاهتا وحماورها األساسية‪.‬‬
‫أورد ابن هشام ﻲﻓ السرية النبوية خرب النرض بن احلارث بيشء‬
‫من التفصيل‪ ،‬ويبدو أن ما جاء عنده اختذ مرجع ًا ملن نقلوا عنه‪،‬‬
‫أو اعتمدوا عليه بصورة واضحة‪ ،‬تتكشف من مقارنة األخبار‪،‬‬
‫وتقدير العالقة بني املتأخر واملتقدم‪.‬‬
‫أما اسمه ونسبه عند ابن هشام فهو «النرض بن احلارث بن‬

‫‪41‬‬
‫كلدة بن علقمة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قيص ‪ ...‬ويقال‬
‫النرض بن احلارث بن علقمة بن كلدة ‪ ...‬وكان النرض بن احلارث‬
‫من شياطني قريش‪ ،‬وممن كان يؤذي رسول اهلل صلىّ اهلل عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وينصب له العداوة‪ ،‬وكان قد قدم احلرية‪ ،‬وتعلم هبا‬
‫أحاديث ملوك الفرس‪ ،‬وأحاديث رستم وإسفنديار‪ ،‬فكان إذا‬
‫فذكر فيه باهلل‪ّ ،‬‬
‫وحذر‬ ‫جلس رسول اهلل صلىّ اهلل عليه وسلم جملسا ّ‬
‫قومه ما أصاب من قبلهم من األمم من نقمة اهلل‪َ ،‬خ َلفه يف جملسه‬
‫إذا قام‪ ،‬ثم قال‪ :‬أنا واهلل يا معرش قريش‪ ،‬أحسن منه حديث ًا‪ّ ،‬‬
‫فهلم‬
‫إيل‪ ،‬فأنا أحدثكم أحسن من حديثه‪ ،‬ثم حيدثهم عن ملوك فارس‬
‫ورستم وإسفنديار‪ ،‬ثم يقول‪ :‬بامذا حممد أحسن حديث ًا مني؟»(‪)33‬‬

‫ويبدو من خالل هذه الروايات أن النرض بن احلارث كان ينطلق‬


‫من موقع التنافس والغرية‪ ،‬فقبل مبعث النبي صلىّ اهلل عليه وسلم‪،‬‬
‫كان يعدُّ نفسه األحسن حديث ًا ﻲﻓ املجالس العامة‪ ،‬هبذه األخبار‬
‫الغريبة التي يعرفها دون اآلخرين‪ ،‬لكن ظهور حممد (صلىّ اهلل‬
‫عليه وسلم) كان إيذان ًا بأفول نجمه‪ ،‬وربام يفسرّ هذا بعض أسباب‬
‫عداوته وبغضه‪ ،‬إىل جانب أسباب أخرى سياسية أو دينية‪.‬‬
‫وإذا كانت غايتنا ﻲﻓ هذا املقام البحث عن النرض بن احلارث‬

‫‪42‬‬
‫القص العريب‪ ،‬ومؤسس ًا للون خمصوص‬ ‫ّ‬ ‫بوصفه رائد ًا من رواد‬
‫من األنواع األدبية التي عرفها العرب ﻲﻓ حقبة مبكرة من تارخيهم‪،‬‬
‫فإننا مضطرون لقراءة جتربته القصصية قراءة استنتاجية من خالل‬
‫إشارات وردت عنها ﻲﻓ سياق املصادر العربية اإلسالمية‪ ،‬التي‬
‫ركزت عىل عداوته للنبي الكريم ولإلسالم‪ ،‬ومل‬ ‫ركزت أكثر ما ّ‬
‫تعن بالوظيفة الرسدية التي هنض هبا‪ ،‬وكانت جزء ًا من أدوات‬ ‫َ‬
‫حربه ودفاعه عن موقفه‪ .‬ولذلك فام نقوم به يشبه أن يكون‬
‫جتاوز ًا للطبقات الظاهرية من أخبار النرض‪ ،‬ونفاذ ًا إىل خلفية تلك‬
‫ال ﻲﻓ رسم صورة قاص رائد نعرف شيئ ًا من أخباره‪،‬‬ ‫األخبار‪ ،‬أم ً‬
‫القصصية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وبعض معامل طريقته‬
‫وأول ما يمكن االستدالل عليه ّ‬
‫أن النرض بن احلارث قاص‪،‬‬ ‫‪ّ .1‬‬
‫يروي أخبار ًا ومرويات جيمع هلا الناس ﻲﻓ املجالس‪ ،‬فهو يؤدي‬
‫قصصه مشافه ًة‪ ،‬اعتامد ًا عىل قصص وأخبار ثقفها من أسفاره‬
‫ورحالته إىل احلرية وبالد فارس‪ ،‬فهو ال يكتفي بالقصص العريب‪،‬‬
‫وإنام جيلب قصص ًا من أقوام أخرى‪ ،‬وقد يكون ﻲﻓ هذه املثاقفة ٌ‬
‫نوع‬
‫من البحث عن اإلدهاش والتوافر عىل عنارص الغريب والعجيب‬
‫واستاملة السامع أو القارئ‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫وتذهب بعض املصادر أبعد من ذلك‪ ،‬فهو ال جيلب القصص‬
‫اتفاق ًا أو مصادفة‪ ،‬وإنام استناد ًا إىل ّنية رسدية‪ ،‬ووعي قصيص يطلب‬
‫األخبار واملرويات‪ ،‬ويدفع ﻲﻓ سبيلها املال‪ ،‬فيشرتهيا‪ ،‬ويكتبها ثم‬
‫يأيت هبا ﻲﻓ صحف أو كتب‪ ،‬فيقرأ منها عىل مسامع القوم املتشوقني‬
‫للرسد ورضوب فنونه‪.‬‬
‫ونستدل عىل ذلك بام أورده الواحدي ﻲﻓ أسباب نزول القرآن‬
‫الكـريم تعليق ًا عـىل اآليـة الكـريمة ﴿ومـن النـاس مـن يشرتي‬
‫ال عن الكلبي ومقاتل أهنا «نزلت ﻲﻓ النرض‬ ‫هلو احلديث﴾(‪ )34‬نق ً‬
‫بن احلارث وذلك أنه كان خيرج تاجر ًا إىل فارس فيشرتي أخبار‬
‫األعاجم‪ ،‬فريوهيا وحيدث هبا قريش ًا‪ ،‬ويقول هلم‪ّ :‬‬
‫إن حممد ًا (عليه‬
‫السالم) حيدثكم بحديث عاد وثمود وأنا أحدثكم بحديث رستم‬
‫وإسفنديار وأخبار األكارسة‪ ،‬فيستملحون حديثه ويرتكون استامع‬
‫القرآن»(‪.)35‬‬
‫صح أنه كان يشرتي تلك األخبار‪ ،‬فذلك دليل عىل‬ ‫وإذا ّ‬
‫ولعه بالرسد‪ ،‬وشدة اهتاممه به‪ ،‬كام يشري اخلرب من جانب آخر إىل‬
‫طبيعة الثقافة العربية قبل اإلسالم‪ ،‬فقد عرفت تلك الثقافة رشاء‬
‫الصحف والكتب‪ ،‬مثلام عرف بعض أعالمها الكتابة منذ وقت‬

‫‪44‬‬
‫مبكر‪ ،‬وعىل ما يبدو كان النرض بن احلارث من أبرز مث ّقفي عرصه‬
‫وك ّتابه‪ ،‬وقد دلت اآلية الكريمة يقين ًا أنه كان يكتب تلك األخبار‬
‫أو ينسخها أو يشرتهيا مكتوبة‪ ،‬وإذ نزل القرآن الكريم ذهب ظنه‬
‫أنه ال يبعد أن يكون نوع ًا من املرويات التي تشبه ما اشرتاه وما‬
‫كتبه ثم ألقاه عىل مسامع قومه ‪ ...‬وليس من املعقول أن يكون‬
‫النرض بن احلارث قد بدأ نشاطه القصيص حتدي ًا للقرآن فحسب‪،‬‬
‫ألن مثل هذا النشاط حيتاج إىل خربة ومراس‪ ،‬ومن املنطقي أن‬
‫يكون للنرض نصيب وافر من ذلك قبل نزول القرآن ومبعث النبي‬
‫(صلىّ اهلل عليه وسلم)‪ ،‬ولـماّ جاء القرآن الكريم‪ ،‬حاول النرض أن‬
‫جيعل الرسد أحد أسلحته ملواجهة الدين اجلديد‪ .‬وكل هذا يشري‬
‫إىل أن القص ارتفعت منزلته حتى استحقّ أن ُي ْب َذل املال من أجله‪،‬‬
‫ومن أجل توفري حاجاته ومستلزماته‪.‬‬
‫‪ .2‬هل يمكننا اعتامد ًا عىل النتف املتعلقة بالنرض أن نكتشف‬
‫طبيعة مرو ّياته وأسلوب رسده هلا؟؟ ذكرت لنا الروايات أن النرض‬
‫حدث قومه عن «ملوك فارس ورستم السنديد وإسفنديار» وفق‬
‫رواية ابن هشام التي أوردناها‪ ،‬كام جاء يف رواية للمرزوقي‪،‬‬
‫جاءت عرض ًا ﻲﻓ التعليق عىل قصيدة منسوبة إىل ابنته قتيلة بنت‬
‫النرض بن احلارث تندب أباها وتعاتب النبي صلىّ اهلل عليه وسلم‬
‫‪45‬‬
‫ﻲﻓ مقتله‪« ،‬وكان من مجلة أذاه أنه كان يقرأ الكتب ﻲﻓ أخبار العجم‬
‫عىل العرب‪ ،‬ويقول‪ :‬حممد يأتيكم بأخبار عاد وثمود‪ ،‬وأنا أنبئكم‬
‫نبوته‪ ،‬وأنه إن‬
‫بأخبار الكيارسة واألقارصة‪ ،‬يريد بذلك القدح ﻲﻓ ّ‬
‫نبي ًا إلتيانه بقصص األمم السالفة فإين وقد‬
‫جاز أن يكون ذلك ّ‬
‫أتيت بمثلها رسول أيض ًا‪ ،‬وذكر ابن عباس ﻲﻓ قوله تعاىل ﴿ومن‬
‫الناس من يشرتي هلو احلديث﴾ أهنا نزلت ﻲﻓ النرض بن احلارث‬
‫الداري (نسبه إىل بني عبد الدار) وكان يشرتي كتب األعاجم‬
‫فارس والروم وكتب أهل احلرية‪ ،‬فيحدث هبا أهل مكة‪ ،‬وإذا سمع‬
‫القرآن أعرض واستهزأ به»(‪ .)36‬وهذه رواية ال تعارض رواية ابن‬
‫هشام ﻲﻓ السرية‪ ،‬لكنها توضحها أو تضيف إليها‪ ،‬ويمكننا أن نشري‬
‫إىل األمور التالية ﻲﻓ طبيعة مرويات النرض بن احلارث‪:‬‬
‫أ‪ .‬أهنا مستمدة من مصادر أجنبية (أخبار العجم) وخصوص ًا‬
‫أخبار فارس والروم‪ ،‬ومها أبرز حضارتني جماورتني للعرب ﻲﻓ‬
‫تلك احلقبة‪.‬‬
‫ب‪ .‬كان لدى النرض كتب يقرأ منها أو يستند إليها‪ .‬ووفق‬
‫رواية املرزوقي‪ ،‬فقد كانت تلك الكتب معه ﻲﻓ جمالسه‪ ،‬خيتار‬
‫فصو ً‬
‫ال منها ويقرأها عىل مسامع القوم‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫ﺟ‪ .‬من بني القصص الذي يرويه أو حيدث به قصص بطويل عن‬
‫بعض الفرسان من مثل‪ :‬رستم السنديد وأسفنديار ومن يشبههام‪.‬‬
‫وهؤالء من أبطال القصص الفاريس‪ ،‬وقد أشار املرزوقي ﻲﻓ‬
‫األزمنة واألمكنة إىل أسامء خيوهلم قال «وأما فرسان العجم‬
‫فلم يذكر هلم خيل وال فرس سابق‪ ،‬إ ّ‬
‫ال أدهم إسفنديار وشبديز‬
‫كرسى‪ ،‬ورخش رستم‪ ،‬وذكروا عنها أحاديث طريفة»(‪.)37‬‬
‫ومن املرجح أن النرض عرف بعض تلك األحاديث من أسفاره‬
‫ومن كتبه وحدث هبا قومه‪ .‬أي أن قصصه يتصل ﻲﻓ بعض جوانبه‬
‫بأخبار الفروسية‪ ،‬وهي موضوع يناسب امليل العريب إىل البطولة‪،‬‬
‫وإىل تقدير الفرسان ومتابعة قصصهم وما يؤثر عنهم‪.‬‬
‫وعند النرض بن احلارث أن هذه األحاديث البطولية ال ختتلف‬
‫عن غريها من أخبار األقدمني‪ ،‬مما حدث ببعضه النبي الكريم‬
‫نحو أحاديث عاد وثمود وما يشبهها من أحاديث العرب‪ ،‬كأن‬
‫يميز بني النوعني‪ ،‬ما حيمله من‬‫املظهر الرسدي قد خدع النرض فلم ّ‬
‫أخبار‪ ،‬وما جاء به القرآن من قصص‪ ،‬ففي نظره أهنام نمط واحد‪،‬‬
‫قاص ًا‪ ،‬اكتتب أخبار ًا‪،‬‬
‫ال ّ‬‫وأن حممد ًا ـ صلىّ اهلل عليه وسلم ـ ليس إ ّ‬
‫كام فعل هو‪ ،‬عندما اكتتب أخبار األعاجم ومحلها إىل قومه‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫هنا يمكن أن ننبه أن النرض مل يعرتض عىل ما جاء به النبي صلىّ‬
‫اهلل عليه وسلم من ناحية كونه أخبار ًا أو قصص ًا‪ ،‬وإنام اعرتاضه‬
‫عىل ما ظنه أو حسبه من مبالغة يف حتديد مصدر ما يقوله (حممد‬
‫صلىّ اهلل عليه وسلم) وغاظه أن تنسب تلك األحاديث إىل السامء‪،‬‬
‫بينام أحاديثه هو تظل أرضية‪ ،‬وال تبلغ ما تبلغه أحاديث حممد من‬
‫تأثري ومكانة‪.‬‬
‫ويمكن القول بأن موقف القرآن الكريم ذاته‪ ،‬من أحاديث‬
‫النرض‪ ،‬ليس موقف ًا مركزي ًا من النوع األديب‪ ،‬وإنام منبع املوقف‬
‫القرآين وما ورد بشأن (أساطري األولني) والنرض بن احلارث ﻲﻓ‬
‫متأت من رفض مساواة القرآن (األحاديث الساموية)‬ ‫ٍ‬ ‫القرآن‬
‫بأخبار أرضية‪ ،‬أي رفض موقف النرض من جهة سعيه للتقليل من‬
‫شأن القرآن‪ ،‬واهلبوط به إىل مستوى ما هو معروف وشائع‪ ،‬مما‬
‫عرفه النرض نفسه وحدّ ث به‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫ثالثاً‪ :‬السرد فـي إطار التحدي‬

‫وهذا يفيض بنا إىل ربط الرسد بقضية التحدي‪ ،‬وهي واحدة‬
‫من القضايا التي يشيع احلديث عنها ﻲﻓ كتب إعجاز القرآن‬
‫والبيان القرآين‪ ،‬فإذا كان العرب قد متيزوا أكثر ما متيزوا بالبيان‪،‬‬
‫فقد حتداهم القرآن الكريم فيام بلغوا حظ ًا صاحل ًا فيه‪ ،‬كي يكون‬
‫التحدي جمدي ًا ونافع ًا‪ ،‬لعلهم يؤمنون بالدعوة اجلديدة‪ ،‬ويدركون‬
‫املصدر اإلهلي للقرآن الكريم‪.‬‬
‫ويف سائر مناقشات هذه القضية يرد ذكر بعض اآليات نحو‬
‫قوله تعاىل‪﴿ :‬فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون اهلل‬
‫إن كنتم صادقني﴾(‪)38‬‬

‫ونحو قوله تعاىل‪﴿ :‬قل لئن اجتمعت اإلنس واجلن عىل أن‬
‫ٍ‬
‫لبعض‬ ‫يأتوا بمثل هذا القرآن ال يأتون بمثله ولو كان بعضهم‬
‫ظهري ًا﴾ (‪.)39‬‬
‫وتكاد املصادر العربية جتمع عىل أن العرب امتنعوا عن إجابة‬
‫هذا التحدي‪ ،‬وعجزوا عن الدخول فيه‪ ،‬وباستثناء معارضات‬
‫‪49‬‬
‫تفيض بالسخف الظاهر مما ينسب إىل مسيلمة ّ‬
‫الكذاب وأمثاله ال‬
‫نجد أية نامذج أو إشارات إىل حماوالت الرد عىل التحدي البياين‬
‫للقرآن‪.‬‬
‫ولذلك كان من نتيجة التحدي أن «عجزوا عن معارضته‬
‫بمثله أو مناقضته ﻲﻓ شكله‪ ،‬ثم صار املعاندون له ممن كفر به‬
‫وأنكره يقولون مرة إنه شعر ملا رأوه كالم ًا منظوم ًا‪ ،‬ومرة سحر‬
‫إذ رأوه معجوز ًا عنه‪ ،‬غري مقدور عليه‪ ... ،‬وكانوا مرة جلهلهم‬
‫األولني اكتتبها فهي تمُ ىل عليه بكرة‬
‫وحريهتم يقولون ﴿أساطري ّ‬
‫وأصيالً﴾ (‪ ،)40‬مع علمهم أن صاحبه أ ّمي وليس بحرضته من‬
‫يميل أو يكتب»(‪.)41‬‬
‫ونحو هذا ما ذكره السيوطي ﻲﻓ اإلتقان «فلو كان ﻲﻓ مقدورهم‬
‫معارضته لعدلوا إليها قطع ًا للحجة‪ ،‬ومل ينقل عن أحد منهم أنه‬
‫حدث نفسه بيشء من ذلك وال رامه‪ ،‬بل عدلوا إىل العناد تارة‪،‬‬
‫وإىل االستهزاء أخرى‪ ،‬فتار ًة قالوا‪ :‬سحر‪ ،‬وتارة قالوا‪ :‬شعر‪ ،‬وتارة‬
‫قالوا‪ :‬أساطري األولني‪ ،‬كل ذلك من التحري واالنقطاع»(‪.)42‬‬
‫وما يعنينا ﻲﻓ هذا املقام أن نؤكد حضور الرسد ﻲﻓ إطار قضية‬
‫التحدي‪ ،‬وهذا احلضور يعني أن له شأن ًا ﻲﻓ حياة العرب‪ ،‬وأنه‬

‫‪50‬‬
‫أحد أبواب الفن التي طرقوها آنذاك‪ ،‬وما أسموه (أساطري‬
‫األولني) وصنفوا القرآن ضمن هذا اللون‪ ،‬ال بدّ أن يكون نمط ًا‬
‫أدبي ًا معروف ًا‪ ،‬له سامت وميزات فارقة‪ ،‬وال شك ﻲﻓ أن جتربة النرض‬
‫بن احلارث هي جتربة رسدية ﻲﻓ (أساطري األولني)‪ ،‬وربام تكون‬
‫األحاديث الغائبة للنرض هي النامذج النادرة التي اجرتأت عىل‬
‫معارضة القرآن‪ ،‬وإجابة التحدي‪ ،‬حتى لو مل تبلغ مستوى اإلقناع‪،‬‬
‫وربام كان هلا دور ﻲﻓ إحداث نوع من االلتباس أفاد منه النرض ﻲﻓ‬
‫إذاعة فنه الرسدي‪ ،‬ويف دخول الرصاع الذي اختاره‪ ،‬وقد ترضر‬
‫النبي الكريم صىل اهلل عليه وسلم من حماوالت النرض‪ ،‬ﻲﻓ انرصاف‬
‫الناس عنه‪ ،‬ويف نظراهتم املرتابة إىل ما حيمله من كالم اهلل العزيز‪.‬‬
‫ومع أن املصادر العربية قد حدثتنا عن األخبار التي كان النرض‬
‫حيدث هبا قومه‪ ،‬وأوردت أهنا كانت مكتوبة حيملها معه يف صحف‬
‫وكتب‪ ،‬وأشارت اآلية الكريمة ﴿أساطري األولني اكتتبها ‪﴾ ...‬‬
‫إىل أن أساطري األولني مكتوبة‪ ،‬فإننا ال نعثر ﻲﻓ املصادر العربية عىل‬
‫أي نص أو رواية تقربنا بدرجة كافية من تلك املرويات الرسدية‪،‬‬
‫ولذلك فنحن مضطرون إىل مقاربتها من خالل أخبارها‪ ،‬ال عرب‬
‫دراسة نصوصها‪ ،‬أو تأمل نامذج مناسبة منها‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫وما نود التشديد عليه أن (أساطري األولني) أو (أخبار األقدمني)‬
‫التي استخدمها النرض سالح ًا ﻲﻓ حربه أو عداوته مل تبتدع بمناسبة‬
‫التحدي‪ ،‬وال مع نزول القرآن الكريم‪ ،‬وإنام هي أحاديث رسدية‬
‫النرض رسدها ﻲﻓ جمالس مكة‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫مكة قبل ذلك ‪ ،‬وألِ َ‬ ‫عرضتها ّ‬
‫قبل‪ ،‬مما يعني أنه مارس دور القاص قبل اإلسالم‪ ،‬وحني‬ ‫من ُ‬
‫نزل القرآن‪ ،‬وبدأ النبي (صىل اهلل عليه وسلم) يتلوه عىل جمتمع‬
‫مكة‪ ،‬ظ ّنه النرض شبيه ًا بام كان حيدث به قومه ‪ ...‬ثم ضاعف‬
‫عنرص املنافسـة ـ مما أرشنا إليه سابق ًا ـ األسباب املوجبة أو رِّ‬
‫املفسة‬
‫لرصاع النرض بن احلارث مع النبي الكريم؛ فقد يكون النرض‬
‫استشعر الغرية من هذا الرجل الذي يعيل من شأن نفسه‪ ،‬ويقول‬
‫إنه نبي مرسل‪ ،‬ويكاد أهل مكة أو بعضهم أن يصدّ قه‪ ،‬ألنه حيدث‬
‫فلم ال يكون مثله‪َ ،‬‬
‫ومل ال تكون له‬ ‫بأحاديث ال يعلمها اآلخرون‪َ ،‬‬
‫مكانته وهو الذي مجع ثقافة نادرة‪ ،‬وامتلك موهبة القص‪ ،‬ومع‬
‫ذلك ظل ﻲﻓ مرتبة دون مرتبة النبي الكريم‪ ،‬ودون أن ينسب‬
‫أحاديثه إىل السامء‪.‬‬
‫وأما القرشيون فكانوا يستملحون حديثه ويعجبون به (أي‬
‫النرض)‪ ،‬ﻲﻓ صورة عالقة و ّد بني الراوي واملروي له‪ ،‬الراوي هنا‬

‫‪52‬‬
‫متداخل مع القاص‪ ،‬النرض ـ القاص ال ينيب راوي ًا عنه‪ ،‬وإنام‬
‫يتحدث مبارشة بلسانه‪ ،‬ويوجه رسده إىل مجهور مستمع‪ ،‬إىل متلقني‬
‫مبارشين‪ ،‬وليسوا افرتاضيني‪ ،‬وهذه طبيعة القص الشفوي‪ ،‬إذ تنعدم‬
‫املسافة بني‪ :‬الراوي واملروي له‪ ،‬ويغدو التلقي رصحي ًا مبارش ًا‪.‬‬
‫ومما يوضح ما ذهبنا إليه ما ذكره الواحدي ﻲﻓ أسباب نزول‬
‫القرآن ﻲﻓ سياق كالمه عىل قوله تعاىل‪﴿ :‬ومنهم من يستمع‬
‫إليك‪ ﴾...‬فقد ذكر عن ابن عباس ﻲﻓ رواية أيب صالح‪« :‬أن أبا‬
‫سفيان بن حرب والوليد بن املغرية والنرض بن احلارث وعتبة‬
‫وأبي ًا ابني خلف استمعوا إىل رسول اهلل‬
‫وشيبة ابني ربيعة وأمية ّ‬
‫صىل اهلل عليه وس ّلم‪ ،‬فقالوا للنرض‪ :‬يا أبا قتيلة ما يقول حممد؟‬
‫ال أين أرى أنه حيرك‬‫قال‪ :‬والذي جعلها بيته ما أدري ما يقول‪ ،‬إ ّ‬
‫ال أساطري األولني‪ .‬مثل ما كنت‬ ‫شفتيه يتكلم بيشء‪ ،‬وما يقول إ ّ‬
‫أحدثكم عن القرون املاضية‪ ،‬وكان النرض كثري احلديث عن‬
‫القرون األوىل‪ ،‬وكان حيدث قريش ًا فيستملحون حديثه‪ ،‬فأنزل اهلل‬
‫تعاىل هذه اآلية»(‪.)43‬‬
‫اجلامعة ﻲﻓ هذا اخلرب تستفتي النرض عن أمر حممد صىل اهلل‬
‫عليه وس ّلم‪ ،‬بعدما استمعوا إليه‪ ،‬واستفتاء النرض ﻲﻓ مثل هذا‬

‫‪53‬‬
‫الشأن إشارة إىل مكانته بينهم‪ ،‬وإىل أنه األقدر عىل فهم ما جاء به‬
‫حمم ً‬
‫ال باحلرية (ما أدري ما‬ ‫النبي الكريم‪ ،‬ولكن جواب النرض جاء ّ‬
‫يقول)‪ ،‬ثم يذهب إىل نسبة ما سمعه إىل (أساطري األولني)‪ ،‬ولعل‬
‫هذا التصنيف أقرب إىل تصنيف الشكل ال املضمون‪ ،‬فالنرض‬
‫يعرف رضب ًا رسدي ًا‪ ،‬أطلق عليه هذه التسمية‪ ،‬وهو مع عدم معرفته‬
‫بمعنى ما سمع من النبي صىل اهلل عليه وس ّلم‪ ،‬فقد رآه قريب ًا من‬
‫الشكل الذي يتناسب مع معايري ثقافته‪ ،‬ومن هنا نفهم اجتامع‬
‫احلرية مع حماولة حتديد التصنيف املرجعي‪ ،‬ونفهم التناقض الذي‬
‫وسم مواقف النرض من النبي (صىل اهلل عليه وسلم) ومن القرآن‬
‫الكريم‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫رابعاً‪ :‬إسفنديار ورستم‪:‬‬
‫استطراد توضيحي‬

‫مل ترتك لنا املصادر العربية إال إشارات قليلة مكررة عام كان‬
‫يرسده النرض بن احلارث‪ ،‬ومنها اإلشارة التي تربط معرفته الرسدية‬
‫بقص أخبار الفرس أو العجم‪ ،‬وتسمي تلك املصادر اسمني حمددين‬
‫كأمثلة عىل ذلك الرضب من الرسد‪ ،‬ومها‪ :‬إسفنديار ورستم بام‬
‫يفيد أهنام علامن فارسيان شاع توظيف أخبارمها ﻲﻓ رسد النرض‪،‬‬
‫متأثر ًا ببيئة احلرية التي زارها تاجر ًا وأعجب هبا مث ّقف ًا‪ ،‬فكتب‬
‫ما كتب عنها‪ ،‬واشرتى كتب األعاجم مما أعجبه من أسواقها‪،‬‬
‫ويبدو أن اختياره كان يميل إىل كتب الرسد دون غريها‪ ،‬بالنظر‬
‫إىل حضور اسمه وذكره ﻲﻓ (أساطري األولني) وما جاورها من‬
‫أحاديث ُمقاربة‪.‬‬
‫وينتمي إسفنديار إىل مرحلة مبكرة تقدّ ر بحوايل ألف سنة أو‬
‫ألف وأربعامئة سنة قبل ميالد املسيح‪ ،‬حسب تدقيقات إدوارد براون‬
‫(كتشاسب) وفق‬ ‫الذي حاول أن يقدّ ر عرص اسفنديار ووالده َ‬

‫‪55‬‬
‫املصادر التي اعتمد عليها‪ .‬والالفت أن كثري ًا من مالحظات براون‬
‫التي اعتمدت عىل النقوش وعىل املصادر الفارسية واالسترشاقية‬
‫تطابق إىل حد كبري ما جاء ﻲﻓ بعض املصادر العربية القديمة وعىل‬
‫وجه اخلصوص ما جاء عند محزة األصفهاين‪ ،‬املؤلف ذي األصل‬
‫الفاريس (تويف قرابة ‪360‬هـ)‪.‬‬
‫أما والد اسفنديار فقد سامه األصفهاين (كي كتشاسب)‬
‫وجعله ﻲﻓ الطبقة الثانية من ملوك فارس وسماّ ها (الكيانية) بعد‬
‫املرحلة أو الطبقة األوىل املسامة عنده (الفيشدادية) وهو يشري إىل‬
‫اطالعه عىل كتب التاريخ الفاريس وعىل تعارضها أو اختالفها‬
‫ﻲﻓ سياقة التاريخ القديم‪ .‬ويشري إىل أن زرادشت قد ظهر ﻲﻓ زمن‬
‫(كتشاسب) (وهو عنده إما اسفنديار نفسه أو والد اسفنديار وهو‬
‫أرجح) يقول‪:‬‬
‫«كتشاسب كان ﻲﻓ سنة ثالثني من ملكه ومخسني من عمره أتاه‬
‫زرادشت أذربيجان يعرض عليه الدين فقبله‪ ،‬ثم بعث له وفود ًا‬
‫إىل الروم ودعاهم إليه ‪ ...‬ويف زمان كتشاسب بنى ابنه اسفنديار‬
‫ﻲﻓ وجه الرتك حائط ًا من وراء سمرقند عرشين فرسخ ًا‪ ...‬وكان‬
‫يسمى الطويل الباع وذلك لبعد مغازيه‪ »...‬ووفق رأي األصفهاين‬
‫ّ‬

‫‪56‬‬
‫فإن تواريخ هؤالء امللوك ومن سبقهم ﻲﻓ العهد القديم كلها‬
‫مدخولة غري صحيحة(‪.)44‬‬
‫وال تبتعد استخالصات إدوارد براون عام ذكره األصفهاين‪،‬‬
‫مما يشري إىل دقة املؤرخ العريب ـ الفاريس القديم ووفرة معلوماته‪،‬‬
‫ولذلك ال نجد إضافات حاسمة عند براون رغم اعتامده عىل‬
‫النقوش وعىل الدراسات االسترشاقية والفارسية املتعددة‪ .‬وما‬
‫هيمنا هنا أن نتصور بعض ما كان يعرفه النرض‪ ،‬وحيدّ ث به عن‬
‫اسفنديار ورستم أكثر من التدقيق التارخيي الذي يبدو مستحي ً‬
‫ال‬
‫ﻲﻓ ضوء قدم ذلك العرص‪ ،‬وأنه عرص أسطوري خارج التاريخ‬
‫احلقيقي‪.‬‬
‫يأخذ (براون) عن (نولدكه) تسمية (محاسة إيران القومية)‬
‫وهي محاسة جتلت ﻲﻓ صورة قصصية قديمة ومبكرة ثم نضجت‬
‫عندما «وضعت ﻲﻓ ُصورة الشاهنامة احلامسية املشهورة» ويف‬
‫تلك احلامسة «تربز سلسلة من األحداث والبطوالت القومية‪...‬‬
‫أحداث وبطوالت تتصل بمجموعة من األبطال واملحاربني‬
‫الذين ينتمون إلحدى األرس الكبرية ﻲﻓ سيستان وزابلستان‪ .‬ومن‬
‫األسامء التي تلفت األنظار أكثر من سواها‪ :‬نريامن‪،‬وسام‪ ،‬وزال‪،‬‬

‫‪57‬‬
‫ورستم‪ ،‬وسهراب‪ .‬وأهم شخص من أصحاب هذه األسامء‪:‬‬
‫رستم‪ .‬مضت قرون عىل إيران لعب فيها رستم دور ًا رسمه‬
‫اهلل له لينقذ ملوك الكيانيني من املشاكل واألخطار‪ ،‬وقد متكن‬
‫بجواده (الرخش) عن طريق سلسلة من البطوالت واملعارك ضد‬
‫الوحوش والشياطني‪ ،‬من أن يلعب دورا رئيس ًا ﻲﻓ حياهتم‪ ،‬وقد‬
‫انتهى األمر بقتله غدر ًا عىل يد أخيه بعد أن قتل رستم إسفنديار‪.‬‬
‫وإسفنديار أو سبنددات ‪ Spendedet‬بن َكشتاسب (وشتاسب)‬
‫‪ Vishtaspa‬حامي زرادشت ونصريه‪ .‬وقد تصور اشبيجل أن‬
‫رستم مل يذكر عمد ًا ﻲﻓ األفستا (الكتاب األسايس للزرادشتية)‬
‫وأرجع ذلك إىل أنه كان يعارض الدين‪ ،‬لكن (نولدكه) استبعد‬
‫ذلك ورجح الرأي القائل بأن أسطورة سيستان ورستم وأجداده‬
‫مل تكن معروفة ملؤلفي (األفستا)‪ ،‬أو مل تبلغهم أخبارها قط‪ .‬وعىل‬
‫ال ﻲﻓ موضع أو موضعني فقط من‬ ‫أي حال فإن اسم رستم مل يرد إ ّ‬
‫اآلثار البهلوية املكتوبة املتأخرة‪ ،‬ويبدو أن املؤرخ األرمني الذي‬
‫ينتمي ألهل خورن واسمه (موسس خورناتيس) قد اطلع عىل‬
‫أعامله البطولية ﻲﻓ القرن السابع أو الثامن امليالدي‪ ،‬ﻲﻓ الوقت الذي‬
‫اكتشف فيه العرب‪ ،‬فاحتي سيستان‪ ،‬اسطبل الرخش (حصان‬

‫‪58‬‬
‫رستم)‪ .‬ويصل بنا قتل رستم إىل هناية عهد الكيانيني تقريب ًا‪ ،‬عهد‬
‫أساطري البطولة القومية الرصف»(‪.)45‬‬
‫متيز بتمحوره عىل‬‫وهذا العهد (الكياين) األسطوري الذي ّ‬
‫أبطال مرموقني شكل أساس ًا لرسديات بطولية مبكرة‪ ،‬تشكل منها‬
‫الكتاب الشهري (خداي نامه) الذي ترمجه ابن املقفع (ومل تصلنا‬
‫ترمجته) كام ذكر محزة األصبهاين أنه اطلع عىل عدة نسخ متباينة‬
‫منه‪ ،‬أما ما ظل منه فهو الشاهنامة الفارسية‪ ،‬التي خلدت كملحمة‬
‫فريدة جانب ًا كبري ًا من الروح الفاريس القديم‪ ،‬ووفق براون «فقد‬
‫بدأ الدقيقي نظم الشاهنامة الفارسية لنوح بن منصور الساماين‬
‫معتمد ًا عىل هذا الكتاب (خداي نامه) أكثر من غريه‪ ،‬وقد نظم‬
‫ألف بيت حول سلطنة كتشاسب وظهور زرادشت‪ ،‬قبل أن يقتل‬
‫عىل يد غالم تركي‪ ،‬وبعد سنوات قام الفردويس بإكامل ما بدأه‬
‫الدقيقي‪ ،‬وأكمل هذه احلامسة القومية يف ستني ألف بيت فأخذت‬
‫صورهتا النهائية»(‪.)46‬‬
‫لقد أطلنا االقتباس عن األصفهاين وبراون لعل ذلك يوضح‬
‫لنا طبيعة مرويات النرض بن احلارث‪ ،‬أو هذا النوع الذي وصل‬
‫إلينا خربه عن اسفنديار ورستم وغريمها من أبطال القصص‬

‫‪59‬‬
‫الفاريس البطويل‪ ،‬والالفت أن تكون املثاقفة الرسدية قد بلغت‬
‫مستوى متقدم ًا منذ ذلك الزمن ّ‬
‫املبكر (عرص ما قبل اإلسالم)‪،‬‬
‫مما يقدم مؤرش ًا آخر عىل انفتاح احلجاز واجلزيرة العربية عىل‬
‫نرجح أن النرض بن احلارث قد‬ ‫الثقافات املحيطة هبا‪ ،‬ولذلك ّ‬
‫اطلع عىل (خداي نامه) منذ القرن السادس امليالدي‪ ،‬ولعله ترمجه‬
‫إىل العربية‪ ،‬بصيغة تناسب املتلقي العريب‪ ،‬إذ ال يعقل أن يكون‬
‫رسده للعرب بالفارسية‪ .‬كام أننا نميل إىل أن النرض مل يكن يكتفي‬
‫هبذا القصص‪ ،‬بل كان يرسد مرويات أخرى عربية وأعجمية مما‬
‫تناهى إىل علمه ومعرفته‪.‬‬
‫وربام استشعر النرض يف نفسه بعض التيه والتفرد‪ ،‬بالنظر إىل‬
‫الثقافة املخصوصة املتفردة التي حيملها‪ ،‬وإذ نزل القرآن باألنباء‬
‫والقصص واألحاديث الرسدية‪ ،‬مل َير فيها نصوص ًا إهلية ـ سامويـة‬
‫كام يقدمها النبي الكريم صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬وإنام لفته جانبها‬
‫فـطبق عليهـا مقاييسـه وخربتـه‪ ،‬وصنفهـا ضمـن‬
‫ّ‬ ‫السـردي‪،‬‬
‫(أساطري األولني) ليس بمعنى الكذب والبطالن‪ ،‬وإنام باملعنى‬
‫األريض ـ الرسدي‪ ،‬فأنكر اإلعالء من شأهنا لتكون جوهر دين‬
‫جديد ودعوة جديدة تريد أن تقلب املوازين وتبدل ما اعتاده‬

‫‪60‬‬
‫وقومه من نواميس… ومع ذلك اجتاحه الطوفان اجلديد‪ ،‬وبعدها‬
‫بسنوات قليلة انتهى أسري حرب‪ ،‬ثم قتل بيد عيل بن أيب طالب‪ ،‬بأمر‬
‫النبيالكريم‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫خامساً‪ :‬النضر وأسئلته السردية‬

‫حيرض النرض بن احلارث يف موقف آخر‪ ،‬ضمن سياق عداوته‬


‫للقرآن الكريم وللنبي صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬ففي خربه أيض ًا‪،‬‬
‫أنه نصح قريش ًا باستشارة أحبار اليهود يف أمر حممد (صىل اهلل‬
‫النبي الكريم‪ ،‬والبحث عن‬ ‫عليه وسلم)‪ ،‬ربام بحث ًا عام حيرج به ّ‬
‫سبيل لالنتصار عليه‪ ،‬ومن البينّ أن عداوة النرض ختتلف نوع ًا‬
‫ودرجة عن عداوة غريه من زعامء قريش‪ ،‬فلم تكن خشيته تتصل‬
‫بتضعضع مكانته السياسية أو الزعامة االجتامعية وحدها‪ ،‬بل كان‬
‫خيشى عىل مكانته البارزة فيام أبدع فيه من رسد وموسيقى‪ ،‬أي أن‬
‫خيرس مكانته األدبية وما أبدع فيه من فنون البيان الرسدي واإلبداع‬
‫الغنائي‪ ،‬وها قد جاء من ينافسه عىل تلك املكانة‪ ،‬بأحاديث ذات‬
‫صبغة خاصة‪ ،‬ومعنى هذا أن بضاعته ستبور‪ ،‬وسيحل مكاهنا بيان‬
‫جديد ال قبل له بر ّده‪ ،‬أو معارضته بصورة حاسمة ّبينة‪.‬‬
‫نقل ابن هشام عن ابن إسحاق خرب األسئلة الرسدية التي‬
‫وجهها النرض بن احلارث إىل النبي صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬ونورد‬
‫‪63‬‬
‫نص خربه بصياغة ابن هشام ثم سنحاول أن ننظر للخرب من‬
‫منظور رسدي‪.‬‬
‫أما نص اخلرب فهو كام يأيت‪« :‬فلام قال هلم ذلك النرض بن احلارث‬
‫بعثوه وبعثوا معه عقبة بن أيب معيط إىل أحبار هيود باملدينة‪ ،‬وقالوا‬
‫هلام‪ :‬سالهم عن حممد وصفا هلم صفته وأخرباهم بقوله‪ ،‬فإهنم‬
‫أهل الكتاب األول‪ ،‬وعندهم علم ليس عندنا من علم األنبياء‪.‬‬
‫فخرجا حتى قدما املدينة فسأال أحبار هيود عن رسول اهلل صىل اهلل‬
‫عليه وسلم‪ ،‬ووصفا هلم أمره‪ ،‬وأخرباهم ببعض قوله‪ ،‬وقاال هلم‪:‬‬
‫إنكم أهل التوراة‪ ،‬وقد جئناكم لتخربونا عن صاحبنا هذا‪ ،‬فقالت‬
‫هلام أحبار هيود‪ :‬سلوه عن ثالث نأمركم هبن‪ ،‬فإن أخربكم هبن فهو‬
‫متقول‪َ ،‬ف َر ْوا فيه رأيكم‪ .‬سلوه‬
‫نبي مرسل‪ ،‬وإن مل يفعل فالرجل ّ‬
‫عن فتية ذهبوا يف الدهر األول‪ ،‬ما كان أمرهم؟ فإنه قد كان هلم‬
‫طواف قد بلغ مشارق األرض‬ ‫حديث عجب‪ .‬وسلوه عن رجل ّ‬
‫ومغارهبا ما كان نبؤه؟‪ .‬وسلوه ما هي الروح؟ فإذا أخربكم بذلك‬
‫متقول‪ ،‬فاصنعوا يف أمره‬‫فاتبعوه فإنه نبي‪ ،‬وإن مل يفعل فهو رجل ّ‬
‫ما بدا لكم‪ .‬فأقبل النرض بن احلارث وعقبة بن أيب معيط بن أيب‬
‫عمرو بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قيص حتى قدما‬
‫مكة عىل قريش فقاال‪ :‬يا معرش قريش قد جئناكم بفصل ما بينكم‬
‫‪64‬‬
‫وبني حممد‪ ،‬قد أخربنا أحبار هيود أن نسأله عن أشياء أمرونا هبا‪،‬‬
‫فإن أخربكم عنها فهو نبي‪ ،‬وإن مل يفعل فالرجل متقول‪ ،‬فروا فيه‬
‫رأيكم‪ .‬فجاءوا رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم فقالوا‪ :‬يا حممد‬
‫أخربنا عن فتية ذهبوا يف الدهر األول‪ ،‬قد كانت هلم قصة عجب‪،‬‬
‫وعن رجل كان طواف ًا قد بلغ مشارق األرض ومغارهبا‪ ،‬وأخربنا‬
‫عن الروح ما هي‪ .‬قال‪ :‬فقال هلم رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‪:‬‬
‫أخربكم بام سألتم عنه غد ًا ومل يستثن‪ ،‬فانرصفوا عنه‪ .‬فمكث‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم فيام يذكرون مخس عرشة ليلة ال‬
‫حيدث اهلل إليه يف ذلك وحي ًا وال يأتيه جربيل‪ ،‬حتى أرجف أهل‬
‫مكة‪ .‬وقالوا‪ :‬وعدنا حممد غد ًا واليوم مخس عرشة ليلة قد أصبحنا‬
‫منها ال خيربنا بيشء مما سألناه عنه‪ ،‬وحتى أحزن رسول اهلل صىل‬
‫اهلل عليه وسلم مكث الوحي عنه‪ ،‬وشقّ عليه ما يتكلم به أهل‬
‫مكة‪ ،‬ثم جاءه جربيل من اهلل عز وجل بسورة أصحاب الكهف‬
‫فيها معاتبته إياه عىل حزنه عليهم‪ ،‬وخرب ما سألوه عنه من أمر‬
‫الفتية والرجل الطواف والروح»(‪.)47‬‬
‫ﻲﻓ هذا اخلرب‪ ،‬الذي أوردناه بتاممه‪ ،‬حضور ساطع للرسد‪،‬‬
‫فهو مصاغ وفق مبادئ الرسد‪ ،‬أي أن الشكل الفني للخرب شكل‬
‫رسدي مميز‪ ،‬مثلام أن حمور اخلرب أسئلة رسدية‪ ،‬أو اختبار رسدي‪،‬‬

‫‪65‬‬
‫أدى الحق ًا إىل إجابات رسدية‪ .‬ويف كل ذلك ِغنى وقيمة من‬
‫املنظور الذي نحاول أن ّ‬
‫نحكمه ﻲﻓ هذا املقام‪.‬‬
‫ويمكن أن ننظر أو ً‬
‫ال ﻲﻓ اخلرب بوصفه نمط ًا رسدي ًا‪ ،‬من ناحية‬
‫صياغة ابن هشام له‪ ،‬معتمد ًا عىل صياغة أقدم البن إسحاق‪،‬‬
‫الذي اعتمد هو اآلخر‪ ،‬عىل صياغات مبكرة هي صياغات الرواة‬
‫الذين أخذ عنهم‪ .‬فنحن أمام سلسلة من الرواة املتتابعني‪ ،‬وال بدّ‬
‫أن الصياغة الكلية تدين هلم مجيع ًا‪ ،‬فلكل منهم أثر‪ ،‬قبل أن جتري‬
‫الصياغة األخرية عىل يد ابن هشام ووفق أسلوبه ومنظوره‪.‬‬
‫من منظور وظائفي ـ رسدي‪ ،‬نجد مجلة وظائف تندرج تباع ًا‬
‫ﻲﻓ اخلرب‪ ،‬أو يمكننا تفريدها وتنظيمها‪ ،‬وكأن النص يمتلك‬
‫نظامه الوظائفي بمجرد اندراجه ﻲﻓ الصيغة الرسدية‪ .‬أما سلسلة‬
‫الوظائف فيمكن متييزها عىل النحو التايل‪:‬‬
‫‪ .1‬التحيرُّ والتشكك‬
‫(القرشيون حائرون ﻲﻓ أمر حممد)‬
‫‪ .2‬البحث عن مساعد‬
‫(النرض يقرتح االستعانة باألحبار)‬
‫‪ .3‬طلب املساعدة‬

‫‪66‬‬
‫(النرض وصاحبه يستعينان فع ً‬
‫ال باألحبار)‬
‫‪ .4‬احلصول عىل االختبار الرسدي‬
‫(األحبار يقرتحون أسئلة رسدية الختبار حممد)‬
‫‪.5‬التعرض لالختبار‬
‫(النرض يوجه األسئلة الرسدية إىل حممد ووظيفتها أن تكشف‬
‫صدقه من زعمه)‬
‫‪ .6‬طلب تأجيل اإلجابة‬
‫(حممد يطلب مهلة ليوم واحد)‬
‫‪ .7‬التحيرّ والتشكك‬
‫(ملاذا يطلب مهلة وهو نبي؟)‬
‫‪ .8‬انتظار احلل ـ تأخر اجلواب‬
‫(حممد يعجز ـ ولو مؤقت ًا ـ عن اجلواب مما يضاعف شك القرشيني‬
‫حوله)‬
‫‪ .9‬انتظار املساعد ـ الوحي‬
‫(استمرار انتظارمساعدة الوحي مدة ‪ 15‬ليلة)‬
‫‪ .10‬مضاعفة التشكك (أرجف أهل مكة)‬
‫(حممد يتأخر كثري ًا عن الوقت املناسب)‬

‫‪67‬‬
‫‪ .11‬الوحي يساعد حممد ًا عىل إجابتهم‬
‫(نزول سورة الكهف باجلواب)‬
‫‪ .12‬حممد يطمئن ‪ ،‬وقريش تستمر ﻲﻓ القلق‬
‫(اجلواب جاء أخري ًا‪ ،‬وحسم تشكك القرشيني)‬

‫ويبدو أن هذا االختبار مل يكن جمدي ًا من عدة وجوه‪ ،‬فام ُسئل‬


‫رس ًا عىل‬
‫عنه النبي الكريم موجود عند أهل الكتاب‪ ،‬وهو ليس ّ‬
‫املتصلني بالثقافات األخرى القريبة واملجاورة‪ ،‬والنرض نفسه من‬
‫خالل رحلته االستكشافية محل السؤال واجلواب مع ًا‪ ،‬فليس‬
‫ما يمنع من شك قريش بأن اجلواب مستمد من أهل الكتاب‬
‫وليس مبارشة من الوحي رسول السامء‪ .‬كام أن تأخر اجلواب مدة‬
‫أسبوعني‪ ،‬ضاعف من الشك‪ ،‬وقلل من إمكانية أن يكون اجلواب‬
‫مقنع ًا هلم ﻲﻓ توقيت مالئم الضطراهبم وقلقهم‪.‬‬
‫ال‪ ،‬أمام‬‫إننا مع هذا اخلرب‪ ،‬الذي حيرض فيه النرض قاص ًا وجماد ً‬
‫مروية رسدية تقوم فيها الشخصيات بجملة وظائف تتناوب‬
‫النهوض هبا‪ ،‬عىل نحو ما حيرض ﻲﻓ النظام احلكائي الناضج أو‬
‫املكتمل‪ .‬وإضافة إىل هذا املستوى من احلضور الرسدي‪ ،‬فمن‬
‫املتوقع أن النرض بن احلارث وعقبة بن أيب ُمعيط قد منيا بمزيد من‬

‫‪68‬‬
‫الغضب‪ ،‬واحلنق املضاعف‪ ،‬ألهنام تقصدا إحراج النبي الكريم‪،‬‬
‫وأسهام ﻲﻓ التباس أمر القرآن أمام املجتمع القريش‪ .‬ومع أن هذا‬
‫املوقف قد أسهم ﻲﻓ نزول سورة قرآنية مميزة هي (سورة الكهف)‬
‫فإن ذلك مل يشفع هلام سوء املصري‪ُ ،‬‬
‫فقتل اإلثنان ﻲﻓ معركة بدر التي‬
‫متثّل أول صدام مس ّلح مبارش بني النبي الكريم وأهله القرشيني‪.‬‬
‫أما األسئلة الرسدية التي محلها النرض وصاحبه مما جاء ﻲﻓ اخلرب‬
‫فهي‪:‬‬
‫أ‪ .‬أخربنا عن فتية ذهبوا ﻲﻓ الدهر األول وقد كانت هلم قصة‬
‫عجب‪.‬‬
‫ب‪ .‬وعن رجل كان طواف ًا قد بلغ مشارق األرض ومغارهبا‪.‬‬
‫ﺟ‪ .‬وأخربنا عن الروح ما هي؟؟‬
‫والسؤال الثالث هو األضعف رسدية‪ ،‬واألشد غموض ًا‪ ،‬وقد‬
‫جاء اجلواب مقتضب ًا غامض ًا ‪/‬ال رسدي ًا‪ ،‬من نفس جنس السؤال‬
‫﴿ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ريب﴾(‪ .)48‬أما السؤاالن‬
‫(أ) و (ب) فسؤاالن رسديان بامتياز‪ ،‬ينطلقان من االستفسار عن‬
‫شخصيات حمددة‪ ،‬هلا أخبار عجيبة‪ ،‬وهي شخصيات تنتمي‬
‫للاميض‪ ،‬فنحن هنا من جديد مع أخبار األولني وما يروى عنهم‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫وقبل هذه األسئلة‪ ،‬والقصص املنبثقة عنها‪ ،‬كان النبي الكريم‬
‫وقص عىل مسامعهم للعظة والعربة‪ ،‬وبصفة‬ ‫قد أخرب القرشيني‪ّ ،‬‬
‫عامة يرد القصص القرآين ال من أجل غاية تارخيية‪ ،‬أو من أجل‬
‫عرض معلومات ووقائع تارخيية‪ ،‬وال منافسة للعرب عىل الرسد‬
‫من ناحية أسلوبية أو بيانية‪ ،‬بل لغايته التعبوية ﻲﻓ جمال دفع الناس‬
‫النبوة‪.‬‬
‫نحو اإليامن بالدعوة اجلديدة وبالقرآن الكريم‪ ،‬وصدق ّ‬
‫وما يعنينا ﻲﻓ هذا السياق ما أدت إليه عداوة النرض من توثيق‬
‫ٍ‬
‫ضارة نافعة) فقد فتح السؤال أفق اجلواب‬ ‫(فرب‬
‫ّ‬ ‫قصتني مميزتني‬
‫الرسدي‪ ،‬وأفق التشويق‪ ،‬ﻲﻓ قصص بليغ‪ ،‬حيث نقل الوحي‬
‫للرسول صىل اهلل عليه وسلم قصتني مميزتني مها‪ :‬قصة أهل‬
‫الكهف‪ ،‬وقصة ذي القرنني‪ ،‬إىل جانب قصص أخرى جاءت‬
‫ﻲﻓ السورة نفسها‪ ،‬وقد تكون نزلت ﻲﻓ ظروف مباينة عن سياق‬
‫األسئلة الرسدية التي مرت بنا‪ ،‬لكنها استقرت يف السورة القرآنية‬
‫نفسها (سورة الكهف)‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫سادساً‪ :‬السّرد واألداء الدرامي‬

‫إضافة إىل دوره القصيص‪ ،‬ذكر التوحيدي أن «النرض بن احلارث‬


‫بن كلدة) كان يرضب العود»(‪ ،)49‬فهو ممن أسهموا ﻲﻓ النشاط‬
‫املوسيقي ﻲﻓ اجلاهلية‪ ،‬ويتفق هذا النشاط مع طبيعة شخصيته وما‬
‫ألفه من األسفار إىل احلرية وبالد فارس‪ ،‬إضافة إىل طبيعة املجتمع‬
‫يسوغ بروز هذا اللون من النشاط‬
‫املكي األميل إىل التحرض‪ ،‬مما ّ‬
‫عند النرض وغريه‪.‬‬
‫ويذهب املسعودي إىل أبعد من ذلك‪ ،‬إذ جيعل النرض صاحب‬
‫دور ﻲﻓ تطوير الغناء واملوسيقى ﻲﻓ املجتمع املكي فيقول‪« :‬مل تكن‬
‫ال النصب‪ ،‬حتى قدم النرض بن احلارث‬ ‫قريش تعرف من الغناء إ ّ‬
‫العراق وافد ًا عىل كرسى باحلرية‪ ،‬فتعلم رضب العود‬ ‫بن كلدة من ِ‬
‫والغناء عليه‪ ،‬فقدم مكة‪ ،‬فع ّلم أهلها فاختذوا القينات»(‪.)50‬‬
‫ويف مناقشته خلرب املسعودي‪ ،‬مل ينف نارص الدين األسد املعرفة‬
‫املوسيقية للنرض بن احلارث‪ ،‬لكنه أشار إىل أن معرفة القيان وأجواء‬
‫املوسيقى والغناء أقدم مما يشري إليه اخلرب‪ ،‬أي أن وجه االعرتاض‬
‫‪71‬‬
‫عىل رأي املسعودي ﻲﻓ أنه جعل النرض بداية ملعرفة القيان‪ ،‬ونقل‬
‫النشاط املوسيقي إىل مكة‪ ،‬بينام هو نشاط قديم معروف ﻲﻓ املجتمع‬
‫املكي احلرضي‪)51(.‬‬

‫لكن قدم معرفة جمتمع مكة للموسيقى وللغناء‪ ،‬من جانب‬ ‫ّ‬
‫آخر‪ ،‬تسمح بأن يكون النرض قد أدخل تعديالت أو تطويرات‬
‫إىل نشاطهم ذاك‪ ،‬ووفق رأي فارمر ﻲﻓ (تاريخ املوسيقى العربية)‬
‫فقد «أدخل الشاعر املغني النرض بن احلارث الذي قدم وافد ًا من‬
‫احلرية‪ ،‬عدة بدَ ع‪ ،‬منها (الغناء) وهو الصوت املتقدم ﻲﻓ الصنعة‬
‫النصب‪ ،‬واستبدال العود اخلشبي البطن‪،‬‬ ‫حمل ْ‬‫فحل ّ‬
‫املوسيقية‪ّ ،‬‬
‫باملزهر اجللدي البطن عىل ما يبدو»(‪.)52‬‬
‫ويف موضع آخر من كتابه يقول فارمر «كان النرض بن احلارث‬
‫سليل آل قيص الشهريين أبناء عمومة النبي (ص)‪ ،‬وهو بال شك‬
‫أحد الشعراء املغنني ﻲﻓ اجلاهلية‪ ،‬لقد صار منافس ًا خطري ًا لرسالة‬
‫ال عن منافسته له ﻲﻓ جمال السياسة‪ ،‬إذ كان كالمها‬ ‫النبي (ص) فض ً‬
‫يريد استاملة اجلامهري إليه‪ .‬أوهلام (بالغناء واألخبار) والثاين (بالوحي‬
‫والتنزيل)‪ ،‬وكانت النتيجة أن لعن اهلل النرض ﻲﻓ قرآنه الكريم‬
‫(لقامن ‪ )6-5‬تعلم النرض من بالط احلرية العريب كيف يرضب عىل‬

‫‪72‬‬
‫العود (النوع اجلديد من املزهر الذي أبطل فيام يظهر املزهر القديم‪،‬‬
‫وكل آلة من جنسه) فض ً‬
‫ال عن اقتباسه الرتنيم بـ (غناء) أكثر فن ًا ّبز‬
‫النصب‪ ،‬هذه البدع كلها أدخلها النرض إلـى مكة»(‪.)53‬‬ ‫به غناء ْ‬
‫وإذا صحت هذه األخبار فقد تع ّلم ال ّنرض رضب العود والرتنّم‬
‫وأنامط من األداء الغنائي اجلديد عىل املجتمع املكي آنذاك‪ ،‬فض ً‬
‫ال‬
‫عام جلبه من احلرية وبالد فارس من قصص وأخبار‪ ،‬فام اتفقت‬
‫فيه أخبار رسده وغنائه أن كليهام قام عىل مبدأ املثاقفة‪ ،‬إذ جلبهام‬
‫بتأثري من بيئة احلرية والثقافة الفارسية‪ ،‬لكننا ال نستبعد أنه مزجهام‬
‫بمعارف وخربات عربية وأ ّدامها أداء جديد ًا يناسب البيئة املكية‪،‬‬
‫ال فيها‪ ،‬ومع ذلك فام نريده هنا أبعد من ذلك‪ ،‬وهو‬ ‫ليكون مقبو ً‬
‫متصل بعالقة هذين النشاطني ﻲﻓ شخص النرض بن احلارث‪،‬‬
‫ويمكننا أن نربز الفكرة ﻲﻓ التساؤالت التالية‪:‬‬
‫ـ أين كان النرض يامرس نشاطه الرسدي ونشاطه املوسيقي‪/‬‬
‫الغنائي‪ ،‬وما طبيعة املجالس املخصصة هلام‪ ،‬وهل كان هناك‬
‫جمالس أدبية وفنية تتسع ملثل هذه األعامل؟؟‬
‫ـ هل كان يامرس كل نشاط مستق ً‬
‫ال عن اآلخر؟ وما احتامل أن‬
‫يكون قد دمج بني العملني‪ ،‬وبمعنى أوضح‪ :‬هل أفاد من معرفته‬

‫‪73‬‬
‫املوسيقية ﻲﻓ نشاطه الرسدي؟‬
‫ـ هل كان ـ عىل سبيل التمثيل ـ يرتنّم بمقاطع رسدية معينة‪،‬‬
‫وخصوص ًا عندما يأخذ الرسد صيغة الشعر‪ ،‬أو عندما يصل إىل‬
‫مقاطع من الشعر؟‬
‫اللغة التي كتبـت هبـا تلك األخبـار‬ ‫ـ هـل تع ّلـم النضـر َ‬
‫عـرب بنفسه‬ ‫واألقـاصيص‪ ،‬وهـل عرف الفارسية حق ًا‪ ،‬وهـل ّ‬
‫تلك األقاصيص وما فيها من أشعار‪ ،‬أم استعان بغريه عىل هذا‬
‫العمل؟ أم أنه وجدها معربة ﻲﻓ بالط احلرية العريب (املتأثر بالثقافة‬
‫الفارسية)‪ ،‬فأخذها بصيغتها العربية‪ ،‬ثم ترنم هبا ﻲﻓ املجتمع املكي‪،‬‬
‫فاملصادر «ال تعنى بذكر يشء عن لغة هذه القصص املكتوبة التي‬
‫نقلها النرض عن الفرس‪ ،‬هل هي مرتمجة إىل اللغة العربية أو أن‬
‫النرض نفسه كان عارف ًا بيشء من الفارسية بحيث يستطيع أن يفهم‬
‫هذه الكتب التي يشرتهيا بلغتها‪ ،‬وال سيام وهو من القالئل الذين‬
‫يلمون بالكتابة»‪)54( .‬‬
‫ّ‬
‫ـ ما هو شكل األداء الرسدي‪ ،‬وهل كان يدخله ألوان من‬
‫التلوين الصويت‪ ،‬ومن احلركات البسيطة مث ً‬
‫ال‪ ،‬بام يقرب أن يكون‬
‫املبكر‪ ،‬وما يضمن أن يلفت‬‫لون ًا من ألوان التمثيل املرسحي ّ‬

‫‪74‬‬
‫انتباه مستمعيه وأن يشدهم إليه كي يستملحوا حديثه‪ ،‬ويرتبطوا‬
‫بمجالسه‪.‬‬
‫ـ القرآن الكريم‪ ،‬مرتبط بالرتتيل‪﴿ ،‬ورتّل القرآن ترتيال﴾(‪،)55‬‬
‫واألداء الصويت له يتطلب حسن األداء والصوت‪ ،‬ومع ذلك ال‬
‫نجد املجتمع املكي يستغرب طريقة أدائه أو ترتيله‪ ،‬كام كان يؤديه‬
‫النبي الكريم صىل اهلل عليه وس ّلم‪ .‬فهل كان هذا األداء نمط ًا آخر‪،‬‬
‫ال يقارب عمله‪ ،‬وطريقة أدائه لقصصه‬ ‫جعل النرض يرى فيه عم ً‬
‫وأنظمة أدائه وترنمه برسده؟‬
‫إننا يمكن أن نذهب ﻲﻓ هذه التساؤالت كل مذهب‪ ،‬لكنها‬
‫ليست رمج ًا بالغيب‪ ،‬واملجهول يمكن قياسه عىل املعلوم كقاعدة‬
‫كربى ﻲﻓ اإلطاللة عىل مناطق العمى ﻲﻓ املعرفة واخلربة اإلنسانية‪.‬‬
‫والصلة بني الرسد والغناء أو األداء التمثييل صلة واضحة ونجد‬
‫هلا أمثلة من فرتات الحقة للحقبة اجلاهلية ومرحلة النرض بن‬
‫احلارث‪.‬‬
‫ففي القرون اإلسالمية األوىل انترش نشاط القصاص ﻲﻓ املساجد‬
‫والطرقات‪ ،‬وكان مع بعضهم ٍ‬
‫آالت موسيقية يلونون هبا رسدهم‪،‬‬
‫ال ـ قصاص يف مرو‬‫أو خيففون العناء عن مستمعيهم‪ ،‬فهذا ـ مث ً‬

‫‪75‬‬
‫حيمل معه آلة موسيقية (الطنبور) ويستخدمها بني الفينة واألخرى‬
‫كأهنا اسرتاحة رسدية‪ ،‬يقول اخلرب عن هذا القاص‪« :‬كان بمرو‬
‫قاص يبكي بمواعظه‪ ،‬فإذا طال جملسه بالبكاء أخرج من كمه‬
‫طنبور ًا صغري ًا فيحركه ويقول‪ :‬مع هذا الغم الطويل يحُ تاج إىل‬
‫فرح ساعة»(‪.)56‬‬
‫ومع ما ﻲﻓ اخلرب من طرافة‪ ،‬فإن االستدالل به قائم‪ ،‬من ناحية أن‬
‫جملس القص تداخله املوسيقى‪ ،‬ليجمع املجلس بني فنون متعددة‬
‫ﻲﻓ مقام واحد‪ ،‬وربام هذا ما جعل للقصاص جاذبية خاصة عند‬
‫اجلمهور‪ ،‬فاق هبا مجهور العلامء والفقهاء‪ ،‬مما أدى ببعض اخللفاء‬
‫والوالة إىل التحذير من القص وحماولة منعه‪.‬‬
‫وقد درس الباحث عيل بن متيم تداخل الرسد مع الدراما‬
‫ﻲﻓ كتابه (الرسد والظاهرة الدرامية) دراسة مستفيضة‪ ،‬تتبع فيها‬
‫التجليات الدرامية وأشكال األداء املرسحي‪/‬التمثييل للرسد‬
‫العريب القديم‪ ،‬لكنه مل يعرض لتجربة النرض بن احلارث‪ ،‬وظلت‬
‫حقبة ما قبل اإلسالم غائمة ﻲﻓ دراسته‪ ،‬ويمكن أن نستند إىل‬
‫ما خلصـه مـن مراجعه مما يوضح العالقة بني الرسد وأشكال‬
‫األداء الدرامي واملوسيقي‪« :‬لقد توقف عرسان (يقصد عيل عقلة‬

‫‪76‬‬
‫عرسان ـ صاحب كتاب الظواهر املرسحية عند العرب) عند‬
‫القصاص‪ ،‬فوجد أن بعض القصاصني يامرسون مهام عدة وهم‬
‫ﻲﻓ جمالسهم‪ ،‬كالقص والتصفيق باليد والرضب باألرجل من أجل‬
‫بعث اإليقاع‪ ،‬ويرى بأن تنوع أداءات القاص جيعلنا إزاء شكل‬
‫بدائي من املرسح الشامل‪ ،‬فيه الغناء والرقص واحلركة والوجد‪،‬‬
‫كام يلتمس عواد عيل ﻲﻓ راوي السري الشعبية مؤدي ًا شام ً‬
‫ال لتمتعه‬
‫بمواهب عدة كاألداء والغناء والرقص‪ ،‬حاله حال أولئك الذين‬
‫عرفوا ﻲﻓ أوروبا ﻲﻓ القرون الوسطى كاملؤدين الذين جيمعون‬
‫معارف مجة كالرياضيات والرقص واملوسيقى واألداء‪ ،‬وكأن كل‬
‫جتسدت ﻲﻓ شخص واحد‪ .‬وتقوم مجيع األداءات‬ ‫أنواع الفرجة قد ّ‬
‫املرسحية القديمة عىل الدمج بني الفنون‪ ،‬وأن الفصل بينها ظاهرة‬
‫طارئة‪ ،‬فاملرسح اليوناين القديم مجع ما بني الرقص واألناشيد‬
‫والدراما‪ ،‬واملرسح الرشقي التقليدي ال زال حتى اليوم جيمع بني‬
‫نظم فنية عدة‪.)57(»...‬‬
‫لقد نقل ال ّنرض من بالط احلرية أنظمة رسدية وغنائية كام هو‬
‫مر بنا من أخبار وإشارات‪ ،‬ونرجح أنه دمج بينها‪،‬‬ ‫واضح فيام ّ‬
‫وأ ّداها ﻲﻓ جمالس مكة بصورة جديدة متثل جتربة مبكرة لتداخل‬
‫الرسد مع الدراما واألداء التمثييل‪ ،‬فكان قاص ًا وممث ً‬
‫ال وعازف ًا ﻲﻓ‬
‫‪77‬‬
‫آن ‪ ...‬ولنا ﻲﻓ رواة السرية الشعبية وما ظل حتى فرتة متأخرة من‬
‫ظواهر احلكوايت وشاعر الربابة وراوي السرية الشعبية ما يشري إىل‬
‫هذا الرتجيح‪ ،‬وإىل عقد الصلة بني القص الشفوي وأشكال األداء‬
‫التمثييل واملوسيقي‪.‬‬
‫النصوصالرسدية‪،‬أحرضهاالنرضمكتوبةكامأشارتاألخبار‪،‬‬
‫لكننا نفكر ﻲﻓ متثّل طريقة أدائها‪ ،‬فهو يقدمها للقوم بصورة شفوية‪،‬‬
‫وعرب االنتقال من الكتايب إىل الشفوي حيتاج إىل أسلوب أداء وإىل‬
‫ترنم وغناء وموسيقى‪ ،‬وقد جاءت األخبار القديمة بام يشري إىل‬
‫املكملة لدوره القصيص‪ ،‬وعوض ًا عن أن يكون‬ ‫امتالكه املعرفة ّ‬
‫النرض (شاعر ًا مغني ًا) كام سامه فارمر‪ ،‬فنحن نرى فيه قاص ًا مبكر ًا‪،‬‬
‫يم ِّثل إحدى احللقات املجهولة ﻲﻓ ذاكرة الرسد والدراما العربية‪.‬‬
‫ومع ثبات األخبار بأن قصصه كان مكتوب ًا‪ ،‬مل ينقل لنا أحد من‬
‫الرواة املسلمني شيئ ًا من نتاجه‪ ،‬واكتفوا بصورته املعادية لإلسالم‪،‬‬
‫تلك الصورة التي وقفت حاجز ًا بيننا وبني إعادة الفضل إليه‬
‫ﻲﻓ النهوض بريادة القص والتمثيل واملوسيقى ﻲﻓ حقبة ما قبل‬
‫اإلسالم‪.‬‬
‫وبناء عىل ذلك نر ّد اآلراء التي ذهبت إىل غياب النشاط التمثييل‬
‫عن عرب اجلاهلية‪ ،‬كام فعل حممد حسني األعرجي ﻲﻓ كتابه‬
‫‪78‬‬
‫التأسييس (فن التمثيل عند العرب) بل إنه مىض يبحث عن رس‬
‫غياب هذا النشاط فقال‪« :‬إن الدراما تعتمد ﻲﻓ جوهرها الرصاع‪،‬‬
‫سواء أكان هذا الرصاع بني اآلهلة أنفسهم أم بينهم وبني الفرد‪،‬‬
‫أم بني فرد وآخر‪ ،‬أم كان مما يدور ﻲﻓ دخيلة الفرد نفسه‪ ،‬وبام أن‬
‫احلياة العربية ﻲﻓ العرص اجلاهيل‪ ،‬كانت قد أذابت الفرد ﻲﻓ اجلامعة‬
‫فخلقت تصور ًا مجاعي ًا للعامل ورأي ًا عامل ًا مشرتك ًا ﻲﻓ الكون فقد‬
‫ترتّب عىل ذلك غياب الرصاع داخل ذلك املجتمع أو اختفاء‬
‫حدته عىل األقل‪ ،‬فلم تكن مثل تلك احلال تستدعي الدراما قدر‬
‫ما تستدعي التغني باجلامعة (القبيلة) والرتنم بمآثرها»(‪.)58‬‬
‫وبرصف النظر عن قيمة هذا التحليل‪ ،‬فإننا نرجح أن مرويات‬
‫النرض بن احلارث من أساطري األولني وما كان يعقد هلا من املجالس‬
‫هي أقدم صور الرسد التمثييل واألدائي عند العرب‪ ،‬قبل ظاهرة‬
‫(الكرج) اإلسالمية التي جعلها األعرجي منطلق ًا لفن التمثيل‬
‫ّ‬
‫عند العرب‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫سابعاً‪ :‬مصري النضر ‪.‬ـ مصري السرد‬

‫ثبت مصري النرض بن احلارث ﻲﻓ سجالت تاريخ األدب‬


‫العريب‪ ،‬أكثر من ثبات جتربته الرسدية‪ ،‬ر ّبام ألن شاعرة قريبة للنرض‬
‫رثته وندبته بشعر مؤ ّثر‪ ،‬ووجهت شعرها إىل النبي الكريم (صىل‬
‫اهلل عليه وسلم) ﻲﻓ صورة عتاب إنساين صادق‪ ،‬تلك الشاعرة هي‬
‫قتيلة بنت احلارث (أخته) ﻲﻓ بعض الروايات‪ ،‬أو قتيلة بنت النرض‬
‫بن احلارث (ابنته) ﻲﻓ روايات أخرى‪ ،‬وانفرد اجلاحظ بأن سماّ ها‪:‬‬
‫ليىل بنت النرض بن احلارث‪.‬‬
‫ِ‬
‫يكتف باملقاومة الرسدية‪ ،‬وال‬ ‫ويبدو أن النرض بن احلارث مل‬
‫باجلدل واملعارضة باحلجة‪ ،‬فشارك قريش ًا ﻲﻓ خروجها إىل املواجهة‬
‫األوىل ﻲﻓ معركة بدر‪ ،‬وقيل إنه كان عىل رأس فرقة من املرشكني‪،‬‬
‫وأسرِ النرض بن احلارث‪ ،‬وكان من‬ ‫وقد دارت الدائرة عىل قريش‪ُ ،‬‬
‫مصريه ما كان‪.‬‬
‫وتكاد املصادر العربية تتفق عىل هناية النرض وأن النبي صىل اهلل‬
‫عليه وسلم‪ ،‬أمر برضب عنقه وهو أسري أثناء منرصفه من بدر ﻲﻓ‬
‫‪81‬‬
‫السنة الثانية للهجرة «قتله عيل بن أيب طالب صبرْ ًا عند رسول اهلل‬
‫صىل اهلل عليه وسلم بالصفراء (مكان)‪ ،‬فيام يذكرون»‪)59(.‬‬

‫ووفق صياغة أيب الفرج األصفهاين للخرب‪ ،‬أن النبي (صىل اهلل‬
‫عليه وسلم) «أقبل من بدر حتى إذا كان بالصفراء (اسم مكان)‬
‫قتل النرض بن احلارث بن َك َلدة أحد بني عبد الدار‪ ،‬أمر علي ًا‬
‫عليه السالم أن يرضب عنقه‪ .‬قال عمر بن شبه ﻲﻓ حديثه‪ :‬األثيل‬
‫(مكان)‪ ،‬فقالت أخته قتيلة بنت احلارث ترثيه‪:‬‬
‫ٍ‬
‫خامسة وأنت موفق‬ ‫من صبح‬ ‫ٌ‬
‫مظنــة‬ ‫يــا راكبــ ًا إن األثيــل‬
‫ما إن تـزال هبا النجـائب ختفق‬ ‫أبــلغ بـــه ميتــ ًا بــأن حتيــ ًة‬
‫بـدرهتا وأخـرى ختنق‬
‫جـادت ّ‬ ‫مــني إليــك وعرب ًة مسفوح ًة‬
‫إن كـان يسمع هالك ال ينطق‬ ‫هــل يسمعـن النرض إن ناديته‬
‫أرحــام هـنــاك تـشـقــق‬
‫ٌ‬ ‫هلل‬ ‫ظـلت سيوف بنـي أبيه تنوشه‬
‫رسـف املقيد وهـو ٍ‬
‫عان موثق‬ ‫صــرب ًا يقــاد إىل املنيـة متـعبـ ًا‬
‫ﻲﻓ قومها والفحل ٌ‬
‫فحل معرق‬ ‫ٍ‬
‫نـجيبة‬ ‫أحمـمـدٌ وألنـت نسـل‬
‫مـن الفـتى وهو املغيظ املحنق‬
‫ّ‬ ‫مـا كـان رضك لو مننت ور ّبام‬
‫بأعـز مـا يغلـو لديـك ويـنفق‬ ‫ني‬ ‫ٍ‬
‫فـدية فلـيأت ْ‬ ‫أو كـنـت قابـل‬
‫وأحقهـم إن كـان ٌ‬
‫عـتق يعتـق‬ ‫والنرض أقرب من أخذت ٍ‬
‫بزلة‬

‫‪82‬‬
‫سمعت هذا‬
‫ُ‬ ‫فبلغنا أن النبي صىل اهلل عليه وسلم قال‪ :‬لو‬
‫قبل أن أقتله ما قتلته‪ .‬فيقال‪ :‬إن شعرها أكرم شعر موتورة (أي‬
‫مفجوعة) وأع ّفـه وأك ّفـه وأحلمه»‪)60(.‬‬

‫وقد رددت املصادر العربية هذه األبيات‪ ،‬كأن مص ّنفيها يقرأون‬


‫من كتاب واحد‪ ،‬لكن أكثرهم أو ج ّلهم سكت عن مرويات‬
‫النرض بن احلارث نفسه‪ ،‬وعن جتربته القصصية التي حاولنا أن‬
‫ونلم شتاهتا‪ .‬ويمكن أن ُيشري هذا املوقف من طرف‬‫نبني صورهتا‪ّ ،‬‬
‫ما‪ ،‬إىل حضور الشعر أكثر من الرسد‪ ،‬وعناية املصنفني القدامى‬
‫به أكثر بكثري من الرسد(‪ )61‬الذي مال املوقف النقدي واألديب إىل‬
‫إقصائه وإمهاله‪ .‬ولكن ما ينبغي مراجعته والتحرز منه أن يفهم‬
‫مقتل النرض عىل أنه قتل للرسد أيض ًا‪ ،‬فمن الواضح أن الرصاع‬
‫هنا بني لونني رسديني‪ ،‬وفكرين متغايرين‪ .‬فالنبي الكريم مل ِ‬
‫يعاد‬
‫القص ُ‬
‫والق ّصاص‪ ،‬مثلام أنه مل يعاد الشعر والشعراء‪ ،‬وإنام كان‬
‫اخلالف مع من استخدموا تلك الفنون ﻲﻓ مواجهة اإلسالم‪ .‬وقد‬
‫توقف عبد اهلل إبراهيم عند مصري القاص وقال ‪« :‬وإذا قيست‬
‫األمور بنتائجها ﻲﻓ القضايا املتناظرة‪ ،‬شأن التهم التي وجهها‬
‫املرشكون للرسول (صىل اهلل عليه وسلم)‪ ،‬مثل الكهانة والسحر‬
‫وقول الشعر‪ ،‬فإننا نجد أن موقف الرسول‪ ،‬كان أشد قسوة عىل‬
‫‪83‬‬
‫القاص من غريه‪ ،‬فثمة ثالث درجات متتالية ﻲﻓ موقفه‪ ،‬جتاه من‬
‫شك ﻲﻓ نبوته وهي‪ :‬العفو عمن سحره‪ ،‬وقتل من هجاه شعر ًا‪،‬‬ ‫ّ‬
‫أن قتل النرض وهو أسري‬ ‫وقتل القاص وهو أسري‪ ،‬وال ّ‬
‫شك ﻲﻓ ّ‬
‫ويمت بنسب قرابة إىل الرسول‪ ،‬بيد اإلمام عيل‪ ،‬له داللة‬
‫ّ‬ ‫حرب‪،‬‬
‫كبرية ﻲﻓ موقف الرسول‪ ،‬وهو يكشف أن القاص كان يامرس‬
‫ضغط ًا كبري ًا عىل الرسول‪ ،‬ويعمل عىل تقويض نبوته‪ ،‬وهذا ما‬
‫يكشفه ﻲﻓ األقل‪ ،‬موقف الرسول األخري منه‪ ،‬ألنه‪ ،‬كان (شديد‬
‫األذى لإلسالم واملسلمني)»‪)62(.‬‬

‫ولكن الدرجات الثالث ﻲﻓ موقف النبي صىل اهلل عليه وسلم‬


‫ّ‬
‫ومن عىل من هجاه شعر ًا وأطلقه‪،‬‬
‫من منظورنا (بأنه عفا عمن سحره ّ‬
‫وقتل القاص وهو أسري‪ ،‬مما أشار إليه عبد اهلل إبراهيم)‪ ،‬حتتاج إىل‬
‫كثري من التدقيق‪ ،‬فمن الناحية التارخيية البحتة قتل القاص كام قتل‬
‫الشاعر‪ ،‬ألن الشاعر املقصود هو أبو عزة اجلمحي الذي عفا عنه‬
‫النبي صىل اهلل عليه وسلم يوم بدر‪ ،‬بعد أن أرسه رغم هجائه وأذاه‬
‫وحماربته له ‪ ،‬قتل الحق ًا ﻲﻓ موقعة أحد‪ ،‬عندما عاد أبو عزة للقتال‪،‬‬
‫«من رسول اهلل‬
‫املن واإلطالق‪ .‬وقد ذكر املاوردي ّ‬
‫ومل يلتزم برشط ّ‬
‫صىل اهلل عليه وس ّلم عىل أيب عزة اجلمحي يوم بدر واشرتط أ ّ‬
‫ال‬

‫‪84‬‬
‫يعود لقتاله‪ ،‬فعاد لقتاله يوم أحد‪ ،‬فأرس‪ ،‬فأمر رسول اهلل صىل اهلل‬
‫يل‪ .‬فقال‪ :‬ال يلدغ املؤمن من جحر‬‫عليه وسلم بقتله‪ ،‬فقال‪ :‬امنن ع ّ‬
‫مرتني»‪)63(.‬‬

‫فالقتل يف احلالتني ال شأن له بالشعر أو السرّ د‪ ،‬وإنام بمجمل‬


‫العداوة والبغضاء إىل درجة احلرب الرصحية ومحل السيف يف وجه‬
‫النبي الكريم‪ .‬ولذلك فلسنا مع حتميل احلوادث واألخبار أكثر‬
‫مما حتتمل‪ ،‬وهي ليست مقدمات أو ذرائع كافية للقول بمحاربة‬
‫اإلسالم والثقافة العربية اإلسالمية للرسد أو لغريه من األنواع‪،‬‬
‫بل إن الثقافة اإلسالمية يف جانب منها ثقافة نثر ورسد‪ ،‬والقصص‬
‫القرآين وقصص احلديث النبوي من العالمات املاثلة املحتاجة إىل‬
‫درس متجدّ د يكشف عن بياهنا الرسدي‪.‬‬
‫كام نشري أيض ًا إىل أن أبيات قتيلة بنت احلارث التي مرت بنا‪،‬‬
‫وجدت من يغمز فيها‪ ،‬فيميل هبا إىل حديث النحل والصناعة‪،‬‬
‫فهذا الزبري بن بكار يقول‪« :‬سمعت بعض أهل العلم يغمز يف‬
‫أبيات قتيلة بنت احلارث‪ ،‬ويقول إهنا مصنوعة»(‪ ،)64‬فكأن بعض‬
‫الرواة واملصنفني القدامى قد استكثروا أن جيد النرض بن احلارث‬
‫رق هلا ولصاحبتها قلب النبي الكريم‬ ‫قريب ًا يرثيه‪ ،‬بأبيات مؤثرة‪ّ ،‬‬
‫صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬فمنع بعدها أن ُيقتل قريش َصبرْ ًا‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫خامتة‬

‫حاول هذا البحث إضاءة جنس أديب ضائع‪ ،‬ورد ذكره يف‬
‫القرآن الكريم باسم (أساطري األولني) كام سعى البحث إىل تقديم‬
‫جانب آخر مل تضئه املصنفات العربية من شخصية النرض بن‬
‫احلارث‪ ،‬وذلك بإبراز دوره الريادي يف الرسد العريب القديم‪ ،‬وهو‬
‫دور هام ومبكر‪ ،‬لكن صاحبه استخدم موهبته يف حماربة القرآن‬
‫والدين اجلديد‪ ،‬مما أسهم إىل حد بعيد يف شهرته ضمن أعداء النبي‬
‫الكريم من القرشيني‪ ،‬وتعتيم دوره الرسدي‪ ،‬خارج إطار العداوة‪.‬‬
‫ولقد أراد هذا البحث إعادة االعتبار للنرض القاص‪ ،‬أما أمر‬
‫عداوته فقد عوقب عليه يف الدنيا عقوبة قاسية‪ ،‬مثلام أن أمره يف‬
‫اآلخرة مرتوك هلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬وال يمنع هذا املصري من إنصافه‬
‫وإبراز الدور الذي هنض به يف حقبة مبكرة من تارخينا العريب‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫اهلوامش‬
‫‪ -1‬طه حسني ‪ ،‬يف الشعر اجلاهيل ‪ ،‬تقديم‪ :‬عبد املنعم تليمة ‪ ،‬ط‪ ، 3‬القاهرة ‪ ،‬دار‬
‫النهر للنرش والتوزيع ‪ ، 1996 ،‬ص ‪.60-57‬‬
‫‪ -2‬سورة األنعام ‪ ،‬اآلية (‪.)25‬‬
‫‪ -3‬سورة الفرقان ‪ ،‬اآليتان (‪.)5-4‬‬
‫‪ -4‬سورة املؤمنون ‪ ،‬اآليات (‪.)23-82-81‬‬
‫‪ -5‬سورة النحل ‪ ،‬اآلية (‪.)24‬‬
‫‪ -6‬سورة األنفال ‪ ،‬اآلية (‪.)31‬‬
‫‪ -7‬سورة النمل ‪ ،‬اآليتان (‪.)68-67‬‬
‫‪ -8‬سورة األحقاف ‪ ،‬اآلية (‪.)17‬‬
‫‪ -9‬سورة القلم ‪ ،‬اآلية (‪.)15‬‬
‫‪ -10‬سورة املطففني ‪ ،‬اآلية (‪.)13‬‬
‫‪ -11‬ثعلب ‪ ،‬أبو العباس أمحد بن حييى ‪ ،‬جمالس ثعلب ‪ ،‬رشح وحتقيق عبد‬
‫السالم هارون ‪ ،‬ط‪ ، 2‬القسم الثاين ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬دار املعارف ‪ ،‬ص‪.592‬‬
‫‪ -12‬نارص الدين األسد ‪ ،‬مصادر الشعر اجلاهيل وقيمتها التارخيية ‪ ،‬ط‪ ، 7‬بريوت‪،‬‬
‫دار اجليل ‪ ، 1988 ،‬ص ‪.52-51‬‬
‫‪ -13‬اعتمدنا يف تتبع املعنى املعجمي عىل الطبعة اإللكرتونية‪/‬املحوسبة للمعاجم‬
‫املذكورة ضمن‪:‬‬
‫ـ املوسوعة الشعرية ‪ ،‬إصدار املجمع الثقايف ‪ ،‬أبو ظبي (اإلمارات العربية) ‪،‬‬

‫‪89‬‬
‫‪( 2003‬كتاب إلكرتوين) ‪ ،‬كام أهنا متوفرة عىل شبكة املعلومات (اإلنرتنت)‬
‫عىل املوقع التايل‪www.cultural.gr.ae :‬‬

‫واختصار ًا للهوامش نكتفي هبذه اإلحالة ‪ ،‬ألن هذه الطبعة اإللكرتونية‬


‫مطابقة للطبعات الورقية املتداولة‪.‬‬
‫‪ -14‬حسام األلويس ‪ ،‬الزمان يف الفكر الديني والفلسفي القديم ‪ ،‬املؤسسة‬
‫العربية للدراسات والنرش ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬ط‪ ، 1980 ، 1‬ص ‪.12‬‬
‫‪ -15‬سورة القلم ‪ ،‬اآلية (‪.)1‬‬
‫‪ -16‬سورة الطور ‪ ،‬اآلية (‪.)1‬‬
‫‪ -17‬سورة اإلرساء ‪ ،‬اآلية (‪.)58‬‬
‫‪ -18‬حممد عجينة ‪ ،‬موسوعة أساطري العرب عن اجلاهلية ودالالهتا ‪ ،‬ط‪ ، 1‬اجلزء‬
‫األول ‪ ،‬بريوت ـ تونـس (صفاقس) ‪ ،‬دار الفـارايب ـ العربيـة حممد عيل‬
‫احلامي ‪ ، 1994 ،‬ص ‪.17-16‬‬
‫‪ -19‬فراس السواح ‪ ،‬األسطورة واملعنى ـ دراسات يف امليثولوجيا واألديان‬
‫املرشقية ‪ ،‬ط‪ ، 1‬دمشق ‪ ،‬دار عالء الدين ‪ ، 1997 ،‬ص ‪.14‬‬
‫‪ -20‬املرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.15‬‬
‫‪ -21‬حممد عجينة ‪ ،‬موسوعة أساطري العرب ‪ ،‬اجلزء األول ص ‪.17‬‬
‫‪ -22‬اجلمحي ‪ ،‬حممد بن سالم ‪ ،‬طبقات فحول الشعراء ‪ ،‬قرأه ورشحه حممود‬
‫حممد شاكر ‪ ،‬السفر الثاين ‪ ،‬جدة ‪ ،‬دار املدين ‪ ، 1974 ،‬ص ‪.236-235‬‬
‫‪ -23‬ابن حبيب ‪ ،‬حممد بن حبيب البغدادي ‪ ،‬املنمق يف أخبار قريش ‪ ،‬صححه‬

‫‪90‬‬
‫وع ّلق عليه‪ :‬خورشيد أمحد فارق ‪ ،‬ط‪ ، 1‬بريوت ‪ ،‬عامل الكتب ‪ ، 1985 ،‬ص‬
‫‪.343-342‬‬
‫‪ -24‬حممد بن املبارك ‪ ،‬منتهى الطلب يف أشعار العرب ‪ ،‬حتقيق ورشح حممد نبيل‬
‫طريفي ‪ ،‬ط‪ ، 1‬املجلد الثامن ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬دار صادر ‪.286 ، 1999 ،‬‬
‫‪ -25‬ابن طيفور ‪ ،‬أبو الفضل أمحد بن أيب طاهر طيفور ‪ ،‬بالغات النساء ‪ ،‬اعتنى‬
‫هبود ‪ ،‬ط‪ ، 1‬بريوت ‪ ،‬املكتبـة العصـريـة ‪،‬‬
‫به وفهرسه‪ :‬بركات يوسف ّ‬
‫‪ ، 2001‬ص‪.46‬‬
‫‪ -26‬ابن قتيبـة ‪ ،‬أبو حممد عبد اهلل بن مسـلم بن قتيبـة الدينوري ‪ ،‬عيـون‬
‫األخبـار ‪ ،‬املجلد الثاين ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬رشحه وضبطه يوسف عيل طويل ‪،‬‬
‫بريوت ‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ ،‬د‪.‬ت ‪.146 ،‬‬
‫وانظر اخلرب أيض ًا عند‪ :‬ابن عبد ربه ‪ ،‬أمحد بن عبد ربه األندليس ‪ ،‬العقد‬
‫الفريد ‪ ،‬حتقيق حممد عبد القادر شاهني ‪ ،‬ط‪ ، 1‬املجلد الثاين ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬املكتبة‬
‫العرصية ‪ .92 ، 1998 ،‬باختالف طفيف‪( :‬فإن أمكنوه من سفره) عوض ًا‬
‫عن‪ :‬شقره ‪ ،‬و(يطرهبم بصفريه) عوض ًا عن‪ :‬يطرهبم بنغامته‪.‬‬
‫‪ -27‬الثعالبي ‪ ،‬أبو منصور عبد امللك بن حممد بن إسامعيل الثعالبي ‪ ،‬ثامر‬
‫القلوب يف املضاف واملنسوب ‪ ،‬حتقيق حممد أبو الفضل إبراهيم ‪ ،‬د‪.‬ط ‪،‬‬
‫القاهرة ‪ ،‬دار املعارف ‪ ، 1985 ،‬ص ‪.53‬‬
‫‪ -28‬اجلاحظ ‪ ،‬أبو عثامن عمرو بن بحر ‪ ،‬كتاب احليوان ‪ ،‬حتقيق عبد السالم‬
‫هارون ‪ ،‬ط‪ ، 1‬املجلد الرابع ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬دار اجليل ‪.197 ، 1996 ،‬‬
‫وقد استخدم اجلاحظ يف هذا املوضع تعبري‪ :‬هذا من خرافات أعراب‬

‫‪91‬‬
‫اجلاهلية ‪ ،‬عىل لسان املجادل املفرتض ‪ ،‬وفق طريقة اجلاحظ يف تآليفه‪ .‬كام‬
‫استخدم ما يقارب هذا التعبري يف الكتاب نفسه‪« :‬خرافة رجل من بني عذرة‬
‫استهوته الشياطني» ‪ ، 3/1‬وكذلك أورد عىل لسان أيب نواس تعليق ًا عىل ما‬
‫يقال من ركوب اجلني للقنفذ «هذا من تكاذيب األعراب» ‪ .240/6‬ولعل‬
‫من االستخدامات النادرة للجاحظ مما يتصل باألساطري استخدام صيغة‬
‫املصدر ‪ ،‬قال‪« :‬وما يصنع الدهري وغري الدهري هبذه املسألة ‪ ،‬وهبذا‬
‫التسطري» ‪ .270/6‬وفرسها عبد السالم هارون يف اهلامش‪« :‬زخرفة األقاويل‬
‫وتنميقها ‪ ،‬وأن يأيت بأساطري وأحاديث تشبه الباطل»‪.‬‬
‫‪ -29‬بروكلامن ‪ ،‬كارل‪ .‬تاريخ األدب العريب ‪ ،‬القسم األول ‪ ،‬الرتمجة العربية ‪،‬‬
‫القاهرة اهليئة املرصية العامة للكتاب ‪ ، 1993 ،‬ص ‪. 186‬‬
‫‪ -30‬وديعة طه نجم ‪ ،‬القصص والقصاص يف األدب اإلسالمي ‪ ،‬مطبعة‬
‫حكومة الكويت ‪ ، 1972 ،‬ص ‪.12‬‬
‫‪ -31‬ابن هشام ‪ ،‬أبو حممد عبد امللك بن هشام املعافري ‪ ،‬السرية النبوية ‪ ،‬ضبط‬
‫وحتقيق حممد عيل القطب وحممد الدايل بلطه ‪ ،‬املجلد األول ‪ ،‬بريوت ‪،‬‬
‫املكتبة العرصية ‪، 2003 ،‬ص‪.219‬‬
‫‪ -32‬ابن هشام ‪ ،‬السرية النبوية ‪.219/1 ،‬‬
‫وانظر أيض ًا‪ :‬حممد بن حبيب ‪ّ ،‬‬
‫املنمق يف أخبار قريش ‪ ،‬فقد ذكر النرض‬
‫ضمن من سامهم‪ :‬املؤذون لرسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم ‪ ،‬ص‪.386‬‬
‫وكذلك ضمن من سامهم‪ :‬زنادقة قريش ‪ ،‬قال‪« :‬والنرض بن احلارث بن‬

‫‪92‬‬
‫َك َلدة أخو بني عبد الدار ‪ ،‬قتله رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم ‪ ،‬وكان له‬
‫مؤذي ًا» ص‪.389‬‬
‫‪ -33‬ابن هشام ‪ ،‬السرية النبوية ‪.219/1 ،‬‬
‫ وقد وجدنا بعض املصادر تسقط علقمة ليغدو‪ :‬النرض بن احلارث بن كلدة‪،‬‬
‫وقد اختلط األمر عىل ابن سينا ﻲﻓ (القانون ﻲﻓ الطب) فجعله ابن ًا للحارث‬
‫بن كلدة الثقفي ‪ ،‬طبيب العرب الشهري الذي كان عىل قيد احلياة حتى مبعث‬
‫النبي صىل اهلل عليه وسلم وبداية اإلسالم ‪ ،‬وقد يكون مرد اخللط عند ابن‬
‫سينا عثرات النسخ أو مشكالت التحقيق واملخطوطات ‪ ،‬لكنه خلط تبعه‬
‫آخرون من مثل‪ :‬عبد اهلل عبد اجلبار وحممد عبد املنعم خفاجي ﻲﻓ كتاهبام‬
‫(قصة األدب ﻲﻓ احلجاز ﻲﻓ العرص اجلاهيل)‪ .‬واألمر ﻲﻓ نظرنا ال يعدو تقاربا‬
‫أوتشاهب ًا ﻲﻓ األسامء ألن احلارث بن كلدة (الطبيب) ثقفي من الطائف ‪ ،‬أما‬
‫النرض بن احلارث فقريش رصيح من بني عبد الدار بن قيص‪ .‬وقد عاش ﻲﻓ‬
‫مكة وسافر كام يبدو للتجارة واملثاقفة إىل احلرية وبالد فارس ‪ ،‬كام يتضح من‬
‫مجلة املصادر التي اعتمدناها ﻲﻓ بحثنا‪.‬‬
‫ـ انظر‪ :‬ابن سينا ‪ ،‬أبو عيل حسني بن عيل ‪ ،‬القانون يف الطب ‪ ،‬حققه ووضع‬
‫فهارسه إدوار القش ‪ ،‬ط‪ ، 1‬املجلد الرابع ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬مؤسسة عزالدين‬
‫للطباعة والنرش ‪ ، 1986 ،‬ص‪.6‬‬
‫ـ وكذلك‪ :‬عبد اهلل عبد اجلبار وحممد عبد املنعم خفاجي ‪ ،‬قصة األدب يف‬
‫احلجاز يف العرص اجلاهيل ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬مكتبة الكليات األزهرية ‪، 1980 ،‬‬
‫ص‪.237‬‬
‫‪93‬‬
‫‪ -34‬سورة لقامن ‪ ،‬اآلية (‪.)6‬‬
‫‪ -35‬الواحـدي ‪ ،‬أبو احلسـن عيل بن أمحد الواحدي النيسابوري ‪ ،‬أسباب‬
‫النزول ‪ ،‬د‪.‬ط ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬عامل الكتب ‪ ،‬د‪.‬ت ‪ ،‬ص‪.195‬‬
‫‪ -36‬املرزوقي ‪ ،‬أبو عيل أمحد بن حممد بن احلسن املرزوقي ‪ ،‬رشح ديوان احلامسة‬
‫‪ ،‬نرشه أمحد أمني وعبد السالم هـارون ‪ ،‬ط‪ ، 1‬املجلد األول ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬دار‬
‫اجليل ‪ ، 1991 ،‬ص‪.963‬‬
‫‪ -37‬املـرزوقي ‪ ،‬أبـو عـيل أمحـد بن حممـد بن احلسن املرزوقي ‪ ،‬األزمنة‬
‫واألمكنة ‪ ،‬حققه وعلق عليه حممد نايف الدليمي ‪ ،‬ط‪ ، 1‬املجلد الثاين ‪،‬‬
‫بريوت ‪ ،‬دار الكتب ‪، 2004 ،‬ص ‪.307‬‬
‫‪ -38‬سورة البقرة ‪ ،‬اآلية (‪.)94‬‬
‫‪ -39‬سورة اإلرساء ‪ ،‬اآلية (‪.)17‬‬
‫‪ -40‬سورة الفرقان ‪ ،‬اآلية (‪.)5‬‬
‫‪ّ -41‬‬
‫اخلطايب ‪ ،‬أبو سليامن حمَ ْ د بن حممد بن إبراهـيم اخلطـايب ‪ ،‬بيـان إعجـاز‬
‫القـرآن ‪ ،‬ضـمن‪ :‬ثـالث رسـائل يف اإلعجـاز القـرآين للرماين واخلطايب‬
‫واجلرجاين ‪ ،‬حتقيق حممد خلف اهلل وحممد زغلول سالم ‪ ،‬ط‪ ، 3‬القاهرة ‪،‬‬
‫دار املعارف‪ ،‬د‪.‬ت ‪ ،‬ص‪.28‬‬
‫‪ -42‬السيوطي ‪ ،‬عبد الرمحن جـالل الدين السيوطي ‪ ،‬اإلتقان يف علوم القـرآن ‪،‬‬
‫حققه وعلق عليه عصام فارس ‪ ،‬ط‪ ، 1‬املجلد الثاين ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬دار اجليل ‪،‬‬
‫‪ ، 1998‬ص‪.326‬‬
‫‪ -43‬الواحدي ‪ ،‬أسباب النزول ‪ ،‬ص ‪.122‬‬

‫‪94‬‬
‫‪ -44‬األصفهاين ‪ ،‬محزة بن احلسن األصفهاين ‪ ،‬تاريخ سني ملوك األرض‬
‫‪-31‬‬ ‫واألنبياء ‪ ،‬د‪.‬ط ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬منشورات دار مكتبة احلياة ‪ ،‬د‪.‬ت ‪ ،‬ص‬
‫‪ ، 32‬وانظر أيض ًا عنده‪ :‬حول إسفنديار ووالده كتشاسب واحلقبة الكيانية‪،‬‬
‫ص‪.23 12-‬‬
‫‪ -45‬إدوارد براون ‪ ،‬تاريخ األدب يف إيران ‪ ،‬ترمجة أمحد كامل الدين حلمي ‪،‬‬
‫د‪.‬ط ‪ ،‬اجلزء األول ‪ ،‬منشورات جامعة الكويت ‪ ، 1994 ،‬ص‪.197-196‬‬
‫‪ -46‬إدوارد براون ‪ ،‬املرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.204‬‬
‫‪ -47‬ابـن هشام ‪ ،‬السيـرة النبوية ‪.220-219/1 ،‬‬
‫‪ -48‬سورة اإلرساء ‪ ،‬اآلية (‪.)85‬‬
‫‪ -49‬التوحيدي ‪ ،‬أبو حيان ‪ ،‬البصائر والذخائر ‪ ،‬عني بتحقيقه والتعليق عليه‬
‫إبراهيم الكيالين ‪ ،‬املجلد الثاين ‪ ،‬دمشق ‪ ،‬مكتبة أطلس ومطبعة اإلنشاء ‪،‬‬
‫ص‪.43‬‬
‫‪ -50‬املسعودي ‪ ،‬أبو احلسن عيل بن احلسني بن عيل ‪ ،‬مروج الذهب ومعادن‬
‫اجلوهر ‪ ،‬حتقيق حممد حميي الدين عبد احلميد ‪ ،‬املجلد الرابع ‪ ،‬بريوت ‪،‬‬
‫املكتبة العرصية ‪.222 ،‬‬
‫‪ -51‬نارص الدين األسد ‪ ،‬القيان والغناء يف العرص اجلاهيل ‪ ،‬ط‪، 3‬بريوت ‪ ،‬دار‬
‫اجليل ‪ ، 8819 ،‬ص ‪.115‬‬
‫‪ -52‬فارمر ‪ ،‬هنري جورج فارمر ‪ ،‬تاريخ املوسيقى العربية ‪ ،‬ترمجة جرجيس‬
‫فتح اهلل املحامي ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬منشورات دار مكتبة احلياة ‪ ،‬د‪.‬ت ‪ ،‬ص ‪-54‬‬

‫‪.55‬‬

‫‪95‬‬
‫‪ -53‬املرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.61-60‬‬
‫‪ -54‬وديعة طه نجم ‪ ،‬ال َقصص والقصاصون يف األدب اإلسالمي ‪ ،‬ص‪.16‬‬
‫املزمل ‪ ،‬اآلية (‪.)4‬‬
‫‪ -55‬سورة ّ‬
‫‪ -56‬اإلبشيهي ‪ ،‬شهاب الدين أمحد بن حممد ‪ ،‬املستطرف يف كل فن مستظرف ‪،‬‬
‫بإرشاف املكتب العاملي للبحوث ‪ ،‬د‪.‬ط ‪ ،‬املجلد األول ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬منشورات‬
‫دار مكتبة احلياة ‪، 2002-2001 ،‬ص‪.156‬‬
‫‪ -57‬عيل بن متيم ‪ ،‬الرسد والظاهرة الدرامية – دراسة يف التجليات الدرامية‬
‫للرسد العريب القديم ‪ ،‬ط‪ ، 1‬الدار البيضاء‪/‬املغرب ـ بريوت ‪ ،‬املركز الثقايف‬
‫العريب ‪ ، 2003 ،‬ص ‪.170‬‬
‫‪ -58‬حممد حسني األعرجي ‪ ،‬فن التمثيل عند العرب ‪ ،‬ط‪ ، 2‬دمشق ‪ ،‬دار‬
‫املـدى ‪ ، 2002 ،‬ص ‪.16-15‬‬
‫‪ -59‬ابن هشام ‪ ،‬السرية النبوية ‪.319/2 ،‬‬
‫وانظر‪:‬‬
‫ـ ابن سعـد ‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن سعد بن منيع البرصي ‪ ،‬الطبقات الكربى ‪،‬‬
‫حتقيق إحسان عباس ‪ ،‬ط‪ ، 1‬املجلد اخلامس ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬دار صادر ‪،1968 ،‬‬
‫ص‪.448‬‬
‫ـ ابن خلكان ‪ ،‬أبو العباس شمس الدين أمحد بن حممد ‪ ،‬وفيات األعيان وأنباء‬
‫أبناء الزمان ‪ ،‬حتقيق إحسان عباس ‪ ،‬املجلد الثالث ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬دار صادر ‪،‬‬
‫ص ‪.437‬‬
‫‪ -60‬األصفهاين ‪ ،‬أبو الفرج عيل بن احلسني ‪ ،‬كتاب األغاين ‪ ،‬رشحه عبد عيل‬

‫‪96‬‬
‫مهنا وسمري جابر ‪ ،‬ط‪ ، 1‬املجلد األول ‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ ، 1986 ،‬ص‬
‫‪.25-23‬‬
‫وعند املرزوقي يف رشح ديوان احلامسة أن «قتيلة ابنته ملا جاءت إىل حرضة‬
‫النبي صىل اهلل عليه وسلم وأنشدته هذه األبيات ّ‬
‫رق هلا النبي وبكى ‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫لعفوت عنه‪ .‬ثم قال‪ :‬ال يقتل قريش بعد هذا صرب ًا»‪ .‬انظر‪:‬‬
‫ُ‬ ‫لو جئتني من ُ‬
‫قبل‬
‫‪964-963 /1 ،‬‬ ‫املرزوقـي ‪ ،‬شـرح ديـوان احلامسـة‬
‫‪ -61‬عىل سبيل املثال ‪ ،‬افتتح اجلاحظ إيراده للخرب وللشعر بام سامه (قدر الشعر‬
‫وموقعه ﻲﻓ النفع والرضّ ) وجاء بشعر ليىل بنت النرض بن احلارث (كام سامها)‬
‫داللة عىل مكانة الشعر‪ .‬انظر‪ :‬اجلاحظ ‪ ،‬البيان والتبيني ‪.44-43/4‬‬
‫ويف خرب اجلاحظ أن بنت احلارث «عرضت للنبي صىل اهلل عليه وسلم وهو‬
‫يطوف بالبيت واستوقفته وجذبت رداءه حتى انكشف منكبه وأنشدته‬
‫شعرها بعد مقتل أبيها»‪.‬‬
‫انظر‪ :‬اجلاحظ ‪ ،‬البيان والتبيني ‪ ،‬حتقيق عبد السالم هارون ‪ ،‬ط‪ ، 1‬املجلد‬
‫الرابع ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬دار اجليل ‪ ،‬ص‪44-43‬‬

‫وقـد انفـرد ابن سالم اجلمحي ﻲﻓ إيراد خرب ينفي مقتل النرض عىل هذا‬
‫ّ‬
‫فارتث‬ ‫النحـو ‪ ،‬ويف خـرب ابن سـالم عـن مصـادره أنه «أصابته جراحة‬
‫أطعم طعام ًا وال أرشب رشاب ًا ما دمت‬
‫منها ‪ ،‬وكان شديد العداوة ‪ ،‬فقال‪ :‬ال َ‬
‫ﻲﻓ أيدهيم فامت» وهذا معناه انتحار القاص غضب ًا مما آل إليه أمره‪ .‬لكن سائر‬
‫املصادر اتفقت عىل ما أوردناه ﻲﻓ املتن من قتل النرض وهو أسري‪ .‬انظر‪ :‬ابن‬
‫سالم ‪ ،‬طبقات فحول الشعراء ‪ ،‬السفر األول ‪ ،‬ص‪.255‬‬

‫‪97‬‬
‫‪ -62‬عبد اهلل إبراهيم ‪ ،‬الرسدية العربية – بحث يف البنية الرسدية للموروث‬
‫احلكائي العـريب ‪ ،‬ط‪ ، 1‬الدار البيضاء ـ بريوت ‪ ،‬املركز الثقايف العريب ‪،‬‬
‫‪ ، 1992‬ص ‪.54‬‬
‫‪ -63‬املاوردي ‪ ،‬أبو احلسن عيل بن حممد بن حبيب ‪ ،‬األحكام السلطانية والواليات‬
‫الدينية ‪ ،‬د‪.‬ط ‪ ،‬بغداد ‪ ،‬منشورات املكتبة العاملية ‪ ،‬دار احلرية ‪ ، 1989 ،‬ص‬
‫‪.207‬‬
‫ـ وكذلك انظر اخلرب يف‪ :‬حممد بن حبيب ‪ ،‬أسامء املغتالني ‪ ،‬ضمن‪ :‬نوادر‬
‫املخطوطات ‪ ،‬حتقيق عبد السالم هارون ‪ ،‬ط‪ ، 1‬املجلد الثاين ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬دار‬
‫اجليل ‪ ، 1991 ،‬ص‪.263‬‬
‫‪ -64‬احلرصي القريواين ‪ ،‬أبو إسحاق إبراهيم بن عيل ‪ ،‬زهر اآلداب وثمر‬
‫األلباب ‪ ،‬قدم له ورشحه صالح الدين ّ‬
‫اهلواري ‪ ،‬ط‪ ، 1‬املجلد األول ‪،‬‬
‫بريوت ‪ ،‬املكتبة العرصية ‪ ، 2001 ،‬ص ‪.57-56‬‬

‫‪98‬‬
‫املصادر واملراجع‬
‫‪ -1‬إبراهيم ‪ ،‬عبد اهلل ‪ ،‬الرسدية العربية ـ بحث يف البنية الرسدية للموروث‬
‫احلكائي العريب ‪ ،‬ط‪ ، 1‬الدار البيضاء ـ بريوت ‪ ،‬املركز الثقايف العريب ‪.1992 ،‬‬
‫‪ -2‬اإلبشيهي ‪ ،‬شهاب الدين أمحد بن حممد ‪ ،‬املستطرف يف كل فن مستظرف ‪،‬‬
‫بإرشاف املكتب العاملي للبحوث ‪ ،‬د‪.‬ط ‪ ،‬املجلد األول ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬منشورات‬
‫دار مكتبة احلياة ‪.2002-2001 ،‬‬
‫‪ -3‬األسد ‪ ،‬نارص الدين ‪ ،‬القيان والغناء يف العرص اجلاهيل ‪ ،‬ط‪، 3‬بريوت ‪ ،‬دار‬
‫اجليل ‪.1988 ،‬‬
‫‪ -4‬األسـد ‪ ،‬ناصـر الدين ‪ ،‬مصادر الشعر اجلاهيل وقيمتها التارخيية ‪ ،‬ط‪، 7‬‬
‫بريوت ‪ ،‬دار اجليل ‪.1988 ،‬‬
‫‪ -5‬األصفهـاين ‪ ،‬محزة بن احلسـن األصفهـاين ‪ ،‬تاريخ سني ملوك األرض‬
‫واألنبياء ‪ ،‬د‪.‬ط ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬منشورات دار مكتبة احلياة ‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ -6‬األصفهاين ‪ ،‬أبو الفرج عيل بن احلسني ‪ ،‬كتاب األغاين ‪ ،‬رشحه عبد عيل مهنا‬
‫وسمري جابر ‪ ،‬ط‪ ، 1‬املجلد األول ‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪.1986 ،‬‬
‫‪ -7‬األعـرجي ‪ ،‬حممد حسني ‪ ،‬فن التمثيل عند العرب ‪ ، ،‬ط‪ ، 2‬دمشق ‪ ،‬دار‬
‫املدى ‪.2002 ،‬‬
‫‪ -8‬بـراون ‪ ،‬إدوارد ‪ ،‬تاريـخ األدب يف إيـران ‪ ،‬ترمجة أمحد كامل الدين حلمي ‪،‬‬
‫د‪.‬ط ‪ ،‬اجلزء األول ‪ ،‬منشورات جامعة الكويت ‪.1994 ،‬‬
‫‪ -9‬بروكلامن ‪ ،‬كارل ‪ ،‬تاريخ األدب العريب ‪ ،‬الرتمجة العربية ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬اهليئة‬
‫املرصية العامة للكتاب ‪. 1993 ،‬‬

‫‪99‬‬
‫‪ -10‬ابن متيم ‪ ،‬عيل ‪ ،‬الرسد والظاهرة الدرامية ـ دراسة يف التجليات الدرامية‬
‫للرسد العريب القديم ‪ ،‬ط‪ ، 1‬الدار البيضاء‪/‬املغرب ـ بريوت ‪ ،‬املركز الثقايف‬
‫العريب ‪.2003 ،‬‬
‫‪ -11‬التوحيدي ‪ ،‬أبو حيان ‪ ،‬البصائر والذخائر ‪ ،‬عني بتحقيقه والتعليق عليه إبراهيم‬
‫الكيالين ‪ ،‬املجلد الثاين ‪ ،‬دمشق ‪ ،‬مكتبة أطلس ومطبعة اإلنشاء‪.‬‬
‫‪ -12‬الثعالبي ‪ ،‬أبو منصور عبد امللك بن حممد بن إسامعيل الثعالبي ‪ ،‬ثامر القلوب‬
‫يف املضاف واملنسوب ‪ ،‬حتقيق حممد أبو الفضل إبراهيم ‪ ،‬د‪.‬ط ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬دار‬
‫املعارف ‪.1985 ،‬‬
‫‪ -13‬ثعلب ‪ ،‬أبو العباس أمحد بن حييى ‪ ،‬جمالس ثعلب ‪ ،‬رشح وحتقيق عبد السالم‬
‫هارون ‪ ،‬ط‪ ، 2‬القاهرة ‪ ،‬دار املعارف‪.‬‬
‫‪ -14‬اجلاحظ ‪ ،‬البيان والتبيني ‪ ،‬حتقيق عبد السالم هارون ‪ ،‬ط‪ ، 1‬بريوت ‪ ،‬دار‬
‫اجليل‪.‬‬
‫‪ -15‬اجلاحظ ‪ ،‬أبو عثامن عمرو بن بحر ‪ ،‬كتاب احليوان ‪ ،‬حتقيق عبد السالم‬
‫هارون ‪ ،‬ط‪ ، 1‬بريوت ‪ ،‬دار اجليل ‪.1996 ،‬‬
‫‪ -16‬اجلمحي ‪ ،‬حممد بن سالم ‪ ،‬طبقات فحول الشعراء ‪ ،‬قرأه ورشحه حممود‬
‫حممد شاكر ‪ ،‬جدة ‪ ،‬دار املدين ‪.1974 ،‬‬
‫‪ -17‬ابن حبيب ‪ ،‬حممد ‪ ،‬أسامء املغتالني ‪ ،‬ضمن‪ :‬نوادر املخطوطات ‪ ،‬حتقيق عبد‬
‫السالم هارون ‪ ،‬ط‪ ، 1‬بريوت ‪ ،‬دار اجليل ‪.1991 ،‬‬
‫‪ -18‬ابن حبيب ‪ ،‬حممد بن حبيب البغدادي ‪ ،‬املنمق يف أخبار قريش ‪ ،‬صححه‬
‫وع ّلق عليه‪ :‬خورشيد أمحد فارق ‪ ،‬ط‪ ، 1‬بريوت ‪ ،‬عامل الكتب ‪.1985 ،‬‬

‫‪100‬‬
‫‪ -19‬حسني ‪ ،‬طه ‪ ،‬يف الشعر اجلاهيل ‪ ،‬تقديم‪ :‬عبد املنعم تليمة ‪ ،‬ط‪ ، 3‬القاهرة ‪ ،‬دار‬
‫النهر للنرش والتوزيع ‪.1996 ،‬‬
‫‪ -20‬احلصـري القريواين ‪ ،‬أبو إسحاق إبراهيم بن عيل ‪ ،‬زهر اآلداب وثمر‬
‫األلباب ‪ ،‬قدم له ورشحه صالح الدين ّ‬
‫اهلواري ‪ ،‬ط‪ ، 1‬بريوت ‪ ،‬املكتبة‬
‫العرصية ‪، 2001 ،‬‬
‫‪ّ -21‬‬
‫اخلطايب ‪ ،‬أبو سليامن حمَ ْ ـد بن حممد بن إبراهيـم اخلطـايب ‪ ،‬بيـان إعجـاز‬
‫القــرآن ‪ ،‬ضمـن‪ :‬ثالث رسـائل يف اإلعجـاز القـرآين للرمـاين واخلطايب‬
‫واجلرجاين ‪ ،‬حتقيق حممد خلف اهلل وحممد زغلول سالم ‪ ،‬ط‪ ، 3‬القاهرة ‪ ،‬دار‬
‫املعارف ‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ -22‬ابن خلكان ‪ ،‬أبو العباس شمس الدين أمحد بن حممد ‪ ،‬وفيات األعيان وأنباء‬
‫أبناء الزمان ‪ ،‬حتقيق إحسان عباس ‪ ،‬املجلد الثالث ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬دار صادر‪.‬‬
‫‪ -23‬ابن سعد ‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن سعـد بـن منيـع البصـري ‪ ،‬الطبقـات‬
‫الكـربى ‪ ،‬حتقيق إحسان عباس ‪ ،‬ط‪ ، 1‬املجـلد اخلامـس ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬دار‬
‫صـادر ‪.1968 ،‬‬
‫‪ -24‬السواح ‪ ،‬فراس ‪ ،‬األسطورة واملعنى ـ دراسات يف امليثولوجيا واألديان‬
‫املرشقية ‪ ،‬ط‪ ، 1‬دمشق ‪ ،‬دار عالء الدين ‪.1997 ،‬‬
‫‪ -25‬ابن سينا ‪ ،‬أبو عيل حسني بن عيل ‪ ،‬القانون يف الطب ‪ ،‬حققه ووضع فهارسه‬
‫إدوار القش ‪ ،‬ط‪ ، 1‬بريوت ‪ ،‬مؤسسة عز الدين للطباعة والنرش ‪.1986 ،‬‬
‫‪ -26‬السيوطي ‪ ،‬عبد الرمحن جالل الدين السيوطي ‪ ،‬اإلتقان يف علوم القرآن ‪ ،‬حققه‬
‫وعلق عليه عصام فارس ‪ ،‬ط‪ ، 1‬بريوت ‪ ،‬دار اجليل ‪.1998 ،‬‬

‫‪101‬‬
‫‪ -27‬ابن طيفور ‪ ،‬أبو الفضل أمحد بن أيب طاهر طيفور ‪ ،‬بالغات النساء ‪ ،‬اعتنى به‬
‫هبود ‪ ،‬ط‪ ، 1‬بريوت ‪ ،‬املكتبة العرصية ‪.2001 ،‬‬
‫وفهرسه‪ :‬بركات يوسف ّ‬
‫‪ -28‬ابن عبد ربه ‪ ،‬أمحد بن عبد ربه األندليس ‪ ،‬العقد الفريد ‪ ،‬حتقيق حممد عبد‬
‫القادر شاهني ‪ ،‬ط‪ ، 1‬بريوت ‪ ،‬املكتبة العرصية ‪.1998 ،‬‬
‫‪ -29‬عبد اجلبار ‪ ،‬عبد اهلل ‪ ،‬وخفاجي ‪ ،‬حممد عبد املنعم ‪ ،‬قصة األدب يف احلجاز‬
‫يف العرص اجلاهيل ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬مكتبة الكليات األزهرية ‪.1980 ،‬‬
‫‪ -30‬عجـينة ‪ ،‬حممد ‪ ،‬موسوعة أساطري العرب عن اجلاهلية ودالالهتا ‪ ،‬ط‪، 1‬‬
‫اجلزء األول ‪ ،‬بريوت ـ تونس (صفاقس) ‪ ،‬دار الفارايب ـ العربية حممد عيل‬
‫احلامي ‪.1994 ،‬‬
‫‪ -31‬فارمر ‪ ،‬هنري جورج فارمر ‪ ،‬تاريخ املوسيقى العربية ‪ ،‬ترمجة جرجيس فتح‬
‫اهلل املحامي ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬منشورات دار مكتبة احلياة ‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ -32‬ابن قتيبة ‪ ،‬أبو حممد عبد اهلل بن مسلم بن قتيبة الدينوري ‪ ،‬عيون األخبار ‪،‬‬
‫املجـلد الثاين ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬رشحـه وضبطه يوسف عيل طويل ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية ‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ -33‬املاوردي ‪ ،‬أبو احلسن عيل بن حممد بن حبيب ‪ ،‬األحكام السلطانية والواليات‬
‫الدينية ‪ ،‬د‪.‬ط ‪ ،‬بغداد ‪ ،‬منشورات املكتبة العاملية ‪ ،‬دار احلرية ‪.1989 ،‬‬
‫‪ -34‬ابن املبارك ‪ ،‬حممد ‪ ،‬منتهى الطلب يف أشعار العرب ‪ ،‬حتقيق ورشح حممد‬
‫نبيل طريفي ‪ ،‬ط‪ ، 1‬بريوت ‪ ،‬دار صادر ‪.1999 ،‬‬
‫‪ -35‬املـرزوقـي ‪ ،‬أبـو عـيل أمحـد بن حممد بـن احلسن املرزوقي ‪ ،‬رشح ديـوان‬

‫‪102‬‬
‫احلامسة ‪ ،‬نرشه أمحد أمـني وعبـد السالم هـارون ‪ ،‬ط‪ ، 1‬بيـروت ‪ ،‬دار اجليل‪،‬‬
‫‪.1991‬‬
‫‪ -36‬املرزوقي ‪ ،‬أبو عيل أمحد بن حمـمد بن احلسن املرزوقـي ‪ ،‬األزمنـة واألمكنة ‪،‬‬
‫حققه وعلق عليه حممد نايف الدليمي ‪ ،‬ط‪ ، 1‬بريوت ‪ ،‬دار الكتب ‪.2004 ،‬‬
‫‪ -37‬املجمع الثقايف ‪ ،‬املوسوعة الشعرية ‪ ،‬أبو ظبي (اإلمارات العربية) ‪2003 ،‬‬

‫(كتاب إلكرتوين) ‪.‬‬


‫‪ -38‬املسعودي ‪ ،‬أبو احلسن عيل بن احلسني بن عيل ‪ ،‬مروج الذهب ومعادن‬
‫اجلوهر ‪ ،‬حتقيق حممد حميي الدين عبد احلميد ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬املكتبة العرصية‪.‬‬
‫‪ -39‬نجم ‪ ،‬وديعة طه ‪ ،‬القصص والقصاصون يف األدب اإلسالمي ‪ ،‬الكويت ‪،‬‬
‫مطبعة حكومة الكويت ‪.1972 ،‬‬
‫‪ -40‬ابن هشام ‪ ،‬أبو حممد عبد امللك بن هشام املعافري ‪ ،‬السرية النبوية ‪ ،‬ضبط‬
‫وحتقيق حممد عيل القطب وحممد الدايل بلطه ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬املكتبة العرصية ‪،‬‬
‫‪.2003‬‬
‫‪ -41‬الواحـدي ‪ ،‬أبو احلسـن عـيل بن أمحـد الواحـدي النيسـابوري ‪ ،‬أسبـاب‬
‫النـزول ‪ ،‬د‪.‬ط ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬عامل الكتب ‪،‬‬

‫‪103‬‬
Asateer Al-Awallen
Tales of the Ancients

by
Dr. Mohammad Obaidallah

108
107
Tales Of the Ancients

The present research is an attempt to introduce a literary


form that pre-Islam Arabs Knew as ‘tales of the ancients’, a
form especially associated with the mane of Al-Nadhr ibn Al-
Hareth. The designation ‘tales of the ancients’ occurs several
times in the Qur’an, in the context of refuting the charges of
the Quraishi people, and especially rebuking Al-Nadhr ibn
Al-Hareth, the story-teller who claimed that the tales of the
Qur’an are not different from the ones he was telling.
In the absence of representative specimens, the present
research attempts to reconstruct the above-mentioned from, to
illustrate and reveal the part played by Al-Nadhr ibn Al-Hareth
in founding this art in the pre-Islamic era. A definition of this art
is presented here with reference to three perspective: Qur’anic
hints, semantic elucidation as met with in dictionaries, and
insights from other sources.
The research presents a sketch of the story-teller and some
features his tales, the nature of his reports, their relation to
Persian heroic narratives, to such legendary champions as

106
Rustum and Ispendiar. It also stresses the presence of narrative
as a constituent the ‘challenge’, frequently handled by old Arab
scholars, but invariably associated to poetry, to the neglect of
narrative.
A side-light will be directed at the narrative-related questions
posed by Al-Nadhr ibn Al-Hareth to the Prophet, and to the
reply in the Chapter of the Cave in the Qur’an (the stories
of ‘the Companions of the Cave’ and ‘the two-horned Man’,)
putting forth a functional report of Al-Nadhr’s questions,
which leads the researcher to further elucidate the narrations
of Al-Nadhr.
Special attention will be given to linking Al-Nadhr’s musical
and singing talent to his narrative experience, inquiring about
the tone of his narration, whether he fell back on his musical
ability to beautify his narration, to combine a dramatic and
narrative elements in one situation.
In the conclusion, the research will inquire about the fate
of Al-Nadhr ibn Al-Hareth, whose hostile attitude led him to
be a military commander in the Badr Battle, in which he was
put to death by the sword of Ali ibn Abu Taleb. It appears that
his execution was taken to be a condemnation of the art of

105
narrative, which contributed to the neglect of this art, while in
fact the Qur’anic position was not hostile to narrative as an art,
but to Al-Nadhr’s employment of narrative to assault Islam.

104

You might also like