Professional Documents
Culture Documents
2مذكرة اللغة والفكــــر
2مذكرة اللغة والفكــــر
:...........................................الكفـاءة المحورية
:.............................................الكفـاءة الخاصة
ال
ال
النشاط التعلمي و التقويم و أنواعه المحتوى المنهجي
ط
ومحتواه المعرفي س
ر
ا خطوات الدرس و
ق ال
ئ مؤشراته
ال ق
ل
ز ال د
ال
م ت ر
ت
ن ع ا
ع
ل ت
ل
م
م
ي
ي
ة
ة
مقدمة :طرح المشكلة
من المتعارف عليه أن اللغة ،كنسق وكظاهرة ،تشير إلى األشياء خاصة المادية وتجردها في
أصوات أو خطوط تغني المتكلم أو القارئ عن إحضارها .وعندما نتأمل في صورها وأشكالها نجد
أنها من التنوع Aبحيث يصعب حصرها في كيفية واحدة :فالكالم لغة ،واإليماءات Aلغة والموسيقى
لغة...إلخ ،وهي بهذه الكيفيات Aتراث يرتبط بكينونة الكائن وحضارة اإلنسان .ومن هنا ارتبطت
اللغة دوما ً بطبيعة متميزة Aوأهمية خاصة.
وفي رحلة البحث عن بيان طبيعتها ،والكشف عن أهميتها َو َجب أن نتساءل :إذا لم تكن اللغة
مجرد أصوات نحدثها وال مجرد رسوم نخطها ،فما عساها أن تكون؟ أليست عبارة عن إشارات
ورموز نبدعها لتساعدنا على تنظيم Aحياتنا الداخلية وعلى تحقيق Aالتواصل مع غيرنا فضال عن
تحديد عالقاتنا مع عالم األشياء ؟
حيوي عا ّم ،ففي َم تتمثل طبيعتها ؟ َ ّ Iإ ذا لم تكن اللغة مجرد تعبير انفعالي ،أو نشاط
ـ أوال :أشكال التعبير االنفعالي:
مالحظة وضعيات والتعليق عليها:
* لنتوقف عند اآلية الكريمة التي يشير فيها القرآن إلى قصة النبي سليمان (ع) مع النملة في
ت نَ ْملَةٌ يَا أَيُّهَا النَّ ْم ُل ا ْد ُخلُوا َم َسا ِكنَ ُك ْAم الَ يَحْ ِط َمنَّ ُك ْم
قوله تعالى " :حتَّى إِ َذا أَتَوْ ا َعلَى َوا ِدي النَّ ْم ِل قَالَ ْ
ُسلَ ْي َمانُ َو ُجنُو ُدهُ َوهُ ْم الَ يَ ْش ُعرُونَ " .سورة النمل ،اآلية .18 ،
* ولنتأمل في مجتمع الحشرات ؛ إننا ننبهر بقدرة أفراده على االتصال فيما بينهم من خالل
الحركات واإلشارات ،واإلفرازات الكيميائية؛ األمر الذي يجعل البعض منا ال يتر ّدد في االعتراف
بوجود (لغة) لديها؛ فقد وصف المجري كارل فون فريتش طريقة التواصل بين النحل ،حيث تقوم
النحلة التي تجد الطعام (الرحيق) برقصات دائرية تحرك فيها أجنحتها وذيلها ،تخبر من خاللها
بقية العامالت بمكان وجوده وموضعه وبعده عن الخلية ،مستعينة في ذلك بمعالم منها : Aموقع
الخلية وموضع الشمس ،وهذا ما يسمح لبقية العامالت من الوصول إليه بدقة ،األمر الذي أكدته
مالحظات هذا العالم .
* ولننظر في عالم الطيور؛ بالتأكيد إننا سنُعجب مما ير ّدده طائر الببغاء من الرسائل الصوتية
المقلدة ،فال نملك إال أن ننسب إليه قدرة ما على (التخاطب والتعبير).
* وأخيرا ،لنتأمل بعض اإلشارات الطبيعية عند اإلنسان وبعض الفقاريات العليا (كالشمبانزي)؛
إن بشاشة الوجه والتبسم عالمتان تدالّن على الرضا والسرور ،وعبوس الوجه والصراخ يدالّن
على التألم والحزن؛ وفي هذا المستوى ال يختلف تعبير اإلنسان عن تعبير الحيوان كثيرا .لكن
اإلنسان يمكنه اللجوء أيضا إلى بعض اإلشارات االصطالحية؛ كأن يعبّر عن حاله بقوله " :أنا
فر ٌح ومسرور ،أو أنا حزين وأتألم "!
-التعليق عليها:
(*) في الوضعية األولى ،نقول :إنه من الجحود إنكار وجود اتصال بين أفراد النوع الواحد مثل
أن طبيعة هذا االتصال ومكوناته ،ال تشبه ما في لغة اإلنسان؛ النمل (كما ورد في اآلية) ،إالّ ّ
فاإلشارات واألصوات التي يستخدمها الحيوان محدودة العدد ،كما أنّها فطرية تولد مع الكائن،
باإلضافة إلى أنّها نوعية أي ال يتمايز فيها أفراد النوع الواحد.
رسل (النحلة التي قامت بالرقصة) إن تحليل الوضعية الثانية يضفي بنا إلى اإلقرار بوجود ُم ِ (*) ّ
و ُمر َس ل إليه (بقية عامالت الخلية) ،ورسالة (اإلشارة عن طريق الحركات والتي تخبر عن وجود
الطعام وموضعه وبُعده)؛ فهذا التحليل األوّ لي ال يدع مجاالً للبعض إلنكار وجود لغة ،بل يقرّ بها
(أي بوجود لغة) يتواصل بها النحل.
لكن تحليل علم النفس السلوكي ال يوافق على هذه النتيجة ،فما الحظه فون فريتش ال يزيد
عن كونه سلوكا غريزيا يحركه منبّه طبيعي يؤدي إلى استجابة آلية؛ بل أن تجارب إيفان بافلوف
تثبت Aأنّه يمكن تعليم الحيوان فقط استجابة شرطية لمنبّهات غير طبيعية .والعالقة بين الرقصات
(اإلشارة) واتجاه العامالت إلى موضع الطعام (االستجابة) ال يمكن أن تتصورها النحلة (أي لم
خال من التفكير . تنبع Aمن تفكير ولم يصحبها تفكير) ،فهي مجرّ د ر ّد فعل آلي ٍ
أن عالم الحيوان ،وإن كان يتواصل باستخدام (رموز وإشارات) لكنها خالية وبالتالي نخلص إلى ّ
خال من (الحوار) ،فالنحلة التي تتلقى أن التواصل الحيواني ٍ من الذكاء والتفكير .والمالحظة الثانية هي ّ
المعلومة والرسالة (اإلشارة) ال تجيب برقصة أخرى لتعيد إنتاج الرسالة ،بل تقوم بسلوك وهو الطيران
إلى الموضع المعلن عنه.
أن الحيوان قد (*) إن اللغة -انطالقا من الوضعية الثالثة -ليست مجرد ظاهرة فيزيولوجية ذلك ّ
ينتج األصوات واإلشارات الحركية ،لكنها مجرد استجابات انفعالية لمؤثرات خارجية أو داخلية
تسبب Aله اللذة أو األلم ،وهي خالية من التصورات (األفكار) .لذا فالحيوان عاجز عن التعبيرA
بواسطة اللغة وهذا العجز ال ينشأ من نقص األعضاء (العجز المادي)؛ بل بسبب Aغياب الوعي
(العقل والفكر) .وهنا يقول ديكارت (.. ":)1650 -1596إنّك تجد العقعق والببغاء Aيستطيعان أن
ينطقا بعض األلفاظ مثلنا ،ولكنّك ال تجدهما قادرين مثلنا على الكالم ،أعني كالما ً يشهد بأنّهما
يعيان ما يقوالن " .على أالّ يفهم من الكالم هنا فقط القدرة على إنشاء أصوات ونطقها ،بل يقصد
التعبير .وهو الذي جعل أبا الفلسفة الحديثة يعتبر Aاللغة ،من حيث أنها ملكة تأليف الكالم وترتيب
األلفاظ المختلفة يعبر بها عن المعاني العقلية التي يعجّ بها الفكر ،فيصالً يميز Aبين اإلنسان
والحيوان ،فال يدخل في ذلك ما يصدره الحيوان من أصوات ومقاطع صوتية ألنّها ال تعبر عن
فكر وال يسبقها Aتفكير ،بل هي انعكاس شرطي لبيئته الطبيعية وطبيعته الحيوانية العجماء.
ويؤكد صحة ما ذهب إليه ديكارت قصة األمريكية هيلين كيلر(Helen Adams Keller 1880-
،) 1968وهي فتاة ولدت عمياء و صماء و بكماء ومع ذلك تمكنت من تعلم لغة خاصة تستخدم فيها
حركات األصابع ،وتفهم اآلخرين من خالل استعمال حاسة اللمس ،واستطاعت أن تتغلب على
إعاقتها؛ فلم يمنعها الصمم والعمى والخرس من التواصل مع الغير ،بل صارت ،وهي األديبة
والمحاضرة والناشطة األمريكية ،إحدى رموز اإلرادة اإلنسانية.
ونخلص إذن ،من تحليل الوضعيات الثالث األولى إلى النتائج التالية:
-إن التعبير لدى الحيوان فطري وراثي ،وهذا ما يجعله مرتبطا بالغريزة حيث أنّه ينطلق منهاA
ويعبّر Aعنها وال يتجاوزها؛ لذا ال يستطيع الحيوان أن يغيره ألنه جزء من موروثه البيولوجي .
-إن الحيوان ُمع ٌّد للتعبير عن بعض الحاالت الطبيعية المرتبطة بالحياة وحفظ البقاء ،فمثالً موضوع
الرسالة في رقصات النحل ينحصر في مكان وجود الطعام وبُعده عن الخلية فقط ،لذا فلغة الحيوان ال
تعدو أن تكون نظاما ً إشاريا ً مغلقا ً وبدائياً ،والنحلة – كما رأينا -التي تخبر بموضع الطعام وبُعده عن
الخلية ال تخبر عن كميته ونوعيته.
أن شكل االتصال عند الحيوانات يندرج ضمن األساليب المنعكسة ؛ وهي نماذج نمطية -كما ّ
توصل معلومات Aلكن بطريقة غير إرادية وخالية من القصد.
أن اإلشارة أو الرسالة التي يرسلها الحيوان ال يمكن تحليلها وتفكيكها Aوتجزئتها، -باإلضافة إلى ّ
فالمسافة والموضع يتجليان في رقصة النحلة وال ينف ّكان عنها على النقيض من الكلمات التي
يستخدمها Aاإلنسان والتي يمكن أن تُف ّكك وتُستخدم لإلشارة إلى أشياء أخرى.
ـ ثانيا ً :التعبير من التكيف إلى الوعي:
إن محاولة حل المشكلة يبتدئ أوال من اإلقرار بحقيقة أن اإلنسان بإمكانه أن يعبّر عن أفكاره
وأحواله النفسية بالطريقتين معا (مما تضمنته الوضعية األخيرة) :
ألن لإلنسان ملكة فطرية تساعده على أ -باإلشارات الطبيعية :وهي التي ال تحتاج إلى تعلم ؛ ّ
فهمها ،وإن كانت تخبر بشيء حاضر أو غائب ظاهر أو خفي ،إالّ أنّها مجرد انعكاس شرطي لمنبه
داخلي أو خارجي ،وقراءتها تعتمد على مبدأ العلية (السببية) األمر الذي قد يكون سببا ً للخطأ.
فاإلشارات الطبيعية من تبسم وبشاشة وجه ،أو عبوس وصراخ وبكاء ،تعتبر عند اللغويين عالمات
طبيعية أي "..حادث ُم ْدرك بالحواس ، Aينقل الذهن إلى تصور حادث آخر غير مدرك أو غير ممكن
اإلدراك [عن طريق الحواس] " ،فنحن نفسر التبسم وبشاشة الوجه على أنّه عالمة على السرور
والفرح والرضا A،بينما يعني الصراخ والبكاء التألم Aوالحزن .فبالرغم من كونهما عالمتين تشيران
أن ذلك ال يبرر اعتبارهما عالمتين لغويتين ،وسبب ذلك أن التبسم وتحمالن معنى غير ظاهر ،إالّ ّ
والضحك أو الصراخ والبكاء عالمات غير قابلة للتحليل والتفكيك ،أي أنها كتلة واحدة ال تتجزأ،
ولو حاولنا تفكيكها فقدت قدرتها على الداللة فال تصير ذات معنى ،فالصوت (أيْ ) لو جزء إلى:
( أ ) و ( يْ ) ،لما فهما منه أنه يشير إلى األلم .كما أنّهما رد فعل آلي لمثير داخلي أو خارجي؛ فهما
أقرب إلى كونهما سلوكا من كونهما عالمتين لغويتين.
ب -وباإلشارات االصطالحية A:وهي نسق من الرموز االتفاقية المكتسبة بالتعلم .وهذه الرموز
واإلشارات يتواضع عليها البشر ويتفاهمون من خاللها وال نجد لها مثيالً في عالم الحيوان األمر الذي
يبرر حصر اللغة في اإلنسان خاصة إذا تعلق األمر بـ(الكالم) .أما اإلشارات االصطالحية الواردة في
الجملتين (أنا فرح Aومسرور) أو (أنا حزين وأتألم) ،فيسميهما اللغويون عالمات لغوية وسبب ذلك أنّها
عالمات صوتية رمزية A،إذ ال يوجد ترابط طبيعي بين كلمة (مسرور) والحالة النفسية التي أشعر بها،
عكس ما هو عليه الحال في اإلشارة الطبيعية التي ترتبط Aبما تشير Aوتد ّل عليه مثالً :الدخان ال ينف ّك عن
أن كل كلمة وردت في الجملتين السابقتين يمكن أن توظف في جملة أخرى النار بل يشير إليها .كما ّ
مثال ذلك (أنا) يمكن أن أوظفها في جملة أخرى فأقول( :أنا تلميذ في السنه الثالثة ثانوي) .ثم أن الجملة
(أنا فرح Aومسرور) تقبل التفكيك إلى وحدات صوتية دنيا (أقل) لك ّل وحدة صورة صوتية خاصة ومعنى
خاص؛ فلو فككناها إلى ما يلي( :أنا)( ،فرح)( ،و)( ،مسرور) نالحظ ّ
أن ك ّل وحدة قابلة لالنفكاك عن
معان مختلفة .
ٍ المجموع ويمكن أن توظف في جمل أخرى لتؤدي
أن الحيوانات ال تمتلك (لغة) بالمعنى الدقيق للكلمة؛ فاإلقرار م ّما سبق يمكن أن نستنتج ّ
بوجود لغة عند الحيوان أمر فيه توسع مبالغ فيه وغير مقبول ،وأنها لدى اإلنسان ليست مجرد
تعبيرات Aانفعالية فطرية ،بل تتجاوز ذلك إلى اصطناع اإلشارات االصطالحية المتفق عليها
بالتواضع والترميز.
ـ ثالثا :اللغة خاصية إنسانية فريدة :
وإذا كان األمر كذلك ،فإنه يتحتّم طرح السؤال التالي :كيف يمكن اعتبار اللغة االصطالحية
وحدها هي ما يميّز اإلنسان؟ بل كيف يمكن حصره فيها بالماهية؟
قد يتبادر للكثير منا أن يميز لغة اإلنسان عن لغة الحيوان انطالقا ً من الفرق الكمي الذي تزخر به
لغة البشر مقارنة باللغة المحدودة للحيوانات .لذا فالتباين الكمي في نسق الرموز واإلشارات التي
يتواصل بها البشر يتجاوز بعدة أضعاف منظومة اإلشارات الحيوانية ،خاصة التي تعيش في مجموعات
كما هو الحال عند قردة الشمبانزي التي رُصد لها حوالي 35صواتاً ،لكن هذا الفارق الكمي ال يقارن
بالفارق الكيفي الموجود بينهما.
وهذا ما جعل جورج غسدورف يعتبر Aاللغة كلمة السر التي تدخل الطفل العالم اإلنساني
مستثمراً التجربة التي قام بها بعض علماء النفس بين طفل وقرد صغير ،حيث الحظ العلماء تشابه
االستجابات وتساوي القدرة على المنافسة .لكن الفارق سرعان ما بدأ في الظهور وتعمق بعد أن
تعلم الطفل اللّغة ،بينما بقي القرد حبيس المحيط الطبيعي و عالم الغريزة؛"..فالح ّد الذي يفصل
بينهما هنا فصالً مطلقا ً هو عتبة اللغة " .وال يتوقف األمر عند حدود هذا االستنتاج A،بل أن ذلك
يفنّد الطابع المادي للغة ،الذي يروّ ج له بعض األطباء وعلماء التشريح؛ فالشروط العضوية من
دماغ وحبال صوتية ولسان وتجاويف أنفية وفموية تقوم باألساس بوظائف حيوية عضوية :إذ
اللّسان موضوع للتذوق بينما استخدامه في الكالم يعتبر Aوظيفة ثانوية ،بل أن " الكالم يبدو أنّه
ألن " ..وظيفة الكالم وظيفة ال عضو لها خاصا ً بها "،ومن هنا فالشروط العضوية ال تنتج اللغة ّ
في جوهرها ليست وظيفة عضوية بل هي وظيفة ذهنية وروحية ".
ولعلّ المقارنة بين لغة اإلنسان وما يطلق عليه مجازاً (لغة الحيوان) كفيلة بإثبات صحة هذا
الطرح من حيث أن لغة اإلنسان تتميّز بخصائص تنفرد بها أهمها:
* أنّها مكتسبة عن طريق التعلم ،لذلك فهي ليست موروثا ً بيولوجيا ً بل ميراث اجتماعي ثقافي
يتغير Aعبر التاريخ ،عكس تعبيرات الحيوان الجامدة المتصلبة .
* يرتبط Aوجودها عند اإلنسان بالعقل وأثره فيها مدهش ،فبدونه تكون مجرد ضوضاء خالية من
المعنى ،وهذا ينسحب Aعلى المقاطع الصوتية التي يصدرها األخرس حيث أنّه يربطها باإلشارات
أن النّاس الذين ولدوا صما بكما، معان يقصد من خاللها التواصل؛ "..ففي حين ّ ٍ الحركية لتدل على
و ُح رموا من األعضاء التي يستخدمها غيرهم للكالم ،كحرمان الحيوانات أو أكثر ،قد اعتادوا أن
أن معرفة يخترعوا من تلقاء أنفسهم إشارات يفهمها من يجد الفرصة الكافية لتعلم لغتهم؛ إننّا نرى ّ
الكالم ال تستلزم إالّ القليل من العقل".
* تتصف بازدواجية خاصية الكالم ،إذ لها بنية مركبة تنقسم إلى مستويين:
أ .المستوى الصوتي :ويتمثل في األصوات التي نصدرها أثناء الكالم حيث تتآلف
األصوات في مقاطع لتصير كلمات محددة ذات معنى.
ب .المستوى التركيبي :وهو الذي يتضمن عناصر مركبة ذات معنى (الجمل) ،على أن ال يتوقف
التركيب على المفردات فقط بل على القواعد النحوية والصرفية.
* لها قدرة التحوّ ل من حيث أنها تمنح اإلنسان المقدرة على أن يتكلم عن األشياء واألحداث عبر
الزمان والمكان .ولغة اإلنسان ليست مرتبطة فقط باللحظة الراهنة ،بل تعود إلى الماضي وتنفذ إلى
المستقبل ،وال تخبر عن األشياء المادية فقط بل التصورات الفكرية.
* ولها قابلية االنتقال فهي تكتسب Aبالتعلم والمحاكاة ،والذي يتيح ذلك وجود قدرة واستعداد فطري
يسمح لإلنسان بذلك ،ولهذا تنتقل اللغة من جيل إلى جيل .ليس هذا فحسب ،بل يمكن للفرد أن يتعلم
لغة خارج جماعته اللغوية ،فالعربي بإمكانه أن يتعلم لغة الفرنسي والعكس ،بينما Aهذا غير ممكن
في عالم الحيوان فالنحلة ال يمكنها أن تتعلم لغة غيرها.
* واللغة عند اإلنسان ترتبط Aباإلبداعية كتنظيم كالمي مفتوح Aيسمح بإنتاج Aوفهم عدد ال محدود من
الجمل حتى التي لم يسبق سماعها ،فاإلنسان ال يردد فقط ما سمعه بل يجدد ،وهذا الرتباطهاA
بالفكر ،األمر الذي يجعلها تالئم كل أوضاع المتكلم .وبالرغم من أن جهاز النطق اإلنساني
(الحنجرة اللسان ،الحبال الصوتية..إلخ) محدود الحجم واألوضاع بحيث ينتج أصواتا ً محدودة.." ،
ومع هذا العدد المحدود من األصوات والحركات ننتج من التراكيب Aالصوتية (الكلمات) ما ال
حصر له (ماليين الكلمات) ،وال يستنفد Aهذا العدد إمكانياتنا إلنتاج Aكلمات جديدة وفقا ً لقواعد اللغة
المصطلح عليها".
* كما تتسع لغة اإلنسان للتعبير Aعن خبراته وتجاربه ومعارفه ،بل تتعدى ذلك إلى التعبير Aعن
التصورات العقلية والقيم الجمالية والمعاني النفسية ،بعكس Aلغة الحيوان التي ال تتعدى حاجاته
البيولوجية الغريزية ،أو االنفعاالت األولية من لذة وألم.
* واللغة عند اإلنسان ال ترتبط بالعقل فقط ،بل باإلرادة أيضاً ،وهذا هو النمط الثاني من أشكال
االتصال ،وهو األسلوب المقصود؛ فاإلنسان يستعمل اإلشارات والرموز بوعي ويستخدمهاA
لتحقيق أغراضه وهو يقصد بها ذلك .ودليل خضوع التعبير Aاللغوي لسلطان اإلرادة مقدرة اإلنسان
على الكذب ،فتطوّ ر وتعقّد مظاهر الحياة االجتماعية خَ لَق دوافع أخرى للكالم غير طلب الحاجة
واإلخبار ،بل خَ لَق أغراضا ً أخرى كالعبث Aوالمراوغة واإلغراء ،فاإلنسان هو الكائن الوحيد الذي
يتع ّمد Aالكذب.
مما سبق يجب اإلقرار بتفرّ د اإلنسان باللغة عن سائر الحيوانات ،ومن هنا فهي ميزة إنسانية
خالصة ،لذا يصحّ أن يقال عن اإلنسان" :إنّه حيوان ناطق" بالماهية.
IIوما األسس التي تقوم عليها بوصفها بنية رمزية تطبع نشاط الفكر وتترجم
إبداعاته ؟
عرض وضعية مشكلة :
لنتمعّن فيما يقوله باحث متخصص (ح) ألحد مرافقيه (ق) وهو يحاوره:
أن استقراء Aآيات القرآن الكريم يجعلنا نقف على هذه الحقيقة: ـ (ح) :ألم تالحظ ّ
إنّه لم يستخدم مصطلح اللغة بل استخدم مصطلح اللسان ،عندما يتحدث عن الرسل وما جاؤوا
لتبليغه؟ مثل قول هللا تعالىَ " :و َما أَرْ َس ْلنَا ِمن َّرس ٍ
ُول إِالَّ بِلِ َس ِ
ان قَوْ ِم ِه لِيُبَيِّنَ لَهُ ْم "[ سورة إبراهيم،
اآلية.]4 ،
ـ (ق) :أجل ،فهل معنى ذلك أن مصطلح اللغة يرادف كل كالم بلسان ُمبين؟
ـ (ح) :كال ،فاإلنسان ال يعبّر Aعن حاجاته وأفكاره باستخدام (الكالم) ،بل هناك ع ّدة طرق
مختلفة؛ فلعلّك شاهدت في األشرطة العلمية الوثائقية الكتابة الهيروغليفية التي تخبر عن بعض
األحداث والشخصيات الفرعونية من خالل رسم صور ورموز :فللموت صورة وللسلطة صورة،
والسطوة صورة ،وللخضوع وللطاعة صور...إلخ
ـ (ق) :وهذا ما نفعله نحن أحياناً؛ فعندما نريد أن نرمز لشجاعة شخص ما نرسم صورة أسد،
كما قد نرسم صورة ثعلب لنعبر عن خداعه ،وبعض الشركات التي تنتج مواد كيميائية خطرة
تضع صورة لجمجمة وعليها عالمة (×).
ـ (ح) :ثم أنه حتى مع افتراضنا أن اللغة هي الكالم المنطوق Aبأصوات ،فإننا ال نستخدم
(لسانا) واحدا بالضرورة؛ فانظر إلى كثرة اللغات أال يع ّد ذلك دليال على صدق ما أقول؟
ـ (ق) :إنك تزيد من حيرتي بدل أن تُزيلها! فما الثابت في كل هذا ،وما المتغير؟
ـ (ح) :فأما الثابت فهو اللغة؛ إنها واحدة لقيامها Aعلى الفكر الذي يصنع اإلنسان ،وأما المتغير
فهو اللسان بتغير Aالزمان والمكان ،والكالم بتنوع Aاألصوات والكلمات والرموز.
ـ (ق) :إذن هل يمكنني Aأن أقول بناء على ما فهمته منك :إن اللغة أع ُّم من اللسان ،وبالتالي
فهي أع ُّم من الكالم ،باعتبار هذا أخصُّ خصوصيات اللسان؟
-تحليل الوضعية المشكلة:
من تحليل الوضعية المشكلة نلمس أوال مدى التماثل المنعقد بين مجاالت هذا الثالثي؛ فصورة
األسد أو الثعلب أوالجمجمة تعتبر (رموزاً) ،بينما Aالكلمات واأللفاظ هي (عالمات لسانية) ،ومع
ذلك فالصورة أو الرمز أو الكلمة ت ّدل على المعنى الذي وضعت له ،وتخبر عن الشيء الغائب؛
فمثالً صورة الجمجمة على المواد الخطرة تعني (الموت) التي يمكن أن تحدث لو تناول هذا
الشخص هذه المواد ،فإحضار الموت غير ممكن إالّ من خالل صورة تعبر عنها وت ّدل على معناها
وقد تغني عن كتابة (مادة خطرة -تقتل) ،فاإلنسان الميت عندما تتحلل جثته ال يبقى منه إالّ
العظام؛ فلذلك فصورة الجمجمة تحاكي حال اإلنسان الميت ،أما الكلمات واألصوات فتزيد على
الصور أنّها تعبر عن حاالت أكثر تعقيداً وتحضر صور ومعاني األشياء أكثر مما تفعله الرموز
والصور ،لكن تحليل العناصر يبين درجة التمايز بينها بوضوح.
ـ أوال :اللغة واللسان والكالم:
إن األمر الذي يستوجب التوقف عنده أوال في هذا الحوار عالقة اللغة باللسان :ما طبيعتها؟ ّ
وإلى أي مدى يختلف اللسان عن اللغة؟ وكيف يلزم عنه الكالم؛ سواء كان هذا الكالم قوالً أُصدرت
فيه أصوات وألفاظ وجُمل ،أو رمزاً استعملت فيه إيماءات وصور؟
عناصر مفهوم اللغة : .4
إن علم النفس اللغوي يربط بين اللغة واإلنسان فيعتبرها Aسلوكا ً قابالً للدراسة التجريبية،
أن إنتاج الرسالة اللغوية (خاصة ينبع Aمن إمكانيات وقدرات اإلنسان العقلية والفيزيولوجية؛ حيث ّ
الكالم) تسبقه وتعقبه عمليات عقلية كثيرة؛ منها اإلدراك ،والتخيل والترميز ،والتأويل ،والتفسير،
والتركيب األمر الذي يجعلها قدرة خاصة باإلنسان للتعبير Aوالتواصل بواسطة عالمات مميّزةA.
وارتباط اللغة بالكالم مسموعا ً كان أو منطوقاً ،هو الذي يفسر ارتباط اللغة باللّسان " ..ألنها
ُ
أصوات يعبّر بها كلّ قوم عن أغراضهم " .وجاء في (لسان العرب البن منظور) « : Aاللغة منَ
صة ،وأصْ لُهَا :لغوة وقيل :أصلها لغا يلغو ،ولغا فالن عن الصواب وعن الطريق إذا األسما ِء النَا ِق َ
مال عنه .واللغو :النطق .يقال :هذه لغتهم التي يلغون بها أي ينطقون»
أن األغراض ال تنحصر فيما هو مادي محسوس بل تتع ّداه إلى ما هو معنوي معقول؛ فاللغة " على ّ
كيان عام يضم النشاط اللغوي اإلنساني ويشمل كل ما هو منطوق Aأو مكتوب أو إشارة أو اصطالح
" ،والعالمات إشارة كانت أو رمزاً ،صوتا ً كان أو صورة ،رسما ً كان أو حركة؛ عندما نتفق Aعلى
المعنى الذي تحمله ونتعامل بها كذلك تصير عالمة لغوية يشار بها ويفهم منها رسالة معينة ،األمر
الذي يوسع معنى اللغة " ..كنظام من العالمات االصطالحية ذات الداللة االصطالحية ".
كما يدخل في معنى Aاللغة كل وسيلة تساعد على التعبير مثل"..تبادل المشاعر واألفكار
كاإلشارات واألصوات واأللفاظ وهي ضربان :طبيعية كبعض حركات الجسم واألصوات المهملة،
ووضعية وهي مجموعة رموز وإشارات أو ألفاظ متفق عليها ألداء المشاعر واألفكار" .فيلزم من
هذا ما يلي:
-اللغة كل متكامل ونسق من الرموز واإلشارات ،تشكل األصوات أهم أنماطها.
-ارتباطها باإلنسان فرداً كان أو جماعة.
-اللغة واقعة اجتماعية كامنة في عقول جميع األفراد المنتمين لمجموعة لغوية معيّنة.
عناصر مفهوم اللسان: .5
اللّسان يطلق على لغة مح ّددة تتكلم بها جماعة معينة من النّاس ،ضمن قواعد وقوانين مضبوطة،
فاللسان له وجود اجتماعي مستقل عن األفراد الذين يتكلمونه ،ومن هذا فاللّسان أخص من اللغة :مثال ذلك
اللسان العربي جاء في (لسان العرب) « :اللّسان :جارحة الكالم ...قال ابن بري :اللسان هو
الرسالة والمقالة .ويذكر بمعنى الكالم » ويراد باللسان في الفرنسية اللغة .أ ّما اللغة فتطلق على
النشاط اللغوي اإلنساني سواء كان رمزاً صوتياً أو مكتوبا ً أو إشارة أو اصطالحا.
وخصوصية اللّسان تظهر في كونه اللغة منظوراً إليها في سياقها االجتماعي والزماني
والمكاني ،ويعني هذا؛ الموروث اللفظي من مفردات Aوكلمات ،والقواعد النحوية والصرفية الضابطة لهذه
اللغة ،فاللّسان قد يختلف في اللغة الواحدة نظراً لتأثير عوامل خارجة عن اللغة كالجغرافيا والنظام
االجتماعي واختالط المجتمع بغيره من المجتمعات.
عناصر مفهوم الكالم: .6
الكالم هو الممارسة الفردية المنطوقة ،أي هو فعل ملموس ونشاط شخصي يمكن مالحظته
بمراقبة الكالم أو الكتابة .والتكلم هو أن يقول اإلنسان شيئا ً ما لشخص آخر ،فينتج عن هذا ّ
أن
الكالم هو القدرة على التفاهم بين النّاس عن طريق عالمات صوتية تتيحها Aلغة محددة .فشروط
الكالم إذن هي:
-وجود لغة مح ّددة (كالعربية أو غيرها).
-وجود قدرة على التعبير ،عن شيء مادي كان أم معنوي ،بنية التبليغ والتواصل والتفاهم بحيثA
يسبق ذلك تفكير وإرادة ،وقصد إلى غاية محددة ،ال أن يكون التعبير ر ّد فعل آلي خال من القصد،
كما هو الحال في عالم الحيوانات.
-القدرة على الكالم من خالل شروط نفسية كالسالمة من االضطرابات العقلية المعيقة إلمكانية التكلم كمرض
(الحبسة اللفظية) والذي يؤدي إلى صعوبة استدعاء الكلمات في القول أو الكتابة فيختل التركيب ،وشروط
عضوية مثل سالمة أجهزة إصدار الكالم من حنجرة وحبال صوتية ورئتين ولسان وتجاويف فموية وأنفية
باإلضافة إلى سالمة الدماغ.
-اإللمام بالمفردات والكلمات وقواعد التراكيب اللغوية والنحوية والصرفية ،لكي ال يختل بناء
الجمل في الكالم ويفقد بذلك داللته.
مما تق ّدم يمكن أن نتبين Aنقاط االلتقاء بين اللغة واللسان والكالم فيما يلي:
-فاللغة هي اإلطار العام الذي يشمل الكالم واللسان معاً.
-الكالم كفعل فردي ال يتم إالّ باللغة واللّسان (ال يقصد هنا باللسان الجارحة).
-اللّسان هو اللغة التي تستعملها جماعة لغوية محددة( Aاجتماعيا ً وتاريخيا ً وجغرافيا).
ومع ذلك يجب أن نفرق بينها Aمن خالل اآلتي:
-اللغة تختلف عن الكالم في كونها Aواقعة اجتماعية ثابتة بينما الكالم عمل فردي متغير.
-اللغة نتاج يرثه الفرد بينما Aالكالم عمل إرادي يقوم به الفرد يتطلب قدرات خاصة.
-اللغة تمثل الجانب االجتماعي من الكالم لذا فهو غير قادر على تعديلها وتغييرها األمر
الذي يبرر دراستها مستقلة عنه.
-اللغة أع ّم من اللّسان ألنّه مرتبط بظروف مكانية وزمانية لجماعة لغوية معيّنة دون Aغيرها.
ـ ثانيا ً :طبيعة الرمز والداللة:
إن شئت ع ّدة أن اإلنسان يمتلك عدة أنماط من التعبي ،أو ْ لقد ورد في الوضعية السابقة ّ
مستويات ( :اللغة ،واللسان ،والكالم) ،لكن أخصّ هذه األنماط الكالم (النمط التواصلي الصوتي)،
مما جعل البعض يقصرون معنى اللغة على هذا النوع من التواصل .األمر الذي يدفعنا إلثارة هذه
التساؤالت :ما طبيعة اللغة؟ وم َّم تتكون؟ وما طبيعة الوحدات التي تتألف منها؟ ما هو الرمز؟ وما
هي العالمة اللسانية؟ وهل اللغة تُعرف خارج مستعملها ،أم أنّها باإلضافة إلى كونها رموزاً
وإشارات تحمل معنى آخر يتوقف على مستعملها( Aاإلنسان)؟ وهل هناك تالزم بين الكلمات
واألشياء؟
إن اإلجابة على مجمل هذه األسئلة يتأثر بالخلفية الفكرية والعلمية التي ينطلق منها المجيب ّ
سواء كان من علماء اللسانيات أو علماء اللغة أو علماء النفس؛ ولكن علم األصوات (
)Phonologieوعلم المعنى ( )Sémiologieهما اللذان يوكل إليهما البحث في النظم الصوتية
للكالم ،والداللة المرتبطة بهذه النظم.
.1بنية الكالم :من هذا المنظور تتكون من:
(أ) الفونيمات ( :)Phonèmeوهي األصوات األساسية أو الوحدات الصوتية األساسية
غير الدالة (ال تحمل معنى) Aوالتي يتكون منها الكالم .
(ب) المورفيمات ( :)Morphèmeوهي ما ينتج عن ضم األصوات األساسية إلى وحدات لها
معنى في بداية الكلمة ونهايتها.
ومن الفونيمات Aوالمورفيمات Aيكوّ ن اإلنسان تركيبات النهائية من الرموز والكلمات ،لها
دالالت متع ّد دة حسب سياقها تسمح لإلنسان بالتعبير عن كل شيء .وهذا ما جعل أندري مارتيني
أن جوهر اللغة اإلنسانية هو قابليتها للتفكيك وإعادة التركيب ،وهذا ما يطلق عليه اللغويون يعتبرّ A
أن اللغة قابلة للفصل والوصل بين عناصرها اللغوية (الفونيمات (التمفصل)؛ ويقصد به ّ
والمورفيمات) A،فاللغة تنقسم إلى سلسلة كالمية تنفك Aبدورها إلى وحدات.
أن لغة اإلنسان تتكون من وحدات صوتية أساسية خالية المعنى ،ومن مما تقدم نخلص إلى ّ
وحدات صوتية أعلى ذات معنى تسمح بتأليف جمل متعددة وفقا ً لقواعد النحو ،وتعبر عن مضامين
أن اللغة ميزة إنسانية. مختلفة تؤكد كلّها على ّ
.2الرمز وأنواع الداللة:
إن الرمز عند هيغل ( )1831 -1770عالمة تحوي خصائص وصفات ما تدل عليه ،بحيث
أن هذا الرمز يستدعي ويحضر للشعور والوعي الداللة والمعنى اللذان نقصد لتبليغهما ،فاألشياء ّ
والعالمات التي نرمز بها ال تعبر Aوتخبر فقط عن نفسها بل تحوي الخاصية العامة للشيء أو
المعنى الذي ترمز له .وع ّرف علماء الداللة الرمز بأنّه " ..مثير بديل يستدعي لنفسه نفس
االستجابة التي قد يستدعيها شيء آخر عند حضوره" ،وقسموه إلى قسمين:
-الرمز اللغوي :فالكلمات (المنطوقة أو المكتوبة) Aأخص أنواع الرموز اللغوية حيث أنّها ال
تشير لنفسها بل ألشياء أخرى غيرها.
-الرمز غير اللغوي :ومثال ذلك الجرس في تجربة بافلوف ،حيث أنّه (أي صوت الجرس)
يستدعي شيئا غير نفسه ،فالكلب عند سماعه للجرس يتو ّجه إلى مكان الطعام .
أما العالمة اللغوية فهي "..وحدة أساسية في عملية التواصل بين أفراد مجتمع معين وتنقسم
إلى :دال ومدلول ،فالدال :هو الصورة السمعية (البصمة النفسية للصوت) التي تعني شيئا ما وتدل
عليه .أما المدلول :فهو التصور الذهني للشيء المعني"؛ والمقصود بالعالمة اللغوية كل ما يصح
اعتباره عالمة قابلة للتأويل وتدل على شيء آخر غيرها ،وأخص هذه العالمات الكلمات مسموعةً
أو مكتوبةً .." ،فالعالمة اللسانية ال توحّ د بين شيء واسم ،وأنّما بين مفهوم وصورة سمعية،
والعالمة اللّسانية هي إذن كائن ذهني ذو وجهين ".
وللرمز داللتان :داللة حقيقية ،وداللة مجازية ،بينما العالمة اللغوية ال تحمل إال داللة
مجازية؛ وهذا الفارق يتجلى في العالقة بين ال ّدال والمدلول؛ فالرمز ليس فارغا ً تماماً ،حيث ّ
أن
هناك عالقة طبيعية بين الدال والمدلول :فالميزان رمز العدالة وال يمكن أبداً تبديله بالدبابة مثالً،
على عكس العالمة اللغوية التي لها وجه مادي يمكن مالحظته ووصفه وتسجيله ،ووجه معنوي" :
..فالكلمة وسيط بين أفكارنا وتجاربنا؛ فهي ترتّبها Aوتنقلها من طابعها الذاتي إلى تجارب يدركها
اآلخرون".
.3العالقة بين األلفاظ واألشياء:
-العالقة ضرورية :فاللفظ يطابق Aما يدل عليه في العالم الخارجي ،وأساس هذه الرأي نظرية
محاكاة اإلنسان ألصوات الطبيعة ،وبسبب تطور الحياة وتعقدها أبدع اإلنسان كلمات وألفاظا جديدة
ليدل بها على األشياء .
وهذا ما دافع عنه بعض اللغويين المعاصرين بمحاولة إثبات الترابط الوثيق بين ال ّدال والمدلول
في العالمة اللّسانية ،من حيث " ..إن العالقة بين الدال والمدلول ليست اعتباطية بل هي على عكس ذلك
أن العالمة اللّسانية بنية واحدة يتّحد فيها ال ّدال بالمدلول ،وبدون هذاعالقة ضرورية " .وتبرير Aذلك ّ
االتحاد تفقد العالمة اللسانية هذه الخاصية .ومن جهة ثانية فذهن اإلنسان ال يستسيغ وال يقبل األصوات
التي ال تحمل تمثالً (أو شيئاً) يمكن معرفته A،فلو كان األمر كذلك -أي وجود أصوات ال تدل على شيء
وال تحمل مفهوما ً يمكن التعرف عليه -تصير غريبة ومجهولة.
أن اللغة خاصة لكن هذه األطروحة تصطدم ببعض الحقائق التي أقرّ ها علماء اللغة ،أولها ّ
(الكالم) نسق من اإلشارات والرموز التي أبدعها اإلنسان وتواضع عليها ليستخدمها في التعبير
والتواصل؛ فلو كانت الكلمات تحاكي األشياء ،فكيف يمكن تفسير تعدد األلفاظ والمس ّميات لشيء
أن العالقة بين االسم والشيء ضرورية؟ واحد ،واال ّدعاء في نفس الوقت ّ
-العالقة اعتباطية :إن العالمة اللسانية ال توحد بين اسم وشيء بل بين مفهوم وصورة
سمعية .ولعلّ المثال اآلتي يوضح ذلك:
فكلمة (أخت) هي تتابع لألصوات التالية( :أ ،خ ،ت) وهذا هو ال ّدال ،أما المدلول فهو معنى
(األخت) ،لذلك ال توجد ضرورة عقلية أو تجريبية فرضت على اللغة العربية مثالً التعبير عن هذا
المعنى بهذه األصوات ،بل ت َّم اقتراحها دون مبرر؛ وهذا ما يسمى بالتواضعية االعتباطية أو
التحكمية (العفوية)A.
أن نفس المعنى (معنى األخت) يعبر عنه في لغات والدليل الثاني الذي يبرر Aصحة هذا التحليل ّ
أخرى بتتابع أصوات أخرى ،فمثال في الفرنسية نقول ( ،)Sœurوفي اإلنجليزية نقول ()sister؛ فلو
كانت العالقة ضرورية لما تباينت األصوات ،بل لما تع ّددت اللغات بين المجتمعات ،وهذا التنوع في
اللغات يثبت اعتباطية العالمة اللّسانية.
أن الفرد له حرية في وضع العالمات أن االعتباطية ال تعني ّ لكن يجب أن ننبّه إلى ّ
واستعمالها حسب هواه ،بل يتقيّد ذلك باالستعمال االجتماعي ،إذ ال يمكن للفرد أن يشير إلى فكرة
(األخت) بأصوات أخرى من وضعه هو دون أن يكون متفق Aعليها داخل المجتمع وفي حدود ما
يسمح به اللّسان (لغة المجتمع).
أن اللغة نشاط رمزي العالقة فيه بين األسماء واألشياء Aغير يلزم من هذا التأكيد على ّ
ضرورية ،وبواسطته يتمثل اإلنسان الواقع دون الحاجة إلى إحضاره في شكله المادي والتقيد به،
حيث يتجاوز باللغة وجوده المادي.
ـ ثالثا :تبادلية اللغة والفكر:
أن بعضنا م َّر بالتجربة التالية :وهي التردد أثناء كتابة رسالة أو مقالة ،فنتوقف أثناء البد ّ
التعبير لنفكر أي الكلمات تناسب Aالمعنى الذي يجول بخاطرنا ،كما قد نعدل عن بعض العبارات
فنشطبها أو نغيرها بأخرى تبدو لنا مناسبة ،بل قد يعتذر البعض عن خطابه فيراه قاصراً خانته فيه
األلفاظ وقصرت الكلمات عن تبليغ المعاني أو المشاعر .وهنا نتساءل :ما الفكر؟ وهل هو مستقل
عن اللغة؟ أم ال يمكنه أن يوجد خارجا ً عنها ألنّهما شيء واحد؟
-تحليل الوضعية:
يجمع النّاس على أنّهم مرّ وا ويمرون في حياتهم بهذه التجربة ،لذلك يسارع البعض منا إلى
اتهام اللغة بالقصور ويفصلون بينها وبين الفكر .لكن المتأمل لهذه التجربة وغيرها قد يتبيّن أمراً
أن الخلل ال يعود لقصور اللغة بقدر ما يتعلق بالشخص الذي ال يملك ثروة لغوية كافية آخر وهو ّ
بأن عدم القدرة على التعبير تسمح له بالتعبير Aوتبليغ المعاني ،بل ذهب بعض المحللين إلى القول ّ
ترجع لعدم وجود فكرة أصال.
ويمكن اعتبار"..الفكر بوجه عام جملة النشاط الذهني من تفكير Aوإرادة ووجدان وعاطفة،
وبوجه خاص ما يت ّم به التفكير من أفعال ذهنية كالتحليل والتركيب Aوالتنسيق." A
ومن هنا يظهر الطابع المعقد للفكر من حيث أنّه نشاط عقلي تتشابك فيه القدرات العقلية العليا
من إدراك وتخيل وتذكر وتحليل وتركيب وتأويل؛ فالتفكير Aبوصفه عملية عقلية يعتمد على أدوات
هي المعاني ،ويقابلها Aفي اللغة األلفاظ والصور اللفظية.
.1الفكر منفصل عن اللغة:
قد يميل البعض منا إلى الفصل بين الفكر واللغة ،بالقول بأسبقيته (الفكر) عليها (اللغة) األمر
الذي يجعله أكثر أهمية منها ألنّها مجرد أداة في يده وتأثيره Aعليها إيجابي.
ويستند Aهذا الموقف إلى ع ّدة مبررات منها:
أ ـ أن اللغة محدودة و تتجلى محدوديتها Aفي مستويين هما:
-التعبير Aعن األشياء الخارجية :فاللغة وسيط بين اإلنسان واألشياء الموجودة في العالم
الخارجي ،فعندما تريد الحديث عن (الشجرة) يكفيك أن تنطق Aبهذه الكلمة ليستحضر السامع معناها
وال تضطر إلحضارها له.
-التعبير Aعن الذات :فمشاعر اإلنسان نابضة بالحيوية وال يوجد في اللغة ما يُ َم ّكن من أن ننقل هذه
المشاعر فيحس بها اآلخرون كما نحسها نحن .فاللغة ال تنقل من المشاعر إالّ جانبها Aالعام غير
الشخصي ،وهذا ما يجعلها عائقا ً أمام وعي اإلنسان لذاته.
وقد تؤدي األلفاظ إلى قتل المعاني وتجمد حيويتها وحركتها A،بينما المعاني مبسوطة ممتدةA
وغير نهائية بل تتطور أسرع من األلفاظ؛ فالفكرة أغنى من اللفظ إذ يمكن التعبير عنها بألفاظ
معان
ٍ مختلفة ،بينما األلفاظ معدودة ومحدودة ،بل قيمتها ال تكون إالّ من خالل ما تنطوي عليه من
ومفاهيم وتصوّ رات.
لكن هذا الرأي Aبالغ في تمجيد الفكر والتقليل من شأن اللغة ،األمر الذي Aجعل الفكر نشاطا ً أخرساً؛A
أن الطفل Aيتعلم الفكر واللغة في آن واحد ،لذلك قال وهذه النتيجة ال تؤكدها معطيات علم النفس الذي Aأثبت ّ
هيغل.." :نحن نفكر داخل الكلمات" ،وإلى نفس االتجاه ذهب غوسدروف حيث قال.." :التفكير ضا ٌّج
بالكلمات".
.2الفكر واللغة متّصالن:
إن األلفاظ توضح المعاني وتميزها عن بعضها البعض وتصبغ عليها صبغة منطقية ،فلو
أن األفكار أحوال معنوية مستقلة عن األلفاظ لكانت أحوالً سلمنا جدالً مع أنصار االتجاه الثنائي ّ
غامضة مبهمة ولما تمكنا من معرفتها Aوالتمييز Aبينها ،فبدون اللغة ال تدرك المعاني وال تعرف .هذا
ما ذهبت إليه اللسانية جوليا كريستيفا( Aنفسانية ولسانية فرنسية من أصل بلغاري ولدت عام
)1941حيث اعتبرت اللغة الطريقة الوحيدة التي يمكن أن يوجد بها الفكر ،بل هي حقيقة وجود،
إن اللغة هي جسم الفكر » ،وهذا نفسه ما قصده ميرلو بونتي( Aفيلسوف فرنسي حيث قالتّ « :
)1961-1908بقوله « :الفكرة تؤخذ من العبارة والعبارة ما هي إال الوجود الخارجي للفكرة ».
أن األلفاظأما عن اتهام اللغة بالقصور والعجز عن اإللمام بنواحي الفكر ،فيكفي أن نعلم ّ
تحفظ المعاني وتبقي Aعليها وبدونها لزالت عن الوجود لهذا اعتُبرت األلفاظ حصون المعاني،
ومهمة الحصن الحفظ والصون ،كما أن اللغة تثري الفكر؛ فقد أثبت علم النفس أنه كلما اتسعت
ثروة الفرد اللغوية ،زادت قدرته على التفكير Aوالتعبير ، Aوبذلك ينمو الذكاء وتزداد نسبته.
ليس هذا فحسب ،بل أن اللغة تصبغ الفكر بصبغة اجتماعية موضوعية تنقله من طابعه االنفعالي
الذاتي ،ليصير خبرة إنسانية قابلة للتحليل والفهم واالنتقال بين النّاس.
إن االعتقاد بوجود نشاط فكري بدون لغة هو مجرد توهّم ألنّه في الحقيقة (مونولوج) داخلي بين
عال"، الذات ونفسها؛ إذ "..عندما نفكر فنحن نتكلم بصوت خافت ،وعندما نتحدث فنحن نفكر بصوت ٍ
وبذلك فاللغة هي ذاتها الفكر.
وعلى ضوء ما سبق ،ومهما تحفظ البعض من مسألة التوحيد بين اللغة والفكر واعتبارهما
شيئا واحدا ،وبالرغم من أن اللغة قد تقصر أحيانا ً عن التعبير عن األفكار بناء على أن قدرتنا على
الفهم ال تناسب Aدائما ً قدرتنا على التبليغ ،إال أنه ال ب ّد من التسليم بوجود عالقة ترابط بين الفكر
واللغة ،وهذا ما تؤكده الدراسات واألبحاث العلمية الّلسانية؛ وهذه العالقة تشبه العالقة بين وجه
حيث"..إن الفكر هو وجه الصفحة ،بينما الصوت هو ظهر الصفحة؛ وال ّ الورقة النقدية وظهرها،
يمكن قطع الوجه دون أن يت ّم في الوقت نفسه قطع الظهر ،وبالتالي ال يمكن في مضمار اللغة فصل
الصوت عن الفكر ،أو فصل الفكر عن الصوت".
سر للغة أن تحقق التبليغ والتواصل بالرغم من تنوعها وتعدّد ثم كيف يتي ّ III
نشاطاتها ؟
عرض وضعية مشكلة (وهي تتألف من محطتين مختلفتين):
* المحطة األولى:
يش ّدك في تأ ّم ل األشهر األولى من حياة المولود الجديد كمحطة حساسة وحرجة ،ال ضعف
هذا المولود وتوقف حياته على أمه فقط ،بل أنه ال يمتلك إالّ وسيلة وحيدة يتصل بها مع اآلخرين؛
هي وسيلة اللغة الطبيعية الفطرية ،والمتمثلة في اإلشارات الجسدية التي يرسل بها رسائل بسيطة
تتعلق بإحساس الجوع واأللم؛ فالبكاء مؤشر يخبر األم باالنزعاج ،والصراخ وارتفاع درجة
الحرارة قد يكونا عرضين لمرض ما .لذا فقراءتهما Aبكيفية جيّدة تتطلب خبرة وممارسة قد تُعوز
األم أحيانا ً فتلجأ إلى الطبيب ،وكثيراً ما تلجأ األم اليائسة لمحادثة رضيعها تسأله ما يبكيه وما
يؤلمه ،بينما ال يستطيع Aهو الر ّد عليها ألنّه عاجز في هذه المرحلة عن التواصل.
* المحطة الثانية:
يستوقفك Aشخص في الشارع ويسألك عن مكان ما يريد منك أن ترشده إليه ،لكنه يتحدث معك
بلغة ال تعرفها ،فتسمع منه كلمات هي عبارة عن أصوات غريبة ال تعني شيئا ً بالنسبة إليك،
وعندما تحاول إخباره تدرك قصور اإليماءات ،فتحاول أن توضحها بكلمات من لغتك ،فتالحظ
أن التواصل يتطلب حيرته واستغرابه ألنّه مثلك يسمع أصواتا ً لكنه ال يفهم منها Aشيئاً ،فيتضح ّ
شروطا ً موضوعية بدونها ال يت ّم.
فمن خالل الوضعيتين السابقتين نتساءل نحن :ما المقصود بالتواصل؟ وهل هو دائم؟ وما هي
عوامله التي يقوم عليها؟ وهل وظيفة اللغة تتوقف عنده؟
-تحليل الوضعية المشكلة:
أن غياب اللغة بمعناها االصطالحي يتضح من تحليل الوضعية المشكلة في محطتها األولى ّ
يعزل اإلنسان في دائرة ضيقة ال تزيد عما يعيشه الحيوان ،ولهذا يسمي علماء النفس المرحلة
األولى من الطفولة بالمرحلة الحسية الحشوية (أو ما سماها جان بياجي بمرحلة الالتمايز) ،حيث
أن الرضيع يتلقى تنبيهات Aداخلية وخارجية ،ويستجيب Aلها لكنها ذلك مقصور على الجانب ّ
الفيزيولوجي فقط ،فهو ال يدرك ما يدور من حوله من حديث وكالم وال يحسن قراءة التعابير
الجسدية لألبوين..إلخ .ومن ثمة ال يرد برسائل أخرى تجعله يتواصل مع غيره ،لكن سرعان ما
يتجاوز هذه المرحلة بتقدمه التدريجي في النمو العقلي ،خاصة بعد أن يبدأ في نطق كلماته األولى،
والتي بالرغم من بساطتها Aيستطيع من خاللها أن يخبر غيره بما يريد ويجعلهم يستجيبون لبعض
طلباته ،كما يفهم نسبيا ما يقولون ويتفاعل معهم.
أن تباين اللغات قد يعيق عملية التواصل بالنسبة للراشد، أما بالنسبة للوضعية الثانية فتظهر ّ
فال يكفي أن تمتلك لغة مجتمعك Aلتتواصل مع جميع النّاس ،األمر الذي جعل البعض يتنبه إلى ّ
أن
التواصل البد له من شروط ومقومات وعوامل ال يتم إالّ بها.
.1التبليغ والتواصل االجتماعي:
أ -مفهوم التواصل:
إن التواصل في اللغة مأخوذ من الصلة ،والتواصل اصطالحا :هو تبادل الحقائق واألفكار
والمشاعر بين شخصين أو أكثر بمختلف وسائل االتصال وأخصها (الكالم) .وفي العرف االعام
هناك فرق بين االتصال والتواصل ،فاالتصال يعني توجيه رسالة من طرف آلخر دون تلقي أي
ر ّد عليها ،كما هو الحال في المحاضرات التي ال يشارك فيها أحد من المستمعين ،أو خطب األئمة
للمصلين ،أو خطب الرؤساء للجماهير ،بينما Aالتواصل يعني الرد على المحاضرين واألئمة
والرؤساء ،بحيث يكون هناك حوار وتبادل لآلراء واألفكار.
كون عالقات بأشخاص آخرين إن الذات ال توجد وحدها في العالم بل الحياة تفرض عليها أن تُ ِّ ّ
تتبادل معهم التجارب .واإلنسان ليس ذاتية محضة ،أي وعي منعزل ومنفصل عن اآلخرين وعن
العالم ،فاإلنسانية ال تتحقق إالّ بالتواصل واالنفتاح ومشاركة الغير؛ وهنا تبرز اللغة كضامن لهذا
التواصل ألنّها ليست ملكا ً للشخص الذي يتكلم بها فحسب.
ب -شروط التواصل:
:حتى يت ّم التواصل بين األشخاص البد من مقومات Aوعوامل أبرزها
المرسل :وهو الطرف المنتج أو المبلغ للرسالة؛ (يكون شخصا ً أو جماعة أو هيئة). ِ -
-المتلقي :وهو المرسل إليه أو المتلقي للرسالة؛ (يكون أيضا شخصا ً أوجماعة أو هيئة).
-الرسالة :وهي الخطاب الذي يوجهه المرسل إلى المتلقي.
-المرجع :وهو الموضوع الذي تتمحور Aحوله الرسالة وتسعى إلى تبليغه.
-روابط االتصال :أو ما يطلق عليه بقنوات Aاالتصال سواء كانت Aمادية أو نفسية.
-الشيفرة :أي النظام الرمزي المشترك بين المرسل والمتلقي ،فقد يكون كالما ً أو إشارات
يدوية أو إشارات بصرية أو إيماءات أو الفتات.
إن وظيفية اللغة باعتبارها في األساس وسيلة تعبير وتفاهم وتواصل فقط ال يحلّ المشكلة ،إذ ّ
ثمة تنوع في وظائفها ال يتوقف عند هذا الح ّد .ومن أه ّم هذه الوظائف:
-الوظيفة النفعية :اللغة تسمح لإلنسان بإشباع حاجاته سواء البيولوجية الغريزية ،أو النفسية
االنفعالية ،فالواحد منا لو شعر بالجوع أو العطش ألمر من حوله بأن يناوله الغذاء أو الماء ،كما
أنّه يخبر بحاجة للراحة أو الترفيه عن النفس.
-الوظيفة الشخصية :اللغة وسيلة يعبر بها الشخص عن ذاته وهذا ما يسمح للغير بمعرفته
والتعرف على اهتماماته وتطلعاته ،فيكوّنون فكرة عنه ،ليس هذا فحسب بل بها يثبت الشخص
ذاته .وهذا ما نجده عند كبار األدباء والمفكرين.
-الوظيفة التفاعلية :اللغة تستخدم للتفاعل مع اآلخرين في المحيط االجتماعي ،ومن ثمة يتم
تبادل اآلراء واألفكار بل كثيراً ما تتناقل المشاعر أثناء الحوار فيواسي النّاس بعضهم البعض أو
يشارك بعضهم اآلخر األفراح واألحزان.
-الوظيفة االستكشافية :اللغة وسيلة اإلنسان للتعرف على محيطه طبيعيا ً كان أم اجتماعيا ً
حيث أنّه يسأل عن أسماء األشياء ومكوناتها ووظائفها وكيفية استخدامها؛ وعن الظواهر الطبيعية
وأسباب حدوثها والقوانين المتحكمة فيها.
-الوظيفة التنظيمية :اللغة تنظم سلوك واستجابات اآلخرين من خالل األوامر والنواهي التي
ولعل الفتات وإشارات المرور خير ما يثبتA ّ نصدرها للطفل أثناء التربية توجّه سلوكه وتنظمه؛
ذلك ،حيث أنّها إشارات اصطالحية وضعها اإلنسان لينظم استجابات السائقين من خالل األوامر
والنواهي التي تحملها.
-الوظيفة التخيلية :اللغة نسق من الرموز يجرد الواقع المادي في كلمات تغنيه عن
إحضارها ،ليس هذا فحسب بل تعطي اللغة الفرد القدرة على االنفالت من الواقع والهروب من
ضغط الحياة اليومية من خالل ما يتخيله في القصص أو األشعار أو أحالم اليقظة.
-الوظيفة الرمزية :وخير مثال على ذلك الرياضيات التي تتعامل بكائنات عقلية مجردة يتم
إدراكها من خالل رموز يضعها اإلنسان ،بل أن علماء الطبيعية يجرّدون الظواهر المادية
المحسوسة من حركة ،وحرارة ،وضوء ،وتفاعالت كيميائية ،ومعادالتA؛ ويتعاملون بها أثناء
البحث والدراسة.
-الوظيفة اإلخبارية :اللغة تنقل المعلومات إلى اآلخرين سواء كانت أحداثا ً سياسية ،أو
اجتماعية ،أو طبيعية؛ وهذا ما تضطلع به اليوم وسائل اإلعالم حيث تتناقل يومياً Aما يجري في
العالم ،األمر الذي يمنحها القدرة على التأثير في الجمهور وتوجيه الرأي العام.
خاتمة :حل المشكلة
أن الحديث عن اللغة هو في الحقيقة حديث عن اإلنسان؛ فهي خاصته مما تقدّم نخلص إلى ّ
التي تميزه بالرغم مما يتراءى في عالم الحيوان من إرهاصات بدائية للتواصل ،ليس فقط لكون
هذه اإلرهاصات غريزية وبيولوجية صرفة ،بل لخلوّ ها من الطابع الفكري ،الذي هو عند اإلنسان
من التعقيد بحيث يصعب فصله عن اللغة ذاتها؛ وذلك الشتراكهما Aفي التركيب والداللة والرمز.
ويبقى التواصل بأوسع معانيه فضال عن الوظائف النفسية والمنطقية أبرز ما تحققه اللغة كغاية
كبرى تحفظ لإلنسانية تراثها الثقافي والحضاري على مرّ العصور.