Professional Documents
Culture Documents
در الثقافة نهاني نهاينيييييييييي
در الثقافة نهاني نهاينيييييييييي
در الثقافة نهاني نهاينيييييييييي
1
المحور األول :الثقافة مكون انثروبولوجي وسوسيولوجي.
ال يمكن الحديث عن الثقافة من دون استحضار مركبات ؛ الدين والطقوس؛ اللغة والتواصل؛ العالقات القرابية؛ اللباس
واالحتفاالت؛ وشكل السكن والتحضر وغيرها ،من األبعاد التي يصعب الفصل فيها بين اإلنساني/الذاتي واالجتماعي مع
البيئي/العمراني .مكونات يتداخل فيها الكمي والكيفي ،الثابت و المتغير ،الشمولي والمحلي ،الظاهر والخفي ،الجمعي والفرداني،
القابل لالنتشار/النقل والخاص .ومنه فهي موضوع يتقاسمه علمين (االنثروبولوجيا والسوسيولوجيا) .ويصعب الحديث عن حدود أو
نهايات .فعلم االجتماع يدرس كل هذه الظواهر ،كما أن االنثروبولوجيا تتخذ من اإلنسان الجماعاتي /المجموعاتي ،القبلي
و العشائري ،ومن عاداته وقيمه وكل مظاهر حياته موضوعا مركزيا ،وخاصة ذلك اإلنسان المختلف أو الثقافة المهمشة والبعيدة،
ألنها كعلم أسست في البداية من أجل دراسة المتوحش والبدائي والمتخلف.
-1التفكير السوسيولوجي /األنثروبولوجي في الثقافة والتحضر منذ اليونان؛
إن ال تفكير في الثقافة والتحضر ال يمكن أن يستقيم من دون الوقوف عند لحظة اليونان ،بما هي كتابة عميقة للتاريخ
اإلنساني(كل ما هو عظيم يولد عظيما) .فمع أفالطون تشكل الوعي والفكر اإلنساني على مبادئ أخرى مختلفة لما كانت سائدة.
انتقد الوضع الراهن ،ورأى ضرورة إحالل أخرى تقوم على أسس الدفاع عن الحق (حالة سقراط) وتعزيز الشجاعة ( محاورة
الخيس) والمثابرة في محاورة خارميندس والدفاع عن الخير والفضيلة ونقد األنانية (محاورات فيليب وبروتاغوراس وجورجياس).
كما أن كتابه "الجمهورية" هو دعوة إلرساء ثقافة العدالة المطلقة والتنظيم العقالني للسلطة السياسية وللعالقات القرابية واالجتماعية
(مشاعية الجنس) وتراتبية السلطة وغيرها .وهي نفس األفكار التي دافع عنها العدمي ديوجين الكلبي وإن كان بمنطق مختلف .أما
أرسطو فقد سارع إلى إبراز األبعاد الثقافية لليونانيين في تلك المرحلة ،سواء من الناحية السياسية(االكسيولوجية) أو
المعرفية(االبيستميولوجية) ،ويتجلى ذلك من خالل "نظام الدولة" ،حيث يرى أن النظام السليم والراقي يتحقق من خالل "دولة
المدينة" التي البد أن تضمن مجموعة من الشروط :
توفير كافة المواد الغذائية ؛
توفر أدوات وآالت الفنون ؛
توفير السالح والعتاد العسكري للدفاع ؛
وجود إحتياطات من الثروات والعناصر المختلفة للحاالت الطارئة في الحروب ؛
وجود العنصر الديني من خالل الكهنة ؛
وجود مرافق عامة ؛
وجود رجال للقضاة.
ويرى أرسطو على أنه يجب أن يكون للمدينة موقع إستراتيجي من حيث أن يكون مالئما للصحة على أن يستقبل أشعة
الشمس من الشرق ويكون له منفذ على الجنوب ألن برده أيسر وأن تكون المدينة منظمة من الداخل حتى يؤدي السكان وظائفهم
بسهولة وأن تكون محصنة ومحمية من اإلعتداءات الخاريجية ،ويجب العمل على تطوير وسائل الدفاع بإستمرار ويشترط أن ال
تكون المدينة كبيرة وعدد سكانها كبير بحيث يصعب تنظيمها وأن التكون صغيرة وعدد سكانها قليل فال يمكن لها عند ذلك أداء
مهامها وواجباتها بل يجب أن تكون متوسطة وأن يكون هناك تناسب بين مساحتها وسكانها حتى يعرف السكان بعضهم من خالل
الصدقات واألخوة وأيضا حتى ال يختل نظامها ،وللمحافظة على عدد سكان أي مدينة من التزايد كان اإلغريق يعتمدون على تحديد
النسل من خالل اإلجهاض وإعدام المشوهين والضعاف من األطفال .
هذا عند اليونان ،أما في الحضارة اإلسالمية ،فال يمكن تجاوز الدور الذي يلعبه ابن خلدون في التفكير في التاريخ والمجتمع
ودراسته للفروق بين المجتمعات على أساس نظرية العمران والعصبية وتعاقب الحضارات ،فقد اهتم بالتمييز بين الثقافة
والتحضر ،وخصص لذلك قسما مهما من كتابه "مقدمة ابن خلدون حول العمران البشري والتمييز بين البدو والحضر" ،والتي
تناول فيها العناصر االتية:
فصل حول أن أجيال البدو والحضر طبيعية؛
فصل في أن البدو أقدم من الحضر؛
فصل في أن أهل البدو أقرب إلى الخير من أهل الحضر؛
فصل في أن أهل البادية شجعان وأهل المدينة جبناء.
إن التفكير في الثقافة كمكون انساني ،لم ينضج بشكل عملي إال في فترة األنوار ،عندما حاول األوروبيون فهم أسباب
الحروب والتفتت والصراع والتحكم ،ومراجعة التفكير السائد ،القائم على مركزية الدين واالستخالف اإللهي لذوي الكفاءات
الكاريزماتية "األمير" أو "النسبية" الملوك أو "االقتصادية" النبالء .ومنه بدأ التفكير في الخروج من وضعية الحجر مع كانط،
2
والميل للخير مع روسو وللطبيعة العدوانية لإلنسان مع هوبر ،والتي تحتاج إلى إعادة إخضاعها لسلطة الجماعة ،وإرادتها
المتمثلة في اختيار حاكم يستطيع فرض الحق الجماعي ولو بالقوة.
-2الثقافة مكون انرثوبولوجي:
كانت الثقافة من خصوصيات االنثروبولوجيا منذ بدايتها ،لكن مع ذلك يصعب تحديد تعريف واضح للمفهوم .فمصطلح
1
"الثقافة" لم يظهر في المعاجم واألدبيات الحديثة إال في القرن ،13وخاصة في القواميس الفرنسية ،والذي ينحدر من الكلمة الالتينية
،cultivaالتي يقصد بها العناية باألرض والماشية .وبقي مرتبطا بالفالحة والزراعة إلى نهاية القرن السابع عشر ،حيث بدأ الحديث
عن التمييز بين مفهوم الحضارة والثقافة ،وأخذت الكلمة تتخذ معنى مجاز في القواميس ،وخاصة في قاموس األكاديمية الفرنسية
نشرة ،1718ولقد كان هناك الصراع بين األدباء الفرنسيين واأللمان حول اختيار واستعمال المفهومين ،الفرنسيين يميلون إلى
الحضارة واأللمان إلى الثقافة.
اهتم االثنولوجيوين التطوريوين البريطانيون وخاصة تايلور بتعرف المفهوم ،ويعتبر أول من حاول تقديم تعريف علمي له
من خالل دراساته في المكسيك ،وذلك عن طريق تفحص مفهوم "البقايا الثقافية" ،والبحث عن أصول الثقافة وعن آليات تطورها،
وتوصل إلى تفسير ذلك في كتابه المرجعي حول الدراسات الثقافية "الثقافة البدائية" الصادر سنة .1871ويعتبر أول عالم
انثروبولوجي/اثنولوجي درس المفهوم بشكل نسقي وعام ،2وتوصل إلى أن ثقافة الشعوب البدائية المعاصرة تمثل بصفة عامة الثقافة
األصلية الخاصة باإلنسانية .حيث يرى أن الشعوب المتحضرة حتما مرت مما تمر منه الشعوب البدائية ،وأن تطورها ال يمر
بالضرورة وفق نفس الوثيرة .3وبذلك وضع تايلور تعريفه الشهير ،والذي يمكن اعتباره تفسيرا تطوريا للثقافة ،كونيا وخطيا ،ومن
الضروري أن تمر كل الحضارات من نفس المرحلة البدائية ،وبالتالي يميل أكثر إلى كونية الثقافة .ولقد تناول الثقافة بالمفرد ،ولم
يتحدث عن ثقافات.
إن التعريف الذي قدمه تايلور في كتابه "الثقافة البدائية "1871هو ذلك الذي يقول فيه عن الثقافة " :ذلك الكل المركب الذي
يشمل المعرفة والمعتقدات والفن واألخالق والقانون واألعراف والقدرات والعادات األخرى التي يكتسبها اإلنسان باعتباره عضوا ً
في المجتمع " .4ومما يالحظ على هذا تعريف تايلور:
أنه وصفي وموضوعي وليس معياريا ،وهذا ما كان يسعى إليه علماء اإلنسان بشكل عام؛
يعبر عن نظرة شمولية للحياة االجتماعية لإلنسان ؛
أن الثقافة وفق هذا التعريف تكتسب بعدا جماعيا ( باعتباره عضوا ً في مجتمع؛
أن الثقافة في نهاية مكتسبة ،وبالتالي فهي ال تنشأ عن الوراثة البيولوجية.
إذا كان تايلور ينطلق من وجهة نظر تطورية وكونية ومبدع التعريف العلمي لمفهوم الثقافة ،فإن األنثربولوجي األلماني-
األمريكي فرنس بواز Franz Boasسيتناولها من منظور تخصيصي 5أو محلي .فمن خالل دراساته لقبائل االسكيمو ودراساته
الميدانية لهنود كولومبيا البيريطانية حاول فهم أثر الوسط الطبيعي في مجتمع االسكيمو ،وتوصل إلى أن االختالف بين المجموعات
البشرية ذو طبيعة ثقافية وليس عرقية ،حيث انتقد مفهوم العرق ،باعتباره مجموعة من السمات الطبيعية التي تخص مجموعة
بشرية ،وقد أكد على غياب خصائص عرقية ثابتة ،وانتقد مسألة الصلة بين السمات الفيزيائية والسمات الذهنية ،ويرى أنه ال توجد
تباينات بيولوجية بين األوليين والمتأخرين ،بل توجد اختالفات ثقافية ،ومنه وضع مفهوم الثقافة في مقابل مفهوم العرق .وكان
منهجه قائما على دراسة الثقافات بمعناها الجمعي ال الفردي ،وقد انتقد نظرية العرق ونظرية التطور معا .وأكد على النسبية الثقافية.
ويمثل االتجاه الثقافي في االنثروبولوجيا.
ومن أبرز أفكار بواز" الشخصية الثقافية" ،ومن أهم كتبه "العرق واللغة والثقافة" ،والذي يؤكد فيه على أن اللغة والثقافة
يلعبان دورا محددا في االختالفات بين الشعوب أهم من الوراثة .ولقد واصلت تلميذتاه روث بنديكت ومارغريت ميد البحث في
ميدان الثقافة .فاألولى من خالل دراساتها وضعت ما يسمى بالمدرسة الثقافية أو الثقافة والشخصية personnalité et culture
لكونها ركزت على البعد الثقافي في الحياة االجتماعية ،ويعد كتابها "أنماط الثقافة "1943األكثر تأثيرا في االنثروبولوجيا الثقافية،
واعتبرت أن الثقافة هي المحدد لشخصية الفرد ،فكل ثقافة تقدم أجوبة لمشاكل أفرادها ولكل ثقافة خصوصيتها.
تأخر االهتمام االنثروبولوجي الفرنسي بمفهوم الثقافة ،نظرا ألن الفرنسيين كانوا يفضلون استعمال مفهوم الحضارة عوض الثقافة،
ونظريا للصراع االيديولوجي بين األلمان والفرنسيين ،والذي تجلى في اختيار المفاهيم .في فرنسا كان االهتمام بالثقافة محدود،
ولقد حاول ستراوس أن يعرف الثقافة من منظور بنيوي ،ووضع لها تعريفا ،باعتبارها" :6مجموعة من األنساق الرمزية التي
- 1بربريك ،رحال ،2014 ،مدخل إلى االنثروبولوجيا ،دار ابي رقراق للطباعة والنشر ،ط ،1ص .76
- 2كوش ،دونيس ،2007 ،مفهوم الثقافة في العلوم االجتماعية ،ترجمة منير السعيداني ،ص .33-32
- 3نفسه ،ص .33
- 4كوش ،مرجع سابق ،ص .31
- 5نفسه ،ص .34
- 6نفسه ،ص 78
3
تتصدرها اللغة وقواعد التزاوج والعالقات االقتصادية والفن والعلم والدين" فكل هذه األنساق تهدف إلى التعبير عن بعض أوجه
الحقيقة الطبيعية والحقيقة االجتماعية .وكان االهتمام األمريكي أكثر نجاحا والتفاتة ،وخاصة تيار األنثروبولوجيا الثقافية بالثقافة
بشكل واضح ،بسبب أن أمريكا تتشكل من مزيد من األعراق واألجناس ،مهاجرون 7وسكان أصليون .ولذلك تبنى األمريكيون
تعريفا إجرائيا للثقافة ،باعتبارها "مجموعة من المواقف واألفكار والسلوكات المشتركة بين أفراد المجتمع ،وأيضا النتائج المادية
لهذه السلوكات".8
بعد المدرسة الثقافية ستظهر المدرسة الوظيفية ،خاصة مع البريطاني البو لوني مالنوفسكي ،والذي سينطلق من نقد موقف
المدرسة االنتشارية للثقافة ،التي تختزلها في سمات تجمع وتوصف لذاتها من دون سياقاتها في النسق الشامل ،حيث يرى على أن
لكل عاة ول كل شيء وفكرة ومعتقد وظيفية حيوية ما ،وتضطلع بمهمة ،وتمثل جزءا من الكلية العضوية غير القابلة للتجاوز .9ولقد
نظر إلى الثقافة باعتباره كال متجانسا ،كل عنصر ثقافي يؤدي وظيفة في تناغم مع باقي العناصر في إطار نسق كلي.
بعد ذلك ستظهر مدرسة الثقافة والشخصية ،والتي سيكون من أهم رواده ادوارد سابير وروث بندكث تلميذة بواز ومارغريت
ميد ،وكلهم يشتركون في نقطة أساسية ،تقوم على أن نقد انتشار السمات الثقافية وتجاهلها الختالف تصرفات األفراد المرتبطة بكل
ثقافة ،فالثقافة ال تفسر بخاصيات بيولوجية ،بل بالمحددات الثقافية .والفرد يتشرب منذ بدايته النموذج عبر نسق كامل من المحفزات
والنواهي ،وبالتالي فالثقافة تتغير من مجتمع إلى آخر ،بتغير أشكال التربية والضغط .ويذهب لينتون وكاردينار كذلك إلى نفس
االتجاه ،إال أنهم يتحدثون عن "الشخصية األساسية" ،ويرون على أن كل شخص يكتسب ثقافة قومه ويصبح شخصا اعتياديا ،ال
يختلف عنهم ،هذا النمط االعتيادي هو ما ساماه ب" الشخصية األساسية".
إذا كان تايلور يقدم تصورا كونيا للثقافة فان بواز ينطلق من تصور خاص ومحدود ،فمن خالله بعتثه ودراسته لتأثير الوسط
الطبيعي في شعوب االسكيمو ،توصل إلى أن التنظيم االجتماعي كانت تحده الثقافة أكثر من العناصر الطبيعية .10ولقد كان مهووسا
باالختالف والنسبية الثقافية ،ويتحدث عن الثقافات ال ثقافة واحدة ،ففرانز بواس 1942-1858من أسرة يهودية ألمانية ذات تفكير
ليبرالي متأثر بالمسالة العنصرية درس الفيزياء والرياضيات ثم الفيزياء البشرية ثم االنثروبولوجيا بدا دراسته الميدانية لألجناس
واألعراف البشرية في شمال أمريكا "الثقافة تعبر بشكل خاص عن كون اإلنسان إنسان ويجب احترامها وحمايتها تتضح من خالل
اللغة والمعتقدات واألعراف والفن ...كما أنها المفهوم األصلح لتنوع البشرية ألنه ال وجود الختالف طبيعي بيولوجي بين
البدائيين والمتحضرين اال اختالف في الثقافة التي مفهومها يقابل مفهوم العرق" .لهذا درس الثقافات بدل من الثقافة الواحدة معتمد
على المنهج االستقرائي الميداني.
-3التفكير السوسيولوجي في الثقافة:
داخل علم االجتماع يالحظ على أن الثقافة تتخذ معنى باعتبارها توجد في كل مكان وفي كل ما يهم الحياة اإلنسانية ،فهي
بتعبير انغليز وهيوستن كل األفكار والمعتقدات والقيم . 11يصعب تحديدها ،فهي واحدة من المصطلحات التي تصف الحياة اإلنسانية،
لكنها تنفلت من كل تحديد ،ويصعب تحديدها بتعريف واحد ،12ولقد حاول اثنان من علماء اإلجتماع الفريد كروبر وكاليد كلوكهون
في خمسينيات القرن الماضي إحصاء الدالالت المتنوعة لكلمة ثقافة ولمفهوم حضارة ووجدوا أكثر من 164تعريفا .13ويصفان
أربعة من بين التعاريف الحديثة للمفهوم في علم االجتماع :
هذا ولقد حاول العالمان أن يقدما تعريفا للمفهوم من خالل ستة أجزاء:14
يعتبر التفكير في الثقافة عرضيا في علم االجتماع ،لكن منذ بداية علماء االجتماع وهم يتناولون قضايا ال تبتعد عن المفهوم،
ويعتبر اميل دوركايم أول من تناول المفهوم في كتابه حول التربية األخالقية .كما أن ماكس فيبر تناوله من خالل الدين البروتستانتي
ودوره في خلق ثقافة العمل واالستثمار واإلنتاج ،بما هي بداية لظهور الرأسمالية كفر وممارسة وثقافة اقتصادية واجتماعية .ومن
جهة أخرى تناول بيير بورديو المفهوم من خالل كتاباته عن التلفزة ونظرية إعادة اإلنتاج ونظرية الرساميل .وإذا كان االختالف
سائدا بين علماء االنثروبولوجيا حول تحديد مفهوم الثقافة وحول خصائصه ،بين التطوريين واإلنتشاريين والوظيفين ،فان األمر بقي
سائدا حتى في علم االجتماع وخاصة الفرنسي منها ،فبين من يرى أنها ذات طبيعة موحدة(دوركايم) ،ومن يرى على انها مختلفة
ومتعددة(ليفي وبروهل ،)Levy-Bruhlومن ينظر إليها بمثابة ايديولوجيا(ماركس) ،ومن يرى أنها صناعة هدفها خلق ثقافة
جماهيرية(رواد مدرسة فرانكفورت)
أ-دوركايم والمقاربة الموحدة لظواهر الثاقفة :لم يهتم بالثقافة بشكل أساسي ويمكن أن نصنفه ضمن األبحاث االنثربولوجية
الفرنسية 15وضمن السوسيولوجيا ،نظرا لما ساهم به من خالل مجلته الحولية االجتماعية سنة ،1897كما قدم من خالل مذكرته
حول مفهوم الحضارة مع مارسل موس ،التي نشرت سنة 1913تصورا موضوعيا وال معياري للحضارة ،من خالل التأكيد على
تعدد الحضارات من دون أن يعني إبطال وحدة اإلنسانية ،ويقول" ليست حضارة شعب ما سوى مجموعة من ظواهره االجتماعية،
والكالم عن شعب جاهل أو من دون حضارة أو طبيعة هو كالم عن أشياء ال وجود لها" .16ويرى أن الثقافة تسهم في األداء
المنسجم للمجتمع بأكمله ،وقد انطلق من تفسيرات وظيفية للثقافة ،و حاول الحديث عنها انطالقا من تفسيره لالغتراب أو الضياع
،anomieحيث يؤكد على ا نه من دون اإليمان بالمعتقدات التي تعززها المعايير الثقافية سيشعر الفرد بالضياع واالنعزال في
المجتمع الحديث ،فوظيفة الثقافة هي الحفاظ على ضمان الحفاظ على األنماط اإلجتماعية.17
ب-ليفي وبروهل Levy-Bruhlوالمقاربة االختالفية للثقافة :يريان على أنه ال وجود لما يسمى ب" سوسيولوجيا الثقافة" لكن
الكثير من التيارات السوسيولوجية تتخذ من الثقافة موضوعا لها ،بشكل أو بأخر ،مثل السوسسولوجيا البنيوية أو نظرية الفعل
والسوسيولوجيا الظاهراتية وغيرها .وانقسم رواد علم االجتماعي والفكر االجتماعي في أوروبا في القرن 19إلى اتجاهين رواد
الحركة التنويرية ورواد الحركة الرومانسية ،األوائل وضعيون ،واآلخرون يميلون إلى أهمية التأويل والخيال والتفكير في العلوم
اإلنسانية ،كان الفكر التنويري سائدا في فرنسا ،من طرف أعمال كونت ودوركايم ،أما الثاني فكان سائدا في ألمانيا من خالل أعمال
ماكس فيبر وماركس فليهليم دلتاي وهيردر وغيرهم.
كان األلمان ينظرون للثقافات على أنها تتكون من أنماط فكرية ومواقف ومشاعر وأساليب خاصة بها ،وأن لكل دولة ثقافتها
الخاصة والفريدة التي ال تقارن بثقافة الدول األخرى18؛ ففي ألمانيا نظر الرومانسيون إلى الثقافة على اعتبارها تشير إلى جوانب
من الحياة اإلنسانية بما في ذلك األفكار والقيم الروحية " 19ولذلك أكد دليتاي وهيردر على أنه من الصعب دراستها دراسة
سوسيولوجية وضعية أو عليمة كما أدى علماء االجتماع الفرنسيون .ففي فرنسا نظرت الحركة التنويرية إلى فكرة الحضارة بشكل
آخر ،نظرة ايجابية ألنها كانت توحي بالتطور الفكري والمادي ،وكانوا يشعرون أن المجتمع الحديث أرقى من مجتمع القرون
الوسطى ،وقد نظرت السوسسولوجيا المنبثقة عن مبادئ التنوير إلى الثقافة على أنها " أساليب فكرية مركبة روجت لها مجموعات
معينة كرجال الدين واالرستقراطيين حتى يشوشوا على أذهان اآلخرين ويحافظون على السلطة"20
د -مدرسة فرانكفورت وصناعة ثقافة جماهيرية :من خالل عمليات النقد والمراجعة ألفكار ماركس وفيبر ومراجعة فكر علم
االجتماع الفرنسي توصلوا إلى أن الثقافة ما هي إال صناعة ،وهي الفكرة التي دافع عنها ادورنو وهوركهايمر في كتابهما "جدلية
التنوير" ،حيث يرون على أنها صناعة هدفها صناعة ثقافة جماهيرية عن طريق األفالم والصحف وغيرها.22 ،
اهتم علماء االجتماع الكالسيكيون بالثقافة الحضرية ،لكن بشكل عرضي ،ويمكن التمييز بين الدراسات العربية
الوصفية(مقدمة ابن خلدون) ،والدراسات الغربية التحليلية لظواهر لها عالقة وطيدة بالمدينة وتنظيماتها(المدينة عند ماكس فيبر) أو
باألبعاد التنظيمية والتضامنية (في تقسيم العمل لدوركايم) والتأثيرات على المدينة ،ومنها تأثيرات الهجرة أو االختالف الثقافي
داخل المدينة على االندماج والتكامل بين سكان المدينة الواحدة(مدرسة شيكاغو) .،فالحديث عن الثقافة الحضرية يتخذ طابعا مستثرا
في اعمال الرواد ،الذين تمسكوا بالمجتمع وحاولوا كشف االليات التي تحرك ما هو اجتماعي(دوركايهم) وما اقتصادي وسياسي
(ماكس فيبر) وما قيمس وثقافي (دوركايم وابن خلدون) وما اليات مضمرة للهيمنة (بيير بورديو)
-1ابن خلدون والتمييز بين ثقافة البدو والحضر؛
لقد كان كتاب المقدمة البن خلدون مؤلفا عبقريا ،فريد من نوعه في التاريخ العربي واإلنساني .بمثابة تقديم لكتاب ضخم لعبد
الرحمان ابن خلدون ،لكنه هو الذي اشتهر به .وتمت ترجمته إلى العديد من اللغات نظرا لألهمية التي يضطلع بها .حيث اعتبره
بعض المؤرخين والفالسفة وعلماء االجتماع مدخال للكثير من العلوم اإلنسانية واالجتماعية .ولقد اعتنى فيه بشكل أساسي بنظرية
العمران ،التي وصفت بمثابة بداية لمجموعة من النظريات االقتصادية والسياسية ومدخال لتأسيس علم االجتماع.
اهتم ابن خلدون في قسم "العمران البشري " بالتمييز بين الناس على أساس الخصب والجوع ،وكان القسم الثاني المتعلق
بالعمران الب دوي من أهم الفصول التي تتناول نظريته في التمييز بين الثقافة على أساس بيئي وسكني ،حيث ميز بين السلوك الريفي
والحضري ،حيث انطلق من التأكيد على أن االختالف بين البدو والحضر طبيعي يعود إلى طبيعة نشاطهم ،فمن يعتمد الفالحة
والرعي تدعوه الضرورة إلى العيش في الباد ية ،بينما يتجه اآلخرون إلى العيش وفق ثقافة الحضر كلما حصل لهم ما فوق حاجتهم
من الغنى والقوت ،وهو ما يدفعهم إلى السكون واإلكثار من القوت والمالبس وتوسعة البيوت واختطاط المدن واألمصار . 23ويذهب
إلى أن البداوة أقدم من الحضر وسابقة عليه ،وأن البادية أصل العمران واألمصار ،ويقول"قد ذكرنا أن البدو هم المقتصرون على
الضروري في أحوالهم العاجزون عما فوقه وأن الحضر المعتنون بحاجات الترف والكمال في أحوالهم وعوائدهم" ،ويقول " ال
شك إن الضروري أقدم م ن الحاجي" ويقول " فالبدو اصل للمدن والحضر وسابق عليه" ،24وفيما يخص الطبيعة اإلنسانية ،يرى
أن " أهل البدو اقرب إلى الخير من أهل الحضر" ، 25كما أنهم اقرب إلى الشجاعة من أهل الحضر ،ألنهم يجتمعون ويدافعون عن
أنفسهم وال يحتاجون لجيش أو لقوة وال يثقون في غيرهم ،في حين أن أهل المدن انغمسوا في الراحة والنعيم وتركوا أمر الدفاع إلى
واليهم.26
دوركايم لم يكتب عن الثقافة ،وإنما اعتنى بها في سياقات دراساته وتأسيسه لقواعد المنهج في علم االجتماع .وتعتبر دراساته
" تقسيم العمل اال جتماعي" " واالنتحار" " والتربية وعلم االجتماع" "األشكال األولية للحياة الدينية" من بين الكتابات التي تحفل
بالمعاني والقيم والمبادئ .ولعل كتابه "في تقسيم العمل االجتماعي" من بين أهم الكتابات التي تناولت مسألة التمييز على أساس
طبيعة المجتمع .هذا وتحضر الثقاف ة عند اميل دوركايم بأشكال مضمرة وأخرى معلنة ،األولى في نظريته حول تقسيم العمل
والتضامن والتنشئة االجتماعية والتربية ودراسته لالنتحار والثانية في كتابه حول التربية األخالقية.
كتب دوركايم "في تقسيم العمل االجتماعي" سنة 1893في إطار محاولة سوسيولوجية وفلسفية لفهم سيرورة تشكل المجتمع
من خالل اتحاد الناس .و ظهر لعالم االجتماع الفرنسي أن التصنيع يغير المجتمع من البساطة واالتساق إلى التخصص واالختالف.
على خالف كارل ماركس الذي اهتم كثيرا بالمؤثرات السلبية للتغريب والعقالنية التي الزمت النظام الرأسمالي ،لم يرى دوركايم
في االنتقال من التقليد إلى الحداثة باعثا على القلق أو مؤشرا على االنحطاط األخالقي .لكنه ،عوضا عن ذلك ،ركز على ذلك
االنتقال ليكشف عن المهام الجديدة لآلليات المستحدثة.
ولقد استقى دوركايم مالحظاته وتحليالته من األجواء العامة التي أفرزتها الثورة الصناعية (التحول إنتاج البضائع بوفرة
هائلة نتيجة اندثار المهن التقليدية أمام زحف اآلالت التي صممت للقيام بمهمات غاية في التخصص وفرضت على العمال تناسق
- 23ابن خلدون ،عبد الرحمان بن محمد ،الدرويش ،مقدمة ابن خلدون ،الجزء األول ،تحقيق عبد هللا محمد ،ط ،1ص ص ،.244-243
- 24نفسه ،ص .247
- 25نفسه ،ص .248
- 26نفسه ،ص .251
7
وتضافر مجهوداتهم) .وأقام دوركا يم دراسته لظاهرة تقسيم العمل في المجتمع على تصوره لنوعين مختلفين من المجتمعات .فإذا
كان المجتمع األول يتصف بالبساطة ويتميز بالتضامن اآللي وينعدم فيه تقسيم العمل أو يوجد في شكل إرهاصات باهتة ،يكون
المجتمع الثاني الحداثي حائزا على التضامن العضوي ومستندا على تقسيم واسع للعمل.
يعتبر عالم االجتماع الفرنسي تقسيم العمل حقيقة اجتماعية مادية تؤشر على المحددات المرتبطة بالتخصصات والمسؤوليات.
ففي المجتمعات البسيطة ،يؤدي الناس الكثير من المهام المختلفة ويتحملون عددا كبيرا من المسؤوليات .أما في المجتمعات الحديثة
نالحظ أن الناس يحتلون مواقع أكثر تخصصا ويتحركون في نطاق ضيق من المهام والمسؤوليات .يقول دوركايم في مقدمة كتابه":
على الرغم من أن تقسيم العمل ليس حديث المنشأ ،فإن المجتمعات بدأت منذ نهاية القرن الماضي (الثامن عشر) فقط تدرك هذا
القانون الذي خضعت له حتى ذلك الحين م ن دون إدراك .لقد أدرك بعض المفكرين ،بال ريب ،أهميته حتى منذ العصور القديمة.
ومع ذلك كان آدم سميث أول من حاول أن يقدم نظرية مفصلة ومحكمة حول هذا القانون .واألكثر من ذلك أنه كان أول من سك
هذا المصطلح الذي أعاره علم االجتماع لعلم األحياء فيما بعد".27
درس الروابط االجتماعية lien socialفي عملية االنتقال من المجتمعات التقليدية إلى الصناعية ،وهنا يطرح أشكال
عمليات التحول في هذه الروابط عبر عمليات التحول في التنظيم االقتصادي واالجتماعي والسياسي .وحاول في كتابه التمييز بين
شكلي التضامن ،وتوصل إلى أن التضامن العضوي هو نتيجة الختالف الوظائف وتنوعها ،هذا التنوع في حذ ذاته هو دافع
لالرتباط بين الناس بشكل منعكس . réciproqueوقد توصل في النهاية إلى أن التضامن الحديث هو نتيجة مباشرة لتقسيم العمل
بينها األول كان طبيعيا ألنه يقوم على التشابه واالنتماء .ومنه أكد على أن تقسيم العمل االجتماعي (ليس في المصنع فقط) هو
مصدر التضامن االجتماعي والتماسك االجتماعي ،cohésion socialeفتقسيم العمل يمكن من إحداث التكامل rendent les
.hommes complémentairesوهنا يصف هذا التكامل باألخالقي moraleألنه يمكن من العيش المشترك .ويرى أن وظيفة
تقسم العمل أخالقية واجتماعية" إن الوظائف االقتصادية التي يمكن أن يؤديها(تقسيم العمل) قليلة مقارنة مع التأثير األخالقي
الذي يحدثه ،ووظيفته األساسية هي أن يخلق بين شخصين أو أكثر اإلحساس بالتضامن".28
وفي معرض حديثة عن ثقافة التضامن يرى أن تنشا أشكال أخرى منه ،ومنها تقسيم العمل الشاذ أو المرضي ،anomique
والذي يعتبره نتيجة للتخصص واالختالف المتزايد الذي ينتج خالله الترابط والتكامل بين المهن والوظائف والمهمنات ،وينشا
نتيجة لالزمات الصناعية والسياسية والفشل ،وكل نقص سيؤدي إلى نقص في التكامل والتماسك االجتماعي وهنا يقول" إذا كان
تقسيم العمل ال ينتج تضامنا فهذا بسبب ان العالقات بين العناصر /المكونات organesليست مضبوطة ،فهي في حالة من الشذوذ
.29 "anomie
إن دوركايم لم يقف فقط عند تقسيم العمل بل تناول ظاهرة االنتحار ،والتي أرجعها إلى ثقافة جديدة ،تقوم باألساس على
غياب التماسك االجتماعي ،وغياب اإلحساس باالنتماء ،وهو ما يظهر بشكل واضح داخل المدن ،بسبب سيادة التضامن العضوي،
وظهور األشكال الشاذة من تقسم العمل .أما في كتابه التربية األخالقية 30فيركز يركز على أهمية الحياة األخالقية أو الثقافة
األخالقية ،والتي ال يمكن أن تتأس من دون مجموعة من العناصر الضرورية ومنها:
ثم اهتم بكيفية تشكل األخالق عند الطفل ،والتي حددها في مجوعة من الخصائص :
8
أهمية النظام وخاصة تعلم النظام المدرسي
العقوبات المدرسية؛
التعلق بالهيئات االجتماعية( اآلخرين ،البيئة المدرسية ،تدريس العلوم والفنون).
تحضر الثقافة إذن عند إميل دوركايم وإن كان بشكل مضمر ،فهي المكون الذي عرف تمايزا واختالفا بين المجتمعات
التقليدية وأخرى حديثة ،سواء من حيث التنظيم أو التدبير االقتصادي والسياسي أو من حيث أشكال التماسك االجتماعي والتربية
الالدينية .إن دوركايم إذن ومن منظور كلياني تطوري ووظيفي يتناول هذا البعد في شكله االيجابي ،وإن كان يؤكد على األشكال
الشاذة سواء االنتحار أو لتقسيم العمل أو للتنشئة االجتماعية(الصراع بين األجيال) وحدوث الظواهر االجتماعية غير الطبيعية أو
االعتيادية المرضية .فالثقافة هي تلك الخصائص المشتركة المتطورة أحيانا والثابتة أخرى داخل المجتمع.
-3البيروقراطية الفيبيرية والثقافة الحضرية الجديدة؛ ماكس فيبر عالمة فارقة في علم االجتماع العام ((السوسيولوجيا التفهمية و
دراسته للظواهر من خالل "النماذج المثالية") ،وفي علم االجتماع الحضري بشكل أدق ،فقد خص هذا األخير بكتاب غاية في
األهمية ،المدينة ،la citéالصادر سنة ،...والذي نفى فيه فكرة التقدم والتحضر إلى اإلمام التي كانت سائدة آنذاك ،فقد أكد على أن
النموذج المثالي للتحضر ليس هو مدن القرن 19و ،20بل المدن المكتفية بذاتها (مدن القرون الوسطى) .اهتم فيه بتعريف المدينة
واعتمد مقاربة تاريخية تتبع أشكال التحضر والمدنية منذ الحضارات األولى(الهند والصنين واإلسالم إلى الحضارة الغربية
الوسيطية والحديثة)،وأكد على أنه يجب أن تسيطر فيها العالقات التجارية وأن تتوفر فيها مجموعة من الشروط:
وجود الحصن؛
السوق والمحكمة واالستقالل الذاتي والذي سماه بالنموذج المثالي".
إن اهتمامه بالثقافة لم يكن في حد ذاته ،بل جاء من خالل تتبع أشكالها السائدة داخل المدينة الحديثة ،ومن أهمها:
العقالنية :فمن خالل التركيز على بعدين أساسين(البعد االقتصادي :باعتبارها وحدة اقتصادية تنتج سلعا وتقيم تبادالت
تجارية وعقارية وخدماتية وتنتج موارد بشرية ومالية ،يتحكم فيها منطق عقالني أكثر من أي شيء آخر)؛
البيروقراطية :تتجلى في البعد السياسي في بحثها عن االستقاللية الترابية واإلدارية يشكل دائم؛
التبعية :تسود داخل المدن الحديثة بينما سادت االستقاللية "المجتمع الحضري الكامل" المدن في القرون الوسطى المحصنة
والمعتمدة على اكتفاء ذاتي.
لقد حاول ماكس فيبر أن يبين أن الحداثة والعقالنية هي ما تميز المجتمعات الحديثة ،وهي التي أدت إلى رفع السحر عن
العالم ،وجعلت من العلم روحا لثقافة والعصر ،ما انعكس على تطور العلوم التجريبية واستقالل الفنون وتطور الثقافة
الجماهيرية .وقد كان مختلفا تماما مع تونيز الذي تحدث عن مجتمعين المجتمع المحلي والمجتمع أو الرابطة ،وعن الذين
نظروا إلى المدن الحديثة على أنها إنتاج وتطور طويل وحتمي للمجتمع ،فماكس فيبر من جهته يرى أن التاريخ ال يعني
بالضرورة تحقيق التقدم .وبين أن أوربا قد بدأ ت تشهد مجتمعات محلية حضرية تعتمد أساسا على التجارة وتتمتع بقدر ملحوظ
من االستقالل الذا تي ،وهذا يعني أن المحدد الرئيسي للوسط الحضري يعود إلى وجود مركز تجاري وهو السوق ،Marché
باعتباره شكل للتجمع البشري .فالوسط الحضري حسب ماكس فيبر هو شكل اقتصادي ينبغي أن يتوفر فيه على سوق محلي،
يتجاوز اإلنتاج فيه والتبادل سكان المدينة (الوسط الحضري) إذ أنه نتيجة التخصص اإلنتاجي للسوق.
-4مدرسة شيكاغو ،الهجرة والتنوع الثقافي الجديد؛
نشأت هذه المدرسة االجتماعية من أجل دراسة ظاهرة الهجرة والمشاكل المترتبة عنها بالمدينة .جددت على مستوى
المناهج والطرق ،واهتمت بالميدان ،أكثر من اعتمادها على الفهم والتأويل ،انطلقت من الفاعل ،وتأثرت بالمدرسة الدوركايمية
الوضعية .مختبر فريد لعلم االجتماع ،تناولت المدينة والهجرة والمشاكل االجتماعية المرتبطة بها والتحضر بأشكاله الكمية والكيفية
كموضوع أساسي .ومن بين روادها الذين نجد عندهم اهتماما باالنعكاسات الثقافية للتحوالت التي طرأت على المدينة ،كل من
بروبرت بارك ولويس ورث.
روبرت بارك والثقافة الحضرية :تتجلى الثقافة الحضرية من منظور بارك في القيم الجديدة التي نشأت داخل مدينة
شيكاغو ،بسبب التقسيم المعقد للعمل ،الذي ينتج عن المنافسة الصناعية الشديدة ،ويرى أن وجود السوق وتطوره القيم
الرأسمالية يؤدي إلى انهيار الطرق التقليدية للحياة ،واستبدالها بقيم أخرى تقوم على المصلحة الوظيفية والمهنية ،لقد اهتم
بوسائل االتصال الجماهيري ،وأكد على كونها تحولت من االتصال الشفوي وعالقات المواجهة المباشرة التي حلت محلها
9
طرق رسمية روتينية وغير شخصية ،وتعتبر مقالته الشهيرة "المدنية مقترحات لبحﺙ السلوك اإلنساني في البيئة
الحضرية'' هي التي تتضمن أفكاره .وفي معرض تحليله للمدن الكبرى يؤكد على أنها تتميز باختفاء الروابط العاطفية
التقليدية وظهور قيم المصلحة الفردانية.
المدينة من منظور "لويس ويرﺙ" : Louis Wirthدرس "لويس ويرث" Louis Wirthحجم المدينة وتأثيرها على
الحياة االجتماعية ،وتوصل إلى أن الحجم والكثافة وعدم التجانس هو ما يحدد التنظيم االجتماعي داخل الوسط الحضري.
فزيادة حجم المدينة يساهم في خلق طرق اتصال غير مباشرة .كما أن ارتفاع عدد السكان يؤدي إلى تنوع المجتمع وإلى
تقسيم العمل االج تماعي ،الشيء الذي يجعل أفراد المجتمع يتعاملون فقط وفق مجموعة من التبادالت االجتماعية .إلى جانب
ذلك فإن التنوع االجتماعي يعمل بالضرورة إلى تحرير األفراد من الضبط االجتماعي الذي يمارسه أفراد الجماعة ،مثل ما
يوجد في المجتمعات الريفية أو القروية .هذا واعتبر لويست ويرت أن التحضر ثقافة وأسلوب حياة ،وليس تكيفا مع البيئة
أو الطبيعة ،ألن اإلنسان ليس كالحيوان ،هذا االخير يتكيف مع الطبيعة ،أما اإلنسان فهو يتفنن في انتاج المدن ،فلكل مدينة
طابعها ،وبالتالي فالتمدن مسألة إبداع وليس تكيف .هذا وركز اهتمامه ويرث أساسا على تحليل العالقات االجتماعية بين
األفراد في السياقات الحضرية ،ففي مقال له بعنوان "الحياة الﺤﻀرﻴة كطريقة للحياة " والتي نشرها سنة 1938قدم
ويرث تحديدا واضحا للمدخل السوسيوثقافي في معالجة مختلف الموضوعات الحضرية .وكلما زاد المجتمع
المحلي اتساعا زاد التماسك ضعفا وكذلك الحال بالنسبة لتماسك الجماعات األولية .فالمدن الحديثة هي مجال لتزايد
الجماعات األولية المكتفية والمنغلقة على ذاتها.
-5زيمل والثقافة الحضرية :يعتبر جورج زيمل من أهم أعالم السوسيولوجيا عامة والسوسيولوجيا األلمانية على الخصوص .ويعد
منظرا للتفاعل و"لألشكال االجتماعية" ،حيث يرى أن الحياة االجتماعية نتاج الحركة المتناقضة بين الحياة والشكل .فالحياة غريزة
وخلق ورغبة وعواطف وانفعال ،وتجديد ،أما األشكال فهي توافقات ومؤسسات وقواعد ومعايير تؤطر الحياة االجتماعية .اقترح
زيمل في كتابه "السوسيولوجيا" الصادر سنة ،1908دراسة أشكال التنشئة االجتماعية ،إذ يرى أنه على السوسيولوجيا دراسة
جميع الحاالت التي يمارس فيها األفراد تأثيرا على بعضهم البعض ،ويشدد على أن جميع أشكال التبادل بين األفراد مهما كانت
كبيرة أو صغيرة تستحق الدراسة.
وقد حاول في أشهر كتبه "الجسر والباب" الذي ظهر عام 1909تقديم تحليل إحيائيا للحيثيات االجتماعية ،فهو يرى أن
الحياة االجتماعية حركة ال تتوقف العالقات بين األفراد من خاللها عن تعديل بعضها البعض .وهذه العالقات على شاكلة الجسر
الذي يربط والباب الذي يفصل ،هي عالمات لميول متضاربة نحو التماسك والتبعثر .ومن أهم ما قدمه فيما يخص الثقافة الحضرية
نظريته "المجهولية" ،باعتبارها الخاصية المميزة للوسط الحضري ،فهي تقوم على عالقات اجتماعية منفصلة ومتباعدة ،فأفراد
المجتمع يجهلون بعضهم البعض ،حتى وإن كانوا في عالقة الجيرة ،فالحياة بالوسط الحضري تتسم باستقالل أفرادها ،فهم غالبا ما
يتميزون بصفة الفردانية والنفعية ،وهذا يرجع أساسا في نظره إلى حجم المدينة ،التي أثرت بشكل كبير في العالقات االجتماعية
وجعلت الفرد أكثر وعيا بذاته وأكثر حرية ،لكنه في الوقت نفسه هو أضعف من ناحية العالقة مع اآلخر .بصيغة أخرى يوضح
زيمل اآلثار المتعارضة للمدينة الكبيرة على شخصية الحياة الحضرية أو الحياة المدنية بلغة العصر ،حيث تمنح في نفس الوقت
هامشا من الحرية واإلقصاء.
10
المحور الثالث :الثقافة الريفية
إن الحديث عن الثقافة القروية يدفعنا إلى التمييز بين العديد من المقاربات ،في علم االجتماع بين المدرسة األمريكية
والفرنسية والمغربية .ويمكن الوقوف عند التحوالت العميقة التي حدثت بالقرية بعد الثورة الصناعية ،لكن التغير العميق في البنيات
االجتماعية والذهنية كان مصاحبا للتحوالت العميقة على مستوى تدبير المجال الفالحي ،خاصة بعد الحرب العالمية األولى ،حيث
تزايد توظيف التقنيات في اإلنتاج الفالحي .ومع ذلك لم يكن هذا هو العامل األساس في تغير الثقافة القروية ،بل عامل االنتقال من
مجاالت ريفية إلى حضرية أو تأثير تطور الحياة المدينية ،الكهرباء والمرافق العمومية والمدرسة وتقنيات اإلعالم(الراديو والتفلزة،
وبعد ذلك االنترنيت) كانت عوامل حاسمة في تغير الثقافة الريفية.
إن الثقافة الريفية اليوم هي نتيجة للتفكك والحداثة والصناعة ،فاالنتقال من فالحة معاشية إلى أخرى صناعية ،كان له دور
محوري في عمليات التحديث والتطوير المادي والرمزي ،سواء من حيث أشكال البناء والسكن والطرقات والمرافق العمومية ،أو
من حيث أشكال الحياة ،التي أصبحت قريبة من تلك التي يمكن مالحظتها بالمدن .هذا وساهم التصنيع الفالحي في تزايد الوعي
بأهمية االنتقال من اإلنتاج الفردي إلى اإلنتاج التعاوني ،ومنه ظهرت التعاونيات الكبرى ما بعد الحرب العالمية الثانية ،كنتجية
لضغط اقتصاد السوق .إن التغيرات الكمية والمادية في العالم القروي كانت وراء تحوالت اجتماعية وثقافية ،سواء على مستوى
الروابط االجتماعية أو تقسيم العمل أو الهجرة أو العالقات العائلية أو الوعي السياسي وطرق العيش.
-1الدراسات الفرنسية:
إن الحديث عن المجتمع الفالحي أو القرية ،من الناحية السوسيولوجية يدفعنا إلى الحديث عن فترة السبعينايت والثنمانيات،
الفترة التي عرفت تزايد الدارسات حول الريف ،ومن أهمها كتاب هنري ليفبغ " La vallé des campagne, études
"sociologiques du rurale 1963و"الحق في المدينة ،"1968وكتابات هنرى ماندراس " نهاية الفالحين "1967و
"سوسيولوجيا القرية الفرنسية "1965ودراسات جون رونار وميشال روبير وبول ريمبو وآخرون .ويعتبر هنري ماندراس من
بين المتخصصين في علم االجتماع القروي ،والذي تنبأ في كتابه "نهاية الفالحين" بنهاية الثقافة الريفية التقليدية ،وظهور أخرى
يوجهها السوق ،وتتحكم فيها اآللة ،ويصبح الفالح بمثابة منتج ،وال يمارس الفالحة إال كمهنة ،والتي ال تنعكس على فكره وطبيعة
عيشه ،التي أصبحت اقرب إلى النموذج الحضري ،منها إلى نمط العيش الريفي.
ومن جهة أخرى اهتم هنري ليفبغ بدراسة انعكاس التحضر على الثقافة الريفية ،حيث يرى ان المدن الصناعية ستختفي
وسيظهر النموذج الحضري الجديد ،التي يتميز باالتساع المستمر على حساب الضواحي والهوامش ،31وستمتد على األراضي
الفالحية ،ويرى في كتابه "من الريفي إلى الحضري" الصادر سنة 1970على أن التحوالت الكبرى في السوق وتزايد تدخل
السلطات العمومية من أجل التحكم في التعمير سيؤدي إلى تزايد الضغط على الريف وتحولها إلى مناطق حضرية ،ما سينعكس
على الفكر والثقافة ،بحيث سيساهم ارتفاع ثمن العقار في خلق ثقافة استهالكية جديدة ،ونمط عيش قريب من ذلك الذي يوجد
بالمدينة.
إن المقاربات الكالسيكية للثقافة الريفية كانت تؤكد على أهمية عمليات التحضر أو التعمير ،في تغير الثقافة القروية ،ومن
أهمها دراسات هنري ماندراس وهنري ليفبغ وجون رونارد ،بينما بدأت الدراسات منذ سنوات التسعينات يؤكد على دور التحول
التقني وتطور الصناعة الغذائية والتحديث الزراعي الشديد في تغير الفكر ،إضافة إلى تزايد الهجرة المعاكسة اتجاه الريف سواء
بانجلترا أو فرنسا أو الواليات المتحدة األمريكية ،وانفتاح الشركات الكبرى على االستثمار في الميدان الفالحي.
لقد سيطرت نماذج للتفسير الثقافة القروية سنوات الثمانينيات ومن أهمها نموذج التحديث الفالحي la modernization
agricoleو الديناميات ، 32 les mobilitésويؤكد جيل الفرتي Laferté Gillesعلى أن المجتمع الفالحي يشهد نهاية القروي
بالمعنى الكالسيكي وظهور مجموعات أو تعاونيات سوسي ومهنية ،تدافع عن حقوقها ،وتنتظم في شكل تعاونيات أو جمعيات،33
ويرى أنه صاحب التحوالت اإلنتاجية والتحديثية ظهور طبقات اجتماعية في العالم الريفي.
ولقد ساهم هنري ليفبغ في تأسيس مفمهوم " جماعة الفالحين ، " communauté paysanneليعبر به عن ظهور
34
فكر جديد يقوم على اإلحساس باالنتماء إلى ميدان مهني ،وإلى مجال محدد ،ألفراده نفس األهداف والحقوق ،ويعبرون عن ثقافة
مختلفة عن المدينة.
31
-Costes , Laurence , Le Droit à la ville de Henri Lefebvre : quel héritage politique et scientifique, Dans Espaces et
sociétés 2010/1-2 (n° 140-141), pages 177 à 191.
32
-Laferté, Gilles, des études rurales à l’analyse des espaces sociaux localises, sociologie, 2014/4 vol 5. P 423-439.
33
-idem.
34
-Alphandey, pierre et Sencédé, yannick, l’émergence de la sociologie rurale en France, études rurales 2009/1, N 183, p 23-40.
11
-2الثقافة الريفية بالمغرب(يمكن الرجوع إلى المحور الخامس).
من الصعب الحديث اليوم عن ثقافة ريفية بالمغرب ،فالقرية أصبحت بمثابة مدينة ضعيفة الكثافة ،بل استطاعت العالقات
الشبكية وتقنيات اإلعالم والمدرسة والكهرباء أن تنتج لنا ثقافة مشتركة بين المجالين ،كما أن االنتقال من مغرب قروي سنوات
االستعمار إلى آخر أكثر حضرية منذ العشرية األولى من األلفية الثالثة ،يمكن من القول على أن الثقافة أصبحت وطنية ،سواء على
مستوى الروابط العائلية(التفكك األسري ونمط األعراس والزواج ) أو على مستوى تقسيم العمل(التضامن العضوي بدل اآللي الذي
كان سائدا في الريف المغربي) ،أو ما يتعلق بالوعي السياسي(الممانعة والرفض) ،هذا ،ومن جهة أخرى تزايد الترقي االجتماعي
عن طريق التعلم والمدرسة ،وتزايد االرتباط بوسائل اإلعالم الحديثة(الفضائيات ،االنترنيت ،مواقع التواصل االجتماعي والصحافة
االلكترونية.)...
هن اك تحول عميق داخل القرية المغربية اليوم على مستوى السكن واللباس وعادات الغذاء والسهر واالحتفال واالستهالك
والنظرة إلى المرأة ،التي أصبحت أكثر تحررا .ومع ذلك ما زلنا في حاجة إلى الكثير من الدراسات المتعددة التخصصات من أجل
فهم عميق للتحوالت الثقافية بالقرية المغربية .صحيح أن العديد من الدراسات اهتمت بما هو ديني(الدين والمجتمع لعبد العني
منديب) ،أو علم االجتماع القروي مع عبد الرحيم العطري ،أو دراسة عادات الزواج وصورة المرأة مع رحمة بورقية أو الجنسانة
مع المرنيسي أو التحوالت االجتماعية مع المختار الهراس ،لكن ما زلنا في حاجة إلى دراسات تقيس التحول الثقافي باألساس،
خاصة مع التأثير العميق لثروة التواصل الشبكي والرقمي.
12
المحور الرابع :الثقافة في ظل العولمة
اهتم علماء االجتماع بتأثير التحول من الثنائية القطبية إلى المركزية الغربية ،األمريكية واألوروبية تحديدا على االقتصاد
والسياسة والثقافة .تنوعت النظريات والبراديغات ،من قبيل ،المجتمع العالمي la société mondialeوما بعد الدولة الوطنية .لكن
ما يهمنا نحن هو اهتمام علماء اإلجتماع بتأثير العولمة على الثقافة ،هل يمكن الحديث عن مساهمتها في تشكل ثقافة كونية؟ وهل
مكنت من تقليص الفوارق بين العالم القروي المهمش والحضري؟ هل تم توحيد آليات الثقافة ،الدين ،اللغة ،اللباس واألكل التوا صل
وهل ساهمت فعال في صناعة اإلنسان الكوني أم ساهمت في نقل الثقافة المختلفة؟ التعاون و االنفتاح؟
إن العولمة في تسعينيات القرن الماضي قد تعمقت بفعل االنتقال إلى العصر الشبكي(مانويل كاستيل) وإلى المجتمع المفتوح،
أو عصر التواصل الالمحدود ،وخاصة في بداية األلفية الثالثة ،مع اتساع استخدام الجيل الثاني من االنترنيت ،الذي تميز باالنتقال
من اإلخبار إلى نظام المواقع والصفحات االجتماعية التفاعلية .لكن في هذه الفترة كانت التلفاز قد انتقلت من اإلرسال الوطني
المحدود إلى عصر الفضائيات .وبالتالي اتخذت العولمة مجموعة من األبعاد ،أساسها االعالماتية والرقمية ،التي كانت وراء تطور
الحياة وأشكال التواصل.
لقد تطورت العديد من النظريات والدراسات حول العولمة ،ففي الوقت الذي تزايد فيه االهتمام بها سياسيا في بداية القرن
العشرين ،وذلك من خالل الرغبة في نشر الماركسية أو الشيوعية أو اللبرالية ،بدأ الحديث عن العولمة االقتصادية ما بعد الحرب
العالمية الثانية ،في حين تزايد الحديث عن عولمة أمريكية بعد انهيار المعسكر السوفياتي .هذه األشكال من العولمة كانت الثقافة هي
ذرعها وهدفها األساسي.
لقد تعدد النظريات حول العولمة ،بين من يؤكد على أهميتها ،وبين من ينظر إلى سلبياتها .فيهي كظاهرة ال يمكن أن ينكر
تأثيراتها أحد .ولقد تناول عالم االجتماع البولوندي-البريطاني زجمنت بومان BAUMAN Zالتكاليف البشرية لها ،في كتابة "
الصادر سنة ،1999واهتم آخرون بالمدن والثقافة الشمولية Les villes 35
"Le coût humain de la mondialisation
،globalesمن أمثال Freitag Barbara36عالمة االجتماع األلمانية ،أما فريق ثالث فقد تناول خطورة عولمة الثقافة ،ومن أهمهم
االنثروبولوجي الفرنسي جون بيير وارنيي ،Warnier, Jean-Pierre 37في حين ركز آخرون ،ومنهم عالمة االجتماع األمريكية
ساسكيا ساسن على التأثيرات االقتصادية والسياسية للعولمة.
سوسيولوجيا العولمة عند ساسكيا ساسن :إذا كان بعض علماء االجتماع يركزون على تأثيرات العولمة على الجوانب الثقافية،
فإن ساسكيا ساسن تناولت ما هو اقتصادي وسياسي باألساس .لكن ذلك سينعكس على ما هو ثقافي .فعالمة االجتماع
العالمية(الهولندية واألمريكية) حاولت أن تدرس العولمة من الناحية السوسيولوجية في مؤلفها" سوسيولوجيا العولمة" ،مركزة على
دور الدولة الوطنية والسيادية ،وموظفة مجموعة من المفاهيم" االقتصاد الكوني" و "المدينة الكونية" و"الطبقات الكونية البازغة"
و" التشكيالت الكونية" .ولقد حاولت توضيح موقفها من خالل النقاط اآلتية:
تغير النظام القديم القائم على السلطة إلى أخر قائم على السوق الكوني؛
القومي فرعي كموقع للعولمة؛
شبكات المدن الكونية عابرة للحدود ،فالنشاط االقتصادي ذو الطبيعة الكونية يعيد جزئيا تشكيل النظم القائمة وويساهم في
تشكيل أخرى ،ومنها المدن الكونية ،والتي تشكل بدورها نطاق القوة ،الذي يشمل قدرات مطلوبة لصالح العمليات الكونية
للشركات واألسواق
ظهور األجندات الالقومية للدولة .
38
35
-BAUMAN Z., Le coût humain de la mondialisation, Hachette, 1999 /1998.
36
- Freitag, Barbara. 2002. "Les villes globales dans les sociétés de l'information." Diogène no. 1 (197): pp81-95.
37
-Warnier, Jean-Pierre, 2008, La mondialisation de la culture, Collection : Repères; Éditeur : La Découverte.
- 38ساسن ،ساسكيا،علم اجتماع العولمة ،ترجمة علي عبد الرزاق جلبي ،المركز القومي للترجمة ،القاهرة ،ط ،2014 ،1ص .31-30
13
فالعولمة التي تتناولها في كتابها تصفها ب«حيوان يصول ويجول بقوة وبسرعة متعاظمة» ،تنظر إليها بمثابة محرك ال
واعي ،يتميز بالعظمة والقوة يصعب الحد من تأثيراته ،وخاصة االقتصادية منها .وتشير إلى أن العولمة الراهنة هي الصورة
األكثر اكتماال ألشكال «بدائية» من العولمة كانت «المدن» هي أحد تعبيراتها األولى ،إذ أنها تضم مجموعة من األفراد الذين
ينتمون إلى مشارب مختلفة وعليهم أن يجدوا صيغة للتعايش في بوتقة واحدة تجمعهم .وتولي أهمية خاصة في تحليالتها
ل«سوسيولوجية العولمة» لدور الدولة ،التي ينبغي عليها أن تتدخل بوصفها عامال طبيعيا في قيادة العالم المعولم .لكنها بصدد
«فقدان طبيعته التاريخية» المتمثلة في ضبط إيقاع النشاط االقتصادي لبلدانها .لكنها ،أي الدولة ،أبدت في المرحلة األخيرة
عجزها عن الرقابة على النشاطات المالية وعن ضبط آلياتها .وبالنتيجة دخلت الدولة في «صراع» مع مفهوم السيادة الوطنية
وفقدت الكثير من سلطتها ،خاصة في ميدان الحقوق االجتماعية.
لقد أكدت على أن الدولة الوطنية اليوم أصبحت عاجزة عن الحد من االقتصاد الكوني ،وال تقوى على مسايرة
39
التطورات الهائلة على مستوى الشبكات الرقمية ،باعتبارها آلية منة آليات العولمة التواصلية واإلعالمية .40كما أن حديثها عن
المدن الكونية يأتي في سياق الحديث عن ما تنعم به بعض المدن الكبرى من قوة اقتصادية وسياحية وثقافية تؤهلها ألن تكون
بمثابة النموذج الحي للثقافة السائدة.
إذا كانت ساسن تركز على السياسي واإلقتصادي في حديثها عن التأثيرات الثقافية للعولمة ،فإن مايك فيدرسون يرفض
الحديث عن ثقافة عالمية ،وينفي ذلك ،حيث ينطلق من طرح السؤال :هل هناك ثقافة عالمية؟ ،41ويصل إلى أنه من المستحيل وجود
ثقافة كونية ،بمعنى ثقافة متجانسة ومتكاملة ،لكن إذا تحدتنا بمنطق االندماج والتفكك الثقافي فاألمر ممكن ،حيث يمكن أن تظهر
ثقافة ثالثة متوسطة بين الثقافة المحلية والثقافة الكونية ،ويقول "يتضح من مختلف أشكال ردود أفعال إزاء عملية العولمة أن
احتماالت نشأة ثقافة عالمية موحدة ضعيفة ،وأن هناك ثقافات عالمية متعددة" .42ومن جهة أخرى يتساءل انطوني سميث عن
إمكانية إقامة ثقافة كونية ،تلك التي حلم بها المفكرون اللبراليون واالشتراكيون ،وبين على أن هؤالء حلموا بالكونية ،بينما سيطرت
في الفترة ما قبل الحرب العالمية الدولة القومية والثقافة الخاصة ،لكن بعد الحرب سرعان ما تم الرجوع إلى التكتالت والقومية،43
وأكد على بداية ظهور ثقافات عبر قومية 44وثقافة عالمية "بعد صناعية" ،ورغم كل ذلك يقول "يتضح أننا ما نزال بعيدين عن
رسم خارطة للثقافات العالمية ،والمثال الكوني الذي ال يستطيع أن يحل محل عالم قوامه الدول".45
ولقد تنوعت المقاربات التي اهتمت بالعولمة وانعكاساتها الثقافية واالجتماعية ،ومن أهمهم تحليل انطوني غيدنز ودراسة
فيك جورج وبول ويلدينغ ودراسة ليسلي سلنز .فاألول استعمل مفهوم "الطريق الثالث" للتوليف بين قيم االشتراكية(عدالة
التوزيع) وقيم الرأسمالية(الحافز) ،وذلك من أجل الخروج من األزمة التي تعيشها المجتمعات الحديثة ،وبين على أن الثقافة هي
المتغير األساسي في عملة العولمة ،ومتسائال عن كيفية صمود هوية األفراد والجماعات اإلثنية أمام الثقافة الكوكبية المكتسحة
باستخدام االقتصاد والسياسة كبوابات تلج من خاللها إلى المجتمعات ،ويرى أن العولمة تنازعها ثالث مدارس أساسية:46
المشككون :الذين يؤكدون على أن العولمة لقيت من االهتمام أكثر مما تستحقه؛
المتعولمون :يرون أنها ظاهرة حقيقية تتبدى في كل مكان؛
التحولييون :يرون على أنها تمثل سببا في العديد من التحوالت االجتماعية ،لكن النظام العالمي يجتاز مرحلة من التحول.
بينما يذهب كل من فيك جورج وبول ويلدينغ إلى تصنيف أربعة مقاربات في كتابهما "العولمة والرعاية االجتماعية"،
ومنها؛ أنصار التطور التكنولوجي والمتشائمون الماركسيون والبرغماتيون التعدديون والدوليون المتشككون .ومن جهة
أخرى يضع مقاربة ليسلي سكلير أربعة مقاربات رئيسية:
مقاربة النظم العالمية:
47
- COOPER F., « Le concept de mondialisation sert-il à quelque chose ? », Critique internationale, n° 10, Janvier 2001 .
48
- BERGER S., Notre première mondialisation. Leçons d'un échec oublié, Seuil, 2003 .
49
-Rocher, Guy (2001), « La mondialisation : un phénomène pluriel », dans Daniel Mercure (dir.), Une société-monde? Les
dynamiques sociales de la mondialisation, Les Presses de l’Université Laval/De Boeck, Sainte-Foy, Bruxelles.
50
-MATTELART, A., Diversité culturelle et mondialisation, Paris, Repères -La Découverte, 2007 (l r e éd., 2005).
15
المركز ية رغم أنها من مظاهر هذا التحول .ولقد كان علماء االجتماع الغربيين من أمثال الزاريف وبول باسكون وجاك بيرك
واالنغلكوساكسونيون من بين األوائل الذين حاولوا اكتشاف حجم التغير بعد المغرب االستعماري الذي ساد فيه الوعي السياسي
والقيم الدينية والقيم االجتماعية كالتضامن .بينما في سنوات الثمانينيات فقد ظهرت ثلة أخرى تهتم بدراسة المجتمع المغربي من
خالل قضايا المدرسة والتعليم أو السياسية واالقتصاد أو الهجرة أو مكانة المرأة .وفي العشرية األولى من األلفية الثالثة فقد ظهرت
العديد من الدارسات التي تبنت الديني والجنسانية ومقاربة النوع كقضايا محورية في تصورها للثقافة القرية والحضرية .إن الحديث
عن الثقافة القروية الحضرية يمكن أن نميز فيه بين ثالث محطات:
البعد العصبي والقبلي للثقافة أيام االستعمار:
لقد تميز مغرب االستعمار بت شابه ثقافي إلى حد كبير بين المدينة والقرية ،فرغم اختالف األنشطة بين المجالين ،إال أن القيم
االخالقية واالجتماعية ا و العائلية كانت قريبة من التشابه .فمغرب هذه الفترة كانت يتميز بالوحدة االجتماعية واإلحساس باالنتماء،
الذي تكرسه القيم الدينية ،إضافة إلى االيخاء والتعاون أيام الحصاد والزراعة والبناء واألفراح والوفيات ،فالكل كان يحس باالنتماء
إلى نفس الحي أو المدينة .وكانت القيم العائلية من بين أهم ما يميز المجتمع ،فهناك ارتباط وثيق بين األجيال داخل العائلة الممتدة.
لكن أهم ما كان يطب ع البلد من الناحية االثنولوجية أو االنثروبولوجي ،والذي حاولت أن تكشفه الدراسات الغربية هو الطابع القبلي
والعصبي للبلد .حيث ركزت الكثير منها على ذلك ،وكشفت عن ثقافة االنتماء للعصبية ،ومن أهمها دراسة موليراس ،لقبائل الريف
وأهل جبالة في كتابه " المغرب المجهول" الصادر في جزئين ،أوله كان سنة ،1895ودراسات ادومنت دوتي " مراكس" و" في
القبيلة".
هذا وال يخفى كذلك على أن الدراسات األولى للمغرب كشفت عن الطابع الديني المميز للشخصية المغربية ،سواء بالقرية أو
بالمدينة ،ولقد حاولت بعض الدراسات االخرى أن تكشف عن الطبيعة االنقسامية للمغرب ،خاصة مع ميشو بلير عندما تم إصدار
الظهير البربري في ثالثينيات القرن الماضي ،وهي األطروحة التي وظف ها روبير مونطاني في دراسته لقبائل سوس ،لكن هذه
األ طروحة تعرضت للكثير من النقد من طرف االنثروبولوج يا االستعمارية نفسها ،ومن طرف بعض الباحيثين األوروبيين أنفسهم،
من أمثال جاك بيرك وبول باسكون.
إن أهم ما ميز المرحلة االستعمارية من جهة أخرى هو تلك الثقافة السياسية ،التي ال يمكن التمييز فيها بين الريفي و
الحضري ،فالكل يحس باالنتماء إلى نفس األرض والوطن .هذه الثقافة نابعة من القيم الدينية والقبلية والعصبية ،التي تميز أبناء
البلد ،كما تنبع من غياب التمييز القبلي أو العصبي عندما يتعلق األمر بالوطن والدين .ومنه فالثقافة المغربية أيام االستعمار لم تكن
نابعة من مكان العيش وال من طريقة اإلنتاج أو تقسيم العمل ،لكن كانت نابعة من القيم الدينية والوطنية .ومنه يصعب الحديث عن
تمايز ثقافي بين الريف والمدينة.
التمايز الثقافي بين الريف والمدينة في مغرب االستقالل:
عرفت السنوات األولى لالستقالل تحوالت عميقة داخل المجتمع المغربي ،سواء داخل الريف أو المدينة .ومن
أ همها تزايد فقدان الثقة في المؤسسات واألحزاب الوطنية من جهة ،ومن جهة أخرى ،تزايدت االختالالت بين المجالين،
ففي الوقت الذي تم فيه االهتمام بالمدينة ،عن طريق تزويدها بالمرافق والتجهيزات العمومية ،بقي الريف على حاله ،وهو
ما انعكس على مستوى الترقي االجتماعي وعلى ظروف الحياة بالمدينة .هذه الفترة تزايد فيها االهتمام بالتحوالت
االجتماعية والثقافية بالقرية ،ومن أهم من تناول هذا الموضوع نجد غرغوري الزاريف ،الذي بين طبيعة التمايزات
الثقافية بين المجالين ،انطالقا من معالجته للتغيرات االجتماعية .51وفي هذا الشأن ومن هذه المقاربة التاريخية االجتماعية
انطلق غريغوري الزاريف في دراسته للتغير االجتماعي بالمغرب ،حيث يرى الزاريف أن بوادر التغير الذي عرفته
القرى المغربية ظهرت بشكل جلي بعد االستقالل ،لكن هذا ال يعني أن جميع عوامل التغير ظهرت خالل هذه الفترة ،ألن
بعضها بدأ في التأثير منذ زمن بعيد ،وتفاعلت مع عوامل جديدة بعد االستقالل لينتج عنها هذا التغير االجتماعي الواضح
في المجتمع القروي المغربي .52وقد حدد الزاريف عوامل التغير االجتماعي في أربعة عناصر أساسية ،36ومنها :الظواهر
اإليديولوجية المرتبطة باالستقالل ،تغلغل الدولة واختراقها للمجال القروي ،ثم المشاكل المرتبطة بالتزايد الديموغرافي،
51
-Grigori Lazarev (1978). « Changement social et développement : Etudes sociologiques sur le Maroc ». In : B.E.S.M. Rabat :
nouvelle édition. p 130.
52
-Grigori Lazarev (2014).Ruralité et changement social : Etudes sociologiques. Rabat : Editeur FLSH Rabat. Impression
Bouregreg. p127.
16
وأخيرا تنقيد القرى إن ،monétarisation des campanes) (laوالتي تعني سيادة ثقافة النقود في العالقات
االجتماعية وانتشار المعامالت النقدية في أداء األجور بعد االنتقال من االقتصاد المعاشي إلى اقتصاد السوق.
ومن جهة أخرى هناك من انتبه إلى قيم الفالح ،والفرو قات بين الخطاب الذي يحمله الفالح وبين أشكال اإلنتاج
والممارسة ،وخاصة مع برونو ايتيان ،53هذا وتنبه آخرون للطبيعة المركبة للمجتمع المغربي ،54ومن أهمهم بول باسكون،
الذي اهتم بالتحوالت اإلجتماعية والقيمية داخل القرية المغربية في دراسته الصادرة سنة 1980بعنوان "دراسات
قروية" ،وتناول الهجرة كقيمة جديدة وكسلوك اجتماعي جديد ،حيث تتبع تنقل قبائل سوس إلى جرادة في دراسته التي
نشرت سنة . 1954
هذا وعرفت هذه المرحلة دراسة مكثفة للثقافة عند الفالحين ،حيث ظهر كتاب "ريمي لوفو" الفالح المغربي مدافعا
عن العرش" أو كتبات االنثروبولوجي االنجليزي جلنر واألمريكي واتربوري ،وكلها تؤكد على الطبيعة االختالفية
المتزايدة بين الريف والمدية ،وهي نفس التحوالت التي حاول الكثير من الباحثين المغاربة تناولها والتركيز عليها ،خاصة
عبد اللطيف بنشريفة 55أو محمد كسوس.56
وفي نفس اإلطار ذهب العديد من الباحثين المغاربة واألجانب إلى االهتمام بدراسة آثار وانعكاسات التغير
االجتماعي في المجتمع المغربي .ومن أهم هؤالء الباحثين نخص بالذكر رحمة بورقية ،المختار الهراس ،وعبد الجليل
حليم ،غريغوري الزاريف ،فاطمة مسدالي .أما المختار الهراس فقد حاول البحث في التحوالت التي عرفتها مناطق
أقصى شمال غرب المغرب خالل المرحلة االستعمارية وفترة االستقالل .وهي تحوالت تركت آثارا بالغة على
التنظيمات القبلية ،التي عرفت جراء ذلك المزيد من التأزم والتفكك .ولعل من أبرز مظاهر هذا التحول ،في نظره
انغالق “الحياة القبلية” ضمن حدودها الدنيا ،وتغير طبيعة الروابط الزبونية ،إضافة إلى تقليص الحياة المشتركية ،بما
. 37
ترتب عنه من تصدر للنزعات الفردية وفسح المجال أمام تطور عالقات اجتماعية ذات صبغة طبقية متزايدة
ومما سبق ،يظهر أن استنتاجات المختار الهراس تنم عن رؤية تحليلية نظرية عميقة للتغير االجتماعي .ولعل ما
يؤكد ذلك ،هو ما يخلص إليه في مناسبات علمية أخرى حينما أشار إلى أن كل مجتمع إنساني يتضمن ديناميات تغير
وقوى اجتماعية وسياسية تدفع به في اتجاه أوضاع جديدة ،ويحتوي في طياته على ميل “طبيعي” إلى تعديل الكفة
واستعادة التوازن ،ضمانا لالستمرار وحفاظا على حد أدنى من التماسك االجتماعي . 57ومن هنا يبدو أن الهراس قد
تأثر بالنظريات الوظيفية وأصبح لديه توجه وظيفي في تحليالته وتفسيراته السوسيولوجية .ويتأكد لنا ذلك من خالل
طبيعة المفاهيم التي يستعملها ،ثم كذلك سعيه إلى البحث عن أسباب قارة مفسرة للتغير االجتماعي.
ومن جهة أخرى اعتبرت الباحثة رحمة بورقية أن تحليل التحول أو التغير ال ينبغي أن ينطلق من مقاربة معيارية،
تطلق عليه حكما إيجابيا أو سلبيا ،وإنما من مقاربة تعتبره ظاهرة تاريخية واجتماعية تتطلب الفهم والتفسير. 34
تقارب الثقافة بين العالمين في ظل المغرب المعولم والمنفتح:
تميزت سنوات التسعينيات وبداية األلفية باالهتمام بالعالم القروي أكثر وبتمدرس الفتاة وفك العزلة عن القرية والحد من
الهجرة ،وغيرها من البرامج الهيكلية ،وهو ما انعكس على الثقافة القروية باألساس .ولقد تزامن ذلك مع االنتقال من المجتمعات
ما بعد الحداثية أو بعد ال صناعية إلى مجتمعات شبكية أو رقمية أو إعالمية ،خاصة بعد االنفتاح الكبير على مستوى التواصل
واإلعالم ،وهو ما ساهم في تغير الثقافة بالريف والمدينة على حد سواء .فإذا كانت الثقافة قد نزعت إلى االختالف في المرحلة
األولى من االستقالل فإنها مع األلفية الثالثة بدأت تتوحد وتتقارب .لكن مع ذلك ركزت بعض الدراسات ومنها أبحاث رحمة
بورقية على تغير نظام القيم األخالقية في القرى المغربية ،سواء عادات الزواج أو دور المرأة وشكل العائلة المغربية وتراجع
الرغبة في اإلنجاب عدد كبير من األطفال .58كما اهتمت دراسة محمد بو النعناع بالتغير االجتماعي ،59وهي نفس القيمة
53
-Bruno Etienne, la paysannerie dans le discours et ala pratique , CNRS, les problèmes agraire au Maroc, paris, 1977.
54
-Paul, pascon la nature composite de la société marocaine, BESM , N 155-156 ? 1986 P 211.
55
-Benchrifa, A. 1988 Transfert culturel urbain, comportement individuel des agriculteurs et problèmes de développement
agricole: éléments d'une problématique, FLSH Rabat, serie colloque N 10.
- 56محمد جسّوس( ،مداخلة) "ندوة حول تحوالت المجتمع المغربي ":المشروع ،العدد ،6يناير -فبراير ،1986 ،ص 114
- 57المختار الهراس ( ). 2000/1999بروز الفرد داخل العائلة في أنجرة :الهوية االقتصادية ،وصراعات الجنس واألجيال .بحث لنيل دكتوراه الدولة في علم االجتماع
تحت إشراف فاطمة المرنيسي .كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية بالرباط .ص .244
-58رحمة بورقية "األرياف المغربية في ظل التحوالت الكبرى للمجتمع" :جامعة بن زهر ،منشورات كليّة اآلداب والعلوم اإلنسانية ،في الفكر والحضارة والمجال ،دروس
جامعية افتتاحية ، 1984 – 2002دار المعارف الجديدة ،الرباط ،2002 ،ص 25858
- 59بو النعناع ،محمد ،سوسيولوجيا التغير االجتماعي:رؤية نظرية تحليلية ،مجلة جيل العلوم اإلنسانية واالجتماعية العدد 34ص .85
17
اإلجتماعية التي أكدت عليها دراسات فاطمة مسدالي 60والحبيب امعمري ،هذا األخير ركز على دور العولمة في التغير
االجتماعي القيمي واألخالقي واالجتماعي ،سواء باألرياف أو بالمدن ،خاصة في دراسته سنة .611988
ومن جهة أخرى نجد بعض الدراسات التي تركز على تزايد قيم الفر دانية داخل المجتمع المغربي ،باعتبارها قيمة ثقافة
جديدة ،نتيجة للتفكك االجتماعي وتقسيم العمل المتزايد وتنامي الصراع بين الجنسين واألجيال وتحديث اإلنتاج الفالحي ،وهي
دراسة قدمها المختار الهرس سنة 2000/1999لنسل شهادة الدكتوراه .62بينما تناولت بورقية في كتاب آخر مسألة التحول في
ظل المجتمع المغربي ،من خالل تغير ثقافة العائلة وثقافة الزواج والعالقة بين الجنسين وثقافة اإلنجاب وتأثير المدرسة على
نظام القيم بالريف.63
إن األلفية الثالثة قد عرفت تراجع الفروقات الثقافية الكبرى بين الريف والمدينة ،سواء على مستوى التضامن ،فلم يعد
هناك تضامن كما كان سائدا ،فالعالقات االجتماعية المترابطة التي كانت تعرفها القرية ،خاصة أيام المواسم واإلنتاج الفالحي
واألعراس لم تعد بتلك العمق الذي كانت عليه .أما عن القيم األخالقية ،فالريف لم يعد مجاال للمحافظين بل أصبحت تحكمه القيم
الجيدة ،القائمة على االستمتاع والتلذذ ،ولم يعد الكفاف والمعاشي محددا لخصائصه .وعرفت االرياف تعنوعا كبيرا من حيث
الوظائف والمهن ،وتم التخلص من االنتماء إلى طبقة الفالحين ،وتغير شكل السكن والمراق وتعمق األمر مع وجود المدارس
الثانوية وربط األرياف بوسائل االتصال واإلعالم الحديثة وانتشار الهواتف الذكية والفضائيات.
فليس هناك اختالف على المستوى الطقوس الدينية أو العالقات االجتماعية(التفكك) أو شكل العائلة ،حيث سادت العائلة
النووية وتراجع التماسك االجتماعي وتوسع االنفتاح اإلعالمي والرقمي .وبالتالي اتجهنا إلى توحيد الثقافة الريفية والحضرية
أكثر منه إلى اختالفها ،وانتقلنا إلى مجتمعات شبكية بتعبيرات مانويل كاسيل تربطنا فيها عالقات كثيرة مع أناس ال نعرفهم،
لكن هذه العالقات ثانوية باألساس.
60مسدالي فاطمة (). 2005المجتمع القروي الدكالي والتغير المرتبط بتدخل الدولة الزمامرة نموذجا .الرباط :دار السالم للطباعة والنشر والتوزيع.
-61امعمري لحبيب ،2010 ،التغير االجتماعي ورهانات العولمة .فاس :منشورات دار ما بعد الحداثة .الجزء األول.
62المختار الهراس ،2000/1999 ،بروز الفرد داخل العائلة في أنجرة :الهوية االقتصادية ،وصراعات الجنس واألجيال .بحث لنيل دكتوراه الدولة في علم االجتماع
تحت إشراف فاطمة المرنيسي .كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية بالرباط.
63بورقية رحمة ( ). 2004مواقف :قضايا المجتمع المغربي في محك التحول .الدار البيضاء :مطبعة النجاح الجديدة.
18
19