Professional Documents
Culture Documents
عوائق الطلب الشيخ صالح آل الشيخ
عوائق الطلب الشيخ صالح آل الشيخ
عوائق الطلب
للشيخ
صالح بن عبد العزيز آل الشيخ
-حفظه اهلل تعاىل-
[شريط مفرغ]
للشيخ صالح آل الشيخ 2
بسم اهلل الرحمن الرحيم
احلمد هلل حق محده وأوافه ،وصلى اهلل وسلم وبارك على نبينا حممد وعلى آله
وصحبه وسلم تسليما كثريا.
أما بعد:
أسأل اهلل جل وعال أن جيعلين وإياكم ممن صلحت هلم األقوال واألعمال
والقلوب ،وساروا يف ذلك على ما حيب ويرضى ،كما نسأله أن يوفقنا إىل عمل
صاحل وإىل قول صاحل يكون لنا حني نلقى ربنا جل جالله.
مث إننا نفتتح هذا الفصل بعد انقطاع طويل ابتداءً هلذه الدروس اليت نرجو اهلل جل
وعال أن تكون نافعة مللقيها ولسامعها وللمبلَّغ هبا.
كما جرت به العادة فإ ّن افتتاح الدروس يف كل فصل يكون فيه كلمة تتعلق
بالعلم واحلض عليه ،واحلذر من العوائق اليت تعوق يف مسري طالب العلم.
والشك أن كل طالب علم أنِس هلذا السبيل وسلَك هذا الطريق ،فإنه يرى أن
العلم هو أهم املهمات؛ ألن العلم هو العلم باهلل جل وعال ،والعلم باهلل جل وعال هو
أعظم ما يستفيده املرء يف هذه احلياة ،فبقدر علمه بربه جل جالله ومعرفته خبالقه
وإهله ومعبوده يكون قُربه من مواله؛ ألن أقرب الناس إىل اهلل جل وعال هم أعلم
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم «إني ألعلمكم باهلل
الناس هبم سبحانه وتعاىل ،هلذا قال النيب َ
وأخشاكم هلل وأتقاكم هلل ،فمن رغّب عن سنتي فليس مني» أو كما جاء عنه َعلَْي ِه
والسالَ ُم.
الصالَةُ َّ
َّ
واألنبياء ارتفعت منازهلم ألجل علمهم برهبم جل وعال وبشريعته وما حيب جل
جالله.
وهذا العلم يُدرك كل طالب علم أنه من أهم املهمات وأعظم املطالب ،فالواجب
على كل طالب علم أن جيعل أكثر حياته فيه ،وأن يَقسم حياته ما بني تعلم أو تعليم
3
عوائق الطلب
أو أداء للنصح لعباد اهلل أو ملن له ِوالية عليه كلٌّ حبسب ما هو فيه ،وهذا هو معىن
الربكة اليت تكون يف أهل العلم ،فإن أهل العلم مباركونَ ،جعل اهلل جل وعال يف
صانِي أقواهلم وأعماهلم الربكة كما قال جل عال ﴿ َو َج َعلَنِي ُمبَ َار ًكا أَيْ َن َما ُك ُ
نت َوأ َْو َ
ت َحيًّا﴾[مرمي ]31:قوله ﴿ َو َج َعلَنِي ُمبَ َار ًكا﴾ يعين أن عيسى عليه الز َك ِاة َما ُد ْم ُ
الصاَل ِة َو َّ
بِ َّ
السالم جعله مباركا بتعليم العلم أينما كان ،فأينما كان يعلم ويرشد ويدعو إىل ما
حيب اهلل جل وعال ويرضى ،وبقدر االزدياد من هذه الصفة يزداد املرء قربا من اهلل
جل وعال ويزداد بركة يف أقواله وأعماله ،واألنبياء لذلك جعل عليهم الربكة
والسالَ ُم «قولوا :اللهم
الصالَةُ َّ ﴿ َوبَ َار ْكنَا َعلَْي ِه َو َعلَى إِ ْس َح َق﴾[الصافات ،]113:وقال َعلَْي ِه َّ
صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد
مجيد ،وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في
العالمين إنك حميد مجيد» وآل حممد على أحد األقوال هم املتبعون له من أهل
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم.
التقوى „،فيدخل فيه كل مؤمن متّبع لسنة النيب َ
وهذا املطلب يدركه كل طالب العلم الذين أنسوا للعلم وشرح اهلل جل وعال
صدورهم له.
ومعلوم أن العبادات النوافل مراتب ،والعلم منه ما هو فرض ومنه ما هو نفل،
والعلم الذي هو فرض قد يكون فرض عني وقد يكون فرضا على الكفاية ،وإذا
نظرنا اليوم فإننا جند الناس مل يقم فيهم بالعلم من يكفي ،وخاصة العلم السلفي
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم الصحيح الذي يعتمد فيه صاحبه على كتاب اهلل وسنة رسوله َ
وعلى هنج السلف الصاحل فإن الذين يتبعون هذا السبيل اليوم أقل القليل ،وهذا يؤكد
على كل طالب العلم يف هذا السبيل أن حيرص على نفسه وأن ال يضيّعها وأن يزداد
من العلم حبسبه وأن يكون متقلبا ما بني التعلم أو التعليم ،وما بني التأثري بالعلم أو
التأثري بالدعوة يف أي مكان كان ،حبسب قدرته وحبسب ما أُعطي.
للشيخ صالح آل الشيخ 4
األمم يف التاريخ؛ بل أمة اإلسالم يف تارخيها مر هبا فنت كثرية ومرت هبا إحن،
ومرت هبا باليا ،ومرت هبا ابتالءات عظيمة ،فمرة يكون بأسها بينها شديد ،ومرة
يسلّط عليها عدوا من غريها فينال منها ما يناله حبسب قدر اهلل جل وعال ،قد حصل
يف ذلك يف زمن اإلسالم وتاريخ اإلسالم الشيء الكثري كما تعلمون ،إذا نظرت إىل
القرن األول وجدت فيه أشياء كثرية ما حصل من القتال والفنت اليت كانت بني
الصحابة ،مث ما كان يف عهد األمويني من فنت كبرية ،مث يف عهد العباسيني.
حىت أتت الفتنة الكبرية من تسلّط الدولة العبيدية املسماة الفاطمية على كثري من
بالد اإلسالم وساموا أهل السنة سوء العذاب ،حىت أهنم رمبا أتوا العامل فأرادوه على
قول شيء خيتارونه فإذا أىب مشطوه باحلديد مشطا ،وقال الذهيب يف موضع :وقد نُزع
عن فالن جلده حىت يكون نكاال لغريه مما فعله أولئك.
وهكذا يف احلروب الصليبية املعروفة فوقعت ،وجاءت حروب التتار الكبرية
وحصل ما حصل يف تاريخ اإلسالم.
وهذا كله إذا نظرت إليه نظر تاريخ وجدت أ ّن أهل العلم يف تلك احلقب وتلك
األزمان مل يتخلوا فيها عن العلم والتعليم ،ومل ينصرفوا عن العلم والتعليم إىل أمور
أخرى؛„ ألن العامل وطالب العلم يؤثر حبسب ما يستطيع ،وينفع حبسب ما يستطيع؛
لكن النفع الباقي له ولغريه هو العلم؛ ألنه ينفع اهلل به أمما كثرية.
وكثريون ساءت ظنوهنم بالعلم ألجل ما يبتلي اهلل به العباد من أمور كثرية يف
أرض اهلل جل جالله.
وهلذا ينبغي التنبيه على:
جملة من العوائق التي تُعيق عن طلب العلم
أو مسّها:
المخ ّدرات التي تجعل كثيرين يسيئون ظنا بالعلم وهذا السبيل
5
عوائق الطلب
أو مسّها:
الحجب التي تجب عن رؤية العلم الصحيح
أولهاَ :
ض ْعف اهلمة.
وهذه دائمة فإن العلم حيتاج إىل مهة قوية ،وأهل العلم هم أكثر الناس مهّة فيما
حيب اهلل جل وعال ويرضى ،وبرؤية للمصاحل واملفاسد املتعلقة بالشخص نفسه
واملتعلقة بغريه أيضا.
هلذا جند أن أكثر الناس مهة هم األنبياء عليهم صلوات اهلل وسالمه ،وإذا نظرنا سري
األنبياء يف القرآن جند أن مهمهم عظيمة يف تبليغ رساالت اهلل ويف أداء الواجب الذي
أوجبه اهلل جل وعال عليهم من بيان حقه جل وعال يف عبادته وحده ال شريك له،
الرد على أهل الباطل مقالتهم وجمادلتهم وبيان حقه سبحانه من أمسائه وصفاته ،يف ّ
ويف بيان شريعة اهلل والتودد إىل اخللق يف بيان هذه الشريعة لعل النور يدخل إىل
النفوس.
وهذا ظاهر يف سرية مجيع األنبياء.
هذا نوح عليه السالم أي مهة كان عليها وهو يعض قومه ليال وهنارا وصباحا
ومساءا وهو يسر هلم ويعلن هلم تارة ،ويدعوهم مدة كم؟ ألف سنة إال مخسني عاما
َخ َذ ُه ُم الطُّوفَا ُن َو ُه ْم ِ ث فِي ِهم أَل َ ٍ ِِ ِ
ْف َسنَة إِاَّل َخ ْمس َ
ين َع ًاما فَأ َ وحا إِلَى َق ْومه َفلَب َ ْ ﴿ َولََق ْد أ َْر َسلْنَا نُ ً
ِ
ين﴾[العنكبوت.]15-14: ِ الس ِفينَ ِة َو َج َعلْنَ َ
اها آيَةً لِّل َْعالَم َ اب َّ
َص َح َ
َنج ْينَاهُ َوأ ْ
ظَال ُمو َن ( )14فَأ َ
وأي مهة كان عليها إبراهيم عليه السالم وهو ينظر إىل قومه وهم يعبدون األصنام ّ
وحاجهم بالدفع ودعا ّ وحاجهم بالعقل ّ اليت ينحتوهنا بأيديهم ،مث هو يف ذلك صابر
األبعدين ودعا والده واألقربني ،وكان يف ذلك متنقال مرة يف مصر „،مرة يف مكة،
ومرة هنا وهنا ،هذا كله لنشر رسالة اهلل جل وعال ،هذه مهة وال شك وال تستغرب
ألن أهل العزم مههم عالية.
للشيخ صالح آل الشيخ 6
وإذا نظرت إىل سري بقية األنبياء فستجد ذلك باقيا ،فمن قرأ بعض الكتب اليت
أُلفت يف علو اهلمة فإنه سيجد من ذلك الشيء الكثري.
فطالب العلم ال يصلح أن يكون ضعيف اهلمة ،خائر العزم ،متواكال؛ بل جيب
عليه إن أراد سلوك هذا السبيل أن يكون قوي اهلمة ،ال يقنع بالدون.
وتأيت على قدر الكرام املكارم على قدر أهل العزم تأيت العزائم
وتصغر يف عني العظيم العظائم الصغري صغارها و َت ْعظُم يف عني َّ
قد يأيت أحد وينظر إىل كتاب فيقول كيف أقرأ أنا هذا الكتاب الكبري ألجل
ضعف اهلمة؛ لكن مع علو اهلمة يفتح اهلل جل وعال له.
وقد طلبت مرة من األستاذ حممود حممد شاكر رمحه اهلل تعاىل األديب املعروف
وحمقق أجزاء كثرية من تفسري الطربي ،طلبت منه أن يرشدين إىل كتاب يف اللغة
العربية ألقرأه ،فقال يل :اقرأ لسان العرب .فقلت :لسان العرب عشرين جملد كيف
أقرأه؟ فقال :إذن اذهب لصنعة أخرى للتجارة أو للوظيفة ال تصلح للعلم ،إيش
عشرين جملد -هذه عبارته -قرأناه على شيخنا مرتني -أظن أن شيخه يقصد به
املرصفي -ويف الثالثة ما أكملناها.
وهكذا صنيع العلماء ،احلافظ ابن حجر قرأ البخاري على شيخه يف عشرة أيام
كل البخاري ،وقرأ صحيح مسلم يف ثالثة أيام ،وقرأ سنن ابن ماجة يف يوم.
وهكذا صنيع أهل العلم يف كثري ممن األحناء ،شيخ اإلسالم ابن تيمية ألّف عددا
من كتبه ورسائله اليت اآلن تدرس وتشرح يف جلسة ،مثل ما فعل يف الواسطية ويف
احلموية يف التدمرية ويف أشباه ذلك.
ضعف علو اهلمة ،فأول خمدِّر وعائق وحجاب هو َ سبب ذلك قوة العلم ،مث ّ
اهلمة ،فإذا حتركت اهلمم جاء اهلل جل وعال بالفتوح من عنده سبحانه ،وهذا نوع
7
عوائق الطلب
ِِ ِ من اجملاهدة لقوله ﴿والَّ ِذين ج َ ِ
ين﴾َّه ْم ُس ُبلَنَا َوإِ َّن اللَّهَ ل ََم َع ال ُْم ْحسن َ
اه ُدوا فينَا لََن ْهد َين ُ َ َ َ
[العنكبوت.]69:
وقد ذكر ابن اجلوزي رمحه اهلل يف كتابه صيد اخلاطر أنه إذا جاءه مجاعة من
البطّالني ويَقصد هبم الذين يريدون اجللوس للكالم والقيل والقال واألخبار وحنو
اشتغلت أثناء جميئهم يف بري األقالم وقص األوراق وجتهيزها ُ ذلك ،قال :إذا جاءوا
مهة يف هذا السبيل ،فالذي يريد أن للكتابة .وهذا الشك أنه ال يكون إال مع علو ٍ
ّ
حيصل ألنه
يكون العلم يف وقت دون وقت ،ويف حال دون حال ،هذا مع الزمن ال ّ
مع الزمن تكثر األمور.
وهذا هو العائق الثاين من العوائق واحلجاب الثاين وهو أن يكون املرء أو طالب
مسودا.
العلم َّ
كما قال عمر َر ِض َي اهللُ عْنهُ فيما علّقه البخاري يف صحيحه :تفقهوا قبل أن
تزوج بدأ ذلك، َّس ِويد؛ يعين أن يكون املرء سيدا يبدأ بتزوجيه ،فإذا ّ تُ َس َّو ُدوا ويبدأ الت ْ
هلذا قال البخاري رمحه اهلل فيها قال أبو عبد اهلل :وبعد أن تسودوا .يعين أن يطلب
العلم وان يتفقه قبل أن يكون ذا سيادة وأمر وهني وسيادة وبعد أن يكون ،والناس
يتنوعون يف ذلك قد تكون الوالية بالزواج واألوالد ،وقد تكون الوالية بأن يكون
مدرسا معلما ،فيكون عنده الشيء الكثري من مما يبذله يف تدريسه ويف تعليمه ويف
األنشطة اليت تكون يف املدارس ،وحنو ذلك ،وقد يكون يف القضاء ،وقد يكون يف
وظيفة ،وقد يكون مديرا للعمل مما حيتاجه يف دنياه ،وقد يكون أكرب من ذلك.
فالسيادة الشك إهنا حجاب عن االستمرار يف العلم ،وهلذا قال أبو عبد اهلل
البخاري منبّها الطالب عن ذلك قال :وبعد أن تسودوا؛ ليحرك فيهم العزمية على أن
ال يتقطع عن العلم بشيء من ذلك.
للشيخ صالح آل الشيخ 8
قد كان بعض أهل العلم ينظر يف املسائل مدة طويلة ،وهي يف نفسه يريد هلا
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم وودنا ِ
حال ،كما قال عمر َرض َي اهللُ عْنهُ :قد مات رسول اهلل َ
أنا سألناه عن أبواب من الربا .والصحابة َر ِض َي اهللُ عْن ُهم متنوا أن لو سألوا عن كذا
وكذا من أبواب العلم ،سألوا عمر ،أو سألوا عليا ،يف قصص معروفة.
يفرط يف وكذلك ما حيصل من أن طالب العلم قد يكون عنده مما يُشغله ما ِّ
سؤال أهل العلم عما يشكل ،ويف مطالعة العلم قبل أن يذهب أهله ،فإنه ال يدري
مىت الناس حيتاجون إليه ،وابن عباس رضي اهلل عنهما كان صغريا ،وكان يسأل
الصحابة ويتلقف العلم من هنا وهناك حىت رجع الناس إليه ،قال له صاحب له من
صلَّى اهللُ
األنصار :أتظن يا عبد اهلل أن الناس حيتاجون إليه وهؤالء صحابة رسول اهلل َ
ِ
وحصل ونظر حىت بعد أن توىل الواليات، َعلَْيه َو َسلَّ َم بينهم .فهذا ابن عباس استمر ّ
وقد واله علي َر ِض َي اهللُ عْنهُ إمرة الكوفة ومكث فيها زمانا ،مث رجع إىل مكة وتوىّل
أيضا والية أخرى „،وكذلك غريه؛ ولكن مسرية العلم واحدة ،ويف العمر -عمر
اإلنسان -قد يعوقه هذا العائق من حيث يشعر ومن حيث ال يشعر ،فإذا كان طالب
العلم صاحب عزمية ،فإنه جيعل األصل عنده استمراره يف العلم ،بأي نوع خيتاره لكن
ال يتقطع عن العلم ،مث غريه مما يكلف به أو مما يعينه عن أمر دينه ودنياه من أنواع
األعمال ال تصده عن ذلك ،وكذلك أهله وأسرته وحنو ذلك ،يأخذ من كل شيء
بقدر ويعطي كل ذي حق حقه.
من احلجب أيضا قول بعضهم :العلم يصرف عن الدعوة والناس اليوم حيتاجون
إىل الدعوة ،وأما العلم فال حيتاجون إليه.
وهذا خمدر كبري ،أدرك كثريين فأصاهبم ،وهو أهنم يقولون :العلم الدعوة أهم
منه ،تصاحب الشباب تذهب معهم ،ختالط تذهب تعظ أو تشتغل يف شيء؛ لكن
العلم ليس مؤثرا ،أو مىت ستؤثر بالعلم بعد سنني طويلة جدا ،وهذا خمدر وحجاب
9
عوائق الطلب
كبري ،وناشئ من غلط فهم العلم والعمل األصل أن العلم يتجزأ وأن الدعوة أيضا
متبعضة ومتجزئة ،فالعلم ال يأيت مجيعا ،والدعوة أيضا ال تأيت مجيعا.
فطالب العلم إذا علِم علَّم ودعا حبسب ما يُفتح له من هذا الباب ،فيجعل ميدانه
يف العلم ويف التأثري حبسب ما يُعطى ،واالنشغال عن العلم بالدعوة يو ِرث أن تكون
الدعوة على جهل ،وهذا هو الذي أصاب الكثري من الناس.
الناس يف هذا أصبحوا ثالث طوائف:
إما أن ينقطع للعلم وال يؤثر شيئا.
وإما أن يتجه للدعوة وهو جاهل أو شبه اجلاهل.
وهذا مذموم وهذا مذموم؛„ ألن العلم الذي ال ينفع صاحبه وال ينفع به غريه هذا
قل أن يعلم وحيفظ هذا العلم يف األمة، غري نافع يعين للناس ،وطالب العلم إذا علم ّ
فإذا صار معك العلم فإن الدعوة تكون حبسب ما أويت العبد من العلم.
فالدعوة متبعضة والعلم هو أساس الدعوة ال ميكن أن يدعو العبد بدون علم،
يدعو إىل ما علم وأما ما ال يعلمه فإنه حينئذ يكون ممن قفا ما ليس له به علم ،وقد
قال جل جالله ﴿قُ ْل َه ِـذ ِه َسبِيلِي أَ ْدعُو إِلَى الل ِّه َعلَى بَ ِص َير ٍة﴾[يوسف ،]108:والبصرية هي
العلم ،أدعو إىل اهلل على علم ،فالعلم يتجزأ ،إذن فالدعوة تتجزأ ،إذا علم شيئا بدليله
ووضح عنده فإنه يدعو إىل ذلك يعلّمه حبسب ما ينفع.
وبعض الناس يظن أن الدعوة ال تكون إال باملواعظ ،أو ال تكون إال باحملاضرات،
أو بالذهاب إىل القرى ،أو باإللقاء الكلمات وحنو ذلك ،يف األمور العامة اليت يتكلم
الناس فيها ،هذا عري صحيح؛ ألن األنبياء هم أكمل الدعاة ،وكالم األنبياء إمنا كان
يف حق اهلل جل وعال وتوحيده وعبادته ،فإذا علّم طالب العلم ،فقد دعا؛ ألنه بتعليمه
يدعو إىل اهلل جل وعال ،يدعو نفسه ويدعو غريه أيضا؛ لكن الناس مقامات وكل
يفتح له حبسبه.
للشيخ صالح آل الشيخ 10
قد سئل مالك رمحه اهلل على انقطاعه للعلم وتركه أبواب أخر من أبواب اجلهاد
فقال :إن من الناس من فُتِح له أبواب الصالة ،منهم من فتح له فتح له باب الصدقة
ومنهم من فتح له باب احلج والعمرة ،ومنهم من فتح له باب اجلهاد ،ومنهم من فتح
له باب العلم ،وأنا فتح يل باب العلم ورضيت مبا فتح اهلل يل.
وهذا بقي أثر اإلمام مالك إىل اليوم يف ذلك لشدة حاجة الناس إىل بقاء العلم
النافع يف هذا.
فإذن ال يسوغ االلتفات إىل هذا اخلاطر أو احلجاب الذي هو من كيد الشيطان
يف أنه ال تنشغل بالعلم؛ ألن الدعوة ،أهم وقد قاهلا من قبلنا أناس من قبلنا مخسة
عشر هذا عشرين سنة وملا تقدمت هبم السن صاروا ضعيفني يف العلم ،فال أحسنوا
العلم وال أحسنوا الدعوة بعد ذلك ،العلم سالح يف يدك حتاج به وجتاهد به تبلغه
تدعو به ،حبسب ما قسم اهلل جل وعال للعبد.
يقسي القلب.احلجاب الرابع أو املخ ّدر الرابع قول كثريين :العلم ّ
وهذه تسمع ويقوهلا بعض أشباه اجلهال والعياذ باهلل ،وإذا كان العلم يقسي القلب
فال نعلم شيئا يلني القلب بعد العلم ،العلم ما هو؟
الصحابة هم أولو العرفان العلم قال اهلل قال رسوله قال
هذا العلم كما عرفه ابن القيم يف النونية ،العلم مصدره ودليله قال اهلل قال
رسوله ،القرآن كله مبا فيه من العلم باهلل والعلم برسوله والعلم مبا وراء الغيب -اجلنة
والنار وما أع ّد اهلل -والعلم باألحكام الشرعية واحلالل واحلرام ،هذا كله الذي يف
َّاس قَ ْد َجاءتْ ُكم َّم ْو ِعظَةٌ ِّمن
القرآن مساه اهلل جل وعال موعظة فقال جل وعال ﴿يَا أ َُّي َها الن ُ
ض ِل الل ِّه َوبَِر ْح َمتِ ِه فَبِ َذلِ َ
ين ( )57قُ ْل بَِف ْالص ُدو ِر و ُه ًدى ور ْحمةٌ لِّل ِ ِ ِ ِ
ك ْم ْؤمن َ
ََ َ ُ َّربِّ ُك ْم َوش َفاء لِّ َما في ُّ َ
َفلَْي ْف َر ُحواْ ُه َو َخ ْي ٌر ِّم َّما يَ ْج َمعُو َن﴾[يونس ،]58-57:وفضل اهلل ورمحته القرآن ،واملوعظة
اليت جاءت القرآن ،والشفاء ملا يف الصدور الذي جاء واهلدى والرمحة هو القرآن،
11
عوائق الطلب
فالقرآن موعظة بكل ما فيه ،فالعلم هو أكرب موعظة ،العلم النافع ال يقسي القلب،
العلم النافع خيشع معه القلب ويلني؛ لكن خشوع قلب العامل أو طالب العلم ليس
كخشوع قلب العابد اجلاهل ،فإن ذاك قد يأتيه من اخلواطر أو من اإلميانيات ما جيعله
يف الظاهر ألني قلبا؛ لكن ذلك يف احلقيقة ألني قلبا وأخشع وأخضع ،كما هو ظاهر
من حال الصحابة رضوان اهلل عليهم ،كانوا أقوى ومن بعدهم كانوا إذا تليت عليهم
بعض اآليات أو إذا ذكرت عليهم بعض القصص والرقائق رمبا خر بعضهم مغشيا
عليه ألجل رقّة قلبه ،ورقة القلب ولينه ليس هو األمر احملمود؛ بل البد أن تكون رقته
ولينه على وفق ومقتضى العلم النافع.
وهلذا قال مجاعة من أهل العلم منهم ابن تيمية وغريه قالوا :إن من غُ ِشي عليه من
وضعف القلب عن االحتمال. السلف ووجود هذا فيهم ألجل قوة الوارد َ
وهذا صحيح فإنه إذا صار الوارد قويا والقلب ليس فيه من قوة العلم ما حيجبه أو
يكون قويا على هذا الوارد فإنه قد يسقط صاحبه ،وهلذا قلب طالب العلم لنّي خاشع
خاضع حبسب حاله وحبسب ما أعطاه اهلل؛ لكن أيضا هو على بصرية من الدين.
قلوب واألهواء إىل ٍ
قلوب فيها لني وليس عندها حتصني بالعلم تُسرع البدع إىل ٍ
والسالَ ُم «أتاكم أهل اليمن هم أر ّق أفئدة» وهذا ظاهره النافع ،قد قال َعلَْي ِه َّ
الصالَةُ َّ
املدح هلم وفيه ما يشري إىل أنه تسرع فيهم األهواء ألجل رقة تلك األفئدة ،فالفؤاد
الرقيق أو العاطفي أو تقول املتحمس أو كثري الوجل واخلوف قد يأتيه أهل األهواء
وأما العلم فإنه يعطي اخلشية ويورث اخلشية لكنها خشية العلماء وليست فيجرفونهّ ،
خشية العباد اجلهلة.
وهلذا جاء يف األثر أو يف اخلرب :عامل واحد أشد على الشيطان من ألف عابد .هذا
وإن كان يف إسناده مقال؛ لكن رمبا يصح موقوفا ،وظاهره معناه الصحة ألن العامل ال
يستطيعه الشيطان ال من جهة الشبهات وال من جهة االستمرار على الشهوات ،قد
للشيخ صالح آل الشيخ 12
يغلبه يف شهوة أو قد يغلبه يف شبهة؛ لكنه يستبصر فيعود يف بصرية من جهة بيان
احلق يف الشبهة ،ومن جهة سالمة القلب من الشهوة باالستغفار واإلنابة.
فإذن العلم يورث خشوع القلب وال يورث قسوة القلب والعياذ باهلل ،ومصداق
اهلل ذلك يف قوله تعاىل ﴿إِنَّ َما يَ ْخ َشى اللَّهَ ِم ْن ِعبَ ِاد ِه الْعُلَ َماءُ﴾[فاطر ،]28:يعين أن أهل
اخلشية احلقيقة هم العلماء هذا جاء على سبيل احلصر ﴿إِنَّ َما يَ ْخ َشى اللَّهَ ِم ْن ِعبَ ِاد ِه
الْعُلَ َماءُ﴾ يعين إمنا خيشى من عباد اهلل جل وعال العلماء ،كأن البقية ليسوا من أهل
كمال يف اخلشية ،وخشية العلماء ختتلف حبسب حاهلم ،وحبسب ما هم عليه.
فإذن إذا كان طالب العلم وجد يف قلبه شيئا من قسوة أو إقبال على ذنب أو
تفريط يف أمر اهلل فال يُرجع لك إىل العلم فيسيء الظن بالعلم ،أو ينظر إليه غريه
فيجده كذلك فريجع ذلك غلى العلم حاشا وكال.
وإمنا مرجع ذلك غلى شهوة خفية وإىل مرض يف النفس ،قد يكون مع العلم،
هناك مرض يف النفس مع العلم ،إما مرض شهوة يالزمها ،وإما مرض شك يكون
معه ،وإما مرض شهرة ،وإما مرض جاه ،وإما مرض تكرب وأشباه ذلك.
حىت إ ّن من أهل العلم من كان ال يرضى أن يسمى أن خياطب إال بامللك يعين يف
الزمن األول ،كما قيل ملك العلماء فالن ،وملك النحاة فالن ،كان ال يرضى أن
يسميه أحد بأيب فالن أو بالعامل أو العالمة حىت يقال ملك النحاة ،هذه شهوة خفية
تكون يف اإلنسان ،وهذا ال يكون مرد عدم اخلشية إىل العلم ولكن ألجل مرض يف
النفس ،وهذا يعاجل حبسب ما هو عليه.
أما العلم فإنه يو ِرث اخلشية ،وإذا مل يورث يف طالب العلم اخلشية واإلنابة
والرجوع إىل اهلل واألنس به واالستغفار ومالزمة التقوى ،فإنه جيب أن حياسب نفسه
على ذلك ،وأن جيعل العلم الذي معه حجة له يف الرجوع إىل الصراط املستقيم.
13
عوائق الطلب
ومن العوائق اليت تذكر يف هذا السبيل واملخدرات اليت خت ّدر عن طلب العلم
وتثبط قول كثريين :إن العلماء هم أقل الناس أو أبعد الناس تأثيرا في األحداث
إذا وقعت وأنهم يرغبون الصمت والسالمة.
وهذا يدل حبسب كالمهم أن العلم يؤدي إىل التثبيط وعدم اجلهاد أو األمر
باملعروف والنهي عن املنكر أو قول كلمة احلق وحنو ذلك.
هذا من وساوس الشيطان ،ومن إلقاء أهل األهواء ألجل أن ال يقتدي الناس
بالعلماء ،ومل حيدث هذا مرة؛ بل كلما حدثت فتنة منذ زمن السلف إىل يومنا هذا،
وكلما حدث خالف فإنه يعيب اجلاهل على من صمت بصمته.
وما أحسن كلمة اخللفية عمر بن عبد العزيز رمحه اهلل تعاىل حيث وصف
الصحابة ومن سلف بقوله :إهنم على علم وقفوا وببصر نافذ ك ّفوا .مبعىن أهنم حني
يتكلمون يتكلّمون بعلم ،وحني يكفون عن الكالم وعن املقال فإهنم يكفون ببصر
نافذ بشرع اهلل جل وعال.
وكان السلف يف الفنت يكثرون الصمت ويُِقلُّون الكالم ،وهلذا كانت كلماهتم
حتفظ فتنقل ،وأما كالم اخللف فهو كثري ،ويف الفنت يكون أكثر ،وهذا من قلة العلم
مبنهج السلف يف ذلك.
استمرت حنوا من
كلمات اإلمام أمحد مثال كانت قليلة يف فتنة خلق القرآن اليت ّ
عشرين سنة أو أكثر من عشرين سنة؛ ولكنها ُحفظت ونُقلت ولو كان يف العشرين
سنة اليت استحكمت فيها هذه الفتنة كل يوم يقول كالما ويصدر كالما ويتناقلها
الناس ألصبح ذلك يف جملدات ،ولكن مل يكن هدي السلف ذلك.
قال اإلمام مالك رمحه اهلل سئل :الرجل تكون عنده السنة أجيادل عليها؟ فقال:
ال ،خيرب بالسنة فإن قبلت منه وإال سكت .أل ّن الواجب البيانّ ،أما إصالح العباد هذا
س َعلَْي َك ُه َد ُاه ْم َولَ ِـك َّن اللّهَ َي ْه ِدي َمن يَ َشاء﴾[البقرة ،]272:وقد َّ
إىل اهلل جل وعال ﴿ل ْي َ
للشيخ صالح آل الشيخ 14
أشار إىل هذه املسألة احلافظ ابن رجب يف رسالته املشهورة فضل علم السلف على
علم اخللف وقال يف ضمن كالمه :كالم السلف قليل كثري الفائدة وكالم اخللف
كثري قليل الفائدة.
وإذا وزنا هذا بامليزان يف وقت الفنت واألمور واملتقلبة فإننا جنده ظاهرا يف أن
املؤصل املستدل له هو الذي ينفع وأما غريه فإنه كثري لكن يُنسي بعضه الكالم القليل ّ
بعضا ،فإذا قال قائل :ما الذي قال فالن؟ نسي ألن الكالم كثري وهو تكلم عشر
مرات عشرين مرة ثالثني مرة وحنو ذلك.
وهلذا نقول :إن العلماء يؤثرون ويغرّي ون يف األحداث والفنت؛ لكن التأثري والتغيري
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم «من رأى منكم منكرا فليغيره
الشرعي ،أنظر إىل قول النيب َ
بيده فإن لم يستطع فلسانه» يعين فليغريه بلسانه «فإن لم يستطع بقلبه» يعين
فليغريه بقلبه وذلك بكراهة هذا األمر ،وهذا صحيح يف ميدان التأثري والتغيري ،فإنه
ليس العربة أن يكون هناك تغري على وفق ما يريد صاحب احلق؛ لكن العربة أن يقول
كلمة حق تبقى ،وأن يؤثر حبسب ما يعلمه من كتاب والسنة وهدي السلف ،وهذا
يبقى وسيتذكره الناس ولو بعد حني ،وكم مرة يف الفنت بقي الكالم -كالم العامل-
هو احملفوظ الذي كان قليال الذي مرجعه الكتاب والسنة ونُسي غريه ،وهذا هو
الذي حفظ على مدار الزمان وعلى مدار أيام اهلل جل وعال.
املطلوب من أهل العلم ومن طلبة العلم أن يكونوا مؤثرين يف األحداث؛ لكن مبا
ال حُي دث فتنة ،ومبا ال يكون قوال على اهلل بال علم؛ ألنه قد يبتلى هو يف نفسه من
جراء ما يقول بكالم مل يتق اهلل فيه ،مبعىن مل جيعله مؤصال راجعا يف كل كلمة حيرص ّ
على أن تكون خمتارة أو مما بعلم أهنا حق يف نفسها.
15
عوائق الطلب
أهل العلم -كما ذكرنا لكم من قبل -من السلف الصاحل يؤثرون يف األحداث
مبقتضى العلم الذي معهم ،وال يتأثرون هبا ،فرمبا كان قليل كالمهم أبلغ ،ورمبا كان
إعراضهم أبلغ ،وكلٌّ حبسبه وكل يف جماله.
هلذا طلبة العلم ينبغي هلم يف خضم األحداث أو تغريت أن يبتعدوا عن
االجتهادات الفردية ،إذا كانوا سيتكلمون أو يقولون ،فإهنم ال يتّجه هو إىل شيء
فيعلنه يف األمة ،فيعلنه يف الناس ،وما أكثر اليوم وسائل اإلعالم خاصة اإلنرتنت
بأسهل سبيل؛ بل ينبغي له أن يتقي اهلل وأن يتأخر شيئا فشيئا حبيث يستشري ويرجع
ويكون معه حجته فيما يقول.
ومن العوائق أيضا يف سبيل العلم قول القائل :إن العلم يحتاج إلى عمر طويل،
تفرغ ،وإلى زمن ،وأنا ال يسعني القدرة على التفرغ ،وال على أن أكون
وإلى ّ
كذلك.
وهذا صحيح من جهة؛ من جهة أن العلم حيتاج إىل أن يبقى مع اإلنسان؛ لكن
ال تدري ما الذي يفتح اهلل جل وعال لك ،العامل أنفاسه له ،وطالب العلم يف مشيه
يكتب له فهو يف عبادة عظيمة ،وكم من إنسان مل يأنس يف نفسه يف العلم قوة مث
بعد ذلك طلب العلم وصرب عن ذلك حىت ّبرز فيه ،وكم منهم من كان يف الدراسة
وسطا أو دون الوسط وكان غريه من الذين يأخذون تقديرات عالية كانوا أفهم
وأسبق منه وأحفظ؛ لكن بقي هذا طالب علم ينفع ،وأولئك مشوا يف احلياة فلم
ينفعهم ذلك التميز.
والسبب يف ذلك هو أنه يعلم أن طلب العلم أنه عبادة عظيمة حممودة ،وإذا
عرفوا املطلوب حقر ما بذل فيه ،بقدر االستمرار تكون العاقبة ،ال تستخسر وقتا
متضيه يف جلسة علمية وال تستخسر وقتا متضيه يف قراءة كتاب ومساع شرح كتاب
للشيخ صالح آل الشيخ 16
يف شريط أو حنوه ألن هذا يورثك حب العلم ويورثك حب أهله ويسهل عليك
العلم شيئا فشيئا.
وقد ذكرت لكم قبل الليلة أن أحد أهل احلديث كما رواه اخلطيب البغدادي يف
كتابه اجلامع يف أخالق الراوي وآداب السامع ،قال :كان شاب يطلب احلديث
فع ُسر عليه ،فبينما هو عند صخرة أو عند حجر ،فإذا املاء يتقاطر عليها شيئا فشيئا
َ
قطرة قطرة وقد حفر فيها حفرة ،فقال هذه عربة لك يا فالن ،ليس قلبك بأقصى من
احلجر ،وليس العلم بأخف من املاء ،فرجع صار من أهل احلديث ومن رواته وهذا
صحيح.
ومن العوائق يف ذلك -لعلنا خنتم هبا -أن يقول القائل :هل تظن أنك ستبلغ
مبلغ الشيخ فالن ،أو العالم فالن أو الداعية فالن أو فالن المشهور بالعلم،
هؤالء فعلوا ،وهؤالء كان لهم كذا.
فيضرب له أمثلة من املشاهري لكي حيجزه عن الوصول إىل هذه املراتب العليا
وهذا من وساوس الشيطان الكبرية ألن العلم يف ذاته حممود ويف مآالته يف الدنيا
واآلخرة حممود ،وليس الغرض من طلب العلم أن يكون املرء إماما لكل الناس ،أو أن
يكون عاملا يشار إليه؛ بل إذا قصد ذلك ونواه فنيته فاسدة؛ بل الغرض من العلم هو
أن ي يكون ما بينك وبني اهلل جل وعال عامرا ،وأن تكون عاملا باهلل تعرف ربك
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم
جل وعال وإذا قرأت يف الكتاب عرفت حق اهلل وحق رسوله َ
وأنست بفهم الكتاب والسنة ،وأعظم أنس وأعظم طمأنينة يف هذه الدنيا هي
طمأنينة اإلميان ،وخاصة يف حال قراءتك للقرآن أنت تعلم ما تقرأ ،ومساعك للسنة
وأنت تعلم ما تسمع ،وأنت تصلي وتعلم الصالة وما تقول فيها وأحكامها ،وترى
حركة الناس وتعلم أحكام ذلك هذه من أعظم الطمأنينة اليت يرجع إليها العبد.
17
عوائق الطلب
فلهذا إياك واملخدر الذي يأيت به الشيطان ويثبط عن العلم بأنه لن تكون العامل
فالن ،ليس األمر كذلك.
األنبياء صلوات اهلل وسالمه عليهم مجيعا هل كانوا على مرتبة واحدة ﴿تِل َ
ْك
ض ُهم َدرج ٍ
ات﴾[البقرة]253: ض ِّم ْن ُهم َّمن َكلَّ َم اللّهُ َو َرفَ َع َب ْع َ ْ َ َ
ض ُه ْم َعلَى َب ْع ٍ الر ُس ُل فَ َّ
ضلْنَا َب ْع َ ُّ
هل كانوا مجيعا من أويل العزم؟ ال ،أويل العزم منهم مخسة ،وهل اخلمسة هؤالء على
مرتبة واحدة؟ ليس األمر كذلك.
الو َهم يف أن يقول قائل يف طلب العلم لن أطلب حىت أكون كامال مدركا، فإذن َ
كيف طلبت العلم ال أعرف أخرج املسائل الفقهية ،وال أخرج احلديث وال أعرف
كيف ألقي كلمة سليمة وحنو ذلك ،ال يشرتط ليس العلم املقصود منه ذلك ،العلم
نيته الصاحلة كما ذكرت لكم مرارا أن تنوي رفع اجلهل عن نفسك ،فإذا تعلمت
وترفع اجلهل عن نفسك وتكون عاملا باهلل فإنه يرجى أن يكون لك أثر فضل العلم
آمنُوا ِمن ُك ْم
ين َ
َّ ِ
والعلماء وهو أهنم مرفوعون؛ ألن اهلل جل وعال قال ﴿ َي ْرفَ ِع اللَّهُ الذ َ
ات﴾[اجملادلة ،]11:وبقدر ما تؤتى من العلم يرفعك اهلل جل وعال والَّ ِذين أُوتُوا ال ِْعلْم َدرج ٍ
َ ََ َ َ
درجات ،مث املرء يوم القيامة مع من أحب ،وتقام ويوم القيامة ألوية ،فمع من يكون
اإلنسان؟ يكون مع أشبه الناس به ،وإذا كنت نفسه معلقة بفالن وفالن فإنه يرجى
أن يكون معهم؛ ألن العلم ُوصلة وسبيل يف ذلك ،قال جل وعال يف الظاملني
شروا الَّ ِذين ظَلَموا وأَ ْزواج ُهم وما َكانُوا ي ْعب ُدو َن (ِ )22من ُد ِ
ون اللَّ ِه فَ ْاه ُد ُ
وه ْم إِلَى َُ َ ُ َ َ َ ْ ََ ﴿ ْ
اح ُ ُ
وهم إَِّنهم َّمسئُولُو َن﴾[الصافات ،]24-22:قوله ﴿اح ُ َّ ِ ِ اط ال ِ صر ِ ِ
ين
ش ُروا الذ َ ْ ْجح ِيم (َ )23وق ُف ُ ْ ُ ْ َ َ
اج ُه ْم﴾ من هم األزواج؟ هم النّظراء واألمثال واألشباه ،فيحشر الظامل مع ظَلَ ُموا َوأَ ْز َو َ
مثيله ،القاتل مع القاتل ،واملشرك الذي يعبد الوثن مع الوثن ،والذي يعبد الصنم مع
الصنم ،والذي يعبد النيب مع الذي يعبد النيب ،فالذي حيشر :حيشر الظامل مع شبيهه
للشيخ صالح آل الشيخ 18
ونظريه ومثيله ،قال بعض أهل العلم ،وكذلك أهل اإلميان األمثال مع بعضهم بعضا
ألنه يكون أطمن لقلوهبم وأبلغ يف ذلك.
هبذا نقول يف فاحتة هذه الدروس :جيب علينا مجيعا املتحدث واحملدَّث أن حنرص على
العلم النافع ،وأن ال يشغلنا عنه شاغل وهو الباقي ،وأما عوارض الدنيا تزول ،واملرء
بقدر مسريه فيه يعطيه اهلل جل وعال ،وحياسب نفسه ،وبقدر حماسبته لنفسه يعطيه اهلل
جل وعال من فضله.
نسأل اهلل جل وعال أن يقينا وإياكم العثار ،وأن جيعلنا من أهل اآلثار إنه سبحانه
جواد كرمي.
وصلى اهلل وسلم وبارك على نبينا حممد.
[األسئلة]
س /1إذا أخطأ عامل من علماء أهل السنة أو طالب علم يف بعض مسائل علمية،
ما الضوابط الشرعية اليت يعمل هبا طالب العلم يف التعامل معهم؟
ج /أوال املسائل الشرعية نوعان:
دل عليها بظهور.مسائل ظاهرة بينة يف أن الدليل َّ
والنوع الثاني مسائل اجتهادية متعلقة بالنوازل ومبا يكون.
أما الكالم يف الويل وما خيتلف الناس فيه يف املسائل اليت فيها دليل ظاهر بني
فاخلطأ ظاهر والصواب ظاهر ألجل ظهور الدليل يف ذلك.
وأما املسائل االجتهادية وهي اليت تكون فيها النوازل أو يكون فيها الدليل فيها
غري ظاهر مما حيصل فيه اخلالف عمن طريق االجتهاد ،فهذه قد اختلف السلف وما
عاب بعضهم بعضا.
19
عوائق الطلب
وهلذا نقول :إن طالب العلم جيب عليه أن يتحرى احلق ،وأن ال يستعجل إذا
اشتبه عليه األمر ،مث ينظر إىل حتقيق املصاحل الكربى ودرء املفاسد ،والناس طلبة العلم
قد يتقاربون يف فهم األدلة ويف فهم املسائل؛ لكن قد خيتلفون يف أمرين:
أما األول يف حتقيق املناط ،وما من مسألة شرعية نازلة إال والنظر فيها يكون من
جهتني -كما قال الشاطيب -يف املوافقات:
األولى من جهة حمل الدليل يعين من جهة الدليل يف نفسه وما دل عليه.
والثانية يف حتقيق املناط وهو إدراك املسألة إلحلاقها وجعلها حتت دليل ،فإذا كان
الدليل موجودا ولكنه مل يدرك حتقيق املناط فيها وقع االختالف ،وأكثر ما يقع
االختالف يف النوازل ويف األمور االجتهادية هو يف حتقيق املناط ،هل هذه تلحق هبذا
أو تلحق هبذا ،وهنا يتفاوت أهل العلم والنظر يف ذلك ،فإذا وقع هذا األمر فإن
املسألة ،إذا كان ليس فيها دليل ظاهر بني فإنه ال مشاحة يف أن خيتلف الناس أو
خيتلف طلبة العلم أو خيتلف العلماء ،األمر فيه سعة وينصح بعضهم بعضا ويناصح
بعضهم بعضا حىت يصريوا إىل أمر؛ لكن ينبغي أن ال يتكلم الواحد والواحد يف هذه
املسائل االجتهادية والنوازل؛ بل تكون هذه من اختصاص اهليئات واختصاص
جمموعة من أهل العلم جيتمعون ويبحثوهنا ويسدد بعضهم بعضا فيها؛ ألن من سنة
السلف كفعل عمر أنه إذا جاء فيه مسألة مجع هلا أهل بدر ،وهو اخلليفة الراشد،
وهكذا كان كثري من أهل العلم يستشري وال يستقل باألمور يف األمة.
فإذا وقع اختالف يف املسائل االجتهادية ،قد يكون فيه سعة؛ ألن هذا نص
وقصده خريا إن شاء اهلل يف بابه وهذا نظر من جهة وقصده خري إن شاء يف بابه؛
لكن ما ينبين عليه عمل ،وينبين عليه مصري األمة ،فإنه جيب أن يكون لعلماء األمة
الكبار جيتمعون ويصدرون عن رأي واحد يف ذلك ،وأن ال يكون هذا ألفراد طلبة
للشيخ صالح آل الشيخ 20
العلم ألهنا إذا حدثت الفنت والنزاعات واألقوال ملا يرتتب عليه عمل ،فإن هذا يكون
مدعاة حلدوث أشياء.
فإذا كانت مسائل علمية ولو كان يتعلق باالعتقاد وموقف احلدث الفالين قد
خيتلف الناس ،هؤالء ينظرون من جهة ،وهؤالء ينظرون من جهة ،وكل جمتهد يف
اخلري إن شاء اهلل ،فإذا وقع هذا فال ينبغي أن يضلل بعضهم بعضا إذا مل خيالف الدليل
أو كان وجهته يف حتقيق املناط قريبة ليست بعيدة ،وال ينبغي أن يضلل بعضهم بعضا
وأن يبغي بعضهم على بعض؛ ألنه من أعظم ما يكون من نتيجة الفنت أن يبغي بعض
األمة على بعض ،وخاصة طلبة العلم وأهل العلم ،كوهنم خيتلفون يف مسألة ،يروح
هذا يسب هذا وهذا يسب اآلخر ويذم بعضهم بعضا ،وكل جيرم اآلخر وحيمل قوله
على فساد يف النية وعلى فساد يف القصد وعلى فساد ،دون رؤية حبقيقة األمر ،وما
توخاه هذا وما توخاه ذاك ،وما جعله يف حتقيق مناط احلكم هنا وهنا إن هذا يوقع يف
البغي.
وكما ذكر شارح الطحاوية ومر معنا يف أواخر شرح الطحاوية أنه ما وقعت
االختالفات يف األمة وال وقع بأس األمة بعضها على بعض إال من سببني عظيمني:
األول التأويل.
والثاني البغي.
يتأول مث بعد ذلك يبغي بعضهم على بعض.
لقي الشافعي رمحه اهلل تعاىل عاملا من علماء احلنفية أو حنو ذلك ،عاملا من
العلماء ،فناظره يف مسألة فلم يتفقا ،فلما تقابال -وقد ذكرها الذهيب يف سري أعالم
النبالء يف ترمجة الشافعي يف أول اجمللد العاشر -فلما تقابال أخذ الشافعي مبتدرا يد
أخيه وقال :له أال نكون إخوانا وإن اختلفنا يف مسألة ،ما الذي يضر ،إذا مل يكن
خمالفة لدليل ظاهر بنّي ،إمنا يف حتقيق املناط اختلفوا متثيل ،اختلفوا يف رؤية املصاحل،
21
عوائق الطلب
أال يكون إخوانا طلبة اعلم البد أن يكونوا كلهم على شكل واحد وقول واحد ،هذا
قد ال يتيسر.
فهنا إذا اختلف أهل العلم يعذر بعضهم بعضا إذا كانت املسألة يف املسائل
االجتهادية ،وفيما ال يرتتب عليه عمل للناس ويرتتب عليه فتنة وحنو ذلك ،وهذا
أيضا قاله اإلمام أمحد رمحه اهلل قال :إسحاق أخونا وإن كان خيالفنا يف مسائل.
ردا عليه ،أووهلذا ينبغي أن يتعلّم طالب العلم ويوطّن نفسه أن يتلقى من غريه ّ
أن يتلقى من طالب العلم اآلخر نقدا له وختطئة ورمبا شدة عليه.
حممد بن احلسن كتب رد على سري األوزاعي ،ومالك رد على ابن أيب ذئب وابن
أيب ذئب رد على مالك ،وهكذا العلماء ،وقصد اجلميع احلق؛ لكن ال يؤول ذلك إىل
أن يبغي بعضهم على بعض؛ ألنه إذا وقع ذلك فقد أصاهبم الشيطان ،إذا وقعوا يف
التأويل ،فهذا قصده كذا ،هذا يريد كذا ،هذا يعمل ألجل كذا وحنو ذلك من
التأويالت الباطلة ،إذا دخل التأويل مث بغى بعضهم على بعض وقت الفنت األعظم
وهي تنافر القلوب وعدم الثقة.
وهلذا ينبغي أن حُي رص على الدليل ،وأنه بعد النظر يف األدلة حيقق املناط الذي
تناط املسألة به مث بعد ذلك تلحق بالدليل وبالقواعد الشرعية واألصول املناسبة هلا.
س /2ظهرت ظاهرة يف أوساط طلبة العلم وهي أن العلم وخصوصا علم التوحيد
والعقيدة ال يؤخذ إال من أهل هذا البلد؛ بل وأهل جند خصوصا ،وإذا ظهر أحد
العلماء من غري هذا البلد ،وكان مربزا يف علوم كثرية بدؤوا برميه بالتهم وما هو منه
براء وما توجيهكم واهلل حيفظكم.
ج /أوال العلم ليس له بلد ،العلم قال اهلل قال رسوله قال الصحابة ،من أخذ العلم
على منهج السلف يف التوحيد واالعتقاد وتفقه يف الكتاب والسنة يف ذلك ،فهو أهل
للشيخ صالح آل الشيخ 22
أن يؤخذ عنه ،وليس من شرطه أن يصيب يف كل مسألة ،فإذا أخذ عنه وغلط يف
مسألة فإنه يسدد ،وكم أفاد الطالب شيخه فيما غاب عنه.
وقد ذكر أن العالمة الشيخ حممد أمني الشنقيطي صاحب تفسري أضواء البيان،
أول ما قدم كان ال يعرف مذهب السلف ،تكلم بكلمة خبالف مذهب السلف
فأرشده أحد العلماء إىل أنه البد أن يطّلع على كتب السلف وكتب الشيخني ابن
تيمية وابن القيم وكتب الشيخ حممد بن عبد الوهاب وتالمذته.
فقرأها قال يف أسبوع واحد مر عليها مجيعا.
وحدثين الشيخ محاد األنصاري رمحه اهلل تعاىل قال :أنه بعد أسبوع قال :ما يف
هذه الكتب حق.
وهذا أصبح يدافع على مذهب السلف ويدافع عليها ويؤصلها بتأصيالت قوية
متينة.
فالقول أن العلم السلفي الصحيح التوحيد والعقيدة أن هذا يؤخذ من بلد ليس
كذلك؛ بل الدعوة السلفية جيب أن جنعلها للمسلمني مجيعا ،وأن ال جنعلها لفئة
خمصوصة؛ ألن الدعوة السلفية هي دين اهلل جل وعال ،فإذا كان كذلك ال حنصرها
يف فئة ،حنصرها يف بلد ،وإمنا نوسعها حبسب اإلمكان ،بقدر اإلمكان نوسعها ،قد
يكون التوسيع يف بلد ،وقد يكون حىت يف اإلنسان نفسه؛ يف العامل ،يقول :واهلل أنت
قلت كذا وكذا توافق األدلة وجزاك اهلل خريا إىل آخره ،وفيه مسألة كذا هذه الدليل
فيها كذا ،وفيه مسألة كذا احلق فيها كذا.
ومن نظر إىل رسائل الشيخ حممد بن عبد الوهاب إىل املخالفني „،وجد أن فيها
إرشاد ،إال املعاندين منهم.
فإذن هنا توسيع الدائرة واإلرشاد أوىل من احلكم كما ذكر السائل ،فإهنم
يرموهنم ويتنقصوهنم ،هذا ال يسوغ بل يرشد حىت يكون شهابا يرمى به أعداء
23
عوائق الطلب
العقيدة والتوحيد ،ال أن يقال فيه كذا ،ويتربأ منه؛ ألن اإلنسان ضعيف ،فال يكن
طالب العلم ومن عنده بصر يف مسائل العقيدة ال يكن عونا للشيطان على العامل أو
طالب العلم؛ بل يرشده ويسدده باللني ألن قصده هو احلق.
هذه مسألة مهمة بينة.
الشك أن علماء هذه البالد وخاصة علماء يف جند صار هلم من االختصاص يف
تدريس التوحيد والعقيدة وكثرة تداول الكتب املؤلفة يف ذلك وكثرة قراءة كتب
السلف ما صار هلم مزيد اختصاص وفهم لتفاصيل املسائل يف هذا.
هلذا يرجع إليهم يف هذين العلمني؛ ألهنم أهل اختصاص فيه لكثرة ما قرؤوا
وتدارسوا فيما بينهم من هذه املسائل.
س /3هل يشرتط للحكم على رجل معني باخلروج :اخلروج على ويل األمر .أم
يشرتط :أن يكفر صاحب الكبرية؟
ج /املسألة هذه حتتاج إىل صياغة من جديد وهي :هل يشرتط للحكم على رجل
معني بأنه على مذهب اخلوارج -مو باخلروج -على مذهب اخلوارج خبروجه على
ويل األمر أم يشرتط أن يكفر صاحب الكبرية؟
املقصود أن من هو على مذهب اخلوارج من اعتقد اعتقاد معتقد اخلوارج ومعتقد
اخلوارج فيهم خروج على ويل األمر إذا ارتكب كبرية.
ملاذا خيرجون عليه؟ ألهنم يعتقدون أنه كفر بارتكابه الكبرية ،فهذه صفة؛ ولكن
ال يقال إن فالن إذا قال أنه ال بأس باخلروج على ويل األمر يقال إنه من اخلوارج،
ولكن يقال إنه يرى اخلروج على ويل األمر أو يرى السيف ،أو وافق اخلوارج يف
هذه املسألة أو شابه اخلوارج يف هذه الصفة.
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم أليب ذر «إنك امرؤ فيك
واألصل يف ذلك كله قول النيب َ
جاهلية» فدل على أن الصفات تتبعض رجل يكون سلفيا ورمبا كان فيه خصلة
للشيخ صالح آل الشيخ 24
جاهلية ،ويكون فقيها ويكون فيه صفة من صفات اخلوارج أو خصلة من خصاهلم،
وهذا حبسب احلال.
فالوصف بأنه خارجي ،هذا البد أن يكون معتقدا معتقد اخلوارج؛ لكن يقال
هذا يرى اخلروج على ويل األمر هذا ال يقتضي أن يكون من اخلوارج؛ ألن املعتزلة
يرون اخلروج على ويل األمر وبعض املذاهب أيضا ترى اخلروج على ويل األمر
ملصلحة كما يزعمون.
واألدلة املتظاهرة من الكتاب والسنة توجب طاعة والة األمور وعدم اخلروج
عن طاعتهم ما داموا مسلمني.
س /4هل هناك قواعد تأصيلية لتوعية الناس عن الكالم يف أعراض العلماء وعدم
عصمتهم من اخلطأ؟
ج /املسألة هذه رمبا تكونون على علم هبا ،لكن بدر يل إىل أن أنبه على مسألة
وهي:
أن بعض الناس يقول يف العامي إذا خالف قوله قول العامل يقول العامل غري
معصوم „،أول ما يبدأ مبخالفته بقول العامل ،إذا قيل له الشيخ فالن يقول كذا ،أو
العامل الفالين أو شيخ اإلسالم يقول كذا هذا غري معصوم„ مباشرة ،وهذه حيلة
شيطانية لكي ال يذهب إىل البحث يف احلق نفسه ،وإمنا يصادر القول اآلخر ويغلطه
ألنه أصال غري معصوم فأصال وقع يف خطأ قبل أن يبحث ،وهذه حيلة شيطانية،
والواجب أنه ينظر ويسمع ما يقول العامل بدليله ،وإذا مل يتضح له كالم العامل فإنه
يسمع مرة أخرى „،أو يذهب ويسأله ويبحثه ويبحث معه حىت تظهر له املسألة يف
ذلك لعله أن يوافقه يف هذا.
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه
العلماء أعراضهم حرام؛ ألهنم أعلى األمة مقاما؛ يعين بعد نبيها َ
َو َسلَّ َم ،والعلماء ورثة األنبياء؛ ألهنم هم حيفظ الكتاب والسنة ودين اهلل جل وعال،
25
عوائق الطلب
إذا كانت حلوم املؤمنني مجيعا وأعراضهم حرام فيعظم الوزر بعظمة أو بازدياد رفعة
من ُوقع يف عرضه؛ ألجل شدة ترتّب األثر على ذلك.
مثال شخص من الناس وقع يف عرضه لكن الوقيعة فيه حرام «إن دماءكمU
وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا»« ،المسلم أخو المسلم
ال يظلمه وال يخذله» ،إذا كان يف عامة الناس حرام يعظم باملفسدة املرتتبة على هذا
القدح ،والناس مقامات فإذا كان هناك مفسدة أكرب فإنه تكون هنا الوقيعة أكرب؛
يعين اجلرم أكرب أو اإلمث أكرب.
مثال ابن مع والده يف بيته ،اثنني ابن وابن يأتون ويقدحون يف والدهم ،هذا أعظم
أو تناول عرض األخ ،اثنني من اإلخوان يف أخيهم ،هذا عظيم وهذا أعظم ،أعظم
اثنني مثال يغتابون خادما عندهم هنا حرام أيضا إذا كان مسلما؛ ولكن األثر يزداد
بازدياد املكانة.
العلماء أرفع الناس مكانة ،وهلذا القدح فيهم خيلي الناس ال يثقون بنقلة الشريعة
وحفاظها وهو اآلن حاصل وقبل اآلن نسأل اهلل العصمة من الضالل.
س /هذا شبيه بالسؤال :كثر طعن الناس يف هذه األحداث يف املشايخ السلفيني
إىل آخره ،التعليق على األنباء؟
ج /يريدون العلماء يعلقون على األنباء ،صحيح ولذلك يقرتح أن يكون للعلماء
ووش يسمونه عندكم سياسيا؟ ناطق رمسي ،كل يوم يأيت يعلّق :هذا كالم ،عشان
يرتاح الناس ،ليس هو املنهج ،املنهج العامل إذا نكلم مرة أخذ كالمه ،يرجع فيه
لألصول ،ما هو كل مرة الزم يتكلم ،تكلم مرة خالص انتهى ،يُبني ،وليس البد أن
يكون على حنو ما إذا بينه بعض أهل العلم وأقره اآلخرون انتهى أيضا ذلك ،ال يلزم
أن كل واحد يتكلم بنفسه فإذا تكلم بعضهم وقام بواجب بعض ،احلمد هلل املسألة
ظاهرة.
للشيخ صالح آل الشيخ 26
نكتفي هبذا القدر احفظ األسئلة الباقية وإن شاء اهلل نلتقي السبت القادم بإذن اهلل
تعاىل.
أع ّد هذه املادة :سامل اجلزائري