Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 30

‫بحث أعده أحمد الرحلي‬

‫من هيأة التدريس بالتعليم العالي‬


‫بالدار البيضاء سابقا متقاعد‬
‫العنوان‪ 910 :‬شارع وادي سبو الوفاق ‪ 1‬الدار البيضاء‬
‫الموقع في األنترنيت‬
‫‪www.errahliahmed.com‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫أسس النظام اإلقتصادي اإلسالمي‬


‫في القرآن الكريم‬
‫‪ ‬‬
‫مقدمــة‪:‬‬
‫النظام االقتصادي مجموعة من القواعد والمبادئ والقوانين المنظمة للنش اط‬
‫االقتصادي‪ ،‬وهو ما يتعلق باإلنتاج والنقود والتبادل بين الناس ك أفراد أو ش ركات‬
‫ومؤسسات ودول‪ .‬هناك عدة أنظمة اقتصادية وضعية حدد االقتص اديون قوانينهم ا‬
‫ومؤسساتها حسب هواهم ومصالحهم كالنظام الرأسمالي والنظام االشتراكي واالقتصاد‬
‫الموجه‪ .‬وهناك النظام االقتصادي الذي حدد اهلل تعالى معالم ه وقوانين ه في كتب ه‬
‫وشرائعه التي أنزلها للناس عبر مختلف مراحل اإلنسانية‪ ،‬والقرآن الكريم هو الشريعة‬
‫التي نسخ بها اهلل تعالى كل الشرائع السابقة وحدد فيه معالم نظام اقتصادي متكام ل‬
‫بين فيه القواعد العامة اآلمرة وترك مسألة سن قوانين وضعية مطبقة له ا للس لطة‬
‫اإلسالمية حسب تطورات المجتمع اإلسالمي والنشاط االقتص ادي والتط ور العلمي‬
‫والتقني‪.‬‬
‫وقد سمعت كثيرا من األصوات عبر الفضائيات تطالب المسلمين بتحديد معالم‬
‫وأسس وقوانين النظام االقتصادي اإلسالمي على إثر األزمات المالي ة واالقتص ادية‬
‫المتتالية في العالم‪ ،‬وتلبية لهذا النداء وغيرة مني على شرع اهلل تعالى القرآن الك ريم‬
‫وفي إطار مساهمتي في الدعوة اإلسالمية والدفاع عن نعمة القرآن الحكيمة الخال دة‬
‫التي أنعم بها اهلل تعالى على بني آدم كلهم فإني أقدم للب احثين المح ترمين ورج ال‬
‫االقتصاد والسياسية هذه الدراسة حول االقتصاد اإلسالمي‪ .‬وقد اس تنبطت قوانين ه‬
‫وأحكامه الشرعية من آيات القرآن الكريم‪ ،‬ولها أهمية بالغة ألنها صالحة لكل زم ان‬
‫ومكان‪ .‬واألزمات المتتالية في مجال االقتصاد سببها الرئيسي االبتعاد عن ش رع اهلل‬
‫وعدم االلتزام بالقوانين االقتصادية اإلسالمية المحددة في القرآن الك ريم وفيم ا يلي‬
‫أحدد تصميم هذا البحث وهو‪:‬‬
‫‪ ‬‬
‫المبحث األول‪ :‬اهلل تعالى يتحكم في اقتصاد الفرد والمجتمع‪.‬‬
‫أ‪ -‬اهلل تعالى هو الذي يوفر المصادر األساسية لنمو االقتصاد‪.‬‬
‫ب‪ -‬اهلل تعالى هو الذي يحرم الناس من المصادر األساسية لنمو االقتصاد‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬القوانين االقتصادية في القرآن الكريم‬
‫أ‪ -‬القوانين التي تفرض على اإلنسان واجبات لتنمية االقتصاد‪.‬‬
‫ب‪ -‬القوانين التي تحرم على اإلنسان ما يخرب االقتصاد‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫المبحث األول‪ :‬اهلل تعالى يتحكم في اقتصاد الفرد والمجتمع‪.‬‬
‫من األحكام الشرعية الدالة على هذه الحقيقة ما يلي‪ :‬ي ونس ‪﴿ 3‬إن ربكم اهلل‬
‫الذي خلق السماوات واألرض في ستة أيام ثم استوى على الع رش ي دبر األم ر﴾‬
‫والنور ‪﴿ 42‬وهلل مل ك الس ماوات واألرض وإلى اهلل المص ير﴾ والزخ رف ‪85‬‬
‫﴿وتبارك الذي له ملك السماوات واألرض وما بينهم ا وعن ده علم الس اعة وإلي ه‬
‫ترجعون﴾ طه ‪ ﴿ 6‬له ما في السماوات وم ا في األرض وم ا بينهم ا وم ا تحت‬
‫الثرى ﴾ آل عمران ‪ ﴿ 180‬وهلل ميراث السماوات واألرض﴾ والحديد ‪ ﴿ 10‬وم ا‬
‫لكم ال تنفقوا في سبيل اهلل وهلل م يراث الس ماوات واألرض﴾ والمؤمن ون ‪85-84‬‬
‫﴿ قل لمن األرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون هلل قل أفال ت ذكرون﴾ البق رة‬
‫‪ ﴿ 107‬ألم تعلم أن اهلل له ملك السماوات واألرض وما لكم من دون اهلل من ولي وال‬
‫نصير﴾ المائدة ‪ ﴿ 120‬هلل ملك السماوات واألرض وما فيهن وهو على ك ل ش يء‬
‫قدير﴾ يونس ‪ ﴿ 66‬أال إن هلل من في الس ماوات ومن في األرض﴾ ه ذه اآلي ات‬
‫الكريمة تؤكد أن اهلل تعالى هو الذي خلق الكون وكل ما هو موجود ومنه األرض وما‬
‫فيها وما عليها من أشياء ومخلوقات ومنها اإلنسان‪ .‬فنحن والمنشآت واألموال وك ل‬
‫مصادر االقتصاد من مواد أولية ومنتجات وغيرها ملك هلل تعالى يتصرف فينا كم ا‬
‫يشاء لكن اهلل عز وجل عادل وحق وال يظلم أحدا أبدا بل يج ازي ك ل واح د عن‬
‫أعماله‪ .‬وأحيلكم على الفصل الثاني حول ع دل اهلل تع الى المنش ور في م وقعي‬
‫المذكور‪.‬‬
‫واهلل تعالى خلق اإلنسان وسخر له ما في الدنيا واس تخلفه للنياب ة عن ه في‬
‫إعمار األرض وممارسة النشاط االقتصادي فيها ولكن في إطار نظ ام االس تخالف‬
‫وهو شرع اهلل‪.‬‬
‫والدليل الشرعي‪ :‬الذاريات "‪﴿ "56‬وم ا خلقت الجن واإلنس إال ليعب دون﴾‬
‫وعبادة اهلل ليست الصالة فقط بل طاعة اهلل وااللتزام بكل أحكام الق رآن بم ا فيه ا‬
‫القوانين االقتصادية‪ .‬النمل "‪﴿ "62‬ويجعلكم خلفاء األرض﴾ واألنع ام ‪﴿ 165‬وه و‬
‫الذي جعلكم خالئف األرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما آت اكم﴾‪.‬‬
‫فالحياة الدنيا دار ابتالء استخلفنا اهلل تعالى في ملكه ومنه مص ادر نم و االقتص اد‬
‫واألموال ليرى من يتصرف فيها طبقا لقوانين اهلل وقرآنه ويطيع ه ب احترام نظ ام‬
‫االستخالف فيحييه حياة طيبة في الدنيا واآلخرة‪ .‬ومن أعرض عن القرآن يعاقب ه اهلل‬
‫في الدنيا واآلخرة‪ .‬فاطر "‪﴿ "39‬هو الذي جعلكم خالئف في األرض فمن كفر فعلي ه‬
‫كفره وال يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إال مقت ا وال يزي د الك افرين كف رهم إال‬
‫خسارا﴾ وهود "‪﴿ "61‬هو أنشأكم من األرض واستعمركم فيه ا﴾ واألع راف ‪129‬‬
‫﴿قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في األرض فينظ ر كي ف تعمل ون ﴾‬
‫الكهف "‪ ﴿ "7‬إنا جعلنا ما على األرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عمال﴾ ك ل م ا‬
‫على األرض من زينة ومصادر النمو االقتصادي خلقها اهلل تعالى واستخلف اإلنس ان‬
‫ليتمتع بها ولكن بشرط االلتزام بالشرع الذي نزله لكل أمة حسب مرحلتها الزمني ة‪،‬‬
‫فهذا امتحان وابتالء واختبار من اهلل لإلنسان‪ ،‬وعلى أساسه يختار اهلل تعالى المؤمنين‬
‫الصالحين المتقين الملتزمين بنظام االستخالف ليعودوا إليه ويحيوا حياة دائمة أبدي ة‬
‫بعد البعث في الجنة‪ ،‬والدليل الملك ‪ 1‬و ‪ ﴿ 2‬تبارك الذي بيده الملك وهو على ك ل‬
‫شيء قدير الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عمال وهو العزيز الغف ور﴾‬
‫الحديد "‪﴿ "7‬وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه﴾ هذه اآلية دليل ق اطع على أن م ا‬
‫تتصرف فيه من نشاط اقتصادي وما وفر لنا اهلل تعالى من خيرات األرض مل ك هلل‬
‫ونحن ملك له ونتصرف في االقتصاد نيابة عنه إلعمار األرض وعبادة اهلل تعالى‪.‬‬
‫ولكن اهلل تعالى حدد لهذا االستخالف قوانينه ونظامه في الشرائع التي أنزله ا‬
‫للناس وناسخها وخاتمها القرآن الكريم‪ ،‬وعلى ضوء تعامل الناس مع نظام االستخالف‬
‫يتصرف اهلل تعالى في ملكه ومنه المصادر األساسية لنمو االقتصاد س واء اقتص اد‬
‫الفرد أو المجتمع‪ ،‬وهذا ما أبينه في النقطتين أ و ب‪.‬‬
‫ـو‬‫أ‪ -‬األدلة الشرعية على أن اهلل تعالى هو الذي يوفر للنـاس مصـادر نمـ‬
‫االقتصاد‪.‬‬
‫تأملوا إخواني آيات الكون‪ .‬معمل النسيج يتوق ف نش اطه االقتص ادي على‬
‫المواد األولية وهي الصوف والقطن والماء وعلى عمل اإلنسان لتحويل هذه الم واد‬
‫إلى ألبسة جاهزة‪ ،‬فإذا انقطع المطر عدة سنوات وانتهى االحتي اط ونف ذ ه ل ينبت‬
‫القطن وهل تبقى الحيوانات التي تعطى الصوف‪ ،‬إذا لم تجد ما تأكل بس بب م وت‬
‫النباتات لعدم وجود الماء؟ وهل يستطلع اإلنسان العمل إذا لم يجد مص ادر الطع ام؟‬
‫طبعا يتوقف النشاط االقتصادي للمعمل‪.‬‬
‫وهذا المثل ينطبق على كل القطاعات االقتص ادية األخ رى‪ .‬ف إذا انه ار‬
‫االقتصاد الزراعي والفالحي ينهار حتما االقتصاد الصناعي والتجاري والمالي‪ .‬وم ا‬
‫هو سبب ازدهار أو عدم ازدهار االقتصاد ال زراعي والفالحي؟ إن ه رزق اهلل من‬
‫السماء وهو الماء ورزق األرض وهو ما ينبت فيه ا من نبات ات وزرع وأش جار‬
‫وفواكه ومعادن وغيرها طبعا عمل االنسان أساسي لنم و االقتص اد‪ .‬ك ل نش اط‬
‫اقتصادي يتوقف على رزق اهلل من السماء واألرض بل كل المخلوقات الحية ومنه ا‬
‫اإلنسان تموت إذا منع اهلل نزول الماء وبركات األرض‪ .‬الطائرة تتوقف وتس قط من‬
‫السماء إذا مات قائدها جوعا‪ .‬هذه أدلة منطقية وحقيقية ومحققة في الواقع ومقنعة وال‬
‫أحد نهائيا يملك دليال موضوعيا على ما يخالفها‪ .‬ال أحد يس تطيع إن زال الم اء من‬
‫السماء‪ ،‬إال اهلل عز وجل‪ .‬وأعطى أدلة شرعية من القرآن الكريم ألنه كالم اهلل تعالى‬
‫وحق وصدق‪ .‬البقرة ‪﴿ 22-21‬يا أيها الناس اعبدوا ربكم ال ذي خلقكم وال ذين من‬
‫قبلكم لعلكم تتقون الذي جعل لكم األرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء م اء‬
‫فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فال تجعلوا هلل أندادا وأنتم تعلمون﴾ لقمان " ‪﴿ "20‬ألم‬
‫تروا أن اهلل سخر لكم ما في السماوات وما في األرض وأسبغ عليكم نعم ه ظ اهرة‬
‫وباطنة ومن الناس من يجادل في اهلل بغير علم وال هدى وال كتاب منير﴾ س بأ "‪"24‬‬
‫﴿قل من يرزقكم من السماوات واألرض قل اهلل﴾ العنكبوت "‪﴿ "17‬إن الذين تعب دون‬
‫من دون اهلل ال يملكون لكم رزقا فابتغوا عند اهلل الرزق واعبدوه واشكروا ل ه إلي ه‬
‫ترجعون﴾‪ .‬وقال اهلل تعالى على لسان نبيه نوح عليه الصالة والسالم نوح "‪"12" "10‬‬
‫﴿فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويم ددكم ب أموال‬
‫وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا﴾ والحجر " ‪﴿ "22" "19‬واألرض مددناها‬
‫وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون وجعلنا لكم فيه ا مع ايش ومن‬
‫لستم له برازقين‪ .‬وإن من شيء إال عندنا خزائنه وما ننزله إال بقدر معلوم وأرس لنا‬
‫الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين﴾ األعراف "‪"10‬‬
‫﴿ولقد مكناكم في األرض وجعلنا لكم فيها معايش قليال م ا تش كرون﴾‪ .‬إن توف ير‬
‫مصادر معيشة اإلنسان وهي الماء الذي ينزله اهلل تعالى وما ينبت بحكمته وخلقه من‬
‫األرض هو المصدر األساسي لكل نشاط اقتص ادي وعلي ه تق وم ك ل األنش طة‬
‫االقتصادية سواء في الفالحة أو الصناعة والتجارة‪ ،‬لهذا قال اهلل تعالى عن الزوجات‬
‫مما ملكت اإليمان في النور "‪﴿ "33‬وآتوهن من مال اهلل الذي آت اكم﴾ والحدي د "‪"7‬‬
‫﴿وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه﴾‪ .‬فكل ما يهم االقتصاد من أشياء منقول ة وغ ير‬
‫منقولة وأموال ملك هلل تعالى‪ .‬واإلنسان متصرف فيها بالنيابة عن اهلل تعالى‪ .‬اإلسراء‬
‫"‪﴿ "7" "6‬وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا إن أحسنتم أحسنتم ألنفسكم وإن‬
‫أسأتم فلها﴾ غافر "‪﴿ "61‬إن اهلل لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس ال يشكرون﴾‬
‫فالنعم التي يتمتع بها بنوا آدم في الدنيا فضل من اهلل تعالى ورزقه إن أمسكه تم وت‬
‫كل الكائنات الحية ومنها اإلنسان‪ .‬والدليل‪ :‬الداريات "‪﴿ "58‬إن اهلل ه و ال رزاق ذو‬
‫القوة المتين﴾ فهو يرزق الناس من الماء وما ينبث في األرض‪ ،‬وإن شاء وفر أسباب‬
‫الرزق األخرى مكافأة للمتقين أو ابتالء وإن شاء أمسك أسباب الرزق عقابا للمجرمين‬
‫أو ابتالء‪ ،‬والداريات "‪﴿ "23" "22‬وفي السماء رزقكم وما توعدون فورب الس ماء‬
‫واألرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون﴾ فاهلل تعالى هو الذي يوفر مصادر طعام كل‬
‫المخلوقات الحية ومنها اإلنسان‪ .‬هود "‪﴿ "6‬وم ا من داب ة في األرض إال على اهلل‬
‫رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين﴾‪ ،‬ولكن فرض اهلل تعالى العمل‬
‫على كل مخلوقاته للبحث عن طعامها ومنها اإلنسان‪ ،‬فالطائر ال يأتي ه طعام ه إلى‬
‫عشه واإلنسان ال تأتيه التفاحة من الشجرة إلى س ريره‪ .‬اهلل تع الى مص در نم و‬
‫االقتصاد وتكوين األموال والدليل‪ :‬الم دثر "‪﴿ "17" "11‬ذرني ومن خلقت وحي دا‬
‫وجعلت له ماال ممدودا وبنين شهودا ومهدت له تمهيدا ثم يطمع أن أزيد كال إنه كان‬
‫آلياتنا عنيدا سأرهقه صعودا﴾‪.‬‬
‫اهلل تعالى ربط توفير مصادر الرزق ونمو االقتصاد ب التقوى أي طاع ة اهلل‬
‫واحترام نظام االستخالف وهو شرع اهلل تعالى‪ .‬طه "‪﴿ "81‬كل وا من طيب ات م ا‬
‫رزقناكم وال تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غض بي فق د ه وى﴾‬
‫إبراهيم "‪﴿ "31‬قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصالة وينفق وا مم ا رزقن اهم س را‬
‫وعالنية من قبل أن يأتي يوم ال بيع فيه وال خالل﴾‪ .‬فكل ما على األرض من خيرات‬
‫أصله رزق اهلل تعالى‪ .‬ومن اآليات المؤكدة لذلك غافر "‪﴿ "13‬هو الذي يريكم آيات ه‬
‫وينزل لكم من السماء رزقا وما يتذكر إال من ينيب﴾ يس "‪﴿ "33‬وآي ة لهم األرض‬
‫الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون﴾ والنمل "‪﴿ "64‬أمن يبدأ الخلق ثم يعيده‬
‫ومن يرزقكم من السماء واألرض أإاله مع اهلل قل هاتوا برهانكم إن كنت صادقين﴾‪.‬‬
‫شجرة التفاح بدرتها األولى خلقها اهلل تعالى ولوال الماء ال ذي ال ينزل ه إال اهلل لم ا‬
‫كبرت ولما أعطتنا التفاح‪ ،‬ماليير البشر في الكون أصلها من آدم‪ ،‬ول وال مص ادر‬
‫الطعام التي يتكون منها المني لما تناسل البشر‪ ،‬الدجاج ة تخل ق من البيض ة ولكن‬
‫الدجاجة التي باضت البيضة األولى خلقها اهلل تعالى‪ ،‬فكل مصادر الطعام والمواد التي‬
‫يحتاج إليها نمو االقتصاد من خلق اهلل تعالى الذي يتصرف فيها‪ ،‬واألدل ة م ا يلي‪:‬‬
‫األعراف "‪﴿ "96‬ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحن ا عليهم برك ات من الس ماء‬
‫واألرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون﴾ الجن "‪﴿ "17" "16‬وألو استقاموا‬
‫على الطريقة ألسقيناهم ماء غذقا لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه ع ذابا‬
‫صعدا﴾ والشورى "‪﴿ "26‬ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله‬
‫والكافرون لهم عذاب شديد﴾ والشورى "‪﴿ "27‬ولو بسط اهلل الرزق لعباده لبغ وا في‬
‫األرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير﴾‪ ،‬فاسألوا التاريخ أيها الناس‬
‫فكلما طغى الطغاة حطمهم اهلل بأسباب متعددة وهو على كل شيء قدير ويضع لك ل‬
‫عقاب أجال‪ .‬والجاثية "‪﴿ "5‬وما أنزل اهلل من السماء من رزق فأحيا به األرض بع د‬
‫موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون﴾ وق "‪﴿ "11" "9‬ونزلنا من السماء م اء‬
‫مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد والنخل باسقات لها طلع نض يد رزق ا للعب اد‬
‫وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج﴾ الملك "‪﴿ "15‬هو الذي جعل لكم األرض ذل وال‬
‫فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور﴾ النازعات " ‪﴿ "33" "30‬واألرض‬
‫بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها متاع ا لكم وألنع امكم﴾‬
‫الحديد "‪﴿ "29‬لئال يعلم أهل الكتاب أال يقدرون على شيء من فضل اهلل وأن الفض ل‬
‫بيد اهلل يؤتيه من يشاء واهلل ذو الفضل العظيم﴾‪ .‬وفضل اهلل تعالى هو م ا ي وفر من‬
‫رزق السماوات واألرض‪ .‬ولهذا أمر اهلل تعالى المسلمين بالعمل للكسب من فضل اهلل‬
‫عز وجل الجمعة "‪﴿ "10‬فإذا قضيت الصالة فانتشروا في األرض وابتغوا من فض ل‬
‫اهلل﴾ األعراف "‪﴿ "32‬قل من حرم زينة اهلل التي أخرج لعباده والطيبات من ال رزق‬
‫قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفص ل اآلي ات لق وم‬
‫يعلمون﴾ والبقرة "‪﴿ "267‬يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا‬
‫لكم من األرض﴾‪ ،‬هذه اآلية دليل على أن عمل اإلنس ان أي نش اطه االقتص ادي‬
‫ضروري لنمو االقتصاد الفردي واقتصاد المجتمع‪ .‬وسوف أتعرض لألحكام الشرعية‬
‫التي تفرض العمل الحالل للكسب من رزق اهلل وفضله عن دما أتع رض للق وانين‬
‫االقتصادية اإلسالمية‪ .‬والشعراء "‪﴿ "134" "132‬واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون أمدكم‬
‫بأنعام وبنين وجنات وعيون﴾ والنبأ "‪﴿ "16" "14‬وأنزلنا من المعصرات ماء تجاجا‬
‫لنخرج به حبا ونباتا وجنات ألفافا﴾ واألعراف "‪﴿ "57‬وهو الذي يرسل الرياح بشرى‬
‫بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقاال سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به‬
‫من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون﴾ فالدورة المائية كم ا اكتش فها‬
‫العلماء من خلق اهلل الذي خصص لها مالئكة يسيرونها بأمره‪.‬‬
‫وأضيف األحكام الشرعية المؤكدة أن اهلل تعالى يتحكم في مص ادر النش اط‬
‫والنمو االقتصادي‪ ،‬وإني أكثرت منها لتدعيم البرهان والدليل ومنها النمل "‪﴿ "60‬أمن‬
‫خلق السماوات واألرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهج ة م ا‬
‫كان لكم أن تنبتوا شجرها أإاله مع اهلل بل هم قوم يعدلون﴾ والشعراء "‪ "8" "7‬أو لم‬
‫يروا إلى األرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم إن في ذلك آلية وما كان أك ثرهم‬
‫مؤمنين﴾‪ .‬والفرقان "‪﴿ "50" "48‬وهو الذي أرسل الرياح بشرى بين يدي رحمت ه‬
‫وأنزلنا من السماء ماء طهورا لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعام ا وأناس ي‬
‫كثيرا ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إال كفورا﴾ فالماء أصل الحياة وهو‬
‫المصدر األساسي والضروري لكل نشاط اقتصادي بدون الماء ال حياة وال اقتصاد‪.‬‬
‫أكد ذلك اهلل تعالى في األنبياء "‪﴿ "30‬وجعلنا من الماء ك ل ش يء حي أفال‬
‫يؤمنون﴾ هل يستطيع اإلنسان العيش بدون ماء وطعام هل هناك من يوفر الماء للناس‬
‫إذا أمسكه اهلل تعالى؟ إن مصادر نمو االقتصاد بيد اهلل تعالى‪ :‬فاتقوا اهلل أيه ا الن اس‬
‫وتدبروا القرآن الكريم والتزموا ب ه ي وفر لكم اهلل تع الى رزق الس ماء واألرض‪.‬‬
‫وتدبروا أيها الناس هذه اآليات التي ذكرتها ومنها عبس "‪﴿ "32" "24‬فلينظر اإلنسان‬
‫إلى طعامه أنا صببنا الماء صبا ثم شققنا األرض شقا فأنبتنا فيها حبا وعنب ا وقض با‬
‫وزيتونا ونخال وحدائق غلبا وفاكهة وأبا متاعا لكم وألنعامكم﴾ واإلسراء " ‪﴿ "70‬ولقد‬
‫كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير‬
‫ممن خلقنا تفضيال﴾ لقمان "‪﴿ "20‬ألم تروا أن اهلل سخر لكم ما في السماوات وما في‬
‫األرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ومن الناس من يجادل في اهلل بغير علم وال‬
‫هدى وال كتاب منير﴾ وقريش "‪﴿ "4" "1‬إليالف قريش إالفهم رحلة الشتاء والصيف‬
‫فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خ وف﴾‪ .‬ه ذه األحك ام‬
‫الشرعية التي أدليت بها في هذا البحث دليل قاطع وبرهان مؤك د على أن اقتص اد‬
‫الفرد والمجتمع خاضع إلرادة اهلل تعالى ألن عوامل اإلنتاج األساسية خاض عة إلرادة‬
‫اهلل تعالى وال أحد يوفرها غير اهلل عز وجل‪.‬‬
‫ونستنتج ما يلي‪ :‬إن قطاع التجارة والمال ال يزدهر وال ينم و إال إذا ت وفر‬
‫النمو واالزدهار في قطاع الزراعة والفالحة وقطاع الصناعات بمختل ف أنواعه ا‪.‬‬
‫وقطاع الصناعات يتوقف على ازدهار ونمو قطاع الزراعة والفالحة وما في األرض‬
‫من مواد أولية للصناعة ومصادر الطعام لتغذية العنصر البشري ال ذي ه و عام ل‬
‫أساسي من عوامل اإلنتاج‪ .‬والنمو االقتصادي ومصادر الطعام يتوقف على برك ات‬
‫ورزق اهلل من السماء واألرض أي الماء وما يخلق اهلل في األرض من نباتات ورزق‬
‫ومعادن وغيرها‪ ،‬من الخضر والفواكه‪ .‬ومما يؤكد هذه الحقيقة أن اإلنسان ول و أراد‬
‫العمل لكسب المعيشة ومهما تطورت وسائل عمله فإن ذلك ال يفيده شيئا إذا من ع اهلل‬
‫تعالى رزق السماء واألرض‪ ،‬هل هناك من ي وفره لإلنس ان؟ اهلل وح ده يتحكم في‬
‫المصادر األساسية لنمو االقتصاد بل حياتنا في الدنيا خاضعة إلرادة اهلل تعالى في أية‬
‫لحظة‪ ،‬فآمنوا أيها الناس وأطيعوا اهلل واعملوا بأحكام الق رآن الك ريم واش كروا اهلل‬
‫تعالى على نعمه وفضله وإحسانه ألن هذه القوانين االقتصادية حتمية وحقيقية ومؤكدة‬
‫فعال في الواقع وعبر مراحل التاريخ البشري‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫ب‪ -‬اهلل تعالى يمسك مصادر نمو االقتصاد عقابا أو ابتالء‬
‫اهلل تعالى هو المدبر للكون وما فيه وهو الذي يوفر مص ادر رزق الكائن ات‬
‫الحية ومنها اإلنسان ومن قدرته عز وجل المطلقة العادلة إمساك رزقه وفضله ونعمه‬
‫عمن أراد عقابا عن السيئات والفساد أو ابتالء للناس للكش ف عن حق ائق النف وس‬
‫ومدى إيمانها وصدقها وتقواها أو مدى كفرها ونفاقها‪ ،‬وسأعطي كثيرا من األحك ام‬
‫الشرعية الدالة على هذه الحقيقة‪ .‬اهلل تعالى ال يمسك رزقه عن الن اس ظلم ا أب دا‪.‬‬
‫فقضاء اهلل تعالى وقدره مطلق ولكنه عادل والدليل ق "‪﴿ "29‬ما يبدل القول لدي وم ا‬
‫أنا بظالم للعبيد﴾ واألنبياء "‪﴿ "47‬ونضع الموازين القسط ليوم القيام ة فال تظلم نفس‬
‫شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين﴾ اهلل تعالى ال يمس ك‬
‫مصادر نمو االقتصاد إال بسبب ظلم الناس وابتعادهم عن شرع اهلل‪ .‬القص ص "‪"59‬‬
‫﴿وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسوال يتلوا عليهم آياتنا وم ا كن ا‬
‫مهلكي القرى وإال وأهلها ظالمون﴾ والتوبة "‪﴿ "70‬فما كان اهلل ليظلمهم ولكن ك انوا‬
‫أنفسهم يظلمون﴾‪.‬‬
‫اهلل تعالى قادر على إمساك رزق السماوات واألرض ب ل ق ادر على إتالف‬
‫وتخريب اإلنتاج وتحطيم االقتصاد عقابا أو ابتالء والدليل‪ :‬يونس "‪﴿ "24" "23‬إنما‬
‫مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات األرض مما يأك ل الن اس‬
‫واألنعام حتى إذا أخذت األرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها‬
‫أمرنا ليال أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن باألمس كذلك نفصل اآلي ات لق وم‬
‫يتفكرون﴾‪  ‬والملك "‪﴿ "21" "20‬أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمان‬
‫إن الكافرون إال في غرور أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه بل لج و في عت و‬
‫ونفور﴾ والروم "‪﴿ "51" "50‬فانظر إلى آثار رحمة اهلل كيف يحيى األرض بعد موتها‬
‫إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير ولئن أرسلنا ريحا ف رأوه مص فرا‬
‫لظلوا من بعده يكفرون﴾ واألحقاف "‪﴿ "25" "24‬بل هو ما استعجلتم به ريح فيه ا‬
‫عذاب أليم تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا ال يرى إال مساكنهم كذلك نجزي القوم‬
‫المجرمين﴾ والحديد "‪﴿ "20‬اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتف اخر بينكم‬
‫وتكاثر في األموال واألوالد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مص فرا ثم‬
‫يكون حطاما وفي اآلخرة عذاب شديد ومغفرة من اهلل ورضوان وما الحياة ال دنيا إال‬
‫متاع الغرور﴾‪ ،‬اهلل تعالى حتى ولو أعطى رزق السماوات واألرض للناس فهو قادر‬
‫على معاقبتهم بإتالف وتدمير اقتصاد الفرد واقتصاد المجتمع إذا أعرضوا عن ش رع‬
‫اهلل وفسدوا في األرض والدليل‪ :‬الزخرف "‪﴿ "37" "36‬ومن يعش عن ذكر الرحمان‬
‫نقيض له شيطانا فهو له قرين وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهت دون﴾‬
‫طه "‪﴿ "123‬فمن اتبع هداي فال يضل وال يشقى ومن أعرض عن ذكري ف إن ل ه‬
‫معيشة ضنكا﴾ الطالق "‪﴿ "3" "2‬ومن يتق اهلل يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث ال‬
‫يحتسب﴾ ومحمد "‪﴿ "9" "7‬يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا اهلل ينصركم ويثبت أقدامكم‬
‫والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل اهلل فأحبط أعمالهم﴾‬
‫ومحمد "‪﴿ "2" "1‬الذين كفروا وصدوا عن سبيل اهلل أضل أعمالهم وال ذين آمن وا‬
‫وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم‬
‫وأصلح بالهم﴾ فالذين آمنوا وعملوا الصالحات واتقوا اهلل والتزموا بالقرآن قوال وعمال‬
‫سرا وعالنية البد أن يوفر اهلل تعالى لهم رزقه من الس ماء واألرض ولكن الب د من‬
‫عملهم الحالل للكسب من رزق اهلل‪ ،‬أما الذين خالفوا القرآن وفس دوا في األرض فاهلل‬
‫تعالى قادر على إمساك رزقه عنهم‪ ،‬ولكن يعطيهم فرصة للتوبة قبل العقاب‪ ،‬والدليل‬
‫يونس "‪﴿ "64" "62‬أال إن أولياء اهلل ال خوف عليهم وال هم يحزنون ال ذين آمن وا‬
‫وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي اآلخرة ال تبديل لكلمات اهلل ذلك ه و‬
‫الفوز العظيم﴾ واألعراف "‪﴿ "156‬ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتق ون‬
‫ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون﴾ وفصلت "‪﴿ "31" "30‬إن الذين قالوا ربنا‬
‫اهلل ثم استقاموا تتنزل عليهم المالئكة أال تخافوا وال تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم‬
‫توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي اآلخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفس كم ولكم‬
‫فيها ما تدعون﴾‪ ،‬هذا وعد من اهلل تعالى والقرآن صدق وحق‪ ،‬األنعام "‪﴿ "115‬وتمت‬
‫كلمة ربك صدقا وعدال ال مبدل لكلماته﴾ وهذه قاعدة اقتصادية ش رعها اهلل تع الى‪،‬‬
‫فمن اتقى اهلل حقا وصدقا ال يحرمه من رزق الس ماوات واألرض ولكن المفس دين‬
‫والمخالفين لشرع اهلل معرضون لعقاب اهلل في الدنيا واآلخرة ومن عقاب ه في ال دنيا‬
‫إمساك رزقه من السماوات واألرض أو إتالف اإلنتاج والدليل الزمر "‪﴿ "21‬ألم ت ر‬
‫أن اهلل أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في األرض ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه‬
‫ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يجعله حطاما إن في ذلك لذكرى ألولي األلباب﴾ والمؤمنون‬
‫"‪﴿ " 18‬وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في األرض وإنا على ذهاب به لقادرون﴾‬
‫هود "‪﴿ "44‬وقيل يا أرض ابلعي ماءك‪  ‬ويا سماء أقلعي﴾ والملك "‪﴿ "30‬قل أرأيتم إن‬
‫أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين﴾‪ .‬وذكر لنا اهلل تعالى مثال رجال من علي ه‬
‫بالماء وأنبت له في أرضه ما شاء فزاغ وطغى وأشرك باهلل تعالى فحطم اهلل تع الى‬
‫اقتصاده الفردي وأتلف محصوله‪ ،‬فتدبر أخي سورة الكهف " ‪﴿ "36" "34‬وكان له ثمر‬
‫فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك ماال وأعز نفرا ودخل جنته وهو ظالم لنفسه‬
‫قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا﴾ والكهف "‪﴿ "44" "40‬ويرسل عليها حسبانا من السماء‬
‫فتصبح صعيدا زلقا أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا وأحيط بثمره فأص بح‬
‫يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي‬
‫أحدا ولم تكن له فئة ينصرونه من دون اهلل وما كان منتصرا هنالك الوالية هلل الح ق‬
‫هو خير ثوابا وخير عقبا﴾ والكهف "‪﴿ "45‬واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه‬
‫من السماء فاختلط به نبات األرض فأصبح هشيما تدروه الرياح وكان اهلل على ك ل‬
‫شيء مقتدرا﴾ والقلم "‪﴿ "20" "14‬إن كان ذا مال وبنين إذا تتلى عليه آياتن ا ق ال‬
‫أساطير األولين سنسمه على الخرطوم إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقس موا‬
‫ليصرمنها مصبحين وال يستثنون فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت‬
‫كالصريم﴾ والقلم "‪﴿ "27" "26‬فلما رأوها قالوا إنا لضالون بل نحن محروم ون﴾‬
‫والقلم "‪﴿ "31‬قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين﴾ وهناك مثال آخر النح ل "‪"113" "112‬‬
‫﴿وضرب اهلل مثال قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكف رت‬
‫بأنعم اهلل فأذاقها اهلل لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ولقد جاءهم رسول منهم‬
‫فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون﴾‪.‬‬
‫اهلل تعالى قد يعاقب الظ المين بإمس اك رزق الس ماوات واألرض فينه ار‬
‫االقتصاد وقد يبتلي الناس إلظهار حقائق أنفسهم هل هم مؤمن ون حق ا أم من افقون‬
‫ويعطى كذلك فرصا للتوبة‪ .‬الرعد "‪﴿ "13‬ويرسل الصواعق فيصيب به ا من يش اء‬
‫وهم يجادلون في اهلل وهو شديد المحال﴾ بل يرسل اهلل تعالى الفيض انات الجازف ة‪.‬‬
‫والزالزل والبرد القارص وأشعة الشمس المحرقة فيتحطم المحصول الزراعي وينهار‬
‫اإلنتاج الصناعي إذا انهار اإلنتاج الزراعي والفالحي وتبعا لذلك حتما يتوقف النشاط‬
‫التجاري والمالي وينهار االقتصاد‪ ،‬وهناك أدلة شرعية أخرى تؤكد أن اهلل تعالى ق د‬
‫يمسك المصادر األساسية لنمو االقتصاد ومنها‪ :‬البقرة "‪﴿ "266‬أيود أحدكم أن تكون‬
‫له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها األنهار له فيها من كل الثمرات وأص ابه‬
‫الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت كذلك يبين اهلل لكم اآلي ات‬
‫لعلكم تتفكرون﴾ الواقعة "‪﴿ "70" "68‬أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتم وه من‬
‫المزن أم نحن المنزلون لو نشاء جعلناه أجاجا فل وال‪  ‬تش كرون﴾ والش ورى "‪"28‬‬
‫﴿وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قتطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد﴾ والبقرة "‬
‫‪﴿ "157" "155‬ولنبلوكم بشيء من الخوف والج وع ونقص من األم وال واألنفس‬
‫والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا هلل وإنا إلي ه راجع ون‬
‫أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون﴾ اهلل تعالى يتصرف في‬
‫ملكه وهو كل ما في الكون من أشياء وإنسان وغيره‪ ،‬ويبتلي الن اس بإمس اك رزق‬
‫السماوات واألرض إلظهار إيمانهم أو كذبهم والدليل العنكبوت "‪﴿ "3" "2‬أحسب الناس‬
‫أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم ال يفتنون ولقد فتنا ال ذين من قبلهم فليعلمن اهلل ال ذين‬
‫صدقوا وليعلمن الكاذبين﴾ وآل عمران "‪﴿ "186‬لتبلون في أموالكم وأنفسكم﴾ وفاطر "‬
‫‪﴿ " 3" "2‬ما يفتح اهلل للناس من رحمة فال ممسك لها وما يمسك فال مرسل له من بعده‬
‫وهو العزيز الحكيم﴾ والتوبة "‪﴿ "76" "75‬ومنهم من عاهد اهلل لئن آتانا من فض له‬
‫لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون﴾‬
‫التوبة "‪﴿ " 78" "77‬فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا اهلل ما وعدوه‬
‫وبما كانوا يكذبون‪ ،‬ألم يعلموا أن اهلل يعلم سرهم ونج واهم وأن اهلل عالم الغي وب﴾‬
‫النحل "‪﴿ "54" "53‬وما بكم من نعمة فمن اهلل ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون ثم إذا‬
‫كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون﴾ يونس "‪﴿ "12‬وإذا مس اإلنس ان‬
‫الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ض ر‬
‫مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون﴾ ويونس "‪﴿ "21‬وإذا أذقنا الناس رحم ة‬
‫من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر في آياتنا قل اهلل أسرع مكرا إن رسلنا يكتبون م ا‬
‫تمكرون﴾‪.‬‬
‫تدبروا أيها الناس هذه اآليات الكريمة وما فيها من أحكام شرعية حكيمة ألنها‬
‫صدرت من حكيم عليم هو اهلل تعالى‪ ،‬فاالقتصاد والمال وما في الكون ومنه اإلنس ان‬
‫ملك هلل تعالى خوله لإلنسان الذي استحلفه لتنميته والعمل لالستفادة من ه في مرحل ة‬
‫الدنيا المؤقتة وليكون أداة امتحان واختبار لعمل اإلنسان الذي يجب أن يكون مطابق ا‬
‫لنظام االستخالف في الدنيا وهو شرع اهلل تعالى‪ ،‬فادرسوا أيها الباحثون المح ترمون‬
‫الواقع اإلنساني وتأملوا تاريخه االجتماعي واالقتصادي والسياسي فسوف تتأكدون من‬
‫حقيقة أبدية خالدة إلى أن يرث اهلل األرض ومن عليها وهي أنه عز وجل المتحكم في‬
‫االقتصاد سواء بالنسبة للفرد أو المجتمع وأنه وضع له قوانينه في القرآن‪ ،‬الروم " ‪"40‬‬
‫﴿اهلل الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفع ل من ذلكم‬
‫من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون﴾ والفتح "‪﴿ "11‬قل فمن يملك لكم من اهلل شيئا‬
‫إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا بل كان اهلل بما تعملون خبيرا﴾ والنحل " ‪﴿ "40‬إنما‬
‫قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون﴾ والرعد " ‪﴿ "11‬إن اهلل ال يغير ما بقوم‬
‫حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد اهلل بقوم سوءا فال مرد له وم ا لهم من دون ه من‬
‫وال﴾ واإلسراء "‪﴿ "83‬وإذا أنعمنا على اإلنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر‬
‫كان يؤوسا﴾ من عذاب اهلل في الدنيا إمساك الماء ورزق اهلل في األرض قد يكون هذا‬
‫اإلمساك ابتالء‪ ،‬والدليل السجدة "‪﴿ "22" "21‬ولنذيقنهم من العذاب األدنى دون العذاب‬
‫األكبر لعلهم يرجعون ومن أظلم ممن ذكر بآيات رب ه ثم أع رض عنه ا إن ا من‬
‫المجرمين منتقمون﴾ واألنعام "‪﴿ "42‬ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأس اء‬
‫والضراء لعلهم يتضرعون فلوال إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قل وبهم وزين‬
‫لهم الشيطان ما كانوا يعملون فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى‬
‫إذا فرحوا بما أوتوا أخذتاهم بغتة فإذا هم مبلسون﴾‪ .‬فحتى ولو ازدهر اقتصاد الكفار‬
‫أحيانا فإن ذلك ابتالء من اهلل تعالى في مرحلة مؤقتة وقد يك ون فتن ة وع ذابا لهم‪،‬‬
‫والدليل التوبة "‪﴿ "85‬وال تعجبك أموالهم وأوالدهم إنما يريد اهلل أن يع ذبهم به ا في‬
‫الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون﴾‪ .‬فرغم االزدهار االقتصادي والمالي فإن الكف ار‬
‫يعيشون في عذاب الدنيا واالضطراب والخوف واألمراض والحروب والطغيان وعدم‬
‫االستقرار النفسي والصراع من أجل إشباع الرغبات والشهوات الغ ير المش روعة‬
‫بخالف المؤمنين الصالحين المتقين فإنهم يعيشون في الس عادة واالطمئن ان النفس ي‬
‫ورحمة اهلل تعالى ولو كان اقتصادهم غير مزدهر مثل الكفار‪ ،‬والمؤمنون الصالحون‬
‫يحيون الحياة الدائمة في الجنة وسعادتها أما الكفار إذا لم يتوبوا وم اتوا كف ارا فال‬
‫ينفعهم ازدهار االقتصاد ومتاع الدنيا ألن مصيرهم نار جهنم خالدين فيه ا‪ ،‬وال دليل‬
‫الكهف "‪﴿ 106" "105‬أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فال نقيم‬
‫لهم يوم القيامة وزنا ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورس لي ه زؤا﴾‬
‫والبقرة "‪﴿ "162" "161‬إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئ ك عليهم لعن ة اهلل‬
‫والمالئكة والناس أجمعين خالدين فيها ال يخفف عنهم العذاب وال هم ينظ رون﴾‪ .‬اهلل‬
‫تعالى يبتلي الكفار فيرزقهم أحيانا مثل المؤمنين لعلهم يتوبون وق د يفتنهم بالم ال إذ‬
‫تأكد من استمرار كفرهم وعدم توبتهم والدليل لقمان " ‪﴿ "24‬نمتعهم قليال ثم نضطرهم‬
‫إلى عذاب غليظ﴾ والمائدة "‪﴿ "41‬ومن يرد اهلل فتنته فلن تملك له من اهلل شيئا أولئك‬
‫الذين لم يرد اهلل أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في اآلخرة ع ذاب عظيم﴾‬
‫والشورى "‪﴿ "20‬من كان يريد حرث اآلخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد ح رث‬
‫الدنيا نؤته منها وماله في اآلخرة من نصيب﴾ وهود "‪﴿ "16" "15‬من كان يريد الحياة‬
‫الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها ال يبخسون أولئك ال ذين ليس لهم في‬
‫اآلخرة إال النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون﴾ والبقرة " ‪﴿ "86‬أولئك‬
‫الذين اشتروا الحياة الدنيا ب اآلخرة فال يخف ف عنهم الع ذاب وال هم ينص رون﴾‬
‫واإلسراء "‪﴿ "19" "18‬من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا‬
‫له جهنم يصالها مذموما مدحورا ومن أراد اآلخرة وسعى لها سعيها وه و م ؤمن‬
‫فأولئك كان سعيهم مشكورا﴾‪.‬‬
‫فليس المهم في الدنيا ازدهار االقتصاد أو كساده وتدهوره ألن الحي اة ال دنيا‬
‫ومتاعها وزينتها مؤقتة والحياة الدائمة األبدية والمتاع الدائم األبدي في جنة اآلخ رة‪.‬‬
‫لهذا يجب العمل لآلخرة في الدنيا أي العم ل للكس ب من رزق اهلل ولكن في إط ار‬
‫التقوى وااللتزام بشرع اهلل تعالى القرآن الكريم‪ ،‬المنافقون "‪﴿ "9‬يا أيها الذين آمنوا ال‬
‫تلهكم أموالكم وال أوالدكم عن ذكر اهلل ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاس رون﴾‪ .‬ألن‬
‫ازدهار اقتصاد الكفار وأموالهم ابتالء من اهلل تعالى ال ينفعهم يوم القيامة أبدا وال يقام‬
‫لهم وزن أعمالهم كالمسلمين‪ .‬بل قرر اهلل تعالى لهم النار في جهنم حتما إذا لم يتوبوا‬
‫هلل وماتوا كفارا‪ .‬والدليل آل عمران "‪﴿ "10‬إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم وال‬
‫أوالدهم من اهلل شيئا وأولئك هم وقود النار﴾ وآل عمران "‪﴿ "116‬إن الذين كفروا لن‬
‫تغني عنهم أموالهم وال أوالدهم من اهلل شيئا وأولئك أصحاب النار هم فيها خال دون﴾‬
‫ويونس "‪﴿ " 8" "7‬إن الذين ال يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين‬
‫هم عن آياتنا غافلون أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون﴾ والتوبة "‪﴿ "69‬كال ذين‬
‫من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أم واال وأوالدا فاس تمتعوا بخالقهم فاس تمتعتم‬
‫بخالقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخالقهم وخضتم كالذي خاض وا أولئ ك حبطت‬
‫أعمالهم في الدنيا واآلخرة وأولئك هم الخاسرون﴾ وطه "‪﴿ "76" "74‬إنه من يأت ربه‬
‫مجرما فإن له جهنم ال يموت فيها وال يحيى ومن يأته مؤمنا ق د عم ل الص الحات‬
‫فأولئك لهم الدرجات العلى جنات عدن تجري من تحتها األنهار خالدين فيه ا وذل ك‬
‫جزاء من تزكى﴾ والشعراء "‪﴿ "207" "205‬أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما‬
‫كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون﴾‪ .‬فال تغتروا أيها الناس بمتاع ال دنيا‬
‫وحده بل اعملوا لمتاع اآلخرة كذلك ألنه هو الدائم ولكي تنجوا من نار جهنم وعذابها‬
‫الدائم وتسعدوا برحمة اهلل تعالى في الجنة‪.‬‬
‫فتدبروا إخواني المحترمين سورة األعراف "‪﴿ "163‬واسألهم عن القرية التي‬
‫كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا وي وم ال‬
‫يسبتون ال تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون﴾ فالثوراة حرم فيها اهلل تعالى ص يد‬
‫األسماك يوم السبت ولكن اهلل تعالى بقدرته منع مجيئ األسماك إلى مكان الص يد إال‬
‫يوم السبت عمدا ليبتليهم أي أهل القرية المحادية للبحر األحم ر وليخت بر إيم انهم‬
‫ويظهر حقائق أنفسهم‪ .‬فلو كانوا مؤمنين آنذاك حقا لما اصطادوا السمك يوم الس بت‬
‫المحرم عليهم‪ ،‬ولو بقوا بدون أسماك‪ .‬عاقبهم اهلل تعالى عن عص يانهم البق رة "‪"65‬‬
‫﴿ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين﴾ األع راف "‬
‫‪﴿ " 166‬فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين﴾‪ .‬اهلل تعالى قد يوفر‬
‫مصادر ازدهار االقتصاد وهي رزقه من السماوات واألرض لينظر كيف يعمل الناس‬
‫وهل يلتزمون بشرع اهلل أم ال‪ .‬ولنا في قصة قارون وفرعون وهامان دليل آخر على‬
‫تحكم اهلل تعالى في الكون وما فيه ومنه البشر والثروات واألموال‪ ،‬القصص " ‪" "81‬‬
‫‪﴿ "82‬فخسفنا به وبداره األرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون اهلل وما ك ان‬
‫من المنتصرين وأصبح الذين تمنوا مكانه باألمس يقولون ويكأن اهلل يبسط الرزق لمن‬
‫يشاء من عباده ويقدر لوال أن من اهلل علينا لخسف بن ا ويكأن ه ال يفلح الك افرون﴾‬
‫قارون أتاه اهلل أمواال كثيرة وهو من قوم موسى عليه وعلى كل الرس ل ص الة اهلل‬
‫وسالمه فطغى واغتر بالمال وأنكر نعم اهلل تعالى وأعرض عن ش رع اهلل الت وراة‬
‫فعاقبه اهلل حيث ابتعلته األرض بداره وأمواله‪.‬‬
‫فاحذروا أيها المؤمنون ابتالء اهلل عز وجل وليكن إيمانكم صلبا صادقا قوي ا‬
‫والتزموا بالقرآن الكريم قوال وعمال سرا وعالني ة واعمل وا في الحالل الزده ار‬
‫اقتصادكم ولكن ال يؤثر على إيمانكم وحبكم هلل ابتالء هلل لكم أو ظلم الكفار وتهدي دهم‬
‫والدليل آل عمران "‪﴿ "186‬لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتس معن من ال ذين أوت وا‬
‫الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم‬
‫األمور﴾‪.‬‬
‫إن اهلل تعالى يمسك مصادر نمو االقتصاد عمن أراد في إطار الجزاء‪ ،‬فاطر "‬
‫‪﴿ "2‬ما يفتح اهلل للناس من رحمة فال ممسك لها وما يمسك فال مرسل ل ه من بع ده‬
‫وهو العزيز الحكيم﴾‪ .‬الروم "‪﴿ "37" "36‬وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا به ا وإن‬
‫تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون أو لم يروا أن اهلل يبسط الرزق لمن يشاء‬
‫ويقدر إن في ذلك آليات لقوم يؤمنون﴾ والشورى "‪﴿ "27‬ولو بسط اهلل الرزق لعب اده‬
‫لبغوا في األرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بص ير﴾ اإلس راء "‪"30‬‬
‫﴿إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيرا بصيرا﴾ والفجر " ‪" "15‬‬
‫‪ " 20‬فأما اإلنسان إذا ما ابتاله ربه فأكرمه ونعمه فيقول رب أكرمن وأما إذا ما ابتاله‬
‫فقدر عليه رزقه فيقول رب أهانن كال بل ال تكرمون اليتيم وال تحضون على طع ام‬
‫المسكين وتأكلون التراث أكال لما وتحبون المال حبا جما﴾‪ .‬اهلل تعالى يرسل وي وفر‬
‫مصادر نمو االقتصاد أو يمسكها ويمنعها في إطار الجزاء عن أعمال الناس‪ ،‬وال ينفع‬
‫اإلنسان عمله لكسب طعامه مهما كانت وس ائله إذا ق رر اهلل تع الى إمس اك رزق‬
‫السماوات واألرض ألنها المصدر األساسي والضروري لنمو االقتصاد بل الستمرار‬
‫اإلنسان على قيد الحياة‪ ،‬والزمر "‪﴿ "51" "49‬فإذا مس اإلنسان ضر دعان ا ثم إذا‬
‫خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته على علم بل هي فتنة ولكن أكثرهم ال يعلم ون‪ ،‬ق د‬
‫قالها الذين من قبلهم فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون فأصابهم س يئات م ا كس بوا‬
‫والذين ظلموا من هؤالء سيصيبهم سيئات م ا كس بوا وم ا هم بمعج زين﴾‪ .‬ومن‬
‫المصائب التي يعاقب بها اهلل الناس عن ظلمهم ومخالفتهم للقرآن الك ريم إمس اك اهلل‬
‫تعالى مصادر نمو االقتصاد وهي رزق السماوات واألرض (الماء وخيرات األرض)‬
‫فيتدهور وينهار حتما إذا شاء اهلل تعالى‪.‬‬
‫وهناك أيضا الزمر "‪﴿ "8‬وإذا مس اإلنسان ضر دعا ربه منيب ا إلي ه ثم إذا‬
‫خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل وجعل هلل أندادا ليضل عن سبيله ق ل‬
‫تمتع بكفرك قليال إنك من أصحاب النار﴾ ولقمان "‪﴿ "24‬نمتعهم قليال ثم نض طرهم‬
‫إلى عذاب غليظ﴾‪.‬‬
‫تأكد لنا في هذا المبحث األول باألدلة القرآنية والمنطقية والعقلية والكونية أن‬
‫اهلل تعالى مالك الكون وما فيه ومنه اإلنس ان‪ ،‬واهلل تع الى ه و ال ذي يعطي رزق‬
‫السماوات واألرض وأساس الحياة وهو الماء‪ ،‬ومن آمن باهلل وبالقرآن وعمل بأحكامه‬
‫واتقى اهلل وأطاعه ضمن اهلل تعالى له األمن واألم ان والرحم ة ورزق الس ماوات‬
‫واألرض‪.‬‬
‫اهلل تعالى ينفذ تدبيره للكون مباشرة أو بواسطة جن وده من المالئك ة والجن‪،‬‬
‫والدليل سبأ "‪﴿ "12‬ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا‬
‫ندقه من عذاب السعير﴾ التحريم "‪﴿ "6‬عليها مالئكة غالظ شداد ال يعص ون اهلل م ا‬
‫أمرهم ويفعلون ما يؤمرون﴾ النحل "‪﴿ "2‬ينزل المالئكة ب الروح من أم ره على من‬
‫يشاء من عباده﴾ يس "‪﴿ "82‬إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيك ون﴾ ويس "‬
‫‪ "28‬و "‪﴿ "29‬وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا م نزلين إن‬
‫كانت إال صيحة واحدة فإذا هم خامدون﴾ هلل تع الى ق ادر على حماي ة المؤم نين‬
‫الصالحين المتقين الصادقين والدليل الصافات "‪﴿ "173" "171‬ولقد س بقت كلمتن ا‬
‫لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون﴾ وغ افر "‪﴿ "51‬إن ا‬
‫لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم األشهاد﴾ والروم "‪﴿ "47‬وك ان‬
‫حقا علينا نصر المؤمنين﴾ والشورى "‪﴿ "26‬ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات‬
‫ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد﴾ آل عمران " ‪﴿ "160‬إن ينصركم اهلل‬
‫فال غالب لكم وإن يخ ذلكم فمن ذا ال ذي ينص ركم من بع ده وعلى اهلل فليتوك ل‬
‫المؤمنون﴾ النمل "‪﴿ "53‬وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون﴾ فصلت "‪﴿ "53‬س نريهم‬
‫آياتنا في اآلفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على ك ل‬
‫شيء شهيد﴾‪.‬‬
‫فتأملوا أيها الناس بصدق هذه اآليات وما فيها من أحكام شرعية وتأملوا آيات‬
‫الكون وتصرف اهلل تعالى في ملكه ومخلوقاته ورزق السماوات واألرض الذي ال أحد‬
‫يستطيع التحكم فيه إال اهلل تعالى‪ .‬إذا بسط اهلل تعالى هذا الرزق ازدهر االقتص اد إذا‬
‫عملنا بجد في إطار احترام القرآن والعمل به‪ ،‬وإذا أمسك اهلل تعالى رزق الس ماوات‬
‫واألرض عقابا أو ابتالء ينهار اقتصادنا ولو أردنا العمل‪ ،‬بج د بأح دث الوس ائل‪.‬‬
‫ونتيجة هذا المبحث أنه يجب علينا أيها الناس في كل أنحاء العالم محب ة اهلل تع الى‬
‫واإليمان به بصدق وطاعته وعبادته والتقوى أي االلتزام بالقرآن الكريم لنحصل على‬
‫رزق السماوات واألرض الذي يتحكم فيه اهلل تعالى حتى تتوفر مصادر عيشنا ونم و‬
‫وازدهار اقتصادنا‪ ،‬ولكي نفوز بمتاع اآلخرة أيضا وهي الحياة الدائمة في سعادة الجنة‬
‫مع اهلل عز وجل وننجو من عذاب اهلل تعالى في الدنيا ونار جهنم في اآلخرة‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫ـ‬
‫المبحث الثاني‪ :‬القوانين االقتصادية اإلسالمية‬
‫القرآن الكريم شريعة اهلل الناسخة لكل الشرائع السابقة ومنها الثوراة واإلنجيل‪،‬‬
‫يتضمن القرآن القوانين المنظمة لنظام شامل للبشر منه الجانب العقائدي واالجتم اعي‬
‫واالقتصادي والسياسي‪ .‬وأحكام القرآن ملزمة لكل الناس في الكون‪ .‬فرض اهلل تعالى‬
‫فهم القرآن وتدبره وااللتزام به وأحيلكم على دراسة نشرتها في م وقعي ب االنترنيت‬
‫حول فهم القرآن الكريم‪ ،‬وقد بينت فيها األدلة على أن فهم القرآن وااللتزام به ق وال‬
‫عمال سرا وعالنية واجب شرعي فرضه اهلل تعالى وبينت قواعد فهم القرآن الك ريم‬
‫مساهمة مني في الدعوة اإلسالمية‪ .‬وأذكر آية كريمة حول واجب االل تزام ب القرآن‬
‫الكريم الزمر "‪﴿ "55‬واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب‬
‫بغتة وأنتم ال تشعرون﴾ ومن عذاب اهلل تعالى الجوع والفقر وانهيار االقتصاد ل دى‬
‫الفرد والمجتمع والسجدة "‪﴿ "22‬ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إن ا‬
‫من المجرمين منتقمون﴾ طه "‪﴿ "124" "123‬فمن اتبع هداي فال يضل وال يش قى‬
‫ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا﴾‪ .‬هذه األحكام الشرعية دليل قاطع على‬
‫القوانين االقتصادية في القرآن والتي تتعلق بالجوانب االقتصادية في الدولة اإلسالمية‪،‬‬
‫وسأبينها حسب ما استطعت استنباطه وتدبره من آيات القرآن الكريم‪ ،‬وق د وزعته ا‬
‫وقسمتها إلى مجموعتين‪ :‬األولى أبين فيها القوانين االقتصادية التي تأمر بأفعال له ا‬
‫عالقة بنمو وازدهار االقتصاد اإلسالمي والثانية القوانين االقتصادية التي تحرم أفعاال‬
‫لها عالقة بتدهور االقتصاد وانهياره‪.‬‬
‫ـ االقتصاد‬
‫أ‪ -‬القوانين االقتصادية اإلسالمية التي تفرض ما ينمي‬
‫القوانين االقتصادية الواردة في القرآن ملزمة للناس مثل كل أحك ام الق رآن‬
‫األخرى‪ ،‬وأولها العمل الحالل للكسب من رزق اهلل تع الى وه و رزق الس ماوات‬
‫واألرض وتوفير مصادر وعوامل نمو وازدهار النشاط االقتصادي س واء بالنس بة‬
‫للفرد أو المجتمع مما خلق اهلل تعالى‪.‬‬
‫أيها األخوة المحترمون إن العمل الحالل لكس ب ال رزق أول فريض ة من‬
‫فرائض اإلسالم‪ .‬فمن لم يأكل ثالثة أيام فأكثر ال يستطيع عبادة اهلل ال تي خلق ه من‬
‫أجلها الذاريات "‪﴿ "56‬وما خلقت الجن واإلنس إال ليعبدون﴾ بل إذا لم يعمل اإلنسان‬
‫لتوفير طعامه من رزق السماوات واألرض يموت جوعا وال يقوم بعبادة اهلل تع الى‬
‫الواجبة عليه‪.‬‬
‫وسأعطي أدلة شرعية على هذه الحقيقة‪ .‬وأحيلكم إلى الفصل الثاني حول عدل‬
‫اهلل تعالى (فرض اهلل العمل الحالل) وهو منشور في موقعي الم ذكور ب اإلنترنيت‪،‬‬
‫ومنها التوبة "‪﴿ "105‬وقل اعملوا فسيرى اهلل عملكم ورسوله والمؤمنون وس تردون‬
‫إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون﴾ والجمع ة "‪﴿ "10‬ف إذا قض يت‬
‫الصالة فانتشروا في األرض وابتغوا من فضل اهلل واذكروا اهلل كثيرا لعلكم تفلحون﴾‬
‫هذه اآلية الكريمة قانون اقتصادي أساسي ومهم‪ .‬اهلل تعالى أمر بص لوات الف رض‬
‫الخمس ولكن بمجرد االنتهاء منها أمر اهلل تعالى بالعم ل الفعلي في اإلنت اج الحالل‬
‫المفيد لنمو االقتصاد‪ .‬فاإلنسان مجبر بأمر من اهلل تع الى بالعم ل الحالل بع د أداء‬
‫الصالة لتوفير طعامه وحاجيات ومتاع الدنيا الحالل‪ .‬وتذكروا وتدبروا إخواني األنفال‬
‫"‪﴿ "60‬وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة‪ ﴾...‬كل مس لم علي ه واجب العم ل الحالل‬
‫للمساهمة في إعداد القوة االقتصادية والعلمية والتقنية والعسكرية للدفاع عن اإلس الم‬
‫والمسلمين ودار اإلسالم في مواجهة الكفار أعداء اهلل وأعداء اإلسالم والمس لمين‪ .‬إن‬
‫اهلل تعالى لم يأمر بصالة النوافل كالفرائض‪ .‬والذين يشتغلون بالنواف ل وال يعمل ون‬
‫لإلنتاج إذا كانت استطاعة العمل متوفرة فيهم عصوا اهلل وفسقوا عن أم ره‪ .‬وهن اك‬
‫أدلة أخرى النبأ "‪﴿ "11‬وجعلنا النهار معاشا﴾ النهار يعمل فيه المسلم لكسب معاش ه‬
‫ويصلي في آن واحد صلوات الفرض الخمسة‪ .‬أمر اهلل تعالى بالعمل المنتج من فضله‬
‫ورزقه والنشاط االقتصادي وليس بجمع األموال في البورصات ودور القمار والمسير‬
‫والمضاربات المالية والربا‪ .‬فاالقتصاد في اإلسالم اقتصاد مادي يقوم على إنتاج السلع‬
‫وليس على االقتصاد المالي والنقدي ألن الذين يعيشون على االقتصاد المالي والنقدي‬
‫والربا وتجارة المحرمات يخربون االقتصاد ألنهم يستهلكون وال ينتجون وهم يعيشون‬
‫بظلم المنتجين للسلع‪ .‬واألدلة‪ :‬اإلسراء "‪﴿ "12‬وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضال‬
‫من ربكم﴾ وفضل اهلل هو رزق الس ماوات واألرض وليس اس تثمار األم وال في‬
‫األبناك بالربا وفي البورصة‪ .‬والبقرة "‪﴿ "267‬يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما‬
‫كسبتم ومما أخرجنا لكم من األرض‪ ﴾..‬وفاطر "‪﴿ "12‬ونرى الفلك فيه مواخر لتبتغوا‬
‫من فضله ولعلكم تشكرون﴾ فلوال إبحار السفينة لما حصل الصياد على السمك وه و‬
‫فضل اهلل لإلنسان‪ .‬والروم "‪﴿ "23‬ومن آياته منامكم باللي ل والنه ار وابتغ اؤكم من‬
‫فضله﴾ ويس "‪﴿ "35" "32‬وآية لهم األرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه‬
‫يأكلون وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون ليأكلوا من ثم رة‬
‫وما عملته أيديهم أفال يشكرون﴾ اهلل تعالى يوفر رزق السماوات واألرض ولكن البد‬
‫من عمل اإلنسان لتحويل مصادر الطعام واإلنتاج وكل ما يتعلق بالنشاط االقتص ادي‬
‫المادي‪ .‬هل الرضيع يستطيع االستفادة من رزق اهلل وفضله بنفسه؟ إن ه ال يس تطيع‬
‫الحركة والعمل‪ ،‬والبد من عمل والده أو من تكفل به لتوفير طعام هذا الرض يع وإال‬
‫تعرض للموت جوعا‪.‬‬
‫ولهذا فرض اهلل تعالى على األبناء البالغين اإلحسان للوالدين واإلنفاق عليهما‬
‫إذا كانا محتاجين بل أمرهم بشكر الوالدين مثل شكر اهلل على فضله ونعمه وإحس انه‬
‫والدليل لقمان "‪﴿ "14‬ووصينا اإلنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في‬
‫عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير﴾‪ ،‬فكل صغار اإلنسان والحيوان والطي ور‬
‫وكل الكائنات الحية تتوقف حياته ا على من يطعمه ا من رزق اهلل من الس ماوات‬
‫واألرض‪ .‬وهذه الحقيقة المطلقة عن نمو الرضيع دليل قاطع على أن اهلل تعالى فرض‬
‫العمل الحالل للكسب من رزق السماوات واألرض‪ .‬فالعم ل الحالل ه و الق انون‬
‫األساسي االقتصادي اإلسالمي‪ .‬بدون العمل ال يمكن االستفادة من رزق اهلل وفض له‪.‬‬
‫ولذلك استخلف اهلل تعالى‪  ‬اإلنسان لعبادته وإعمار األرض هود "‪﴿ "61‬هو أنشأكم من‬
‫األرض واستعمركم فيها﴾ والحديد "‪﴿ "7‬آمن وا باهلل ورس وله وأنفق وا مم ا جعلكم‬
‫مستخلفين فيه﴾ هذا االستخالف لهذه المهمة وواجب إطع ام النفس وتلبي ة حقوقه ا‬
‫المشروعة ومنها الزواج الحالل المشروع والنسل يعتبران من أس س ف رض واجب‬
‫العمل الحالل لتنمية اقتصاد الفرد والمجتمع‪ .‬لكن العم ل يجب أن يك ون حالال وفي‬
‫إطار حدود اهلل المحددة في القرآن الكريم‪ .‬فمن ينتج ويبيع وينقل الخمر والمخ درات‬
‫ومن يعمل في البغاء والدعارة عمله حرام وما ينتجه حرام ينال عنه عذاب اهلل تعالى‬
‫وعقاب السلطة اإلسالمية ومن يعمل في الربا والمضاربات النقدية والمالي ة عمل ه‬
‫حرام أيضا ألن فيها أكل أموال الناس بالباطل حرمه اهلل تع الى البق رة "‪﴿ "188‬ال‬
‫تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس باإلثم‬
‫وأنتم تعلمون﴾‪.‬‬
‫ومن القوانين االقتصادية اإلسالمية ممارسة السلطة اإلسالمية من طرف األمة‬
‫اإلسالمية في دار اإلسالم بحيث تنتخب من يمارس سلطة تنفيذ القوانين تحت إشرافها‬
‫ومراقبتها لتنفيذ أحكام القرآن ومنه القوانين االقتصادية وإقامة العدل بين الناس ألن ه‬
‫من عوامل االزدهار االقتصادي و السلم االجتماعي‪.‬‬
‫فاألمة اإلسالمية ملزمة بممارسة الحكم ألنها مس ؤولة أم ام اهلل تع الى عن‬
‫تطبيق منهج اهلل تعالى والدليل أن أوامر اهلل تعالى ونواهيه صدرت للمسلمين كاف ة‪.‬‬
‫فتدبروا إخواني آيات القرآن الك ريم لتتأك دوا من ذل ك ومن األحك ام الدس تورية‬
‫اإلسالمية التي أسندت الحكم في دار اإلسالم لألمة اإلسالمية الشورى "‪﴿ "38‬والذين‬
‫استجابوا لربهم وأقاموا الصالة وأم رهم ش ورى بينهم﴾‪ .‬ال يج وز أن يحكم على‬
‫المسلمين إال المسلمون الذين تنتخبهم األمة اإلسالمية بناءا على تقواهم وم ؤهالتهم‪.‬‬
‫المائدة "‪﴿ "56" "55‬إنما وليكم اهلل ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصالة ويؤتون‬
‫الزكاة وهم راكعون ومن يتول اهلل ورسوله والذين آمنوا فإن حزب اهلل هم الغالبون﴾‬
‫والنساء "‪﴿ "58‬إن اهلل يأمركم أن تؤدوا األمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن‬
‫تحكموا بالعدل﴾ والمائدة "‪﴿ "8‬يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين هلل شهداء بالقسط وال‬
‫يجرمنكم شنآن قوم على أال تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا اهلل إن اهلل خبير بما‬
‫تعملون﴾ هذه األحكام الدستورية في القرآن فرضت على المسلمين المك ونين لألم ة‬
‫اإلسالمية إقامة العدل بين الناس‪ ،‬وال يمكن إقامته إال بممارسة السلطة والحكم في دار‬
‫اإلسالم‪ .‬لهذا فرض اهلل طاعة أولي األمر والدليل النساء "‪﴿ "59‬يا أيها الذين آمن وا‬
‫أطيعوا اهلل وأطيعوا الرسول وأولي األمر منكم﴾ ولكن هذه القاع دة الدس تورية هي‬
‫أيضا تعطي الحكم والسلطة في دار اإلسالم للحكام المسلمين الذين ننتخبهم وتختارهم‬
‫األمة اإلسالمية‪ .‬فتدبروا إخواني عبارة ﴿أولي األمر منكم﴾ "أي من الذين آمن وا ألن‬
‫كلمة" منكم تعود لمن خاطبهم وأمرهم اهلل تعالى وهم الذين آمنوا‪ .‬ولكن قيد اهلل تعالى‬
‫طاعة الحكام وأولي األمر فيما ال يخالف شرع اهلل تع الى‪ .‬فال طاع ة لمخل وق في‬
‫معصية الخالق وهو اهلل تعالى‪ .‬وهناك دليل آخ ر النس اء "‪﴿ "83‬وإلى أولي األم ر‬
‫منهم﴾ أي من المسلمين‪ .‬والتوبة "‪﴿ "105‬وقل اعملوا فس يرى اهلل عملكم ورس وله‬
‫والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون﴾‪ ،‬فالمؤمنون‬
‫أعطتهم هذه القاعدة الدستورية سلطة مراقبة المسلمين وف رض اح ترامهم لمنهج اهلل‬
‫ألن أعمال الناس في دار اإلسالم خاضعة لمراقب ة اهلل تع الى ومالئكت ه واألم ة‬
‫اإلسالمية‪.‬‬
‫والقوانين االقتصادية اإلسالمية من منهج اهلل الواجب التطبيق من طرف األمة‬
‫اإلسالمية‪ .‬ولهذا بينت األحكام الدستورية اإلسالمية التي تؤكد صراحة وبدون شك أن‬
‫الحكم والسلطة في دار اإلسالم لألمة اإلسالمية‪ .‬فهي المسؤولة عن تدبير االقتص اد‬
‫وكل ما يتعلق بالنشاط االقتصادي ومؤسساته‪ .‬وهي المسؤولة عن ف رض االل تزام‬
‫بالقوانين االقتصادية اإلسالمية التي حددها اهلل تعالى في القرآن الكريم‪ .‬ولهذا اعتبرت‬
‫ممارسة األمة اإلسالمية للحكم في دار اإلسالم من القوانين الدس تورية االقتص ادية‬
‫اإلسالمية‪ .‬ومن األحكام الدستورية اإلسالمية أضيف قاعدة هامة وأساسية في القرآن‬
‫الكريم هي التوبة "‪﴿ "71‬المؤمن ون والمؤمن ات بعض هم أولي اء بعض ي أمرون‬
‫بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصالة ويؤتون الزكاة ويطيعون اهلل ورسوله‬
‫أولئك سيرحمهم اهلل إن اهلل عزيز حكيم﴾‪ .‬هك ذا بين اهلل تع الى أن المؤم نين كلهم‬
‫والمؤمنات يشكلون نظاما لتدرج السلط والواليات من أجل أداء واجب مفروض عليهم‬
‫شرعا وهو من فرائض اإلسالم أال وهو األمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومعن اه‬
‫فرض االلتزام بالقرآن الكريم ألنه في أحكامه أمر بالمعروف ونهي عن المنكر‪ .‬ه ذا‬
‫واجب ال يمكن أن يعفى منه أحد وخاصة األمة اإلسالمية صاحبة السلطة والحكم‪.‬‬
‫هذه اآلية "‪ "71‬من التوبة من األسس الشرعية التي تسند لألم ة اإلس المية‬
‫السلطة اإلس المية والحكم في دار اإلس الم‪ .‬فال يمكن النهي عن المنك ر واألم ر‬
‫بالمعروف وتنفيذ هذه األوامر بدون سلطة وحكم‪ .‬والقوانين االقتصادية اإلسالمية من‬
‫قوانين اهلل التي شرعها في القرآن الكريم‪ ،‬واألمة اإلس المية مس ؤولة عن ف رض‬
‫تطبيقها وااللتزام بها‪.‬‬
‫وهناك قاعدة دستورية أخرى مؤيدة ومؤكدة للتوبة "‪ "71‬وهي س ورة الحج "‬
‫‪﴿ "41‬الذين إن مكناهم في األرض أقاموا الصالة وآتوا الزكاة وأم روا ب المعروف‬
‫ونهوا عن المنكر وهلل عاقبة األمور﴾ فاألمر بالمعروف والنهي عن المنكر أي تطبيق‬
‫شرع اهلل المحدد للمنكر والمعروف من األسباب التي استخلف من أجله ا اهلل تع الى‬
‫اإلنسان في الدنيا‪ .‬واألعراف "‪﴿ "181‬وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يع دلون﴾‬
‫والحق هو القرآن الكريم وعدل اهلل تعالى‪ .‬لهذا يجب على األمة اإلس المية انتخ اب‬
‫أولي األمر من بين المتوفرين على الكفاءة العلمية والصحية والعلم بشرع اهلل تع الى‬
‫والتقوى فالحكم بالعدل بين الناس وفرض تطبيق الق وانين االقتص ادية من عوام ل‬
‫ازدهار ونمو اقتصاد الفرد والمجتمع واألمن واالستقرار‪ .‬لهذا ف الحكم بالع دل بين‬
‫الناس من القوانين االقتصادية اإلسالمية‪.‬‬
‫وأبين األدلة على أن اهلل تعالى فرض إقامة العدل بين الناس ومنها‪ :‬النح ل "‬
‫‪﴿ "90‬إن اهلل يأمر بالعدل واإلحسان وإيتاء ذي القربى وينهي عن الفحشاء والمنك ر‬
‫والبغي﴾ والنساء "‪﴿ "135‬يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء هلل ولو على‬
‫أنفسكم أو الوالدين واألقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فاهلل أولى بهما فال تتبعوا اله وى‬
‫أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن اهلل كان بما تعملون خبيرا﴾ والمائدة "‪﴿ "87‬ي ا‬
‫أيها الذين آمنوا ال تحرم وا طيب ات م ا أح ل اهلل لكم وال تعت دوا إن اهلل ال يحب‬
‫المعتدين﴾‪ .‬األعراف "‪﴿ "29‬قل أمر ربي بالقسط﴾ وهو العدل واإلنصاف‪ .‬والحديد "‬
‫‪﴿ " 25‬لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط﴾‪.‬‬
‫فكل األمم أنزل عليها اهلل تعالى شرائعه وأمرها بالحكم بين الناس بالعدل واإلنصاف‪.‬‬
‫وهذه اآلية قاعدة دستورية أخرى وقانون اقتصادي آخر يعتبر العامل األساسي بجانب‬
‫العمل الحالل الزدهار ونمو اقتصاد الفرد والمجتمع‪ ،‬واألساس الدستوري الذي يسند‬
‫الحكم والسلطة لألمة اإلسالمية‪ .‬ومن األحكام التي تفرض الع دل بين الن اس وفي‬
‫العالقات االقتصادية بينهم هناك كثير من اآليات أذكر منها األعراف "‪﴿ "85‬ف أوفوا‬
‫الكيل والميزان وال تبخسوا الناس أشياءهم وال تفسدوا في األرض بعد إصالحها ذلك‬
‫خير لكم إن كنتم مؤمنين﴾ واألنعام "‪﴿ "82‬الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم يظلم أولئك‬
‫لهم األمن وهم مهتدون﴾ فعدم ظلم الناس وإقامة الع دل بينهم من ش روط اإليم ان‬
‫فالعدل شرط من شروط ازدهار االقتص اد ونم وه وتط بيق منهج اهلل من عوام ل‬
‫ازدهاره أيضا‪ .‬لهذا يجب االلتزام بكل أحكام القرآن الكريم وعدم تفضيل متاع ال دنيا‬
‫على متاع اآلخرة الدائم‪ .‬إذا التزم المسلمون بالقرآن قوال وعمال سرا وعالنية ي وفر‬
‫لهم اهلل تعالى رزق السماوات واألرض وي رزقهم من حيث ال يحتس ب‪ .‬وال دليل‬
‫القصص "‪﴿ "77‬وابتغ فيما آتاك اهلل الدار اآلخرة وال تنس نصيبك من الدنيا وأحس ن‬
‫كما أحسن اهلل إليك وال تبغ الفساد في األرض إن اهلل ال يحب المفسدين﴾ يونس "‪" "7‬‬
‫‪﴿ "8‬إن الدين ال يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا‬
‫غافلون أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون﴾ والمنافقون "‪﴿ "9‬يا أيها الذين آمنوا ال‬
‫تلهكم أموالكم وال أوالدكم عن ذكر اهلل ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون﴾ األعلى‬
‫"‪﴿ " 19" "16‬بل تؤثرون الحياة الدنيا واآلخرة خير وأبقى إن هذا لفي الصحف األولى‬
‫صحف إبراهيم وموسى﴾ والعصر "‪﴿ "3" "1‬والعصر إن اإلنسان لفي خسر إال الذين‬
‫آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر﴾‪ .‬أقس م اهلل تع الى أن‬
‫المؤمنين الصالحين المتقين الذين يعملون لمتاع الدنيا الحالل ومتاع اآلخرة ال دائم هم‬
‫الفائزون في الدنيا واآلخرة والناجون من عذاب اهلل طه "‪﴿ "76" "74‬إنه من يأت ربه‬
‫مجرما فإن له جهنم ال يموت فيها وال يحيى ومن يأته مؤمنا ق د عم ل الص الحات‬
‫فأولئك لهم الدرجات العلى جنات عدن تجري من تحتها األنهار خالدين فيه ا وذل ك‬
‫جزاء من تزكى﴾ فااللتزام بالقرآن والعمل بأحكامه الشرعية قوال وعمال سرا وعالنية‬
‫من عوامل ازدهار اقتصاد الفرد والمجتمع والدليل كثير من اآليات منها الطالق " ‪" "2‬‬
‫‪﴿ "3‬ومن يتق اهلل يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث ال يحتسب﴾ طه " ‪"124" "123‬‬
‫﴿فمن اتبع هداي فال يضل وال يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ض نكا‬
‫ونحشره يوم القيامة أعمى﴾ األعراف "‪﴿ "96‬ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحن ا‬
‫عليهم بركات من السماء واألرض﴾ وهذه القاعدة عامة وثابتة في كل شرائع اهلل التي‬
‫أنزلها للناس والدليل‪ :‬األعراف "‪﴿ "35‬يا بني آدم إما ي أتينكم رس ل منكم يقص ون‬
‫عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فال خوف عليهم وال هم يحزنون﴾ والتقوى هي االلتزام‬
‫يشرع اهلل تعالى‪ .‬ومن اتقى وأصلح وعمل صالحا ضمن له اهلل تعالى األمن والسعادة‬
‫في الدنيا واآلخرة ومنها ازدهار االقتصاد إال حالة االبتالء من اهلل تعالى والعقاب‪.‬‬
‫ومن القوانين االقتصادية اإلسالمية فريضة أداء الزكاة على من يت وفر في ه‬
‫النصاب الشرعي والدليل النور "‪﴿ "56‬وأقيموا الصالة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول‬
‫لعلكم ترحمون﴾ المزمل "‪﴿ "20‬وأقيموا الصالة وآت وا الزك اة‪ ﴾...‬والبق رة "‪"83‬‬
‫﴿وأقيموا الصالة وآتوا الزكاة﴾ والنمل "‪﴿ "3" "1‬طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين‬
‫هدى وبشرى للمؤمنين الذين يقيمون الصالة ويؤتون الزكاة وهم باآلخرة هم يوقنون﴾‬
‫ولقمان "‪﴿ "5" "2‬تلك آيات الكتاب الحكيم هدى ورحمة للمحسنين ال ذين يقيم ون‬
‫الصالة ويؤتون الزكاة وهم باآلخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم‬
‫المفلحون﴾‪ .‬والمؤمنون "‪﴿ "4" "1‬قد أفلح المؤمنون الذين هم في صالتهم خاشعون‬
‫والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون﴾ والبينة "‪﴿ "5‬وما أمروا إال‬
‫ليعبدوا اهلل مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصالة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيم ة﴾‬
‫هذه األحكام الشرعية تؤكد صراحة أن الزكاة أهم ف رائض اإلس الم ألن له ا دور‬
‫اقتصادي واجتماعي مهم‪ .‬فهي تنقد المحتاجين المس لمين ال ذين ال يت وفرون على‬
‫مصدر الطعام ألسباب خارجة عن إرادتهم وفي ذلك اإلنقاد تقوية للعنص ر البش ري‬
‫المنتج ولألمة اإلسالمية حيث يعتبر المؤمنون بحكم الشرع إخوة في الدين متك افلين‬
‫متضامين‪ ،‬فالمؤمن الذي أنقدت الزكاة حياته من خطر الجوع قد يفيد األمة في حم ل‬
‫السالح والدفاع عن اإلسالم‪ .‬ومن الناحية االقتصادية فإن الزك اة ق انون اقتص ادي‬
‫إسالمي فرضه اهلل تعالى لمنع تكدس الثروات وتبذيرها أو استهالكها باإلس راف ألن‬
‫في ذلك ضرر لالقتصاد‪ .‬كما أن الزكاة تشجع على السيولة وعلى رف ع الطلب على‬
‫إنتاج السلع مما يساعد على االزدهار االقتصادي‪.‬‬
‫لهذا خصص اهلل تعالى عذاب الدنيا ون ار جهنم لمن رفض إعط اء الزك اة‬
‫المستحقة عليه عمدا وجعلها من شروط اإليمان الصادق‪ .‬والدليل‪ :‬اللي ل "‪"11" "5‬‬
‫﴿فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخ ل واس تغنى‬
‫وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى وما يغني عنه ماله إذا تردى﴾ والليل "‪"18" "14‬‬
‫﴿فأنذرتكم نارا تلظى ال يصالها إال األشقى الذي كذب وتولى وسيجنبها األتقى ال ذي‬
‫يؤتي ماله يتزكى﴾‪ .‬فتدبروا إخواني المحترمين هذه اآلية‪ .‬فالذي يمتنع عمدا عن أداء‬
‫الزكاة الواجبة عليه إذا لم يتب ويؤد ما عليه البد له من نار جهنم ولو صام وص لى‬
‫مئة سنة وحج عدة مرات‪.‬‬
‫فال يدخل الجنة من لم يؤد الزكاة الواجبة عليه عمدا وال ينال رحم ة اهلل في‬
‫الدنيا واآلخرة‪ .‬والدليل األعراف "‪﴿ "156‬ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها لل ذين‬
‫يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون﴾‪ .‬فيا أيها الناس أدوا م ا يجب عليكم‬
‫من زكاة فإن بخلتم وتحايلتم فإن اهلل يحرمكم من رحمته ويعذبكم في الدنيا واآلخ رة‪.‬‬
‫ومن عذاب اهلل في الدنيا تدهور االقتصاد وكساده ألن مصادره األساسية بيد اهلل وهي‬
‫رزق السماوات واألرض وال أحد نهائيا يوفره للناس إال اهلل تعالى يونس "‪﴿ "58‬ق ل‬
‫بفضل اهلل وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون﴾ المسد "‪﴿ "5" "1‬تبت يدا‬
‫أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب سيصلى نارا ذات لهب وامرأت ه حمال ة‬
‫الحطب في جيدها حبل من مسد﴾‪ .‬وعلى السلطة اإلسالمية وضع مؤسسات الزك اة‬
‫تراقب تطبيق هذه الفريضة وتحدد المستحقات وإن لم يكن هناك من يستحقها تجم ع‬
‫وتصرف في األعمال الخيرية والدعوة اإلسالمية والجيش‪ .‬والصدقة هي أيضا قانون‬
‫اقتصادي إسالمي فرضها اهلل تعالى لمصلحة المؤمنين الصالحين المحتاجين ألس باب‬
‫خارجة عن إرادتهم‪( .‬سأبين األدلة على أن الزكاة والصدقة ال تعطى إال للمسلمين في‬
‫الدراسة التي أبين فيها أمثلة تطبيقية عن استنباط األحكام الشرعية من القرآن الك ريم‬
‫فيما بعد) ومنها األنفال "‪﴿ "60‬وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة‪ ﴾...‬فالحكم الشرعي‬
‫الغير المنطوق في هذه اآلية الكريمة هو أنها حرمت ومنعت إعطاء الصدقة والزك اة‬
‫للكفار وأية وسيلة أو فرصة للتفوق على المسلمين بمختلف أشكالها والممتحنة " ‪﴿ "1‬يا‬
‫أيها الذين آمنوا ال تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بم ا‬
‫جاءكم من الحق﴾ والمجادلة "‪﴿ "22‬ال تجد قوما يؤمنون باهلل واليوم اآلخر يوادون‬
‫من حاد اهلل ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب‬
‫في قلوبهم اإليمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها األنهار خال دين‬
‫فيها رضي اهلل عنهم ورضوا عنه أولئك حزب اهلل أال إن حزب اهلل هم المفلحون ﴾ اهلل‬
‫تعالى حرم المودة بين المسلمين و الكفار لهذا فرض اعطاء الص دقة و الزك اة لمن‬
‫يستحقها من المسلمين ‪.‬‬
‫وللصدقة نفس اآلثار االقتصادية واالجتماعية التي ذكرتها بالنس بة للزك اة‪.‬‬
‫واألدلة المؤكدة لفرض الصدقة مما هو فائض في أموال المسلمين ما يلي‪ :‬الروم "‪"38‬‬
‫﴿فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خير للذين يريدون وجه اهلل وأولئك‬
‫هم المفلحون﴾ اإلسراء "‪﴿ "26‬وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل وال تب ذر‬
‫تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لرب ه كف ورا﴾‪ .‬ح رم اهلل‬
‫تعالى تبذير الموارد االقتصادية وجعله كفرا معاقبا عليه بجهنم‪.‬‬
‫ومن األدلة على فرض الصدقة الذاريات "‪﴿ "19‬وفي أموالهم ح ق للس ائل‬
‫والمحروم﴾‪ ،‬فالزكاة والصدقة حكم اهلل تعالى بإعطائهما للمسلمين المحرومين ألسباب‬
‫خارجة عن إرادتهم كالمعاقين والمرضى بمرض مزمن واهلل أحكم الحاكمين والدليل‪:‬‬
‫الممتحنة "‪﴿ "10‬ذلكم حكم اهلل يحكم بينكم واهلل عليم حكيم﴾ الرع د "‪﴿ "41‬واهلل يحكم‬
‫ال معقب لحكمه وهو سريع الحساب﴾ واألحزاب "‪﴿ "36‬وما كان لمؤمن وال مؤمن ة‬
‫إذا قضى اهلل ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص اهلل ورس وله‬
‫فقد ضل ضالال مبينا﴾ كل أحكام القرآن الشرعية حكم اهلل تعالى وأوامره التي قضى‬
‫بها ومنها فريضة الزكاة والصدقة‪.‬‬
‫ومن لم ينفذ حكم اهلل فإنه معرض لعذاب اهلل عز وجل في الدنيا ومنه الكس اد‬
‫والتدهور االقتصادي وعذاب نار جهنم في اآلخرة‪ .‬وهذا أمر اهلل تعالى وحكمه بأداء‬
‫الصدقة في سورة إبراهيم "‪﴿ "31‬قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصالة وينفقوا مم ا‬
‫رزقناهم سرا وعالنية من قبل أن يأتي يوم ال بيع فيه وال خالل﴾‪.‬‬
‫فالزكاة والصدقة تنمي االقتص اد وتحق ق التكام ل والتكاف ل والتض امن‬
‫االجتماعي بين المسلمين‪ ،‬فهي تمنع ت راكم األم وال واكتنازه ا وتنش ط ال دورة‬
‫االقتصادية والسيولة النقدية وتدعم القوة الشرائية لدى الفقراء والمحرومين مما يساعد‬
‫على نمو االقتصاد‪.‬‬
‫واهلل تعالى أكد في عدة آيات أنه كلما التزم المسلمون بأحكام الق رآن ومن ه‬
‫القوانين االقتصادية واتقوا وفر لهم مصادر نمو االقتصاد وهي الرزق الذي يوفره من‬
‫السماوات واألرض‪.‬‬
‫ومن القوانين االقتصادية التي فرضها اهلل عز وجل في القرآن الكريم اإلنفاق‬
‫على الدعوة اإلسالمية لنشر دين اإلسالم وإقناع الناس بوجود اهلل تعالى وأن ه خ الق‬
‫الكون وما فيه ومدبر أموره وأن القرآن الكريم كالم اهلل تعالى وشرعه للن اس كاف ة‬
‫وأنه صدق وحق وأن كل الناس في الكون ملزمون بفهمه والعمل بأحكامه قوال وعمال‬
‫سرا وعالنية‪ .‬اإلنفاق على الدعوة اإلسالمية له آث ار مهم ة على نم و االقتص اد‬
‫وازدهاره ألن األمة اإلسالمية تتقوى بزيادة العنصر البشري ويسود األمن والسلم في‬
‫دار اإلسالم ألن المسلمين إخوة في الدين بحكم القرآن‪ .‬فيجب الجهاد بالم ال والنفس‬
‫للدعوة اإلسالمية والدفاع عن اإلسالم ودار اإلسالم وما خلق اهلل تعالى فيها من موارد‬
‫اقتصادية‪ .‬والدليل‪ :‬المائدة "‪﴿ "35‬يا أيها الذين آمنوا اتقوا اهلل وابتغوا إلي ه الوس يلة‬
‫وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون﴾ الحجرات "‪﴿ "15‬إنما المؤمنون الذين آمن وا باهلل‬
‫ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل اهلل أولئك هم الص ادقون﴾‬
‫واألنفال "‪﴿ "74‬والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل اهلل والذين آووا ونص روا‬
‫أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم﴾ والصف "‪﴿ "13" "10‬يا أيها الذين‬
‫آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون باهلل ورسوله وتجاهدون في‬
‫سبيل اهلل بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم وي دخلكم‬
‫جنات تجري من تحتها األنهار ومساكن طيبة في جنات ع دن ذل ك الف وز العظيم‬
‫وأخرى تحبونها نصر من اهلل وفتح قريب وبشر المؤمنين﴾ والبق رة "‪﴿ "261‬مث ل‬
‫الذين ينفقون أموالهم في سبيل اهلل كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة‬
‫واهلل يضاعف لمن يشاء وهلل واسع عليم﴾ ‪ .‬فاإلنفاق في سبيل اهلل فريض ة إس المية‬
‫ويعني اإلنفاق على الدعوة اإلسالمية والجهاد للدفاع عن اإلس الم والمس لمين ودار‬
‫اإلسالم في حالة االعتداء من طرف الكفار‪ .‬واهلل تعالى قوي وغني وال يحتاج إلى من‬
‫يدافع عنه وينفق من أجله ألنه أوجد كل ما هو موجود ويملك الكون وما في ه وه و‬
‫قادر على أن يجعل كل الناس مؤمنين مسلمين وله جنود من المالئك ة والجن ول ه‬
‫القدرة على حماية دار اإلسالم والمسلمين واإلسالم ولكن في إطار االبتالء واالمتحان‬
‫واالختبار أسند مهمة الجهاد بالنفس والمال للمسلمين وخصص لهم رحمته في ال دنيا‬
‫واآلخرة إذا أطاعوه واتقوا وفرضوا تطبيق القرآن الكريم ومنه القوانين االقتصادية‪.‬‬
‫فالنشاط االقتصادي والعمل الحالل لإلنتاج فريضة على كل من تت وفر في ه‬
‫االستطاعة العقلية والصحية‪ .‬والدليل األنفال "‪﴿ "60‬وأع دوا لهم م ا اس تطعتم من‬
‫قوة‪ ﴾...‬وال يمكن إعداد القوة إال بالعم ل لتنمي ة االقتص اد واالل تزام ب القوانين‬
‫االقتصادية اإلسالمية‪ .‬ومن لم يساهم بالعمل الحالل لإلنتاج إذا توفرت فيه االستطاعة‬
‫عصى اهلل الذي أمر بالعمل الحالل وارتكب جريمة في حق األمة اإلسالمية وك ذلك‬
‫من أعطى الزكاة والصدقة للكفار وللمسلم القادر على العمل ارتكب نفس الجريمة‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫ب‪ -‬القوانين االقتصادية اإلسالمية التي تحرم ما يخرب االقتصاد‪:‬‬
‫هذه األفعال التي حرمها اهلل تعالى لها آثار سلبية على اقتصاد الفرد والمجتمع‬
‫فهي تخرب االقتصاد وتدمره وتؤدي به إلى الكساد واالنهيار واألزمات االقتص ادية‬
‫والمالية وقيام الحروب والنزاعات والصراع بين األفراد والجماعات والدول من أجل‬
‫مصادر الطعام والبقاء على قيد الحياة‪ .‬وسأتعرض لها مبينا اآليات الكريمة المحتوية‬
‫على األحكام الشرعية والقوانين االقتصادية المحرمة لها حسب ما اس تطعت ت دبره‬
‫واستنباطه‪.‬‬
‫إن أخطر جرثومة لتخريب االقتصاد عاجال أم آجال هي الربا الذي حرمه اهلل‬
‫عز وجل وجعله كفرا واعتبر كل من يتعامل به عن قصد وعلم ويقبض ه ويعطي ه‬
‫مرتكبا للكبائر من السيئات مصيره نار جهنم مثل الزنا والشرك باهلل وقتل النفس بخير‬
‫حق وأكل أموال الناس بالباطل إال إذا تاب توبة نصوحا صادقة بدون رجعة وع ودة‬
‫إلى السيئات‪ .‬والدليل‪ :‬البقرة "‪﴿ "276" "275‬الذين يأكلون الربا ال يقومون إال كما‬
‫يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأح ل اهلل‬
‫البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأم ره إلى اهلل ومن‬
‫عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون يمحق اهلل الربا ويربي الص دقات واهلل ال‬
‫يحب كل كفار أثيم﴾ والبقرة "‪﴿ "278‬يا أيها الذين آمنوا اتقوا اهلل وذروا م ا بقي من‬
‫الربا إن كنتم مؤمنين﴾‪ .‬الربا حرمه اهلل ويعني الفائدة التي يأخذها من أقرض غ يره‬
‫سواء فرد أو مؤسسة وسواء كانت هذه الفائدة نقدا أو غيره‪ .‬والربح المتفاحش ال ذي‬
‫يتجاوز ثلث ثمن كلفة السلعة أو الخدمة ربا هو أيض ا وك ل غبن في تق دير الثمن‬
‫الحقيقي ربا محرم‪.‬‬
‫الربا من العوامل األساسية التي تخرب االقتصاد في كثير من البلدان وأعطى‬
‫مثال حسابيا عن آثار الربا السلبية‪ :‬لنتصور مجتمعا مكونا من ‪ 100‬ف رد‪ 30 ،‬منهم‬
‫لهم رؤوس أموال يستثمرونها في األبناك بالربا ويعيشون بمداخيله‪ ،‬وال يعملون ب ل‬
‫يستهلكون ويبذرون‪ .‬و‪ 20‬فردا يعيشون من مداخيل الميسر والقمار وال يعمل ون في‬
‫اإلنتاج بل يستهلكون ويبذرون و ‪ 10‬أفراد يعيشون من مداخيل وعائدات البورص ة‬
‫والسرقة والرشوة والنصب واالحتيال وتجارة المخذرات والخمر والدعارة وتزوي ر‬
‫ميزانيات اإلدارات والجماعات والمؤسسات األخرى‪ 30 .‬ف ردا من ه ذا المجتم ع‬
‫يعيشون هم أيضا من عائدات الخدمات الغير المنتجة باستثناء قطاع التعليم والتك وين‬
‫العلمي والتقني وأذكر من هذه الخدمات الضارة اقتصاديا مثال قط اع الك رة ال ذي‬
‫تصرف عليه أموال طائلة بدون أية فائدة‪ ،‬خاصة وأن هذا القطاع يجمد طاقة مهم ة‬
‫مؤهلة لإلنتاج وهي طاقة الشباب ال تشارك في االقتصاد الم ادي‪ .‬وتنف ق وتب در‬
‫وتستهلك أمواال باهضة مقابل فقط التصفيق على كرة دخلت شبكة وليس مقابل إنتاج‬
‫وتصنيع دواء أو دبابة أو طائرة‪ .‬وهناك من األفراد في هذا المجتمع من يس تهلكون‬
‫ويبذرون عائدات المضاربات واالحتكارات واألرباح المتفاحشة‪ ،‬فسكان هذا المجتمع‬
‫المئة منهم ‪ 10‬هم الذين ينتجون ويشتغلون في االقتصاد المادي وإنتاج السلع بينما ‪90‬‬
‫الباقون يشتغلون في االقتصاد المالي النقدي وال ينتجون هل يستطيع ‪ 10‬أفراد إنت اج‬
‫ما يطعم ‪ 90‬فردا ماذا يفعل ‪ 90‬فردا بأطنان الذهب والفضة وماليير النقود الورقي ة‬
‫والمعدنية واألسهم والسندات والكمبياالت؟ إنها ال تقيدهم شيئا‪ .‬بل يرتف ع الطلب على‬
‫عرض السلع وترتفع األسعار وينتج التضخم والكساد االقتص ادي وتك ون الس يولة‬
‫مرتفعة وال يكفي إنتاج السلع فتنشأ األزمات والحروب حول مصادر العيش فيم وت‬
‫من يموت ويحيى من يحيى‪ .‬أما إذا منع اهلل وأمسك رزق السماوات واألرض عقاب ا‬
‫للناس فاألرض تموت والنباتات والحيوانات وأشجار الفواكه والخضر وبالتالي تموت‬
‫كل المخلوقات الحية ومنها اإلنسان‪ .‬فآمنوا أيها الناس والتزموا بالقرآن واتقوا واعلموا‬
‫صالحا تفوزوا بسعادة الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫حرم اهلل تعالى السرقة مثل الربا ألنها جريمة في حق من سرق له ماله وفي‬
‫حق اقتصاد المجتمع والدليل المائدة ‪﴿ :38‬والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ج زاء‬
‫بما كسبا نكاال من اهلل واهلل عزيز حكيم﴾ وطبعا السرقة تعددت أش كالها ووس ائلها‬
‫فهناك السرقة بالكمبيوتر وتزوير الميزانيات والفاتورات والنقود وهي جريمة خطيرة‬
‫في حق اقتصاد الفرد والمجتمع‪ .‬وحرم اهلل تعالى االحتكار والمضاربة في األم وال‬
‫والسلع والدليل‪ :‬التوبة "‪﴿ "35" "34‬والذين يكنزون الذهب والفضة وال ينفقونها في‬
‫سبيل اهلل فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في ن ار جهنم فتك وى به ا جب اههم‬
‫وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم ألنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون﴾ ح رم اهلل تع الى‬
‫خزن الذهب والفضة ألنهما كانا وسيلة وعملة للتب ادل وتق ييم الس لع ولكن الحكم‬
‫الشرعي في هذه اآلية التوبة "‪ "35" "34‬يدل على أن كل الوسائل والعمالت المستعملة‬
‫في التبادل وتقييم السلع والخدمات كالنقود المعدنية والورقية والسلع نفسها ح رم اهلل‬
‫تعالى اكتنازها وخزنها والمضاربة فيها ومنعها من التداول بين الناس ورفع أسعارها‬
‫عمدا ألن ذلك يجمد النشاط االقتصادي واإلنتاج وي ؤدي إلى التض خم أو الكس اد‬
‫واالنهيار االقتصادي‪ .‬محمد "‪﴿ "38‬ها أنتم هؤالء تدعون لتنفقوا في س بيل اهلل فمنكم‬
‫من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه واهلل الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل‬
‫قوما غيركم ثم ال يكونوا أمثالكم﴾ وآل عمران "‪﴿ "180‬وال يحسبن الذين يبخلون بما‬
‫آتاهم اهلل من فضله هو خير لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة وهلل‬
‫ميراث السماوات واألرض واهلل بما تعملون خبير﴾ والنساء "‪﴿ "37‬ال ذين يبخل ون‬
‫ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم اهلل من فضله واعتدنا الكافرين عذابا مهينا﴾‬
‫والحديد "‪﴿ "24‬الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ومن يتول فإن اهلل هو الغ ني‬
‫الحميد﴾ هذه حكمة اهلل تعالى وقوانينه االقتصادية التي يجب على المسلمين االمتث ال‬
‫لها‪ .‬حرم اهلل االحتكار في السلع واألموال والنقود لكي ال يتأثر االقتصاد ويبقى هناك‬
‫التوازن بين العرض والطلب وال تنقص السيولة النقدية فينهار االقتصاد‪.‬‬
‫وحرم اهلل تعالى كذلك أكل أموال الناس بالباطل كالرش وة والنص ب والغبن‬
‫والظلم والدليل البقرة "‪﴿ "188‬وال تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام‬
‫لتأكلوا فريقا من أموال الناس باإلثم وأنتم تعلمون﴾ والنساء " ‪﴿ "29‬يا أيها الذين آمنوا‬
‫ال تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل‪ ﴾...‬والنساء "‪﴿ "30‬ومن يفعل ذلك ع دوانا وظلم ا‬
‫فسوف نصليه نارا وكان ذلك على اهلل يسيرا﴾ هذه قاعدة قانوني ة اقتص ادية هام ة‬
‫وحكمة اهلل تعالى لو طبقت في دار اإلسالم الزدهر االقتص اد اإلس المي‪ .‬إن أك ل‬
‫أموال الناس بالباطل مثل الربا ال يؤدي إال إلى الظلم والفحشاء‪ .‬ومن يأك ل أم وال‬
‫الناس بالباطل ولم يتب ولم يرد األموال إلى أصحابها فإن مصيره عذاب اهلل تع الى‬
‫في الدنيا واآلخرة ولو صلى مئة سنة وحج وصام‪.‬‬
‫لقد حرم اهلل تعالى كل أشكال ظلم الناس كيفما كان وضعهم والدليل‪ :‬األنعام "‬
‫‪﴿ "82‬الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم األمن وهم مهتدون﴾ والشورى "‬
‫‪﴿ "42‬إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في األرض بغير الحق أولئك لهم‬
‫عذاب أليم﴾ وهود "‪﴿ "85‬وال تبخسوا الناس أشياءهم وال تعثوا في األرض مفسدين﴾‬
‫والشعراء "‪﴿ "183‬وال تبخسوا الناس أش ياءهم وال تعث وا في األرض مفس دين﴾‬
‫والنساء "‪﴿ "10‬إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما ي أكلون في بط ونهم ن ارا‬
‫وسيصلون سعيرا﴾ والنساء "‪﴿ "5‬وال تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل اهلل لكم قيام ا‬
‫وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قوال معروفا﴾ فالسفيه والمبذر يضر باالقتص اد‬
‫لهذا يجب إبعاده عن األموال والتصرف فيها‪ .‬والدليل اإلسراء "‪﴿ "27" "26‬وآت ذا‬
‫القربى حقه والمسكين وابن السبيل وال تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين‬
‫وكان الشيطان لربه كفورا﴾ وطه "‪﴿ "81‬كلوا من طيبات ما رزقناكم وال تطغوا في ه‬
‫فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى﴾ فالمسلم ملزم بعدم ظلم الناس‬
‫في دمائهم وأعراضهم وأموالهم‪ .‬فإذا كان لديه المال فعليه أن ال يطغى ويتج بر على‬
‫الناس بل عليه استعمال المال في ما أمر به اهلل تعالى‪.‬‬
‫والتجارة في السندات واألسهم والكمبياالت هي أيضا مضرة باالقتصاد ألنه ا‬
‫تخلق فئات مبذرة ومستهلكة تعيش على عائدات المضاربات واقتصاد المال والنق ود‬
‫وال تشارك في االقتصاد المادي للسلع مما يؤدي إلى نقص عرض اإلنتاج أمام الطلب‬
‫وبالتالي التضخم والكساد االقتصادي‪.‬‬
‫فقوة الدولة ال تقاس بما لديها من نقود وذهب وفضة ألنها وسيلة تبادل وليس‬
‫استهالك‪ .‬بل تقاس قوة الدول بما لديها من إنتاج فالحي وزراعي وصناعي وس الح‬
‫وجيوش ومصادر الطعام وتقدم علمي وتقني فاإلنسان ال يستطيع العمل إذا كان جائعا‬
‫بل يموت‪.‬‬
‫وبالنسبة للقوانين االقتصادية اإلسالمية المتعلقة بعالقة المسلمين بغيرهم فق د‬
‫استنبطتها من اآليات الحكيمة المتعلقة بعالقة المسلمين بغيرهم‪ .‬وأحيلكم على الفصل‬
‫الثاني حول عدل اهلل تعالى المنشور في موقعي المذكور باإلنترنيت‪.‬‬
‫فرض اهلل تعالى على المسلمين الحذر من الكفار وعدم مودتهم وأمر بإع داد‬
‫القوة الضرورية لمواجهة عدوانهم ألنهم أعداء اهلل واإلس الم والمس لمين‪ .‬فت دبروا‬
‫إخواني األنفال "‪﴿ "60‬وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون ب ه‬
‫عدو اهلل وعدوكم وآخرين من دونهم ال تعلمونهم اهلل يعلمهم وما تنفقوا من ش يء في‬
‫سبيل اهلل يوف إليكم وأنتم ال تظلمون﴾‪ .‬فالحكم المسكوت عنه والغير المنط وق في‬
‫األنفال "‪ "60‬هو تحريم استثمار أموال المسلمين في بالد الكفار ألنها تزيدهم قوة على‬
‫المسلمين ويستعملونها في الربا والمحرمات األخرى كإنت اج الخم ر والمخ درات‬
‫والميسر وغيره مما حرم اهلل ألن الكفار ال يلتزمون بأحكام القرآن الكريم‪ ،‬وك ذلك ال‬
‫يجوز استثمار أموال الكفار في دار اإلسالم ألنها حرام فيها الربا وعائدات المحرمات‬
‫وتحصد أرباحا من دار اإلسالم تقوي اقتصاد الكفار‪.‬‬
‫وفي حالة الضرورة ومصلحة الدول ة اإلس المية يتم تب ادل الس لع الحالل‬
‫بالمقايضة مع الكفار أي سلعة مقابل سلعة وليس مقابل النقود ألن الكفار يس تعملون‬
‫السياسة النقدية إلفقار المسلمين واستنزاف خيراتهم والدليل األنفال "‪ "60‬الم ذكورة‪.‬‬
‫وفصلت "‪﴿ "19‬ويوم يحشر أعداء اهلل إلى النار فهم يوزعون﴾ فك ل من ال يل تزم‬
‫بأحكام القرآن ومنه القوانين االقتصادية اإلسالمية عدو اهلل تعالى وع دو المس لمين‬
‫محمد "‪﴿ "2" "1‬الذين كفروا وصدوا عن سبيل اهلل أضل أعمالهم والذين آمنوا وعملوا‬
‫الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح‬
‫بالهم﴾‪ .‬أموال الكفار قائمة على الربا واالستثمار في المحرمات فال يجوز ش رعا أن‬
‫تكون لهم شركات واستثمار في دار اإلسالم‪ .‬وكل مش اركة للدول ة اإلس المية في‬
‫المؤسسات البنكية والتمويلية التي يسيطر عليها الكفار محرمة شرعا ألنها قائمة على‬
‫الربا واالستثمار في المحرمات وال تجوز والية الكفار وحكمهم السياسي واالقتصادي‬
‫على المسلمين‪ .‬واألدلة الشرعية كثيرة في القرآن الكريم سبق ذكرها‪ .‬فعلى البل دان‬
‫اإلسالمية أن تتضامن وتتكافل فيما بينها ألن المسلمين طبقا للقرآن الكريم إخ وة في‬
‫الدين اإلسالمي‪ ،‬واالقتصاد اإلسالمي اقتصاد كل المسلمين ومن الواجب ش رعا أن‬
‫يتعاونوا ويتوحدوا لتطبيق شرع اهلل تعالى القرآن الكريم‪ .‬وعلى المسلمين إنشاء عملة‬
‫إسالمية موحدة في دار اإلسالم ومؤسسات تمويلية إسالمية موح دة‪ .‬ولكن يجب أن‬
‫تكون هذه المؤسسات التي تودع فيها ودائع الناس وتعطى القروض لالستثمار ب دون‬
‫فائدة نهائيا خاضعة إلدارة السلطة اإلسالمية ومراقبتها فتكون عمومية والعاملون فيها‬
‫يتقاضون أجورهم من الدولة‪ .‬القروض لالستثمار تعطى لمن له أهلية بدون فائدة أبدا‬
‫ألنها ربا حرمه اهلل تعالى ولكن تعطى القروض مقابل ض مانة مش روعة وبش رط‬
‫مراعاة المخطط االقتصادي الذي حددته السلطة اإلسالمية‪ .‬وتح دث ل ذلك ش رطة‬
‫اقتصادية قضائية تسهر بجد على فرض تطبيق القوانين االقتصادية اإلسالمية ومنه ا‬
‫المراقبة الصارمة وحفظ التوازن بين عرض السلع والطلب عليها ومستوى الس يولة‬
‫النقدية‪.‬‬
‫إن النظام البنكي الخاص الحالي وقوانين االس تثمار المبني ة على الحري ة‬
‫واقتصاد النقود والمال والبورصات ابتكار الكفار وهو من عوامل انهي ار االقتص اد‬
‫رغم فترات النمو المؤقتة‪ .‬فالحل هو العودة إلى القرآن وتطبيق قوانينه كله ا ومنه ا‬
‫االقتصادية‪.‬‬
‫يجب تحكم الدولة اإلسالمية في النقود واالحتياط من تزويرها أو طبعها دون‬
‫مقابل في النمو االقتصادي وحاجة السيولة النقدية التي يجب أن تكون دائما مطابق ة‬
‫لمستوى إنتاج السلع والمعامالت االقتصادية لهذا يجب تكوين خبراء ومهندسين أكفاء‬
‫في التخطيط االقتصادي والقوانين االقتصادية اإلس المية بحيث يكون ون مؤم نين‬
‫صالحين متقين يراقبون النشاط االقتصادي بتعاون مع الشرطة االقتصادية القض ائية‬
‫فيجب أن يكون التوازن دائما بين سيولة النقد ومستوى إنتاج الس لع بحيث ال يك ون‬
‫التضخم وال الكساد‪ .‬ويجب إلغاء االقتصاد النق دي الم الي كالتج ارة في األس هم‬
‫والسندات والكمبياالت والتجارة في المخدرات وكل المحرمات والربا ألنه ا تخ رب‬
‫االقتصاد وتعطي مداخيل لالستهالك والتبذير دون مس اهمة بالعم ل الحالل لتقوي ة‬
‫االقتصاد المادي أي إنتاج السلع الذي أمر به اهلل تعالى‪ :‬فتذكروا إخواني الجمعة " ‪"10‬‬
‫﴿فإذا قضيت الصالة فانتشروا في األرض وابتغوا من فضل اهلل واذكروا اهلل كث يرا‬
‫لعلكم تفلحون﴾ فهل الجلوس على طاولة وحصد وجمع األموال الطائلة من المس ير‬
‫والقمار وتجارة المخدرات واألسهم والسندات والمحرمات والربا يفيد البطن ش يئا إذا‬
‫توقف إنتاج الطعام؟ إن اهلل تعالى حكيم والقرآن حكمة اهلل عز وجل ش رعها للن اس‬
‫لمصلحتهم ومنها القوانين االقتصادية اإلسالمية‪ ،‬لهذا ف إن ح ل مش كلة االقتص اد‬
‫وازدهاره ونموه تتوقف على تطبيق الشريعة اإلسالمية من طرف السلطة اإلس المية‬
‫تحت مراقبة األمة اإلسالمية والتزام الناس بالقرآن قوال وعمال سرا وعالنية واإليمان‬
‫الصادق باهلل تعالى وحبه والتقوى ألن اهلل تعالى مصدر نمو االقتصاد أو انهياره ألن‬
‫مصادر االقتصاد رزق اهلل من السماوات واألرض‪ .‬بل حياة كل إنسان بيد اهلل تعالى‬
‫في أية لحظة‪ .‬إن حل مشكلة االقتصاد ليست في النظام الرأسمالي وال االشتراكي وال‬
‫في قوانين الكفار االقتصادية وال في تطبيق القوانين االقتصادية اإلسالمية وحدها ب ل‬
‫في االلتزام بأحكام القرآن الكريم كلها قوال وعمال سرا وعالنية‪ .‬إذا ترك مجال النقود‬
‫والسيولة واالستثمار وتنظيم المؤسسات التمويلية للقطاع الخاص وحرية الفرد ينه ار‬
‫االقتصاد بالتدريج وتتوالى األزمات االقتصادية واالجتماعي ة ألن الف رد بطبيعت ه‬
‫البشرية إذا لم يكن مؤمنا صالحا متقيا ال تهمه إال مصالحه الخاصة والحص ول على‬
‫الثروات المالية وتكديسها ومتاع الدنيا‪ ،‬فالكفار والمن افقون هم ال ذين يتس ببون في‬
‫األزمات االقتصادية ألنهم ال يلتزمون بالقرآن الكريم وقوانينه االقتص ادية وال يهمهم‬
‫إال متاع الدنيا وال يستعملون األموال فيما يرضي اهلل بل حسب ش هواتهم ون زواتهم‬
‫وأذكركم بالمعارج "‪﴿ "33" "29‬إن اإلنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا‬
‫مسه الخير منوعا إال المصلين الذين هم على صالتهم دائمون﴾‪.‬‬
‫فاالقتصاد اإلسالمي ال يقوم على الحرية المطلقة للفرد في نشاطه االقتصادي‬
‫ألن األرض والسماوات وما فيها من مصادر النش اط االقتص ادي والن اس وك ل‬
‫المخلوقات ملك هلل تعالى الذي يعطي الناس من رزق السماوات واألرض أو يمس كه‬
‫وال يعطيه‪ .‬وهذه حقيقة مطلقة خالدة ونهائية وال أحد يستطيع إثبات ما يخالفها نهائيا‪.‬‬
‫وهذا دليل قاطع على أن السلطة اإلسالمية ملزمة بإدارة النشاط االقتص ادي والتحكم‬
‫فيه وتوجيهه ومراقبته مراقبة صارمة ليكون مطابقا لقوانين اهلل تع الى االقتص ادية‬
‫المحددة في القرآن الكريم‪ .‬واستدل بالسؤال الذي وجهه قوم ن بي اهلل ش عيب علي ه‬
‫السالم هود "‪﴿ "87‬قالوا يا شعيب أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل‬
‫في أموالنا ما نشاء﴾ لقد فضلوا عبادة األصنام والشرك باهلل واستعمال األموال حسب‬
‫هواهم وشهواتهم‪ ،‬فبحثت عن الجواب في كتاب اهلل العزيز في آيات كثيرة منها طه "‬
‫‪﴿ "81‬كلوا من طيبات ما رزقناكم وال تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه‬
‫غضبي فقد هوى﴾ الحديد "‪﴿ "7‬وأنفقوا مما جعلكم مس تخلفين في ه﴾ والن ور "‪"33‬‬
‫﴿وآتوهم من مال اهلل الذي آتاكم﴾ والقصص "‪﴿ "77‬وابتغ فيما آتاك هلل الدار اآلخ رة‬
‫وال تنس نصيبك من الدنيا﴾ فالمال وما يتعلق باالقتصاد ملك هلل تعالى وحرية الن اس‬
‫للتصرف في ما يملك هلل عز وجل ليست مطلقة ولكنها مقيدة بأحكام الق رآن الك ريم‬
‫ومنه القوانين االقتصادية اإلسالمية‪.‬‬
‫لهذا من أوجب الواجبات على األمة اإلسالمية والسلطة اإلسالمية إلزام الناس‬
‫في دار اإلسالم بالقوانين االقتصادية وسائر أحكام القرآن وإال تعرض وا لع ذاب اهلل‬
‫تعالى في الدنيا ومنه انهيار االقتصاد وعذاب نار جهنم في اآلخرة أيضا‪ .‬والدليل كثير‬
‫من اآليات منها النازعات "‪﴿ "41" "37‬فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم‬
‫هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى﴾‪.‬‬
‫فإذا ترك النشاط االقتصاد لألفراد ولم تتدخل السلطة اإلسالمية بالتخطيط والمراقب ة‬
‫وفرض تطبيق القوانين االقتصادية اإلسالمية ينهار االقتصاد والمجتم ع ألن تك دس‬
‫األموال والثروات بدون إيمان وبدون استعمالها فيما يرضي اهلل تع الى ي ؤدي إلى‬
‫الطغيان والظلم والفساد‪ .‬لهذا قال اهلل تعالى في الشورى "‪﴿ "27‬ولو بسط اهلل ال رزق‬
‫لعباده لبغوا في األرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خب ير بص ير﴾‪ .‬فعلى‬
‫السلطة اإلسالمية مراقبة النشاط االقتصادي في دار اإلسالم ليكون مطابق ا للق رآن‬
‫الكريم الستمرار نموه وازدهاره‪.‬‬
‫والخاتمة التي أستخلصها من هذا البحث ح ول أس س النظ ام االقتص ادي‬
‫اإلسالمي جعلتها نداء صادقا لبني آدم في كل أنحاء العالم وهو التالي‪ :‬أيها الناس في‬
‫كل أنحاء العالم نصارى ويهود وع رب وف رس أفارق ة وأس يويون وأمريكي ون‬
‫وأوروبيون وفي كل مكان إن اهلل حق وموجود‪ ،‬وهو الذي أوجد كل ما هو موج ود‬
‫والمدبر ألمور الكون وما فيه وحياتكم بيده في كل لحظة‪ .‬وهو معكم أينما كنتم يسمع‬
‫ويرى أعمالكم ويعلم ما تسرون وما تعلنون وإشاراتكم ولغاتكم في كل لحظة ‪ .‬وقوانين‬
‫القرآن الكريم شرعها اهلل تعالى لتلتزموا بها قوال وعمال سرا وعالنية ومنها القوانين‬
‫االقتصادية التي استنبطها حسب استطاعتي‪ .‬فآمنوا باهلل إيمانا صادقا واعبدوه واتق وا‬
‫تسعدوا في الدنيا واآلخرة وتحيوا الحياة الدائمة الخالدة في سعادة الجنة مع اهلل تعالى‬
‫وتنجوا من عذاب هلل في الدنيا ونار جهنم في اآلخرة بعد البعث وه و ح ق وحتمي‪.‬‬
‫وهذه قوانين وسنن اهلل عز وجل التي يسير ويدبر بها الكون ‪ .‬وآخر توصية أقدمها في‬
‫هذا البحث ما يلي‪ :‬على األمة اإلسالمية في دار اإلسالم أن تشرع القوانين الوضعية‬
‫المحكمة المطبقة لقوانين اهلل تعالى الواردة في القرآن الكريم ومنها القوانين االقتصادية‬
‫التي ساهمت في توضيحها للناس ‪ .‬وعلى السلطة اإلسالمية المنتخبة من طرف األم ة‬
‫اإلسالمية تنفيذ هذه القوانين بعدل مطلق وبصرامة‪ .‬ولكن هل تكونت األمة اإلسالمية‬
‫وهل انتخبت فعال أولي األمر األكفاء المؤمنين الصالحين المتقين لممارس ة الس لطة‬
‫اإلسالمية وتطبيق قوانين القرآن الكريم ومنها ما يهم االقتص اد اإلس المي؟ أت رك‬
‫الجواب للباحثين المحترمين والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

You might also like