Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 373

‫ول ِ‬

‫الف ْقه‬ ‫نت الورقَات يف أُص ِ‬


‫ِ‬ ‫م‬ ‫ح‬‫ر‬ ‫ش‬
‫ُ‬ ‫َْ ُ َ َ َ‬
‫َش ْرح‬
‫العالََّم ِة‬
‫ْ َ‬
‫ضيلَ ِ‬
‫ة‬ ‫ب ال َف ِ‬
‫ِ‬ ‫صِ‬
‫اح‬ ‫َ‬
‫ض‬ ‫اخل‬ ‫عب ِد ال َك ِر ِمي ب ِن عب ِد اللَّ ِ‬
‫ـه‬
‫ُ َ رْي‬ ‫َْ‬ ‫َْ‬
‫ـ َح ِفظَهُ اللَّـهُ‪َ ،‬و َر َعاهُ ـ‬

‫[ أشرطـة مفرغـة‪ ،‬لم يراجعها الشَّ ْيخ ]‬

‫‪www.khudheir.com‬‬

‫قام بتنسيق الشَّرح ونشره ‪:‬‬


‫لما ُن بْ ُن َعْب ِد ال َق ِاد ِر أبُ ْو َزيْ ٍد‬
‫َس َ‬
‫الدي ِه ‪،‬ولِم َش ِ‬
‫اخي ِه ‪،‬وجلَ ِمْي ِع امل ْسلِ ِمنْي َ ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫َغ َفر اللَّـه لَه ‪،‬ولِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ ُ َ‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪2‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫الر ِح ِيم‬ ‫سِم اللَّ ِه َّ‬


‫الر ْح َم ِن َّ‬ ‫ِب ْ‬

‫س األ ََّو ُل‬


‫الد َّْر ُ‬

‫السَّالم عليكم ورحمة اللَّ ِـه وبركاته‪.‬‬


‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله‪ ،‬نبينا محمد وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‪ ،‬أما بعد‪ :‬فال يخفى ما ورد من النصوص الشرعية من كتاب اهلل وسنة رسوله ‪-‬عليه‬
‫الصالة والسالم‪ -‬في مدح العلم ورفع أهله الدرجات في الدنيا واآلخرة‪ ،‬والمراد بالعلم الممدوح في‬
‫شى اللَّ َه ِم ْن‬
‫النصوص الشرعية هو العلم الشرعي المورث لخشية اهلل ‪-‬عز وجل‪ ﴿ :-‬إِ َّن َما َي ْخ َ‬
‫ِع َب ِاد ِه ا ْل ُعلَ َماء ﴾ [ سورة فاطر‪ ،‬اآلية ‪.] 28 :‬‬
‫هذا هو العلم الممدوح المذكور في نصوص الوحيين‪ ،‬الذي يورث الخشية هلل ‪-‬عز وجل‪ -‬والذي‬
‫يبعث على العمل الصالح‪ ،‬فالعلم الذي ال يبعث على العمل في الحقيقة ليس بعلم‪ ،‬فالعلم هو ما‬
‫أورث العمل الصالح الموصل إلى رضوان اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬هذا هو العلم الممدوح في النصوص‪،‬‬
‫ت آ َناء اللَّْي ِل‬‫َم ْن ُه َو قَ ِان ٌ‬
‫ومن األمثلة على ذلك‪ :‬ما جاء في سورة الزمر من قوله ‪-‬جل وعال‪ ﴿ :-‬أ َّ‬
‫ون‬ ‫ستَ ِوي الَّ ِذ َ‬
‫ين َي ْعلَ ُم َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫س ِ‬
‫اج ًدا َوقَائ ًما َي ْح َذ ُر اآْل خ َرةَ َو َي ْر ُجو َر ْح َم َة َر ِّبه ﴾‪ ،‬بعد ذلكم قال‪ُ ﴿ :‬ق ْل َه ْل َي ْ‬ ‫َ‬
‫ون ﴾ [ سورة الزمر‪ ،‬اآلية ‪ ،] 9 :‬فدل على أن أهل العلم هم الذين يتقون اهلل‬ ‫َوالَّ ِذ َ‬
‫ين اَل َي ْعلَ ُم َ‬
‫‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬ويخشونه ويعملون بعلمهم‪ ،‬أما الذي ال يعمل بما علم هذا في الحقيقة ليس من‬
‫شيء من العلوم والمعارف‪ ،‬لكنه ليس بعالم‪ ،‬ولذا جاء في الحديث‬ ‫أهل العلم‪ ،‬وإ ن حصل على ٍ‬
‫‪-‬وفيه كالم طويل ألهل العلم‪ « :-‬يحمل هذا العلم من كل ٍ‬
‫خلف عدوله »‪ ،‬فالعدول هم الذين‬
‫يحملون العلم الشرعي‪ ،‬العدول الذين يعملون بالعلم هم العلماء‪ ،‬هم الذين يحملون العلم‪ ،‬وفي هذا‬
‫دليل على أن ما يحمله بعض الفساق من العلوم والمعارف ال يسمى علماً على الحقيقة‪.‬‬
‫إذا عرفنا هذا فالعلم الممدوح المذكور مداره على كتاب اهلل وسنة رسوله ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪،-‬‬
‫مداره على نصوص الوحيين الكتاب والسنة‪ ،‬فمنهما يؤخذ وعليهما المعول في تحصيله‪ ،‬وقد‬
‫مضى الجيل األول من الصحابة على ذلك فاقتصروا على نصوص الوحيين؛ ألنهم ليسو بحاجة‬
‫إلى غيرهما؛ الكتاب عربي والرسول ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬عربي فليسو بحاجة إلى تعلم‬
‫العربية‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪3‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫عاصروا النبي وعايشوه ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬وعرفوا مقاصده وفهموا عنه ما أنزل عليه وما‬
‫ّبينه في سنته ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬فليسوا بحاجة إلى قواعد وضوابط تعينهم على فهم الكتاب‬
‫والسنة‪ ،‬هي موجودة حاضرة في أذهانهم‪ ،‬لكنهم ليسو بحاجة إلى تدوين لها؛ ألنهم على علم‬
‫واطالع بها‪.‬‬
‫ومن أراد أن يعرف قدر السلف وعلم السلف وفضل علمهم على الخلف فليقرأ في رسالة الحافظ‬
‫ابن رجب ‪-‬رحمة اهلل عليه‪ -‬التي أسماها‪( :‬فضل علم السلف على الخلف)‪.‬‬
‫وإ ذا ارتفعت نفس اإلنسان وعلت به عن قدره فليقرأ في (مقدمة موضح أوهام الجمع والتفريق)‬
‫للخطيب؛ ليرى قدره ويعرف أقدار السلف‪.‬‬
‫أقول هذا؛ لئال يقول قائل‪ :‬هذه العلوم حادثة‪ ،‬وقد قيل‪ ،‬والتصنيف في هذه األمور أمر طارئ‬
‫حادث بعد عصر السلف‪.‬‬
‫أقول السلف ليسو بحاجة إلى مثل هذه القواعد وهذه الضوابطـ التي تعينهم على فهم الكتاب والسنة‪،‬‬
‫فليسو بحاجة إلى مؤلفات في العربية؛ ألنهم عرب خلص أقحاح ال يحتاجون إلى ٍ‬
‫شيء من ذلك‪،‬‬
‫غيرهم من األمم‬
‫العرب ُ‬
‫َ‬ ‫لكن لما اتسعت رقعة البالد ودخل الناس في دين اهلل أفواجاً‪ ،‬وخالط‬
‫احتاجوا أن يؤلفوا في العربية‪ ،‬وفي علوم اآللة كلها‪ ،‬وإ ن شئت فقل‪ :‬علوم الوسائل التي منها ما‬
‫نحن بصدد شرحه وهو أصول الفقه‪.‬‬
‫وعلى هذا إذا عرفنا أن هذه العلوم التي يسميها أهل العلم علوم اآللة التي هي مجرد وسائل لفهم‬
‫المقاصد من نصوص الوحيين فال ينبغي لطالب العلم أن يصرف َّ‬
‫كل وقته لهذه العلوم‪ ،‬بل عليه‬
‫‪-‬ال أقول ينبغي‪ -‬بل عليه أن يأخذ منها بقدر ما يحتاج إليه في فهم الكتاب والسنة‪ ،‬وليس معنى هذا‬
‫التقليل من شأن هذه العلوم‪ ،‬القدر الذي يتوقف عليه فهم الكتاب والسنة أمر ال بد منه سواء كان في‬
‫علوم العربية‪ ،‬أو في أصول الفقه أو في علوم الحديث‪ ،‬أو في قواعد التفسير وعلومه‪ ،‬وغير هذه‬
‫العلوم مما يحتاجه من يعاني نصوص الوحيين‪.‬‬
‫ومع هذا التوجيه وعدم إضاعة جميع الوقت في تحصيل هذه الوسائل‪..‬؛ ألن من الناس من‬
‫يستهويه علم النحو مثالً أو علم أصول الفقه فتجده في جميع مراحل عمره‪ ،‬في شبابه‪ ،‬في كهولته‪،‬‬
‫في شيخوخته‪ ،‬إلى أن يموت وهو يقرأ ويقرئ ويدرس ويؤلف في النحو فقط‪.‬‬
‫إذا عرفنا أن هذا وسيلة لفهم الكتاب والسنة فكيف نقدمه على الغاية والمقصد‪ ،‬ومثله تجد مثال‬
‫الشخص يتدرج في علم النحو ويقرأ األجرومية ثم القطر ثم األلفية ثم يطلع إلى ما فوق ذلك من‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪4‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫شروح األلفية والمفصل وشروحه وكتاب سيبويه ثم ينتهي عمره على ال شيء‪ ،‬والنحو كما قال‬
‫ضر‪ ،‬لكنه ال بد منه‪.‬‬
‫أهل العلم‪ :‬كالملح في الطعام‪ ،‬معناه إذا زاد َّ‬
‫ومثله أصول الفقه‪ ،‬تجد بعض الناس يقرأ الورقات ويقرأ شروح الورقات وما نظم فيها‪ ،‬وشروح‬
‫المنظومات‪ ،‬ثم يطلع إلى مختصر التحرير أو التحرير مع شرحه‪ ،‬ثم الروضة مع شروحها ثم‬
‫المستصفى ثم البحر المحيط وغيره ويفني عمره في ذلك‪ ،‬فال إفراط وال تفريط‪.‬‬
‫على طالب بالعلم أن يكون متوسطاً في أموره‪ ،‬ال يهمل هذه العلوم بالكلية‪ ،‬كما سمعنا بعض‬
‫الدعاوى التي تدعو إلى ذلك فيقلل من شأن هذه العلوم‪ ،‬وجدت دعاوى تقلل من شأن العربية‪ ،‬ما‬
‫أدري كيف يفهم اإلنسان الكتاب والسنة وهو ال يعرف العربية‪ ،‬وجدت دعاوى تقلل من شأن‬
‫أصول الفقه‪ ،‬وهو علم حادث ودخله ما دخله من علم الكالم‪ ،‬نعم‪ ،‬هو علم حادث أوجدته الحاجة‪،‬‬
‫ٍ‬
‫بحاجة‬ ‫لكن أصوله حاضرة في أذهان الصحابة والتابعين‪ ،‬قد يقول قائل‪ :‬أصول الفقه لو كان الناس‬
‫إليه استغنى عنه الصحابة والتابعون‪ ،‬ولم يؤلف فيه حتى جاء اإلمام الشافعي على رأس المائتين‬
‫فألف ‪-‬فكتب الرسالة‪ -‬إذن هو حادث‪ ،‬نقول‪ :‬ال‪ ،‬كان معلوم عند أهل العلم من الصحابة والتابعين‬
‫في أذهانهم‪ ،‬لما وجدت الحاجة ودعت الضرورة إلى التأليف ألف فيه‪ ،‬ومثله الدعاوى التي تقال‬
‫في علوم الحديث مثالً‪ ،‬وتدعو إلى نبذ القواعد وغير ذلك‪ ،‬وهذا له مجال آخر‪.‬‬
‫ومثله أيضاً التقليل من شأن كتب الفقه‪ ،‬واالجتهاد والمطالبة باالجتهاد والتفقه من الكتاب والسنة‬
‫رأساً –مباشرةً‪ -‬ألنهما األصل‪ ،‬واألمر كذلك هما األصل‪ ،‬لكن متى يتأهل اإلنسان لالجتهاد؟‬
‫موضع آخر والدورة مدتها قليلة‪ ،‬واإلخوان يشيرون إلى أن إكمال الكتاب‬
‫ٍ‬ ‫وهذا الكالم مبسوط في‬
‫أمر مفضل عندهم‪ ،‬وإ ن كان على حساب نوعية الشرح؛ ألن هناك مسائل تحتاج إلى بسط‪ ،‬وتحتاج‬
‫إلى توضيح وزيادة في ضرب األمثلة‪ ،‬لكن كما أشار اإلخوان ال بد من تكميل الكتاب؛ ألن من‬
‫اإلخوة ممن حضر من خارج البالد‪ ،‬وال يتسنى لهم حضور مجالس أخرى إلكمال الكتاب‪ ،‬وعلى‬
‫كل حال سوف يكون الشرح متوسطاً ‪-‬إن شاء اهلل‪ -‬بقدر ما يحل إشكاالت الكتاب ورموزه‪.‬‬
‫علم األصول علم في غاية األهمية‪ ،‬كيف يعرف الطالب الذي ينتسب لطلب العلم الشرعي‪ ،‬وكيف‬
‫يفهم من كتاب اهلل وسنة نبيه ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬ما يخاطب به من التكاليف ‪-‬من األوامر‬
‫والنواهي‪ -‬وهو ال يعرف العام والخاص‪ ،‬والمطلق والمقيد‪ ،‬والناسخ والمنسوخ‪ ،‬والمنطوق‬
‫والمفهوم وغير ذلك من مباحث أهل العلم ؟‬
‫فهذا العلم ال غنى لطالب العلم عنه البتة‪ ،‬يقول الشوكاني في مقدمة كتابه ( إرشاد الفحول) ‪:‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪5‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫"وبعد‪ :‬فإن علم أصول الفقه لما كان هو العلم الذي يأوي إليه األعالم‪ ،‬والملجأ الذي يلجأ إليه عند‬
‫تحرير المسائل وتقرير الدالئل في غالب األحكام‪ ،‬وكانت مسائله المقررة وقواعده المحررة تؤخذ‬
‫مسلمةً عند ٍ‬
‫كثير من الناظرين كما تراه في مباحث الباحثين‪ ،‬وتصانيف المصنفين‪ ،‬فإن أحدهم إذا‬
‫ٍ‬
‫بكلمة من كالم أهل األصول أذعن له المنازعون وإ ن كانوا من الفحول؛ العتقادهم‬ ‫استشهد لما قاله‬
‫ٍ‬
‫علمية من المعقول‬ ‫أن مسائل هذا الفن وقواعده مؤسسةٌ على الحق الحقيق بالقبول‪ ،‬مربوطةٌ ٍ‬
‫بأدلة‬
‫والمنقول‪ ،‬تقصر عن القدح في ٍ‬
‫شيء منها"‪.‬‬
‫الشوكاني يشيد بهذا العلم‪ ،‬ويشير إلى ما دخله مما كدره من مباحث علم الكالم‪ ،‬وأشار إلى أنه نقّح‬
‫وحرره‪ ،‬ولذا سمى كتابه ‪ ( :‬إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم األصول)‪.‬‬ ‫هذا العلم وه ّذبه ّ‬
‫وعلم األصول ال إشكال في أنه دخله كثير من مباحث علم الكالم مما ِ‬
‫طالب العلم في غنية عنه‪،‬‬
‫وجد محاوالت لتنقية هذا العلم وتصفيته من هذه الشوائب‪ ،‬لكن يبقى أن أكثر كتب األصول مشتملة‬
‫كثير من طالب‬ ‫ٍ‬
‫بحاجة إليها‪ ،‬بل صارت سبباً في صد ٍ‬ ‫على ٍ‬
‫كثير من المباحث التي طالب العلم ليس‬
‫العلم عن تحصيل هذا العلم؛ ألنها أمور معقدة والحاجة إليها ليست داعية‪ ،‬وهذا يلحق بما أشرنا‬
‫إليه سابقاً أن طالب العلم ينبغي أن يكون متوسطاً في األخذ من هذا العلم‪ ،‬يأخذ ما يحتاج إليه‬
‫ٍ‬
‫لطائفة‬ ‫ويعتني به بقدر الحاجة‪ ،‬وما عدا ذلك مما اشتملت عليه مطوالت هذا الفن يبقى ألناس‪،..‬‬
‫مخصوصة تعتني بهذا العلم لبيانه وإ يضاحه‪.‬‬
‫إذا عرفنا هذا فالجادة المطروقة عند أهل العلم البداءة في العلوم كلها بالمختصرات؛ ألن عقل‬
‫الناشئة ال يحتمل المطوالت‪ ،‬وجاء عن ابن عباس في بيان معنى الرباني‪ :‬أنه هو الذي يعلم الناس‬
‫بصغار العلم قبل كباره؛ ليتمكن الطالب المبتدئ من حفظ هذه المختصرات وفهمها‪ ،‬ثم بعد ذلك‬
‫يرتقي إلى ما بعدها مما يناسب الطبقة الثانية من طبقات المتعلمين‪ ،‬وهكذا يرتقي بعد ذلك إلى ما‬
‫يناسب الطبقة الثالثة وهكذا‪.‬‬
‫فأهل العلم قسموا المتعلمين إلى طبقات‪ :‬المبتدئين‪ ،‬المتوسطين‪ ،‬المنتهين المحصلين‪ ،‬ولكل ٍ‬
‫طبقة‬
‫كتب في كل فن‪ ،‬والشوكاني له كتاب في آداب الطلب وطبقات المتعلمين أشار إلى ٍ‬
‫شيء من ذلك‪.‬‬
‫وهذه المتون وهذا التدرج أمر عرفي اصطالحي يختلف في كل ٍ‬
‫بلد عن البلد اآلخر‪ ،‬فكل أهل بلد‬
‫لهم عناية بكتب خاصة‪ ،‬كما أن ألهل كل مذهب عناية بكتب خاصة دون غيرها‪.‬‬
‫من أجود ما ألف للمبتدئين في هذا الفن‪:‬‬
‫(كتاب الورقات) ‪-‬الذي نحن بصدد شرحه‪ -‬إلمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك بن عبد اهلل‬
‫بن يوسف بن محمد الجويني> الشافعي المتوفى سنة ثمان وسبعين وأربعمائة‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪6‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫قد يقول قائل ‪:‬‬


‫إن قراءتنا لمثل هذا الكتاب ترويج لكتب المبتدعة‪ ،‬الجويني من رؤوس األشعرية ‪-‬كما هو‬
‫معروف‪ -‬ومن المنظرين في المذهب والقائمين عليه ‪-‬من أئمتهم‪ -‬لكنه رجع عن مذهبه‪ ،‬والكتاب‬
‫في الجملة ٍ‬
‫خال عن البدعة‪ ،‬وعلى طالب العلم أن يكون منصفاً في أقواله وأحكامه على الناس‪،‬‬
‫ٍ‬
‫بشيء من المخالفات هذا هو‬ ‫ٍ‬
‫لشخص لم يتلبس‬ ‫فالحق يقبل ممن جاء به‪ ،‬نعم‪ ،‬إذا وجد نظيره‬
‫سني لم يتلبس ببدعة‪ ،‬لكن إذا لم يوجد هذا الحديث‬
‫األصل‪ ،‬كما أن األصل في الرواية أن تكون عن ٍّ‬
‫بنوع من البدعة‪ ،‬فتحصيل مصلحة رواية هذا الخبر وحفظه لألمة‬
‫وهذا الخبر إال عند من رمي ٍ‬
‫مقدمة على هجر هذا المبتدع وترك الرواية عنه‪ ،‬وكتب السنة ‪-‬بما في ذلك الصحيحين‪ -‬طافحة‬
‫بالرواية عن المبتدعة‪ ،‬فالحق يقبل ممن جاء به‪ ،‬وتفصيل رواية المبتدع وقبولها أو ردها مبسوط‬
‫في كتب علوم الحديث‪ ،‬والذي دعانا إلى ذلك أن مؤلف هذا الكتاب كان متلبساً ببدعة‪.‬‬
‫وبعض اإلخوان ‪-‬وهذا من شدة حرصهم وغيرتهم على السنة وال يظن بهم إال خيراً‪ -‬يرى أن‬
‫يهجر كل ما جاء عن المبتدعة؛ ولهم في ذلك سلف‪ ،‬اإلمام مالك ‪-‬رحمة اهلل عليه‪ -‬ال يجيز‬
‫مبتدع البتّة؛ إماتة لذكره وإ خماداً لبدعته‪ ،‬لكن واقع كتب السنة كصحيح البخاري‬
‫ٍ‬ ‫الرواية عن‬
‫ومسلم وغيرهما من كتب السنة المعتمدة ُخ ِّر َج فيها لكثير من المبتدعة؛ وذكرنا أن تحصيل الفائدة‬
‫المرتبة على الخبر الذي جاءنا من طريق هذا المبتدع ‪-‬الذي هو ليس من الغالة في بدعته وال‬
‫يدعو إليها‪ -‬مقدم على مصلحة إماتته وإ خماد بدعته‪.‬‬
‫هذا الكتاب المختصر الذي هو بقدر الكف في خمس ورقات بعد تأليفه اشتهر وانتشر في أقطار‬
‫األرض شرقاً وغرباً‪ ،‬وعني به العلماء‪ ،‬وشرحه واعتنى به العدد الكبير من أهل العلم‪ ،‬شرحوه‬
‫ونظموه وحفظوه‪ ،‬وجعلوه الدرجة األولى في سلم الصعود إلى هذا العلم‪.‬‬

‫‪‬فنذكر ممن شرحه ما تيسر‪:‬‬


‫فشرحه جالل الدين المحلي المتوفى سنة أربع وستين وثمانمائة‪ ،‬شرحاً مختصراً جداً؛ اقتصر فيه‬
‫على تحليل بعض األلفاظ‪ ،‬وهذا الشرح أيضاً صار له من القبول ما ال يتصور؛ فعني به العلماء‬
‫جمع كثير من أهل العلم‪ ،‬شرحه ابن القاسم العبادي في شرحين كبير‬‫فشرحوه‪ ،‬شرح من ِقبل ٍ‬
‫شرح متوسط‪ ،‬وعليه حاشية‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫وصغير وكالهما مطبوع‪ ،‬وشرحه الرعيني المعروف بالحطاب في‬
‫على شرح الرعيني حاشية للشيخ محمد بن حسين الهدة السوسي التونسي>‪ ،‬وهذا شرح مطبوع‬
‫شرح المحلي علي بن أحمد‬
‫شرح ْ‬
‫في تونس قديماً‪ ،‬ولعل كثير من طالب العلم ال يعرفه‪ ،‬وممن َ‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪7‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫مبسطة الشيخ أحمد بن محمد الدمياطي ومحمد بن عبادة‬ ‫ٍ‬


‫التجاري‪ ،‬وشرحه أيضاً في حاشية ّ‬
‫العدوي المالكي‪ ،‬وهناك حاشية ألحد المعاصرين أسماها ‪( :‬النفحات على شرح الورقات) ألحمد‬
‫ٍ‬
‫لمعاصر أخر تسمى‪( :‬الثمرات على الورقات)‬ ‫بن عبد اللطيف الخطيب‪ ،‬وهناك حاشية أخرى‬
‫تأليف الخضر بن محمد اللجمي‪ ،‬هذه كلها شروح وحواشي على شرح المحلي‪.‬‬
‫ممن شرح األصل شهاب الدين أبو العباس أحمد بن حمزة الرملي‪ ،‬واسمه (غاية المأمول في‬
‫شرح ورقات األصول)‪ ،‬وشرحه أيضاً كمال الدين محمد بن محمد بن عبد الرحمن المعروف بابن‬
‫إمام الكاملية‪ ،‬وشرحه أيضاً أحمد بن عمر بن زكريا التلمساني واسم كتابه‪( :‬غاية المرام في شرح‬
‫مقدمة اإلمام)‪.‬‬
‫ٍ‬
‫أسلوب مناسب وواضح للمتعلمين‪ ،‬الشرح للشيخ عبد اهلل بن‬ ‫من شروح المعاصرين شرح جيد في‬
‫صالح الفوزان‪ ،‬شرح جيد مناسب ومتوسط ليس بالطويل الممل وال بالمختصر القصير االختصار‬
‫المخل‪ ،‬ينبغي لطالب العلم أن يعتني به‪.‬‬

‫ممن نظم الورقات الشيخ شرف الدين يحيى العمريطي نظماً سهالً سلساً‪ ،‬جاء في مطلع منظومته‬
‫قوله ‪:‬‬

‫قال الفقير الشرف العمريطي *** ذو العجز والتقصير والتفريط‬


‫الحمد هلل الذي قد أظهرا *** علم األصول للورى وأشهرا‬
‫دونا‬
‫ابتداء ّ‬
‫ً‬ ‫على لسان الشافعي وهونا ** فهو الذي له‬
‫وتابعته الناس حتى صار *** كتباً صغار الحجم أو كبارا‬
‫ِ‬
‫الصغار ما سمي *** بالورقات لإلمام الحرمي‬ ‫وخير كتبه‬
‫وقد سئلت مدةً في نظمه *** مسهالً لحفظه وفهمه‬
‫بدا *** وقد شرعت فيه مستمدا‬‫فلم أجد مما سئلت ّ‬
‫من ربنا التوفيق للصواب *** والنفع في الدارين بالكتاب‬

‫هذا النظم نظم سهل وسلس يحفظ به هذا المتن؛ ألن النظم في الغالب هو الذي يثبت بخالف النثر‪،‬‬
‫والعمريطي تصدى لنظم كثير من المتون‪ ،‬نظم األجرومية ٍ‬
‫بنظم أيضاً كذلك نزر سهل سلس‪ ،‬وهذا‬
‫النظم أيضاً مشروح‪ ،‬شرحه شخص يدعى عبد الحميد قدس من أهل مكة‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪8‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫وقبل البدء بشرح الكتاب نذكر المبادئ العشرة التي جرت العادة بذكرها قبل البدء في كل فن؛‬
‫ليتصور هذا الفن ويعرف‪ ،‬وتعرف أهميته وقيمته‪ ،‬وهذه المبادئ يجمعها قول الناظم ‪:‬‬

‫إن مبادئ كل علم عشرة *** الحد والموضوع ثم الثمرة‬


‫ونسبة وفضله والواضع *** واالسم االستمداد حكم الشارع‬
‫مسائل والبعض بالبعض اكتفى *** ومن درى الجميع حاز الشرفا‬

‫فأول هذه المبادئ الحد ‪ :‬والمراد بالحد التعريف وتعريف هذا العلم سيأتي في كالم المصنف‪.‬‬
‫الموضوع –موضوع هذا العلم‪ :-‬األدلة الشرعية إجماالً ال تفصيالً‪ ،‬وكيفية اإلفادة منها وحال‬
‫المستفيد منها‪.‬‬
‫والثمرة من هذا العلم ‪ :‬القدرة على استنباط األحكام الشرعية من األدلة‪ ،‬فالذي يضبط هذا العلم‬
‫ويتقن علم األصول ال شك أنه يستطيع أن يتعامل مع النصوص الشرعية ويعرف كيف يستنبط‬
‫منها األحكام‪.‬‬
‫ونسبته إلى غيره من العلوم التباين؛ فهو علم مستقل من وجه‪ ،‬وإ ن تداخلت بعض مباحثه ومسائله‬
‫في ٍ‬
‫علوم أخرى كما سيأتي ذكر ذلك إن شاء اهلل تعالى‪.‬‬
‫وفضله‪ :‬كفضل غيره من علوم الشرعية التي جاء الحث على تعلمها وتعليمها في الكتاب والسنة؛‬
‫ألن الوسائل لها أحكام المقاصد‪.‬‬
‫صنفها‬
‫وواضعه ‪ :‬اإلمام محمد بن إدريس الشافعي ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬في الرسالة –رسالته التي ّ‬
‫في هذا العلم‪ -‬وهي أيضاً تصلح أن تكون قاعدةً ٍ‬
‫لكثير من مباحث علم‪ ،..‬علوم الحديث‪ ،‬وحكى‬
‫األسنوي وغيره اإلجماع على ذلك‪ ،‬اإلجماع على أن أول من صنف في األصول اإلمام الشافعي‪.‬‬
‫واسمه‪ :‬علم أصول الفقه‪ ،‬اسم هذا العلم علم أصول الفقه‪ ،‬وهناك علم أصول الحديث‪ ،‬وعلم أصول‬
‫الحديث يسمى مصطلح الحديث‪ ،‬ويسمى علوم الحديث‪ ،‬وهنا نقول‪ :‬أصول الفقه‪ ،‬فهل نستطيع أن‬
‫نقول‪ :‬هذا علم مصطلح الفقه أو علم علوم الفقه‪ ،‬كما قلنا‪ :‬علم مصطلح الحديث أو علم علوم‬
‫الحديث؟؟‬
‫هذا العلم نظير لذلك العلم‪ ،‬سموه أصول الفقه‪ ،‬وهناك قالوا‪ :‬أصول الحديث وعلوم الحديث‬
‫ومصطلح الحديث‪ ،‬هل نستطيع أن نقول مصطلح الفقه ؟ نسميه بمصطلح الفقه؟‬
‫العلماء قاطبةً اصطلحوا واتفقوا على هذه التسمية‪ ،‬بينما في العلم اآلخر منهم من سماه مصطلح‬
‫الحديث‪ ،‬ومنهم من قال‪ :‬علوم الحديث‪ ،‬ومنهم من قال‪ :‬علم دراية الحديث‪ ،‬أو علم الحديث درايةً‪،‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪9‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫أو علوم الحديث‪ ،‬وغير ذلك من التسميات‪ ،‬لكن هنا قالوا‪ :‬علم أصول الفقه‪ ،‬والمسألة اصطالحية‬
‫وال مشاحاة في االصطالح‪ ،‬وإ ال فهذا العلم نظير ذلك العلم‪.‬‬
‫مشاحة في االصطالح ‪ :‬وهذه الكلمة يطلقها كثير من أهل العلم وهي بحاجة إلى قيد؛ فهناك من‬
‫ّ‬ ‫ال‬
‫تضمن‬
‫مشاحة فيه‪ ،‬فإذا ّ‬
‫ّ‬ ‫االصطالحات ما يشاحح صاحبه‪ ،‬وهناك من االصطالحات ما ال‬
‫أي ٍ‬
‫علم من العلوم فإنه يشاحح فيه‪ ،‬إذا ترتب على هذا‬ ‫االصطالح مخالفةً لما تقرر عند أهل ِّ‬
‫ٍ‬
‫حينئذ يشاحح فيه‪.‬‬ ‫ألمر مقرر عند أهل ٍ‬
‫علم من العلوم فإنه‬ ‫االصطالح مخالفة لنص شرعي‪ ،‬أو ٍ‬
‫لو قال قائل‪ :‬أنا أصطلح لنفسي أن أسمي هذه الجهة الشمال‪ ،..‬أسمي الجنوب شماالً‪ ،‬والشمال‬
‫وأبين في مقدمة‬
‫جنوب‪ ،‬نقول‪ :‬ال مشاحة في االصطالح؟! أو أقول‪ :‬السماء تحت واألرض فوق‪ّ ،‬‬
‫الكتاب‪ ،‬نقول‪ :‬ال مشاحة في االصطالح ؟!‬
‫يشاحح في اصطالحه‪ ،‬لكن لو قال‪ :‬الشمال شمال والجنوب جنوب‪ ،‬لكن الناس‪ ،‬أو جمهور الناس‬
‫على أن الشمال يوضع في رأس الخارطة‪ ،‬وأنا أبى أقلب الخارطة أخلي الجنوب فوق والشمال‬
‫تحت‪ ،‬نقول‪ :‬ال مشاحة من االصطالح ؟ هل يغير من الواقع شيئاً ؟‬
‫ما يغير من الواقع شيئاً‪ ،‬يعني لو جعل الجنوب في الخارطة فوق‪ ،‬قلب الخارطة‪ ،‬صار الجنوب‬
‫فوق والشمال تحت‪ ،‬نقول‪ :‬ال مشاحة في االصطالح‪.‬‬
‫عماً وأنا أسميه خاالً ؟‬
‫لو قال قائل‪ :‬أنا أؤلف الفرائض وأسمي أخ األب خاالً‪ ،‬الناس يسمونه َّ‬
‫عماً وإ ن سماه الناس خاالً‪ ،‬نقول‪ :‬ال مشاحة في االصطالح ؟!‬
‫أخ األم َّ‬
‫وأسمي َ‬
‫يشاحح في اصطالحه؛ ألن هذا يخالف النصوص الشرعية‪ ،‬يخالف ما تقرر في علم الفرائض‪،‬‬
‫وغير ذلك من الواليات التي هي للعصبة دون ذوي األرحام‪ ،‬هذا مخالف لما تقرر في الشرع‪ ،‬لو‬
‫عماً أو العكس‪ ،‬نقول‪ :‬ال مشاحة في‬
‫قال‪ :‬أهل بلدي يسمون أبا الزوجة خاالً وأنا أسميه َّ‬
‫االصطالح؟ أبو الزوجة سواء سمي خاالً أو عماً فيه فرق؟ ال مشاحة في االصطالح‪.‬‬
‫ولذا لما قسم البغوي ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬كتابه المصابيح إلى الصحاح والحسان نوزع في‬
‫اصطالحه؛ ألنه يخالف ما تقرر في علوم الحديث؛ ألن في السنن ما هو صحيح‪ ،‬وفي السنن ما هو‬
‫ضعيف‪ ،‬وقاعدته أن ما كان في الصحيحين فهو من الصحاح‪ ،‬وما كان من السنن فهو من الحسان‪،‬‬
‫فهذه القاعدة مما ينبغي تقييدها‪ ،‬فال تطلق‪:‬‬

‫جانحا‬
‫المصابح *** إلى الصحاح والحسان َ‬
‫َ‬ ‫والبغوي قسم‬
‫أن الحسان ما رووه في السنن *** رد عليه بهما غير الحسن‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪10‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫فإذا خالف االصطالح ما تقرر شرعاً أو ما اتفق عليه أهل علم من العلوم فإنه يشاحح فيه‪.‬‬
‫استمداد هذا العلم‪ :‬قالوا لثالثة أشياء‪ ،‬في كتب األصول يقولون‪ :‬يستمد من اللغة العربية‪ ،‬وعلم‬
‫الكالم‪ ،‬وتصور األحكام‪ ،‬كيف يستمد من هذه العلوم؟ هم جعلوا علم الكالم من مصادر هذا العلم‪،‬‬
‫من أي وجه؟ ما عالقة علم الكالم بعلم األصول؟‬
‫الذين أقحموا علم الكالم في األصول وملؤوا كتب األصول ٍ‬
‫بكثير من مباحث المنطق‪ ،‬بل بعضهم‬
‫خصص المقدمة لعلم المنطق ليستعين بها على فهم ما سيأتي‪ ،‬وما سيرد في الكتاب من مباحث علم‬
‫الكالم‪ ،‬هذا ال شك أنه أساء‪.‬‬
‫إذن كيف يستمد علم األصول من علم الكالم ونحن نقول‪ :‬استمداده من علم التوحيد‪ ،‬ومن أي وجه‬
‫ً‬
‫يستمد علم األصول من علم التوحيد ؟‬
‫قالوا‪ :‬لتوقف تصديق داللة األدلة الشرعية على معرفة اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬وعلى تصديق المبلغ عنه‪،‬‬
‫وأيضاً يستمد هذا العلم من اللغة العربية؛ ألنها لغة الكتاب والسنة‪ ،‬فاالستدالل بهما يتوقف على فهم‬
‫معانيهما‪ ،‬وبعض الناس يقلل من شأن اللغة العربية بالنسبة لطالب العلم الشرعي‪ ،‬وهو ال يعرف‬
‫أن بعض المسائل التي اختلف فيها أهل العلم سبب الخالف فيها الخالف في إعرابها‪.‬‬
‫« ذكاة الجنين ذكاةُ أمه » ‪ :‬قال بعضهم‪ « :‬ذكاةُ الجنين ذكاةَ أمه » ‪ :‬تبعاً لتغير اإلعراب تغير‬
‫الحكم‪ ،‬فالذي يقول‪ :‬ذكاةُ الجنين ‪-‬وهم األكثر‪ -‬ذكاةُ أمه‪ ،‬يقول‪ :‬ذكاةُ الجنين هي ذكاةُ أمه فال‬
‫يحتاج إلى تذكية‪ ،‬والذي يقول‪ :‬ذكاةُ الجنين ذكاةَ أمه‪ ،‬يقول هو منصوب على نزع الخافض‪،‬‬
‫فتكون ذكاته كذكاة أمه فال بد من تذكيته‪ ،‬عند أصحاب القول األول ال يحتاج إلى تذكية‪ ،‬إذا ذكيت‬
‫أمه وخرج من بطنها ميتاً خالص ذكاة أمه تكفي‪ ،‬والذين يقولون‪ :‬ذكاةُ الجنين ذكاةَ أمه يقولون‪ :‬ال‬
‫بد من تذكيته كذكاة أمه‪ ،‬والمسألة معروفة‪.‬‬
‫من أهل العلم من يقول‪ :‬إن من يلحن في النصوص فإنه يدخل في حديث من كذب‪ « ،‬من كذب‬
‫األعمال بالنيات‪ ،‬هل قال الرسول ‪-‬عليه‬
‫َ‬ ‫علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار »‪ ،‬إذا قلت‪ :‬إنما‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫حينئذ؟ ألنه قال‪ « :‬إنما األعما ُل‬ ‫األعمال بالنيات أو تكون كذبت عليه‬
‫َ‬ ‫الصالة والسالم‪ :-‬إنما‬
‫بالنيات »‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫فشأن العربية في فهم نصوص الكتاب والسنة أمر ال يخفى على أحد‪ ،‬بل ال بد من العناية بعلم‬
‫العربية؛ كي نفهم الكتاب والسنة‪.‬‬
‫مما يستمد‪ ،..‬أو يستمد أصول الفقه من األحكام الشرعية‪ ،‬إيش معنى األحكام الشرعية؟‬
‫قالوا‪ :‬مما يستمد منه علم األصول األحكام الشرعية‪ ،‬كيف يستمد األصول من الفروع ؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪11‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫المراد أنه يستمد من تصور هذه األحكام؛ ليتم ّكن من إيضاح المسائل األصولية بضرب األمثلة‬
‫الفرعية‪.‬‬
‫ال شك أن االستمداد من هذه العلوم إنما ذكرها من ذكرها بعد أن نظر في واقع كتب األصول‪ ،‬سبر‬
‫كتب األصول ونظر في واقعها وجدها مشتملة على هذه األمور‪ ،‬لوجود األمثلة من األحكام‬
‫الشرعية؛ لتوضيح المسائل األصولية قالوا‪ :‬إن األصول مستمد من تصور هذه األحكام‪.‬‬
‫ال شك أن األصولي ال بد أن يكون على معرفة ودراية ٍ‬
‫بكثير من المسائل الفرعية؛ ليتم ّكن من‬
‫توضيح هذا العلم‪.‬‬
‫وهل هذا العلم مأخوذ بعد النظر في الفروع؟‬
‫يعني إذا نظرنا إلى جملة من الفروع وجدناها تنطوي أو تنضوي تحت ٍ‬
‫أصل واحد فاستنبطنا هذا‬
‫األصل من مجموع هذه الفروع‪ ،‬وهذا ما يعرف بالقواعد األصولية‪ ،‬أو أن هذه الفروع مأخوذة من‬
‫تلك األصول؟ أو كل واحد مأخوذ من الثاني فيلزم عليه الدور؟‬
‫يعني مقتضى تسميتهم هذا العلم علم األصول أن الفروع مأخوذة من هذه األصول‪ ،‬وهو مقتضى‬
‫الوجود‪ ،‬وأن هذا العلم وجد بعد معرفة األحكام وتصور األحكام‪ ،‬قلنا‪ ،‬أو قال بعضهم‪ :‬إن هذا العلم‬
‫مستمد من األحكام الشرعية‪ ،‬نعم‪ ،‬لو قلنا‪ :‬إن كل واحد مستمد من الثاني قلنا‪ :‬يلزم عليه الدور‪،‬‬
‫قلنا‪ :‬يلزم عليه الدور‪.‬‬
‫ال شك أن المسائل واألحكام الشرعية مستمدة من كتاب اهلل وسنة رسوله ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪-‬‬
‫وهذا العلم ‪-‬أعني علم األصول‪ -‬يعين على فهم الكتاب والسنة ال َذ ْي ِن تستمد وتستنبط منهما‬
‫األحكام‪.‬‬
‫حكمه‪ :‬حكم هذا العلم فرض كفاية‪ ،‬حكم تعلم هذا العلم فرض كفاية؛ كغيره من العلوم الشرعية‪،‬‬
‫يتعين على بعض األشخاص إذا لم يوجد غيره ممن يستطيع القيام به ممن ينوء بهذا العلم‪ ،‬قد‬
‫وقد ّ‬
‫يتعين على بعض األشخاص؛ ألن فروض الكفاية إذا لم يقم بها أحد أثم الناس‪ ،‬وإ ذا قام بها من‬
‫يكفي سقط اإلثم عن الباقين‪.‬‬
‫مسائل هذا العلم‪ :‬مباحثه وقضاياه التي تذكر في كتبه مما يحتاج إليه‪.‬‬
‫ثم قال في البيت األخير‪:‬‬
‫والبعض بالبعض اكتفى‪ :‬يعني أن بعض الناس اكتفى ببعض هذه المبادئ‪ ،‬لكن من درى الجميع‬
‫حاز الشرفا‪ :‬كذا قيل‪ ،‬ويحتمل أن يكون المعنى‪ :‬أن بعض الناس اكتفى ببعض مسائل العلم‪ ،‬بعض‬
‫الناس اكتفى ببعض مسائل العلم دون بعض‪ ،‬أو ببعض العلوم دون بعض‪ ،‬ومن درى وعرف‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪12‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫الجميع حاز من المسائل العلمية أو من العلوم‪ ،..‬قد حاز الشرف في الدنيا واآلخرة‪ ،‬واألجر‬
‫والثواب العظيم من اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد هلل رب العالمين والصالة والسالم على نبينا محمد وعلى آله‬
‫وصحبه أجمعين‪ ،‬أما بعد‪ :‬فقد قال إمام الحرمين عبد الملك بن عبد اهلل الجويني ‪-‬رحمه اهلل‪:-‬‬

‫هذه ورقات تشتمل> على معرفة فصول من أصول الفقه‪ ،‬وذلك مؤلف من جزئين مفردين أحدهما‪:‬‬
‫األصول‪ ،‬والثاني‪ :‬الفقه‪ ،‬فاألصل ما يبنى عليه غيره‪ ،‬والفرع ما يبنى> على غيره‪ ،‬والفقه معرفة‬
‫األحكام الشرعية التي طريقها االجتهاد‪.‬‬

‫« َّ‬
‫الش ْـر ُح » ‪:‬‬
‫يقول المؤلف ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪:-‬‬
‫« بسم اهلل الرحمن الرحيم » ‪ :‬المؤلف ‪ :‬افتتح الكتاب أو الرسالة المختصرة الموجزة بالبسملة؛‬
‫اقتداء بالقرآن الكريم حيث افتتحت جميع سوره ‪-‬عدا براءة‪ -‬بالبسملة‪ ،‬وعمالً بحديث ‪ « :‬كل ٍ‬
‫أمر‬ ‫ً‬
‫ذي بال ال يبدأ فيه ببسم اهلل الرحمن الرحيم فهو أبتر » ‪ :‬هذا يستدل به كثير من أهل العلم على‬
‫افتتاح ما يريدون افتتاحه بالبسملة أو الحمدلة‪ ،‬والحديث بجميع طرقه وألفاظه حكم عليه جمع من‬
‫حسن بعضهم لفظ الحمد‪ ،‬وهو مع ضعفه يستدل به الجمهور الذين يرون‬
‫أهل العلم بالضعف وإ ن ّ‬
‫العمل بالضعيف في الفضائل وهذا منها‪ ،‬لكن القول المرجح أن الضعيف ال يعمل به ال في األحكام‬
‫وال في الفضائل وال في المغازي وال في التفسير وال في العقائد من باب أولى وهكذا‪ ،‬فالحديث‬
‫ضعيف‪ ،‬لكن العمدة في ذلك االقتداء بالقرآن الكريم‪.‬‬
‫جاء األمر بالتسمية في مواضع‪ :‬كاألكل والشرب والدخول والخروج وما أشبه ذلك‪ ،‬وليكن هذا‬
‫منها‪ ،‬بل من أهمها‪.‬‬
‫لم يذكر المؤلف ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬الحمدلة والتشهد والصالة على النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪-‬‬
‫مبالغةً في االختصار‪ ،‬ويحتمل أن يكون قد أتى بها لفظاً‪ ،‬يجاب عن صنيع المؤلف بأنه هداه إلى‬
‫ذلك االختصار الشديد‪ ،‬واالحتمال قائم في كونه جاء بهذه األمور لفظاً‪ ،‬كما أجيب عن اإلمام أحمد‬
‫‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬في تركه الصالة على النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬في بعض المواضع عند‬
‫رواية الحديث‪ ،‬قالوا‪ :‬لعله يأتي بها لفظاً وإ ن لم يكتبها‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪13‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫« فهذه »‪ «،‬بسم اهلل الرحمن الرحيم‪ ،‬فهذه » في بعض النسخ ‪ « :‬هذه »‪ ،‬بدون الفاء‪ « ،‬بسم‬
‫اهلل الرحمن الرحيم‪ ،‬فهذه ورقات »‪،‬وفي بعض النسخ ‪ « :‬هذه ورقات »‪ ،‬والفاء إن وجدت فهي‬
‫ٍ‬
‫أسلوب‬ ‫موضوع إلى آخر‪ ،‬ومن‬
‫ٍ‬ ‫واقعة في جواب (أما بعد) المقدرة التي يؤتى بها لالنتقال من‬
‫آخر‪ ،‬أما بعد‪ « :‬فهذه ورقات تشتمل على معرفة فصول من أصول الفقه»‪،‬فالفاء واقعة في جواب‬
‫« أما بعد » ‪ :‬وأما‪ :‬حرف شرط‪ ،‬وبعد‪ :‬قائم مقام الشرط‪ ،‬وجواب الشرط الفاء وما دخلت عليه‪،‬‬
‫ما دخلت عليه الفاء‪.‬‬
‫واإلتيان بـ« أما بعد » ‪ :‬سنة ثبتت عن النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬في أكثر من ثالثين حديثاً‪،‬‬
‫فال يليق بطالب العلم تركها‪ ،‬طالب العلم المؤتسي بالنبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬عليه أن‬
‫يالزمها‪.‬‬
‫أما بعد‪ :‬وال تقوم الواو مقام أما‪ ،‬وإ ن جرى كثير من المؤلفين والمتحدثين على االقتصار عليها‬
‫دون أما‪ ،‬وأشار بعض من ألف من المتأخرين أنها تقوم مقامها‪ ،‬كما في شرح المواهب للزرقاني‬
‫وغيره؛ نظراً لشيوعها وكثرتها‪ ،‬وإ ال فاألصل (أما بعد)‪.‬‬
‫وال حاجة وال داعي لإلتيان بـ( ثم) قبلها‪ ،‬فإذا قلت ‪:‬‬
‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬والصالة والسالم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‪ ،‬أما بعد‪ ،‬ما تقول ثم أما بعد‪ ،‬ال داعي لـ(ثم)؛ ألنها لم ترد بها النصوص‪ ،‬وال توجد في‬
‫أساليب أهل العلم من المتقدمين‪ ،‬وإ ن وجدت في بعض نسخ تفسير الطبري‪ ،‬لكنه ال داعي وال‬
‫حاجة إليها؛ النصوص الثابتة عن النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ « -‬أما بعد » بدون (ثم)‪.‬‬
‫موضع آخر وأسلوب آخر عطفت على ما قبلها (ثم‬
‫ٍ‬ ‫إن احتيج إلى (أما بعد) مرة ثانية لالنتقال إلى‬
‫أما بعد)‪ ،‬إذا قلتها في الموضع األول‪( :‬أما بعد) واحتجت إليها للفصل بين الموضوعينـ أو‬
‫األسلوبين تقول‪( :‬ثم أما بعد) ال بأس‪ ،‬وأهل العلم مختلفون في أول من قالها على ثمانية أقوال‬
‫نجملها في قول الشاعر‪:‬‬

‫عد أقوال وداود أقرب‬


‫جرى الخلف أما بعد من كان بادئاً *** بها ّ‬
‫ويعقوب أيوب الصبور وآدم *** وقس وسحبان وكعب ويعرب‬

‫أقرب األقوال أنه داود ‪-‬عليه السالم‪ -‬وأنها فصل الخطاب الذي أوتيه‪.‬‬
‫و« بعد » ‪ :‬قائم مقام الشرط‪ ،‬ظرف مبني على الضم؛ لحذف المضاف إليه مع كونه منوياً‪،‬‬
‫ومعروف قبل وبعد والجهات الست لها ثالث حاالت‪ ،‬إن أضيفت أعربت‪ ،‬وإ ن قطعت عن اإلضافة‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪14‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫مع عدم نية المضاف إليه أعربت مع التنوين‪ ،‬وإ ن قطعت عن اإلضافة مع نية المضاف إليه بنيت‬
‫على الضم‪ِ ﴿ ،‬للَّ ِه اأْل َْم ُر ِمن قَْب ُل َو ِمن َب ْع ُد ﴾ [ سورة الروم‪ ،‬اآلية ‪.] 4 :‬‬
‫واإلشارة فهذه‪ :‬األصل في المشار إليه أن يكون موجوداً حاضراً‪ ،‬فهذه‪ :‬اإلشارة هي إلى حاضر‬
‫على كل حال‪ ،‬فإن كانت كتابة المقدمة بعد تأليف الكتاب صارت اإلشارة إلى موجود في األعيان‪،‬‬
‫وإ ن كانت كتابة هذه المقدمة قبل تأليف الكتاب صارت اإلشارة إلى حاضر في الذهن ال في‬
‫األعيان‪ ،‬يشير إلى ما في ذهنه من الكالم الذي سوف يفرغه في هذه الورقات‪.‬‬
‫« فهذه ورقات تشتمل> » ورقات جمع ورقة‪ ،‬جمع مؤنث سالم‪ ،‬وجموع السالمة من جموع القلة‬
‫وعّبر بذلك « هذه ورقات » ؛ ألن هذا هو واقعها‪ ،‬هذه ورقات‪ ،‬عبر بذلك؛ ألن‬
‫عند سيبويه‪َ ،‬‬
‫َّاما‬
‫الواقع كذلك‪ ،‬ولكي ينشط القارئ لحفظها وفهمها ودرسها‪ ،‬كما قال تعالى في أيام الصيام‪ ﴿ :‬أَي ً‬
‫ات ﴾ [ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪ ،] 184 :‬فوصف الشهر بأنه أيام معدودات؛ تنشيطاً للمسلم على‬ ‫ود ٍ‬
‫َّم ْع ُد َ‬
‫صيامها وتقليالً لها‪.‬‬
‫« فهذه ورقات تشتمل> على معرفة فصول من أصول الفقه » تشتمل‪ :‬تحتوي على معرفة‪،‬‬
‫بمعنى واحد عند جمع من أهل العلم‪ ،‬وفرق بعضهم بين المعرفة والعلم؛ ألن‬ ‫والمعرفة هي والعلم‬
‫ً‬
‫المعرفة تستلزم سبق الجهل‪ ،‬بخالف العلم فإنه ال يستلزم سبق الجهل‪ ،‬ولذا يوصف اهلل ‪-‬سبحانه‬
‫وتعالى‪ -‬بأنه عالم وعليم وعاَّل م‪ ،‬وال يوصف بأنه عارف؛ قالوا‪ :‬ألن المعرفة تستلزم سبق الجهل‪،‬‬
‫وجاء في الحديث‪ « :‬تعرف على اهلل في الرخاء يعرفك في الشدة » ‪ :‬قالوا هذا من باب المقابلة‬
‫والمشاكلة في التعبير على أن دائرة اإلخبار أوسع من دائرة األسماء‪ ،‬إلى غير ذلك مما قاله أهل‬
‫العلم‪.‬‬
‫ٍ‬
‫لطائفة من المسائل العلمية‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫فصول من أصول الفقه» فصول‪ :‬جمع فصل‪ ،‬وهو اسم‬ ‫« على معرفة‬
‫والفصل أو الفصول تندرج تحت األبواب‪ ،‬ويندرج تحتها المسائل‪ ،‬واألبواب تندرج تحت الكتب‪.‬‬
‫هذا التقسيم اصطالحي عرفي من العرف الخاص عند أهل العلم‪ ،‬يؤلفون الكتب على هذا ‪ :‬كتاب‬
‫يشتمل على كتب‪ ،‬وهذه الكتب تشتمل على أبواب‪ ،‬وهذه األبواب تشتمل على فصول‪ ،‬والفصول‬
‫على مسائل إلى غير ذلك‪ ،‬وهذا أغلبي إذ قد توجد الكتب واألبواب دون الفصول‪ ،‬وقد توجد‬
‫األبواب دون الكتب‪ ،‬وقد توجد الفصول دون األبواب‪ ،‬وهكذا‪ ،‬لكن الغالب هكذا‪.‬‬
‫ٍ‬
‫فصول من أصول الفقه » على فصول من أصول الفقه‪..‬‬ ‫« على‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪15‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫بالنسبة لألسئلة يا إخوان‪ :‬المتعلقة بالكتاب ومباحث الكتاب سوف نجيب عليها بإذن اهلل ‪-‬عز‬
‫وجل‪ -‬وما عدا ذلك مما هو خارج الكتاب فالشيخ موجود‪ ،‬وال يفتى ومالك في المدينة ‪-‬كما قال‬
‫أهل العلم‪ -‬وليس لنا أن نتقدم بين يدي الشيخ فنجيب بحضرته‪ ،‬فاألمور التي تتعلق بالكتاب ال‬
‫أمد اهلل في عمره‪.‬‬
‫مندوحة لنا من الجواب عنها‪ ،‬لكن الذي ال عالقة له بالكتاب فالشيخ موجود ّ‬
‫فعلى كل حال تفرز األسئلة من قبل اإلخوان ويجاب عنها في الدرس الالحق ‪-‬إن شاء اهلل تعالى‪-‬‬
‫وهكذا سوف تكون الطريقة‪ ،‬إجابة اليوم تكون غداً وهكذا يفرزها اإلخوان‪ ،‬ما يتعلق بالكتاب‬
‫ومسائل الكتاب نجيب عنها‪ ،‬وما عدا ذلك يرجأ حتى يحضر الشيخ‪.‬‬

‫اآلن الشيخ حضر وإ ال‪..‬؟‬


‫طالب‪......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬انتهى الوقت وإ ال‪....‬؟‬
‫طالب‪......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬وين اإلخوان؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬ما لهم حد معين‪..‬؟‬
‫طالب‪......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬يعني نواصل على طول لما يجي الشيخ؟‪ ..‬يعني ما في فاصل‪ ...‬من‬
‫أجل اإلخوان‪..‬؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬على كل حال‪..‬‬

‫يقول المؤلف ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪:-‬‬


‫فهذه ورقات تشتمل> على معرفة فصول من أصول الفقه‪ ،‬وذلك مؤلف من جزئين مفردين » يعني‬
‫أن أصول الفقه‪ ،..‬هذه أو هذا التركيب مؤلف من جزئين مفردين‪ ،‬يعني أن هذا العلم المسمى بهذا‬
‫ٍ‬
‫حينئذ أكثر من تعريف‪ ،‬تعريف‬ ‫االسم المركب من هاتين الكلمتين المفردتين‪ :‬أصول وفقه‪ ،‬فله‬
‫باعتبار جزئي المركب‪ ،‬وتعريف باعتباره علم على هذا الفن المعروف‪ ،‬تعريف باعتبار جزئي‬
‫المركب؛ ألنه قال‪ « :‬وذلك مؤلف من جزئين مفردين » أصول وفقه‪ ،‬من جزئين‪ :‬الجزء األول‬
‫أصول‪ ،‬والجزء الثاني الفقه‪ ،‬مفردين‪ :‬ما المراد باإلفراد هنا؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪16‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫ما يقابل‪...‬نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬ال‪ ،‬يقابل الجمع أصول مفرد وإ ال جمع؟‬
‫طالب‪ :‬جمع‪.‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬كيف يقول من جزئين مفردين؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬كيف؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير ‪ :‬يقول‪ « :‬وذلك مؤلف‪ :‬مركب من جزئين‪ :‬أصول وفقه‪ ،‬مفردين » ‪:‬‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫كل واحد منهما مفرد‪ ،‬واإلفراد هنا يقابل أيش؟‬
‫التركيب‪ ،‬التركيب الجملي؛ ألن كلمة أصول جمع‪ ،‬فال يراد باإلفراد هنا ما يقابل التثنية والجمع؛‬
‫ألن كلمة أصول جمع‪.‬‬
‫ثم أخذ يعرف جزئي المركب‪ ،‬فبدأ باألصل‪.‬‬
‫أصول‪ :‬النسبة إلى هذا العلم‪ ،‬ماذا تقول في النسبة إلى هذا العلم‪ ،‬شخص معتني بهذا العلم أكثر من‬
‫غيره من العلوم تسميه أيش؟‬
‫طالب‪ :‬أصولي‪.‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬أصولي كذا ؟ نعم؟ هاه؟ نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫أصولي كذا ؟ الياء ياء النسب مشددة وال بد‪ ،‬ياء كيا الكرسي زيدت‬ ‫ض ْير ‪:‬‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ّ‬
‫تيمي بالتشديد‪ ،‬وشيخ اإلسالم ابن َّ‬
‫تيمية‬ ‫للنسب‪ ،‬والبحث ليس فيها‪ ،‬نعم‪ ،‬مشددة‪ ،‬فالنسبة إلى تيماء ِّ‬
‫بالتشديد‪ ،‬ال شك أن الياء مشددة‪ ،‬لكن يبقى أن النسبة إلى الجمع حكمها‪ ،..‬أهل العلم ينصون على‬
‫أن النسبة إلى الجمع شاذة‪ ،‬إذا أردت أن تنسب إلى كلمة هي في األصل جمع تعيد الكلمة إلى‬
‫مفردها ثم تنسب‪ ،‬إال إذا كانت شهرة الجمع أقوى من شهرة المفرد‪ ،‬كالنسبة إلى األنصار وإ لى‬
‫األعراب‪ ،‬أو إذا كان الجمع ال واحد له من لفظه تنسب إلى الجمع‪.‬‬
‫« فاألصل ما ُيب َنى> َعليه َغيره » األصل الذي هو واحد األصول ما يبنى عليه غيره‪ ،‬كأصل‬
‫ف‬
‫الجدار وأساسه الذي يبنى عليه‪ ،‬وأصل الشجرة التي تتفرع منه فروعها وأغصانها‪ ﴿ ،‬أَلَ ْم تََر َك ْي َ‬
‫الس َماء ﴾ [ سورة إبراهيم‪،‬‬ ‫ت َوفَ ْر ُع َها ِفي َّ‬
‫َصلُ َها ثَا ِب ٌ‬ ‫شجر ٍة َ ٍ‬
‫ط ِّي َبة أ ْ‬ ‫ض َر َب اللّ ُه َمثَالً َكِل َم ًة َ‬
‫ط ِّي َب ًة َك َ َ‬ ‫َ‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪17‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫اآلية ‪ ،] 24 :‬فاألصل هو األساس‪ ،‬وهو ما يبنى عليه غيره‪ ،‬ويقابله الفرع ‪-‬يقابل األصل الفرع‪-‬‬
‫وهو « ما يبنى> على غيره » كبقية الجدار التي بنيت على األصل وعلى األساس‪ ،‬وكفروع‬
‫الشجرة وأغصانها هي فروع‪.‬‬
‫ومنهم من يقول ‪ :‬إن األصل ما منه الشيء‪ ،‬ما منه الشيء‪ ،‬فاألب أصل بالنسبة لولده‪ ،‬والولد فرع‪،‬‬
‫ولذا يقولون في الوارثين أنهم أصول وفروع‪ ،‬وأيضاً حواشي‪.‬‬
‫والفرع ما يبنى على غيره والفقه‪ ،...:‬أخشى أن الشيخ يبي يجي وإ ال‪...‬؟ الشيخ قرب‪ ،‬وإ ال إيش‬
‫صار عليه؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬هو بيجي من هنا؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬طيب ال بأس‪..‬‬
‫« والفقه معرفة األحكام الشرعية التي طريقها االجتهاد » الفقه في اللغة الفهم‪،‬‬
‫﴿ َي ْفقَ ُهوا قَ ْوِلي ﴾ [ سورة طـه‪ ،‬اآلية ‪ ،] 28 :‬يعني‪ :‬يفهموه‪.‬‬
‫« معرفة األحكام الشرعية » هل الفقه والمعرفة أو هو األحكام ؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬نعم‪ ،‬كيف؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬هل الفقه هو المعرفة لألحكام‪ ،‬أو هو األحكام؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير ‪ :‬هو يقول‪ « :‬معرفة األحكام الشرعية » يخرج بذلك من األحكام ما‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ليس بشرعي‪ ،‬فال يدخل في الفقه‪ ،‬واألحكام جمع حكم‪ ،‬وسيأتي في بيان األحكام التكليفية‬
‫والوضعية تعريف الحكم‪.‬‬
‫« معرفة األحكام الشرعية التي طريقها االجتهاد » المقصود بها المسائل الفرعية‪ ،‬ويخرج بذلك‬
‫المسائل العقلية‪ ،‬والمسائل العقدية؛ ألنه ليس طريقها االجتهاد‪.‬‬
‫« التي طريقها االجتهاد » حقيقةً فعالً‪ ،‬أو بالقوة القريبة من الفعل‪ ،‬فالفقيه من يعرف جملةً صالحة‬
‫من األحكام الشرعية التي طريقها االجتهاد بالفعل‪ ،‬أو بالقوة القريبة من الفعل‪ ،‬فالذي يعرف من‬
‫األحكام الشرعية بأدلتها بالفعل‪ ،‬وهي حاضرة في ذهنه يسمى فقيه‪ ،‬األولى من يسمى الفقيه‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪18‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫الذي ال يعرف األحكام ليست حاضرة في ذهنه‪ ،‬لكنه يستطيع الوصول إلى معرفة هذه األحكام‬
‫بأدلتها‪ ،‬ويستطيع أن ينظر في أقوال أهل العلم ويوازن بينها وينظر في أدلتهم ويرجح‪ ،‬وإ ن لم تكن‬
‫المسائل حاضرة في ذهنه‪ ،‬فإنهم يسمونه فقيه بالقوة القريبة من الفعل‪.‬‬
‫فالشخص الذي إذا سألته عن مسألة في الطهارة يفتح على أوائل الكتب مثالً ‪-‬أوائل كتب الفقه‬
‫مثالً‪ -‬وينظر فيها ويتصورها وينظر في أدلتها‪ ،‬ومن خالف ومن وافق وأدلة الجميع ويوازن هذا‬
‫فقيه‪ ،‬لكن إذا سألته عن مسألة في الطهارة بحث في أواخر الكتب وأوساطها هذا تسميه فقيه؟! ال‬
‫بالفعل وال بالقوة القريبة منه‪ ،‬هذا ليس بفقيه أصالً‪.‬‬
‫فاإلمام مالك ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬لما سئل عن أربعين مسألة أو ثمان وأربعين مسألة‪ ،‬فأجاب عن‬
‫ج ّل هذه المسائل ‪-‬أكثر من ثالثين مسألة‪ -‬قال‪" :‬ال أدري"‪ ،‬هل استطاع أحد أن يقول‪ :‬إن اإلمام‬
‫مالك ليس بفقيه؟ هل يستطيع أحد أن يقول‪ :‬اإلمام مالك ليس بفقيه؟ ال يستطيع‪ ،‬كيف نقول‪ :‬فقيه‪،‬‬
‫وهو ال يعرف إال الشيء اليسير من هذه المسائل‪ ،‬هو فقيه؛ لديه القدرة التامة واآللة المكتملة في‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‪.‬‬ ‫استنباط األحكام‪ ،‬فهو فقيه بالقوة‬
‫نقف على األحكام السبعة‪ ،‬واهلل أعلم وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى‬
‫آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫‪‬‬

‫س الثَّ ِان ُّي‬


‫الد َّْر ُ‬

‫السَّالم عليكم ورحمة اللَّ ِـه وبركاته‪.‬‬

‫[ أسئلـة وأجوبـة ]‬

‫‪ ‬يقول هذا ‪ :‬بعض طالب العلم يقولون‪ :‬إن متن الورقات ال يصلح للحفظ؛ ألنه يوجد فيه أخطاء‬
‫في التعاريف‪ ،‬ويقول‪ :‬الحل في ذلك أن نأخذ تعاريف الشيخ ابن عثيمين ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬وتُحفظ‪،‬‬
‫هل هذا الكالم صحيح ؟‬
‫أقول‪ :‬كتب العلماء التي هي الجادة في التحصيل عند أهل العلم ال بد من العناية بها‪ ،‬وما فيها من‬
‫أخطاء ال تعدو أن تكون وجهات نظر‪ ،‬يصوبها البعض ويحكم عليها البعض اآلخر بأنها خالف‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪19‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫يبين الخطأ من الصواب‪ ،‬ويبقى أيضاً أن هذا من وجهة‬


‫الصواب‪ ،‬ومن يشرح هذه الكتب عليه أن ّ‬
‫نظره هو‪.‬‬
‫ولذا نجد في شراح الورقات وفي غيرها من الكتب التي ألفها أهل العلم‪ ،‬وليسو من أهل العصمة‪،‬‬
‫فيها ما فيها‪ ،‬كل يؤخذ من كالمه ويرد إال الرسول ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬فالجادة التي اعتمدها‬
‫أهل العلم وسلكها األئمة المتقدمون في تربية أوالدهم أو أبنائهم الطالب وتنشئتهم على التحصيل‬
‫العلمي ال بد من سلوكها‪ ،‬فيؤخذ مثل هذا المتن؛ ألنه أخصر متن في أصول الفقه‪ ،‬وألفاظه سهلة‬
‫ميسرة‪.‬‬
‫وأما ما يكتبه المتأخرون وهم يكتبون بلغة العصر ال شك أنها كتب نافعة وجليلة ومفيدة‪ ،‬لكن ليتنبه‬
‫طالب العلم أنه كلما قوي األسلوب وصعب على الطالب أنه هو الذي يربي فيه ملكة األخذ والرد‬
‫والنقاش‪ ،‬وهو الذي يفتّق ذهنه‪ ،‬أما ما يكتبه المعاصرون فهم يكتبون بلغة العصر‪ ،‬وهذه ليس فيها‬
‫إشكال في الجملة‪ ،‬كتب واضحة ومبسطة‪ ،‬فهذه في الغالب ال تحتاج إلى شرح‪ ،‬يفهمها الطالب‬
‫بمفرده‪.‬‬
‫يتمرن على كتب المتقدمين؛ ألنه إذا سار على الدرب والطريق والجادة‬
‫فعلى طالب العلم أن ّ‬
‫المسلوكة‪ ،‬وحصل من العلم ما يؤهله لتعليم الناس‪ ،‬أو للقضاء وفصل الخصومات بينهم‪ ،‬أو‬
‫يعين في ٍ‬
‫بلد ليس فيه غيره ممن ينتسب إلى العلم‪ ،‬فقد يحتاج إلى مراجعة هذه‬ ‫إلفتائهم ال يأمن أن ّ‬
‫الكتب‪ ،‬وهو لم يتعود على أساليب المتقدمين فيصعب عليه اإلفادة منها‪ ،‬بخالف كتب المتأخرين‪،‬‬
‫وهذا واضح وظاهر في الدراسة النظامية؛ نجد كثير من الطالب الذين اعتمدوا على المذكرات‬
‫التي يكتبها األساتذة يصعب عليهم كل شيء من العلم‪ ،‬وال يستطيعون التعامل مع كتب أهل العلم‪،‬‬
‫بينما الذين تربوا على الكتب التي ألفها المتقدمون بأساليب قوية متينة هم الذين في الغالب حصلوا‬
‫واستفادوا؛ ألنه من اليسير جداً أن تنزل من الصعب إلى السهل‪ ،‬لكن العكس هذا صعب‪.‬‬
‫على كل حال ما كتبه الشيخ ‪-‬رحمة اهلل عليه‪ -‬جدير بالعناية واإلفادة منه‪ ،‬لكن ما سلكه أهل العلم‬
‫ٍ‬
‫أسلوب معين في التحصيل أمر ال بد منه‪.‬‬ ‫في تربية الناشئة على‬

‫نسخ خطية ذكر الحمد والصالة‬


‫‪ ‬يقول‪ :‬جاء في بعض النسخ المطبوعة حديثاً ومقابلة على ٍ‬
‫على النبي عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫هذا موجود في بعض النسخ‪ ،‬هذا موجود في بعض النسخ الخطية‪ ،‬لكن أكثر النسخ مجردة من‬
‫الحمد والشهادة والصالة‪ ،‬حتى مجردة من (أما بعد)‪ ،‬ليس فيها إال ذكر البسملة‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪20‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫‪ ‬يقول‪ :‬حديث‪ « :‬كل ٍ‬


‫أمر ذي بال ال يبدأ فيه ببسم اهلل فهو أبتر »‪،‬أليس قد حسنه بعض أهل‬
‫العلم‪ ،‬كابن الصالح وغيره؟‬
‫حسن من ألفاظه لفظ الحمد‪ « ،‬كل ٍ‬
‫أمر ذي بال ال يبدأ فيه بحمد اهلل‪ »..‬أما سائر ألفاظه‬ ‫الذين ّ‬
‫وطرقه فهي ضعيفة‪.‬‬

‫‪ ‬هذا يريد إعادة المبادئ العشرة التي تطلب عند شرح كل كتاب؟‬
‫هذه موجودة في الشريط‪ ،‬وأظن الشريط يوزع اليوم أو‪ ....‬متى؟‬
‫طالب‪ :‬بعدما تنتهي الدورة ؟‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬بعد الدورة‪ ،‬مو كل يوم بيومه؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬سوف يوزع بعد الدورة وهو موجود في غالب الشروح المختصرة‪.‬‬

‫يفصل في النحو؟‬
‫‪‬يقول‪ :‬نود لو لم َّ‬
‫النحو عرض‪ ،..‬عارض لبيان أهمية النحو لطالب العلم‪ ،‬ولن نرجع إليه إال عند الحاجة‬
‫والضرورة القصوى‪ ،‬وعدم التفصيل واالستطراد جاء من ٍ‬
‫كثير من اإلخوان‪ ،‬وجاء ضده من‬
‫بعضهم‪ ،‬وطلب بعضهم االستطرادات والفوائد التي ال توجد في ٍ‬
‫كثير من الشروح الموجودة بين‬
‫أيديهم‪.‬‬
‫على كل حال هذه مسألة نعاني منها في كل الدروس‪ ،‬فمن الطالب من يرى االقتصار على تحليل‬
‫اللفظ‪ ،‬وفهم الكتاب الذي بأيدينا‪ ،‬واالستطرادات لها موضع آخر‪ ،‬وبعض اإلخوان يرى أن الفائدة‬
‫بشروح كثيرة‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫في االستطراد‪ ،‬وأما تحليل اللفظ فالكتاب مشروح‬

‫‪‬يقول‪ :‬أنا طالب علم وقرأت علم الفروع من مذهب اإلمام مالك‪ ،‬ولكني رأيت كثيراً من طلبة‬
‫العلم يقولون في هذا ليس بعلم!!‬
‫أقول‪ :‬طالب العلم المبتدئ عليه أن يتفقّه على ما ذكره أهل العلم‪ ،‬وكل يعتني بالكتاب المعروف‬
‫المشهور في بلده‪ ،‬وليس معنى هذا أنه إذا اعتنى بالكتاب الفقهي ‪-‬كالزاد عندنا مثالً أو العمدة أو‬
‫الدليل‪ ،‬أو مختصر خليل عند المالكية أو المتون األخرى في المذاهب األخرى‪ -‬ليس معنى هذا أنه‬
‫يأخذ هذه األحكام قضايا مسلمة وهذه الكتب دساتير ال يحاد عنها‪ ،‬ال‪ ،‬إنما تكون هذه الكتب‬
‫كعناصر بحث يفهم الطالب المسألة ويتصورها ويستدل لها‪ ،‬وينظر من قال بها من أهل العلم‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪21‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫وأدلتهم ومن خالف أدلتهم‪ ،‬ثم يوازن بين هذه األدلة ويخرج بالقول الصحيح الراجح‪ ،‬فإذا أتم كتاباً‬
‫على هذه الطريقة فإنه يدرك من الفقه ما ال يدركه غيره ممن ينادي بالتفقه رأساً من الكتاب والسنة‪.‬‬
‫طالب العلم إذا تأهل فرضه أن يتفقه من الكتاب والسنة وال ينظر إلى أقوال الرجال‪ ،‬إال من باب‬
‫االستئناس‪ ،‬أما إذا لم يتأهل طالب العلم فإن عليه أن يسلك ما سلكه أهل العلم‪ ،‬وال نقول بالتقليد‪ ،‬ال‪،‬‬
‫إنما نقول باالتباع‪ ،‬يأخذ هذا الكتاب المختصر‪ ،‬ويتصور مسائل هذا الكتاب‪ ،‬ويستدل لهذه المسائل‪،‬‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ يكون قد أتقن هذا الفن‬ ‫ثم بعد ذلك ينظر من وافق ومن خالف وأدلة الجميع ويوازن‪،‬‬
‫ومعوله وعمدته في األدلة‪.‬‬
‫السحَّار وأفعالهم؟‬
‫‪‬يقول‪ :‬هل يجوز أن نهجر المبتدعة وأفعالهم ّ‬
‫السحار ال شك أنهم كفرة فحدهم القتل فضالً عن كونهم يذمون‪ ،‬ويخبر عنهم وعن أفعالهم ويحذر‬
‫منهم‪ ،‬والمبتدعة من كفر ببدعته فحكمه حكمهم‪ ،‬من كانت بدعته مكفرة فحكمه حكم الكفار‪ ،‬ومن‬
‫كانت بدعته مفسقة وال تخرجه من الملة فحكمه حكم المسلمين‪ ،‬لكن إذا خشي من ضرره على‬
‫المسلمين يحذر منه‪.‬‬

‫‪‬يقول‪ :‬بماذا ينصح> طالب العلم المبتدئ أن يقرأ في علم أصول الفقه؟‬
‫يقرأ في هذا الكتاب وما كتب حوله والمناقشات التي نوقش فيها المؤلف وما كتب على الكتاب‪ ،‬ثم‬
‫ينتقل إلى ما هو أعلى منه‪ ،‬إما مختصر التحرير مع شرحه أو مختصر الروضة مع شرحه‪.‬‬

‫‪‬يقول‪ :‬قلتم‪ :‬إنه ال ينبغي اإلفراط في تعلم أصول الفقه‪ ،‬فما المراحل التي ينبغي أن يسلكها في‬
‫هذا العلم؟‬
‫ذكرنا أن المبتدئ يبتدئ بمثل هذا الكتاب ثم ينتقل بعده إلى مختصر الروضة مع شرحه أو مختصر‬
‫التحرير مع شرحه‪ ،‬ثم إذا فهم هذه الكتب يبقى المسألة مراجعات‪ ،‬عند الحاجة يراجع الكتب‬
‫المبسوطة‪.‬‬

‫‪‬يقول‪ :‬هل من أخطأ في أي حديث ينطبق عليه حديث‪ « :‬من كذب‪» ..‬؟‬
‫اخ ْذ َنا إِن َّن ِسي َنا أ َْو‬
‫من أخطأ‪ ،‬من يعرى من الخطأ كما قال اإلمام أحمد ‪-‬رحمه اهلل‪ ﴿ -‬ر َّب َنا الَ تُ َؤ ِ‬
‫َ‬
‫طأْ َنا ﴾ [ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪ ،] 286 :‬لكن يذكر المثال الذي ذكرناه باألمس أن من أخطأ في‬ ‫َخ َ‬
‫أْ‬
‫إعراب كلمة من حديث النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬يدخل‪ ،..‬هذا من باب التحذير والتحري‬
‫والتثبت ونقل الحديث كما هو بفصه وبلفظه إن أمكن‪ ،‬وإ ال فبمعناه‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪22‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫‪‬يقول‪ :‬ما دام هذا العلم وغيره من علوم اآللة وسيلة وعلى الطالب التوسط فيها فنرجو بيان ما‬
‫يكفي دراسة المتوسط؟‬
‫ذكرنا هذا بالنسبة لألصول‪.‬‬

‫‪‬ويقول بالنسبة> لعلم النحو؟‬


‫علم النحو يقرأ اآلجرومية وتتمتها وما كتب عليهما‪ ،‬وإ ن نشطت نفسه لحفظ األلفية إذا كانت‬
‫الحافظة تسعفه فهي خير ٍ‬
‫زاد لطالب النحو‪.‬‬

‫‪‬يقول بعض طلبة العلم‪ :‬إنه ال يسوغ أن يطلق لفظ اإلمامة على من تلبس ببدعة كابن حجر‬
‫والنووي والعز بن عبد السالم‪ ،‬وإ ذا قلنا‪ :‬اإلمام يطلق على علماء الحديث يقال‪ :‬العالمة فالن‬
‫النووي والحافظ ابن حجر‪..‬؟‬
‫على كل حال هذه أمور نسبية‪ ،‬وقد يكون اإلنسان إمام في باب وهو في الباب اآلخر أقل منه في‬
‫ذلك‪ ،‬فال يمنع أن يقال‪ :‬فالن إمام في باب كذا‪ ،‬إمام في النحو وإ ن كان ضعيفاً في باب الرواية‪،‬‬
‫إمام في الحديث وإ ن كان ضعيفاً في باب العربية‪ ،‬وهكذا‪ ،‬اإلمام أحمد قالوا‪ :‬إنه إمام في السنة‪،‬‬
‫إمام في الفقه‪ ،‬إمام في الزهد‪ ،‬إمام في الفقر رحمة اهلل عليه‪.‬‬

‫الكتاب الذي معنا سئل عنه كثيراً‪ ،‬في أسئلة‪!...‬‬


‫‪ ‬كتاب أصول الفقه للشيخ عبد الوهاب خالف كتاب جيد ومرتب ومنظم‪ ،‬إال أنه ال يناسب‬
‫المبتدئين‪ ،‬يعني من فهم هذا الكتاب وقرأ شروحه يقرأ في مثل كتاب الشيخ خالف رحمه اهلل‪.‬‬

‫‪‬يقول‪ :‬ما حكم خروج بعض المشايخ والدعاة لما يترتب على ذلك من الفتن والضالل بقصد‬
‫الدعوة إلى اهلل؟‬
‫الخروج‪ :‬إن كان المراد به الخروج عن هذه البالد إلى بالد الكفر مثالً‪ ،‬فالسفر إلى بالد الكفر‬
‫معروف عند أهل العلم حكمه واإلقامة فيها أيضاً ‪-‬في بالد الكفر‪ -‬حكمها التحريم‪ ،‬والهجرة واجبة‬
‫وباقية إلى قيام الساعة‪ ،‬حسب اإلمكان إذا أمكن ذلك‪ ،‬وإ ال فاهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬استثنى‬
‫المستضعفين‪.‬‬

‫‪‬يقول ما حكم خروج بعض المشايخ والدعاة‪...‬؟‬


‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪23‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫ما هو موضح‪ ،‬الخروج إلى بالد الكفر‪ ،‬إلى غيرها من البلدان‪ ،‬الخروج في القنوات ابتلي الناس به‬
‫أيضاً ووجد من ينتسب إلى العلم يخرج إلى الناس في هذه القنوات مما يكسبها الشرعية‪ ،‬على كل‬
‫حال هذه أمور تحتاج إلى ٍ‬
‫شيء من البسط‪ ،‬ولعل الشيخ يعرض عليه مثل هذا السؤال‪.‬‬

‫‪‬يقول‪ :‬هل البسملة في كتاب اهلل من السور أو من سورة الفاتحة أو كغيرها؟‬


‫السؤال ركيك‪ ،‬لكن الواضحـ أنه يسأل عن البسملة في الفاتحة‪ ،‬أهل العلم يختلفون هل البسملة آية‬
‫في أوائل السور‪ ،‬بعد اتفاقهم على أنها آية من سورة النمل‪ ،‬واتفاقهم على أنها ليست بآية في أول‬
‫سورة التوبة‪ ،‬والخالف معروف‪.‬‬
‫والذي يراه شيخ اإلسالم وبه يقول كثير من الحنفية أنها آية واحدة نزلت للفصل بين السور‪،‬‬
‫وليست بآية في كل سورة‪ ،‬هي آية واحدة نزلت للفصل بين السور‪ ،‬ومنهم من يرى أنها آية في كل‬
‫سورة‪ ،‬ومنهم من يرى أنها ليست بآية مطلقاً‪ ،‬واآلية مبسوطة في كتب أحكام القرآن‪ ،‬وفي –‬
‫أيضاً‪ -‬كتب الفقه‪.‬‬

‫‪‬هذا يسأل يقول‪ :‬إنك ذكرت أنك ستذكر أحسن الطبعات للكتب؟ يعني في مقارنة شروح الكتب‬
‫الستة‪ ،‬ولم تفعل؟‬
‫ٍ‬
‫مناسبات كثيرة‪ ،‬ولو الوقت يسعف ذكرنا‬ ‫ذكرناها في مناسبات كثيرة‪ ،‬ذكرنا أفضل الطبعات في‬
‫اآلن‪ ،‬لكن الوقت ضيق واهلل المستعان‪.‬‬

‫‪‬‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬والصالة والسالم على نبينا محمد وعلى آله‬
‫وصحبه أجمعين‪ ،‬أما بعد‪ :‬فقد قال إمام الحرمين رحمه اهلل ‪:‬‬

‫واألحكام سبعة الواجب والمندوب والمباح والمحظور والمكروه والصحيح والفاسد‪ ،‬فالواجب‪ :‬ما‬
‫يثاب على فعله ويعاقب على تركه‪ ،‬والمندوب‪ :‬ما يثاب على فعله وال يعاقب على تركه‪ ،‬والمباح‪:‬‬
‫ما ال يثاب على فعله وال يعاقب على تركه‪ ،‬والمحظور‪ :‬ما يثاب على تركه ويعاقب على فعله‪،‬‬
‫والمكروه‪ :‬ما يثاب على تركه وال يعاقب على فعله‪ ،‬والصحيح‪ :‬ما يتعلق به النفوذ ويعتد به‪،‬‬
‫والباطل‪ :‬ما ال يتعلق به النفوذ وال يعتد به‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪24‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫« َّ‬
‫الش ْـر ُح » ‪:‬‬
‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‪ ،‬يقول ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪:-‬‬

‫« واألحكام سبعة » ثم ذكرها‪ :‬الواجب والمندوب والمباح والمحظور والمكروه والصحيح‬


‫والباطل‪.‬األحكام‪ :‬جمع حكم والحكم مصدر حكم يحكم إذا قضى‪ ،‬ومعنى الحكم في األصل المنع‪،‬‬
‫ومنه حكمة الدابة؛ ألنها تمنعها‪ ،‬ومنه قول جرير‪:‬‬

‫عليكم أن أغضبا‬
‫ُ‬ ‫أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم *** إني أخاف‬
‫الحكم في االصطالح ‪:‬‬
‫يعرفه بعض العلماء بأنه خطاب اهلل‪ ،‬خطاب اهلل المتعلق بأفعال المكلفين طلباً أو تخييراً أو وضعاً‪،‬‬
‫خطاب اهلل المتعلق بأفعال المكلفين طلباً أو تخييراً أو وضعاً‪ ،‬فجعلوا الحكم نفس الخطاب‪ ،‬هذا‬
‫الصالَةَ ﴾ [ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪43 :‬‬ ‫يمواْ َّ‬ ‫ِ‬
‫تعريف أكثر األصوليين‪ ،‬جعلوا الحكم نفس الخطاب﴿ أَق ُ‬
‫ادواْ ﴾‬
‫طُ‬ ‫الز َنى ﴾ [ سورة اإلسراء‪ ،‬اآلية ‪] 32 :‬هذا حكم‪ ﴿ ،‬إِ َذا َحلَ ْلتُ ْم فَ ْ‬
‫اص َ‬ ‫] هذا حكم‪ ﴿،‬الَ تَ ْق َر ُبواْ ِّ‬
‫س ﴾ [ سورة اإلسراء‪ ،‬اآلية ‪:‬‬ ‫الش ْم ِ‬ ‫الصالَةَ ِل ُدلُ ِ‬
‫وك َّ‬ ‫[ سورة المائدة‪ ،‬اآلية ‪ ] 2 :‬هذا حكم‪ ﴿ ،‬أ َِقِم َّ‬
‫‪] 78‬هذا حكم‪ ،‬فجعلوا الحكم نفس الخطاب‪.‬‬

‫لكن الفقهاء جعلوا الحكم ما يقتضيه الخطاب‪ ،‬فجعلوا الحكم الوجوب المأخوذ من هذا األمر في‬
‫الصالَةَ ﴾‪ ،‬وجعلوا الحكم تحريم الزنا المأخوذ من قوله تعالى‪ ﴿ :‬الَ‬
‫يمواْ َّ‬ ‫ِ‬
‫قوله ‪-‬جل وعال‪ ﴿ :-‬أَق ُ‬
‫تَ ْق َر ُبواْ ِّ‬
‫الز َنى ﴾‪ ،‬ولعل هذا أقرب‪.‬‬
‫والمراد بخطاب اهلل ما هو أعم مما جاء في القرآن فقط‪ ،‬بحيث يشمل ما جاء عن اهلل ‪-‬عز وجل‪-‬‬
‫على لسان نبيه ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬فخطاب اهلل سواء كان في كتابه‪ ،‬أو على لسان رسوله‬
‫‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬كله خطاب من اهلل‪ ،‬والذي يجيء عن النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬هو‬
‫من عند اهلل؛ ﴿ وما ي ِ‬
‫ق َع ِن ا ْل َه َوى* إِ ْن ُه َو إِاَّل َو ْح ٌي ُي َ‬
‫وحى ﴾ [ سورة النجم ‪ 3 :‬ـ ‪ ،] 4‬فالذي‬ ‫نط ُ‬ ‫ََ َ‬
‫ابتداء‪ ،‬وال ينبه على أنه خالف مراد اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬هو‬ ‫ً‬ ‫يقوله النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪-‬‬
‫خطاب اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬أما اجتهاده ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬وله أن يجتهد‪ -‬فإن وافق ما عند اهلل‬
‫‪-‬عز وجل‪ -‬وهذا هو الكثير الغالب‪ -‬فهو من عند اهلل حقيقة‪ ،‬وإ ن أخطأ ‪-‬عليه الصالة والسالم‪-‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪25‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫في اجتهاده ّنبه على خطئه في ارتكابه خالف األولى‪ ،‬كما جاء في قصة األسرى‪ ،‬أسرى بدر‪،‬‬
‫المقصود أن ما يجيء من عند النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬هو من عند اهلل حقيقةً‪.‬‬
‫والمراد بأفعال المكلفين‪ :‬ما يشمل األفعال من جميع الجوارح‪ ،‬من أفعال القلوب وأفعال اللسان‪،‬‬
‫أقوال اللسان والبدن‪.‬‬
‫سواء كان الطلب لفعل الشيء أو الطلب للكف عن شيء‪ ،‬وطلب الفعل يشمل الطلب الجازم‬
‫ً‬ ‫طلباً‪:‬‬
‫وهو ما يعرف بالواجب‪ ،‬ويشمل الطلب من غير جزم فيشمل المندوب‪ ،‬وطلب الكف يشمل ما كان‬
‫مع جزم فيدخل فيه المحظور‪ ،‬وما كان من غير ٍ‬
‫جزم فيدخل فيه المكروه‪.‬‬
‫أو تخييراً‪ :‬من غير طلب ال فعل وال كف‪ ،‬وهو غير مطلوب أصالً‪ ،‬والمكلف مخير بين فعله‬
‫وعدم فعله‪ ،‬وهذا هو المباح‪ .‬أو وضعاً‪ :‬فيدخل فيه ذلك الحكم الوضعي‪.‬‬
‫ما جاء من قولهم‪ :‬خطاب اهلل المتعلق بأفعال المكلفين طلباً أو تخييراً هذا هو ما يعرف بالحكم‬
‫التكليفي‪ ،‬أو وضعاً يشمل الحكم الوضعي‪ ،‬والوضع يشمل ما ستأتي اإلشارة إليه من الصحيح‬
‫والفاسد وغيرهما‪.‬‬
‫إذا عرفنا هذا فاألحكام عند أهل العلم تنقسم إلى قسمين‪ :‬أحكام تكليفية‪ ،‬وأحكام وضعية‪ ،‬أحكام‬
‫تكليفية وأخرى وضعية‪ ،‬واألحكام التكليفية‪ ،..‬واألصل في التكليف أنه إلزام ما فيه كلفة ومشقة‪،‬‬
‫هذا األصل فيه‪ ،‬وال شك أن الشرع فيه تكاليف وفيه ما يشق على النفوس؛ ألن الجنة حفّت‬
‫بالمكاره‪ ،‬هذا هو السبب في تسمية األحكام بالتكليف؛ ألن الجنة حفت بالمكاره‪ ،‬وال يمنع أن يكون‬
‫هذا التكليف‪ ،..‬يكون في بداية األمر‪ ،‬ثم بعد ذلك يكون تلذذ بالطاعة‪ ،‬يعالج اإلنسان نفسه على هذه‬
‫التكاليف حتى تصير ديدناً لها فتتلذذ بها‪ ،‬وهذا معروف عند المسلمين قديماً وحديثاً‪ ،‬كثير من الناس‬
‫يتلذذ بالطاعة‪ ،‬والرسول ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬يقول‪ « :‬أرحنا يا بالل بالصالة »‪ ،‬وحال أو‬
‫لسان حال ٍ‬
‫كثير من المسلمين يقول‪ :‬أرحنا من الصالة‪.‬‬
‫ال شك أن الصالة تكليف على خالف ما ترضاه النفس‪ ،‬لكن إذا اعتادها اإلنسان وتعلق قلبه بها‬
‫ِّ‬
‫حدث وال حرج من اللذة وانشراح الصدر في الصالة‪ ،‬وجاهد السلف ‪-‬بل كثير من الناس في القديم‬
‫والحديث‪ -‬جاهدوا أنفسهم من أجل قيام الليل‪ ،‬جاهدوا مدة ثم صار من شأنهم وديدنهم فتلذذوا به‪،‬‬
‫أشق األمور على النفس‪ ،‬الصيام في‬
‫وهكذا غير الصالة من العبادات كالصيام في الهواجر من ّ‬
‫عود نفسه عليها وصار شأناً له وديدناً له واهلل المستعان‪،‬‬
‫الهواجر‪ ،‬لكنه من ألذ األشياء عند من ّ‬
‫وقل مثل ذلك في سائر العبادات‪ ،‬كتالوة القرآن‪ ،‬التلذذ بمناجاة اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬والخلوة به‪ ،‬واهلل‬
‫المستعان‪ ،‬وهذا محروم منه كثير من الناس‪ ،‬والسبب انشغالهم بهذه الدنيا‪ ،‬واهلل المستعان‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪26‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫فاألحكام التكليفية خمسة استوعبها المؤلف فذكرها كلها‪ « ،‬الواجب والمندوب والمباح والمحظور‬
‫والمكروه »‪ ،‬وطريق الحصر في الخمسة االستقراء؛ ألن الطلب إما أن يكون طلباً للفعل أو الكف‬
‫عنه أو للتخيير‪ ،‬فاألول إن كان جازماً على ما تقدم فهو الواجب‪ ،‬وإ ن كان من غير ٍ‬
‫جزم فهو‬
‫المندوب‪ ،‬والثاني طلب الكف‪ ،‬إن كان مع ٍ‬
‫جزم فهو المحظور‪ ،‬وإ ن كان من غير جزم فهو‬
‫ٍ‬
‫بخطاب من اهلل‬ ‫المندوب‪ ،‬وإ ن كان الثالث الذي هو التخيير هو اإلباحة‪ ،‬فاإلباحة حكم شرعي؛ ألنها‬
‫ٍ‬
‫خالف بين أهل العلم في ذلك‪ ،‬منهم من يقول‪ :‬إن ذكر اإلباحة وإ دراجها ضمن‬ ‫‪-‬عز وجل‪ -‬على‬
‫األحكام من باب تتميم القسمة؛ إذ ليست هي حكم‪ ،‬وليست بتكليف‪ ،‬وليس فيها كلفة وال مشقّة‪،‬‬
‫ٍ‬
‫بخطاب من اهلل‪،‬‬ ‫والذي يقول‪ :‬إنها من التكليف وأدرجها في األحكام التكليفية قال‪ :‬إنها جاءت‬
‫وخطاب اهلل هو الحكم‪،‬‬
‫واألحكام الوضعية‪ ،‬والمراد بالحكم الوضعي‪ :‬خطاب الشرع المتعلق بأفعال المكلفين ال باالقتضاء‬
‫وال بالتخيير‪ ،‬واألحكام الوضعية كثيرة‪ :‬السبب‪ ،‬والعلة‪ ،‬والشرط‪ ،‬والمانع‪ ،‬والرخصة‪ ،‬والعزيمة‪،‬‬
‫والصحة‪ ،‬والفساد‪ ،‬وأما المؤلف فاقتصر منها على اثنين‪ ،‬وساقها مساقاً واحداً مع أحكام التكليف‬
‫اختصاراً؛ ألن الكتاب ألف للمبتدئين‪ ،‬وهم ال يستوعبون ذكر جميع األقسام‪.‬‬
‫وأنتم تالحظون أن الكتب التي تؤلف بالتدريج ‪-‬ولنأخذ على سبيل المثال مؤلفات الموفق ابن قدامة‬
‫في الفقه‪ -‬العمدة‪ ،‬المقنع‪ ،‬الكافي‪ ،‬المغني‪ ،‬فللمبتدئين العمدة‪ ،‬وللطبقة الذين يلونهم من المتوسطين‬
‫المقنع‪ ،‬وللطبقة الثالثة الكافي‪ ،‬وللمنتهين المغني‪ ،‬وطريقتهم في التأليف أنهم يقتصرون على ما‬
‫يحتاج إليه المبتدئ‪ ،‬ثم الطبقة الذين يلونهم‪ ،‬يذكرون ما ذكروه للمبتدئين‪ ،‬ويزيدون عليه مما‬
‫يحتاجه المتوسطون‪ ،‬فهل المقنع مجرد من األحكام الموجودة في العمدة ؟ ال‪ ،‬وهل الكافي مجرد‬
‫عما اشتمل عليه المقنع؟ ال‪ ،‬موجود فيه كل ما ذكر في هذه الكتب‪ ،‬والتكرار عند أهل العلم‬
‫مقصود‪ ،‬ولذا يعمد بعض الناس إلى ذكر زوائد الكافي على المقنع مثالً‪ ،‬أو ذكر زوائد المقنع على‬
‫العمدة‪ ،‬هذه طريقة ما غابت عن بال أهل العلم حينما ألفوا هذه الكتب‪ ،‬إنما يستفيد الطالب من هذا‬
‫التكرار‪.‬‬
‫يقول الناظم ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪:-‬‬

‫والحكم واجــب ومنـدوب ومـا *** أبيـح والمكـروه مـع ما حرمـا‬


‫مـع الصحـيح مطلقـاً والفاسـد *** من ٍ‬
‫قاعـد هذان أو مـن عابــد‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪27‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫عرفها بلوازمها على طريقة‬


‫ثم شرع ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬في تعريف هذه األحكام التي سردها‪ّ ،‬‬
‫اللف والنشر المرتب‪ ،‬لو نظرنا في كالم المؤلف‪:‬‬
‫« الواجب المندوب المباح المكروه المحظور الصحيح الفاسد‪ ،‬فالواجب والمندوب والمباح‬
‫والمحظور والمكروه الصحيح والباطل »‪ ،‬على نفس ترتيب اللف‪ ،‬نشرها بعد أن لفها‪ ،‬واللف‬
‫والنشر أسلوب عند أهل العلم‪ ،‬يذكرون األقسام على سبيل اإلجمال ثم يفصلونها‪ ،‬وهو موجود في‬
‫نصوص الكتاب والسنة أيضاً‪.‬‬
‫تفصل‪ ،‬فإن كان ترتيب التفصيل على نفس ترتيب‬
‫اللف والنشر‪ :‬تذكر األمور إجماالً ثم بعد ذلك ّ‬
‫اإلجمال سمي اللف والنشر المرتب‪ ،‬وإ ن كان ترتيب التفصيل يختلف عن ترتيب اإلجمال سمي‬
‫اللف والنشر المشوش يعني غير المرتب‪ ،‬وكل من اللف والنشر المرتب والمشوش جاء في أفصح‬
‫َما الَّ ِذ َ‬
‫ين‬ ‫س َو ُّد ُو ُجوهٌ فَأ َّ‬
‫ض ُو ُجوهٌ َوتَ ْ‬ ‫الكالم‪ ،‬جاء في أفصح الكالم‪ ،‬ففي مثل قوله تعالى‪َ ﴿ :‬ي ْو َم تَْب َي ُّ‬
‫وه ُه ْم ﴾‬‫َّت ُو ُج ُ‬ ‫َما الَّ ِذ َ‬
‫ين ْاب َيض ْ‬ ‫وه ُه ْم ﴾ [ سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪َ ﴿ ،] 106 :‬وأ َّ‬ ‫َّت ُو ُج ُ‬
‫اس َود ْ‬
‫ْ‬
‫[ سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪ ،] 107 :‬هذا لف ونشر‪ ،‬لكنه مشوش غير مرتب؛ ألنه بدأ باللفظ‪،‬‬
‫بالذين ابيضت وجوههم‪ ،‬وثنى بالذين اسودت وجوههم‪ ،‬لكنه في النشر بدأ بالذين اسودت وجوههم‪،‬‬
‫ثم ثنى بالذين ابيضت وجوههم‪.‬‬
‫والفائدة البالغية اعتنى بها المفسرون في تقديم الذين اسودت وجوههم على الذين ابيضت وجوههم‬
‫تراجع في مظانها‪.‬‬
‫شقُواْ ﴾ [ سورة هود ‪ 105 :‬ـ ‪،] 106‬‬ ‫َما الَّ ِذ َ‬
‫ين َ‬ ‫س ِع ٌ‬
‫يد* فَأ َّ‬ ‫وفي سورة هود‪ ﴿ :‬فَ ِم ْنهم َ ِ‬
‫شق ٌّي َو َ‬ ‫ُْ‬
‫س ِع ُدواْ ﴾ [ سورة هود‪ ،‬اآلية ‪ ،] 108 :‬لف ونشر مرتب‪.‬‬ ‫َما الَّ ِذ َ‬
‫ين ُ‬ ‫﴿ َوأ َّ‬
‫ثم ذكر‪ ،..‬سرد األحكام التكليفية واستوعبها؛ لشدة حاجة المبتدئ إليها‪ ،‬واقتصر من األحكام‬
‫الوضعية على قسمين وسردها وساقها مع األحكام التكليفية مساقاً واحداً‪ ،‬وال اعتراض عليه في‬
‫ذلك؛ فالكل أحكام‪ ،‬لو أردت أن تذكر أسماء أشخاص تسردهم‪ ،‬تفهرس كتاب‪ ،‬تقول‪ :‬أسماء الرواة‬
‫مثالً‪ ،‬أو أسماء األعالم‪ ،‬فإما أن تفرد الرجال ثم تتبعهم بالنساء وهذه طريقة‪ ،‬أو تخلط الجميع‬
‫وترتب على الحروف هذه أيضاً طريقة‪ ،‬فكل من الطريقتين معروف ومعمول بهما؛ ألن الجميع‬
‫ٍ‬
‫بعنوان مستقل هذا أدق‪،‬‬ ‫ميزت التكليفية عن الوضعية‬
‫يشمله الحكم‪ ،‬هذا حكم وهذا حكم‪ ،‬نعم إن ّ‬
‫لكن إن سردتها مساقاً واحداً فال بأس‪ ،‬وهذا وهذا كله معمول به‪.‬‬
‫ثم أخذ يعرف هذه األحكام فقال ‪:‬‬
‫« فالواجب » الفاء هذه إيش يسمونها؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪28‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬فالواجب ‪....‬نعم‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬تعرفوا معاني الحروف؟ ما في فاء يقال لها‪ :‬التفريعية؟‬
‫نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬ال‪ ،‬فالواجب‪ :‬أنا أقصد الفاء هذه‪ ..‬أيش؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير ‪ :‬هل نقول تفريعية أو فصيحة؟ أو ما تعرفون الفرق؟‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫وجاء سؤال وطلب يقول ‪ :‬ال تفصلون في المسائل النحوية واهلل المستعان‪ ،‬يا إخوان العلوم‬
‫مترابطة ال ينفك بعضها عن بعض‪ ،‬ولذا الذين يطالبون بفصل أصول الفقه عن علوم الحديث‬
‫يطالبون ٍ‬
‫بأمر غير سائغ‪ ،‬ويأتينا علم السنة مبحث مهم من مباحث أصول الفقه‪ ،‬ومباحث علوم‬
‫السنة ال تستغني عن مباحث أصول الفقه على ما سيأتي إن شاء اهلل تعالى‪.‬‬

‫يقول‪ « :‬فالواجب ما يثاب على فعله ويعاقب على تركه » الواجب في اللغة هو الساقط كما في‬
‫وب َها فَ ُكلُوا ِم ْن َها ﴾ [ سورة الحـج‪ ،‬اآلية ‪ ] 36 :‬يعني إذا سقطت على‬
‫قوله تعالى‪ ﴿ :‬فَِإ َذا َو َج َب ْت ُج ُن ُ‬
‫األرض بعد نحرها؛ ألن األصل أن اإلبل تنحر قائمة‪ ،‬فإذا نحرت وهي قائمة ثم سقطت فكلوا منها‪.‬‬
‫اصطالحاً‪ :‬عرفه المؤلف ‪-‬رحمة اهلل عليه‪ -‬بأنه « ما يثاب على فعله ويعاقب على تركه » يثاب‬
‫المكلف على فعله إذا فعله على جهة االمتثال‪ ،‬واستحضار التعبد هلل ‪-‬عز وجل‪ -‬به‪ ،‬من يفعل‬
‫الواجب وهو غافل عن التعبد به‪ ،‬أو ال يعرف أنه واجب هذا يثاب عليه؟ يفعل الواجب‪ ،‬لكن على‬
‫سبيل التقليد‪ ،‬رأى الناس يفعلون ففعل‪ ،‬ال على جهة التعبد هلل عز وجل؟‬
‫« إنما األعمال بالنيات »‪ ،‬إذا ما نوى التعبد هلل ‪-‬عز وجل‪ -‬بهذا الفعل فال ثواب له‪.‬‬
‫عاص‪ ،‬وحكم العصاة معروف‪ ،‬الذين‬ ‫ٍ‬ ‫« ويعاقب على تركه » أي يستحق العقاب تاركه‪ ،‬وإ ال فهو‬
‫ش َر َك ِب ِه َو َي ْغ ِف ُر َما‬
‫لم تبلغ معصيتهم إلى درجة الشرك‪ ،‬هم تحت المشيئة‪ ﴿ ،‬إِ َّن اللّ َه الَ َي ْغ ِف ُر أَن ُي ْ‬
‫شاء ﴾ [ سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪ ،] 48 :‬فتارك الواجب معرض نفسه لعقوبة اهلل عز‬ ‫ون َذ ِل َك ِل َمن َي َ‬
‫ُد َ‬
‫وجل‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪29‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫وهذا التعريف للواجب بالالزم واألثر المترتب عليه‪ ،‬وأما حقيقته وماهيته‪ :‬فهو ما طلب الشارع‬
‫فعله على سبيل الجزم‪.‬‬
‫ذم تاركه مطلقاً‪ ،‬يذم تاركه فيخرج بذلك جميع األحكام‪ ،‬يخرج‬
‫واختار الطوفي في تعريفه أنه ما ّ‬
‫المندوب؛ ألنه ال يذم تاركه‪ ،‬ويخرج بذلك المحظور والمكروه؛ ألنه يمدح تاركه على ما سيأتي‪.‬‬
‫والواجب مرادف للفرض عند جمهور العلماء‪ ،‬خالفاً للحنفية الذين يفرقون بين الفرض والواجب‪،‬‬
‫بدليل قطعي‪ ،‬والواجب ما ثبت ٍ‬
‫بدليل ظني‪.‬‬ ‫فيجعلون الفرض ما ثبت ٍ‬
‫فزكاة الفطر الثابتة بقول ابن عمر‪ « :‬فرض رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬زكاة الفطر»‪،‬‬
‫فرض وإ ال واجب عند الحنفية؟‬
‫واجبة‪ ،‬والصحابي يقول‪ « :‬فرض »؛ ألنها ثبتت ٍ‬
‫بدليل ظني عندهم‪.‬‬
‫ص ِّل ِلَر ِّب َك َوا ْن َح ْر ﴾ [ سورة‬ ‫ٍ‬
‫وصالة العيد عندهم واجبة؛ ألنها ثبتت بدليل ظني‪ ،‬دليل ظني‪ ﴿ :‬فَ َ‬
‫الكوثر‪ ،‬اآلية ‪ ،] 2 :‬هذا دليل ظني وإ ال قطعي؟!‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير ‪ :‬هم عندهم صالة العيد واجبة وليست بفرض؛ ألنها ثبتت بدليل ظني‪،‬‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ص ِّل ِل َر ِّب َك َوا ْن َح ْر ﴾ ؟‬‫وهو قوله تعالى‪ ﴿ :‬فَ َ‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬نعم‪ ،‬ظني الداللة‪ ،‬وإ ن كان قطعي الثبوت‪.‬‬
‫المعين‪ :‬وهو الذي ال‬
‫والواجب له تقاسيم باعتبارات‪ ،‬منه تقسيم باعتبار الفعل نفسه‪ ،‬فالفعل منه ّ‬
‫يقوم غيره مقامه كالصالة والزكاة والصوم‪ ،‬ومنه المبهم من غير تعيين كخصال الكفارة‪ .‬وقسمه‬
‫أهل العلم باعتبار الوقت سعة وضيقاً‪ ،‬إلى موسع ومضيق‪ ،‬فالموسع الذي يتسع وقته لغيره فيزيد‬
‫على فعله كأوقات الصلوات‪،‬ـ والمضيق ما ال يتسع وقته إلى فعل غيره كشهر رمضان‪.‬‬
‫وقسم أيضاً باعتبار الفاعل إلى قسمين‪ :‬عيني وكفائي‪ .‬فالعيني‪ :‬ما يلزم كل مكلف بعينه ونفسه‬
‫بحيث ال ينوب غيره وال يقوم غيره مقامه‪ ،‬والكفائي‪ :‬ما يثبت من فعل البعض فينوب بعض الناس‬
‫عن بعض بفعله‪ ،‬واجب على األعيان وواجب على الكفاية فالذي يلزم به الناس كلهم –المكلفون‪-‬ـ‬
‫إذا توافرت الشروط ألزموا به هذا يسمى واجب على األعيان‪.‬‬
‫الصلوات هل يصلي أحد عن أحد؟ هل تسقط بفعل البعض؟ لكن هناك ما يسمى بالواجب على‬
‫الكفاية‪ ،‬إذا قام به من يكفي سقط اإلثم عن الباقين‪ ،‬وأيهما أفضل؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪30‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫جماهير أهل العلم على أن الواجب العيني أفضل من واجب الكفاية ؟ والمؤلف يرى أن الواجب‬
‫على الكفاية أفضل من الواجب العيني‪ ،‬والتفصيل في هذه المسألة يطول‪.‬‬
‫‪-‬عين له الشارع مقداراً‪ -‬كالصلوات المفروضة‪ ،‬ومنه ما هو غير‬
‫من الواجبات ما هو محدد ّ‬
‫محدد‪ ،‬يجب لكنه من غير تحديد‪ ،‬تحدده الحاجة‪ ،‬كإنقاذ الغرقى وإ غاثة الملهوفين هذا واجب لكن‬
‫هل له حد محدد؟ أنقذت اليوم غريقاً‪ ،‬ورأيت غريقاً من الغد تقول‪ :‬يكفي أنا أنقذت أمس واحد؟ ال‬
‫ليس له حد محدد؛ هذا مربوط بسببه‪.‬‬
‫يقول الناظم ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪:-‬‬

‫فالواجــب المحكـوم بالثـواب *** فـي فعلـه والتــرك بالعقـاب‬

‫ثم قال ‪-‬رحمه اهلل‪ « :-‬والمندوب ما يثاب على فعله وال يعاقب على تركه » المندوب في اللغة‬
‫اسم مفعول من الندب وهو الدعاء إلى الفعل‪ ،‬أو الدعاء إلى األمر المهم‪ ،‬وقد عرفه المؤلف‬
‫‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬بالزمه كسابقه‪ ،‬بالزمه واألثر المترتب عليه‪.‬‬
‫قال‪ « :‬ما يثاب على فعله وال يعاقب على تركه » ويأتي فيه ما ذكر في الواجب من أن الثواب‬
‫معلق بقصد االمتثال؛ ألن األعمال بالنيات‪ ،‬قصد االمتثال ونية التعبد هلل ‪-‬عز وجل‪.-‬‬
‫وعرف المندوب باعتبار حقيقته بأنه مأمور به‪ ،‬يجوز تركه ال إلى بدل‪ ،‬أو ما طلب فعله ال على‬
‫ّ‬
‫سبيل الجزم‪ ،‬وهو مرادف للسنة والمستحب‪ ،‬وهو مأمور به‪ ،‬خالفاً لبعضهم‪ ،‬المندوب مأمور به‪،‬‬
‫خالفاً لبعضهم ممن قال‪ :‬لو كان مأموراً به لعصى تاركه؛ إذ المعصية مخالفة األمر كما في قوله‬
‫يب ُه ْم ِفتْ َن ٌة ﴾ [ سورة النور‪ ،‬اآلية ‪ ،] 63 :‬هذا‬ ‫ِ‬ ‫ين ُي َخ ِالفُ َ‬
‫ون َع ْن أ َْم ِر ِه أَن تُص َ‬ ‫تعالى‪َ ﴿ :‬ف ْل َي ْح َذ ِر الَّ ِذ َ‬
‫تهديد لمخالفي األمر‪ ،‬فدل على أن مخالف المندوب حيث لم يدخل في هذا الوعيد أنه ليس بأمر وال‬
‫أشق على أمتي ألمرتهم بالسواك » مع أنه مندوب‬
‫مأمور به‪ ،‬وفي الحديث الصحيح‪ « :‬لوال أن ّ‬
‫إجماعاً‪ ،‬إذن المندوب ليس بمأمور به‪ ،‬هذا ما قاله بعضهم‪.‬‬
‫والصواب أنه مأمور به‪ ،‬وهو قول عامة أهل العلم‪ ،‬والمقصود باألمر في اآلية وفي الحديث‪ :‬أمر‬
‫يتوعد‬
‫اإليجاب ال أمر االستحباب‪ ،‬أمر اإليجاب ال أمر االستحباب‪ ،‬فأمر االستحباب أمر لكنه لم ّ‬
‫على تركه‪ ،‬وهذا يدل على أن األمر في األصل الوجوب‪ ،‬أن األمر في األصل للوجوب‪ ،‬وال‬
‫يصرف عنه إال بصارف‪ٍ ،‬‬
‫بدليل شرعي‪.‬‬
‫يقول الناظم‪:‬‬
‫والندب مـا في فعلـه الثـواب *** ولـم يكـن في تركـه عقاب‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪31‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫ثم قال المصنف ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪:-‬‬


‫« والمباح ما ال يثاب على فعله وال يعاقب على تركه » المباح في اللغة الموسع فيه‪ ،‬ويسمى‬
‫طلق‪ ،‬يعني مطلق من غير تقييد ال بأمر إيجاب وال بأمر ترك وكف‪ ،‬فهو مأذون فيه‪ ،‬وتعريفه عند‬
‫خير‬
‫المؤلف كسابقيه بالزمه‪ :‬ما ال يثاب على فعله وال يعاقب على تركه‪ :‬وحقيقته وماهيته‪ :‬ما ّ‬
‫يكف عنه لذاته‪ ،‬ال‬
‫المكلف بين فعله وتركه لذاته‪ ،‬فلم يقصد الشارع أن يفعله المكلف‪ ،‬ولم يقصد أن ّ‬
‫ٍ‬
‫باعتبار آخر‬ ‫ٍ‬
‫باعتبار آخر؛ ألنه قد يكون الفعل هذا في األصل مباح‪ ،‬لكنه لذاته‪ ،‬أما إذا نظرنا إليه‬
‫فقد يكون حراماً وقد يكون واجباً‪ ،‬يكون واجباً متى؟‬
‫إذا لم يتم الواجب إال به‪ ،‬ويكون حراماً إذا شغل عن واجب أو أدى إلى ارتكاب محظور‪ ،‬فالمباح‬
‫من حيث هو مباح لذاته لم يطلب فعله وال تركه‪ ،‬فهو مخير فيه ‪-‬المكلف مخير فيه‪ -‬لكن إن أدى‬
‫المباح إلى ترك واجب أو ارتكاب محظور صار محظوراً‪ ،‬لكن ال لذاته وإ نما ٍ‬
‫ألمر عارض‪ ،‬إذا‬
‫توقف فعل الواجب على هذا المباح صار واجباً؛ ألن ما ال يتم الواجب إال به فهو واجب‪.‬‬
‫يقول الناظم ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪:-‬‬

‫وليس فـي المباح مـن ثواب *** فعال ًوتركـاً بـل وال عقـاب‬

‫وعرفنا أن المباح من أهل العلم من قال‪ :‬إنما ذكر في األحكام التكليفية من باب تتميم القسمة‪،‬‬
‫فالقسمة خماسية‪ ،‬إما طلب فعل‪ ،‬أو طلب كف‪ ،‬أو تخيير ال طلب فعل وال طلب كف‪ ،‬مخير‬
‫المكلف‪ ،‬تتميم للقسمة العقلية‪ ،‬وعلى هذا ليس من األحكام التكليفية‪.‬‬
‫ومنهم من يقول‪ :‬إنه من األحكام التكليفية‪ ،‬يعني ما الذي يدريك أن هذا مباح إال بخطاب الشرع‪،‬‬
‫وأهل العلم يختلفون في األعيان المنتفع بها قبل ورود الشرع‪ ،‬األعيان المنتفع بها قبل ورود‬
‫الشرع‪ ،‬وفي حكمها ما سكت الشرع عنه‪ ،‬وعلى هذا هل األصل في األشياء الحظر أو اإلباحة؟‬
‫حرمه اهلل‪ ،‬هناك فرق بين‬
‫من أهل العلم من يقول ‪ :‬الحالل ما أحله اهلل‪ ،‬ومنهم من يقول‪ :‬الحرام ما ّ‬
‫الجملتين؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬فرق وإ ال ما فيه؟ نعم‪ ،‬في فرق‪ ،‬فرق كبير‪ ،‬الحالل ما أحله اهلل‪،‬‬
‫حرمه اهلل‪.‬‬
‫وبعضهم يقول‪ :‬الحرام ما ّ‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪32‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫إذا كنت في ٍ‬
‫مكان ما فوجدت شيئاً ‪-‬نبات أو حيوان‪ -‬وليس عندك فيه نص يدلك على جواز أكله‬
‫وال على المنع منه‪ ،‬تأكل وإ ال ما تأكل؟ إذا قلنا‪ :‬الحرام ما حرمه اهلل؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬تأكل‪ ،‬تأكل نعم‪ ،‬على هذا تأكل؛ ألنه ما عندك نص يدل على‬
‫تحريمه‪ ،‬وإ ذا قلنا‪ :‬الحالل ما أحله اهلل ليس عندك نص يدل على حله‪ ،‬إذن قف ال تأكل‪ ،‬هناك فرق‬
‫كبير بين العبارتين‪ ،‬والذي يسمعها في بادئ األمر يقول‪ :‬صح‪ ،‬الحرام ما حرمه اهلل والحالل ما‬
‫أحله اهلل‪ ،‬شو يصير؟‬
‫فعلى سبيل المثال‪ :‬بعض الناس إذا صار عنده مرض أو نقص في بعض األمور في جسده قيل له‪:‬‬
‫تأكل من لحم السقنقور‪ ،‬معروف وإ ال ما هو بمعروف؟‬
‫هو موجود عند العطارين على كل حال‪ ،‬مجفف وموجود عندهم‪ ،‬وبعض الناس يخرج إلى البر‬
‫وفي الرمال يصطاده فيأكله‪ ،‬هذا جاري على قاعدة أيش؟ الحرام ما حرمه اهلل‪ ،‬لكن الذي يمنعه‬
‫ٍ‬
‫جار على قاعدة‪ :‬الحالل ما أحله اهلل‪ ،‬نعم‪ ،‬وصف لك مثل هذه الدويبة‪ ،‬وصفت لك عالج تحتاج‬
‫إلى دليل لتأكل هذه الدويبة؟‬
‫الورع بابه معروف‪ ،‬كون اإلنسان يتورع وال يدخل في جوفه إال ما يطمئن إليه ويجزم بحله هذا‬
‫شيء‪ ،‬لكن أيضاً منع الناس من غير دليل يحتاج إلى‪ ،..‬أقول‪ :‬منع الناس لما يحتاجون إليه يحتاج‬
‫ض َج ِميعاًٌ ﴾ [ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪ ،] 29 :‬على كل‬
‫ق لَ ُكم َّما ِفي األ َْر ِ‬
‫إلى دليل‪ُ ﴿ :‬ه َو الَّ ِذي َخلَ َ‬
‫حال هذه المسألة تحتاج إلى بسط وتمثيل وتنظير‪ ،‬وذكر أقوال أهل العلم‪ ،‬والمقام ال يحتمل هذا‪،‬‬
‫لكن هذا يورث بحث أصل المسألة إن شاء اهلل تعالى‪.‬‬
‫« والمحظور‪- :‬وهو القسم الرابع‪ -‬ما يثاب على تركه ويعاقب على فعله » والمحظور اسم‬
‫ورا ﴾ [ سورة اإلسراء‪،‬‬
‫طاء َر ِّب َك َم ْحظُ ً‬
‫ان َع َ‬
‫مفعول من الحظر‪ ،‬وهو المنع‪ ،‬يقول تعالى‪َ ﴿ :‬و َما َك َ‬
‫اآلية ‪ ،] 20 :‬عرفه المؤلف كسوابقه بالزمه فقال‪ « :‬ما يثاب على تركه ويعاقب على فعله »‬
‫والمقصود أنه يستحق العقاب‪ ،‬ال أنه يجزم بعقابه كما مضى في تعريف الواجب‪ ،‬ففاعل المحظور‬
‫معرض نفسه لعقاب اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬المرتب على فعل هذا المحظور‪ ،‬وإ ن كان في األصل تحت‬
‫المشيئة إذا لم يكن تر ُكه‪ ،..‬أو يكون ما تركه مكفراً أو يكون من األمور المتفق عليها وتركها‬
‫جاحداً لها‪.‬‬
‫وحقيقته ما طلب الشارع تركه طلباً جازماً‪ ،‬خرج بطلب الترك الواجب والمندوب والمباح‪ ،‬وخرج‬
‫بالجازم المكروه‪ ،‬والمحظور ضد الواجب‪ ،‬ضد وإ ال نقيض؟ ضد وإ ال نقيض؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪33‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬لماذا؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬صحيح ‪..‬صحيح‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬يجتمعان؟ ال يجتمعان‪ ،‬هنا يمكن ارتفاع الواجب والمحظور؟‬
‫ال يمكن أن يجتمعا مع اتحاد الجهة‪ ،‬لكن هل يمكن أن يرتفعا ويحل محلهما شيء ثالث؟ يمكن‪،‬‬
‫يرتفع الحظر والوجوب‪ ،‬وتحل اإلباحة أو الكراهة أو االستحباب‪ ،‬الندب واالستحباب‪ ،‬فهما‬
‫ضدان‪.‬‬
‫قد يجتمع الواجب مع المحظور في ٍ‬
‫عمل واحد‪ ،‬باعتبارين‪ ،‬يعني مع انفكاك الجهة كالصالة في‬
‫الدار المغصوبة‪ ،‬وهو ما حرم من الواجبات ٍ‬
‫ألمر عارض ال لذاته‪ ،‬فإذا انفكت الجهة يمكن أن‬
‫يوصف الفعل بأنه واجب‪ ،‬وفي الوقت نفسه محظور‪ ،‬ولذا يختلف أهل العلم في حكم الصالة في‬
‫الدار المغصوبة‪ ،‬والمعروف عند أهل العلم أن النهي إذا عاد إلى ذات العبادة أو إلى شرطها فإنها‬
‫تبطل مع التحريم‪ ،‬أما إذا عاد النهي إلى ٍ‬
‫أمر خارج عن الذات والشرط وما ال تقوم إال به‪ ،‬فإنها‬
‫تصح مع التحريم‪ ،‬يعني فرق بين أن يصلي شخص وعليه عمامة حرير‪ ،‬أو خاتم حرير أو ستر‬
‫عورته بسترة حرير أو ما أشبه ذلك أو سترة مغصوبة محرمة‪ ،‬مع انفكاك الجهة‪ :‬يبالغ بعض‬
‫الناس باالنفكاك‪ ،‬كما أن من أهل العلم والمعروف عن الظاهرية أن كل نهي يقتضي الفساد‪ ،‬كل‬
‫نهي يقتضي الفساد‪ ،‬ولو لم يعد إلى العبادة نفسها وال إلى شرطها‪.‬‬
‫الصالة في المسجد المزخرف على هذا إذا قلنا‪ :‬كل نهي يقتضي الفساد‪ ،‬الصالة في المسجد‬
‫المشيد المنهي عنه فاسدة عند الظاهرية؛ لوجود النهي وهو نهي خارج عن العبادة‪ ،‬لكن‬
‫ّ‬ ‫المزخرف‬
‫كل نهي يقارن هذه العبادة ولو كان خارجاً عنها فإنه يقتضي الفساد‪.‬‬
‫وبالمقابل من يبالغ بانفكاك الجهة‪ ،‬ومن أوضح األمثلة على ذلك ما يقوله بعض األشعرية من‬
‫وجوب غض البصر من قبل الزاني عن المزني بها‪ ،‬نعم‪ ،‬يجب عليه أن يغض بصره؛ ألن هذا‬
‫حرم بخطاب وهذا حرم بخطاب‪ ،‬ارتكب هذا ال يجوز له أن يرتكب هذا‪ ،‬هذه مبالغة في فك‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪34‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫الجهات؛ إنما حرم النظر من أجل الوقوع في الفاحشة‪ ،‬ال شك أن الجهات قد تنفك وقد تتحد فإذا‬
‫اتحدت الجهة لم يصح العمل وإ ذا انفكت الجهة قد يصح وقد ال يصح كما مثّلنا‪.‬‬
‫يطلق الحرام المرادف للمحظور من حيث الحقيقة ضد الحالل‪ ،‬والحالل هو في األصل المباح‪،‬‬
‫الحالل المباح‪ ،‬فكيف يكون الحرام ضد الحالل ؟‬
‫ام ﴾ [ سورة‬ ‫ِ‬ ‫صُ ِ‬ ‫جاء في قوله تعالى‪ ﴿ :‬والَ تَقُولُواْ ِلما تَ ِ‬
‫ف أَْلس َنتُ ُك ُم ا ْل َكذ َب َه َذا َحالَ ٌل َو َه َذا َح َر ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫النحل‪ ،‬اآلية ‪ ،] 116 :‬كيف جاء الحالل ضد الحرام؟ ونقول‪ :‬التحليل والتحريم هلل عز وجل؟‬
‫نحن عرفنا أن الحرام في حده ضد الواجب‪ ،‬كما قلنا في الواجب أنه ضد الحرام‪.‬‬
‫المقابلة هنا من حيث الحد والحقيقة وإ ال‪..‬؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬نعم‪ ،‬الحد والحقيقة‪ ،‬نعم‪ ،‬طيب‪ ،‬وكونه ضد الحالل؟‬
‫طالب‪.........:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬كيف؟ أيوه؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬الحالل يعني أعم من أن يكون مخيراً في فعله أو تركه‪ ،‬أعم من ذلك‪،‬‬
‫مقتضى فعله مع جزم أو من غير جزم أو مأذون فيه‪.‬‬ ‫فيشمل ما يفعله المكلف‪ ،‬سواء كان‬
‫ً‬
‫ثم قال ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬في القسم الخامس وهو المكروه‪:‬‬
‫« والمكروه ما يثاب على تركه وال يعاقب على فعله » هو اسم مفعول من الكراهة‪ ،‬وهو‬
‫المبغض‪ ،‬وتعريفه عند المؤلف بالزمه كسوابقه‪ ،‬وحقيقته هو ما طلب الشارع تركه من غير جزم‪،‬‬
‫وطلب الترك يخرج الواجب والمندوب والمباح؛ ألن الواجب والمندوب مطلوب فعلهما‪ ،‬والمباح‬
‫غير مطلوب ال فعله وال تركه‪ ،‬مخير فيه‪ ،‬وقوله‪ :‬من غير جزم‪ :‬يخرج المحظو‪ ،‬وهذا ما استقر‬
‫عليه االصطالح عند المتأخرين‪ ،‬هذا ما استقر عليه االصطالح عند المتأخرين‪ ،‬ويطلق المكروه‬
‫ويراد به الحرام‪ ،‬ولذا يقسم أهل العلم الكراهة إلى قسمين‪ :‬كراهة تنزيه‪ ،‬وكراهة تحريم‪ ،‬وجاء في‬
‫وها ﴾ [ سورة اإلسراء‪ ،‬اآلية ‪ ] 38 :‬بعد أن ذكر‬ ‫س ٍّي ُئ ُه> ِع ْن َد َر ِّب َك َم ْك ُر ً‬
‫ان َ‬‫قوله تعالى‪ُ ﴿ :‬ك ُّل َذ ِل َك َك َ‬
‫س ٍّي ُئ ُه> ِع ْن َد َر ِّب َك َم ْك ُر ً‬
‫وها ﴾‪ ،‬وجاء في كالم السلف واألئمة ما‬ ‫جملة من المحرمات‪ُ ﴿ ،‬ك ُّل َذ ِل َك َك َ‬
‫ان َ‬
‫يوافق ذلك‪ ،‬يطلق السلف من الصحابة والتابعين واألئمة الكراهة ويريدون بها كراهة التحريم‪ ،‬ولو‬
‫قيل‪ :‬إن هذا هو الغالب في إطالقهم الكراهة لما بعد؛ ألنهم يتورعون من إطالق اللفظ الشديد‪،‬‬
‫فاإلمام أحمد كثيراً ما يقول‪" :‬أكره كذا"‪" ،‬ال يعجبني كذا"‪ ،‬وإ ن كانت األمور محرمة‪" :‬أكره‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪35‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫المتعة"‪ ،‬وهو يحرمها ويجزم بتحريمها‪ ،‬ولذا يخطئ كثير من أتباع األئمة في فهم نصوصهمـ‬
‫لمخالفتها لما جرى عليه االصطالح‪.‬‬
‫يقول الناظم ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪:-‬‬

‫وضابط المكـروه عكس ما نـدب *** كذلك الحــرام عكس مـا يجـب‬

‫وبهذا تكون األحكام التكليفية الخمسة قد انتهى الكالم عنها‪ ،‬وأما الحكم الوضعي وهو داخل في‬
‫الحد السابق للحكم‪ :‬خطاب اهلل المتعلق بأفعال المكلفين طلباً أو تخييراً أو وضعاً‪ ،‬هذا هو الخطاب‪،‬‬
‫أو الحكم الوضعي‪ ،‬وهو ما وضعه الشارع عالمة ونصبه داللة للمكلف‪.‬‬
‫مثال يوضح الفرق بين الحكم التكليفي والحكم الوضعي‪:‬‬
‫مثال‪ :‬الزكاة تجب في مال من اكتمل عليه النصاب‪ ،‬من اكتمل عنده النصاب تجب عليه الزكاة‪،‬‬
‫فإن كان مكلفاً فحكمه من باب التكليف‪ ،‬الحكم التكليفي يجب عليه‪ ،‬ووجوبها في مال غير المكلف‬
‫‪-‬في مال الصبي والمجنون‪ -‬حكم تكليفي وإ ال وضعي؟‬
‫وضعي‪ ،‬من باب ربط األسباب بالمسببات‪ ،‬وجد السبب فليوجد المسبب‪ ،‬وجد المال فلتوجد الزكاة‪،‬‬
‫هذا المثال يوضح الفرق بين الحكم التكليفي والحكم الوضعي‪ ،‬ظاهر وإ ال مو ظاهر؟‬
‫عند وجوب الزكاة في من اكتمل عنده النصاب‪ :‬زيد من الناس مكلف حر بالغ عاقل عنده مبلغ من‬
‫ٍ‬
‫حينئذ تكليفي‪،‬‬ ‫المال‪ ،‬تجب عليه الزكاة‪ ،‬نقول‪ :‬تجب عليه الزكاة‪ ،‬لماذا؟ ألنه مكلف‪ ،‬فالحكم‬
‫الوجوب من األحكام التكليفية‪ ،‬وأما وجوبها في مال الصبي والمجنون فليس من باب األحكام‬
‫التكليفية لماذا؟ ألنه غير مكلف؟ إنما وجوبها من باب الحكم الوضعي‪ ،‬من باب ربط األسباب‬
‫بالمسببات‪ ،‬وجد السبب‪ ،‬وجد المال فليوجد المسبب وهو الزكاة‪.‬‬
‫واألحكام الوضعية كثيرة من السبب والعلة والشرط والمانع والرخصة والعزيمة والصحة‬
‫والبطالن‪ ،‬فالسبب ما جعله الشارع عالمةً على مسببه‪ ،‬أقول‪ :‬فالسبب‪ :‬ما جعله الشارع عالمةً‬
‫على مسببه‪ ،‬وربط وجود السبب بوجوده وعدمه‪ ،‬ويطلق أيضاً بإزاء علة الحكم‪.‬‬
‫والشرط‪ :‬ما يتوقف وجود الحكم على وجوده‪ ،‬ويلزم من عدمه عدم الحكم‪ ،‬والمانع‪ :‬ما يلزم من‬
‫ٍ‬
‫حاالت خاصة‬ ‫وجوده عدم الحكم‪ ،‬والرخصة‪ :‬ما شرعه اهلل من األحكام تخفيفاً على المكلفين في‬
‫ٍ‬
‫لمعارض راجح‪ ،‬لكنها‬ ‫تقتضي ذلك التخفيف‪ ،‬وقيل في تعريفها‪ :‬ما ثبت على خالف ٍ‬
‫دليل شرعي‬
‫تثبت بأدلة؛ المعارض الراجح هو الدليل اآلخر الذي اقتضى ذلك التخفيف لوجود سببه‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪36‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫والعزيمة ‪ :‬ما شرعه اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬أصالةً من األحكام العامة التي ال تختص ٍ‬
‫بحال دون حال‪،‬‬
‫دليل شرعي لعدم المعارض‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بمكلف دون مكلف‪ ،‬وقيل‪ :‬ما ثبت على وفق ٍ‬ ‫وال‬
‫عرف المؤلف الصحيح بقوله ‪ « :‬الصحيح ما يتعلق به النفوذ‪ ،‬ويعتد به » وهو في اللغة السليم‬
‫من المرض والعيب‪ ،‬يقال‪ :‬زيد صحيح إذا كان سليماً من المرض‪ ،‬والدينار والدرهم صحيح إذا‬
‫سلم من العيب والتكسير والغش‪.‬‬
‫فالصحيح من العبادات والمعامالت ما تعلق به النفوذ واالعتداد‪ ،‬وذلك بأن يكون قد جمع ما يعتبر‬
‫فيه شرعاً من الشروط واألركان وانتفت موانعه‪ ،‬والنفوذ من فعل المكلف واالعتداد كما هو‬
‫معروف من فعل الشارع‪ ،‬وقيل في الصحيح‪ :‬ما ترتبت آثاره عليه وسقط به الطلب‪ ،‬تترتب آثاره‬
‫عليه في العبادات‪ ،‬تترتب اآلثار من ثواب اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬ويسقط به الطلب بحيث ال يؤمر‬
‫بالعبادة مرةً أخرى‪ ،‬فالصالة المكتملة بشروطها وأركانها وواجباتها صحيحة‪.‬‬
‫« والباطل » عرفه المؤلف بقوله ‪ « :‬ما ال يتعلق به النفوذ وال يعتد به » وذلك بأن ال يستجمع ما‬
‫يعتبر فيه شرعاً‪ ،‬عبادةً كان أو عقداً‪ ،‬وقيل‪ :‬ما ال يسقط به الطلب وال تتربت آثاره عليه‪.‬‬
‫البيع الصحيح المكتمل للشروط‪ :‬اشترى زيد من عمرو سيارة إذا كانت الشروط مكتملة والموانع‬
‫منتفية والعقد صحيح فالعقد صحيح‪ ،‬إذن تترتب اآلثار على هذا العقد‪ ،‬فينتفع المشتري بالسلعة‬
‫وينتفع البائع بالثمن وهكذا‪ ،‬وأما إذا كان مختالً من بعض الشروط‪ ،‬اختل فيه بعض الشروط فإنه ال‬
‫تترب آثاره عليه‪ ،‬وهو مرادف ‪-‬أعني الباطل للفاسد‪ -‬عند جمهور العلماء‪ ،‬خالفاً للحنفية الفاسد‬
‫فرق بين الفاسد والباطل في المناسك وفي النكاح‪.‬‬
‫بمعنى واحد‪ ،‬إال في مسائل يسيرة ّ‬ ‫والباطل‬
‫ً‬
‫يقول الناظم ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪:-‬‬

‫وضابـط الصحـيح مـا تعلقا *** بــه نفـوذ واعتـداد مطلقا‬


‫والفاسـد الـذي لـم تعتـدد *** ولـم يكـن ٍ‬
‫بنافـذ إذا ُعقـد‬

‫واهلل أعلم‪ ،‬وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫‪‬‬

‫س الثَّ ِال ُ‬
‫ث‬ ‫الد َّْر ُ‬

‫السَّالم عليكم ورحمة اللَّ ِـه وبركاته‪.‬‬


‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪37‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫[ أسئلـة وأجوبـة ]‬

‫‪‬هذا يقول‪ :‬أعتقد واهلل أعلم أن هذا الدرس صعب‪ ،‬وال أستطيع أن أفهمه فماذا أفعل؟‬
‫أقول‪ :‬العلم األصل فيه أنه يحتاج إلى معاناة‪ ،‬فالذي ال ُيفهم من أول مرة‪ ،‬في المرة الثانية والثالثة‬
‫وهكذا‪ ،‬الذي ال يفهم من خالل كتاب‪ ،‬يفهم من خالل ٍ‬
‫كتاب آخر‪ ،‬فإذا لم تفهم المتون التي ألفها‬
‫المتقدمون‪ ،‬فارجع إلى المختصرات التي كتبها المتأخرون؛ ألنها كتبت بلغتك‪ ،‬وهي توطئ وتسهل‬
‫الطريق لك حتى تفهم كالم المتقدمين‪ ،‬وكتب المتقدمين ال غنى عنها لطالب العلم‪.‬‬
‫وبالنسبة للفهم الناس يتفاوتون فيه‪ ،‬منهم سريع الفهم‪ ،‬ومنهم البطيء في فهمه‪ ،‬فالبطيء في فهمه‬
‫عليه أن يكرر‪ ،‬والسريع في فهمه عليه أن يتجاوز ما فهمه‪ ،‬واهلل المستعان‪ ،‬وعليك أن تلجأ بصدق‬
‫وتنكسر بين يدي ربك أن يعينك على فهم العلم الشرعي‪ ،‬والعمل به‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بشيء من األمثلة‪.‬‬ ‫هذا يريد التوضيحـ‬
‫األمثلة ‪-‬إن شاء اهلل‪ -‬يأتي وقتها‪.‬‬

‫ٍ‬
‫مذهب آخر‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫مذهب واحد‪ ،‬حرام في‬ ‫‪ ‬يقول‪ :‬إذا عامد ‪-‬يعني متعمد‪ -‬عمل ما هو مكروه في‬
‫فكيف يكون عمل اإلنسان على هذين المذهبين؟‬
‫يعمل بالراجح عنده‪ ،‬وما يدين اهلل به‪ ،‬إذا كان من أهل النظر‪ ،‬وإ ذا لم يكن من أهل النظر بأن كان‬
‫عامياً أو في حكم العامي من المبتدئين‪ ،‬فإنه تبرأ بذمته إذا قلّد من جمع بين العلم والعمل والتقوى‬
‫والورع‪ ،‬واهلل المستعان‪:‬‬

‫وليس فـي فتتواه ٍ‬


‫مفت متبـع *** ما لـم يضف للعلم والدين الـورع‬

‫‪‬يقول‪ :‬هل إعفاء اللحية واجب أم فرض؟‬


‫هو واجب اتفاقاً‪ ،‬وكونه فرض ‪-‬على قول الجمهور‪ -‬الواجب والفرض ال فرق بينهما‪.‬‬

‫‪‬يقول‪ :‬اجتماع الواجب والمحظور في ٍ‬


‫عمل واحد كالصالة في المسجد المزخرف‪ ،‬هل الصالة‬
‫في المسجد المزخرف جائزة؟‬
‫على كل حال الجهة منفكة‪ ،‬والنهي عاد ٍ‬
‫ألمر خارج عن الصالة وعن شرطها‪ ،‬فالصالة صحيحة‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪38‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫‪‬يقول‪ :‬ما معنى يعتد به ويتعلق به النفوذ الذي جاء في تعريف الصحيح؟‬
‫الذي يعتد به‪ :‬بمعنى أنه ال يؤمر بإعادته‪ ،‬إذا كان عبادة فتبرأ ذمته بفعله‪ ،‬وذلك إذا كان مستوفياً‬
‫للشروط واألركان والواجبات‪ ،‬أما إذا اختل شرط من الشروط أو ركن من األركان مع القدرة عليه‬
‫ٍ‬
‫حينئذ ال يعتد به وال يعد صحيحاً‪ ،‬وال تترتب آثاره عليه‪ ،‬ومثله في المعامالت‪ ،‬وهذه العبارة‬ ‫فإنه‬
‫مألوفة‪ ،‬إذا قيل‪ :‬تعتد بهذه الركعة أو ال تعتد بها‪ :‬يعني أنها صحيحة مجزئة أو غير صحيحة‪.‬‬

‫‪ ‬إذا كانت الكراهة عند السلف تعني التحريم‪ ،‬فهل قول النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬أنه كان‬
‫يكره الحديث بعد صالة العشاء يفيد التحريم؟‬
‫الكراهة هنا للتنزيه‪ ،‬والصارف عن التحريم‪ ،..‬أوالً الكراهة لفظ مشترك‪ ،‬وليست نص في‬
‫التحريم‪ ،‬وال في كراهة التنزيه‪ ،‬لفظ مشترك ليست مثل األمر أو النهي‪ ،‬يعني لو قال‪ :‬ال تتحدثوا‬
‫بعد صالة العشاء‪ ،‬قلنا‪ :‬األصل في النهي التحريم‪ ،‬ويصرفه عن التحريم كونه ‪-‬عليه الصالة‬
‫والسالم‪ -‬سمر في بعض الليالي‪.‬‬
‫إصالح بين الناس أو مدارسة‬
‫ٍ‬ ‫وعلى كل حال السهر داء ابتلي به الناس‪ ،‬لكن إن كان على علم أو‬
‫خير أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو عبادة أو تأليف أو ما أشبه ذلك فهو خير ‪-‬إن شاء اهلل‬
‫تعالى‪ -‬لكنه خالف األصل‪.‬‬

‫‪‬يقول‪ :‬هل يلزم من قولهم‪ :‬الحرام ما حرمه اهلل‪ ،‬والحالل ما أحله اهلل إذا لم يكن هناك نص‪ ،‬أن‬
‫يأت نص على تحريمه؟>‬ ‫يكون الدخان حالالً؛ حيث أنه لم ِ‬
‫أوالً‪ :‬الجملتان ليستا بمتفقتين‪ ،‬بل هذه لها داللة وتلك لها داللة أخرى‪ ،‬وقال بهذه أقوام‪ ،‬وقال بتلك‬
‫أقوام‪ ،‬فالحرام ما حرمه اهلل يعني‪ :‬أن ما عداه حالل‪ ،‬ما لم ينص عليه فهو حالل‪ ،‬والذي يقول‪ :‬إن‬
‫الحالل ما أحله اهلل فمعناه أن الذي لم ينص على حله فهو حرام‪.‬‬
‫أما بالنسبة للدخان فجاءت النصوص التي تومئ إلى منعه‪ ﴿ ،‬ي ِح ُّل لَهم الطَّ ِّيب ِ‬
‫ات َو ُي َحِّر ُم َعلَ ْي ِه ُم‬ ‫َ‬ ‫ُُ‬ ‫ُ‬
‫آئ َث ﴾ [ سورة األعراف‪ ،‬اآلية ‪ ،] 157 :‬والمعتمد عند أهل العلم من المحققين أنه حرام‪،‬‬ ‫ا ْل َخب ِ‬
‫َ‬
‫وهو ضار أيضاً‪.‬‬

‫‪ ‬يقول بعض أهل العلم‪ :‬ال ثواب إال بنية‪ « >:‬إنما األعمال بالنيات » بال شك‪ ،‬يقول‪ :‬فهل اإلنفاق‬
‫على الزوجة بدون استحضار النية يثاب عليه الزوج أم ال؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪39‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫في امرأته يثاب عليه إذا قصد بذلك أن تستعين هذه المرأة في هذا األكل على‬
‫حتى ما يضعه في ِّ‬
‫طاعة اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬وأن يسقط عنه ما أوجبه اهلل عليه‪ ،‬ال شك أن استحضار مثل هذا قدر زائد‪،‬‬
‫قدر من الثواب زائد على مجرد ثواب وجوب النفقة‪ ،‬فيستحضر النية مع ذلك‪ ،‬إذا لم يستحضر‬
‫النية فالوجوب سقط عنه‪ ،‬بمعنى أنه ال يؤمر أن ينفق عليها ثانية إذا لم يستحضر النية‪ ،‬اإلنفاق‬
‫صحيح‪ ،‬لكن يبقى أنه إذا استحضر النية كما إذا استحضر النية في أكله هو وشربه ونومه وجماعه‬
‫وما أشبه ذلك فإنه يثاب على ذلك قدراً زائداً على مجرد الفعل‪.‬‬

‫‪‬يقول‪ :‬ما رأيكم في القول الذي يقول‪ :‬من قلد عالماً لقي اهلل سالماً؟‬
‫أقول‪ :‬إذا كان لديه أهلية النظر في النصوص وعنده اآللة التي يستطيع بها االستنباط من الكتاب‬
‫والسنة فإنه ال يسوغ له التقليد‪ ،‬بل حرمه جمع غفير من أهل العلم‪ ،‬والمقلد عند عامة أهل العلم‬
‫ليس من أهل العلم‪ ،‬على ما سيأتي في االجتهاد والتقليد ‪-‬إن شاء اهلل تعالى‪ -‬أما بالنسبة للعامي‬
‫ومن في حكمه ممن ليست لديه أهلية النظر فإن فرضه التقليد‪ ،‬لكن من يقلد‪ ،‬يقلد من تبرأ ذمته‬
‫بتقليده‪.‬‬
‫‪‬يقول‪ :‬هل يجوز القول لعلي كرم اهلل وجهه؟‬
‫من حيث األصل الدعاء ال شيء فيه‪ ،‬لكن تخصيص علي ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬بهذا الدعاء دون غيره‬
‫من الصحابة ال شك أنه يشم منه رائحة ‪-‬رائحة الميل إلى علي ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬وهو أمير‬
‫المؤمنين رابع الخلفاء الراشدين‪ ،‬مشهود له بالجنة‪ ،‬وفضائله جمة ‪-‬رضي اهلل عنه وأرضاه‪ -‬لكن‬
‫تشيع‪ ،‬وإ ن لم‬
‫الميل إليه وتفضيله على غيره بما في ذلك أبي بكر وعمر وعثمان هذا ال شك أنه ّ‬
‫يتعرض لسب الشيخين‪ ،‬أما إذا تعرض لسبهما فهو رفض نسأل اهلل العافية‪.‬‬
‫على كل حال تخصيص علي ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬بمثل هذه العبارة‪ ،‬أو بمثل قول بعضهم‪- :‬عليه‬
‫السالم‪ -‬كل هذا ال يليق وال يسوغ‪ ،‬فالترضي عن الصحابة هو الجادة عند أهل العلم‪ ،‬وهم على ٍ‬
‫حد‬
‫سواء‪ ،‬كما أن النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬خص بالصالة والسالم فال يقال له‪ :‬عز وجل‪ ،‬وإ ن‬
‫كان عزيزاً جليالً‪ ،‬لكن العرف عند أهل العلم جرى على ذلك‪ ،‬فاهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬يقال‪ :‬عز‬
‫وجل‪ ،‬وال يقال للنبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬وإ ن كان عزيزاً جليالً‪ :‬عز وجل‪ ،‬وإ نما يقال‪ :‬صلى‬
‫اهلل عليه وسلم‪ ،‬وبهذا يحصل االمتثال‪ ،‬امتثال األمر الوارد في قوله تعالى‪:‬‬
‫يما ﴾ [ سورة األحزاب‪ ،‬اآلية ‪ ،] 56 :‬فإن زيد على ذلك فليقل‪ :‬صلى‬ ‫﴿ صلُّوا علَ ْي ِه وسلِّموا تَ ِ‬
‫سل ً‬
‫ْ‬ ‫َ َ َ ُ‬ ‫َ‬
‫اهلل عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم‪ ،‬أما االقتصار على اآلل فهو من عمل بعض المبتدعة‪ ،‬وهذا‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪40‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫مشبه لعمل بعض المبتدعة‪ ،‬واالقتصار على الصحب دون اآلل فيه مشابهة لمبتدعة آخرين‪ ،‬فإذا‬
‫زيد على النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬فلتكن الزيادة لآلل والصحب معاً‪ٍ ،‬‬
‫ولكل حقه‪ ،‬فاآلل أمر‬
‫النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬باالعتراف بحقهم وفضلهم‪ ،‬والصحابة فضلهم وصيانتهم وحفظهم‬
‫وتبليغهم للدين معروف‪ ،‬فال نشبه الروافض وال نشبه النواصب‪،‬ـ فإذا زدنا على ما نخرج به من‬
‫العهدة فلتكن الزيادة لآلل والصحب معاً؛ لنبتعد عن مشابهة المبتدعة الذين هم على طرفي نقيض‪.‬‬
‫وما جاء في التشهد ‪-‬الصالة اإلبراهيمية‪ -‬هذا خاص بالصالة‪ ،‬وأما خارج الصالة فتبرأ الذمة‬
‫ويخرج اإلنسان من العهدة إذا قال‪ :‬صلى اهلل عليه وسلم؛ ألنه مأمور بذلك‪ ،‬وأما االقتصار على‬
‫الصالة دون السالم والعكس فقد نص النووي على كراهة ذلك‪ ،‬نص النووي على كراهة االقتصار‬
‫خص ابن حجر الكراهة بمن كان‬
‫على الصالة دون السالم أو العكس في مقدمة شرح مسلم‪ ،‬لكن ّ‬
‫ديدنه ذلك‪ ،‬يعني طول عمره يصلي وال يسلم أو يسلم وال يصلي‪ ،‬أما من كان يصلي أحياناً‪ ،‬ويسلم‬
‫أحياناً‪ ،‬ويجمع بينهما أحياناً‪ ،‬فهذا ال كراهة بالنسبة له‪ ،‬واالقتصار على الصالة دون السالم موجود‬
‫في كالم كثير من أهل العلم‪ ،‬في مقدمة مسلم وفي ٍ‬
‫كثير من كتب الشافعي ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬حتى‬
‫النووي نفسه ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬في بعض كتبه صلى ولم يسلم‪.‬‬
‫هناك أسئلة عامة وفي قضايا كبرى تؤجل ويسأل عنها الشيخ‪.‬‬

‫‪‬يقول‪ :‬ما الفرق بين الدليل القطعي والدليل الظني؟‬


‫هذا سيأتي ‪-‬إن شاء اهلل‪ -‬في هذا الدرس‪ ،‬إن شاء اهلل تعالى‪.‬‬

‫‪‬يقول‪ :‬هل ينصح> من أراد الحفظ أن يحفظ النثر –الورقات‪ -‬أو يحفظ النظم؟‬
‫النظم أثبت‪ ،‬ولذا يحرص كثير من أهل العلم على تحفيظ طالبه النظم؛ ألنه يثبت‪ ،‬أما النثر فهو‬
‫ينسى‪.‬‬

‫‪‬يقول‪ :‬هل هناك فرق بين المكروه وخالف األولى أو هما سواء؟‬
‫ال‪ ،‬هناك فرق؛ المكروه فيه مخالفة للدليل الذي يدل على المنع لوال وجود الصارف من التحريم‬
‫إلى الكراهة‪ ،‬وخالف األولى هو ما هو في أمرين مباحين أحدهما أولى من اآلخر‪ ،‬ففعل المفضول‬
‫خالف األولى‪ ،‬وفعل الفاضل هو األولى‪.‬‬

‫‪‬يقول‪ :‬ما حجة من قال‪ :‬إن المباح ليس حكماً تكليفياً؟‬


‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪41‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫حجته أن اإلباحة ليس فيها كلفة وال مشقة؛ ألنها مردودة إلى اختيار المكلف إن شاء فعل وإ ن شاء‬
‫ترك‪ ،‬فمن هذه الحيثية ليس فيها تكليف‪ ،‬في األمر المباح إن شئت فعلته وإ ن شئت تركته لذاته‪ ،‬ال‬
‫لما يترتب عليه من آثار‪ ،‬هذا المباح إن حصل به إعانة على فعل واجب أو مستحب صار له‬
‫حكماً‪ ،‬وإ ن حصل بسببه تفريط وتضييع للواجبات صار حراماً وهكذا‪ ،‬لكن هو في األصل مباح‪،‬‬
‫وليس فيه تكليف؛ ألن ما يرد فيه إلى اختيار المكلف ليس فيه تكليف‪ ،‬هذه وجهة نظر من يقول‪ :‬إن‬
‫المباح ليس حكماً تكليفياً‪ ،‬وإ نما ذكر من باب تتميم القسمة‪ ،‬أما من يقول‪ :‬إنه حكم تكليفي فيرى أن‬
‫الحكم هو خطاب اهلل واإلباحة حصلت بخطاب اهلل‪.‬‬

‫‪‬هذا سؤال مسجوع يقول‪ :‬يا شيخ‪ ،‬نبئنا عن كتب المبتدئين؛ لنحفظ ونكون من المتعلمين‪،‬‬
‫وننشر العلم في تلك األرضين‪ ،‬فنرضي رب العالمين‪ ،‬فنكون من الفائزين؟‬
‫على كل حال في كل ٍ‬
‫علم من العلوم كتب للمبتدئين وأخرى للمتوسطين وثالثة ورابعة وهكذا‪،‬‬
‫ساللم وجواد مطروقة عند أهل العلم‪ ،‬تحتاج إلى ٍ‬
‫شيء من البسط‪ ،‬وقلنا بالنسبة لهذا العلم‪ :‬إن أولى‬
‫ما يبدأ به مثل هذا الكتاب الذي هو الورقات‪ ،‬ثم بعد ذلكم إذا أتقنه وضبطه وسمع عليه ما سجل من‬
‫أشرطة‪ ،‬وقرأ الشروح والحواشي على هذا الكتاب‪ ،‬نعم‪ ،‬ينتقل إلى الكتب التي تلي مثل هذا‬
‫الكتاب‪ ،‬إما مختصر التحرير أو مختصر الروضة‪ ،‬ثم بعد ذلكم ينظر في المطوالت عند الحاجة‪،‬‬
‫ويعتني بمسودة آل تيمية والموافقات للشاطبي وإ رشاد الفحول للشوكاني وغيرها من الكتب التي‬
‫ٍ‬
‫بشيء من التحقيق‪.‬‬ ‫تمتاز‬
‫األسئلة كثيرة جداً‪ ،‬والوقت نخشى أن يضيق على شرح الكتاب‪.‬‬

‫‪‬‬

‫سم‬
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد وعلى آله‬
‫وصحبه أجمعين أما بعد‪ :‬فقد قال إمام الحرمين ‪-‬رحمه اهلل‪: -‬‬

‫والفقه أخص من العلم‪ ،‬والعلم معرفة المعلوم على ما هو به في الواقع‪ ،‬والجهل تصور الشيء‬
‫على خالف ما هو في الواقع‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪42‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫والعلم الضروري ما ال يقع عن نظر واستدالل‪ ،‬وأما العلم المكتسب فهو الموقوف على النظر‬
‫واالستدالل‪ ،‬والنظر‪ :‬هو الفكر في حال المنظور فيه‪ ،‬واالستدالل‪ :‬طلب الدليل‪ ،‬والدليل‪ :‬هو‬
‫المرشد إلى المطلوب‪ ،‬والظن‪ :‬تجويز أمرين أحدهما أظهر من اآلخر‪ ،‬والشك‪ :‬تجويز أمرين ال‬
‫مزية ألحدهما على اآلخر‪.‬‬

‫« َّ‬
‫الش ْـر ُح » ‪:‬‬
‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‪ ،‬يقول المؤلف ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪:-‬‬
‫« والفقه أخص من العلم » الفقه الذي تقدم تعريفه اصطالحاً أخص من العلم؛ ألن الفقه معرفة‬
‫األحكام الشرعية الفرعية‪ ،‬فهو أخص من العلم‪ ،‬والعلم أعم منه مطلقاً‪ ،‬بينهما عموم وخصوص‬
‫مطلق‪ ،‬فكل فقه علم وليس كل علم فقهاً؛ ألن العلم يطلق على جميع العلوم‪.‬‬
‫الفقيه يقال له‪ :‬عالم‪ ،‬وعالم يعني بالفقه‪ ،‬المفسر يقال له‪ :‬عالم‪ ،‬لكن ال يقال له‪ :‬فقيه‪ ،‬المحدث يقال‬
‫له‪ :‬عالم‪ ،‬لكن إذا لم تكن به دراية ال يقال له‪ :‬فقيه‪ ،‬النحوي عالم‪ ،‬يعني في النحو‪ ،‬لكن ال يقال له‪:‬‬
‫فقيه وهكذا‪.‬‬
‫فالعلم أعلم مطلقاً من الفقه‪ ،‬وقد ِ‬
‫يرد الفقه ويراد به ما يرادف العلم الشرعي‪ ،‬كما في حديث‪:‬‬
‫« من يرد اهلل به خيراً يفقهه في الدين »‪ «،‬يفقهه في الدين » هل معنى هذا أن الذي يعرف‬
‫المسائل واألحكام الشرعية بأدلتها‪ ،‬وال يعرف غير هذا النوع من العلوم يدخل في هذه الدعوى؟‬
‫ال يعرف إال األحكام‪ ،‬يعرف أحكام الطهارة والصالة والزكاة والبيوع والمعامالت والجنايات‬
‫وغيره‪ ،‬يعرف الفقه بجميع أبوابه‪ ،‬لكنه ليست له يد فيما يتعلق بالسنة أو بكتاب اهلل ‪-‬عز وجل‪-‬‬
‫مما هو قدر زائد على ما يحتاجه الفقيه‪.‬‬
‫هل‪ ،..‬نتصور أن النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬يقول مثل هذا الكالم ‪ « :‬من يرد اهلل به خيراً‬
‫يفقهه في الدين »‪ ،‬يفقهه‪:‬المراد بالفقه هنا الفهم‪ ،‬والدين بجميع أبوابه‪ ،‬فيشمل جميع أبواب الدين‬
‫التي منها معرفة العقائد واألحكام والتفسير والمغازي وغيرها‪ ،‬جميع أبواب الدين داخلة في الفقه‬
‫المدعو به هنا أو المخبر عنه هنا‪ ،‬وقد دعا النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬البن عمه عبد اهلل بن‬
‫عباس ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬أن يفقهه في الدين وأن يعلمه التأويل‪.‬‬
‫سمى بعض العلماء االعتقاد‪ :‬الفقه األكبر‪ ،‬وهو تسمية له مأخوذة من الفقه بالمعنى األعم ال بمعناه‬
‫الخاص‪ ،‬وفي قرة العين ‪-‬شرح الورقات‪ -‬يقول‪ :‬وكذا بالمعنى اللغوي ما تقدم بالنظر إلى المعنى‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪43‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫االصطالحي الفقه أخص من العلم‪ ،‬يقول‪ :‬وكذا بالمعنى اللغوي؛ فإن الفقه الفهم والعلم المعرفة‬
‫وهي أعم‪ ،‬ال يمكن أن يفهم إال وهو عارف‪ ،‬لكن يمكن أن يعرف وهو غير فاهم؟!‬
‫على كالمه هو‪ ،‬يقول‪ :‬المعرفة أعم من الفقه الذي هو الفهم‪ ،‬فعلى هذا كل ٍ‬
‫فاهم عارف‪ ،‬وليس كل‬ ‫ّ‬
‫عارف فاهماً‪ ،‬وإ ن قلنا‪ :‬إن الفقه هو الفهم الدقيق للمسائل الخفية اتضح األمر أكثر‪ ،‬صار الفقه‬
‫بمعناه اللغوي أخص‪ ،‬ويقال‪ :‬عالم وعالم وعليم لكن ال يقال‪ :‬عارف؛ ألن المعرفة تستلزم سبق‬
‫الجهل‪ ،‬وعرفنا الجواب عن مثل قوله ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ « :-‬تعرف على اهلل في الرخاء‬
‫يعرفك في الشدة »‪.‬‬
‫يقول الناظم ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪:-‬‬

‫يخص *** للفقه مفهومـاً بـل الفقه أخـص‬


‫ّ‬ ‫والعلـم لفـظ للعموم لـم‬
‫ثم قال ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪:-‬‬
‫« والعلم معرفة المعلوم على ما هو به في الواقع‪ :‬العلم معرفة المعلوم على ما هو به في الواقع‬
‫»‪ ،‬العلم المقصود به‪ :‬ما ال يحتمل النقيض وهو اليقين‪.‬‬
‫عرفه المؤلف ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬بأنه معرفة المعلوم‪ ،‬أي إدراك ما من شأنه أن يعلم على ما هو‬
‫به في الواقع‪ ،‬كإدراك حقيقة اإلنسان بأنه ‪-‬كما يقول أهل العلم‪ -‬حيوان ناطق‪ ،‬فعندنا علم وعندنا‬
‫ٍ‬
‫بوجه من‬ ‫جهل‪ ،‬وعندنا ظن وشك ووهم‪ ،‬فالعلم ما ال يحتمل النقيض‪ ،‬العلم ال يحتمل النقيض‬
‫الوجوه‪ ،‬وذكر في قرة العين أن هذا الحد ألبي بكر الباقالني‪ ،‬يعني التعريف الذي اعتمده‬
‫المصنف‪ :‬معرفة المعلوم على ما هو به في الواقع‪ :‬هو الذي قرره أبو بكر الباقالني وهو‬
‫معروف‪ ،‬وتبعه المصنف واعتُرض بأن فيه دوراً‪ ،‬اعترض بأن فيه دوراً؛ ألن المعلوم مشتق من‬
‫العلم‪ ،‬المعلوم مشتق من العلم‪ ،‬فكيف تعرف المعلوم وأنت ال تعرف العلم؟ أنت ال تعرف ما اشتق‬
‫منه‪ ،‬فكيف يقال‪ :‬العلم معرفة المعلوم؟ المعلوم اسم مفعول مشتق من المصدر الذي هو العلم‪،‬‬
‫فكيف يعرف المصدر بمعرفة بعض مشتقاته فالذي ال يعرف األصل ال يعرف الفرع؟‬
‫يقول‪ :‬اعترض بأن فيه دوراً؛ ألن المعلوم مشتق من العلم‪ ،‬فال يعرف المعلوم إال بعد معرفة العلم‪،‬‬
‫أيش معنى الدور؟ الدور هو أيش؟!‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬ال‪ ،‬الدور شيء والتسلسل شيء آخر‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪44‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬طيب‪ ،‬صحيح‪ ،‬أخونا‪..‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير ‪ :‬نعم‪ ،‬ترتيب الشيء على ٍ‬
‫شيء مترتب عليه‪ ،‬الدور ترتيب الشيء‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫شيء مترتب عليه‪ ،‬يعني في مثل قول الشاعر‪:‬‬ ‫على ٍ‬

‫لوال مشيبــي مــا جفـا *** لوال جفـاه لــم أشــب‬

‫أيش السبب؟ نعم‪ ،‬هل السبب أنه جفاه ألنه شاب‪ ،‬أو السبب أنه شاب ألنه جفاه؟ نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير ‪ :‬نعم هذا دور‪ ،‬ويقول العلماء في الفرائض ‪-‬في مسائل الغرقى‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫والهدمى‪ :-‬إن كل واحد يرث من اآلخر من تالد ماله ال من مما ورثه منه؛ ألنه يلزم عليه الدور؛‬
‫ألنه ما تنتهي المسألة أبداً‪ ،‬فيرث كل واحد من الثاني من تالد ماله من ماله القديم قبل الوفاة‪ ،‬ال مما‬
‫ورثه منه؛ دفعاً للدور‪ ،‬وهذا مر بكم‪ ،‬وال أريد أن أطيل في مثل هذا التفصيل؛ ألن أكثر الحاضرين‬
‫قد يشق عليهم فهم مثل هذا الكالم‪ ،‬وجاءت تنبيهات كثيرة على أن مستوى بعض اإلخوان أقل من‬
‫مستوى الكتاب‪ ،‬لكن تكون هذه توطئة لقراءته مرتان ومراجعة شروحه فيفهم بإذن اهلل‪ ،‬وإ ن كان‬
‫في الحضور يعني من يستحق الزيادة في البسط والتفصيل‪ ،‬لكن نقتصر بمثل هذا على قدر‬
‫الحاجة‪.‬‬
‫كيف يلزم الدور على تعريف المؤلف ‪ « :‬العلم معرفة المعلوم »؟ تصوير ذلك؟ نعم؟‬
‫قالوا المعلوم مشتق من العلم فكيف تعرف الفرع وأنت ال تعرف األصل؟!‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ « :‬العلم معرفة المعلوم » لو أردنا أن نختار أي مسألة من المسائل‬
‫العلمية‪ ،‬نقول‪ :‬وجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون‪ ،‬هذا علم وإ ال معلوم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬معلوم‪ ،‬ومعرفة هذا الحكم علم‪ ،‬معرفة هذا الحكم علم‪ ،‬والحكم‬
‫معلوم‪ ،‬حكم المسألة معلوم‪ ،‬ومعرفة هذا الحكم علم‪ ،‬كيف نعرف المعلوم ونحن ال نعرف العلم؟‬
‫مبسط جداً‪ ،‬نقول‪ :‬إن المعلوم ال شك أنه مشتق من‬ ‫ٍ‬
‫بأسلوب ّ‬ ‫هنا قالوا‪ :‬ألنه يلزم عليه الدور‪ ،‬لكن‬
‫العلم‪ ،‬لكن العلم بجملته يشتمل على معلومات كثيرة‪ ،‬العلم إجماالً يشتمل على معلومات كثيرة‪ ،‬هذا‬
‫الكتاب مثالً علم‪ ،‬وفي هذا الكتاب ‪-‬الذي هو بمجموعه علم‪ -‬فيه معلومات كثيرة‪ ،‬فمعرفة هذه‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪45‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫المعلومات تدريجياً إذا اكتملت صارت علماً‪ ،‬واألصل الذي يشتق منه هذه الجزئيات وهذه‬
‫المسائل‪ ،‬العلم ‪-‬علم األصول أو علم الفقه أو علم الفرائض أو علم الحديث أو ما أشبه ذلك‪ -‬هو‬
‫عبارة عن مسائل تجتمع وتكتمل شيئا فشيئاً حتى تصير علماً‪ ،‬وهذا شيء مالحظ في المحسوسات‪،‬‬
‫فالمادة التي تتركب من مجموعة جزئيات ال تسمى مادة إال إذا اكتملت هذه الجزئيات‪ ،‬فإذا‬
‫أحضرت الماء وأحضرت معه‪ ،..‬غليت هذا الماء ووضعت فيه شيء من السكر والشاي صار‬
‫شاي‪ ،‬فبمجموع هذه األمور يصير شيئاً‪ ،‬وبمجموع المسائل يصير علماً‪ ،‬بمجموع هذه المعلومات‬
‫يصير علماً‪ ،‬وإ ذا فسر المعلوم بأنه ما من شأنه أن يعلم انتفى الدور‪.‬‬
‫وقولهم انتقد أيضاً بأن قوله‪ « :‬على ما هو به في الواقع » قدر زائد في الحد‪ « ،‬على ما هو به‬
‫في الواقع » ال يحتاج إليه؛ ألن المعلوم ال يستحق أن يكون معلوماً إال إذا كان على ما هو به في‬
‫الواقع؛ إذا خالف الواقع هل يستحق أن يسمى معلوماً ؟‬
‫ال يستحق‪ ،‬إذن على ما هو به في الواقع‪ :‬قدر زائد في الحد‪ ،‬والحدود ينبغي أن تكون مع كونها‬
‫جامعةً مانعة أن تكون أيش؟ مختصرة‪ ،‬لكن هم ال يأبون في التعاريف والحدود التصريحـ بما هو‬
‫مجرد توضيح‪ ،‬إذا لم يترتب عليه تطويل للحد‪ ،‬فليكن هذا مما هو تصريح بما هو مجرد توضيح‬
‫وال مانع منه‪.‬‬
‫قوله‪ « :‬معرفة المعلوم » يفضي عدم المعرفة والجهل بقسميه‪ ،‬وعلى ما هو به يخرج الجهل‬
‫المركب على ما سيأتي‪.‬‬
‫يقول الناظم ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪:-‬‬

‫وعلمـنا معرفـة المعلوم *** إن طابقـت بوصفها المحتـوم‬

‫« والجهل تصور> الشيء على خالف ما هو به في الواقع » تصور الشيء على خالف ما هو به‬
‫في الواقع‪ ،‬العلم كما هو مصدر علم يعلم علماً‪ ،‬والجهل أيضاً مصدر جهل يجهل جهالً وجهالةً‪.‬‬
‫يقول‪ « :‬تصور> الشيء على خالف ما هو به في الواقع » تصور الشيء‪ :‬إدراكه‪ ،‬يقول الدمياطي‬
‫في حاشيته على شرح المحلي ‪-‬وما أحسن قوله‪ -‬في تعريف العلم ‪" :‬معرفة"‪ ،‬وفي تعريف الجهل‪:‬‬
‫ٍ‬
‫بمعرفة أصالً وإ نما هو حصول الشيء في الذهن‪ ،‬يعني الجهل على ما قرره‬ ‫"تصور" فإنه ليس‬
‫المؤلف هو مجرد حصول الشيء في الذهن‪ ،‬ولذا لم يكن مطابقاً للواقع‪ ،‬وإ ال صار معرفةً وعلماً‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪46‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫« على خالف ما هو به » وبعض النسخ ‪ « :‬على خالف ما هو عليه »‪ ،‬كأن يتصور الشخص‬
‫راغ أو ناهق أو صاهل أو ما أشبه ذلك‪ ،‬هذا علم؟ هذا مطابق للواقع؟‬
‫اإلنسان‪ :‬بأنه حيوان ٍ‬
‫ق للواقع‪ ،‬ليس بمطاب ٍ‬
‫ق للواقع فهو جهل‪ ،‬وكأن تسأل شخصاً عن ما وراء هذا الجدار‬ ‫ليس بمطاب ٍ‬
‫فيخبرك‪ ،‬أيش الذي وراء هذا الجدار ‪-‬وهو ال يعلم ما الذي وراءه‪ -‬فيخبرك بخبر يخالف الواقع‪،‬‬
‫تسأله ما الذي وراء هذا الجدار يقول‪ :‬لك جمل‪ ،‬هذا جهل عند المؤلف‪.‬‬
‫بعضهم يرى أن الجهل الذي عرفه المؤلف هو الجهل المركب‪ ،‬ويقسم الجهل إلى قسمين‪ :‬جهل‬
‫بسيط‪ ،‬وهو عدم العلم‪ ،‬وخلو النفس عن اإلدراك‪ ،‬وجهل مركب وهو معرفة أو تصور الشيء على‬
‫خالف ما هو به‪ ،‬فإذا سألت شخصاً‪ ،‬فقلت له‪ :‬ما الذي وراء هذا الجدار؟ قال‪ :‬ال أدري‪ ،‬هذا جهل‪،‬‬
‫بسيط وإ ال مركب؟ بسيط‪ ،‬إذا قال لك‪ :‬جمل‪ ،‬والواقع أنه سيارة‪ ،‬بسيط وإ ال مركب؟ مركب‪.‬‬
‫الجهل البسيط كعدم علمه بما تحت األرضين‪ ،‬أو بما في قاع البحار‪ ،‬لكن الجهل المركب أن نقول‪:‬‬
‫إن تحت األرضين كذا‪ ،‬وفي قاع البحار كذا‪ ،‬مما هو على خالف الواقع‪ ،‬فإذا قلت لزيد مثالً‪:‬‬
‫عرف الفاعل؟ فقال‪ :‬ال أدري‪ ،‬نقول‪ :‬إنه جاهل‪ ،‬لكن جهله بسيط‪ ،‬وإ ن قال‪ :‬هـو من وقع عليه‬
‫الفعل‪ ،‬قلنا‪ :‬هذا جاهل جهالً مركباً‪ .‬أيش معنى مركب؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬ألنه مركب من جهلين‪ ،‬هو جاهل بحقيقة هذا الشيء‪ ،‬وهو جاهل‬
‫أيضاً بحقيقة نفسه‪ ،‬يجهل أنه جاهل‪ ،‬يقول الشاعر‪:‬‬

‫قـال حمـار الحكـيم يومـاً *** لو أنصـف الدهـر كنت أركب‬


‫ألننـي جاهــل بسيــط *** وصاحبـي جاهـل مركــب‬

‫يعني صاحبه الذي ركبه أجهل منه؛ ألنه ال يدري أنه ال يدري‪ ،‬فجهله مركب من جهلين‪.‬‬
‫والشعراء يتجاوزون في مثل هذا فينسبون بعض األفعال إلى الدهر‪ ،‬وهنا يقول‪ :‬لو أنصف الدهر‬
‫كنت أركب!‬
‫وال يقول قائل‪ :‬إن القائل حمار وهو غير مكلف‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬كيف؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪47‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪:‬‬

‫قـال حمار الحكـيم يومـاً *** لو أنصـف الدهـر كنت أركب‬

‫نسب عدم اإلنصاف إلى الدهر‪ ،‬وهذا يوجد في كالم الشعراء كثيراً‪ ،‬وهو مخالفة ظاهرة‪ ،‬لكن قد‬
‫يقول قائل‪ :‬إن القائل حمار وهو غير مكلف‪ ،‬قال حمار‪..‬؛ ألن فاعل قال من؟ حمار الحكيم‪ ،‬وهو‬
‫غير مكلف‪ ،‬وما دام غير مكلف فاألمر فيه سعة‪ ،‬يقول ما شاء‪ ،‬نقول ال‪ ،‬مثل ما قال األخ يصير‬
‫جاهالً مركباً‪.‬‬
‫ألنني جاهل بسيط‪ :‬الحمار ال يدري‪ ،‬لكن هل يدري أنه ال يدري؟ هنا اإلشكال‪.‬‬
‫وصاحبي جاهل مركب‪ :‬الحكيم من الحكيم؟ هؤالء الفالسفة الذين يهرفون بما ال يعرفون‪ ،‬يتكلمون‬
‫بما وراء‪ ،..‬بما فوق إدراكهم وإ حاطتهم‪ ،‬وهنا‪ :‬قال حمار الحكيم يوماً‪ :‬نسبة القول إلى من ال‬
‫يصلح منه القول‪ ،‬أو من ال يصدر منه القول‪ ،‬يجوز وإ ال ال؟ قال الحمار كذا‪ ،‬قال الذئب كذا‪ ،‬يعني‬
‫لو عقدنا مناظرة بين حمار وحصان‪ ،‬أو بين حمار وجمل محاورة‪ ،‬يجوز مثل هذا؟ نقول‪ :‬قال‬
‫الحمار وقال الجمل؟ يجوز وإ ال ما يجوز؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬من الذي أجازه؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬إسناد مجازي‪ ،‬هذا إذا قلنا بالمجاز‪ ،‬إذا قلنا بالمجاز على ما سيأتي‪.‬‬
‫على كل حال عقد المناظرات الوهمية التي يقصد منها بيان الحق مثالً‪ ،‬لو عقدنا مناظرة بين سني‬
‫وقدري مثالً‪ ،‬سني وجبري‪ ،‬كما فعل ابن القيم في (شفاء العليل)‪ ،‬قال السني كذا‪ ،‬قال الجبري كذا‪،‬‬
‫قال السني كذا قال القدري كذا‪ ،‬يجوز وإ ال ما يجوز؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬قال وإ ال ما قال؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬نسبه إلى أيش؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪48‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬لكن هل قال وإ ال ما قال؟ هذه العلوم مبتكرة من هذا الشخص‪ ،‬ال‬
‫شخص بعينه‪ ،‬دعونا في ٍ‬
‫مثال أوضح‪ ،‬مناظرة بين العلوم‪ ،‬قال علم التفسير كذا‪ ،‬قال علم‬ ‫ٍ‬ ‫ينقلها عن‬
‫الحديث كذا‪ ،‬وتتفاخر هذه العلوم بعضها على بعض‪ ،‬ووجدت هذه‪..‬هاه؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫حيز الكذب؟ أو نقول‪ :‬إن هذا سلكه أهل‬
‫ض ْير ‪ :‬هل نقول‪ :‬إن هذا داخل في ّ‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫العلم للفائدة المترتبة عليه‪ ،‬والمفسدة مغمورة في جانب المصلحة؟‬
‫هذا موجود عند أهل العلم‪ ،‬والحكم يسري على المقامات مثالً‪ :‬حدث الحارث بن همام قال‪ :‬قال‬
‫عيسى بن هشام قال فالن‪ ،‬نعم‪ ،‬هل نقول‪ :‬إن هذا خالف الواقع فهو كذب‪ ،‬يدخل في نصوص‬
‫الوعيد الوارد في من كذب؟ أو نقول‪ :‬نتجاوز عن مثل هذا؛ لوجود المصلحة الكبيرة؛ ألن‬
‫ٍ‬
‫شخص مجهول أو ال حقيقة‬ ‫المقامات فيها ذخيرة لغوية ال توجد في غيرها؟ وإ ن قيلت على لسان‬
‫له؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬إذا قررنا مبدأ المصلحة والمفسدة قلنا‪ :‬المصلحة ظاهرة‪ ،‬نعم‪ ،‬الناس‬
‫بحاجة إلى تأليف مناظرات مبسطة يدركها آحاد الطالب‪ ،‬أو يدركها عامة الناس؛ ليجادلوا من‬
‫يجادلهم‪ ،‬واألبواب مفتوحة اآلن للمبتدعة في هذه القنوات‪ ،‬يقولون ما شاؤوا‪ ،‬وغزوا الناس في‬
‫عقر دورهم‪ ،‬يعني لو عقدت مناظرات مبسطة وميسرة بين هذه الفرق تناسب أفراد المتعلمين ‪-‬بل‬
‫عامة الناس‪ -‬صار فيها خير كثير وقرر فيها الحق‪ ،‬فهل نقول‪ :‬إن مثل هذه المصلحة الراجحة‬
‫تغمر بجانبها المفسدة‪ ،‬وقد جاء جواز الكذب في مواضع‪ ،‬نظراً للمصلحة؟‬
‫المبالغة على خالف الواقع في بعض صورها‪ ،‬المبالغات‪ « :‬أما أبو جهم فكان ال يضع عصاه عن‬
‫ضراب للنساء أو كثير األسفار‪ ،‬لكنه إذا نام عصاه على عاتقه وإ ال يضعه؟‬
‫عاتقه »‪ ،‬رجل َّ‬
‫نقول‪ :‬هذا من باب المبالغة‪ ،‬ويتجاوز فيها ما ال يتجاوز في غيره‪ ،‬فمثل هذه األمور عند ٍ‬
‫كثير من‬
‫أهل العلم مغتفرة‪ ،‬وال شك أن اإلنسان الذي يحتاط لنفسه ويتحرى ويتوقف عن مثل هذه األمور له‬
‫ذلك‪ ،‬لكن هذه موجودة في كتب أهل العلم ‪-‬مناظرات بين َبشر‪ -‬ابن القيم عقد مناظرة طويلة في‬
‫بدائع الفوائد بين شخصين‪ ،‬أحدهما يقول بطهارة المني‪ ،‬واآلخر يقول بنجاسته‪ ،‬وأفاض في ذلك‬
‫ٍ‬
‫بكالم ال يوجد عند غيره‪ ،‬عقد مناظرات في شفاء العليل بين سني وقدري وما أشبه ذلك‪ ،‬كالماً‬
‫نفيساً‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪49‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫فأهل العلم ألفوا‪ ،..‬أيضاً المقامات وإ ن كان الحريري في آخر مقامته تمنى أن لو خرج منها كفافاً‬
‫ال له وال عليه‪ ،‬واهلل المستعان‪.‬‬
‫جرنا إلى هذا الكالم؟ قال حمار الحكيم‪.‬‬
‫ما الذي ّ‬
‫يقول ناظم الورقات‪:‬‬

‫والجهل قل تصور الشيء على *** خالف وضعه الذي بـه عال‬
‫وقيل حــد الجهل فقد العلم *** بسيطاً أو مركبـاً قد سمـي‬
‫بسيطه في كل ما تحت الثرى *** تركيبه في كـل ما تصـورا‬

‫ٍ‬
‫لجهل آخر‪ ،‬ألنه جهل مدرك بما في الواقع مع جهله بأنه‬ ‫وسمي الجهل المركب بذلك الستلزامه‬
‫جاهل‪ ،‬ففيه جهالن‪ ،‬ولذا قيل‪:‬‬

‫جهلت وما تدري بأنك جاهل *** ومن لي بأن تدري بأنك ال تدري‬

‫من أقبح األشياء أن يعرف اإلنسان ما كلف به وأمر به شرعاً ويخالف بعد تمام المعرفة لحكم اهلل‬
‫ٍ‬
‫مسألة ما‪ ،‬ثم يخالفها‪ ،‬ويعصي أمر اهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬ويرتكب ما حرمه اهلل‬ ‫‪-‬عز وجل‪ -‬في‬
‫عليه‪ ،‬فهو باستحقاق اسم الجهل أولى‪ ،‬مثل هذا باستحقاق اسم الجهل أولى‪ ،‬واهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪-‬‬
‫يب ﴾ [ سورة‬ ‫ون ِمن قَ ِر ٍ‬
‫وب َ‬ ‫ٍ‬
‫الس َو َء ِب َج َهالَة ثُ َّم َيتُ ُ‬
‫ون ُّ‬ ‫يقول‪ ﴿ :‬إِ َّن َما التَّْو َب ُة َعلَى اللّ ِه ِللَّ ِذ َ‬
‫ين َي ْع َملُ َ‬
‫النساء‪ ،‬اآلية ‪ ] 17 :‬قرر أهل العلم أن كل من عصى اهلل فهو جاهل‪ ،‬وإ ن كان عارفاً بالحكم هو‬
‫جاهل‪ ،‬وكل من تاب في وقت اإلمكان فقد تاب من قريب‪ ،‬يقول ابن القيم ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪:-‬‬

‫فإن كنت ال تدري فتلك مصيبة> *** وإ ن كنت تدري فالمصيبة> أعظم‬

‫فهذا العاصي الذي يعرف حكم اهلل في هذه المسألة ويخالف‪ ،‬ويرتكب ما حرم اهلل عليه هو‬
‫باستحقاق اسم الجهل أولى من الذي ال يدري‪.‬‬
‫ثم قال ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪:-‬‬
‫« والعلم الضروري ما ال يقع عن ٍ‬
‫نظر واستدالل كالعلم الواقع بإحدى الحواس الخمس وهي‬
‫السمع والبصر والشم واللمس والذوق‪ ،‬أو بالتواتر‪ ،‬وأما العلم المكتسب فهو ما يقع عن ٍ‬
‫نظر‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪50‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫واستدالل » لما عرف العلم وما يقابله من الجهل‪ ،‬ذكر أقسام العلم‪ ،‬وأنه ينقسم إلى قسمين‪:‬‬
‫ضروري قطعي‪ ،‬والقسم الثاني‪ :‬علم مكتسب نظري‪ ،‬وعرفنا أن العلم يراد به ما ال يحتمل النقيض‬
‫ٍ‬
‫بحال من األحوال‪ ،‬يعني سواء كان ضرورياً قطعياً‪ ،‬أو نظرياً مكتسباً النتيجة مفاد الخبر مائة‬
‫بالمائة‪ ،‬ما ينزل وال واحد بالمائة‪ ،‬ال مجال فيه لالحتمال اآلخر أو النقيض‪.‬‬
‫فقال عن األول –الضروري‪-‬ـ وأنه ال يحتاج إلى مقدمات وال إلى نظر وال استدالل كما يحصل‬
‫بإحدى الحواس الخمس‪ ،‬يعني إذا نظرت إلى هذه الورقة وجزمت بأنها بيضاء بعد نظرها‪ ،‬هل في‬
‫احتمال وال واحد بالمليون أنها غير بيضاء؟‬
‫نعم‪ ،‬ما في احتمال‪ ،‬مائة بالمائة النتيجة‪ ،‬وكما لو كانت سوداء أو خضراء فنظرت إليها‪ ،‬سمعت‬
‫صوت تميزه عن غيره‪ ،‬شممت رائحة‪ ،‬ذقت طعماً‪ ،‬لمست شيئاً‪ ،‬كل هذا مورث للعلم الضروريـ‬
‫القطعي الذي ال يحتمل النقيض‪.‬‬
‫ما يدرك بواسطة الحواس الخمس ال يحتاج في تصديقه إلى مقدمات‪ ،‬بل يحصل الجزم به بدون‬
‫مقدمات‪ ،‬بل بمجرد حصول هذا اإلدراك‪ ،‬الذي يدرك بواسطة الحواس الخمس ال يحتاج إلى‬
‫ٍ‬
‫شخص يميز بين األلوان والروائحـ واألصوات‪ ،‬شخص سمع نهيق الحمار‬ ‫مقدمات‪ ،‬ومفترضة في‬
‫وهو يعرف الحمار من قبل‪ ،‬هل يحتمل أن يسأل عن هذا الصوت هل هو نهيق حمار أو صياح‬
‫ديك؟ ال يحتمل‪ ،‬لكن شخص سمع صوت حيوان لم يألفه ولم يعرفه ما سمع صهيل الفرس في‬
‫عمره كله يمكن يسأل ما هذا؟ فإذا استقر عنده صار من الضروريات‪.‬ـ‬
‫ومثل العلم الحاصل بالحواس الخمس العلم الحاصل بالتواتر‪ ،‬فسامعه ملزم بتصديقه من أول وهلة‬
‫دون ٍ‬
‫نظر في رجاله‪ ،‬ومثله ‪-‬بل أولى منه‪ -‬ما ثبت بالقرآن‪ ،‬ولهذا لما كانت الحوادث والوقائع‬
‫المتقدمة والسابقة على زمن النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬الثابتة لديه بالتواتر ‪-‬في قصة الفيل‬
‫مثالً وقصص األمم السابقة المتلقاة المتداولة بين الناس التي يتداولها الناس بعضهم عن بعض‪،‬‬
‫طبقةً عن طبقة‪ ،‬تتواتر‪ -‬هذه القصص ‪-‬كقصة أصحاب الفيل‪ -‬شاهدها النبي عليه الصالة‬
‫والسالم؟؟‬
‫ق متواتر‪ ،‬بطريق التواتر‪ ،‬فجاء االستفهام عنها بالقرآن بأي صيغة؟‬ ‫لم يشاهدها‪ ،‬لكنها بلغته بطري ٍ‬
‫فنزل‬
‫فعبر عنها بالرؤية‪ّ ،‬‬ ‫اب ا ْل ِف ِ‬
‫يل ﴾ [ سورة الفيل‪ ،‬اآلية ‪ّ ،] 1 :‬‬ ‫َص َح ِ‬
‫ف فَ َع َل َر ُّب َك ِبأ ْ‬
‫﴿ أَلَ ْم تََر َك ْي َ‬
‫المتواتر منزلة المشاهد في القطعية‪.‬‬
‫فالعلوم الضروريةـ كالمسائل المعلومة من الدين بالضرورة مما ال يعذر أحد بجهله كوجوب‬
‫الصالة وتحريم الزنا ونحو ذلك‪ ،‬فمثل هذه ال يحتاج السامع‪ ،‬وال تحوج المتكلم إلى استدالل‪ ،‬يعني‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪51‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫لو قال شخص آلخر مسلم عاش بين المسلمين‪ِّ :‬‬


‫صل فإن الصالة واجبة وتأثم إذا تركت الصالة‪،‬‬
‫هل يستطيع أن يقول له‪ :‬ما الدليل على ذلك؟ أو يقول له مثالً‪ :‬الزنا حرام السرقة حرام الربا‬
‫حرام‪ ،‬هل يطالبه بالدليل؟ ال يطالبه بالدليل؛ ألن مثل هذه األمور معلومة من الدين بالضرورة‪،‬‬
‫أمور قطعية ضرورية‪ ،‬ال تحتاج ال إلى نظر وال إلى استدالل‪ ،‬ومثله ما استفاض لدى الخاص‬
‫والعام من المسلمين وغيرهم من وجود بعض البلدان كمكة والمدينة وبغداد وما أشبه ذلك من‬
‫البلدان المشهورة‪ ،‬هذه علوم ضرورية‪ ،‬يعني لو قال لك شخص‪ :‬جئت من بغداد‪ ،‬أو من دمشق أو‬
‫القاهرة أو ما أشبه ذلك‪ ،‬تقول‪ :‬انتظر انتظر؛ حتى أرجع إلى معجم البلدان فأرى هذه البلدة فعالً‬
‫موجودة وإ ال ال؟! يحتاج إلى ذلك؟! ما يحتاج؛ هذه أمور ضرورية‪.‬‬
‫هناك طائفة ‪-‬مالحدة هم دهريون‪ -‬موجودة في الهند يقال لهم‪ :‬السمنية‪ ،‬السمنية هؤالء يقولون‪:‬‬
‫إنه ليس هناك علم إال ما يدرك من طريق الحواس‪ ،‬األخبار مهما كثر ناقلوها ال يعتمد عليهم‪،‬‬
‫وهؤالء ال عبرة بقولهم‪.‬‬
‫إذا عرفنا ذلك فالحواس الخمس سبب لإلدراك‪ ،‬البصر سبب لإلبصار‪ ،‬والسمع سبب إلدراك‬
‫الصوت وهكذا‪ .‬والسبب عند أهل السنة يحصل به المسبب‪ ،‬يحصل به‪ ،..‬واهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪-‬‬
‫هو المسبب فال تستقل األسباب بالتأثير‪ ،‬خالفاً للمعتزلة‪ ،‬وال تلغى آثارها بالكلية كما تقول‬
‫األشعرية‪.‬‬
‫األسباب الناس فيها طرفان ووسط‪ ،‬فمثالً في وقت الشتاء‪ ،‬الناس بحاجة إلى دفء‪ ،‬إذا لبست من‬
‫الثياب ما يحصل به الدفء‪ ،‬فعند األشعرية الثياب هي التي وقتك من البرد‪ ،‬وهي مستقلة بالتأثير‬
‫عند المعتزلة‪ ،‬مستقلة بالتأثير‪ ،‬وعند األشعرية ال قيمة لها‪ ،‬وإ نما يحصل الدفء عندها ال بها‪ ،‬وعند‬
‫أهل السنة‪ :‬حصل بها الدفء واهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬هو الذي جعل فيها هذا التأثير‪ ،‬ولو شاء‬
‫لسلبها هذا التأثير‪.‬‬
‫فاألسباب التي أمرنا باتخاذها ال نعتمد عليها اعتماداً كلياً فاالعتماد على اهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪-‬‬
‫المسبب‪ ،‬وهو الذي جعل فيها مثل هذا التأثير‪ ،‬ولو شاء لسلبه منها‪ ،‬ولذا تجد بعض الناس يفعل‬
‫بعض األسباب ومع ذلك ال يستفيد منها‪ ،‬تتخلف آثارها بوجود مانع‪ ،‬أو ٍ‬
‫ألمر يريده اهلل عز وجل‪.‬‬
‫َستَ ِج ْب َل ُك ْم ﴾ [ سورة غافر‪ ،‬اآلية ‪ ،] 60 :‬قد ال تحصل اإلجابة؛ لوجود‬
‫الدعاء سبب؛ ﴿ ْاد ُعو ِني أ ْ‬
‫مانع‪ ،‬قد يجاب بغير ما سأل‪ ،‬ولذا يستشكل كثير من الناس‪ ،‬يقول‪ :‬فالن صلى الصبح مع الجماعة‬
‫وحصل له حادث كيف؟ « من صلى الصبح في جماعة فهو في ذمة اهلل حتى يمسي » ؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪52‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫نعم صالة الجماعة سبب‪ ،‬األوراد واألذكار أسباب‪ ،‬لكن قد تتخلف‪ ،‬فعلى اإلنسان أن يفعل األسباب‬
‫وال يعتمد عليها‪ ،‬يعتمد على مسببها‪ ،‬وال نقول‪ :‬إنها تستقل بالتأثير أو ال أثر لها بالكلية‪.‬‬
‫عند األشعرية يجوز أن يرى أعمى الصين بقة األندلس ‪-‬صغار البعوض باألندلس‪ -‬ما هو بإلزام‬
‫هذا موجود بالحرف في كتبهم‪ ،‬هذه ما هي مسألة إلزامية‪ ،‬موجود بالحرف في كتبهم‪ ،‬يجوز أن‬
‫يرى األعمى وهو بالصين‪ ،‬البقة ‪-‬صغار البعوض وهي في األندلس‪ -‬وهو أعمى‪ ،‬كيف أعمى ما‬
‫يشوف؟ وهل السبب يحصل به شيء؟ ما يحصل به شيء‪ ،‬إنما يحصل عنده ال به‪ ،‬يلزمون بـ‪،...‬‬
‫كأن‪ ،..‬كالمهم مخالف لعقول الناس كلهم‪ ،‬لكن هم خرجوا من هذا بقولهم‪ ،..‬قد تقول لهم‪ :‬ما‬
‫الفرق بين هذا األعمى‪ ،‬ليش هذا األعمى يضرب الجدار‪ ،‬والمبصر‪ .....‬من الباب؟ ما في فرق‬
‫بينهما‪ ،‬في فرق بين األعمى والمبصر؟ نعم‪ ،‬هذا يصفخ الجدار والعمود وكذا‪ ...‬الباب‪ ،‬إذن‬
‫البصر له قيمة وسبب‪ ،‬يقول لك‪ :‬ال‪ ،‬اإلبصار حصل عنده ال به‪ ،‬تقول‪ :‬طيب أنا أشرب الماء‬
‫وأروى من شربه‪ ،‬يقولون‪ :‬حصل الري عند الشرب ال به‪ ،‬طيب وإ ذا أكلت شبعت‪ ،‬يقول‪ :‬حصل‬
‫الشبع عند األكل ال به‪.‬‬
‫لكن يدخل هذا الكالم في ما معنا من الجهل المركب؛ ألن هذا الذي يقول‪ :‬أعمى الصين يجوز أن‬
‫يرى بقة األندلس‪ ،‬هذا يعرف أنه ال يعرف؟ ال‪ ،‬عند نفسه أنه من أذكى الناس‪ ،‬وقد يوجد الذكاء‬
‫لكن إذا لم يكن العون من اهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬فالذكاء ال شك أنه نعمة وفضل من اهلل ‪-‬سبحانه‬
‫وتعالى‪ -‬كغيره من النعم التي تفضل بها اهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬على عباده‪ ،‬لكن إذا ما استغل هذا‬
‫الذكاء فيما يرضي اهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬ويوصل إلى جنته صار نقمة ما صار نعمة‪ ،‬فاإلنسان قد‬
‫يؤتى الذكاء لكن ال يؤتى الزكاء‪ ،‬وبعضهم يقول‪ :‬الزكاء هو الذكاء ال‪ ..‬نعم‪ ،‬ما في أحد إذا أراد‬
‫أن يقول‪ :‬الذكاء قال‪ :‬الزكاء؟‬
‫القسم الثاني من أقسام العلم ‪ :‬هو العلم المكتسب‪ ،‬عرفه المصنف بقوله‪:‬‬
‫هو ما يقع عن ٍ‬
‫نظر واستدالل « وأما العلم المكتسب فهو الموقوف على النظر واالستدالل »‬
‫وذلك كالعلم بأركان العبادات وشروطها وأركان العقود وغيرها مما ال يدركه كل أحد‪ ،‬مما ال‬
‫يدركه كل أحد إال بالنظر والبحث عن مقدماته‪ ،‬كدقائق العلوم الثابتة باألدلة مما ال خالف فيه بين‬
‫العلماء‪.‬‬
‫إذن عرفنا أن العلم هو ال يحتمل النقيض‪ ،‬ال يحتمل النقيض‪ ،‬والذي فيه خالف يحتمل النقيض وإ ال‬
‫ما يحتمل؟ الذي فيه خالف يحتمل النقيض‪ ،‬وأما ما يختلف فيه أهل العلم من المسائل فإنها ال تدخل‬
‫في هذا بل هي ظنية كما سيأتي في تعريف الظن‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪53‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫فالعلم بقسميه الضروري القطعي‪ ،‬والنظري المكتسب ال يحتمل النقيض بحال بخالف الظن على‬
‫ما سيأتي‪ ،‬لكن الفرق بينهما أن الضروريـ ال يحتاج إلى نظر كالعلم بأن الواحد ليس باثنين‪ ،‬إذا‬
‫قلت لزيد من الناس‪ :‬كم نصف االثنين؟ يقول‪ :‬انتظر معي آلة خليني أشوف‪ ،‬يمكن؟‬
‫ما يحتاج إلى أن انظر واستدالل وال مقدمات وال شيء بيقول لك‪ :‬واحد على طول‪.‬‬
‫إذا قلت له‪ :‬النار باردة وإ ال حارة؟ يقول‪ :‬اصبر خليني أشوف؟ ال ما يمكن‪ ،‬هذا ال يحتاج إلى نظر‬
‫وال إلى استدالل فهو علم ضروري‪ ،‬بخالف النظري إذا قلت للواحد‪ :‬كم نصف االثنين؟ قال لك‬
‫مباشرة واحدة‪ ،‬لكن إذا قلت لزيد من الناس‪ :‬كم سبع ‪ 1955‬كم سبعها؟‬
‫هذه ضرورية وإ ال نظرية تحتاج إلى نظر واستدالل وقسمة و‪..‬؟‬
‫هذه نظرية‪ ،‬ال يمكن أن يقول لك مباشرة إال عاد إذا كانت الموهبة متميزة جداً يقول لك‪ :‬سبعها‬
‫‪ ،115‬هذا يحتاج إلى نظر واستدالل‪ ،‬يحتاج إلى آلة يحتاج إلى قسمة‪ ،‬فإن مثل هذا يحتاج إلى‬
‫مقدمات وقسمة ونحو ذلك‪ ،‬والنتيجة ال تحتمل النقيض‪ ،‬يعني إذا استقر األمر وعرفت أن سبعها‬
‫‪ 115‬صارت في النتيجة مثل واحد نصف االثنين‪ ،‬مائة بالمائة‪.‬‬
‫ولذا فإن التمثيل من قبل بعضهم بأن المذي نجس‪ ،‬وأن طواف الوداع واجب‪ ،‬وأن عقد اإلجارة‬
‫عقد الزم‪ ،‬وغير ذلك من المسائل المختلف فيها هنا التمثيل بمثل هذا فيه نظر؛ ألن هذه المسائل ال‬
‫تدخل في العلم بل هي ظنية‪ ،‬وسيأتي ما بين العلم والظن‪ ،‬ووجوب العمل بالجميع‪ ،‬هذا أمر متقرر‪،‬‬
‫ونقرره فيما سيأتي ‪-‬إن شاء اهلل تعالى‪ -‬فيه نظر على مقتضى صنيع في التفريق بين العلم‬
‫النظري والظن على ما سيأتي‪.‬‬
‫يقول الناظم ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪:-‬‬

‫ٍ‬
‫باكتساب حاصـل فاألول‬ ‫ٍ‬
‫باضطرار يحصـل *** أو‬ ‫والعلم إما‬
‫كالمستفاد بالحـواس الخمـس *** بالشم أو بالـذوق أو باللمس‬
‫والسمع واإلبصار ثـم التالـي *** ما كـان موقوفـاً علـى استدالل‬
‫ثم قال ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪:-‬‬
‫« والنظر هو الفكر في حال المنظور فيه‪ ،‬واالستدالل طلب الدليل‪ ،‬والدليل هو المرشد إلى‬
‫المطلوب » النظر‪ ،‬وهو التأمل‪ ،‬وليس المراد به الرؤية بالبصر؛ ألن النظر يطلق ويراد به الرؤية‬
‫اضرةٌ* إِلَى ر ِّبها ن ِ‬
‫ٍِ ِ‬
‫َاظرَةٌ ﴾‬ ‫َ َ‬ ‫البصرية‪ ،‬نظرت إلى كذا‪ ،‬المراد به‪ :‬الرؤية بالبصر‪ُ ﴿ ،‬و ُجوهٌ َي ْو َمئ >ذ َّن َ‬
‫[ سورة القيامة ‪ 22 :‬ـ ‪ ،] 23‬فالمراد بالنظر هنا‪ :‬التأمل والتفكير في الشيء لمعرفة حقيقته‪،‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪54‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫أعم من أن يكون أحكاماً شرعية أو غيرها‪ ،‬لكن لما كان علم أصول الفقه مما يحتاج‬
‫والمنظور فيه ّ‬
‫إليه من يعاني استنباط األحكام الشرعية صار االهتمام بالنسبة للنظر في األحكام الشرعية‪ ،‬فالنظر‬
‫والتأمل هو طريق معرفة األحكام الشرعية واستنباطها من أدلتها من قبل من لديه أهلية النظر‪ ،‬من‬
‫قبل من لديه أهلية النظر‪ ،‬وهو المجتهد على ما سيأتي‪.‬‬
‫والفكر حركة النفس في المعقوالت ال في المحسوسات‪ ،‬واالستدالل طلب الدليل المؤدي إلى‬
‫المطلوب‪ ،‬والدليل هو المرشد إلى المطلوب‪ ،‬والمراد به اسم الفاعل الدال‪ ،‬فالذي يدل غيره‬
‫‪-‬الطريق المحسوس‪ -‬كي ال يضل وال يتيه نسميه دليل‪ ،‬فهو داله على مراده ومقصوده‪.‬‬
‫واتخذ النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬ابن أريقط من أجل أيش؟ نعم‪ ،‬يدله‪ ،‬فالذي يرشد الناس إلى‬
‫حكم المسألة دليل وهو الدال‪ ،‬وهكذا بمعنى دال‪ ،‬فإذا سمعت ٍ‬
‫بحكم شرعي فطلبت دليله‪ ،‬ثم تأملت‬
‫في الدليل ثبوتاً ونفياً وبحثت عن وجه الداللة من هذا الدليل استوفيت ما ذكره المصنف من‬
‫االستدالل والنظر والتفكر في الدليل والتأمل فيه وهكذا‪.‬‬
‫يقول الناظم‪:‬‬
‫وحد االستدالل قـل ما يجتلب *** لنا دليالً مرشداً لما طلب‬

‫ثم جاء إلى ما يتمم القسمة من ذكر الظن والشك بعد أن ذكر العلم والجهل‪ ،‬قال‪:‬‬
‫« الظن تجويز أمرين أحدهما أظهر من اآلخر‪ ،‬والشك تجويز أمرين ال مزية> ألحدهما على اآلخر‬
‫» فلما ذكر العلم الذي ال يحتمل النقيض ذكر ما يحتمله ‪-‬يحتمل النقيض‪ -‬إما مع الرجحان أو مع‬
‫التساوي‪ ،‬فالراجح من االحتمالين هو الظن‪ ،‬ويقابله المرجوح وهو الوهم‪ ،‬ومع التساوي يسمى‬
‫شك‪ ،‬فإذا بلغك الخبر‪ ،‬وليكن مثالً قدوم زيد‪ ،‬بلغك أن زيداً قدم‪ ،‬فإن كان تصديقك لهذا الخبر نسبته‬
‫مائة بالمائة‪ ،‬فهو أيش؟ العلم‪ ،‬وإ ن كان نسبة تصديقك سبعين بالمائة مثالً فهو الظن‪ ،‬وإ ن كانت‬
‫النسبة خمسين بالمائة فهو الشك‪ ،‬وإ ن كانت النسبة ثالثين بالمائة مثالً فهو الوهم‪ ،‬فالعلم موجب‬
‫للعمل بال خالف‪ ،‬والظن موجب له عند جميع من يعتد بقوله من أهل العلم‪ ،‬الظن موجب للعمل‬
‫عند جميع من يعتد بقوله من أهل العلم‪ ،‬ونؤكد على هذا؛ ألن المبتدعة لهم مسلك‪ ،‬وألهل السنة‬
‫مسلك‪.‬‬
‫المبتدعة لما يقسمون المعلوم إلى مثل هذه األقسام لهم هدف ومقصد ومغزى أن يقولوا‪ :‬أكثر األدلة‬
‫ظنية‪ ،‬وأخبار اآلحاد ظنية‪ ،‬والظن ال يثبت به علم‪ ،‬إذن العقائد ال تثبت بالمظنونات‪ ،‬فينفون‬
‫األسماء والصفات من هذه الحيثية ‪-‬من هذه الجهة‪ -‬ونحن ننفصل من هذا ونقول‪ :‬ما تثبت به‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪55‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫األحكام تثبت به العقائد‪ ،‬فالظن موجب للعمل في جميع أبواب الدين عند جميع من يعتد بقوله من‬
‫أهل العلم‪ ،‬تثبت بغلبة الظن‪ ،‬وأكثر األحكام من هذا النوع‪ ،‬وغالب األحكام مربوط بغلبة الظن‬
‫ومعلق به‪.‬‬
‫ون أ ََّن ُهم ُّمالَقُو َر ِّب ِه ْم َوأ ََّن ُه ْم إِلَ ْي ِه‬ ‫وقد يرد الظن ويراد به اليقين كما في قوله تعالى‪ ﴿ :‬الَّ ِذ َ‬
‫ين َيظُ ُّن َ‬
‫حينئذ الوهم‪ ،‬وهو الذي‬ ‫ٍ‬ ‫ون ﴾ [ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪ .] 46 :‬ويرد ويراد به المرجوح‪ ،‬ويراد‬ ‫ر ِ‬
‫اج ُع َ‬ ‫َ‬
‫ال يغني من الحق شيئاً‪.‬‬
‫والشك عند أهل العلم ال يزيل اليقين‪ ،‬فمن تيقّن الطهارة وشك في الحدث فهو على طهارة بخالف‬
‫ما إذا غلب على ظنه‪ ،‬احتمال ضعيف أنه انتقضت طهارته يلتفت إلى هذا االحتمال؟ يبني على‬
‫غلبة الظن‪ ،‬لكن لو كان متردد على ٍ‬
‫حد سواء نقول‪ :‬الشك ال يرفع اليقين‪.‬‬
‫إذا عرفنا هذا فالذي يفيده القرآن الكريم ومتواتر السنة هو العلم‪ ،‬وأما خبر اآلحاد ففي األصل‪،..‬‬
‫قرب الشيخ؟‬
‫إذا عرفنا هذا فالذي يفيده القرآن الكريم ومتواتر السنة هو العلم‪ ،‬وأما خبر اآلحاد ففي األصل ال‬
‫يفيد إال الظن عند جمهور العلماء‪ ،‬وقد يفيد العلم بالقرائن على ما اختاره شيخ اإلسالم ابن تيمية‬
‫وابن القيم وابن حجر وغيرهم‪ ،‬وبيان ذلك‪ ،..‬قد يقول قائل‪ :‬كيف خبر صحيح يفيد الظن؟ خبر‬
‫صحيح نقله العدل الضابط عن مثله ٍ‬
‫بسند متصل وسلم من الشذوذ والعلة‪ ،‬كيف نقول يفيد الظن؟‬
‫نقول‪ :‬نعم‪ ،‬بيان ذلك أن الراوي العدل الضابط المتقن مهما بلغ من الدرجات العليا في هذه‬
‫األوصاف ‪-‬ولنأخذ على ذلك من األمثلة مالك نجم السنن‪ -‬مهما بلغ الراوي في هذه األوصاف فإنه‬
‫ليس بمعصوم‪ ،‬بل هو كغيره يطرأ عليه الخطأ والنسيان‪ ،‬وقد وهم اإلمام مالك في بعض األحاديث‬
‫وفي بعض أسماء‪ ،..‬وفي أسماء بعض الرواة لذا فإن خبره يحتمل النقيض‪.‬‬
‫يعني إذا جاءك خبر عن شخص قال لك شخص بمنزلة مالك عندك‪ :‬قدم زيد أال يحتمل أن هذا‬
‫الشخص وهم أو أخطأ؟ االحتمال قائم‪ ،‬إذن خبره يحتمل النقيض‪ ،‬وما دام االحتمال قائماً فإن الخبر‬
‫يفيد الظن‪ ،‬وهذا االحتمال وإ ن كان ضعيفاً إال أنه ال يمكن نفيه‪ ،‬ال يمكن نفي هذا االحتمال‪.‬‬
‫لما عرفنا أن العصمة خاصة بمن عصمه اهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬وهو نبيه ‪-‬عليه الصالة والسالم‪-‬‬
‫أما من عداه فيحتمل عليه الخطأ والسهو والغفلة والنسيان‪ ،‬وما دام هذا االحتمال موجوداً فإن الخبر‬
‫ال يرتفع إلى درجة العلم اليقيني القطعي‪ ،‬وإ نما هو مفيد للظن‪ ،‬لو صارت نسبة صدق الخبر ‪%99‬‬
‫فهو ظن ما لم يصل إلى المائة بالمائة‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪56‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫وما دام االحتمال قائماً فإن خبر الثقة ال يثبت العلم لهذا االحتمال‪ ،‬فعلى هذا ال يفيد إال الظن‪ ،‬فإذا‬
‫احتفت به قرينة‪ ،‬إذا احتفت به قرينة ارتفع احتمال النقيض؛ ألن االحتمال في األصل ضعيف‪،‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ يفيد العلم إذا احتفت به قرينة‪ ،‬وهذا ما‬ ‫ووجدت هذه القرينة التي تقاوم هذا االحتمال فإنه‬
‫اختاره شيخ اإلسالم ابن تيمية وابن القيم وابن حجر وغيرهم‪ ،‬وهذا خالفاً لمن يزعم أن خبر الواحد‬
‫يفيد العلم مطلقاً كحسين الكرابيسي وداود الظاهري‪ ،‬أو يزعم أن خبر الواحد يفيد الظن مطلقاً‪.‬‬
‫وال تالزم بين الظن هنا وعدم العمل‪ ،‬بل ال بد أن يعمل به‪ ،‬وعرفنا أن خبر الواحد وإ ن كان مما‬
‫يفيد الظن فإن العمل بالظن واجب عند جميع من يعتد بقوله من أهل العلم‪.‬‬
‫يقول الناظم‪:‬‬

‫والظـن تجويـز امـرئ أمريـن *** مـرجحـاً ألحــد األمريــن‬


‫فالراجح المذكـور ظناً يسمـى *** والطرف المرجوح يسمى> وهما‬
‫ٍ‬
‫لواحد حيث استـوى األمـران‬ ‫والشك تجويــز بال رجحـان ***‬

‫يحتاج أن نعيد هذا وإ ال ما يحتاج؟‬


‫ٍ‬
‫بوجه من الوجوه‪ ،‬فنتيجة صدق الخبر‪ ،‬أو نسبة‬ ‫نعم‪ ،‬عرفنا أن العلم هو الذي ال يحتمل النقيض‬
‫صدق الخبر فيه مائة بالمائة‪ ،‬إذا نزلت هذه النسبة ولو واحد صارت النسبة تسع وتسعين بالمائة‬
‫فهو ظن؛ ألنه احتمال راجح‪ ،‬فإذا كانت النسبة خمسين بالمائة فهو الشك‪ ،‬إذا نزلت النسبة عن‬
‫الخمسين إلى الصفر فهو وهم‪ ،‬والصفر كذب‪ ،‬نعم والصفر هو الكذب‪ ،‬فإذا صارت النسبة أقل من‬
‫مائة فهو الظن‪ ،‬والراوي الضابط الحافظ المتقن كما مثلنا بمالك ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬مهما بلغ من‬
‫الحفظ والضبط واإلتقان فإنه ال بد أن يتصف بالوصف المالزم الذي ال ينفك عنه اإلنسان ‪-‬وهو‬
‫السهو والخطأ والغفلة والنسيان‪ -‬وإ ن كانت النسبة ضعيفةً واهلل أعلم‪،‬‬
‫وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫‪‬‬

‫الرا ِبعُ‬
‫س َّ‬‫الد َّْر ُ‬

‫السَّالم عليكم ورحمة اللَّ ِـه وبركاته‪.‬‬


‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪57‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫[ أسئلـة وأجوبـة ]‬

‫‪ ‬هذا سؤال عن القنوات الفضائية> وظهور وخروج بعض أهل العلم ومساهمتهم فيها بحجة أنهم‬
‫ينشرون الخير ويقللون الشر‪.‬‬
‫فمثل هذا السؤال‪ :‬أنا بالنسبة لي شخصياً ال أرى المشاركة‪ ،‬ولو لم يكن فيها إال التصوير؛‬
‫فالتصوير بجميع أنواعه وأشكاله داخل في نصوص الوعيد التي جاءت في التصوير‪،‬ـ ومثل هذا‬
‫السؤال ينبغي أن يطرح على الشيخ حفظه اهلل‪.‬‬

‫‪ ‬يقول‪ :‬ما رأيكم بمراقي أبي السعود؟‬


‫أيش أبو السعود هذه؟ مراقي السعود‪ ،‬هذا نظم في أصول الفقه مشهور عند المالكية وانتشر عندنا‬
‫تبناه بعض اإلخوان اآلخذين عن بعض الشناقطة‪ ،‬وهو نظم جيد وشامل يعتني به الشيخ‬
‫أخيراً‪ّ ،‬‬
‫األمين الشنقيطي ‪-‬رحمة اهلل عليه‪ -‬في مصنفاته‪ ،‬وهو الذي شهره بيننا‪ ،‬وإ ال ما كان معروفاً على‬
‫ٍ‬
‫صعوبة في أبياته‪ ،‬أبياته ليست سهلة ميسرة‪ ،‬لكنه نظم طيب‪ ،‬الذي تسعفه الحافظ بحفظه ال بأس‬
‫جيد‪.‬‬
‫األسئلة كثيرة جداً‪ ،‬والوقت قصير‪.‬‬

‫‪‬يقول‪ :‬هل اختالف أقوال العلماء والمذاهب رحمة أم عذاب؟‬


‫ُّك ﴾ [ سورة هود ‪ 118 :‬ـ ‪119‬‬ ‫ين* إِالَّ َمن َّر ِح َم َرب َ‬
‫ون ُم ْختَِل ِف َ‬
‫شر؛ ﴿ َوالَ َي َزالُ َ‬
‫األصل أن الخالف ٌّ‬
‫]‪ ،‬هذا األصل‪ ،‬وهذا المقصود به الخالف واالختالف فيما ال يسوغ فيه االختالف‪ ،‬أما إذا عمل كل‬
‫شخص بما يدين اهلل به ويعتقده حقاً على حسب اجتهاده إن كان من أهل االجتهاد‪ ،‬أو تقليد من تبرأ‬
‫ذمته بتقليده إن لم يكن من أهل االجتهاد فال شك أن الحجر على العقول وإ لزامهم ٍ‬
‫بقول واحد فيه‬
‫تضييق‪ ،‬وفتح باب االجتهاد والمجال لمجتهدي األمة هذا فيه خير كثير ‪-‬إن شاء اهلل تعالى‪-‬؛ ألن‬
‫المجتهد مأجور سواء أصاب أو لم يصب‪ ،‬إن أصاب له أجران‪ ،‬وإ ن أخطأ فله أجر واحد‪ ،‬فهو من‬
‫هذه الحيثية رحمة لألمة‪ ،‬بحيث لم يضيق اهلل عليها في فهومها ويلزمها ٍ‬
‫بقول واحد‪.‬‬

‫‪‬ما الدليل على أن الظن يفيد العمل وال يفيد العلم والمعروف أن العمل ثم العلم و‪.....‬؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪58‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫مسألة إفادة خبر الواحد الظن وتقريره وبسطه‪ ،‬تقرير هذه المسألة وبسطها وما يرد عليها‬
‫وتنظيرها‪ ،‬واالحتجاج لها ومن قال بها ومن خالف‪ ،‬مبسوط هذا كله في شرح النخبة‪ ،‬في آخر‬
‫شرح من شروح النخبة ويصدر قريباً‪ ،‬وسوف تقوم الراية بتوزيعه إن شاء اهلل تعالى‪.‬‬

‫‪‬يقول‪ :‬هل تنصحون طالب العلم بالعناية بكتب وأشرطة الشيخ ابن عثيمين ‪-‬رحمة اهلل عليه‪-‬‬
‫لكثرتها؟‬
‫هذا يحتاج إلى سؤال؟! مثل هذا يحتاج إلى سؤال؟! الشيخ ابن عثيمين ‪-‬رحمة اهلل عليه‪ -‬هو الذي‬
‫ذلل العلم لطالبه‪ ،‬وهو الذي يسره لمريديه‪ ،‬من يجرؤ من طالب العلم بمفرده ‪-‬أعني المبتدئين‪-‬‬
‫على قراءة زاد المستنقع بمفرده لوال شرح الشيخ ‪-‬رحمة اهلل عليه‪ -‬وتسهيله وتيسيره وتبسيطه‪،‬‬
‫فالشيخ ‪-‬رحمة اهلل عليه‪ -‬ذلل العلم وسهله لطالبه ومريديه‪ ،‬فعلى طالب العلم أن يعتني بكتب‬
‫الشيخ وكتب غيره من المحققين من هذه البالد وغيرها من المتقدمين والمتأخرين‪.‬‬

‫‪‬هذا يسأل سؤال خارج عن الموضوع وبعيد كل البعد يقول‪ :‬هل هناك فرق بين جماعة اإلخوان‬
‫وأهل السنة والجماعة‪ ،‬نرجو التوضيح؟>‬
‫على كل حال جماعة اإلخوان جماعة برزت في مصر وصار لها فروع في ٍ‬
‫كثير من بلدان‬
‫المسلمين وصار لها انتشار‪ ،‬وعليهم مالحظات؛ ألنهم ال يعتنون بالتفريق بين المحقق وغيره‪،‬‬
‫يهمهم االنطواء تحت ٍ‬
‫لواء واحد‪ ،‬وعلى أن تجمعهم كلمة (اإلسالم)‪ ،‬وما عدا ذلك مما يتعلق بالعلم‬
‫والعمل في الفروع واألصول هذا ال يعنون به كثيراً‪ ،‬فتجد السني ينتسب إليها‪ ،‬تجد األشعري‬
‫ينتسب إليها‪ ،‬تجد المعتزلي والشيعي وغيرهم ينتسبون إليها؛ فهم يجمعون أكبر قدر ممكن يمكن أن‬
‫ٍ‬
‫معتقد‬ ‫يعينهم على ما يريدون تحقيقه‪ ،‬واهلل المستعان‪ ،‬وأما أهل السنة والجماعة فهم ينضوون تحت‬
‫واحد‪ ،‬ال يختلفون فيه ومن خالفهم عن معتقدهم فهو مبتدع ال يدخل تحت مسمى أهل السنة‬
‫والجماعة‪.‬‬

‫‪‬يقول‪ :‬يوجد ظاهرة سيئة لدى الملتزمين والمستقيمين‪ ،‬وهي ظاهرة عدم السالم على بعض أو‬
‫على َمن‪ ..‬أيش؟‬
‫بحجج واهية هذا ال شك أنه من تلبيس الشيطان‪ ،‬وهو‬
‫ٍ‬ ‫المقصود أن مسألة ترك السالم على المسلم‬
‫حرمان عظيم؛ لبس الشيطان على ٍ‬
‫كثير من الناس بحيث ال يبدؤون غيرهم بالسالم فيحرمون‬
‫األجر‪ ،‬وال يدخل المسلمون الجنة حتى يتحابوا‪ ،‬ومن أعظم ما ينشر المودة والمحبة بذل السالم‪،‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪59‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫فالمسلم يسلم عليه مهما تلبس به من المخالفات التي ال تخرجه عن دائرة اإلسالم‪ ،‬نعم إذا ترتب‬
‫على هجره وترك السالم عليه مصلحة –الزجر مثالً‪ -‬وردعه عما هو متلبس به ال بأس‪ ،‬لكن لنعلم‬
‫أن الهجر عالج‪ ،‬إن كان ينفع وإ ال فالخلطة والنصيحة وبذلها ومحضها ألخيك المسلم هو المتعين‪،‬‬
‫وإ ذا قلت‪ :‬السالم عليكم أدركت عشر حسنات‪.‬‬
‫وبعض اإلخوان من الشباب عنده في نفسه أنه قد حفظ جميع الثغور ‪-‬ثغور اإلسالم‪ -‬وأن من عداه‬
‫ال يفهم شيئاً أو يدرك شيئاً‪ ،‬أو‪ ،..‬ال‪ ،‬أنت عندك أخطاء كثيرة‪ ،‬وغيرك عنده أخطاء‪ ،‬وكل الناس‬
‫خطاء‪ ،‬فبعض الناس بتركه السالم على أخيه ُيشم منه أنه يدعي الكمال لنفسه‪ ،‬فعلى المسلم أن‬
‫يتواضع ألخيه‪ ،‬وأن يبدأه بالسالم؛ « وخيرهما الذي يبدأ بالسالم »‪.‬‬

‫‪‬يقول‪ :‬هل أدرس مختصراً لجميع الفنون ثم أرتقي؟ أم أقرأ مختصراً ثم أتوسع‪..‬؟‬
‫تقرأ مختصراً في كل فن ثم ترتقي إلى ما بعده من المختصرات الالئفة بالمتوسطين وهكذا على‬
‫الجادة المعروفة عند أهل العلم‪.‬‬

‫المفسر‪ ،‬هل‬
‫ّ‬ ‫‪‬يقول‪ :‬يقال إن تقسيم األخبار إلى متواتر وآحاد هو من تقسيم المعتزلة كالرازي‬
‫هذا صحيح؟‬
‫أوالً الرازي أشعري وليس بمعتزلي‪ ،‬ومن أشد الناس على المعتزلة ‪-‬وإ ن كان يوافقهم في كثير‬
‫من أمور العقيدة‪ -‬هو أشعري من جهة‪ ،‬وجبري في باب القضاء والقدر‪ ،‬وعليه مالحظات وطوام‪،‬‬
‫وتفسيره ال ينبغي لطالب العلم المتوسط ‪-‬فضالً عن المبتدئ‪ -‬أن يقرأ فيه؛ ألنه مشحون بالشبه‪،‬‬
‫مع ضعف الرد على هذه الشبه‪ ،‬وهو من أشد الناس في بدعته‪ ،‬وتكلم في أهل السنة ٍ‬
‫بكالم قبيح‪،‬‬
‫ومع ذلكم لما سئل شيخ اإلسالم عنه وعن غيره من رؤوس المبتدعة قال‪ :‬وأما أبو عبد اهلل الرازي‬
‫فكثير من الناس يطعن في قصده‪ ،‬والذي أراه أنه ينثر ما يراه حقاً‪.‬‬
‫وليس معنى هذا أننا نقلل من الشر الذي تضمنته كتب الرازي‪ ،‬ال‪ ،‬لكن ال بد من االعتدال‬
‫واإلنصاف‪ ،‬ال بد من االعتدال واإلنصاف‪ ،‬ولذا ال ينصح طالب العلم أن يقرأ في تفسيره‪ ،‬ويقول‬
‫عن كتاب التوحيد البن خزيمة‪( :‬كتاب الشرك)‪ ،‬ورمى إمام األئمة ابن خزيمة بعظائم األمور‪،‬‬
‫تهجم على غيره من أئمة السنة‪ ،‬لكن يبقى أن الميزان له كفتان‪ ،‬واهلل المستعان‪ ،‬وكالم شيخ اإلسالم‬
‫ّ‬
‫مثل ما سمعتم‪ ،‬لكن على طالب العلم أن يجتنب مثل هذه الكتب المشتملة على البدعة التي تقرر‬
‫البدع وتذب عنها وتورث الشبه التي قد ال يستطيع اإلنسان اجتثاثها‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪60‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫أما تقسيم األخبار إلى متواتر وآحاد فهو كغيره من االصطالحات‪ ،‬الصحيح والضعيفـ والحسن‪،‬‬
‫بالنسبة لعلوم الحديث‪ ،‬والعام والخاص والمطلق والمقيد والمنطوق والمفهوم بالنسبة ألصول الفقه‪،‬‬
‫وكذلكم ما يتعلق بقواعد التفسير وعلوم القرآن‪ ،‬المصطلحات بهذه التسميات كلها حادثة‪ ،‬ال توجد‬
‫في عصر السلف من الصحابة والتابعين‪ ،‬أما كونه منسوب إلى المعتزلة فشيخ اإلسالم يقول به‪،‬‬
‫ويقسم األخبار إلى متواتر وآحاد‪ ،‬ويقسم المتواتر إلى لفظي ومعنوي‪ ،‬ويمثل للمتواتر اللفظي‬
‫بحديث‪ « :‬من كذب‪ » ..‬كما يمثل به غيره من أهل العلم‪ ،‬ويمثل للتواتر المعنوي في كل ٍ‬
‫كتاب من‬
‫كتبه بما يناسب المقام‪ ،‬مثّل للتواتر المعنوي في منهاج السنة بفضائل أبي ٍ‬
‫بكر وعمر‪ ،‬وفي كل‬
‫ٍ‬
‫كتاب من كتبه يمثل بما يليق بالمقام ‪-‬رحمة اهلل عليه‪ -‬ال شك أن هذا اصطالح ال يوجد عند‬
‫الصحابة والتابعين وسلف هذه األمة‪ ،‬لكنه مجرد اصطالح يوضح ويقرب للطالب المشهور‬
‫والعزيز و‪ ،..‬كلها لست موجودة عند سلف األمة‪.‬‬
‫المقصود أن هذه االصطالحات وإ ن وجدت أسماؤها فحقائقها موجودة؛ إذ ال يختلف اثنان أن‬
‫األخبار متفاوتة في دالالتها‪ ،‬والرواة متفاوتون في الثقة والضبط واإلتقان والحفظ والعدالة‪ ،‬وتبعاً‬
‫لتفاوتهم في ذلك تتفاوت أخبارهم‪ ،‬فال نقول‪ :‬إن خبر زيد يساوي مائة بالمائة لخبر عمرو؛ األخبار‬
‫متفاوتة‪ ،‬وهذا التفاوت يتطلب أسماء لهذه األخبار المتفاوتة‪ ،‬واصطلح أهل العلم على هذه التسمية‬
‫وال مشاحة في االصطالح‪.‬‬
‫اللوازم التي يلتزمها المبتدعة لهذا التقسيم ال نلتزم بها‪ ،‬ولذا الشيخ أحمد شاكر لما قسم هذا التقسيم‬
‫وأقره قال بعد ذلك‪ :‬ال يغرنك ما يقوله المبتدعة من لوازم لهذا التقسيم‪ ،‬هم يقصدون بخبر الواحد‬
‫وأنه ال يفيد إال الظن أنه ال يحتج به في العقائد‪ ،‬ونحن نقول‪ :‬ال فرق بين العقائد واألحكام‪ ،‬ما تثبت‬
‫به األحكام تثبت به العقائد والكل شرع‪ ،‬وهذا مبسوط في شرح النخبة كما ذكرنا آنفاً‪.‬‬

‫‪‬يقول‪ :‬نأمل اإلكثار من التنبيهات التربوية وما يتعلق بحسن الخلق؟‬


‫نحن نشكو من ضيق الوقت على الكتاب‪ ،‬وإ ال في النفس أشياء تتعلق بالطلب وطالب العلم وأدب‬
‫طالب العلم وما ينبغي أن يتحلى به من أخالق‪ ،‬لكن الوقت ال يسعف‪ ،‬واهلل المستعان‪.‬‬

‫‪‬يقول‪ :‬يظهر من السؤال السابق أن السائل كأنه أخرج جماعة اإلخوان من أهل السنة‬
‫والجماعة‪،‬‬
‫أرجو التنبيه حتى ال يختلط األمر على البعض‪ ،‬وليس معنى ذلك أنهم ليس عندهم أخطاء‪ ،‬لكن أن‬
‫يخرجوا من أهل السنة والجماعة فهذا أمر صعب؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪61‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫عرفنا أن جماعة اإلخوان ال يفرقون بين أفراد هذه الجماعة‪ ،‬وليس لهم شرط في المعتقد‪ ،‬يعني لم‬
‫يعتمدوا على أهل السنة والجماعة اعتماداً كلياً‪ ،‬بل فيهم من ينتسب إلى أهل السنة والجماعة‪ ،‬وفيهم‬
‫من ينتسب إلى األشاعرة‪ ،‬وفيهم من ينتسب إلى المعتزلة‪ ،‬وفيهم من طوائف البدع من فيهم‪،‬‬
‫فجماعة اإلخوان أعم من أن يكونوا مبتدعة أو أهل سنة‪ ،‬وكل شخص يحكم عليه بمفرده‪ ،‬فهي‬
‫جماعة تنظيمية‪،‬وإ ن كنا ال نؤيد مثل هذه التنظيمات‪ ،‬لكنه تنظيم وجد وانضوى تحت هذا التنظيم‬
‫من ينتسب إلى مذهب أهل السنة‪ ،‬وال يخرج عن كونه من أهل السنة النتمائه إلى هذه الجماعة؛‬
‫ألنه ليس لها اسم معين‪ ،‬أو ضابط يضبطهم‪ ،‬هم ال يلزمون أحد بمعتقد معين‪ ،‬ال يقولون‪ :‬أنت سني‬
‫ال بد أن تعتنق مذهب األشاعرة وتدخل معنا‪ ،‬أو تدخل مذهب المعتزلة وتدخل معنا‪ ،‬هي مجرد‬
‫جماعة تنظيمية تجمع السني والمبتدع كما ذكرنا‪ ،‬لكن على اإلنسان ال سيما في مثل هذه األوقات‬
‫التي توالت فيها الفتن والمحن أن يعتصم بالكتاب والسنة‪ ،‬وأن يلتف حول أهل العلم المحققين‬
‫المعروفين بالعلم والعمل والورع والتقوى‪ ،‬ويترك عنه هذه الجماعات‪ ،‬ال جماعة إخوان‪ ،‬ال‬
‫جماعة تبليغ‪ ،‬ال جماعة يمين وال شمال‪ ،‬يعتصم بالكتاب والسنة؛ ففيهما المخرج من هذه الفتن‬
‫الباطنة والظاهرة‪ ،‬وبعض الناس قد ال يشهد في واقعه فتن؛ قد يكون مفتون في قلبه‪ ،‬المفتون في‬
‫الرجل‪ ،‬المفتون في أهله وماله‪ ،‬فتنة الرجل في جاره‪ ،‬الفتن كثيرة منها ما ظهر ومنها ما بطن‪،‬‬
‫فنعوذ باهلل من الفتن كلها صغيرها وكبيرها خفيها وظاهرها‪ ،‬واهلل المستعان‪.‬‬

‫‪‬يقول‪ :‬قال حمار الحكيم يوماً *** لو أنصفوني> لكنت أركب‬

‫وهنا الذي ذكرناه وهو في أكثر المصادر‪ :‬لو أنصف الدهر‪ ،‬ومعروف أن الشعراء ينسبون إلى‬
‫الدهر الشيء الكثير من هذا‪ ،‬ودواوينهم مشحونة بمثل هذه المخالفة‪ ،‬لكن كأن هذا تعديل للبيت من‬
‫قبل بعض أهل التحري الذي ال يريد أن ينطق ولو ناقل ولو آثر من غيره بالمخالفة‪ ،‬كأن هذا تعديل‬
‫وإ ال فاألصل‪ :‬لو أنصف الدهر‪ ،‬وهذه المخالفة نبهنا عليها سابقاً‪ ،‬وال يقول قائل إن هذه مقالة حمار‬
‫وهو غير مكلف‪ ،‬كما نبهنا سابقا‪.‬‬

‫‪‬يقول‪ :‬اسم الرازي ذكر ألكثر من عالم فنود منكم ذكرهم‪ ،‬وهل منهم أحد من أهل السنة‬
‫والجماعة؟‬
‫الرازي نسبة إلى الري‪ ،‬نسبة إلى الري –بلد‪ -‬كل من انتسب إلى هذا البلد قال الرازي‪ ،‬فاإلمام أبو‬
‫حاتم الرازي‪ ،‬وأبو زرعة الرازي‪ ،‬وابن أبي حاتم الرازي‪ ،‬هؤالء أئمة من كبار أهل الحديث ومن‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪62‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫كبار أهل السنة والجماعة‪ ،‬أبو عبد اهلل بن الخطيب الرازي هو األشعري المعروف المتوفى سنة‬
‫ست وستمائة‪ ،‬أبو بكر الراوي المتطبب المعروف الفيلسوف‪ ،‬نسأل اهلل العافية‪ ،‬نعوذ باهلل من البدع‬
‫وأهلها‪.‬‬

‫‪‬ما حكم االعتماد على األسباب؟‬


‫االعتماد على األسباب قدح في التوحيد‪ ،‬كون اإلنسان يعتمد على السبب وال ينظر إلى المسبِّب ال‬
‫شك أنه قدح ونقص في التوحيد‪ ،‬كما أن إلغاء األسباب وإ همال األسباب نقص في العقل‪.‬‬

‫‪ ‬أنت تقول‪ :‬اتقيت البرد بهذه المالبس‪ ،‬أليس هذا من إضافة النعمة للسبب‪ ،‬واهلل ‪-‬سبحانه‬
‫ون ِنعم َت اللّ ِه ثُ َّم ي ِ‬
‫نك ُرو َن َها ﴾ [ سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪ ] 83 :‬؟‬ ‫ُ‬ ‫وتعالى‪ -‬يقول‪َ ﴿ :‬ي ْع ِرفُ َ ْ َ‬
‫سلُ َنا ﴾ [ سورة األنعام‪ ،‬اآلية ‪ ،] 61 :‬فقد‬ ‫َّ‬
‫أال تقول‪ :‬أنبت الربيع‪ ،‬نعم‪ ،‬أنبت الربيع‪ ﴿ ،‬تََوفتْ ُه ُر ُ‬
‫ينسب الفعل إلى السبب‪ ،‬لكن مع االعتراف بالمسبب‪ ،‬مات فالن‪ ،‬هو مات أو اهلل ‪-‬سبحانه‬
‫َّ‬
‫س ﴾ [ سورة الزمر‪ ،‬اآلية ‪ ،] 42 :‬ومع ذلكم قال‪﴿:‬‬ ‫وتعالى‪ -‬هو الذي توفاه؟ ﴿ اللَّ ُه َيتََوفى اأْل َنفُ َ‬
‫سلُ َنا ﴾‪ ،‬فقد ينسب الفعل إلى السبب‪ ،‬لكن مع االعتراف بالمسبب‪.‬‬ ‫َّ‬
‫تََوفتْ ُه ُر ُ‬

‫‪‬نريد نصيحة لمن ال يرد السالم إذا ألقي عليه من الغرباء؟‬


‫أما بذل السالم تقدم الكالم فيه‪ ،‬فإذا غلب على الظن أن الشخص الذي يسلم عليه مسلم‪ ،‬فال يحرم‬
‫اإلنسان نفسه‪ ،‬وفي بالد المسلمين الغالب أن الشخص الذي تمر به ‪-‬في الغالب‪ -‬أنه مسلم‪ ،‬لكن لو‬
‫ٍ‬
‫حينئذ توقف؛ ألنه ال يجوز إلقاء السالم على الكافر‪،‬‬ ‫حصل عندك شك في كونه مسلم أو غير مسلم‬
‫أما رد السالم فال يجوز بحال تركه؛ ألن رده واجب‪ ،‬إذا شككت في إسالمه وعدم إسالمه‪ ،‬إن غلب‬
‫على ظنك أنه مسلم قلت‪ :‬وعليكم السالم ورحمة اهلل وبركاته‪ ،‬وإ ن شككت في إسالمه فقل‪:‬‬
‫وعليكم‪ ،‬واهلل المستعان‪.‬‬
‫ضاع كثير من الوقت عن الكتاب‪ .‬سم‬

‫‪‬‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد وعلى آله‬
‫وصحبه أجمعين‪ ،‬أما بعد‪ :‬فقد قال إمام الحرمين ‪-‬رحمه اهلل‪: -‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪63‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫وأصول الفقه‪ :‬طرقه على سبيل> اإلجمال وكيفية االستدالل بها‪ ،‬وأبواب أصول الفقه‪ :‬أقسام‬
‫الكالم‪ ،‬واألمر والنهي‪ ،‬والعام والخاص‪ ،‬والمجمل والمبين‪ ،‬والنص والظاهر والمؤول‪ ،‬واألفعال‬
‫والناسخ والمنسوخ‪ >،‬واإلجماع واألخبار‪ ،‬والقياس والحظر واإلباحة وترتيب> األدلة‪ ،‬وصفة‬
‫المفتي والمستفتي وأحكام المجتهدين‪ ،‬فأقل ما يتركب منه> الكالم اسمان‪ ،‬أو اسم وفعل‪ ،‬أو فعل‬
‫تمن‬
‫وحرف‪ ،‬أو اسم وحرف‪ ،‬والكالم ينقسم إلى أمر ونهي‪ ،‬وخبر واستخبار‪ ،‬وينقسم أيضاً إلى ٍّ‬
‫وعرض وقسم‪.‬‬

‫« َّ‬
‫الش ْـر ُح » ‪:‬‬
‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‪ ،‬يقول رحمه اهلل تعالى‪:‬‬
‫« وأصول الفقه‪ :‬طرقه على سبيل> اإلجمال وكيفية االستدالل بها » سبق تعريف أصول الفقه‬
‫باعتبار جزئي المركب‪ ،‬وأنه مركب من كلمتين‪ :‬أصول وفقه‪ ،‬وعرفنا معنى كلمة األصول ومعنى‬
‫كلمة الفقه‪ ،‬واآلن هذا هو التعريف الثاني باعتباره علم على هذا الفن المعروف‪.‬‬
‫عرفه المؤلف بأن المراد بأصول الفقه‪ « :‬طرق الفقه على سبيل اإلجمال‪ ،‬وكيفية االستدالل بها »‬
‫فالمراد بأصول الفقه ‪-‬كما ذكر‪ -‬طرق الفقه إجماالً‪ ،‬كمطلق األمر والنهي‪ ،‬وفعل النبي ‪-‬عليه‬
‫الصالة والسالم‪ -‬واإلجماع والقياس‪ ،‬هذه طرق الفقه إجماالً ال تفصيالً‪ ،‬من حيث البحث فيها بأن‬
‫األول‪ :‬وهو األمر للوجوب‪ ،‬والثاني‪ :‬وهو النهي للتحريم‪ ،‬والفعل‪ :‬فعل النبي ‪-‬عليه الصالة‬
‫ٍ‬
‫خالف فيها‪ ،‬سيأتي إن شاء اهلل تعالى‪.‬‬ ‫والسالم‪ -‬واإلجماع والقياس وغيرها حجج‪ ،‬يحتج بها على‬
‫« وكيفية االستدالل بها » أي كيفية االستدالل بهذه األصول من حيث تطبيقها على فروع المسائل‪،‬‬
‫وكيفية العمل عند تعارضها بما يسمى بمباحث تعارض األدلة من تقديم للخاص على العام والمقيد‬
‫على المطلق والناسخ على المنسوخ وهكذا‪.‬‬
‫والكالم هذا يجر ‪-‬كيفية االستدالل بها‪ ،‬واالستفادة منها‪ -‬يجر إلى معرفة المستفيد منها والمجتهد‪،‬‬
‫المجتهد له أوصاف وله شروط‪ ،‬وليس لكل ٍ‬
‫أحد أن يجتهد‪ ،‬نعم‪ ،‬إذا تأهل اإلنسان بالشروط التي‬
‫ذكرها أهل العلم المستمدة من الشرع‪ ،‬فإن له ‪-‬بل عليه‪ -‬أن يجتهد‪ ،‬أما إذا لم يتأهل صار فرضه‬
‫ون ﴾‬ ‫َه َل ِّ‬
‫الذ ْك ِر إِن ُكنتُ ْم الَ تَ ْعلَ ُم َ‬ ‫اسأَلُواْ أ ْ‬
‫تقليد من تبرأ ذمته بتقليده؛ ﴿ فَ ْ‬
‫[ سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪.] 43 :‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪64‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫ونحن نشاهد كثرة من يدعي االجتهاد في هذه األوقات‪ ،‬ال شك أن مثل هذا غرور وتلبيس من‬
‫ٍ‬
‫لقرون مضت من قفل باب االجتهاد‪ ،‬واآلن فتح االجتهاد على‬ ‫الشيطان‪ ،‬وفيه ما هو ردة فعل‬
‫مصراعيه؛ تجد من يحفظ شيئاً ولو يسيراً من العلم تجده يتكلم في عضل المسائل‪ ،‬تجد المبتدئ‬
‫‪-‬بل بعض العامة‪ -‬يجرؤ على إفتاء الناس وتوجيههم‪ ،‬والمبتدئ في حكم العامي‪ ،‬وكثير من‬
‫المبتدئين ‪-‬ومن يظن أنه تعلم وهو ما عرف إال الشيء اليسير‪ -‬تجده يتصدى إلفتاء الناس‬
‫وتوجيههم لما يعرف وما ال يعرف‪ ،‬وهذا األمر خطير جداً؛ ألنه ينصب نفسه موقعاً عن اهلل ‪-‬عز‬
‫س َو َّدةٌ ﴾‬ ‫ين َك َذ ُبواْ َعلَى اللَّ ِه ُو ُج ُ‬
‫وه ُهم ُّم ْ‬ ‫ام ِة تََرى الَّ ِذ َ‬ ‫ِ‬
‫وجل‪ -‬وحكماً بين عباده بالدعوى‪َ ﴿ ،‬و َي ْو َم ا ْلق َي َ‬
‫[ سورة الزمر‪ ،‬اآلية ‪ ] 60 :‬أيش معنى كذبوا على اهلل؟‬
‫ام ِة تََرى الَّ ِذ َ‬
‫ين‬ ‫ِ‬
‫الذي يفتي بال علم يكذب على اهلل؛ يدخل دخوالً أولياً في هذه اآلية ﴿ َو َي ْو َم ا ْلق َي َ‬
‫ِ‬ ‫صُ ِ‬ ‫وههم ُّمسو َّدةٌ ﴾‪ ﴿ ،‬والَ تَقُولُواْ ِلما تَ ِ‬ ‫ِ‬
‫ام‬
‫ف أَْلس َنتُ ُك ُم ا ْل َكذ َب َه َذا َحالَ ٌل َو َه َذا َح َر ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َك َذ ُبواْ َعلَى اللَّه ُو ُج ُ ُ ْ َ‬
‫﴾ [ سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪ ] 116 :‬نص في الموضوع‪ ،‬فإذا ربطنا بين اآليتين عرفنا خطورة اإلفتاء‬
‫بغير علم‪ ،‬وعندنا من تقوم بهم الحاجة ‪-‬وهلل الحمد‪-‬من أهل العلم الراسخين المحققين‪.‬‬
‫يتعين‬
‫وبالمقابل تقاعس المتأهل وتأخره عن نفع الناس في هذا المجال ال يجوز؛ وهو كتم للعلم‪ ،‬بل ّ‬
‫على من تأهل إلفتاء الناس أن يفتيهم‪ ،‬وال يجوز له أن يتأخر والحاجة قائمة‪.‬‬
‫وبعض الناس ال يتحرى إذا أراد أن يسأل‪ ،‬ال يبحث عمن تبرأ ذمته بتقليده‪ ،‬واهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪-‬‬
‫الذ ْك ِر ﴾‪ ،‬بل يتجه كثير من الناس لسؤال بعض المفتونين؛ بحثاً عن الرخص‪،‬‬‫َه َل ِّ‬
‫اسأَلُواْ أ ْ‬
‫يقول‪ْ ﴿ :‬‬
‫واإلنسان إذا بحث عن الرخصة في هذه المسألة‪ ،‬والرخصة في تلك المسألة‪ ،‬والرخصة في‬
‫المسألة الثالثة والرابعة والعاشرة خرج من دينه؛ ألن الدين تكاليف‪ ،‬فإذا كان الدين كله رخص ما‬
‫صار هناك دين‪ ،‬ما صار هناك تكليف‪ ،‬واهلل المستعان‪.‬‬
‫هذه األمور الثالثة ‪-‬طرق الفقه على سبيل اإلجمال‪ ،‬وكيفية االستدالل بها‪ ،‬وحال المستفيد منها‪-‬‬
‫هذه هي أصول الفقه‪ ،‬هذا ما قاله كثير من الشراح‪ ،‬وكأن األوضح مما ذكر أن يراد بأصول الفقه‪:‬‬
‫أدلة الفقه اإلجمالية من الكتاب والسنة واإلجماع والقياس على سبيل اإلجمال ال على سبيل التفصيل‬
‫في هذه األدلة؛ نأخذ الكتاب مجمالً وكيف نستفيد منه‪ ،‬حجة باإلجماع‪ ،‬لكن كيف نستفيد من هذا‬
‫الكتاب‪ ،‬السنة حجة إجماعاً‪ ،‬اإلجماع القياس وهكذا ‪-‬على الخالف فيه‪ -‬المقصود أن كيف نستفيد‬
‫من هذه األدلة اإلجمالية‪ ،‬وبيان حال من يستفيد منها‪.‬‬
‫يقول الناظم رحمه اهلل تعالى‪:‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪65‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫معنى بالنظر *** للفن في تعريفه فالمعتبر‬ ‫أما أصول الفقه‬


‫ً‬
‫في ذاك طرق الفقه أعني المجملة *** كاألمر أو كالنهي ال المفصلة‬
‫وكيف يستدل باألصول *** والعالم الذي هو األصولي‬

‫ثم ذكر أبواب الفقه على سبيل اإلجمال‪ ،‬أبواب أصول الفقه ذكرها إجماالً‪ ،‬ثم تحدث عنها بالتفصيل‬
‫واحداً تلو اآلخر على نفس الترتيب اإلجمالي‪ ،‬وهذا أشرنا سابقاً إلى أنه يعرف بأيش؟‬
‫باللف والنشر المرتب‪ ،‬فسرد هذه األبواب سرداً أشبه ما يكون بالفهرس من األبواب التي يريد أن‬
‫يتحدث عنها‪ ،‬وعدتها عشرون باباً على سبيل اإلجمال ثم تكلم عنها بالتفصيل المالئم لهذا‬
‫المختصر‪ ،‬وليس المراد به التفصيل المبسوط الذي يوجد في المطوالت‪ ،‬ال‪ ،‬هو تفصيل نسبي‬
‫مالئم لهذا المختصر ومناسب إلدراك المبتدئين‪ ،‬وإ ن كانت األوراق فيها كثير ممن يقول‪ :‬إنهم ال‬
‫يفهمون بعض هذا الكالم الذي يذكر في الكتاب‪ ،‬هو ال شك أن األفهام متفاوتة‪ ،‬ولوال ضيق الوقت‬
‫لزدنا في التوضيح‪ ،‬لكن مع اإلجمال في التوضيح يمكن ما نأخذ وال نصف الكتاب‪ ،‬واهلل المستعان‪.‬‬
‫ثم شرع ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬يفصل ما أجمله‪ ،‬وينشر ما لفّه‪ ،‬فقال‪ « :‬فأما أقسام الكالم فأقل ما‬
‫يتركب منه> الكالم اسمان‪ ،‬أو اسم وفعل‪ ،‬أو فعل وحرف‪ ،‬أو اسم وحرف » والكالم مصدر‪ ،‬أو‬
‫قل‪ :‬اسم مصدر من تكلم يتكلم تكلماً وكالماً‪ ،‬ويختلف المراد به من ٍ‬
‫فن إلى آخر ‪-‬المراد بالكالم‪-‬‬
‫فالمراد به عن اللغويين‪ :‬كل ما يلفظ به‪ ،‬سواء كان مفيداً أو غير مفيد‪ ،‬يسمى كالماً‪ ،‬سواء كان‬
‫مركباً أو غير مركب‪ ،‬فإذا قلت‪ :‬زيد‪ ،‬كالم‪ ،،‬زيد قائم كالم‪ ،‬ديز عكس زيد ‪-‬مقلوب زيد‪ -‬كالم‪،‬‬
‫كل ما يلفظ به كالم‪ ،‬سواء كان مقصوداً أو غير مقصود‪ ،‬فكالم النائم كالم‪ ،‬كالم بعض الطيور‬
‫كالم‪ ،‬هذا من حيث األصل في اللغة‪.‬‬
‫وعند النحويين‪ :‬هو اللفظ المركب المفيد فائدة يحسن السكوت عليها‪ ،‬فالكالم المفرد‪ ،‬الكلمة المفردة‬
‫ليست بكالم‪ ،‬والكالم غير المفيد (إن قام زيد) هذا ليس بكالم وإ ن كان مركباً من ثالث كلمات‪،‬‬
‫والكالم غير المقصود ليس بكالم عند النحويين‪.‬‬
‫وعند الفقهاء‪ :‬ما اشتمل على حرفين فصاعداً‪ ،‬وهو الذي يبطلون به الصالة‪ ،‬ولذا يقولون‪ :‬إن بان‬
‫حرفان من الكلمة بطلت الصالة‪ ،‬والمقصود به الكالم الذي ال يحتاج إليه‪.‬‬
‫والكالم جمع كلمة‪ ،‬والكلمة إما اسم أو فعل أو حرف‪ ،‬وفي األلفية ‪-‬في ألفية ابن مالك‪:-‬‬

‫كالمنا لفظ مفيد كاستقم *** واسم وفعل ثم حرف الكلم‬


‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪66‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫واحده كلمة والقول عم *** وكلمة بها كالم قد يؤم‬

‫أي‪ :‬قد يقصد‪.‬‬


‫« وأقل ما يترتب الكالم منه> اسمان » نحو‪ :‬زيد قائم‪ « .‬أو اسم وفعل » مثل‪ :‬قام زيد‪ ،‬أو‬
‫يعد‬
‫ضرب زيد‪ « ،‬أو فعل وحرف » نحو‪ :‬ما قام‪ ،‬ومثل هذا أثبته بعضهم كالمصنف‪ ،‬ولم ّ‬ ‫ُ‬
‫الضمير الراجع في (قام) ‪-‬الراجع إلى المتحدث عنه مثالً‪ -‬لعدم ظهوره؛ هو يعد الكلمات‬
‫الموجودة أمامه‪ ،‬أما المستتر فهو ال يعده‪ ،‬وعليه جرى المصنف‪ ،‬والجمهور على عده كلمة‪،‬‬
‫فالضمير المستتر في حكم الضمير المتصل‪.‬‬
‫« أو اسم وحرف » وذلك في النداء نحو‪ :‬يا زيد‪ ،‬وإ ن كان المعنى‪ :‬أدعو زيداً‪ ،‬لكن في الصورةـ‬
‫حرف ‪-‬حرف نداء‪ -‬وإ ن كان معنى هذا الحرف‪ ،‬معنى الفعل‪ :‬أدعو‪.‬‬
‫يقول العبادي في شرحه‪ :‬وقضية تعبيره بأقل أن الكالم قد يتركب من أكثر مما ذكر؛ ألنه أقل ما‬
‫يتركب منه الكالم ما ذكر‪ ،‬وقضية ما ذكر ‪-‬مفهوم األقل‪ -‬أن هناك أكثر‪ ،‬فهل نستطيع أن نسمي‬
‫ٍ‬
‫وكفعل واسمين أو‬ ‫الجمل كالماً؟ جمل نسميها كالماً؟ يقول‪ :‬قد يتركب من أكثر ما ذكر‪ ،‬كجملتين‬
‫ثالثة أو أربعة‪ ،‬وعليه جمع كابن هشام‪ ،‬لكنه خالف ما دلت عليه عبارة ابن الحاجب‪ ،‬أيش معنى‬
‫هذا الكالم؟‬
‫قالوا‪ :‬فهموا من كالم المصنف أن أقل ما يتركب منه الكالم ما ذكر‪ ،‬أن الكالم قد يتركب من أكثر‬
‫مما ذكر‪ ،‬وهذا مفهوم العبارة‪ ،‬وهذا عليه جمع‪ ،‬يعني إذا ركب كالم من جمل متعددة ‪-‬جملتين‬
‫فأكثر‪ -‬يسمى كالماً‪ ،‬نعم؟‬
‫قد يقول قائل‪ :‬كيف ينازعون في مثل هذا وعليه جمع كابن هشام‪ ،‬لكنه خالف ما دلت عليه عبارة‬
‫ابن الحاجب‪ ،‬قد يقول قائل‪ :‬كيف ينازعون في مثل هذا؟ يعني إذا كان‪( :‬زيد قائم) كالم فإذا قلت‪:‬‬
‫زيد قائم وقاعد أو قارئ‪ ،‬زيد قائم‪ ،..‬أو زيد قاعد وقارئ‪ ،‬هاتان جملتان عطفت إحداهما على‬
‫األخرى‪ ،‬والعطف على نية تكرار العامل ‪-‬كما يقول أهل العلم‪ -‬كيف يختلفون؟ يقول‪ :‬وخالف ما‬
‫دلت عليه عبارة ابن الحاجب‪ ،‬أنه ال يسمى كالماً أصالً؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬أيش يقول؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬أيش؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪67‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير ‪ :‬اآلن عرفنا أنه إذا اشتمل على جملة اسم وفعل‪ ،‬أو اسم وحرف‪ ،‬أو‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫فعل وحرف هذا كالم‪ ،‬وهذا أقل الكالم‪ ،‬هذا أقل الكالم‪ ،‬مفهومه أنه إذا تركب من جملتين أو من‬
‫ثالث كلمات ‪-‬اسم وفعل وحرف‪ ،‬أو فعل واسمين أو ثالثة أسماء أو أربعة‪ -‬ال يسمى كالماً عند‬
‫بعضهم‪ ،‬والمفهوم من كالم المصنف أنه يسمى كالماً‪.‬‬
‫على كل حال ما الفائدة المرتبة على هذا الخالف؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬في فائدة تترتب على هذا الخالف؟ نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير ‪ :‬يعني إذا حلف أن ال يتكلم‪ ،‬أو أن ال يصدر منه كالم‪ ،‬فجاء ٍ‬
‫بكالم‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫طويل يصير تكلم وإ ال ما تكلم؟‬
‫على ما عليه الجمع ‪-‬كابن هشام وما يفهم من كالم المؤلف‪ -‬كالماً‪ ،‬لكن إذا حلف ال يتكلم ٍ‬
‫بكالم‬
‫طويل‪ ،‬كالم مركب من جمل؟ على مقتضى عبارة ابن الحاجب أنه ما تكلم‪.‬‬
‫إذا قال لزوجته‪ :‬إن تكلمت بكالم فأنت طالق‪ ،‬أو قال لعبده‪ :‬إن تكلمت بكالم فأنت حر‪ ،‬فتكلم ٍ‬
‫بكالم‬
‫كبير ما جاب جملة واحدة‪ ،‬أو نقول‪ :‬هي تطلق بالجملة األولى‪ ،‬وهو يعتق بالجملة األولى‪ ،‬ويحنث‬
‫في الجملة األولى وما عدا ذلك قدر زائد على الكالم؟ نعم؟‬
‫يقول الناظم‪:‬‬

‫أقل ما منه الكالم ركبوا *** اسمان أو اسم وفعل كـ_(اركبوا)‬


‫ٍ‬
‫وحرف في النداء‬ ‫فعل وحرف وجدا *** وجاء من اسم‬ ‫كذاك من ٍ‬

‫ٍ‬
‫وخبر واستخبار‬ ‫ونهي‬
‫ٍ‬ ‫ثم قال ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬في بيان أقسام الكالم‪ « :‬والكالم ينقسم إلى ٍ‬
‫أمر‬
‫تمن وعرض وقسم‪ :‬يريد المصنف أن الكالم من حيث داللته ينقسم إلى أمر »‬ ‫وينقسم أيضاً إلى ّ‬
‫صل‪ ﴿ ،‬أ َِقِم َّ‬
‫الصالَةَ ﴾ [ سورة اإلسراء‪ ،‬اآلية ‪« ،] 78 :‬‬ ‫وهو ما يدل على طلب الفعل نحو‪ِّ :‬‬
‫ونهي » وهو ما يدل على طلب الترك‪ ،‬نحو‪ :‬ال تغتب‪ « ،‬وخبر » وهو ما يحتمل الصدق أو‬
‫الكذب لذاته نحو‪ :‬جاء زيد‪ ،‬وما جاء عمرو‪ ،‬ويقابل الخبر اإلنشاء‪ ،‬ولم يذكره المؤلف بلفظه ذكر‬
‫أقسامه‪ ،‬اإلنشاء‪ :‬وهو ما ال يحتمل الصدق وال الكذب‪ ،‬ويدخل فيه األمر والنهي والتمني‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪68‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫واالستفهام والعرض‪ ،‬وذكرها المؤلف‪ ،‬واستخبار‪ :‬وهو االستفهام نحو‪ :‬هل قام زيد؟ فيجاب‬
‫تمن » وهو طلب ما ال طمع فيه‪:‬‬
‫بـ(نعم) أو (ال)‪ « .‬وينقسم أيضاً إلى ٍّ‬

‫أال ليت الشباب يعود يوماً *** ‪...........................‬‬

‫ليت أمس يرجع‪ ،‬أو يعود‪ :‬ما ال طمع فيه‪ ،‬أو فيه طمع‪ ،‬لكنه مع ٍ‬
‫عسر شديد‪ ،‬كقول منقطع الرجاء‬
‫الذي ال يثبت على الراحلة وال يستطيع أن يسافر مثالً‪ :‬ليتني أحج‪.‬‬
‫َّ‬
‫المصدر بـ(أاَل )‪ :‬أال تنزل عندنا‪ ،‬والعرض يناسب بعض‬ ‫وعرض‪ :‬وهو الطلب برفق وهدوء‪ ،‬وهو‬
‫ٍ‬
‫بشيء ‪-‬ولو‬ ‫الناس الذين يهابون‪ ،‬فإذا كنت تهاب شخصاً وال تستطيع أن تأمره أو تصر على أمره‬
‫شيخ على ٍ‬
‫خطأ وقع فيه‪،‬‬ ‫على جهة اإلكرام‪ -‬ومثله ‪-‬بل من باب األدب‪ -‬إذا أراد الطالب تنبيه ٍ‬
‫يأتي بصيغة العرض‪ :‬أال يكون المعنى كذا؟ أو يقول‪ :‬ما رأيكم بكذا‪ ،‬أو‪ :‬أال يكون مراد فالن بكذا‬
‫كذا‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بكلمة‬ ‫ومثله‪ :‬المحتضر حينما يعرض عليه تعرض عليه كلمة التوحيد؛ ألنه يخشى منه أن ينطق‬
‫وضع ال يناسب الشدة في الكالم‪ ،‬فيعرض عليه الكالم عرضاً برفق‪ :‬يا‬
‫ٍ‬ ‫يخرج بها من دينه وهو في‬
‫فالن أال تقول‪ :‬ال إله إال اهلل ‪-‬برفق ولين‪ -‬قل‪ :‬ال إله إال اهلل‪.‬‬
‫وبالمناسبة أبو زرعة الرازي ‪-‬الذي أشرنا إليه قريباً‪ -‬لما حضرته الوفاة هابوا أن يلقّنوه وهو في‬
‫حال النزع ‪-‬رحمة اهلل عليه‪ -‬هابوا أن يلقّنوه‪ ،‬فاجتهد بعضهم فجاء بحديث التلقين وقلب إسناده‪،‬‬
‫قلب اإلسناد والشيخ في النزع‪ -‬رحمة اهلل عليه‪ -‬فصحح اإلسناد وقال‪ :‬قال رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل‬
‫عليه وسلم‪ « :-‬من كان آخر كالمه من الدنيا ال إله إال اهلل‪ » ..‬ففاضت روحه ‪-‬رحمة اهلل عليه‪-‬‬
‫فمثل هؤالء وفي مثل هذا الظرف يهاب اإلنسان وال يتكلم ٍ‬
‫بكالم قوي يخشى منه الضرر‪ .‬وقَ َسم‪:‬‬
‫وهو الحلف نحو‪ :‬واهلل ألفعلن كذا‪.‬‬
‫يقول الناظم‪:‬‬

‫وقسم الكالم لإلخبار *** واألمر والنهي واالستخبار‬


‫تمن ولعرض وقسم‬
‫ثم الكالم ثانياً قد انقسم *** إلى ٍّ‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪69‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫هنا قال‪ « :‬والكالم ينقسم إلى ٍ‬


‫أمر ونهي وخبر واستخبار وينقسم أيضاً » لماذا لم يسق الكالم‬
‫وتمن وعرض وقسم؟ ثم قال‪:‬‬ ‫مساقاً واحداً فقال‪ :‬والكالم ينقسم إلى ٍ‬
‫أمر ونهي وخبر واستخبار ٍّ‬
‫وينقسم أيضاً؟‬
‫يقول شارح النظم‪ ،‬من شارح النظم؟‬
‫عبد الحميد قُدس يقول‪ :‬إنما أعاد الفعل بقوله‪:‬‬

‫تمن‪............‬الخ‬
‫ثم الكالم ثانياً قد انقسم *** إلـى ٍّ‬

‫تمن‪ ..‬الخ؛ إشارةً إلى‬


‫مع أن ما قبله وما بعده تقسيم واحد‪ ،‬فكان ينبغي أن يقتصر على قوله‪ :‬وإ لى ّ‬
‫أن منهم من اقتصر على تقسيمه إلى ما تقدم‪ ،‬وأنه يزاد عليه انقسامه أيضاً إلى هذه المذكورات‪،‬‬
‫يعني بعضهم حصر القسمة في األربعة األولى‪ ،‬فيؤتى بالمحصور‪ ،‬ثم يزاد عليه ما ينبغي زيادته‪.‬‬
‫ثم قال ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ :-‬نعم اقرأ‪.‬‬

‫ومن ٍ‬
‫وجه آخر ينقسم إلى حقيقة ومجاز‪ ،‬فالحقيقة ما بقي في االستعمال على موضوعه‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫ما استعمل في ما اصطلح عليه من المخاطبة‪ ،‬والمجاز ما تجوز عن موضوعه‪ ،‬والحقيقة إما‬
‫لغوية وإ ما شرعية وإ ما عرفية‪ ،‬والمجاز إما أن يكون بزيادة أو نقصان أو نقل أو استعارة‪،‬‬
‫ش ْي ٌء ﴾ [ سورة الشورى‪ ،‬اآلية ‪،] 11 :‬‬ ‫س َك ِمثْ ِل ِه َ‬‫فالمجاز بالزيادة مثل قوله تعالى‪ ﴿ :‬لَ ْي َ‬
‫اسأ َِل ا ْلقَ ْر َي َة ﴾ [ سورة يوسف‪ ،‬اآلية ‪ ،] 82 :‬والمجاز‬ ‫والمجاز بالنقصان مثل قوله تعالى‪َ ﴿ :‬و ْ‬
‫َن َينقَ َّ‬
‫ض‬ ‫بالنقل كالغائط فيما يخرج من اإلنسان‪ ،‬والمجاز باالستعارة كقوله تعالى‪ِ ﴿ :‬ج َد ًارا ُي ِر ُ‬
‫يد أ ْ‬
‫﴾ [ سورة الكهف‪ ،‬اآلية ‪.] 77 :‬‬

‫« َّ‬
‫الش ْـر ُح » ‪:‬‬
‫يقول ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪:-‬‬
‫ٍ‬
‫حقيقة ومجاز » ثم عرف الحقيقة بتعريفين‪ ،‬فالحقيقة ما بقي‬ ‫« ومن ٍ‬
‫وجه آخر ينقسم الكالم إلى‬
‫طبة‬ ‫ِ‬
‫المخاطبة أو المخا َ‬ ‫في االستعمال على موضوعه‪ ،‬وقيل‪ :‬ما استعمل في ما اصطلح عليه من‬
‫» يجوز هذا وذاك‪ ،‬على ما سيأتي‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪70‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫تجوز به عن موضوعه » فلما ذكر أقسام الكالم باعتبار داللته قسم الكالم باعتبار‬
‫« والمجاز ما ّ‬
‫استعماله‪ ،‬وذكر أن الكالم من هذه الحيثية ينقسم إلى قسمين‪ :‬حقيقة ومجاز‪.‬‬
‫واختلف العلماء في تقسيم الكالم إلى حقيقة ومجاز‪ ،‬فأثبته بعض العلماء واشتهر وانتشر عند كثير‬
‫من المتأخرين ولم يفرقوا في ذلك بين النصوص الشرعية وغيرها من الكالم العادي‪ ،‬ونفاه عن‬
‫القرآن قوم وأثبتوه فيما عدا القرآن كابن خويز منداد من المالكية وابن القاص من الشافعية‪ ،‬وهو‬
‫قول أهل الظاهر‪ ،‬يقولون بالمجاز في غير القرآن‪ ،‬وأما القرآن فال مجاز فيه‪.‬‬
‫ونفاه مطلقاً في القرآن والسنة وفي الكالم العادي آخرون كأبي إسحاق االسفراييني وأبي علي‬
‫الفارسي‪ ،‬ونصره شيخ اإلسالم ابن تيمية وابن القيم‪ ،‬وسمى المجاز طاغوت‪.‬‬
‫ورد األمين الشنقيطي ‪-‬رحمة اهلل عليه‪ -‬على من يقول بالمجاز بكالم طويل في مذكرته األصولية‬
‫ٍ‬
‫رسالة خاصة في ذلك‪.‬‬ ‫وفي‬
‫وبين شيخ اإلسالم ‪-‬رحمة اهلل عليه‪ -‬أن هذا التقسيم مخترع حادث بعد القرون المفضلة؛ لم يتكلم‬
‫ّ‬
‫به أحد من الصحابة والتابعين‪ ،‬وال أحد من األئمة وال علماء اللغة‪ ،‬ما تكلم به أحد‪.‬‬
‫هل نقول هذا اصطالح وال مشاحة في االصطالح؛ كغيره من التقسيمات الموجودة في العلوم‬
‫األخرى؟‬
‫الظاهر أن القول بالمجاز إنما هو‪ ،..‬إنما أحدثه المبتدعة؛ ليتوصلواـ به إلى نفي صفات اهلل ‪-‬عز‬
‫وجل‪ -‬بادعاء أنها مجاز‪.‬‬
‫من أقوى ما يستدل به على إنكار المجاز أنه يجوز نفيه‪ ،‬وليس في النصوص ما يجوز نفيه‪ ،‬أيش‬
‫معنى هذا الكالم؟ المجاز يجوز نفيه‪ ،‬وليس في النصوص الشرعية ما يجوز نفيه؟‬
‫إذا جاء رجل شجاع فقال واحد من الناس‪ :‬جاء أسد‪ٍ ،‬‬
‫لقائل أن يقول‪ :‬كذبت‪ ،‬ما جاء أسد‪ ،‬أليس له‬
‫ذلك؟‬
‫نعم‪ ،‬ما جاء أسد؛ ألن حقيقة األسد حيوان مفترس‪ ،‬فإذا كان يجوز نفيه فليس في النصوص ما‬
‫يجوز نفيه‪ ،‬لكنهم أطلقوا األسد على الشجاع‪ ،‬فهل نقول‪ :‬إنه مجاز؟ وهذا في غير النصوص‬
‫ونلتزم بالزمه أنه وإ ن جاز نفيه نقول به كما يقول بعضهم‪ ،‬أو نقول‪ :‬إنه استعمال حقيقي‪ ،‬األسد‬
‫كما يطلق على الحيوان المفترس يطلق على الرجل الشجاع؟‬
‫على كل حال الكالم في المجاز فصله ابن القيم ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬في (الصواعق) وشدد في‬
‫النكير على من أثبته‪ ،‬وال شك أنه باب ولج منه المبتدعة فأنكروا صفات اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬بسببه‪،‬‬
‫وال شك أن األثر المترتب عليه شديد‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪71‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫بعد ذلك عرف الحقيقة بأنها ما بقي في االستعمال على موضوعه‪ :‬ما بقي‪ :‬أي اللفظ الباقي في‬
‫االستعمال على موضوعه‪ ،‬أي الذي وضع له‪ ،‬وضعه له المتخاطبون ‪-‬أهل اللغة‪ -‬على موضوعه‬
‫اللغوي كما هو المتبادر من اللفظ ‪-‬من ذكر الوضع‪.-‬‬
‫وقيل في تعريف الحقيقة‪ « :‬ما استعمل في ما اصطلح عليه من المخاطبة » وإ ن لم يبق على‬
‫يبق على موضوعه‬
‫موضوعه كالصالة بالهيئة المخصوصة المعروفة لدى المسلمين‪ ،‬فإنه لم َ‬
‫اللغوي وهو الدعاء‪ ،‬والدابة لذات األربع كالجمل والحمار وغيرهما فإنه لم يبق على موضوعه‬
‫‪-‬وهو كل ما يدب على األرض‪ -‬عندنا الحقائق كم؟‬
‫ثالث‪ ،‬الحقائق ثالث‪ :‬لغوية وشرعية وعرفية‪ ،‬على التعريف األول الحقيقة ما بقي في االستعمال‬
‫على موضوعه‪ :‬الحقيقة واحدة وال تتعدد‪ ،‬وما عداها كله من قبيل المجاز‪ ،‬وعلى التعريف الثاني‪:‬‬
‫ما استعمل في ما اصطلح عليه من المخاطبة‪ :‬تتسع دائرة الحقائق فتكون ثالثاً‪ ،‬فإذا قيل‪ :‬جاء أسد‪،‬‬
‫فبدالً من أن يقال‪ :‬هذا مجاز‪ ،‬يقال‪ :‬اصطلح المخاطبة عليه‪ ،‬فيكون حقيقة عرفية‪.‬‬
‫الصالة المعروفة لدى المسلمين‪ ،‬المفتتحة بالتكبير المختتمة بالتسليم ذات الركوع والسجود‪ :‬هذه‬
‫حقيقة‪ ،‬لكنها حقيقة شرعية‪ ،‬وإ ن كانت الحقيقة اللغوية للصالة الدعاء‪ ،‬والفرق بين الحقائق اللغوية‬
‫مع الشرعية يختلف أهل العلم في ذلك‪ ،‬هل هي من باب النقل التام للكلمة من حقيقتها اللغوية إلى‬
‫حقيقتها الشرعية‪ ،‬أو نقول‪ :‬إنها هي الحقيقة اللغوية وزيد عليها؟ هل نقول‪ :‬إن حقيقة الصالة لغةً‬
‫غير حقيقة الصالة شرعاً‪ ،‬أو نقول‪ :‬إن الحقيقة الشرعية هي الحقيقة اللغوية وزاد عليها الشرع‬
‫أشياء؟ وقل مثلها‪ :‬الزكاة والصيام والحج واإليمان وغير ذلك من الحقائق الشرعية؟ نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير ‪ :‬يعني زيد على الحقيقة اللغوية‪ ،‬وكأن هذا ما يف ِهمه كالم شيخ اإلسالم‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ابن تيمية رحمه اهلل تعالى‪.‬‬
‫على التعريف األول ال يدخل في الحقيقة سوى اللغوية‪ ،‬وعلى التعريف الثاني تدخل جميع الحقائق‬
‫الثالث‪ ،‬اللغوية والشرعية والعرفية‪.‬‬
‫قوله‪ « :‬من المخاطبة » وهو بكسر الطاء‪ ،‬أي الجماعة المتخاطبة بذلك اللفظ‪ ،‬ويجوز فتح الطاء‬
‫طبة‪ ،‬أيش؟‬
‫طبة‪ -‬وهو التخاطب؛ ال مانع أن يقول‪ :‬بين المخا َ‬
‫–المخا َ‬
‫ما استعمل عليه‪ ،..‬أو ما استعمل في ما اصطلح عليه من المخاطبة‪ :‬يعني من التخاطب وال مانع‬
‫تجوز » أي تعدي به عن موضوعه‪ ،‬وهذا التعريف للمجاز‬
‫من ذلك‪ .‬ثم عرف المجاز بأنه‪ « :‬ما ّ‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪72‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫يقابل التعريف األول للحقيقة‪ ،‬وعلى الثاني يكون معنى المجاز‪ :‬ما استعمل في غير ما اصطلح‬
‫ِ‬
‫المخاطبة‪.‬‬ ‫عليه من‬
‫ثم ذكر أقسام الحقيقة الثالث‪ « :‬والحقيقة إما لغوية وإ ما شرعية وإ ما عرفية » هذا يمشي على‬
‫تعريفه للحقيقة؟ يمشي وإ ال ما يمشي؟‬
‫هذا التعريف الثاني الذي صدره بصيغة التمريض؛ ألنه قال‪ :‬والحقيقة إما لغوية وإ ما شرعية وإ ما‬
‫جار على التعريف الثاني‪ ،‬ومعلوم أن أهل العلم إذا جزموا بشيء ثم أتبعوه ٍ‬
‫بقول آخر‬ ‫عرفية‪ :‬فهذا ٍ‬
‫ممرض ‪-‬يعني مصدر بصيغة التمريض‪ -‬أن اختيارهم ما جزموا به‪ ،‬اختيارهم ما جزموا به‪،‬‬
‫َّ‬
‫وعلى هذا الذي يختاره إمام الحرمين في تعريف الحقيقة هو األول؛ ألنه صدر الثاني بصيغة‬
‫التمريض قيل‪ ،‬فكيف يقول‪ « :‬والحقيقة إما لغوية وإ ما شرعية وإ ما عرفية » وهو مناسب للثاني‬
‫الم َّ‬
‫صدر بصيغة التمريض؟‬ ‫ُ‬
‫ألنه على التعريف األول تنحصر الحقيقة باللغوية فقط‪ ،‬وعلى التعريف الثاني يتسع أمر الحقائق‬
‫وتتنوع إلى ثالثة أنواع‪.‬‬
‫« الحقيقة إما لغوية وإ ما شرعية وإ ما عرفية » والحقيقة اللغوية‪ :‬ما وضعه أهل اللغة كاألسد‬
‫للحيوان المفترس‪ ،‬والشرعية‪ :‬التي وضعها الشارع كالصالة ‪-‬العبادة المخصوصة‪ -‬والعرفية‪ :‬ما‬
‫وضعها أهل العرف سواء كان العرف عاماً أو خاصاً‪ ،‬والعرف العام‪ :‬ما تعارف عيه الناس على‬
‫جميع مستوياتهم وطبقاتهم كالدابة لذات األربع‪ ،‬وهي في أصل اللغة ‪-‬حقيقة الدابة اللغوية‪ :-‬كل‬
‫ما يدب على وجه األرض‪ ،‬حقيقتها العرفية في عرف عامة الناس ذوات األربع‪ ،‬ومثله ما تعارف‬
‫عليه أهل العرف الخاص ‪-‬ما اصطلح عليه أهل العرف الخاص‪ -‬هذه حقائق‪ ،‬كالفاعل عند النحاة‪،‬‬
‫الفاعل عند النحاة حقيقة عرفية‪ ،‬الباب عند أهل العلم ‪-‬في الكتب ‪ -‬يقولون باب؛ « الحقيقة‬
‫األصلية للباب اللغوية » ما يدخل ويخرج منه‪ ،‬مثل هذا الباب وذلك الباب وغيرها من األبواب‪،‬‬
‫هذه حقيقة الباب‪ ،‬ما يدخل وما يخرج منه‪ ،‬لكن الباب في كتب أهل العلم حقيقة عرفية‪ ،‬نعم‪ ،‬لو‬
‫تقول لشخص عامي‪ :‬اقرأ الباب‪ ،‬يعرف يقرأ الباب؟ أيش يبى يسوي؟ ماذا يصنع؟ يظنك تقول‪:‬‬
‫اقرع الباب؛ ما يعرف أن هناك باب غير الباب المعروف‪ ،‬لكن هذا عرف عند أهل العلم‪ ،‬وهذا كما‬
‫تقدم ٍ‬
‫جار على التعريف الثاني للحقيقة‪ ،‬وأما على التعريف األول فالحقيقة خاصة باللغوية‪.‬‬

‫وثالثاً إلى ٍ‬
‫مجاز وإ لى *** حقيقة وحدها ما استعمال‬
‫اصطالح قدمـا‬
‫ٍ‬ ‫من ذاك في موضوعه وقيل ما *** يجري خطاباً في‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪73‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫أقسامها ثالثة شرعي *** واللغوي الوضع والعرفي‬

‫ٍ‬
‫بزيادة أو نقصان أو نقل‬ ‫ثم ذكر ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬أنواع المجاز فقال‪ « :‬والمجاز إما أن يكون‬
‫س َك ِم ْث ِل ِه َ‬
‫ش ْي ٌء ﴾ ‪ ،‬والنقصان مثل قوله‬ ‫أو استعارة » ثم مثّل للزيادة بقوله ‪-‬جل وعال‪ ﴿ :-‬لَ ْي َ‬
‫اسأ َِل ا ْلقَ ْر َي َة ﴾‪ « ،‬والمجاز بالنقل‪ :‬كالغائط فيما يخرج من اإلنسان‪ ،‬والمجاز‬‫تعالى‪َ ﴿ :‬و ْ‬
‫َن َينقَ َّ‬
‫ض ﴾»‪.‬‬ ‫باالستعارة كقوله تعالى‪ِ ﴿ :‬ج َد ًارا ُي ِر ُ‬
‫يد أ ْ‬
‫لما عرف الحقيقة والمجاز وذكر أقسام الحقيقة‪ ،‬أردف ذلك بأنواع المجاز‪ ،‬وذكر أربعةً من أنواعه‬
‫س َك ِمثْ ِل ِه َ‬
‫ش ْي ٌء ﴾‪ :‬وزعموا أن الكاف هنا‬ ‫وهي‪ :‬المجاز بالزيادة‪ ،‬ومثل له بقوله تعالى‪ ﴿ :‬لَ ْي َ‬
‫زائدة‪ ،‬ومنهم من يتأدب مع القرآن المصون عن الزيادة والنقصان فيقول‪ :‬صلة‪ ،‬أيش معنى صلة؟‬
‫هي زائدة‪ ،‬يعني من حيث اإلعراب ال محل لها كصلة الموصول‪ ،‬يشبهون هذه األمور الزائدة‬
‫بصلة الموصول الذي ال محل له من اإلعراب‪ ،‬زعموا أن الكاف زائدة؛ إذ لو لم تكن زائدة لكانت‬
‫بمعنى مثل‪ ،‬فيكون التقدير ليس مثل مثله شيئاً‪ ،‬يقولون‪ :‬وهذا باطل؛ ألنه يلزم منه إثبات المثل هلل‬
‫‪-‬عز وجل‪-‬؛ إذا قيل‪ :‬ليس مثل مثله‪ :‬أثبتنا مثل المثل ‪-‬على كالمهم‪ -‬والصحيح أنها ليست بزائدة‬
‫وإ نما ذكرت للتأكيد‪ ،‬فإذا انتفى مثل المثل فانتفاء المثل من باب أولى‪.‬‬
‫إذا قلت‪ :‬زيد ما لمثله مثيل‪ ،‬من باب أولى‪ ،..‬مثله الذي يشبهه من بعض الوجوه ليس له مثيل‪ ،‬إذن‬
‫مثله المطابق له من كل وجه من باب أولى‪.‬‬
‫وشخص رأى مع آخر ثوباً فقال له‪ :‬اشتر لي مثل هذا الثوب‪ ،‬فاشترى له الثوب نفسه‪ ،‬فرده‪ ،‬قال‪:‬‬
‫أنا قلت لك‪ :‬اشتر لي مثل هذا الثوب‪ ،‬ما قلت لك اشتر لي هذا الثوب‪ ،‬فتخاصما عند شريح‪ ،‬فألزمه‬
‫بأخذ الثوب‪ ،‬وقال‪ :‬ليس شيء أشبه بالشيء من الشيء نفسه‪.‬‬
‫وهنا نقول‪ :‬الصحيح أنها ليست بزائدة‪ ،‬وإ نما ذكرت للتأكيد‪ ،‬فإذا انتفى مثل المثل فانتفاء المثل من‬
‫باب أولى؛ مبالغة في نفي المثل‪.‬‬
‫اسأ َِل ا ْلقَ ْر َي َة ﴾‪ ،‬قالوا‪ :‬المراد أهل القرية؛ إذ‬ ‫َّ‬
‫ثم مثل للزيادة بالنقصان بقوله ‪-‬جل وعال‪َ ﴿ :-‬و ْ‬
‫القرية ال يمكن سؤالها‪ ،‬والصحيح أنه ال حذف؛ فالمراد بالقرية األبنية بأهلها‪ ،‬القرية‪ :‬األبنية‬
‫‪-‬العمران‪ -‬بأهله‪ ،‬وال يطلق على العمران مفرداً قرية‪ ،‬فاألهل جزء من القرية‪ ،‬وعلى افتراض أن‬
‫المراد بالقرية األبنية سؤالها ممكن‪ ،‬سؤال القرية ذاتها ممكن‪ ،‬كيف؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪74‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫فيكون جوابها بلسان الحال؛ يعني أال يمكن أن تخاطب داراً خربة فتقول‪ :‬أين أهلك؟ أين أربابك؟‬
‫أين من بناك؟ أين من عمرك؟ نعم‪ ،‬أال يمكن؟ ألم يسأل علي ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬القبور؟! واهلل‬
‫المستعان‪.‬‬
‫على كل حال الجواب في مثل هذا يكون بلسان الحال وإ ن لم يكن بلسان المقال‪.‬‬
‫ثم مثّل للمجاز بالنقل بكلمة‪ :‬الغائط‪ ،‬إذ األصل في الكلمة أنها وضعت للمكان المطمئن فيقصده من‬
‫أراد قضاء الحاجة؛ ليستتر فيه‪ ،‬فأطلقت على الخارج نفسه من اإلنسان‪ ،‬والصحيح أن الغائط حقيقة‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ ال مجاز‪.‬‬ ‫عرفية‪،‬‬
‫َن َينقَ َّ‬
‫ض ﴾‪ ،‬حيث أضاف اإلرادة إلى‬ ‫والمجاز باالستعارة مثّل له بقوله تعالى‪ِ ﴿ :‬ج َد ًارا ُي ِر ُ‬
‫يد أ ْ‬
‫فشبه ميله إلى السقوط‪ ،‬شبه ميله إلى السقوط بإرادة السقوط‪ ،‬التي هي من صفات الحي‬
‫الجدار ّ‬
‫دون الجماد‪ ،‬والمجاز المبني على التشبيه يسمى استعارة‪ ،‬والصحيح أنه ليس من المجاز؛ فإرادة‬
‫كل ٍ‬
‫شيء بحسبه‪ ،‬إرادة كل شيء بحسبه‪ ،‬إرادة المخلوق تختلف عن إرادة الجماد‪ ،‬كما أن إرادة‬
‫الخالق تختلف عن إرادة المخلوق‪ ،‬إرادة كل ٍ‬
‫شيء بحسبه‪.‬‬
‫ومعلوم أن بحث مثل هذه األشياء في الحقيقة والمجاز مجالها ومحلها كتب البالغة في علم البيان‪،‬‬
‫وتذكر في كتب األصول؛ ألنها تبحث في دالالت األلفاظ‪ ،‬وهي من أهم المباحث في األصول‪.‬‬
‫على كل حال المسألة في الحقيقة والمجاز مسألة طويلة الذيول‪ ،‬والخالف فيها كبير بين أهل العلم‪،‬‬
‫والذي عليه جمع من أهل التحقيق نفي المجاز‪ ،‬وممن ينفي المجاز شيخ اإلسالم ابن تيمية وابن‬
‫القيم‪.‬‬
‫من أراد االطالع على المسألة بخصها فليرجع إلى (الصواعق) البن القيم‪ ،‬ورسالة للشيخ األمين‬
‫الشنقيطي ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬في منع جواز المجاز‪ ،‬وله أيضاً إجابة عن هذه المسائل أو هذه األمثلة‬
‫بخصوصها‪ ،‬له إجابة عنها في مذكرته األصولية‪،‬‬
‫واهلل أعلم وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪75‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫س‬ ‫الدَّرس َ ِ‬
‫الخام ُ‬ ‫ْ ُ‬

‫السَّالم عليكم ورحمة اللَّ ِـه وبركاته‪.‬‬


‫[ أسئلـة وأجوبـة ]‬

‫اسأ َِل ا ْلقَ ْر َي َة ﴾ ‪ ،‬ذكرتم في اإلجابة عنها أن القرية قد‬


‫‪‬هذا يسأل‪ :‬يقول في قوله تعالى‪َ ﴿ :‬و ْ‬
‫تسأل‪ ،‬ويكون جوابها بلسان الحال‪..‬؟‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ يسأل من يمكن سؤاله ويرجى جوابه‪،‬‬ ‫وذكرنا أن القرية تطلق ويراد بها العمران بساكنيه‪،‬‬
‫وعلى سبيل التنزل‪ ،‬إذا قلنا‪ :‬إن المراد بالقرية هي العمران فقط‪ ،‬فقد حصل أن علي بن أبي طالب‬
‫‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬سأل القبور‪ ،‬سأل القبور وأهل القبور‪" :‬ماذا عندكم؟ أما ما عندنا فهو كذا وكذا"‪،‬‬
‫وقد كان جوابها بلسان الحال‪ ،‬وهنا يقول‪ :‬ولسان الحال أليس من المجاز؟‬
‫نقول‪ :‬ال‪ ،‬ليس من المجاز؛ بل هو من الحقائق العرفية‪ ،‬حقيقة عرفية‪.‬‬
‫ذكرت أن األسئلة التي ال عالقة لها بالكتاب تحال إلى الشيخ حفظه اهلل‪.‬‬
‫ُ‬

‫‪ ‬هذا يسأل‪ ،..‬وهذا سؤال له عالقة باألصول وهو الترادف بين الكلمات‪ ،‬الترادف مثل‪ :‬قعد‬
‫وجلس‪ ،‬هل نقول‪ :‬إن معنى الكلمتين واحد تماماً بحيث ال يزيد أحدهما عن اآلخر ‪-‬بين قعد‬
‫وجلس‪-‬؟‬
‫من أهل العلم من يقول ذلك‪ ،‬يوجد في اللغة كلمات مترادفة‪ ،‬لكن المحققين من اللغويين وعلماء‬
‫الشرع يثبتون أن هناك فروق بين الكلمات ‪-‬فروق دقيقة جداً‪ -‬وكتاب الفروق اللغوية ألبي هالل‬
‫ق‬‫فيبين ما بينهما من فرو ٍ‬
‫العسكري أكبر مثال على ذلك‪ ،‬يأتي بالكلمتين التين يظن بهما الترادف ّ‬
‫دقيقة‪ ،‬فعلى سبيل المثال‪ :‬الصنف والضربـ والنوع ِ‬
‫والق ْسم‪ ،‬بينها فروق في غاية الدقة‪ ،‬وهناك‬
‫أيضاً ما بين القعود والجلوس‪ ،‬هناك أيضاً ما بين القيام والوقوف‪ ،‬وهكذا من الفروق‪.‬‬

‫‪‬يقول‪ :‬هذا يريد حكم اإلسبال وبيان حرمته؟‬


‫جر ثوبه‪ ،‬وأن ما كان أسفل من الكعبين ففي النار‪ ،‬وهذا له‬
‫اإلسبال‪ :‬جاء الوعيد الشديد على من ّ‬
‫حكم‪ ،‬ومن جر ثوبه خيالء له حكم‪ ،‬ويقول بعض الناس‪ :‬إن « ما كان من أسفل الكعبين‪ » ..‬هذا‬
‫مقيد‪ ،‬والمطلق يحمل على المقيد؟ نقول‪ :‬ال‪.‬‬
‫مطلق‪ ،‬و « من جر ثوبه> خيالء‪ » ..‬هذا ّ‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪76‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫نقول‪ :‬نعم يحمل المطلق على المقيد إذا اتحدا في الحكم‪ ،‬وهنا اختالف في الحكم؛ ألن مجرد جر‬
‫جره خيالء له حكم آخر أشد من الحكم‬‫الثوب له حكم وهو في النار ‪-‬نسأل اهلل العافية‪ -‬وأما ّ‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ في مثل هذه الصورةـ ال يحمل المطلق على المقيد‪.‬‬ ‫األول‪،‬‬
‫لبينا ذلك بياناً يكفي ‪-‬إن شاء اهلل تعالى‪ -‬ألن للمقيد‬
‫ولو أدركنا في الكتاب شرح اإلطالق والتقييد ّ‬
‫مع المطلق صوراً أربعاً‪ ،‬إما أن يتحدا في الحكم والسبب‪ ،‬أو يختلفا في الحكم والسبب‪ ،‬أو يختلفا‬
‫ٍ‬
‫واحدة منها حكمها‪.‬‬ ‫في الحكم دون السبب‪ ،‬أو العكس‪ ،‬أربع صور‪ ،‬ولكل‬

‫‪‬يقول‪ :‬المحظور يثاب على تركه ويعاقب على فعله‪ ،‬سؤالي‪ :‬نحن في كل وقت تاركون‪ ،‬هل نجد‬
‫الثواب مثالً في هذا الوقت‪ ،‬نحن تاركون السرقة مثالً؟‬
‫إذا تركت المحظور فال تخلو إما أن تكون تركته عجزاً عنه‪ ،‬أو تكون تركته خشية هلل ‪-‬عز وجل‪-‬‬
‫أو تركته غفلةً وذهوالً‪ ،‬ولكل واحد من هذه الصور حكمها‪ ،‬لكن المسلم إذا استصحب أنه ممتثل‬
‫ألمر اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬وأنه ٍ‬
‫منته عما حرمه اهلل عليه‪ ،‬وأنه لو أتيحت له فرصة للسرقة مثالً ما‬
‫وبيت ذلك‪ -‬يثاب عليه ‪-‬إن شاء اهلل‪ -‬ولو عزب عن ذهنه‪.‬‬
‫سرق ‪-‬نوى ذلك ّ‬

‫هذه أسئلة كثيرة عن المجاز‪ ،‬وهل يدخل في الصفات أو ال يدخل؟ لكن‪...‬‬

‫‪ ‬يقول‪ :‬ما رأيكم في تحية المسجد وقت النهي‪ ،‬وهل األمر مقدم أم النهي في النصوص إذا‬
‫تعارضت؟‬
‫هذه مسألة مهمة جداً‪ ،‬ويقع فيها كثير من الناس‪ ،‬ويحتاج إليها في مثل هذا الوقت؛ ألنه وقت نهي‪،‬‬
‫كثير من الناس يصلي في وقت النهي دون تردد كأن المسألة محسومة‪ ،‬وهذه المسألة من عضل‬
‫المسائل‪ ،‬وليس الخالف فيها كما يتصوره بعض الناس أنه من باب العموم والخصوص والخاص‬
‫مقدم على العام‪ ،‬ال؛ فإذا قال الشافعي مثالً‪" :‬إن أحاديث النهي عامة وأحاديث ذوات األسباب‬
‫خاصة"‪.‬‬
‫لغيره أن يقول من الحنفية والمالكية والحنابلة أن يقولوا العكس‪" :‬أحاديث ذوات األسباب عامة‬
‫وأحاديث النهي خاصة"‪.‬‬
‫إذا قال الشافعي‪" :‬أحاديث النهي عامة في جميع األوقات‪ ،‬وأحاديث ذوات األسباب خاصة بهذه‬
‫الصلوات"‪ ،‬للطرف المقابل أن يقول العكس‪" :‬أحاديث ذوات األسباب عامة في جميع األوقات‪،‬‬
‫وأحاديث النهي خاصة بهذه األوقات"‪ ،‬وليس قول أحدهما بأولى من القبول من قول اآلخر‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪77‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫والصواب أن التعارض في هذه النصوص من باب العموم والخصوص الوجهي‪ ،‬ولذا فهذه المسألة‬
‫من عضل المسائل‪ ،‬حتى قال بعض أهل العلم‪ :‬ال تدخل المسجد في هذه األوقات؛ ألنه لم يستطع‬
‫الترجيح‪.‬‬
‫كيف كان العموم والخصوص وجهياً؟‬
‫الرتباط هذه المسألة بما نحن فيه من األصول أحاديث النهي عامة في جميع الصلوات‪،‬ـ خاصة بهذه‬
‫األوقات‪ ،‬وأحاديث ذوات األسباب عامة في جميع األوقات خاصة بهذه الصلوات‪ ،‬وال يمكن‬
‫الترجيح بين النصوص الواردة في هذا وذاك لذاتها؛ ألن النصوص متكافئة‪ ،‬فيطلب مرجح‬
‫خارجي‪.‬‬
‫فالذين يقولون‪ :‬نرجح أحاديث ذوات األسباب‪ ،‬قالوا‪ :‬ألن عمومها محفوظ ما دخله تخصيص‪،‬‬
‫وعرفنا أن أحاديث النهي مخصصة لهذا العموم في هذه األوقات‪ ،‬وأحاديث النهي عمومها غير‬
‫محفوظ‪ ،‬دخله من المخصصات الكثير‪ ،‬فتُرجح أحاديث ذوات األسباب على أحاديث النهي‪.‬‬
‫والذي يلوح لي أن تحية المسجد ‪-‬وما أشبهها‪ -‬في الوقتين الموسعين األمر فيهما سعة‪ ،‬وأما في‬
‫األوقات المضيقة الثالثة التي جاءت في حديث عقبة‪" :‬ثالث ساعات كان رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل‬
‫عليه وسلم‪ -‬ينهانا أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا"‪ :‬ترجح فيها أحاديث النهي؛ ألن النهي‬
‫عنها لذاتها ‪-‬لذات األوقات‪ -‬وأما النهي عن الصالة في الوقتين الموسعين فهو من باب منع‬
‫الوسائل؛ لئال يمتد األمر بهذا المصلي فيصلي في األوقات المضيقة‪.‬‬
‫فعلى هذا من دخل في مثل هذا الوقت والشمس بيضاء نقية وصلى ركعتين ال ينكر عليه‪ ،‬ولو جلس‬
‫عمالً بأحاديث النهي ال ينكر عليه‪.‬‬
‫وتوقف كثير من أهل العلم؛ من أهل العلم من قال‪ :‬إذا دخل في وقت النهي ال يجلس يستمر واقفاً‪،‬‬
‫ومنهم من قال‪ :‬ال يدخل المسجد في أوقات النهي‪ ،‬لكن ما جاء في الوقتين الموسعين أخف مما جاء‬
‫في األوقات الثالثة المضيقة‪ ،‬علماً بأن األوقات المضيقة أمرها يسير‪ ،‬ال يزيد على ربع ساعة‪ ،‬إذا‬
‫كانت الشمس بيضاء نقية ال بأس ِّ‬
‫صل‪ ،‬بعد صالة الصبح تصلي إذا دخلت المسجد؛ ألن الوقت‬
‫موسع‪ ،‬أما عند طلوع الشمس وعند غروبها وحين يقوم قائم الظهيرة فال‪ ،‬واهلل المستعان‪.‬‬
‫‪ ‬يقول‪ :‬وهل األمر مقدم أم النهي في النصوص إذا تعارضت؟‬
‫ٍ‬
‫شيء فاجتنبوه »‪ ،‬محسوم‪ ،‬أما‬ ‫معروف قول األكثر‪ :‬تقديم النهي على األمر؛ « إذا نهيتكم عن‬
‫« إذا أمرتكم ٍ‬
‫فأمر فأتوا منه> ما استطعتم »‪ ،‬وهذا قول األكثر‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪78‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫شيخ اإلسالم ‪-‬رحمة اهلل عليه‪ -‬يرى العكس ‪-‬أن األمر مقدم ومخالفة األمر أعظم من ارتكاب‬
‫المحظور‪ -‬ويستدل بأن معصية آدم ارتكاب محظور‪ ،‬ومعصية إبليس مخالفة أمر‪ ،‬ومعصية‬
‫إبليس أعظم‪.‬‬
‫لكن ما الذي خفف معصية آدم‪ ،‬وما الذي جعل معصية إبليس عظيمة؟‬
‫ما صاحب المعصيتين من غرور واستكبار واستنكاف من إبليس‪ ،‬ومن ندم واستصغار من آدم‬
‫عليه السالم‪.‬‬
‫وعلى كل حال في مثل هذه المسألة ال يجاب ٍ‬
‫بقول مطلق‪ ،‬بل يرجع فيه إلى مقدار هذا األمر وعظم‬
‫هذا األمر المتروك المقرون بالنهي‪ ،‬كما أنه ينظر فيه إلى عظم ارتكاب المحظور بالنسبة للمأمور‪.‬‬
‫فلو تصورنا شخصاً مطالباً بصالة الجماعة‪ ،‬وفي طريقه إلى المسجد نساء متبرجات‪ ،‬نقول يلزمك‬
‫حضور صالة الجماعة‪ ،‬وغض بصرك‪ ،‬لكن هو مطالب بصالة الجمعة في المسجد وفي طريقه‬
‫بغي‪ ،‬ومن وراء هذا البغي ظالم يجبر الناس على مقارفة الفاحشة معها؟ نقول‪ :‬ترك المأمور أو‬
‫ارتكاب المحظور؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير ‪ :‬ترك المأمور أسهل من ارتكاب المحظور‪ ،‬وعلى هذا كل مسألة تقدر‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫بحكم عام مطَّرد في مثل هذا‪ ،‬بل ينظر إلى كل مسألتين متقابلتين من هذا النوع‬
‫بقدرها‪ ،‬فال يقال ٍ‬
‫على حده‪.‬‬

‫‪‬يقول هذا ‪-‬مع أن الوقت طال بنا‪ ،‬وما كنت أنوي أن أجيب عن مثل هذه األسئلة بحضور‬
‫مر بنا‪ -‬أعشق‬ ‫شيوخنا لكن‪ -..‬هذا يقول‪ :‬أعشق المناظرات ‪-‬في أشياء له ارتباط بما ّ‬
‫المناظرات والجدال ال للعناد‪ ،‬وإ نما لقول كلمة الحق‪ ،‬مع علمي بأن المراء العقيم من يتركه يكون‬
‫قد ضمن له الرسول ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬الجنة‪ ،‬ما هي نصيحتكم؟‬
‫أوالً‪ :‬المجادلة مجادلة الخصوم بالحق بالتي هي أحسن مطلب شرعي‪ ،‬مناظرة الكفار بالتي هي‬
‫أحسن ‪-‬بالرفق واللين‪ -‬طلباً للحق وبحثاً عنه‪ ،‬هذا ال شك أنه أسلوب من أساليب الدعوة‪ ،‬هذا‬
‫مطلوب‪ ،‬وهذا األسلوب موجود في النصوص من الكتاب والسنة‪ ،‬لكن الجدال لذاته‪ ،‬والمراء‬
‫إلظهار العلم ‪-‬لكي يقول الناس‪ :‬هذا يحسن كذا‪ -‬فيه ما في غيره من أبواب العلم‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪79‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫تسعر بهم النار ‪-‬نسأل اهلل‬ ‫أيضاً لو تعلم من غير ٍ‬


‫جدال وال مراء؛ ليقال‪ :‬عالم‪ ،‬صار من أول من ّ‬
‫العافية‪ -‬أيضاً الجدال الذي ال جدوى من وراءه هذا مذموم‪ ،‬فمن يؤتى الجدل الذي ال فائدة فيه‬
‫وتميل إليه نفسه ال شك أنه دليل على حرمان العلم والعمل معاً‪ ،‬واهلل المستعان‪.‬‬
‫فإذا كانت لديك هذه الملكة فعليك أن تنميها باألدلة ال بالمعقوالت‪ ،‬ال أن تعتمد على الجدل العقلي‪،‬‬
‫نعم هناك آداب للبحث والمناظرة ‪-‬مراعاة عند أهل العلم‪ -‬تؤخذ‪ ،‬لكن العمدة األدلة وفهم السلف‬
‫بنية صالحة وقصدك الحق ملغياً حظوظ النفس‪ ،‬فإنك مأجور‬ ‫لهذه األدلة‪ ،‬فإذا دخلت في هذا الباب ٍ‬
‫إن شاء اهلل تعالى‪.‬‬

‫‪‬‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد وعلى آله‬
‫وصحبه أجمعين‪ ،‬أما بعد‪ :‬فقد قال إمام الحرمين ‪-‬رحمه اهلل‪:-‬‬

‫واألمر استدعاء الفعل بالقول ممن هو دونه على سبيل> الوجوب‪ ،‬والصيغة الدالة عليه (افعل)‪،‬‬
‫وهي عند اإلطالق والتجرد عن القرينة تحمل عليه‪ ،‬إال ما دل الدليل على أن المراد منه> الندب أو‬
‫اإلباحة فيحمل عليه‪ ،‬وال يقتضي التكرار ‪-‬على الصحيح‪ -‬إال إذا َّ‬
‫دل الدليل على قصد التكرار‪،‬‬
‫وال يقتضى الفور‪ ،‬واألمر بإيجاد الفعل أمر به‪..‬‬

‫« َّ‬
‫الش ْـر ُح » ‪:‬‬
‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‪ ،‬يقول المؤلف ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪:-‬‬
‫« واألمر استدعاء الفعل » األمر الذي هو أحد شقي التكليف؛ التكليف إما ٍ‬
‫بأمر أو بنهي‪ ،‬على‬
‫ٍ‬
‫خالف في التخيير‪ ،‬الذي مقتضاه اإلباحة هل هو تكليف أم ال‪ ،‬األمر عرفه المؤلف بأنه‬
‫« استدعاء الفعل بالقول ممن هو دونه » فيخرج بقوله استدعاء الفعل النهي لماذا؟ ألنه استدعاء‬
‫للترك‪ ،‬كما أنه يخرج به المباح؛ ألنه ليس استدعاء أصالً‪ ،‬ال فعالً وال تركاً‪.‬‬
‫وقوله‪ « :‬بالقول » يخرج به ما د ّل على طلب الفعل من غير قول كاإلشارة‪ ،‬ونصب العالمة‪،‬‬
‫والكتابة‪ ،‬والقرائن المفهمة‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪80‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫اآلن إذا قال األب البنه‪ :‬اذهب‪ ،‬هذا أيش؟ أمر‪ ،‬من اإلشارات المفهمة إذا قال األب البنه‪...:‬‬
‫‪-‬أيش معناه؟ اذهب‪ ،‬يعني بدون نطق‪ ،‬لو قال لولده باليد هكذا‪ ،‬هل يسمى أمراً أو ال يسمى أمراً‬
‫على مقتضى كالم المؤلف؟ ال يسمى أمراً‪.‬‬
‫لو كتب له ورقة ‪-‬كتابة‪ -‬ال يسمى أمراً؛ ألنه خصه بالقول‪ ،‬والقول هو ما يتلفظ به –الملفوظ‪ -‬فال‬
‫تدخل اإلشارة وال تدخل الكتابة وال تدخل القرائن ‪-‬القرائن المفهمة‪ -‬وال يدخل أيضاً في ذلك‬
‫نصب العالمة‪ ،‬إذا كان للوالد طريقة أنه إذا نزل من مشربته أو غرفته اقتضى ذلك أن يخرج معه‬
‫األوالد إلى الصالة مثالً أو إلى العمل‪ ،‬هذه قاعدته المطَّردة‪ ،‬هل معنى هذا أنه إذا نزل وتخلف‬
‫واحد منهم أن يكون قد عصى لمجرد نزوله؟ هذا وإ ن تضمن األمر لكنه بالفعل ال بالقول‪ ،‬فهل يأثم‬
‫من خالف األمر المفهوم من اإلشارة‪ ،‬وهل يأثم من خالف األمر المكتوب؟‬
‫هو ال شك أن دائرة اإلخبار أوسع من دائرة القول والتحديث‪ ،‬فإذا قال الرجل لعبيده‪ :‬من حدثني‬
‫بكذا فهو حر‪ ،‬من أخبره بكتابة ال يعتق‪ ،‬من أخبره بإشارة ال يعتق‪ ،‬من أخبره بعالمة ال يعتق‪،‬‬
‫بعالمة ولو كانت مفهمة‪ ،‬ولو قال الرجل لعبيده‪ :‬من أخبرني بكذا فهو حر عتق إذا وجد أي ٍ‬
‫شيء‬
‫من هذه األمور‪ ،‬سواء كان بالقول أو بالكتابة أو باإلشارة أو نصب العالمة المفهمة‪ ،‬هذا مقتضى‬
‫قول المؤلف‪ ،‬لكن هل هو جامع؟ دقيق؟ مخرج لما ذكر؟ يعني لو كتب األب‪ ،‬أو ولي األمر أصدر‬
‫أمر كتابة بدون القول‪ ،‬يلزمه قوله أو ال يلزم كتابة؟‬
‫نعم‪ ،‬يلزم‪ ،‬إال على قوله‪ ،‬لو قال األب البنه هكذا وهو يفهم‪ ،‬اذهب‪ ،‬ثم جلس ‪-‬المسألة مفترضة في‬
‫شخص يفهم هذه اإلشارة‪ ،‬والذي ال يفهم ما يلزم وال بالقول‪ ،‬الذي ال يفهم‪ ،‬المراد من القول ال‪..‬‬
‫كما سيأتي‪.‬‬
‫فال شك أن األمر يحصل بالقول والكتابة واإلشارة المفهمة‪ ،‬فإذا قال األب البنه هكذا يعني اذهب‬
‫فلم يذهب يكون عاصياً‪.‬‬
‫وقوله‪ « :‬ممن هو دونه » يخرج به الطلب من المساوي واألعلى‪ ،‬فال يسمى أمراً إذا زيد ٍ‬
‫مساو‬
‫لعمرو‪ ،‬قال له‪ :‬اذهب فاشتر لي‪ ،‬يسمى أمراً أو التماساً؟‬
‫يسمونه التماس‪ ،‬وإ ن كان بصيغة األمر‪.‬‬
‫إذا االبن طلب من أبيه أن يشتري له شيئاً‪ ،‬اشتر لي قلماً‪ ،‬اشتر لي كراسةً‪ ،‬اشتر لي كذا‪ ،‬اشتر لي‬
‫كتاباً‪ ،‬هل هذا يسمى أمراً؟ ال يسمى أمراً‪ ،‬يسمونه سؤال مثل هذا‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪81‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫الصالَةَ ﴾ [ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪ ،] 43 :‬هذا أمر‪ ،‬لكن‬ ‫يمواْ َّ‬ ‫ِ‬
‫إذا قال اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬لعباده‪ ﴿ :‬أَق ُ‬
‫رب َنا ا ْغ ِف ْر لَ َنا ﴾ [ سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪ ﴿ : ] 147 :‬ا ْغ ِف ْر لَ َنا ﴾‪:‬‬
‫إذا قال العباد لربهم‪َّ ﴿ :‬‬
‫صيغة أمر‪ ،‬لكن هل هذا أمر؟!‬
‫هذا دعاء‪.‬‬
‫على سبيل> الوجوب‪ :‬يخرج به الندب واإلباحة‪ ،‬يخرج به الندب واإلباحة على ما سيأتي في األمر‬
‫بعد الحظر هل يقتضي اإلباحة أو ال؟ يأتي تفصيله إن شاء اهلل تعالى‪.‬‬
‫والصيغة الدالة على األمر (افعل)‪ :‬مثل‪ ﴿ :‬أ َِقِم َّ‬
‫الصالَةَ ﴾ [ سورة اإلسراء‪ ،‬اآلية ‪ ،] 78 :‬ومثل‬
‫هذه الصيغة اسم فعل األمر‪ ،‬مثل‪ :‬هاك‪ ،‬بمعنى خذ‪ ،‬نعم‪ ،‬هاك بمعنى خذ‪.‬‬

‫هاك حروف الجر وهي من إلى *** حتى خال‪....................‬‬

‫يعني خذ هذه الحروف التي تدل على األمر‪.‬‬


‫ِ‬
‫والمصدر النائب عن الفعل ‪-‬عن فعل األمر‪َ ﴿ :-‬و ِبا ْل َوال َد ْي ِن إِ ْح َ‬
‫سا ًنا﴾ [ سورة اإلسراء‪ ،‬اآلية ‪:‬‬
‫‪ ،] 23‬يعني أحسنوا إحساناً‪.‬‬
‫ب ِبا ْل َع ْد ِل ﴾ [ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪،] 282 :‬‬ ‫ِ‬
‫والمضارع المقرون بالم األمر‪َ ﴿ :‬و ْل َي ْكتُب ب َّْي َن ُك ْم َكات ٌ‬
‫فالالم الم األمر‪.‬‬
‫ْم ُر ُك ْم أَن‬ ‫ِ‬
‫ومثل الصيغة التصريحـ بلفظ األمر ال بصيغته‪ ،‬كما في قوله ‪-‬جل وعال‪ ﴿ :-‬إ َّن اللّ َه َيأ ُ‬
‫ٍ‬
‫مقتض‬ ‫َهِل َها ﴾ [ سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪ : ] 58 :‬هذا تصريح بلفظ األمر‪ ،‬وهو‬ ‫تُؤدُّواْ األَما َن ِ‬
‫ات إِلَى أ ْ‬ ‫َ‬
‫للوجوب كاألمر‪ ،‬كما في قوله ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ « :-‬أمرت أن أسجد على سبعة أعظم »‪،‬‬
‫واآلمر هنا هو اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫لكن إذا قال الصحابي‪ « :‬أمرنا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،» ..‬هل يساوي صيغة افعل؟‬
‫« أمرنا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم » ؟‬
‫إذا قال الصحابي‪ « :‬أمرنا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم » ‪ :‬فهذا مرفوع بال خالف؛ لذكر النبي‬
‫‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬وال يتأتى فيه الخالف في مثل قول الصحابي‪ :‬أمرنا أو نهينا على ما‬
‫سيأتي‪.‬‬
‫هو مرفوع قطعاً‪ ،‬لكن هل قول الصحابي‪ « :‬أمرنا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم »‪ ،‬مثل قوله‬
‫‪-‬عليه الصالة والسالم‪ :-‬افعلوا كذا؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪82‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬يعني‪ « :‬أمرنا أن ننزل الناس منازله »‪ ،‬هل هو مثل قوله ‪-‬عليه‬
‫الصالة والسالم‪ « :-‬أنزلوا الناس منازلهم » ‪ ،‬وجاء الحديث بهذا وهذا؟‬
‫الجمهور على ذلك ‪-‬على أنه ال فرق‪ -‬يعني تعبير الصحابي عن صيغة األمر والنهي بلفظهما ال‬
‫يختلف عند جماهير أهل العلم‪ ،‬خالفاً لداود الظاهري وبعض المتكلمين‪ ،‬قالوا‪ :‬ال يقتضي األمر‬
‫وال يقتضي النهي حتى ينقل لنا اللفظ النبوي؛ لسنا مطالبين بألفاظ الصحابة وفهوم الصحابة ‪-‬على‬
‫نهي‪.‬‬
‫كالمهم‪ -‬ألن الصحابي قد يسمع كالماً يظنه أمراً أو نهياً وهو في الحقيقة ليس بأمر وال ٍ‬
‫نقول‪ :‬ال‪ ،‬هذا القول مرذول؛ ألنه إذا لم يعرف السلف من الصحابة الذين عاصروا النبي ‪-‬عليه‬
‫الصالة والسالم‪ -‬وفهموا مقاصده‪ ،‬ومقاصد الشرع‪ ،‬إذا لم يفهموا مدلوالت األلفاظ النبوية من‬
‫يفهمه؟‬
‫ب)‪ :‬حرف تقليل‪،‬‬ ‫(ر َّ‬
‫ب مبلـّ ٍغ أوعى من سامع »‪ ،‬لكن ُ‬
‫نعم‪ ،‬في قوله ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ُ « :-‬ر َّ‬
‫وال يتصور أن الصحابي يقول‪ « :‬أمرنا رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ » -‬ومراده ‪-‬عليه‬
‫الصالة والسالم‪ -‬النهي‪ ،‬أبداً؛ فالصحابة فهمهم مقدم على فهم غيرهم‪ ،‬فقول داود الظاهري وبعض‬
‫المتكلمين في هذه المسألة مرذول‪ ،‬ال حظَّ له من النظر‪ ،‬أما إذا قال الصحابي‪ « :‬أمرنا أو « نهينا‬
‫»‪ ،‬فالخالف في رفعه معروف عند أهل العلم‪.‬‬
‫ٍ‬
‫مسألة شرعية واآلمر غير النبي عليه‬ ‫ُم ْرَنا »‪ :‬هل يتصور أن يقول الصحابي‪ « :‬أمرنا » في‬ ‫« أِ‬
‫الصالة والسالم؟ ولذا جماهير أهل العلم على أن اآلمر هو النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬وهو‬
‫الناهي في المسائل الشرعية‪ ،‬فهو مرفوع‪ ،‬خالفاً ألبي بكر اإلسماعيلي والكرخي وغيرهما الذين‬
‫قالوا‪ :‬هو موقوف‪.‬‬

‫قول الصحابي من السنة أو *** نحو أمرنا حكمه الرفع ولو‬


‫بأعصر *** على الصحيح وهو قول األكثر‬
‫ُ‬ ‫بعد النبي قاله‬

‫على كل حال الذي جرنا إلى هذا كله التصريحـ بلفظ األمر‪.‬‬
‫مثل التصريح بلفظ األمر‪ ،‬التصريحـ بالفرض‪ « :‬فرض رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬زكاة‬
‫ام ﴾ [ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪ : ] 183 :‬معناه‬ ‫الفطر »‪ ،‬أو بالوجوب أو بالكتب‪ُ ﴿ :‬ك ِت َب َعلَ ْي ُك ُم ِّ‬
‫الص َي ُ‬
‫فُرض‪ ،‬وهذا دال على الوجوب‪.‬‬
‫وقوله‪ « :‬واألمر بما يدل عليه من الصيغ » سواء كان بصيغة (افعل) أو اسم فعل األمر‪ ،‬أو‬
‫المضارع المقرون بالم األمر‪ ،‬أو ما جاء بلفظ األمر وما ألحق به‪ ،‬عند اإلطالق وعدم التقييد‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪83‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫والتجرد عن القرينة الصارفة التي تصرفه عن الوجوب تحمل عليه ‪-‬أي على الوجوب‪ -‬نحو‪﴿ :‬‬
‫الصالةَ ﴾ [ سورة األنعام‪ ،‬اآلية ‪.] 72 :‬‬ ‫يمواْ َّ‬ ‫ِ‬
‫أَق ُ‬
‫لهذا يقول عامة أهل العلم‪ :‬األصل في األمر الوجوب‪ ،‬ومن أوضح األدلة على ذلك قوله تعالى‪﴿ :‬‬
‫يب ُه ْم ِفتْ َن ٌة ﴾ [ سورة النور‪ ،‬اآلية ‪ ،] 63 :‬فالوعيد مرتب‬ ‫ِ‬
‫ون َع ْن أ َْم ِر ِه أَن تُص َ‬‫ين ُي َخ ِالفُ َ‬
‫َف ْل َي ْح َذ ِر الَّ ِذ َ‬
‫ين ُي َخ ِالفُ َ‬
‫ون‬ ‫على مخالفة األمر‪ ،‬فدل على أن أمره ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬للوجوب؛ ﴿ َف ْل َي ْح َذ ِر الَّ ِذ َ‬
‫صيبهم ع َذ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم ﴾ [ سورة النور‪ ،‬اآلية ‪.] 63 :‬‬ ‫اب أَل ٌ‬
‫يب ُه ْم فتْ َن ٌة أ َْو ُي َ ُ ْ َ ٌ‬‫َع ْن أ َْم ِر ِه أَن تُص َ‬
‫ومن األدلة الدالة على ذلك قوله ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ « :-‬لوال أن أشق على أمتي ألمرتهم‬
‫بالسواك مع كل وضوء »‪ ،‬أو « عند كل صالة » ‪ :‬وال شك أن أمر االستحباب ثابت وباق إنما‬
‫المرتفع لوجود المشقة هو أمر الوجوب‪ ،‬أما أمر االستحباب فهو ثابت‪.‬‬
‫قد يقول قائل‪ :‬نجد األوامر الصريحة وهي محمولة عند جمهور أهل العلم على االستحباب‪ ،‬وال‬
‫نقف على صارف ‪-‬هذا كثير في كتب أهل العلم‪ -‬الجمهور حمله على الندب ويقول الظاهرية على‬
‫األصل بالوجوب‪ ،‬فما موقف طالب العلم في مثل هذا؟ هل يقول بقول الظاهرية ولو خالفهم األئمة‬
‫األربعة وأتباعهم؟‬
‫وقفت على مسألة في ٍ‬
‫كتاب من الكتب التي تعنى بذكر الخالف‪ ،‬أو عندك أمر للنبي ‪-‬عليه الصالة‬ ‫َ‬
‫نهي‬
‫والسالم‪ -‬وفي الشروح حمله الجمهور على الندب‪ ،‬وقال بالوجوب الظاهرية‪ ،‬أو وقفت على ٍ‬
‫حمله الجمهور على الكراهة‪ ،‬والتحريم ال يقول به إال الظاهرية‪ ،‬هذه المسألة تواجه طالب العلم‬
‫كثيراً‪ ،‬فمثالً األئمة األربعة وأتابعهم في جهة‪ ،‬والظاهرية في جهة؛ الظاهرية معهم األصل‪ ،‬وهو‬
‫أن األصل في األمر الوجوب وفي النهي التحريم‪ ،‬والجمهور حمل‪ ،..‬تبحث عن صارف ما تجد‪،‬‬
‫بناء على األصل ولو لم يقل به إال الظاهرية‪ ،‬أو تتهم نفسك بالقصور أو‬
‫فهل تقول بالوجوب ً‬
‫بالتقصير عن البحث عن صارف فتقول بما قال به الجمهور ولو خالفت األصل؟ المسألة كبيرة‬
‫واألمثلة عليها كثيرة‪.‬‬
‫هاه‪ ،‬أال يواجهكم مثل هذا؟‬
‫كثير هذا‪ ،‬تجد أمراً وإ ال نهياً يقول الظاهرية بالتحريم أو بالوجوب والجمهور على الندب‪ ،‬بما في‬
‫ذلكم األئمة األربعة‪.‬‬
‫نقول‪ :‬ال عبرة بقول أحد مع قوله ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬واألمر للوجوب والنهي للتحريم‪ ،‬ولو لم‬
‫يقل به إال الظاهرية؟ أو نقول بقول الجمهور ونتهم أنفسنا بالتقصير في البحث عن الصارف؟‬
‫ٍ‬
‫شخص من أهل النظر‪ ،‬لديه أهلية النظر؟‬ ‫والمسألة مفترضة في‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪84‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫ها يا إخوان؟‬
‫المسألة مبنية على االعتداد بقول الظاهرية‪ ،‬هل يعتد بقول الظاهرية في مسائل الخالف واالتفاق أو‬
‫ال يعتد بهم؟‬
‫النووي صرح في مواضع من كتبه أنه ال عبرة بقول الظاهرية‪ ،‬وال يعتد بقول داود‪ ،‬يقول في‬
‫شرح مسلم في الجزء الرابع عشر(‪ )14‬صفحة تسعة وعشرين ( ‪" :)29‬وال يعتد بقول داود ألنه‬
‫ال يرى القياس الذي هو أحد أركان االجتهاد"‪.‬‬
‫ومن أهل العلم من يرى أن قول الظاهرية معتبر ومعتد به بل من أولى من يعتد بهم؛ الهتمامهم‬
‫بالنصوص‪ ،‬وال شك أن المسألة إذا كان عمدتها الدليل ‪-‬الدليل بمنطوقه‪ -‬ال شك أن الظاهرية من‬
‫أولى من يعتد بهم‪ ،‬لكن إذا كانت عمدة المسألة أقيسة أو مفاهيم فالظاهرية ال عبرة بقولهم وال‬
‫بخالفهم؛ ألنهم ال يرون شيئاً من ذلك‪ .‬على كل حال نعود إلى المسألة‪ ،‬كانت المسألة مشكلة عندي‬
‫جداً أن يكون األئمة األربعة وأتباعهم كلهم في جهة والظاهرية في جهة‪ ،‬والظاهرية معهم األصل‪،‬‬
‫نعم أحياناً اإلنسان يتهم نفسه في البحث‪ ،‬لكن إذا استقصى وال وجد شيئاً ماذا يصنع؟ ما وجد‬
‫صارف؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬يتبع الظاهرية‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬لو لم يقل به أحد يتبع األصل وال الظاهرية؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬ال ال‪ ،‬إذا لم يقل به أحد فهو إجماع‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬أنا أقول‪ :‬إذا لم يقل به أحد فالمسألة محسومة –إجماع‪ -‬لكن إذا وجد‬
‫من يقول به ممن يخرج عن المذاهب األربعة وأتباعهم‪ ،‬دعنا من كالم شيخ اإلسالم ‪-‬إمام معتبر‬
‫ومن أهل االستقراء واالطالع هذه مسألة‪ -‬لكن أهل الظاهر الذين عندهم مخالفة في األصول‬
‫لجماهير األمة؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬يأخذ باألحوط‪ ،‬يعني يعمل بالوجوب في نفسه وال يلزم به الناس‪ ،‬أو‬
‫يقول بالتحريم ويفتي بذلك نفسه‪ ،‬ويكف نفسه ويمتنع ولم لم ِ‬
‫يفت به الناس‪ ،‬نعم؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪85‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬ال شك أن االحتياط مطلوب‪ ،‬لكن االحتياط إذا أدى إلى ارتكاب‬
‫محظور أو ترك مأمور فاالحتياط في هذا‪ :‬االحتياط‪ ،‬وقد يوجد في بعض الصور‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬نتعبد هلل بأيش؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬نعم بما تدين اهلل به أنت‪ ،‬لكن المسألة مفترضة في شخص من أهل‬
‫النظر‪ ،‬هل يقول‪ :‬كون األئمة األربعة وأتباعهم على مدى قرون كلهم تواطؤوا ولم يوجد من‬
‫يخالفهم إال أهل الظاهر‪ ،‬هذا قرينة‪ ،‬وأن هناك صارف ولو لم أطلع عليه‪ ،‬ويتهم نفسه في ذلك‪ ،‬أو‬
‫علي من أحد‪ ،‬ال أئمة أربعة وال غيرهم؛ أنا عندي نص‪ ،‬أعمل بالنص ولو لم‪ ...‬نعم؟‬
‫يقول‪ :‬أنا ما َّ‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬يتوقف‪.‬‬
‫طالب‪....:‬غير العبادات‪....‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬وأيش وجه التفريق بين‪ ..‬الدين واحد؟‬
‫طالب‪ :‬قال بعضهم عند التوافق يكون في غير العبادات ‪........‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪[ :‬كاتبوهم]‪[ ،‬أشهدوا]‪ ،‬في أبواب اآلداب الجماهير يحملونها على‬
‫االستحباب‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬ترى الناس‪ ........‬صوتك‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬وهذا هو األصل إذا كان من أهل النظر ال يسوغ له أن يقلد‪.‬‬
‫طالب‪ :‬يعني يبقى على األصل؟‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬يبقى على األصل نعم‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير ‪ :‬نعم‪ ،‬أنا سألت الشيخ عبد العزيز ‪-‬رحمة اهلل عليه‪ -‬عن هذه المسألة‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫فقال‪" :‬يعمل بالدليل ولو لم يقل به إال الظاهرية"‪ ،‬وال زالت المسألة مشكلة عندي؛ ألن لألئمة أقدار‬
‫في نفسي‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪86‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬كيف؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬إيه‪ ،‬أنا أقول‪ :‬هذه الوقفة أوجدها أيش؟ القصور أو التقصير عن‬
‫البحث عن صارف‪ ،‬قد يكون الصارف في ٍ‬
‫كتاب ما وقفت عليه‪ ،‬مثل ما قالوا‪ :‬لو وجد حديث‬
‫صحيح صريح عمل األئمة بخالفه ‪-‬أجمع العلماء على ترك العمل به‪ -‬يقولون ال يعمل به‪ .‬لماذا؟‬
‫لوجود ناسخ لهذا الخبر ولو لم نقف عليه‪.‬‬
‫ش ِه ُد ْواْ إِ َذا تََب َاي ْعتُ ْم ﴾ [ سورة‬
‫وقوله‪ « :‬إال ما دل الدليل على أن المراد منه> الندب » نحو‪َ ﴿ :‬وأَ ْ‬
‫وه ْم إِ ْن َعِل ْمتُ ْم ِفي ِه ْم َخ ْي ًرا ﴾ [ سورة النور‪ ،‬اآلية ‪] 33 :‬؛ ألن‬
‫البقرة‪ ،‬اآلية ‪ ﴿ ،] 282 :‬فَ َك ِات ُب ُ‬
‫المقام يقتضي عدم الوجوب في مثل هذه المعامالت‪ ،‬والنبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬باع ولم‬
‫فعلم أن األمر للندب‪.‬‬
‫يشهد‪ُ ،‬‬
‫الصاَل ةُ فَانتَ ِش ُروا ﴾‬
‫ض َي ِت َّ‬
‫قوله‪ « :‬أو اإلباحة » كاألمر بعد الحظر‪ ،‬في مثل قوله تعالى‪ ﴿ :‬فَِإ َذا قُ ِ‬
‫ادواْ ﴾ [ سورة المائدة‪ ،‬اآلية ‪ :] 2 :‬للمنع من‬ ‫طُ‬ ‫اص َ‬
‫[ سورة الجمعة‪ ،‬اآلية ‪َ ﴿ ،] 10 :‬وإِ َذا َحلَ ْلتُ ْم فَ ْ‬
‫اس َع ْوا إِلَى ِذ ْك ِر‬ ‫ِ‬ ‫البيع بعد النداء يوم الجمعة في قوله تعالى‪ ﴿ :‬إِ َذا ُنو ِدي ِل َّ ِ ِ‬
‫لصاَل ة من َي ْوِم ا ْل ُج ُم َعة فَ ْ‬
‫اللَّ ِه َو َذ ُروا ا ْل َب ْي َع ﴾ [ سورة الجمعة‪ ،‬اآلية ‪.] 9 :‬‬
‫ص ْي ُد ا ْل َبِّر َما ُد ْمتُ ْم ُح ُر ًما ﴾ [ سورة المائدة‪ ،‬اآلية ‪:‬‬
‫وفي مثل قوله ‪-‬جل وعال‪َ ﴿ :-‬و ُحِّر َم َعلَ ْي ُك ْم َ‬
‫‪ ،] 96‬والذي يختاره بعض المحققين أن األمر بعد الحظر يرد الحكم إلى ما كان عليه قبل الحظر‪،‬‬
‫األمر بعد الحظر يرد الحكم إلى ما كان عليه قبل الحظر‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬هو الذي يختاره بعض المحققين‪ ،‬واختاره ممن اختاره شيخ اإلسالم‬
‫ابن تيمية ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬ونسبه الطوفي في البلبل إلى األكثرين‪ ،‬ومال إليه ‪-‬بل رجحه‪ -‬الشنقيطي‬
‫رحمة اهلل عليه‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير ‪ :‬الحظر إنما وجد لعارض‪ ،‬الحظر وجد لعارض‪ ،‬فإذا زال هذا‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ص ْي ُد ا ْل َبِّر َما ُد ْمتُ ْم ُح ُر ًما﴾ ‪،‬‬
‫العارض رجع الحكم إلى ما كان عليه قبل هذا الحظر‪َ ﴿،‬و ُحِّر َم َعلَ ْي ُك ْم َ‬
‫انتهى اإلحرام‪ ،‬وحل من إحرامه نقول‪ :‬حل له الصيد‪ ،‬لكن إن كان الصيد بالنسبة له حالالً ‪-‬قبل‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪87‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫ٍ‬
‫حينئذ مباح‪ ،‬إن كان االصطياد والصيد واجباً لضرورته إلى هذا‬ ‫اإلحرام مباحاً‪ -‬نقول‪ :‬الصيد‬
‫االصطياد صار الصيد في حكمه واجباً؛ إن لم يصد مات‪ ،‬نقول‪ :‬يجب عليه أن يصطاد‪.‬‬
‫إذا كان الصيد في حقه مكروهاً أو محرماً‪ ،‬يرجع إلى ما كان عليه قبل الحظر‪ ،‬إذا كان يصطاد هذه‬
‫الطيور ال لمأكله وإ نما هواية‪ ،‬ال يجوز له أن يصطاد‪ ،‬إذا كانت مجرد هواية ال لمأكله؛ وقد جاء‬
‫النهي عن قتل الحيوان إال لمأكله‪ ،‬هل يقتل حيوان كذا من غير فائدة؟‬
‫قوله‪ « :‬وال يقتضي التكرار ‪-‬على الصحيح‪ -‬إال إذا دل الدليل على قصد التكرار » يعني أن‬
‫صيغة األمر (افعل) ال تقتضي تكرار الفعل‪ ،‬صيغة األمر (افعل) ال تقتضي تكرار الفعل‪ ،‬بل إذا‬
‫فعله المكلف مرة واحدة خرج من عهدته وبرئت ذمته وتم امتثاله؛ ألن األصل براءة الذمة مما زاد‬
‫ألمر خارج‪ ،‬وهناك أدلة تدل على التكرار يعمل بالتكرار‪.‬‬ ‫على المرة‪ ،‬يعني لذات األمر ال ٍ‬
‫ين آم ُنوا صلُّوا علَ ْي ِه وسلِّموا تَ ِ‬ ‫الن ِب ِّي يا أَي َّ ِ‬ ‫صلُّ َ‬ ‫ِ‬
‫يما ﴾‬
‫سل ً‬‫ْ‬ ‫َ َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ون َعلَى َّ َ َ‬
‫ُّها الذ َ َ‬ ‫﴿ إِ َّن اللَّ َه َو َماَل ئ َكتَ ُه ُي َ‬
‫[ سورة األحزاب‪ ،‬اآلية ‪ : ] 56 :‬يعني من صلى على النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬في عمره‬
‫مرة واحدة نقول‪ :‬برئت ذمته وامتثل األمر‪ ،‬أو نقول يكرر كلما ذكر عليه الصالة والسالم؟‬
‫للنصوص الواردة في ذلك يكرر‪ ،‬فإذا دل الدليل على التكرار فهو المتعين‪.‬‬
‫الصالَةَ ﴾ [ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪:‬‬
‫يمواْ َّ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ أ َِقِم َّ‬
‫الصالَةَ ﴾ [ سورة اإلسراء‪ ،‬اآلية ‪ ﴿ ،] 78 :‬أَق ُ‬
‫‪ :] 43‬األمر بالصالة‪ ،‬إيتاء الزكاة‪ ،‬دل الدليل على أنها تتكرر متى وجدت األسباب التي ربطت‬
‫بها‪ ،‬بخالف الحج مثالً دل على الدليل على عدم التكرار‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫أما الصيغة لذاتها فإنها ال تقتضي التكرار‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬إنها ال تقتضي التكرار وال عدم التكرار؛‬
‫هي تقتضي وجوب الفعل والتكرار وعدمه هذا من ٍ‬
‫أدلة أخرى‪.‬‬
‫قوله‪ « :‬وال تقتضي الفور » أي أن صيغة األمر ال تقتضي الفور ‪-‬يعني وال التراخي إال بدليل‪-‬‬
‫صيغة األمر ال تقتضي الفور‪ ،‬نعم‪ ،‬إذا ضاق الوقت وخرج الوقت الذي حدد لهذا العمل‪ ،‬فال بد من‬
‫الفور‪ ،‬ال بد من المبادرة‪ .‬لو قال األب البنه بعد صالة العشاء مثالً‪ :‬اشتر خبزاً‪.‬‬
‫خبز إليش؟ للعشاء أو للفطور؟‬
‫قال‪ :‬للفطور‪.‬‬
‫اآلن يذهب ليشتري أو الوقت فيه سعة؟‬
‫ٍ‬
‫اختصاص بالزمن‬ ‫ٍ‬
‫حينئذ؛ ألن المقصود إيجاد الفعل من غير‬ ‫الوقت فيه سعة‪ ،‬فال يقتضي الفور‬
‫األول أو الثاني‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪88‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫الش ْم ِ‬
‫س ﴾ [ سورة اإلسراء‪،‬‬ ‫الصالَةَ ِل ُدلُ ِ‬
‫وك َّ‬ ‫المقصود أنه ال ينتهي الوقت المحدد له‪ ،‬مثل‪ ﴿ :‬أ َِقِم َّ‬
‫اآلية ‪ : ] 78 :‬أي لزوالها‪ ،‬أقم صالة الظهر لدلوك الشمس –لزوالها‪ -‬هل يعني هذا أنك تقيم‬
‫الصالة بمجرد الزوال‪ ،‬أو الوقت موسع كما دل عليه الدليل إلى مصير ظل كل ٍ‬
‫شيء مثله؟‬
‫المراد بالدلوك أيش؟ هاه؟ دلوك الشمس‪ :‬زوالها‪ ،‬وقيل له الدلوك لماذا؟ لماذا قيل له الدلوك؟ لماذا‬
‫قيل للزوال دلوك؟‬
‫قالوا‪ :‬ألن الناظر إلى الشمس في هذا الوقت تؤلمه عينه فيحتاج إلى دلك لهذا‪ ،‬هكذا قالوا‪.‬‬
‫ٍ‬
‫خالف‬ ‫المقصود أن الصيغة ال تقتضي الفور إال إذا دل الدليل على ذلك‪ ،‬مثل‪( :‬تعجلوا الحج) على‬
‫فيه هل هو واجب على الفور أو على التراخي‪ ،‬وأقوال أهل العلم في بابه مبسوطة‪.‬‬
‫وقال بعضهم‪ :‬إنه يقتضي الفور‪ ،‬وهذا قول المالكية‪ ،‬وهو أيضاً قول معتبر عند الحنابلة؛ لألمر‬
‫سا ِبقُوا ﴾ [ سورة‬ ‫سِ‬
‫ار ُعواْ ﴾ [ سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪َ ﴿ ،] 133 :‬‬ ‫بالمسارعة والمسابقة‪َ ﴿ :‬و َ‬
‫الخ ْير ِ‬
‫ات ﴾ [ سورة المائدة‪ ،‬اآلية ‪ ،] 48 :‬وال شك أنه أحوط‬ ‫استَِبقُوا َ َ‬
‫الحديد‪ ،‬اآلية ‪ ﴿ ،] 21 :‬فَ ْ‬
‫نص قاطع‪ ،‬قال في قرة العين‪" :‬وهو مقتضى قول كل من قال‬ ‫وأبرأ للذمة‪ ،‬لكن اإللزام يحتاج إلى ٍ‬
‫إنه يقتضي التكرار"‪.‬‬
‫يقول الناظم‪ :‬باب األمر‪:‬‬

‫وحده استدعاء فعل واجب *** بالقول ممن كان دون الطالب‬
‫بصيغة افعل فالوجوب حققا *** حيث القرينة> انتفت وأطلقا‬
‫ال مع دليل دلنا شرعاً *** على إباحة في الفعل أو ٍ‬
‫ندب فال‬
‫بل صرفه عن الوجوب حتما *** بحمله على المراد منهما‬
‫ولم يجب فوراً وال تكرارا *** إن لم يرد ما يقتضي التكرارا‬

‫نعم سم‪:‬‬
‫واألمر بإيجاد الفعل أمر به وبما ال يتم الفعل إال به‪ ،‬كاألمر بالصالة أمر بالطهارة المؤدية إليها‪،‬‬
‫وإ ذا فُ ِعل يخرج المأمور عن العهدة‪.‬‬

‫« َّ‬
‫الش ْـر ُح » ‪:‬‬
‫نعم‪ « ،‬األمر بإيجاد الفعل أمر به وبما ال يتم الفعل إال به‪ ،‬كاألمر بالصالة أمر بالطهارة » أمر‬
‫بالسترة أمر بتحصيل الماء‪ ،‬أمر بقصد المسجد؛ ألداء صالة الجماعة وهكذا‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪89‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫وإ ذا فُعل خرج المأمور عن العهدة‪ :‬يعني أن األمر بالشيء أمر به على سبيل الغاية‪ ،‬وأمر بما ال‬
‫يتم إال به على سبيل الوسيلة‪ ،‬فاألمر بالصالة أمر بالطهارة؛ ألنها ال تصح بدونها‪ ،‬سواء كان‬
‫المأمور به واجباً كما ذكر أو مستحباً كغسل الجمعة عند جمهور أهل العلم ‪-‬األمر به على سبيل‬
‫الندب عند الجمهور‪ -‬وهو أمر ال يتم إال بإحضار الماء وتسخينه أو تبريده‪ ،‬إذا كان استعماله ال‬
‫يتم إال بذلك‪ ،‬وإ يجاب الجماعة في المسجد إيجاب للذهاب إليها‪ ،‬وإ يجاب أداء الشهادة إيجاب‬
‫للذهاب إلى المحكمة وهكذا‪ ،‬وهذا بخالف الوجوب‪ ،‬يعني ما ال يتم الواجب إال به فهو واجب‪ ،‬لكن‬
‫ما ال يتم الوجوب إال به هل هو واجب أو ال؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬لماذا؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬نعم؛ ليس مما كلف به اإلنسان؛ يعني الزكاة ال يتم وجوبها إال‬
‫بتحصيل النصاب‪ ،‬ال يتم وجوبها إال بتحصيل النصاب‪ ،‬هل نقول‪ :‬على كل مسلم أن يسعى‬
‫لتحصيل النصاب من أجل أن يزكي؟‬
‫ال يجب عليه ذلك‪ ،‬لكن حصل عنده النصاب ووجبت عليه الزكاة‪ ،‬لكنه ال يجد فقيراً إال بالمسير‬
‫إليه‪ ،‬يذهب إليه؛ ال يتم وجوب إخراج الزكاة الواجبة عليه إال بذلك‪ ،‬وفرق بين ما ال يتم الواجب إال‬
‫به‪ ،‬وبين ما ال يتم الوجوب إال به‪.‬‬
‫« وإ ذا فُ ِعل » بالبناء للمجهول أي المأمور به حذف الفاعل للعلم به‪ ،‬إذا فعله المكلف خرج المأمور‬
‫‪-‬هذا المكلف‪ -‬عن عهدة األمر وبرئت ذمته فال يطالب به مرةً أخرى؛ إذا فعل على ٍ‬
‫وجه مجزئ‬
‫مسقط للطلب صحيح تترتب آثاره عليه فإنه ال يطالب به مرةً أخرى‪ ،‬وهذا معنى كونه صحيحاً‬
‫مسقطاً للطلب‪.‬‬
‫وال تالزم بين الصحة والقبول؛ قد يصح العمل وال يقبل‪ ،‬ال تالزم بين الصحة والقبول؛ إذ قد يصح‬
‫العمل باستيفاء شروطه وأركانه وال يكون مقبوالً‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ ﴿ :‬إِ َّن َما َيتَقََّب ُ>ل اللّ ُه ِم َن‬
‫ين ﴾ [ سورة المائدة‪ ،‬اآلية ‪ ،] 27 :‬فالفساق أعمالهم صحيحة وإ ال باطلة؟ أعمال الفساق‬ ‫ا ْل ُمتَّ ِق َ‬
‫صحيحة وإ ال باطلة؟‬
‫﴿ إِ َّن َما َيتَقََّب ُ>ل اللّ ُه ِم َن ا ْل ُمتَّ ِق َ‬
‫ين ﴾ ‪ :‬أعمالهم صحيحة‪ ،‬بمعنى أنهم ال يطالبون بها مرةً ثانية‪ ،‬نشوف‬
‫مرتكب محرم صلى‪ ،‬نقول له‪ :‬ال أعد صالتك؛ ألن اهلل‪ ،..‬إنما يتقبل‬
‫َ‬ ‫شخصاً حليقاً وإ ال مسبالً وإ ال‬
‫اهلل من المتقين؟!‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪90‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫نقول‪ :‬صالتك صحيحة ومجزئة عن الطلب‪ ،‬ونفي القبول هنا المراد به نفي الثواب المرتب على‬
‫هذه العبادة‪ « ،‬ال يقبل اهلل صالة من في جوفه خمر »‪ ،‬ال يقبل اهلل‪ ..‬أو « من أتى عرافاً لم تقبل‬
‫صالة أربعين يوماً » ‪ :‬قالوا هذا نفي الثواب المرتب على هذه العبادة‪ ،‬وليس معنى هذا أنهم‬
‫يؤمرون بإعادتها إذا جاءوا بها على الوجه المشروع‪.‬‬
‫لكن قد يرد نفي القبول ويراد به نفي الصحة‪ « :‬ال يقبل اهلل صالة من أحدث حتى يتوضأ »‪ ،‬نقول‪:‬‬
‫صالته صحيحة‪ ،‬والثواب المرتب عليها‪..‬؟! ال ال‪ ،‬هنا المراد به نفي الصحة‪ ،‬لماذا؟ ألن الوضوء‬
‫شرط للصالة‪.‬‬
‫« ال يقبل اهلل صالة حائض ٍ إال بخمار » كذلك؛ السترة بالنسبة للمرأة الالئقة بها شرط لصحة‬
‫الصالة‪ ،‬كما أن سترة الرجل الالئقة به شرط لصحتها‪.‬‬
‫فإذا جيء بالمأمور مستوفياً الشروط واألركان والواجبات أجزأ وسقط الطلب وترتبت عليه آثاره‪،‬‬
‫أما إذا اختل شرط أو ركن مع القدرة عليه لم يصح‪ ،‬بل تجب اإلعادة ولم يسقط به الطلب‪ ،‬وإ ذا‬
‫اختل واجب ففي الصالة مثالً إن كان عمداً لم تصح وإ ن كان سهواً جبر بسجود السهو‪ ،‬وفي الحج‬
‫يجبر بدم سواء كان عمداً أو سهواً‪ ،‬كن الفرق بين المتعمد وغيره أن المتعمد آثم مع إلزامه بالجابر‬
‫وغير المتعمد معذور‪.‬‬

‫واألمر بالفعل المهم المنحتم *** أمر به وبالذي به يتم‬


‫ٍ‬
‫شيء للصالة يفرض‬ ‫كاألمر بالصالة أمر بالوضوء *** وكل‬
‫وحيث ما إن جيء بالمطلوب *** يخرج به عن عهدة الوجوب‬

‫يدخل في خطاب اهلل تعالى المؤمنون‪ ،‬والساهي والصبي والمجنون غير داخلين في الخطاب‪،‬‬
‫سلَ َك ُك ْم‬
‫والكفار مخاطبون بفروع الشريعة‪ ،‬وبما ال تصح> إال به وهو اإلسالم؛ لقوله تعالى‪َ ﴿ :‬ما َ‬
‫ين ﴾ [ سورة المدثر ‪ 42 :‬ـ ‪.] 43‬‬ ‫صلِّ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سقََر* قَالُوا َل ْم َن ُك م َن ا ْل ُم َ‬
‫في َ‬

‫« َّ‬
‫الش ْـر ُح » ‪:‬‬
‫الذي يدخل في األمر والنهي وما ال يدخل‪:‬‬
‫يقول المؤلف‪ « :‬يدخل في خطاب اهلل تعالى المؤمنون‪ ،‬والساهي والصبي والمجنون » الواو هذه‬
‫عاطفة‪ ،‬أو استئنافية؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪91‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫استئنافية؛ والساهي والصبي والمجنون غير داخلين في الخطاب‪ :‬هذه الترجمة المراد بها من‬
‫يتناوله خطاب التكليف باألمر والنهي ومن ال يتناوله‪.‬‬
‫قال في قرة العين‪" :‬قال ما ال يدخل"‪ ،‬ترجمة‪ :‬الذي يدخل في األمر والنهي وما ال يدخل‪" ،‬قال‪ :‬ما‬
‫ال يدخل تنبيهاً على أن من لم يدخل في خطاب التكليف ليس في حكم ذوي العقول"‪ ،‬لماذا؟‬
‫فعبر بـ(ما) التي هي في األصل لغير العاقل تشبيهاً لهؤالء بغير‬
‫ألن العقل هو مناط التكليف‪ّ ،‬‬
‫العقالء‪.‬‬
‫لو أخر الناظم هذه الترجمة بعد مبحث النهي ألحسن؛ ألنها متعلقة باألمر والنهي معاً‪ ،‬فتقديمها‬
‫على النهي كما فعل المصنف مفضول‪.‬‬
‫يدخل في خطاب اهلل تعالى التكليفي المؤمنون المكلفون البالغون‪ ،‬من ٍ‬
‫ذكر وأنثى من األحرار‬
‫والعبيد في الجملة‪ ،‬فيدخل اإلناث في خطاب الذكور بحكم التبع؛ ألن النساء شقائق الرجال‪ ،‬يقول‬
‫اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬عن مريم ‪-‬عليها السالم‪َ ﴿ :-‬و َكا َن ْت ِم َن ا ْلقَ ِان ِت َ‬
‫ين ﴾ [ سورة التحريم‪ ،‬اآلية ‪12 :‬‬
‫]‪ ،‬فإذا ُعبِّر عنها بجمع الذكور على سبيل االستقالل فدخولها معهم على سبيل التبعية من باب‬
‫أولى‪.‬‬
‫وأما الساهي ‪-‬وهو الغافل‪ -‬وفي حكمه الناسي فال يكلف؛ ألن من شرط التكليف فهم الخطاب لما‬
‫كلف به‪ ،‬وهذا ال يتم إال باالنتباه‪ ،‬وأما الصبي فهو غير مكلف سواء كان مميزاً أو غير مميز ما لم‬
‫يبلغ سن التكليف‪ ،‬وأمره بالعبادات قبل التكليف من باب التمرين على العبادة؛ لحديث ‪ « :‬رفع‬
‫القلم عن ثالثة » ‪ :‬وفيهم‪ « :‬والصبي حتى يبلغ »‪ ،‬ومثله المجنون للحديث المذكور‪ ،‬ولما ذكرنا‬
‫من أن مناط التكليف هو العقل‪ ،‬والمجنون ال يعقل‪.‬‬
‫وأما وجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون فهو ليس من باب التكليف بل هو من باب ربط‬
‫األسباب بالمسببات‪ ،‬وهو حكم وضعي وليس بحكم تكليفي‪.‬‬
‫ويؤمر الساهي ومثله النائم ‪-‬بعد ذهاب الوصف المقتضي للعذر‪ -‬بقضاء ما فات من الصالة‬
‫وضمان ما أتلف من األموال؛ لوجود سبب ذلك وهو اإلتالف ودخول الوقت‪.‬‬
‫المغمى عليه‪ :‬هل هو في حكم المجنون أو في حكم النائم؟‬
‫يعني شخص أدخل العناية المركزة ال يعي‪ ،‬هل يؤمر بالقضاء إذا أفاق؛ باعتبار أنه في حكم النائم‪،‬‬
‫أو ال يؤمر بالقضاء باعتبار أنه في حكم المجنون؛ زال عقله؟؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬أيوه‪ ،‬والحد الفاصل؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪92‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬مطلقاً؟ يعني لو أغمي عليه يوم وليلة نقول‪ :‬حكم المجنون؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬يعني يعفى عما كان في مقدار النوم؟ أو نقول‪ :‬ما كان في مقدار النوم‬
‫حكمه حكم النوم فيؤمر بالقضاء وما زاد على ذلك حكمه حكم الجنون؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬ارتفع عقله‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬يعني مثل زوال العقل بالسبب‪ ،‬كشرب الخمر ونحوه‪ ،‬يعني زوال‬
‫العقل بالتسبب‪ ،‬شخص شرب ما يزيل عقله هذا معاقبةً له يؤمر‪ ،‬هذا قصدك؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬هو فاقد العقل بال شك‪ ،‬ولو نبه ال ينتبه بخالف النائم‪ ،‬فهو بالجنون‬
‫أشبه‪ ،‬لكن يبقى أن هناك قضايا حصلت في عهد الصحابة‪ ،‬وجعلوا الثالثة األيام هي الحد الفاصل‪،‬‬
‫إذا كان اإلغماء ثالثة أيام فأقل أمر بالقضاء؛ ألن مثل هذا القضاء ال يشق‪ ،‬وألحقوه بالنائم‪ ،‬أما إذا‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ ال يؤمر بالقضاء‪.‬‬ ‫زاد اإلغماء عن ثالثة أيام فهو في حكم الجنون‬
‫ومن زال عقله بسببه ‪-‬كشرب الخمر مثالً‪ -‬فالمسألة خالفية بين أهل العلم‪ ،‬إذا زال عقله بسببه‬
‫‪-‬بسبب منه‪-‬فكثير من أهل العلم يقولون‪ :‬هو مطالب‪َ ،‬لم يطالب به؟‬
‫ألنه هو المتسبب‪ ،‬وليس لإلنسان أن يسعى إلسقاط التكاليف‪ ،‬ولذا لو سافر شخص من أجل أن‬
‫يفطر في رمضان‪ ،‬السفر عذر شرعي‪ ،‬لكن لو سافر من أجل أن يسقط التكليف ما عذر وال جاز‬
‫ٍ‬
‫حينئذ ال‬ ‫له الفطور‪ ،‬ال يجوز له اإلفطار في مثل هذه الصورة‪ ،‬فإذا كان زوال العقل بسببه فإنه‬
‫يصرف عنه التكليف‪ ،‬ويطالب بكل ما ترك‪ ،‬وتقام عليه الحدود إذا ارتكب ما يقتضي الحد‪ ،‬إذا زنا‬
‫السكران‪ ،‬قتل السكران‪ ،‬سرق السكران‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫ومن أهل العلم من يقول‪ :‬إن عليه إثم الشرب وليس عليه ما يطالب به العقالء؛ ألنه في هذه الحالة‬
‫ليس بعاقل والعقل مناط التكليف‪.‬‬
‫لكن ال شك أن مطالبته بجميع آثار فعله يردعه عن اإلقدام على هذا الفعل‪ ،‬أما بالنسبة لما يتعلق‬
‫بحقوق اآلدميين فهو محل اتفاق مطالب بذلك‪ ،‬وهذا ليس من باب الحكم التكليفي‪ ،‬ليس من باب‬
‫الحكم التكليفي‪ ،‬إنما هو من باب ربط األسباب بالمسببات كالصبي والمجنون‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪93‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫إذا أتلف السكران يلزم بما أتلف‪ ،‬لكن إذا وقع منه ما يوجب الحد فهو محل الخالف‪ ،‬وفي قصة‬
‫ماعز‪ :‬النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬قال‪ « :‬أشربت خمراً؟ استنكهوه »‪.‬‬
‫على كل حال المسألة خالفية ومعاقبته قال بها جمع من الصحابة ‪-‬ترتيب جميع اآلثار المترتبة‬
‫على سكره‪ -‬قال به جمع من الصحابة؛ ردعاً له‪ ،‬ولئال يتخذ ذلك وسيلة إلى إسقاط التكاليف‪.‬‬
‫المسألة األخيرة نعم‪.‬‬

‫سلَ َك ُك ْم‬
‫والكفار مخاطبون بفروع الشرائع‪ ،‬وبما ال تصح إال به وهو اإلسالم؛ لقوله تعالى‪َ ﴿ :‬ما َ‬
‫ين ﴾ [ سورة المدثر ‪ 42 :‬ـ ‪ ،] 43‬واألمر بالشيء نهي عن‬ ‫صلِّ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سقََر* قَالُوا َل ْم َن ُك م َن ا ْل ُم َ‬
‫في َ‬
‫ضده‪ ،‬والنهي عن الشيء أمر بضده‪.‬‬

‫« َّ‬
‫الش ْـر ُح » ‪:‬‬
‫مسألة مخاطبة الكفار بفروع الشرائع وبما ال تصح إال به ‪-‬وهو اإلسالم‪ -‬القول بذلك هو الذي‬
‫جرى عليه المصنف وهو قول جمهور أهل العلم‪ ،‬الكفار مخاطبون بفروع الشريعة وبما ال يتم به‬
‫ذلك‪ ،‬ما ال يتم إال به هو اإلسالم واإليمان؛ ألن اإلسالم واإليمان شرط لصحة هذه األعمال‪،‬‬
‫فالجمهور على أنهم مخاطبون بالفروع‪.‬‬
‫سقََر* قَالُوا لَ ْم َن ُك ِم َن‬ ‫ِ‬
‫سلَ َك ُك ْم في َ‬
‫واألدلة على ذلك كثيرة‪ ،‬ومن أوضح األدلة قوله تعالى‪َ ﴿ :‬ما َ‬
‫ين ﴾ ‪ :‬أول ما بدؤوا به فرع من فروع الشريعة‪ ،‬إضافةً إلى دخولهم في عموم األوامر‬ ‫صلِّ َ‬
‫ا ْل ُم َ‬
‫اع ُب ُدواْ َر َّب ُك ُم ﴾ [ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.] 21 :‬‬
‫اس ْ‬ ‫ُّها َّ‬
‫الن ُ‬ ‫والنواهي‪ ،‬ال سيما فيما ُي َّ‬
‫صدر بـ﴿ َيا أَي َ‬
‫هم مطالبون أيضاً بما ال يتم ذلك إال به ‪-‬كاإلسالم إجماعاً‪ -‬هذا قول جمهور أهل العلم‪ ،‬والقول‬
‫معنى‬ ‫الثاني‪ :‬أنهم غير مطالبين بشيء من ذلك ‪-‬وهو قول الحنفية‪ -‬ما لم يوجد شرط القبول‪ ،‬وأي‬
‫ً‬
‫للمطالبة ‪-‬بمطالبة الكافر للصالة‪ -‬إذا كانت ال تصح منه إذا صلى‪ ،‬وال يؤمر بقضائها إذا أسلم؟‬
‫اآلن صالة الكافر فقدت شرطاً من شروط القبول‪ ،‬وهو نية التقرب‪ ،‬والنية شرط لصحة العبادة‪،‬‬
‫ولذا ال نستطيع أن نأمر باألصل مع عدم الوسيلة‪ ،‬ال نستطيع أن نأمر بالمشروط مع عدم وجود‬
‫الشرط‪ ،‬لكن يرد على قولهم هذا أننا ال نستطيع أن نأمر بالصالة غير المتوضئ‪،‬ـ فال نستطيع أن‬
‫نأمر شخصاً وهو غير متوضئ أن نقول له‪ِّ :‬‬
‫صل‪ ،‬بل ال بد أن نقول له‪ :‬توضأ قبل ذلك‪ ،‬ثم نأمره‬
‫بالصالة‪ ،‬وهذا غير وارد‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪94‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫والقول الثالث‪ :‬أنهم مطالبون بالنواهي دون األوامر؛ ألن كفهم عن ارتكاب المحرمات ال يحتاج‬
‫إلى نية‪ ،‬متوقفة على اإليمان؛ ألنه ترك بخالف أمرهم بالواجبات فال؛ ألنها ال تصح بدون نية‪،‬‬
‫والمرجح عند عامة أهل العلم القول األول ‪-‬قول الجمهور‪-‬؛ لقوة أدلتهم‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬دليلهم أنها ال تصح في حال كفره وال يطالب بها إذا أسلم‪ ،‬إذن ما الفائدة من قولهم‬
‫بالتكليف؟ نقول‪ :‬مخاطبتهم بها‪ ،‬ال يعني أنها تصح بدون اإلسالم؛ لقوله ‪-‬جل وعال‪َ ﴿ :-‬و َما‬
‫سوِل ِ>ه ﴾ [ سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪ ،] 54 :‬بل‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫َم َن َع ُه ْم أَن تُ ْقَب َل م ْن ُه ْم َنفَقَاتُ ُه ْم إِال أ ََّن ُه ْم َكفَُرواْ ِباللّه َو ِب َر ُ‬
‫زيادة في عقوبتهم في اآلخرة‪ ،‬يعاقبون عليها في اآلخرة‪ ،‬وكونهم ال يؤمرون بقضائها إذا أسلموا؛‬
‫ف‬‫سلَ َ‬ ‫ترغيباً لهم في اإلسالم‪ ،‬قال اهلل ‪-‬جل وعال‪ُ ﴿ :-‬قل ِللَّ ِذ َ‬
‫ين َكفَُرواْ إِن َينتَ ُهواْ ُي َغفَ ْر لَ ُهم َّما قَ ْد َ‬
‫﴾ [ سورة األنفال‪ ،‬اآلية ‪.] 38 :‬‬
‫في قوله ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ « :-‬ال تشربوا في آنية الذهب والفضة؛ فإنها لهم في الدنيا ولكم‬
‫في اآلخرة »‪ ،‬فهل في هذا ما يدل على إباحتها لهم؟‬

‫نكمله غداً إن شاء اهلل تعالى‪ ،‬واهلل أعلم وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد‬
‫وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫‪‬‬

‫س‬ ‫الدَّرس َّ ِ‬
‫الساد ُ‬ ‫ْ ُ‬

‫السَّالم عليكم ورحمة اللَّ ِـه وبركاته‪.‬‬


‫األسئلة كثيرة جداً‪ ،‬وهذا آخر درس ‪-‬كما تعلمون‪ -‬والكتاب بقيت فيه بقية كبيرة‪ ،‬وال يمكن إكمال‬
‫الكتاب بحال بمثل هذه الطريقة حتى وال في دور ٍة الحقة ‪-‬فيما يغلب على الظن‪ -‬لكنها جرت‬
‫العادة أننا إذا بقي علينا شيء من كتاب أننا نكلمه ضمن دروسنا في المسجد‪ ،‬ونخصص له يوماً‬
‫مستقالً ويحضر أصحاب التسجيل ويسجلون ويبث على االنترنت‪.‬‬
‫سوف يبث بإذن اهلل مغرب الثالثاء من كل أسبوع بدءاً من األسبوع الثاني في الدراسة‪ ،‬يعني مع‬
‫بداية الدروس في المسجد‪ ،‬ونخصص له المغرب يوم الثالثاء ‪-‬إن شاء اهلل تعالى‪ -‬والذي يريد أن‬
‫يتابع ممن هو بعيد‪ ،‬فعلى موقع اليف إسالم أو‪ ..‬وأيش اسمه؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪95‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫طالب‪ :‬البث اإلسالمي‪.‬‬


‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬نعم‪ ،‬البث اإلسالمي ويسمونه اليف‪ ،‬المقصود أن دروسنا كلها تبث‬
‫على هذا‪ ،‬ومنها تكملة هذا الكتاب إن شاء اهلل تعالى‪.‬‬

‫‪‬يقول‪ :‬هذا أكثر من سؤال فيه طلب الفرق بين اإلجماع واالتفاق؟‬
‫األصل أن ال فرق‪ ،‬ويراد بهاتين الكلمتين نفي الخالف‪ ،‬إذا قيل‪ :‬ال خالف‪ ،‬أو اتفق العلماء‪ ،‬أو‬
‫أجمعوا على كذا هذا األصل‪ ،‬لكن يبقى أن لبعض أهل العلم اصطالحات خاصة‪ ،‬فإذا قال‪ :‬أجمعوا‬
‫غير قوله‪ :‬اتفقوا‪ ،‬صاحب اإلفصاح هو ممن ينقل االتفاق ويريد به اتفاق األئمة األربعة‪ ،‬وأما إذا‬
‫أطلق اإلجماع فمرادهم به إجماع جميع المجتهدين من علماء األمة‪ ،‬جميع المجتهدين‪ ،‬هذا قول‬
‫عامة أهل العلم‪.‬‬
‫أبو جعفر بن جرير الطبري يرى أن اإلجماع قول األكثر‪ ،‬لذا تراه في تفسيره يقول‪ :‬واختلف‬
‫العلماء في كذا‪ ،‬إما في قراءة آية‪ ،‬يذكر الخالف‪ ،‬أو في حكم مستنبط من اآلية يذكر الخالف‪،‬‬
‫يقول‪ :‬اختلفوا في كذا‪ ،‬ثم يذكر قول األكثر ويذكر من خالف‪ ،‬ثم يقول‪ :‬والصواب في ذلك عندنا‬
‫كذا؛ إلجماع القراءة على ذلك‪ ،‬أو إلجماع العلماء على ذلك‪ ،‬وهو بنفسه ساق الخالف‪.‬‬
‫على كل حال مسائل اإلجماع واالختالف فيها مصنفات‪ ،‬أما االتفاق فهو أقل عند بعض أهل العلم‬
‫مما في اإلجماع‪ ،‬وهو نفي الخالف؛ األصل فيه أنه مثل نقل اإلجماع‪ ،‬أو مثل نقل االتفاق‪ ،‬إال أنه‬
‫ٍ‬
‫حينئذ أقل من التصريحـ باإلجماع‪.‬‬ ‫يبقى أنه مقرون بعلم الناقل‪ ،‬نفي الخالف حسب علمه‪ ،‬فيكون‬
‫وقد وقع من كبار األئمة شيء من هذا‪ ،‬اإلمام مالك يقول‪" :‬ال أعلم أحداً قال برد اليمين"‪ ،‬مع أن‬
‫قضاة عصره ابن أبي ليلى وابن شبرمة يقولون به‪.‬‬
‫واإلمام الشافعي ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬يقول‪" :‬ال أعلم أحداً قال بوجوب الزكاة في أقل من ثالثين من‬
‫البقر"‪ ،‬مع أن القول معروف عن عثمان وابن عباس في العشر‪.‬‬
‫يصرح به أحد إال وهو ال يعرف‬
‫المقصود أن مثل هذا مرده إلى علم الناقل‪ ،‬أما اإلجماع فال يكاد ّ‬
‫مخالفاً‪ ،‬اللهم إال إذا كان ممن يتساهل في نقل اإلجماع‪ ،‬يتساهل في نقل اإلجماع كالنووي مثالً‪،‬‬
‫متساهل في نقل اإلجماع؛ ادعى اإلجماع في مسائل كثيرة الخالف فيها معروف‪ ،‬بل قد يسوق‬
‫الخالف بنفسه‪ ،‬وهذا هو ما جعل الشوكاني يقول‪" :‬ونقل هذه اإلجماعات تجعل طالب العلم ال يهاب‬
‫اإلجماع"‪.‬‬
‫وعلى كل حال اإلحاطة بقول جميع المجتهدين فيه عسر‪ ،‬واهلل المستعان‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪96‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫رسالة طويلة جداً تحتاج في قراءتها إلى وقت؛ يمكن أكثر من عشرين سطر‪..‬‬
‫على كل حال لو صاحبها يتصل ويجاب بالهاتف أو يحضر لإلجابة؛ ألنها تأخذ وقتاً طويالً‪.‬‬

‫‪‬يقول‪ :‬الكفار مخاطبون‪- ،..‬هذا من سيرالنكا‪ -‬يقول‪ :‬الكفار مخاطبون بفروع الشرع‪ ،‬على‬
‫هذه القاعدة هل يمكن للمسلم فتح المطاعم نهاراً في رمضان في بالد الكفار؟‬
‫إذا قلنا‪ :‬إنهم مخاطبون وآثمون بأكلهم في نهار رمضان‪ ،‬فتقديم وتيسير الطعام لهم تعاوناً معهم‬
‫على اإلثم والعدوان‪ ،‬فال يجوز تقديم الطعام لهم‪.‬‬
‫‪‬وهل يمكن للمسلم إطعام الخادمات الكافرات نهاراً؟‬
‫أوالً‪ :‬إدخال الكافرات في بيوت المسلمين خطر محض‪ ،‬وهذه المسألة مفترضة في غير هذه البالد‬
‫التي أمر النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬بإخراج الكفار منها‪ ،‬وأنها ال يجتمع فيها دينان‪ ،‬فإدخال‬
‫الكفار في بيوت المسلمين ضرر محض‪ ،‬وإ طالعهم على عورات المسلمين أشد ضرراً‪ ،‬وعلى كل‬
‫يتقي اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬في مثل هذه األمور‪ ،‬واهلل المستعان‪.‬‬
‫حال على المسلم أن َ‬
‫وهذا أمر ابتلي به الناس‪ ،‬رغم كثرة المشاكل والمصائب من الخدم والسائقين؛ تاهوا بعض الناس‪،‬‬
‫ووقوع الكوارث‪ ،‬والناس يسمعون ويصدقون ما يقع ال ينكرون‪ ،‬لكن إذا خوطب الشخص في مثل‬
‫هذا التساهل يأبى إال أن يكون هو العبرة بدالً من أن يعتبر بغيره‪ ،‬واهلل المستعان‪.‬‬

‫هم بعض الشباب الكالم في العلماء والتجريح وتتبع> عثراتهم‪ ،‬حتى أنهم يطلقون‬
‫‪‬يقول‪ :‬صار ّ‬
‫على البعض أنه كذا أو كذا؟‬
‫المقصود أن على المسلم أن يحرص على عمله‪ ،‬وأهم ما على اإلنسان نفسه‪ ،‬وما يخلصها‬
‫وينجيها‪ ،‬ويترك الكالم في اآلخرين؛ فأعراض المسلمين حفرة من حفر النار‪ ،‬وهذا مالحظ‪ ،‬بعض‬
‫الناس إذا اختلفت معه في وجهة نظر انقلبت جميع الحسنات سيئات‪ ،‬وال يقبل منك صرفاً وال‬
‫عدالً‪.‬‬
‫يا أخي هذه وجهة نظر‪ ،‬يمكن هو المصيب وأنت المخطئ‪ ،‬ويبقى أن اإلسالم ‪-‬وهلل الحمد‪ -‬فيه‬
‫شيء من السعة وفيه مجال لالجتهاد‪ ،‬إال ما وردت فيه النصوص‪ ،‬واإلنسان مأجور على اجتهاده‬
‫ولو أخطأ وهلل الحمد‪ ،‬وهذا من سعة رحمة اهلل عز وجل‪.‬‬
‫فالمسلم عليه أن يحرص على المحافظة على أعماله الصالحة التي سعى في جمعها‪ ،‬وال يكون‬
‫ٍ‬
‫رواية‪ « :‬كالجبال‪ ،‬صالة وصيام وصدقة وبر وأمر بمعروف‬ ‫مفلساً‪ ،‬فالمفلس من يأتي بأعمال في‬
‫ونهي عن المنكر‪ ،‬ثم يوزعها ‪-‬يعطي فالن وفالن وفالن وعالن‪ -‬فيأخذ هذا من حسناته وهذا‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪97‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫من حسناته‪ ،‬فإذا انتهت الحسنات يضاف إليه من سيئاتهم »‪ ،‬نسأل اهلل السالمة‪ ،‬والحديث في‬
‫الصحيح‪ ،‬واهلل المستعان‪.‬‬
‫على كل حال أعراض المسلمين ‪-‬كما قرر أهل العلم‪ -‬حفرة من حفر النار‪ ،‬فليتق اهلل ‪-‬سبحانه‬
‫وتعالى‪ -‬طالب العلم على وجه الخصوص‪ ،‬وال يجعل نفسه حكماً على العباد‪.‬‬
‫والجرح والتعديل بالنسبة للرواة على خالف األصل؛ ألن األصل المنع‪ ،‬لكن العلماء أجازوه ‪-‬بل‬
‫أوجبوه‪ -‬للضرورةـ الداعية إليه‪ ،‬فلوال الجرح والتعديل لم يعرف الصحيح من الضعيف‪ ،‬لكن ما‬
‫الداعي إلى أن يقال‪ :‬فالن وفالن وفالن؟‬
‫ال مانع أن ينبه اإلنسان على الخطأ‪ ،‬وأن يقال‪ :‬فعله كذا خطأ‪ ،‬منهج شيخ اإلسالم ‪-‬رحمه اهلل‪-‬‬
‫التشديد على البدع وأهلها‪ ،‬والرد على المبتدعة بقوة‪ ،‬وتفنيد أقوالهم‪ ،‬لكن إذا جاء لألشخاص وهم‬
‫متلبسون بهذه البدع التمس لكثير منهم األعذار‪.‬‬
‫فرق بين أن تتكلم عن الفكرة وأنها مخالفة للشرع بدليل كذا وكذا‪ ،‬إذا كان في أدلة‪ ،‬أما إذا كانت‬
‫فتبين رأيك وال تفرضه على أحد‪ ،‬واهلل المستعان‪.‬‬
‫وجهات نظر ّ‬

‫‪ ‬يقول‪ :‬هل لكم دروس في األصول؟‬


‫كان لنا درس في شرح مختصر الروضة في يوم االثنين مع الروض المربع‪.‬‬
‫في أي مسجد؟‬
‫يقولون له‪ :‬مسجد أبا الخيل في حي السالم‪ ،‬المقصود أن الجدول موجود في كثير من األماكن‪،‬‬
‫ومنشور باالنترنت وغيره‪ ،‬ومعلق في ٍ‬
‫كثير من المساجد‪.‬‬

‫‪‬يقول‪ :‬هل يصح> تنبيه> الساهي حال ارتكابه يعني محظوراً‪ ،‬فمثالً إذا كان صائماً في رمضان‬
‫وجده شخص يأكل أو يشرب؟‬
‫نعم‪ ،‬يلزمه أن ينبهه؛ ألن هذا من التعاون على البر والتقوى‪ ،‬ومثله إذا وجد شخصاً يعبث بلحيته‪،‬‬
‫أو يفعل شيئاً محرماً وهو ساهي ينبهه‪.‬‬

‫‪‬يقول‪ :‬ال شك في فضل طلب العلم وأهله‪ ،‬ولكن ما رأيكم بمن يقوم للدرس بعد الصالة قبل‬
‫األذكار؟‬
‫بعض من يتصدر لتعليم الناس يفعل هذا فيقوم بعد الصالة مباشرةً؛ لكي يضمن بقاء الناس في‬
‫أماكنهم ويعرفون أنه في درس‪ ،‬وهذا في الغالب يكون في الكلمات القصيرة التي تقال بعد‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪98‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫الصلوات؛ لئال ينصرف الناس‪ ،‬وهذه وجهة نظر‪ ،‬هذا خير وهذا خير‪ ،‬لكن الدروس الثابتة‬
‫المعروفة التي جاء الناس من أجلها‪ ،‬العبادات المرتبة بوقت والتي يفوت وقتها مقدمة على األمور‬
‫المطلقة‪ ،‬فال بد من اإلتيان بجميع األذكار المتعلقة بالصالة ثم البدء بالدرس‪.‬‬

‫‪‬هذا يسأل عن الدروس التي تدرس في المسجد‪ ،‬أين وصلتم فيها؟‬


‫المسألة تحتاج إلى تفصيل؛ بعض الكتب من عشر سنين أين وصلنا‪ ،‬واهلل المستعان‪ ،‬على كل حال‬
‫الجدول موجود ومعلق في المساجد وهو أيضاً منشور في االنترنت‪.‬‬

‫‪‬هذا يقول‪ :‬خاص ال يفتحه غيركم‪ :‬رجل عنده قوة وشجاعة وذكاء‪ ،‬وعنده أيضاً إقبال في طلب‬
‫العلم وفقه في المسائل فهل األفضل في حقه الجهاد أو طلب العلم؟‬
‫يتعين فطلب العلم أمر مهم‪ ،‬إذ‬
‫تعين ال يعدله شيء‪ ،‬أما إذا لم ّ‬
‫على كل حال‪ ،‬الكل خير‪ ،‬والجهاد إذا ّ‬
‫به يعرف كيف يؤدي العبادة المسقطة للطلب‪ ،‬الموصلة إلى مرضات اهلل ‪-‬عز وجل‪ .-‬وأجوبة‬
‫ٍ‬
‫شخص‬ ‫ٍ‬
‫سؤال واحد ‪-‬هو أفضل األعمال‪ -‬جاءت متفاوتة من‬ ‫النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬عن‬
‫إلى آخر‪ ،‬فيسأل ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬عن أفضل األعمال‪ ،‬فيجيب بجواب‪ ،‬ويسأله آخر يجيبه‬
‫ٍ‬
‫بجواب آخر‪ ،‬يسأله ثالث وهكذا؛ وسبب ذلك اختالف أحوال السائلين‪ ،‬فإذا كان الشخص لديه قوة‬
‫وشجاعة وإ قدام‪ ،‬وفي النواحي األخرى فيه ضعف‪ ،‬في إدراكه وفهمه وحفظه أقل نقول‪ :‬الجهاد‪،‬‬
‫وإ ذا كان العكس‪ :‬شخص عنده قوة في الحفظ وفي الفهم ولديه استعداد لتحمل العلم وفي بدنه شيء‬
‫من الضعف نقول‪ :‬عليك بطلب العلم؛ هذا أفضل األعمال‪ ،‬إذا كان ال هذا وال ذاك نوجهه إلى النفع‬
‫تقدر بقدرها‪ ،‬فأما الجهاد إذا‬
‫اآلخر الخاص أو العام المتعدي أو الالزم‪ ،‬وعلى كل حال األمور ّ‬
‫ٍ‬
‫حينئذ ال يعدل عنه إلى غيره‪،‬‬ ‫تعين‪ ،‬بأن دهم العدو البلد‪ ،‬أو استنفره اإلمام أو حضر الصف‪ ،‬فإنه‬
‫ّ‬
‫واهلل المستعان‪.‬‬

‫‪‬يقول‪ :‬ما الفرق بين ٍ‬


‫كل من العام والخاص والمطلق والمقيد؟ والعموم والخصوص؟‬
‫هذه هي المسائل التي نبحثها اآلن‪ ،‬لكن قد ال يدرك السائل جواب هذا السؤال؛ ألنه قد يكون في‬
‫ٍ‬
‫دروس الحقة‪ ،‬نقول‪ :‬العام والخاص‪ ،‬والمطلق والمقيد‪ ،‬العام‪ :‬يأتي ذكره أنه ما يشمل شيئين‬
‫فصاعداً‪ ،‬وأما الخاص‪ :‬فهو يشمل شيئاً واحداً أو أشياء محصورة‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪99‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫والمطلق‪ :‬إذا عرفنا الفرق بين العموم واإلطالق والتقييد والتخصيص انحل لنا كثير من‬
‫اإلشكاالت‪ ،‬فالتخصيص‪ :‬تقليل ألفراد العام والتقييد‪ :‬تقليل ألوصاف المطلق‪ ،‬وهذا سيأتي كله ‪-‬إن‬
‫شاء اهلل تعالى‪ -‬بأمثلته وصوره‪.‬‬

‫‪‬شخص سرق من أموال الناس قبل بلوغه‪ ،‬فهل يردها بعد بلوغه؟‬
‫نعم‪ ،‬يلزمه ردها؛ ألن هذا ليس من باب التكليف نقول هو ما كلف‪ ،‬هو من باب ربط األسباب‬
‫بالمسببات‪ ،‬وجنايات الصبي والمجنون مضنونة‪.‬‬

‫‪‬ذكرتم أن الشرط ما يلزم من عدمه العدم‪ ،‬وال يلزم من وجوده وجود وال عدم‪ ...‬تعريف الركن؟‬
‫الركن مثل ما سمعنا من كالم الشيخ ‪-‬حفظه اهلل‪ -‬أنه جانب الشيء األقوى‪ ،‬والفرق بين الشرط‬
‫والركن أن الشرط خارج الماهية‪ ،‬بينما الركن داخل الماهية‪ ،‬ونوضح ذلك بالمثال‪ :‬تكبيرة اإلحرام‬
‫عند الجمهور ركن وعند الحنفية شرط‪ ،‬الفرق بين القولين تصح بدون تكبيرة اإلحرام عند‬
‫الجمهور؟ ال؛ ألنها ركن‪ ،‬تصح بدون تكبيرة اإلحرام عند الحنفية؟ ال؛ ألنها شرط‪ ،‬تسقط مع‬
‫السهو؟ ال تسقط‪ ،‬ال عند هؤالء وال عند هؤالء‪ ،‬تسقط بالنسيان ال؛ ألن النسيان ال ينزل المعدوم‬
‫منزلة الموجود كما هو مقرر عند أهل العلم‪ ،‬بينما العكس صحيح‪ ،‬ينزل الموجود منزلة المعدوم‪،‬‬
‫إذن ما الفرق بين قول الحنفية وقول الجمهور؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬خارج الماهية‪ ،‬أيش يترتب على هذا؟ هل معنى هذا أنك تكبر‬
‫اإلحرام في بيتك وتجي تصلي مع الناس مثل ما تتوضأ في بيتك؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬نعم‪ ،‬طيب وأيش الفرق؟‬
‫طالب‪ :‬خالف لفظي؟‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬خالف لفظي ما فيه فائدة‪ ،‬نعم؟‬
‫أيش رأيك في من كبر وهو حامل نجاسة؟ نفترض أن هذه متنجسة‪ ،‬وقال‪ :‬اهلل أكبر‪ ،‬ووضعها مع‬
‫نهاية التكبير‪ ،‬صالته صحيحة وإ ال باطلة؟‬
‫طالب‪......:‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪100‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬صحيحة عند الحنفية لماذا؟ ألنه حمل النجاسة خارج الصالة‪ ،‬بينما‬
‫عند الجمهور صالته باطلة؛ ألن حمله النجاسة داخل الصالة‪ ،‬والمسائل المرتبة على هذا كثيرة‪،‬‬
‫والوقت ما يسمح ببسط أكثر من هذا‪.‬‬
‫اللهم صل على محمد‪.‬‬
‫سم‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد وعلى آله‬
‫وصحبه أجمعين‪ ،‬أما بعد‪ :‬فقد قال إمام الحرمين ‪-‬رحمه اهلل‪:-‬‬

‫والنهي استدعاء الترك بالقول ممن هو دونه على سبيل الوجوب‪ ،‬ويدل على فساد المنهي عنه‪،‬‬
‫وترد صيغة األمر والمراد به اإلباحة أو التهديد أو التسوية أو التكوين‪.‬‬
‫عم شيئين فصاعداً من غير حصر‪ ،‬وألفاظه أربعة‪ :‬االسم المعرف باأللف‬
‫وأما العام‪ :‬فهو ما ّ‬
‫والالم‪ ،‬واسم الجمع المعرف بالالم‪ ،‬واألسماء المبهمة كـ(من) فيمن يعقل‪ ،‬و(ما) فيما ال يعقل‪،‬‬
‫و(أي) في الجميع‪ ،‬و(أين) في المكان‪ ،‬و(متى) في الزمان‪ ،‬و(ما) في االستفهام والجزاء‬
‫ّ‬
‫وغيره‪ ،‬و(ال) في النكرات‪ ،‬والعموم من صفات النطق‪ ،‬وال يجوز دعوى العموم في غيره من‬
‫الفعل وما يجري مجراه‪.‬‬

‫« َّ‬
‫الش ْـر ُح » ‪:‬‬
‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‪ ،‬يقول ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪:-‬‬
‫« واألمر بالشيء نهي عن ضده‪ ،‬والنهي عن الشيء أمر بضده » اختلف العلماء في هذه المسألة‬
‫‪-‬في األمر بالشيء‪ -‬هل هو عين النهي عن ضده؟ بعد اتفاقهم أن صيغة النهي شيء‪ ،‬وصيغة‬
‫األمر شيء مختلف تماماً عنه‪ ،‬فـ(قم) غير (ال تقعد) تماماً؛ فهذا شيء وهذا شيء‪ ،‬لكن هل هو عين‬
‫النهي عن ضده‪ ،‬هل إذا قيل لك‪( :‬قم) هل هو عين النهي عن القعود أو هو غيره؟ أو هو من‬
‫مقتضياته ومستلزماته؟‬
‫المسألة خالفية‪ ،‬فاألمر بالحركة هل هو عين الكف عن ضده ‪-‬وهو السكون‪ -‬أو ال؟ األمر بالثبات‬
‫آم ُنواْ إِ َذا لَ ِقيتُ ْم ِف َئ ًة فَاثُْبتُواْ ﴾ [ سورة األنفال‪ ،‬اآلية ‪ ،] 45 :‬هل‬ ‫ُّها الَّ ِذ َ‬
‫ين َ‬ ‫في قوله تعالى‪َ ﴿ :‬يا أَي َ‬
‫هو عين النهي عن الفرار؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪101‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫يعني لو لم يرد النهي عن الفرار‪ ،‬وأنه من الموبقات‪ ،‬نستفيد النهي من الفرار في هذا اللفظ أو من‬
‫لفظ اآلية‪ ،‬أو هو مما يستلزمه امتثال األمر في اآلية؟‬
‫والصواب أن األمر بالشيء ليس هو عين النهي عن ضده‪ ،‬ولكنه يستلزمه؛ ألن طلب الشيء طلب‬
‫له بعينه وطلب لما ال يتم إال به‪ ،‬فال يتم الثبات المأمور به إال بعدم الفرار وهكذا‪ ،‬وهذا الذي قرره‬
‫شيخ اإلسالم وابن القيم ورجحه الشنقيطي ‪-‬رحمه اهلل‪.-‬‬
‫« والنهي عن الشيء » ‪-‬عكس هذه المسألة‪ -‬قرر المصنف بأنه أمر بضده‪ ،‬قال‪ « :‬والنهي عن‬
‫الشيء أمر بضده » وهذا إذا لم يكن له إال ضد واحد‪ ،‬وهو نظير ما تقدم في األمر بالشيء في‬
‫المسألة السابقة‪.‬‬
‫نقول‪ :‬إنه من مقتضياته مستلزماته‪ ،‬إذا لم يكن له إال ضد واحد‪ ،‬وإ ذا كان له أضداد متعددة فالنهي‬
‫ٍ‬
‫بواحد من أضداده؟‬ ‫عنه أمر لجميع أضداده أو‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬نعم‪ ،‬هو أمر بأحد أضداده؛ النهي عن القيام‪ ،‬إذا قيل‪ :‬ال تقم‪ ،‬هل‬
‫معنى هذا أنك ال بد أن تقعد؟ أو يسوغ لك أن تضطجع؟ إذا قيل لك‪ :‬ال تقم‪ ،‬يحصل االمتثال بأحد‬
‫األضداد‪ ،‬كذا وإ ال ال؟‬
‫نهيت عنه‪ ،‬فأنت مأمور بأحد أضداده الذي يتم به االمتثال‪ « ،‬إذا دخل‬
‫المقصود أنك ال تفعل ما َ‬
‫أحدكم فال يجلس »‪ « ،‬إذا دخل أحدكم المسجد فال يجلس حتى يصلي ركعتين » ‪ :‬الجلوس له ضد‬
‫واحد أو أضداد؟ يعني إن استمر قائماً يدخل في النهي وإ ال ما يدخل؟ إذا اضطجع؟ إذا دخل المسجد‬
‫يضطجع‪ ،‬الرسول يقول‪" :‬ال تجلس"‪ ،‬أنا ما جلست؟ نعم‪ ،‬يدخل؟!‬
‫نعم‪ ،‬إذا دخل المسجد واضطجع عند الظاهرية معروف رأيهم أنه أيش؟ له أن يضطجع؛ ألنه منهي‬
‫عن الجلوس ما نهي عن االضطجاع؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬نعم‪ ،‬نقول‪ :‬االضطجاع جلوس وزيادة‪ ،‬بل هو من باب أولى‪ ،‬يقال‪:‬‬
‫مقياس األولى‪ ،‬أو نقول‪ :‬مفهوم الموافقة؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬جلوس وزيادة‪ ،‬فهو من باب قياس األولى‪ ،‬هذا الذي عليه األكثر‪،‬‬
‫لكن عرفنا رأي الظاهرية أنه منهي عن الجلوس وما عداه له ذلك‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪102‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫والمسألة ‪-‬مسألة فعل ذوات األسباب‪-‬ومعارضتها تحتمل درس كامل يا إخوان‪ ،‬ال تحسبون أنه‬
‫من السهولة بمكان بحيث يجاب عنها بدقيقة أو دقيقتين أو خمس دقائق؟ ال‪.‬‬
‫تحتاج إلى بسط؛ ألنها مشكلة عند كثير من أهل العلم بل هي من عضل المسائل‪ ،‬وكثير ممن‬
‫ينتسب إلى العلم من طالبه يتساهلون في هذا‪ ،‬خاص وعام‪ ،‬والخاص مقدم على العام‪ ،‬حتى نجد‬
‫من يدخل قبيل الغروب بدقيقة أو دقيقتين فيصلي‪ ،‬يعني األمر عنده من السهولة بحيث صار خاصاً‬
‫وعاماً وانتهى اإلشكال‪ ،‬واهلل المستعان‪.‬‬
‫ففي قوله ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ «:-‬إذا دخل أحدكم المسجد فال يجلس حتى يصلي ركعتين » ‪:‬‬
‫هذا نهي عن الجلوس إلى الغاية المذكورة وهي الصالة‪ ،‬فهل المراد به استمرار القيام أو يكفي‬
‫االضطجاع‪ ،‬كما يقول الظاهرية؟ لكن المراد شغل البقعة بالصالة؟ ولذا تحصل الصالة بأي صالة‬
‫إذا كانت بالعدد المذكور‪ ،‬يعني لو جاء شخص بعد صالة العشاء وقال‪ :‬الرسول ‪-‬عليه الصالة‬
‫والسالم‪ -‬يقول‪ « :‬إذا دخل أحدكم المسجد فال يجلس حتى يصلي ركعتين »‪ ،‬أنا أصلي ركعة‬
‫واحدة وتراً‪ ،‬أو ثالث ركعات‪ ،‬يتم االمتثال وإ ال ما يتم؟ يتم وإ ال ما يتم؟ بركعة واحدة يتم؟‬
‫والرسول يقول‪ :‬حتى يصلي ركعتين؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬كيف يتم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬حتى يصلي‪ ،..‬أما إذا صلى ثالثاً ما في إشكال‪ ،‬ركعتين وزيادة‪،‬‬
‫حصل المقصود وزيادة‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬أي صالة؟‬
‫إذا كان ممن يرى أن سجود التالوة صالة‪ ،‬فقرأ آية سجدة وسجد وقال‪ :‬خالص أنا أجلس‪ ،‬سجود‬
‫التالوة صالة ‪-‬كما هو مقرر عند الحنابلة وجمع من أهل العلم‪ -‬نقول‪ :‬هذا صلى فيتم به االمتثال؟‬
‫نقول‪ :‬أقل ما يتم به االمتثال هو الركعتان‪ ،‬وهذه المسألة كسابقتها؛ فالنهي عن الشيء مختلف عن‬
‫األمر بضده؛ ألن النهي عن الشيء طلب لتركه بالذات ولفعل ما هو من ضرورات الترك باللزوم‪.‬‬
‫ثم عرف المؤلف ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬النهي بأنه « استدعاء الترك بالقول ممن هو دونه على‬
‫سبيل الوجوب‪ ،‬ويدل على فساد المنهي عنه » النهي يقابل األمر مقابلة تامة‪ ،‬فإذا كان األمر‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪103‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫استدعاء الفعل بالقول ممن هو دونه على سبيل الوجوب‪ ،‬فالنهي استدعاء الترك بالقول ممن هو‬
‫دونه على سبيل الوجوب‪.‬‬
‫وعرفنا أن األمر ال يتم بالكتابة‪ ،‬وال باإلشارة المفهمة وال بالقرائن على ما تقدم‪ ،‬وفصلنا القول في‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ ال يحصل النهي بغير القول كما قدمنا‬ ‫ذلك في وقته تفصيالً مناسباً للوقت واختصار الكتاب‪،‬‬
‫في األمر‪ ،‬فال يحصل بالكتابة واإلشارة والقرائن المفهمة وال بغير ذلك على ما تقدم بسطه‪.‬‬
‫إذا قال االبن ألبيه‪ :‬أريد أن ألعب؟ فقال األب‪ ،.... :‬إيش معنى هذا؟ يعني ال تلعب‪.‬‬
‫يأثم إذا خالف؟ ال يدخل في النهي؛ ألنه إشارة المقتضى الكالم لكن الكتابة واإلشارة المفهمة‪،..‬‬
‫المسألة متصورة فيمن يفهم ويعقل‪ ،‬ال شك أنها كالقول‪.‬‬
‫ممن هو دونه‪ :‬فال يكون النهي لمن هو فوقه أو ٍ‬
‫مساو له كما تقدم تقريره في األمر‪ ،‬إذا قال العبد‬
‫لربه ‪-‬عز وجل‪ :-‬اللهم ال تعذبني‪ ﴿ ،‬ر َّب َنا الَ تُ َؤ ِ‬
‫اخ ْذ َنا ﴾ [ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪ ،] 286 :‬هذا نهي‬ ‫َ‬
‫طلب ممن هو فوقه‪ ،‬ونهي المساوي يسمى التماس‪.‬‬ ‫وإ ال دعاء؟ دعاء؛ ألنه ممن‪ٌ ،..‬‬
‫« على سبيل> الوجوب » أي على سبيل وجوب الترك على وزان ما تقدم في األمر إذا لم يوجد‬
‫صارف يصرف النهي عن التحريم إلى الكراهة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫مقتض للفور والتكرار"‪ ،‬هناك في األمر قلنا‪ :‬ال يقتضي الفورية‬ ‫قال في قرة العين‪" :‬النهي المطلق‬
‫ٍ‬
‫مقتض للفور والتكرار‪ ،‬فيجب االنتهاء في الحال‪،‬‬ ‫وال التكرار‪ ،‬وهنا يقول‪" :‬النهي المطلق‬
‫واستمرار الكف في جميع األزمان؛ ألن الترك المطلق إنما يصدق بذلك"‪.‬‬
‫إذا قال‪ ،..‬في قوله ‪-‬عز وجل‪َ ﴿ :-‬والَ تَ ْق َر ُبواْ ِّ‬
‫الز َنى ﴾ [ سورة اإلسراء‪ ،‬اآلية ‪ .] 32 :‬نهي‪،‬‬
‫شخص يقول‪ :‬هو يريد أن يمارس هذه الجريمة مع نهي اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬وقبل أن يموت يتوب؟‬
‫يكف؟‬
‫نقول‪ :‬ال؛ النهي للفور؛ « ما نهيتكم عنه فاجتنبوه> »‪ ،‬ما في مثنوية‪ ،‬األمر أخف‪ « ،‬إذا أمرتكم‬
‫ٍ‬
‫شيء فاجتنبوه> »؛ مادة محسومة‪.‬‬ ‫بشيء فأتوا منه> ما استطعتم »‪ ،‬أما « إذا نهيتكم عن‬
‫ولذا يقرر أهل العلم أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح‪ ،‬والحظر مقدم على اإلباحة كما هو‬
‫معروف‪.‬‬
‫ٍ‬
‫مقتض للفور والتكرار فيجب االنتهاء في الحال‪ ،‬واستمرار الكف في جميع‬ ‫يقول‪ « :‬النهي المطلق‬
‫األزمان؛ ألن الترك المطلق إنما يصدق بذلك » الذي يزاول في وقت السعة ويقول‪ :‬إذا ضاق‬
‫الوقت تركت‪ ،‬من له ببلوغ ذلك الوقت؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪104‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫إذا قال هو‪ :‬من تاب تاب اهلل عليه‪ ،‬والعبرة بالخواتيم‪ ،‬وأنا اآلن ما زلت في طور الشباب‪ ،‬من‬
‫أجلته لنفسك؟ من يؤمنك؟ وقد تبلغ األجل‪ ،‬تؤمل أن‬
‫يؤمنك حتى تبلغ الحد الذي حددته واألجل الذي ّ‬
‫تعيش مائة فتعيش مائة‪ ،‬لكن من يضمن لك أن توفق للتوبة؟!‬
‫ولذا كثير من الناس يعتمد على نصوص الوعد‪ ،‬وعلى بعض النصوص مع أنه يعمى عن غيرها‪،‬‬
‫« من توضأ نحو وضوئي هذا وقال بعد ذلك‪ :‬أشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن‬
‫محمداً عبده ورسوله دخل من أي أبواب الجنة الثمانية‪ ،‬وفتحت له أبواب الجنة »‪ ،‬وفي الحديث‪:‬‬
‫« وال تغتروا » ‪ :‬يعني يقول‪ :‬ما دام األبواب تفتح سهل لمن يقول هذا الكالم اليسير‪ ،‬ويفعل ما‬
‫يشاء من المنكرات‪ ،‬من يضمن لك أن توفق في مثل هذا؟؟‬
‫« من ضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه ضمنت له الجنة » ‪ :‬قد يقول اإلنسان‪ :‬أنا لن أتكلم‬
‫إال بخير‪ ،‬وأضمن ما بين رجلي وما عدا ذلك من المعاصي الجنة مضمونة‪.‬‬
‫نقول ال؛ لن توفق لضمان ما بين لحييك وما بين رجليك وأنت لم تأتمر بأوامر اهلل وتعظم شعائر‬
‫اهلل‪ ،‬وتأتي بجميع ما أمرك اهلل به‪ ،‬وتندم على ما فرط منك من مخالفات‪.‬‬
‫قوله‪ « :‬ويدل على فساد المنهي عنه » المنهي عنه‪ ،‬النهي ‪-‬كما عرفنا‪ -‬هو طلب الكف عن‬
‫الفعل‪ ،‬وطلب الكف يقتضي أمرين‪ ،‬األمر األول‪ :‬تحريم المنهي عنه؛ ألنه األصل‪ ،‬النهي إذا تجرد‬
‫سو ُل فَ ُخ ُذوهُ َو َما َن َها ُك ْم‬
‫الر ُ‬
‫عن القرائن الصارفة فهو للتحريم‪ ،‬يقول اهلل ‪-‬جل وعال‪َ ﴿ :-‬و َما آتَا ُك ُم َّ‬
‫َع ْن ُه فَانتَ ُهوا ﴾ [ سورة الحشر‪ ،‬اآلية ‪ ،] 7 :‬يقول اإلمام الشافعي ‪-‬رحمة اهلل عليه‪" :-‬أصل النهي‬
‫من رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬أن كل ما نهى عنه فهو محرم‪ ،‬وهذا األصل مقرر عند أهل‬
‫العلم‪ ،‬حتى تأتي عنه داللة تدل على أنه إنما نهي عنه لمعنى غير التحريم‪.‬‬

‫وهذا معنى قوله‪ :‬األمر في النهي أو "األصل في النهي التحريم إال إذا وجد ما يصرفه إلى‬
‫الكراهة"‪ ،‬هذا ما يقتضيه النهي‪.‬‬
‫والثاني من مقتضيات النهي ما دل عليه قول المؤلف‪ « :‬ويدل على فساد المنهي عنه » وهذا‬
‫أطلقه المؤلف هكذا بهذه الصيغة‪ « :‬يدل على فساد المنهي عنه »‪.‬‬
‫النهي عن الشيء إما أن ينهى عنه لذاته‪ ،‬فيدخل في قوله ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ « :-‬من عمل‬
‫عمالً ليس عليه أمرنا فهو رد »‪ ،‬أو ينهى عنه ٍ‬
‫ألمر خارج عنه ال لذاته‪ ،‬وهذا الخارج إما أن‬
‫يكون من شروطه ومستلزماته ومقتضياته‪ ،‬أو جزء ال ينفك عنه‪ ،‬فهذا أيضاً كالنهي عن الشيء‬
‫لذاته‪ ،‬داخل في كالم المؤلف‪ ،‬أما إذا عاد النهي إلى ٍ‬
‫أمر خارج‪ ،‬ليس من مقتضيات هذا العمل فإنه‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪105‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫ال يدل على فساد المنهي عنه‪ ،‬ولذا يقول بعضهم‪ :‬إذا عاد النهي إلى ذات المنهي عنه أو إلى شرطه‬
‫فإنه يبطل إضافةً إلى التحريم‪ ،‬فمن سجد لغير اهلل سجوده باطل؛ ألن السجود ذاته منهي عنه‪ ،‬من‬
‫استتر بسترة حرير نقول‪ :‬عاد النهي إلى الشرط فيبطل‪ ،‬من صلى وعليه عمامة حرير أو خاتم‬
‫ذهب؟ نقول‪ :‬صالته صحيحة وإ ال باطلة؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير ‪ :‬صالته صحيحة وعليه إثم ما ارتكب من المحظور‪ ،‬وإ ن كان‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫آن واحد‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫حينئذ يجتمع عندهم المأمور والمحظور في ٍ‬ ‫الظاهرية يبطلون مثل هذه الصورة؛ـ ألنه‬
‫نهي يقتضي الفساد سواء رجع إلى ذات العبادة أو العقد أو إلى‬
‫مفهوم كالم المصنف أن كل ٍ‬
‫شرطهما أو ركنهما أو ٍ‬
‫أمر خارج عن ذلك‪ ،‬ويستوي في ذلك من صلى صالةً غير مشروعة‪ ،‬أو‬
‫مغصوبة أو توضأ ٍ‬
‫بماء مغصوب أو‬ ‫ٍ‬ ‫على هيئة غير مشروعة ومن صلى صالة مشروعة في ٍ‬
‫بقعة‬
‫ستر عورته بحرير أو صلى بعمامة حرير أو خاتم ذهب أو غير ذلك‪ ،‬وهذا مقتضى مذهب أهل‬
‫الظاهر‪.‬‬
‫أما مع اتحاد الجهة بين األمر والنهي فال إشكال في فساد النهي؛ الستحالة الجمع بين النقيضين ‪-‬أن‬
‫يكون العمل مأموراً به منهياً عنه لذاته في ٍ‬
‫آن واحد‪ -‬وأما مع انفكاك الجهة فال يمتنع ذلك؛‬
‫فاإلنسان مأمور بالصالة‪ ،‬منهي عن ارتكاب المحرم كالغصب ولبس العمامة أو خاتم من حرير‬
‫ونحو ذلك‪ ،‬فإن الخاتم والعمامة غير مأمور بهما بخالف السترة وغيرها مما يشترط في الصالة‬
‫ويؤمر به من أجلها‪.‬‬
‫ظاهر؟ واضح وإ ال ما هو بواضح؟‬
‫صيغة النهي‪:‬‬
‫المضارع المقترن بـ(ال) الناهية‪( ،‬ال تفعل)‪ ،‬ومثلها التصريح بالتحريم ﴿ ُحِّر َم ْت َعلَ ْي ُك ُم ا ْل َم ْيتَ ُة‬
‫ير ﴾ [ سورة المائدة‪ ،‬اآلية ‪ ،] 3 :‬يقابله نفي الحل أيضاً‪ ﴿ ،‬الَ َي ِح ُّل لَ ُك ْم أَن تَ ِرثُواْ‬ ‫َّم َولَ ْح ُم ا ْل ِخ ْن ِز ِ‬
‫َوا ْلد ُ‬
‫ساء ﴾ [ سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪ ،] 19 :‬أو لفظ النهي كقول أبي سعيد‪ « :‬نهي رسول اهلل ‪-‬صلى‬ ‫ِّ‬
‫الن َ‬
‫اهلل عليه وسلم‪ -‬عن صوم يوم الفطر ويوم النحر »‪ ،‬وقول الصحابي‪ « :‬نهينا »‪ ،‬إذا قال‬
‫الصحابي‪ « :‬نهانا رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ » -‬أو قال‪ « :‬نهينا عن كذا؟ » يدخل‪ ،‬لكن‬
‫يختلف بين‪ « :‬نهانا رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ » -‬و« نهينا »‪ ،‬أن « نهانا » مرفوع‬
‫اتفاقاً وفي « نهينا » خالف ذكرناه في "أُمرنا"‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪106‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫وإ ذا صرح الصحابي بالنهي دل على التحريم كصيغة (ال تفعل) عند جمهور أهل العلم‪ ،‬وهذا‬
‫"أمرنا رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه‬
‫خالف لداود الظاهري وبعض المتكلمين‪ ،‬نظير قولهم في‪َ :‬‬
‫ٌ‬
‫وسلم‪"-‬؛ ألن الصحابي قد يسمع كالماً فيظنه نهياً وهو في الحقيقة ليس بنهي‪ ،‬وعرفنا ما في هذا‬
‫القول من ضعف‪.‬‬
‫« ترد صيغة األمر والمراد به اإلباحة أو التهديد أو التسوية أو التكوين » صيغة األمر (افعل)‪،‬‬
‫األصل فيها الوجوب كما تقدم‪ ،‬إال إذا دل الدليل على صرفه إلى االستحباب‪ ،‬وهذا أيضاً تقدم‪ ،‬وقد‬
‫تأتي صيغة (افعل) والمراد اإلباحة‪ ،‬وهذا أيضاً تقدم تفصيله في األمر بعد الحظر‪ُ ﴿ ،‬كلُوا ِم َن‬
‫الطَّ ِّيب ِ‬
‫ات ﴾ [ سورة المؤمنون‪ ،‬اآلية ‪ ،] 51 :‬مأمور باألكل من الطيبات‪ُ ﴿ ،‬كلُوا ﴾ ‪ :‬هذا األمر‬ ‫َ‬
‫أمر وجوب وإ ال ندب وإ ال إباحة؟ أو تتأتى به جميع األحكام؟‬
‫نعم‪ ،‬مع خشية الهالك يجب األكل‪ ،‬مع الحاجة إلى الطعام من دون هالك يندب األكل لالستعانة به‬
‫على طاعة اهلل‪ ،‬مع عدم الحاجة إليه يكره األكل‪ ،‬وما عدا ذلك فاألكل األصل فيه اإلباحة‪ ،‬اللهم إال‬
‫الط ِّيب ِ‬ ‫ِ‬
‫ات ﴾ مفهومه ال تأكلوا من الخبائث‪،‬‬ ‫إذا قلنا‪ :‬إن متعلق ﴿ ُكلُوا ﴾ هو الجار والمجرور ﴿ م َن َّ َ‬
‫فاألكل من الطيبات على سبيل الوجوب في مقابلة األكل من الخبائث‪ ،‬وهذا سبقت اإلشارة إليه‬
‫ات ويحِّرم علَ ْي ِهم ا ْل َخب ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آئ َث ﴾ [ سورة األعراف‪،‬‬ ‫بإيجاز في مقابلة الحل التحريم‪ُ ﴿ ،‬يح ُّل لَ ُه ُم الطَّ ِّي َب َ ُ َ ُ َ ُ َ‬
‫اع َملُوا َما ِش ْئتُ ْم ﴾ [ سورة فصلت‪ ،‬اآلية‬ ‫اآلية ‪ ،] 157 :‬تأتي أيضاً للتهديد كما في قوله تعالى‪ْ ﴿ :‬‬
‫ير ُك ْم إِلَى َّ‬
‫الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ار ﴾ [ سورة إبراهيم‪ ،‬اآلية ‪ ،] 30 :‬وتأتي أيضاً‬ ‫‪ُ ﴿ ،] 40 :‬ق ْل تَ َمتَّ ُعواْ فَإ َّن َمص َ‬
‫للتسوية‪:‬‬

‫ص ِب ُروا> َ‬
‫س َواء َعلَ ْي ُك ْم ﴾ [ سورة الطور‪ ،‬اآلية ‪ ،] 16 :‬وتأتي أيضاً للتكوين‪:‬‬ ‫اص ِب ُروا أ َْو اَل تَ ْ‬
‫﴿ فَ ْ‬
‫ون ﴾ [ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.] 117 :‬‬
‫وهو اإليجاد عن العدم بسرعة كما في قوله تعالى‪ُ ﴿ :‬كن فَ َي ُك ُ‬
‫يقول ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪:-‬‬
‫عم شيئين فصاعداً‪ :‬من قولهم‪ :‬عممت زيداً وعمراً بالعطاء‪ ،‬وعممت جميع‬
‫« وأما العام فهو ما َّ‬
‫الناس»‪.‬‬
‫عمهم الخير‪ ،‬إذا شملهم‬ ‫العام‪ :‬لغةً شمول ٍ‬
‫أمر لمتعدد سواء كان األمر لفظاً أو غيره‪ ،‬ومنه قولهم‪ّ :‬‬
‫وأحاط بهم‪.‬‬
‫عرفه بأنه ما عم شيئين فصاعداً‪ ،‬وينبغي أن يزاد في الحد (من غير حصر)؛ ألن العدد‬
‫والمؤلف ّ‬
‫حيز مقابل العام وهو الخاص‪ ،‬وهذا أمر ال بد منه في الحد؛ إلخراج اسم العدد‬
‫المحصور داخل في ّ‬
‫كمائة مثالً أو ألف؛ ألنها وإ ن شملت أكثر من اثنين لكنها مع حصر والعام بال حصر‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪107‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫وضع واحد‪ ،‬ثم ّبين المؤلف‬


‫ٍ‬ ‫عرفه في المحصول بأنه اللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له بحسب‬
‫مأخذ التعريف‪ ،‬وأنه مأخوذ من قولك‪ :‬عممت زيداً وعمراً‪ ،‬أي شملتهما بالعطاء‪.‬‬
‫في قرة العين قال‪" :‬وفي بعض النسخ مثل‪ :‬عممت زيداً وعمراً‪ ،‬وال يصح ذلك"‪ ،‬لماذا؟‬
‫يبين معنى العام في‬
‫ألن عممت زيداً وعمراً ليس من العام الذي يريد بيانه؛ المؤلف يريد أن ّ‬
‫األصل وأنه الشمول‪ ،‬يعني مأخذ الكلمة من أين؟ ال أنه يريد أن يقرر معناه اصطالحاً‪ :‬عممت‬
‫زيداً‪ ،‬عممت جميع الناس‪ ،‬عممت زيداً يعني شملته‪ ،‬يريد أن يقرر المعنى اللغوي؛ ألن التعميم‬
‫والعموم هو الشمول‪ ،‬وال يريد أن يطبق زيداً وعمراً على تعريف العام اصطالحاً؛ وإ ال إذا انحصر‬
‫في اثنين أو في عشرة أو في مائة ما صار عاماً‪ ،‬صار خاصاً بهؤالء‪ ،‬ولذا يقول‪" :‬في بعض‬
‫النسخ‪ :‬مثل عممت زيداً وعمراً وال يصح ذلك؛ ألن عممت زيداً وعمراً ليس من العام الذي يريد‬
‫بيانه"؛ ألنه محصور‪ ،‬والصحيح في العام أنه من غير حصر‪ ،‬لكن يريد أن يبين أن معنى كلمة‬
‫عممت‪ :‬شملت‪ ،‬والعام‪ :‬هو شمول الشيء‪.‬‬
‫قال ‪-‬رحمه اهلل‪:-‬‬
‫« وألفاظه أربعة‪ ،‬االسم الواحد المعرف بالالم‪ ،‬واسم الجمع المعرف بالالم » التعريف بالالم أو‬
‫بـ(أل)؟ نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬باأللف والالم؟ بـ(أل)؟ نعم‪ ،‬التعريف بـ(أل) وإ ال بالالم؟ عندكم ماذا‬
‫يقول بالالم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬خالف‪:‬‬

‫أل حرف تعريف أو الالم فقط *** فنمط عرفته قل فيه النمط‬

‫ٍ‬
‫خالف‬ ‫فالخالف بين أهل العلم أن حرف التعريف هو الالم فقط أو (أل) ‪-‬الهمزة مع الالم‪ -‬محل‬
‫بين أهل العلم‪.‬‬
‫االسم الواحد المعرف بالالم‪ :‬المراد بـ(أل) هنا‪ ،‬االستغراقية‪ ،‬كما في قولك‪ ﴿ :‬ا ْل َح ْم ُد للّ ِه َر ِّب‬
‫ين ﴾ [ سورة الفاتحة‪ ،‬اآلية ‪] 2 :‬؛ (أل) هنا لالستغراق؛ جميع أنواع المحامد هلل عز وجل‪،‬‬ ‫ا ْل َعالَ ِم َ‬
‫﴿ إِ َّن اإْلِ نس َ ِ‬
‫ان ﴾ ‪( :‬أل) هذه جنسية‬ ‫س ٍر ﴾ [ سورة العصر‪ ،‬اآلية ‪ ﴿ ،] 2 :‬إِ َّن اإْلِ َ‬
‫نس َ‬ ‫ان لَفي ُخ ْ‬ ‫َ‬
‫الستغراق الجنس‪ ،‬ولذا صح منها االستثناء‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪108‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫اسم الجمع المعرف بـ(أل)‪ :‬اسم الجمع المعرف بالالم أو بـ(أل) ‪-‬على الخالف في ذلك‪ -‬وهو‬
‫شامل للجمع الذي له مفرد‪ ،‬كما في قوله ‪-‬جل وعال‪ ﴿ :-‬قَ ْد أَ ْفلَ َح ا ْل ُم ْؤ ِم ُن َ‬
‫ون ﴾ [ سورة المؤمنون‪،‬‬
‫اآلية ‪.] 1 :‬‬
‫و(أل) الجنسية ضابطها أن يوضع مكانها أو محلها (كل) أو (جميع) قد أفلح جميع المؤمنين‪ ،‬أو‬
‫ون َعلَى‬
‫ام َ‬
‫الر َجا ُل قَ َّو ُ‬
‫كل المؤمنين‪ ،‬ويشمل أيضاً اسم الجمع الذي ليس له مفرد من لفظه كقوله‪ِّ ﴿ :‬‬
‫الر َجا ُل ﴾ ‪ :‬جنس الرجال قوامون على جنس النساء‪.‬‬ ‫ساء ﴾ [ سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪ِّ ﴿ ،] 34 :‬‬ ‫ِّ‬
‫الن َ‬
‫هاه كيف؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬الضابط أن تجعل مكان (أل) كل أو جميع‪.‬‬
‫ويشمل أيضاً اسم الجنس الجمعي‪ :‬وهو ما يدل على أكثر من اثنين‪ ،‬ويفرق بينه وبين مفرده بالتاء‬
‫ش َاب َه َعلَ ْي َنا ﴾ [ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪ ،] 70 :‬فالبقر اسم جنس جمعي‪ ،‬لماذا؟‬ ‫أو بالياء‪ ﴿ ،‬إِ َّن َ‬
‫البقََر تَ َ‬
‫ألنه يفرق بينه وبين واحده بالتاء؛ واحده بقرة‪.‬‬
‫إن التمر‪ :‬اسم جنس جمعي‪ ،‬نعم‪ ،‬لماذا؟ ألنهم فرقوا بينه وبين مفرده بالتاء‪ ،‬الجمع تمر والواحدة‬
‫وم ﴾ [ سورة الروم ‪:‬‬ ‫تمرة‪ ،‬سدر سدرة‪ ،‬وهكذا‪ ،‬أو يفرق بينه وبين مفرده بالياء‪ ﴿ ،‬الم* ُغِل َب ِت ُّ‬
‫الر ُ‬
‫‪ 1‬ـ ‪ ،] 2‬وواحده رومي‪.‬‬
‫الثالث‪ « :‬األسماء المبهمة‪ ،‬كـ(من) فيمن يعقل » « من دخل داره فهو آمن‪ ،‬من دخل دار أبي‬
‫سفيان‪ ،» ..‬من دخل كذا‪ ،‬من فعل كذا‪ ،‬هذه من صيغ العموم‪ ،‬و(من) خاصة بالعقالء‪ ،‬ومن ينزل‬
‫منزلة العقالء‪.‬‬
‫« و(ما) فيما ال يعقل » نحو‪ :‬ما جاءني منك أخذته‪ ،‬يعني أي شيء يأتي من قبلك‪ ،‬من هبة أو‬
‫صلة أو فائدة أو شيء من هذا يقبل‪ ،‬وقد تدخل على ما يعقل إذا نزل منزلة من ال يعقل‪ ﴿ ،‬فَ ِ‬
‫انك ُحواْ‬
‫اب َل ُكم ﴾ [ سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.] 3 :‬‬
‫ط َ‬‫َما َ‬
‫« و(أي)‪ :‬االستفهامية> » نحو‪ :‬أي الناس عندك؟ أي العمل أفضل؟ والشرطية‪ :‬أي عبيدي جاءك‬
‫فأحسن إليه‪ ،‬ومثلها الموصولة‪:‬ـ أي األشياء أردت أعطيتكه‪.‬‬
‫ون ﴾ [ سورة التكوير‪ ،‬اآلية ‪ « ،] 26 :‬و(متى) في الزمان»‬
‫ْه ُب َ‬
‫« و(أين) في المكان » ﴿ فَأ َْي َن تَذ َ‬
‫ص ُر اللّ ِه ﴾ [ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪ « ،] 214 :‬و(ما) في االستفهام » نحو‪ :‬ما عندك؟‬ ‫﴿ َمتَى> َن ْ‬
‫ٍ‬
‫نسخة والخبر بدل الجزاء نحو‪ :‬عملت ما عملت‬ ‫تجز به‪ ،‬وفي‬
‫وأيضاً في الجزاء‪ :‬نحو‪ :‬ما تعمل َ‬
‫أي‪ :‬أي ٍ‬
‫عمل عملته‪ .‬فهي دالة على العموم‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪109‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫األمر الرابع‪( « :‬ال) في النكرات » في النكرات نحو‪ « :‬ال رجل في الدار »‪ ،‬وهو ما يقوله أهل‬
‫تعم‪ ،‬ومثل بالمثال‪ :‬لكن لو جاء بالقاعدة لشمل جميع أدوات‬
‫العلم من أن النكرة في سياق النفي ُّ‬
‫النفي‪ ،‬ما عندي شيء‪ ،‬أي‪ :‬أي شيء‪ ،‬ال رجل في الدار‪ ،‬نعم‪.‬‬
‫وق َوالَ ِج َدا َل ِفي ا ْل َح ِّج ﴾‬
‫س َ‬‫عموم النكرات في سياق النفي تدل على العموم‪ ﴿ ،‬فَالَ َرفَ َث َوالَ فُ ُ‬
‫[ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪ ،] 197 :‬هذا أيضاً نكرات في سياق النفي فتعم جميع أنواع الرفث‪ ،‬جميع‬
‫أنواع الفسوق‪ ،‬جميع أنواع الجدال‪.‬‬
‫فالنكرة في سياق النفي تفيد العموم‪ ،‬وكذلكم في سياق النهي أو الشرط أو االستفهام اإلنكاري‪،‬‬
‫ض َياء ﴾ [ سورة القصص‪ ،‬اآلية ‪ ] 71 :‬في سياق االمتنان‪ ،‬النكرة في‬ ‫﴿ م ْن إِلَ ٌه َغ ْير اللَّ ِه يأ ِْتي ُكم ِب ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ان ﴾ [ سورة الرحمن‪ ،‬اآلية ‪: ] 68 :‬‬ ‫سياق االمتنان أيضاً تفيد العموم‪ِ ﴿ ،‬في ِهما فَ ِ‬
‫اك َه ٌة َو َن ْخ ٌل َو ُر َّم ٌ‬ ‫َ‬
‫س َذ ِائقَ ُة ا ْل َم ْو ِت ﴾ [ سورة‬
‫هذا سياق امتنان‪ ،‬ومن صيغ العموم أيضاً لفظ‪( :‬كل)‪ُ ﴿ ،‬ك ُّل َن ْف ٍ‬
‫األنبياء‪ ،‬اآلية ‪.] 35 :‬‬
‫ومن صيغ العموم أيضاً المضاف إلى ما اقترن بـ(أل)‪ ،‬سواء كان مفرداً أو جمعاً‪ ،‬المضاف إلى ما‬
‫وها ﴾ [ سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪ ﴿ ،] 18 :‬ي ِ‬
‫وصي ُك ُم اللّ ُه‬ ‫ص َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫اقترن بـ(أل) ﴿ َوإِن تَ ُعدُّواْ ن ْع َم َة اللّه الَ تُ ْح ُ‬
‫ِفي أ َْوالَ ِد ُك ْم ﴾ [ سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪ ،] 11 :‬يعني أضيف إلى معرفة‪ ،‬ومعروف أن الضمائر من‬
‫أعرف المعارف‪ ،‬حتى قال جمع من النحاة‪ :‬إن الضمائر أعرف المعارف على اإلطالق‪ ،‬وإ ن كان‬
‫رأي سيبويه أن لفظ الجاللة هو أعرف المعارف‪ ،‬وكالمه هو الصواب‪.‬‬
‫ثم قال ‪-‬رحمه اهلل‪:-‬‬
‫« والعموم من صفات النطق‪ ،‬وال تجوز دعوى العموم في غيره من الفعل وما يجري مجراه »‬
‫العموم من صفات النطق‪ ،‬والمراد بالنطق هو اللفظ والقول الملفوظ به‪ ،‬فالعموم يدخل في اللفظ‪،‬‬
‫في القول‪ ،‬وال يدخل في الفعل‪ ،‬فحكاية األفعال ال عموم لها‪.‬‬
‫كثيراً ما تسمعون‪ :‬هذه حكاية فعل وال عموم له‪ ،‬وال ما يجري مجرى الفعل من اإلشارة والقرائن‬
‫المفهمة وغيرها‪ ،‬فالمراد بالنطق‪ ،‬المصدر الذي هو المنطوق به‪ ،‬كما أن اللفظ يراد به الملفوظ به‪،‬‬
‫اسم المفعول‪.‬‬
‫فالفعل كجمعه ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬بين الصالتين في السفر‪ :‬اآلن المراد تقريره هنا‪ ،‬الجمع أو‬
‫كلمة السفر؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪110‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫قالوا‪" :‬كجمعه ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬بين الصالتين في السفر"‪ :‬معروف أن الفعل الجمع‪ ،‬كما‬
‫أن السفر أيضاً فعل‪ ،‬لكن المقصود هنا المثال من أجل الجمع أو أجل السفر؟ هم يمثلون بهذا قالوا‪:‬‬
‫كجمعه ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬بين الصالتين في السفر‪ ،‬هاه السفر أو الجمع؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬نقول‪ :‬الجمع فعـل‪ ،‬والسفر فعل‪ ،‬فعل وإ ال ما هو بفعل؟‬
‫السفر‪ :‬الذي هو المسافرة‪ ،‬البروز‪ ،‬السفر واإلسفار والسفور كله معناه بروز وظهور وخروج‪،‬‬
‫فهي أفعال‪ ،‬إذا قيل‪ :‬سافر فالن‪ ،‬وأسفر الصبح‪ ،‬وامرأة سافرة؛ كل هذا إلبرازها محاسنها‪ ،‬وهذا‬
‫لبروزه عن البلد وخروجه منه‪ ،‬وأسفر الصبح؛ لبيانه وظهوره وهكذا‪.‬‬
‫المقصود أن المثال‪ :‬كجمعه ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬بين الصالتين في السفر‪ ،‬قالوا‪ :‬ال يدل على‬
‫واحد منهما‪ ،‬فإنه إنما وقع في ٍ‬
‫واحد‬ ‫عموم الجمع في السفر الطويل والقصير؛ فإنه إنما وقع في ٍ‬
‫منهما‪.‬‬
‫أو نقول‪ :‬السفر من صيغ العموم؛ ألنه اقترن بـ(أل) الجنسية؟ ها يا إخوان تجاوبوا‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬السفر مقترن بـ(أل) فهو من صيغ العموم فيعم كل سفر‪.‬‬
‫نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬كيف؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬هو حكاية فعل‪ ،‬هذه حكاية فعل "كجمعه"‪ ،‬نعم‪ ،‬وال يلزم أن تكون هذه‬
‫صيغة الصحابي‪ ،‬هذه صيغة الذي أورد المثال‪.‬‬
‫الصيغة‪" :‬جمع النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬بين الصالتين في السفر"‪ ،‬نعم‪ ،‬فالمراد فعله ‪-‬عليه‬
‫الصالة والسالم‪ -‬لهذا الجمع‪ ،‬فعله ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬لهذا الجمع‪ ،‬فال يعني عموم ك ّل‬
‫صالة‪ ،‬بحيث كل صالة‪ ،..‬ما دام ثبت الجمع عن النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬بين الصالتين‪،‬‬
‫هل يشمل هذا كل صالة يصليها اإلنسان يجمعها مع غيرها؟‬
‫ال؛ ألن الفعل ال عموم له‪ ،‬هذا فعل يقتصر فيه على مورده‪ ،‬وفي السفر‪ ،..‬السفر مفرد معرف‬
‫بـ(أل) فهو من صيغ العموم‪ ،‬ويبقى أن هل العموم با ٍ‬
‫ق على عمومه‪ ،‬هل هو محفوظ‪ ،‬أو نقول‪ :‬هذا‬
‫إطالق؟ نقول هذا تعميم وإ ال إطالق؟ السفر له أفراد أو له أوصاف؟ نعم؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪111‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫طالب‪ :‬أوصاف‪.‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬يعني ما قدمنا الفرق بين التخصيص والتقييد؟ على شان يخدمنا هنا‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬له أوصاف‪ ،‬فلفظ السفر هنا مطلق‪ ،‬شامل للسفر الموصوفـ بالطول‪ ،‬والسفر الموصوف‬
‫ٍ‬
‫بأكيال معدودة‪،‬‬ ‫بالقصر‪ ،‬ولذا من يقول بعدم التحديد ال في الوقت بأيام محدودة‪ ،‬وال في المسافة‬
‫يقول‪ :‬السفر جاء في النصوص مطلقاً ويبقى على إطالقه‪ ،‬وهذا معروف من يقول به‪.‬‬
‫وجماهير أهل العلم على التقييد‪ ،‬على التقييد؛ ٍ‬
‫ألدلة ذكروها في موطنها‪ ،‬والخالف في هذه المسألة‬
‫معروف‪ ،‬والذي يجري مجرى الفعل كالقضايا المعينة‪ ،‬قالوا‪ :‬كالقضايا المعينة‪ ،‬مثل قضائه ‪-‬عليه‬
‫الصالة والسالم‪ -‬بالشفعة للجار‪ ،‬ولذا كثيراً ما تسمعون‪" :‬هذه قضية عين"‪ ،‬وقضايا األعيان ال‬
‫عموم لها‪ ،‬قضية عين‪ ،‬تسمعون هذا وإ ال ما تسمعون؟ نعم‪ ،‬وقضايا األعيان ال عموم لها‪.‬‬
‫مثل قضائه ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬بالشفعة للجار‪ ،‬أوالً الحديث فيه مقال‪ ،‬مروي عند النسائي‬
‫عن الحسن مرسالً‪ ،‬ومراسيل الحسن ضعفها معروف‪ ،‬قالوا‪ :‬فال يعم كل ٍ‬
‫جار؛ الحتمال‬
‫خصوصيته في ذلك الجار‪ ،‬احتمال خصوصية؛ ألنه يمكن هذا الجار شريك‪ ،‬ويحتاج إلى مثل هذا‬
‫وميزت الطرق فال شفعة‬
‫حدت الحدود ّ‬
‫القول؛ للنصوص الواردة في الشفعة‪ ،‬التي تقرر أنه‪ « :‬إذا ّ‬
‫»‪ ،‬وهذا في الصحيح‪ ،‬مع أنه جاء‪ « :‬والجار أحق بصقبه »‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬هذه قضية عين‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬هذه من المسائل التي يطول فيها الخالف‪ ،‬وتتباين فيها الوجهات‪،‬‬
‫لقائل أن يقول‪ :‬هذه قضية حكم بها النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬واألصل التشريع وأنه قدوة وأنه‬
‫أسوة‪ ،‬فنقضي بالشفعة لكل جار وأيش المانع؟‬
‫لكن مثل هذه األمور تسلك وإ ن كان فيها شيء من الضعف؛ للتوفيق بين النصوص المتعارضة‪،‬‬
‫تعرف أن نصوص الشفعة جاء فيها شيء‪ ،‬جاء ما يدل على الشفعة للجار‪ ،‬وجاء أيضاً أنه إذا‬
‫وميزت خالص فال شفعة‪ ،‬وجاء‪ « :‬الجار أحق بصقبه »‪ ،‬فال نقول بعموم شفعة‬‫حدت الحدود ّ‬
‫ٍ‬
‫اشتراك ونحوه‪.‬‬ ‫الجيران كلهم‪ ،‬إال إذا كان له شيء من‬
‫هذا الذي جعلهم يقولون‪ :‬إن مثل هذا ال يقتضي العموم‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬فال يعم كل ٍ‬
‫جار الحتمال الخصوصية في ذلك الجار‪ ،‬كذا في الشرح؛ ألن الجار مفرد‬
‫معرف بـ(أل) الجنسية‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪112‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫األصل فيه أنه عموم‪ ،‬لكن يبقى أنها قضية عين‪ ،‬ال عموم لها‪ ،‬يعني لو قال‪ :‬النبي ‪-‬عليه الصالة‬
‫والسالم‪( :-‬الشفعة للجار) من قوله ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬ما اختلفوا بأن هذا عموم‪ ،‬لكن بكونه‬
‫فعل وقضاء منه ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬حصل الخالف‪ ،‬وقالوا‪ :‬هذه قضية عين‪ ،‬لكن لو جاء‬
‫لفظ عام‪ ،‬فالعموم يدخل األلفاظ بخالف األفعال ‪-‬على ما ّبينوا‪ -‬لكن يقول الشوكاني‪" :‬رجحان‬
‫عمومه‪ ،‬وضعف دعوى احتمال كونه خاصاً في غاية الوضوح"‪ ،‬الشوكاني يقول‪" :‬رجحان عمومه‬
‫وضعف دعوى احتمال كونه خاصاً في غاية الوضوح"‪.‬‬
‫وال شك أن األصل االقتداء‪ ،‬وأننا ملزمون بامتثال أقواله وأفعاله ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬إذا كانت‬
‫تشريعاً ‪-‬كما هو معروف‪ -‬في قوله وعمله وقضاءه وغير ذلك‪ ،‬فاألصل االقتداء واالئتساء به‬
‫عليه الصالة والسالم‪.‬‬

‫‪‬هذا سؤال‪ :‬يقول ما هي نصيحتكم لطالب العلم بعد هذه الدورة خصوصاً المبتدئين منهم؟‬
‫نكرر ما بدأنا به سابقاً أن األصل ‪-‬أصل العلوم كلها‪ -‬كتاب اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬وسنة نبيه ‪-‬عليه‬
‫الصالة والسالم‪ ،-‬فعلى طالب العلم أن يعتني بكتاب اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬قراءةً وحفظاً وفهماً وعمالً‬
‫وتدبراً؛ فقراءة القرآن ‪-‬كما يقول شيخ اإلسالم‪ -‬على الوجه المأمور به تورث اإلنسان من العلم‬
‫واليقين والبصيرة ما ال يدركه إال من عمل مثل هذا العمل‪.‬‬

‫فتدبر القرآن إن رمت الهدى *** فالعلم تحت تدبر القرآن‬

‫فعلى طالب العلم أن يعتني بكتاب اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬حفظاً وقراءةً وفهماً وعمالً‪ ،‬ويطالع عليه أقوال‬
‫أهل العلم مما يوضحه من أقوال أهل العلم الموثوقين في عقيدتهم وسالمة قصدهم ومنهجهم‪ ،‬ثم‬
‫يعتني بسنة نبيه ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬وال ينسى ما يعينه على فهم الكتاب والسنة مما يسمى‬
‫بعلوم اآللة‪ ،‬لكن ج ّل الوقت والهم األكبر للمقاصد‪ ،‬وال ينسى الوسائل التي تعينه على فهم الكتاب‬
‫والسنة‪.‬‬
‫فيعتني بكتاب اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬وسنة نبيه ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬بالتدريج‪ ،‬فيتعلم على طريقة‬
‫الصحابة ‪-‬رضوانـ اهلل عليهم‪ -‬يتعلم العشر اآليات‪ ،‬فيقرؤها قراءة صحيحة‪ ،‬ويحفظها‪ ،‬ويفهم ما‬
‫علم وعمل‪ ،‬كما فعلوا ‪-‬رضوان اهلل عليهم‪ -‬وبهذا يثبت الحفظ من جهة‪ ،‬ويرسخ العمل‪،‬‬ ‫فيها من ٍ‬
‫ويثبت العلم‪ ،‬ويرسخ المحفوظ على طريقة السلف الصالح ‪-‬رضوانـ اهلل عليهم‪.-‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪113‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫وأما السنة فيأخذ منها أيضاً بالتدريج‪ ،‬وكل يعرف ما وهبه اهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬له من قو ٍة في‬
‫الحفظ والفهم‪ ،‬ال يكلف نفسه أكثر مما يطيق؛ « اكلفوا من العمل ما تطيقون؛ فإن اهلل ال يمل حتى‬
‫تملوا »‪.‬‬
‫يوم واحد أو في ٍ‬
‫وقت واحد!‬ ‫نجد اإلنسان يأتي متحمس يبي يلتهم العلم كله في ٍ‬
‫ما يمكن‪ ،‬تجد الحافظة ضعيفة‪ ،‬والفهم ضعيف‪ ،‬ثم يأتي إلى القرآن يقول‪ :‬كل يوم جزء مدة شهر‬
‫وأنا حافظ‪ ،‬ما يمكن‪ ،‬مثل هذا النوع يحفظ آية آيتين يفهم هاتين اآليتين وما فيهما من العلم والعمل‪،‬‬
‫ثم من الغد كذلك‪ ،‬والذي يليه كذلك وهكذا‪.‬‬
‫المقصود أن العلم يؤخذ بالتدريج‪ ،‬ويؤخذ من أهله الموثوقين‪ ،‬وال يقول‪ :‬أنا الحمد اهلل عندي حافظة‬
‫وعندي فهم وعندي قدرة على االطالع واالستيعاب‪ ،‬ولست بحاجة إلى حضور مجالس العلم؟ ال‪.‬‬
‫نقول‪ « :‬من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل اهلل له به طريقاً إلى الجنة »‪ ،‬وليس المراد‪ ،..‬ال‬
‫يكون المراد من حضور الدروس هو أخذ العلم فقط‪ ،‬بل التأدب بأدب الشيوخ واالقتداء بهم في‬
‫سمتهم وكيفية تحريهم وضبطهم‪ ،‬ولذا يقول ابن الجوزي في ترجمة أحد شيوخه‪ :‬إنه استفاد من‬
‫بكائه ولم يستفد من علمه"‪ ،‬مع أن البكاء اآلن ‪-‬واهلل المستعان‪ -‬ال يكاد يذكر‪ ،‬لكن يبقى أن هناك‬
‫من إذا رؤوا‪ ،..‬أناس من إذا رؤوا ذكر اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬واهلل المستعان‪.‬‬
‫فعلينا أن نعتني بهذا الباب إضافةً إلى أن األجر مرتب على سلوك الطريق‪ ،‬ما رتب على‬
‫التحصيل‪ ،‬األجر مرتب على السلوك‪ « ،‬من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل اهلل له به طريقاً‬
‫إلى الجنة »‪ ،‬ما قال‪ :‬من صار عالماً سهل اهلل له‪ ..‬الخ؟ ال‪.‬‬
‫نعم العلماء لهم أجرهم وثوابهم ال سيما العاملون بعلمهم‪ ،‬من عمل بعلمه‪ ،‬الربانيون الذين يعلمون‬
‫الناس ويدلونهم على الخير‪ ،‬ومن دل على خير فله مثل أجر فاعله‪.‬‬
‫فعلى اإلنسان أن يحرص في تحصيل العلم وال يتراخى‪ ،‬ويكون همه العلم والعمل‪ ...... ،‬الشيخ‬
‫حضر اآلن‪ ،‬إن كان هناك أسئلة تعرض بقيتها على الشيخ‪،‬‬
‫واهلل أعلم وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪114‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫السا ِبعُ‬
‫س َّ‬‫الد َّْر ُ‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد‪ ،‬وعلى آله‬
‫وصحبه أجمعين أما بعد‪ :‬فقد قال إمام الحرمين ‪-‬رحمه اهلل‪:-‬‬

‫والخاص يقابل العام‪ ،‬والتخصيص‪ :‬تمييز> بعض الجملة‪ ،‬وهو ينقسم إلى‪ :‬متصل> ومنفصل‪،‬‬
‫فالمتصل‪ :‬االستثناء والشرط والتقييد في الصفة‪.‬‬
‫واالستثناء‪ :‬إخراج ما لواله لدخل في الكالم‪ ،‬وإ نما يصح االستثناء بشرط أن يبقى من المستثنى>‬
‫منه شيء‪ ،‬ومن شرطه أن يكون متصالً بالكالم‪ ،‬ويجوز تقديم المستثنى على المستثنى منه‪>،‬‬
‫ويجوز االستثناء من الجنس ومن غيره‪ ،‬والشرط يجوز أن يتقدم على المشروط‪ ،‬والمقيد‬
‫قيدت باإليمان في بعض المواضع فيحمل المطلق على‬
‫بالصفة يحمل عليه المطلق كالرقبة ّ‬
‫المقيد‪.‬‬
‫وأطلقت‪ .‬قيدت باإليمان في بعض المواضع‪ ،‬وأطلقت في بعض المواضع؟‬
‫وأطلقت في بعض المواضع فيحمل المطلق على المقيد‪.‬‬

‫« َّ‬
‫الش ْـر ُح » ‪:‬‬
‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫إتماماً لما بدأنا شرحه من كتاب الورقات إلمام الحرمين المعالي الجويني عبد اهلل بن يوسف‬
‫الشافعي ‪-‬المعروف عند أهل العلم ‪-‬عند أهل الكالم واألصول والنظر‪ -‬بعد أن أخذنا شيئاً من‬
‫مباحث األصول‪ ،‬وشرحنا العام وما يراد به‪ ،‬وأمثلة للعموم‪ ،‬وأنه من صفات النطق‪ ،‬وال يدخل في‬
‫الفعل‪ ،‬ذكر المؤلف بعد ذلك ما يقابله وهو الخاص‪ ،‬فالذي يقابل العام هو الخاص‪ ،‬كما أن الذي‬
‫المبين وهكذا‪.‬‬
‫يقابل المطلق‪ :‬المقيد‪ ،‬والذي يقابل المجمل‪ّ :‬‬
‫يقول في تعريف الخاص‪ « :‬يقابل العام »‪ :‬يكفي أن يقال هذا؟ أن يقال‪ :‬الخاص يقابل العام؟ هل‬
‫هذا حد؟ أو ال بد من الرجوع إلى تعريف العام؛ لنعرف الخاص؟‬
‫إذا ذكر المقابل ال بد من الرجوع إلى ما يقابله؛ لمعرفته‪ ،‬فإذا قلت‪ :‬الحرام ضد الحالل‪ ،‬ال بد أن‬
‫تعرف الحالل‪ ،‬وإ ذا قلت‪ :‬الواجب ضد الحرام ال بد أن تعرف الحرام؛ لكي تعرف ما يقابله‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪115‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫بم عرف العام؟‬


‫وهنا يقول‪ « :‬الخاص يقابل العام »‪َ ،‬‬
‫عم شيئين فصاعداً بال حصر‪ ،‬وعرفنا أن هذا قيد ال بد‬
‫عم شيئين فصاعداً‪ ،‬يعني بال حصر‪ ،‬ما ّ‬
‫ما ّ‬
‫عم أكثر من واحد ‪-‬اثنين فصاعداً مع الحصر‪ -‬ال يدخل في العام‪ ،‬على ما سبق‬
‫منه؛ ألن ما ّ‬
‫تقريره‪.‬‬
‫وهنا يقول‪ « :‬الخاص يقابل العام » ‪ :‬إذن الخاص‪ :‬ما ال يتناول دفعةً شيئين فصاعداً‪ :‬يعني دفعة‬
‫واحدة ال يتناول شيئين فصاعداً‪ ،‬لكن لو تناول الشيئين فصاعداً مع الحصر‪ ،..‬عرفنا أن قولهم‪ :‬بال‬
‫حصر قيد مخرج ما تناول شيئين فصاعداً مع الحصر؛ إذا قيل‪ :‬مائة هذا عام وإ ال خاص؟ نعم؟‬
‫ٍ‬
‫بشخص‬ ‫خاص؛ ألنه محصور‪ ،‬وإ ن تناول أكثر من شيئين‪ ،‬فالخاص يدل على الحصر‪ ،‬إما‬
‫كاألعالم مثل‪ :‬محمد وأحمد‪ ،‬أو اإلشارة‪ :‬كهذا وهذه‪ ،‬أو بعدد محدد نحو‪ :‬عشرة‪ ،‬وعشرون‪،‬‬
‫ومائة‪ ،‬وما أشبه ذلك‪.‬‬
‫ثم قال بعد ذلك‪ « :‬والتخصيص تمييز> بعض الجملة » ‪ :‬التخصيص تمييز بعض الجملة‪ ،‬أي‬
‫إخراج بعض الجملة‪ ،‬أيش الجملة؟ أفراد العام‪.‬‬
‫« التخصيص تمييز> بعض الجملة » ‪ :‬تمييز أيش من أيش؟ أيش معنى تمييز هنا؟‬
‫ُّها ا ْل ُم ْج ِر ُم َ‬
‫ون ﴾ [ سورة يس‪،‬‬ ‫امتَ ُازوا ا ْل َي ْو َم أَي َ‬
‫اإلخراج‪ ،‬يعني فصل شيء عن شيء‪ ،‬تمييز‪َ ﴿ :‬و ْ‬
‫اآلية ‪ ،] 59 :‬أيش معناه؟‬
‫يعني تميزوا عن غيركم‪ ،‬انفصلوا عن غيركم‪ ،‬وهنا قال‪ « :‬التخصيص تمييز> بعض الجملة » ‪:‬‬
‫الجملة المراد به ما يتناوله العام من أفراد‪ ،‬والتخصيص تمييز بعض هذه األفراد‪ :‬يعني فصلها عن‬
‫غيرها من األفراد التي يشملها العام‪ ،‬وعلى هذا نقول‪ :‬التخصيص‪ :‬إخراج بعض أفراد العام‪ ،‬هل‬
‫هناك فرق بين أن نقول‪ :‬التخصيص تمييز بعض الجملة ‪-‬كما قال‪ -‬أو نقول‪ :‬التخصيص إخراج‬
‫بعض أفراد العام بالمخصصات التي سيلي ذكرها؟ هناك فرق وإ ال ما في فرق؟‪ ،..‬لكن أيهما‬
‫أوضح؟‬
‫الثاني أوضح‪ ،‬وإ ن كان المراد بالجملة اللفظ العام الذي تناول أفراداً‪ ،‬والتمييز فصل هذه األفراد‬
‫التي جاء الشرع بإخراجها من اللفظ العام‪ ،‬أي‪ :‬إخراج بعض الجملة التي يتناولها اللفظ العام‪،‬‬
‫ين ﴾ [ سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪ ﴿ ،] 5 :‬اقْتُلُواْ‬ ‫ش ِر ِك َ‬
‫كإخراج المعاهدين من قوله تعالى‪ ﴿ :‬اقْتُلُواْ ا ْل ُم ْ‬
‫ين ﴾؟ يعني‬ ‫ش ِر ِك َ‬
‫ق على عمومه؟ يعني هو عام محفوظ؟ ﴿ اقْتُلُواْ ا ْل ُم ْ‬ ‫ش ِر ِك َ‬
‫ين ﴾‪ :‬هذا عام با ٍ‬ ‫ا ْل ُم ْ‬
‫مسلم يجد مشركاً عليه أن‪ ،..‬يجب عليه أن يقتله‪ ،‬لكن هل هذا العموم محفوظ؟‬ ‫مقتضاه أن كل ٍ‬
‫بمعنى أنه يجب قتل كل مشرك‪ ،‬أو أنه مخصوص‪ ،‬أو أنه عام أريد به الخصوص؟ هاه‪ ،‬نعم؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪116‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬عام أريد به الخصوص‪ ،‬أيش معنى العام الذي أريد به الخصوص؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬ما الذي أخرج غير المحاربين؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬إذن عام مخصوص وإ ال أريد به الخصوص؟ أيش الفرق بين العام‬
‫المخصوص‪ ،‬والعام الذي أريد به الخصوص؟ ما الفرق بينهما؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ابتداء ال‬
‫ً‬ ‫ابتداء‪ ،‬نعم ال يريد إدخال هذه األفراد المخصوصة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ض ْير ‪ :‬المتكلم‬ ‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬‫َّ‬
‫يريد إدخال هذه األفراد‪ ،‬فهو عام أريد به الخصوص‪ ،‬والعام المخصوص يعني لم يرد على خاطر‬
‫اس‬
‫الن ُ‬ ‫ُ‬ ‫المتكلم أنه يريد هؤالء الذين يريد إخراجهم‪ ،‬يعني في قوله ‪-‬جل وعال‪ ﴿ :-‬الَّ ِذ َ‬
‫ين قَا َل لَ ُهم َّ‬
‫اس‬ ‫ال لَ ُهم َّ‬
‫الن ُ‬ ‫ين قَ َ ُ‬ ‫ش ْو ُه ْم ﴾ [ سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪ ﴿ .] 173 :‬الَّ ِذ َ‬
‫اخ َ‬
‫اس قَ ْد َج َم ُعواْ لَ ُك ْم فَ ْ‬ ‫إِ َّن َّ‬
‫الن َ‬
‫﴾ ‪ :‬المراد بهم؟ نعم؟‬
‫اس قَ ْد َج َم ُعواْ لَ ُك ْم ﴾ ‪ :‬نعيم بن مسعود شخص واحد؟ اللفظ‬ ‫اس إِ َّن َّ‬
‫الن َ‬ ‫ال لَ ُهم َّ‬
‫الن ُ‬ ‫ين قَ َ ُ‬ ‫الذين ﴿ الَّ ِذ َ‬
‫عام‪ :‬الناس‪ ،‬اللفظ عام‪ ،‬لكنه يراد به شخص واحد‪ ،‬عام أريد به الخصوص‪ ،‬يعني هل مراد المتكلم‬
‫ابتداء‪ ،‬ثم جاء نص آخر يخرج من عدا نعيم بن‬
‫ً‬ ‫‪-‬وهو اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬جميع الناس؟ هل أراد هذا‬
‫مسعود؟ أو أنه في األصل أريد به الخصوص؟ نعم؟‬
‫اس ﴾ ‪ :‬الناس كلهم جمعوا لكم؟‬ ‫اس إِ َّن َّ‬
‫الن َ‬ ‫الن ُ‬ ‫ُ‬ ‫هذا من األصل أريد به الخصوص‪ ﴿ ،‬الَّ ِذ َ‬
‫ين قَا َل َل ُهم َّ‬
‫جميع من على وجه األرض من الناس جمعوا للنبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬وأصحابه؟ أو أناس‬
‫مخصوصون أيضاً؟ مخصوصون‪ ،‬لكن هل جاء نص يخصص هذا العموم؟ أو أنه من العام الذي‬
‫أريد به الخصوص أيضاً؟‬
‫عام أريد به الخصوص أيضاً؛ العام المخصوص مثل هذا النص‪ ،‬لو جاء نص آخر يخرج بقية‬
‫ش ِر ِك َ‬
‫ين ﴾‪.‬‬ ‫أفراد العام‪ ،‬نقول‪ :‬عام مخصوص‪ ﴿ ،‬اقْتُلُواْ ا ْل ُم ْ‬
‫المثال الذي معنا هل هو من النوع األول عام أريد به الخصوص؟ اهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬أراد من‬
‫المشركين أناساً معينين‪ ،‬أو أراد جميع أنواع المشركين؟ ثم جاء من يخرج بعض هؤالء األفراد؟‬
‫جاءت نصوص أخرى تخرج بعض هؤالء األفراد؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪117‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫اهدتُّ ْم﴾‬ ‫عام مخصوص جاءت نصوص تخرج‪ ،‬فأخرج المعاهد في قوله تعالى‪ ﴿ :‬إِالَّ الَّ ِذ َ‬
‫ين َع َ‬
‫خالف بين أهل العلم في الكتابي‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫[ سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪ ،] 7 :‬أخرج المعاهد‪ ،‬أخرج الكتابي‪ ،‬على‬
‫هل يقال له‪ :‬مشرك أو ال؟‬
‫اإلخوان معنا وإ ال ما هم معنا؟‬
‫ش ِر ِك َ‬
‫ين ﴾ ‪ :‬عرفنا أن المعاهد خرج بالنص الخاص وهو االستثناء‪.‬‬ ‫﴿ اقْتُلُواْ ا ْل ُم ْ‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬والكتابي؟‬
‫خرج‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير ‪َ ﴿ :‬حتَّى ُي ْعطُواْ ا ْل ِج ْز َي َة ﴾ [ سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪ ،] 29 :‬فإذا أعطوا‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫خالف بين أهل العلم‪ :‬هل يدخل أهل الكتاب في هذه اآلية أو ال يدخلون؟‬ ‫ٍ‬ ‫الجزية حرم قتلهم‪ ،‬على‬
‫يعني هل يقال للكتابي‪ :‬مشرك أو ليس بمشرك‪ ،‬يعني فرق بين أن نقول‪ :‬فالن مشرك‪ ،‬أو فيه‬
‫شرك؟ وبين أن نقول‪ :‬فالن مبتدع أو فيه بدعة‪ ،‬وبين أن نقول‪ :‬فالن منافق أو نقول‪ :‬فيه نفاق؟ أو‬
‫نقول‪ :‬زيد جاهلي وأبو ٍ‬
‫ذر فيه جاهلية؟ ظاهر وإ ال مو بظاهر؟‬
‫أبو ذر قال له النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ « :-‬إنك امرؤ فيك جاهلية » ‪ ،‬هل نستطيع أن نقول‪:‬‬
‫‪-‬عيره‬
‫إن أبا ذر جاهلي؟ ال يستطيع أحد‪ ،‬بل من خيار الصحابة من سادات األمة‪ ،‬لكن فيه خصلة ّ‬
‫بأمه‪ -‬إذن فيه خصلة من خصال الجاهلية‪.‬‬
‫فالن يكذب والكذب من خصال المنافقين‪ ،‬هل نستطيع أن نقول‪ :‬فالن منافق؛ ألنه يكذب؟ أو نقول‪:‬‬
‫فيه خصلة من خصال المنافقين؟‬
‫بشيء من البدعة‪ ،‬نقول‪ :‬فيه بدعة‪ ،‬من وافق المبتدعة في ٍ‬
‫شيء واحد‬ ‫ٍ‬ ‫تلبس‬
‫فيه خصلة‪ ،‬ومثله‪ :‬من ّ‬
‫مما يقولون‪ :‬به‪ ،..‬ممن لهم أصول كالمعتزلة مثالً‪ ،‬شخص من أهل السنة وافق المعتزلة في مسألة‬
‫من مسائلهم هل يقال‪ :‬هذا معتزلي أو فيه اعتزال؟‬
‫طالب‪ :‬فيه اعتزال‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬فيه اعتزال‪.‬‬
‫ش ِر ِك َ‬
‫ين ﴾ ‪ :‬أهل الكتاب ال شك أن فيهم‬ ‫نأتي إلى دخول أهل الكتاب في المشركين‪ ﴿ ،‬اقْتُلُواْ ا ْل ُم ْ‬
‫شرك؛ يعبدون مع اهلل غيره ‪-‬عزير والمسيح وغيرهم‪ -‬ما الذي يخرج أهل الكتاب من لفظ‬
‫المشركين؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪118‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير ‪ :‬هو ال شك أن هناك فروق بين أهل الكتاب وبين غيرهم من طوائف‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫الكفر‪ ،‬ال شك أن أهل الكتاب كفار‪ ،‬والجنة عليهم حرام؛ « ال يسمع بي يهودي وال نصراني> ثم ال‬
‫يؤمن بي إال دخل النار »‪.‬‬
‫ش ِر ِك َ‬
‫ين ﴾‪ ،‬ثم‬ ‫على كل حال هم كفار إجماعاً‪ ،‬لكن هل يدخلون في مثل هذا النص‪ ﴿ :‬اقْتُلُواْ ا ْل ُم ْ‬
‫ون ﴾‬
‫اغ ُر َ‬ ‫نحتاج إلى إخراجهم بقوله ‪-‬جل وعال‪ ﴿ :-‬حتَّى يعطُواْ ا ْل ِج ْزي َة عن ي ٍد و ُهم ص ِ‬
‫َ َ َ َ ْ َ‬ ‫َ ُْ‬
‫[ سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪ ،] 29 :‬أو نقول‪ :‬هم أصالً ال يدخلون في هذا النص؟‬
‫طالب‪ :‬آية في القرآن‪......‬‬
‫ض ْير ‪ :‬أيش تقول؟‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫سولُ ُه َوالَ‬ ‫ون ِباللّ ِه والَ ِبا ْليوِم ِ‬
‫اآلخ ِر َوالَ ُي َحِّر ُم َ‬ ‫طالب‪ ﴿ :‬قَ ِاتلُواْ الَّ ِذ َ‬
‫ين الَ ُي ْؤ ِم ُن َ‬
‫ون َما َحَّر َم اللّ ُه َو َر ُ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫اب ﴾ [ سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪.] 29 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ق ِم َن الَّ ِذ َ‬ ‫ون ِد َ‬
‫َي ِدي ُن َ‬
‫ين أُوتُواْ ا ْلكتَ َ‬ ‫ين ا ْل َح ِّ‬
‫ض ْير ‪ :‬يخرجون بهذا؟‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫طالب‪ :‬هذه اآلية تخرجهم‪.....‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬هم يقاتلون حتى يعطوا الجزية‪ ،‬هذا ما فيه إشكال‪ ،‬حتى يعطوا‬
‫الجزية يقاتلون‪ ،‬لكن هل دخولهم ‪-‬األمر بقتالهم‪ -‬بهذا النص؟ أو بالنص اآلخر الذي ذكرتَه؟‬
‫طالب‪....:‬االستثناء‪......‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬ما أصبنا المحز إلى اآلن؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬ما هو بالعموم في (اقتل)‪ ،‬الكالم في المشركين‪ ،‬هل يقال‪ :‬أهل‬
‫ٍ‬
‫بمحمد ‪-‬عليه‬ ‫الكتاب مشركون؟ هم كفار بال شك‪ ،‬بال نزاع كفار‪ ،‬والجنة عليهم حرام ما لم يؤمنوا‬
‫الصالة والسالم‪ -‬ويلتزموا بشريعته‪ ،‬لكن هل هم داخلون في هذه اآلية لنحتاج إلى إخراجهم؟‬
‫بمعنى أن عموم المشركين في هذه اآلية يتناول الكفار األصليين الذين أشركوا مع اهلل غيره‪،‬‬
‫ويتناول أهل الكتاب‪ ،‬فأخرجنا المعاهد باالستثناء‪ ،‬ونخرج من هذه اآلية أهل الكتاب بإعطاء الجزية‬
‫كما نصت على ذلك األدلة‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬الكالم‪ ،..‬أصل المسألة هل يدخل أهل الكتاب في المشركين؟ لنحتاج‬
‫إلى إخراجهم؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪119‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫ات َحتَّى ُي ْؤ ِم َّن ﴾ [ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪ :] 221 :‬نحتاج إلى قوله تعالى‪:‬‬ ‫ش ِر َك ِ‬ ‫﴿ والَ تَ ِ‬
‫نك ُحواْ ا ْل ُم ْ‬ ‫َ‬
‫اب ﴾ [ سورة المائدة‪ ،‬اآلية ‪] 5 :‬؟‬ ‫ِ‬ ‫ات ِم َن الَّ ِذ َ‬
‫ين أُوتُواْ ا ْلكتَ َ‬ ‫ص َن ُ‬
‫نساؤهم حل لكم؟ ﴿ َوا ْل ُم ْح َ‬
‫المقصود نحتاج إلى مثل هذا النص المخصص لنخرج مثال الكتابيات من هذا‪ ،‬أو نقول‪ :‬هم ال‬
‫يدخلون في المشركين أصالً؟ وال يقال‪ :‬أهل الكتاب مشركون‪ ،‬يقال كفار أهل كتاب‪ ،‬لكن ما يقال‪:‬‬
‫ش ِر ِك َ‬
‫ين﴾‬ ‫َه ِل ا ْل ِكتَ ِ‬
‫اب َوا ْل ُم ْ‬ ‫ين َكفَُروا ِم ْن أ ْ‬
‫مشركون؛ بدليل عطفهم على الكفار‪ ﴿ :‬لَ ْم َي ُك ِن الَّ ِذ َ‬
‫[ سورة البينة‪ ،‬اآلية ‪ ،] 1 :‬والعطف عند أهل العلم يقتضي المغايرة؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬هنا ما فيه خالف‪ ،‬لكن المقصود اللفظ عموم المشركين؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬ما يدخلون‪ ،‬فال نحتاج إلى إخراجهم‪ ،‬هم ما دخلوا أصالً في العموم‬
‫لنحتاج إلى إخراجهم‪.‬‬
‫على كل حال المسألة معروفة ‪-‬خالفية بين أهل العلم‪ -‬فيرى أهل العلم أنهم ال يدخلون في‬
‫ات ﴾ [ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪:‬‬ ‫ش ِر َك ِ‬ ‫نصوص المشركين فال نحتاج إلى تخصيص‪ ﴿ ،‬والَ تَ ِ‬
‫نك ُحواْ ا ْل ُم ْ‬ ‫َ‬
‫‪ ] 221‬بحل نساء أهل الكتاب؛ ألنهم لم يدخلوا أصالً‪ ،‬وال يدخلون في مثل هذا النص‪ ﴿ :‬اقْتُلُواْ‬
‫ين ﴾ [ سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪ ،] 5 :‬وإ ن جاء فيهم نصوص خاصة‪.‬‬ ‫ش ِر ِك َ‬
‫ا ْل ُم ْ‬
‫ومنهم من يقول‪ :‬هم مشركون‪ ،‬والتنصيص عليهم بعد المشركين أو قبل المشركين من باب ذكر‬
‫الخاص بعد العام أو عكسه وهذا للعناية بشأن الخاص واالهتمام به‪ ،‬والمسألة خالفية على كل‬
‫حال‪.‬‬
‫طالب‪ :‬هل يقال‪....:‬في حقيقة الشرك الشرعية وإ ال االصطالحية؟‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬تقصد أن الحقيقة العرفية للشرك تختلف عن الحقيقة الشرعية؟‬
‫طالب‪ :‬يعني نحاول أن نجمع بين القولين‪ ،‬بمعنى‪......‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬هم أشركوا‪ ،‬فيهم شرك‪ ،‬ال خالف في أن فيهم شرك وهم كفار‪ ،‬لكن‬
‫هل يقال لهم‪ :‬مشركون؟‬
‫ألننا عرفنا أن هناك فرق بين أن يقال‪ :‬فالن مشرك‪ ،‬وبين فالن فيه شرك؟ وبين أن يقال‪ :‬فالن‬
‫مبتدع وفالن فيه بدعة‪ ،‬وفالن جاهلي وفالن فيه جاهلية‪ ،‬فالن منافق‪ ،..‬يعني فرق بينهم‪ ،‬ابن أبي‬
‫منافق‪ ،‬وشخص من المسلمين يزاول الكذب ويمتهنه‪ ،‬فيه نفاق‪ ،‬فيه خصلة من خصال النفاق‪ ،‬نعم‪،‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪120‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫وأبو جهل جاهلي وأبو طالب وعبد المطلب كلهم جاهليون‪ ،‬لكن أبو ذر فيه جاهلية؟ فرق بين هذا‬
‫وهذا‪.‬‬
‫يعني هل يستطيع أن يقول شخص‪ :‬منذر بن سعيد البلوطي ‪-‬من كبار علماء السنة في المغرب في‬
‫األندلس‪ -‬أنه معتزلي؛ ألنه يقول بفناء الجنة والنار؟ جهمي؟ هو جهمي أو فيه تجهّم؛ ألنه وافق‬
‫الجهمية في هذه المسألة؟ نعم؟‬
‫طالب‪ :‬فيه تجهم‪.‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬فيه تجهّم‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫على كل حال المسألة بس من أجل تقرير المثال الذي معنا وتوضيحه‪ ،‬وإ ال ما تحتاج إلى كل هذا‬
‫البسط‪.‬‬
‫يقول الناظم ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪:-‬‬

‫ٍ‬
‫حصر جرى‬ ‫والخاص لفظ ال يعم أكثرا *** من ٍ‬
‫واحد أو عم مع‬

‫عرفنا أن لفظ مائة خاص وإ ال عام؟‬


‫طالب‪......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬خاص وإ ن تناول أكثر من واحد لكنه مع الحصر‪ ،‬فالعام إذا كان‬
‫يتناول أفراداً عديدة من غير حصر‪ ،‬فالخاص ما ال يتناول إال واحداً فقط أو أكثر مع الحصر اثنين‬
‫أو ثالثة أو أكثر‪ ،‬والتخصيص كما قال المؤلف‪ « :‬تمييز> بعض الجملة » ‪ :‬وقلنا‪ :‬إنه إخراج‬
‫بعض أفراد العام من حكمه‪ ،‬أي جعل الحكم الثابت للعام مقصوراً على بعض أفراده؛ إلخراج‬
‫البعض اآلخر عنه‪ ،‬يقول الغزالي‪...:‬‬
‫اآلن التخصيص فيه خالف وإ ال ما فيه خالف؟ ال شك أنه توجد ألفاظ عامة في النصوص تتناول‬
‫أفراداً من غير حصر‪ ،‬هذا األمر متفق عليه‪ ،‬كما أنه يوجد أفراد تدل على‪ ،..‬توجد ألفاظ تدل على‬
‫أفراد من ذلك العام‪ ،‬ظاهر وإ ال ما هو ظاهر؟ يعني ما في النصوص عموم وخصوص؟ في خالف‬
‫وإ ال ما في خالف؟ مجرد الوجود فيه خالف وإ ال ما فيه خالف؟‬
‫ما فيه خالف‪ ،‬لكن التخصيص فيه خالف وإ ال ما فيه خالف؟ التخصيص؟! في خالف يسوى من‬
‫ينقله وإ ال ما يسوى؟ وحجته؟‬
‫أوالً‪ :‬العموم الذي لم يدخله شيء من المخصصات يسمى محفوظ‪ ،‬ظاهر وإ ال ما هو ظاهر؟ يسمى‬
‫محفوظ‪ ،‬والنص إذا كان محفوظاً يكون في غاية القوة‪ ،‬والعموم إذا دخله المخصصات‪ ،‬فأيش‪،..‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪121‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫ماذا يجري له؟ تضعف داللته‪ ،‬يضعف‪ ،‬فالذين ينكرون التخصيص هم شذاذ؛ لئال تضعف دالئل‬
‫هذه النصوص‪ ،‬أو دالالت هذه النصوص‪ ،‬إذن يوجد شذاذ قالوا‪ :‬إنه ال تخصيص وإ ن وجد ألفاظ‬
‫خاصة‪ ،‬لماذا؛ ألن التخصيص إضعاف لداللة العموم‪.‬‬
‫أشرنا مراراً وفي مناسبات أن الخصائص ال تقبل التخصيص‪ ،‬ويقول بهذا من الجلة‪ :‬ابن عبد البر‬
‫وابن عمر ‪-‬رحمة اهلل عليه‪ -‬ومن المتأخرين ابن حجر‪.‬‬
‫ليش؟ لماذا؟ الخصائص ال تقبل التخصيص؟ هذا أشرنا له في مناسبات يمكن في الورقات أشرنا‬
‫إليه‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬نعم؟ حضرت؟ ما أشرنا له في الورقات؟ ما قلنا‪ :‬إن ابن عبد البر‬
‫وابن حجر يقوالن ‪-‬ومعهم جمع‪ :-‬إن الخصائص ال تقبل التخصيص؟ ذكرنا؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬أشير في مناسبات كثيرة لكن ال مانع أن نشير إلى ذلك باختصار‪.‬‬
‫الخصائص‪ :‬هي تشريف وتكريم للنبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬والتخصيص مقتضاه تقليل لهذا‬
‫التكريم وذلك التشريف‪ ،‬إذن هذا التشريف وهذا التكريم ال يقبل هذا التقليل‪ ،‬أيش معنى أن النبي‬
‫‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬نعطيه هذه الخصائص ثم نخرج منها بعض األفراد؟ ظاهر وإ ال مو‬
‫بظاهر؟‬

‫جعلت لي األرض مسجداً وطهوراً »‪ ،‬ثم يأتي حديث أبي مرثد الغنوي‪ « :‬ال تصلوا إلى القبور‬
‫وال تجلسوا عليها »‪ ،‬فالصالة في المقابر ال تصح‪ ،‬لماذا؟‬
‫ألن هذا نص خاص‪ ،‬وحديث‪ « :‬جعلت لي األرض مسجداً وطهوراً » عام‪ ،‬والخاص مقدم على‬
‫العام‪ ،‬يعني لو أراد شخص أن يصلي في المقبرة مستدالً بقوله ‪-‬عليه الصالة والسالم‪:-‬‬
‫« جعلت لي األرض مسجداً وطهوراً »‪ ،‬يبي يتيمم ويصلي في المقبرة‪ ،‬وهذا اللفظ من الخصائص‬
‫‪-‬كما هو معروف‪ -‬من الخصائص وإ ال ال؟ من الخصائص‪ ،‬يمنع‪ .‬كيف يمنع؟‬
‫نقول‪ :‬الرسول ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬قال‪ « :‬ال تصلوا إلى القبور »‪ ،‬ونهى عن تشبيه البيوت‬
‫بالمقابر التي ال يصلى فيها‪ ،‬فهذه نصوص خاصة‪ ،‬تخرج المقابر من عموم‪ « :‬جعلت لي األرض‬
‫مسجداً وطهوراً » ‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪122‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫ابن عبد البر يقول‪ :‬ال‪ .‬ليست خاصة‪ ،‬والخصائص جاءت لتشريف النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪-‬‬
‫وتكريمه‪ ،‬فكيف نقلل هذا التكريم وذلك التشريف؟ مثل هذا البحث نحتاج إليه في هذه المناسبة وإ ال‬
‫ما نحتاج؟‬
‫نحتاج إليه‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير ‪ :‬نعم‪ ،‬نقول‪ :‬إن عدم تخصيص الخصائص محافظة على حق النبي‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫‪-‬عليه الصالة والسالم‪ ،-‬وال شك أن حق النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬أمر تجب مراعاته‪ ،‬لكن‬
‫إذا لم يعارض بما هو أقوى منه وهو حق اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬فالنهي عن الصالة في المقبرة محافظةً‬
‫لحق اهلل ‪-‬عز وجل‪-‬؛ ألنه وسيلة إلى الشرك‪.‬‬
‫نأتي إلى العموم وتخصيصه‪ ،‬األلفاظ العامة التي تتناول أفراداً من غير حصر‪ ،‬إذا بقيت على‬
‫عمومها محفوظة تكون في غاية القوة‪ ،‬وتضعف هذه العمومات بقدر ما يدخلها من المخصصات‪.‬‬
‫إبقاء لهذه القوة في هذه العمومات‪ ،‬قيل بهذا‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫إذن ال تخصص العمومات بشيء من المخصصات ً‬
‫لكن هذا قول شاذ‪.‬‬
‫يقول الغزالي‪" :‬ال نعرف خالفاً بين القائلين بالعموم في جواز تخصيصه بالدليل‪ ،‬إما بدليل العقل‪،‬‬
‫ش ْي ٍء ﴾‬ ‫أو السمع أو غيرهما‪ ،‬وكيف ينكر ذلك مع االتفاق على تخصيص قوله تعالى‪َ ﴿ :‬خ ِال ُ‬
‫ق ُك ِّل َ‬
‫ش ْي ٍء ﴾ [ سورة القصص‪ ،‬اآلية ‪،] 57 :‬‬ ‫[ سورة الزمر‪ ،‬اآلية ‪ُ ﴿ ،] 62 :‬ي ْج َبى إِلَ ْي ِه ثَ َم َر ُ‬
‫ات ُك ِّل َ‬
‫ين ﴾‬‫ش ِر ِك َ‬
‫ش ْي ٍء ﴾ [ سورة النمل‪ ،‬اآلية ‪ ،] 23 :‬وقوله تعالى‪ ﴿ :‬اقْتُلُواْ ا ْل ُم ْ‬ ‫﴿ َوأُو ِت َي ْت ِمن ُك ِّل َ‬
‫الز ِان َي ُة‬
‫ارقَ ُة ﴾ [ سورة المائدة‪ ،‬اآلية ‪ ،] 38 :‬و ﴿ َّ‬ ‫الس ِ‬
‫ق َو َّ‬ ‫الس ِ‬
‫ار ُ‬ ‫[ سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪َ ﴿ ،] 5 :‬و َّ‬
‫وصي ُك ُم اللّ ُه ِفي أ َْوالَ ِد ُك ْم ﴾ [ سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪:‬‬
‫الز ِاني ﴾ [ سورة النور‪ ،‬اآلية ‪ ﴿ ،] 2 :‬ي ِ‬
‫ُ‬ ‫َو َّ‬
‫‪ ،] 11‬و« فيما سقت السماء العشر »‪ ،‬يقول‪" :‬فإن جميع عمومات الشرع مخصصة بشروط في‬
‫يم‬ ‫وقل ما يوجد عام ال يخصص‪ ،‬مثل قوله تعالى‪ ﴿ :‬و ُهو ِب ُك ِّل َ ٍ ِ‬ ‫األصل والمحل والسبب‪َّ ،‬‬
‫ش ْيء َعل ٌ‬ ‫َ َ‬
‫ق على عمومه"‪.‬‬ ‫﴾ [ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪ ،] 29 :‬فإنه با ٍ‬
‫كأن الغزالي ينفي أن يوجد مخالف في التخصيص؛ أوالً لندرة هذا المخالف وشذوذ قوله‪ ،‬وأن هذا‬
‫القول وجوده مثل عدمه‪ ،‬فال ينبغي أن يلتفت إليه‪.‬‬
‫يفهم من عبارة ابن الحاجب أن هناك من خالف في جوازه؛ قال‪" :‬التخصيص جائز إال عند شذوذ‬
‫‪-‬يعني من الناس شواذ‪ -‬قالوا بعدم جواز التخصيص‪ ،‬والسبب فيه ما ذكرنا"‪ ،‬ويستفاد من كالم ابن‬
‫الهمام أن هناك من خالف في جواز التخصيص مطلقاً‪ ،‬ومنهم من خالف في جواز التخصيص‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪123‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫بالعقل‪ ،‬ولم يشتغل ابن الحاجب بإيراد أدلة لهؤالء المانعين بخالف ابن الهمام‪ ،‬لكن لعل من أقوى‬
‫أدلتهم ما ذكرناه‪.‬‬
‫ِ‬
‫يستثن من ذلك إال‬ ‫اآلن نفهم من كالم الغزالي في قوله‪" :‬جميع عمومات الشرع مخصصة‪ ،‬ولم‬
‫ق على عمومه‬ ‫يم ﴾ [ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪ ،] 29 :‬هذا عموم با ٍ‬ ‫قوله تعالى‪ ﴿ :‬و ُهو ِب ُك ِّل َ ٍ ِ‬
‫ش ْيء َعل ٌ‬ ‫َ َ‬
‫اتفاقاً"‪.‬‬
‫باتفاق من؟‬
‫من يعتد بقوله‪ ،‬أما من ال يعتد بقوله‪ ،‬كالفالسفة الذين يقولون‪" :‬إنه يعلم الكليات وال يعلم الجزئيات"‬
‫هؤالء ال عبرة بهم‪ ،‬وال ينبغي أن يشتغل بذكر أقوالهم وبحثها‪.‬‬
‫ق على عمومه‪.‬‬ ‫يم ﴾ [ سورة الشورى‪ ،‬اآلية ‪ : ] 12 :‬هذا با ٍ‬ ‫يقول‪ِ ﴿ :‬ب ُك ِّل َ ٍ ِ‬
‫ش ْيء َعل ٌ‬
‫ش ْي ٍء ﴾ [ سورة‬ ‫هناك مثَّل للعموم الذي دخله الخصوص ‪-‬الذي خصص بالعقل‪َ ﴿ :-‬خ ِال ُ‬
‫ق ُك ِّل َ‬
‫ش ْي ٍء ﴾ [ سورة القصص‪ ،‬اآلية ‪ ﴿ ،] 57 :‬تُ َد ِّم ُر‬ ‫الزمر‪ ،‬اآلية ‪ُ ﴿ ،] 62 :‬ي ْج َبى إِلَ ْي ِه ثَ َم َر ُ‬
‫ات ُك ِّل َ‬
‫ش ْي ٍء ﴾ [ سورة األحقاف‪ ،‬اآلية ‪ : ] 25 :‬هذه العمومات باقية على عمومها أو مخصصة؟‬ ‫ُك َّل َ‬
‫مخصصة‪.‬‬
‫شيخ اإلسالم ال يوافق على هذا الكالم الذي يردده كثير من األصوليين وبعض المتكلمين؛ يقول‪:‬‬
‫"يندر أن تجد نصاً باق على عمومه‪ ،‬يندر جداً"‪.‬‬
‫يم ﴾ [ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪ ،] 29 :‬هذا الذي يذكرونه‬ ‫مما ذكروه قوله تعالى‪ ﴿ :‬و ُهو ِب ُك ِّل َ ٍ ِ‬
‫ش ْيء َعل ٌ‬ ‫َ َ‬
‫مما بقي على عمومه‪ ،‬وأما الباقي كله داخل في الخصوص"‪.‬‬
‫لكن شيخ اإلسالم يقول‪" :‬لو قرأنا القرآن من أوله إلى آخره على طريقة تلقين الصبيان آية آية‪"..‬‬
‫كلمة كلمة‪ ،‬وبحثنا في كل كلمة كلمـة من القرآن وما دخلها من المخصصات‪ ،‬لوجدنا من النصوص‬
‫الشيء الكثير مما بقي على عمومه‪ ،‬ماذا يقول شيخ اإلسالم في ٍ‬
‫كالم طويل نقلته؛ ألهميته ونفاسته؟‬
‫يقول شيخ اإلسالم ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬في الجزء السادس من مجموع الفتاوى صفحة [‪ 440‬إلى‬
‫ثم لفظ‬
‫‪ :]445‬فإن قيل‪ :‬داللة العموم ضعيفة‪ ،‬فإنه قد قيل‪ :‬أكثر العمومات مخصوصة‪ ،‬وقيل‪ :‬ما ََّ‬
‫يم ﴾ [ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪ ،] 29 :‬ومن الناس من أنكر داللة‬ ‫عام إال قوله‪ ﴿ :‬و ُهو ِب ُك ِّل َ ٍ ِ‬
‫ش ْيء َعل ٌ‬ ‫َ َ‬
‫العموم رأساً‪ ،‬قلنا‪ :‬أما داللة العموم المعنوي العقلي فما أنكره أحد من األمة فيما أعلمه‪ ،‬بل وال من‬
‫ِّرف الذين ال يلحظون المعاني‬
‫العقالء‪ ،‬وال يمكن إنكارها‪ ،‬اللهم إال أن يكون في أهل الظاهر الص ْ‬
‫كحال من ينكرها‪ ،‬لكن هؤالء ال ينكرون عموم األلفاظ‪ ،‬بل هو عندهم العمدة وال ينكرون عموم‬
‫معاني األلفاظ العامة‪ ،‬وإ ال قد ينكرون كون عموم المعاني المجردة مفهومة من خطاب الغير ‪-‬لو‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪124‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫نبي نشرح كالم شيخ اإلسالم طال بنا المقام‪ -‬يقول‪" :‬وأما العموم اللفظي فما أنكره أيضاً إمام وال‬
‫طائفة لها مذهب مستقر في العلم‪ ،‬وال كان في القرون الثالثة من ينكرها" ‪-‬كل هذا رد على من‬
‫يقول‪ :‬إنه ما من عموم إال ودخله الخصوص‪ ،‬ما من عموم إال ودخله الخصوص إال ما استثنوا من‬
‫اآلية‪ -‬يقول‪" :‬وأما العموم اللفظي فما أنكره أيضاً إمام وال طائفة لها مذهب مستقر في العلم‪ ،‬وال‬
‫كان في القرون الثالثة من ينكره‪ ،‬وإ نما حدث إنكاره بعد المائة الثانية وظهر بعد المائة الثالثة"‪.‬‬
‫أيش يقول؟ كيف يقول؟‪" :‬وال كان في القرون الثالثة من ينكره‪ ،‬وإ نما حدث إنكاره بعد المائة‬
‫الثانية"‪ :‬كيف يقول‪ :‬وال كان في القرون الثالثة من ينكره‪ ،‬وإ نما حدث إنكاره بعد المائة الثانية؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬وظهر بعد المائة الثالثة‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬ليس المراد بالقرن « خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم‬
‫» القرن المراد به مائة عام‪ ،‬وإ ن قيل بذلك‪ ،‬بل بعضهم يقول‪ :‬سبعين سنة‪ ،‬وبعضهم يقول‪ :‬غالب‬
‫القرن ما يقرب من أربعين عاماً‪.‬‬
‫« خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم » ‪ :‬القرون الثالثة المفضلة تنتهي سنة كم؟‬
‫ابن حجر له كالم‪ :‬إن القرون الثالثة تنتهي سنة ‪220‬هـ‪ ،‬الحين حينما ظهرت فتنة القول بخلق‬
‫القرآن‪ ،‬ورفع المبتدعة رؤوسهم‪ ،‬وامتحن أهل السنة‪ ..‬نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ « :‬خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم » وهكذا‪ ،‬لكن أتباع‬
‫التابعين متى انقرضوا؟ نعم؟‬
‫أتباع التابعين‪ ،‬هاه؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬ال‪ ،‬يعني هل أدركوا سنة ‪ 200‬أو ما أدركوا ‪-‬أتباع التابعين‪ -‬الغالب‬
‫الغالـب ما أدركوا‪ ،‬غالبهم لم يدرك‪.‬‬
‫طالب‪.....:‬السابعة‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬إيه ويعادلها السابعة‪ ،‬نعم‪ ،‬لكن يندر من في السابعة من عاصر‬
‫التاسعة‪ ،‬يعني عمر فقارب التاسعة‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪125‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫على كل حال هذا كالم شيخ اإلسالم ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ :-‬وال كان في القرون الثالثة من ينكره‪:‬‬
‫يعني القرون الثالثة التي جاء النص فيها المفضلة‪ ،‬وإ نما حدث إنكاره بعد المائة الثانية‪ ،‬يعني بعد‬
‫سنة مائتين‪ ،‬وظهر بعد المائة الثالثة‪ ،‬وأكبر سبب إلنكاره‪ ،‬أما من المجوزين للعفو من أهل السنة‬
‫ومن المرجئة من ضاق عطنه لما ناظره الوعيدية بعموم آيات الوعيد وأحاديثه‪ ،‬فاضطره ذلك إلى‬
‫أن جحد العموم في اللغة والشرع‪ ،‬فكانوا فيما فروا إليه من هذا البحث كالمستجير من الرمضاء‬
‫بالنار‪.‬‬
‫يم‬ ‫عموم إال قد خص إال قوله‪ِ ﴿ :‬ب ُك ِّل َ ٍ ِ‬
‫ٍ‬
‫ش ْيء َعل ٌ‬ ‫ّ‬ ‫وأما قولهم ‪-‬وهذا الذي يهمنا‪ -‬وأما قولهم‪ :‬ما من‬
‫﴾‪ ،‬فإن هذا الكالم ‪-‬وإ ن كان قد يطلقه بعض السادات من المتفقهة وقد يوجد في بعض كالم‬
‫المتكلمين في أصول الفقه‪ -‬فإنه من أكذب الكالم وأفسده‪ ،‬فإنه من أكذب الكالم وأفسده ‪-‬هؤالء‬
‫المتكلمون من المبتدعة حينما يطلقون من هذا الكالم لهم مقاصد يبنون عليها بدعهم‪ -‬يقول‪ :‬فإنه‬
‫ش ْي ٍء ﴾‬
‫من أكذب الكالم وأفسده‪ ،‬والظن بمن قاله أوالً أنه إنما عنى أن العموم باللفظ ﴿ ِب ُك ِّل َ‬
‫مخصوص إال في مواضع قليلة‪ ،‬يعني فقط ما جاء فيه في النصوص كل شيء‪ ،‬يعني بغض النظر‬
‫عن العمومات األخرى‪ ،‬ما يفيد العموم من األلفاظ األخرى‪ ،‬والظن بمن قاله أوالً أنه إنما عنى أن‬
‫ش ْي ٍء ﴾‬
‫العموم من لفظ كل شيء مخصوص إال في مواضع قليلة كما في قوله‪ ﴿ :‬تُ َد ِّم ُر ُك َّل َ‬
‫[ سورة األحقاف‪ ،‬اآلية ‪] 25 :‬هذا مخصوص؛ هل دمرت السماوات واألرض؟ ما دمرت‪﴿ ،‬‬
‫ش ْي ٍء ﴾ [ سورة النمل‪ ،‬اآلية ‪ ،] 23 :‬أوتيت مما أوتي سليمان؟ ال‪.‬‬ ‫أُو ِت َي ْت ِمن ُك ِّل َ‬
‫ش ْي ٍء ﴾ [ سورة األنعام‪ ،‬اآلية ‪ ] 44 :‬مخصوص؟‪ ،‬يقول‪" :‬وإ ال فأي‬ ‫اب ُك ِّل َ‬
‫﴿ فَتَ ْح َنا َعلَ ْي ِه ْم أ َْب َو َ‬
‫عاقل يدعي هذا في جميع صيغ العموم في الكتاب والسنة‪ ،‬وفي سائر كتب اهلل وكالم أنبيائه‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫وسائر كالم األمم عربهم وعجمهم"‪.‬‬
‫يقول‪" :‬وأنت إذا قرأت القرآن من أوله إلى آخره وجدت غالب عموماته محفوظة ال مخصوصة‪،‬‬
‫سواء عنيت عموم الجمع ألفراده‪ ،‬أو عموم الكل ألجزائه‪ ،‬أو عموم الكل لجزئياته ‪-‬وشرح كالم‬
‫الشيخ ‪-‬رحمة اهلل عليه‪ -‬يحتاج إلى وقت‪ -‬فإذا اعتبرت قوله‪ ﴿ :‬ا ْل َح ْم ُد للّ ِه َر ِّب ا ْل َعالَ ِم َ‬
‫ين ﴾‬
‫ق على عمومه وإ ال؟ محفوظ وإ ال مخصوص؟‬ ‫[ سورة الفاتحة‪ ،‬اآلية ‪ ،] 2 :‬هذا با ٍ‬
‫يقول‪ :‬فهل تجد أحداً من العالمين ليس اهلل له رب؟ رب العالمين‪ ،‬هل من العالمين ال يدخل في‬
‫ين ﴾ ؟ هل يوجد أحد يخرج من هذا؟‬ ‫قوله‪َ ﴿ :‬ر ِّب ا ْل َعالَ ِم َ‬
‫طيب‪َ ﴿ ،‬م ِل ِك َي ْوِم الد ِ‬
‫ِّين ﴾ [ سورة الفاتحة‪ ،‬اآلية ‪ ،] 4 :‬فهل في يوم الدين شيء ال يملكه اهلل؟ هل‬
‫يوجد في يوم الدين شيء ال يملكه اهلل؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪126‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫إذن محفوظ باق على عمومه‪.‬‬


‫غض ِ‬
‫وب َعلَي ِه ْم‬ ‫الم ُ‬
‫ين ﴾ [ سورة الفاتحة‪ ،‬اآلية ‪ ] 7 :‬هل في ﴿ َ‬ ‫وب َعلَي ِه ْم َوالَ الضَّالِّ َ‬
‫غض ِ‬
‫الم ُ‬ ‫ير َ‬‫﴿ َغ ِ‬
‫ين ﴾ أحد ال يجتنب حاله التي كان بها مغضوباً عليه أو ضاالً ؟ هل يوجد من‬ ‫﴾ و﴿ الضَّالِّ َ‬
‫المغضوب عليهم ‪-‬والجمهور على أنه المراد بهم‪ :‬اليهود والضالين‪ :‬النصارى‪ -‬هل يوجد في‬
‫اليهود من ليس بمغضوب عليه؟ أو من اليهود المغضوبـ عليهم من ال يسأل الرب ‪-‬عز وجل‪ -‬أن‬
‫تجتنب طريقته؟ وكذلك الضالون؟‬
‫اهم ي ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ين* الَّ ِذ َ‬
‫﴿ ُه ًدى لِّ ْل ُمتَّ ِق َ‬
‫ون ﴾ [ سورة البقرة‬ ‫نفقُ َ‬ ‫الصالةَ َو ِم َّما َر َز ْق َن ُ ْ ُ‬
‫ون َّ‬
‫يم َ‬ ‫ين ُي ْؤ ِم ُن َ‬
‫ون ِبا ْل َغ ْيب َو ُيق ُ‬
‫ين* الَِّذ َ‬
‫ين ُي ْؤ ِم ُن َ‬
‫ون‬ ‫يهتد بهذا الكتاب؟ ﴿ ُه ًدى لِّ ْل ُمتَّ ِق َ‬
‫‪ 2 :‬ـ ‪ : ] 3‬فهل في هؤالء المتقين أحد لم ِ‬
‫ون ﴾ يقول‪ :‬فهل في هؤالء المتقين أحد لم ِ‬ ‫اهم ي ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يهتد بهذا‬ ‫نفقُ َ‬ ‫الصالةَ َو ِم َّما َر َز ْق َن ُ ْ ُ‬
‫ون َّ‬ ‫يم َ‬‫ِبا ْل َغ ْيب َو ُيق ُ‬
‫الكتاب؟‬
‫جنس الهدى؛ الناس يتفاوتون في االهتداء بهذا الكتاب‪ ،‬لكن جنسه موجود في جميع المتقين‪ ،‬جنس‬
‫االهتداء بهذا الكتاب موجود في المتقين كلهم‪ ،‬فهو عام محفوظ‪.‬‬
‫ُنز َل ِمن قَْبِل َك ﴾ [ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪ : ] 4 :‬هل فيما أنزل‬
‫ُنز َل إِلَ ْي َك َو َما أ ِ‬ ‫﴿ والَِّذ َ‬
‫ين ُي ْؤ ِم ُن َ‬
‫ون ِب َما أ ِ‬
‫اهلل ما لم يؤمن به المؤمنون؟ ال عموماً وال خصوصاً؟ يعني هل هناك كتاب ثبت عند أهل هذه الملة‬
‫وهذه األمة كتاب ثبت أن اهلل أنزله من السماء من كالمه ال يؤمن به المؤمنون؟‬
‫طالب‪......:‬‬
‫ض ْير ‪ :‬لماذا؟ ألن اإليمان بالكتب شرط‪ ،‬ركن من أركان اإليمان‪ ،‬فإذا انتفى‬ ‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬ ‫َّ‬
‫هذا الركن انتفى اإليمان‪.‬‬
‫ون ﴾ [ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪ : ] 5 :‬يقول‪ :‬هل‬ ‫﴿ أ ُْولَ ِئ َك َعلَى ُه ًدى ِّمن َّر ِّب ِه ْم َوأ ُْولَ ِئ َك ُه ُم ا ْل ُم ْف ِل ُح َ‬
‫خرج أحد من هؤالء المتقين عن الهدى في الدنيا‪ ،‬وعن الفالح في اآلخرة؟ ﴿ أ ُْولَ ِئ َك َعلَى ُه ًدى ِّمن‬
‫ون ﴾ ‪ ،‬أين العموم هنا؟‬ ‫َّر ِّب ِه ْم َوأ ُْولَ ِئ َك ُه ُم ا ْل ُم ْف ِل ُح َ‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير ‪ ﴿ :‬أ ُْولَ ِئ َك ﴾ ‪ :‬ماذا قلنا عن اسم اإلشارة قريباً من ألفاظ العموم وإ ال‬ ‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬ ‫َّ‬
‫الخصوص؟‬
‫الخصوص‪ ،‬من ألفاظ الخصوص‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪127‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫ون ﴾ ‪ :‬ماذا يقول الشيخ ‪-‬رحمه اهلل‪ :-‬هل خرج أحد من‬‫﴿ َعلَى ُه ًدى ِّمن َّر ِّب ِه ْم َوأ ُْولَ ِئ َك ُه ُم ا ْل ُم ْف ِل ُح َ‬
‫ٍ‬
‫بمهتد؟‬ ‫هؤالء المتقين؟ ما زال الكالم على المتقين عن الهدى في الدنيا‪ ،‬يعني يوجد مت ٍ‬
‫ق وليس‬
‫ممكن؟‬
‫ق ٍ‬
‫مهتد غير مفلح في اآلخرة؟ يوجد وإ ال ما يوجد؟ ال يوجد‪.‬‬ ‫ق على عمومه‪ ،‬وهل يوجد ت ٍ‬
‫إذن با ٍ‬
‫يقول‪" :‬هل خرج أحد من هؤالء المتقين عن الهدى في الدنيا وعن الفالح في اآلخرة"‪ ،‬إذن هو با ٍ‬
‫ق‬
‫على عمومه فهو محفوظ‪.‬‬
‫ين َكفَُرواْ ﴾ [ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪ : ] 6 :‬قيل‪ :‬هو عام مخصوص‪ ﴿ ،‬إِ َّن الَّ ِذ َ‬
‫ين‬ ‫ثم قوله‪ ﴿ :‬إِ َّن الَّ ِذ َ‬
‫َكفَُرواْ﴾‪ ،‬أيش بعده؟‬
‫ين َكفَُرواْ ﴾ ‪ :‬هل‬ ‫نذ ْر ُه ْم ﴾ [ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪ ﴿ ،] 6 :‬إِ َّن الَّ ِذ َ‬
‫﴿ سواء علَ ْي ِهم أَأَن َذرتَهم أَم لَم تُ ِ‬
‫ََ ٌ َ ْ ْ ُْ ْ ْ‬
‫هو با ٍ‬
‫ق على عمومه؟ أو هو عام مخصوص‪ ،‬أو عام أريد به الخصوص؟ ألن اآليات في أوائل‬
‫سورة البقرة ذكرت األصناف‪ ،‬وذكرت من؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬ذكرت المؤمنين المتقين من هذه األمة فقط‪ ،‬أو منهم ومن األمم‬
‫السابقة؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ون ِب َما‬ ‫ض ْير ‪ :‬هذا قول‪ ،‬أنهم من هذه األمة‪ ،‬والقول اآلخر‪ ﴿ :‬والَّ ِذ َ‬
‫ين ُي ْؤ ِم ُن َ‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ُنز َل ِمن قَْبِل َك ﴾ من األمم السابقة‪.‬‬
‫ُنز َل إِلَ ْي َك َو َما أ ِ‬
‫أِ‬
‫طالب‪....:‬صنف‪...‬‬
‫ض ْير ‪ :‬هذا صنف‪ ،‬المقصود أنه ذكر في صدرها المؤمنين‪ ،‬ثم ثنى بالذين‬‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬‫َّ‬
‫كفروا‪ ،‬ثم ثلث بالمنافقين‪.‬‬
‫ق على عمومه؟‬ ‫ين َكفَُرواْ ﴾ ‪ :‬الذين من صيغ العموم؛ ألنها موصول‪ ،‬فهل هذا العموم با ٍ‬ ‫﴿ الَّ ِذ َ‬
‫يشمل جميع طوائف الكفر؟ أو أن من الكفار من يخرج من هذا العموم إما بمخصصات أو لم يدخل‬
‫أصالً فيكون من العام الذي أريد به الخصوص؟‬
‫ين َكفَرواْ ﴾ ‪ :‬قيل عام مخصوص‪ ﴿ ،‬سواء علَ ْي ِهم أَأَن َذرتَهم أَم لَم تُ ِ‬
‫نذ ْر ُه ْم الَ‬ ‫َّ ِ‬
‫ََ ٌ َ ْ ْ ُْ ْ ْ‬ ‫ثم إن قوله‪ ﴿ :‬الذ َ ُ‬
‫ون ﴾ ‪ :‬هل جميع الذين كفروا هذه صفتهم؟ يعني ما وجد من الذين كفروا أنذرهم النبي ‪-‬عليه‬ ‫ُي ْؤ ِم ُن َ‬
‫الصالة والسالم‪ -‬وآمنوا؟ نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪128‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫عام مخصوص أو أريد به الخصوص‪،‬‬ ‫عام مخصوص‪ٍ ،‬‬ ‫ض ْير ‪ :‬إذن هو ٍ‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫بمعنى أن اهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬لما قال هذه اآلية لم يرد أولئك الذين أنذرهم النبي ‪-‬عليه الصالة‬
‫والسالم‪ -‬فآمنوا‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬تؤذن؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير ‪ :‬هم ال يستطيعون مصادمة النصوص؛ ألن المبتدع من خالف بنوع‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫شبهة ال بمعاندة‪ ،‬نعم‪ ،‬هؤالء المبتدعة غالبهم مخالف بنوع شبهة‪ ،‬نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير ‪ :‬هذا اللفظ يقتضي العموم‪ ،‬كالمهم يقتضي العموم‪.‬‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫كأن شيخ اإلسالم في أول األمر قال‪ :‬لعل مرادهم كل شيء‪ ،‬ما جاء في القرآن فيه كل شيء‪﴿ ،‬‬
‫ش ْي ٍء ﴾ [ سورة األحقاف‪ ،‬اآلية ‪:‬‬‫ش ْي ٍء ﴾ [ سورة النمل‪ ،‬اآلية ‪ ﴿ ،] 23 :‬تُ َد ِّم ُر ُك َّل َ‬‫أُو ِت َي ْت ِمن ُك ِّل َ‬
‫يم ﴾ [ سورة‬ ‫شي ٍء ﴾ [ سورة الزمر‪ ،‬اآلية ‪ ﴿ ،] 62 :‬و ُهو ِب ُك ِّل َ ٍ ِ‬ ‫‪َ ﴿ ،] 25‬خ ِال ُ ِّ‬
‫ش ْيء َعل ٌ‬ ‫َ َ‬ ‫ق ُكل َ ْ‬
‫البقرة‪ ،‬اآلية ‪.] 29 :‬‬
‫نكمل كالم الشيخ ‪-‬رحمه اهلل‪ :-‬ثم قوله‪ ﴿ :‬إِ َّن الَّ ِذ َ‬
‫ين َكفَُرواْ ﴾ [ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪ ،] 6 :‬قيل‪:‬‬
‫هو عام مخصوص‪ ،‬وقيل‪ :‬هو لتعريف العهد‪ :‬يعني هؤالء الذين كفروا من صناديد قريش‬
‫وعتاتهم‪.‬‬
‫اء َعلَ ْي ِه ْم أَأَن َذ ْرتَ ُه ْم ﴾ [ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪ : ] 6 :‬هذا تسلية للنبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪-‬‬
‫س َو ٌ‬
‫﴿ َ‬
‫وقيل‪ :‬هو لتعريف العهد فال تخصيص فيه؛ فإن التخصيص فرع على ثبوت عموم اللفظ‪.‬‬
‫و(أل) العهدية‪ ،..‬المفرد أو الجمع إذا اقترن بـ(أل) الجنسية يفيد العموم‪ ،‬صح وإ ال ال؟‬
‫(أل) الجنسية‪ ،‬لكن (أل) العهدية يفيد العموم وإ ال ما يفيد؟ ال يفيد العموم‪ ،‬إذن ال يحتاج إلى أن‬
‫ين َكفَُرواْ ﴾ هل هو مخصوص أو عام أريد به الخصوص‪ ،..‬خرج من العموم‪ ،‬إذا‬ ‫نبحث ﴿ إِ َّن الَّ ِذ َ‬
‫قلنا‪( :‬أل) للعهد‪ .‬نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير ‪ :‬ولو كان للوصل (الذين)؛ ﴿ الَّ ِذ َ‬
‫ين َكفَُرواْ ﴾ ‪ :‬يعني الذين هم على‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫عهدك‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪129‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫وقيل‪ :‬هو لتعريف العهد فال تخصيص فيه؛ فإن التخصيص فرع على ثبوت عموم اللفظ‪ ،‬ومن‬
‫هنا‪ ،‬يقول الشيخ ‪-‬رحمه اهلل‪ :-‬يغلط كثير من الغالطين‪ ،‬يعتقدون أن اللفظ عام‪ ،‬ثم يعتقدون أنه قد‬
‫خص منه‪ ،‬ولو أمعنوا النظر لعلموا من أول األمر أن الذي أخرجوه لم يكن اللفظ شامالً له‪ ،‬ففرق‬
‫ّ‬
‫بين شروط العموم وموانعه وبين شروط دخول المعنى في إرادة المتكلم وموانعه‪.‬‬
‫ثم قوله‪ ﴿ :‬الَ ُي ْؤ ِم ُن َ‬
‫ون ﴾ [ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪ : ] 6 :‬أليس هو عاماً لمن عاد الضمير إليه عموماً‬
‫محفوظاً؟"‪.‬‬
‫ين َكفَُرواْ ﴾‪ ﴿ ،‬الَّ ِذ َ‬
‫ين َكفَُرواْ ﴾ ‪ ﴿ :‬الَ ُي ْؤ ِم ُن َ‬
‫ون ﴾‪.‬‬ ‫ون ﴾ ‪ :‬الضمير يعود على َمن؟ ﴿ الَّ ِذ َ‬ ‫﴿ الَ ُي ْؤ ِم ُن َ‬
‫ون ﴾ ‪ :‬أليس هو عاماً لمن عاد الضمير إليه عموماً محفوظاً؟‪ :‬من خرج‬ ‫يقول‪ :‬ثم قوله‪ ﴿ :‬الَ ُي ْؤ ِم ُن َ‬
‫منهم؟ نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬الذين آمنوا؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير ‪ :‬ما خرج منهم أحد‪ ،‬أصالً الذين آمنوا ما دخلوا‪ ،‬ما دخلوا في اللفظ‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫أصالً‪.‬‬
‫ار ِه ْم ﴾ [ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪ : ] 7 :‬شيخ‬
‫صِ‬ ‫﴿ َختَم اللّ ُه علَى ُقلُو ِبهم وعلَى ِ‬
‫س ْمع ِه ْم َو َعلَى أ َْب َ‬
‫َْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اإلسالم ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬إذا أراد أن يرد ‪-‬رحمة اهلل عليه‪ -‬عنده طريقة االستقراء‪ ،‬وهذه طريقته‬
‫‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬بحيث ال يترك لمستدرك شيئاً يستدركه‪ ،‬يذكر من األمثلة بحيث يذعن له‬
‫المخالف‪ ،‬وكثير من الناس يضيق ذرعاً بطول الكالم ويقتصر على مثال مثالين‪ ،‬ثم عاد ما يلبث‬
‫أن المخالف يطعن في هذا المثال أو ذلك ثم تبقى المسألة بال حجة‪.‬‬
‫ار ِه ْم ﴾ ‪ :‬أليس هو عاماً في‬
‫صِ‬ ‫يقول ‪-‬رحمه اهلل‪َ ﴿ :-‬ختَم اللّ ُه علَى ُقلُو ِبهم وعلَى ِ‬
‫س ْمع ِه ْم َو َعلَى أ َْب َ‬
‫َْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫القلوب وفي السمع واألبصار وفي المضاف إليه ‪-‬يعني الهاء في قلوبهم وسمعهم وأبصارهم‪-‬؟‬
‫ُّها‬
‫هذه الصفة عموماً لم يدخله تخصيص‪ ،‬وكذلك في سائر اآليات‪ ،‬إذا تأملته إلى قوله‪َ ﴿ :‬يا أَي َ‬
‫ين ِمن قَْبِل ُك ََْ>ْم ﴾ [ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪ : ] 21 :‬فمن الذين‬ ‫اع ُب ُدواْ َر َّب ُك ُم الَّ ِذي َخلَقَ ُك ْم َوالَّ ِذ َ‬
‫اس ْ‬ ‫َّ‬
‫الن ُ‬
‫خرجوا من هذا العموم الثاني فلم يخلقهم اهلل؟ ﴿ الَّ ِذي َخلَقَ ُك ْم ﴾ ‪ :‬من الذين خرجوا من هذا العموم‬
‫ين ِمن قَْب ِل ُك ََْ>ْم﴾؟‬
‫اع ُب ُدواْ َر َّب ُك ُم الَّ ِذي َخلَقَ ُك ْم َوالَِّذ َ‬
‫اس ْ‬ ‫ُّها َّ‬
‫الن ُ‬ ‫فلم يخلقهم اهلل؟ وهذا باب واسع‪َ ﴿ ،‬يا أَي َ‬
‫ش ْي ٍء ﴾ [ سورة الزمر‪ ،‬اآلية ‪ ] 62 :‬عموم‬ ‫ق ُك ِّل َ‬‫قد يقول قائل‪ :‬إن قوله تعالى‪َ ﴿ :‬خ ِال ُ‬
‫مخصوص‪ ،‬كيف يقول الشيخ ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬في هذه اآلية من الذي خرج من هذا العموم؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪130‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫شي ٍء ﴾ عام مخصوص‪ ،‬فكيف يقول هنا‪ :‬إنه كيف هذا با ٍ‬


‫ق على‬ ‫الشيخ يعترف بأن ﴿ َخ ِال ُ ِّ‬
‫ق ُكل َ ْ‬
‫عمومه‪ ،‬من الذي خرج من قوله‪َ ﴿ :‬خلَقَ ُك ْم ﴾ ؟ نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬طيب‪ ،‬طيب‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫اس ﴾ ‪ :‬يعني العموم في (الناس) ال في غيرهم‪ ،‬فال‬ ‫ُّها َّ‬
‫الن ُ‬ ‫ض ْير ‪َ ﴿ :‬يا أَي َ‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫تعارض مع عموم هذه اآلية وعموم تلك‪.‬‬
‫يقول‪" :‬وإ ن مشيت على آيات القرآن كما يلقن الصبيان وجدت األمر كذلك‪ ،‬فإنه سبحانه قال‪:‬‬
‫اس ﴾ [ سورة الناس ‪ 1 :‬ـ ‪ : ] 3‬فأي ٍ‬ ‫اس* إِلَ ِه َّ‬
‫الن ِ‬ ‫اس* م ِل ِك َّ‬
‫الن ِ‬ ‫َّ‬
‫ناس ليس اهلل‬ ‫َعو ُذ ِب َر ِّب الن ِ َ‬
‫﴿ ُق ْل أ ُ‬
‫ربهم؟ أم ليس ملكهم‪ ،‬أم ليس إلههم؟ يوجد أناس ليس اهلل رباً لهم وال ملكاً لهم وال إلهاً؟‬
‫ال يوجد‪.‬‬
‫اس ا ْل َخ َّن ِ‬
‫اس ﴾ [ سورة الناس‪ ،‬اآلية ‪ : ] 4 :‬إن كان المسمى واحداً فال‬ ‫س َو ِ‬ ‫ثم قوله‪ِ ﴿ :‬من َ‬
‫شِّر ا ْل َو ْ‬
‫س َو ِ‬
‫اس ﴾ ‪ :‬إذا كان الشيطان األكبر فهو خاص‪ ،‬ما نحتاج إلى أن نقول‪ :‬دخله‬ ‫شِّر ا ْل َو ْ‬
‫عموم فيه؛ ﴿ َ‬
‫مخصص‪ ،‬وإ ن كان جنساً ‪-‬جنس الشيطان الذي يوسوس ويخنس عند الذكر‪ -‬وإ ن كان جنساً فهو‬
‫ٍ‬
‫وسواس خناس ال يستعاذ باهلل منه؟‬ ‫عام‪ ،‬فأي‬
‫ق ﴾ [ سورة الفلق‪ ،‬اآلية ‪ : ] 1 :‬أي جزء من الفلق‪ ،‬أم أي فل ٍ‬
‫ق ليس اهلل‬ ‫وكذلك قوله‪ِ ﴿ :‬ب َر ِّب ا ْل َفلَ ِ‬
‫ربه؟ أي جز ٍء من الفلق إذا قلنا‪ :‬الفلق واحد‪ ،‬وكلمة الفلق شامل ألجزائه أو لجزئياته ‪-‬على ما تقدم‬
‫في كالم الشيخ‪ -‬أو نقول‪ :‬الفلق‪ :‬جنس الفلق‪ ،‬وهناك أكثر من فلق باعتبار أن الفلق للصبح يتجدد‬
‫بتجدد األيام‪ ،‬فأي فل ٍ‬
‫ق ليس اهلل ربه؟‬
‫شر من المخلوق ال يستعاذ‬‫ق ﴾ [ سورة الفلق‪ ،‬اآلية ‪ : ] 2 :‬أي من شر‪ ،..‬أي ٍ‬ ‫﴿ ِمن َ‬
‫شِّر َما َخلَ َ‬
‫النفَّاثَ ِ‬
‫ات ﴾ [ سورة الفلق‪ ،‬اآلية ‪4 :‬‬ ‫شر من المخلوق ال يستعاد باهلل منه؟ ﴿ َو ِمن َ‬
‫شِّر َّ‬ ‫باهلل منه؟ أي ٍ‬
‫] ‪ :‬أي ٍ‬
‫نفاثة في العقد ال يستعاذ منها؟‬
‫اس ٍد ﴾ [ سورة الفلق‪ ،‬اآلية ‪ : ] 5 :‬مع أن عموم هذا فيه بحث دقيق‬
‫شِّر ح ِ‬
‫وكذلك قوله‪َ ﴿ :‬و ِمن َ َ‬
‫ليس هذا موضعه‪.‬‬
‫نكمل وإ ذا بقي وقت نرجع إلى هذا الدقيق‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪131‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫يقول ‪-‬رحمه اهلل‪ :-‬ثم سورة اإلخالص فيها أربع عمومات؛ ﴿ َل ْم َي ِل ْد ﴾ [ سورة اإلخالص‪ ،‬اآلية‬
‫‪ : ] 3 :‬فإنه يعم جميع أنواع الوالدة‪ ،‬كذلك ﴿ َل ْم ُيولَ ْد ﴾ [ سورة اإلخالص‪ ،‬اآلية ‪ ،] 3 :‬كذلك ﴿‬
‫لَم ي ُكن لَّ ُه ُكفُوا أَح ٌد ﴾ [ سورة اإلخالص‪ ،‬اآلية ‪ : ] 4 :‬فإنها تعم كل ٍ‬
‫أحد‪ ،‬وكل ما يدخل في‬ ‫ً َ‬ ‫َْ‬
‫شيء من هذا خصوص؟‬ ‫مسمى الكفؤ فهل في ٍ‬
‫يقول‪ :‬ومن هذا الباب كلمة اإلخالص‪ :‬كلمة اإلخالص التي هي أيش؟‬
‫(ال إله إال اهلل) التي هي أشهر عند أهل اإلسالم من كل كالم‪ ،‬وهي كلمة (ال إله إال اهلل)‪ ،‬فهل دخل‬
‫هذا العموم خصوص قط؟ هل دخل هذا العموم خصوص قط؟‬
‫فالذي يقول بعد هذا‪ :‬ما من ٍ‬
‫عام إال وقد خص إال كذا وكذا‪ ،‬إما في غاية الجهل‪ ،‬وإ ما في غاية‬
‫التقصير في العبارة؛ فإن الذي أظنه أنه إنما عنى من الكلمات التي تعم كل شيء كما أشرنا سابقاً‪:‬‬
‫ش ْي ٍء ﴾ [ سورة األحقاف‪ ،‬اآلية ‪:‬‬‫ش ْي ٍء ﴾ [ سورة الزمر‪ ،‬اآلية ‪ ﴿ ،] 62 :‬تُ َد ِّم ُر ُك َّل َ‬ ‫﴿ َخ ِال ُ‬
‫ق ُك ِّل َ‬
‫ش ْي ٍء ﴾ [ سورة النمل‪ ،‬اآلية ‪ ،] 23 :‬مع أن هذا الكالم‬ ‫‪ ،] 25‬وما أشبه ذلك‪ ﴿ ،‬أُو ِت َي ْت ِمن ُك ِّل َ‬
‫فسر بهذا‪ ،‬لكنه أساء في التعبير أيضاً؛ فإن‬ ‫ليس بمستقيم‪ ،‬مع أن هذا الكالم ليس بمستقيم‪ ،‬وإ ن ّ‬
‫تعم ما دلّت عليه‪ ،‬أي ما وضع‬
‫الكلمة العامة ليس معناها أنها تعم كل شيء‪ ،‬وإ نما المقصود أن ّ‬
‫اللفظ له‪ ،‬ظاهر وإ ال ما هو بظاهر؟‬
‫ش ْي ٍء ﴾ ‪ :‬ليس معناها أنها تعم كل شيء‪،‬‬ ‫يقول‪" :‬ليس معناها أن تعم كل شيء‪ ﴿ ،‬تُ َد ِّم ُر ُك َّل َ‬
‫ش ْي ٍء ﴾ ‪ :‬ليس معناها أنها أوتيت من كل ما يشمله اللفظ حتى ما يخص الرجال‪،‬‬ ‫﴿ أُو ِت َي ْت ِمن ُك ِّل َ‬
‫ش ْي ٍء ﴾ [ سورة القصص‪ ،‬اآلية‬ ‫وإ نما هو في حدود اإلمكان مما يناسبها‪ُ ﴿ .‬ي ْج َبى إِلَ ْي ِه ثَ َم َر ُ‬
‫ات ُك ِّل َ‬
‫‪ ،] 57 :‬كل شيء على وجه األرض يجبى إليها؟!!‬
‫ولذا يقول‪" :‬ليس معناها أنها تعم كل شيء‪ ،‬وإ نما المقصود أن تعم ما دلت عليه"‪ :‬أي ما وضع له‬
‫لفظ في الغالب إال وهو أخص مما فوقه من العموم‪ ،‬ما من ٍ‬
‫لفظ في الغالب إال وهو‬ ‫اللفظ‪ ،‬وما من ٍ‬
‫أخص مما فوقه في العموم‪ ،‬وأعم مما هو دونه في العموم والجميع يكون عاماً‪ ،‬أيش معنى هذا‬
‫الكالم؟‬
‫يعني أن العموم والخصوص أمور نسبية‪ ،‬فإذا قلت مثالً ‪-‬على سبيل التقريب‪ :-‬زيد قوي‪ ،‬زيد‬
‫طويل‪ ،‬كم طوله؟ مترين‪ ،‬هذا طويل بالنسبة لعامة الناس‪.‬‬
‫وعمرو قصير‪ ،‬كم طوله؟ ‪ ،160‬هذا مائتين وهذا مائة وستين‪ ،‬لكن قد يوجد في الناس من يزيد‬
‫على المترين‪ ،‬فإذا ضممت إليه زيداً‪ ،..‬شخص طوله مائتين وأربعين مثالً ‪-‬وجد وإ ال ما وجد؟‬
‫وجد‪ -‬إذا ضممت إليه زيداً الذي طوله مائتين‪ ،‬تقول‪ :‬طويل وإ ال قصير؟ قصير نسبياً‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪132‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫وعمرو الذي طوله ‪ ،160‬إذا وجد بكر طوله مائة وأربعين؟ يوجد‪ ،‬تقول‪ :‬طويل وإ ال قصير؟ مثله‬
‫العموم والخصوص‪ ،‬يوجد في العموم ما هو أعم منه‪ ،‬ويوجد في الخصوص ما هو أخص منه‪.‬‬
‫إذن العموم على ثالثة أقسام‪ :‬عموم محفوظ با ٍ‬
‫ق على عمومه ‪-‬وهو كثير كما قرره شيخ اإلسالم‬
‫‪-‬رحمه اهلل‪ -‬في الكالم الطويل الذي ذكرناه‪ ،‬وعموم مخصوص‪ ،‬وهو كثير جداً ‪-‬وهو الذي نبحثه‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‬ ‫هنا‪ -‬وعموم أريد به الخصوص فال تدخل جميع أفراده في مراد المتكلم أصالً‪ ،‬وال يحتاج‬
‫إلى نص يخرج بعض أفراده؛ حيث لم يدخل أصالً في مراد المتكلم كما في قوله تعالى‪ ﴿ :‬الَّ ِذ َ‬
‫ين‬
‫ش ْو ُه ْم ﴾‬
‫اخ َ‬
‫اس قَ ْد َج َم ُعواْ َل ُك ْم فَ ْ‬ ‫اس إِ َّن َّ‬
‫الن َ‬ ‫ال لَ ُهم َّ‬
‫الن ُ‬ ‫ين قَ َ ُ‬ ‫اس ﴾ ‪-‬كما مثلنا‪ ﴿ -‬الَّ ِذ َ‬ ‫ال لَ ُهم َّ‬
‫الن ُ‬ ‫قَ َ ُ‬
‫[ سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.] 173 :‬‬
‫كم باقي على اإلقامة؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬كم؟‬
‫طالب‪ ...:‬شيخ اإلسالم ‪ .....‬قوية‪ ...‬يرد على‪....‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬إيه‪ ،‬يرد على المبتدعة‪ ،‬هو يرد على المبتدعة في هذا‪ ،‬يرد على‬
‫المبتدعة‪ ،‬نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬في مسألة الرؤية‪ ،‬نعم‪ ،‬في مسألة الرؤية رؤية الرب ‪-‬عز وجل‪ -‬لما‬
‫ذكر المبتدعةُ األدلة الدالة على أن المؤمنين يرون اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬في اآلخرة أراد بعضهم أن هذه‬
‫النصوص ال تتناول النساء مثالً‪ ،‬ال تتناول النساء فهذا من العام المخصوص‪ ،‬أو العام الذي أريد به‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ تكون الداللة أو الدليل ضعيف على المراد ‪-‬في داللته على‬ ‫الخصوص فهو ضعيف‪،‬‬
‫المراد‪ -‬واستطرد الشيخ كعادته في مثل هذا‪ ،‬سال واديه هنالك‪.‬‬
‫اء‬
‫س َو ٌ‬ ‫طالب‪ :‬يا شيخ‪ .....‬العام المخصوص أو الذي أريد به الخصوص؟ ﴿ إِ َّن الَّ ِذ َ‬
‫ين َكفَُرواْ َ‬
‫َعلَ ْي ِه ْم ﴾ [ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪ ] 6 :‬هل يمكن أن يقال يا شيخ‪ :‬أريد به الخصوص مع كون‬
‫الخاص‪ ........‬ونفعت معهم اإلثارة‪.....،‬إال أن يكون مؤمناً‪....‬؟‬
‫ض ْير ‪ :‬على كل حال هل نستطيع أن نقول‪ :‬إن هذا با ٍ‬
‫ق على عمومه؟ أو ما‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫بقي على عمومه؟‬
‫شيخ اإلسالم ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬يريد أن يقرر شيئاً‪ ،‬وهو أن اللفظ العام الذي أريد به الخصوص ال‬
‫يدخل فيما معنا مما ضعفت داللته؛ ألنه خصص؛ أصل المتكلم لم يرد جميع األفراد‪ ،‬لم يرد جميع‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪133‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫األفراد؛ ألننا إذا خصصناه قلنا‪ :‬إنه دخله المخصص فضعف‪ ،‬والشيخ ‪-‬رحمة اهلل عليه‪ -‬يريد أن‬
‫يقرر أنه من النوع الذي لم يدخله المخصص؛ أصل المتكلم هؤالء األفراد الذين أخرجهم من أصل‬
‫االعتبار‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬إيه في حكم الخاص؛ ألنه أريد به الخصوص‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬من؟‬
‫طالب‪ ....:‬الجويني قال‪ :‬الخاص يقابل العام؟‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬وما دام عرفت المقابل ال بد أن تعرف ما يقابله‪ ،‬إذا عرفت المقابل‪،..‬‬
‫عرفت النهار يقابله الليل‬
‫عرفت الذكر واألنثى سواء‪ ،‬تحتاج إلى أن تعرف األنثى‪ ،‬نعم؟ إذا َّ‬ ‫إذا َّ‬
‫تحتاج أن تعرف الليل؟ نعم؟ يعني إذا كانت القسمة ثنائية‪ ،‬اثنان متقابالت عرفت أحدهما الباقي‪،..‬‬
‫نعم؟ يعني لو أعطيت واحداً عشرة‪ ،‬وقلت له‪ :‬أعطني خمسة‪ ،‬وأيش مصير الخمسة الثانية؟‬
‫طالب‪ :‬له‪.‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬لك نعم؟ إذا أعطيته عشرة يعني هذا مقابل هذا‪ ،‬هذا يقابل هذا‪ ،‬فإذا‬
‫تبين‪ ،..‬إذا قيل‪ :‬الحالل ضد الحرام‪ ،‬وعرفت الحرام‪ ،‬يحتاج أن تعرف الحالل؟ ما‬ ‫عرفت المقابل ّ‬
‫يحتاج‪.‬‬
‫إذا قيل ‪-‬من المقابلة التامة في الحد‪ :-‬الواجب ضد المحظور‪ ،‬ثم أتيت بتعريف الواجب‪ ،‬أو أنت‬
‫تتبين األشياء؛ إذا عرفت الضد عرفت‬
‫تعرف الواجب؟ بضدها ّ‬
‫تعرف المحظور من قبل يحتاج أن ّ‬
‫ضده‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬هم يتفننون في األمور التي ال إشكال فيها تكفيهم اإلشارة‪ ،‬ال سيما‬
‫وإ ن هذا الكتاب إنما وضع لمن؟‬
‫للمبتدئين‪ ،‬واألصل أن يكون الشرح أيضاً للمبتدئين‪ ،‬مناسب للمبتدئين‪ ،‬لكن نشوف الذي قدامنا ‪-‬ما‬
‫شاء اهلل‪ -‬كبار ما هم مبتدئين‪ ،‬وإ ال أيش معنى كتاب يؤلف للمبتدئين ويشرح على هذه الطريقة‬
‫التي فيها شيء من البسط وفيها إشكاالت‪ ،‬وفيها‪ ،..‬لكن نالحظ الحال وإ ال لو كان نوعية الطالب‬
‫غير ما بسطنا مثل هذا البسط‪ ،‬واهلل المستعان‪ ،‬انتهى الوقت؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪134‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫‪‬‬

‫الدَّرس الثَّ ِ‬
‫ام ُن‬ ‫ْ ُ‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد وعلى آله‬
‫وصحبه أجمعين أما بعد‪ :‬فقد قال المصنف ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪:-‬‬

‫والخاص يقابل العام والتخصيص تمييز بعض الجملة‪ ،‬وهو ينقسم إلى متصل ومنفصل‪>،‬‬
‫فالمتصل‪ :‬االستثناء والشرط والتقييد بالصفة‪ ،‬واالستثناء‪ :‬إخراج ما لواله لدخل في الكالم وإ نما‬
‫يصح االستثناء بشرط أن يبقى من المستثنى> منه شيء‪ ،‬ومن شرطه أن يكون متصالً بالكالم‪،‬‬
‫ويجوز تقديم المستثنى> على المستثنى> منه‪ ،‬ويجوز االستثناء من الجنس ومن غيره‪ ،‬والشرط‬
‫قيدت باإليمان في‬
‫يجوز أن يتقدم على المشروط‪ ،‬والمقيد بالصفة يحمل عليه المطلق‪ ،‬كالرقبة ّ‬
‫بعض المواضع فيحمل المطلق على المقيد‪.‬‬

‫« َّ‬
‫الش ْـر ُح » ‪:‬‬
‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه‬
‫عم‬
‫أجمعين‪ :‬عرفنا في الدرس الماضي الخاص وأنه يقابل العام‪ ،‬وعرفنا أنه إذا كان العام‪ :‬ما ّ‬
‫شيئين فصاعداً بال حصر‪ ،‬فالخاص ما كان مقابالً له بضده‪ ،‬ولذا قال‪:‬‬
‫« التخصيص تمييز> بعض الجملة » ‪ :‬يقصد به أفراد العام‪ ،‬أو إخراج بعض أفراد العام مما‬
‫يتناوله اللفظ العام‪.‬‬
‫يقول‪ « :‬وهو ينقسم إلى قسمين متصل ومنفصل‪ >،‬فالمتصل االستثناء والشرط والتقييد بالصفة‬
‫وهو » ‪ :‬الضمير يعود على أيش؟ التخصيص أو الخاص؟ هل نقول‪ :‬إنه يعود إلى أقرب مذكور‬
‫المخصص المفهوم‬
‫ِّ‬ ‫وهو التخصيص‪ ،‬أو نقول‪ :‬يعود إلى ما قبله وهو الخاص؟ نعم؟ أو يعود إلى‬
‫من التخصيص؟‬
‫المخصص‪ -‬وإ ن قلنا‪:‬‬
‫ِّ‬ ‫على كل حال الفرق سهل يعني‪ ،‬الخطاب سهل وهو ‪-‬أي الخاص أو‬
‫بخاص‪ٍ ،..‬‬
‫بلفظ خاص متصل أو منفصل‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫التخصيص يكون‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪135‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫ثم قال‪ « :‬وهو ينقسم إلى متصل> ومنفصل‪ ،‬فالمتصل » ‪ :‬االستثناء والشرط والتقييد بالصفة‪.‬‬
‫المخصصات‪ ،‬جعل من المخصِّصات‬
‫ِّ‬ ‫« والتقييد بالصفة » ‪ :‬اآلن جعل التقييد من ضمن‬
‫المتصلة‪ ،‬االستثناء والشرط وهذا واضح‪ ،‬ثم أردف ذلك بقوله‪ :‬والتقييد بالصفة‪ :‬يعني هل التقييد‬
‫تخصيص؟ أو التقييد شيء والتخصيص شيء آخر؟‬
‫الحظ عبارة المؤلف‪ ،‬يقول‪ « :‬وهو ينقسم إلى متصل> ومنفصل‪ ،‬فالمتصل االستثناء والشرط‬
‫والتقييد بالصفة »‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬كيف؟‬
‫« فالمتصل االستثناء والشرط والتقييد بالصفة » ‪ :‬أيش عندك؟‬
‫طالب‪ :‬التقييد بالشرط والتقييد بالصفة!‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬يجي التقييد بالشرط؟ أو تخصيص بالشرط؟‬
‫طالب‪ ... :‬تقييد بالصفة‪...‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬خلي التقييد بالصفة انتهينا‪ ،‬لكن التقييد بالشرط أيش معناه؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬شو لون تجي تقييد بالشرط؟ تخصيص بالشرط ماشي لكن تقييد‬
‫بالشرط؟!‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬هذا تخصيص وإ ال تقييد؟‬
‫طالب‪....:‬تقييد‪...‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬هذا تكرار‪ ،‬هذا تكرار‪ ،‬ونعرف أنه خلط بين التقييد والتخصيص‪،‬‬
‫كثير من أهل العلم يخلطون بينهما بالجامع بين التقييد والتخصيص وهو التقليل واإلخراج‪،‬‬
‫اإلخراج لبعض أفراد العام بالتخصيص‪ ،‬واإلخراج لبعض أوصاف المطلق بالتخصيص‪ ،‬فهما من‬
‫هذه الحيثية متداخالن‪ ،‬من هذه الحيثية باعتبار أن كالً منهما تقليل وإ خراج‪ ،‬وإ ن كان التخصيص‬
‫يختص بتقليل األفراد‪ ،‬والتخصيص يختص بتقليل األوصاف‪ ،‬ولذا قال‪ :‬والتقييد بالصفة‪ :‬ما قال‪:‬‬
‫التخصيص بالصفة‪ ،‬وإ ن أدرج التقييد بالصفة ضمن المخصصات ففيهما‪ ،..‬بينهما شوب موافقة‪،‬‬
‫واألصل فيهما االختالف‪ ،‬الموافقة من أي جهة؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪136‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫أن كالً منهما تقليل وإ خراج‪ ،‬واالنفصال من جهة كون التخصيص في األفراد‪ ،‬ومن جهة كون‬
‫التقييد في األوصاف‪.‬‬
‫الخلط يحصل في هذا كثيراً؛ تجد الشراح –شراح الحديث‪ -‬حينما يشرحون حديث الخصائص‪« :‬‬
‫وجعلت تربتها » ‪ :‬يخلطون مرةً يقولون‪ :‬يخص العام بالخاص‪ ،‬وهو التربة‪ ،‬ثم يقولون‪ :‬هل‬
‫يحمل المطلق على المقيد في هذا أو ال يحمل!!‬
‫يحصل خلط يعني؛ فأول الكالم ينصب إلى التخصيص وآخره ينتهي بالتقييد ‪-‬عند من يقول بأنه ال‬
‫النصين في باب التيمم مبسوط في غير هذا الموضع‪ ،‬بسطناه‬
‫ُيتيمم إال بالتراب‪ -‬وتفصيل ما بين ّ‬
‫مراراً‪.‬‬
‫نعود إلى كالم المؤلف‪:‬‬
‫"وهو"‪ :‬عرفنا أن الضمير يعود إلى المخصص المفهوم من التخصيص ينقسم إلى قسمين كما ذكر‬
‫المؤلف‪ :‬متصل ومنفصل‪ :‬والمتصل بحيث يرد العام مع الخاص في ٍ‬
‫نص واحد‪ ،‬والمنفصل إذا‬
‫نص مستقل‪ ،‬والخاص في ٍ‬
‫نص آخر مستقل‪.‬‬ ‫ورد العام في ٍ‬
‫فإذا جاء اللفظ العام في السياق نفسه‪ ،‬ثم جاء في السياق نفسه ما يخصصه هو المتصل وإ ال‬
‫فالمنفصل‪.‬‬
‫ثم ذكر من المخصصات المتصل‪ :‬االستثناء والشرط والتقييد بالصفة‪.‬‬
‫يقول الناظم‪:‬‬

‫وما به التخصيص إما متصل *** كما سيأتي آنفاً أو منفصل>‬

‫كما سيأتي آنفاً‪ :‬يعني قريباً‪ ،‬سواء فيما مضى أو ما يأتي‪.‬‬

‫فالشرط والتقييد بالوصف اتصل *** كذلك االستثناء وغيره انفصل‬

‫ثم شرع ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬في بيان ما أجمله على طريقة أيش؟‬
‫اللف والنشر‪.‬‬
‫مرتب وإ ال غير مرتب؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪137‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫يقول‪ « :‬فالمتصل االستثناء والشرط والتقييد » ‪ :‬ثم ذكر االستثناء ثم الشرط ثم المقيد على سبيل‬
‫اللف والنشر المرتب‪.‬‬
‫قال‪ « :‬واالستثناء إخراج ما لواله لدخل في الكالم » ‪ :‬ثم ذكر شروطه‪ « :‬االستثناء إخراج ما‬
‫لواله لدخل في الكالم‪ ،‬وإ نما يصح بشرط أن يبقى من المستثنى منه> شيء‪ ،‬ومن شرطه‪ :‬أن‬
‫يكون متصالً بالكالم » ‪ :‬االستثناء في األصل استفعال من الثني بمعنى العطف؛ ألن المستثنى‬
‫معطوف عليه بإخراجه من حكم المستثنى منه‪ ،‬أو بمعنى الصرف؛ ألنه مصروف عن حكم‬
‫المستثنى منه‪.‬‬
‫والسين والتاء؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير ‪ :‬طلب‪ ،‬هاه للطلب؟ نعم؟ تجي‪ ،‬تجي هنا للطلب؟ نعم؟ طلب الثنية هنا؟‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫إذا قيل‪ :‬هذا استثناء‪ ،‬قام القوم إال زيداً‪ ،‬هذا استثناء‪ ،‬أو هذا ثنيا؟‬
‫االستثناء والثنيا بمعنى واحد‪ ،‬ولذا يقولون‪ :‬السين والتاء هنا زائدتان‪" ،‬نهى عن الثنيا ما لم تعلم"‪،‬‬
‫نهى عن الثنيا ما لم تعلم"‪ :‬فالثنيا هي االستثناء‪ ،‬وليس االستثناء طلب الثنيا‪ ،‬إذن السين والتاء كما‬
‫قالوا‪ :‬زائدتان‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬كيف؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير ‪ :‬أنت لما تقول‪ :‬قام القوم إال زيداً‪ِ ،‬‬
‫أعط القوم إال محمداً‪ :‬أنت تستثنى‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫وإ ال تثني؟ هل هذا استثناء أو ثنيا؟ غيرك يطلب منك أن تستثني‪ ،‬نعم؟‬
‫لما تقول‪ :‬أوصي أو أوقف أو غلّة هذا الوقف لبني تميم‪ ،‬إن طلب منك أن تستثني صار االستثناء‬
‫السين والتاء على بابها للطلب‪ ،‬لكن إن استثنيت أنت من غير طلب ‪-‬من نفسك بادرت باالستثناء‪-‬‬
‫بمعنى واحد‪.‬‬ ‫فتكون ثنيا أو استثناء‬
‫ً‬
‫عرفه المؤلف ‪-‬عرف االستثناء‪ « :-‬إخراج ما لواله لدخل في الكالم » ‪ :‬وفي شرح األشموني‬
‫على األلفية ‪-‬ألفية ابن مالك‪ -‬االستثناء‪" :‬هو اإلخراج بـ(إال) أو إحدى أخواتها لما كان داخالً أو‬
‫منزالً منزلة الداخل"‪ :‬فاإلخراج جنس وبـ(إال) إلى آخره يخرج التخصيص بغير االستثناء ‪-‬يخرج‬
‫التخصيص بغير االستثناء‪ -‬بالشرط والصفة على ما سيأتي‪ -‬وما كان داخالً يشمل الداخل حقيقةً‬
‫والداخل تقديراً‪ ،‬وهو المفرغ‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪138‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫والقيد األخير ‪-‬المنزل منزلة الداخل‪ -‬يذكر إلدخال االستثناء المنقطع؛ ألنه عندنا استثناء متصل‬
‫وآخر منقطع‪ :‬قام القوم إال زيداً‪ :‬هذا استثناء متصل‪ ،‬وقام القوم إال حماراً ‪-‬مثالً‪ :-‬استثناء‬
‫منقطع‪ ،‬لماذا؟ ألن المستثنى من غير جنس المستثنى منه‪.‬‬
‫والضمير « فيما لواله » ‪ :‬عائد إلى اإلخراج‪ ،‬يعني لوال اإلخراج موجود لدخل ذلك المخرج في‬
‫حكم الكالم السابق‪.‬‬
‫حرم‬ ‫ٍ‬
‫ومثّل له بأمثلة كثيرة لكن‪ ،..‬منها‪ « :‬الصلح جائز بين المسلمين إال صلحاً أح ّل حراماً أو ّ‬
‫حرم حالالً » [هذا مخرج في السنن‬
‫حالالً » و« المسلمون على شروطهم إال شرطاً أح ّل حراماً أو ّ‬
‫وهو صحيح لغيره]‪.‬‬
‫ثم ذكر ما يشترط لالستثناء‪:‬‬
‫« وإ نما يصح بشرط أن يبقى من المستثنى منه> شيء » ‪ :‬بشرط أن يبقى من المستثنى منه شيء‪،‬‬
‫لو قلت مثالً‪ :‬عندي عشرة إال عشرة‪ ،‬يصح االستثناء وإ ال ما يصح؟ نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬أيش يلزمك إذا قلت‪ :‬عندي عشرة إال عشرة؟ كم يلزمك؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬العشرة كاملة؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬نعم؟ كيف؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬إذن صححنا االستثناء إذا قلنا‪ :‬ال شيء؛ إذا طرحنا العشرة من‬
‫العشرة صار صفر‪ ،‬وهذا إذا اعتبرنا االستثناء‪ ،‬وهم يشترطون في صحة االستثناء أن يبقى منه‬
‫شيء ‪-‬على الخالف بين أهل العلم هل يشترط أن يبقى األكثر أو ال يشترط‪ -‬كما لو قال‪ :‬عندي‬
‫عشرة إال تسعة‪ ،‬يلزمه واحد‪ ،‬أو ال بد أن يكون االستثناء أقل من النصف‪ ،‬مسألة خالفية‪.‬‬
‫ولذا قالوا في شرطه‪ :‬أن يبقى من المستثنى منه شيء‪ ،‬فال يجوز أن يكون مستغرقاً لجميع أفراد‬
‫علي‬
‫علي عشرة إال خمسة‪َّ ،‬‬
‫علي عشرة إال عشرة‪ ،‬لكن يجوز نحو له ّ‬ ‫العام‪ ،‬فال يجوز مثل‪ :‬له ّ‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ يلزمه على األول‪ :‬خمسة‪ ،‬وعلى الثاني‪ :‬سبعة‪،‬‬ ‫علي عشرة إال تسعة‪،‬‬
‫عشرة إال ثالثة‪ ،‬وله َّ‬
‫وعلى الثالث‪ :‬واحد‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪139‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫ٍ‬
‫وحينئذ‬ ‫علي عشرة إال عشرة‪ ،‬لم يصح االستثناء‪،‬‬
‫فلو استغرق بأن لم يبق منه شيء كما لو قال‪ :‬له ّ‬
‫تلزمه العشرة كاملة‪.‬‬
‫أما استثناء أقل من النصف فهو جائز باإلجماع ‪-‬كما قال الشوكاني وغيره‪ -‬وأما استثناء النصف‬
‫ففيه خالف‪ ،‬والجمهور على جوازه‪ ،‬وأما استثناء األكثر فأكثر األصوليينـ على الجواز‪ ،‬وهذا‬
‫علي عشرة إال‬
‫رجحه الشوكاني‪ ،‬ومنعه اإلمام أحمد وأصحابه‪ ،‬وهو قول للشافعي‪ ،‬إذا قلت‪ :‬له ّ‬
‫علي عشرة إال سبعة‪ ،‬ما السبب في كونه ال يجوز استثناء ‪-‬االستثناء إذا استغرق جميع‬
‫سبعة‪ ،‬له ّ‬
‫المستثنى منه‪ -‬نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬اآلن هم يفرقون بين العام المخصوص‪ ،‬والعام الذي أريد به‬
‫الخصوص‪ ،‬أن يكون الباقي من أفراد العام في العام المخصوص أكثر ‪-‬أكثر مما أخرج منه‪-‬‬
‫وفي العام الذي أريد به الخصوص يكون الخصوص أكثر من العموم‪ ،‬فالقائل –المتكلم‪ -‬حينما‬
‫يتكلم بلفظ عام ويريد به الخصوص‪ ،‬هل يريد بذلك أكثر الناس؟ حينما يريد بلفظ عام يريد به‬
‫الخصوص‪ ،‬يأتي بلفظ عام يريد به الخصوص‪ ،‬هل يريد به أكثر الناس؟ نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬كيف؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫اس﴾‬
‫الن ُ‬ ‫ُ‬ ‫ض ْير ‪ :‬هو أراد به الخصوص‪ ،‬لكن هل إذا قال‪ ﴿ :‬الَّ ِذ َ‬
‫ين قَا َل لَ ُهم َّ‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫[ سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪ ،] 173 :‬واعتبرنا أنه على وجه األرض من الناس مليار مثالً‪ ،‬هل‬
‫نقول‪ :‬إنه يريد حينما يقول هذا الكالم أكثر من النصف‪ ،‬أو يريد أفراد أقل من النصف؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫اس ﴾ واحد‪ ﴿ ،‬إِ َّن‬
‫الن ُ‬ ‫ُ‬ ‫ض ْير ‪ :‬بغض النظر عن المثال نفسه؛ ﴿ الَّ ِذ َ‬
‫ين قَا َل لَ ُهم َّ‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫اس ﴾ [ سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪ : ] 173 :‬المراد بهم جمع‪ ،‬لكنهم أقل من النصف‪ ،‬قطعاً أقل‬ ‫الن َ‬ ‫َّ‬
‫من نصف من على وجه األرض؛ ألن (الناس) إذا قلنا‪ :‬إنه اسم جنس معرف بـ(أل) االستغراقية‬
‫قلنا‪ :‬إنه من ألفاظ العموم‪ ،‬واألصل أنه يشمل جميع الناس‪ ،‬هذا األصل‪ ،‬لكن هذا عام أريد به‬
‫الخصوص‪ ،‬وعلى هذا ما يفرقون به العام المخصوص والعام الذي أريد به الخصوص‪ ،‬أن العام‬
‫المخصوص يكون التخصيص إخراج أقل مما بقي من أفراد العام‪ ،‬والخصوص الذي أريد باللفظ‬
‫العام يكون‪ ،..‬أيش؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪140‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬أقل‪ ،‬أقل بكثير‪ ،‬بكثير مما يتناوله اللفظ العام‪.‬‬
‫إذا قال شخص في بيته‪ :‬اعطوا األوالد كل واحد لاير‪ ،‬وقلنا‪ :‬إن األوالد جمع‪ ،‬وعرف بـ(أل) فهو‬
‫من صيغ العموم ‪(-‬أل) الجنسية‪ -‬يشمل األوالد ‪-‬أوالد هذا المتكلم وأوالد الجيران‪ ،‬وأوالد‬
‫أصحاب البلد كلهم‪ ،‬وأوالد البلدان كلهم‪ -‬لكن هو هل يريد ها الخلق كلهم؟ ال‪ ،‬إنما هو يريد‬
‫الخصوص‪ ،‬هو يريد أوالده هو‪.‬‬
‫قد يقول قائل‪ :‬إن (أل) هذه ليست الجنسية‪ ،‬وإ نما هي (أل) العهدية‪ ،‬صح وإ ال ال؟‬
‫لكن لقائل أن يقول‪ :‬إن هذه (أل) الجنسية؛ ألنه لم يتقدم ما يدل على إرادة (أل) العهدية‪( ،‬أل)‬
‫العهدية إذا تقدم لهم ذكر‪ ،‬راح األوالد‪ ،‬جاء األوالد من المدرسة‪ ،‬فعلوا‪ ،‬تركوا‪ ،‬أعطوا األوالد‪،‬‬
‫ابتداء وليس في‬
‫ً‬ ‫ابتداء‪ :‬أعطوا األوالد‪ ،‬نعم‪،‬‬
‫ً‬ ‫فيكون المراد بهم األوالد المعهودين‪ ،‬لكن إذا قال‬
‫السياق ما يدل على إرادة العهد نقول‪ :‬هذا عام‪ ،‬لكنه عام باق على عمومه محفوظ وإ ال أريد به‬
‫الخصوص؟ نقول‪ :‬هذا عام أريد به الخصوص‪ ،‬وكم نسبة األوالد المراد إعطائهم لنسبة من ينطبق‬
‫عليه هذا اللفظ؟‬
‫ها ويش تقول؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬واحد من أيش؟ من مليون يمكن‪ ،‬أو أكثر‪ ،‬أو أقل من واحد من‬
‫مليون‪.‬‬
‫حينما نقول هذا الكالم ونبين وجه الفرق بين العام الذي أريد به الخصوص‪ ،‬العام المخصوص‬
‫وسبق أن تحدثنا عنه مراراً‪ ،‬وأن العموم ليس مراداً للمتكلم فيما يريد به الخصوص‪ ،‬بينما هو مراد‬
‫للمتكلم في العام المخصوص‪.‬‬
‫هنا نقول‪ :‬هذه من حجج من يقول‪ :‬إنه ال يجوز استثناء أكثر من النصف‪ ،‬وهذه أصح الروايتينـ‬
‫عن أحمد‪ ،‬وهي قول للشافعي‪.‬‬
‫أما استثناء األكثر فأكثر األصوليينـ على جوازه ورجحه الشوكاني‪ ،‬ومنعه اإلمام أحمد وأصحابه‪،‬‬
‫وهذا الخالف ‪-‬يعني في االستثناء‪ ،‬استثناء أكثر من النصف‪ -‬إنما هو في استثناء العدد‪ :‬له عشرة‬
‫إال كذا‪ ،‬له مائة إال كذا‪ ،‬أما االستثناء من الصفة‪ ،‬قالوا‪ :‬فيصح استثناء األكثر أو الكل‪ ،‬ومنه قوله‬
‫ين ﴾ [ سورة الحجر‪،‬‬ ‫ان إِالَّ َم ِن اتََّب َع َك ِم َن ا ْل َغ ِ‬
‫او َ‬ ‫ط ٌ‬‫س ْل َ‬ ‫ِ ِ‬
‫تعالى إلبليس‪ ﴿ :‬إِ َّن ع َبادي لَ ْي َ‬
‫س لَ َك َعلَ ْي ِه ْم ُ‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪141‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫ص َت‬
‫اس َولَ ْو َح َر ْ‬ ‫اآلية ‪ ،] 42 :‬فاستثنى الغاوين‪ ،‬وهم األكثر كما في قوله تعالى‪َ ﴿ :‬وما أَ ْكثَُر َّ‬
‫الن ِ‬ ‫َ‬
‫ين ﴾ [ سورة يوسف‪ ،‬اآلية ‪.] 103 :‬‬ ‫ِب ُم ْؤ ِم ِن َ‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬أيوه؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ِ ِ‬
‫ان ﴾ [ سورة الحجر‪ ،‬اآلية ‪:‬‬
‫ط ٌ‬‫س ْل َ‬ ‫ض ْير ‪ ﴿ :‬إِ َّن ع َبادي لَ ْي َ‬
‫س لَ َك َعلَ ْي ِه ْم ُ‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫‪.] 42‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬وأيش المانع من أن يكون متصالً؟‬
‫األصل أن العباد كلهم ليس له عليهم سلطان‪ ،‬إال من اتبعه‪ ،‬وحينئذ يكون استثنى األكثر‪ ،‬استثنى‬
‫األكثر‪ .‬استثنى في مختصر التحرير ما إذا كان استثناء األكثر من دليل خارج عن اللفظ‪ ،‬إذا كان‬
‫الدليل خارجاً عن اللفظ كما في اآليتين السابقتين وحينئذ ال يدخل فيما معنا‪ ،‬لماذا ال يدخل؟ ألن‬
‫الذي معنا االستثناء المتصل‪ ،‬واالستثناء بالدليل الخارجي هو االستثناء المنفصل‪ ،‬لكن النص الذي‬
‫فيه االستثناء متصل وإ ال منفصل؟ متصل‪ ،‬لكن الداللة على المراد من االستثناء منفصلة‪ ،‬الداللة‬
‫على المراد من االستثناء منفصلة‪.‬‬
‫من شرطه أيضاً أن يكون االستثناء منطوقاً بحيث يسمع من بقربه؛ لو استثنى بقلبه‪ ،‬استثنى بقلبه‪:‬‬
‫اعط األوالد كذا‪ ،‬ثم استثنى بقلبه إال فالن‪ ،‬يصح وإ ال ما يصح؟‬
‫قالوا‪ :‬ال بد أن يكون االستثناء منطوقاً به‪.‬‬
‫واستثنى في مختصر التحرير يمين المظلوم الخائف بنطقه‪ ،‬أيش مثاله؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬نعم‪ ،‬يمين الخائف المظلوم بنطقه‪ ،‬يعني إذا نطق باالستثناء حصل له‬
‫ظلم‪ ،‬وحينئذ يستثني بقلبه‪.‬‬
‫من شرطه أن يكون متصالً بالكالم إما حقيقة أو حكماً‪ :‬فاألول‪ :‬أعتق العبيد إال زيداً‪ ،‬هذا متصل‬
‫بالكالم حقيقة‪ ،‬الثاني‪ :‬أن يحصل فاصل اضطراريـ يضطره إلى أن يفصل بين المستثنى‬
‫والمستثنى منه بحيث ال يستطيع دفعه‪ ،‬كالسعال والعطاس‪ ،‬وما أشبه ذلك‪.‬‬
‫ولذا حينما يشترطون أن تكون اآليات في الفاتحة متتابعة على الهيئة المشروعة لو حصل فاصل‬
‫اضطراري مثل هذا فهي متصلة حكماً‪ ،‬وعلى هذا فإن حصل فاصل بينهما من سكوت بطل‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪142‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫الكالم واحداً‪ ،‬كحديث ابن‬


‫ُ‬ ‫االستثناء عند الجمهور‪ ،‬وقيل‪ :‬يصح مع السكوت أو الفاصل إذا كان‬
‫عباس حينما قال النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬في فتح مكة في بيان حرمة مكة‪ « :‬إن اهلل‬
‫‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬حرم مكة يوم خلق السماوات واألرض »‪ ،‬وقال في ذلك‪ « :‬ال يعضد شوكه‬
‫وال يختلى خاله »‪ ،‬فقال العباس‪" :‬يا رسول اهلل‪ ،‬إال اإلذخر؛ فإنه لقينهم وبيوتهم"‪ ،‬فقال‪ « :‬إال‬
‫اإلذخر »‪ .‬ومثله االستثناء في قصة سليمان ‪-‬عليه السالم‪ -‬لما قال له الملك‪" :‬قل‪ :‬إن شاء اهلل"‪.‬‬
‫وهنا لما قال العباس‪" :‬يا رسول اهلل‪ ،‬إال اإلذخر"‪ ،‬هل كان في بال النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪-‬‬
‫هذا االستثناء؟ هل كان في باله االستثناء؟ وهل له ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬أن يستجيب لطلب أحد‬
‫لحكم شرعي؟ أو نقول كما قال بعضهم‪ :‬إنه نزل الوحي حاالً بتأييد قول العباس‪ ،‬فقال النبي ‪-‬عليه‬
‫الصالة والسالم‪ « :-‬إال اإلذخر »‪ ،‬أو نقول‪ :‬إن النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬اجتهد وأقر على‬
‫هذا االجتهاد في وقته؟‬
‫الذي يسمع هذا الكالم يقول‪ :‬إن النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬لُقِّن االستثناء‪ ،‬وقبل هذا التلقين‪،‬‬
‫ظاهر وإ ال ما هو بظاهر؟‬
‫عمم‪ -‬ثم جاء االستثناء بطلب من العباس ‪-‬طلب معلل‪ -‬فمن‬
‫أطلق النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪َّ -‬‬
‫أهل العلم من يقول‪ :‬إنه نزل الوحي حاالً بموافقة العباس‪ ،‬فقال النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪« :-‬‬
‫إال اإلذخر »‪ ،‬ومنهم من يقول‪ :‬إن النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬اجتهد وله أن يجتهد‪ ،‬لكنه ال يقر‬
‫على خطأ‪ ،‬ولو كان خطأً لما أقر عليه ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬وعلى هذا فال يشترط وجود النية‬
‫حال النطق باللفظ العام بل يكفي وجودها قبل فراغه‪ ،‬تشترط النية وإ ال ما تشترط؟ هل كان النبي‬
‫‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬مستحضراً للنية في االستثناء حينما قال‪:‬‬
‫« ال يعضد شوكة‪ ،‬وال يختلى خاله »؟ نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬نعم‪ ،‬ظاهر النص يدل على خالف ذلك‪ ،‬نعم يا‪.....‬؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬كيف؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير ‪ :‬في حديث سليمان لما قال‪ :‬إنه يطأ هذا العدد الكبير من النساء‪ ،‬وكل‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ِ‬
‫يستثن‪ ،‬فقال له الملك‪" :‬قل‪ :‬إن شاء اهلل"‪ ،‬وجاء‬ ‫واحدة منهن تأتي بولد يجاهد في سبيل اهلل‪ ،‬ولم‬
‫الخبر الصحيح بأنه « لو قال‪ :‬إن شاء اهلل لنفعه ذلك » ‪ ،‬فدل على أنه ال يلزم استحضار النية‪ ،‬بل‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪143‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫إذا ُذ ِّكر ثم تذكر فاستثنى نفعه ذلك‪ ،‬شريطة أن يكون متصالً بالكالم‪ ،‬أو في المجلس إذا كان هناك‬
‫خيار‪ ،‬إذا اشترى شخص من آخر سيارة‪ ،‬نعم‪ ،‬اشترى سيارة‪ ،‬وقال‪ :‬أنا اشتريت هذه السيارة بمائة‬
‫ألف إال إن كان الولد اشترى لنا سيارة غيرها‪ ،‬هذا متصل ومستحضر‪ ،‬ماشي؟ يصح االستثناء‬
‫وإ ال ما يصح؟ نعم؟ يصح ما فيه إشكال‪.‬‬
‫إذا انتظر وهم في المجلس باقون وهم يكتبون العقد قبل التفرق ‪-‬بعد ربع ساعة مثالً من اإليجاب‬
‫والقبول‪ -‬قال‪ :‬إال إذا كان الولد اشترى سيارة‪ ،‬ينفع وإ ال ما ينفع؟ وما في باله االستثناء‪ ،‬وإ نما طرأ‬
‫عليه فيما بعد‪ ،‬احتمال يكون الولد عاد لقى له سيارة ثم نزل وجابها‪ ،‬وهم ما يبغون إال واحدة‪ ،‬ما‬
‫يبغون إال سيارة واحدة‪ ،‬نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬كيف؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬يعني ينفعه االستثناء؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬ما ينفعه االستثناء؟ كيف؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير ‪ :‬نقول‪ :‬هذه صور‪ ،‬تلك صورة‪ ،‬وهذه صورة‪ ،‬ويأتي صورة ثالثة‪،‬‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫نعم‪ ،‬بعد التفرق وبعد أن وصل إلى البيت قال‪ :‬إال إن كان الولد اشترى لنا سيارة‪ ،‬ينفع وإ ال ما‬
‫ينفع؟‬
‫ال بد من اعتبار هذه الصور‪ :‬صورة مع العقد‪ ،‬وصورة بعد العقد في وقت اإلمكان‪ ،‬وصورة بعد‬
‫العقد بعد وقت اإلمكان‪ ،‬األولى ال إشكال فيها صحيحة عند الجميع‪ ،‬والثانية‪ :‬صحيحة لذاتها أو‬
‫لكون العقد معلق بالتفرق؟ نعم؟‬
‫طالب‪ :‬لكون‪.....‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬سهل لكون العقد معلق‪.‬‬
‫بعض العلماء ‪-‬ويذكر عن ابن عباس‪ -‬أن االستثناء ينفع ولو بعد شهر‪.‬‬
‫طالب‪........:‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪144‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫ض ْير ‪ :‬نعم‪ .‬إذا قلت‪ :‬واهلل إن ِ‬


‫فعلت كذا أو إن فعلت كذا فأنت طالق‪ ،‬ثم بعد‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫مدة قال‪ :‬إن شاء اهلل‪ ،‬أو استثناء قال‪ :‬إال إن جاء زيد أو إال إن أحضرت كذا‪ ،‬بعد مدة‪ ،‬هاه؟‬
‫استثنى بعد مدة طويلة ينفع وإ ال ما ينفع؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬صحيح‪ ،‬وإ ن كان مأثوراً عن ابن عباس رضي اهلل عنهما‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬كيف؟‬
‫إيه‪ ،‬لكنه استثنى استثنى‪ ،‬حتى االستثناء مضطرب عنده‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير ‪ :‬إن ِ‬
‫فعلت كذا‪ ،‬لكن حكم االستثناء ‪-‬كما سيأتي‪ -‬االستثناء اللي هو‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫النحوي‪ ،‬أو‪ ،..‬على ما سيأتي في الشرط‪ ،‬يأتينا هذا في الشرط نشير إليه إن شاء اهلل تعالى‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬مثل شرط الصفة على ما سيأتي؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬على ما يظهر أن الحكم واحد‪ ،‬لكن في وقت اإلمكان‪ ،‬نعم‪ ،‬يعني إذا‬
‫أوصى بثلث ماله لبني تميم‪ ،‬ثم قال في وقت اإلمكان‪ ،‬وقت اإلمكان متى؟‬
‫إلى الوفاة‪ ،‬هذا كله وقت إمكان‪ ،‬استثنى منهم‪ ،‬أو اشترط‪ ،‬أو وصف وصف يتقيد به النص المطلق‬
‫في وقت اإلمكان ينفعه‪ ،‬لكن لو أوقف وقفاً منجزاً ثم استثنى أو اشترط أو وصف ينفع وإ ال ما ينفع؟‬
‫ال ينفع‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬نعم‪ ،‬بعد وقت اإلمكان‪.‬‬
‫ثم قال ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ « :-‬ويجوز تقديم االستثناء على المستثنى منه‪ >:‬لوقوعه في كالم‬
‫العرب في النصوص » ‪:‬‬
‫وما لي إال‪ ،..‬إال أيش؟ شيعة‪ ،‬وما لي إال مذهب الحق مذهب‪ ،‬هذا كالم الكميت‪.‬‬

‫وما لي إال‪ ................‬شيعة *** وما لي إال مذهب الحق مذهب‬

‫وفي قصيدة حسان بن ثابت‪:‬‬


‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪145‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫فإنهم يرجون منه> شفاعة *** إذا لم يكن إال النبيون شافع‬

‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬أعد أعد؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬هذا متقدم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬يعني االستثناء األول من نفس الجملة هذه وإ ال من الجملة التي قبلها؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬ال‪ ،‬اختلطت‪.‬‬
‫ثم قال ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ :-‬ويجوز االستثناء من الجنس ومن غيره‪ :‬االستثناء من الجنس واضح‪،‬‬
‫كقولك‪ :‬قام القوم إال زيداً وقام النساء إال هنداً‪ ،‬وأما من غير الجنس فالمراد به االستثناء المنقطع‬
‫كـ‪ :‬قام القوم إال حماراً‪.‬‬
‫إذا قلت‪ :‬قام القوم إال هنداً من األول وإ ال من الثاني؟‬
‫طالب‪ :‬من األول؟‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬من الجنس أو من غير الجنس؟ قام القوم إال هنداً؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬كيف؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬للرجال والنساء؟ يمكن؟ تدخل النساء في القوم أو ال تدخل؟‪ ﴿ :‬اَل‬
‫س َخ ْر‪﴾ ...‬‬ ‫َي ْ‬
‫وم ِّمن قَ ْوم ﴾ [ سورة الحجرات‪ ،‬اآلية ‪.] 11 :‬‬
‫طالب‪ ﴿ :‬قَ ٌ‬
‫ض ْير ‪ :‬أيش اللي بعده؟‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ِ‬
‫ساء ﴾ [ سورة الحجرات‪ ،‬اآلية ‪.] 11 :‬‬ ‫ساء ِّمن ِّن َ‬‫طالب‪َ ﴿ :‬واَل ن َ‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬إذن تدخل النساء في القوم وإ ال ما تدخل؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬كيف تدخل؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪146‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫طالب‪.......:‬‬
‫ِ‬
‫ساء ِّمن ِّن َ‬
‫ساء ﴾ [ سورة‬ ‫وم ِّمن قَ ْوم ﴾ ﴿ َواَل ن َ‬
‫س َخ ْر قَ ٌ‬
‫ض ْير ‪ ﴿ :‬اَل َي ْ‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫الحجرات‪ ،‬اآلية ‪] 11 :‬‬
‫طالب‪.....:‬تأكيد يا شيخ‪.‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬تأكيد أليش؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير ‪ :‬على كل حال من أهل العلم من قال‪ :‬إن النساء ال تدخل في القوم‪.‬‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫الرهط‪ :‬قام الرهط إال زيداً‪ ،‬تدخل فيه النساء وإ ال ما تدخل؟ قام الرهط إال هنداً‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬كيف؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬لكن ليس فيهم امرأة‪ ،‬وهنا قالوا‪ :‬القوم ال تدخل فيهم النساء؛ بدليل‬
‫هذه اآلية‪ ،‬ومنهم مثل ما قلتم‪ :‬إنها داخلة وعطف النساء على القوم من باب عطف الخاص على‬
‫العام؛ لالعتناء –للعناية‪ -‬بشأن الخاص‪ ،‬ولبيان أن السخرية في النساء أكثر منها في الرجال‪،‬‬
‫السخرية في النساء أكثر منها في الرجال‪ ،‬واهلل المستعان‪.‬‬
‫علي ألف إال ثوباً‪ ،‬منقطع وإ ال متصل‪ ،‬أو يحتمل؟‬
‫علي ألف إال ثوباً‪ ،‬له َّ‬
‫فعلى هذا لو قال‪ :‬له َّ‬
‫طالب‪ :‬يحتمل‪.‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬كيف يحتمل؟‬
‫طالب‪ :‬قد يكون له ألف ثوب‪.‬‬
‫ض ْير ‪ :‬ألف ثوب احتمال‪ ،‬لكن لو أطلق‪ ،‬قال هذه الكلمة‪ :‬له علي ألف إال‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ثوباً‪ ،‬قال‪ :‬أنا أقصد ألف لاير ال أقصد ألف ثوب‪ ،‬واالستثناء منقطع يقبل وإ ال ما يقبل؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬الشيخ كيف ‪ ......‬ثوب‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫علي ألف ثوب‪.‬‬
‫ض ْير ‪ :‬ما قال‪َّ :‬‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪147‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬إال ثوباً‪ ،‬يقول‪ :‬االستثناء المنقطع معروف في لغة العرب‪ ،‬معروف‬
‫في القرآن‪ ،‬وهذا استثناء منقطع‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬مثل أيش؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير ‪ :‬أن يكون المقَر له‪ ،‬نعم‪ ،‬أو ِ‬
‫المقر صاحب ثياب مثالً‪ ،‬يورد ثياباً‪ ،‬لكن‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫إذا قال‪ :‬له علي ألف دينار أو ألف درهم إال ثوباً‪ ،‬عرفنا أن هذا االستثناء منقطع‪ ،‬وحينئذ يصح‬
‫االستثناء؛ ألنه قال‪ :‬ويجوز االستثناء من الجنس وغيره‪ :‬وعلى هذا تسقط قيمة الثوب من األلف‪،‬‬
‫ُّها‬
‫بكم الثوب؟ مائة لاير‪ ،‬إذن عندك تسعمائة‪ ،‬وعلى هذا أكثر األصوليينـ كما في قوله تعالى‪َ ﴿ :‬يا أَي َ‬
‫ون ِت َج َارةً َعن تََر ٍ‬
‫اض ِّمن ُك ْم ﴾ [ سورة النساء‪،‬‬ ‫ين آم ُنواْ الَ تَأْ ُكلُواْ أَموالَ ُكم ب ْي َن ُكم ِبا ْلب ِ‬
‫اط ِل إِالَّ أَن تَ ُك َ‬ ‫َْ ْ َ ْ َ‬
‫َّ ِ‬
‫الذ َ َ‬
‫اآلية ‪ : ] 29 :‬هل التجارة عن التراضي من أكل األموال بالباطل؟‬
‫ال‪ ،‬إذن االستثناء منقطع كما في قوله تعالى‪ ﴿ :‬اَل يسمع َ ِ‬
‫ساَل ًما ﴾ [ سورة مريم‪،‬‬ ‫يها لَ ْغ ًوا إِاَّل َ‬
‫ون ف َ‬ ‫َ َُْ‬
‫اآلية ‪ : ] 62 :‬فالسالم ليس من اللغو‪.‬‬
‫ومنعه آخرون كما في أصح الروايتينـ عن أحمد ونسبه اآلمدي إلى األكثرين‪ ،‬يقول الخرقي في‬
‫مختصره‪" :‬من أقر بشيء واستثنى من غير جنسه كان استثناؤه باطالً"‪ ،‬وعلى هذا فقوله‪ :‬له علي‬
‫ألف إال ثوباً‪ ،‬تلزمه األلف كاملة‪ ،‬واالستثناء له‪.‬‬

‫وحد االستثناء ما به خرج *** من الكالم بعض ما فيه اندرج‬


‫وشرطه أال يرى منفصال *** ولم يكن مستغرقاً لما خال‬
‫والنطق مع اسماع من بقربه> *** قصده من قبل نطقه به‬
‫واألصل فيه أن مستثناه *** من جنسه وجاز من سواه‬
‫وجاز أن يقدم المستثنى *** والشرط أيضاً لظهور المعنى‬

‫ثم قال ‪-‬رحمه اهلل‪:-‬‬


‫« والشرط يجوز أن يتقدم على المشروط » ‪ :‬وهذا هو النوع الثاني من المخصصات المتصلة‬
‫وسبقت اإلشارة إلى ذلك‪ ،‬والمراد به الشرط اللغوي‪ :‬وهو المخصص للعموم كما لو قلت‪ :‬أكرم‬
‫العلماء إذا عملوا بعلمهم‪ ،‬أكرم العلماء إذا عملوا بعلمهم‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪148‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫أما الشرط الشرعي الذي يلزم من عدمه العدم‪ ،‬ومثله الشرط العقلي كالحياة للعلم فال تخصيص‬
‫بهما‪ ،‬وحينئذ يجوز تقديمه على المشروط ‪-‬تقديم الشرط على المشروط‪ -‬أو الشرط‪ ،..‬كما في‬
‫المثال السابق‪ ،‬أكرم العلماء إذا عملوا بعلمهم‪.‬‬
‫اج ُك ْم إِن لَّ ْم َي ُكن لَّ ُه َّن َولَ ٌد ﴾ [ سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ف َما تََر َك أ َْز َو ُ‬
‫صُ‬‫في قوله تعالى‪َ ﴿ :‬ولَ ُك ْم ن ْ‬
‫‪ ] 12‬هنا تقديم المشروط على الشرط‪ ،‬ويجوز عكسه تقديم الشرط على المشروط‪ ،‬نحو‪ :‬إن جاء‬
‫بنو تميم فأكرمهم‪ ،‬ونحو قوله تعالى‪ ﴿ :‬وإِن ُك َّن أُواَل ِت حم ٍل فَأ ِ‬
‫َنفقُوا َعلَ ْي ِه َّن َحتَّى َي َ‬
‫ض ْع َن َح ْملَ ُه َّن ﴾‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫[ سورة الطالق‪ ،‬اآلية ‪.] 6 :‬‬
‫نأتي عاد إلى اإلشكال في كالم المؤلف حينما عطف التقييد على االستثناء والشرط‪.‬‬
‫ثم قال ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪:-‬‬
‫« والمقيد بالصفة يحمل عليه المطلق كالرقبة قيدت باإليمان في بعض المواضع وأطلقت في‬
‫بعض المواضع فيحمل المطلق على المقيد » ‪ :‬اآلن هو أقحم التقييد مع المخصصات‪ ،‬وعرفنا‬
‫وجه الشبه بين التقييد والتخصيص ووجه االفتراق‪ ،‬وعرفنا أنهما يشتبهان أن كالً منهما إخراج‪،‬‬
‫وكل منهما تقليل‪ ،‬ويختلفان في كون التخصيص تقليالً لألفراد‪ ،‬والتقييد تقليالً لألوصاف‪.‬‬
‫وهنا يقول‪ « :‬والمقيد بالصفة » ‪ :‬فلما ذكر االستثناء والشرط عقبهما بالتقييد بالصفة‪ ،‬يعني لو‬
‫قال‪ :‬أكرم العلماء المحدثين‪ :‬العلماء عام‪ ،‬والمحدثين وصف يصير تخصيصاً وإ ال تقييداً؟‬
‫أوالً‪ :‬لفظ العلماء‪ :‬هل هو لفظ عام أو لفظ مطلق؟‬
‫طالب‪ :‬عام‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬لفظ عام؛ ألن (أل) الجنسية دخلت على الجمع‪ ،‬نعم‪ ،‬فهو من صيغ‬
‫العموم‪ ،‬المحدثين تخصيص وإ ال تقييد؟‬
‫طالب‪ :‬تقليل للعدد بالوصف‪.‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬كيف؟‬
‫طالب‪ :‬تقليل للعدد بالوصف‪.‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬تقليل للعدد بالوصف‪ ،‬ومن هنا يتبين أن إدخال التقييد في‬
‫المخصصات له وجه‪ ،‬وعرفنا أنهما يجتمعان في شيء ويختلفان في شيء آخر‪ ،‬فالذين خلطوا في‬
‫حديث الخصائص حقيقة قد يعذرون نعم‪ ،‬يعني « جعلت لي األرض مسجداً وطهوراً » ‪ ،‬مع قوله‬
‫‪-‬عليه الصالة والسالم‪ « :-‬جعلت تربتها لنا طهوراً » ‪ :‬نعم‪ ،‬من أهل العلم قال‪ :‬ال يجوز التيمم‬
‫إال بالتراب‪ ،‬ومنهم من قال‪ :‬يجوز التيمم بالتراب وغير التراب‪ ،‬فالذين قالوا يجوز التيمم بالتراب‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪149‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫فرد من أفرادها‪ ،‬فهو خاص‪ ،‬فجعلوا هذا من‬


‫وغيره جعلوا األرض لفظاً عاماً ذات أفراد‪ ،‬والتراب ٌ‬
‫باب العموم والخصوص‪ ،‬فيجوز التيمم بالتراب وغير التراب لماذا؟ لماذا ال يخص العام بخاص؟‬
‫طالب‪ :‬ألن التراب فرد من أفراد‪.....‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬هو فرد من أفراده فهو خاص‪ ،‬لماذا ال يخص العام بالخاص؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬ال ال‪ ،‬من باب‪ ،..‬ال ال‪.‬‬
‫أقول‪ :‬ذكر الخاص بحكم موافق لحكم العام يقتضي التخصيص؟‬
‫طالب‪ :‬ال يقتضي‪..‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬ال يقتضي التخصيص‪ ،‬لكن لو جعلناه من باب اإلطالق والتقييد وقلنا‪:‬‬
‫إن األرض ذات أوصاف‪ ،‬والتراب وصف من أوصافها قلنا حينئذ‪ :‬يحمل المطلق على المقيد فال‬
‫يجوز التيمم إال بتراب له غبار يعلق باليد‪ ،‬كما يقول الحنابلة والشافعية‪.‬‬
‫ُكثُر من الشراح أوالً جعلوا العام في أول الكالم‪ ،‬ثم إما خصص وإ ال بقي اللفظ على عمومه‪ ،‬وهنا‬
‫إذا قلنا‪ :‬أكرم العلماء المحدثين‪ ،‬العلماء لفظ عام بال شك‪ ،‬أو مطلق؟‬
‫طالب‪ :‬عام‪.‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬عام‪ ،‬المحدثين تخصيص بالصفة تقليل لألفراد بالوصف‪ ،‬وهنا‬
‫نعرف المطلق والمقيد؛ كي نعرف الموضوع على وجهه‪ ،‬قالوا‪ :‬المطلق‪ :‬ما تناول واحداً غير‬ ‫ِّ‬
‫معين‪ ،‬واحداً غير معين باعتبار حقيقة شاملة لجنسه‪.‬‬
‫المطلق‪ :‬ما تناول واحداً غير معين‪ ،‬وهناك العام‪ :‬يتناول أفراداً‪ ،‬أكثر من شيئين بال حصر‪ ،‬يعم‬
‫أكثر من شيئين بال حصر‪ ،‬وهنا يتناول واحد غير معين باعتبار حقيقة شاملة لجنسه‪.‬‬
‫والمقيد‪ :‬ما تناول معيناً أو موصوفاً زائداً على حقيقة جنسه‪ ،‬قالوا‪ :‬فاألول‪ :‬كالرقبة‪ ،‬والثاني‪:‬‬
‫كالمؤمنة في وصف الرقبة‪ ،‬قال في مختصر التحرير‪" :‬وقد يجتمعان في لفظ باعتبار الجهتين‪،‬‬
‫أيش معنى هذا الكالم؟‬
‫الرقبة‪ :‬لفظ مطلق في آية الظهار‪ ،‬وهي مقيدة من وجه في آية القتل‪ ،‬ومطلقة من وجوه حتى في‬
‫آية القتل‪ ،‬وإ ن قيدت باإليمان‪ ،‬لكن هناك قيود أطلقت منها كالطول والقصر والذكورة واألنوثة‬
‫والسواد والبياض‪ ،‬هذه كلها قيود –أوصاف‪ -‬لكن هذه األوصاف لما كانت غير معتبرة وال أثر لها‬
‫في الحكم لم تذكر‪ ،‬بينما الوصف المؤثر المعتبر بالحكم ذكر وهو اإليمان‪ ،‬ولذا يقول صاحب‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪150‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫التحرير‪" :‬وقد يجتمعان في لفظ باعتبار الجهتين يكون اللفظ مطلقاً من وجه ومقيداً من وجه آخر"‪:‬‬
‫يعني رقبة مؤمنة‪ :‬هل هي مقيدة من كل وجه؟‬
‫وإ ن قيدت بالوصف المعتبر المؤثر في الحكم وهو اإليمان إال أنها أطلقت‪ ،‬أطلقت من جهات ‪-‬من‬
‫أوصاف‪-‬؛ لعدم اعتبار هذه األوصاف‪.‬‬
‫يقول‪ :‬كالرقبة قيدت باإليمان في بعض المواضع وأطلقت في بعض المواضع‪ ،‬فيحمل المطلق على‬
‫المقيد‪ :‬عرفنا أن الرقبة أطلقت في آية الظهار وقيدت في آية القتل‪ ،‬يحمل المطلق على المقيد‬
‫لماذا؟ نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬كيف؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير ‪ :‬يعني في كل لفظ مطلق أو مقيد نحمل المطلق على المقيد؟‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫الحنفية قالوا‪ :‬ما يحمل المطلق على المقيد‪ ،‬تقول لهم‪ :‬إال يحمل المطلق على المقيد هنا؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫إطالق وتقييد؛ ألنه حينما‬
‫ٌ‬ ‫إطالق وتقييد‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ض ْير ‪ :‬ال هذا إطالق وتقييد‪ ،‬هذا‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ير َرقَ َب ٍة ِّمن قَْب ِل أَن َيتَ َم َّ‬
‫اسا ﴾ [ سورة المجادلة‪ ،‬اآلية ‪ ،] 3 :‬ما جاء بلفظ العموم‪،‬‬ ‫قال‪ ﴿ :‬فَتَ ْح ِر ُ‬
‫يعني تحرير رقبة واحدة‪ ،‬فرد من جنس‪ ،‬لكن هذا الفرد له أوصاف‪ ،‬قيد في نصوص أخرى‪،‬‬
‫فالذين يقولون‪ :‬بحمل المطلق على المقيد في مثل هذه الصورةـ قالوا‪ :‬التحاد الحكم وإ ن اختلف‬
‫السبب‪ ،‬اتحاد الحكم وإ ن اختلف السبب‪ ،‬فالحكم في الرقبة المعتقة في كفارة الظهار الوجوب‪،‬‬
‫وجوب اإلعتاق‪ ،‬والحكم في إعتاق الرقبة في كفارة القتل هو الوجوب‪ ،‬والسبب مختلف؛ هذا‬
‫الظهار وهذا القتل‪ ،‬فإذا اتحدا في الحكم وجب حمل المطلق على المقيد وإ ن اختلف السبب‪.‬‬
‫الحنفية ما يقولون بهذا‪ ،‬وقد يدافع عنهم بعض الناس فيقول‪ :‬كم ذكر القيد في آية كفارة القتل؟ كم‬
‫مرة؟ كم كرر هذا القيد؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬مرة واحدة؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬شوف أول صفحة ثالثة وتسعين‪ ،‬نعم‪ ،‬كم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪151‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫ض ْير ‪ :‬كرر مراراً في نص واحد‪ ،‬فدل على أن هذا الوصف معتبر في هذا‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫الموضع؛ ألنه بقتله هذه النفس المؤمنة ال بد أن يوجد بدلها نفساً مؤمنة‪ ،‬لكن في الظهار ما أعدم‬
‫نفساً مؤمنة‪ ،‬ظاهر وإ ال ما هو بظاهر؟‬
‫نعم‪ ،‬ولذا والعتبار هذا الوصف في هذا الموضع كرر مراراً‪ ،‬بينما في المواضع األخرى ما ذكر‬
‫فضالً عن كونه يكرر‪ ،‬فلو كان معتبراً لذكر‪ ،‬هذا قول من يدافع عنهم‪ ،‬أنا ما رأيت هذا الكالم لهم‪،‬‬
‫لكن يمكن أن يدافع عنهم بهذا‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬كيف؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬أنا أدافع عنهم بهذا‪ ،‬لكن أنا مع الجمهور على كل حال‪ ،‬أنا مع‬
‫الجمهور في كون الرقبة ال بد أن تكون مؤمنة في جميع الكفارات‪ ،‬في جميع الكفارات ال بد أن‬
‫تكون مؤمنة؛ لالتحاد في الحكم وإ ن اختلف السبب وهذه هي صورة من صور حمل المطلق على‬
‫المقيد‪.‬‬
‫الصورة الثانية‪ :‬وهي أولى منها بالحمل‪ ،‬وهي ما إذا اتحد الحكم والسبب معاً‪ ،‬إذا كان الحنفية‬
‫خالفوا في الصورة األولى فإنهم يتفقون مع الجمهور في الصورة الثانية‪ ،‬إذا اتحدا في الحكم‬
‫والسبب حمل المطلق على المقيد‪ ،‬كالدم جاء مطلقاً في قوله ‪-‬جل وعال‪ُ ﴿ :-‬حِّر َم ْت َعلَ ْي ُك ُم ا ْل َم ْيتَ ُة‬
‫َّم ﴾ [ سورة المائدة‪ ،‬اآلية ‪ ] 3 :‬وجاء مقيداً في قوله‪ُ ﴿ :‬قل الَّ أَ ِج ُد ِفي َما أ ُْو ِح َي إِلَ َّي ُم َحَّر ًما‬ ‫َوا ْلد ُ‬
‫وحا ﴾ [ سورة األنعام‪ ،‬اآلية ‪ ،] 145 :‬فالدم غير‬ ‫ط ِ‬
‫اعٍم َي ْط َع ُم ُه إِالَّ أَن َي ُك َ‬
‫سفُ ً‬‫ون َم ْيتَ ً>ة أ َْو َد ًما َّم ْ‬ ‫َعلَى َ‬
‫المسفوح حالل‪ ،‬فيحمل المطلق على المقيد لالتحاد في أيش؟ في الحكم والسبب‪.‬‬
‫إذا اختلفا في الحكم والسبب يحمل المطلق على المقيد وإ ال ما يحمل؟‬
‫ال يحمل اتفاقاً؛ اختلفا في الحكم والسبب‪ ،‬اليد في آية الوضوء مقيدة بكونها إلى المرافق‪ ،‬وفي آية‬
‫ط ُعواْ أ َْي ِد َي ُه َما ﴾ [ سورة المائدة‪ ،‬اآلية ‪ ] 38 :‬إلى‬ ‫الس ِ‬
‫ارقَ ُة فَا ْق َ‬ ‫ق َو َّ‬ ‫الس ِ‬
‫ار ُ‬ ‫السرقة مطلقة ﴿ َو َّ‬
‫المرافق؟ ال‪ ،‬لماذا ال نحمل المطلق على المقيد؟ لالختالف في الحكم والسبب وهذا يكاد يكون‬
‫إجماعاً‪.‬‬
‫والصورة الثالثة‪ :‬وهي تتميم القسمة فيما إذا اتفقا في السبب واختلفا في الحكم‪ ،‬اتفقا في السبب‬
‫واختلفا في الحكم‪ ،‬ومثاله اليد أيضاً اليد في آية الوضوء‪ ،‬واليد في آية التيمم‪ ،‬السبب واحد وهو‬
‫الحدث والحكم مختلف؛ هذا غسل وهذا مسح وحينئذ ال يحمل المطلق على المقيد خالفاً للشافعية‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪152‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫هناك بعض األمثلة‪ ،‬وفيها إشكال ودقة في تطبيق مثل هذه القواعد عليها‪ ،‬مثل اإلسبال‪ :‬اإلسبال‬
‫جاء فيه اإلطالق والتقييد‪ « :‬ما أسفل من الكعبين فهو في النار » ‪ :‬هو مقيد وإ ال مطلق ذا؟‬
‫نعم‪ ،‬مطلق‪ ،‬وجاء التقييد « من جر ثوبه خيالء » ‪ :‬من أهل العلم من يقول‪ :‬يحمل المطلق على‬
‫المقيد وينتهي اإلشكال‪ ،‬اللي ما يجر ثوبه خيالء ما عليه شيء‪ ،‬ولعلكم تالحظون بعض من ينتسب‬
‫إلى العلم قد يسبل‪ ،‬انطالقاً من هذا‪ ،‬لكن له وجه أو ليس له وجه؟ إذا طبقناه على الصور األربع‬
‫السابقة الحكم واحد وإ ال مختلف؟‬
‫الحكم مختلف‪ ،‬الحكم مختلف‪ ،‬يعني يشترك الجميع في التحريم‪ ،‬لكن يبقى أن هذا له حكم؛ هذا في‬
‫النار وهو أسهل من الحكم في النص الثاني‪ « :‬من جر إزاره خيالء » ‪ « ،‬من جر ثوبه> خيالء »‬
‫‪ ،‬أيش حكمه؟‬
‫طالب‪ :‬ال ينظر اهلل إليه‪.‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬ال ينظر اهلل إليه‪ ،‬هذا أشد نسأل اهلل العافية‪.‬‬
‫فعلى هذا ال يحمل المطلق على المقيد في هذه الصورة‪.‬ـ‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬نعم‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬إيه‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬بالوصف‪.‬‬
‫طالب‪ :‬إذا قلنا هذا‪ ،‬ما يمكن أن نقول هذا الكالم في المطلق بشكل عام أو في المقيد بشكل‬
‫عام‪.....‬؟‬
‫ض ْير ‪ :‬إيه لكن هل هذا الوصف متعقب للفظ عام أو للفظ مطلق؟‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫قلنا مثل هذا الكالم لما جاء الوصف متعقباً للفظ عام‪ ،‬الباب‪ ،‬باب اإلطالق مع التقييد والتخصيص‬
‫بينهما تداخل كبير‪ ،‬وفي التفريق بينهما غموض يحتاج إلى انتباه‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬أيش لون؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬تقليد‪ ،‬ما تقول‪ :‬تقييد‪ ،‬ال‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪153‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬نعم‪ ،‬إيه‪ ،‬أو إن شئت فقل هو تخصيص بالصفة مثل ما قال المؤلف‪،‬‬
‫تخصيص بالصفة‪ ،‬نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬تخصيص بالصفة؛ ألن اللفظ عام‪ ،‬العلماء عام‪ ،‬جمع مقترن بـ(أل)‬
‫الجنسية‪ ،‬عام إال لو جاء ما يدل على إرادة الخصوص‪ ،‬نعم‪ ،‬لو جاء ما يدل على إرادة الخصوص‬
‫ال بأس‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬كيف؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬إيه‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬يقولون‪ :‬هذا ليس استثناء إنما هو استدراك (لكن) يقولون‪ :‬هذا ليس‬
‫من باب االستثناء وإ نما هو استدراك‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬كيف؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ير َرقَ َب ٍة ﴾ [ سورة المجادلة‪ ،‬اآلية ‪ : ] 3 :‬الرقبة‬
‫ض ْير ‪ :‬عندك‪ ﴿ :‬فَتَ ْح ِر ُ‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫مطلق وإ ال عام؟‬
‫رقبة هي واحدة ما فيها عموم‪ ،‬واحدة ليس فيها عموم‪ ،‬لكن لو جاء اللفظ (الرقاب مثالً فتحرير‬
‫الرقاب)‪ ،‬ثم جاء ما يدل على إرادة واحد من هذه الرقاب قلنا تخصيص‪.‬‬

‫‪‬‬

‫ِ‬
‫س التَّاسعُ‬
‫الد َّْر ُ‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪154‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫بسم اهلل ال ـ ـ ــرحمن ال ـ ـ ــرحيم‪ ،‬الحمد هلل رب الع ـ ـ ــالمين‪ ،‬وص ـ ـ ــلى اهلل وس ـ ـ ــلم على نبينا محمد وعلى آله‬
‫وصحبه أجمعين‪ ،‬أما بعد‪ :‬فقد قال إمام الحرمين ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪:-‬‬

‫ويجوز تخصيص الكتاب بالكتاب‪ ،‬وتخصيص الكتاب بالسنة‪ ،‬وتخصيص السنة بالكتاب‪،‬‬
‫وتخصيص السنة بالسنة‪ ،‬وتخصيص النطق بالقياس‪ ،‬ونعني بالنطق‪ :‬قول اهلل تعالى‪ ،‬وقول‬
‫الرسول ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬والمجمل‪ :‬ما يفتقر إلى البيان‪ ،‬والبيان‪ :‬إخراج الشيء من حيز‬
‫اإلشكال إلى حيز التجلي‪.‬‬
‫معنى واحداً‪ ،‬وقيل‪ :‬ما تأويله تنزيله> وهو مشتق من منصة> العروس‬ ‫والنص‪ :‬ما ال يحتمل إال‬
‫ً‬
‫وهو الكرسي‪ ،‬والظاهر‪ :‬ما احتمل أمرين أحدهما أظهر من اآلخر‪ ،‬ويؤول الظاهر بالدليل ويسمى‬
‫ظاهراً بالدليل‪.‬‬

‫« َّ‬
‫الش ْـر ُح » ‪:‬‬
‫السَّالم عليكم ورحمة اللَّ ِـه وبركاته‪.‬‬
‫الحمد هلل رب الع ــالمين وص ــلى اهلل وس ــلم وب ــارك على عب ــده ورس ــوله نبينا محمد وعلى آله وص ــحبه‬
‫أجمعين‪ ،‬تق ــدم الكالم في حقيقة الع ــام والخ ــاص‪ ،‬وأن الع ــام‪ :‬ما يش ــمل أف ــراداً‪ ،‬والخ ــاص‪ :‬ما يخص‬
‫ويخرج بعض هذه األفراد من النص العام‪.‬‬
‫وهنا يقــول المؤلف ‪-‬رحمه اهلل تعــالى‪ « :-‬ويج>>وز تخص>>يص الكت>>اب بالكت>>اب » ‪ :‬يعــني يجــوز أن‬
‫يـ ــأتي في الكتـ ــاب الـ ــذي هو القـ ــرآن نص عـ ــام‪ ،‬ويـ ــأتي المخصص له في الكتـ ــاب نفسه ‪-‬في القـ ــرآن‬
‫الكــريم‪ -‬وال يعــني هــذا أن النص العــام الــذي يشــمل أفــراداً يــأتي في الكتــاب التنصــيص على فــرد من‬
‫أولئك األفـ ـ ــراد‪ ،‬إنما يـ ـ ــأتي بلفظ هو في الحقيقة عـ ـ ــام‪ ،‬إال أنه أخص من النص األول‪ ،‬يعـ ـ ــني هل في‬
‫الكتاب تخصيص شخص بعينه من بين أفراد العام؟ نعم؟‬
‫ال يوجــد‪ ،‬إنما يــأتي بالكتــاب ما هو أخص من اللفظ األعم‪ ،‬فــإذا نظرنا إلى قــول اهلل ‪-‬عز وجــل‪،..-‬‬
‫ولنعلم أن تخص ــيص الكت ــاب بالكت ــاب أمر مجمع عليه بين أهل العلم‪ ،‬والس ــبب في ذلكم أن نصوصه‬
‫كلها قطعيــة‪ ،‬فــإذا تقابل عــام وخــاص فــالواجب الجمع بين ال ــدليلين بإعمــال الع ــام فيما ع ــدا الخ ــاص‪،‬‬
‫اجا‬ ‫ين ُيتََوفَّ ْو َن ِمن ُك ْم َو َي> > > َذ ُر َ‬
‫ون أ َْز َو ً‬ ‫وإ عم ـ ـ ــال الخ ـ ـ ــاص في محل ـ ـ ــه‪ ،‬فمثالً قوله ‪-‬جل وعال‪َ ﴿ :-‬والَِّذ َ‬
‫ش ًرا ﴾ [ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪ : ] 234 :‬هـذا عـام في الزوجـات‬ ‫َّص َن ِبأَنفُ ِس ِه َّن أ َْر َب َع َة أَ ْ‬
‫ش ُه ٍر َو َع ْ‬ ‫َيتََرب ْ‬
‫كلهن‪ ،‬فيش ـ ــمل الح ـ ــامالت والح ـ ــائالت‪ ،‬الم ـ ــدخول بهن وغ ـ ــير الم ـ ــدخول بهن؛ ألن الحامل زوج ـ ــة‪،‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪155‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫والحائل التي ليست بذات حمل‪ ،‬زوجة‪ ،‬والمدخول بها زوجة‪ ،‬وغير المدخول بها ‪-‬المعقود عليها‪-‬‬
‫َّص > َن ِبأَنفُ ِس > ِه َّن أ َْر َب َع> َة‬
‫اجا َيتََرب ْ‬ ‫ين ُيتََوفَّ ْو َن ِمن ُك ْم َو َي> َذ ُر َ‬
‫ون أ َْز َو ً‬ ‫أيض ـاً زوج ــة‪ ،‬ه ــذا النص ع ــام‪َ ﴿ :‬والَّ ِذ َ‬
‫ش ًرا ﴾‪ ،‬ما الذي يخرج من هذا النص؟ نعم؟‬ ‫ش ُه ٍر َو َع ْ‬
‫أَ ْ‬
‫ه ـ ــذا ع ـ ــام من وجه حيث يش ـ ــمل جميع الزوج ـ ــات الحوامل وغ ـ ــير الحوام ـ ــل‪ ،‬الم ـ ــدخول بهن وغ ـ ــير‬
‫المدخول بهن‪ ،‬لكنه خاص من وجه فهو خاص بالمتوفى عنهن‪ ،‬يخـرج من هـذا النص الحوامـل؛ في‬
‫ض ْع َن َح ْملَ ُه َّن ﴾ [ ســورة الطالق‪ ،‬اآلية ‪: ] 4 :‬‬
‫َجلُ ُه َّن أَن َي َ‬ ‫َحم ِ‬
‫ال أ َ‬ ‫ت اأْل ْ َ‬
‫قوله ‪-‬جل وعال‪َ ﴿ :-‬وأ ُْواَل ُ‬
‫فنخص ذوات األحمال ‪-‬وهن الحوامل‪ -‬من عموم اآلية األولى‪ ،‬فكل متوفى عنها تعتد أربعة أشهر‬
‫وعشـ ــرة أيـ ــام ‪-‬وعشر ليـ ــال‪ -‬ما عـ ــدا الحوامل فعـ ــدتها تنتهي بوضع الحمـ ــل‪ ،‬نخص عمـ ــوم األولى‬
‫بخصوص الثانية‪ ،‬كما أننا نخص عموم الثانية بخصوص األولى‪ ،‬كيف؟‬
‫ض > ْع َن َح ْملَ ُه َّن ﴾ ‪ :‬ه ــذا ع ــام من وج ــه‪ ،‬فيش ــمل المطلق ــات والمت ــوفى‬
‫َجلُ ُه َّن أَن َي َ‬ ‫َحم> ِ‬
‫>ال أ َ‬ ‫ت اأْل ْ َ‬
‫﴿ أ ُْواَل ُ‬
‫عنهن‪ ،‬يشــمل المطلقــات والمتــوفى عنهن‪ ،‬لكن هل يشــمل المــدخول بهن وغــير المــدخول بهن؟ هــاه‪،‬‬
‫يشمل وإ ال ما يشمل؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬كيف؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬نعم‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬ال يتصور‪ ،‬كيف تكون من ذوات األحمال وهي غير مدخول بها؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬هاه؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير ‪ :‬نعم‪ ،‬أيش معنى الدخول؟ هل معناه المسيس؟ هاه؟‬ ‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬ ‫َّ‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫وه َّن فَما َل ُكم علَ ْي ِه َّن ِم ْن ِع> د ٍ‬
‫َّة تَ ْعتَ>>دُّو َن َها ﴾‬ ‫>وه َّن ِمن قَْب> ِ>ل أَن تَ َم ُّ‬
‫طلَّ ْقتُ ُم> ُ‬ ‫﴿ إِ َذا َن َك ْحتُم ا ْلم ْؤ ِم َن> ِ‬
‫س> ُ َ ْ َ‬ ‫>ات ثُ َّم َ‬ ‫ُ ُ‬
‫[ ســورة األحــزاب‪ ،‬اآلية ‪ : ] 49 :‬يعــني أورد على ذلك المــرأة إذا تحملت مع زوجهــا‪ ،‬هل نقــول‪:‬‬
‫عدتها بوضع الحمل؟ أو نقول ‪-‬والمسألة متصورة‪ :-‬امرأة غير مدخول بها‪ ،‬عقد عليها ولما يــدخل‬
‫بها‪ ،‬فزنت فحملت من غيره‪ ،‬ثم طلقها ماذا تكون عدتها؟ عليها عدة وإ ال ما عليها عدة؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪156‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫طالب‪.......:‬‬
‫بالنسبة لزوجها الذي عقد عليها ليس له عليها عدة؛ ألنه غير داخل بها ‪-‬لم يدخل بها‪ -‬وبالنســبة لها‬
‫ال يجوز لها أن تتزوج حتى تضع الحمل‪ ،‬نسأل اهلل السالمة والعافية‪.‬‬
‫على كل حال هذا المثال الذي أوردناه في هاتين اآليتين من العموم والخصوص اللي يسمونه أيش؟‬
‫اجا‬ ‫ين ُيتََوفَّ ْو َن ِمن ُك ْم َو َي> َذ ُر َ‬
‫ون أ َْز َو ً‬ ‫وجهي‪ ،‬عموم وخصوص وجهي‪ ،‬فعرفنا أن اآلية األولى‪َ ﴿ :‬والَّ ِذ َ‬
‫ش ًرا ﴾ شــامل لكل الزوجــات‪ :‬الحوامل والحوائـل‪ ،‬المــدخول بهن‬ ‫َّص َن ِبأَنفُ ِس ِه َّن أ َْر َب َع َة أَ ْ‬
‫ش ُه ٍر َو َع ْ‬ ‫َيتََرب ْ‬
‫وغير المدخول بهن‪ ،‬لكنه خاص بالمتوفى عنهن‪.‬‬
‫سواء كانت بمــوت‬ ‫ض ْع َن َح ْملَ ُه َّن ﴾ هذا عام في الفرقة‪،‬‬
‫َجلُ ُه َّن أَن َي َ‬ ‫َحم ِ‬
‫ال أ َ‬
‫ً‬ ‫ت اأْل ْ َ‬
‫اآلية الثانية‪َ ﴿ :‬وأ ُْواَل ُ‬
‫أو طالق‪ ،‬يشــمل المطلقــات والمتــوفى عنهن‪ ،‬لكنه خــاص بــأوالت األحمــال‪ ،‬وهنا نســتطيع أن نحمل‬
‫عم ـ ــوم األولى على خص ـ ــوص الثاني ـ ــة‪ ،‬وعم ـ ــوم الثانية على خص ـ ــوص األولى‪ ،‬وعلى ه ـ ــذا يك ـ ــون‬
‫المت ــوفى عنهن كلهن يتربصن أربعة أش ــهر وعش ــراً ما ع ــدا ذات األحم ــال؛ الحامل فهي تعتد بوضع‬
‫الحمل‪.‬‬
‫هناك رأي لبعض الصحابة‪ :‬أنها تعتد بأبعد األجلين‪ ،‬بأبعد األجلين‪ ،‬أيش معنى هذا؟‬
‫أنها إذا توفى عنها زوجها وهي حامل فوضعت بعد شهرين‪ ،‬تعتد كم؟ أربعة أشهر وعشــراً‪ ،‬ال تعتد‬
‫بوضــعا الحمــل‪ ،‬إذا تــوفي عنها زوجها وهي في الشــهر األول‪ ،‬مكثت ثمانية أشــهر ما وضــعت تعتد‬
‫بوضع الحم ـ ـ ــل؛ ألنه أبعد األجلين؛ وذلكم للتع ـ ـ ــارض الظ ـ ـ ــاهر بين اآلية األولى والثاني ـ ـ ــة؛ ألن اآلية‬
‫ـواء ك ــانت من ذوات األحم ــال‪ ،‬أو حوائل ‪-‬ليست‬
‫األولى تش ــمل جميع من ت ــوفي عنهن أزواجهن‪ ،‬س ـ ً‬
‫بــذات حمــل‪ -‬والثانيــة‪ ،‬خاصة بــذوات األحمــال لكنها عامة في كل مفارقة بطالق أو مــوت‪ ،‬وعرفنا‬
‫أن هذا من العموم والخصوص الوجهي‪.‬‬
‫اآلية األولى‪ :‬تقتضي بعمومها أن األجل أربعة أش ـ ــهر وعش ـ ــراً‪ ،‬والثاني ـ ــة‪ :‬تقتضي بخصوص ـ ــها في‬
‫أوالت األحمـ ـ ــال أن أجلهن وضع الحمـ ـ ــل‪ ،‬وانفـ ـ ــردت اآلية الثانية بحكم عـ ـ ــدة المطلقـ ـ ــات الحـ ـ ــامالت‬
‫ووضع الحمل كما انفردت األولى بعدة المتوفى عنهن الحائالت وهي أربعة أشهر وعشراً‪.‬‬
‫هذا بالنسبة بالعموم والخصوص الوجهي‪ ،‬أما بالنسبة للعموم والخصوص المطلق نحو قوله تعــالى‪:‬‬
‫َّص َن ِبأَنفُ ِس ِه َّن ثَالَثَ َة قُُر َو ٍء ﴾ [ ســورة البقــرة‪ ،‬اآلية ‪ : ] 228 :‬هــذا لفظ عــام في‬ ‫طلَّقَ ُ‬
‫ات َيتََرب ْ‬ ‫﴿ َوا ْل ُم َ‬
‫آم ُن>>>وا إِ َذا‬ ‫ُّها الَّ ِذ َ‬
‫ين َ‬ ‫جميع المطلق ـ ــات الم ـ ــدخول بهن وغ ـ ــير الم ـ ــدخول بهن‪ ،‬أما قوله تع ـ ــالى‪َ ﴿ :‬يا أَي َ‬
‫َّة تَ ْعتَ>>دُّو َن َها ﴾ [ ســورة‬‫عدٍ‬ ‫وه َّن فَ َما َل ُك ْم َعلَ ْي ِه َّن ِم ْن ِ>‬ ‫>وه َّن ِمن قَْب> ِ>ل أَن تَ َم ُّ‬
‫س> ُ‬ ‫طلَّ ْقتُ ُم ُ‬ ‫َن َك ْحتُم ا ْلم ْؤ ِم َن ِ‬
‫ات ثُ َّم َ‬ ‫ُ ُ‬
‫األحــزاب ‪ ،‬اآلية ‪ : ] 49 :‬هــذا خــاص يغــير المــدخول بهــا‪ ،‬فخــرجت غــير المــدخول بها من عمــوم‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪157‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫اآلية األولى‪ ،‬فال عــدة عليهــا؛ لهــذه اآليــة‪ ،‬هــذا عمــوم وخصــوص يســمونه أيش؟ وجهي وإ ال مطلــق؟‬
‫نعم؟ وجهي وإ ال مطلق؟ األول وجهي والثاني؟ متى نتصور العموم والخصوص الوجهي؟‬
‫إذا ك ــان في كل من اآليـــتين‪ ،‬أو في كل من النصـــين عمـــوم‪ ،‬وفيهما في ال ــوقت نفسه خص ــوص‪ ،‬إذا‬
‫تق ــابال عموم ــان وخصوص ــان في نص ــين ه ــذا عم ــوم وخص ــوص وجهي‪ ،‬لكن إذا ك ــانت أح ــدهما أو‬
‫إحداهما أعم من األخرى من كل وجه فهو عموم وخصوص مطلق‪.‬‬
‫إذن لو نتأمل في النص ــين عرفنا أيضـ ـاً أن النص الث ــاني فيه عم ــوم وإ ال ما فيه عم ــوم بالنس ــبة لآلية‬
‫األولى؟‬
‫َّص َن ِبأَنفُ ِس ِه َّن ثَالَثَ َة قُُر َو ٍء ﴾ ‪ :‬هذا عام في كل مطلقة مدخول بها وغــير مــدخول‬ ‫طلَّقَ ُ‬
‫ات َيتََرب ْ‬ ‫﴿ َوا ْل ُم َ‬
‫بها‪ ،‬لكنه من وجه آخر خاص بذوات األقراء‪ ،‬بذوات األقراء اللوات يحضن‪.‬‬
‫وه َّن فَ َما لَ ُك ْم‬ ‫وه َّن ِمن قَْب ِل أَن تَ َم ُّ‬
‫س> ُ‬ ‫طلَّ ْقتُ ُم ُ‬ ‫ين آم ُنوا إِ َذا َن َك ْحتُم ا ْلم ْؤ ِم َن ِ‬
‫ات ثُ َّم َ‬ ‫ُ ُ‬
‫اآلية الثانية‪ ﴿ :‬يا أَي َّ ِ‬
‫ُّها الذ َ َ‬
‫َ َ‬
‫َّة تَ ْعتَ>>دُّو َن َها ﴾ ‪ :‬هــذا خــاص بغــير المــدخول بهــا‪ ،‬لكنه يشــمل ذات األقــراء والصــغيرة‬ ‫عدٍ‬
‫َعلَ ْي ِه َّن ِم ْن ِ>‬
‫واآليسة‪ ،‬لكن هل هذا الخصوص له أ ثر أو ليس له أ ثر؟ عموم اآلية الثانية له أثر وإ ال ما له أثر؟‬
‫ليس له أثر؛ ألنه ليس لها عدة‪ ،‬ليس عليها عــدة أصـالً‪ ،‬فكيف ننظر فيها هل هي ذات أقــراء أو آيسة‬
‫أو صــغيرة‪ ،‬هي ليس عليها عــدة أص ـالً‪ ،‬فلعــدم اعتبــار ذلك العمــوم وعــدم تــرتب األثر عليه لم ينظر‬
‫إليهن‪ ،‬وحكموا بأن اآلية بين اآليتين عموم وخصوص مطلق‪.‬‬
‫ـواء علم‬
‫جمهور األصوليينـ على تخصــيص العـام مطلقـاً‪ ،‬على تخصـيص العــام في الخــاص مطلقـاً س ً‬
‫سواء علم تقدم العام أو الخاص أو جهل التاريخ‪.‬‬
‫ً‬ ‫تقدم العام أو الخاص أو جهل التاريخ‪،‬‬
‫وقال أبو حنيفة وإ مــام الحــرمين ‪-‬مؤلف الورقــات‪ :-‬إن ُعلم التـاريخ وكـان الخــاص متــأخراً خصص‬
‫به الع ـ ــام‪ ،‬وإ ن ك ـ ــان الع ـ ــام مت ـ ــأخراً نسخ الخ ـ ــاص‪ ،‬وإ ن جهل الت ـ ــاريخ تس ـ ــاقطا في موضع المقابل ـ ــة؛‬
‫الحتمـ ــال تـ ــأخر العـ ــام فيكـ ــون ناسـ ــخاً للخـ ــاص‪ ،‬فيكـ ــون مخصص ـ ـاً للعـ ــام‪ ،‬فيتوقف في محل الخـ ــاص‬
‫ويتطلب دليل آخر‪ ،‬أيش معنى هذا الكالم؟‬
‫إذا تقدم العام وتأخر الخاص‪ ،‬فيه مشكلة؟‬
‫ما فيه إش ـ ــكال‪ ،‬لكن اإلش ـ ــكال لو تق ـ ــدم الخ ـ ــاص ثم ت ـ ــأخر الع ـ ــام‪ ،‬لو افترض ـ ــنا أن اآلية ﴿ إِ َذا َن َك ْحتُ ُم‬
‫َّة تَ ْعتَ>>دُّو َن َها ﴾ ‪ :‬الخــاص بغــير‬ ‫عدٍ‬ ‫وه َّن فَ َما لَ ُك ْم َعلَ ْي ِه َّن ِم ْن ِ>‬
‫س ُ‬‫وه َّن ِمن قَْب ِل أَن تَ َم ُّ‬
‫طلَّ ْقتُ ُم ُ‬ ‫ا ْلم ْؤ ِم َن ِ‬
‫ات ثُ َّم َ‬ ‫ُ‬
‫َّص َن ِبأَنفُ ِس ِه َّن ثَالَثَ> َة قُ> ُ>ر َو ٍء ﴾ ‪ :‬على‬
‫ات َيتََرب ْ‬ ‫طلَّقَ ُ‬‫المدخول بهن‪ ،‬هذا متقــدم على قوله تعــالى‪َ ﴿ :‬وا ْل ُم َ‬
‫سواء كــان‬
‫ً‬ ‫قول أبي حنيفة وإ مام الحرمين‪ ،‬تكون اآلية هذه نسخت اآلية‪ ،‬دل على أن كل مطلقة تعتد‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪158‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫المدخول بها أو غير المدخول بها‪ ،‬والجمهور على أنه إذا وجد العام والخاص فإنه يحمل العـام على‬
‫سواء تقدم العام أو تأخر‪ ،‬ظاهر؟‬
‫ً‬ ‫الخاص بغض النظر‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير ‪ :‬نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش > ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض > ْير‪ :‬ولو علم الت ــاريخ؛ هو ما يمكن أن نع ــرف أن ه ــذا متق ــدم أو مت ــأخر إال‬
‫بالتاريخ‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬عرفنا أن اآلية األولى عامة والثانية خاصة بغير المدخول بهــا‪ ،‬وحينئذ‬
‫ـواء تقــدمت‬
‫حملنا العام على الخاص فأخرجنا غير المدخول بها من العــدة؛ ألنه ليس له عليها عــدة سـ ً‬
‫اآلية األولى أو تأخرت ما عندنا فرق‪ ،‬هذا في قول األكثر‪ ،‬في قول الجمهور‪.‬‬
‫أبو حنيفة وإ مام الحــرمين يقــول‪ :‬إن كــان العــام هو المتقــدم وتــأخر عنه الخــاص ما فيه إشــكال؛ عرفنا‬
‫أن الخ ــاص مقص ــود ب ــاإلخراج‪ ،‬لكن إذا تق ــدم الخ ــاص‪ ،..‬ج ــاء النص في غ ــير الم ــدخول بها وأنه ال‬
‫عدة عليها‪ ،‬ثم جاء بعده النص العام يقرر العدة على كل مطلقــة‪ ،‬دل على أن حكم غــير المــدخول بها‬
‫ارتفع فينسخ‪ ،‬والجمهور على أنه ال فرق تقدم العام أو تأخر فيحمل العام على الخاص‪ ،‬وحمل العام‬
‫على الخــاص نــوع من أنــواع الجمــع‪ ،‬نــوع من أنــواع التوفيق بين األدلــة‪ ،‬نعم‪ ،‬وال يصــار إلى النسخ‬
‫إال إذا لم يمكن الجمع‪ ،‬والجمع حينئذ ممكن بحمل العام على الخاص‪ ،‬لماذا؟‬
‫ألن النسخ حكم بإلغ ــاء المنس ــوخ بالكلي ــة‪ ،‬حكم بإلغائه بالكلية النس ــخ‪ ،‬والجمع حكم بالعمل ب ــالخبرين‬
‫معاً‪ ،‬وإ عمال النص أولى من إهماله‪.‬‬
‫تخص>>يص الكت>>اب بالس>>نة‪ :‬الرســول ‪-‬عليه الصــالة والســالم‪ -‬هو المــبين لكتــاب اهلل‪ ،‬فــإذا تحققنا أن‬
‫الرسول ‪-‬عليه الصـالة والســالم‪ -‬قـال قــوالً مخصوصـاً أو مخصصـاً لعمـوم الكتـاب أو مقيــداً لمطلقه‬
‫الً على أن مراد الكتاب ما خصه الرسول ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬وأن مــراده بــالمطلق‬ ‫كان ذلك دلي ِ‬
‫المقيد على لسان رسوله عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫>>ل لَ ُكم َّما َو َراء َذِل ُك ْم ﴾ [ س ــورة النس ــاء ‪ ،‬اآلية ‪ ،] 24 :‬لما ع ــدد‬‫مث ــال ذلـــك‪ :‬قوله تعـــالى‪ ﴿ :‬وأ ِ‬
‫ُح َّ‬ ‫َ‬
‫>>ل َل ُكم َّما َو َراء َذِل ُك ْم ﴾ ‪ :‬يعـــني من النس ــاء‪ ،‬وعم ــوم ه ــذه اآلية خص بقوله‬ ‫المحرمـــات قـــال‪ ﴿ :‬وأ ِ‬
‫ُح َّ‬ ‫َ‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪159‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫‪-‬عليه الصــالة والســالم‪ « :-‬ال تنكح الم>>رأة على عمتها وال على خالتها »‪ ،‬وبقوله ‪-‬عليه الصــالة‬
‫>ل َل ُكم َّما َو َراء َذِل ُك ْم ﴾ ‪ :‬يقتضي‬ ‫والسـ ــالم‪ « :-‬يح >>رم من الرض >>اع ما يح >>رم من النسب »‪ ﴿ ،‬وأ ِ‬
‫ُح> َّ‬ ‫َ‬
‫حل كل ما لم ينص عليه ب ـ ــالقرآن‪ ،‬لكن ج ـ ــاء في الس ـ ــنة تح ـ ــريم الجمع بين الم ـ ــرأة وعمتها والم ـ ــرأة‬
‫وخالتهـ ــا‪ ،‬وحينئذ ُيخصص الكتـ ــاب بالسـ ــنة؛ ألن السـ ــنة وحي والرسـ ــول هو المـ ــبين ‪-‬عليه الصـ ــالة‬
‫والسالم‪ -‬لمراد اهلل من كتابه‪.‬‬
‫أيضاً‪ « :‬يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » ‪ :‬الكتاب لم يــذكر مما حــرم من الرضــاع إال األم‬
‫واألخت‪ ،‬العمة من الرضاعة والخالة من الرضاعة وهكذا حرام بقوله ‪-‬عليه الصالة والســالم‪« :-‬‬
‫يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب » ‪.‬‬
‫خصت آيات المواريث بقوله ‪-‬عليه الصالة والســالم‪ « :-‬ال يرث القاتل » ‪ ،‬كما أنها أيض ـاً خصت‬
‫آيات المواريث بقوله ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ « :-‬نحن معاشر األنبياء ال نورث » ‪.‬‬
‫الحنفية لهم قول يرددونه كثيراً يقولون‪ :‬الزيادة على النص نسخ‪ ،‬أيش معنى هذا الكالم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ .........:‬من تلقاء أنفسنا؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬الزيادة على النص نسخ‪ ،‬أيش معنى هذا الكالم؟ أين األصول؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬أيش؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬إيه‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬أحد يستحضر مثاالً؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬الزيادة على النص نسخ‪ ،‬نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬ال‪ ،‬ال‪ ،‬ليست هذه المسألة‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪160‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫َّ‬
‫الش > ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض > ْير‪ :‬ال‪ ،‬ال ما هي به ــذه المس ــألة المس ــألة أخ ــرى‪ ،‬يع ــني الق ــدر الزائد على‬
‫ال ــواجب مســـألة أخـــرى‪ ،‬إن كـــان متمـــيزاً فهو مســـتحب قـــوالً واح ــداً‪ ،‬وإ ن لم يتم ــيز فمنهم من يق ــول‬
‫بوجوبـــه‪ ،‬يعـــني من دفع كيس ــاً كـــامالً فطـــرة‪ ،‬والـــواجب عليه ص ــاع ه ــذه غ ــير متم ــيزة‪ ،‬لكن لو دفع‬
‫صاعين متميز كل واحد عن الثاني‪ ،‬ولو دفع ديناراً زكاة لعشرين‪ ،..‬على كل حال المسألة أخرى‪.‬‬
‫الزيـ ــادة على النص‪ :‬عنـ ــدنا النص في القـ ــرآن الـ ــذي بينت فيه المحرمـ ــات من النكـ ــاح ثم جاءنا قوله‬
‫‪-‬عليه الص ـ ـ ــالة والس ـ ـ ــالم‪ « :-‬ال تنكح الم > >>رأة على عمتها وال على خالتها » ‪ :‬ه ـ ـ ــذه زي ـ ـ ــادة على‬
‫النص‪ ،‬فإذا زيد على النص حكموا بأنه نسخ‪ ،‬لكن هل ينسخ المتواتر باآلحاد عندهم؟‬
‫ال‪ ،‬إذن ما م ــوقفهم من مثل قوله ‪-‬عليه الص ــالة والس ــالم‪ « :-‬ال تنكح الم>>رأة على عمتها وال على‬
‫خالتها » ؟ القاعــدة عنــدهم ليست مطــردة‪ ،‬إنما يحتاجونها إذا احتــاجوا إلى رد شــيء قــال به غــيرهم‪،‬‬
‫يستعملونها عند الحاجة ولذا ال يمكن أن يقولوا بجواز نكاح المرأة على عمتها وال على خالتها وهذا‬
‫وارد عليهم‪ ،..‬نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬أمثلة ما هو بمثال عندهم‪.‬‬
‫المن ــار النس ــفي يق ــول‪ :‬ويج ــوز نسخ الحكم والتالوة جميعــاً‪ ،‬ونسخ وصف الحكم كالزي ــادة ‪-‬أي على‬
‫النص المطلــق‪ -‬بــأن يثبت أمر آخر زائد على الحكم المنصــوص شــرطاً كــانت تلك الزيــادة أو ركن ـاً‬
‫فإنها نسخ عند الحنفية‪ ،‬وعند الشافعية تخصيص وبيان‪.‬‬
‫على كل حال هذه تحتاج إلى بسط وتمثيـل‪ ،‬لكن الـوقت ما يسـتوعب كل هـذا؛ ألننا متـأخرين جـداً في‬
‫الكتاب‪.‬‬
‫تخصـ ــيص الكتـ ــاب بالكتـ ــاب أمر مجمع عليه وبالسـ ــنة؛ ألن الرسـ ــول ‪-‬عليه الصـ ــالة والسـ ــالم‪ -‬هو‬
‫المبين للكتاب‪.‬‬
‫ُّها الَّ ِذ َ‬
‫ين‬ ‫هن ــاك تخص>>يص الكت>>اب باإلجم>>اع‪ :‬وه ــذا لم ي ــذكره المص ــنف‪ ،‬وذلكم كقوله تع ــالى‪َ ﴿ :‬يا أَي َ‬
‫ِ‬ ‫>ودي ِل َّ ِ ِ‬
‫آم ُن>>وا إِ َذا ُن> ِ‬
‫اس> َع ْوا ﴾ [ ســورة الجمعــة‪ ،‬اآلية ‪ : ] 9 :‬والمقــرر عند‬ ‫لص>اَل ة من َي> ْ>وِم ا ْل ُج ُم َع>>ة فَ ْ‬ ‫َ‬
‫آم ُنوا ﴾ الرجــال والنســاء األحــرار والعبيــد‪،‬‬
‫ين َ‬‫ُّها الَّ ِذ َ‬
‫أهل العلم أنه يــدخل في مثل هــذا النــداء‪َ ﴿ :‬يا أَي َ‬
‫هم داخلون في مثل هــذا النص‪ ،‬لكنهم أجمعــوا على أنه ال ُجمعـةَ على عبد وال امــرأة‪ ،‬يقـول اآلمـدي‪:‬‬
‫ال أعــرف في التخصــيص باإلجمــاع خالفـاً‪ ،‬ويقــول الشــوكاني‪ :‬وفي الحقيقة يكــون التخصــيص بــدليل‬
‫اإلجماع ال بنفس اإلجماع‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪161‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫اإلجمــاع أوالً ال بد له أن يعتمد على دليــل‪ ،‬ال بد أن يســتند إلى دليــل؛ فالمخصص هو دليل اإلجمــاع‪،‬‬
‫ما هم قالوا في النسخ‪ :‬اإلجماع ال ينسخ وال ينسخ؟‬
‫نعم؛ ألن النسخ من خصــائص النصــوص‪ ،‬فــإذا أجمع أهل العلم على خالف خــبر من األخبــار نقــول‪:‬‬
‫هذا الخبر منسوخ‪ ،‬بأي شيء؟‬
‫ب ـ ــدليل اإلجم ـ ــاع‪ ،‬بال ـ ــدليل ال ـ ــذي اس ـ ــتند إليه اإلجم ـ ــاع‪ ،‬ال باإلجم ـ ــاع نفس ـ ــه؛ ألنه عرفنا أن النسخ من‬
‫خصــائص النصــوص‪ ،‬وكــذلك التخصــيص‪ ،‬إال أنه عنــدهم التخصــيص أوســع‪ ،‬التخصــيص أوسع من‬
‫دائرة النسخ‪.‬‬
‫تخصيص الكتاب بالقياس‪ :‬الجمهور يــذهبون إلى جــوازه‪ ،‬وبه يقــول الثالثــة‪ ،‬وهو رواية عن أحمــد‪،‬‬
‫يق ـ ــول الش ـ ــوكاني‪ :‬والحق الحقيق ب ـ ــالقبول أنه يخصص بالقي ـ ــاس الجلي؛ ألنه معم ـ ــول به لق ـ ــوة أدلته‬
‫اح> ٍد‬
‫>ل و ِ‬ ‫الز ِاني> ُ>ة وال> َّ>ز ِاني فَ ْ ِ‬
‫اجل> ُ>دوا ُك> َّ َ‬ ‫وبلوغها إلى حد يــوازي النصــوص‪ ،‬ومثلــوا له بقوله تعــالى‪َ َ َّ ﴿ :‬‬
‫ِّم ْن ُه َما ِم َئ َة َج ْل َد ٍة ﴾ [ سورة النــور‪ ،‬اآلية ‪ : ] 2 :‬فـإن عمــوم الزانية خص بالكتــاب وهو قوله تعــالى‬
‫اب ﴾ [ ســورة النســاء‪،‬‬ ‫ات ِم َن ا ْل َع> َذ ِ‬ ‫ف ما علَى ا ْلم ْحص> َن ِ‬
‫ُ َ‬ ‫ص> ُ َ َ‬
‫ِ‬ ‫اح َ ٍ‬
‫ش>ة فَ َعلَ ْي ِه َّن ن ْ‬
‫في اإلمــاء‪ ﴿ :‬فَِإ ْن أَتَْي َن ِبفَ ِ‬
‫اآلية ‪.] 25 :‬‬
‫اح> ٍد ِّم ْن ُه َما ِم َئ> َ>ة َج ْل َ>د ٍة ﴾ ‪ :‬الزانية والــزاني يشــمل األحــرار وأيض ـاً‬ ‫>ل و ِ‬ ‫الز ِاني فَ ْ ِ‬
‫اجل ُدوا ُك َّ َ‬ ‫الز ِان َي ُ>ة َو َّ‬
‫﴿ َّ‬
‫العبيــد‪ ،‬عمومه يتنــاول األحــرار والعبيــد‪ ،‬الزانية خصت بقوله ‪-‬جل وعال‪ -‬في حق اإلمــاء‪ ﴿ :‬فَ>ِإ ْن‬
‫اب ﴾ ‪ ،‬طيب ال ـ ـ ــزاني يجلد مائة وإ ال‬ ‫ات ِم َن ا ْل َع> > > َذ ِ‬
‫ف ما علَى ا ْلم ْحص> > > َن ِ‬
‫ُ َ‬ ‫ص> > > ُ َ َ‬
‫ِ‬ ‫اح َ ٍ‬
‫ش> > >ة فَ َعلَ ْي ِه َّن ن ْ‬
‫أَتَْي َن ِبفَ ِ‬
‫خمسين؟ نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‪ :‬نقيس العبد على األمة في التنصيف ونخصص الزاني بالقيــاس‪ ،‬فيقــاس‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫العبد الزاني على األمة بتنصيف العذاب واالقتصار على خمســين جلـدة‪ ،‬مع أن هـذه المســألة ال تســلم‬
‫من خالف‪.‬‬
‫تخص >>يص الس >>نة بالكت >>اب‪ :‬مثاله قوله ‪-‬عليه الصـ ــالة والسـ ــالم‪ « :-‬أم >>رت أن أقاتل الن >>اس ح >>تى‬
‫يقولوا ال إله إال اهلل » ‪( :‬النــاس)‪ :‬لفظ عــام‪ « ،‬أم>>رت أن أقاتل الن>اس ح>تى يقول>وا ال إله إال اهلل»‪:‬‬
‫ون‬ ‫هذا شامل لجميع الناس‪ ،‬لكنه مخصوص بقوله تعالى‪ ﴿ :‬حتَّى يعطُواْ ا ْل ِج ْزي َة عن ي ٍد و ُهم ص ِ‬
‫اغ ُر َ‬ ‫َ َ َ َ ْ َ‬ ‫َ ُْ‬
‫﴾ [ سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪ ،] 29 :‬فخرج بذلك الكتابي إذا أدى الجزية‪ ،‬الكتابي إذا أدى الجزية خرج‬
‫من عموم قوله ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ « :-‬أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ال إله إال اهلل أو‬
‫حتى يقولوا ال إله إال اهلل »‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪162‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫تخص>>يص الس>>نة بالس>>نة‪ :‬كقوله ‪-‬عليه الصــالة والســالم‪ « :-‬فيما س>>قت الس>>ماء العشر » ‪ :‬يعــني‬
‫الزكــاة‪ ،‬يجب في كل ما ســقت الســماء العشــر؛ ألن (مــا) من صــيغ العمــوم‪ ،‬هــذا عــام لكنه خص بمثل‬
‫قوله ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ « :-‬ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة »؛ ألن « فيما سقت السماء‬
‫ـواء بلغ النصـاب أو لم يبلـغ‪ ،‬وقوله ‪-‬عليه الصـالة والسـالم‪:-‬‬
‫العشر » عـام يشـمل القليل والكثـير‪ ،‬س ً‬
‫« ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة » يخرج ما دون الخمسة أوسق من عموم‬
‫« فيما سقت السماء العشر »‪.‬‬
‫ومن أمثلته ح ــديث‪ « :‬إن الم>>اء طه>>ور ال ينجسه ش>>يء » ‪ :‬خص بقوله ‪-‬عليه الص ــالة والس ــالم‪-‬‬
‫في حديث ابن عمر ‪-‬على الخالف في ثبوته‪ « :-‬إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث »‪،‬‬
‫فـ ـ« الماء طهور ال ينجسه> ش>>يء » مخصــوص بما لم يبلغ القلــتين‪ ،‬فما بلغ القلــتين ال ينجسه شــيء‪،‬‬
‫إذن عم ــوم ح ــديث‪ « :‬إن الم>>اء طه>>ور ال ينجسه ش>>يء » مخص ــوص بما دون القل ــتين بح ــديث ابن‬
‫عمر ‪-‬هــذا على القــول بثبوتــه‪ -‬وإ ال فكالم أهل العلم في الحــديث طويل منهم من حكم على الحــديث‬
‫باالضـ ــطراب في سـ ــنده ومتنـ ــه‪ ،‬اضـ ــطراب في سـ ــنده ومتنـ ــه‪ ،‬لكن على القـ ــول بثبوته يخص عمـ ــوم‬
‫حــديث‪ « :‬إن الماء طه>>ور ال ينجسه ش>>يء »‪ ،‬فــاألول عــام في القليل والكثــير‪ ،‬والثــاني خــاص فيما‬
‫دون القلتين‪ ،‬وهو تخصيص بالمنطوق وإ ال بالمفهوم؟ نعم‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬نعم؟ « إن الماء طه>>ور ال ينجسه> ش>>يء » ‪ :‬منطوقه أن المــاء طهــور‬
‫ال ينجسه شيء قل أو كثر؛ « إن الماء »‪.‬‬
‫الثــاني‪ « :‬إذا بلغ الم>>اء قل>>تين لم يحمل الخبث » قولــه‪ « :‬لم يحمل الخبث » في منطوقه مع قولــه‪:‬‬
‫« ال ينجسه شيء » فيه تعارض؟ نعم؟‬
‫متوافقان‪ ،‬إذن كيف نخصص الحديث األول بالحديث الثاني‪ ،‬هل نخصص الحـديث األول بمنطـوق‬
‫الحديث الثاني؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش > ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض > ْير‪ :‬إذن نخصصه بمفهــوم الحــديث الثــاني؛ ألن مفهــوم الحــديث الثــاني أن‬
‫الم ــاء إذا لم يبلغ قل ــتين فإنه يحمل الخبث‪ ،‬وحينئذ يك ــون معارضـ ـاً لعم ــوم الح ــديث األول‪ ،‬وه ــذا من‬
‫باب التخصيص بالمفهوم‪.‬‬
‫نق ــول‪ :‬ه ــذا الح ــديث الع ــام مخص ــوص أو مخصص بمفه ــوم الح ــديث الث ــاني‪ ،‬اآلن منط ــوق الح ــديث‬
‫األول ومنطوق الحديث الثاني بينهما تعارض؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪163‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫ال تعارض بينهما‪ ،‬إنما التعارض بين منطوق الحديث األول ومفهوم الحــديث الثــاني‪ ،‬فمن أهل العلم‬
‫من يرى ‪-‬كالشافعية والحنابلة‪ -‬تخصيص المنطوق بالمفهوم‪ ،‬ومنهم من يقول‪ :‬المنطوق أقوى من‬
‫المفهوم فيقدم عليه‪ ،‬المنطوق أقوى من المفهــوم فيقــدم عليــه‪ ،‬وعلى كل حــال هــذا على قــول من يثبت‬
‫الحــديث الثــاني؛ الحــديث األول صــحيح والثــاني فيه خالف طويل ألهل العلم‪ ،‬لكن عند من يثبت هــذا‬
‫الحديث‪.‬‬
‫شــيخ اإلســالم ‪-‬رحمة اهلل عليــه‪ -‬ابن تيميــة‪ -‬يــرى ثبــوت الحــديث‪ ،‬يــرى ثبــوت حــديث القلــتين‪ ،‬يــرى‬
‫ثبــوت حــديث القلــتين ويعمل بمنطوقه دون مفهومــه‪ ،‬يقــول‪ :‬مفهومه معــارض بما هو أقــوى منه وهو‬
‫المنطوق‪ ،‬وحينئذ يلغى المفهوم‪.‬‬
‫اس >تَ ْغ ِف ْر لَ ُه ْم أ َْو الَ‬
‫وإ لغ ــاء المفه ــوم عند المعارضة موج ــود في النص ــوص كث ــيراً عند المعارض ــة‪ْ ﴿ :‬‬
‫>ه َل ُه ْم ﴾ [ سـ ــورة التوبـ ــة‪ ،‬اآلية ‪،] 80 :‬‬ ‫ين َم> َّ>رةً َفلَن َي ْغ ِف > َ>ر اللّ > ُ‬
‫س> > ْب ِع َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫س> >تَ ْغف ْر َل ُه ْم إِن تَ ْ‬
‫س> >تَ ْغف ْر َل ُه ْم َ‬ ‫تَ ْ‬
‫مفهومه أنه لو استغفرت لهم واحد وسبعين مـرة أنه يغفر لهم‪ ،‬لكن منطوقـات الشـريعة األخـرى كلها‬
‫ش > َر َك ِب> ِ>ه﴾‬‫ت ــدل على أنه لن يغفر لهم؛ ألنه محك ــوم عليهم بالتأبيد في الن ــار‪ ﴿ :‬إِ َّن اللّ> َ>ه الَ َي ْغ ِف> ُ>ر أَن ُي ْ‬
‫[ سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪ ،] 48 :‬والمنافقون كفار‪.‬‬
‫اعفَ ًة ﴾‬
‫ض َ‬‫َض َعافًا ُّم َ‬
‫اعفَ ًة ﴾ [ سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪: ] 130 :‬ـ ﴿ أ ْ‬
‫ض َ‬‫َض َعافًا ُّم َ‬ ‫﴿ الَ تَأْ ُكلُواْ ِّ‬
‫الر َبا أ ْ‬
‫‪ :‬يعني إذا كان الربا أضعاف‪ ،‬ضعفين أو ثالثة‪ ،‬أخذت ألف بألفين أو ثالثة حرام؛ هذا منهي عنه‪.‬‬
‫مفهومه أنه إذا لم يصل إلى هـ ــذا الحد نعم‪ ،‬يعـ ــني إذا كـ ــان األلف بـ ــألف وخمسـ ــمائة مفهـ ــوم اآلية أنه‬
‫يجــوز‪ ،‬لكن النصــوص المحكمة المنطوقة تــدل على تحــريم الزيــادة في الربويــات ولو قلَّت‪ ،‬فمفهــوم‬
‫هذا الخبر أو هذه اآلية معارض بمنطوق نصوص الربا كلها وحينئذ يلغى المفهوم‪.‬‬
‫كثيراً ما يأتي المفهوم‪ ،‬أو الكالم ال مفهــوم له ملغى من األصــل‪َ ﴿ :‬و َر َب ِائ ُب ُك ُم الالَِّتي ِفي ُح ُج> ِ‬
‫>ور ُكم ﴾‬ ‫ً‬
‫[ سورة النســاء‪ ،‬اآلية ‪ ،] 23 :‬هل يلــزم من هــذا أن الربيبة إذا لم تكن في حجر زوج أمها أنها تحل‬
‫له؟ نعم؟ هذا المفهوم أيش؟ ملغى‪ ..‬لماذا؟‬
‫ألن اللفظ خـ ـ ــرج مخـ ـ ــرج الغـ ـ ــالب‪ ،‬والغـ ـ ــالب أن الربيبة تعيش في حجر زوج أمهـ ـ ــا‪ ،‬يعـ ـ ــني في كنفه‬
‫ورعايته‪.‬‬
‫ه ـ ـ ــذا بالنس ـ ـ ــبة لمفه ـ ـ ــوم المخالف ـ ـ ــة‪ ،‬وأما مفه ـ ـ ــوم الموافقة فقد حكى الص ـ ـ ــفي الهن ـ ـ ــدي اإلجم ـ ـ ــاع على‬
‫التخص ـ ــيص ب ـ ــه؛ ألنه أق ـ ــوى من مفه ـ ــوم المخالف ـ ــة‪ ،‬وله ـ ــذا يس ـ ــميه بعض ـ ــهم‪( :‬داللة النص)‪ ،‬يس ـ ــميه‬
‫بعضهم‪( :‬قياس األولى) أو (القياس الجلي)‪ ،‬فيخصص به‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪164‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫تخص>>يص الس>>نة بالقي>>اس‪ :‬في حــديث عبــادة‪ « :‬خ>>ذوا ع>>ني‪ ،‬خ>>ذوا ع>>ني‪ :‬ال>>ثيب ب>>الثيب جلد مائة‬
‫لألمة ﴿‬
‫والرجم‪ ،‬والبكر بالبكر جلد مائة وتغريب سنة » ‪ :‬هذا الحديث مخصوص بــالنص بالنســبة َ‬
‫اب ﴾ [ ســورة النســاء‪ ،‬اآلية ‪] 25 :‬‬ ‫ات ِم َن ا ْل َع> َذ ِ‬
‫ف ما علَى ا ْلم ْحص> َن ِ‬
‫ُ َ‬
‫ِ‬ ‫اح َ ٍ‬
‫ش>ة فَ َعلَ ْي ِه َّن ن ْ‬
‫ص> ُ َ َ‬
‫فَ>ِإ ْن أَتَْي َن ِبفَ ِ‬
‫ومخصـ ــوص بالنسـ ــبة للعبد بالقيـ ــاس على األمـ ــة‪ ،‬فخصت السـ ــنة بالقيـ ــاس‪ ،‬كما تقـ ــدم في تخصـ ــيص‬
‫الكتاب بالقياس‪.‬‬
‫تخصــيص النطق بالقيــاس‪ :‬ويعــني بــالنطق قــول اهلل تعــالى وقــول الرســول ‪-‬عليه الصــالة والســالم‪-‬‬
‫كما تقدم في األمثلة ‪-‬في أمثلة تخصيص الكتاب بالقياس‪ ،‬والسنة بالقياس‪ -‬نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬تخصيص السنة باإلجماع؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض>>> ْير‪ :‬يع ـ ــني إذا خصص ـ ــنا الكت ـ ــاب باإلجم ـ ــاع‪ ،‬وعرفنا أن المقص ـ ــود دليل‬
‫>>>ر ْيم ال ُخ َ‬ ‫َّ‬
‫الش>>> ْيخ َع ْبد ال َك ِ‬
‫اإلجماع فلن تخصص السنة بدليل اإلجماع من باب أولى‪.‬‬
‫نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬كيف؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش> ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض> ْير‪ :‬يعــني نصــوص كثــيرة جــاءت في الســنة ذكرهــا‪ ،..‬ذكر منها الترمــذي‬
‫حديثين‪ ،‬لكن هل هذا نقول‪ :‬من باب التخصيص أو من باب النسخ؟ نعم؟‬
‫ذكر حديثين أجمع العلماء على عدم العمل بهما فهذا يكون من باب النسخ‪ ،‬نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش> > ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض> > ْير‪ :‬فهمت‪ ،‬ظـ ــاهر؟ « إن الم >>اء طه >>ور ال ينجسه> ش >>يء » ‪ :‬جـ ــاء عند‬
‫الـ ــبيهقي وابن ماجه وغيرهمـ ــا‪ « :‬إال إن تغ >>ير لونه أو طعمه أو ريحه بنجاسة تح >>دث فيه» ‪ :‬لكن‬
‫هذه الزيادة ضعيفة باالتفاق‪ ،‬والمعول على تخصيص المتغير على اإلجماع‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬نعم صالح إيه‪.‬‬
‫الحين عنــدنا العمــوم والخصــوص الــوجهي اللي هو أصــعب أنــواع التعــارض في هــذا البــاب ومثلنا له‬
‫َّص َن ِبأَنفُ ِس ِه َّن‬
‫اجا َيتََرب ْ‬ ‫ين ُيتََوفَّ ْو َن ِمن ُك ْم َو َي َذ ُر َ‬
‫ون أ َْز َو ً‬ ‫سابقاً بالمثال األول‪ ،‬نعم‪ ،‬المثال األول‪َ ﴿ ،‬والَِّذ َ‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪165‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫َجلُ ُه َّن‬ ‫َحم ِ‬


‫ال أ َ‬ ‫ش ُه ٍر َو َع ْ‬
‫ت اأْل ْ َ‬
‫ش ًرا ﴾ [ سورة البقــرة‪ ،‬اآلية ‪ ،] 234 :‬مع قوله تعــالى‪َ ﴿ :‬وأ ُْواَل ُ‬ ‫أ َْر َب َع َة أَ ْ‬
‫ض> ْع َن َح ْملَ ُه َّن ﴾ [ ســورة الطالق‪ ،‬اآلية ‪ ] 4 :‬عمــوم وخصــوص وجهي‪ ،‬وعرفنا كيف نخــرج‬
‫أَن َي َ‬
‫من هذا التعارض‪ ،‬هذا بالنسبة للكتاب‪.‬‬
‫عموم وخصوص وجهي بالنسبة للسنة‪ :‬النهي عن قتل النساء والذرية‪ ،..‬ما يمكن يقصر ذا؟‬
‫النهي عن قتل النســاء والذريــة‪ :‬هــذا عــام شــامل‪ ،‬عــام شــامل لكل النســاء‪ ،‬يعــني هو من وجه عــام في‬
‫ـواء كن مرتــدات أو أصــليات‪ ،‬هــذا وجه العمــوم فيــه‪ ،‬وجه العمــوم في الحــديث شــمول جميع‬
‫النســاء سـ ً‬
‫سواء كن أصليات أو مرتدات‪ ،‬مع قوله ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ « :-‬من بدل دينه ف>>اقتلوه »‬
‫ً‬ ‫النساء‬
‫‪ :‬هـ ــذا يشـ ــمل الرجـ ــال والنسـ ــاء‪ ،‬لكنه خـــاص بالمرتـ ــدين‪ ،‬النص األول‪ :‬النهي عن قتل النسـ ــاء‪ ،‬هـ ــذا‬
‫خاص بالنساء‪ ،‬لكنه شامل للمرتدات واألصليات‪ ،‬النص الثاني‪ « :‬من بدل دينه ف>اقتلوه » ‪ :‬شــامل‬
‫للرجــال والنســاء لكنه خــاص بالمرتــدين‪ ،‬هــذا عمــوم وخصــوص وجهي‪ ،‬مــاذا نصــنع؟ ارتــدت امــرأة‬
‫‪-‬مثالً‪ -‬هل تترك؛ ألن النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬نهى عن قتل النساء والذرية؟ نعم؟‬
‫مخصص عموم النهي عن قتل النساء بحديث‪ « :‬من بدل دينه فاقتلوه »‪ ،‬لصاحب القــول اآلخر أن‬
‫يق ــول‪ :‬الحـــديث الثـــاني‪ « :‬من ب >>دل دينه ف>>اقتلوه » مخصص ب ــالنهي عن قتل النس ــاء‪ ،‬وليس ق ــول‬
‫أحدهما أولى بالقبول من قول اآلخر‪ ،‬صح وإ ال ال؟ نعم؟‬
‫ـواء كــانوا‬
‫أنت إذا قلت‪ :‬تقتل المــرأة إذا ارتــدت؛ ألن « من بدل دينه ف>>اقتلوه » خــاص بالمرتــدين سـ ً‬
‫ـواء كــانت أصــلية أو مرتــدة‪ ،‬يقــول لــك‪:‬‬
‫رجــاالً أو نســاء‪ ،‬والنهي عن قتل النســاء عــام في كل امــرأة سـ ً‬
‫نقول العكس ‪-‬يقلب عليك الدعوى‪ -‬يقول‪ :‬نصي أخص‪ ،‬ومعه حق‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬نسخ؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ـواء ك ــان أح ــدهما متق ــدم‪ ،..‬ال ال‪ ،‬ال زلنا على‬
‫ض > ْير‪ :‬إي ــه‪ ،‬ال ال‪ ،‬ال أثر له س ـ ً‬ ‫َّ‬
‫الش > ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ‬
‫قول الجمهور‪ ،‬نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪166‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫ال ال‪ ،‬أنت خلينا مسـ ــألة مسـ ــألة‪ ،‬مسـ ــألة مسـ ــألة‪ ،‬اآلن عنـ ــدنا في كل واحد فيهما عمـ ــوم وخصـ ــوص‪،‬‬
‫والمســـألة مســـتوية من كل وجـــه‪ ،‬ال نســـتطيع أن نحكم لخص ــوص أح ــدهما على عم ــوم اآلخ ــر؛ ألنه‬
‫تحكم‪ ،‬إذن ماذا نصنع؟‬
‫نبحث عن مرجحات أخرى‪ ،‬فإذا أتينا إلى حديث‪ « :‬من بدل دينه فاقتلوه » ‪ :‬هــذا مخصــوص وإ ال‬
‫محفوظ؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬بأي شيء؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش> ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض> ْير‪ :‬إيــه‪ ،‬محفــوظ إذا اجتنبنــا‪ ،‬إذا قلنــا‪ :‬هــذين النصــين أبعــدنا ما بينهما من‬
‫تعــارض وإ ال هو مخصــوص‪ ،‬ح ــوى الــدعوى‪ ،‬ال ــدعوى معنا أنه مخص ــوص بهــذا الحــديث‪ ،‬اســتبعد‬
‫محل الخالف‪ ،‬فنـ ــأتي إلى عمـ ــوم حـ ــديث‪ « :‬من ب >>دل دينه ف >>اقتلوه » نجـ ــده محفوظ ـ ـاً‪ ،‬لم يـ ــرد عليه‬
‫مخصص‪ ،‬حديث النهي عن قتل النساء‪ ،‬محفوظ وإ ال ما هو بمحفوظ؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬غير محفوظ‪ ،‬لماذا؟‬
‫قُتل نساء‪ :‬القصاص‪ ،‬إذا قتلت‪ ،‬إذا زنت وهي محصنة‪ ،‬إذا سحرت؛ "فقتلنا ثالث سواحر"‪.‬‬
‫المقصــود أن هــذا العمــوم غــير محفــوظ فضــعف‪ ،‬فقــدم عليه عمــوم حــديث « من بدل دينه ف>اقتلوه »‬
‫فتقتل المرتدة‪.‬‬
‫نــأتي إلى مســألة‪ ،..‬هــذه مســألة عمليــة‪ ،‬لكن مســألة عملية أكــثر منها ‪-‬وإ ن كنا يعــني طرقناها مــراراً‬
‫لكن ما يمنع أن نعيــدها للمناســبة‪ -‬أحــاديث النهي عن الصــالة في أوقــات النهي‪" :‬ثالث ســاعات كــان‬
‫رس ـ ــول اهلل ‪-‬ص ـ ــلى اهلل عليه وس ـ ــلم‪ -‬ينهانا أن نص ـ ــلي فيهن‪ ،‬أو أن نق ـ ــبر فيهن موتان ـ ــا‪ :‬إذا طلعت‬
‫الشمس حتى ترتفع‪ ،‬إذا بزغت الشمس حتى ترتفع‪ ،‬وحين يقـوم قـائم الظهـيرة‪ ،‬وإ ذا تضـيفت الشـمس‬
‫للغــروب حــتى تغــرب"‪ ،‬ثالث ســاعات‪ ،‬إضــافة إلى الوقــتين الموســعين‪ « :‬ال صالة بعد الصبح ح>تى‬
‫تطلع الش>>مس‪ ،‬وال بعد ص>>الة العصر ح>>تى تغ>>رب الش>>مس » فاألوق ــات خمس ــة‪ ،‬األوق ــات خمس ــة‪،‬‬
‫عن ــدنا النهي عن الص ــالة في ه ــذه األوق ــات الخمس ــة‪ ،‬وعن ــدنا أح ــاديث ذوات األس ــباب‪ ،‬ونأخذ مث ــاالً‬
‫‪-‬هو من أوض ــحها‪ « :-‬إذا دخل أح>>دكم المس>>جد فال يجلس ح>>تى يص>>لي ركع>>تين » اآلن تس ــمعون‬
‫وتـ ــرون النـ ــاس يتسـ ــامحون في الصـ ــالة في أوقـ ــات النهي‪ ،‬يتسـ ــامحون كثـ ــيراً‪ ،‬ورأينا من أهل العلم‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪167‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫والفضل من يـ ــدخل قبل غـ ــروب الشـ ــمس بـ ــدقيقتين أو ثالث فيصـ ــلي‪ ،‬أو يـ ــدخل المسـ ــجد مع بـ ــزوغ‬
‫الشمس ويصلي؛ عمالً بحديث التحية ‪-‬تحية المسجد‪ -‬يتسامحون لماذا؟‬
‫ألنهم اعتادوا أن يقال‪ :‬أحــاديث النهي عامــة‪ ،‬وأحــاديث ذوات األســباب خاصــة‪ ،‬والخــاص مقــدم على‬
‫العام ‪-‬يعني كما يقول الشـافعية‪ -‬اعتـاد النـاس أن يقولـوا مثل هـذا الكالم‪ ،‬ووجد قبـوالً‪ ،‬وجد ارتياحـاً‬
‫نفس ـ ــياً؛ بعد أن أكد بعض من ينتسب إلى العلم‪ ،‬وينبغي أن يؤكد لكن ليس على إطالق ـ ــه‪ ،‬نبذ التقلي ـ ــد‪،‬‬
‫ناس رأوا النـاس ملـتزمين بمــذهب معين‪ ،‬فـالثورة على التقليد صـار لها آثـاراً صـار لها ردود أفعــال‪،‬‬
‫التقليد بالنسبة للمتأهل ال يجوز‪ ،‬لكن هل يؤمر كل شخص باالجتهاد؟‬
‫يعني جاءت هذه الدعوة‪ ،‬وهي دعوة حق‪ ،‬ال نقول‪ :‬هي باطلة‪ ،‬لكن ليست لكل الناس‪ ،‬للمتأهل على‬
‫العين والـرأس‪،‬ـ فجـاءت هـذه الـدعوة وصـادفت محـل‪ ،‬النـاس متمسـكون بمـذهب‪ ،‬والمـذهب يـرى منع‬
‫الص ــلواتـ في ه ــذه األوق ــات بل يتش ــددون في مثل ه ــذا األم ــر‪ ،‬ح ــتى رأينا من يح ــرف ال ــذي يريد أن‬
‫يصــلي‪ ،‬يحرفه عن القبلــة‪ ،‬فالمســألة صــارت من بــاب ردود األفعــال‪ ،‬وإ ال لو بحثت بحثـاً مبســوطاً ما‬
‫صار لها مثل هذه اآلثار‪.‬‬
‫ن ــأتي إلى المس ــألة‪ :‬عن ــدنا ح ــديث عقبة وما ج ــاء في معن ــاه من النهي عن الص ــالة في أوق ــات النهي‪،‬‬
‫وعنـ ــدنا األمر بصـ ــالة ركعـ ــتين قبل أن يجلس‪ « :‬إذا دخل أح >>دكم المس >>جد فال يجلس ح >>تى يص >>لي‬
‫ركعتين »‪.‬‬
‫الحديث األول ‪-‬حديث عقبة‪ -‬فيه عموم‪ ،‬عمومه من جهة الصلوات‪،‬ـ فهو عــام في جميع الصــلوات‪:‬‬
‫"ثالث س ــاعات ك ــان رس ــول اهلل ‪-‬ص ــلى اهلل عليه وس ــلم‪ -‬ينهانا أن نص ــلي فيهن‪ ،"..‬أي ص ــالة‪ ،‬ه ــذه‬
‫ـواء كـانت فـرائض مقضـية أو مـؤادة‪ ،‬نوافل مطلقة أو مقيـدة؛‬
‫الصلوات ال تصـلى في هـذه األوقـات س ً‬
‫فعموم حديث‪" :‬ثالث ساعات كان رسـول اهلل ‪-‬صـلى اهلل عليه وسـلم‪ -‬ينهانا أن نصـلي فيهن" شـامل‬
‫لجميع الص ــلوات‪ ،‬فعمومه من ه ــذه الحيثي ــة‪ ،‬وخصوصه في ه ــذه األوق ــات‪ ،‬فهو ع ــام في الص ــلوات‬
‫خاص في األوقات‪.‬‬
‫النصـ ـ ــوص األخـ ـ ــرى الـ ـ ــتي هي نصـ ـ ــوص ذوات األسـ ـ ــباب عمومها في األوقـ ـ ــات‪ ،‬خصوصـ ـ ــها في‬
‫الصلوات‪ ،‬هل نستطيع أن نوفق بين هذه النصوص كما وفقنا في آيتي العدة في أول األمر؟ يمكن؟‬
‫هل نقول‪ :‬يمكن حمل عموم أحدهما على خصوص اآلخر؟‬
‫عنــدنا عمــوم وخصــوص وجهي وليس بمطلــق‪ ،‬وأولئك الــذين دخلــوا في أوقــات النهي وصــلوا قــالوا‪:‬‬
‫الخاص مقدم على العام‪ ،‬فإذا قال الشافعي مثالً‪ :‬أحاديث النهي عامة في الصلوات‪،‬ـ وأحــاديث ذوات‬
‫األس ــباب خاص ــة‪ ،‬والخ ــاص مق ــدم على الع ــام‪ ،‬للحنفي والم ــالكي والحنبلي ‪-‬على كل ح ــال هو ق ــول‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪168‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫الجمهـ ـ ــور‪ -‬للحنفي والمـ ـ ــالكي والشـ ـ ــافعي أن يقـ ـ ــول‪ :‬العكس‪ ،‬له أن يقـ ـ ــول العكس‪ :‬أحـ ـ ــاديث ذوات‬
‫األسباب ‪-‬ومنها تحية المسجد‪ -‬عامة في األوقات‪ ،‬وأحاديث النهي خاصة بهذه األوقــات‪ ،‬والخــاص‬
‫مقدم على العام‪ ،‬كالمه صحيح وإ ال ما هو بصحيح؟‬
‫نعم‪ ،‬كالم األول صـ ـ ــحيح‪ ،‬وكالم الثـ ـ ــاني صـ ـ ــحيح‪ ،‬لكن كل منهما نظر إلى النصـ ـ ــوص من زاويـ ـ ــة‪،‬‬
‫وأهمل الزاوية األخرى‪.‬‬
‫وعلى المنصف أن ينظر إلى النصـ ــوص من جميع الزوايـ ــا؛ ألنه إذا قـ ــال الشـ ــافعي‪ :‬أحـ ــاديث النهي‬
‫عامة وأحــاديث ذوات األســباب خاصة نقــول‪ :‬كالمك صــحيح‪ ،‬لكنه بالنســبة أليش؟ للصــلوات‪،‬ـ وأنت‬
‫لم تنظر إلى العم ــوم والخص ــوص في األوق ــات‪ ،‬فيعارضه ق ــول من يق ــول‪ :‬أح ــاديث ذوات األس ــباب‬
‫عامة في األوقات‪ ،‬وأحــاديث النهي خاصة بهــذه األوقــات‪ ،‬فالنصــوص متكافئــة‪ ،‬وال يمكن تخصــيص‬
‫عموم أحد الطرفين بخصوص اآلخر‪.‬‬
‫الــدعوة الــتي أثــيرت قبل ربع قــرن حــول التقليد ونبذ التقليــد‪ ،‬وصــادفت محل متهــيئ وهي في جملتها‬
‫دعــوة طيبة أعــادت النــاس إلى االلــتزام بالــدليل‪ ،‬وصــادفت أيض ـاً مجتمعــات تقــدم آراء الرجــال على‬
‫النص ــوص‪ ،‬وص ــار لها ردود أفع ــال‪ ،‬وواكب ذلك أيضـ ـاً دفع ــه‪ ،..‬ك ــون ش ــيخ اإلس ــالم ‪-‬رحمه اهلل‪-‬‬
‫يوافق الشافعية‪ ،‬وشيخ اإلسـالم‪ ،‬شـيخ اإلسـالم‪ ،‬يعـني ما أحـد‪ ،..‬نعم‪ ،‬فكـأن النـاس صـار‪ ،..‬كـأن هـذه‬
‫المســألة صــارت قضــية مســلمة ال يمكن النقــاش فيهــا‪ ،‬وأن مــذهب الحنابلة والحنفية والمالكية خطأ ال‬
‫يحتمل الصواب‪ ،‬هذا الكالم ليس بصــحيح‪ ،‬المســألة من حيث النصــوص متكافئــة‪ ،‬وحينئذ نحتــاج إلى‬
‫بم يرجح الشافعية قولهم في تقديم أحاديث ذوات األسباب على أحاديث النهي؟‬
‫مرجح خارجي‪َ ،‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض> ْير‪ :‬بكــثرة المخصصــات‪ ،‬نعم‪ ،‬عمــوم أحــاديث النهي غــير محفوظــة‪ ،‬دخله‬
‫سواء كانت مؤداة أو مقضية‪ ،‬وأيضاً‪.‬‬
‫ً‬ ‫مخصصات‪ ،‬مخصص بالفرائض‪ ،‬نعم‪ ،‬بالفرائض‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬يخير لصاحب القول اآلخر إال في هذه األوقات‪ ،‬إيه له أن يقلبها عليه‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬نعم‪ ،‬سبب الورود‪ ،‬العبرة بعموم اللفظ ال بخصــوص الســبب‪ ،‬أو نقــول‪:‬‬
‫سبب الورود دخوله في النص قطعياً‪ ،‬أنت معي؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬تعلمون ماذا يقصد؟ نعم؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪169‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫إذا جــاء شــخص إلى المســجد وقد صــلى في بيتــه‪ ،‬وهم يصــلون أو صــلى في مكــان آخر ووجد النــاس‬
‫يص ــلون‪ ،‬يص ــلي معهم‪ « ،‬إذا ص>>ليتما في رحالكما فص>>لوا » ‪ :‬ه ــذا النص ج ــاء في ص ــالة الص ــبح‪،‬‬
‫وما بعد ص ــالة الص ــبح وقت نهي‪ ،‬وأيضـ ـاً وقت النهي بالنس ــبة لص ــالة الص ــبح اس ــتثنيت من النوافل‬
‫ركعتا الصبح‪.‬‬
‫على كل حال أحاديث النهي دخلها من المخصصات الشيء الكثير‪ ،‬فعمومها ليس بمحفوظ‪ ،‬أحاديث‬
‫ذوات األسباب عمومها محفوظ وإ ال غير محفوظ؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش > ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض > ْير‪ :‬دعونا من محل ال ــنزاع‪ ،‬ال ــذي هو محل البحث‪ ،‬يع ــني من غ ــير محل‬
‫النزاع‪ ،‬الشافعية يرجحون قولهم بأن عموم أحــاديث ذوات األســباب محفــوظ‪ ،‬وعمــوم أحــاديث النهي‬
‫غير محفوظ‪ ،‬وللطرف اآلخر أن يرجح‪ ،‬بأي شيء؟‬
‫ب ــأن الحظر مق ــدم على اإلباح ــة‪ « ،‬إذا نهيتكم عن ش>>يء ف>>اجتنبوه‪ >،‬إذا أم>>رتكم ب>>أمر ف>>أتوا منه ما‬
‫استطعتم » ‪ :‬فالحظر هنا مقدم‪ ،‬المنع مقدم على األمر بالصالة‪.‬‬
‫حــتى المرجحــات متكافئــة‪ ،‬المرجحــات متكافئــة‪ ،‬ولهــذا قــرر جمع من أهل العلم أن هــذه المســألة من‬
‫ضـل المســائل؛ ليست من المســائل الســهلة الــتي لكل شــخص أن يقــول‪ :‬وراه جلست وركعت‪ ،‬ورا‬
‫ُع َ‬
‫ما تصلي‪ ،‬دخل أحد المسجد العصر قال له واحد‪ :‬وراك ليش تجلس وراك ما صليت؛‬
‫« إذا دخل أح>>دكم المس>>جد‪ ،» ..‬أو ج ــاء ش ــخص ص ــلى يأتيه آخر يق ــول ل ــه‪ :‬ليش تص ــلي في وقت‬
‫النهي؟‬
‫فالمســألة ليست بهــذه الســهولة‪ ،‬بل هي من عضل المســائل حــتى قــرر بعض أهل العلم أن اإلنســان ال‬
‫يــدخل المســجد في وقت النهي؛ ألنه إن صــلى خــالف أحــاديث النهي‪ ،‬إن لم يصـ ِّـل خــالف حــديث تحية‬
‫المسجد‪ ،‬ظاهر وإ ال ما هو بظاهر؟‬
‫فعلى ه ــذا يق ــول‪ :‬ال ت ــدخل المس ــجد في ه ــذا ال ــوقت‪ ،‬أو إذا دخلت فاس ــتمر واقفـ ـاً‪ ،‬يع ــني كيف يص ــنع‬
‫شخص جاء إلى المسجد خشي أن تفوته الصالة والمسجد فيه درس بعد صالة العصر أو بعد صــالة‬
‫الص ـ ــبح وخشي أن تفوته الص ـ ــالة ص ـ ــلى في الطريق ثم ج ـ ــاء إلى المس ـ ــجد‪ ،‬أو إم ـ ــام مس ـ ــجد ص ـ ــلى‬
‫بجماعته وج ــاء إلى المس ــجد ال ــذي فيه درس بعد ص ــالة الص ــبح أو بعد ص ــالة العصر م ــاذا يص ــنع؟‬
‫ِّ‬
‫تصل؟‬ ‫نقول له‪ :‬صل وإ ال ال‬
‫أوالً إن جلس ال نــأمره بالصــالة‪ ،‬وإ ن ص ــلى ال ننهــاه عن الصــالة‪ ،‬لوج ــود النص ــوص ال ــتي ال يمكن‬
‫الترجيح بينها؛ لما ذكرنا‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪170‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫على أنه من بــاب النظر الــدقيق في النصــوص إذا جــاء الــداخل إلى المســجد في األوقــات الموســعة في‬
‫الوقتين الموسعين‪ ،‬جاء بعد صالة الصبح فالمتجه أنه يصلي وإ ال ال يصــلي؟ يصــلي‪ ،‬ومثله إذا دخل‬
‫المسـ ــجد العصر والشـ ــمس بيضـ ــاء نقيـ ــة‪ ،‬يصـ ــلي‪ ،‬بينما إذا جـ ــاء في األوقـ ــات المضـ ــيقة عند طلـ ــوع‬
‫الشــمس وعند غروبها وإ ذا قــام قــائم الظهــيرة‪ ،‬نقــول لــه‪ :‬ال تصـ ِّـل‪ ،‬لمــاذا؟ ألن المنع من الصــالة في‬
‫الوق ـ ــتين الموس ـ ــعين ‪-‬ق ـ ــرر جمع من أهل العلم‪ -‬أنه من ب ـ ــاب سد الذريع ـ ــة‪ ،‬النهي عن الص ـ ــالة بعد‬
‫صالة الصبح وبعد العصر قالوا‪ :‬من بـاب سد الذريعـة‪ ،‬كيف سد الذريعـة؟ لئال يسترسل في الصـالة‬
‫فيص ـ ــلي في وقت طل ـ ــوع الش ـ ــمس أو وقت غروبه ـ ــا‪ ،‬ف ـ ــدل على أن المقص ـ ــود من النهي أال يص ـ ــلي‬
‫اإلنســان في وقت طلــوع الشــمس أو في وقت غروبهــا‪ ،‬فهــذا منع منه قصــداً‪ ،‬وذاك منع منه من بــاب‬
‫منع الوس ــائل‪ ،‬فعلى ه ــذا يك ــون النهي في الوق ــتين موس ــعين أس ــهل وأخف من النهي عن الص ــالة في‬
‫األوقات المضيقة الثالثة‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬نع؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش > ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض > ْير‪ :‬ال‪ ،‬يجلس ما فيه إش ــكال؛ ألن النص ــوص واض ــحة‪ ،‬وإ ن وقف والم ــدة‬
‫يسيرة ال تتجاوز عشر دقائق ربع ساعة‪ ،‬فله ذلك‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬هو يبدو ربع ساعة الظاهر ما يزيد ‪-‬إن شــاء اهلل‪ -‬يمضي ربع ســاعة‪،‬‬
‫إذا دخل والشمس بيضاء نقية يصلي‪ ،‬إذا دخل بعد صالة الصبح أذن له أن يصلي راتبة قبل الصــبح‬
‫بعد الصــبح فــدل على أن األمر فيه ســعة‪ ،‬الرســول ‪-‬عليه الصــالة والســالم‪ -‬قضى راتبة الظهر بعد‬
‫صالة العصر‪ ،‬نعم‪ ،‬كثير من الســلف أثر عنهم أنهم يصــلون بعد العصــر‪ ،‬فــدل على أن النهي والمنع‬
‫من الصالة في والوقتين الموسعين إنما هو من باب منع الوسائل ال المقاصــد؛ لئال يسترسل ويســتمر‬
‫يصلي حتى يضيق الوقت‪.‬‬
‫تروا المسألة عملية ويحتاجها كل أحد‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬يسمى جلوس وإ ال ما هو بجلوس؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪171‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫َّ‬
‫الش > ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض > ْير‪ :‬هو إذا ك ــان ال ــوقت ض ــيقاً وال يتحمل مثالً الوق ــوف ال م ــانع أن يص ــنع‬
‫مثل هذا؛ ألنه له أن يجلس؛ "ثالث ساعات كان رسول اهلل ‪-‬صـلى اهلل عليه وسـلم‪ -‬ينهانا أن نصـلي‬
‫فيهن‪ ،‬وأن نقبر فيهن موتانا"؛ لشــدة النهي‪ ،‬ولــذا يــورد بعضــهم على األوقــات الخمسة لمــاذا ال تصــير‬
‫ـداء‪ ،‬من طلـ ــوع الفجر إلى ارتفـ ــاع الشـ ــمس يصـ ــير واحـ ــد‪ ،‬ليش ما يقسـ ــموها اثـ ــنين؟ ووقت‬
‫ثالثة ابتـ ـ ً‬
‫الــزوال‪ ،‬ومن صــالة العصر إلى غــروب الشــمس ليش ما يقســموها اثــنين تصــير ثالثــة؟ وهي كــذلك‬
‫على سبيل اإلجمال‪ ،‬لكن بسطت لماذا؟ لماذا قالوا ثالثة؟‬
‫ألنها تختلف خفة وقــوة‪ ،‬وتختلف أيضـاً من جهة أخــرى وهي أن الوقــتين الموســعين النهي عن شــيء‬
‫واحد وهو أيش؟ الصــالة فقــط‪ ،‬والنهي في األوقــات الثالثة المضــيقة عن‪ ،..‬نعم‪ ،‬عن شــيئين الصــالة‬
‫وعن قــبر الميت‪" ،‬وأن نقــبر فيهن موتانــا‪ ،‬وإ ن كــان بعضــهم يقــول‪ :‬إن المــراد بقــبر المــوتى الصــالة‬
‫على الجنازة‪.‬‬
‫فيها غموض المسألة وإ ال؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬نعم‪ ،‬نعم يا أحمد؟‬
‫طالب‪ :‬جاء في وقت النهي هل ينكر عليه؟‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬وصلى؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‪ :‬مشكلتنا أنه القول اآلخر يعني ما هو بملغى من كل وجه‪ ،‬لكن لو أشــير‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫علي ــه‪ ،‬يع ــني لو ج ــاء في ال ــوقت الموسع وص ــلى ما ينكر علي ــه‪ ،‬جلس ما ينكر علي ــه؛ ألن كالً منهما‬
‫معه نص‪ ،‬لكن لو أشير عليه‪ ،‬قيل له‪ :‬لو في األوقات الضيقة هذه التي النهي فيها شــديد لو انتظــرت‬
‫حـ ــتى يخـ ــرج وقت النهي أفضل لـ ــك‪ ،‬يعـ ــني من بـ ــاب المشـ ــورة؛ ألن القـ ــول اآلخر أيض ـ ـاً له حظ من‬
‫النظر وله دليل‪.‬‬
‫طالب‪ :‬أحسن اهلل إليك‪ ،‬هذا على القول أن تحية المسجد واجبة؟‬
‫َّ‬
‫الش> ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض> ْير‪ :‬ال ما هو على القــول بوجوبهــا‪ ،‬على القــول أنهــا‪ ،..‬جمــاهير أهل العلم‬
‫على أنها سنة‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ال َّ‬
‫ش>> ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض>> ْير‪ :‬اآلن عنـ ــدنا النهي هل هو للتحـ ــريم أو للكراهـ ــة؟ وعنـ ــدنا األمر بتحية‬
‫المسـ ـ ـ ــجد هل هو للوجـ ـ ـ ــوب أو لالسـ ـ ـ ــتحباب‪ ،‬كالهما يتجاذبه ما يتجاذبه من الخالف بين أهل العلم‪،‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪172‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫اختلفــوا في النهي هل هو للتح ــريم أو للكراهــة‪ ،‬كما أنهم اختلفــوا في تحية المســجد واألدلة المتكــاثرة‬
‫تدل على عدم الوجوب‪ ،‬وهو قول جماهير أهل العلم‪.‬‬
‫كم باقي على اإلقامة؟ يعني نبدأ بشيء وإ ال؟‬
‫هنا الناظم يقول ‪-‬رحمة اهلل عليه‪: -‬‬

‫ثم الكتاب بالكتاب خصصوا *** وسنة بسنة> تخصص‬


‫وخصصوا بالسنة الكتابا *** وعكسه استعمل يكن صواباً‬
‫والذكر باإلجماع مخصوص كما *** قد خص بالقياس كل منهما‬

‫ب ــاقي وقت؟ ه ــا‪ ،‬ب ــاقي ش ــيء؟ طيب‪ ،‬واهلل أعلم‪ ،‬وص ــلى اهلل وس ــلم وب ــارك على عب ــده ورس ــوله نبينا‬
‫محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫‪‬‬

‫الدَّرس الع ِ‬
‫اش ُر‬ ‫ْ ُ َ‬

‫بسم اهلل ال ـ ـ ــرحمن ال ـ ـ ــرحيم‪ ،‬الحمد هلل رب الع ـ ـ ــالمين‪ ،‬وص ـ ـ ــلى اهلل وس ـ ـ ــلم على نبينا محمد وعلى آله‬
‫وصحبه أجمعين‪ ،‬أما بعد‪ :‬فقد قال المصنف ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪:-‬‬

‫والمجمل‪ :‬ما يفتقر إلى البيان‪ ،‬والبيان‪ :‬إخراج الشيء من حيز اإلشكال إلى حيز التجلي‪،‬‬
‫معنى واحداً‪ ،‬وقيل‪ :‬ما تأويله تنزيله‪ ،‬وهو مشتق‬ ‫والمبين‪ :‬هو النص‪ ،‬والنص‪ :‬ما ال يحتمل إال‬
‫ً‬
‫من منصة العروس وهو الكرسي‪ ،‬والظاهر‪ :‬ما احتمل أمرين أحدهما أظهر من اآلخر‪ ،‬ويؤول‬
‫الظاهر بالدليل ويسمى> ظاهراً بالدليل‪.‬‬

‫« َّ‬
‫الش ْـر ُح » ‪:‬‬
‫أجملت الشيء إذا جمعته‪ :‬هذه لغة مستعملة إلى اآلن‪ ،‬إذا قيل لك‪ :‬أجمل الحساب‪ ،‬أيش معناه؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪173‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫اذكر جملته وهي مجموعـ ـ ــه‪ ،‬تقـ ـ ــول‪ :‬أجمل األمر أي أبهم‪ ،‬وفي الحـ ـ ــديث الصـ ـ ــحيح في تحـ ـ ــريم بيع‬
‫الخمر والميتة والخ ـ ــنزير واألص ـ ــنام‪ ،‬ثم الس ـ ــؤال عن ش ـ ــحوم الميت ـ ــة‪ ،‬ج ـ ــاء في الخ ـ ــبر‪ « :‬قاتل اهلل‬
‫اليه>>ود؛ لما ح>>رم عليهم الش>>حوم جملوها » ‪ :‬أي‪ :‬أذابوه ــا‪ ،‬فجم ــل‪ :‬أذاب‪ ،‬وأجم ــل‪ :‬جمع أو أبهم‪،‬‬
‫أو حصَّل‪ ،‬على المعاني الثالثة المذكورة‪.‬‬
‫ما عالقة الثالثي بالرباعي؟ جمل وأجمل‪ ،‬بينهما عالقة؟ جملوه أذابوه‪ ،‬نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض>>>> ْير‪ :‬جملـ ـ ــوه‪ :‬أذاب ـ ـ ــوه‪ ،‬هل يفهم من اإلذابة مع ـ ـ ــنى الجمع أو اإلبهـ ـ ــام أو‬
‫>>>>ر ْيم ال ُخ َ‬ ‫َّ‬
‫الش>>>> ْيخ َع ْبد ال َك ِ‬
‫التحصيل؟‬
‫نعم كأن التحصيل أقربها‪.‬‬
‫ع ـ ــرف المص ـ ــنف المجمل بأن ـ ــه‪ « :‬ما يفتقر إلى البي>>>ان » ‪ :‬وفي مختصر التحري ـ ــر‪ :‬ما ت ـ ــردد بين‬
‫محتملين فأكثر على السواء‪ ،‬ما تردد بين محتملين فأكثر على السواء‪.‬‬
‫إن أمكن ترجيح أحد االحتماالت هل يكون فيه إجمال؟ نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش> ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض> ْير‪ :‬نقــارن بعض األمــور ببعض من أجل أن تتضح الرؤيــة‪ :‬إذا لم يحتمل‬
‫معنى واحداً يدخل في المجمل؟ نعم؟‬ ‫إال‬
‫ً‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫معنى واحداً‪.‬‬ ‫ض ْير‪ :‬نص‪ ،‬نص ال يحتمل إال‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ً‬
‫إذا احتمل أكثر من معنى وكانت هذه المعاني متفاوتة‪ ،‬االحتمال األقوى يسمى‪..‬؟‬
‫طالب‪ :‬الظاهر‪.‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬الظاهر‪ ،‬واألضعف؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ال َّ‬
‫ش > > ْيخ َع ْبد ال َك> > ِ>ر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض > > ْير‪ :‬نعم‪ ،‬وإ ذا احتملهما على السـ ـ ــواء‪ :‬إجمـ ـ ــال‪ ،‬إجمـ ـ ــال‪ ،‬فما تـ ـ ــردد بين‬
‫محتملين فــأكثر على الســواء هــذا هو المجمــل‪ ،‬فـإن أمكن تــرجيح أحــدهما على اآلخر انتفى اإلجمــال‪،‬‬
‫يع ـ ـ ـ ــني‪ :‬كما يق ـ ـ ـ ــال في الح ـ ـ ـ ــديث‪ :‬إذا روي على أوجه مختلفة متس ـ ـ ـ ــاوية‪ ،‬نعم‪ ،‬فهو أيش؟ إذا روي‬
‫الحديث على أوجه مختلفة متساوية نعم؟‬
‫طالب‪ :‬مضطرب‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪174‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض> ْير‪ :‬مضــطرب‪ ،‬فــإذا أمكن تــرجيح بعضــها على بعض انتفى االضــطراب‪،‬‬
‫وهنا إذا أمكن ترجيح أحد االحتماالت على بعض انتفى اإلجمــال‪ ،‬وحينئذ يكـون الـراجح هو الظـاهر‬
‫والمرجوح هو أيش؟ المؤول‪.‬‬
‫إذا وجدنا لفظاً أو نصاً بهذه الصفة‪ ،‬نص من كتاب أو ســنة بهــذه الصــفة يحتمل أمــرين على الســواء‪،‬‬
‫فحينئذ نعمل بأي المعنيين؟ نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‪ :‬نتوقـف؛ ألن عملنا بأحد االحتمـالين المسـتويين دون مـرجح أيش؟ تحكم‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫تحكم‪ ،‬فال بد من المرجح‪ ،‬وإ ذا وجد المــرجح انتفى اإلجمــال‪ ،‬حكم المجمل حينئذ التوقف حــتى يوجد‬
‫البيان الخارجي‪.‬‬
‫يق ـ ــول‪ « :‬المجمل هو ما يفتقر إلى البي>>>ان‪ ،‬والبي>>>ان إخ>>>راج الش>>>يء من ح>>>يز اإلش >>كال إلى ح >>يز‬
‫التجلي‪ ،‬والمبين هو النص »‪.‬‬
‫أسباب اإلجمال‪:‬‬
‫ذك ــروا لإلجم ــال أس ــباباً منه ــا‪ :‬ع ــدم معرفة الم ــراد؛ لالش ــتراك في الداللة ك ــالقرء؛ الق ــرء م ــتردد بين‬
‫الطهر والحيض‪ ،‬وقد جــاء في اللغة ما يــدل على هــذا وما يــدل على ذاك‪ ،‬فنحتــاج حينئذ إلى مــرجح‪،‬‬
‫ولذا يختلف أهل العلم في المراد بالقرء في قوله تعالى‪ِ ﴿ :‬بأَنفُ ِس ِه َّن ثَالَثَ َة قُُر َو ٍء ﴾‬
‫الحَيض‪ ،‬وذهب آخــرون‬ ‫[ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪ : ] 228 :‬فذهب بعضهم إلى أن األقـراء المـراد بها ِ‬
‫إلى أن المراد األطهار‪ ،‬هذا سبب من أسباب اإلجمال‪.‬‬
‫الســبب الثــاني‪ :‬عــدم معرفة الصــفة‪ ،‬كما في آية الحج وآية الزكــاة والصــالة ‪-‬اآليــات المجملة فيهــا‪:-‬‬
‫الصالَةَ ﴾ [ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪ : ] 43 :‬يعني لو لم ينزل في الصالة إال هذه اآلية‪:‬‬ ‫يمواْ َّ‬ ‫ِ‬
‫﴿ َوأَق ُ‬
‫ص>>الَةَ ﴾‪ ،‬كيف نقيم الصـ ــالة؟ نحتـ ــاج إلى بيـ ــان؛ ألن اللفظ مجمـ ــل‪ ،‬وسـ ــبب ذلك عـ ــدم‬
‫يم>>واْ ال َّ‬ ‫ِ‬
‫﴿ َوأَق ُ‬
‫معرفة الصفة‪.‬‬
‫الز َكاةَ ﴾ [ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪ : ] 43 :‬نفس الشيء‪.‬‬ ‫﴿ َوآتُواْ َّ‬
‫ط َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الن ِ ِ‬
‫﴿ َوِللّ ِه َعلَى َّ‬
‫س ِبيالً ﴾ [ سورة آل عمــران‪ ،‬اآلية ‪ : ] 97 :‬كيف‬ ‫اع إِلَ ْيه َ‬ ‫اس ح ُّج ا ْل َب ْيت َم ِن ْ‬
‫استَ َ‬
‫يحج؟ نعم هنـ ــاك حج مـ ــوروث قبل نـ ــزول اآليـ ــة‪ ،‬لكن هل يجـ ــزئ حج ـ ـاً شـ ــرعياً؟ نعم؟ النـ ــبي ‪-‬عليه‬
‫الصالة والسالم‪ -‬ثبت أنه حج قبل فرض الحج عليه‪ ،‬نعم‪ ،‬بدليل؟ نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬نعم رؤي في عرفة‪ ،‬من الذي رآه؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪175‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫طالب‪ :‬جبير بن مطعم‬


‫َّ‬
‫الش > ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض > ْير‪ :‬حينما أضل بع ــيره‪ ،‬وج ــده في عرفه وتعجب من كونه ‪-‬عليه الص ــالة‬
‫والســالم‪ -‬في عرفة وهو من الحمس‪ ،‬وهــذا في الصــحيح‪ ،‬وجبــير بن مطعم في حجة الــوداع مســلم‪،‬‬
‫ما يتعجب من ك ــون الن ــبي ‪-‬عليه الص ــالة والس ــالم‪ -‬في عرف ــة‪ ،‬ف ــدل على أن ه ــذه حجة قبل ف ــرض‬
‫الحج‪.‬‬
‫على كل ح ــال حصل البي ــان ‪-‬بي ــان الص ــالة‪ -‬بفعله ‪-‬عليه الص ــالة والس ــالم‪ -‬وبقول ــه‪ ،‬حصل بي ــان‬
‫الزكاة بقوله‪ ،‬ذكر الشروط وذكر األنصبة واشتراط الحول‪ ،‬كل هذا حصل‪ ،‬وأنواع ما يزكى‪.‬‬
‫وحصل بي ــان الحج بفعله ‪-‬عليه الص ــالة والســالم‪ -‬وقولــه‪ ،‬وثبت عنه ‪-‬عليه الص ــالة والســالم‪ -‬أنه‬
‫قــال‪ « :‬صلوا كما رأيتموني> أص>>لي » وصــالته بيــان للمجمــل‪ ،‬حجه وأفعاله الــتي أداها في المناسك‬
‫بيان للمجمل‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫من أســباب اإلجمــال‪ :‬عــدم معرفة المقــدار‪ ،‬كما في قوله تعــالى‪َ ﴿ :‬وآتُ>>واْ َّ‬
‫الز َك>>اةَ ﴾ [ ســورة البقــرة‪،‬‬
‫اآلية ‪ ] 43 :‬فمقادير الزكاة مجمل يحتاج إلى بيان‪ ،‬وقد بينه النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬بقوله‪.‬‬
‫يقول الناظم ‪:‬‬
‫كان متحاجاً إلى بيان *** فمجمل وضابط البيان‬
‫إخراجه من حيز اإلشكال *** إلى التجلي واتضاح الحال‬
‫كالقرء وهو واحد األقراء *** جفي الحيض والطهر من النساء‬

‫والبيـ ـ ــان الـ ـ ــذي يقابل اإلجمـ ـ ــال‪ :‬مـ ـ ــأخوذ من التبـ ـ ــيين الـ ـ ــذي هو فعل المـ ـ ــبيِّن ‪-‬بكسر التحتيـ ـ ــة‪ -‬وهو‬
‫َّ‬
‫الموضح‪.‬‬ ‫المبَّين وهو النص‬ ‫ِّ‬
‫الموضح‪ ،‬وبفتحها َ‬
‫ع ــرف المص ــنف البي ــان بقول ــه‪ « :‬إخ>>راج الش>>يء من ح>>يز اإلش>>كال إلى ح>>يز التجلي » يق ــال‪ :‬في‬
‫اإلشكال هو الخفاء‪ ،‬والتجلي هو الظهور‪ ،‬فيقال‪ :‬بان األمر وتبين‪ ،‬بمعنى اتضح وانكشف‪.‬‬
‫فالبيان إخراج‪ ،‬البيان إخراج‪ ،‬المبين هو النص‪ ،‬ما الذي يرد على تعريف المصنف؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ال َّ‬
‫ش > > ْيخ َع ْبد ال َك> > ِ>ر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض>>>> ْير‪ :‬يـ ـ ــرد عليه النصـ ـ ــوص البينة الـ ـ ــتي ال تحتـ ـ ــاج إلى بيـ ـ ــان‪ ،‬هل جميع‬
‫النصوص في أول األمر مجملة تحتاج إلى بيان‪ ،‬أو فيها ما ال يحتاج إلى بيان؟‬
‫نعم‪ ،‬في أمور واضحة ال تحتاج إلى بيان‪ ،‬فعندنا مجمل ومبين‪ ،..‬أنتم معي يا إخوان وإ ال‪..‬؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪176‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫فقــول المصــنف‪ « :‬البيان‪ :‬إخراج الشيء من ح>يز اإلش>كال إلى ح>يز التجلي » أورد عليه بعضــهم‬
‫ـداء قبل تقرير اإلشـ ــكال؛ ألنه ليس فيه إخـ ــراج من حـ ــيز اإلشـ ــكال إلى حـ ــيز‬
‫أنه ال يشـ ــمل التبـ ــيين ابتـ ـ ً‬
‫التجلي‪ ،‬هذا إيراد على المؤلف‪ ،‬لكن هل يمكن أن يرد على المؤلف أو ال يرد؟ تأملوا‪.‬‬
‫طالب‪ :‬ال يرد‪.‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬ال يرد‪ ،‬لماذا؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬اآلن هل المؤلف يعــرف المــبين مطلقـاً‪ ،‬أو يعــرف البيــان للمجمــل؟ نعم‪،‬‬
‫يعــرف الثــاني‪ ،‬إذن ال إيــراد؛ ألن بيــان المجمل إخــراج للمجمل من حــيز اإلشــكال إلى حــيز التجلي‪،‬‬
‫فال إيراد‪.‬‬
‫>نى واح>>داً‪ ،‬وقي>>ل‪ :‬ما تأويله تنزيل>>ه‪ >،‬وهو مش>>تق من منصة‬
‫ثم ق ــال‪ « :‬والنص ما ال يحتمل إال مع> ً‬
‫الع> >>روس وهو الكرسي » النص في اللغـ ـ ــة‪ :‬الظهـ ـ ــور‪ ،‬مشـ ـ ــتق ‪-‬كما قـ ـ ــال المؤلـ ـ ــف‪ « -‬من منصة>‬
‫العروس‪ ،‬وهو الكرسي » الذي تنص عليه العروس‪ :‬أي ترفع لتظهر للناظرين‪.‬‬
‫والعــروس يقــال للرجل والمــرأة معـاً‪ ،‬هــذا عــروس وذاك عــروس‪ ،‬هــذه عــروس‪ ،‬وهــذا عــروس‪ ،‬زيد‬
‫عروس ودعد عروس؛ ماداما في عرسهما‪ ،‬يعني في أيام العرس‪ ،‬كما في القاموس‪.‬‬
‫ق ــول المؤل ــف‪ « :‬مش>>تق من منصة الع>>روس » النص نوع ــه‪ ،..‬النص أيش نوع ــه؟ فعل وإ ال اس ــم‪،‬‬
‫اسم فاعل‪ ،‬اسم مفعول‪ ،‬صفة مشبهة‪ ،‬صيغة مبالغة‪ ،‬وأيش يصير؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‪ :‬نعم‪ ،‬مصــدر‪ ،‬يقــول‪ :‬النص مشــتق من منصة العــروس‪ ،‬وإ ذا قررنا أنه‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫مص ـ ـ ــدر‪ ،‬المص ـ ـ ــدر أصل وإ ال مش ـ ـ ــتق؟ أص ـ ـ ــل‪ ،‬وليس بمش ـ ـ ــتق‪ ،‬وهنا يق ـ ـ ــرر أنه مش ـ ـ ــتق من منصة‬
‫العــروس‪ ،‬وفي قولــه‪ :‬مشــتق من منصة العــروس‪ :‬مســامحة ‪-‬يعــني تجــوز‪-‬؛ ألن المصــدر ال يشــتق‬
‫من غــيره على الصــحيح بل غــيره يشــتق منــه‪ ،‬فالمنصة مشــتقة من النص‪ ،‬المنصة مشــتقة من النص‬
‫–العكس‪ -‬والنص لغ ــة‪ :‬الرف ــع‪ ،‬ف ــإذا ظه ــرت داللة اللفظ على معن ــاه ك ــان ذلك في مع ــنى رفعه على‬
‫غيره‪.‬‬
‫فقولـ ــه‪ « :‬مش >>تق من منصة الع >>روس » لم يـ ــرد به االشـ ــتقاق االصـ ــطالحي؛ عرفنا أن األصل في‬
‫المشــتقات كلها المصــدر‪ ،‬ولــذا يقــول ابن مالــك‪ :‬وكونه أص ـالً لهــذين انتخب‪ :‬يعــني الفعل والمشــتق‪،‬‬
‫اسم الفاعل اسم المفعول‪ -‬إيه‪ ،‬وكونه أصالً لهذين انتخب‪ ،‬نعم‪ ،‬هذا رأي من؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪177‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫البصــريين‪،‬ـ عند الكوفــيين العكس األصل الفعــل‪ ،‬لكن األكــثر على رأي البصــريين‪،‬ـ وعلى هــذا يــراد‬
‫به االشــتقاق االصــطالحي أو ال؟ ال‪ ،‬لم يــرد به االشــتقاق االصــطالحي‪ ،‬وإ نما أراد مجــرد االشــتراك‬
‫في المادة‪.‬‬
‫نظ ـ ــيره ق ـ ــول الفقه ـ ــاء في ال ـ ــبيع‪ :‬إنه مش ـ ــتق من الب ـ ــاع؛ ألن كل واحد من المتب ـ ــايعين يمد باع ـ ــه‪ ،‬هل‬
‫يريدون بهذا االشتقاق االصطالحي؟ البيع مصدر‪ ،‬نعم‪ ،‬هل يريدون بهذا االشتقاق االصطالحي؟‬
‫ال‪ ،‬إنما هـ ــذا تجـ ــوز ومسـ ــامحة‪ ،‬يريـ ــدون بـ ــذلك مطلق االشـ ــتراك في أصل المـ ــادة‪ ،‬وإ ال فاألصل أن‬
‫المصدر هو أصل الجميع‪.‬‬
‫معنى واح>>داً » هــذا النص وعرفنا أن ما‬ ‫عرف المصنف النص اصطالحاً بقوله‪ « :‬ما ال يحتمل إال‬
‫ً‬
‫يحتمل معنيين على حد سواء هو المجمل‪ ،‬إذا ترجح أحدهما فهو أيش؟‬
‫الظـاهر‪ ،‬والمرجـوح يقــال لـه‪ :‬المــؤول‪ ،‬وهـذا نظـير ما يقـال في المعلــوم‪ ،‬نعم‪ ،‬إما أن يحتمل النقيض‬
‫أو ال‪ ،‬والـ ـ ــذي ال يحتمل النقيض إما أن يكـ ـ ــون مع احتمـ ـ ــال مسـ ـ ـ ٍ‬
‫ـاو أو راجح أو مرجـ ـ ــوح‪ ،‬فالـ ـ ــذي ال‬
‫يحتمل النقيض هو العلم‪ ،‬والذي يحتمله مع رجحان االحتمـال يقـال لـه‪ :‬الظن‪ ،‬ومع المرجوحية يقـال‬
‫له‪ :‬الوهم‪ ،‬والمساواة يقال لها‪ :‬الشك‪ ،‬هذا قريب منه جداً‪.‬‬
‫معنى واحداً » في قوله تعــالى‪َ ﴿ :‬ذِل َك أ َْد َنى أَالَّ تَ ُعولُ>>واْ ﴾ [ ســورة النســاء‪ ،‬اآلية‬ ‫« ما ال يحتمل إال‬
‫ً‬
‫‪ : ] 3 :‬أيش معنى‪ ﴿ :‬تَ ُعولُواْ ﴾ ؟ نعم؟ من يقرأ اآلية كاملة؟ هاه‪ ،‬نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‪ :‬اللي قبله‪.‬‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‪َ ﴿ :‬ذِل َك أ َْد َنى أَالَّ تَ ُعولُواْ ﴾ ‪ :‬أيش معنى‪ ﴿ :‬تَ ُعولُواْ ﴾ ؟‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬وقيل‪ :‬يكثر عيالكم‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫نعم‪ ،‬كــثرة العيــال‪ ،‬أيش المعــنى الصــحيح في اآليــة‪ ،‬اآلية محتملة لمعنــيين‪ ،‬المعــنى الــذي يــراه اإلمــام‬
‫الشــافعي معنــاه‪ :‬أال تفتقــروا بكــثرة العيــال‪ ،‬ال تــتزوج إال واحــدة؛ لئال يكــثر أوالدك فتفتقــر‪ ،‬والمعــنى‬
‫الث ـ ـ ــاني‪ :‬أال تميل ـ ـ ــوا‪ ،‬المع ـ ـ ــنى الث ـ ـ ــاني هو الم ـ ـ ــرجح عند أك ـ ـ ــثر أهل العلم‪ ،‬واألول هو الم ـ ـ ــرجح عند‬
‫الشــافعي‪ ،‬فعلى كل حــال الــذي يظهر من نصــوص الشــريعة ومقاصــدها أن كــثرة العيــال مطلوبة وإ ال‬
‫غير مطلوبة في الشـرع؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪178‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫مطلوبة‪ ،‬وهذا يرجح قول األكثر على قول اإلمام الشافعي‪.‬‬


‫>نى واح >>داً‪ ،‬وقي >>ل‪ :‬ما تأويله تنزيله » يعـ ــني مجـ ــرد ما يسـ ــمع ُيفهم‪ ،‬أي يفهم‬ ‫« ما ال يحتمل إال مع > ً‬
‫َّام ِفي ا ْل َح ِّج‬
‫ص > > َيام ثَالثَ> > ِ>ة أَي ٍ‬
‫ُ‬
‫معنـ ـ ــاه بمجـ ـ ــرد نزولـ ـ ــه‪ ،‬وال يتوقف فهمه على تأويله كقوله تعـ ـ ــالى‪ ﴿ :‬فَ ِ‬
‫س > ْب َع ٍة إِ َذا َر َج ْعتُ ْم﴾ [ س ــورة البق ــرة‪ ،‬اآلية ‪ : ] 196 :‬مثل بعض ــهم به ــذا؛ ه ــذا ال يحتمل من حيث‬ ‫َو َ‬
‫الع ــدد ‪-‬ثالثة زائد س ــبعة يس ــاوي عش ــرة‪ -‬في أحد يق ــول‪ :‬احتم ــال يص ــيروا إح ــدى عشر أو تس ــعة؟!‬
‫ش>رةٌ َك ِ‬
‫املَ> ٌة ﴾ [ ســورة البقــرة‪ ،‬اآلية ‪ ،] 196 :‬نعم هــذا ال يحتمل غــير‬ ‫ِ‬
‫ولــذا جــاء بعد ذلك ﴿ ت ْل َك َع َ َ‬
‫هـذا العــدد فهو أيش؟ نص‪ ،‬ليس ألحد أن يجتهد فيزيد أو ينقص ‪-‬هــذا بالنســبة إلى العــدد‪ -‬لكن هنـاك‬
‫إش ــكاالت ح ــول أيش؟ ح ــول وقت الثالث ــة‪ ،‬ص ــام قبل الوق ــوف أو بعد الوق ــوف وم ــتى؟ بعد اإلح ــرام‬
‫مباشرة؟ وهل يصوم يوم عرفة منها؟ أو ينتظر إلى أيام التشريق؟‬
‫المقص ـ ــود أن في ـ ــه‪ ،..‬ليس فيه بي ـ ــان لل ـ ــوقت إنما فيه إجم ـ ــال للثالثة في الحج‪ ،‬والس ـ ــبعة إذا رجعتم‪،‬‬
‫الس ـ ـ ــبعة أيضـ ـ ـ ـاً إذا رجعتم إذا تحقق رج ـ ـ ــوعكم إلى أهليكم‪ ،‬أو إذا ش ـ ـ ــرعتم في الرج ـ ـ ــوع؟ ألن الفعل‬
‫الماضي رجع‪ ،‬يطلق ويراد به الفراغ من الشيء « إذا كبر فكبروا » ‪ :‬إذا فرغ من التكبــير كــبروا‪،‬‬
‫يطلق ويـ ــراد به الشـ ــروع في الشـ ــيء‪ « :‬إذا ركع ف >>اركعوا » ‪ :‬ما هو معنـ ــاه إذا فـ ــرغ من الركـ ــوع‬
‫فــاركعوا‪ ،‬نعم‪ ،‬يطلق ويــراد به إرادة الشــيء؛ هل معــنى قولــه‪ ﴿ :‬إِ َذا َر َج ْعتُ ْم ﴾ ‪ :‬إذا أردتم الرجــوع؟‬
‫آن‬
‫ْت ا ْلقُ ْ>ر َ‬ ‫الص> ِ‬
‫الة ﴾ [ ســورة المائــدة‪ ،‬اآلية ‪ ،] 6 :‬قولــه‪ ﴿ :‬فَ>ِإ َذا قَ َ>رأ َ‬ ‫كما في قولــه‪ ﴿ :‬إِ َذا قُ ْمتُ ْم إِلَى َّ‬
‫استَ ِع ْذ ِباللّ ِه ﴾ [ ســورة النحــل‪ ،‬اآلية ‪ ،] 98 :‬يعــني إذا أردت القــراءة‪ ،‬فهل معــنى ﴿ إِ َذا َر َج ْعتُ ْم ﴾‬ ‫فَ ْ‬
‫مثل هذا إذا أردتم الرجوع؟ نعم؟‬
‫ه ــذا إجم ــال‪ ،‬فيمكن أن يمثل باآلية الواح ــدة للمجمل وللم ــبين‪ ،‬نعم‪ ،‬للنص وللظ ــاهر في آن واحد مع‬
‫انفك ــاك الجهـــة‪ ،‬ما يـــرد النص والظـــاهر والمـــؤول في نص واحد من جهة واح ــدة‪ ،‬ال يمكن‪ ،‬لم ــاذا؟‬
‫ألنها أمور‪ ،..‬أيش؟ متعارضة‪ ،‬فال يمكن أن تطلب في نص واحد‪ ،‬أو توجد في نص واحد‪.‬‬
‫يقول الناظم‪:‬‬

‫لمعنى واحد‬ ‫والنص عرفاً لفظ وارد *** لم يحتمل إال‬


‫ً‬
‫كـ(قد رأيت جعفراً) وقيل ما *** تأويله تنزيله> فليعلما‬

‫يقول‪ :‬تراءى لي جعفر‪ ،‬رأيت جعفراً‪ :‬ال تشك في شخصه وال في اسمه‪ ،‬هل يقــال مثالً‪ :‬إنك رأيت‬
‫محمداً وإ ال زيداً؟ احتمال؟ احتمال أن يكون زيد وإ ال محمد؟ ال؛ أنت رأيت جعفراً‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪179‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫ثم قال ‪-‬رحمه اهلل‪ « :-‬والظاهر ما احتمل أمرين أحدهما أظهر من اآلخر‪ ،‬ويؤول الظ>>اهر بال>>دليل‬
‫ويسمى> ظاهراً بالدليل » أيش معنى هذا؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‪ « :‬والظاهر ما احتمل أمرين أحدهما أظهر من اآلخ>>ر‪ ،‬وي>>ؤول الظ>>اهر‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫بال>>>دليل ويس>>>مى ظ>>>اهراً بال>>>دليل » عرفنا أن االحتم ـ ــال ال ـ ــراجح من المع ـ ــاني هو أيش؟ الظ ـ ــاهر‪،‬‬
‫والمرجوح هو المؤول‪ ،‬وعرفنا أن ما يحتمل هو المجمل‪ ،‬وما ال يحتمل هو النص‪.‬‬
‫الظ ــاهر‪ :‬عرف ــوه في اللغة بأنه الواض ــح‪،‬ـ وق ــال بعض ــهم‪ :‬ال ــبيِّن ال ــذي ال خف ــاء في ــه‪ ،‬وعرفه المؤلف‬
‫اص ــطالحاً بأنه « ما احتمل أم>>رين أح>>دهما أظهر من اآلخر » عن ــدنا األس ــد‪ ،‬إذا قلت‪ :‬رأيت أس ــداً‪،‬‬
‫كم االحتماالت الواردة في هذه اللفظة؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬أنت إذا قلت أو قيل لك‪ ،..‬قال لك زميلك‪ :‬رأيت أسداً‪ ،‬كم يحتمل؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬كيف؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬احتمالين‪ ،‬واحد يقول ثالثة‪ ،‬ما فيه رابع؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش> ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض> ْير‪ :‬قبل النظر في القــرائن هــذا النص مــاذا يحتمــل؟ وهنــاك احتمــال راجح‬
‫واحتم ــال مرج ــوح‪ ،‬وإ ذا وج ــدت القرينة للمرج ــوح ص ــار هو الظ ــاهر‪ ،‬والخ ــالي عن القرينة يص ــير‬
‫مؤول حينئذ‪ ،‬نعم؟‬
‫احتم ــاالت ثالثـــة‪ ،‬أظهر ه ــذه االحتمـــاالت أنه أيش؟ الحي ــوان المف ــترس؛ ألن ه ــذه حقيقت ــه‪ ،‬والحقيقة‬
‫أظهر من غيرهـــا‪ ،‬االحتمـــال الثـــاني أيش؟ الرجل الشـــجاع؛ ألن الش ــجاعة تظهر للن ــاس‪ ،‬ويش ــبهون‬
‫الشجاع باألسد‪ ،‬االحتمال الثالث‪..‬هاه؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬كيف؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ال َّ‬
‫ش>> ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض>> ْير‪ :‬ال‪ ،‬ال ما هو الكالم في الرؤيـ ــة‪ ،‬في لفظ األسـ ــد‪ ،‬االحتمـ ــاالت في لفظ‬
‫األسد‪ ،‬نعم؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪180‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش> ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض> ْير‪ :‬االحتمــال األول ‪-‬وهو الظــاهر‪ :-‬الحيــوان المفــترس‪ ،‬الثــاني‪ :‬الرجل‬
‫الشجاع‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬كيف؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ال َّ‬
‫ش > > ْيخ َع ْبد ال َك> > ِ>ر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض > > ْير‪ :‬ال‪ ،‬ال ال‪ ،‬ال االحتمـ ـ ــال الثـ ـ ــالث‪ ،‬مـ ـ ــذكور ذكرنـ ـ ــاه مـ ـ ــراراً في بعض‬
‫الدروس‪ :‬األبخر‪ ،‬أيش معنى األبخر؟ الرجل الذي فيه بخر‪ ،‬أيش هو البخر؟‬
‫نعم الرائحة الكريهة الــتي تنبعث من فمــه‪ ،‬يقــال لــه‪ :‬أسد ليش؟ ألن األسد أبخــر‪ ،‬فيشــبه به من تنبعث‬
‫منه الرائحة الكريهة من هذه الحيثية‪ ،‬وهذا تشــبيه فيه خفــاء وغمــوض‪ ،‬فالتشــبيه باألسد في الشــجاعة‬
‫والقوة أظهر من التشبيه به في الرائحة‪.‬‬
‫فعندنا ثالثة احتماالت‪ ،‬احتمـال أقـوى‪ ،‬واالحتمـال الثـاني‪ :‬مرجـوح لكنه أرجح من االحتمـال الثـالث‪،‬‬
‫فإن استبعدنا االحتمال األول‪ ،‬دخل رجل وقال قائل‪ :‬هذا أسـد‪ ،‬هل يحتمل أن يكـون حيوانـاً مفترسـاً؟‬
‫ال يحتمل‪ ،‬انتهى االحتمال األول‪ ،‬يبقى عندنا احتمــال راجح ومرجــوح‪ ،‬احتمــال راجح أن يكـون هـذا‬
‫الرجل ش ــجاعاً مثل األسد واحتم ــال ثـــاني وهو مرجـــوح أيضـ ـاً أن يك ــون أبخ ــراً ‪-‬تنبعث منه روائح‬
‫كريهة كاألســد‪ -‬وهــذا ما أشــار إليه المؤلف بــأن المــؤول قد يكــون ظــاهراً بالــدليل « ويؤول الظ>اهر‬
‫بالدليل‪ ،‬ويسمى ظاهراً بالدليل » ‪ :‬يسمى المؤول ظاهراً بالدليل‪.‬‬
‫إذن عنــدنا الظــاهر كما قــال المؤلــف‪ :‬هو االحتمــال األرجح‪ ،‬والمــؤول االحتمــال المرجــوح‪ ،‬لكن في‬
‫النصوص‪ ،..‬ما الواجب في تفسير النصوص؟‬
‫حملها على الظـ ـ ــاهر‪ ،‬وال يلجأ إلى االحتم ـ ــال المرجـ ـ ــوح إال لـ ـ ــدليل يقتضـ ـ ــيه‪ ،‬يمنع من إرادة الحقيقة‬
‫‪-‬وهو الظـ ــاهر‪ -‬إذا وجد دليل يمنـ ــع‪ ،‬فال بـ ــأس من حمله على المعـ ــنى المرجـ ــوح‪ ،‬وهـ ــذا االحتمـ ــال‬
‫المرج ــوح هو ال ــذي س ــلكه المبتدعة في تأويل الص ــفات‪ ،‬ففي مثل قوله اهلل ‪-‬جل وعال‪َ ﴿ :-‬ي> ُ>د اللَّ ِه‬
‫ق أ َْي> ِ>دي ِه ْم ﴾ [ س ــورة الفتح‪ ،‬اآلية ‪ : ] 10 :‬االحتم ــال ال ــراجح‪ ،‬أنها اليد الحقيقية ال ــتي تليق باهلل‬
‫فَ> ْ>و َ‬
‫‪-‬عز وجل‪ -‬واالحتمال المرجــوح أنها النعمة أو القــوة‪ ،‬أو القـدرة‪ ،‬هـذا احتمــال مرجـوح‪ ،‬كيف ســلك‬
‫المبتدعة هــذا االحتمــال وهو مرجــوح وقــدموه على الحقيقــة؛ بحجة التنزيه هلل ‪-‬عز وجــل‪ -‬أن تكــون‬
‫له يد جارحة‪ ،‬لمـاذا؟ ألنهم توهمـوا أنه ال يد إال كــ(يـد) تشـبه المخلـوق‪ ،‬إال يد تشـبه يد المخلـوق‪ ،‬فـإذا‬
‫س َك ِمثْ ِل> ِ>ه َ‬
‫ش > ْي ٌء ﴾‬ ‫قلن ــا‪ :‬يد حقيقية كما ق ــال ‪-‬عز وج ــل‪ -‬عن نفس ــه‪ ،‬لكنها ال تش ــبه المخل ــوق؛ ﴿ لَ ْي َ‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪181‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫[ سورة الشــورى‪ ،‬اآلية ‪ ،] 11 :‬تليق بجالله وعظمتــه‪ ،‬جمعنا بين التفســير باالحتمــال الــراجح وهو‬
‫الظاهر‪ ،‬ولم نسلك االحتمال المرجوح‪ ،‬ومع ذلكم لم نقع في المحظور‪.‬‬
‫طالب‪ :‬هل يمكن أن نأخذ احتماالت‪..........‬؟‬
‫ض ْير‪ :‬المقصــود أن فيه وجه شــبه من األســد‪ ،‬إذا وجد فيه وجه شــبه من األسد‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ال ب ــأس‪ ،‬نعم‪ ،‬ولـ ــذلك األلقـ ــاب‪ ،..‬األلقـ ــاب عند أهل الحـــديث وغ ــيرهم من صـ ــروف العلم‪ ،‬يوجد في‬
‫كتب التراجم بحث يقال له‪ :‬األلقاب‪ ،‬وفي كتب مستقلة لأللقــاب‪ ،‬نزهة األلبــاب في األلقــاب‪ ،‬وغيرها‬
‫من الكتب‪ ،‬تجد الشــخص يلقب بــأدنى مناســبة‪ ،‬نعم‪ ،‬فيحتــاج حمله على االحتمــال المرجــوح إلى دليل‬
‫يقتضي ذلك ويمنع من إرادة الحقيقـ ـ ـ ـ ـ ــة‪ ،‬فال يصح التأويل بمجـ ـ ـ ـ ـ ــرد االحتمـ ـ ـ ـ ـ ــال‪ ،‬وإ ذا لم يوجد دليل‬
‫فالتأويل فاسد مردود؛ ألنه دعوى بال برهان كتأويل المبتدعة نصوص الصفات‪.‬‬
‫وإ ذا وجد الــدليل المقتضي للتأويل صــار ظــاهراً بســبب الــدليل‪ ،‬ولــذا قــال المؤلــف‪ « :‬يس>>مى> ظ>>اهراً‬
‫بال >>دليل » ؛ ألن الظـ ــاهر نوعـ ــان‪ ،‬ظـ ــاهر من جهة اللفظ وظـ ــاهر من جهة الـ ــدليل‪ ،‬اآلن إذا وجد في‬
‫المس ــألة أك ــثر من ق ــول ألهل العلم‪ ،‬ثم بحثت ه ــذه المس ــألة بأدلتها ووجد أن بعض األق ــوال أرجح من‬
‫بعض بالدليل؛ أال يعبر العلماء‪ :‬وهذا هو الظاهر‪ ،‬أو هذا هو األظهر؛ لقوة دليله؟ نعم‪ ،‬لقوة دليله‪.‬‬
‫وقد يك ـ ــون من حيث اللفظ الث ـ ــاني أظه ـ ــر‪ ،‬وقد يك ـ ــون من جهة اللفظ الث ـ ــاني أظه ـ ــر‪ ،‬فالمعية ‪-‬مثالً‪-‬‬
‫المعية بالنس ــبة هلل ‪-‬عز وج ــل‪ :.-‬االحتم ــال ال ــراجح هو ط ــرد نص ــوص الص ــفات على ظاهرها مع‬
‫نفي ت ــوهم التش ــبيه ‪-‬ه ــذه القاع ــدة المط ــردة عند الس ــلف قاطبة في جميع الص ــفات‪ -‬المعية ق ــال أهل‬
‫العلم‪ :‬إن منها معية النصر والتأييد وهي المعية الخاصة‪ ،‬والمعية العامة هي معية أيش؟‬
‫>>ه َم َع َنا ﴾ [ ســـورة التوبـــة‪ ،‬اآلية ‪ : ] 40 :‬يع ــني بنص ــره وتأيي ــده ‪-‬معية‬ ‫ح> َز ْن إِ َّن اللّ َ‬
‫العلم‪ ﴿ ،‬الَ تَ ْ>‬
‫خاصة‪َ ﴿ -‬واَل أ َْد َنى ِمن َذ ِل َك َواَل أَ ْكثََر إِاَّل ُه َو َم َع ُه ْم ﴾ [ ســورة المجادلــة‪ ،‬اآلية ‪ : ] 7 :‬بعلمــه‪ ،‬هــذا‬
‫االحتمال الراجح وإ ال المرجوح؟ طرداً للباب؟ نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش > ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض>> ْير‪ :‬نق ــرر المس ــألة على أص ــولها‪ :‬ه ــذا االحتم ــال ال ــراجح وإ ال االحتم ــال‬
‫المرجوح؟ في األصل‪ ،‬في األصل يعني؟ يعني إذا أولت المعية بالعلم هذا االحتمال الراجح؟‬
‫االحتمال المرجوح‪ ،‬لكن ما الذي اضطرنا أن نعدل عن االحتمال الراجح إلى المرجوح؟‬
‫الدليل؛ إجماع السلف على هذا‪ ،‬السلف قاطبة قـالوا‪ :‬المعية هنا العلم‪ ،‬وال يعــرف لهم مخـالف‪ ،‬يعــني‬
‫لوال وجود اإلجماع من الســلف لطردنا البــاب‪ ،‬وحينئذ تكــون معية حقيقية ذاتية ‪-‬كما قــال بعض أهل‬
‫العلم‪ -‬والمســـألة عـــرفت وانتشـــرت واش ــتهرت نعم‪ ،‬ول ــوال انتش ــارها ووج ــود من يق ــول ب ــذلك ك ــان‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪182‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫إخفائها بعد عن صغار المتعلمين أولى‪ ،‬نعم‪ ،‬أقول‪ :‬االحتمال المرجوح لجأنا إليه بالــدليل‪ ،‬يعــني هل‬
‫لنا أن نفسر النصوص بتفسير يخالف ما اتفق عليه سلف هذه األمة؟ ليس لنا ذلك‪ ،‬ليس لنا ذلك‪ ،‬نعم‬
‫لنا أن نختار من أقوالهم إذا اختلفوا ما نرجحه بالدليل‪ ،‬أما أن نحدث تفســيراً جديـداً غــير ما قـالوا بـه‪،‬‬
‫ونقل عنهم وأثر عنهم ليس لنا ذلك فنقــول‪ :‬المــراد بالمعية هنا العلم‪ ،‬وهو الظــاهر من اللفظ بالــدليل؛‬
‫ألن الظهور أحياناً يكون من جهة اللفظ‪ ،‬وأحياناً يكون من جهة الدليل‪.‬‬
‫يقول الناظم ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪:-‬‬

‫معنى سوى المعنى الذي له وضع‬ ‫والظاهر الذي يفيد ما سمع ***‬
‫ً‬
‫كاألسد اسم واحد السباع *** وقد يرى للرجل الشجاع‬
‫والظاهر المذكور حيث أشكال *** مفهومه> فبالدليل أوالً‬
‫وصار بعد ذلك التأويل *** مقيداً في االسم بالدليل‬

‫بعد هذا األفعال‪.‬‬


‫األفعـال‪:‬‬
‫يق ــول المؤلف ‪-‬رحمه اهلل تع ــالى‪ « :-‬فعل ص>>احب الش>>ريعة » فاألفع ــال جمع واح ــدها فع ــل‪ ،‬وفعل‬
‫صاحب الشريعة أحد وجوه السنن‪ ،‬وقسم من أقســام الحــديث والســنة؛ ألن الحــديث ‪-‬ويرادفه الســنة‪-‬‬
‫ما أض ــيف إلى الن ــبي ‪-‬عليه الص ــالة والس ــالم‪ -‬من ق ــول أو فعل أو تقرير أو وص ــف‪ ،‬والمؤلف هنا‬
‫ذكر الفعل والتقرير‪.‬‬
‫جرت عادة األصوليين جمع وجوه السنن كلها القــول والفعل والتقريــر‪ ،..‬الوصف يذكرونه في كتب‬
‫األصول وإ ال ما يذكرونه؟ ما يذكرونه؛ ألنه ال يتعلق به مباحث تتعلق بالمكلفين‪ ،‬إنما الوصف هاه؟‬
‫الشمائل‪ ،‬نعم؟‬
‫وصفه ‪-‬عليه الصـالة والسـالم‪ -‬أوصـافه الذاتيـة‪ ،‬للمكلف فائـدة من ذكـره في أصـول الفقه وإ ال ما له‬
‫فائدة؟‬
‫هو أحد وج ــوه الس ــنن وفيه كتب الش ــمائل‪ ،‬فيه كتب الش ــمائل يحت ــاج المكلف منه ما يدخله االختي ــار‪،‬‬
‫دون ما هو محض إجبار‪ ،‬أيش معنى هذا الكالم؟‬
‫إذا ذكروا في الشمائل طول النـبي ‪-‬عليه الصـالة والسـالم‪ -‬وعرضه بعد منكبيـه‪ ،‬كـان شـثن الكفين‪،‬‬
‫ضليع الفم‪ ،‬حينما يذكر هذا هل للمكلف أن يقتدي به ويقلده في هذه األمور؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪183‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫هــذه أمــور جبرية خلقيــة‪ ،‬نعم‪ ،‬ليس لإلنســان منــاص‪ ،‬كونه طويــل‪ ،‬أزهر اللــون‪ ،‬مــاذا يعــني المكلف‬
‫من ه ــذا؟ نعم‪ ،‬أوص ــافه تدخله في قلب الس ــامع‪ ،‬بال ش ــك؛ ألنها أوص ــاف كم ــال بش ــري‪ ،‬نعم‪ ،‬يس ــتفيد‬
‫منها المكلف من هذه الحيثية‪ ،‬أما من حيث االقتــداء فال‪ ،‬نعم أوصــافه ‪-‬عليه الصــالة والســالم‪ -‬الــتي‬
‫يدخلها االختيار كث اللحية‪ ،‬يحتاج المكلف إلى مثل هذا‪ ،‬لمـاذا؟ لئال يتعـرض للحيته بشـيء‪ ،‬فنحتـاج‬
‫من الشمائل األنواع الجبلي الجبري‪ ،‬وأيضاً االختياري‪ ،‬وهذا موضوعه الشمائل‪.‬‬
‫عندنا القول وهو األصل في الباب‪ ،‬وهو الذي له العموم ‪-‬كما قرر أهل العلم‪ -‬والفعل كما قالوا‪ :‬ال‬
‫عمــوم فيــه؛ ألن العمــوم من خــواص القــول‪ ،‬ويــذكر أيضـاً التقريــر‪ ،‬فاألصــوليونـ يبحثــون في مبــاحث‬
‫السنة القول والفعل والتقرير‪ ،‬وهنا المؤلف قــدم الفعل والتقريــر‪ ،‬واألصل أن تجمع وجــوه الســنن من‬
‫قول أو فعل أو تقرير في مبحث مستقل‪ ،‬كما يصنعه كثير من األصوليين‪.‬‬
‫والمؤلف هنا أردف األفعال ذكر األفعــال وأردفها بــاإلقرار وكــان األولى بالمصــنف جمعها كغيرهــا‪،‬‬
‫كغــيره؛ ألن التفريق تشــتيت للــدارس‪ ،‬يعــني لما الطــالب يــدرس األفعــال والتقرير ثم تــترك الســنة إلى‬
‫مباحث أخرى‪ ،‬نعم‪ ،‬تشتيت للدارس ال سيما المبتدئ الذي من أجله أُلِّفت هذه الورقات‪.‬‬
‫هنا يق ــول‪ « :‬فعل ص>>احب الش>>ريعة » يع ــني الن ــبي ‪-‬عليه الص ــالة والس ــالم‪ -‬مف ــاده أن فيه تفص ــيل‪،‬‬
‫مف ـ ــاد كالمه أن فعل الن ـ ــبي فيه تفص ـ ــيل؛ ألنه ال يخلو إما أن يك ـ ــون فعل ه ـ ــذا الفعل على وجه القربة‬
‫والطاعة ‪-‬والقربة والطاعة بمعنى واحد‪ -‬أو ال يكون ‪-‬يعني فعله‪ -‬على وجه القربة والطاعــة؛ إن‬
‫ك ــان الن ــبي ‪-‬عليه الص ــالة والس ــالم‪ -‬فعل عمالً ه ــذا العمل متقربـ ـاً به إلى اهلل ‪-‬عز وج ــل‪ -‬ه ــذا له‬
‫حكم‪ ،‬إذا ك ـ ــان فعله ال على وجه التق ـ ــرب والطاعة ه ـ ــذا له أيضـ ـ ـاً حكم‪ ،‬ف ـ ــإن ك ـ ــان على وجه القربة‬
‫والطاعــة‪ ،‬فال يخلو إما أن يــدل الــدليل على كونه من خصائصه ‪-‬عليه الصــالة والســالم‪ -‬أو ال يــدل‬
‫الـ ـ ـ ــدليل على االختصـ ـ ـ ــاص‪ ،‬فـ ـ ـ ــإن دل الـ ـ ـ ــدليل على كونه من الخصـ ـ ـ ــائص‪ ،‬ال بد من الـ ـ ـ ــدليل للحكم‬
‫بالخصوص ــية‪ ،‬إن دل ال ــدليل على كونه من الخص ــائص كجمعه بين أك ــثر من أربع نس ــوة‪ ،‬ووص ــاله‬
‫في الصــيام‪ ،‬حمل على ذلــك‪ ،‬نقــول‪ :‬هــذا خــاص بــالنبي ‪-‬عليه الصــالة والســالم‪ ،-‬وجــاء في قضــاء‬
‫فائتة راتبة الظهر بعد صالة العصر ما يدل على أنه من خصائصه‪ ،‬فإذا دل الدليل قلنــا‪ :‬هــذا خــاص‬
‫بالنبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬وال نقتدي به فيه‪.‬‬
‫يعني لو قال شخص‪ :‬الرســول ‪-‬عليه الصــالة والســالم‪ -‬تــزوج اثنا عشــر‪ ،‬ومــات عن تسع وأنا أريد‬
‫أن أقتــدي‪ ،‬نقــول‪ :‬ال؛ هــذا من الخصــائص؛ دل الــدليل على أنه من الخصــائص‪ ،‬لكن إذا كــان مجــرد‬
‫الحكم بأنه من الخصــائص‪ ،‬مجــرد اســترواح وميل ودفع تعــارض بين نصــوص‪ ،‬هل يكفي أن يحكم‬
‫بأنه من الخصـ ــائص‪ ،‬أو ال بد أن يـ ــدل الـ ــدليل على أن هـ ــذا من الخصـ ــائص؟ فمثالً‪ :‬كشف الفخذ في‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪184‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫الصحيح من حديث أنس‪" :‬حسر النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬عن فخذه"‪ ،‬وجاء في حديث جرهد‪:‬‬
‫« غطِّ فخذك؛ فإن الفخذ عورة » نعم؟ قــالوا‪ :‬حسر الفخذ من خصائصه ‪-‬عليه الصــالة والســالم‪-‬‬
‫ب ــدليل أنه أمر غ ــيره بتغطية الفخ ــذ‪ ،‬يكفي ألن يحكم ب ــأن ه ــذا من الخص ــائص؟ يكفي مثل ه ــذا الرفع‬
‫للتعارض بين النصين أن نقول‪ :‬هذا من الخصائص‪ ،‬أو ال يكفي؟ نعم؟ طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬قال به جمع من أهل العلم‪ ،‬قالوا‪ :‬هــذا من الخصــائص؛ لرفع التعــارض‬
‫بين النصوص‪.‬‬
‫نقول‪ :‬تغطية الفخذ أكمل أو حسره أكمل ‪-‬بالنسبة للبشر‪ -‬أيهما أكمل؟‬
‫التغطية أكمــل‪ ،‬الســتر أكمــل‪ ،‬كل كمــال يطلب من األمة النــبي ‪-‬عليه الصــالة والســالم‪ -‬أولى بــه‪ ،‬ال‬
‫يمكن أن يتص ــور أن يطلب من األمة كم ــال أكمل من نبيها ‪-‬عليه الص ــالة والس ــالم‪ -‬ظ ــاهر وإ ال ما‬
‫هو بظاهر؟‬
‫يعـ ـ ــني حينما يقـ ـ ــال في النهي عن اسـ ـ ــتقبال الكعبة واسـ ـ ــتدبارها ببـ ـ ــول أو غائـ ـ ــط‪ :‬جـ ـ ــاء النهي‪ « :‬ال‬
‫تس >>تقبلوا وال تس >>تدبروا ولكن ش >>رقوا أو غرب >>وا »‪ ،‬في ـ ــأتي ح ـ ــديث ابن عمر قبل أن يقبض الن ـ ــبي‬
‫‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬بعام ويرى النبي ‪-‬عليه الصــالة والســالم‪ -‬يقضي حاجته مســتدبراً الكعبــة‪،‬‬
‫يقـ ــول بعضـ ــهم‪ :‬هـ ــذا من خصائصه ‪-‬عليه الصـ ــالة والسـ ــالم‪ -‬والنهي لألمة وهو له أن يفعل ذلـ ــك‪،‬‬
‫نقول‪ :‬احترام وتعظيم شعائر اهلل –كالكعبة‪ -‬كمال وإ ال نقص؟‬
‫كم ـ ـ ــال‪ ،‬إذن الن ـ ـ ــبي ‪-‬عليه الص ـ ـ ــالة والس ـ ـ ــالم‪ -‬أولى ب ـ ـ ــه‪ ،‬وإ ن ق ـ ـ ــال بعض أهل العلم‪ :‬إن ه ـ ـ ــذا من‬
‫الخصائص‪ ،‬ظاهر وإ ال ما هو بظاهر‪ ،‬إذن نبحث عن جمع آخر في النصين وهكذا‪.‬‬
‫وإ ن لم يدل الدليل على االختصاص به ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬كالتهجد وصــيام النوافل وغــير ذلك‬
‫من أفعاله ‪-‬عليه الص ــالة والس ــالم‪ -‬فاألصل االقت ــداء به ‪-‬عليه الص ــالة والس ــالم‪ -‬واالئتس ــاء‪ ،‬كما‬
‫ان لَ ُكم ِفي رس ِ ِ‬
‫س َن ٌة ﴾ [ سورة األحزاب‪ ،‬اآلية ‪: ] 21 :‬‬ ‫ول اللَّه أ ْ‬
‫ُس َوةٌ َح َ‬ ‫َ ُ‬ ‫قال ‪-‬جل وعال‪ ﴿ :-‬لَقَ ْد َك َ ْ‬
‫أي قدوة صالحة‪ ،‬واإلسوة واألُسوة ‪-‬بكسر الهمزة وضمها‪ -‬لغتان قرئ بهما في السبعة‪.‬‬
‫اختلف العلماء في مقتضى الفعل المجرد عن القول‪ :‬مقتضى الفعل‪ ،‬النــبي ‪-‬عليه الصــالة والســالم‪-‬‬
‫عمل عمالً ‪-‬فعل فعالً‪ -‬على وجه القربة والطاع ـ ـ ـ ــة‪ ،‬وقلن ـ ـ ـ ــا‪ :‬إن هـ ـ ـ ــذا يقت ـ ـ ـ ــدى به ‪-‬عليه الصـ ـ ـ ــالة‬
‫والسالم‪ -‬في هذا الفعل‪ ،‬يقتدى به لكن على سبيل الوجوب أو على سبيل الندب؟‬
‫إذا فعل النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬فعالً على سبيل التقرب إلى اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬والطاعة عرفنا‬
‫ان َل ُكم ِفي رس> ِ ِ‬
‫س> َن ٌة ﴾ ‪ :‬أما إذا فعل‬ ‫ول اللَّه أ ْ‬
‫ُس> َوةٌ َح َ‬ ‫َ ُ‬ ‫أنه ُيقتــدى بــه؛ لقــول اهلل ‪-‬جل وعال‪ ﴿ :-‬لَقَ ْد َك َ ْ‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪185‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫الفعل ال على وجه القربة والطاعة فال يقت ـ ـ ـ ــدى به فيه ‪-‬عليه الص ـ ـ ـ ــالة والس ـ ـ ـ ــالم‪ -‬على ما س ـ ـ ـ ــيأتي‬
‫تفصيله في كالم الشوكاني‪ ،‬وإ ن عمله ابن عمر رضي اهلل تعالى عنه‪.‬‬
‫ابن عمر ‪-‬رضي اهلل عنهم ــا‪ -‬في ه ــذا الب ــاب لم يت ــابع علي ــه‪ ،‬على فعل ــه‪ ،‬فعل أفع ــاالً اقت ــدى بها في‬
‫النــبي ‪-‬عليه الصــالة والســالم‪ -‬وهي مجــرد أفعــال عاديــة‪ ،‬يفعله النــبي ‪-‬عليه الصــالة والســالم‪ -‬ال‬
‫على سبيل التقرب‪ ،‬وذكر ابن عبد البر وغيره عنه أنه كان يكفكف دابته من أجل أيش؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش> > ْيخ َع ْبد ال َك > ِ>ر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض>>> ْير‪ :‬نعم؛ أن تطأ أق ـ ــدامها على م ـ ــوطئ أق ـ ــدام دابة الن ـ ــبي ‪-‬عليه الص ـ ــالة‬
‫والسالم‪ -‬هذا من شــدة اقتدائه وائتســائه بــالنبي ‪-‬عليه الصــالة والســالم‪ -‬لكنه لم يوافق على ذلــك‪ ،‬لم‬
‫يوافق على ذلك‪ ،‬أي مكان يبيت فيه أو يجلس فيه النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬يــذهب إليه ويجلس‬
‫فيه‪ ،‬وكبار الصحابة ‪-‬علماؤهم فقهاؤهم سلف األمة قاطبة‪ -‬لم يفعلــوا مثل هــذا الفعــل‪ ،‬فــدل على أنه‬
‫ٍ‬
‫بمحل لالئتساء وال لالقتداء‪.‬‬ ‫ليس‬
‫على كل حال إذا كان فعله ‪-‬عليه الصـالة والسـالم‪ -‬على سـبيل القربة والطاعة ‪-‬وهو الـذي يهمنـا‪-‬‬
‫هل اقتداؤنا به على سبيل الوجوب واللزوم‪ ،‬أو على سبيل االستحباب؟‬
‫العلمــاء اختلفــوا في مقتضى الفعل المجــرد عن القــول‪ ،‬فــذهب جمع من أهل العلم إلى أنه يحمل على‬
‫الوجوب في حقه ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬وفي حقنا؛ ألنه األحوط‪.‬‬
‫فعل النــبي ‪-‬عليه الصــالة والســالم‪ -‬فعالً متقربـاً به إلى اهلل ‪-‬عز وجــل‪ -‬ال بد أن تفعــل‪ ،‬إن لم تفعل‬
‫أثمت‪ ،‬قــالوا‪ :‬هــذا هو األحــوط في حقنــا‪ ،‬وبــذلك قــال مالك وبعض الشــافعية ورواية عن اإلمــام أحمد‬
‫س>>و ُل فَ ُخ>> ُذوهُ ﴾ [ س ــورة الحش ــر‪ ،‬اآلية ‪:‬‬
‫الر ُ‬
‫‪-‬رحمه اهلل تعـــالى‪ -‬دليلهم قوله تعـــالى‪َ ﴿ :‬و َما آتَ>>ا ُك ُم َّ‬
‫‪.] 7‬‬
‫سو ُل فَ ُخ> ُذوهُ ﴾ على‬
‫الر ُ‬
‫واســتبعد إمــام الحــرمين هــذا القــول في البرهــان وحملــوا اآليــة‪َ ﴿ :‬و َما آتَا ُك ُم َّ‬
‫األمر‪ ،‬يعني ما أمركم به النــبي ‪-‬عليه الصــالة والســالم‪ -‬فخــذوه؛ بــدليل‪َ ﴿ :‬و َما َن َها ُك ْم َع ْن ُه فَانتَ ُهوا‬
‫﴾ [ ســورة الحشــر‪ ،‬اآلية ‪َ ﴿ ،] 7 :‬ما آتَا ُك ُم ﴾ ‪ :‬يعــني أمــركم بــه‪ ،‬ما أمــركم بــه؛ بــدليل المقابــل‪﴿ ،‬‬
‫َو َما َن َها ُك ْم َع ْن ُه فَانتَ ُهوا ﴾‪.‬‬
‫ذهب بعض العلمــاء إلى أنه يحمل على الن ــدب‪ ،‬وهو قــول أك ــثر الحنفية والظاهرية وبعض الش ــافعية‬
‫ورواية عن أحمـ ــد‪ ،‬ورجحه إمـ ــام الحـ ــرمين في البرهـ ــان‪ ،‬والغـ ــزاليـ في المنخـ ــول‪ ،‬والشـ ــوكاني في‬
‫إرشاد الفحول‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪186‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫وذهب جمع من أهل العلم إلى التوق ــف؛ لع ــدم معرفة الم ــراد ولتع ــارض األدل ــة‪ ،‬لع ــدم معرفة الم ــراد‬
‫حينما فعل النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬هذا الفعل متقربـاً به إلى اهلل ‪-‬عز وجــل‪ -‬ولم يــأمر بــه‪ ،‬لم‬
‫يأمر به‪ ،‬ولم يثبت لنا دليل يدل على أنه من خصائصه ‪-‬عليه الصالة والســالم‪ -‬بل فعله على ســبيل‬
‫القربة والطاع ــة‪ ،‬وقلن ــا‪ :‬إن ه ــذا هو محل اقت ــداء وائتس ــاء‪ ،‬لكن ليس فيه أم ــر‪ ،‬ولو ك ــان واجب ـاً لطلبه‬
‫النـبي ‪-‬عليه الصــالة والسـالم‪ -‬ما اكتفى بفعلــه‪ ،‬وهــذه حجة من يقــول بأنــه‪ ،..‬بـأن الفعل المجـرد عن‬
‫القول إنما هو للندب‪.‬‬
‫وذهب بعض أهل العلم إلى التوقـ ــف؛ لعـ ــدم معرفة المـ ــراد‪ ،‬بعض أهل العلم يقـ ــول‪ :‬نتوقـ ــف؛ ألننا ال‬
‫ندري هل هو للوجوب أو للندب‪ ،‬وصرنا ال ندري نفعل وإ ال ما نفعل‪ ،‬يقول‪ :‬نتوقف حتى نجد دليالً‬
‫يدل أنه للوجوب‪ ،‬أو يدل على أنه للندب‪.‬‬
‫لكن أقل االحتماالت أنه على الندب‪ ،‬والندب مطلوب الفعل أو مطلوب الترك؟‬
‫مطلوب الفعل‪ ،‬إذن ال وجه للتوقف هنا‪ ،‬ولذا يقول الشوكاني‪ :‬وعنــدي أنه ال معــنى للوقف في الفعل‬
‫ال ـ ـ ـ ــذي قد ظهر فيه قصد القربة؛ ف ـ ـ ـ ــإن قصد القربة يخرجه عن اإلباحة إلى ما فوقها والم ـ ـ ـ ــتيقن مما‬
‫فوقها الندب‪.‬‬
‫يقــول شــيخ اإلســالم ابن تيميــة‪" :‬وما فعله النــبي ‪-‬صــلى اهلل عليه وســلم‪ -‬على وجه التعبد فهو عبــادة‬
‫يشــرع التأسي به فيــه‪ ،‬فــإذا خص زمان ـاً أو مكان ـاً بعبــادة كــان تخصيصه تلك العبــادة ســنة" [هــذا كالم‬
‫شيخ اإلسالم]‪.‬‬
‫وإ ن كـ ـ ـ ــان فعله ‪-‬عليه الصـ ـ ـ ــالة والسـ ـ ـ ــالم‪ -‬على وجه القربة والطاعـ ـ ـ ــة‪ ،..‬على غـ ـ ـ ــير وجه القربة‬
‫والطاعة‪ ،..‬انتهينا مما يقصد به التقرب من قبله ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬جاء االحتمال الثاني‪.‬‬
‫االحتم ــال الث ــاني‪ :‬وهو فعل الن ــبي ‪-‬عليه الص ــالة والس ــالم‪ -‬ال على وجه القربة والطاع ــة‪ ،‬كالقي ــام‬
‫والقع ـ ــود واألكل والش ـ ــرب والن ـ ــوم‪ ،‬ه ـ ــذا يحمل على اإلباحة في حقه وفي حقن ـ ــا‪ ،‬ويس ـ ــتوي في ذلك‬
‫األفعال الجبلية ‪-‬التي منها القيام والقعود واألكل والشرب وما فعله ‪-‬عليه الصـالة والسـالم‪ -‬موافقـاً‬
‫للعــادات‪ ،‬اللي يســمونها التقاليد كلباسه ‪-‬عليه الصــالة والســالم‪ -‬فكلها من نــوع المبــاح؛ اآلن األلبسة‬
‫مما يتعبد بها أو هي راجعة إلى األعراف والتقاليد؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض > ْير‪ :‬ما ورد فيه النص عب ــادة‪ ،‬يع ــني ما ورد النص بتحدي ــده كلونه وطوله‬ ‫َّ‬
‫الش > ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ‬
‫ه ــذا عب ــادة ال يج ــوز أن نتع ــداها‪ ،‬وما لم ي ــرد فيه النص يرجع فيه إلى الع ــرف‪ ،‬ول ــذا لم يغ ــير الن ــبي‬
‫‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬لباسه عن لباس قومه‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪187‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‪ :‬ال‪ ،‬هو إذا لم تكن المخالفة موقعة في شهرة –مثالً‪ -‬فال بأس؛‬ ‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬ ‫َّ‬
‫ألن المسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــألة‪، ..‬األلبسة أعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراف وعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادات‪،‬نعم؟‬
‫طالب‪ :‬إذا تبين لك أن هذا الفعل على وجه القربة‪......‬ونجعل هذا األصل في أفعاله أم العكس؟‬
‫ض ْير‪ :‬تعمل باألحوط حينئذ‪ ،‬حينئذ تعمل باألحوط‪ ،‬ما لم يوقعك هذا االحتيــاط‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫في فعل محظ ـ ــور أو يجر إلى محظ ـ ــور‪ ،‬أو يج ـ ــرك إلى ت ـ ــرك م ـ ــأمور‪ ،‬حينئذ تعمل ب ـ ــاألحوط‪ ،‬ما لم‬
‫يج ـ ــرك ه ـ ــذا االحتي ـ ــاط إلى فعل محظ ـ ــور أو ت ـ ــرك م ـ ــأمور‪ ،‬وحينئذ يك ـ ــون االحتي ـ ــاط في ت ـ ــرك ه ـ ــذا‬
‫االحتياط‪.‬‬
‫ُعلم مما ذكره المصــنف انحصــار أفعاله ‪-‬عليه الصــالة والســالم‪ -‬في الوجــوب والنــدب واإلباحة فال‬
‫يقع منه ‪-‬صــلى اهلل عليه وســلم‪ -‬محــرم‪ ،‬ال ســيما بعد البعثــة؛ ألنه معصــوم‪ ،‬وال مكــروه‪ ،‬وال خالف‬
‫األولى على خالف في ذلك‪ ،‬فإن خالف األولى وقع وإ ال ما وقع؟‬
‫يفعل خالف األولى لبي ــان الج ــواز‪ ،‬يفعله تشــريعاً لبي ــان الج ــواز؛ لئال يحمل األمر على الوجــوب‪ ،‬أو‬
‫الفعل على ذلك‪.‬‬
‫الشوكاني قسم أفعال النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬إلى سبعة أقسام‪ ،‬في إرشاد الفحول ماذا يقول؟‬
‫يق ــول‪" :‬البحث الرابع‪ :‬في أفعاله ‪-‬ص ــلى اهلل عليه وس ــلم‪ :-‬اعلم أن أفعاله ‪-‬ص ــلى اهلل عليه وس ــلم‪-‬‬
‫تنقسم إلى سـ ــبعة أقسـ ــام‪ :‬القسم األول‪ :‬ما كـ ــان من هـ ــواجس النفس والحركـ ــات البشـ ــرية‪ ،‬كتصـ ــرف‬
‫األعض ـ ــاء وحرك ـ ــات الجس ـ ــد‪ ،‬فه ـ ــذا القسم ال يتعلق به أمر باتب ـ ــاع‪ ،‬وال نهي عن مخالف ـ ــة‪ ،‬وليس فيه‬
‫أسوة‪ ،‬ولكنه يفيد أن مثل ذلك مباح"‪.‬‬
‫يعــني‪ :‬مثل ما ذكرنا في أنه ‪-‬عليه الصــالة والســالم‪ -‬ال يفعل محرم ـاً وال مكروه ـاً ‪-‬بل وال خالف‬
‫األولى‪ -‬إال لبيان الجواز‪.‬‬
‫القسم الثـ ــاني‪ :‬ما ال يتعلق بالعبـ ــادات ووضح فيه أمر الجبلـ ــة‪ ،‬كالقيـ ــام والقعـ ــود ونحوهمـ ــا‪ ،‬فليس فيه‬
‫تأس وال به اقتداء‪ ،‬ولكنه يدل على اإلباحة عند الجمهور‪.‬‬
‫ثم ق ــال بعد ذل ــك‪ :‬وقد ك ــان عبد اهلل بن عمر ‪-‬رضي اهلل عن ــه‪ -‬يتتبع مثل ه ــذا ويقت ــدي ب ــه‪ ،‬كما هو‬
‫معروف عنه‪ ،‬منقول في كتب السنة‪.‬‬
‫وعرفنا أن ابن عبد ال ـ ــبر نقل عن ابن عمر ‪-‬رضي اهلل تع ـ ــالى عن ـ ــه‪ -‬أنه ك ـ ــان يكفكف دابت ـ ــه؛ لتقع‬
‫مواطئ أقدامها على مواطئ أقدام دابة النبي عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪188‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫المقصود أن هذا ليس بمحل لالقتداء‪ ،‬ال سيما إذا جـ َّـر إلى محظــور‪ ،‬فبعض أفعــال ابن عمر ‪-‬رضي‬
‫اهلل عنهما‪ -‬جرت إلى بعض المحظـور من غلو بعض النـاس في هـذه األمـاكن الـتي جلس فيها النـبي‬
‫‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬اتفاقاً من غير قصد وال تعبد‪.‬‬
‫القسم الثــالث‪ :‬ما احتمل أن يخــرج عن الجبلة إلى التشــريع بمواظبته عليه على وجه معــروف وهيئة‬
‫مخصوصة كاألكل والشـرب واللبس والنــوم‪ ،‬فهـذا القسم دون ما ظهر فيه أمر القربة وفـوق ما ظهر‬
‫فيه أمر الجبلة‪.‬‬
‫عرفنا أن أصل النـ ــوم واألكل والشـ ــرب‪ ،‬والقيـ ــام والقعـ ــود‪ ،‬أصـ ــلها أنها جبليـ ــة‪ ،‬لكن الكيفيـ ــات الـ ــتي‬
‫واظب عليها النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪َّ -‬‬
‫وأداها على هيئة مخصوصة‪.‬‬
‫الن ــبي ‪-‬عليه الص ــالة والس ــالم‪ -‬يأكل على هيئة مخصوص ــة‪ ،‬يش ــرب على هيئة مخصوص ــة‪ ،‬يلبس‬
‫على هيئة مخصوصة‪ ،‬نعم‪ ،‬يقدم اليمين‪ ،‬ينــام على جنبه األيمن‪ ،‬وهكــذا األصل في العمل أنه جبلي‪،‬‬
‫لكن لزوم هذه الهيئة المخصوصة يقربه من القربة والطاعة‪.‬‬
‫يق ــول‪ :‬فه ــذا القسم دون ما ظهر فيه أمر القرب ــة‪ ،‬وف ــوق ما ظهر فيه أمر الجبل ــة؛ على ف ــرض أنه لم‬
‫يثبت فيه إال مجـ ـ ــرد الفعـ ـ ــل‪ ،‬وأما إذا وقع منه ‪-‬عليه الصـ ـ ــالة والسـ ـ ــالم‪ -‬اإلرشـ ـ ــاد إلى بعض هـ ـ ــذه‬
‫الهيئات‪ ،‬كما ورد في اإلرشاد إلى هيئات من هيئـات األكل والشـرب واللبس والنــوم فهـذا خـارج عن‬
‫هذا القسم ‪-‬خارج عن أن يكون جبلياً إلى أن يكون قربة وطاعة‪ -‬يعني إذا اقترن بالفعل القول‪.‬‬
‫القسم الرابــع‪ :‬ما علم اختصاصه به ‪-‬عليه الصــالة والســالم‪ -‬كالوصــال‪ ،‬والزيــادة على أربــع‪ ،‬فهــذا‬
‫خاص به ال يشاركه فيه غيره‪ ...‬إلى آخره‪.‬‬
‫هـ ـ ـ ــذا ما ذكرنـ ـ ـ ــاه وبسـ ـ ـ ــطناه‪ ،‬وعرفنا أن هـ ـ ـ ــذه الخصوصـ ـ ـ ــيات ال بد لها من مخصـ ـ ـ ــص‪ ،‬وعرفنا أن‬
‫التخصيص والخصائص ال تثبت بمجرد احتمال‪ ،‬وضربنا لذلك أمثلة‪.‬‬
‫القسم الخـ ـ ــامس‪ :‬في كالم طويل للشـ ـ ــوكاني‪ ،‬يقـ ـ ــول‪ :‬ما يبهمه ‪-‬عليه الصـ ـ ــالة والسـ ـ ــالم‪ -‬النتظـ ـ ــار‬
‫الــوحي‪ ،‬كعــدم تعــيين نــوع الحج –مثالً‪ -‬فقيــل‪ :‬يقتــدي به في ذلــك‪ ،‬وقيــل‪ :‬ال‪ :‬النــبي ‪-‬عليه الصــالة‬
‫"صل في هذا الوادي المبـارك‬‫ِّ‬ ‫والسالم‪ -‬في أول األمر أحرم إحراماً مطلقاً‪ ،‬ثم جاءه الملك وقال له‪:‬‬
‫وقــل‪ ،"..:‬يقتــدى به في إطالقــه‪ ،‬أو ال يقتــدى بــه؟ ظــاهر صــنيع علي ‪-‬رضي اهلل عنــه‪ -‬وأبي موسى‬
‫أنه يقتدى به ولو كان مطلقاً؛ "لبيك بإحرام كإحرام النبي عليه الصالة والسالم"‪.‬‬
‫هنا يقــول‪ :‬فقيــل‪ُ :‬يقتــدى به في ذلــك‪ ،‬وقيــل‪ :‬ال‪ :‬النــبي ‪-‬عليه الصــالة والســالم‪ -‬فعل هــذا الفعل على‬
‫سـ ـ ــبيل اإلبهـ ـ ــام‪ ،‬كيف يفعل فعالً على سـ ـ ــبيل اإلبهـ ـ ــام‪ ،‬والقسم الخـ ـ ــامس‪ :‬ما يبهمه ‪-‬صـ ـ ــلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪ -‬النتظار الوحي؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪189‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫يــترك‪ ،..‬يفعل فعالً مبهم ـاً‪ ،‬وإ ن شــئت فقــل‪ :‬مجمالً يحتمل أمــرين على الســواء‪ ،‬هــذا اإلحــرام المبهم‬
‫يحتمل أن يص ـ ــرف إلى اإلف ـ ــراد‪ ،‬يحتمل أن يص ـ ــرف إلى ِ‬
‫القـ ــران‪ ،‬يحتمل أن يص ـ ــرف إلى التمت ـ ــع‪،‬‬
‫فأحرم في أول األمر إحراماً مبهماً‪ ،‬ثم جاءه الملك وقال له‪ :‬افعل كذا‪.‬‬
‫النــبي ‪-‬عليه الصــالة والســالم‪ -‬فعــل‪ ،‬فنقتــدي به في كيفية هــذا الفعــل‪ ،‬أما إذا أبهم ولم يفعل ‪-‬اســتمر‬
‫اإلبه ــام‪ -‬ص ــدر منه ‪-‬عليه الص ــالة والس ــالم‪ -‬ق ــول‪ ،..‬اآلن اإلبه ــام هل يتص ــور في الفع ــل؟ اإلبه ــام‬
‫واإلجمال يتصور في الفعل؟ نعم؟ نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‪ :‬في أول األمر‪ ،‬ثم يأتي البيان‪ ،‬مثل ما ذكرنا في إحرامه‪.‬‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫هنا يقول‪ :‬قال إمام الحرمين في النهاية‪ :‬وهذا عنــدي هفــوة ظــاهرة –يعــني االقتــداء به في هــذا‪ -‬فــإن‬
‫إبهــام رســول اهلل ‪-‬صــلى اهلل عليه وســلم‪ -‬محمــول على انتظــار الــوحي قطعـاً‪ ،‬فال مســاغ لالقتــداء به‬
‫من هذه الجهة‪.‬‬
‫أيش المانع أنه لما أحرم ‪-‬عليه الصالة والسـالم‪ -‬بـإحرام مطلـق؛ ينتظر البيـان من اهلل ‪-‬عز وجـل‪-‬‬
‫أن ُيقتـ ــدى بـ ــه‪ ،‬فيحـ ــرم إحرام ـ ـاً مطلق ــاً –مبهم ـ ـاً‪ُ -‬ينتظر فيه البيـ ــان‪ ،‬ف ــإذا حصل البي ــان للن ــبي ‪-‬عليه‬
‫الصالة والسالم‪ -‬حصل لمن يقتدي به؟‬
‫المقصــود أن إدخــال هــذا القسم في الفعل يقتضي التمثيل له بما ذكرنــا‪ ،‬وإ ن كــان مفهــوم كالمه أنه ال‬
‫يقتض ــيه؛ ألنه ق ــال‪ :‬ق ــال إم ــام الح ــرمين في النهاي ــة‪" :‬وه ــذه عن ــدي هف ــوة عظيمة ظ ــاهرة؛ ف ــإن إبه ــام‬
‫رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬محمول على انتظار الوحي قطعاً‪ ،‬فال مساغ لالقتداء به من هــذه‬
‫الجهة"‪ ..‬كيف؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬نعم‪ ،‬يتصور؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‪ :‬أو حمله على صورة قبل وقوعه‪ ،‬نعم‪ ،‬وحينئذ ال فعل؛ إذا فعل لماذا ال‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫نقتدي به على اإلجمال؟ نجمل مثل ما أجمــل‪ ،‬نبهم مثل ما أبهم‪ ،‬نفعل مثل ما فعــل‪ ،‬مثل المثــال الــذي‬
‫ذكرن ــاه‪ ،‬كيف يقـــول‪ :‬وهـــذه عنـــدي هفـــوة ظـــاهرة؛ فـــإن إبه ــام رس ــول اهلل ‪-‬ص ــلى اهلل عليه وس ــلم‪-‬‬
‫محمول على انتظار الوحي قطعاً؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬ال‪ ،‬هذا كله داخل تحت األفعال‪ ،‬هذا في تقسيم األفعال‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪190‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬كيف؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش > ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض > ْير‪ :‬ما مث ــل‪ ،‬ال ما مث ــل‪ ،‬هو ما مث ــل‪ ،‬المقص ــود أننا نحت ــاج‪ ،..‬كيف أح ــرم‬
‫الصحابة في أول األمر؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‪ :‬مثل ما صنع ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬منتظراً الوحي؟‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫القسم الس ــادس‪ :‬ما يفعله مع غ ــيره عقوبة ل ــه‪ ،‬كالتص ــرف في أمالك غ ــيره؛ عقوبة ل ــه‪ ،‬ف ــاختلفوا هل‬
‫يقتـ ــدي به فيه أم ال؟ يعـ ــني عقوبة مـ ــانع الزكـ ــاة مثالً ‪-‬وهـ ــذه من بـ ــاب التعزير بالمـ ــال‪ -‬نعم؛ « من‬
‫منعها فإنا آخذوها وشطر ماله »‪ ،‬يعــني هل لغــير النــبي ‪-‬عليه الصــالة والســالم‪ -‬أن يفعل مثل هــذا‬
‫الفعل؟ أو نقول‪ :‬هذا خاص به عليه الصالة والسالم؟‬
‫ما يفعله مع غيره عقوبة له‪ ،‬كالتصرف في أمالك غــيره عقوبة له فــاختلفوا‪ ،‬هل يقتــدى به فيه أم ال‪،‬‬
‫فقيــل‪ :‬يجــوز‪ ،‬وقيــل‪ :‬ال يجــوز‪ ،‬وقيــل‪ :‬هو باإلجمــاع موقــوف على معرفة الســبب‪ ،‬وهــذا هو الحــق‪،‬‬
‫فإن وضح لنا السبب الذي فعله ألجله كــان لنا أن نفعل مثل فعله عند وجــود مثل ذلك الســبب‪ ،‬وإ ن لم‬
‫يظهر الســبب لم يجــز‪ ،‬وأما إذا فعله بين شخصــين متــداعيين فهو جــار مجــرى القضــاء‪ ،‬فيتعين علينا‬
‫القض ــاء بما قضى بـــه‪ ،‬نعم‪ ،‬نقتـــدي به فيما قضى به ‪-‬عليه الص ــالة والس ــالم‪ -‬وال نق ــول كما يق ــول‬
‫بعضهم‪ :‬هذه قضية عين‪.‬‬
‫األصل أنه ‪-‬عليه الص ــالة والس ــالم‪ -‬مش ـ ِّـرع‪ ،‬ف ــإذا قضى بين اث ــنين في قض ــية‪ ،‬حكمنا على غيرهما‬
‫في نظائرها بنفس الحكم؛ هذا مقتضى االقتداء به ‪-‬عليه الصالة والسالم‪.-‬‬
‫القسم السابع‪ :‬الفعل المجرد عما سبق‪ ،‬فــإن ورد بيانـاً كقوله ‪-‬عليه الصــالة والســالم‪ « :-‬صلوا كما‬
‫رأيتم>>وني أص>>لي » و« خ>>ذوا ع>>ني مناس>>ككم »‪ ،‬وكــالقطع من الكــوع – يعــني من المفصل ‪ -‬بيان ـاً‬
‫آلية السرقة‪ ،‬فال خالف أنه دليل في حقنا‪ ،‬لماذا؟‬
‫ألنه بيان للواجب المــأمور به في الكتــاب إجمــاالً‪ ،‬فحينئذ يكـون بيـان الــواجب أيش؟ واجب‪ ،‬كما قــرر‬
‫أهل العلم‪ ،‬واهلل أعلم وصـ ــلى اهلل وسـ ــلم وبـ ــارك على عبـ ــده ورسـ ــوله نبينا محمد وعلى آله وصـ ــحبه‬
‫أجمعين‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬ما عنده أيش؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪191‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬هو يرى‪ ،‬يدل‪ ،..‬كيف؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬أقل األحوال االستحباب‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬على من توقف؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض> ْير‪ :‬ال‪ ،‬من توقــف‪ ،‬يقــول‪ :‬ال نعمــل‪ ،‬ال نفعل حــتى نجد مرجح ـاً‪ ،‬من توقف‬
‫يقول‪ :‬ال نفعل؛ هذا مقتضى التوقف‪ ،‬وإ ال أيش معنى يتوقف في الحكم وعمله يخالف الحكم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‪ :‬كالم‪ ،..‬يعني الترجيح بين االستحباب؟‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ال ال‪ ،‬نتوقف؛ يقول‪ :‬الفعل ال داللة له حتى نجد ما يأمرنا بالفعل‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬النبي عليه الصالة والسالم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض>>>>>> ْير‪ :‬هـ ـ ـ ــذا ما قـ ـ ـ ــرره أهل العلم بعد النبـ ـ ـ ــوة على خالف في العصـ ـ ـ ــمة‬
‫>>>>>>ر ْيم ال ُخ َ‬ ‫ال َّ‬
‫ش > > > ْيخ َع ْبد ال َك ِ‬
‫ومقتضياتها‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ثم يتركه لماذا؟ ليدل‬
‫ض ْير‪ :‬قد يفعل خالف األولى؛ لبيان الجواز‪ ،‬يأمر بشيء َّ‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫على‪ ،..‬صرفاً لهذا األمر من الوجوب إلى االستحباب‪ ،‬وقد ينهى‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬كيف؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬يعني ما يقابل االستحباب مكروه؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬إيه‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪192‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫ض ْير‪ :‬لبيان الجواز‪ ،‬بس منه ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬ليس بمكروه منه؛ ألنه‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫مـ ــأمور بالبيـ ــان‪ ،‬فهو من هـ ــذه الحيثية مطلـ ــوب منـ ــه‪ ،‬فكيف يجتمع ويتـ ــوارد على شـ ــيء واحد كونه‬
‫مطلوباً ممنوعاً منه عليه الصالة والسالم؟!‬

‫اللهم ِّ‬
‫صل على عبدك ورسولك‪.‬‬

‫‪‬‬

‫الدرس الحادي عشر‬


‫ّ‬

‫بسم اهلل الـ ـ ـ ــرحمن الـ ـ ـ ــرحيم‪ ،‬الحمد هلل رب العـ ـ ـ ــالمين وصـ ـ ـ ــلى اهلل وسـ ـ ـ ــلم على نبينا محمد وعلى آله‬
‫وصحبه أجمعين‪ ،‬أما بعد‪ :‬فقد قال المصنف ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪:-‬‬

‫والمجمل‪ :‬ما يفتقر إلى البيان‪ ،‬والبيان‪ :‬إخراج الشيء من حيز اإلشكال إلى حيز التجلي‪،‬‬
‫معنى واحداً‪ ،‬وقيل‪ :‬ما تأويله تنزيله‪ ،‬وهو مشتق‬ ‫والمبين‪ :‬هو النص‪ ،‬والنص‪ :‬ما ال يحتمل إال‬
‫ّ‬
‫ً‬
‫من ِمنصة العروس وهو الكرسي‪ ،‬والظاهر‪ :‬ما احتمل أمرين أحدهما أظهر من اآلخر‪ ،‬ويؤول‬
‫الظاهر بالدليل ويسمى> ظاهراً بالدليل‪.‬‬
‫األفعال‪ :‬فعل صاحب الشريعة‪ :‬ال يخلو إما أن يكون على وجه القربة والطاعة‪ :‬يعني ال يخلو من‬
‫أمرين‪ ،‬إما أن يكون كذا وإ ما أن يكون كذا‪.‬‬
‫أو ال يكون‪ ،‬فإن دل الدليل على االختصاص به حمل على االختصاص‪ :‬فإن كان على وجه القربة‬
‫والطاعة‪ ،‬فإن كان على وجه القربة والطاعة‪ ،‬فإن دل الدليل على االختصاص به حمل على‬
‫ول اللَّ ِه‬
‫س ِ‬ ‫ِ‬
‫ان لَ ُك ْم في َر ُ‬
‫االختصاص‪ ،‬وإ ن لم يدل دليل ال يخص به؛ ألن اهلل تعالى قال‪ ﴿ :‬لَقَ ْد َك َ‬
‫س َن ٌة ﴾ [ سورة األحزاب‪ ،‬اآلية ‪ ] 21 :‬فيحمل على الوجوب عند بعض أصحابنا‪ ،‬ومنهم‬ ‫ُس َوةٌ َح َ‬
‫أْ‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪193‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫من قال‪ :‬يحمل على الندب‪ ،‬ومنهم من قال‪ :‬يتوقف فيه‪ ،‬فإن كان على غير وجه القربة والطاعة‬
‫فيحمل على اإلباحة في حقه وحقنا‪.‬‬
‫وإ قرار صاحب الشريعة على القول هو قول صاحب الشريعة‪ ،‬وإ قراره على الفعل كفعله‪ ،‬وما فعل‬
‫وعلم به ولم ينكره فحكمه حكم ما فعل في‬
‫وعلم به‪َ ،‬‬
‫في وقته في غير مجلسه وعلم به‪َ :‬علم َ‬
‫مجلسه‪.‬‬

‫« َّ‬
‫الش ْـر ُح » ‪:‬‬
‫الحمد هلل رب العــالمين‪ ،‬وصــلى اهلل وســلم وبــارك على عبــده ورســوله نبينا محمد وعلى آله وصــحبه‬
‫أجمعين‪ ،‬يقول المؤلف ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪:-‬‬
‫« وإ ق>>رار ص>>احب الش>>ريعة على الق>>ول هو ق>>ول ص>>احب الش>>ريعة » إق ــرار ص ــاحب الش ــريعة هو‬
‫النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬على القول الذي يقــال بين يديــه‪ « .‬هو قول صاحب الش>ريعة» وهــذا‬
‫التعبـ ــير فيه تسـ ــامح وتجـ ـ ُّـوز؛ فـ ــرق بين القـ ــول واإلقـ ــرار‪ ،‬وإ ن اشـ ــترك الجميع في كونهما سـ ــنة؛ إذ‬
‫اإلقرار أحد وجوه السنن‪.‬‬
‫السنن على ما تقدم‪ ،‬أشــرنا إليه في األفعــال‪ :‬ما يضــاف إلى النــبي ‪-‬عليه الصــالة والســالم‪ -‬من قــول‬
‫أو فعل أو تقرير‪ ،‬أو وصف خلقي أو خلقي‪.‬‬
‫فالفعل سنة‪ ،‬واإلقرار سنة‪ ،‬ولذا يقول هنا‪ « :‬وإ قرار صاحب الشريعة » وهو الن ــبي ‪-‬عليه الص ــالة‬
‫والس ــالم‪ .-‬على القـــول‪ :‬يعـــني الـــذي يقـــال بين يديه ‪-‬عليه الص ــالة والس ــالم‪ « -‬هو ق >>ول ص >>احب‬
‫الشريعة » وهذا فيه تسامح وتجوز في العبارة؛ ألن اإلقرار شيء والقول شيء آخـر‪ ،‬ولو قـال‪ :‬هو‬
‫وأدق‪.‬‬
‫ّ‬ ‫كقول صاحب الشريعة‪ ،‬لكان أولى‬
‫كما أن إقـ ــراره ‪-‬عليه الصـ ــالة والسـ ــالم‪ -‬على الفعل كفعله ‪-‬عليه الصـ ــالة والسـ ــالم‪ -‬هـ ــذا ما اطلع‬
‫عليه النـ ــبي ‪-‬عليه الصـ ــالة والسـ ــالم‪ -‬وفعل بحضـ ــرته‪ ،‬أو قيل بحضـ ــرته‪ ،‬فـ ــإقراره ‪-‬عليه الصـ ــالة‬
‫والس ـ ــالم‪ -‬على ما يق ـ ــال بحض ـ ــرته هو كقوله ‪-‬عليه الص ـ ــالة والس ـ ــالم‪ -‬لم ـ ــاذا؟ ألن الن ـ ــبي ‪-‬عليه‬
‫الصالة والسالم‪ -‬ال يسكت على باطل‪ ،‬وال يقر عليه‪ ،‬فيكتسب الشــرعية بــاإلقرار‪ ،‬كما أن الرؤيا ال‬
‫ينبني عليها حكم شرعي‪ ،‬لكن متى تكتسب الشرعية؟ باإلقرار‪ ،‬بإقرار صاحب الشريعة‪.‬‬
‫في حديث عبد اهلل بن زيد راوي األذان قال‪" :‬طــاف بي طــائف وأنا نـائم‪ ،‬فقـال لي‪ :‬تقــول‪ :‬اهلل أكـبر‪،‬‬
‫اهلل أكــبر‪..‬إلى آخــره‪ ،‬وعلمه األذان في المنــام؛ حينما أهمه شــأن األذان‪ ،‬وجــاءت االقتراحــات للنــبي‬
‫‪-‬عليه الص ـ ــالة والس ـ ــالم‪ -‬لما أراد أن ينصب لهم عالمة يعرف ـ ــون بها دخ ـ ــول ال ـ ــوقت‪ ،‬فمن قائ ـ ــل‪:‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪194‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫يضرب ناقوس‪ ،‬ومن قائل‪ :‬توقد نار‪ ،‬ومن قائل‪ ..:‬إلى آخره‪ ،‬فرأى عبد اهلل بن زيد الرؤيا‪" ،‬طــاف‬
‫بي طائف وأنا نائم‪ ،"...‬رجل‪...‬إلى آخره‪ ،‬وعلمه األذان‪.‬‬
‫قد يق ـ ــول قائ ـ ــل‪ :‬ه ـ ــذه رؤيا والرؤيا ال يب ـ ــنى عليها حكم ش ـ ــرعي‪ ،‬نق ـ ــول‪ :‬نعم رؤي ـ ــا‪ ،‬لكنها اكتس ـ ــبت‬
‫الشرعية من أيش؟‬
‫من إق ــراره ‪-‬عليه الص ــالة والس ــالم‪ -‬اكتس ــبت الش ــرعية من إق ــرار الن ــبي ‪-‬عليه الص ــالة والس ــالم‪-‬‬
‫وهنا القول الذي يقال بحضـرته ‪-‬عليه الصــالة والسـالم‪ -‬يكتسب الشــرعية من اإلقـرار ال من القــول‬
‫نفسه‪ ،‬لماذا؟ ألنه ال ِيقر على باطل‪.‬‬
‫إذا قيل قول بحضرة عالم ‪-‬مثالً‪ -‬هل يمكن أن ننسب هذا القول لهذا العالم؟ سكت‪ ،‬عــالم قــال بعض‬
‫طالب العلم في مجلسه كالماً‪ ،‬وسكت العالم ما اســتدرك عليهم‪ ،‬هل ننسب هــذا القــول لهــذا العــالم؟ ال‬
‫ينسب إليه لماذا؟‬
‫ألنه قد يس ــكت ألمر م ــا‪ ،‬قد يجبن عن ال ــرد؛ لك ــون ه ــذا الط ــالب ال ــذي ق ــال بين يديه ه ــذا الكالم ممن‬
‫شره‪ ،‬أو لكــون المجلس ما يســلم ممن ينقل الكالم نعم‪ ،‬فيســكت العــالم؛ إيثــاراً للســالمة‪ ،‬وإ ن لم‬
‫يخشى ُّ‬
‫يوافق على هذا القــول‪ ،‬على أن البيــان أمر ال بد منــه‪ ،‬وأن الســكوت في مثل هــذه المــواطن الــتي يقــال‬
‫فيها الباطل فهو جبن‪ ،‬جبن نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش > ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض > ْير‪ :‬وك ــذلك الص ــحابة يع ــتريهم ما يع ــتري غ ــيرهم‪ ،‬ليس ــوا معص ــومين‪ ،‬قد‬
‫يقرون‪ ،‬يسكتون؛ ألمر من األمـور؛ ألنهم ليسـوا بمعصـومين؛ الـذي ال يقر على خطأ وال على باطل‬
‫هو النبي ‪-‬عليه الصــالة والســالم‪ -‬ولــذا قــرر أهل العلم أن اإلقــرار أحد وجــوه الســنن‪ ،‬وأما من عــداه‬
‫‪-‬عليه الصــالة والســالم‪ -‬فقد يســكت؛ إيثــاراً للســالمة‪ ،‬أو لتحصــيل مصــلحة أعظم‪ ،‬أو غــير ذلك مما‬
‫يعتري ذلك من وجوه التأويل‪ ،‬ولذا تعـارف أهل العلم على قـول وتواطئـوا عليه أنه ال ينسب لسـاكت‬
‫قول‪ ،‬ال ينسب لساكت قول‪.‬‬
‫ومن بــاب االســتطراد‪ :‬البخــاري ‪-‬رحمه اهلل تعــالى‪ -‬قد يــذكر الــراوي في تاريخه الكبــير‪ ،‬وال يــذكر‬
‫فيه جرح ـاً وال تعــديالً‪ ،‬وهنا يقــول أهل العلم في ترجمة هــذا الــراوي‪ :‬ذكــره البخــاري‪ ،‬ولم يــذكر فيه‬
‫جرح ـاً وال تعــديالً‪ ،‬ومثله ابن أبي حــاتم في الجــرح والتعــديل‪ ،‬قد يــذكر الــراوي ويســكت عنــه‪ ،‬الحكم‬
‫في ه ــذا ال ــراوي ‪-‬يع ــني إذا س ــكت أهل العلم عن ال ــراوي‪ -‬هل نق ــول‪ :‬ثق ــة‪ ،‬أو نق ــول‪ :‬ض ــعيف؟ أو‬
‫نقول‪ :‬ال ينسب لساكت قول؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪195‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬نعم‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‪ :‬ال‪ ،‬الكالم‪ ،‬ماذا نقول عن البخاري؟ نقول‪ :‬ذكــره البخــاري وســكت عنه‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫وبس‪ ،‬وسكوته ال يعني نفياً وال إثباتاً‪ ،‬ال توثيقاً وال تضعيفاً‪ ،‬ومثله ابن أبي حاتم؟ نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش > > ْيخ َع ْبد ال َك> > ِ>ر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض > > ْير‪ :‬ال احنا اآلن في البخـ ـ ــاري‪ ،‬وابن أبي حـ ـ ــاتم في (التـ ـ ــاريخ الكبـ ـ ــير)‪،‬‬
‫و(الج ـ ــرح والتع ـ ــديل) اللي هما محل الكالم عند أهل العلم‪ ،‬هم ال ـ ــذين يتكلم ـ ــون فيهم أهل العلم‪ ،‬وهم‬
‫الذين يكثرون مثل هذا النوع‪ ،‬يذكرون الراوي ويسكتون عنه‪ ،‬بعض أهل العلم يرى أن هـذا توثيـق‪،‬‬
‫ذكره البخــاري وابن أبي حــاتم ولم يــذكرا فيه جرحـاً وال تعــديالً‪ ،‬فهو ثقة ‪-‬يصــرح بعضــهم في هــذا‪-‬‬
‫من ه ــذا أحمد ش ــاكر كث ــيراً ما يق ــول ه ــذا الكالم‪ ،‬وحينـ ـاً يق ــول‪" :‬س ــكت عنه البخ ــاري‪ ،‬وه ــذه أم ــارة‬
‫توثيقــه"‪ ،‬لكن الصــوابـ أنه ال ينسب لســاكت قــول‪ ،‬وأنه لم يــذكر فيه جرح ـاً وال تعــديالً؛ ألنه لم يطلع‬
‫فيه على قــادح وال مــادح‪ ،‬وقد أشــار ابن أبي حــاتم في مقدمة الجــرح والتعــديل أنه تــرك بعض الــرواة‬
‫دون حكم؛ عله أن يقف لهم أو فيهم على حكم‪ ،‬هذا دليل على أنه ال يعرف أحوالهم‪.‬‬
‫ما ارتباط هذه المسألة بما معنا‪ ،‬أو هذا استطراد؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬كيف؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‪ :‬استطراد له عالقة‪ ،‬نعم‪.‬‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫على كل ح ــال ال أحد يعتد ب ــإقراره غ ــير الن ــبي ‪-‬عليه الص ــالة والس ــالم‪ -‬المعص ــوم من أن يقر على‬
‫خطأ‪.‬‬
‫ُمثَّل لذلك بإقرار النـبي ‪-‬عليه الصـالة والسـالم‪ -‬أبا بكر ‪-‬رضي اهلل عنـه‪ -‬على قوله بإعطـاء سـلب‬
‫القتيل لقاتله ‪-‬والحديث في الصحيحين في غزوة حنين مطوالً فيه قصة‪ -‬وفي الحــديث قــال أبو بكر‬
‫الص ــديق ‪-‬رضي اهلل عن ــه‪" :-‬الها اهلل‪ ،‬إذن ال يعمد إلى أسد من أسد اهلل يقاتل عن اهلل وعن رس ــوله‬
‫فيعطيك س ــلبه"‪ ،‬فق ــال رس ــول اهلل ‪-‬ص ــلى اهلل عليه وس ــلم‪ « :-‬ص>>دق‪ ،‬فأعطه إي>>اه » الح ــديث‪ ،‬ه ــذا‬
‫إقرار على القول؛ أقسم أبو بكر أال يعطى‪ ،‬وأقره النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪.-‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪196‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫إقــراره على الفع ــل‪ :‬إذا فعل بحض ــرته ‪-‬عليه الصــالة والس ــالم‪ -‬فعل ولم ينكــره‪ ،‬فإنه حينئذ يكتسب‬
‫الشـ ــرعية من أيش؟ من إقـ ــراره ‪-‬عليه الصـ ــالة والسـ ــالم‪ -‬كما أقر النـ ــبي ‪-‬عليه الصـ ــالة والسـ ــالم‪-‬‬
‫خالد بن الوليد على أكل الضـ ــب‪ ،‬إقـ ــرار النـ ــبي ‪-‬عليه الصـ ــالة والسـ ــالم‪ -‬خالد على أكل الضب في‬
‫الص ــحيحين وغيرهما من حـــديث ابن عبـــاس ‪-‬رضي اهلل عنهم ــا‪ -‬ق ــال‪" :‬دخلت أنا وخالد بن الوليد‬
‫مع رس ــول اهلل ‪-‬ص ــلى اهلل عليه وس ــلم‪ -‬بيت ميمون ــة‪ ،‬ف ــأتي بضب محن ــوذ‪ ،‬ف ــأهوى إليه رس ــول اهلل‬
‫‪-‬ص ـ ــلى اهلل عليه وس ـ ــلم‪ -‬بي ـ ــده‪ ،‬فق ـ ــال بعض النس ـ ــوة الالتي في بيت ميمون ـ ــة‪" :‬أخ ـ ــبروا رس ـ ــول اهلل‬
‫‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬بما يريد أن يأكــل"‪ ،‬فــأخبروه فرفع رســول اهلل ‪-‬صــلى اهلل عليه وســلم‪ -‬يــده‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬أحرام هو يا رسول اهلل؟ قال‪ « :‬ال‪ ،‬ولكنه لم يكن بأرض قومي‪ ،‬فأجدني أعافه »‪ ،‬ق ــال خالد‬
‫بن الوليــد‪" :‬فاجتررته فأكلتــه‪ ،‬والنــبي ‪-‬عليه الصــالة والسـالم‪ -‬ينظـر"‪ :‬يعــني أقــره على أكلـه‪ ،‬إقـرار‬
‫على الفعل‪ ،‬النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬قُدم له الضب فلم يأكلــه؛ ألنه لم يكن بــأرض قومــه‪ ،‬وقُــدم‬
‫له ‪-‬كما في صحيح مسلم‪ -‬خوان عليه ضب فلم يأكل‪ ..‬نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬كيف؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش>> ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض>> ْير‪ :‬ال ال‪ ،‬الكالم في‪" :‬فاجتررته فأكلته والنـ ــبي ‪-‬صـ ــلى اهلل عليه وسـ ــلم‪-‬‬
‫ينظر"؛ أقره على أكله‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش> ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض> ْير‪ :‬على إباحة الضــب‪ ،‬نعم‪ ،‬قــال‪" :‬أحــرام هو يا رســول اهلل"؟ نعم؟ فقلت‪:‬‬
‫"أحرام هو يا رسول اهلل؟" قال‪(( :‬ال))‪ ،‬يعـني حكمه يتظـافر فيه القـول مع اإلقـرار‪ ،‬يعـني ما يلـزم أن‬
‫يكون القول فقط‪.‬‬
‫الرسول ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬لما قــدم له الخـوان وعليه الضب لم يأكـل‪ ،‬فهل المــانع له من األكل‬
‫كونه على خوان‪ ،‬أو كونه ضباً؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش>> ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض>> ْير‪ :‬وثبت في الصـ ــحيح أن النـ ــبي ‪-‬عليه الصـ ــالة والسـ ــالم‪ -‬ما أكل على‬
‫خــوان‪ ،‬وال على ســكرجة في البخــاري‪ ،‬نعم‪ ،‬معــروف الخــوان أيش هــو‪ ،‬الخــوان أيش هــو؟ طاولــة‪،‬‬
‫كالماسات اللي يأكلون عليها الناس اآلن‪ ،‬النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬ما أكل على خوان‪..‬‬
‫والسكرجة أيش؟ نعم؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪197‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش > ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض > ْير‪ :‬إن ــاء مرتفع عن األرض‪ ،‬يع ــني يش ــبه الص ــينية ال ــتي تك ــون على ش ــبه‬
‫أعمـ ــدة‪ ،‬نعم‪ ،‬فـــالنبي ‪-‬عليه الصـ ــالة والسـ ــالم‪ -‬ما أكل على هـ ــذا وال هـ ــذا‪ ،‬وإ نما أكل على األرض؛‬
‫تواض ـ ـ ــعاً منه ‪-‬عليه الص ـ ـ ــالة والس ـ ـ ــالم‪ -‬وه ـ ـ ــذا‪ ،..‬هل ه ـ ـ ــذا يقتضي المنع من األكل على الخ ـ ـ ــوان‬
‫والسكرجة؟ هل في هذا اقتداء أو ليس فيه اقتداء؟‬
‫شوف عكس ما سبق من اعتماد الفعل واالقتداء واالئتساء به ‪-‬عليه الصــالة والســالم‪ -‬كونه ما فعل‬
‫النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬يقول‪ « :‬أنا ال آكل متكئاً »‪ ،‬وهنا لم يأكل على خوان‪.‬‬
‫الص ــحابة ما فهم ــوا من ذلك االمتن ــاع‪ ،‬ول ــذا أكل ــوا على الخ ــوان‪ ،‬لما توس ــعوا في أم ــور دني ــاهم أكل ــوا‬
‫على الخ ــوان ‪-‬أكل ــوا الماســات‪ -‬ف ــدل على أن ــه‪ ،..‬ال شك أن من اقت ــدى به ‪-‬عليه الص ــالة والســالم‪-‬‬
‫وتواضع يؤجر من هذه الحيثية كونه تواضع‪ ،‬نعم‪ ،‬كونه تواضع يؤجر على ذلك‪.‬‬
‫مثــال ذلك أيضـاً‪ :‬إقــرار الحبشــة‪ :‬كــانوا يلعبــون في المســجد‪ ،‬فــأقرهم النــبي ‪-‬عليه الصــالة والســالم‪-‬‬
‫من أجل التأليف على اإلسالم‪ ،‬كما في حديث عائشة ‪-‬رضي اهلل تعالى عنها‪ -‬قالت‪" :‬رأيت رسول‬
‫اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يومـاً على بـاب حجـرتي والحبشة يلعبـون بحـرابهم في المسـجد‪ ،‬كـان في‬
‫يــوم أيش؟ عيــد‪ ،‬كــان في يــوم عيــد‪ ،‬فــأقرهم النــبي ‪-‬عليه الصــالة والســالم‪ -‬ليعلم النــاس‪ ،‬أو « ليعلم‬
‫يهود أن في ديننا فس>>حة »‪ ،‬وليس من هــذا اإلقــرار التوسع الــذي يعمله النــاس اليــوم في األعيــاد من‬
‫مزاولة المحرم ــات وت ــرك الواجب ــات؛ ليعلم الن ــاس أن في ديننا فس ــحة مما هو مب ــاح‪ ،‬ك ــونهم يعلب ــون‬
‫بالحراب ال بأس‪ ،‬لكن أن يزيد األمر على ذلك بارتكاب محظورات أو ترك مــأمورات فال؛ المعبــود‬
‫واحد‪ ،‬في العيد وفي غير العيد‪ ،‬يعني رب العشر من رمضان‪ ،‬هو رب العشر من شوال؛ واحد‪.‬‬
‫نعم األوق ـ ـ ــات تتف ـ ـ ــاوت وتتفاضل وليس مع ـ ـ ــنى ه ـ ـ ــذا أن ال ـ ـ ــوقت المفض ـ ـ ــول ت ـ ـ ــزاول فيه المنك ـ ـ ــرات‬
‫والمحرمــات‪ ،‬ال‪ ،‬بل مزاولة المحرمــات بعد األوقــات الفاضــلة واألعمــال الصــالحة قــرائن على عــدم‬
‫القبول‪ ،‬نسأل اهلل السالمة والعافية‪.‬‬
‫كثــير من النــاس يتجــاوز في أيــام العيــد‪ ،‬ويخرجــون إلى النزهــات فيتجــوزون في اســتعمال بعض ما‬
‫يمتنعــون منه في غــير األعيــاد‪ ،‬وليس وجــود العيد بمــبرر‪ ،‬كــون الــدين فيه فســحة ال يعــني أنه يعصى‬
‫اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬ال‪ ،‬واهلل المستعان‪ ،‬يزداد األمر سوءاً إذا كثرت هذه المنكرات وظهـرت ولم تنكـر‪،‬‬
‫نسأل اهلل السالمة والعافية‪.‬‬
‫هذا بالنسبة إلى ما فعل في مجلسه ‪-‬تحت رؤيته ونظره‪.-‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪198‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫إذا فعل في وقتـ ـ ــه‪ ،..‬هنا يقـ ـ ــول المؤلـ ـ ــف‪ :‬وما فعل في وقته في غـ ـ ــير مجلسه ِ‬
‫وعلم بـ ـ ــه‪ ،‬ولم ينكـ ـ ــره‬
‫فحكمه حكم ما فعل في مجلس ــه‪ :‬عن ــدنا مس ــألة ‪-‬مس ــألة إق ــرار‪ -‬إما أن يفعل في مجلسه تحت نظ ــره‬
‫‪-‬عليه الص ـ ــالة والس ـ ــالم‪ -‬أو ال‪ ،‬ال ـ ــذي ال يفعل في مجلس ـ ــه‪ ،‬نعم‪ ،‬إما أن يعلم به أو ال‪ ،‬وه ـ ــذا الفعل‬
‫أيضاً إما أن يكــون في عصــره أو ال‪ ،‬لكن الــذي ليس في عصــره مما لم ينص على عصــره ال نقــول‪:‬‬
‫نجـ ـ ــزم بأنه ليس في عصـ ـ ــره‪ ،‬ال‪ ،‬إذا جزمنا بأنه ليس‪ ،..‬ال يـ ـ ــدخل‪ ،..‬لكن إما أن ينص على أنه في‬
‫عصر النـبي ‪-‬عليه الصــالة والسـالم‪ -‬أو ال ينص على أنه في عصــره بس؛ يقــول الصــحابي‪ « :‬كنا‬
‫نفعل»‪ « ،‬كنا نقول» من غير تنصيص على العصر النبوي‪.‬‬
‫وعلم به ولم ينك ــره‪ ،‬فحكمه حكم ما فعل‬
‫ما فعل في وقته ‪-‬عليه الص ــالة والس ــالم‪ -‬في غ ــير مجلسه َ‬
‫في مجلس ــه‪ ،‬كعلمه ‪-‬عليه الص ــالة والس ــالم‪ -‬بحلف أبي بكر ‪-‬رضي اهلل عن ــه‪ -‬أنه ال يأكل الطع ــام‬
‫في وقت غيظه وغض ـ ـ ــبه على الض ـ ـ ــيوف وأهل بيت ـ ـ ــه‪ ،‬ثم أكل بعد ذلك لما رأى أن ذلك خ ـ ـ ــير ‪-‬كما‬
‫يؤخذ من رواية مسلم‪ -‬أقره النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬على حلفه في حال الغضب وأكله‪.‬‬
‫مثاله أيضـ ـ ـاً‪ :‬قصة مع ـ ــاذ ‪-‬رضي اهلل عن ـ ــه‪ -‬حيث ك ـ ــان يص ـ ــلي العش ـ ــاء مع الن ـ ــبي ‪-‬عليه الص ـ ــالة‬
‫والسالم‪ -‬ثم ينصرف إلى قومه ويصلي بهم‪ ،‬معاذ يصلي العشاء مع النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪-‬‬
‫ثم ينص ــرف إلى قومه فيص ــلي بهم‪ ،‬ص ــالته مع الن ــبي ‪-‬عليه الص ــالة والس ــالم‪ -‬فريض ــة‪ ،‬وص ــالته‬
‫بقومه نافلـ ــة‪ ،‬األصل عـ ــدم االختالف على اإلمـ ــام‪ ،‬هـ ــذا األصـ ــل؛ « إنما جعل اإلم >>ام لي >>ؤتم ب >>ه‪ ،‬فال‬
‫تختلف >>وا عليه »‪ ،‬وكونه يص ـ ــلي نافلة وهم يص ـ ــلون فريضة ه ـ ــذا اختالف‪ ،‬ه ـ ــذا اختالف‪ ،‬لكن ه ـ ــذا‬
‫االختالف من فعل مع ــاذ اكتسب الش ــرعية من أيش؟ من إق ــرار الن ــبي ‪-‬عليه الص ــالة والس ــالم‪ -‬بعد‬
‫اطالعــه‪ ،‬كيف اطلع النــبي عليه الصــالة والســالم؟ لما شــكي معــاذ‪ ،‬كــان يطيل بهم فشــكي إلى النــبي‬
‫عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫إذا لم يــذكر علم النــبي ‪-‬عليه الصــالة والســالم‪ -‬إذا لم يــذكر‪ « :‬فعلنا »‪ « ،‬أكلنا »‪ « ،‬كــانوا يفعلــون‬
‫»‪ « ،‬كــانوا يفضــلون »‪ ،‬إلى آخــره‪ ،‬مع عــدم التصــريحـ بعلم النــبي ‪-‬عليه الصــالة والســالم‪ -‬دون ما‬
‫ذكر بال شك والخالف فيه أق ــوى‪ ،‬دون ذلك إذا لم ي ــذكر علمه ‪-‬عليه الص ــالة والس ــالم‪ -‬ب ــذلك‪ ،‬لكن‬
‫الص ــحابة يس ــتدلون ب ــذلك لمس ــائل الخالف‪ ،‬كق ــول ج ــابر ‪-‬رضي اهلل عن ــه‪ « :-‬كنا نع ــزل والق ــرآن‬
‫يـنزل" [متفق عليــه]‪ ،‬يعــني هل هــذا في عصر النـبي ‪-‬عليه الصــالة والسـالم‪-‬؟ نعم‪ ،‬في عصر النـبي‬
‫–صــلى اهلل عليه وســلم‪ -‬بــدليل قولــه‪ « :‬والقــرآن يــنزل »‪ ،‬لكن هل فيه شــيء يشــير أو يــدل على أن‬
‫النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬يعلم بذلك؟ ليس فيه شيء من ذلك‪.‬‬
‫وقوله‪ « :‬كنا نأكل لحم الخيل على عهد النبي صلى اهلل عليه وسلم »‪ ،‬نعم؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪199‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش > ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض > ْير‪ :‬ه ــذا فيه تص ــريح‪ ،‬ه ــذا فيه تص ــريح فال يك ــون فيه ش ــاهد‪ ،‬لكن المتفق‬
‫عليه ما فيه‪ ،..‬الرواية التي في الصحيحين ما فيها‪.‬‬
‫قول ــه‪ « :‬كنا نأكل لحم الخيل على عهد النـ ــبي عليه الصـــالة والسـ ــالم »‪ ،‬في روايـ ــة‪ « :‬ذبحنا فرس ــاً‬
‫على عهد النبي عليه الصالة والسالم » [الحديث رواه النسائي وابن ماجة وغيرهما]‪.‬‬
‫إذا لم يصـ ــرح بـ ــأن النـ ــبي ‪-‬عليه الصـ ــالة والسـ ــالم‪ -‬اطلع على ذلـ ــك‪ ،‬فالحافظ العـ ــراقي ‪-‬رحمه اهلل‬
‫تعــالى‪ -‬في شــرح ألفيته يقــول‪ :‬الــذي قطع به الحــاكم وغــيره من أهل الحــديث وغــيرهم‪ ،‬أن ذلك من‬
‫قبيل المرفــوع‪ ،‬من قبيل المرفــوع‪ ،‬يعــني ولو لم يــذكر أن النــبي ‪-‬عليه الصــالة والســالم‪ -‬اطلع على‬
‫ذلك؛ ألن قول جابر يشير إلى أن الوحي ال يقر على الخطأ‪.‬‬
‫"عمل ُعمـ ٌل‪،‬‬
‫إذا كــان الرســول ‪-‬عليه الصــالة والســالم‪ -‬ال يعلم الغيب‪ ،‬نعم‪ ،‬الرســول ال يعلم الغيب؛ َ‬
‫أو فعل فعــل‪ ،‬بغــير حضــرته فهو ال يعلم الغيب‪ ،‬الرســول ال يعلم الغيب‪ ،‬لكن هل يتصــور أن الــوحي‬
‫يقر على الخطأ‪ ،‬والقرآن ينزل؟!‬
‫« كنا نعزل والقرآن ينزل »‪ ،‬ولو كان مما ينهى عنه لنهى عنه القرآن‪ ،‬بهذا استدل الصحابي‪.‬‬
‫يقول الحافظ العراقي في هذا النوع‪" :‬فالذي قطع به الحاكم وغيره من أهل الحديث وغيرهم أن ذلك‬
‫من قبيل المرفوع"‪ ،‬وصححه األصوليون الرازي واآلمدي وأتباعهما‪.‬‬
‫قــال ابن الصــالح‪ :‬وهو الــذي عليه اعتمــاد؛ ألن ظــاهر ذلك مشــعر بــأن رســول اهلل ‪-‬صــلى اهلل عليه‬
‫وس ــلم‪ -‬اطلع على ذلك وق ــررهم علي ــه‪ ،‬وتقري ــره أحد وج ــوه الس ــنن المرفوع ــة؛ فإنها أقواله وأفعاله‬
‫وتقريـــره وســـكوته ‪-‬ســـكوته عن اإلنكـــار بعد اطالعـــه‪ -‬قـــال‪ :‬ابن الص ــالح‪ :‬وبلغ ــني عن البرق ــاني‬
‫‪-‬ويضبط بتثليث الباء‪ -‬أيش معنى تثليث الباء؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‪ :‬الحركات الثالث‪.‬‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫وبلغ ـ ـ ــني عن البرق ـ ـ ــاني أنه س ـ ـ ــأل اإلس ـ ـ ــماعيلي عن ذلك ف ـ ـ ــأنكر كونه من المرف ـ ـ ــوع‪ ،‬أنكر كونه من‬
‫المرف ـ ــوع‪ :‬يع ـ ــني مثل ق ـ ــول الص ـ ــحابي أيش؟ « أمرنا »‪ ،‬خ ـ ــالف أبو بكر اإلس ـ ــماعيلي في كونه من‬
‫المرفــوع؛ ألن اآلمر يحتمل أن يكــون النــبي ‪-‬عليه الصــالة والســالم‪ -‬ويحتمل أن يكــون غــيره‪ ،‬لكن‬
‫الجمهور على أنه من قبيل ما رفع‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ق ــال الحافظ الع ــراقي‪ :‬أما إذا ك ــان في القصة اطالعه فحكمه على الرفع إجماعـ ـاً‪ ،‬إذا ك ــان في‬
‫القصة ما يــدل على إطالعه فحكمه الرفع إجماع ـاً‪ ،‬كقــول ابن عمر ‪-‬رضي اهلل عنهمــا‪" :-‬كنا نقــول‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪200‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫‪-‬ورسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬حي‪ « :-‬أفضل هذه األمة بعد نبيها أبو بكر وعمر وعثمــان‪،‬‬
‫ويســمع ذلك رســول اهلل ‪-‬صــلى اهلل عليه وســلم‪ -‬فال ينكــره » [رواه الطــبراني في الكبــير‪ ،‬والحــديث‬
‫في الصحيح‪ ،‬لكن ليس فيه اطالع النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬على ذلك بالتصريح]‪.‬‬
‫ثم قال الحافظ العراقي ‪-‬رحمه اهلل‪ :-‬وإ ن لم يكن مقيــداً بعصر النــبي ‪-‬صــلى اهلل عليه وســلم‪ -‬فليس‬
‫من قبيل المرفوع‪ :‬لم يكن مقيداً بعصر النــبي ‪-‬عليه الصــالة والســالم‪ -‬فليس من قبيل المرفــوع عند‬
‫ابن الصــالح‪ ،‬تبعـاً للخطيب‪ ،‬فجزما أنه من قبيل الموقــوف‪ ،‬لكن الــرازي ‪-‬وقبله الحــاكم‪ -‬جعاله من‬
‫قبيل المرفوع‪ ،‬ولو لم يقيده بعهد النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪.-‬‬
‫قد يقــول قائــل‪ :‬أيش عالقة الــرازي واآلمــدي وغيرهما من أهل األصــول بهــذه المبــاحث‪ ،‬كونه يحكم‬
‫بأنه مرفوع أو موقوف؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‪ :‬ال‪ ،‬هذه المسألة أخص من مسألة الحجية‪ ،‬أخص‪.‬‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫هل الرازي يرجع إليه في مثل هذا األمر كون الخبر مرفوعـاً أو موقوفـاً‪ ،‬هل يحكم برفعه إلى النـبي‬
‫‪-‬عليه الصــالة والســالم‪ -‬أو بوقفــه‪ ،‬مثله اآلمــدي وهو بعيد كل البعد من علــوم األثــر؟ الغــزالي أيضـاً‬
‫وبضاعته في هذا العلم مزجاة‪ ،‬كيف يتداول أهل العلم أقوال مثل هؤالء‪ ،‬في هذه المسائل؟‬
‫ولـذا يعتب كثـير من المنتسـبين إلى هـذا الفن ‪-‬أعـني األثـر‪ -‬إدخـال أقـوال مثل هـؤالء في كتب علـوم‬
‫الحديث؛ يقولون‪ :‬ال عالقة لهم؛ يصرحون بأن بضاعتهم مزجاة‪.‬‬
‫اآلمدي في ترجمته اتهم بأنه ال يصـلي‪ ،‬والــرازي معـروف وضـعه ‪-‬موقعه من السـنة وأهلهـا‪ -‬نعم‪،‬‬
‫فكيف تذكر أقوال مثل هؤالء؟ يعني هل مرد كونه مرفوعاً أو موقوفاً نص شرعي‪ ،‬أو نظر؟‬
‫نحــرر المســألة اآلن‪ :‬اآلن دعــاوى تلقى بين طالب العلم بقــوة‪ ،‬يقــول‪ :‬كيف نعتمد قــول الغــزالي وهو‬
‫يقــول‪" :‬بضــاعتي في الحــديث مزجــاة"‪ ،‬كيف نعتمد قــول الــرازي وكالمه في الســنة وأهلها معــروف‪،‬‬
‫كيف نعتمد اآلمدي وفي ترجمته ذكر أشياء ‪-‬ذكر عظائم‪ -‬وإ ن كان كثيراً منها ال يثبت‪.‬‬
‫أقول‪ :‬التفريق في هــذه األمــور كونه مرسـالً أو موصــوالً‪ ،‬كونه موقوفـاً أو مرفوعـاً‪ ،‬هل هــذا يــترتب‬
‫أو ينبــني أو يســتنبط من أثر وخــبر‪ ،‬الــذي نقــول‪ :‬هم بعيــدون كل البعد عنــه‪ ،‬أو هو محل نظر ودقــة؟‬
‫نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬كيف؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪201‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬محل نظــر؛ ألنه كيف يقــول مثالً‪ :‬هــذا من قبيل المرفــوع‪ ،‬وهــذا يقــول‪:‬‬
‫من قبيل الموقوف‪.‬‬
‫أدق‪ ،‬مس ــألة ك ــون ب ــاب الن ــبي ‪-‬عليه الص ــالة والس ــالم‪ -‬يق ــرع باألظ ــافير –هك ــذا‪-‬‬
‫ن ــأتي إلى مس ــألة ّ‬
‫اختلفوا في كونه مرفوعاً أو موقوفَاًـًَ‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬المس ــائل ال ــتي يتفق عليها أهل ه ــذا الش ــأن ‪-‬األئمة الكب ــار‪ -‬ال كالم ألحد مع كالمهم‪ ،‬نعم‪ ،‬إذا‬
‫حكمــوا بــأن هــذا مرفــوع‪ ،‬ليس ألحد كالم معهم‪ ،‬لكن إذا اختلفــوا‪ ،‬فتــذكر أقــوال مثل هــؤالء؛ يســتأنس‬
‫بهــا‪ ،‬نعم‪ ،‬وكم من قائل قــال كلمة فتح اهلل بها آفــاق ‪-‬فتحت مغــاليق‪ -‬ال ســيما إذا كــانت الكلمة تــدور‬
‫مع النظر‪ ،‬وليس مردها إلى األثر‪.‬‬
‫في فهم األثر مثالً‪ « :‬رب مبلغ أوعى من سامع »‪ ،‬فهمنا مدرك المسألة اآلن؟‬
‫يعــني كــون بابه ‪-‬عليه الص ــالة والســالم‪ -‬يقــرع باألظــافير‪ ،‬قــال بعض ــهم‪ :‬مرف ــوع‪ ،‬وق ــال بعضــهم‪:‬‬
‫موقوف‪ ،‬يعني هل هذا نحتاج إلى أن عائشة ‪-‬أو غيرها من أمهــات المؤمــنين‪ -‬تقــول‪ :‬هــذا مرفــوع‪،‬‬
‫أو هــذا موقــوف‪ ،‬أو تصــرح بــأن النــبي ‪-‬عليه الصــالة والســالم‪ -‬كــان يســمع‪ ،‬فنقــول‪ :‬مرفــوع‪ ،‬أو ال‬
‫يسمع‪ ،‬فنقول‪ :‬موقوف؟ نقل هكذا كان بابه يقرع باألظافير‪ ،‬أيش تسـوي‪ ،‬وأيش تقـول‪ :‬هــذا موقـوف‬
‫وإ ال مرفوع؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬كيف؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش > ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض > ْير‪ :‬ه ــذا يرجع إلى النظ ــر‪ ،‬ه ــذه مس ــألة نظرية ليست أثري ــة‪ ،‬يع ــني فهمها‬
‫نظري‪ ،‬كيف؟ كيف نقول‪ :‬نظري؟‬
‫نقول‪ :‬بيـوتهم صـغيرة‪ ،‬الـذي يقـول‪ :‬مرفـوع‪ ،‬يقـول‪ :‬بيـوتهم عبـارة عن غرفـة‪ ،‬فيبعد أال يسـمع النـبي‬
‫‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬هذا القرع‪ ،‬فيقرهم عليه‪ ،‬نعم‪.‬‬
‫من جهة أخــرى‪ :‬قد يقــول قائــل‪ :‬الظفر مــاذا يفعل بالبــاب الــذي عرضه شــبر‪ ،‬بــاب من الخشب يقــرع‬
‫باألظافير ويش يصنع الظفر به؛ ال يسمع الرسول –عليه الصالة والسالم‪ٍ -‬‬
‫ولكل وجهه‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض> ْير‪ :‬أنا أقــول‪ :‬قد يــتركون‪ ،‬يعــني كونه مما يقــرع حكم به الحــاكم والخطيب‬
‫وغيره‪ ،‬أما الكبار ما لهم كالم في هذا‪ ،‬ما في أحد نص على أنه مرفوع أو موقوف‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪202‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫األمر الثـ ــاني‪ :‬أنك قد تجد مثالً كالم ـ ـاً لعلي بن المـــديني‪ ،‬وكالم ـ ـاً لإلم ــام أحمد يختلـ ــف‪ ،‬فتحت ــاج إلى‬
‫مــرجح‪ ،‬فــأنت إن رجحت قــول علي بن المــديني ما أبعــدت عن أهل األثــر‪ ،‬وإ ن رجحت قــول اإلمــام‬
‫أحمد ما أبعدت‪ ،‬لكن‪ ،..‬نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش > ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض > ْير‪ :‬ب ــدل ما ن ــرجح من أنفس ــنا نحت ــاج إلى أحد يس ــندنا‪ ،‬هي المس ــألة مس ــألة‬
‫فهـ ــوم؛ الـ ــترجيح يعتمد على أيش؟ في مثل هـ ــذه القضـ ــايا ما يعتمد على نصـ ــوص‪ ،‬هو في نصـ ــوص‬
‫مرفوعة إلى أن هذا موقوف‪ ،‬أو هذا إما يحكم بوقفه أو يحكم برفعه؟‬
‫إذن المسألة مسألة نظر ‪-‬دقة نظر‪ -‬إحنا إذا فهمنا المـدرك ما لمنا وال ثربنـا‪ ،‬يعـني قـولهم اعتـبر أنه‬
‫مثل قولك أنت‪ ،‬يعــني مثل ما تــرجح أنت شــوف تــرجيحهم وشــوف حججهم‪ ،‬أنت اســمع من الخصــم‪،‬‬
‫احنا نعتــبرهم خصــوماً لنــا‪ ،‬اســمع منهم‪ ،‬باعتبــار أنهم من أهل األثــر‪ ،‬نعتــبر هــؤالء خصــوماً‪ ،‬اســمع‬
‫كالمهم‪ ،‬ال ســيما والســنة مبحث كبــير في كتب األصــول‪ ،‬هل نقــول ألهل األصــول‪ :‬اتركــوا الســنة ما‬
‫هي بش ــغلكم ال تبحثونها في كتب األص ــول؟ نعم؟ مثل ما نن ــاديهم بق ــوة‪ ،‬حينما نق ــول‪ :‬طه ــروا كتبكم‬
‫مما يتعلق بعلم الكالم‪ ،‬هذا شيء نتفق عليـه‪ ،‬لكن هل نقــول ألهل األصــول‪ :‬طهــروا كتبكم مما يتعلق‬
‫بمبــاحث الســنة‪ ،‬وله وجه يبحثــون الكتــاب والســنة واإلجمــاع والقيــاس؟! هــذا علم األصــول‪ ،‬ودخلــوا‬
‫بقـوة في هـذا العلم‪ ،‬وله عنـدهم دقة نظر وعنـدهم شـفوف‪ ،‬فنسـمع‪ ،‬نسـمع من كل أحـد‪ ،‬ولعل اهلل يفتح‬
‫على يد أحد منهم ذهناً مغلقاً‪ ،‬نعم؛ ألن مثل ما قلت مراراً‪ :‬إن الحكم بأن هذا مرفوع أو موقوف من‬
‫قبل ما رفع أو ما وقف‪ ،‬كله من باب الفهم‪ ،‬الفهم‪.‬‬
‫هو خبر نعم‪ ،‬كون الغزالي يقـول‪ :‬خـبر ثـابت أو غـير ثـابت‪ ،‬نقـول‪ :‬ال؛ بضـاعتك مزجـاة‪ ،‬نعم‪ ،‬نـأتي‬
‫إلى األئمة ال ــذين هم العم ــدة في ه ــذا الب ــاب‪ ،‬لكن إذا ثبت الخ ــبر‪ ،‬نس ــتنير ب ــآراء أهل العلم‪ ،‬نعم‪ ،‬ال بد‬
‫من التفريق في هذا الباب‪ ،‬المسألة ترى في غاية الدقة‪.‬‬
‫اآلن توضيح األفكار للصــنعاني‪ ،‬من أهل العلم من يجعله في الثريــا‪ ،‬ليش؟ ألنه جمع بين أقــوال أهل‬
‫الحديث وأهل األصول‪ ،‬وهذه مزية‪ ،‬ومنهم من قال‪ :‬ال يسوى شــيئاً؛ ألنه خلط علم األثر بعلم النظر‬
‫واألصول‪ ،‬هل هذا إنصاف؟‬
‫ليس بإنصـ ــاف؛ يا أخي اسـ ــمع‪ ،‬اسـ ــمع أنت أنت‪ ،‬وأنت تتحـ ــدث عن هـ ــذا الموضـ ــوع في مسـ ــألة نعم‪،‬‬
‫يقول‪ :‬احتمال أن يكون اآلمر ‪-‬مثالً خلي المسألة بين المحدثين‪ -‬قول الصحابي‪ « :‬أمرنا » أو‬
‫« نهينا » ‪ :‬جمـاهير أهل العلم على أنه من قبيل المرفـوع‪ ،‬لمـاذا؟ ألن الصـحابي ما يمكن أن يقـول‪:‬‬
‫« أمرنا » أو « نهينا » في مسائل شرعية واآلمر غير النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪.-‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪203‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫أبو بكر اإلسماعيلي وهو إمام في هذا الباب ‪-‬في هذا الشأن‪ -‬نعم‪ ،‬إمام بال منازع‪ ،‬يقول‪ :‬موقوف؛‬
‫الحتم ــال أن يكـــون اآلمر والنـــاهي غـــير النـــبي ‪-‬عليه الص ــالة والس ــالم‪ -‬فنحن نحت ــاج في فهم ه ــذا‬
‫الكالم إلى من ينـير للنـاس الطريـق؛ ألن المسـائل تحتـاج إلى دقة نظر في مثل هـذه األمـور‪ ،‬ومثل ما‬
‫ذكرنا في قــرائن األلفــاظ‪ ،‬اإلمــام أبو بكر اإلســماعيلي ‪-‬يقــول الحافظ الــذهبي في ترجمته من تــذكرة‬
‫الحفاظ‪ :-‬من عرف حال هذا الرجل جزم يقيناً بأن المتأخرين على يأس تام من لحاق المتقدمين‪.‬‬
‫ما عن ـ ـ ــدنا شك أن المت ـ ـ ــأخرين كلهم عالة على فت ـ ـ ــات ما يس ـ ـ ــقط من موائد المتق ـ ـ ــدمين؛ أيش عن ـ ـ ــدهم‬
‫المتــأخرين؟ المتقــدمون هم األصــل‪ ،‬لكن هنــاك مســائل تحتــاج إلى دقة نظــر‪ ،‬أما ثبــوت الخــبر وعدمه‬
‫ما للمت ــأخرين س ــند ثبوته وعدمه إال بواس ــطة المتق ــدمين‪ ،‬يبقى كيف نفهم ه ــذه المس ــألة وفيها لل ــرأي‬
‫مجـ ــال‪ ،‬نـ ــترك ألهل الـ ــرأي مجـ ــال يفهمـ ــون المعـ ــنى‪ ،‬ال سـ ــيما وأنهم موجـ ــودون يعـ ــني‪ ،‬موجـ ــودون‬
‫ويبحث ــون ه ــذه األم ــور بق ــوة ودق ــة‪ ،‬فال ض ــير وال ت ــثريب أن توجد مثل ه ــذه األق ــوال؛ لنس ــتفيد منه ــا‪،‬‬
‫ونقبل ما يقبل منها‪ ،‬ونرد ما يرد‪.‬‬
‫يق ــول‪ :‬لكن ال ــرازي‪ ،..‬ثم ق ــال الع ــراقي‪ :‬وإ ن لم يكن مقي ــداً بعصر الن ــبي ‪-‬عليه الص ــالة والس ــالم‪-‬‬
‫فليس من قبيل المرفــوع‪ ،‬وعند ابن الصــالح تبعـاً للخطيب‪ ،‬فجــزم بأنه من قبيل الموقــوف‪ ،‬فليس من‬
‫قبيل المرفــوع عند ابن الصــالح تبع ـاً للخطيب‪ ،‬فحيث جــزم بأنه من قبيل الموقــوف‪ ،..‬لكن الــرازي‪،‬‬
‫وقبله الحاكم جعاله من قبيل المرفوع‪ ،‬ولو لم يقيده بعهد النبي ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪.-‬‬
‫وقـ ــال ابن الصـ ــباغ في العـ ــدة‪ :‬إنه الظـ ــاهر‪ ،‬ومثَّله بقـ ــول عائشة ‪-‬رضي اهلل عنهـ ــا‪" :-‬كـ ــانت اليد ال‬
‫تقطع في الشــيء التافــه"‪ ،‬مــتى كــانت؟ يعــني في عهد النــبي ‪-‬عليه الصــالة والســالم‪ -‬أو في عهد أبي‬
‫بكر‪ ،‬أو في عهد عمر ‪-‬رضي اهلل عنـه‪ -‬أو في عهد عثمـان‪ ،‬أو في عهد علي‪ ،‬أو في عهد معاويـة؛‬
‫ألنها تأخرت وفاتها؟؟ "كانت ال تقطع اليد في الشيء التافه"؛ يعني هذا محل نظر‪.‬‬
‫أق ــول‪ :‬لل ــرأي فيه مج ــال‪ ،‬لكن ما يمكن عائشة تس ــتدل بمثل ه ــذا الكالم في حكم ش ــرعي إال وعن ــدها‬
‫أصل مما يحتج به‪ ،‬أصل مما يحتج به‪.‬‬
‫ومقتضى كالم البيضــاوي موافق لما قاله ابن الصــالح‪ ،‬ولكن اإلمــام ‪-‬هكــذا يطلقــون‪ :‬ولكن اإلمــام‪-‬‬
‫أيش اإلمام هذا؟‬
‫كتب األصول عند متأخري الشافعية إذا أطلقوا اإلمام أرادوا به‪...‬؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬ال ال‪ ،‬الرازي‪ ،‬نعم‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪204‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫ولكن اإلمام واآلمدي لم يقيدا ذلك بعهده ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬وقال به أيضاً كثير من الفقهــاء كما‬
‫قاله النووي في شرح المهذب‪ ،‬وهو قوي من حيث المعنى‪.‬‬
‫يقول الحافظ العراقي في ألفيته‪:‬‬

‫وقوله كنا نرى إن كان مع *** عصر النبي من قبيل ما رفع‬


‫وقيل ال أو ال فذاك له *** وللخطيب قلت لكن جعله‬
‫مرفوعاً الحاكم والرازي *** ابن الخطيب قلت وهو القوي‬

‫المقص ــود أن ه ــذا كالم ليس م ــرده إلى ثب ــوت الخ ــبر ونفيه لنعتمد في ذلك على أهل الفن‪ ،‬إنما م ــرده‬
‫هل هو مرفـ ـ ــوع أو موقـ ـ ــوف‪ ،‬يعـ ـ ــني عمل عمالً‪ ،..‬شـ ـ ــخص عمل عمالً أو نسب إلى جماعة كـ ـ ــانوا‬
‫يعملون أو كانوا يفعلون ولم يذكر عصر النــبي ‪-‬عليه الصــالة والســالم‪ -‬المســألة محتملــة‪ ،‬االحتمــال‬
‫قــائم‪ ،‬لكن نقــول‪ :‬إن الصــحابي إذا قــال‪ « :‬كنا نفعــل»‪ ،‬ويســتدل بــذلك في مقابلة خصــم؛ ليســتدل عليه‬
‫في هذه المسألة‪ ،‬ويقرر له ثبوت هذه المسألة‪ ،‬ال يمكن أن يقولها إال وعنده أصل‪.‬‬
‫يقول الشيخ زكريا األنصــاري في شــرحه على األلفية يقــول‪ :‬تحصل في المســألة ثالثة أقــوال‪ :‬الرفع‬
‫مطلقاً‪ ،‬والوقف مطلقاً‪ ،‬والتفصيل بين ما قيد بالعصر النبوي‪ ،‬وما لم يقيد به"‪.‬‬
‫هذه األقوال التي ذكرها الحافظ العراقي‪ :‬يقـول‪ :‬تحصل في هـذه المسـألة ثالثة أقـوال‪ :‬الرفع مطلقـاً‪:‬‬
‫ـواء قلنـا‪ :‬في عصر‬
‫ـواء نص على عصر النـبي أو لم ينص‪ ،‬الوقف مطلقـاً‪ :‬يعـني موقـوف س ً‬
‫يعـني س ً‬
‫النــبي أو في غــيره؛ ألن النــبي لم يطلع عليــه‪...‬إلى آخــره‪ .‬التفصــيل بين ما قيد بالعصر النبــوي‪ ،‬وما‬
‫لم يقيد به‪.‬‬
‫يق ــول‪ :‬وفيها أيضــاً رابع ‪-‬هن ــاك ق ــول راب ــع‪ -‬وه ــو‪:‬إن ك ــان الفعل مما ال يخفى غالب ـاً فمرف ــوع وإ ال‬
‫فموقوف‪ :‬إن كان الفعل مما ال يخفى غالباً بحيث ينشر ‪-‬يعرفه الناس‪ -‬مرفوعاً‪ ،‬إذا كان مما يخفى‬
‫‪-‬صــحابي يعمل مع امرأته عمالً من األعمــال‪ -‬يقــول‪" :‬كنا نفعــل‪ "..‬هــذا مرفــوع وإ ال موقــوف؟ هــذا‬
‫التفصيل له وجه‪ ،‬أو ما له وجه؟‬
‫إذا كـ ـ ـ ــان مما يخفى‪ ،..‬إذا كـ ـ ـ ــان مما ال يخفى؛ بحيث إذا عمل عمالً إما أن يطلع عليه النـ ـ ـ ــبي ‪-‬عليه‬
‫الص ـ ــالة والس ـ ــالم‪ -‬أو يطلع غ ـ ــيره فينقله للن ـ ــبي ‪-‬عليه الص ـ ــالة والس ـ ــالم‪ -‬لكن أمر خفي بين زوج‬
‫وزوجته لم يطلع عليه النـ ـ ــبي ‪-‬عليه الصـ ـ ــالة والسـ ـ ــالم‪ -‬ولم يطلع عليه أحد ينقله إلى النـ ـ ــبي ‪-‬عليه‬
‫الصـ ـ ــالة والسـ ـ ــالم‪ -‬لكن يبقى أنه في عصر التنزيـ ـ ــل‪ ،‬ومن أد ّل األدلة على ذلك قـ ـ ــول‪" :‬كنا نعـ ـ ــزل‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪205‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫والق ــرآن يـــنزل"‪ :‬هـــذا مما يخفى‪ ،‬واســـتدلوا على أنه مرفـــوع؛ بك ــون الق ــرآن ق ــررهم عليه ولم ينكر‬
‫عليهم‪.‬‬
‫وقــول خــامس‪ :‬وهو إن ذكر في معــرض االحتجــاج فمرفــوع وإ ال فموقــوف‪ ،‬يعــني هــذا القــول الــذي‬
‫كـ ـ ــانوا يفعلونـ ـ ــه‪ ،‬أو هـ ـ ــذا الفعل الـ ـ ــذي كـ ـ ــانوا يفعلونه مما لم يـ ـ ــذكر فيه عصر النـ ـ ــبي ‪-‬عليه الصـ ـ ــالة‬
‫والســالم‪ -‬إن ذكــره الصــحابي على أســاس أنه قاله على ســبيل االحتجــاج‪ ،‬يحتج به على خصم يقــرر‬
‫به مس ـ ــألة ش ـ ــرعية‪ ،‬إن قاله الص ـ ــحابي في ه ـ ــذا المع ـ ــرض قلن ـ ــا‪ :‬مرف ـ ــوع؛ ألنه ما يمكن أن يس ـ ــتدل‬
‫الصـ ــحابي ويحتج إال بشـ ــيء تثبت به الحجيـ ــة‪ ،‬وال قـ ــول ألحـ ــد‪ ،‬أو فعل ألحد تثبت به الحجية إال ما‬
‫نسب إلى النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪.-‬‬
‫وس ـ ــابع‪ :‬وهو إن ق ـ ــال‪ « :‬كنا ن ـ ــرى » ‪ :‬فموق ـ ــوف‪ ،‬أو « كنا نفع ـ ــل» أو نح ـ ــوه‪ :‬فمرف ـ ــوع‪ :‬إن ق ـ ــال‬
‫الصحابي‪ « :‬كنا نرى »‪ ،‬فموقوف‪ ،‬وإ ن قال‪ « :‬كنا نفعل » أو نحوه‪ ،‬فهو مرفوع‪ ،‬لماذا؟‬
‫يقول‪ :‬ألن « نرى » من الرأي‪ ،‬فيحتمل أن يكــون مســتنده اســتنباطاً ال توقيفـاً؛ "كنا نــرى"‪ :‬يعــني من‬
‫الرأي‪ ،‬أما إذا « كنا نفعل» ‪ :‬واضح الفرق بينهما وإ ال ما هو بواضح؟ واضح من حيث اللفظ‪.‬‬
‫ثم محل الخالف إذا لم يكن في القصة اطالعه ‪-‬عليه الصالة والســالم‪ -‬على ذلك وإ ال فحكمه الرفع‬
‫قطعاً‪.‬‬
‫وبالجملة ما قيد من ذلك بالعصر النبوي حكمه الرفع‪ ،‬إما قطعاً أو على األصح‪.‬‬
‫يقول الناظم ‪-‬ناظم الورقات‪:-‬‬

‫وإ ن أقر قول غيره جعل *** كقوله كذاك فعل قد فعل‬
‫وما جرى في عصره ثم اطلع *** عليه إن أقره فليتبع‬

‫وعلى هذا نكون وقفنا على النسخ نعم‪ ،‬نستأنف ‪-‬إن شاء اهلل‪ -‬إذا استأنفت الدروس بعد‪.‬‬
‫طالب‪ :‬أؤذن يا شيخ؟‬
‫ض ْير‪ :‬إيه أذن‪ ،‬إن كان هناك ســؤال وإ ال شــيء ال بــأس‪ ،‬اللهم صـ ِّـل وســلم على‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫عبدك ورسولك‪.‬‬
‫تبعـ ـ ـاً لما ذكرن ـ ــاه من ذكر أق ـ ــوال بعض المبتدعة في ه ـ ــذه العل ـ ــوم‪ ،‬نق ـ ــول‪ :‬حينما ي ـ ــذكرها أهل العلم‬
‫يذكرونها من جهة لالستئناس‪ ،‬ولتفنيد الخطأ منها‪ ،‬ما صح ومنها يستأنس به‪ ،‬وما له حظ من النظر‬
‫يس ــتأنس بـــه‪ ،‬وما ال حـــظَّ له من النظر من أجل أن يفند ويـــرد علي ــه‪ ،‬كما ي ــذكر أهل العلم أق ــواالً في‬
‫علوم الحديث‪ ،‬ذكروا أقوال بعض األطباء نعم ‪-‬في كتب علوم الحديث‪ -‬الفقهــاء يســتندون إلى كالم‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪206‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫األطب ــاء‪ ،‬في عل ــوم الح ــديث احتجنا إلى كت ــاب األغ ــاني ألبي الف ــرج األص ــبهاني‪ ،‬هل هو عم ــدة أبو‬
‫الفرج؟ نعم؟ ليش؟‬
‫ألن المس ــألة فهم‪ ،‬ليست مبنية على رواية نق ــول‪ :‬ض ــعيف‪ ،‬مس ــألة ترجع تع ــود إلى الفهم أيش مع ــنى‬
‫هذا الكالم؟ في ألفاظ الجرح والتعديل قول أبي حاتم في (جبارة بن المغلس) بين يدي عدل‪ ،‬هــذه في‬
‫ألفاظ الجرح والتعديل تذكر‪ ،‬لكن هل هي جرح وإ ال تعديل؟‬
‫الحافظ العراقي إلى أن مات وهي تعديل عنده‪ ،‬كيف؟‬
‫جبــارة‪ ،..‬ســألت أبي عن جبــارة بن المغلس فقــال‪ :‬بين يــدي عــدل‪ ،‬هل نقــول‪ :‬يرجع إلى األغــاني يا‬
‫إخوان؟‬
‫كتاب األغاني ألبي الفرج األصبهاني كتاب خسيس خبيث‪ ،‬لكن احتجنا له في هذه المسألة‪.‬‬
‫يدي عد ٌل‪.‬‬
‫الحافظ العراقي مضى على أنها تعديل‪ ،‬وكان يقرؤها بين َّ‬
‫في كتاب األغاني قصة لطاهر‪ ،‬وطاهر اسمه القائد‪ ،‬أيش اسمه؟ قائد من قواد الرشيد؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬أيش اسمه؟ ابن طاهر‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش > ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض > ْير‪ :‬فالرش ــيد له ولد اس ــمه إب ــراهيم‪ ،‬نعم‪ ،‬فك ــان ط ــاهر على المائ ــدة‪ ،‬فج ــاء‬
‫إبـ ــراهيم أخذ هنـ ــدباد ‪-‬إما كوسة وإ ال قرعة وإ ال شـ ــيئاً‪ -‬فضـ ــرب بها طـ ــاهر‪ ،‬نعم‪ ،‬فأصـ ــابت إحـ ــدى‬
‫عينيــه‪ ،‬وطــاهر أعــور‪ ،‬وأصــابت الســليمة‪ ،‬نعم‪ ،‬فشــكاه إلى أبيه فقــال‪ :‬ضــرب الســليمة واألخــرى بين‬
‫يدي عدل‪ ،‬وأيش يستفاد منها؟ األخرى وأيش هي؟‬
‫تالفة‪ ،‬فنسـتفيد من هـذا أن معـنى قولـه‪ :‬بين يـدي عــدل‪ :‬تـالف شـديد الضــعف‪ ،‬اآلن احنا اعتمــدنا على‬
‫أبي الفرج‪ ،‬وإ ال اعتمدنا ‪-‬أخذنا من القصة‪ -‬فهمنا من مجموع القصة؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش> ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض> ْير‪ :‬ذهبنا نبحث عما وراء هــذه القصــة‪ ،‬أيش معــنى العــدل؟ هل نــذهب في‬
‫العدل أنه مصدر عدل يعدل عدالة فهو عدل إلى آخره؟!‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪207‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫ال ما نبحث عن هذا‪ ،‬وقد قيلت لعين عــوراء‪ ،‬نبحث عن معانيها األخــرى‪ ،‬فنجــدهم يقولــون ‪-‬كما في‬
‫أدب الك ــاتب البن قتيب ــة‪ -‬يق ــول‪ :‬الع ــدل‪ ،‬ش ــخص اس ــمه الع ــدل‪ ،‬وك ــان ه ــذا الرجل على ش ــرطة تَُّبع‪،‬‬
‫وأين تَُّبع؟‬
‫احتجناه في علوم الحديث تبع‪ ،‬واحتجنا األغاني واحتجنا أدب الكاتب ليش؟ نعم؟‬
‫لكي نفهم هــذا اإلطالق وهــذا االصــطالح الــذي أطلقه أهل العلم‪ ،‬ال اعتمــاداً أص ـالً على هــذه الكتب؛‬
‫ألننا ال نعتمدها في إثبات ونفي‪ ،‬قد نعتمدها أو نستفيد منها في فهم‪.‬‬
‫اآلن العــدل كــان على شــرطة تبــع‪ ،‬وكــان إذا أراد تبع أن يقتل أحــداً ســلمه إلى هــذا الرجل الــذي اســمه‬
‫العدل ‪-‬عدل الشرطة‪ ،‬رئيس الشرطة‪ -‬وأيش يقولــون النــاس؟ بين يــدي عــدل‪ ،‬بين يــدي عــدل وأيش‬
‫محكوم عليه بالهالك‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫با يسوي به هذا عدل؟ يبى بيقتله‪ ،‬إذن بين يدي عدل يعني‬
‫اآلن يا إخوان استفدنا من األغاني‪ ،‬ومن أدب الكاتب‪ ،‬ومن كذا وإ ال ما استفدنا؟‬
‫اس ــتفدنا‪ ،‬فالحافظ الع ــراقي حينما فهم عن ق ــولهم‪" :‬بين ي ــدي ع ــدل" أنها تع ــديل‪ ،‬وك ــان ينطقها هك ــذا‪:‬‬
‫ـدي عــدل"‪ ،‬ما له إال هــو؛ الظــاهر‪ ،‬من يــبي تجي على باله أن هــذه تجــريح‪ ،‬بل تجــريح شــديد‪،‬‬
‫"بين يـ َّ‬
‫وهذا لفظها‪ ،‬لوال هذه القصص التي وجدت في هذه الكتب التالفة‪ ،‬كم من قصة حصلت لشــخص من‬
‫عامة الناس فتحت آفاقاً‪ ،‬فيستفاد منها‪ ،‬والحكمة ضالة المؤمن‪.‬‬
‫فعرفنا أن معنى قوله‪" :‬بين يدي عدل" أنه تالف هالك شديد الضعف‪ ،‬طيب‪ ،‬هل يكفي هذا الفهم ألن‬
‫نحكم على هذا الرجل بأنه تالف؟ يكفي وإ ال ما يكفي؟‬
‫نحت ــاج إلى ما يؤي ــده ‪-‬يؤيد ه ــذا الكالم‪ -‬ه ــذه قرينة قوي ــة‪ ،‬ننظر في أق ــوال أهل العلم في ه ــذا الرجل‬
‫نج ــدها كلها تض ــعيف‪ ،‬كلهم ض ــعفوه ما وثقه وال واح ــد‪ ،‬إذن نق ــول‪ :‬المص ــيبة الحافظ الع ــراقي وإ ال‬
‫غيره؟‬
‫غيره قطعاً‪ ،‬قد يقول قائل‪ :‬انتم اعتمدتم على األغـاني‪ ،‬واألغـاني كتـاب شـخص فيــه‪ ،..‬كتـاب مملــوء‬
‫ب ــالمجون وال عم ــدة‪ ،..‬نق ــول‪ :‬احنا ما اعتم ــدنا على األغ ــاني‪ ،‬إذا ق ــال ص ــاحب األغ ــاني ح ــدثنا قلن ــا‪:‬‬
‫اضرب به عرض الحائط‪ ،‬لكن استفدنا في فهم هذا الجملة‪ ،‬ومثل ذلك نقول‪ :‬نســتفيد من الكتب الــتي‬
‫فيها شيء من الخلط‪ ،‬لكن يبقى أن االستفادة واإلفادة مقصورة على من يميز بين الحق والباطل‪.‬‬
‫الســخاوي له كتــاب اســمه (األصل األصــيل في اإلجمــاع على تحــريم النقل من التــوراة واإلنجيــل) قد‬
‫يق ــول قائ ــل‪ :‬ش ــيخ اإلس ــالم نقل من اإلنجيل حينما رد على النص ــارى‪ ،‬هل نق ــول‪ :‬إن ش ــيخ اإلس ــالم‬
‫خالف؟‬
‫احتاج‪ ،...‬كتب المبتدعة اآلن اللي مملوءة األسواق بها‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪208‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫نقــول للطــالب المتأهل الــذي في نيته تفنيد هــذه المخالفــات أن يقــرأ في هــذه الكتب‪ ،‬لكن الطــالب غــير‬
‫المتأهل ليس له ذلك‪ ،‬هذا فيما يسيء إلى الدين‪ ،‬هات ما يسيء إلى الخلق مثالً‪.‬‬
‫الط ــالب المتأهل نق ــول‪ :‬كت ــاب المحلى البن ح ــزم من أنفع الكتب ل ــه؛ ألنه كت ــاب اعتمد على األث ــر‪،‬‬
‫وفيه براعة الكتاب‪ ،‬لكن طالب مبتدئ نقول له‪ :‬اقرأ في المحلى‪ ،‬وأيش يتعود‪ ،‬وأيش يتعلم؟‬
‫يتعلم س ــالطة اللس ــان‪ ،‬يتعلم س ــالطة اللس ــان‪ ،‬ول ــذلك الط ــالب غ ــير المتأهل ال يق ــرأ في ه ــذه الكتب ال‬
‫األغاني‪ ،‬ال‪ ،..‬هذه الكتب التي مرت بنا‪ ،‬ال يقرأها‪ ،‬يعني حينما يقول‪ :‬وبهذا قال مالك‪ ،‬فأين الــدين‪،‬‬
‫بهــذا قــال أبو حنيفــة‪ :‬وهــذا ال يســاوي رجيع الكلب‪ ،‬يصــلح طــالب علم يــربى على هــذه الجمــل؟ أبــداً‪،‬‬
‫لكن طالب متمكن يدرك الصوابـ من الباطل الحق من الخطأ‪ ،‬نعم‪ ،‬ال مــانع أن يقــرأ في هــذه الكتب‪،‬‬
‫نعم في شيء؟‬
‫كم باقي على اإلقامة؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض > ْير‪ :‬ال ال‪ ،‬ال ال‪( ،‬أدب الك ــاتب) كت ــاب نفيس ن ــافع‪ ،‬فيه ش ــيء من األوه ــام‬ ‫َّ‬
‫الش > ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ‬
‫اليس ــيرة‪ ،‬لكن ن ــافع‪ ،‬ن ــافع ج ــداً‪ ،‬ال‪ ،‬ال ما ي ــبين النس ــبة‪ ،‬ما ي ــبين النس ــبة‪ ،‬اآلن ص ــار له ربع من‪.....‬‬
‫‪1:14:28‬أو أكثر؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬يرجع إلى متنه وإ ال إلى سنده؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش> > ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض> > ْير‪ :‬أقـ ــول‪ :‬هـ ــذه مسـ ــائل اختلف فيها األئمـ ــة‪ ،‬نعم‪ ،‬وإ ذا وجد الخالف بين‬
‫األئمة ف ــالترجيح ش ــيء م ــدرك‪ ،‬ش ــيء م ــدرك ال ــترجيح يدرك ــه‪..‬؛ هي مس ــألة ت ــرجيح‪ ،‬ما هي مس ــألة‬
‫اعتمــاد على كالمهم‪ ،‬فأيض ـاً كــون الفقهــاء يفهمــون من هــذا الخــبر فهم ـاً‪ ،..‬دعنا من قضــايا اإلســناد؛‬
‫قضــايا اإلســناد ألهل الحــديث‪ ،‬يبقى متن الحــديث ال شك أن لهم اعتبــاراً؛ رجــال عقالء يفهمــون؛ أهل‬
‫نظــر‪ ،‬أهل دقــة‪ ،‬ولــذا يقــول ابن حبــان ‪-‬وإ ن كــان الكالم ليس على إطالقــه‪ :-‬حــديث يتداوله الفقهــاء‬
‫أفضل من حديث يتداوله الشيوخ"؛ ألن الفقهاء لهم دقة نظر في المتون‪ ،‬ولذا شـاع على ألسـنة النـاس‬
‫في العصــور الوســطى أن الفقهــاء هم األطبــاء‪ ،‬الفقهــاء هم األطبــاء‪ ،‬وأهل الحــديث صــيادلة‪ ،‬لكن هــذا‬
‫الكالم ليس بصحيح؛ أهل الحديث هم الفقهاء‪ ،‬وهم المعول عليهم في اإلثبات واالستنباط‪،‬‬
‫واهلل أعلم وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪209‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫‪‬‬

‫الدرس الثّاني عشر‬


‫ّ‬

‫السَّالم عليكم ورحمة اللَّ ِـه وبركاته‪.‬‬


‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله‪ ،‬نبينا محمد وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‪ ،‬أوالً‪ :‬هنا تنبيه‪ :‬وهو أنه في اإلعالن أعلن في مثل هذا اليوم أن يكون للورقات‪،‬‬
‫األجرومية‪ ،‬الرحبية‪ ،‬وهذا يوحي أو يفهم منه أن الثالثة الكتب تشرح في آن واحد ‪-‬في وقت‬
‫واحد‪ -‬وفاتنا أن نذكر في اإلعالن حرف العطف (ثم)؛ األصل أن تكمل الورقات‪ ،‬ثم نبدأ‬
‫باألجرومية‪ ،‬ثم بعد ذلك الرحبية‪ ،‬أما قراءة ثالثة كتب في آن واحد في مغرب‪ ،..‬على هذا نستمر‬
‫ما ننتهي‪ ،‬لكن بدالً من أن نجدد اإلعالن كلما انتهى كتاب‪ ،‬وندفع الكتب الثالثة دفعة واحدة‪،‬‬
‫ونذكرها في اإلعالن بدالً من أن نجدد اإلعالن؛ ألنه متوقع أنه في نهاية هذا الفصل تكون الورقات‬
‫انتهت ‪-‬إن شاء اهلل تعالى‪ -‬الورقات تكون انتهت؛ ألننا أخذنا النصف فأكثر‪ ،‬ثم بعد ذلكم نشرح‬
‫‪-‬بإذن اهلل تعالى‪ -‬األجرومية ثم الرحبية‪ ،‬إذا انتهت المتون الثالثة ‪-‬إن شاء اهلل تعالى‪ -‬إن كان في‬
‫العمر بقية ننتقل منها إلى متون أخرى بطريقة نتالفى فيها كثرة اإلعالنات‪ ،‬يعني لو انتهينا في‬
‫نهاية الفصل هذا من الورقات اضطررنا إلى أن نكتب إعالناً جديداً للكتاب الجديد‪ ،‬بدالً من ذلك‬
‫نزلنا الكتب الثالثة دفعة واحدة‪.‬‬
‫ولئال يكون أيضاً لالضطراب مجال‪ ،‬هذه الكتب اتفق عليها سابقاً أنها تبدأ مرتبة هكذا؛ لئال يقترح‬
‫أحد لماذا ال نبدأ بكذا؟ لماذا ال يقدم كذا؟ نقطع الخط على مثل هذه التساؤالت‪ ،‬فدفع اإليهام الذي‬
‫يحتوي عليه اإلعالن قدمنا بهذه المقدمة والكل فهم ‪-‬إن شاء اهلل تعالى‪ -‬ألنه يكثر السؤال يمكن‬
‫بعض اإلخوان جاء بثالثة كتب‪ ،‬جاء بالكتب الثالثة‪ ،‬الورقات واألجرومية والرحبية‪ ،‬وليس هذا‬
‫هو المراد‪ ،‬لكن غاية ما هنالك أن حرف العطف (ثم) ترك‪ ،‬وإ ن كان مراداً‪ ،...‬نتابع ما وقفنا عليه‬
‫في الورقات أظن وقفنا على النسخ‪ ،‬سم‪.‬‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد وعلى آله‬
‫وصحبه أجمعين‪ ،‬أما بعد‪ :‬فقد قال المؤلف ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪:-‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪210‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫وأما النسخ‪ :‬فمعناه اإلزالة‪ ،‬يقال‪ :‬نسخت الشمس الظل إذا أزالته‪ ،‬وقيل‪ :‬معناه النقل من قولهم‪:‬‬
‫نسخت ما في هذا الكتاب‪ :‬إذا نقلتَه‪ :‬نسخت ما في هذا الكتاب إذا نقلتَه‪ ،‬إذا نقلته بأشكال كتابته‪>.‬‬
‫وحده‪ :‬الخطاب الدال على رفع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم على وجه لواله لكان ثابتاً مع‬
‫تراخيه عنه‪ ،‬ويجوز نسخ الرسم وبقاء الحكم‪ ،‬ونسخ> الحكم وبقاء الرسم‪ ،‬ونسخ األمرين معاً‪.‬‬
‫وينقسم النسخ إلى بدل وإ لى غير بدل‪ ،‬وإ لى ما هو أغلظ وإ لى ما هو أخف‪ ،‬ويجوز نسخ الكتاب‬
‫بالكتاب‪ ،‬ونسخ السنة بالكتاب‪ ،‬ويجوز نسخ المتواتر بالمتواتر‪ ،‬ونسخ> اآلحاد باآلحاد‬
‫وبالمتواتر‪ >،‬وال يجوز نسخ المتواتر باآلحاد‪.‬‬

‫« َّ‬
‫الش ْـر ُح » ‪:‬‬
‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‪ ،‬النسخ‪ :‬يطلق في اللغة ويراد به اإلزالة والرفع‪ ،‬كما يقال‪ :‬نسخت الشمس الظل إذا أزالته‬
‫ورفعته بانبساط ضوئها‪ ،‬ونسخت الريح األثر إذا أزالته عن األرض‪ ،‬يقول ‪-‬جل وعال‪﴿ :-‬‬
‫ان ﴾ [ سورة الحج‪ ،‬اآلية ‪ : ] 52 :‬يعني‪ :‬يزيله ويذهبه‪.‬‬ ‫ط ُ‬ ‫نس ُخ اللَّ ُه َما ُي ْل ِقي َّ‬
‫الش ْي َ‬ ‫فَ َي َ‬
‫يطلق أيضاً النسخ ويراد به النقل‪ ،‬كذا قالوا‪ ،‬والمثال ال يسعف‪ ،‬المثال الذي مثل به المؤلف ال‬
‫يسعف على إرادة النقل؛ يقول هنا‪ :‬وقيل‪ :‬معناه النقل من قولهم‪ :‬نسخت ما في هذا الكتاب إذا‬
‫نقلته‪ ،‬نعم‪ ،‬هو يقول‪ :‬نسخت‪ ،‬وهذا الكتاب نسخة من كتاب كذا‪ ،‬ومنسوخ من كذا‪ ،‬هذا مستعمل‬
‫لكن هل معناه النقل؟‬
‫نعم يريدون به النسخ‪ ،‬يفسرون مثل هذا النسخ بالنقل‪ ،‬لكن ما مقتضى النقل حقيقة‪ ،‬ما مقتضى‬
‫حقيقة النقل‪ ،‬نقل الجرم من حيز إلى حيز‪ ،‬يعني إذا افترضنا أن هذه القارورة موجودة هنا ونقلناها‬
‫إلى جهة اليمين‪ ،‬هذا النقل حقيقته‪ ،‬يعني النقل انتقال الجرم من حيز إلى حيز‪ ،‬لكن هل النسخ‬
‫بمعنى النقل‪ ،‬يراد به هذا؟‬
‫بعضهم يريد أن يخلص من هذا اإلشكال‪ ،‬يقول‪ :‬يطلق على ما يشبه النقل‪.‬‬
‫المقصود أن النقل المراد به االنتقال‪ ،‬االنتقال أو نقل الحيز من‪ ،..‬أو نقل الجرم من حيز إلى آخر‪،‬‬
‫فهل إذا نسخنا الكتاب معناه أننا نقلنا الحروف من هذا الكتاب إلى كتاب آخر؟‬
‫يعني الكتاب األول الذي نسخنا منه ونقلنا منه الكالم‪ ،‬مقتضى النقل الحقيقي أن يكون الكتاب األول‬
‫دفتر ما فيه كتابة‪ ،‬نقلنا الكتابة منه‪ ،‬أليس هذا مقتضاه؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪211‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫تجوز أيضاً‪ ،‬وإ ال فالنسخ‬


‫تجوز‪ ،‬وإ طالق النقل على نسخ الكتاب ُّ‬
‫ال شك أن إطالق النسخ على النقل ُّ‬
‫هنا يراد به إيجاد المثل‪ ،‬النسخ في هذا المثال الذي أورده إيجاد المثل‪ ،‬يعني إذا قيل‪ :‬ما عندك من‬
‫العلم نسخة مما في مؤلفات فالن‪ ،‬يعني لو افترضنا شخصاً اعتنى بكتب شيخ اإلسالم‪ ،‬واستظهر‬
‫جميع ما فيها‪ ،‬قلنا‪ :‬فالن نسخة لما في كتب شيخ اإلسالم‪ ،‬فهل معنى هذا أن جميع ما في كتب شيخ‬
‫تجوز‪.‬‬
‫اإلسالم انتقل إلى ذهنه فصار حاضراً فيه؟ ال؛ وال شك أن مثل هذا التعبير فيه ُّ‬
‫يقول‪ « :‬وقيل معناه النسخ من قولهم‪ :‬نسخت ما في هذا الكتاب إذا نقلتَه‪ :‬من قولهم » يناسب‬
‫قوله‪ :‬من قولهم‬
‫إذا أتى بـ(إذا) أو نقول‪ :‬من قولك‪ :‬نسخت ما في هذا الكتاب إذا نقلتَه؟‬
‫أوالً نقلتُه أو نقلتَه؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬ليش؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬إيه بـ(إذا)‪ ،‬إذا نقلتَه‪ ،‬لكن لو جئنا بـ(أي) نسخت ما في هذا الكتاب أي‪:‬‬
‫نقلتُه‪ ،‬ومعروف الفرق بين (إذا) و(أي)‪.‬‬
‫يقول‪ « :‬يطلق ويراد به النقل »‪-‬كما قال المصنف‪ « -‬من قولهم‪ :‬نسخت ما في الكتاب إذا نقلته‬
‫» وإ ن خالف النقل من جهة أن النقل يراد به انتقال المنقول عن الحيز‪ ،‬بخالف نسخ الكتاب فإنه ال‬
‫يقتضي نقل المنسوخ عن حيزه‪ ،‬بل يبقى األصل؛ ألن ما في الكتاب ال ينقل حقيقة‪ ،‬وإ نما يوجد مثله‬
‫ون ﴾ [ سورة الجاثية‪ ،‬اآلية ‪.] 29 :‬‬ ‫ونظيره‪ ،‬يقول تعالى‪ ﴿ :‬إِ َّنا ُك َّنا َنستَ ِ‬
‫نس ُخ َما ُكنتُ ْم تَ ْع َملُ َ‬ ‫ْ‬
‫في مختصر التحرير يقول‪ :‬النسخ حقيقة في اإلزالة مجاز في النقل‪ ،‬وفي قرة العين‪ ،..‬عندكم‬
‫شرح الورقات نقل عن بعضهم قوالً ثالثاً‪ :‬أنه حقيقة في النقل مجاز في اإلزالة‪ ،‬عكس ما في‬
‫مختصر التحرير‪.‬‬
‫عند من يقسم الكالم إلى حقيقة ومجاز قد يقول مثل هذا الكالم‪ ،‬ال سيما وأن النقل ليس بنسخ‬
‫حقيقي‪ ،‬أو النسخ ليس بنقل حقيقي‪ ،‬لكن الذي ينفي وجود المجاز يقول‪ :‬هذا إطالق عرفي‪ ،‬حقيقة‬
‫عرفية عند أهل العلم‪ ،‬حقيقة عرفية يطلقون نسخ ما في الكتاب وإ يجاد صورة منه على ما يشبه‬
‫النقل‪ ،‬فأيهما أولى ما في مختصر التحرير أنه حقيقة في اإلزالة مجاز في النقل‪ ،‬أو العكس كما نقله‬
‫الحطاب في قرة العين عن بعضهم؟ نقل في قرة العين قوالً ثالثاً أنه حقيقة في النقل مجاز في‬
‫اإلزالة‪ ،‬قال‪ :‬وهو بعيد؟ هاه‪ ،‬يعني أيش الفرق بين القولين؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪212‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫أن االستعمال األصلي لهذه الكلمة ‪-‬يعني أن هذه الكلمة‪ -‬وضعت أصالً أليش؟ للنقل ‪-‬على كالم‬
‫صاحب التحرير‪ -‬لإلزالة على كالم صاحب التحرير‪ -‬ثم استعملت على غير األصل في النقل‪،‬‬
‫والعكس فيما نقله صاحب قرة العين‪.‬‬
‫على كل حال هذا كالم تفصيله يحتاج إلى وقت‪.‬‬
‫النقل في‪ ،..‬أو النسخ في االصطالح‪ :‬النقل‪ ،‬في االصطالح َّ‬
‫حده المؤلف ‪-‬يعني عرفه؛ الحد‬
‫التعريف‪ -‬قال‪ « :‬وحده‪ :‬الخطاب الدال على رفع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم على وجه لواله‬
‫لكان ثابتاً مع تراخيه عنه » هنا في رفع حكم‪ ،‬رفع حكم ثابت بخطاب‪ ،‬وال بد أن يكون هذا الرفع‬
‫بخطاب أيضاً‪ ،‬رفع حكم ثابت بخطاب آخر متراخ عنه‪.‬‬
‫وهنا يقول‪ « :‬حده الخطاب الدال على رفع الحكم الثابت بالخطاب » بالخطاب‪ :‬جار ومجرور‬
‫متعلق بأيش؟ بـ(رفع) وإ ال (ثابت)؟ متعلق بالمصدر (رفع) وإ ال متعلق باسم الفاعل (ثابت)؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬ال‪ ،‬تأملوا‪ ،‬إذا قلنا‪ :‬متعلق بـ(رفع) جعلنا الرفع بالخطاب المتقدم‪ ،‬هل‬
‫الرفع يكون بالخطاب المتقدم أو الرفع بالخطاب المتأخر؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬نعم‪ ،‬إذن الرفع بالخطاب المتأخر للحكم الثابت بالخطاب المتقدم‪،‬‬
‫ظاهر وإ ال ما هو بظاهر‪ ،‬يعني إذا قلنا‪ :‬بالخطاب المتقدم متعلق بالمصدر الذي هو (رفع) يترتب‬
‫عليه أيش؟ أن الرفع بالخطاب المتقدم‪ ،‬وهذا ليس بصحيح؛ الرفع يكون بالخطاب المتأخر؛ ألن‬
‫المتأخر هو الذي يرفع‪ ،‬والرفع لما ثبت بخطاب متقدم –المنسوخ‪ -‬المؤلف حينما قال‪ « :‬حدُّه »‬
‫يعني تعريفه‪ ،‬ويريد بذلك اصطالحاً؛ ألنه انتهى من اللغة‪ « ،‬الخطاب الدال » هذا تعريف للنسخ‬
‫أو للناسخ؟ للناسخ؛ فالنسخ هو الرفع والناسخ هو الخطاب المتأخر والمنسوخ هو ماثبت بالخطاب‬
‫المتقدم‪.‬‬
‫على كل حال تعريف النسخ يؤخذ من تعريف الناسخ؛ فالنسخ فيه رفع ‪-‬فيه إزالة‪ -‬وهل النسخ‬
‫رفع كلي للحكم أو جزئي؟ النسخ رفع كلي وإ ال جزئي؟‬
‫كلي؛ إذا كان الرفع جزئياً إما أن يكون تخصيصاً أو تقييداً‪ ،‬إما أن يكون تخصيصاً أو تقييداً‪،‬‬
‫والنسخ يراد به الرفع الكلي للحكم‪.‬‬
‫وقوله‪ « :‬بالخطاب » أي يرفع ما ثبت حكمه بخطاب ‪-‬بنص من الكتاب أو من السنة‪ -‬ال ما ثبت‬
‫بالبراءة األصلية ‪-‬أي عدم التكليف بشيء‪ ،‬قبل ورود الخطاب ‪-‬قبل أن يرد الخطاب في األعيان‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪213‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫المنتفع بها‪ -‬لها حكم‪ ،‬يعني هل معنى هذا أن الصحابة لما بعث فيهم النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪-‬‬
‫تعطلوا عن كل شيء ‪-‬عن عمل أي شيء‪ -‬حتى نزلت الخطابات أو استمرت حياتهم على ما‬
‫كانوا عليه؟ نعم‪ ،‬ثم نزلت النصوص تقر ما ُيقر وترفع ما لم يقر‪ ،‬نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬استمروا على ما كانوا عليه من مزاولة األعيان المنتفع بها‪ ،‬لكن من‬
‫هذه األعيان ما نزل الخطاب مؤيداً لالستمرار‪ ،‬ومنها ما لم ينزل فيه شيء البتة‪ ،‬فبقي على‬
‫البراءة‪ ،‬ومنها ما نزل الخطاب بخالف ما دلت عليه البراءة األصلية ‪-‬بالنقل أو باالنتقال عن‬
‫البراءة األصلية‪ -‬فالخطاب األول الذي رفع ما دلت عليه البراءة األصلية يقال‪ :‬ناسخ؟ ال؛ فال بد‬
‫أن يكون الحكم المرفوع المنسوخ ثابت بخطاب متقدم‪ ،‬ال يكون ثبوته بالبراءة األصلية‪ ،‬هذا مفاد‬
‫قوله‪ « :‬رفع الحكم الثابت بالخطاب »‪.‬‬
‫أيضاً الرفع ال بد أن يكون بخطاب ٍ‬
‫ثان؛ فالنسخ من خواص النصوص؛ معروف أن اإلجماع ال‬
‫ينسخ وال ُينسخ‪ ،‬والقياس كذلك؛ ألن النسخ من خواص النصوص‪ ،‬فالمنسوخ ال بد أن يكون ثابتاً‬
‫بنص‪ ،‬والناسخ ال بد أن يكون ثابتاً أيضاً بنص‪ ،‬أما ما ثبت بالبراءة ال يقال له‪ :‬نسخ لو نزل الحكم‬
‫الشرعي بإلغائه‪ ،‬كما أن غير النصوص ال يمكن أن ينسخ به‪ ،‬فاإلجماع ال ينسخ وال ُينسخ‪ ،‬لكن قد‬
‫يستدل أهل العلم باإلجماع على ترك العمل بخطاب ثابت‪ ،‬قد يستدل أهل العلم باإلجماع على ترك‬
‫حكم ثابت بدليل شرعي على وجود ناسخ ولو لم نطلع عليه؛ هناك أحاديث صحيحة أجمع أهل‬
‫العلم على عدم العمل بها‪ ،‬هل يكون اإلجماع ناسخاً لهذا الدليل؟ النسخ من خواص النصوص‪،‬‬
‫كيف يجمع أهل العلم على ترك عمل بخبر ثابت؟‬
‫قالوا‪ :‬البد أن يوجد ناسخ‪ ،‬ولو لم نطلع عليه؛ إذ األمة ال تجمع على ضاللة‪ ،‬فعلى سبيل المثال‪:‬‬
‫الجمع بالمدينة من غير سبب‪ ،‬يقول النووي‪" :‬دل اإلجماع على نسخه"‪ .‬قتل المدمن‪ :‬يقول‬
‫الترمذي‪" :‬أجمع أهل العلم على ترك العمل به"‪ ،‬يعني هل تركه أهل العلم معاندة‪ ،‬قالوا‪ :‬ما يصلح‬
‫وال يناسب العصر وال ‪..‬؟‬
‫مستند‪ ،‬فاإلجماع يدل على وجود ناسخ وال ينسخ به‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ال؛ ال بد أن يكون لهذا اإلجماع‬
‫على كل حال الخالف في المسألتين معروف‪ ،‬وإ ن قال الترمذي‪ :‬إنه ليس في كتابه مما أجمع على‬
‫تركه سوى هذين الحديثين يعني حديث ابن عباس في الجمع بالمدينة‪ ،‬وحديث معاوية في قتل‬
‫الشارب‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪214‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫« بخطاب » الرفع ال بد أن يكون بخطاب‪ ،‬فيخرج ما رفع حكمه تبعاً لرفع التكليف‪ ،‬يقصد بذلك ما‬
‫شخص ُج َّن‪ ،‬هل نقول‪ :‬نسخت الصالة؛ ألن‬
‫ٌ‬ ‫رفع فيه الحكم تبعاً لرفع التكليف‪ ،‬إما بموت أو جنون‪،‬‬
‫الحكم ارتفع؟ جن شخص أو مات‪ ،‬نقول رفع التكليف بالصالة؛ ألن الحكم ارتفع عنه؟‬
‫نعم الحكم ارتفع عنه‪ ،‬لكن بغير نص‪ ،‬وارتفع عنه ‪-‬ارتفاع مناط التكليف‪ -‬ارتفع مناط التكليف‬
‫فارتفع التكليف‪.‬‬
‫كذلك يخرج به األحكام الموقتة بوقت‪ :‬المنع من البيع بعد النداء يوم الجمعة‪ ،‬هل نقول‪ :‬إنه بعد‬
‫الصالة ينسخ الحكم؟ أو نقول من األصل‪ :‬هذا حكم مؤقت في هذا الوقت يرتفع بارتفاعه‪ ،‬فليس هذا‬
‫من النسخ؟‬
‫ص ْي ُد ا ْل َبِّر َما ُد ْمتُ ْم ُح ُر ًما ﴾ [ سورة المائدة‪ ،‬اآلية ‪ : ] 96 :‬ال يقال فيه‪ :‬إنه‬
‫أيضاً تحريم الصيد‪َ ﴿ :‬‬
‫ادواْ ﴾ [ سورة المائدة‪ ،‬اآلية ‪ ] 2 :‬؛ ألن هذا حكم‬
‫طُ‬ ‫اص َ‬
‫منسوخ بقوله ‪-‬جل وعال‪َ ﴿ :-‬وإِ َذا َحلَ ْلتُ ْم فَ ْ‬
‫موقوت‪.‬‬
‫من ذلكم الجزية‪ :‬في الصحيح ‪ -‬صحيح مسلم‪ -‬من حديث أبي هريرة ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬قال‪ :‬قال‬
‫رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ « :-‬والذي نفسي بيده‪ ،‬ليوشكن أن ينزل> فيكم ابن مريم ‪-‬صلى‬
‫اهلل عليه وسلم‪ -‬حكماً مقسطاً‪ ،‬فيكسر الصليب ويقتل الخنزير‪ >،‬ويضع الجزية‪ ،‬ويفيض المال‬
‫حتى ال يقبله أحد » ‪ :‬المقصود أنه يضع الجزية‪ ،‬الجزية حكم شرعي ثابت بنص شرعي‪ ،‬هل‬
‫نقول‪ :‬إن عيسى –عليه السالم‪ -‬ينسخ هذا الحكم؟ أو نقول‪ :‬إن الحكم الشرعي ‪-‬وهو أخذ الجزية‬
‫من أهل الكتاب‪ -‬موقوت إلى نزول عيسى عليه السالم؟‬
‫اآلن ظاهر المثال وإ ال ما هو بظاهر؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬دليل أيش؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬أيوه‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬إيه؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪215‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬طيب‪ ،‬دليل على التوقيت ال على الرفع‪ ،‬دليل على أن هذا الحكم‬
‫موقوت إلى نزول عيسى؛ ألن الشريعة استقرت بوفاته ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬بعد وفاته ال ناسخ‬
‫وال منسوخ‪ ،‬استقرت‪ ،‬لكن أخبرنا أن هذا الحكم مؤقت‪ ،‬يعني مثل ما يقال‪ :‬البيع بعد النداء الثاني‬
‫من صالة الجمعة‪ ،‬تحريمه مؤقت إلى الصالة‪ ،‬أيضاً‪ ،..‬نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬صيام؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬أيش فيه؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬يعني في وقت من األوقات يجوز صيام يوم العيد؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‪ :‬الكالم وأيش فيه؟ الكالم في شيء حرم في وقت دون وقت‪ ،‬هذا‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫المحرم ‪-‬هذا لو افترضنا أنه لو جاء ما يدل على أن صيام العيد حرام إلى سنة كذا‪ ،‬نقول‪ :‬هنا‬
‫موقوت‪ ،‬انتهى توقيته‪ -‬على كل حال فروع هذه المسألة كثيرة‪.‬‬
‫اإلمام النووي ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬أيش يقول في حديث وضع الجزية؟‬
‫يقول‪ :‬معناه أن عيسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬ال يقبل إال اإلسالم‪ ،‬فعلى هذا قد يقال‪ :‬هذا خالف حكم‬
‫الشرع اليوم‪ ،‬فإن الكتابي إذا بذل الجزية وجب قبولها ولم يجز قتله وال إكراهه على اإلسالم‪،‬‬
‫وجوابه أن هذا الحكم ليس بمستمر إلى يوم القيامة؛ وهو مقيد بما قبل عيسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬وقد‬
‫اخبرنا النبي ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬في هذه األحاديث الصحيحة بنسخه‪ ،‬وليس عيسى ‪-‬عليه‬
‫السالم‪ -‬هو الناسخ بل نبينا ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬هو المبين للنسخ‪.‬‬
‫الحقيقة أنه مبين للوقت الذي ينتهي به هذا الحكم‪ ،‬وإ ال حقيقة النسخ‪ :‬هو رفع الحكم‪ ،‬بل نبينا محمد‬
‫‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬هو المبين للنسخ؛ فإن عيسى يحكم بشرعنا‪ ،‬يحكم بشريعة محمد ‪-‬عليه‬
‫الصالة والسالم‪ -‬فدل على أن االمتناع من قبول الجزية في ذلك الوقت هو شرع نبينا محمد‬
‫‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬كذا قال‪.‬‬
‫وعرفنا أن مثله هذا مغياً بغاية وهي نزول عيسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬ومثله المنع من البيع في يوم‬
‫الجمعة إلى انتهاء الصالة بعد األذان‪ ،‬ومثله أيضاً تحريم صيد البر مادام اإلنسان محرماً حتى‬
‫يحل‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪216‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫طالب‪ .....:‬دفع الجزية هل‪....‬؟‬


‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬هو بمجرد نزوله ال يقبل الجزية؛ خالص تلتغي الجزية بنزول عيسى‬
‫‪-‬عليه السالم‪.-‬‬
‫قوله‪ « :‬مع تراخيه عنه » أي مع مضي مدة ُيتمكن فيها من الفعل أو العزم عليه‪ ،‬مع مضي مدة‬
‫يتمكن فيها من الفعل أو العزم عليه‪ ،‬وهذا يخرج ما إذا كان الرافع غير متراخ بل كان متصالً‬
‫بالنص فال يكون حينئذ نسخاً‪ ،‬بل يكون بياناً للشرط والصفة واالستثناء‪.‬‬
‫يقول الناظم ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪:-‬‬

‫النسخ نقل أو إزالة كما *** حكوه عن أهل اللسان فيهما‬


‫وحده رفع الخطاب الالحق *** ثبوت حكم بالخطاب السابق‬
‫رفعاً على وجه أتى لواله *** لكان ذاك ثابتاً كما هو‬
‫إذا تراخى عنه في الزمان *** ما بعده من الخطاب الثاني‬

‫النسخ ثابت في النصوص ‪-‬ثابت شرعاً‪ -‬كما أنه جائز عقالً‪ ،‬النسخ في النصوص جائز عقالً؛ ألن‬
‫هلل ‪-‬عز وجل‪ -‬أن يغير ما شاء متى شاء‪ ،‬وال يسأل عما يفعل‪ ،‬يعني لإلنسان أن يتصرف بمواله‪،‬‬
‫للسيد أن يتصرف بمواله كيفما شاء‪ ،‬فيأمره بشيء وينهاه عنه‪ ،‬ولألب أن يأمر ابنه بشيء في يوم‬
‫وينهاه عنه في يوم آخر إذا رأى المصلحة فيما انتقل إليه‪.‬‬
‫أنكر اليهود ‪-‬قاتلهم اهلل‪ -‬النسخ وتبعهم طوائف تنتسب إلى اإلسالم؛ محتجين بأن النسخ يستلزم‬
‫البداء‪ ،‬وهو محال على اهلل عز وجل‪.‬‬
‫البداء‪ :‬هو الظهور‪ ،‬مقتضى قولهم‪ :‬إن اهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬حينما يغير الحكم الثابت معناه أن‬
‫اهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬بدا له‪ ،‬يعني ظهر له أمر كان قد خفي عليه ثم لما بدا له غيره‪ ،‬هذا مقتضى‬
‫قولهم‪ ،‬قالوا‪ :‬النسخ يستلزم البداء‪ ،‬مقتضاه أن اهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬أمر بأمر‪ ،‬ثم ظهر له ‪-‬بدا‬
‫له‪ -‬أن هذا األمر غير مناسب فغيره‪ ،‬وقولهم باطل من وجوه‪:‬‬
‫األول‪ :‬ما اتفقت عليه جميع األمم من وقوع النسخ في الشرائع‪ ،‬كل شريعة تنسخ بعض ما شرع‬
‫في التي قبلها‪ ،‬ومن أظهر ذلك‪ :‬اتفاق جميع األمم على نسخ نكاح األخوات في زمان آدم ‪-‬عليه‬
‫السالم‪ -‬ثم تحريمه في جميع الملل‪ ،‬هل يستطيع أن يقول أحد‪ :‬إن هذا الحكم ثابت إلى اآلن؟ نعم؟‬
‫ال يجرؤ‪ ،‬ال يستطيع أحد أن يقول هذا الكالم‪ ،‬كما أنه ال يستطيع أحد أن يقول‪ :‬إنه محرم في‬
‫شريعة آدم‪ ،‬هل يستطيع أحد أن يقول‪ :‬إن هذا محرم في شريعة آدم؟ نعم؟ ال يمكن‪ ،‬ليش‪ ،‬لماذا؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪217‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫النسل‪ ،‬يعني لو كان محرماً انقطع النسل‪ ،‬كما أنه ال يستطيع أحد أن يقول‪ :‬إنه ثابت إلى اآلن‪ ،‬هذا‬
‫دليل ملزم تواطأت عليه جميع الشرائع‪ ،‬جميع الملل‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن اليهود وافقوا على أن شريعتهم نسخت ما قبلها؛ اليهود يزعمون أن شريعة موسى‬
‫‪-‬عليه السالم‪ -‬نسخت ما قبلها من الشرائع‪ ،‬فإذا جاز ذلك جاز أن ينسخها ما بعدها‪.‬‬
‫الثالث ‪-‬الفرق بين النسخ والبداء‪ :-‬أن البداء هو أن يظهر له ما كان خفياً عليه‪ ،‬في البداء أن‬
‫نس َخه لخفاء‬
‫يظهر له ما كان خفياً عليه‪ ،‬والنسخ ليس كذلك‪ ،‬النسخ ليس كذلك‪ ،‬ال يلزم أن يكون َ‬
‫نس ُخه ألحد أمرين‪:‬‬
‫حكمته عليه؛ وإ نما ْ‬
‫إما امتحان المكلفين بمعرفة مقدار امتثالهم لهذه األوامر والنواهي‪ ،‬يعني الشخص الذي ينزل عليه‬
‫الحكم بالوجوب فيمتثل ويفعل‪ ،‬ال شك أن مثل هذا ممتثل‪ ،‬لكن إذا ألف هذا الحكم ووطن نفسه عليه‬
‫ثم نسخ هذا الحكم إلى شيء َّ‬
‫أشد مثالً‪ ،‬ثم امتثل ثانية هذا يدل على أيش؟‬
‫على أن هذا المكلف يسارع ويبادر إلى االمتثال‪ ،‬نعم المسارعة والمبادرة تختلف من شخص إلى‬
‫آخر؛ شخص من أول ما يسمع يقول‪ :‬سمعنا وأطعنا‪ ،‬وآخر يتبرم ثم يفعل‪ ،‬وثالث يتبرم وال يفعل‪،‬‬
‫يعني فرق بين من أمر بذبح ابنه فتله للجبين‪ ،‬أيش معنى تله؟ ما تأخر وال لحظة‪ ،‬فرد أُمر بذبح‬
‫ون‬
‫ادواْ َي ْف َعلُ َ‬
‫وها َو َما َك ُ‬ ‫ابنه بِكره الفرد الوحيد‪ ،‬فتله للجبين‪ ،‬وأ َّ‬
‫ُمة بكاملها أمرت بذبح بقرة ﴿ فَ َذ َب ُح َ‬
‫﴾ [ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪ ، ] 71 :‬يعني فرق بين امتثال وامتثال‪ ،‬يعني اإلنسان ينذر هواه تبعاً لما‬
‫جاء به النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ ،-‬كل ما جاء عن النبي امتثله‪ ،‬فإذا نقل من حال إلى حال‬
‫وامتثل بسرعة ال شك أن هذا جاز االمتحان؛ فمن حكم النسخ امتحان المكلفين والنظر في مبادرتهم‬
‫وسرعة امتثالهم‪ ،‬وجاء مدح نساء األنصار حينما امتثلن الحجاب بادرن بامتثال الحجاب‪.‬‬
‫أيضاً هناك رعاية األصلح للمكلفين‪ ،‬قد يكون هذا الحكم في وقت مناسب‪ ،‬لكنه ال يناسب في وقت‬
‫ثان‪ ،‬فيراعى األصلح؛ وهذا من فضل اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬على عباده‪ ،‬ليس واجباً عليه ‪-‬كما تقوله‬
‫المعتزلة‪ -،‬أنه يجب عليه رعاية األصلح‪ ،‬ال‪ ،‬بل من فضل اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬ورأفته بعباده أنه‬
‫يراعي مصالحهم‪ ،‬فيوجب عليهم شيئاً في وقت؛ ألنه يناسبهم‪ ،‬في وقت آخر ال يناسبهم هذا الحكم‬
‫فينسخه‪.‬‬
‫طيب‪ ،‬قد يقول قائل‪ :‬جاء في صحيح البخاري في كتاب أحاديث األنبياء باب في حديث األبرص‬
‫واألعمى واألقرع في بني إسرائيل من حديث أبي هريرة –رضي اهلل عنه‪ -‬أنه سمع رسول اهلل‬
‫‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يقول‪ « :‬إن ثالثة في بني إسرائيل‪ ،‬أبرص وأقرع وأعمى‪ ،‬بدا هلل ‪-‬عز‬
‫وجل‪ -‬أن يبتليهم فبعث إليهم ملكاً‪ » ...‬الحديث‪ :‬في الحديث ‪-‬وهذا في الصحيح فال ألحد كالم‪:-‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪218‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫« بدا هلل عز وجل أن يبتليهم »‪ ،‬كيف نجيب عن هذا‪ ،‬ونحن ننفي البداء الذي معناه ظهور ما كان‬
‫خفياً على اهلل عز وجل؟ أيش معنى بدا؟‬
‫معنى بدا هنا أراد اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬إظهار ما سبق في علمه‪ ،‬يعني مما لم يخفى عليه‪ ،‬وليس المراد‬
‫به أنه ظهر له ما كان خافياً؛ ألن ذلك كما قدمنا محال في حق اهلل تعالى‪.‬‬
‫أراد اهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬أن يختبر هؤالء‪ ،‬أراد اهلل‪ ،‬يعني بدا هلل ‪-‬عز وجل‪ -‬أن يختبرهم‪ ،‬يعني‬
‫أراد اهلل ‪-‬جل وعال‪ -‬أن يختبرهم؛ يؤيد ذلك ما جاء في البخاري نفسه في كتاب األيمان والنذور‬
‫الحديث نفسه خرجه اإلمام البخاري في كتاب األيمان والنذور‪" :‬باب ال يقول ما شاء اهلل وشئت‪،‬‬
‫وهل يقول‪ :‬أنا باهلل ثم بك" من حديث أبي هريرة‪ ،‬الحديث نفسه‪ ،‬أنه سمع النبي ‪-‬عليه الصالة‬
‫والسالم‪ -‬يقول‪ « :‬إن ثالثة من بني إسرائيل أراد اهلل أن يبتليهم فبعث ملكاً » الحديث‪ ،‬فمعنى بدا‬
‫في الرواية األولى‪ :‬أراد‪ ،‬وهو مفسر بالرواية الثانية‪.‬‬
‫ثم بعد ذلك قال المؤلف ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪:-‬‬
‫« يجوز نسخ الرسم وبقاء الحكم‪ :‬نسخ الرسم وبقاء الحكم‪ ،‬والعكس‪ :‬نسخ الحكم وبقاء الرسم‪،‬‬
‫والنسخ إلى بدل وإ لى غير بدل‪ ،‬وإ لى ما هو أغلظ وإ لى ما هو أخف »‪.‬‬
‫« يجوز نسخ الرسم » نسخ اللفظ‪ ،‬والحكم باق‪ ،‬ومثل لذلك بـ((الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما‬
‫البتة))‪ ،‬في الصحيحين يقول‪ :‬قال عمر ‪-‬رضي اهلل عنه‪" :-‬فإنا قد قرأناها ووعيناها وعقلناها‪،‬‬
‫ورجم رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬ورجمنا بعده‪ ،‬فدل على أن هذا الحكم ثابت وإ ن كان‬
‫الرسم منسوخاً ‪-‬يعني مرفوعاً من التالوة‪ -‬ويظهر في هذا النوع مقدار امتثال المكلف؛ ألنه قد‬
‫ينازع ال سيما في مثل هذا الحكم‪ ،‬قد ينازع بعض من فتن ويقول‪ :‬إن الرجم مادام نسخ ‪-‬رفع‬
‫لفظه‪ -‬لماذا لم يكن مما رفع حكمه؛ ال سيما وأن الرجم ال يناسب في مثل هذه العصور؟ قد يقول‬
‫قائل‪ :‬وحشية هذه‪ ،‬أو حقوق اإلنسان ال تقره أو ما أشبه ذلك‪ ،‬فلماذا ال يرفع حكمه تبعاً لرسمه؟‬
‫نقول‪ :‬اهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬له أن يفعل ما يشاء‪ ،‬فيرفع ما يشاء ويبقي ما يشاء‪ ،‬والحديث في‬
‫الصحيح‪ ،‬وليس ألحد كالم‪.‬‬
‫و حكم‪ ،..‬لفظه مرفوع وأجمع الصحابة على عدم كتابته في المصحف‪ ،‬فدل على أنه منسوخ من‬
‫حيث التالوة‪ ،‬لكن حكمه باق كما قال عمر ‪-‬رضي اهلل عنه‪" :-‬فإنا قد قرأناها ووعيناها وعقلناها‪،‬‬
‫ورجم رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬ورجمنا بعده"‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪219‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫رجم النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬في قصص معروفة مستفيضة مأثورة في دواوين اإلسالم‬
‫المعروفة‪ ،‬يعني ليس ألحد كالم في هذا‪ ،‬وكون عمر ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬يقول‪" :‬رجمنا بعده"‪ :‬يدل‬
‫على بقاء الحكم‪.‬‬
‫« يجوز نسخ الحكم وبقاء الرسم » عكس ما تقدم‪ ،‬وهذا أكثر أنواع النسخ كآيتي المصابرة ﴿ إِن‬
‫ين َكفَُرواْ ﴾‬ ‫ون َي ْغِل ُبواْ ِم َئتَْي ِن َوإِن َي ُكن ِّمن ُكم ِّم َئ ٌ>ة َي ْغِل ُبواْ أَْلفًا ِّم َن الَّ ِذ َ‬
‫صا ِب ُر َ‬
‫ون َ‬ ‫َي ُكن ِّمن ُك ْم ِع ْ‬
‫ش ُر َ‬
‫[ سورة األنفال‪ ،‬اآلية ‪ ،] 65 :‬هذه اآلية في أول األمر‪ ،‬وفيها شدة على المؤمنين‪ ،‬والمؤمنون فيهم‬
‫َن ِفي ُك ْم َ‬
‫ض ْعفًا فَِإن َي ُكن‬ ‫ف اللّ ُه َعن ُك ْم َو َعِل َم أ َّ‬ ‫اآلن َخفَّ َ‬
‫ضعف‪ ،‬فخفف اهلل عنهم بقوله –جل وعال‪َ ﴿ :-‬‬
‫صا ِب َرةٌ َي ْغ ِل ُبواْ ِم َئتَْي ِ>ن ﴾ [ سورة األنفال‪ ،‬اآلية ‪.] 66 :‬‬ ‫ِّمن ُكم ِّم َئ ٌة َ‬
‫قد يقول قائل‪ :‬هذه أخبار‪ ،‬هذه أخبار؟‬
‫لكنها أخبار متضمنة ألحكام قد يأتي األمر بلفظ الخبر‪ ،‬يأتي األمر بلفظ الخبر‪ ،‬كما أن النهي أيضاً‬
‫يأتي بلفظ الخبر‪ ،‬وعلى كل حال هذا من هذا النوع؛ المسلم مأمور بأن يصبر لعشرة في أول‬
‫األمر‪ ،‬وحينئذ ال يجوز له أن يفر من عشرة؛ الحكم شرعي‪ ،‬لما علم اهلل الضعف جعل الحكم‬
‫مربوط بالضعف‪ ،‬فإذا كان العدد أكثر من الضعف جاز له الفرار‪.‬‬
‫كما يجوز أيضاً نسخ الحكم والرسم معاً‪ :‬كحديث عائشة ‪-‬رضي اهلل عنها‪ -‬قالت‪" :‬كان فيما أنزل‬
‫من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن‪ ،‬ثم نسخن بخمس معلومات"‪.‬‬
‫العشر منسوخة‪ ،‬وكانت من القرآن‪ ،‬وكانت مما يتلى من القرآن‪ ،‬فرسمها يعني لفظها منسوخ‬
‫وحكمها أيضاً منسوخ‪ ،‬ثم نسخن بخمس معلومات‪ ،‬فتوفي رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬وهن‬
‫فيما ُيقرأ من القرآن‪ ،‬وفي رواية‪" :‬نزل في القرآن عشر رضعات معلومات‪ ،‬ثم أنزل أيضاً خمس‬
‫معلومات"‪.‬‬
‫قد يقول قائل‪ :‬توفي رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬وهن فيما يقرأ‪ ،‬لماذا ال نقرؤهن؟ أين‪،..‬‬
‫كيف رفعن من المصحف‪ ،‬وقد توفي النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬استقر األمر وهن مما يتلى؟‬
‫ومثل هذا يلبس به بعض المبتدعة‪ ،‬وأن أهل السنة كغيرهم؛ يرون أن في القرآن شيئاً من‬
‫التحريف‪ ،‬وأنهم نقصوا من القرآن‪" ،‬فتوفي رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬وهن فيما يتلى من‬
‫القرآن"؟!‬
‫أهل العلم يجيبون عن مثل هذا بأن النسخ تأخر جداً‪ ،‬إلى قبيل وفاة النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪-‬‬
‫فخفي على بعض الصحابة هذا النسخ‪ ،‬فصار يقرأ مثل هذا الكالم بعد وفاة النبي ‪-‬عليه الصالة‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪220‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫والسالم‪ -‬ثم بلغه الناسخ فترك‪ ،‬توفي النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬وهن فيما يقرأ من قبل بعض‬
‫من خفي عليه النسخ‪ ،‬ولذا أجمع الصحابة على عدم إثبات هذه اآلية في المصحف‪.‬‬
‫« ينقسم النسخ إلى بدل » كنسخ استقبال بيت المقدس باستقبال الكعبة‪ ،‬وإ لى غير بدل‪ :‬نسخ‬
‫استقبال بيت المقدس إلى بدل وهو استقبال الكعبة‪ ،‬وإ لى غير بدل كنسخ صدقة المناجاة‪ ﴿ ،‬إِ َذا‬
‫ص َدقَ ًة ﴾ [ سورة المجادلة‪ ،‬اآلية ‪ ،] 12 :‬هذا نسخ إلى‬
‫ي َن ْج َوا ُك ْم َ‬
‫ِّموا َب ْي َن َي َد ْ‬
‫سو َل فَقَد ُ‬
‫الر ُ‬
‫اج ْيتُ ُم َّ‬
‫َن َ‬
‫غير بدل‪.‬‬
‫ْت ِب َخ ْي ٍر ِّم ْن َها أ َْو ِم ْث ِل َها ﴾ [سورة‬
‫نسها َنأ ِ‬
‫ِ‬ ‫النسخ إلى بدل ال خالف فيه؛ ﴿ ما َننس ْ>خ ِم ْن ٍ‬
‫آية أ َْو ُن َ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫البقرة‪ ،‬اآلية ‪.] 106 :‬‬
‫الثاني‪ :‬وهو النسخ إلى غير بدل‪ ،‬هو مذهب جمهور أهل العلم؛ جمهور أهل العلم يرون أن هناك‬
‫نسخ إلى غير بدل‪ ،‬والمثال كما سمعنا‪ ،‬ومنعه الظاهرية؛ استدالالً باآلية ﴿ ما َننس ْخ‪َ ﴿ ،﴾ ..‬نأ ِ‬
‫ْت‬ ‫َ َ‬
‫﴾ ‪ :‬معناه أن كل ما ينسخ يؤتى بدله‪ ،‬إما خيراً منه أو مثله‪.‬‬
‫أما النسخ إلى بدل فهو مجمع عليه عند كل من يقول بالنسخ‪ ،‬وهم جميع من يعتد بقولهم من أهل‬
‫اإلسالم‪ ،‬بعض المعاصرين ألف كتاباً كبيراً في التفسير يعني على طريقة الخلف في كثرة الكالم‬
‫مع قلة البركة‪ ،‬وهذا التفسير ينتقي من عناوين كل جزء أبرزها ويجعلها على الغالف‪ ،‬فكان من‬
‫أبرز العناوين التي كتبها‪( :‬النسخ وال نسخ في القرآن)‪.‬‬
‫الظاهرية يمنعون أن يوجد نسخ إلى غير بدل‪ ،‬والشيخ محمد األمين الشنقيطي ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪-‬‬
‫يميل إلى قول الظاهرية ويؤيده؛ يقول ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ :-‬إن القول بالنسخ إلى غير بدل‪ ،‬قول‬
‫نسها َنأ ِ‬
‫ْت ِب َخ ْي ٍر‬ ‫ِ‬ ‫باطل‪ ،‬وإ ن قال به جمهور العلماء؛ ألن اهلل تعالى يقول‪ ﴿ :‬ما َننس ْخ ِم ْن ٍ‬
‫آية أ َْو ُن َ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ِّم ْن َها أ َْو ِمثْ ِل َها ﴾ [ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.] 106 :‬‬
‫وأجاب الشنقيطي ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬عن آية صدقة المناجاة بأن الذي نسخ هو الوجوب‪ ،‬وأما‬
‫استحباب الصدقة فهو باق لم ينسخ‪ ،‬فالنسخ إلى بدل‪ ،..‬فالنسخ حينئذ إلى بدل يعني من الوجوب‬
‫إلى االستحباب‪.‬‬
‫لكن من يقول بجواز النسخ إلى غير بدل كيف يجيب عن هذه اآلية؟‬
‫يقول‪ :‬إن اآلية عامة خصصت بمثل هذا‪.‬‬
‫« يجوز النسخ إلى ما هو أغلظ » ‪-‬كما يقول المؤلف‪ :-‬كنسخ التخيير بين صوم رمضان والفدية‬
‫ين ُي ِطيقُو َن ُه> ِف ْد َي ٌة ﴾ [ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪:‬‬
‫في أول األمر‪ ،‬صوم رمضان ال يتعين؛ ﴿ َو َعلَى الَّ ِذ َ‬
‫‪ ،] 184‬مخير اإلنسان ولو كان يستطيع الصيام أن يصوم وبين أن يطعم‪ ،‬نسخ هذا إلى تعين‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪221‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫ص ْم ُه ﴾ [ سورة البقرة‪،‬‬ ‫ش ِه َد ِمن ُك ُم َّ‬


‫الش ْه َر َف ْل َي ُ‬ ‫الصوم‪ ،‬وأن من يستطيع الصوم ال خيار له‪ ﴿ ،‬فَ َمن َ‬
‫ون‬ ‫اآلية ‪ ،] 185 :‬كما يجوز النسخ إلى هو أخف كنسخ قوله تعالى‪ ﴿ :‬إِن َي ُكن ِّمن ُك ْم ِع ْ‬
‫ش ُر َ‬
‫صا ِب ُر َ‬
‫ون‪ ﴾ ..‬إلى آخر آيتي المصابرة‪.‬‬ ‫َ‬
‫يقول الناظم ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪:-‬‬

‫وجاز نسخ الرسم دون الحكم *** كذاك نسخ الحكم دون الرسم‬
‫ونسخ كل منهما إلى بدل *** ودونه وذاك تخفيف حصل‬
‫وجاز أيضاً كون ذلك البدل *** أخف أو أشد مما قد بطل‬

‫ثم قال ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ « -‬ويجوز نسخ الكتاب بالكتاب ونسخ السنة بالكتاب‪ :‬نسخ> الكتاب‬
‫بالكتاب ونسخ السنة بالكتاب وبالسنة‪ >،‬ويجوز نسخ المتواتر بالمتواتر واآلحاد باآلحاد‬
‫وبالمتواتر‪ >،‬وال يجوز نسخ المتواتر باآلحاد‪ :‬يجوز نسخ الكتاب » المراد به القرآن‪،‬‬
‫« بالكتاب » يعني يجوز نسخ آية بآية‪ ،‬كآيتي المصابرة‪.‬‬
‫« ونسخ السنة بالكتاب » كنسخ استقبال بيت المقدس‪ ،‬استقبال بيت المقدس ثابت بالكتاب أو‬
‫بالسنة؟ بالسنة‪ ،‬نسخ ما ثبت بالسنة من استقبال بيت المقدس بما ثبت بالكتاب من قوله ‪-‬جل‬
‫وعال‪:-‬‬
‫س ِج ِد ا ْل َح َر ِام ﴾ [ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪ .] 144 :‬ويجوز نسخ السنة بالسنة‪:‬‬ ‫﴿ فَ َو ِّل َو ْج َه َك َ‬
‫ش ْط َر ا ْل َم ْ‬
‫اتفاقاً‪ « ،‬كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزورها »‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬نسخ الكتاب بالسنة يأتي‪.‬‬
‫اآلن القسمة ثالثية وإ ال رباعية؟‬
‫يجوز نسخ الكتاب بالكتاب‪ ،‬ونسخ السنة بالكتاب‪ ،‬ونسخ السنة بالسنة‪ ،‬تمام القسمة أن يقال العكس‪،‬‬
‫نسخ الكتاب بالسنة‪ ،‬يعني صار عندنا أمران كل واحد له صورتان‪ ،‬تطلع أربع صور؛ نسخ الكتاب‬
‫بالكتاب‪ ،‬نسخ السنة بالكتاب‪ ،‬نسخ السنة بالسنة‪ ،‬نسخ الكتاب بالسنة‪.‬‬
‫سكت المؤلف عن تمام القسمة وهو نسخ الكتاب بالسنة‪ ،‬وفيه خالف فقيل بجوازه؛ ألن النبي ‪-‬عليه‬
‫الصالة والسالم‪ -‬ال ينطق عن الهوى‪ ،‬أما كون السنة أضعف من حيث الثبوت‪ ،‬هذا شيء‪ ،‬لكن‬
‫األصل أن ما صح من سنة عن النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬أنه من عند اهلل؛ ألن النبي ‪-‬عليه‬
‫الصالة والسالم‪ -‬ال ينطق عن الهوى؛ ﴿ إِ ْن ُه َو إِاَّل َو ْح ٌي ُي َ‬
‫وحى ﴾ [ سورة النجم‪ ،‬اآلية ‪،] 4 :‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪222‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫على هذا القول ‪-‬وهو القول بجواز نسخ الكتاب بالسنة‪ -‬يمثل له بآية الوصية‪ُ ﴿ :‬ك ِت َب َعلَ ْي ُك ْم إِ َذا‬
‫ين ﴾ [ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪،] 180 :‬‬ ‫ص َّي ُ>ة ِل ْل َو ِال َد ْي ِن َواأْل َق َْر ِب َ‬
‫ت إِ ْن تَر َك َخ ْيرا ا ْلو ِ‬
‫ً َ‬ ‫َ‬ ‫َح َد ُك ُم ا ْل َم ْو ُ‬
‫ض َر أ َ‬
‫َح َ‬
‫نسخ هذا بحديث‪ « :‬ال وصية لوارث »‪ ،‬من أهل العلم من يقول‪ :‬خروجاً من مثل هذا الخالف‪ ،‬إن‬
‫النسخ إنما هو بآيات المواريث ال بهذا الحديث‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬إيه‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‪ :‬جاء هذا في بعض النسخ دون بعض؛ ألنه قال في األخير‪:‬‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫« ويجوز نسخ المتواتر بالمتواتر ونسخ> اآلحاد باآلحاد وبالمتواتر‪ >،‬وال يجوز نسخ المتواتر‬
‫باآلحاد » يدخل فيه هذا‪ ،‬أقول‪ :‬قوله‪ :‬وال يجوز نسخ المتواتر باآلحاد يغني عما ذكرت‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‪ :‬ولو أثبتت‪..‬؛ قوله‪ « :‬وال يجوز نسخ المتواتر باآلحاد » يغني عما‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ذكرت‪ ،‬لكن من باب تتميم القسمة يذكر في محله فقط‪ ،‬ومنع آخرون ‪-‬بل هو قول األكثر‪ -‬أن‬
‫ون ِلي أ ْ‬
‫َن أ َُب ِّدلَ ُه‬ ‫السنة ال تنسخ الكتاب‪ ،‬السنة ال تنسخ الكتاب؛ من أدلتهم قوله تعالى‪ُ ﴿ :‬ق ْل َما َي ُك ُ‬
‫ِمن ِت ْلقَاء َن ْف ِسي ﴾ [ سورة يونس‪ ،‬اآلية ‪ ،] 15 :‬والنسخ ‪-‬نسخ الكتاب بالسنة‪ -‬تبديل منه ‪-‬عليه‬
‫الصالة والسالم‪ -‬للكتاب!!‬
‫لكن يمكن الجواب عن هذا بأن ما يتلقاه عن اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬من بيان للكتاب وتخصيص للكتاب‬
‫ونسخ للكتاب ال يجوز أن يقال‪ :‬إنه من تلقاء نفسه ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬إنما تلقاه عن ربه‪ ،‬وقد‬
‫ثبت بالنص أنه ال ينطق عن الهوى‪.‬‬
‫« يجوز نسخ المتواتر بالمتواتر> » معلوم أن القرآن كله متواتر‪ ،‬وأما السنة فمنها المتواتر وغير‬
‫المتواتر‪ ،‬القرآن كله متواتر‪ ،‬والسنة منها المتواتر وغيره‪ ،‬فيجوز نسخ القرآن ‪-‬على هذا‪ -‬بالقرآن‬
‫وبالسنة المتواترة‪ ،‬ويجوز نسخ السنة المتواترةـ بالقرآن‪ ،‬والسنة المتواترةـ بالسنة المتواترة‪ ،‬كل هذا‬
‫يدخل في قوله‪ « :‬يجوز نسخ المتواتر بالمتواتر> »؛ ألن القرآن متواتر‪ ،‬ومن السنة ما هو متواتر‪،‬‬
‫إذن يجوز نسخ القرآن بالقرآن‪ ،‬ونسخ المتواتر من السنة بالمتواتر من السنة‪ ،‬ويجوز نسخ القرآن‬
‫بالمتواتر من السنة‪ ،‬ويجوز نسخ المتواتر من السنة بالقرآن‪.‬‬
‫على هذا يجوز نسخ القرآن بالسنة المتواترة عند الجمهور‪ ،‬ومنعه الشافعي وأحمد في المشهور‬
‫عنه؛ ألن مرتبة القرآن فوق مرتبة السنة ولو تواترت على هذا‪ ،‬لكن إذا قلنا بأن اآلحاد إذا صح‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪223‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫خبر الواحد عن النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬جاز النسخ به؛ ألنه ال ينطق عن الهوى‪ ،‬فألن‬
‫يجوز النسخ بالمتواتر من السنة من باب أولى‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬من أي وجه؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬هو عندنا قبل قال‪ « :‬وال يجوز نسخ الكتاب بالسنة »‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬ال‪ ،‬هو إذا أطلقت يراد بها اآلحاد‪ ،‬على أن مذهبه مذهب الشافعي‬
‫سواء كانت آحاداً أو متواترة‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪-‬المؤلف شافعي المذهب‪ -‬والشافعي يرى أن السنة ال تنسخ القرآن‬
‫نسخ السنة المتواترةـ بالسنة المتواترة مجمع عليه بين القائلين بالنسخ‪ ،‬وال يوجد له مثال فيما قرره‬
‫صاحب شرح مختصر التحرير‪ ،‬ال يوجد له مثال‪.‬‬
‫نسخ متواتر السنة بالكتاب‪ ،‬نسخ المتواتر من السنة بالكتاب مثلوا له بنسخ استقبال بيت المقدس‬
‫باستقبال الكعبة‪ ،‬وقد تقدم‪ ،‬فاستقبال بيت المقدس ثبت بالسنة المتواترةـ ونسخ بالكتاب‪ ﴿ :‬فَ َو ِّل‬
‫س ِج ِد ا ْل َح َر ِام ﴾ [ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.] 144 :‬‬
‫ش ْط َر ا ْل َم ْ‬
‫َو ْج َه َك َ‬
‫« ويجوز نسخ اآلحاد باآلحاد » وهذا كثير جداً يراجع ألمثلته الكثيرة كتاب الحازمي (االعتبار‬
‫في معرفة الناسخ والمنسوخ من اآلثار) وهذا كتاب نفيس ال يستغني عنه طالب علم‪ ،‬يعني من‬
‫أمثلته‪ « :‬كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزورها » ؛ ألنه آحاد نسخ آحاداً‪.‬‬
‫« وبالمتواتر> » يجوز نسخ اآلحاد بالمتواتر؛ ألنه أقوى منه‪ ،‬وهذا أيضاً َّ‬
‫دل‪ ،..‬أو أيضاً محل‬
‫اتفاق‪ ،‬لكن قال في شرح مختصر التحرير‪ :‬إنه لم يقع‪.‬‬
‫« وال يجوز نسخ المتواتر باآلحاد » ألن الجمهور يشترطون المساواة في القوة‪ ،‬فاآلحاد ال يساوي‬
‫المتواتر‪ ،‬والسنة عموماً ال تساوي القرآن‪ ،‬فالسنة ال تنسخ القرآن‪ ،‬واآلحاد ال ينسخ المتواتر‪.‬‬
‫سواء كان من‬
‫ً‬ ‫ولذا قال‪ « :‬وال يجوز نسخ المتواتر باآلحاد » وعلى هذا ال يجوز نسخ األقوى‬
‫الكتاب أو متواتر السنة باآلحاد؛ ألنه دونه في القوة؛ ألن المتواتر قطعي الثبوت‪ ،‬واآلحاد ظني‪،‬‬
‫والشيء إنما ينسخ بمثله أو بما هو أقوى منه‪ ،‬وهذا مذهب األكثر‪ ،‬هذا مذهب الجمهور‪.‬‬
‫وذهب جماعة من الظاهرية كابن حزم إلى جوازه وهي رواية عن أحمد ورجحه كثير من‬
‫المحققين؛ ألن القطعي هو اللفظ‪ ،‬ومحل النسخ هو الحكم‪ ،‬وال يشترط في ثبوته التواتر‪ ،‬وال يشترط‬
‫في ثبوته التواتر‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪224‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫اآلن عندنا ثبوت وداللة‪ ،‬قد يكون النص قطعي الثبوت ظني الداللة‪ ،‬والعكس‪ ،‬قد يكون ظني‬
‫الثبوت قطعي الداللة‪ ،‬والمرد في النسخ المعول على الحكم‪ ،‬المعول على الحكم‪ ،‬والحكم كما يثبت‬
‫سواء كان من القرآن أو متواتر‬ ‫ً‬ ‫بالقطعي يثبت أيضاً بالظني‪ ،‬قد تكون‪ ،..‬قد يكون الثبوت قطعياً‬
‫ص ِّل ِل َر ِّب َك َوا ْن َح ْر ﴾ [ سورة الكوثر‪،‬‬
‫السنة‪ ،‬لكن قد تكون الداللة ظنية‪ ،‬في مثل قوله تعالى‪ ﴿ :‬فَ َ‬
‫اآلية ‪ :] 2 :‬االستدالل بمثل هذا على صالة العيد‪ ،‬اآلية قطعية الثبوت‪ ،‬لكن داللتها على صالة‬
‫العيد ظنية؛ بدليل أن الجمهور ال يوجبون صالة العيد على األعيان‪ ،‬القول بوجوب صالة العيد‬
‫على كل أحد على كل من تجب عليه صالة الجمعة هو قول الحنفية ورجحه شيخ اإلسالم‪ ،‬فوجود‬
‫هذا الخالف في مثل هذه اآلية ‪-‬فيما تدل عليه هذه اآلية‪ -‬دل على أن داللتها على هذا الحكم ظنية‪،‬‬
‫وإ ن كان ثبوتها قطعياً‪.‬‬
‫إذا قلنا بأن المعول في النصوص على الحكم وهو يثبت بالقطعي ويثبت بالظن إذا صح الخبر ولو‬
‫لم يبلغ حد التواتر‪ ،‬قلنا بجواز نسخ الكتاب بالسنة ونسخ المتواتر باآلحاد‪.‬‬
‫‪-‬وأريد االنتباه‪ -‬مثلوا لذلك بما في الصحيحين من حديث ابن عمر ‪-‬رضي اهلل عنهما‪-‬‬
‫ُ‬ ‫مثلوا لذلك‬
‫قال‪" :‬بينما الناس بقباء في صالة الصبح إذ جاءهم ٍ‬
‫آت فقال‪" :‬إن رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪ -‬أمر أن تستقبل الكعبة فاستقبلوها؛ إن رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬أُمر أن تستقبل‬
‫الكعبة فاستقبلوها"‪ ،‬يعني نزل عليه القرآن يأمره باستقبال الكعبة فاستقبلوها‪ ،‬وكانت وجوههم إلى‬
‫الشام فاستداروا إلى الكعبة‪.‬‬
‫عندهم االستقبال إلى بيت المقدس‪ ،‬قطعي وإ ال ظني؟‬
‫قطعي‪ ،‬قطعي ال مجال فيه للشك‪ ،‬هذا اآلتي الذي أتاهم شخص واحد وقال لهم‪ :‬إن القبلة قد حولت‪،‬‬
‫س ِج ِد ا ْل َح َر ِام ﴾‬ ‫اهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬أمر نبيه أن يتحول إلى الكعبة ﴿ فَ َو ِّل َو ْج َه َك َ‬
‫ش ْط َر ا ْل َم ْ‬
‫[ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪ : ] 144 :‬هل تردد هؤالء حينما سمعوا خبر هذا الواحد‪ ،‬أو استداروا كما‬
‫هم في صالتهم‪ ،‬بدل ما هم شمال صاروا جنوب‪ ،‬استداروا كما هم‪ ،‬امتثلوا‪ ،‬هل نقل عن النبي‬
‫‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬أنه أنكر عليهم أو عنفهم‪ ،‬أو أمرهم بإعادة الصالة؟‬
‫ما نقل‪ ،‬إذن عملهم صحيح‪ ،‬عملهم صحيح‪ ،‬فوجه الداللة أن التوجه إلى بيت المقدس ثبت بالدليل‬
‫القطعي‪ ،‬وتحولوا عنه إلى الكعبة بخبر واحد وهو ظني‪.‬‬
‫اآلن يسلم مثل هذا المثال للتمثيل على ما يريدون من رفع القطعي بالظني يسلم؟ نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬لماذا؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪225‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬طيب‪ ،‬اآلن عندنا النقل ظني‪ ،‬وهم على قبلة مقطوع بها‪ ،‬تركوا هذه‬
‫القبلة المقطوع بها لخبر واحد وهو ظني‪ ،‬نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬لكن هم ما ثبت عندهم‪ ،‬ثابت عندهم بنص قطعي‪ ،‬لكن هم ما ثبت‬
‫عندهم إال بخبر هذا الواحد‪ ،‬نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‪ :‬أقول‪ :‬هذا وإ ن كان في أصله خبر واحد‪،‬إال أنه احتف به من القرائن‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ما يجعله يفيد القطع‪ ،‬خبر الواحد في األصل ال يفيد إال الظن عند كثير من أهل العلم‪ ،‬لكن إذا‬
‫احتف بخبر الواحد قرينة‪ ،‬إذا احتفت به قرينة‪ ،..‬اآلن لماذا قلنا‪ :‬إن خبر الواحد يفيد الظن؟‬
‫ألن الواحد مهما بلغ من الثقة والحفظ والضبط واإلتقان إال أنه ليس بمعصوم من الخطأ‪ ،‬وما دام‬
‫وجد فيه نسبة ولو واحد بالمائة من احتمال الخطأ‪ ،‬ال نقول‪ :‬إنه يفيد القطع‪ ،‬أيش معنى قطع؟‬
‫القطع الذي ال يحتمل النقيض‪ ،‬يعني نسبة صدقه مائة‪ ،..‬نسبة صحته ومطابقته للواقع مائة بالمائة‪،‬‬
‫فإن افترضنا نجم السنن مالك ‪-‬نجم السنن‪ -‬هل نستطيع أن نقول‪ :‬جميع ما أخبر به مالك مائة‬
‫بالمائة‪ ،‬أو يتصور منه الخطأ والنسيان؟‬
‫هذا االحتمال ينزل خبر مالك من مائة بالمائة إلى ما يقرب منها‪ ،‬المقصود أنه يحتمل النقيض إلى‬
‫تسعة وتسعين‪ ،‬إلى ثمانية وتسعين‪ ،‬إلى تسعين وهذا ال ينزله عن درجة الثقة‪.‬‬
‫هذا االحتمال جعلنا نقول‪ :‬إن خبر الواحد يفيد الظن وال يفيد القطع‪ ،‬هذا االحتمال الذي أبديناه‬
‫وذكرناه في خبر مالك‪ ،‬يرتفع هذا االحتمال بوجود قرينة؛ القرينة ترفع احتمال الخطأ‪..‬؛ هو في‬
‫األصل ضعيف احتمال ضعيف القرينة تكون في مقابل هذا االحتمال فيرتفع‪ ،‬وحينئذ خبر الواحد‬
‫إذا احتفت به قرينة أفاد العلم وأفاد القطع‪ ،‬وصار قطعياً‪ ،‬انتهينا‪ ،‬نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬القطعي بالقطعي‪ ،‬القطعي بالقطعي‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬أما من أراد مثال القطعي‪ ،‬نسخ القطعي بالظني‪ :‬نسخ الحبس ‪-‬حبس‬
‫الزانية‪ -‬بحديث عبادة بن الصامت‪ « :‬خذوا عني‪ ،‬خذوا عني‪ ،‬قد جعل اهلل لهن سبيالً‪ ،‬البكر‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪226‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫بالبكر جلد مائة ونفي سنة‪ ،‬والثيب بالثيب جلد مائة والرجم »‪ ،‬على كل حال المسألة تحتاج إلى‬
‫بسط طويل‪ ،‬ولو أخذنا نبسط المسائل كلها ما انتهينا‪.‬‬

‫وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬أيش هو؟‬
‫طالب‪.....:‬الظاهرية‪.......‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬إيه‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬النسخ هو للحكم وليس للفظ‪...‬؟‬
‫ض ْير‪ :‬معروف‪ ،‬معروف هذا ذكرناه‪.‬‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫طالب‪.......:‬لو كان الحكم قطعياً هل يرون الجواز‪...‬؟‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬إيه خالص يطردونه ما دام جاز يجوز إيه‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬القطعي والظني؟‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬القطعي والظني‪ ،‬ال فرق في الثبوت والداللة‪.‬‬

‫اللهم ِّ‬
‫صل على محمد‪.‬‬

‫‪‬‬

‫الدرس الثّالث عشر‬


‫ّ‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد هلل رب العالمين وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد وعلى آله‬
‫وصحبه أجمعين‪ ،‬أما بعد‪ :‬فقد قال المؤلف ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪:-‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪227‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫فصل‪:‬‬
‫إذا تعارض نطقان فال يخلو إما أن يكونا عامين أو خاصين‪ ،‬أو أحدهما عاماً واآلخر خاصاً‪ ،‬أو‬
‫كل واحد منهما عاماً من وجه خاصاً من وجه آخر‪ ،‬فإن كانا عامين فإن أمكن الجمع بينهما‬
‫يجمع‪ ،‬فإن لم يمكن الجمع بينهما يتوقف فيهما إن لم يعلم التاريخ‪ ،‬فإن علم التاريخ نسخ المتقدم‬
‫بالمتأخر‪ ،‬وكذلك إن كانا خاصين‪ ،‬وإ ن كان أحدهما عاماً واآلخر خاصا فيخص العام بالخاص‪،‬‬
‫وإ ن كان كل منهما عاماً من وجه وخاصاً من وجه فيخص عموم كل منهما بخصوص اآلخر‪.‬‬

‫« َّ‬
‫الش ْـر ُح » ‪:‬‬
‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‪ ،‬في هذا المبحث ‪-‬في هذا الفصل‪ -‬تحدث المؤلف ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬عن التعارض بين‬
‫النصوص‪ ،‬والتعارض المقصود به االختالف في الظاهر بحسب ما يظهر للمجتهد‪ ،‬وإ ال ففي حقيقة‬
‫األمر ال تعارض بين النصوص‪ ،‬ال يمكن أن يتعارض نصان صحيحان في الباطن في الحقيقة‪،‬‬
‫وإ نما التعارض إنما هو بحسب ما يظهر للمجتهد حسب فهمه‪ ،‬كما أنه ال يمكن أن يتعارض النص‬
‫الصحيح مع العقل الصريح‪ ،‬ال يمكن أن يتعارض نص صحيح مع عقل صريح باق على فطرته‪،‬‬
‫باق على خلقته ما اجتالته الشياطين‪ ،‬أما من اجتالتهم الشياطين وتأثروا بالبدع وأهلها هؤالء يبدون‬
‫شيئاً من التعارض بين عقولهم والنصوص‪ ،‬ويحتكمون في ذلك إلى عقولهم‪ ،‬ليتهم لما وجدوا مثل‬
‫هذا التعارض بين عقولهم وبين النصوص حكموا النصوص وألقوا ما دلتهم عليه عقولهم‪ ،‬جعلوا‬
‫الحكم العقل‪ ،‬ال شك أن هذا ضالل وعليه اعتماد كثير من طوائف المبتدعة؛ أرجعوا النصوص‬
‫ووزنوها بعقولهم المتأثرة بكالم أهل البدع والضالل ممن يدعون الحكماء والفالسفة‪ ،‬هؤالء ضلوا‬
‫في هذا الباب ضالالً مبيناً‪.‬‬
‫شيخ اإلسالم ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬له كتاب‪ ،‬كتاب من أعظم الكتب يقع في أحد عشر مجلداً اسمه‬
‫(درء تعارض العقل والنقل) بعض النسخ يوجد عليها موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول‪ ،‬فال‬
‫تعارض بين العقل الصريح الذي لم تجتاله الشياطين‪ ،‬وال تأثر بقواعد المخالفين لدين اإلسالم‪ ،‬هذا‬
‫من جهة‪.‬‬
‫الناحية الثانية هي أن التعارض يكون في الظاهر بين النصوص النطقية‪ ،‬ولذا يقول المؤلف‪:‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪228‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫« إذا تعارض نطقان » نعم‪ ،‬يقول‪ « :‬إذا تعارض نطقان » فهذا التعارض الظاهري يكون بين‬
‫النصوص النطقية يعني القولية‪ ،‬فال تعارض بين األفعال‪ ،‬ال تعارض بين األفعال‪ ،‬كما أفاده كالم‬
‫المؤلف وجزم به جمع من أهل العلم‪ ،‬أيش معنى التعارض بين األفعال؟‬
‫أن يفعل النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬فعالً ويفعل ضده‪ ،‬يفعل شيئاً ويفعل ضده‪ ،‬كيف يفعل شيئاً‬
‫ويفعل ضده؟ يتصور؟ كيف؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬كيف يتصور أن يفعل الشيء ويفعل ضده؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬في حال منفصل‪ ،‬لكن أريد مثاالً يفعل فعالً ويفعل ضده‪ ،‬ال تقول يفعل‬
‫فعالً ويتركه‪ ،‬والترك فعل‪ ،‬أنا أريد فعل يفعله‪ ،‬يوجده ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬ويوجد فعالً‬
‫يضاده؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬كيف؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬هذا تعارض؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬ال‪ ،‬هو يتعارض الشرب قائماً مع قول‪ ،‬ما يتعارض مع فعل‪،‬‬
‫يتعارض مع النهي عن الشرب قائماً‪ ،‬يتعارض مع قول ما يتعارض مع فعل‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬كيف؟‬
‫قول‪ ،‬النهي عن الوصال‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬أنا أقول‪ :‬أريد تعارضاً بين فعلين متضادين من النبي عليه الصالة‬
‫والسالم؟‬
‫ال يمكن؛ جمع من أهل العلم قالوا‪ :‬ال يمكن‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪229‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬هذا تعارض؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬كيف؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬يعني البول قائماً هل مقتضاه النهي عن البول جالساً‪ ،‬والبول جالساً‬
‫مقتضاه النهي عن البول قاعداً‪ ،‬هم يقولون‪ :‬جزم جمع من أهل العلم أنه ال يتصور‪ ،‬إال عند من‬
‫يقول‪ :‬إن الترك فعل‪ ،‬فقد يفعل شيئاً ويتركه أحياناً‪ ،‬يفعل النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬شيئاً على‬
‫جهة التعبد ويتركه أحياناً‪ ،‬ويأتي فيه ما يأتي من أنه يكون تركه لبيان الجواز‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬هو الظاهر ما يمكن يوجد النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬فعلين‬
‫متناقضين‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬مرجح عند كثير من أهل العلم بقول الصحابي‪:‬‬

‫لئن قعدنا والنبي يعمل *** فذاك منا العمل المضلل‬

‫هم تركوا وسموه فعالً‪.‬‬


‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬طيب‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬هل فيه تعارض؟ يعني تعدد الحاالت‪ ،‬تعدد الحاالت تسمى تعارض؟‬
‫نعم‪ ،‬الصالة من قيام‪ ،‬والصالة من قعود‪ ،‬والصالة على جنب‪ ،‬هذا تعارض؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬ما تقرر المسألة إال بقول‪ ،‬الذين أوردوا الخالف واإلشكال أوردوا‬
‫النهي عن البول قائماً‪ ،‬ما يلزم كون النبي ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬بال جالساً‪ ،‬ما فيه خالف‪..‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬هاه‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪230‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬لو لم يرد النهي على ضعفه ما وجد خالف‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬وليس لها عموم‪ ،‬هو تقدم أن الفعل ال عموم له‪ ،‬تقدم أن الفعل ال عموم‬
‫له‪.‬‬
‫« إذا تعارض نطقان فال يخلو » انتهينا من تعارض األفعال‪.‬‬
‫إذا تعارض القول مع الفعل‪ :‬ألنه يقول‪ :‬عندنا المسألة مفترضة فيما إذا تعارض نطقان‪ ،‬قول مع‬
‫قول‪ ،‬عرفنا أنه ال يمكن يوجد تعارض فعلين‪ ،‬إذا تعارض قول مع فعل‪ ،‬ومنه األمثلة التي ذكرت‬
‫اآلن‪ ،‬كان يأمر النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬بأمر ويفعل بخالفه‪ ،‬أو ينهى عن شيء ويفعل ذلك‬
‫الشيء ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬هذا متصور قول مع فعل‪ ،‬متصور‪ ،‬كأن يأمر النبي ‪-‬عليه الصالة‬
‫والسالم‪ -‬بأمر ويفعل خالفه‪ ،‬أو ينهى عن شيء ويفعل ذلك الشيء‪.‬‬
‫وللتوفيق بين مثل هذه النصوص المتعارضة مسالك ألهل العلم منهم من يجعل الفعل صارفاً‪ ،‬فعل‬
‫المنهي عنه يصرف النهي من التحريم إلى الكراهة‪ ،‬وترك المأمور به‪ ،‬أو فعل خالف المأمور‬
‫يصرف األمر من الوجوب إلى االستحباب‪.‬‬
‫إذا تعارض القول مع فعله ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬منهم من يقول‪ :‬يصرف األمر من الوجوب‬
‫إلى االستحباب؛ لفعله ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬ففعله دال على الجواز‪ ،‬ويصرف النهي من التحريم‬
‫إلى الكراهة بفعله ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬وفعله دال على الجواز‪ ،‬ويبقى النهي لكراهة التنزيه‪.‬‬
‫منهم من يسلك مسلك آخر ويحمل الفعل على الخصوصية‪ ،‬يقول‪ :‬فعله خاص به ‪-‬عليه الصالة‬
‫والسالم‪ -‬واألمر والنهي عام لألمة‪ ،‬ولو أخذنا مثاالً‪ « :‬غطِّ فخذك؛ فإن الفخذ عورة » [حديث‬
‫جرهد]‪.‬‬
‫وحديث أنس في الصحيح‪" :‬حسر النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬عن فخذه"‪ :‬يقول البخاري‬
‫‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ :-‬حديث أنس أسند‪ ،‬وحديث جرهد أحوط‪ ،‬هل نقول‪ :‬إن فعل النبي ‪-‬عليه‬
‫الصالة والسالم‪ -‬حينما حسر عن فخذه يدل على أن النهي‪ ،..‬أو األمر في قوله‪ « :‬غط فخذك »‬
‫لالستحباب ال للوجوب‪ ،‬وفعله يدل على الجواز؟ هذا قول‪ ،‬أو نقول‪ « :‬غط فخذك » هذا بالنسبة‬
‫لألمة‪ ،‬وكونه حسر ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬وعارض فعله قوله هذا خاص به عليه الصالة‬
‫والسالم؟ الكالم ظاهر وإ ال ما هو بظاهر؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪231‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬أيش هو؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬يسلك مثل هذا لرفع مثل هذا التعارض‪ ،‬يعني كيف توفق بين قوله‪« :‬‬
‫غط فخذك » والنبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬حسر عن فخذه؟ هذا مسلك عند بعض أهل العلم‪،‬‬
‫يقول‪ :‬هذا خاص بالنبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪.-‬‬
‫مثله أيضاً‪ :‬النهي عن استقبال القبلة واستدبارها ببول أو غائط‪ ،‬مع أنه ‪-‬عليه الصالة والسالم‪-‬‬
‫رآه ابن عمر قبل أن يقبض بعام مستدبراً القبلة‪ ،‬واختلفت أنظار أهل العلم في التوفيق بين‬
‫النصوص‪ ،‬منهم من قال‪ :‬هذا خاص بالنبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬لكن التخصيص يدل على‪،..‬‬
‫ال بد له من وجود مخصص‪ ،‬حمل هذا األمر على الخصوص يدل على‪ ،..‬ال بد له من مخصص‪.‬‬
‫األمر الثاني‪ :‬لو نظرنا إلى ما عندنا من أمثلة‪ ،‬مثل األمر بتغطية الفخذ‪ ،‬وكون النبي ‪-‬عليه الصالة‬
‫والسالم‪ -‬حسر عن فخذه‪ ،‬وكونه ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬أمر األمة أن تنزه جهة الكعبة‪،‬‬
‫واستدبرها ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬هل تغطية الفخذ أكمل أو كشفه أكمل؟ التغطية أكمل‪ ،‬نقول‪:‬‬
‫كيف يطلب الكمال من األمة‪ ،‬ويفعل النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬خالف هذه الصفة التي هي‬
‫الكمال؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬ال‪ ،‬ال ما نقول‪ :‬من غير قصد ال‪ ،‬ال معروف هذا؛ حسر ما بيقول‪:‬‬
‫انحسر‪ ،‬يقول‪" :‬حسر النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬عن فخذه" نعم‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬هناك لما كان على البئر دخل أبو بكر وعمر‪ ،‬ثم لما دخل عثمان‬
‫غطاه‪ ،‬استحيا منه فغطاه‪ ،‬المقصود أن مثل هذه المسالك يسلكها أهل العلم؛ لرفع التعارض‪ ،‬لكن‬
‫ينبغي أن ينظر إلى مثل هذه النصوص بدقة‪ ،‬فال شك أن تغطية الفخذ أكمل من كشفه‪ ،‬فكيف يطلب‬
‫الكمال من األمة والنبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬أولى بكل كمال يطلب من األمة‪ ،‬كيف ينهى بل‬
‫يأمر باحترام جهة الكعبة ويخالف ذلك؟‬
‫النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬أولى من يعظم شعائر اهلل‪ ،‬كثير من أهل العلم يستروح إلى مثل هذا‬
‫ويطرد‪ ،‬كل ما تعارض قول مع فعل قال‪ :‬فعله خاص به‪.‬‬
‫عرفنا المسالك في مثل هذا التعارض؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪232‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫إما أن يكون الفعل دال على الجواز‪ ،‬وحينئذ يحمل األمر على االستحباب‪ ،‬والنهي على التنزيه‪ ،‬أو‬
‫يحمل فعله على أنه خاص به في غير هذين المثالين؛ ألنه ال بد أننا ننظر إلى‪ ،..‬ما نسلك مسلك‬
‫نرفع به تعارضاً‪ ،‬ونقع فيما هو أشد منه‪ ،‬أو نقول‪ :‬إن الفعل خاص به‪ ،‬وأمره ونهيه موجه إلى‬
‫غيره ‪-‬عليه الصالة والسالم‪.-‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬في أيش؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬أي مسألة؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬االستقبال وإ ال‪ ،..‬أو الفخذ؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‪ :‬ال كل مسألة بعينها‪ ،‬يعني ما في شك أن هناك نصوص ال مانع من‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫حملها على الخصوصية به ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬لكونه إما لكون الفعل أكمل أو لكونه مساو مع‬
‫األمة‪ ،‬فال مانع من أن نسلك التخصيص به ‪-‬عليه الصالة والسالم‪-‬؛ ألنه فعل‪ ،‬فعل مع نهيه‪ ،‬أو‬
‫فعل مع أمره فيكون قوله موجه إلى غيره وفعله خاص به‪ ،‬هذا‪ ،‬ال مانع منه إذا لم يترتب عليه‬
‫شيء مما ذكر‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬وين؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬كيف؟‬
‫طالب‪ :‬يعني عندما جعل الوجوب ما يمنع‪ ،‬أن نقدم هل على الخصوصية أو على البيان؟‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬نعم‪ ،‬يعني نرجح المسلك األول وإ ال الثاني؟ هل نقول‪ :‬إن الفعل‬
‫صارف واألوامر والنواهي تصرف بما هو دون الفعل عند الجمهور‪ ،‬يصرفون األوامر بالعلل‪،‬‬
‫بعلة الحكم يصرف األمر من الوجوب إلى االستحباب‪ ،‬والنهي من التحريم إلى الكراهة‪.‬‬
‫على كل حال كل مسألة لها ما يحتف بها من قرائن‪ ،‬أحياناً قد يرجح التخصيص ويمال إليه‬
‫ويستروح إليه‪ ،‬وأحياناً يرجح الصرف‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪233‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬نعم‪ .‬ال يمكن حمله على الخصوصية هذا‪ ،‬ال يمكن حمله على‬
‫الخصوصية‪ ،‬الصرف أقرب؛ ألن التغطية أكمل من الحسر‪ ،‬فال يطلب من النبي ‪-‬عليه الصالة‬
‫والسالم‪ -‬دون ما يطلب من األمة في الكماالت؛ ألنه أكمل الخلق ‪-‬عليه الصالة والسالم‪.-‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬أيش هو؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬ال ال‪ ،‬كل ما يطلق عليه فخذ‪ ،‬يعني ما يطلق عليه فخذ يشمله النص‬
‫األول والثاني‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬عاد مسألة العورة في الصالة‪ ،‬والعورة خارج الصالة مسألة ال بد من‬
‫التفريق بين داخل الصالة وخارج الصالة؛ من أهل العلم من قال‪ « :‬غط فخذك » ‪ :‬في الصالة‪،‬‬
‫محمول على الصالة‪ « ،‬فإن الفخذ عورة » ‪ :‬يعني في الصالة‪ ،‬منهم من قال بذلك‪ ،‬كاألمر‬
‫بتغطية المنكب‪ ،‬كاألمر بتغطية المنكب‪.‬‬
‫على كل حال المسألة تمثيل يعني‪ ،‬هو عندنا أمثلة وإ شكاالت كبيرة هنا‪ ،‬نعم‪ ،‬وعندنا في رأس‬
‫المسألة يقول‪ « :‬إذا تعارض نطقان » مقتضى التعارض أن يختلف حكم أحدهما عن حكم اآلخر‪،‬‬
‫أن يختلف الحكم في أحدهما عن اآلخر‪ ،‬لكن إذا جاء الحكم في أحد النصين موافقاً لحكم النص‬
‫اآلخر‪ ،‬يصير فيه تعارض وإ ال ما فيه تعارض؟ نعم‪ ،‬ولو كان أحدهما عاماً واآلخر خاصاً؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‪ :‬يعني عندنا نص عام له حكم‪ ،‬وجاء نص خاص له ذلك الحكم‪ ،‬يعني‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫مثل ما نقول‪ :‬التنصيص على بعض أفراد العام بحكم موافق لحكم العام‪ ،‬هل هناك تعارض؟ ما في‬
‫تعارض‪ ،‬إذن يحمل العام على الخاص وإ ال ما يحمل؟ يحمل وإ ال ما يحمل؟‬
‫الحكم واحد‪ ،‬يحتاج إلى حمل‪ ،‬يبقى العام على عمومه‪ ،‬والخاص يندرج تحت العام في الحكم‪،‬‬
‫والتنصيص عليه للعناية به واالهتمام بشأنه‪.‬‬
‫فالمسألة في مسألة التعارض‪ ،‬والمراد بالتعارض اختالف الحكم‪ ،‬فتخرج مسألة ما إذا نص على‬
‫بعض أفراد العام بحكم موافق‪.‬‬
‫يقول‪ « :‬فال يخلو إما أن يكونا عامين أو خاصين » أو بينهما عموم وخصوص مطلق‪ ،‬أو بينهما‬
‫عموم وخصوص وجهي‪ ،‬القسمة رباعية‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪234‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫« فإما أن يكونا عامين أو خاصين‪ ،‬أو أحدهما عاماً واآلخر خاصاً » يعني عموم وخصوص‬
‫مطلق‪ ،‬أو كل واحد منهما عاماً من وجه وخاصاً من وجه‪.‬‬
‫إذا كانا عامين أو خاصين‪ ،‬أو أحدهما عام واآلخر خاص من وجه‪ ،‬يعني بينهما عموم وخصوص‬
‫من وجه‪ ،‬أما إذا كان بينهما عموم وخصوص مطلق هذا ما فيه إشكال‪ ،‬نعم‪ ،‬يوفق بينهما بحمل‬
‫العام على الخاص‪.‬‬
‫اإلشكال فيما إذا كانا عامين متساويين في العموم أو خاصين متساويين في الخصوص‪ ،‬أو بينهما‬
‫عموم وخصوص وجهي‪ ،‬هذا محل البحث‪ ،‬أما إذا كان أحدهما عام واآلخر خاص ما فيه مشكلة؛‬
‫يحمل العام على الخاص‪.‬‬
‫الحاالت األربع التي أشار إليها المؤلف بقوله‪ « :‬فال يخلو إما أن يكونا عامين » وهذه هي الحالة‬
‫األولى‪ ،‬أن يكونا عامين متساويين في العموم بأن يصدق كل واحد منهما على ما يصدق عليه‬
‫اآلخر‪ ،‬ومثاله‪ :‬حديث بسرة بنت صفوان‪ « :‬من مس ذكره فليتوضأ » [والحديث صحيح مخرج‬
‫في السنن ومصحح عند أهل العلم]‪ ،‬مع حديث طلق بن علي ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬سئل عن الرجل‬
‫يمس ذكره‪ :‬أعليه الوضوء؟ قال‪ « :‬ال؛ إنما هو بضعة منك » [مخرج أيضاً في السنن وصححه‬
‫جمع وحسن آخرون‪ ،‬فهو أقل في الرتبة من حديث بسرة]‪.‬‬
‫« فإن كانا عامين » فأمكن الجمع بينهما جمع‪ ،‬وإ ن لم يمكن الجمع بينهما يتوقف فيهما إن لم يعلم‬
‫التاريخ‪ ،‬فإن علم التاريخ فينسخ المتقدم بالمتأخر‪.‬‬
‫نأتي إلى مثالنا‪ « :‬من مس ذكره فليتوضأ »‪ ،‬سئل عن الرجل يمس ذكره أعليه الوضوء؟ قال‪« :‬‬
‫ال » ‪ :‬هذا تعارض بين عامين‪ ،‬هل يمكن الجمع بينهما؟ هل يمكن؟ بعضهم جمع‪ ،‬صحيح‪ ،‬جمع‬
‫بحمل األمر بالوضوء على أيش؟ على أيش؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‪ :‬ال‪ ،‬على االستحباب‪ ،‬والصارف لهذا األمر من الوجوب إلى‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫االستحباب الحديث الثاني‪ ،‬الحديث الثاني حديث طلق‪ ،‬فإن أمكن الجمع بينهما جمع‪ ،‬وإ ن لم يمكن‬
‫الجمع بينهما ‪-‬شيخ اإلسالم كأنه يميل إلى الجمع ويقول‪ :‬إن األمر بالوضوء على سبيل االستحباب‬
‫والصارف له حديث طلق بن علي‪ -‬إن لم يمكن الجمع بينهما يتوقف فيهما‪.‬‬
‫طيب‪ ،‬هل نلجأ إلى التوقف لعدم إمكان الجمع قبل أن ننظر في وجوه الترجيح‪ ،‬وقبل أن ننظر في‬
‫التاريخ؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪235‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫يتوقف فيهما إن لم يعلم التاريخ‪ ،‬وعلى هذا يقدم القول بالنسخ ‪-‬إن علم التاريخ‪ -‬على التوقف‪،‬‬
‫ويقدم عليهما الترجيح إن أمكن بوجه من وجوهه الكثيرة‪.‬‬
‫اآلن لو نظرنا عرفنا مسلك شيخ اإلسالم وهو التوفيق بينهما بحمل األمر على االستحباب‪ ،‬نأتي‬
‫إلى الترجيح‪ ،‬أكثر أهل‪ ،..‬كثير من أهل العلم ‪-‬ال أقول أكثر‪ -‬كثير من أهل العلم رجحوا حديث‬
‫بسرة‪ ،‬وقالوا‪ :‬هو أصح‪ ،‬ونص على ذلك اإلمام البخاري‪ ،‬وهو أيضاً أحوط‪ ،‬يرجح من جهات‪:‬‬
‫األولى‪ :‬ألنه أصح‪ ،‬الثانية‪ :‬ألنه أحوط‪ ،‬والثالثة‪ :‬ألنه ناقل عن البراءة األصلية‪.‬‬
‫والثاني مقرر للبراءة األصلية‪ ،‬وإ ذا أردنا أن نعبر بعبارة أخرى نقول‪ :‬مؤسس‪ ،‬وحديث طلق بن‬
‫علي مؤكد‪ ،‬أيش معنى مؤسس ومؤكد؟‬
‫حديث بسرة مؤسس لحكم جديد‪ ،‬وحديث طلق بن علي مؤكد لحكم البراءة األصلية‪ ،‬والتأسيس عند‬
‫أهل العلم أولى من التأكيد‪.‬‬
‫إن نظرنا إلى الترجيح حديث بسرة أرجح‪ ،‬إن نظرنا إلى الجمع فقد أمكن بصنيع شيخ اإلسالم‬
‫‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬بحمل األمر على االستحباب‪.‬‬
‫ننظر آخر األمور وهو النظر في التاريخ؛ لنقول بالنسخ‪ ،‬أيهما أقدم؟ أيهما أقدم؟ نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬ال هو هناك قرائن تدل على التاريخ‪ ،‬يعني طلق بن علي قدم إلى‬
‫المدينة متى؟ في أول الهجرة في أول الهجرة فهو متقدم على حديث بسرة‪ ،‬فيكون منسوخاً بحديث‬
‫بسرة‪.‬‬
‫على كل حال كل له مسلكه في التوفيق بين هذه النصوص‪ ،‬وكالم شيخ اإلسالم يجمع األقوال‪ ،‬وال‬
‫شك أن حديث بسرة أصح وأحوط‪.‬‬
‫مثل له أيضاً بحديث‪ « :‬خيركم قرني‪ ،‬ثم الذين يلونهم‪ ،‬ثم الذين يلونهم » بعد ذلك؟ نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬نعم‪ « ،‬ويظهر فيهم السمن » الشاهد ذم من يشهد قبل أن ُيستشهد‪،‬‬
‫وجاء وصفه بأنه شر الشهود‪ ،‬وجاء أيضاً‪ « :‬أال أخبركم بخير الشهود‪ ،‬الذي يأتي بشهادته قبل‬
‫أن يسألها » تعارض‪ ،‬هذا تعارض‪.‬‬
‫جمع بينهما األول يذم من يؤدي الشهادة قبل أن يستشهد إذا كان من له الشهادة عالم بهذه الشهادة‪،‬‬
‫إذا كان صاحب الشأن ‪-‬صاحب الحق‪ -‬يعرف أن عندك شهادة‪ ،‬حينئذ ال تؤديها إال إذا طلبت‬
‫منك‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪236‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫ويحمل الثاني على ما إذا لم يكن عالماً بها‪ ،‬وحينئذ يخشى من ضياع الحق‪ ،‬يخشى من ضياع‬
‫الحق‪ ،‬إذا لم يكن صاحب الحق عالماً بالشهادة التي عندك فعليك أن تبادر بأدائها؛ لئال يضيع الحق‪.‬‬
‫إن لم يمكن الجمع بوجه من الوجوه‪ ،‬ولم يمكن الترجيح‪ ،‬ولم نعرف المتقدم من المتأخر حينئذ يحكم‬
‫بالتوقف‪ ،‬والتعبير بالتوقف أولى من التعبير بالتساقط‪ ،‬أولى من التعبير بالتساقط‪ ،‬يعني التساقط بين‬
‫أيش؟‬
‫بين النصوص‪ ،‬ويمكن أن تسقط النصوص؟‬
‫ألن هذا التعارض ليس بحقيقي‪ ،‬ليس بحقيقي‪ ،‬وإ نما هو فيما يظهر للمجتهد‪ ،‬لذا يقول ابن حجر‪:‬‬
‫"ألن خفاء الترجيح إنما هو بالنسبة للمعتبر في الحال الراهنة‪ ،‬مع احتمال أن يظهر لغيره ما خفي‬
‫عليه"‪.‬‬
‫من األمثلة‪ :‬قوله تعالى‪ ﴿ :‬أ َْو َما َملَ َك ْت أ َْي َما ُن ُك ْم ﴾ [ سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪ ،] 3 :‬مع قوله ‪-‬جل‬
‫ُختَْي ِن ﴾ [ سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪ ،] 23 :‬فاآلية األولى‪ ﴿ :‬أ َْو َما‬
‫وعال‪َ ﴿ :-‬وأَن تَ ْج َم ُعواْ َب ْي َن األ ْ‬
‫ُختَْي ِن ﴾ بعمومها تشمل‬
‫َملَ َك ْت أ َْي َما ُن ُك ْم ﴾ بعمومها تشمل األختين‪ ،‬والثانية‪َ ﴿ :‬وأَن تَ ْج َم ُعواْ َب ْي َن األ ْ‬
‫ملك اليمين‪ ،‬اآلية األولى‪ ﴿ :‬أ َْو َما َملَ َك ْت أ َْي َما ُن ُك ْم ﴾ شاملة لألختين وغيرهما‪ ،‬لكنها خاصة بملك‬
‫اليمين‪ ،‬واآلية الثانية عامة في ملك اليمين والحرائر من الزوجات ‪،‬لكنها خاصة باألختين‪ ،‬ويمكن‬
‫أن يجعل هذا المثال للصورة األخيرة‪ ،‬وهو العموم والخصوص الوجهي‪ ،‬ولذا توقف كثير من أهل‬
‫العلم للتوفيق بين هاتين اآليتين‪ ،‬لماذا؟ حتى قال قائلهم‪ :‬أحلتهما آية وحرمتهما آية‪ ،‬أحلتهما‪ ﴿ :‬أ َْو‬
‫ُختَْي ِن ﴾‬
‫َما َملَ َك ْت أ َْي َما ُن ُك ْم ﴾ [ سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪ ،] 3 :‬وحرمتهما‪َ ﴿ :‬وأَن تَ ْج َم ُعواْ َب ْي َن األ ْ‬
‫[ سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪ ،] 23 :‬وعلى كل حال يمكن يرجح التحريم؛ ألنه أحوط؛ واألبضاع‬
‫االحتياط لها مطلوب‪.‬‬
‫إن علم التاريخ نسخ المتقدم بالمتأخر ‪-‬كما تقدم في مبحث األسبوع الماضي‪ -‬ومثال ذلك آيتي‬
‫المصابرة‪ ،‬وقوله ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ « :-‬كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها »‪ ،‬والعلم‬
‫اآلن َخفَّ َ‬
‫ف اللّ ُه‬ ‫بالتاريخ « كنت نهيتكم » فافعلوا‪ ،‬واضح‪ ،‬ومثله أيضاً ما جاء في آية المصابرة ﴿ َ‬
‫َعن ُك ْم ﴾ [ سورة األنفال‪ ،‬اآلية ‪.] 66 :‬‬
‫الحالة الثانية‪ :‬أن يكون التعارض بين نطقين خاصين متساويين في الخصوص‪ ،‬ومثال ذلك‪ :‬حديث‬
‫جابر في صفة حج النبي ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬أنه ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬صلى الظهر يوم‬
‫النحر بمكة‪ ،‬قصة جابر‪ ،‬قصة أو حديث جابر في صفة حج النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬مخرجة‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪237‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫في الصحيح ‪-‬صحيح مسلم‪" :-‬صلى الظهر يوم النحر بمكة"‪ ،‬وحديث ابن عمر ‪-‬وهو أيضاً‬
‫تعارض نطقان وإ ال فعالن؟‬
‫صحيح‪ -‬أن النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬صالها بمنى‪َ ،‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬صحيح‪ ،‬نطقان‪ ،‬في حديث جابر أن النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪-‬‬
‫صلى الظهر يوم النحر بمكة‪ ،‬وحديث ابن عمر أن النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬صالها بمنى‪،‬‬
‫وكالهما في الصحيح‪ ،‬يقول النووي‪ :‬ووجه الجمع بينهما أنه ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬طاف‬
‫لإلفاضة قبل الزوال‪ ،‬ثم صلى الظهر بمكة‪ ،‬يعني على مقتضى ما جاء في حديث جابر في أول‬
‫وقتها‪ ،‬ثم رجع إلى منى فصلى بها الظهر مرة أخرى بأصحابه حينما سألوه ذلك‪.‬‬
‫الن ِب ُّي إِ َّنا أ ْ‬
‫َحلَ ْل َنا‬ ‫ُّها َّ‬
‫إن لم يمكن الجمع وعلم التاريخ فالثاني ناسخ‪ ،‬كما في قوله ‪-‬جل وعال‪َ ﴿ :-‬يا أَي َ‬
‫ِ‬
‫ور ُه َّن ﴾ [ سورة األحزاب‪ ،‬اآلية ‪ ،] 50 :‬مع قوله ‪-‬جل وعال‪ ﴿ :-‬اَل‬ ‫اج َك الاَّل تي آتَْي َت أ ُ‬
‫ُج َ‬ ‫َل َك أ َْز َو َ‬
‫س ُن ُه َّن ﴾‬
‫َع َج َب َك ُح ْ‬ ‫َّل ِب ِه َّن ِم ْن أ َْز َو ٍ‬
‫اج َولَ ْو أ ْ‬ ‫ساء ِمن َب ْع ُد َواَل أَن تََبد َ‬ ‫َي ِح ُّل لَ َك ِّ‬
‫الن َ‬
‫[ سورة األحزاب‪ ،‬اآلية ‪ ،] 52 :‬فالثانية ال شك أنها ناسخة لألولى‪ ،‬نعم؟‬
‫طالب‪ ....:‬كالم النووي‪...‬؟‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬كيف؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬يعني مثل ما كان معاذ يصلي مع النبي ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬ثم‬
‫يصلي بقومه‪ ،‬فيه إشكال؟ فيه مشكلة؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬نافلة إيه‪ ،‬لذا يختلفون في صالة المفترض خلف المتنفل‪ ،‬يقول الناظم‬
‫من االختيارات‪:‬‬

‫وعند أبي العباس ذلك جائز *** لفعل معاذ مع صحابة أحمد‬
‫يصلي بهم نفالً وهم ذوو فريضة *** وقد كان قد صلى الفرض خلف محمد‬

‫المقصود أن المسألة ما فيها إشكال؛ كونك تصلي فريضة‪ ،‬ثم تعيدها نافلة عند قومك أو معهم ما‬
‫فيه إشكال‪ « ،‬إذا صليتما في رحالكما »‪ ،‬ثم جئت والجماعة قد صلوا صلي معهم ما فيه إشكال‪.‬‬
‫إن لم يمكن الجمع وال عرف التاريخ فالترجيح‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪238‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫الترجيح‪ :‬زواج النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬بميمونة ‪-‬ميمونة بنت الحارث‪ -‬في الصحيح من‬
‫حديثها أن النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬تزوجها وهو حالل‪ ،‬ومن حديث أبي رافع كذلك‪ ،‬نعم؟‬
‫وأيش هو؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬حديث ميمونة‪ ،‬تزوجها النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬وهو حالل‪،‬‬
‫من حديثها ومن حديث أبي رافع‪ ،‬لكن ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس أن النبي ‪-‬عليه‬
‫الصالة والسالم‪ -‬زوجها وهو محرم‪ ،‬تزوجها وهو محرم" ‪.‬‬
‫هنا الترجيح‪ ،‬رجح أهل العلم حديث ميمونة وحديث أبي رافع على حديث ابن عباس؛ ألن ميمونة‬
‫صاحبة القصة ‪-‬صاحبة الشأن‪ -‬اإلنسان يضبط ما يتعلق به أكثر من ضبطه لما يتعلق بغيره‪،‬‬
‫فميمونة صاحبة الشأن ال شك أنها تضبط هذه القصة أكثر من ضبط ابن عباس‪ ،‬وأبو رافع كان‬
‫السفير بينهما ‪-‬بين النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬وميمونة‪ -‬الرسول‪ ،‬سفير بينهما‪ ،‬ورافع سفير‬
‫بينهما ‪-‬يعني رسول أرسله النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬يخطبها‪ -‬فالمقصود أنه له عالقة‬
‫بالقصة‪ ،‬فحديث ميمونة وما يشهد له من حديث أبي رافع مرجح‪.‬‬
‫أوجه الترجيح كثيرة جداً‪ ،‬يعني يرجح أهل العلم أحياناً بأدنى مرجح؛ قد يحتاج إلى أدنى مرجح‬
‫لماذا؟ لرفع التعارض بين النصوص‪ ،‬ولذا كثرت المرجحات عند أهل العلم‪.‬‬
‫الحازمي في (مقدمة االعتبار في معرفة الناسخ والمنسوخ من اآلثار)‪ ،‬ذكر خمسين وجهاً من‬
‫وجوه الترجيح‪ ،‬خمسين وجهاً من وجوه الترجيح‪.‬‬
‫وأوصلها الحافظ العراقي ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬إلى المائة‪ ،‬لكن السيوطي حصرها في ثمانية أقسام‪،‬‬
‫وجعل تحت كل قسم فروع‪ ،‬أقسام رئيسية؛ لتكون القسمة حاصرة يسهل يعني ضبط هذه األقسام‬
‫وهذه األوجه باألقسام الرئيسية‪ ،‬ثم ما تفرع عنها‪ ،‬وأحياناً نحتاج إلى الترجيح بالقشة؛ ألن الترجيح‬
‫مهما كان ضعفه أولى من التوقف‪ ،‬على أن من أهل العلم من يستروح ويميل إلى العمل بالنصين‬
‫معاً‪ ،‬يعمل بهذا أحياناً وبهذا أحياناً إذا خفي الترجيح‪ ،‬وبعضهم يتوقف‪ ،‬هذا إذا أمكن العمل‬
‫بالنصين‪ ،‬أما إذا لم يمكن العمل بأن كان التعارض كلياً فإنه حينئذ ال يلجأ لمثل هذا‪.‬‬
‫إذا كان التعارض بين نطقين أحدهما عام واآلخر خاص هذا ما فيه إشكال‪ ،‬ما في إشكال في هذه‬
‫الحالة‪ ،‬ونؤكد على مسألة التعارض؛ ألنه قد يذكر العام ويأتي نص خاص موافق له في الحكم‪ ،‬هذا‬
‫ما نحتاج إلى كبير عمل‪ ،‬ما نحتاج إلى أي عمل بالنسبة لهذا؛ ألن التنصيص على بعض أفراد‬
‫العام ال يقتضي التخصيص لعدم وجود التعارض‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪239‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫إذا تعارض نطقان أحدهما عام واآلخر خاص‪ ،‬يعني عموم وخصوص كلي‪ ،‬حينئذ يخص العام‬
‫فيخص العام بالخاص‪ :‬مثلوا لذلك‬
‫ّ‬ ‫بالخاص‪ ،‬ولذا يقول‪ :‬وإ ن كان أحدهما عاماً واآلخر خاصاً‬
‫بحديث « فيما سقت السماء العشر »‪ ،‬فيما سقت السماء العشر » [الحديث متفق عليه]‪ :‬وهو عام‬
‫في القليل والكثير مما تخرجه األرض‪ ،‬يخصصه حديث‪ « :‬ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة »‬
‫[وهو أيضاً متفق عليه]‬
‫ط ُعواْ أ َْي ِد َي ُه َما ﴾ [ سورة المائدة‪ ،‬اآلية ‪: ] 38 :‬‬ ‫الس ِ‬
‫ارقَ ُة فَا ْق َ‬ ‫ق َو َّ‬ ‫الس ِ‬
‫ار ُ‬ ‫من أمثلته‪ :‬قوله تعالى‪َ ﴿ :‬و َّ‬
‫السارق‪ :‬جنس يطلق على من أخذ من مال غيره خفية‪ ،‬حتى قال بعضهم‪ :‬من حرز‪ ،‬ال يعني أن‬
‫هذا الكالم‪ ،..‬أن الحرز ليس بشرط‪ ،‬ال‪ ،‬شرط‪ ،‬لكن قال بعضهم‪ :‬إن الحرز يؤخذ من لفظ السرقة‪،‬‬
‫السرقة يقولون‪ :‬من مفهومها األخذ بخفية من حرز‪ ،‬لكن ليس من مفهومها النصاب‪ ،‬فالمسروق‬
‫يشمل القليل والكثير‪ ،‬يخصصه حديث‪ « :‬ال تقطع يد السارق إال في ربع دينار فصاعداً » هذا‬
‫خاص لما يبلغ النصاب‪.‬‬
‫الحالة الرابعة‪ :‬وهي التي تحتاج إلى مزيد بحث وعناية وانتباه‪ ،‬وهي فيما إذا كان التعارض بين‬
‫نصين بينهما عموم وخصوص وجهي‪.‬‬
‫يقول‪ « :‬وإ ن كان كل واحد منهما عاماً من وجه وخاصاً من وجه‪ ،‬فيخص عموم كل واحد منهما‬
‫بخصوص اآلخر » هذه آخر الصور‪ ،‬وهي أعقدها‪ ،‬فتحتاج إلى مزيد انتباه‪ ،‬نعم عرضنا لها في‬
‫مناسبات كثيرة‪ ،‬ومثلنا لها ونظَّرنا‪ ،‬لكنها تحتاج إلى مزيد انتباه؛ ألنها من أعقد مسائل األصول‪.‬‬
‫أيش يقول المؤلف؟‬
‫« وإ ن كان كل واحد منهما عاماً من وجه وخاصاً من وجه‪ ،‬فيخص عموم كل واحد منهما‬
‫َّص َن‬
‫اجا َيتََرب ْ‬ ‫ين ُيتََوفَّ ْو َن ِمن ُك ْم َو َي َذ ُر َ‬
‫ون أ َْز َو ً‬ ‫بخصوص اآلخر » عندنا في قوله تعالى‪َ ﴿ :‬والَّ ِذ َ‬
‫متوفى عنها‪،‬‬
‫ً‬ ‫ش ًرا ﴾ [ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪ ،] 234 :‬هذا عام في كل‬ ‫ِبأَنفُ ِس ِه َّن أ َْر َب َع َة أَ ْ‬
‫ش ُه ٍر َو َع ْ‬
‫سواء كانت حامالً أو حائالً‪ ،‬لكنه خاص بالمتوفى عنها‪.‬‬
‫ً‬ ‫سواء كانت حامالً أو غير حامل‪،‬‬
‫ً‬
‫متوفى عنها من حامل وحائل‪ ،‬وخصوص هذه اآلية يكمن في كون‬ ‫عموم هذه اآلية في شمولها كل‬
‫ً‬
‫متوفى عنها ال غير‪.‬‬ ‫هذه المرأة‬
‫ً‬
‫ض ْع َن َح ْملَ ُه َّن ﴾ [ سورة الطالق‪ ،‬اآلية ‪:‬‬
‫َجلُ ُه َّن أَن َي َ‬ ‫َحم ِ‬
‫ال أ َ‬ ‫ت اأْل ْ َ‬
‫مع قوله ‪-‬جل وعال‪َ ﴿ :-‬وأ ُْواَل ُ‬
‫سواء كان الفراق بسبب الطالق أو الوفاة‪ ،‬لكنه خاص بأوالت‬
‫ً‬ ‫‪ ،] 4‬هذه اآلية عامة في كل مفارقة‪،‬‬
‫األحمال‪ ،‬ظاهر ما بين النصين من التعارض؟ ظاهر ما بينهما من العموم و الخصوص؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪240‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫يعني إذا جاءك شخص قال‪ :‬إن أباه توفي نعم‪ ،‬وترك أمه وهي حبلى‪ ،‬يعني لو قلت‪َ ﴿ :‬والَِّذ َ‬
‫ين‬
‫ش ًرا ﴾ في أحد بينتقدك؟ ألنك‬ ‫َّص َن ِبأَنفُ ِس ِه َّن أ َْر َب َع َة أَ ْ‬
‫ش ُه ٍر َو َع ْ‬ ‫اجا َيتََرب ْ‬ ‫ُيتََوفَّ ْو َن ِمن ُك ْم َو َي َذ ُر َ‬
‫ون أ َْز َو ً‬
‫متوفى عنها يلزمها أن تتربص أربعة أشهر وعشراً‪ ،‬يعني لو لم‬ ‫استدللت بنص قطعي باآلية‪ ،‬هذه‬
‫ً‬
‫يرد في الباب إال هذه اآلية‪ ،‬نعم‪ ،‬لكن للطرف اآلخر أن يقول‪ :‬ال يا أخي يقول اهلل ‪-‬جل وعال‪﴿ :-‬‬
‫متوفى عنها‪ ،‬وهذه‬ ‫ض ْع َن َح ْملَ ُه َّن ﴾‪ ،‬واآلية األولى تتناول كل‬
‫َجلُ ُه َّن أَن َي َ‬ ‫َحم ِ‬
‫ال أ َ‬
‫ً‬ ‫ت اأْل ْ َ‬
‫َوأ ُْواَل ُ‬
‫المذكورة في السؤال فرد من أفراد من توفي عنهن‪ ،‬كما أنها فرد من أفراد اآلية الثانية ‪-‬أوالت‬
‫األحمال‪-‬؛ ألنها حبلى –حامل‪ -‬ظاهر وإ ال ما هو بظاهر؟‬
‫يعني ليس استدالل من استدل باآلية األولى أولى بالقبول ممن استدل باآلية الثانية‪ ،‬وهنا يكمن‬
‫الصعوبة في مثل هذه الصورة‪.‬‬
‫تفضل ِّأذن‪.‬‬
‫متوفى عنها تتربص أربعة‬ ‫أقول‪ :‬هذه المسألة تحتاج إلى مزيد انتباه؛ اآلية األولى تدل على أن كل‬
‫ً‬
‫أشهر وعشر ليال‪ ،‬وتشمل بعمومها الحامل وغير الحامل‪ ،‬لكنها خاصة بالمتوفى عنها‪ ،‬واآلية‬
‫سواء كانت بمفارقة أو طالق‪ ،‬لكنها خاصة بأوالت األحمال‪.‬‬
‫ً‬ ‫الثانية تشمل كل مفارقة‬
‫هنا عموم وخصوص وجهي‪ ،‬ماذا يقول المؤلف؟‬
‫« فيخص عموم كل واحد منهما بخصوص اآلخر » يخص عموم كل واحد منهما بخصوص‬
‫اآلخر‪ :‬أنا ال أستوعب مثل هذا الكالم‪ ،‬كيف يخص عموم كل واحد منهما بخصوص اآلخر؟‬
‫اآلن التساوي من كل وجه‪ ،‬التساوي من كل وجه‪ ،‬فإذا خصصنا عموم اآلية األولى بخصوص‬
‫اآلية الثانية قال لنا الطرف اآلخر‪ :‬ال يا أخي‪ ،‬لماذا ال نخصص عموم اآلية الثانية بخصوص اآلية‬
‫األولى؟‬
‫ظاهر وإ ال ما هو بظاهر؟ إذن نحتاج إلى أيش؟‬
‫مرجح خارجي من غير النصين‪ ،‬نحتاج إلى مرجح خارجي من غير هذين النصين؛ ألننا كوننا‬
‫نرجح خصوص عموم اآلية األولى بخصوص اآلية الثانية والعكس ما سوينا شيئاً‪ ،‬ما يمكن في‬
‫متوفى عنها وحامل‪ ،‬ال بد أن‬ ‫مثل هذا المثال الذي بين أيدينا‪ ،‬إذا قال لك شخص‪ :‬واهلل هذه زوجة‬
‫ً‬
‫متوفى عنها ال بد أن تمكث أربعة‬ ‫تمكث أربعة أشهر وعشراً؛ ألن اآلية األولى تدل على ذلك‪ ،‬هي‬
‫ً‬
‫أشهر وعشراً‪ ،‬يقول لك الثاني‪ :‬ال‪ ،‬هذه ذات حمل‪ ،‬واهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬يقول‪:‬‬
‫ض ْع َن َح ْملَ ُه َّن ﴾ ‪ :‬هذا خاص بذوات األحمال‪ ،‬نقول‪ :‬فيه عموم من‬
‫َجلُ ُه َّن أَن َي َ‬ ‫َحم ِ‬
‫ال أ َ‬ ‫ت اأْل ْ َ‬
‫﴿ َوأ ُْواَل ُ‬
‫وجه آخر‪ ،‬وهو أنه شامل للمتوفى عنها والمطلقات‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪241‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫إذن نحتاج إلى مرجح خارجي‪ ،‬يعني لوجود مثل هذا التعارض قال بعضهم‪ :‬المتوفى عنها الحامل‬
‫تعتد بأيش؟‬
‫بأقصى األجلين؛ لتخرج من العدة بيقين‪ ،‬يعني لو بعد شهر ولدت تخرج من العدة؟‬
‫على هذا الكالم ما تخرج حتى تمكث أربعة أشهر وعشراً‪ ،‬إذا ولدت بعد سبعة أشهر تخرج من‬
‫العدة إذا أكملت أربعة أشهر وعشراً؟‬
‫ال‪ ،‬حتى تضع الحمل؛ قيل بذلك‪ ،‬ثم ارتفع هذا الخالف وأجمع أهل العلم على أن الحامل المتوفى‬
‫عنها تخرج من العدة بأيش؟ بوضع الحمل؛ والمرجح حديث سبيعة‪ ،‬حديث سبيعة األسلمية ‪-‬وهو‬
‫في الصحيحين‪ -‬حديث سبيعة األسلمية أنها كانت تحت سعد بن خولة‪ ،‬وهو من بني عامر بن‬
‫لؤي‪ ،‬وكان ممن شهد بدراً فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل‪ ،‬فلم تنشب أن وضعت حملها‬
‫للخطَّاب‪ ،‬فدخل عليها أبو السنابل ابن بعكك‬
‫بعد وفاته ‪-‬يعني بيسير‪ -‬فلما تعلت من نفاسها تجملت ُ‬
‫‪-‬رجل من بني عبد الدار‪ -‬فقال لها‪ :‬ما لي أراك متجملة‪ ،‬لعلك ترجين للنكاح‪ ،‬واهلل ما أنت بناكح‬
‫علي ثيابي حين‬
‫حتى يمر عليك أربعة أشهر وعشراً‪ ،‬قالت سبيعة‪" :‬فلما قال لي ذلك‪ ،‬جمعت ّ‬
‫أمسيت‪ ،‬فأتيت رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬فسألته عن ذلك‪ ،‬فأفتاني بأني قد حللت حين‬
‫وضعت حملي‪ ،‬وأمرني بالتزويج إن بدا لي"‪ ،‬هذا مرجح أليش؟‬
‫اجا‬ ‫ين ُيتََوفَّ ْو َن ِمن ُك ْم َو َي َذ ُر َ‬
‫ون أ َْز َو ً‬ ‫لكون الحامل المتوفى عنها كالمطلقة‪ ،‬فتخرج من عموم‪َ ﴿ :‬والَّ ِذ َ‬
‫ش ًرا ﴾ لهذا الحديث الخاص‪ ،‬فاحتجنا إلى مرجح خارجي‪.‬‬ ‫َّص َن ِبأَنفُ ِس ِه َّن أ َْر َب َع َة أَ ْ‬
‫ش ُه ٍر َو َع ْ‬ ‫َيتََرب ْ‬
‫يقول ابن دقيق العيد ‪-‬وهذا الكتاب الذي يشرح فيه ابن دقيق العيد العمدة خير ما يتمرن عليه طالب‬
‫العلم في ربط الفروع باألصول ‪-‬يعني هذا الكتاب ‪-‬صحيح فيه صعوبة‪ ،‬الكتاب فيه صعوبة‪ ،‬لكن‬
‫فائدته عظمى‪ ،‬يعني الذي ينفق عليه وقتاً طويالً ويفهمه‪ ،‬يستفيد فائدة ال تقدر؛ فيه كالم ال يوجد في‬
‫المطوالت‪ ،‬حواشي الصنعاني عليه أيضاً نافعة‪ ،‬لكن العبرة بكالم ابن دقيق العيد‪ -‬اسمعوا ما يقول‬
‫ابن دقيق العيد‪ :‬في الحديث دليل على أن الحامل تنقضي عدتها بوضع الحمل أي وقت كان‪ ،‬وهو‬
‫مذهب فقهاء األمصار‪ ،‬وقال بعضهم من المتقدمين‪ :‬إن عدتها أقصى األجلين‪ ،‬فإن تقدم وضع‬
‫الحمل على تمام أربعة أشهر وعشراً انتظرت تمامها‪ ،‬وإ ن تقدمت األربعة األشهر والعشر على‬
‫وضع الحمل انتظرت وضع الحمل‪ ،‬وقيل‪ :‬إن بعض المتأخرين من المالكية‪ :‬اختار هذا المذهب‪،‬‬
‫وهو سحنون‪.‬‬
‫ين ُيتََوفَّ ْو َن ِمن ُك ْم ﴾ اآلية‪ ،‬مع قوله تعالى‪:‬‬
‫وسبب الخالف‪ :‬تعارض عموم قوله تعالى‪َ ﴿ :‬والَِّذ َ‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪242‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫ض ْع َن َح ْملَ ُه َّن ﴾؛ فإن كل واحدة من اآليتين عام من وجه‪ ،‬وخاص‬


‫َجلُ ُه َّن أَن َي َ‬ ‫َحم ِ‬
‫ال أ َ‬ ‫ت اأْل ْ َ‬
‫﴿ َوأ ُْواَل ُ‬
‫من وجه‪ ،‬فاآلية األولى‪ :‬عامة في المتوفى عنهن أزواجهن‪ ،‬سواء كن حوامل أم ال‪ ،‬والثانية‪ :‬عامة‬
‫في أوالت األحمال‪ ،‬سواء كن متوفى عنهن أم ال‪.‬‬
‫ولعل هذا التعارض هو السبب الختيار من اختار أقصى األجلين؛ لعدم ترجيح أحدهما على اآلخر‪:‬‬
‫ال يمكن الترجيح‪ ،‬وذلك يوجب أن ال يرفع تحريم العدة السابق إال بيقين الحل‪ ،‬وذلك بأقصى‬
‫األجلين‪ ،‬غير أن فقهاء األمصار اعتمدوا على هذا الحديث ‪-‬حديث سبيعة‪ -‬يعني فجعلوه مرجحاً؛‬
‫ين ُيتََوفَّ ْو َن ِمن ُك ْم ﴾ مع ظهور المعنى في حصول البراءة‬
‫فإنه تخصيص لقوله تعالى‪َ ﴿ :‬والَِّذ َ‬
‫بوضع الحمل‪[ .‬هذا كالمه في هذه المسألة وهو ظاهر]‪.‬‬
‫نأتي إلى مسائل أخرى تزيد هذه الصورة وضوحاً‪ ،‬تزيد هذه الصورةـ وضوحاً‪ ،‬وإ ن كنا بسطناها‬
‫في مواضع‪ ،‬لكن ما يمنع أننا نعيدها للمناسبة‪ :‬عندنا أحاديث النهي عن الصالة في األوقات‬
‫الخمسة ‪-‬وأنا أعرف أن بعض اإلخوان يم ّل مثل هذا الكالم لكثرة ما أعدناه في مناسبات كثيرة؛‬
‫يرد في الفقه ويرد في الحديث‪ ،‬ويرد في كل كتاب من كتب السنة‪ ،‬ويرد في مثل هذا الموضع‪،‬‬
‫لكن هذه مناسبته‪ -‬أحاديث النهي عن الصالة في األوقات الخمسة‪ ،‬مع ما جاء فيما يخص ذوات‬
‫األسباب‪.‬‬
‫أحاديث النهي‪ :‬منها حديث عقبة بن عامر‪" :‬ثالث ساعات كان رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪-‬‬
‫ينهانا أن نصلي فيهن‪ ،‬وأن نقبر فيهن موتانا"‪ ،‬فذكر األوقات الثالثة المضيقة‪" :‬حينما تطلع الشمس‬
‫بازغة حتى ترتفع‪ ،‬وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول الشمس‪ ،‬وحين تتضيف الشمس للغروب‬
‫حتى تغرب"‪ ،‬هذه ثالثة أوقات‪ ،‬مع النهي عن الصالة بعد طلوع الصبح إلى طلوع الشمس‪ ،‬وبعد‬
‫صالة العصر إلى أن تتضيف الشمس للغروب‪ ،‬فاألوقات خمسة‪ ،‬مثل هذه األحاديث التي تنهى عن‬
‫الصالة في هذه األوقات معارض بمثل قوله ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ « :-‬إذا دخل أحدكم المسجد‬
‫فال يجلس حتى يصلي ركعتين » وهناك أحاديث أخرى فيها الصالة في هذه األوقات‪.‬‬
‫أحاديث النهي فيها عموم وفيها خصوص‪ ،‬أحاديث ذوات األسباب‪ ،‬ونمثلها بتحية المسجد فيها‬
‫عموم وخصوص‪ ،‬عموم وخصوص وجهي‪ ،‬أحاديث النهي عامة في جميع الصلوات‪،‬ـ خاصة في‬
‫هذه األوقات‪ ،‬أحاديث ذوات األسباب عمومها في األوقات‪ ،‬خصوصها في الصلوات‪.‬ـ‬
‫األئمة الثالثة ‪-‬أبو حنيفة ومالك وأحمد‪ -‬مذهب المالكية والحنفية والحنابلة عملوا بأحاديث النهي‪،‬‬
‫ومنعوا من التطوع في هذه األوقات مهما كان سبب الحمل على ذلك –وأقول‪ :‬التطوع؛ ألن‬
‫الفرض خارج من الخالف‪ -‬الشافعية في مقابل الثالثة عملوا بخصوص أحاديث ذوات األسباب‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪243‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫في مقابل عموم أحاديث النهي‪ ،‬فإذا قال الحنفي أو المالكي أو الحنبلي‪ :‬أحاديث النهي خاصة‪،‬‬
‫وأحاديث ذوات األسباب عامة ‪-‬وله أن يقول ذلك؛ ألن فيها عموم وخصوص‪ -‬يقول له الطرف‬
‫األخر‪ :‬أحاديث ذوات األسباب خاصة‪ ،‬يعني في هذه الصلوات‪ ،‬وهي عامة في األوقات‪ ،‬فليس‬
‫قبول قول أحدهما بأولى بالقبول من قول اآلخر؛ هما قوالن متكافئان من كل وجه من حيث‬
‫النصوص‪ ،‬العموم والخصوص وجهي‪ ،‬ظاهر التعارض و إال ما هو بظاهر؟ ظاهر؟‬
‫يعني للحنفي أو الحنبلي أو المالكي أن يقول‪ :‬أحاديث ذوات األسباب عامة‪ ،‬وأحاديث النهي‬
‫خاصة‪ ،‬وكالمه صحيح؛ أحاديث ذوات األسباب عامة في األوقات‪ ،‬وأحاديث النهي خاصة في هذه‬
‫األوقات‪ ،‬للطرف اآلخر –الشافعي‪ -‬يقول‪ :‬العكس أحاديث النهي عامة في جميع الصلوات‪،‬ـ‬
‫وأحاديث ذوات األسباب خاصة بهذه الصلوات‪ ،‬وليس قول أحدهما بأولى بالقبول من اآلخر‪،‬‬
‫وعرفنا السبب أن العموم والخصوص وجهي‪ ،‬وبهذا نعرف أن من يتعرض لبحث هذه المسألة‬
‫ويقول‪ :‬عموم وخصوص‪ ،‬والخاص مقدم على العام‪ ،‬ويأتي يتنفل في أي وقت هذا كالم فيه ما فيه‪.‬‬
‫أقول‪ :‬في الطرفين عموم وخصوص‪ ،‬وال يمكن التوفيق بين هذه النصوص إال بمرجح خارجي‪،‬‬
‫يعني إذا أردنا أن نسلك ما قاله المؤلف‪ ،‬نخصص عموم أحدهما بخصوص اآلخر‪ ،‬كيف نخصص‬
‫عموم أحدهما؟ يمكن؟ ما يمكن‪ ،‬إذن ال بد من مرجح خارجي‪ ،‬هناك في المسألة األولى طلبنا‬
‫مرجحاً خارجياً فوجدنا حديث سبيعة‪.‬‬
‫هنا نحتاج إلى مرجح خارجي‪ ،‬الذين يمنعون من إيقاع النوافل في هذه األوقات ولو كانت ذوات‬
‫أسباب يقولون‪ :‬الحظر مقدم على اإلباحة‪ ،‬أنت أمرت بالصالة إذا دخلت المسجد‪ ،‬لكن من الذي‬
‫نهاك عن الصالة في هذه األوقات؟ أليس هو الذي أمرك؟‬
‫يقولون‪ :‬الحظر مقدم على اإلباحة‪ ،‬ال شك أن النهي ويلتحق به قواعد‪ :‬درء المفاسد مقدم على‬
‫جلب المصالح‪ ،‬فعلى هذا نترك المحظور‪ ،‬وإ ن ترتب عليه ترك مأمور؛ ألنه في الحديث الصحيح‪:‬‬
‫« إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم‪ ،‬وإ ذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه> »‪ ،‬فال شك أن القائل‪:‬‬
‫بأن الحظر مقدم على اإلباحة يوافق عليه الشافعية‪ ،‬وبهذا يرجح قول األئمة الثالثة‪ ،‬وهو أن الداخل‬
‫إلى المسجد ال يتنفل في األوقات الخمسة‪ ،‬من هذه الحيثية رجحوا بهذا بالقاعدة‪ ،‬بالمقابل للشافعية‬
‫أن يقولوا ‪-‬أن يرجحوا قولهم بقواعد أخرى‪ -‬يقولون‪ :‬العموم المحفوظ أولى من العموم الذي دخله‬
‫الخصوص‪ ،‬فالعموم المحفوظ أقوى؛ ألن العموم يضعف بقدر ما يدخله من المخصصات‪ ،‬وعموم‬
‫أحاديث ذوات األسباب محفوظ وإ ن دخله خصوص أحاديث النهي‪ ،‬يعني نستحضر خصوص‬
‫أحاديث النهي وأنه دخل عموم أحاديث ذوات األسباب‪ ،‬لكن ما دخل عموم أحاديث النهي من‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪244‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫المخصصات أكثر مما دخل عموم أحاديث ذوات األسباب من المخصصات‪ ،‬فعلى هذا يبقى عموم‬
‫أحاديث ذوات األسباب أقوى من عموم أحاديث النهي‪ ،‬وبهذا يرجح الشافعية مذهبهم‪.‬‬
‫وما زالت المسألة من عضل المسائل‪ ،‬حتى قال جمع من أهل العلم‪ :‬ال تدخل المسجد في أوقات‬
‫النهي؛ لئال تقع في الحرج؛ ألنك إن صليت عارضت حديث النهي‪ ،‬وحديث النهي صحيح‪ ،‬وإ ن‬
‫جلست عارضت األمر‪ ،..‬أو النهي عن الجلوس حتى تصلي ركعتين‪.‬‬
‫قال بعضهم‪ :‬ال تدخل في أوقات النهي؛ دفعاً لهذا الحرج‪ ،‬وبعضهم قال‪ :‬ادخل لكن ال تجلس‪،‬‬
‫المسألة من عضل المسائل فيما قرره أهل العلم‪ ،‬ليست من السهولة بمكان بحيث يدخل اإلنسان قبل‬
‫غروب الشمس بخمس دقائق ويتنفل‪ ،‬ونفسه تطيب بهذا ومرتاح وما كأنه خالف شيئاً‪ ،‬بعض أهل‬
‫العلم يقول‪ :‬ال تدخل في هذا الوقت؛ منعاً للحرج‪ ،‬وبعضهم يقول‪ :‬إذا دخلت ال تجلس‪.‬‬
‫قول الظاهرية في هذا غير معتبر؛ ألنهم يقولون‪ :‬إذا دخلت اضطجع‪ ،‬فما تصير جلست وال صليت‬
‫في وقت النهي‪ ،‬لكنه الئق بمذهبهم‪.‬‬
‫على كل حال نعود إلى المسألة وهي تحتاج إلى مزيد مرجحات‪ ،‬والمرجح مع من يعمل بأحاديث‬
‫النهي‪ ،‬وهم الجمهور‪ ،‬ويمنعون من الصالة في أوقات النهي‪.‬‬
‫ِّ‬
‫المرجح عرفناه‪ ،‬أن الحظر مقدم على اإلباحة‪ ،‬أن تأتي بصالة‪ ،‬صحيح أنك أمرت بها‪ ،‬لكن من‬
‫الذي نهاك عن الصالة في هذه األوقات؟ هو الذي أمرك‪ ،‬والنهي أقوى من األمر عند أهل العلم‪،‬‬
‫ودليله كما ذكرنا‪ « :‬إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه> ما استطعتم »‪ ،‬أنا ال أستطيع أن أصلي في وقت‬
‫النهي؛ ألني منهي عن الصالة في هذا الوقت‪ « ،‬وإ ذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه> » ما في مثناوية‪.‬‬
‫للقول‪ ،..‬لمن يقول بالقول اآلخر مرجحه‪ ،‬وهو قول معتبر عند أهل العلم‪ ،‬لكن ليس من السهولة‬
‫بمكان أن يدخل اإلنسان في أي وقت يتنفل ونفسه تطيب بذلك ومرتاح‪ ،‬ال‪.‬‬
‫والذي أرجحه أن أوقات النهي الموسعة األمر فيه سعة‪ ،‬يعني إذا دخلت بعد صالة الصبح تنفل‪،‬‬
‫دخلت بعد صالة العصر تنفل؛ ألنك مأمور بأن تتنفل‪ ،‬صحيح أنك منهي‪ ،‬لكن ليس مثل النهي عن‬
‫الصالة في األوقات المضيقة؛ ألن النهي عن الصالة في األوقات الموسعة قرر أهل العلم كابن عبد‬
‫البر وابن رجب وغيرهم أن النهي عن الصالة في الوقتين الموسعين‪ ،‬نعم؛ لئال يسترسل اإلنسان‬
‫فيصلي في األوقات المضيقة‪ ،‬فالنهي عن الصالة فيها من باب منع الوسائل‪ ،‬والنهي عن الصالة‬
‫في األوقات المضيقة الثالثة‪ ،‬وهي أشد‪ ،‬النهي فيها أشد؛ ألن النهي فيها عن الصالة وعن الدفن‬
‫‪-‬دفن األموات‪ -‬بينما الوقتين الموسعين األمر فيهما أوسع؛ وقد أقر النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪-‬‬
‫من قضى راتبة الصبح بعد صالة الصبح‪ ،‬مع أنه وقت نهي‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪245‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫وقضى النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬راتبة الظهر بعد صالة العصر‪ ،‬فدل على أن األمر فيه‬
‫أوسع‪ ،‬بينما إذا طلعت الشمس بازغة حتى ترتفع هذا وقت ذروة بالنسبة للنهي‪ ،‬حين يقوم قائم‬
‫الظهيرة حتى تزول أيضاً وقت ذروة‪ ،‬ومثله حين تتضيف الشمس للغروب‪ ،‬وهي أوقات قصيرة‪،‬‬
‫يعني ال تزيد على ربع ساعة في المواطن الثالثة‪ ،‬يعني اإلنسان يتحرى في هذه األوقات وال‬
‫يصلي‪.‬‬
‫من صور هذه المسألة أو من أمثلة هذه الصورةـ الرابعة‪ « :‬من بدل دينه فاقتلوه »‪ «،‬من بدل دينه‬
‫فاقتلوه » مع ما جاء في النهي عن قتل النساء والذرية‪ « ،‬من بدل دينه فاقتلوه » عام في الرجال‬
‫والنساء؛ ألن (من) من صيغ العموم‪ « ،‬من بدل دينه فاقتلوه » عام في الرجال والنساء‪ ،‬خاص‬
‫بمن؟ بالمرتد‪ ،‬خاص بالمرتد‪ ،‬فعمومه في الذكور واإلناث‪ ،‬وخصوصه بالمرتدين‪ ،‬والنهي عن قتل‬
‫النساء‪ ،‬عمومه في المرتدات والكوافر األصليات‪ ،‬فهو عام من هذه الحيثية وخصوصه في النساء‬
‫دون الرجال‪.‬‬
‫يعني إذا قال قائل‪ :‬هذه امرأة مرتدة‪ ،‬قال‪ :‬تقتل؛ « من بدل دينه فاقتلوه » يرد عليه بالنهي عن‬
‫قتل النساء‪ ،‬النهي عن قتل النساء‪ ،‬من قال‪ :‬تقتل معه دليل؛ معه عموم حديث « من بدل دينه‬
‫فاقتلوه » ومن قال‪ :‬ال تقتل معه عموم حديث النهي عن قتل النساء‪.‬‬
‫لكن خصوص « من بدل دينه » يتناول هذه المرأة التي ارتدت وإ ال ال؟ وعموم النص الثاني النهي‬
‫عن قتل النساء يتناولها أيضاً فال تقتل‪ ،‬فهناك عموم وخصوص وجهي‪.‬‬
‫إذن نحتاج إلى مرجح خارجي‪ ،‬كيف نأتي بمرجح خارجي؟‬
‫نقول‪ :‬مثل ما قلنا سابقاً‪ :‬إن العموم المحفوظ أولى وأقوى من العموم المخصوص‪ ،‬النهي عن قتل‬
‫النساء عمومه محفوظ وإ ال مخصوص؟ مخصوص بأشياء كثيرة؛ المرأة إذا قتلت تقتل وإ ال ما‬
‫تقتل؟ تقتل مع إمكان دخولها في النهي عن قتل النساء‪.‬‬
‫المرأة المحصنة إذا زنت ترجم وإ ال ما ترجم؟ ترجم مع إمكان دخولها في عموم النهي عن قتل‬
‫النساء‪ ،‬فعموم النهي عن قتل النساء مخصوص؛ دخله مخصصات‪ ،‬فضعف في مقابل عموم النهي‬
‫عن قتل النساء‪ ،‬وضعف عن عموم‪ ،..‬صار أضعف من عموم حديث‪ « :‬من بدل دينه فاقتلوه »‬
‫وعلى هذا تقتل المرتدة وهو قول الجمهور‪ ،‬خالفاً للحنفية‪.‬‬
‫كم باقي على اإلقامة؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫واهلل أعلم‪ ،‬وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪246‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫‪‬‬

‫الرابع عشر‬
‫الدرس ّ‬
‫ّ‬

‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬أما بعد‪ :‬فقد‬
‫قال المؤلف ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪:-‬‬

‫وإ ما اإلجماع فهو اتفاق علماء أهل العصر على الحادثة‪ ،‬ونعني بالعلماء الفقهاء‪ ،‬ونعني‬
‫بالحادثة الحادثة الشرعية‪ ،‬وإ جماع هذه األمة حجة دون غيرها لقوله‪ « :‬ال تجتمع أمتي على‬
‫ضاللة »‪ ،‬والشرع ورد بعصمة هذه األمة‪ ،‬واإلجماع حجة على العصر الثاني وفي أي عصر‬
‫كان‪ ،‬وال يشترط في حجيته> انقراض العصر‪ ،‬فإن قلنا‪ :‬انقراض العصر شرط‪.‬‬

‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬على الصحيح‪ ،‬عندك على الصحيح؟‬
‫طالب‪ :‬ال‪.‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬عندكم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬وال يشترط انقراض العصر على الصحيح‪.‬‬

‫فإن قلنا‪ :‬انقراض العصر شرط يعتبر قول من ولد في حياتهم وتفقه‪ ،‬وصار من أهل االجتهاد‪،‬‬
‫ولهم على هذا القول أن يرجعوا عن ذلك الحكم‪ ،‬واإلجماع يصح بقولهم وبفعلهم وبقول البعض‬
‫وبفعل البعض‪ ،‬وانتشار ذلك القول أو الفعل‪ ،‬وسكوت الباقين عليه‪ ،‬وقول الواحد من الصحابة‪.‬‬

‫« َّ‬
‫الش ْـر ُح » ‪:‬‬
‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‪ :‬في هذا المبحث يتكلم المؤلف ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬عن اإلجماع‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪247‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫واإلجماع حجة شرعية عند عامة من يعتد بقوله من أهل العلم‪ ،‬ورتبته ثالث األدلة بعد الكتاب‬
‫والسنة‪ ،‬وقدمه بعضهم عليهما ‪-‬على الكتاب والسنة‪ -‬بعض أهل العلم ‪-‬ال سميا من أهل‬
‫األصول‪ -‬يقدمون اإلجماع على الكتاب والسنة؛ ألن اإلجماع ال يحتمل نسخاً وال تأويالً‪ ،‬بخالف‬
‫النصوص من الكتاب والسنة؛ يحتمل أن تكون منسوخة كما أنها أيضاً تحتمل التأويل‪ ،‬واإلجماع‬
‫باعتباره ال بد أن يكون له مستند من الكتاب والسنة‪.‬‬
‫والحجة في الحقيقة في األصلين‪ ،‬في األصلين الذين هما الكتاب والسنة‪ ،‬واستمد اإلجماع حجيته‬
‫من داللة الكتاب والسنة؛ فلوالً ما ورد من أدلة الكتاب والسنة على حجية اإلجماع لما اعتددنا‬
‫باإلجماع‪ ،‬فهو استمد قوته منهما‪ ،‬فكيف يقدم عليهما؟‬
‫اإلجماع عرفه المؤلف ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬بقوله‪:‬‬
‫« هو اتفاق علماء أهل العصر على حكم الحادثة‪ :‬اتفاق علماء أهل العصر على حكم الحادثة»‬
‫وخص المؤلف العلماء بالفقهاء‪ ،‬والحادثة خصها بالحادثة الشرعية‪ ،‬فاإلجماع ‪-‬كما هو معروف‪:-‬‬
‫مصدر أجمع يجمع إجماعاً‪ ،‬من الرباعي أجمع يجمع إجماعاً‪ ،‬ويطلق ويراد به أحد معنيين‪:‬‬
‫َج ِم ُعواْ أ َْم َر ُك ْم ﴾ [ سورة يونس‪ ،‬اآلية ‪ : ] 71 :‬اعزموا‬
‫األول‪ :‬العزم كما في قوله تعالى‪ ﴿ :‬فَأ ْ‬
‫على أمركم‪ ،‬وفي الحديث‪ « :‬ال صيام لمن لم يجمع الصيام من الليل » الحديث‪ « :‬ال صيام لمن‬
‫لم يجمع » ‪ :‬يعني يعزم وينوي ويعقد النية من الليل ‪-‬وهذا معروف أنه في الفرض‪ ،‬وأما النفل‬
‫فيصح من أثناء النهار على ما هو مقرر في الفقه‪ -‬فيطلق ويراد به العزم كما ذكرنا‪ ،‬ويطلق ويراد‬
‫به االتفاق وهو المراد هنا‪.‬‬
‫تعريف المؤلف‪ « :‬اتفاق علماء أهل العصر على حكم الحادثة » يريد باالتفاق هنا ما يراد في‬
‫اإلجماع؛ ألنه بصدد تعريفه‪ ،‬وهو اتفاق جميع المجتهدين من علماء هذه األمة في عصر من‬
‫العصور على حكم الحادثة الشرعية‪ ،‬هذا هو المراد به هنا‪ ،‬وإ ن أطلق بعضهم االتفاق وأراد به‬
‫اتفاق األئمة األربعة؛ ألن هذه مسائل اصطالحية وال مشاحة في االصطالح‪ ،‬فإذا بين العالم في‬
‫مقدمة كتابه أنه إذا قال‪ :‬اتفقوا ‪-‬يريد بذلك األئمة األربعة‪ -‬له ذلك على أن يبين‪ ،‬وال مشاحة في‬
‫االصطالح‪.‬‬
‫إذا نفى الخالف فقال‪ :‬بال خالف‪ :‬األصل أن يكون بال خالف بين أهل العلم‪ ،‬بال نزاع‪ :‬بال نزاع‬
‫بين أهل العلم‪ ،‬وال نعلم في هذا خالفاً‪ :‬أيضاً بين أهل العلم‪ ،‬لكن قد يطلق أهل العلم هذه األلفاظ‪:‬‬
‫بال خالف‪ :‬يعني في المذهب‪ ،‬بال نزاع‪ :‬في روايات المذهب إلى آخره‪ ،‬بين أتباع المذهب‪..‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪248‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫المقصود أنه األصل إذا أثبت االتفاق واإلجماع فالمراد به اتفاق علماء األمة‪ ،‬وإ ذا نفي الخالف‬
‫فالمراد خالفهم‪ ،‬هذا هو الحقيقة في الباب‪ ،‬لكن إذا اصطلح أحد على غير ذلك وبين اصطالحه فال‬
‫مشاحة حينئذ في االصطالح‪ ،‬وهو موجود نعم‪ ،‬موجود يقول‪ :‬بال نزاع‪ :‬والمراد به بين أتباع هذا‬
‫المذهب‪ ،‬بال خالف‪ :‬بين روايات المذهب وال اختالف‪ ،‬هذا ال يدخل فيما معنا‪.‬‬
‫يطلق اإلجماع ويراد به قول األكثر‪ ،‬المبحوث هنا‪ ،‬المراد باإلجماع قول الكل‪ ،‬قول جميع علماء‬
‫العصر‪ ،‬والمراد بذلك المجتهدين من الفقهاء‪ ،‬لكن قد يطلق اإلجماع ويراد به قول األكثر‪ ،‬وهذا‬
‫معروف عند اإلمام ابن جرير الطبري ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬وهذا كثير ملحوظ في تفسيره؛ ألنه يذكر‬
‫الخالف‪ ،‬يذكر الخالف‪ ،‬يذكر قول األكثر‪ ،‬ثم يذكر قول المخالف‪ ،‬ثم يقول‪ :‬والصوابـ في ذلك‬
‫عندنا كذا؛ إلجماع القرأة على ذلك‪ ،‬كيف يقول إلجماع وقد ذكر الخالف؟ نعم‪ ،‬كيف يقول إلجماع‬
‫القرأة إلجماع العلماء‪ ،‬إلجماع الفقهاء‪ ،‬إلجماع المفسرين‪ ،‬وقد ذكر الخالف هو بنفسه؟ هو يرى‬
‫أن اإلجماع قول األكثر‪ ،‬وهذا قول انفرد به عن غيره رحمة اهلل عليه‪.‬‬
‫العلماء الذين يعتنون أو يعنون بنقل اإلجماع ونفي الخالف ‪-‬كابن المنذر وابن عبد البر والنووي‬
‫وابن قدامة‪ -‬يلهجون بذكر اإلجماع بكثرة‪ ،‬وابن حزم له مؤلف في اإلجماع‪ ،‬ابن المنذر له مؤلف‬
‫في اإلجماع‪.‬‬
‫المقصود أن هذه كلمة يلهج بها كثير من أهل العلم‪ ،‬مع أنها ال تُسلَّم لهم كل دعاواهم؛ قد ينقل ابن‬
‫المنذر اإلجماع ثم يوقف على مخالف‪ ،‬وقد ينقل ابن عبد البر اإلجماع على مسألة مع وجود‬
‫المخالف‪ ،‬ومثلهم‪ ،..‬أقول مثل ذلك بالنسبة البن قدامة والنووي‪ ،‬والنووي ‪-‬رحمة اهلل عليه‪ -‬واسع‬
‫الخطو في هذا الباب‪ ،‬متساهل في نقل اإلجماع أكثر من غيره‪ ،‬فقد يذكر اإلجماع وينقله في مسائل‬
‫سواء كان بين العلماء عامة من مذهبه‬
‫ً‬ ‫الخالف فيها واضح ‪-‬في مسائل اشتهر فيها الخالف‪-‬‬
‫وغيره‪ ،‬أو الخالف في مذهبه ‪-‬مذهب الشافعي‪ -‬وقد ينقل الخالف هو‪ ،‬وقد ينقل الخالف‪ ،‬لكن إن‬
‫كان نقله للخالف عن الظاهرية مثالً‪ ،‬أو عن من ال يعتد بقوله‪ ،‬فال اعتراض؛ كثيراً ما يقول‪:‬‬
‫واإلجماع قائم على كذا‪ ،‬وأجمع العلماء على كذا‪ ،‬وينقل قول الظاهرية‪ ،‬هذا ال اعتراض عليه‬
‫لماذا؟ ألنه نص في شرح مسلم على أنه ال يعتد بقول داود‪ ،‬لماذا؟ ألنه ال يرى القياس الذي هو أحد‬
‫أركان االجتهاد‪ ،‬لكن قد ينقل اإلجماع والخالف معتبر‪.‬‬
‫في مسائل كثيرة منها يقول ‪-‬رحمه اهلل‪" :-‬عيادة المريض سنة باإلجماع"‪ ،‬مع أن اإلمام البخاري‬
‫ترجم في صحيحه باب وجوب عيادة المريض‪ .‬وقال‪" :‬صالة الكسوف سنة باإلجماع"‪ ،‬مع أن أبا‬
‫عوانة في صحيحه قال‪ :‬باب وجوب صالة الكسوف‪ ،‬هل نقول إن مثل هذا الخالف خفي على‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪249‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫النووي؟ إن خفي عليه ما في صحيح أبي عوانة‪ ،‬ال يخفى عليه ما في صحيح البخاري ‪-‬رحمه‬
‫اهلل‪ -‬لكن هم البشر‪ ،‬ال بد من الغفلة‪ ،‬ال بد من الغفلة‪.‬‬
‫اإلمام الشافعي ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬نفى الخالف‪ ،‬وقال‪ :‬ال يعلم خالفاً في عدم وجوب الزكاة في‬
‫البقر إذا لم تبلغ الثالثين‪ ،‬والخالف معروف بين الصحابة في العشر‪ .‬واإلمام مالك ‪-‬رحمه اهلل‬
‫تعالى‪ -‬في الموطأ ذكر أنه ال يعلم خالفاً في مسألة رد اليمين على المدعي‪ ،‬والخالف معروف بين‬
‫قضاة عصره‪ ،‬كابن أبي ليلى وابن شبرمة‪.‬‬
‫على كل حال هم بشر‪ ،‬هم بشر ال يتصور أن يحيطوا بكل مسائل العلم‪ ،‬وبكل أقوال العلماء‪.‬‬
‫مثل هذه االستدراكات على هؤالء األئمة جعلت مثل الشوكاني ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬في نيل األوطار‬
‫يقول‪ :‬هذه الدعاوى التي يدعيها بعض أهل العلم –يعني يكثرون منها‪ ،‬من دعاوى اإلجماع‪ -‬قال‪:‬‬
‫كل هذا يجعل طالب العلم ال يهاب اإلجماع‪ ،‬ال يهاب اإلجماع‪.‬‬
‫على أنه على طالب العلم أن يهاب اإلجماع‪ ،‬فإذا ذكر اإلجماع‪ ،‬على طالب العلم أن يقف‪ ،‬وال‬
‫يتسرع وال يتعجل‪ ،‬يبحث إن ُو ِجد مخالف‪ ،‬يبحث عن دليله‪ ،‬إن كان له حظ من النظر نظر فيه‪،‬‬
‫وإ ال فاإلجماع له هيبته؛ ألنه حجة عند من يعتد بقوله من أهل العلم‪.‬‬
‫المؤلف ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬قال‪ « :‬ونعني بالعلماء الفقهاء‪ :‬نعني بالعلماء الفقهاء » وعلى هذا‬
‫ال يعتبر اتفاق غيرهم ‪-‬والغير يشمل جميع التخصصات‪ ،‬وإ ن كانت شرعية‪ -‬فال عبرة بإجماع‬
‫المفسرين‪ ،‬وال عبرة بإجماع المحدثين‪ ،‬وال عبرة بإجماع علماء العقيدة‪ ،‬كل هذا على ِّ‬
‫حد كالمه‬
‫‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ « -‬ونعني بالعلماء الفقهاء » نعم من كانت همته مصروفة لرواية الحديث دون‬
‫درايته وال التفقه منه‪ ،‬ومن كانت همته مصروفة لفهم كالم اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬دون التفقه‪ ،‬يعني فهم‬
‫المعاني وربط‪ ،..‬وتحريرها لفظياً من غير استنباط منها واستدالالً بها‪ ،‬ما يبعد كالمه‪ ،‬لكن الفقهاء‬
‫الحقيقيون هم العلماء وهم المفسرون‪ ،‬وهم المحدثون‪ ،‬نعم‪ ،‬ما عرف انفكاك هذه الجهات من‬
‫بعضها بحيث يكون عالماً في علم‪ ،‬عامياً في علم إال في العصور المتأخرة‪ ،‬وإ ال فاألصل أن العلوم‬
‫الشرعية مترابطة مترابطة؛ الفقيه على أي شيء يبني فقهه؟ على نصوص الكتاب والسنة‪ ،‬الفقيه‬
‫إنما يبني فقهه على نصوص الكتاب والسنة‪.‬‬
‫كيف يكون فقيهاً وهو ال عالقة له وال دراية بكالم اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬وال كيف يعتمد في األحكام‬
‫ويؤصل ويؤسس وهو ال بضاعة له من سنة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم؟‬
‫وعلى هذا قوله‪ « :‬العلماء » المقصود بهم من يجمع هذه العلوم بحيث يكون فقيهاً معتمداً على‬
‫نصوص الكتاب والسنة‪ ،‬والمراد بالعلماء المجتهدون لماذا؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪250‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫ألن المقلد ال عبرة بوفاقه وال خالفه‪ ،‬المقلد ال عبرة بقوله وفاقاً وال خالفاً؛ ألنه تابع لغيره‪ ،‬فضالً‬
‫عن العوام‪ ،‬إذا كان من يعرف المسائل الفقهية من أول باب في كتب الفقه إلى آخر باب من‬
‫الطهارة إلى اإلقرار‪ ،‬لكن تفقهه على جهة التقليد وقبول قول الغير من غير حجة‪ ،‬مثل هذا ال عبرة‬
‫به؛ العبرة بالمقلَّد‪ ،‬أما المقلد ال عبرة به‪ ،‬ولذا نقل ابن عبد البر اإلجماع على أن المقلد ليس من أهل‬
‫العلم؛ المقلد في حكم الناقل لقول غيره‪.‬‬
‫فالمراد باتفاق العلماء‪ :‬العلماء المجتهدين‪ ،‬والمراد بعلماء العصر‪ :‬علماء الزمان‪َّ ،‬‬
‫قل أو كثر‪،‬‬
‫إجماع العلماء‪ ،‬إجماع طبقة من أهل العلم وجدوا في عصر واحد متقاربون في السن والتحمل‬
‫واألخذ من الشيوخ ‪-‬هذه طبقة‪ -‬إذا انقرضوا جاء العصر الثاني‪ ،‬وإ ال لو لم نقل بهذا قلنا‪ :‬إن األمة‬
‫كلها طبقة واحدة؛ ألنها مترابطة يذهب هذا ويخلفه هذا‪.‬‬
‫يقول‪ « :‬على حكم الحادثة‪ ،‬ونعني بالحادثة الحادثة الشرعية » هذا المبحث وهو االتفاق‬
‫واإلجماع تبحث فيه من الناحية الشرعية‪ ،‬يستدل به على األحكام الشرعية‪ ،‬فال يحتج به في‬
‫األحكام على األمور العادية‪ ،‬األمور العادية‪ ،‬لو نظرنا في إشارات المرور وجدنا اإلجماع قائم في‬
‫دول العالم كلها على األلوان الثالثة‪ ،‬صح وإ ال ال؟ نعم؟ فيه بلد يختلف عن هذا؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬أنا ما سافرت‪ ،‬وال رحت وال جيت‪ ،‬لكن هذا المستفيض‪ ،‬في بلد‬
‫يختلف عن األلوان الثالثة األحمر واألصفر واألخضر؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‪ :‬ما فيه‪ ،‬إذن هذا إجماع‪ ،‬هذا إجماع‪ ،‬لو جاء في بلد من البلدان شخص‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫مسؤول عن المرور أو ملك أو شيئاً من هذا قال‪ :‬واهلل العالم كله على هذا الترتيب‪ ،‬أنا اقلب‬
‫الترتيب‪ ،‬اعكسوه‪ ،‬نقول‪ :‬يأثم لمخالفته اإلجماع؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‪ :‬ال‪ ،‬لماذا؟ ألنه ليس من المسائل الشرعية‪ ،‬هذه أمور عادية‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫اصطالحية‪ ،‬وال مشاحة في االصطالح‪ ،‬وال يعني هذا الكالم أننا ال نلتزم بما تدل عليه هذه‬
‫اإلشارات؛ ألن الشخص يسمع مثل هذا الكالم ويخلط‪ ،‬يفهم من هذا الكالم أنه يمشي يقطع اإلشارة؛‬
‫وهذه أمور عادية وال فيها اجتماع‪ ،‬وال إجماع وال شيء‪ ،‬نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪251‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬قد يسمع هذا الكالم وال يوفق لفهمه‪ ،‬الكالم منصب على أنه لو رأى‬
‫ولي أمر في بلد من البلدان أنه يغير الترتيب هذا‪ ،‬اللون األخضر للوقوف‪ ،‬واألحمر للمشي‪ ،‬أو‬
‫األصفر وإ لى آخره‪ ،‬نقول‪ :‬يأثم؛ ألنه خالف اإلجماع؟ ال يأثم‪ ،‬ومعنى هذا أنه يغير نظام هذه‬
‫األمور من قبل من تلزم طاعته‪.‬‬
‫لكن لو جاء شخص –فرد‪ -‬وقال‪ :‬العالم كله مجمع على أن اإلشارة إذا صارت حمراء يقف‪ ،‬أنا ما‬
‫نبغاها إال إذا صارت خضراء‪ ،‬يأثم وإ ال ما يأثم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‪ :‬هذه مخالفة صريحة‪ ،‬وضررها ظاهر ومصلحتها ظاهرة‪ ،‬إذن أهل‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫العلم يقولون‪ :‬يأثم للمخالفة‪ ،‬وهذه مسألة وتلك مسألة أخرى‪.‬‬
‫المقصود أن اإلجماع هنا يراد به اإلجماع على المسائل الشرعية‪ ،‬والمراد بالعلماء علماء هذه‬
‫األمة‪ ،‬فال يعتبر اتفاق علماء الشرائع السابقة‪ ،‬ولو قيل‪ :‬إن اإلجماع من خصائص هذه األمة التي‬
‫فيها حصول االتفاق واتحاد الكلمة‪ ،..‬األمم السابقة قد يتفقون على المخالفة لشرائعهم وهذا ظاهر‪،‬‬
‫يتفق العلماء ‪-‬إن استحقوا هذا الوصف‪ -‬على مخالفة النص‪ ،‬أو على تحريف النص‪ ،‬ويتتابعون‬
‫عليه‪ ،‬فاألمم السابقة ليست معصومة‪ ،‬ولذا ذكر الحافظ ابن كثير ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬أن عشرة من‬
‫النصارى اجتمعوا لبحث مسألة‪ ،‬اتفقوا فصدروا عن أحد عشر قوالً‪ ،‬هذا ذكره الحافظ بن كثير‬
‫‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬عشرة اجتمعوا لبحث مسألة فصدروا عن أحد عشر قوالً‪.‬‬
‫ومما ينبغي إضافته إلى الحد ما قرره أهل العلم من أن اإلجماع المعتبر ال بد أن يكون بعد وفاة‬
‫النبي ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬بعد وفاته ‪-‬عليه الصالة والسالم‪-‬؛ ألنه في حياته الدليل يحصل‬
‫بسنته ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬من قول أو فعل أو تقرير؛ فلسنا بحاجة إلى اتفاق غيره مع قوله‬
‫‪-‬عليه الصالة والسالم‪.-‬‬
‫اإلجماع‪ ،..‬قد يقول قائل كيف يتصور اإلجماع؟‬
‫صعب‬
‫اإلجماع في عصر الصحابة وقت اجتماعهم بالمدينة ممكن‪ ،‬وبعد تفرقهم في األمصار ُ‬
‫تصور اإلجماع‪ ،‬وأصعب منه من جاء بعد الصحابة‪ ،‬بعد انتشار العلماء في األقطار المترامية‬
‫األطراف من شرق األرض وغربها مع صعوبة االتصال‪ ،‬ولذا أنكر بعضهم وقوع اإلجماع‪ ،‬وال‬
‫شك أن اإلجماع واقع‪ ،‬والدليل على ذلك حصوله في مسائل كثيرة‪ ،‬مسائل نقل فيها اإلجماع‪،‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪252‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫والنقل مطابق للواقع‪ ،‬النقل مطابق للواقع‪ ،‬كثير من المسائل التي نقل فيها اإلجماع مطابق للواقع‪،‬‬
‫يعني المسائل التي نقل فيها اإلجماع وخرم هذا اإلجماع قليلة بالنسبة للمسائل التي اختلف فيها‬
‫العلماء‪ ،‬والناظم ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬ذكر مثال بعد أن عرف اإلجماع بقوله‪:‬‬

‫هو اتفاق كل أهل العصر *** أي علماء الفقه دون نكر‬


‫على اعتبار حكم أمر قد حدث *** شرعاً كحرمة الصالة بالحدث‬

‫إجماع‪ :‬أجمع أهل العلم على تقديم الدين على اإلرث‪ ،‬مسائل كثيرة حصل فيها اإلجماع‪ ،‬أجمعوا‬
‫على تحريم الزنا‪ ،‬تحريم شرب المسكر‪ ،‬تحريم الربا‪ ،‬أجمعوا على إباحة شرب الماء‪ ،‬إباحة أكل‬
‫الخبز وما أشبه ذلك‪ ،‬هذه مسائل حصل فيها اإلجماع ولم يخالف فيها أحد‪ ،‬المقصود أنه واقع واقع‪.‬‬
‫بعض أهل العلم جعل اإلجماع من قبيل المستحيل؛ ال سيما بعد أن تفرق الناس‪ ،‬ولذا منهم من يرى‬
‫أن اإلجماع المعتبر إجماع الصحابة دون غيرهم‪.‬‬
‫يقول ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ « :-‬وإ جماع هذه األمة حجة دون غيرها لقوله –صلى اهلل عليه وسلم‪:-‬‬
‫« ال تجتمع أمتي على ضاللة » والشرع ورد بعصمة> هذه األمة » اإلجماع مثل ما تقدم حجة‬
‫قطعية شرعية‪ ،‬يجب العمل به على كل مسلم‪ ،‬بل هو ثالث األدلة‪ ،‬وعرفنا أن بعضهم بالغ حتى‬
‫قدمه على النصوص؛ ألنه ال يحتمل نسخاً وال تأويالً بخالف النصوص؛ ألنها تحتمل‪ ،‬وعرفنا أنه‬
‫لو لوال النصوص لما حصل اإلجماع‪ ،‬إذ ال بد في كل إجماع من مستند من الكتاب أو السنة‪،‬‬
‫علمناه أو خفي علينا‪.‬‬
‫إذا نقل اإلجماع في المسألة ولم نعرف لها دليالً جزمنا بأن لها دليالً ولو لم نطلع عليه‪ ،‬وإ ذا أجمع‬
‫أهل العلم على ترك العمل بخبر ثابت جزمنا بأن هذا الخبر منسوخ بدليل شرعي‪ ،‬ولو لم نطلع‬
‫عليه؛ دلنا على وجوده هذا اإلجماع‪ ،‬فاإلجماع دلنا على وجود ناسخ‪ ،‬وإ ال كما تقدم النسخ من‬
‫خصائص النصوص واإلجماع ال ينسخ وال ُينسخ‪ ،‬نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬أيش؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬إيه‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪253‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬االحتمال قائم‪ ،‬نعم‪ ،‬االحتمال قائم ويتداوله األئمة وال ينتقدونه‪ ،‬نعم‪،‬‬
‫ويمر على علماء األمة‪ ،‬وال في أحد يقول‪ :‬ال خالف فالن‪ ،‬هذا يثبت إجماعاً‪ ،‬معنى هذا أن األمة‬
‫فرطت في دينها‪ ،‬واألمة معصومة من التفريط في شيء من دينها‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬ال‪ ،‬وتداوله الناس‪ ،‬صار فيه فرصة ألن يتداوله الناس ولم يطلعوا‬
‫على مخالف!!‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬إذا لم يكن له سلف يكن آثم‪ ،‬إذا لم يكن له سلف ال يجوز له إحداث‬
‫قول جديد‪ ،‬نعم؟‬
‫طالب‪ :‬كيف نعول قول اإلمام أحمد‪....‬؟‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬يعني بعد انتشار األمة في األقطار في‪...‬‬
‫طالب‪ :‬هل مستند اإلجماع األول إجماع الصحابة‪...‬؟‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬هذه رواية في المذهب‪ ،‬هذه رواية في المذهب أن اإلجماع المعتبر‬
‫إجماع الصحابة؛ ألنهم هم الذين يمكن حصرهم وحصر أقوالهم‪ ،‬وأما األمة تفرقت شذر مذر‪،‬‬
‫يعني من في األندلس كيف يتسنى له أن يطلع على أقوال علماء اليمن‪ ،‬أو علماء خراسان‪ ،‬أو ما‬
‫أشبه ذلك‪ ،‬نعم؟‬
‫طالب‪ :‬يا شيخ أحسن اهلل إليك‪ :‬يوجد بعض اإلجماعات من الصحابة األئمة على خالفها مثل يا‬
‫شيخ تارك الصالة مثل‪ ....‬نقل اإلجماع عن الصحابة بعض األئمة المتقدمين المعتبرين‪ ،‬ولكن‬
‫األئمة على خالف‪ ....‬كيف نعوله يا شيخ؟‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬يعني كانوا ال يرون شيئاً تركه كفر‪ ،‬شيئاً من األعمال تركه كفر إال‬
‫الصالة‪ ،‬معروف أنه إذا قيل‪ :‬كانوا‪ ،‬المراد به الصحابة‪ ،‬وجود الخالف من إمام معتبر‪ ،‬أو من‬
‫أئمة معتبرين‪ ،‬نعم‪ ،‬وجود هذا الخالف يدل على خلل في هذا اإلجماع إما في حقيقته أو في نقله‪،‬‬
‫إما في حقيقته أو في نقله‪ ،‬وجود مثل هذا الخالف‪.‬‬
‫الترمذي ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬في (علل الجامع) قال‪ :‬إنه ال يوجد حديث في كتابي أجمع العلماء‬
‫على ترك العمل به سوى حديثين األول‪ :‬أيش؟ الجمع‪ ،‬الجمع من غير سفر وال مط‪،‬ر حديث ابن‬
‫عباس‪ ،‬وهو حديث صحيح مخرج في صحيح مسلم‪ ،‬الثاني‪ :‬قتل الشارب‪ ،‬قتل المدمن في المرة‬
‫الرابعة أو الخامسة في حديث معاوية وغيره‪ ،‬أحاديث صحيحة‪ ،‬أجمع العلماء على ترك العمل بها‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪254‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫ونقل اإلجماع‪ ،‬يعني الترمذي نقله‪ ،‬والنووي نقله لكن المخالف موجود؛ من أهل العلم من يرى قتل‬
‫الشارب في المرة الرابعة أو الخامسة‪ ،‬منهم من يراه حد‪ ،‬شرب في األولى يجلد‪ ،‬ثم يجلد‪ ،‬ثم يجلد‪،‬‬
‫ثم‪ ،..‬ثم يقتل‪ ،‬نعم‪ ،‬وممن يرى قتله ابن حزم وجمع من أهل العلم‪ ،‬لكن شيخ اإلسالم يرى أنه ليس‬
‫بحد وإ نما هو تعزير‪ ،‬وأيده ابن القيم؛ يرى أن قتل الشارب المدمن من باب التعزير‪ ،‬وأنه إذا لم‬
‫يرتدع بالجلد فإنه يقتل‪.‬‬
‫على كل حال مثل هذه النقول اآلن موقف أهل العلم من األحاديث التي أجمع العلماء على ترك‬
‫العمل بها‪ ،‬هل نقول‪ :‬إن األمة ردت على النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬قوله؟ أو نقول إن هذا‬
‫اإلجماع دل على وجود ناسخ ولو لم نطلع عليه؟‬
‫دل على وجود ناسخ ولو لم نطلع عليه؛ ألنه ال يتصور أن األمة ترد كذا معاندة الرسول يقول كذا‪،‬‬
‫يقولون‪ :‬بدنا نجمع على خالفه‪ ،‬فقول الرسول ال يرد إال بقوله ‪-‬عليه الصالة والسالم‪.-‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬إيه‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬أيش لون؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‪ :‬إيه‪ ،‬لكن مع ذلك نتحرى ونتثبت في اإلجماع؛ الكالم على اإلجماع‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫الذي له حظ من النظر‪ ،‬واقع بالفعل وليس له مخالف‪ ،‬ال بد أن نقول‪ :‬إنه‪ ،..‬هذا يجعلنا نزيد في‬
‫البحث عن وجود معارض للدليل‪.‬‬
‫كالم من يقول‪ :‬إن اإلجماع مقدم على النصوص‪ ،‬يعني ما فيه إال أنه سوء أدب في التعبير؛ يعني‬
‫سوء أدب في التعبير؛ ألن اإلجماع مستند على نصوص فكيف يقدم عليها‪.‬‬
‫أيضاً يهاب اإلنسان أن يقول‪ :‬إن اإلجماع وكالم الناس مقدم على قال اهلل وقال رسوله‪ ،‬لكن إذا‬
‫نظرت بعين البصيرة والواقع أنه إذا أجمع‪ ،‬واإلجماع مستند إلى نص‪ ،‬صار التقديم للنص الذي‬
‫اعتمد عليه اإلجماع‪ ،‬واتفاق علماء األمة على حكم من األحكام يدلنا على أن النص الثاني الذي من‬
‫الكتاب أو من السنة إما منسوخ أو مؤول‪.‬‬
‫طالب‪ :‬أال يشترط العلم بالناسخ؟‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬ال ما يشترط وين‪ ،‬في مثل هذه الحالة إذا أجمع أهل العلم على ترك‬
‫حديث‪ ،‬نعم‪ ،‬ما يشترط العلم بالناسخ‪ ،‬وأيش تسوي؟ تترك اإلجماع وإ ال تترك النص؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪255‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫تقول‪ :‬هذا اإلجماع وقد اشترط لإلجماع أن يعتمد على نص‪ ،‬ما في إجماع بدون نص‪ ،‬إذا لم نطلع‬
‫على هذا النص الذي اعتمد عليه اإلجماع نتهم أنفسنا نقول‪ :‬هذا اإلجماع له مستند ولو لم نطلع‬
‫عليه‪ ،‬لقصورنا أو تقصيرنا‪.‬‬
‫طالب‪ :‬يا شيخ من لم َير العمل باإلجماع هل يبدع أو يفسق؟‬
‫ض ْير‪ :‬أما اإلجماع اتفاق األمة ال شك أنه حجة‪ ،‬يعني ال يراه مع األدلة التي‬ ‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬ ‫َّ‬
‫سو َل ِمن َب ْع ِد‬
‫الر ُ‬
‫ق َّ‬ ‫شِ‬
‫اق ِ‬ ‫نسوقها؟! ألنهم قالوا‪ :‬من األدلة على حجية اإلجماع قوله تعالى‪َ ﴿ :‬و َمن ُي َ‬
‫ين ُنولِّ ِه ما تَولَّى و ُنص ِل ِه جه َّنم وس ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫س ِب ِ>‬
‫يرا ﴾‬ ‫اءت َمص ً‬ ‫يل ا ْل ُم ْؤ ِمن َ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ‬ ‫َّن َل ُه ا ْل ُه َدى َو َيتَِّب ْ>ع َغ ْي َر َ‬
‫َما تََبي َ‬
‫[ سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪ ،] 115 :‬يتبع غير سبيل المؤمنين‪ ،‬وسبيل المؤمنين على قول واحد‪ ،‬ثم‬
‫ص ِل ِه َج َه َّن َم ﴾‪.‬‬ ‫ِ‬
‫يأتي فيحدث قول جديد‪ُ ﴿ :‬ن َولِّه َما تََولَّى َو ُن ْ‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‪ :‬أنت اآلن أثبِت حجيته‪ ،‬ثم ثبوته مرحلة ثانية‪ ،‬فال تستدل وال تحتج إال‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫بما ثبت‪.‬‬
‫الحديث الذي أشار إليه المؤلف‪ « :‬ال تجتمع أمتي على ضاللة » ‪ :‬أيضاً يدل على حجية اإلجماع‪،‬‬
‫وهو حديث مخرج عند أبي داود والترمذي وال يسلم من مقال‪ ،‬لكنه له طرق تشد بعضها بعضاً‪،‬‬
‫تدل على أن له أصالً‪ ،‬والشرع ورد بعصمة هذه األمة ‪-‬كما قال المؤلف‪ -‬لألدلة التي ذكرها‬
‫ولغيرها‪.‬‬
‫يقول ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪:-‬‬
‫« واإلجماع حجة على العصر الثاني وفي أي عصر كان » من الزم كون اإلجماع حجة قطعية أن‬
‫يلزم أهل العصر الثاني‪ ،‬مقتضاه هو العمل به‪ ،‬فإذا أجمع الصحابة ‪-‬رضوانـ اهلل عليهم‪ -‬على‬
‫حكم شرعي حينئذ ليس للتابعين أن يخالفوا هذا اإلجماع‪ ،‬بل هو حجة عليهم وعلى من بعدهم في‬
‫أي عصر من العصور‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫ثم قال‪ « :‬وال يشترط انقراض العصر على الصحيح » قوله‪ « :‬على الصحيح » يدل على أن‬
‫هناك من يشترط‪ ،‬وإ ن كان مرجوحاً إال أن هناك قول يقول باشتراط انقراض العصر‪.‬‬
‫« فإن قلنا‪ :‬انقراض العصر شرط يعتبر قول من ولد في حياتهم وتفقه ‪-‬هذا كالم المؤلف‪-‬‬
‫وصار من أهل االجتهاد‪ ،‬ولهم أن يرجعوا عن ذلك الحكم » خالص ما دام وجد قبل انقراضهم‬
‫فإنه ال ينعقد إجماعاً‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪256‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫ذهب جمهور العلماء إلى عدم اشتراط انقراض العصر فينعقد اإلجماع بمجرد اتفاق المجتهدين ولو‬
‫كانوا أحياء‪ ،‬فال تجوز حينئذ مخالفتهم؛ ألن أدلة حجية اإلجماع ال توجب وال تشير‪ ،‬وليس فيها‬
‫إشارة إلى انقراض العصر‪.‬‬
‫واإلجماع‪ ،..‬وألن اإلجماع هو االتفاق بين العلماء المجتهدين في عصر من العصور‪ ،‬وقد حصل‪،‬‬
‫فإذا حصل هذا االتفاق من المجتهدين كلهم فقد حصلت حقيقة اإلجماع‪.‬‬
‫ذهب بعض الشافعية ورواية عن اإلمام أحمد إلى أنه يشترط انقراض العصر‪ ،‬ووجه اشتراطه‬
‫احتمال رجوع بعض المجتهدين عن رأيه‪ ،‬بعض المجتهدين متفق‪ ،‬هو في األصل متفق مع‬
‫العلماء‪ ،‬ثم يتبين له من أدلة المسألة ما يرجح له خالف ما قاله أوالً‪ ،‬وإ ذا ترجح لديه خالف ما‬
‫ذهب إليه أوالً فإنه حينئذ يؤول األمر إلى الخالف‪ ،‬وإ ذا وجد الخالف فال إجماع‪ ،‬لكن الراجح هو‬
‫القول األول‪ ،‬ولذا قال المصنف‪ « :‬هو الصحيح »‪.‬‬
‫وفي قوله‪ « :‬فإن قلنا انقراض العصر شرط » بيان لثمرة الخالف‪ ،‬وتتمثل في أمرين ‪:‬‬

‫األول‪ :‬اعتبار قول من ولد في عصر المجمعين وبلغ رتبة االجتهاد في حياتهم أو في حياة بعضهم‪،‬‬
‫فله أن يخالف وال يعد مخالفاً لإلجماع؛ ألنه لم ينعقد؛ ألنه ما انقرض العصر‪ ،‬ما مات جميع‬
‫المجتهدين بقي بعضهم‪ ،‬ولد من تفقه ووصل إلى درجة االجتهاد ثم خالفهم‪ ،‬ذا في الحقيقة العصر‬
‫استوعب اإلجماع السابق ومن لحق بهم فيما بعد ووجد منه الخالف‪ ،‬هذه ثمرة الخالف‪.‬‬
‫فإذا قلنا‪ :‬إنه يشترط انقراض العصر اعتددنا بقول المخالف‪ ،‬وإ ن جاء بعدهم‪ ،‬يعني ممن ولد في‬
‫حياتهم‪ ،‬وإ ذا قلنا بعدم االشتراط‪ ،‬إذا قلنا بعدم االشتراط لم نعتدد‪ ،‬نعم‪ ،‬وإ ذا قلنا باالشتراط اعتددنا‬
‫به‪.‬‬
‫الفائدة والثمرة الثانية‪ :‬أن للمجمعين أن يرجعوا عن الحكم الذي أجمعوا عليه‪ ،‬وال يعد ذلك نقضاً‬
‫لإلجماع؛ ألنه لم يستقر‪ ،‬ومعروف أن رجوعهم إنما هو إلى الحق‪ ،‬يعني المسألة مفترضة في‬
‫أئمة‪ ،‬في علماء مجتهدين ومعول عليهم في بيان الحالل والحرام‪ ،‬ال يكون رجوعهم عن هوى أو‬
‫تحت ضغط أو تأثير؛ هذا ال عبرة به‪ ،‬لكن المسألة مفترضة في علماء أئمة تجردوا للدين ولنصره‬
‫وبيان ما أمروا ببيانه من الشرع‪ ،‬للمجمعين أن يرجعوا عن الحكم الذي أجمعوا عليه‪ ،‬وال يعد ذلك‬
‫نقضاً لإلجماع؛ ألنه لم يستقر‪ ،‬وعلى القول األول ليس ألحدهم أن يرجع بعد حصول االتفاق‪.‬‬
‫ثم قال ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪....:-‬‬
‫طالب‪ :‬القول الثاني يكون‪......‬قد يوجد مخالف ما دام ما انقضى العصر؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪257‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬االحتمال أنه يوجد بعدهم مخالف‪ ،‬على كل حال القول الصحيح أنه ال‬
‫يشترط‪.‬‬
‫« واإلجماع يصح بقولهم » يعني بقول العلماء المجتهدين‪ « ،‬وبفعلهم » أيضاً‪ ،‬وبقول البعض‬
‫« وبفعل البعض‪ ،‬وانتشار ذلك » القول « وسكوت الباقين عنه ‪-‬هذا كالم المؤلف‪ -‬واإلجماع‬
‫يصح بقولهم وبفعلهم‪ ،‬وبقول البعض‪ ،‬وبفعل البعض وانتشار القول أو الفعل وسكوت الباقين»‬
‫عنه يعني أن اإلجماع يصح بقول المجتهدين في حكم من األحكام أنه حالل أو حرام‪ ،‬أو واجب أو‬
‫مندوب‪ ،‬أو غير ذلك‪ ،‬وهذا هو اإلجماع القولي المعتد به عند أهل العلم‪.‬‬
‫وأما الثاني وهو الذي يسمى باإلجماع السكوتي‪ ،‬ويكون بقول البعض أو فعل البعض‪ ،‬وانتشار ذلك‬
‫القول أو الفعل وسكوت الباقين عليه‪ ،‬ويسمى اإلجماع السكوتي‪ ،‬والعلماء يختلفون في حجيته‬
‫ولزوم العمل به‪.‬‬
‫ذهب أكثر الشافعية والمالكية وهذه رواية عن أحمد إلى أنه إجماع‪ ،‬يعني فعل عالم فعالً أو قال‬
‫قوالً وانتشر ولم يخالف ‪-‬وهذا كثير ما يستدل به أهل العلم‪ -‬قاله فالن وال يعرف له مخالف‪ ،‬فهو‬
‫إجماع‪ ،‬يعني عند ابن قدامة كثير وعند غيره‪ ،‬وهذا يسمى اإلجماع السكوتي‪.‬‬
‫فالقول األول إلى أنه إجماع له حكم اإلجماع النطقي؛ تنزيالً للسكوت منزلة الرضى‪ ،‬لكن أال‬
‫يسكت العالم لمصلحة راجحة يراها؟ نعم‪ ،‬قد يسكت العالم لمصلحة يراها‪ ،‬لكن قد يقول قائل هذا‬
‫القول‪ :‬إنه إن سكت فالن ما سكت الثاني‪ ،‬فال بد من قائم هلل بحجة‪ ،‬ما يمكن أن يسكت الناس كلهم‬
‫على خطأ‪.‬‬
‫منهم من يقول‪ :‬هو حجة يلزم العمل به وليس بإجماع؛ لرجحان الموافقة بالسكوت على المخالفة‪،‬‬
‫يعني رجحان الموافقة تجعلنا نقول‪ :‬إن إصابة هذا السكوت صار غلبة ظن‪ ،‬وغلبة الظن موجبة‬
‫للعمل‪ ،‬وإ ن لم توجب القطعية‪.‬‬
‫يقول‪ :‬وليس إجماعاً؛ ألن حقيقة اإلجماع لم تتحقق فيه‪ ،‬وقيل‪ :‬ليس بحجة وال إجماع‪ ،‬لماذا؟ ألن‬
‫الساكت ساكت‪ ،‬ما يدرى أيش عنده‪ ،‬وال ينسب لساكت قول‪.‬‬
‫إلى غير ذلك من األقوال التي أوردها الشوكاني في إرشاد الفحول‪ ،‬أورد منها اثني عشر قوالً‪،‬‬
‫إرشاد الفحول للشوكاني هنا أورد اثني عشر قوالً في هذه المسألة‪ :‬القول األول‪ :‬أنه إجماع‪ :‬هنا‬
‫يقول‪ :‬القول األول‪ :‬إنه ليس بإجماع وال حجة قاله داود الظاهري وابنه والمرتضى وعزاه‬
‫القاضي‪ ..‬إلى آخره‪ ،‬إنه ليس بإجماع‪ ،‬وال حجة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أنه إجماع وحجة‪ ،‬وبه قال جماعة من الشافعية‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪258‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫والقول الثالث‪ :‬إنه حجة وليس بإجماع‪.‬‬


‫والرابع‪ :‬إنه إجماع بشرط انقراض العصر‪.‬‬
‫والخامس‪ :‬إنه إجماع إن كان فتيا ال حكماً‪.‬‬
‫والسادس‪ :‬إنه إجماع إن كان صادراً عن فتيا‪.‬‬
‫السابع‪ :‬إنه إن وقع في شيء يفوت استدراكه من إراقة دم أو استباحة فرج كان إجماعاً‪ ،‬وإ ال فهو‬
‫حجة‪ ،‬إلى آخر األقوال التي وصلت عنده إلى اثني عشر قوالً‪.‬‬

‫واهلل أعلم‪ ،‬وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫‪‬‬

‫الدرس الخامس عشر‬


‫ّ‬

‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬أما بعد‪ :‬فقد‬
‫قال المؤلف ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪:-‬‬

‫وقول الواحد من الصحابة ليس حجة على غيره‪ ،‬على القول الجديد‪ ،‬وأما األخبار فالخبر ما‬
‫يدخله الصدق والكذب‪ ،‬والخبر ينقسم إلى آحاد ومتواتر‪ ،‬فالمتواتر‪ :‬ما يوجب العلم‪ :‬وهو أن‬
‫يرويه جماعة ال يقع التواطؤ على الكذب عن مثلهم‪ ،‬وهكذا إلى أن ينتهي إلى المخبر عنه‪،‬‬
‫فيكون في األصل عن مشاهدة أو سماع ال عن اجتهاد‪.‬‬
‫واآلحاد‪ :‬هو الذي يوجب العمل وال يوجب العلم؛ الحتمال الخطأ فيه‪ ،‬وينقسم إلى قسمين‪ :‬مرسل‬
‫ومسند‪ ،‬فالمسند‪ :‬ما اتصل إسناده‪ ،‬والمرسل‪ :‬ما لم يتصل> إسناده‪ ،‬فإن كان من مراسيل> غير‬
‫المسيب؛ فإنها فتشت فوجدت مسانيد‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الصحابة فليس بحجة‪ ،‬إال مراسيل سعيد بن‬
‫والعنعنة‪ :‬تدخل على األسانيد‪ ،‬وإ ذا قرأ الشيخ يجوز للراوي أن يقول‪ :‬حدثني أو أخبرني‪ ،‬وإ ن‬
‫قرأ هو على الشيخ فيقول‪ :‬أخبرني وال يقول حدثني‪ >،‬وإ ن أجازه الشيخ من غير قراءة فيقول‬
‫الراوي‪ :‬أجازني أو أخبرني> إجازة‪.‬‬

‫« َّ‬
‫الش ْـر ُح » ‪:‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪259‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‪ ،‬لما أنهى الكالم عن اإلجماع‪ ،‬وهو من األصول المتفق عليها‪ ،‬ال سيما اإلجماع النطقي‬
‫القولي المنضبط؛ ألن األمة ال تجمع على ضاللة‪ ،‬ذكر بعد ذلك قول الصحابي‪ ،‬وهل يحتج به أو‬
‫ال‪ ،‬فقال ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ « :-‬وقول الواحد من الصحابة ليس حجة على غيره على القول‬
‫الجديد » قول الصحابي ال يخلو إما أن يكون لالجتهاد والرأي فيه مجال أو ال‪ ،‬فإن لم يكن‬
‫لالجتهاد والرأي والنظر فيه مجال فقد قرر أهل العلم أن له حكم الرفع‪ ،‬قرر أهل العلم أن له حكم‬
‫الرفع‪ ،‬وحينئذ يكون حجة‪.‬‬
‫إذا كان لالجتهاد فيه مجال فال يخلو إما أن يخالف هذا الصحابي من قبل غيره من الصحابة‪،‬‬
‫وحينئذ يكون ليس بحجة لماذا؟؛ ألنه ليس قبول قول أحد الصحابة بأولى من قبول الصحابي‬
‫الثاني‪ ،‬ليس قبول قول أحدهما بأولى من قول اآلخر‪ ،‬هذا إذا عورض بمثله‪.‬‬
‫إذا قال الصحابي قوالً وال يعرف له مخالف‪ ،‬إن انتشر ولم يخالَف فهو اإلجماع السكوتي الذي‬
‫سبق القول فيه‪ ،‬الشوكاني ذكر فيه أثني عشر قوالً على ما تقدم‪.‬‬
‫إذا قال الصحابي قوالً ولم ينتشر فيما يغلب على الظن ال يوجد في هذه المسألة سوى قول هذا‬
‫الصحابي‪ ،‬ليس فيها نص مرفوع والمسألة مما للرأي فيه مجال ولم يعرف له مخالف من جنسه‪،‬‬
‫فهذا محل الخالف مما لم ينتشر‪ ،‬هذا محل الخالف‪.‬‬
‫يقول المؤلف ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ « :-‬ليس حجة على غيره على القول الجديد » يعني من قولي‬
‫الشافعي‪ ،‬والقول الجديد عند الشافعية‪ :‬هو ما قرره واعتنى به وأفتى به في مصر‪ ،‬بينما القول‬
‫القديم هي أقوال اإلمام الشافعي في العراق‪ ،‬والمعتمد عند الشافعية المقرر عندهم أن الفتوى على‬
‫الجديد؛ ألن آخر االجتهادين هو المعمول به عندهم إال في مسائل يسيرة يفتون فيها على القول‬
‫القديم وهي مدونة‪ ،‬هذه المسائل مدونة في مقدمة المجموع للنووي وفي األشباه والنظائر للسيوطي‬
‫وغيرهما‪ ،‬ومنظومة أيضاً‪.‬‬
‫المقصود أن الشافعي في قوله الجديد يرى أن قول الصحابي ليس بحجة‪ ،‬لماذا؟؛ ألن الحجة‬
‫الملزمة في النصوص الشرعية ‪-‬في الكتاب والسنة‪ -‬والصحابي ليس بمعصوم عن الخطأ؛‬
‫الصحابي لم تضمن عصمته ليكون قوله غير قابل للنقيض للخطأ‪ ،‬وما دام االحتمال قائماً ‪-‬احتمال‬
‫النقيض وهو الخطأ‪ -‬فإنه حينئذ يكون قوله ليس بحجة‪ ،‬وهذا هو القول الجديد عند الشافعية‪ ،‬وهو‬
‫رواية عن أحمد‪ ،‬واختارها جمع من الحنابلة‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪260‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫والقول الثاني‪ :‬وهو القول القديم لإلمام الشافعي ورواية عن أحمد أنه حجة‪ ،‬وبهذا قال جمع من‬
‫أهل العلم؛ ألن الصحابة الذين عاصروا التنزيل وعاشوا مع النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪-‬‬
‫وعرفوا المقاصد من قرب‪ ،‬وأثنى عليهم اهلل ‪-‬جل وعال‪ -‬في كتابه‪ ،‬وأثنى عليهم النبي ‪-‬عليه‬
‫الصالة والسالم‪ -‬في سنته هم أولى باإلصابة من غيرهم‪ ،‬هم أولى باإلصابة من غيرهم‪ ،‬والمسألة‬
‫مفترضة فيما ال نص فيه‪ ،‬أما ما فيه نص فالعمدة النص‪ ،‬فإذا تجردت المسألة عن النص‪ ،‬فعلى‬
‫القول الثاني قبول قول الصحابي أولى من اجتهاد غيره من التابعين فمن دونهم‪.‬‬
‫من أهل العلم من يرى أن الحجة في قول الخلفاء الراشدين؛ يستدل هؤالء بحديث‪ « :‬عليكم بسنتي‬
‫وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ » إلى آخر الحديث‪.‬‬
‫وهناك قول رابع في المسألة‪ :‬وهو أن الحجة في قول أبي بكر وعمر ‪-‬رضي اهلل عنهما‪ -‬لحديث‪:‬‬
‫« اقتدوا باللذين من بعدي »‪.‬‬
‫ويستدل أصحاب القول الثاني بما ذكرنا من أن اجتهاد الصحابي الذي عاصر التنزيل‪ ،‬وعرف‬
‫المقاصد من قرب‪ ،‬وعايش النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬قوله أولى باإلصابة من قول غيره؛‬
‫ويستدل بعضهم لهذا القول بحديث‪ « :‬أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم » [هذا ضعيف‬
‫باتفاق الحفاظ‪ ،‬فال حجة فيه]‪.‬‬
‫عرفنا القول بعدم االحتجاج بقول الصحابي بعد أن حررنا محل النزاع‪ ،‬عدم االحتجاج به وهو قول‬
‫الشافعي في الجديد ورواية عن اإلمام أحمد‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬وهو االحتجاج به فيما خال من النصوص‪ ،‬في المسائل التي خلت من النصوص ولما‬
‫ذكرنا‪ ،‬وأيضاً رواية عن اإلمام أحمد‪ ،‬وهو القول القديم لإلمام الشافعي‪ ،‬ونصره ابن القيم في‬
‫إعالم الموقعين‪ ،‬وهناك من يقول‪ :‬الحجة في قول الخلفاء الراشدين؛ لألمر باألخذ بسنتهم‪.‬‬

‫ومن أهل العلم من يقصر الحجية في قول أبي بكر وعمر لقوله ‪-‬عليه الصالة والسالم‪:-‬‬
‫« اقتدوا باللذين من بعدي »‪.‬‬
‫المقصود أن المسألة خالفية‪ ،‬واألصل أن الحجة والعمدة في الدين على الكتاب والسنة‪ ،‬لكن إذا‬
‫افترضنا مسألة ما فيها شيء من النصوص ال من الكتاب وال السنة‪ ،‬وجدنا فيها قول صحابي‪ ،‬هل‬
‫نعمل بقول هذا الصحابي؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪261‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫من األصول التي يعتمد عليها اإلمام أحمد اعتماد قول الصحابي‪ ،‬ويستدل به ويفتي بمضمونه‬
‫كثيراً‪ ،‬وهو أيضاً مقتضى عمل األئمة غير اإلمام أحمد فإن كتب الفقه طافحة بأقوال الصحابة‬
‫يعتمدون عليها ويستدلون بها‪.‬‬
‫ال شك أن الصحابة خير القرون‪ ،‬وهم أدرى من غيرهم في الجملة‪ ،‬وإ ن كان من النصوص ما يدل‬
‫على أنه قد يوجد‪ ،‬قد يوجد ‪-‬وهذه للتقليل‪ -‬ممن يأتي بعد الصحابة من هو أوعى من بعض‬
‫الصحابة‪ ،‬ال نقول من الصحابة كلهم‪ ،‬من بعض الصحابة‪ ،‬و « رب مبلغ أوعى من سامع »‪.‬‬
‫ال شك أن من يعمل في مسألة فيها قول صحابي‪ ،‬ويقدمه على اجتهاده أنه ال يالم‪ ،‬المسألة مثل ما‬
‫كررنا مفترضة في مسألة خالية من النصوص من الكتاب والسنة‪ ،‬من اقتدى بصحابي فهو على‬
‫خير إن شاء اهلل تعالى‪ ،‬لكن من رد قول الصحابي وقال‪ :‬الحجة بالكتاب والسنة ال يالم ال يالم؛‬
‫ألن الصحابة غير معصومين‪.‬‬
‫بعد هذا يقول المؤلف ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ « :-‬األخبار » يقول‪ « :‬وأما األخبار فالخبر ما يدخله‬
‫الصدق والكذب‪ :‬األخبار » جمع خبر‪ ،‬وعرفه المؤلف بتعريفه عند أهل البالغة‪ :‬ما يدخله الصدق‬
‫والكذب‪ ،‬هذا في األصل‪ ،‬ما يدخله الصدق والكذب لذاته‪ ،‬وبغض النظر عن قائله‪ ،‬لذاته بغض‬
‫النظر عن قائله؛ فقد يكون الخبر وهو في األصل يحتمل الصدق والكذب‪ ،‬لكونه صادراً عن من ال‬
‫يكذب ال يحتمل إال الصدق‪ ،‬كأخبار اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬وأخبار نبيه ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬لكنها‬
‫في الجملة خبر؛ ألنها تحتمل بغض النظر عن القائل‪.‬‬
‫هناك من أخبارهم ال تحتمل الصدق كمسيلمة الكذاب‪ ،‬ومن عرف عنه الكذب‪ ،‬يعني وإ ن كان‬
‫االحتمال قائماً‪ ،‬لكنه إذا رمي بالكذب على النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬فإنه ُيطرح جميع ما‬
‫يرويه‪ ،‬وكل خبر يأتي من قبله يكون مردوداً‪ ،‬وعلى هذا ُحكماً خبره ال يحتمل الصدق‪ُ ،‬حكماً وإ ن‬
‫كان االحتمال قائم لماذا؟؛ ألن النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬قال عن الشيطان‪ « :‬صدقك وهو‬
‫كذوب »‪ ،‬لكن لو جاءك خبر عن شخص رمي بالكذب في الحديث‪ ،‬وأنت ما تدري هل صدق في‬
‫هذا الحديث أو كذب‪ ،‬ترد الخبر‪ ،‬وتحكم عليه بأن الخبر موضوع؛ ألن فيه فالن وهو كذاب‪ ،‬أو‬
‫وضاع فتعريفهم هذا بغض النظر عن القائل لذاته‪.‬‬
‫« والخبر ينقسم إلى آحاد ومتواتر> » ألن الخبر ال يخلو إما أن يكون مروياً من طريق عدد –‬
‫جماعة‪ -‬ال يقع التواطؤ منهم على الكذب عن مثلهم‪ ،‬وأسندوه إلى شيء محسوس‪ ،‬ال يحتمل‬
‫تواطؤهم على الكذب‪ ،‬وال بد أن يكون عن مثلهم في جميع طبقات اإلسناد‪ ،‬أو يروى من طريق من‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪262‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫لم يبلغ هذا العدد الذي رفع احتمال التواطؤ على الكذب‪ ،‬وإ ن شئت فقل‪ :‬اآلحاد ما لم تتوافر فيه‬
‫شروط المتواتر‪.‬‬
‫فالمتواتر من التواتر وهو التتابع‪ ،‬من التواتر وهو التتابع‪ ،‬وعرفه المؤلف ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪« :-‬‬
‫هو أن يرويه> جماعة ال يقع التواطؤ على الكذب عن مثلهم‪ ،‬وهكذا إلى أن ينتهي> المخبر عنه »‬
‫هكذا إلى أن ينتهي إلى المخبر عنه‪ :‬لو اختل هذا الشرط في أي طبقة من طبقات اإلسناد‪ ،‬احتمل‬
‫أن يقع التواطؤ في هذه الطبقة‪ ،‬فال بد أن يكون هذا الشرط‪ ،‬مستصحباً في جميع طبقات اإلسناد؛‬
‫لنجزم بأنهم لم يتواطؤا على الكذب‪ ،‬وال بد من إسناده إلى شيء محسوس‪ ،‬إما سماع‪ ،‬أو رؤيا أو‬
‫مشاهدة‪ ،‬أو غيرهما‪ ،‬وال يدخل في هذا العقليات واألمور المستنبطة ومثلها اإلشاعات‪ ،‬فاإلشاعات‬
‫ولو كثر ناقلوها فإنها ال تفيد العلم‪ ،‬وال يقع الجزم بصدقها ما لم تتوافر فيها الشروط‪.‬‬
‫الحافظ ابن حجر ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬يقول‪ :‬اإلشاعات أو ما يشاع من األخبار ولو كثر ناقلوه فإنه‬
‫ال يفيد القطع ولو كثر الناقلون‪.‬‬
‫اآلن يصدر خبر من جهة ما‪ ،‬ثم تتناقله وسائل اإلعالم في الشرق والغرب ‪-‬ألوف مؤلفة يتناقلون‬
‫هذا الخبر‪ -‬لكن هل يفيد التواتر؟ ال؛ ألن أصله ما استند إلى شيء محسوس‪ ،‬ال عن رؤيا‬
‫ومشاهدة‪ ،‬وال عن سماع‪.‬‬
‫عمر بن الخطاب ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬لما دخل المدينة ووجد الناس حول المنبر‪ ،‬أهل المدينة كلهم‬
‫مجتمعون حول المنبر‪ ،‬والنبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬معتزل نسائه في المشربة‪ ،‬وهو في‬
‫الحديث الصحيح‪ ،‬أهل المدينة كلهم تناقلوا الخبر أن النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬طلق نساءه‪،‬‬
‫النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬حصل بينه وبين نسائه ما يحصل من البشر‪ ،‬طلبوا منه مطالب فآلى‬
‫أن يعتزل النساء شهراً‪ ،‬وجلس في المشربة؛ اعتزلهن‪ ،‬فصدر إشاعة في المدينة أن النبي ‪-‬عليه‬
‫الصالة والسالم‪ -‬طلق نساءه‪َّ ،‬‬
‫فصدق الناس كلهم‪ ،‬ليش صدقوا؟ ألنه اعتزل‪ ،‬خالص جلس وحده‬
‫بدون نساء‪ ،‬ولمدة شهر‪ ،‬فوافقت هذه اإلشاعة بعض التصرفات التي قد يظن منها صدق هذه‬
‫اإلشاعة‪ ،‬فصدق الناس بهذا الخبر‪ ،‬فدخل النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬بعد أن استأذن مراراً‬
‫على‪ ،..‬دخل عمر ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬بعد أن استأذن مراراً فسأله‪ :‬أطلقت نساءك؟ قال‪ « :‬ال »‪،‬‬
‫فثبت أن هذه مجرد إشاعة ولو كثر تناقلها‪.‬‬
‫فاإلشاعات ال يعتمد عليها‪ ،‬ولو كثر ناقلوها‪ ،‬ومثلها ما ينقل في مثل هذه الظروف من أخبار‪،‬‬
‫وسهلت اآلن‪ ،‬سهل ترويج اإلشاعات‪ ،‬والناس في مثل هذه الظروف ‪-‬في أوقات الفتن‪ -‬تشرأب‬
‫أنفسهم إلى تلقي مثل هذه األخبار‪ ،‬وسرعان ما ينتشر الخبر في أقطار األرض‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪263‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫المقصود أن اإلشاعات‪ ،‬يعني على المسلم أن يتثبت‪ ،‬وأهل العلم وضعوا شروطاً شديدة لمن تقبل‬
‫روايته ومن ترد‪ ،‬فال بد من اعتبارها‪ ،‬فعلينا أن نعتني بهذا الباب؛ ألن اإلشاعات ضررها عظيم‪،‬‬
‫ضررها عظيم‪ ،‬فالتثبت أمر ال بد منه‪.‬‬
‫يقول‪ « :‬إلى المخبر عنه‪ ،‬فيكون في األصل عن مشاهدة أو سماع ال عن اجتهاد » يعني المسائل‬
‫العقلية التي يتوصل فيها إلى النتائج بطريق العقل الفالسفة كلهم ألوف مؤلفة مجمعون على قدم‬
‫العالم‪ ،‬وتلقاه عنهم من تلقاه عنهم‪ ،‬لكن هذه مسائل عقلية‪ ،‬لم تنتج ال عن مشاهدة وال سماع‪ ،‬فعلى‬
‫هذا ال يفيد التواتر‪.‬‬
‫أمم األرض كلها في كتبهم ‪-‬أعني من غير المسلمين‪ -‬قد يجمعون على مسائل‪ ،‬لكنها نتيجة‬
‫دراسات غير مبنية على شيء محسوس نتائج عقلية‪ ،‬ولذا سرعان ما تنتقض؛ يأتي جيل آخر‬
‫ويدرس هذه المسألة بطريقة أخرى‪ ،‬وينكشف له من األسرار واألمور ما ينسف به النظرية‬
‫السابقة‪ ،‬فهذه مجرد نظريات‪.‬‬
‫« واآلحاد » جمع أحد‪ ،‬اآلحاد جمع أحد‪ ،‬وقد سئل ثعلب ‪-‬وهو إمام من أئمة اللغة معروف‪ :-‬هل‬
‫اآلحاد جمع أحد؟ فقال‪ :‬حاشا أن يكون لألحد جمع‪ ،‬أما أن يكون جمع الواحد فنعم‪ ،‬جمع الواحد‬
‫فنعم‪.‬‬
‫ثعلب ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬نظر إلى أيش؟ أيش الذي انقدح في ذهنه؟‬
‫أن األحد اسم من أسماء اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬فإذا قلنا آحاد‪ ،‬معناه أن فيه أحد‪ ،‬وأحد وأحد‪ ،‬واألحد من‬
‫أسماء اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬هذا انقدح في ذهنه ولذلك نفى‪ :‬حاشا أن يكون لألحد جمع‪ ،‬لكن هذا‬
‫صحيح؟ نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬كيف؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬اآلن الشهر‪ ،‬كم فيه من أحد؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬هاه؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬أربعة أيش؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪264‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫آحاد‪ ،‬فاألحد من األسماء المشتركة‪ ،‬ليس من األسماء الخاصة باهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬فالشهر فيه أربعة‬
‫معنى واحد‪.‬‬ ‫آحاد ‪-‬جمع أحد‪ -‬فعلى هذا نقول‪ :‬اآلحاد جمع أحد‪ ،‬واألحد والواحد‬
‫ً‬
‫ويعرفون اآلحاد ‪-‬خبر الواحد‪ -‬بأنه‪ :‬ما اختل فيه شرط من شروط التواتر‪.‬‬
‫بعض طالب العلم ممن عرف بالغيرة على علوم الكتاب والسنة ينفي تقسيم األخبار إلى متواتر‬
‫وآحاد‪ ،‬وقال‪ :‬إنه دخل على علوم الحديث من األصوليين‪،‬ـ واألصوليين تلقوه من المتكلمين‪ ،‬نعم‪،‬‬
‫وهدف المتكلمين من تقسيم األخبار إلى متواتر موجب للعلم القطعي الضروري‪،‬ـ وإ لى آحاد مفيد‬
‫للظن ال يفيد العلم‪ ،‬وإ ن أوجب العمل‪ ،‬ولذا يقول‪ « :‬واآلحاد هو الذي يوجب العمل وال يوجب‬
‫العلم » هم خشوا من اآلثار واللوازمـ على هذا الكالم‪ ،‬لماذا؟؛ ألن المتكلمين رتبوا أموراً‪ ،‬فقالوا‪:‬‬
‫ما دام خبر الواحد ال يفيد العلم وإ نما يفيد الظن‪ ،‬فالعقائد ال تثبت إال بما يوجب العلم‪ ،‬فجميع ما ثبت‬
‫من أخبار اآلحاد في باب العقائد مردود‪ ،‬ونفوا على ذلك كثيراً من الصفات وأموراً مما يثبت هلل‬
‫‪-‬عز وجل‪ -‬مما ثبت بأخبار اآلحاد‪.‬‬
‫هؤالء الغيورون ‪-‬جزاهم اهلل خيراً عن الدين وأهله‪ -‬نظروا إلى هذا الالزم‪ ،‬لكن هل يختلف أحد‬
‫في أن األخبار متفاوتة؛ منها ما يلزمك بتصديقه بمجرد سماعه‪ ،‬ومنها ما يغلب على ظنك صدقه‪،‬‬
‫ومنها ما تتوقف فيه‪ ،‬ومنها ما يغلب على ظنك كذبه‪ ،‬ومنها ما تجزم بصدقه‪ ،‬ومنها ما تجزم‬
‫بكذبه‪ ،‬األخبار أيش؟‬
‫متفاوتة‪ ،‬متفاوتة وإ ال ال؟ يعني ما يختلف الخبر من مجيئه من طريق واحد أو اثنين أو عشرة أو‬
‫مائة؟ متفاوتة‪ ،‬ال يختلف في هذا أحد‪.‬‬
‫تبقى التسميات نعم‪ ،‬تبقى التسميات‪ ،‬متواتر وآحاد لم ينطق بها سلف هذه األمة ال الصحابة وال‬
‫التابعون‪ ،‬لكن لو طردنا هذا الكالم نفينا كثير من االصطالحات العلمية في جميع العلوم الشرعية‪،‬‬
‫حتى في التفسير والحديث والفقه والعقائد‪ ،‬نفينا جميع هذه االصطالحات‪ ،‬إذا قلنا‪ :‬ال نثبت إال ما‬
‫ثبت عن الصحابة والتابعين‪ ،‬إذا عرفنا مأخذ هذه الكلمة‪ ،‬ومدلول هذه الكلمة‪ ،‬وما يلزم من إطالق‬
‫هذه الكلمة‪ ،‬واحترزنا عن هذا الالزم‪ ،‬واستعملت هذه الكلمة من األئمة الموثوقين المعتبرين‪ ،‬لماذا‬
‫ال نقول‪ :‬اصطالح‪ ،‬وال مشاحة في االصطالح؟‬
‫شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪-‬وال يشك أحد في رسوخ قدمه في علوم الكتاب والسنة‪ ،‬وفي نصر السنة‪،‬‬
‫وقمع البدع‪ ،‬والرد على المبتدعة‪ -‬يقسم األخبار إلى متواتر وآحاد‪ ،‬ونخشى من اللوازم‪ ،‬نعم‪ ،‬نقسم‬
‫ونعتني بهذا التقسيم‪ ،‬ونمثل له باألمثلة التي مثل بها شيخ اإلسالم وغيره ممن اعتنى بهذا التقسيم‪،‬‬
‫وال نلتزم بالالزم‪ ،‬وال نلتزم بالالزم الذي لزم عليه المحظور الشرعي‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪265‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫ومعنى‪ ،‬ومتواتر معنوي‬ ‫شيخ اإلسالم قسم إلى متواتر وآحاد‪ ،‬وقسم المتواتر إلى متواتر لفظاً‬
‫ً‬
‫‪-‬معنى فقط‪ -‬ومثل للمتواتر اللفظي بحديث‪ « :‬من كذب » كما يمثل أهل العلم‪ ،‬ومثل للمتواتر‬
‫ً‬
‫المعنوي بفضائل أبي بكر وعمر‪ ،‬وفي كل مقام يمثل بمثال مناسب‪ ،‬يعني في منهاج السنة‬
‫‪-‬والكتاب موضوع للدفاع عن الصحابة ال سيما أبا بكر وعمر‪ -‬مثل بفضائل أبي بكر وعمر‬
‫وقال‪ :‬متواتر تواتراً معنوياً‪.‬‬
‫حديث المسح على الخفين تبلغ التواتر‪ ،‬حديث الشفاعة والحوض‪ ،‬هل يستطيع أحد أن يدفع‬
‫تصديقها عن نفسه؟ متواترة‪ ،‬لكنه تواتر معنوي‪.‬‬
‫ابن الصالح وغيره يشيرون إلى أن مثل هذا التقسيم ال يوجد عند أهل الحديث‪ ،‬لماذا؟‬
‫على سبيل الخصوص التواتر ال يوجد عند أهل الحديث‪ ،‬مع أنهم أثبتوا ومثلوا له‪ ،‬لماذا ال يوجد‬
‫عند أهل الحديث‪ ،‬المتواتر؟؛ ألنهم ليس بحاجة إليه‪ ،‬الحديث يبحث في الخبر من حيث الثبوت‬
‫وعدمه‪ ،‬علماء الحديث يبحثون عن األخبار من حيث الثبوت وعدمه ‪-‬وعدم الثبوت‪ -‬خبر متواتر‬
‫هل يحتمل الثبوت وعدمه؟ ال يحتمل إذن ال يبحثون‪.‬‬
‫فالمقصود أن إقرار مثل هذا التقسيم ال يلزم عليه أي محظور‪ ،‬والشيخ أحمد شاكر لما اعتمد هذا‬
‫التقسيم ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬وقال بعد ذلك‪ :‬وال تنظر إلى لوازم المبتدعة فإنهم يريدون باآلحاد ويقصدون‬
‫من ورائه غير ما تقصده أنت؛ ألنهم حينما يقسمون إلى متواتر وآحاد‪ ،‬ويقولون‪ :‬اآلحاد ظني‬
‫يوجب العلم‪ ،‬ال يوجب العلم‪ ،‬إنما هو موجب للظن‪ ،‬هو موجب للعمل عند جميع من يعتد بقوله من‬
‫أهل العلم‪ ،‬موجب للعمل في جميع أبواب الدين‪ ،‬إذا وصل إلى درجة القبول موجب للعمل عند‬
‫جميع من يعتد بقوله من أهل العلم‪.‬‬
‫إذا أوجب العمل في جميع أبواب الدين بما في ذلك العقائد واألحكام والفضائل والتفسير والقراءات‬
‫وغيرها موجب للعمل‪.‬‬
‫ننظر في مسألة العلم‪ ،‬ماذا يراد بالعلم؟‬
‫العلم عندهم الذي ال يحتمل النقيض‪ ،‬يعني خبر صادق مائة بالمائة‪ ،‬ما يحتمل نقيض‪ ،‬خالص بلغك‬
‫هذا الخبر الزم‪ ،‬وال يجوز لك بحال من األحوال أن تشكك فيه؛ ألنه ال يحتمل النقيض‪ ،‬إذا قلنا‪ :‬هذا‬
‫العلم‪ ،‬هذا هو العلم‪ ،‬والظن‪ :‬االحتمال الراجح ‪-‬يعني الذي يغلب على الظن ثبوته‪ -‬الظن هو‬
‫االحتمال الراجح‪ ،‬نأتي براو من الرواة‪ ،‬وليكن إمام من أئمة المسلمين مالك بن أنس نجم السنن‪،‬‬
‫مالك بن أنس نجم السنن‪ ،‬يعني إذا نقل اإلمام مالك‪ ،‬وجاءنا حديث من طريق اإلمام مالك نحلف‬
‫عليه ونجزم بأن اإلمام مالك ما أخطأ وال سها وال غفل‪ ،‬نجزم بهذا؟ نعم؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪266‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫حفظ لمالك ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬بعض األوهام‪ ،‬ومادام حفظ له بعض األوهام‪ ،‬وهو ما يندرج تحت‬
‫األصل المقرر في الشرع أنه غير معصوم‪ ،‬ومن يعرو من الخطأ والنسيان؟ ما في ال مالك وال‬
‫غير مالك‪ ،‬حفظ عليه بعض األوهام‪ ،‬إذن إذا جاءك خبر من طريق مالك كم تعطيه نسبة؟ تعطيه‬
‫مائة بالمائة؟ أال يحتمل أنه وهم في هذا الخبر؟‬
‫إذن نزلت النسبة ولو واحد بالمائة‪ ،‬وما دام نزل عن مائة بالمائة إلى تسعة وتسعين ثمانية وتسعين‪،‬‬
‫وقل في كثير من الثقات إلى تسعين إلى خمسة وثمانين‪ ،‬إلى ثمانين هذا ظن غالب‪ ،‬إذن مفيد‬
‫أليش؟ للظن‪.‬‬
‫إذا عرفنا االصطالحات وعرفنا ما يلزم على هذه االصطالحات وتنصلنا من هذه اللوازم وصار‬
‫التقسيم‪ ،‬يحدد لنا األنواع بدقة‪ ،‬وال يلزم عليه شيء؛ ألنها اصطالحات‪ ،‬وال مشاحة في‬
‫االصطالحات‪ ،‬أو في كل علم من علوم الشرع اصطالحات يعتني به أهل ذلك العلم‪.‬‬
‫إذا قلنا‪ :‬إن رأي اإلمام مالك ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬يحتمل الخطأ إذن اإلمام مالك ‪-‬كما هو مقرر‪-‬‬
‫ليس بمعصوم‪ ،‬وقل مثل هذا في من دون اإلمام مالك ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬فعلى هذا خبر اإلمام مالك يفيد‬
‫الظن‪ ،‬يفيد الظن الغالب‪.‬‬
‫يعني جاءك شخص من أوثق الناس عندك‪ ،‬فقال‪ :‬جاء زيد‪ ،‬جاء زيد‪ ،‬تستطيع أن تحلف أن زيداً‬
‫جاء‪ ،‬كأنك رأيته أنت؟ نعم؟ هل تستطيع أن تقول‪ :‬إن فالناً أخبرك ‪-‬أوثق الناس عندك‪ -‬بأن فالناً‬
‫من الناس زنى بفالنة‪ ،‬وهو أوثق الناس عندك هل تستطيع أن تشهد عليه‪ ،‬أو تحلف على أنه‬
‫زنى؟!‬
‫إذن يحتمل خبره النقيض‪ ،‬فما أفادنا العلم اللي هو نتيجته مائة بالمائة‪ ،‬إذن نزل عن هذه النسبة‪،‬‬
‫وهو أوثق الناس عندك‪ ،‬ومثلنا بنجم السنن مالك‪ ،‬إمام مجمع على إمامته وتحريه وتثبته‪.‬‬
‫أقول‪ :‬خبر الواحد بهذا التقرير‪ ،‬وهو بمعرفة‪ ،..‬بعد معرفة العلم والظن‪ ،‬ويقابل الظن الوهم‪ ،‬الذي‬
‫هو االحتمال المرجوح‪ ،‬واالحتمال المساوي يسمونه الشك‪.‬‬
‫أقول‪ :‬إذا استوعبنا هذا التقرير‪ ،‬قلنا‪ :‬إن خبر الواحد ال يوجب العلم‪ ،‬وإ نما يفيد الظن ‪-‬هذا في‬
‫األصل‪ -‬مع أنه موجب للعمل اتفاقاً بإجماع من يعتد بقوله من أهل العلم‪ ،‬دع عنك من يقول‪ :‬إن‬
‫خبر الواحد ال يقبل في العقائد من أشاعرة وغيرهم‪ ،‬ودع عنك من ال يحتج بخبر الواحد أصالً‬
‫كالمعتزلة‪ ،‬هؤالء ما لنا بهم الزم‪ ،‬ما لنا بهم الزم‪ ،‬هؤالء ما لنا بهم دعوة؛ ألننا ال نعتد بخالفهم‪،‬‬
‫فإذا قلنا‪ :‬إنه موجب للعمل في جميع أبواب الدين‪ ،‬وعرفنا وفرقنا بين العلم والظن‪ ،‬وقلنا‪ :‬إنه يفيد‬
‫الظن‪ ،‬يبقى أنه قد يفيد العلم بالقرائن‪ ،‬يفيد العلم بالقرائن ليش؟؛ ألن االحتمال ‪-‬احتمال الخطأ‪ -‬في‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪267‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫خبر الثقة ضعيف‪ ،‬ولوال هذا االحتمال لقلنا‪ :‬إنه موجب للعلم‪ ،‬هذا االحتمال الضعيف إذا وجد‬
‫قرينة تقابل هذا االحتمال ارتفع هذا االحتمال‪ ،‬فصار خبره موجباً للعلم‪ ،‬موجباً للعلم‪ ،‬وهذا ما قرره‬
‫شيخ اإلسالم ابن تيمية وابن القيم ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬في الصواعق‪ ،‬وابن حجر‪ ،‬وجمع غفير من أهل‬
‫العلم‪ ،‬يقولون‪ :‬الخبر الواحد‪ ،..‬وأيضاً ابن رجب في شرح البخاري في مواضع يقرر أن خبر‬
‫الواحد إذا احتفت به قرينة يوجب العلم‪ ،‬أيش مفهومه؟ أنه إذا لم تحتف به قرينة فاحتمال الخطأ‬
‫قائم‪.‬‬
‫من القرائن التي قررها أهل العلم ‪-‬التي تحتف بخبر الواحد حتى يصل إلى درجة إفادة العلم –‬
‫وعرفنا كيف ترقى خبر الواحد بالقرينة إلى أن يفيد العلم‪-‬؛ ألن االحتمال الذي أنزله أصالً من‬
‫إفادة العلم ضعيف‪ ،‬فجاءت هذه القرينة فقاومت هذا االحتمال فكأن هذا االحتمال غير موجود‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬كون الحديث في الصحيحين أو في أحدهما هذه قرينة؛ لشدة تحري الشيخين وانتقائهما‬
‫للمتون واألسانيد‪.‬‬
‫كون الحديث مروياً بطرق متباينة سالمة من القوادح والعلل‪ ،‬كون الحديث متداوالً بين األئمة‬
‫يرويه إمام عن إمام عن إمام عن إمام مالك‪ ،‬أحمد عن الشافعي عن مالك؛ يعني لو وهم مالك‬
‫يحتمل أن يوافقه الشافعي على الوهم ويرويه عنه؟ ال يحتمل‪ ،‬إذا وهم مالك والشافعي يوافقهم‬
‫اإلمام أحمد والحديث فيه خطأ؟ ال يمكن‪.‬‬
‫إذن هذه القرائن قابلت ذلك االحتمال فارتقى خبر الواحد إلى إفادة العلم‪.‬‬
‫يقول‪ « :‬وال يوجب العلم الحتمال الخطأ فيه‪ ،‬وينقسم إلى قسمين »‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‪ :‬معنا سفر اآلن‪ ،‬فنقف على هذا‪ ،‬ونكمل ‪-‬إن شاء اهلل‪ -‬األسبوع القادم‪.‬‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫كم باقي على األذان؟ جزاكم اهلل خيراً‪.‬‬
‫سبحانك اللهم وبحمدك‪ ،..‬واهلل أعلم‪ ،‬وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى‬
‫آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫‪‬‬

‫السادس عشر‬
‫الدرس ّ‬
‫ّ‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪268‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد وعلى آله‬
‫وصحبه أجمعين أما بعد‪ :‬فقد قال المؤلف ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪:-‬‬

‫وينقسم اآلحاد إلى قسمين‪ :‬مرسل ومسند‪ ،‬فالمسند‪ :‬ما اتصل إسناده‪ ،‬والمرسل‪ :‬ما لم يتصل‬
‫إسناده‪ ،‬فإن كان من مراسيل> غير الصحابة فليس بحجة‪ ،‬إال مراسيل> سعيد بن المسيب؛ فإنها‬
‫فتشت فوجدت مسانيد‪.‬‬
‫والعنعنة تدخل على األسانيد‪ ،‬وإ ذا قرأ الشيخ يجوز للراوي أن يقول‪ :‬حدثني أو أخبرني‪ ،‬وإ ن قرأ‬
‫هو على الشيخ فيقول‪ :‬أخبرني‪ >،‬وال يقول‪ :‬حدثني‪ ،‬وإ ن أجازه الشيخ من غير قراءة فيقول‬
‫الراوي‪ :‬أجازني‪ ،‬أو أخبرني> إجازة‪.‬‬

‫طالب‪ :‬من غير قراءة‪.‬‬


‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬كل النسخ قراءة؟ هاه؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬ما في غيره‪ ،‬نسخ ثانية ما فيه؟‬
‫طالب‪.......:‬‬

‫« َّ‬
‫الش ْـر ُح » ‪:‬‬
‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‪ ،‬تقدم الكالم في الحديث عن األخبار‪ ،‬والمراد بها أعم من األخبار المسندة المضافة إلى‬
‫النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬وغيره؛ فالخبر يشمل المرفوع إلى النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪-‬‬
‫وما أضيف إلى غيره ‪-‬هذا األصل في الخبر‪ -‬فهو أعم من الحديث‪ ،‬لكن الذي يهمنا هنا ما يضاف‬
‫إلى النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ ،-‬تقدم الكالم في تقسيمه إلى متواتر وآحاد‪ ،‬وذكرنا حكم‬
‫المتواتر‪ ،‬وأنه موجب للعلم القطعي الضروري؛ـ ألن السامع ملزم بتصديقه من غير نظر وال‬
‫يضر‪،‬‬
‫استدالل وإ ن نازع بعض أهل العلم في وجوده‪ ،‬لكن حقيقته موجودة‪ ،‬والنزاع في تسميته ال ُّ‬
‫ال سيما وقد اعتمده من يعتد بقوله من أهل العلم‪ ،‬وسموه بهذا االسم وعرفوه بالتعريف المعروف‪،‬‬
‫وقسموه إلى األقسام المعروفة‪ ،‬ومثله قسيمه ‪-‬اآلحاد‪ -‬وهو ما دون المتواتر‪.‬‬
‫قال المؤلف‪ « :‬هو الذي يوجب العمل وال يوجب العلم » ومضى الحديث في ذلك بالتفصيل‪،‬‬
‫والسبب في كونه يوجب العمل أن النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬يرسل الرسل إلى القبائل وإ لى‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪269‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫البلدان وإ لى األقطار‪ ،‬فلوال أن أخبارهم مقبولة موجبة للعمل لما أرسل الواحد منهم حتى يرسل‬
‫الجماعة المجموعة الذين يثبت القطع بخبرهم‪ ،‬لكن خبر الواحد موجب للعمل بهذا‪ ،‬وال يوجب‬
‫العلم لذاته؛ ألن العلم ما ال يحتمل النقيض‪ ،‬وخبر الواحد يحتمل النقيض؛ ألنه ليس بمعصوم‪،‬‬
‫وسبق تقرير هذه المسألة‪ ،‬نعم‪ ،‬إن احتف بخبر الواحد قرينة أوجب العلم؛ ألن هذه القرينة تقوم في‬
‫مقابل االحتمال ‪-‬احتمال النقيض وهو ضعيف‪ ،‬احتمال النقيض‪ -‬يعني إذا‪ ،..‬ومثلنا بمالك نجم‬
‫السنن‪ ،‬وقلنا‪ :‬إنه ليس بمعصوم من الخطأ‪ ،‬ليس بمعصوم من الوهم‪ ،‬إذن يعتري حديثه ما يجعله‬
‫يخالف الواقع‪ ،‬وقد وقعت له بعض األوهام‪ ،‬فال يحلف على خبره‪ ،‬نعم إذا احتفت به قرينة وقاومت‬
‫هذا االحتمال أوجب العلم عند أهل العلم‪.‬‬
‫ومنهم من يرى أن خبر الواحد يوجب العلم مطلقاً‪ ،‬وهو قول الحسين الكرابيسي وداود الظاهري‪،‬‬
‫وبعض من أهل الحديث‪ ،‬لكن حقيقة القول المعتمد الذي يميل إليه شيخ اإلسالم ابن تيمية وابن القيم‬
‫و ابن حجر وابن رجب وغيرهم من أهل العلم أن خبر الواحد إذا احتفت به قرينة ‪-‬بهذا القيد‪-‬‬
‫أوجب العلم وأفاده‪ ،‬وهذا مضى الكالم فيه‪.‬‬
‫ثم قال المؤلف‪ « :‬وينقسم إلى قسمين » يعني خبر الواحد ينقسم إلى قسمين‪ :‬مرسل ومسند‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬متى يوجب العمل خبر الواحد؟‬
‫إذا ثبت‪ ،‬إذا وصل إلى درجة القبول بأن كان صحيحاً إما لذاته أو لغيره‪ ،‬أو كان حسناً لذاته أو‬
‫لغيره‪ ،‬يعني في دائرة القبول‪.‬‬
‫والصحيح عند أهل العلم‪ :‬ما نقله العدل الضابط عن مثله مع اتصال السند من غير اتصاف بعلة‬
‫وال شذوذ‪ ،‬يقول‪ :‬الحافظ العراقي‪:‬‬

‫وأهل هذا الشأن قسموا السنن *** إلى صحيح وضعيف وحسن‬
‫فاألول المتصل اإلسناد *** بنقل عدل ضابط الفؤاد‬
‫عن مثله من غير ما شذوذ *** وعلة قادحة فتوذي‬

‫سواء كان صح بذاته أو لغيره بأن كان حسناً لذاته وتعددت طرقه‬
‫ً‬ ‫فإذا صح الخبر أوجب العمل‪،‬‬
‫أوجب العمل أيضاً‪ ،‬ومثله إذا نزل قليالً عن حد الصحيح إلى درجة القبول‪ ،‬مما يسمى بأدنى‬
‫الصحيح وهو الحسن‪ ،‬ما لم يصل إلى الضعف‪ ،‬فإذا كان حسناً لذاته أو حسناً لغيره بأن كانت‬
‫مفرداته ضعيفة ضعفاً قريباً محتمالً وتعاضدت‪ ،‬قابلة لالنجبار وتعاضد بعضها مع بعض فإنها‬
‫ترتقي إلى درجة الحسن لغيره‪ ،‬ويحتج به حينئذ وهو حجة ‪-‬خبر الواحد‪ -‬عمدة وحجة عند أهل‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪270‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫العلم‪ ،‬موجب للعمل في جميع أبواب الدين‪ ،‬في جميع أبواب الدين‪ ،‬فتثبت به العقائد‪ ،‬تثبت به‬
‫األحكام‪ ،‬تثبت به اآلداب والفضائل‪ ،‬يثبت به التفسير والقراءة وغير ذلك‪ ،‬المقصود إذا وصل إلى‬
‫درجة القبول بمعنى أنه غلب الظن على ثبوته‪ ،‬فإن العمل به واجب‪.‬‬
‫« ينقسم إلى قسمين مرسل ومسند‪ ،‬فالمسند‪ :‬ما اتصل إسناده » عرفنا أن من شروط القبول‪:‬‬
‫اتصال السند‪ ،‬من شروط القبول‪ :‬اتصال السند‪ ،‬فاألول المتصل اإلسناد‪ ،‬هذا أول شرط ‪-‬اتصال‬
‫السند‪ -‬فالذي يتصل سنده؛ بنقل العدل الضابط يعني الثقة عن مثله إلى أن ينتهي السند من غير‬
‫اتصاف بشذوذ وال علة قادحة هذا صحيح‪ ،‬إذا اختل شرط ‪-‬وهو شرط االتصال‪ -‬بأن حصل‬
‫االنقطاع في السند ‪-‬في أي طبقة من طبقات اإلسناد‪ -‬حكم على الخبر بأنه ضعيف‪ ،‬بأنه ضعيف؛‬
‫الختالل شرط من شروط القبول‪ ،‬وهو اتصال السند‪.‬‬
‫المؤلف جرى على عادة األصوليينـ بمقابلة المسند بالمرسل‪ ،‬وهو أيضاً معروف عند أهل الحديث؛‬
‫حينما يقولون‪ :‬أسنده فالن وأرسله فالن‪ ،‬فإذا قالوا‪ :‬أسنده فالن‪ ،‬مرادهم بذلك أنه وصل إسناده‪،‬‬
‫يعني رواه بسند متصل‪ ،‬وإ ذا قالوا‪ :‬أرسله فالن‪ ،‬معناه أنه حصل أو رواه بسند فيه شيء من‬
‫االنقطاع في أي طبقة من طبقاته‪ ،‬لكن أهل العلم يجعلون االنقطاع قسمين‪ :‬قسم ظاهر وقسم خفي‪،‬‬
‫انقطاع ظاهر وانقطاع خفي‪.‬‬
‫اآلن المؤلف أطلق المسند بإزاء المتصل فقال‪ « :‬المسند‪ :‬ما اتصل إسناده » مع أن أهل الحديث‬
‫يختلفون في تعريف المسند‪ ،‬فمنهم من يقول‪ :‬المسند المتصل ‪-‬كما هنا‪ -‬ومنهم من يقول‪ :‬المسند‬
‫المرفوع‪ ،‬ومنهم من يقول‪ :‬المسند المرفوع المتصل‪ ،‬وهنا اعتمد قول الخطيب‪ ،‬وهو أن المسند‬
‫المتصل‪.‬‬
‫ابن عبد البر يرى أن المسند المرفوع‪ ،‬والحاكم جمع األمرين معاً فقال‪ :‬هو المرفوع المتصل‪ ،‬فإذا‬
‫اتصل إسناد‪ ،..‬اإلسناد إلى النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬وأضيف الخبر إليه صار مسنداً‪ ،‬بينما‬
‫لو اتصل السند إلى صحابي فإنه حينئذ ال يكون مسنداً‪ ،‬عند من؟ عند ابن عبد البر‪ ،‬وال عند‬
‫الحاكم‪ ،‬وهو مسند عند الخطيب‪.‬‬
‫على كل حال أهل األصول لهم عناية بالخطيب‪ ،‬وهو قريب منهم في كثير من القواعد‪ ،‬وال يقدح‬
‫فيه‪ ،...‬ال يقدح في الخطيب كونه محسوباً على أهل األصول‪ ،‬ال أبداً؛ ما من فن من فنون علوم‬
‫الحديث إال وقد ألف فيه كتاباً‪ ،‬حتى قال أبو بكر بن نقطة‪ " :‬من أنصف علم أن أهل الحديث عيال‬
‫على الخطيب في كتبه"؛ ما من باب من أبواب علوم الحديث إال وألف فيه‪ ،‬يعني كونه يلتقي مع‬
‫األصوليين في كثير من القواعد واألصول التي يرجعون إليها هذا ال يضيره إن شاء اهلل تعالى‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪271‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫إذا قابلنا المسند‪ ،‬وحكمنا على المسند بأنه المتصل ‪-‬وهو ما يراه الخطيب ويتبعه المؤلف‪ -‬فالذي‬
‫يقابل المتصل المنقطع‪ ،‬وهو ما عبر عنه ببعض أنواعه وهو المرسل‪ ،‬وهذا اصطالح معروف‬
‫عند أهل العلم‪ ،‬حتى من المحدثين حينما يقولون‪ :‬أسنده فالن‪ ،‬وأرسله فالن‪.‬‬

‫ومن يقابله بذي اإلرسال *** فقد عنا بذاك ذا اتصال‬

‫من يقابل المسند بالمرسل فيريد به المتصل‪.‬‬


‫المرسل‪ :‬هنا أطلقه على طريقة األصوليينـ ‪-‬على جميع أنواع االنقطاع‪ -‬وعند أهل الحديث‪..‬؛‬
‫ألن هناك انقطاع ظاهر وهناك انقطاع خفي‪ ،‬واالنقطاع الظاهر عند أهل الحديث إما أن يكون من‬
‫مبادئ السند فيسمونه حينئذ المعلق‪ ،‬من مبادئ السند من جهة المصنف‬

‫وإ ن يكن أول اإلسناد حذف *** مع صيغة الجزم فتعليقاً عرف‬

‫هذا إذا حذف أول اإلسناد‪ ،‬إذا حذف آخر اإلسناد‪ ،‬طرفه الذي فيه الصحابي‪ ،‬ورفعه التابعي إلى‬
‫النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬هذا هو المرسل بالمعنى األخص عند أهل الحديث‪.‬‬

‫مرفوع تابع على المشهور *** مرسل أو قيده بالكبير‬

‫إذا كان االنقطاع في أثناء السند‪ ،‬فإن كان بواحد‪ ،‬أو بواحد من أكثر من موضع يعني ال على‬
‫التوالي‪ ،‬يسمونه المنقطع‪ ،‬فإن كان باثنين على التوالي فهو المعضل‪:‬‬
‫المعضل الساقط منه اثنان‬
‫فصاعداً ومنه قسم ثاني‬

‫ما سقط منه اثنان فصاعداً‪ ..‬إلى آخره‬


‫المقصود أن السقط الظاهر الذي ال يخفى على آحاد المتعلمين‪ ،‬يقسم عند أهل العلم إلى أربعة‬
‫أقسام؛ ألنه ال يخلو إما أن يكون السقط من مبادئ السند من جهة المصنف وهو التعليق‪ ،‬أو من‬
‫آخره ‪-‬طرفه األعلى‪ -‬وحينئذ هو المرسل بالمعنى األخص‪ ،‬أو في أثنائه فإن كان بواحد فهو‬
‫المنقطع‪ ،‬ومثله لو كان بأكثر من واحد ال على التوالي هو المنقطع‪ ،‬وإ ن كان باثنين فأكثر على‬
‫التوالي فهو المعضل‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪272‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫هذا االنقطاع الظاهر‪ ،‬هناك انقطاع خفي‪ ،‬وهو الذي ال يدركه آحاد المتعلمين‪ ،‬وإ نما يدرك بالخبرة‬
‫والدربة ومعاناة هذا الفن‪ ،‬حتى تتكون لطالب العلم ملكة يدرك به مثل هذا السقط‪ ،‬فإذا روى‬
‫الشخص عن من سمع منه أحاديث حديثاً لم يسمعه منه‪ ،‬روى نافع عن ابن عمر‪ ،‬سمع منه أحاديث‬
‫كثيرة جداً‪ ،‬لكن روى عنه حديثاً لم يسمعه منه‪ ،..‬أنت تبحث في كتب الرجال تجد كلها تنص على‬
‫أن نافع سمع من ابن عمر‪ ،‬يعني من باب أولى أن يكون لقيه وعاصره إلى آخره‪ ،‬هذا يسمى أيش؟‬
‫سمع منه‪ ،‬سمع منه؛ ألن للراوي مع من يروي عنه أربع صور‪ ،‬أربع حاالت‪ :‬إما أن يسمع منه‬
‫حديثاً فيروي عنه ما لم يسمعه منه‪ ،‬أو يلقاه ولم يسمع منه‪ ،‬يعني لم يثبت أنه سمع منه‪ ،‬فيروي‬
‫عنه‪ ،‬أو يعاصره معاصرة فقط‪ ،‬ولم يثبت لقاؤه له‪ ،‬فيروي عنه‪ ،‬أو ال تثبت المعاصرة؛ ألنها أربع‬
‫صور‪ ،‬كل ٍ‬
‫راو مع من يروي عنه‪ ،‬نعم‪ ،‬ال يخرج عن هذه الصور األربع‪ :‬إما أن يكون سمع منه‪،‬‬
‫أو يكون لقيه‪ ،‬أو عاصره‪ ،‬أو لم يعاصره‪ ،‬القسمة ال تخلو من هذا األربع الصور‪.‬‬
‫فإذا روى عن شخص سمع منه ما لم يسمعه منه‪ ،‬ومثلنا بنافع عن ابن عمر‪ ،‬فهذا أيش؟ تدليس‬
‫إجماعاً هذا‪ ،‬إجماعاً تدليس‪ ،‬إذا روى عن من لقيه‪ ،‬إذا روى عن من لقيه ما لم يسمعه منه‬
‫‪-‬والشرط في جميع الصور أن تكون الصيغة موهمة‪ -‬ما يقول‪ :‬سمعت وإ ال أخبرني؛ ألنه إذا‬
‫قال‪ :‬سمعت وإ ال أخبرني ‪-‬والمسألة مفترضة في ثقة‪ -‬انتهى اإلشكال يصير سمع هذا الخبر منه‪،‬‬
‫لكن إذا أتى بصيغة موهمة‪ ،‬ودلت القرائن أو دلت الطرق األخرى على أنه لم يسمعه منه‪ ،‬وأتى‬
‫بصيغة موهمة‪ ،‬وقد سمع منه أحاديث نقول‪ :‬دلس هذا الحديث‪ ،‬إذا روى عن من لقيه ما لم يسمعه‬
‫منه بصيغة موهمة أيضاً هذا تدليس‪ ،‬هذا تدليس‪.‬‬
‫الصورة الثالثة‪ :‬إذا روى عن شخص عاصره ولم يثبت أنه لقيه‪ ،‬روى عن شخص عاصره ولم‬
‫يثبت أنه لقيه‪ ،‬بمعنى أنهما وجدا في زمن واحد‪ ،‬روى شخص ولد سنة مائة عن شخص مات سنة‬
‫مائة وعشرين‪ ،‬عاصر وإ ال ما عاصر؟ عاصر لكن لم يثبت لنا أنه لقيه بمجرد المعاصرة‪ ،‬هذا‬
‫أيش؟ إرسال خفي‪ ،‬إرسال خفي وإ ن أدخله بعضهم في بعض صور التدليس‪ ،‬لكنه إرسال خفي‪ .‬إذا‬
‫روى عن من لم يعاصره شخص ولد سنة مائة روى عن شخص مات سنة ثمانين‪ ،‬هذا تدليس؟ ال‪،‬‬
‫إرسال خفي؟ ال‪ ،‬انقطاع ظاهر؟ نقول له‪ :‬نعم‪ ،‬انقطاع ظاهر يعرفه آحاد الطلبة؛ يعني ما في أحد‬
‫يخفى عليه أن من ولد سنة مائة ال يمكن أن يروي عن من مات سنة ثمانين‪ ،‬هذا يخفى على طالب‬
‫علم؟ ما يخفى على صغار المتعلمين‪ ،‬إذن هذا انقطاع ظاهر‪.‬‬
‫بعضهم يقول‪ :‬إليهام الصيغة إذا روى عنه بـ(عن) يسمى تدليساً؛ إليهام الصيغة‪ ،‬وهذا ذكره ابن‬
‫عبد البر في مقدمة التمهيد‪ ،‬وهو قول شاذ ال يعول عليه‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪273‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫المقصود أنه إذا روى ما لم يسمعه عموماً فهو انقطاع‪ ،‬روى عن شخص خبراً روى عن شخص‬
‫لم يسمعه‪ ،‬إذن فيه انقطاع؛ فيه واسطة بينهم‪ ،‬وهذا االنقطاع إن كان الشيخ –الراوي‪ -‬قد سمع من‬
‫هذا الشيخ‪ ،‬أو لقيه‪ ،‬أو عاصره هذا انقطاع خفي؛ ألنك تجد في كتب الرجال أن هذا ولد سنة مائة‪،‬‬
‫وهذا مات سنة مائة وعشرين‪ ،‬يعني مدرك؛ عشرين مدرك إدراكاً بيناً‪.‬‬
‫المقصود أن مثل هذا االنقطاع الخفي والظاهر ينبغي أن يالحظ في التقسيم‪ ،‬وهنا أجمل فقال‪:‬‬
‫« مرسل ومسند » والمسند المتصل‪ ،‬والمرسل ما عداه‪ ،‬يعني المنقطع‪ « ،‬فالمسند‪ :‬ما اتصل‬
‫إسناده‪ ،‬والمرسل‪ :‬ما لم يتصل إسناده » فجعل المرسل بإزاء األقسام كلها‪ ،‬المرسل الذي لم‬
‫يتصل إسناده حجة وإ ال ليس بحجة؟ نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬نعم؟ نعم؟‬
‫المرسل الذي هو المرسل االصطالحي‪ ،‬الذي هو مرفوع التابعي إلى النبي ‪-‬عليه الصالة‬
‫والسالم‪ -‬أو المرسل بالمعنى األعم؟‬
‫أهل العلم يقررون أن االنقطاع علة‪ ،‬االنقطاع علة لماذا؟؛ الحتمال أن يكون الواسطة ضعيف‪،‬‬
‫الحتمال أن يكون الواسطة ضعيف‪ ،‬إذن ال بد أن نعرف عين من روى عنه‪ ،‬ثم بعد ذلك هل هو‬
‫ثقة نقبل‪ ،‬إذا كان غير ثقة نرد‪ ،‬إذا لم يذكر اسمه أصالً هل نثق بخبره؟‬
‫طالب‪ :‬ال‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬إذن هو في دائرة الضعف‪ ،‬ولذا يقول الحافظ العراقي لما تحدث عن‬
‫المرسل‪:‬‬

‫ورده جماهر النقاد *** للجهل بالساقط في اإلسناد‬


‫وصاحب التمهيد عنهم نقله *** ومسلم صدر الكتاب أصله‬

‫الجمهور على رد المراسيل من غير تفصيل؛‬

‫ورده جماهر النقاد *** للجهل بالساقط في اإلسناد‬


‫وصاحب التمهيد عنهم نقله *** ومسلم صدر الكتاب أصله‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪274‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫لكن الخالف موجود في المتقدمين حتى قال بعضهم‪ :‬إن التابعين بأسرهم يقبلون المراسيل‪ ،‬التابعين‬
‫بأسرهم يقبلون المراسيل‪ ،‬وعلى هذا جرى اإلمام أبو حنيفة واإلمام مالك‪..‬‬

‫واحتج مالك كذا النعمان *** به وتابعوهما ودانوا‬

‫مالك وأبو حنيفة يقبلون المراسيل‪.‬‬


‫الطبري نقل اإلجماع على قبول المراسيل ‪-‬إجماع التابعين على قبول المراسيل‪ -‬مع أن الخالف‬
‫معروف عن سعيد ‪-‬سعيد بن المسيب وهو سيد من سادات التابعين‪ -‬ال يمكن إغفال قوله‪ ،‬كيف‬
‫ينقل الطبري؟ هل خفي عليه قول سعيد؟ ما خفي عليه‪ ،‬لكن مثلما أشرنا سابقاً أن اإلجماع عند‬
‫الطبري قول األكثر‪ ،‬اإلجماع عند الطبري قول األكثر‪ ،‬فال يتلفت إلى قول سعيد مع قول األكثر‪.‬‬
‫يقول المؤلف ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪:-‬‬
‫« فإن كان من مراسيل> غير الصحابة فليس بحجة » مراسيل الصحابة‪ ،‬إذا روى الصحابي عن‬
‫النبي ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬حديثاً لم يسمعه منه‪ ،‬إذا روى الصحابي عن النبي ‪-‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪ -‬حديثاً لم يسمعه منه؛ إما لصغر سنه أو غيبته أو تأخر إسالمه‪ ،‬صحابي روى عن النبي‬
‫‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬أبو هريرة روى عن النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬خبراً قبل الهجرة‬
‫وأسلم عام خيبر سنة سبع‪ ،‬ابن عباس من صغار الصحابة‪ ،‬عائشة ‪-‬رضي اهلل عن الجميع‪ -‬رووا‬
‫عن النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬أخبار قبل الهجرة أيش نقول؟ مراسيل صحابة ال بد فيها من‬
‫واسطة؟!‬
‫يقول‪ « :‬فإن كان من مراسيل غير الصحابة فليس بحجة » إذن مراسيل الصحابة حجة أو ليس‬
‫بحجة؟ حجة‪..‬‬

‫أما الذي أرسله الصحابي *** فحكمه الوصل على الصواب‬

‫حتى نقل أكثر من واحد من أهل العلم اإلجماع على قبول مراسيل الصحابة‪ ،‬نقل اإلجماع على‬
‫قبول مراسيل الصحابة‪.‬‬
‫أبو إسحاق االسفرائيني يقول‪ :‬مراسيلهم كمراسيل غيرهم‪ ،‬مراسيل الصحابة كمراسيل غيرهم‪،‬‬
‫الذين يقبلون مراسيل الصحابة أيش يقولون؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪275‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫يقولون‪ :‬الصحابي إن لم يكن سمع الخبر من النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬بمعنى أنه أعاده إليه‪،‬‬
‫فاالحتمال أنه سمعه من صحابي آخر‪ ،‬هذا الذي يغلب على الظن‪ ،‬االحتمال األقوى أنه سمعه من‬
‫سواء ذكر أو حذف ما يضر؛ ألن الصحابة كلهم‬
‫ً‬ ‫صحابي آخر وأسقط هذا الصحابي‪ ،‬والصحابي‬
‫عدول‪.‬‬
‫يعني هل يتصور أن يروي صحابي عن تابعي؟ نعم يتصور عقالً‪ ،‬لكن الذي يغلب على الظن‪،‬‬
‫واألحكام مبنية على غلبة الظن أن الصحابي إنما يروي عن صحابي آخر‪ ،‬فلهذا نقل االتفاق على‬
‫قبول مراسيل الصحابة‪ ،‬وخالف أبو إسحاق االسفرائيني‪ ،‬وقال‪ :‬هي مثل مراسيل غيرهم؛ ألن‬
‫الصحابي احتمال يروي عن تابعي فيسقط هذا التابعي‪ ،‬والتابعي االحتمال قائم أنه ثقة أو غير ثقة‪.‬‬
‫هذا بالنسبة لمراسيل الصحابة‪ ،‬مراسيل الصحابة كثيرة جداً؛ باعتبار تأخر إسالم كثير منهم‪،‬‬
‫وصغر السن‪ ،‬الغيبة أيضاً‪ ،‬عمر ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬كان يغاب؛ يتناوب المجيء إلى النبي ‪-‬عليه‬
‫الصالة والسالم‪ -‬فما بالك بغيره‪.‬‬
‫أحداث الصحابة مثل عائشة‪ ،‬ابن عباس‪ ،‬ابن الزبير‪ ،‬هؤالء يروون أحاديث وقصص ووقائع لم‬
‫يشهدوها‪ ،‬حديث بدء الوحي ترويه عائشة‪ ،‬بدء الوحي قبل أن تولد بأزمان ترويه عائشة‪ ،‬لكن‬
‫بعض أهل العلم يميل ويستروح إلى أن النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬قص عليها القصة‪ ،‬قص‬
‫عليها القصة‪.‬‬
‫المقصود أن مثل عائشة لصغر سنها‪ ،‬أو مثل أبو هريرة لتأخر إسالمه‪ ،‬أو مثل ابن عباس لصغر‬
‫سنة وابن الزبير‪ ،‬هؤالء قد يروون بعض الوقائع بواسطة فيسقطون الواسطة‪ ،‬ولذا يقولون‪ :‬إن ابن‬
‫عباس لم ِ‬
‫يرو عن النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬مباشرة إال أربعة أحاديث؛ وجميع مروياته فيها‬
‫واسطة‪ ،‬ويحذف الواسطة‪ ،‬هذا أشار إليه الغزالي في المستصفى وغيره‪ ،‬لكن الحافظ ابن حجر‬
‫قال‪ :‬إنه وجد مما ثبت سماعه من النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬من قبل ابن عباس من الصحيح‬
‫والحسن ما يزيد على األربعين‪.‬‬
‫المقصود أنها بالنسبة لمروياته حتى األربعين قليلة‪ ،‬فدل على أن هناك وسائط بالنسبة لصغار‬
‫الصحابة‪ ،‬ولذا يقرر أهل العلم أن مراسيل الصحابة في حكم الموصول؛ هذا الواسطة كأنه مذكور‪.‬‬

‫أما الذي أرسله الصحابي *** فحكمه الوصل على الصواب‬

‫مراسيل غير الصحابة من التابعين‪ :‬عرفنا فيها الخالف‪ ،‬عرفنا فيها الخالف والجمهور على ردها‬
‫مطلقاً‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪276‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫الشافعي ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬يشترط شروطاً لقبول المراسيل‪:‬‬


‫سمى سمى ثقة‪ ،‬بمعنى أن يكون ممن ال‬
‫أن يكون المرسل من كبار التابعين‪ ،‬أن يكون المرسل إذا َّ‬
‫يروي إال عن الثقات‪.‬‬
‫أن يكون هذا التابعي الكبير إذا شرك أحداً من الحفاظ لم يخالفه‪ ،‬يعني ما له مخالفات‪.‬‬
‫أن يكون للخبر المرسل شاهد يزكيه من مسند أو مرسل يرويه غير رواة المرسل األول‪ ،‬أو يفتي‬
‫به مقتضاه عوام أهل العلم‪ ،‬أو يرد قول صحابي يدعمه‪ ،‬المقصود أن يكون له شاهد‪ ،‬إذا توفرت‬
‫هذه الشروط األربعة قبل الشافعي المراسيل‪.‬‬
‫الشافعي ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬قال‪ :‬إرسال ابن المسيب عندنا حسن‪ ،‬إرسال ابن المسيب عندنا‬
‫حسن‪ ،‬ولذا يقول المؤلف ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ « :-‬فإن كان من مراسيل غير الصحابة فليس بحجة‬
‫المسيب؛ فإنها فتشت فوجدت في المسانيد » وجلها من طريق صهره أبي‬
‫ِّ‬ ‫إال مراسيل> سعيد بن‬
‫هريرة‪.‬‬
‫الشافعية يحتجون بمراسيل سعيد؛ ألنها فتشت فوجدت في المراسيل‪ ،‬وأما من عداهم فمراسيل‬
‫سعيد مثل غيرها‪ ،‬لكنها أقوى من غيرها؛ ألن التابعين يتفاوتون في وقوة المراسيل وضعفها‪ ،‬فمن‬
‫كان من أهل التحري‪ ،‬بمعنى أنه ال يروي إال عن الثقات ‪-‬مثل سعيد‪ -‬ال شك أنها أقوى ممن‬
‫يروي عن كل أحد كالحسن؛ مراسيل الحسن ضعيفة‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬مراسيل الزهري أيضاً فيها قوة‪ ،‬فيها قوة نعم‪ ،‬لكن ليست مثل مراسيل‬
‫سعيد‪.‬‬
‫يقول‪ « :‬والعنعنة تدخل على اإلسناد » العنعنة هي رواية الحديث بصيغة (عن)‪ ،‬هي رواية‬
‫الحديث بصيغة (عن)‪ ،‬العنعنة رواية الحديث بصيغة (عن)‪ ،‬حدثنا فالن‪ ،‬عن فالن‪ ،‬عن فالن‪ ،‬عن‬
‫فالن‪ ،‬يصير عنعنة‪.‬‬
‫تدخل على اإلسناد‪.‬‬
‫حكم السند المعنعن‪ :‬السند المعنعن عند أهل العلم مختلف فيه‪ ،‬فمنهم من قال‪ :‬إنه منقطع ما لم يقل‪:‬‬
‫حدثنا وسمعت وأخبرنا فهو خل وبقل؛ ما له قيمة‪ ،‬محكوم عليه باالنقطاع‪.‬‬
‫ومنهم من يقول‪ :‬يحكم له باالتصال بشرطين معروفين عند أهل العلم‪:‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪277‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫أن يكون الراوي سالماً من وصمة التدليس ‪-‬أال يكون مدلساً‪ -‬والثاني‪ :‬أن يكون قد لقي من روى‬
‫عنه ‪-‬في القول المشهور المعروف المنسوب للبخاري‪ -‬أو عاصره ‪-‬ثبتت معاصرته له على‬
‫القول المعروف عن اإلمام مسلم‪.-‬‬
‫على كل حال العنعنة محكوم لها باالتصال بالشرطين المعروفين‪ ،‬وحكم (عن) حكم َّ‬
‫(أن)‪ ،‬السند‬
‫المئنن مثل السند المعنعن‪ ،‬وحكم (عن) أيضاً حكم (قال)‪ ،‬يحكم لها باالتصال بالشرطين‬
‫المذكورين‪.‬‬
‫العنعنة تدخل على اإلسناد وبعدين؟‬
‫إن كان قصده اإلسناد‪ ،‬معناه االتصال فيحكم له باالتصال مع وجود العنعنة؛ ألنه فسر المسند‬
‫بالمتصل‪ ،‬فهو مقبول‪ ،‬وإ ذا قرأ الشيخ‪...‬‬
‫طالب‪ :‬األنأنة‬
‫َّ‬
‫المؤنن مثل السند المعنعن‪:‬‬ ‫ض ْير‪ :‬السند‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬

‫‪ *** ..................................‬وحكم (أن) حكم (عن) والجل‬


‫سووا وللقطع نحا البرديجي *** حتى يبين الوصل في التخريج‬

‫بسط هذه المسائل يعني يحتاج إلى دروس المصطلح ما هو هنا‪ ،‬لكن نحن نشير إشارات؛ لعلها تفي‬
‫بالغرض‪.‬‬
‫« وإ ذا قرأ الشيخ يجوز للراوي أن يقول‪ :‬حدثني وأخبرني‪ >،‬وإ ذا قرأ هو على الشيخ فيقول‬
‫أخبرني‪ >،‬ويقول‪ :‬حدثني‪ ،‬وإ ن أجازه الشيخ من غير رواية فيقول‪ :‬أجازني‪ ،‬أو أخبرني> إجازة »‬
‫أشار المؤلف هنا إلى بعض طرق التحمل‪ ،‬وأشرنا في درس األمس أن طرق التحمل ثمان‪ ،‬السماع‬
‫من لفظ الشيخ‪ ،‬القراءة على الشيخ‪ ،‬اإلجازة‪ ،‬المناولة‪ ،‬المكاتبة‪ ،‬الوصية‪ ،‬اإلعالم‪ ،‬الوجادة‪ ،‬ثمان‪.‬‬
‫السماع من لفظ الشيخ‪ ،‬إذا سمع الطالب من لفظ الشيخ‪ ،‬الطالب يسمع من لفظ الشيخ‪ ،‬الشيخ يحدث‬
‫والطالب يتلقى‪ ،‬هذه أعلى طرق التحمل؛ ألنها هي األصل في الرواية‪ ،‬األصل أن الشيخ يحدث‬
‫والطالب يتلقى‪ ،‬وهذه حال النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬مع الصحابة؛ يسمعون منه‪ ،‬وهي أعلى‬
‫طرق التحمل‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬القراءة على الشيخ‪ :‬الطالب يقرأ والشيخ يستمع‪ ،‬السماع من لفظ الشيخ هو المرجح عند‬
‫جمهور أهل العلم‪ ،‬العرض الذي هو القراءة على الشيخ مرتبة ثانية بعد مرتبة السماع‪ ،‬وبعضهم‬
‫فضل العرض على السماع من لفظ الشيخ‪ ،‬لماذا؟؛ يقول‪ :‬في حال السماع من لفظ الشيخ‪ ،‬قد‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪278‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫يخطئ الشيخ‪ ،‬قد يخطئ الشيخ وإ ذا أخطأ الشيخ والطالب يتلقى عنه من يصحح للشيخ؟ يعني‬
‫الطالب يصحح للشيخ؟ والمفترض أنه يروي‪ ،..‬جاء يروي منه أحاديث‪ ،‬ما يصحح‪ ،‬لكن في حال‬
‫العرض والقراءة على الشيخ‪ ،‬إذا أخطأ الطالب فإن الشيخ لن يتردد في التصويب‪ ،‬ولذا يرى اإلمام‬
‫سواء قرأت على الشيخ أو قرأ عليك سواء‪ ،‬المهم أنك تسمع‬
‫ً‬ ‫مالك وجمع من أهل العلم أنهما سواء‪،‬‬
‫الخبر‪ ،‬أو الشيخ يسمع الخبر ويقره‪.‬‬
‫« وإ ذا قرأ هو على الشيخ فيقول‪ :‬أخبرني‪ >،‬وال يقول‪ :‬حدثني‪ :‬إذا قرأ الشيخ يجوز للراوي أن‬
‫يقول‪ :‬حدثني‪ ،‬وأخبرني‪ >،‬وإ ن قرأ هو على الشيخ فيقول‪ :‬أخبرني> وال يقول‪ :‬حدثني » صيغ‬
‫األداء التي هي‪ :‬سمعت‪ ،‬وحدثني‪ ،‬وأخبرني‪ ،‬وأنبأني‪ ،‬وعن فالن‪ ،‬وقال فالن‪ ،‬وأن فالناً قال‪،‬‬
‫صيغ‪ ،‬من روى بطريق السماع من لفظ الشيخ له أن يقول‪ :‬سمعت؛ ألنه سمع من لفظ الشيخ هذه‬
‫حقيقة الحال‪ ،‬وله أن يقول‪ :‬حدثني؛ ألن الشيخ حدثه‪ ،‬وله أن يقول‪ :‬أخبرني؛ ألن الشيخ أخبره‪ ،‬فله‬
‫أن يقول كل هذه الصيغ‪ ،‬وال يعدو حينئذ الواقع إذا قال ذلك‪.‬‬
‫إذا قرأ هو على الشيخ‪ ،‬هل يستطيع أن يقول سمعت؟ هو سمع من الشيخ شيئاً؟ ما سمع‪ ،‬هل‬
‫يستطيع أن يقول‪ :‬حدثني؟ نعم؟ هل يستطيع أن يقول‪ :‬أخبرني؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‪ :‬كيف؟ أيش الفرق بين التحديث واإلخبار؟‬‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬ ‫َّ‬
‫َخ َب َار َها ﴾ [ سورة الزلزلة‪ ،‬اآلية ‪ ،] 4 :‬هل الشيخ أخبره أو قرأ على الشيخ‪ ،‬ما‬ ‫﴿ َي ْو َم ِئ ٍ>ذ تُ َحد ُ‬
‫ِّث أ ْ‬
‫في شك أن الورع أن يقول‪ :‬قرأت على الشيخ‪ ،‬قرأت على فالن هو الذي يبين‪ ،‬لكن أجاز أهل العلم‬
‫في السماع وفي العرض أن يقول‪ :‬سمعت وحدثني وأخبرني‪ ،‬جميع الصيغ؛ ألنها طرق مجمع‬
‫على صحة التلقي بها‪ ،‬فأي صيغة تفيد ‪-‬تدل على المقصود‪ -‬فهي مقبولة‪.‬‬
‫طالب‪ :‬أخبار ‪ ...‬قراءة قراءة أخبار‪...‬؟‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬لكن أنا إذا أخبرتك وإ ال أنت أخبرتني‪ ،‬يعني وأنت تقرأ علي‪ ،‬أنا‬
‫أخبرتك بشيء؟‬
‫طالب‪ :‬أنت أقريت يا شيخ‪.‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬لكن هذا إخبار؟‬
‫طالب‪ :‬ال‪ ،‬لكن قد يكون إقراراً منك يا شيخ‪.‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬اإلقرار فيه إقرار‪ ،‬وهل يشترط أن يقول‪ :‬نعم أو ال يشترط؟ المسألة‬
‫معروفة‪ ،‬لكن اإلقرار هل فيه إخبار؟ نعم؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪279‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬اآلن لما تقول لي‪ :‬قدم زيد‪ ،‬أقول لك‪ :‬صحيح‪ ،‬أصير أخبرتك بقدوم‬
‫زيد وإ ال أنت اللي أخبرتني؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬لكن أنت بتقول أخبرتني؛ أخبرني فالن‪ ،‬واضح وإ ال ما هو بواضح‪.‬‬
‫أنا أقول‪ :‬في األصل أهل العلم أجازوا كل الصيغ في السماع من لفظ الشيخ‪ ،‬وفي العرض على‬
‫الشيخ؛ ألنهما طريقان مجمع على صحة التلقي بهما‪ ،‬فبأي عبارة أو أي أسلوب أديت مما يفهم أنك‬
‫تروي هذا الخبر وتنقله عن الشيخ تبلغه إلى غيره يجوز لك ذلك‪ ،‬لكن أهل االصطالح جعلوا كل‬
‫طريق من طرق التحمل يختص بصيغ معينة‪ ،‬فجعلوا للسماع من لفظ الشيخ‪ :‬سمعت وحدثني‪ ،‬وال‬
‫يقول‪ :‬أخبرني‪ ،‬وإ ن كان مخبراً له‪ ،‬ومن قرأ على الشيخ وعرض على الشيخ يقول‪ :‬أخبرني وال‬
‫يقول حدثني‪.‬‬
‫أيش الفرق بين التحديث واإلخبار؟ نعم؟‬
‫هناك فرق؛ يقولون‪ :‬دائرة اإلخبار أوسع من دائرة التحديث‪ ،‬دائرة اإلخبار أوسع من دائرة‬
‫حدث‪ ،..‬لمن يتحدث معه‪ -‬بينما‬ ‫َّ‬
‫المحدث بما ِّ‬ ‫التحديث؛ فالتحديث ال يحصل إال بالمشافهة ‪-‬مشافهة‬
‫اإلخبار يحصل بالمشافهة‪ ،‬يحصل بالقرينة‪ ،‬يحصل بالعالمة‪ ،‬يحصل بالمكاتبة كل هذا إخبار‪.‬‬
‫ولذا لو قال زيد من الناس‪ :‬من حدثني بقدوم فالن فهو عتيق ‪-‬فهو حر‪ -‬من حدثني‪ ،‬فجاء واحد‬
‫وكتب له ورقة وقال‪ :‬قدم فالن‪ ،‬يعتق وإ ال ما يعتق؟ نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬ما يعتق؛ ما حدثه يا أخي‪ ،‬كتب له كتابة‪.‬‬
‫طالب‪ ...:‬إخبار‪.‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬ما ينفع إحنا بالتحديث اآلن‪ ،‬هو يقول‪ :‬من حدثني‪ ،‬ما قال من‬
‫أخبرني‪ ،‬يقول‪ :‬من حدثني بقدوم فالن فهو حر‪ ،‬جاء واحد وكتب له خطاباً أنه قدم فالن‪ ،‬ما يعتق‪،‬‬
‫لكن لو قال‪ :‬من أخبرني بقدوم فالن‪ ،‬فأخبره بكتابة‪ ،‬أو بنصب عالمة‪ ،‬أو بشيء‪ ،‬خالص يعتق؛‬
‫ألن دائرة اإلخبار أوسع من دائرة التحديث‪ ،‬فهم يقولون‪ :‬يختص التحديث والسماع بطريق السماع‬
‫من لفظ الشيخ‪ ،‬وأما اإلخبار فباعتبار دائرته أوسع فيخصص للعرض على الشيخ والقراءة عليه‪،‬‬
‫وكثير من أهل العلم يعتني بالتفريق بين صيغ األداء الصادرة عن الشيوخ عناية فائقة‪ ،‬فيجعل هذا‬
‫لهذا وهذا لذاك‪ ،‬ومنهم من ال يفرق‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪280‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫فتجد مسلماً وله عناية فائقة في التفريق بين هذه الصيغ‪ ،‬يقول‪ :‬حدثنا فالن‪ ،‬وفالن وفالن‪ ،‬قال‬
‫فالن‪ :‬حدثنا‪ ،‬وقال اآلخرون‪ :‬أخبرنا‪ ،‬أو العكس‪ ،‬فهو يهتم بذلك‪ ،‬لكن مثل إسحاق ‪-‬رحمه اهلل‪-‬‬
‫سواء سمع أو قرأ ما يقولها؛ يلزم صيغة أخبرنا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ابن راهوية‪ -‬ما يقول‪ :‬حدثنا أبداً‪،‬‬
‫البخاري ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬مع جمع من أهل العلم ال يرون التفريق فيؤدي بأي صيغة تفيد‬
‫المراد‪ ،‬لكن أهل االصطالح خصوا التحديث بالسماع من لفظ الشيخ‪ ،‬واإلخبار بالقراءة على‬
‫الشيخ‪ ،‬والمسألة اصطالحية‪.‬‬
‫« وإ ذا قرأ الشيخ يجوز للراوي أن يقول‪ :‬حدثني وأخبرني‪ >،‬وإ ن قرأ هو على الشيخ فيقول‪:‬‬
‫أخبرني‪ >،‬وال يقول‪ :‬حدثني » ألنه لم يشافهه‪.‬‬
‫« وإ ن أجازه الشي ُخ من غير قراءة أو من غير رواية ‪-‬كما في نسختي‪ -‬فيقول‪ :‬أجازني أو‬
‫‪-‬الطالب للشيخ‪ -‬وقال‪ :‬أريد منك أن تجيزني برواية‬
‫ُ‬ ‫الشيخ‬
‫َ‬ ‫أخبرني> إجازة » إذا أجازه‪ ،‬جاء‬
‫صحيح البخاري‪ ،‬أو بالحديث الفالني‪ ،‬فقال‪ :‬أجزتك أن تروي عني صحيح البخاري‪ ،‬أو الحديث‬
‫الفالني‪.‬‬
‫واإلجازة‪ :‬هي اإلذن بالرواية‪ ،‬اإلذن بالرواية‪ ،‬فال الطالب سمع من لفظ الشيخ‪ ،‬وال الطالب أيضاً‬
‫قرأ على الشيخ؛ ما فيه تحديث أصالً‪ ،‬بس قال له‪ِ :‬‬
‫ارو عني صحيح البخاري‪ ،‬اإلذن بالرواية‪ ،‬هذه‬
‫اإلجازة؛ إذن‪ ،‬وجمهور أهل العلم على صحة الرواية باإلجازة؛ والداعي إليها كثرة الطالب وتباين‬
‫األقطار وتباعدها‪ ،‬ويحصل المشقة الشديدة لو حصرت الرواية بالسماع أو العرض‪.‬‬
‫يعني تصور شيخاً يروي صحيح البخاري بأسانيده‪ ،‬ثم كل طالب العلم يبون منه رواية لهذا‬
‫الكتاب‪ ،‬إما أن يقرؤوا عليه أو يقرأ عليهم بيتعبوه؛ يروح أفواج ويجي أفواج‪ ،‬واللي فاته شيء‬
‫واللي سافر قبل ما يكمل الكتاب‪ ،‬لكن من السهل جداً أن يكون كتب سنده في ورقة أو ثبت‪ ،‬ويقول‬
‫له‪ :‬تفضل‪ ،‬خالص أجزتك أن تروي عني صحيح البخاري‪ ،‬وأجيز مثل هذا للحاجة الماسة إلى‬
‫ذلك‪ ،‬وأبطلها قوم ‪-‬أبطلوا اإلجازة‪ -‬حتى قال بعض الظاهرية‪ :‬إن من قال لغيره‪ :‬أجزت لك أن‬
‫علي‪،‬‬
‫علي‪ ،‬أجزت لك أن تكذب َّ‬
‫تروي عني ما لم تسمعه مني‪ ،‬فكأنه قال له‪ :‬أجزت لك أن تكذب َّ‬
‫َ‬
‫وقال بعضهم‪ :‬لو جازت اإلجازة لبطلت الرحلة‪ .‬المقصود أن كثيراً من أهل العلم الجماهير على‬
‫جوازها‪ ،‬وقال بعضهم بأنها باطلة‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬تبغون التفصيل في الطرق الثمانية ومتى تصح ومتى ال تصح هذا‬
‫مظنة المصطلح‪.‬ـ‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪281‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬يا أخي المصطلحـ ملوه اإلخوان؛ شرحناه سنين‪ ،‬في بعض الكتب‬
‫عرض ثالث مرات‪ ،‬وشرح ثالث مرات بعض الكتب‪ ،‬واألشرطة اإلخوان عندهم‪ ،‬المصطلحـ‬
‫آخرها الباعث الحثيث كامل يا أخي‪ ،‬النخبة كاملة‪ ،‬ألفية العراقي قدر كبير منها مسجل‪ ،‬المصطلح‬
‫يعني مطروق ما فيه إشكال‪ ،‬لكن إحنا نشرح على قدر ما يحتاج إليه في توضيح مثل هذا الكتاب‬
‫المعتصر ال أقول المختصر‪ ،‬ولذلك تجدونه‪ ،..‬تسمعون ما فيه إطالة‪ ،‬وما فيه مزيد تفصيل يناسب‬
‫صغر الكتاب‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬واهلل إن بين وقال‪..‬؛ ألنه أحياناً الشريط إذا قلت‪ :‬حدثني‪ ،‬تسمع شريط‬
‫للشيخ ابن باز أو ابن عثيمين تقول‪ :‬حدثني ابن باز أو ابن عثيمين‪ ،‬يحتمل التدليس؛ ألن مثل هذا قد‬
‫يسلكه بعض التدليس؛ ليوهم غيره أن الشيخ تفرد به وخصه بهذا الخبر‪ ،‬ال شك أن هذا تشبع‪ ،‬تشبع‬
‫بما لم يعط‪.‬‬
‫طالب‪ :‬لو قال سمعته من الشريط؟‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬لو قال‪ :‬سمعته من الشريط خالص ما أحد يتهمه‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬سمعته من لفظ الشيخ‪ ،‬إن بين يا أخي أولى وأورع أن يقول‪ :‬سمعت‬
‫من لفظ الشيخ بشريط‪ ،‬أيش المانع يا أخي‪ ،‬نعم‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‪ :‬ما في ما يمنع‪ ،‬أيضاً لو تقول‪ :‬سمعت‪ ،‬أنت سمعت صحيح‪ ،‬أنت‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫سمعت‪ ،‬لكن ال تسلم من شوب االنقطاع مثل الوجادة‪ ،‬ال يسلم من شوب االنقطاع لماذا؟؛ ألنه قد‬
‫يأتي ممن ولد اآلن بعد عشر سنين أو عشرين سنة يقول‪ :‬سمعت الشيخ ابن باز‪ ،‬انقطاع ظاهر ما‬
‫أدرك وال عصر الشيخ‪ ،‬نعم‪ ،‬وهو سمع بالفعل‪ ،‬سمع بالشريط‪ ،‬في األصل أنه منقطع مثل الوجادة‬
‫إال أن فيه شوب اتصال باعتبارك سمعت لفظه‪ ،‬فالبيان هو األولى؛ ال سيما وأن التشبع والتكثر عن‬
‫طالب العلم وإ يهام السماع المباشر من لفظ الشيخ‪ ،‬أو إيهام الرحلة للقاء الشيخ‪ ،‬أحياناً أنت ما رأيت‬
‫الشيخ ابن عثيمين مطلقاً فتقول‪ :‬سمعت الشيخ ابن عثيمين‪ ،‬توحي أنك رحلت إلى بلده وتلقيت عنه‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪282‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫وهكذا‪ ،‬هذا إيهام‪ ،‬هذا تشبع بما لم يعط‪ ،‬وطالب العلم ينبغي أن يكون صريحاً فإذا خشي من هذه‬
‫األمور يوضح‪.‬‬
‫وال أجمل من قول من يقول‪" :‬أما إني لم أكن في صالة ولكني لدغت"‪ ،‬نعم‪ ،‬هو رأى الكوكب الذي‬
‫انقض‪ ،‬هو ما رآه‪ ،‬لو سكت على هذا الحد‪ ،‬قال‪ :‬نعم رأيته بيتهم‪ ،‬لكن بينفي؛ بيى يبين حقيقة الحال‬
‫–األمر‪ -‬كما هو‪" ،‬أما إني لم أكن في صالة ولكني لدغت"‪ ،‬يا أخي أنت قل‪ :‬واهلل ما رحلت إلى‬
‫الشيخ ابن عثيمين وال رأيت الشيخ ابن عثيمين‪ ،‬لكن سمعته بشريط‪ ،‬يبي ينقص من قدرك شيئاً‪،‬‬
‫هذا رفعة بال شك‪ ،‬والحديث الصحيح ‪ « :‬المتشبع بما لم يعط كالبس ثوبي> زور » [الحديث في‬
‫الصحيح هذا]‪.‬‬
‫وكم من طالب يزعم ويدعي أنه فعل وترك؛ ألنه سمع شريط وإ ال سمع بواسطة وإ ال سمع‪ ،..‬واهلل‬
‫المستعان‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫هذا توسع في العبارة‪ ،‬توسع في العبارة‪ ،‬هذه عبارات صحفية أو إذاعات أو قل‪ :‬ما شئت من‪،..‬‬
‫ٍ‬
‫مرض يتفننون في العبارات‪ ،‬لكن ما حد بيظن بهم أن الطبري جاء وحدثهم‬ ‫نعم‪ ،‬هذا توسع غير‬
‫وإ ال‪ ،..‬نعم‪ ،‬مثل ما يتجوزون‪ :‬هذا خبر السماء‪ ،‬هذا عدالة السماء‪ ،‬أيش الكالم هذا؟!‬
‫هذا كالم صحفيين هذا‪ ،‬لكن طالب العلم ينبغي أن يكون دقيقاً متحرياً متثبتاً فيما يقول‪ ،‬وفيما يترك‪،‬‬
‫وفيما يفعل‪ ،‬وفيما يذر‪ ،‬ال سيما إذا خشي‪ ،‬ال سيما إذا خشي من السامع أن يكون قد فهم منزلة‬
‫أعظم أو أعلى مما هو فيه‪ ،‬حينئذ يخبر عن الواقع‪" ،‬أما إني لم أكن في صالة ولكني لدغت"‬
‫تفضل؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬جزاك اهلل خيراً‪.‬‬
‫المؤلف ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ ،..-‬وإ ن أجازه الشيخ من غير رواية ومن غير قراءة ومن غير سماع‬
‫من لفظه حينئذ ال يقول‪ :‬سمعت‪ ،‬وإ ن سمع منه لفظاً مجمالً إجماالً يقول‪ِ :‬‬
‫ارو عني‪ ،‬هذا ال يكفي‬
‫أن يقول‪ :‬حدثني أو سمعت فالن‪ ،‬ثم يذكر أحاديث تفصيلية؛ ألنه إذن إجمالي بالرواية‪ ،‬فال يقول‪:‬‬
‫سمعت‪ ،‬وال حدثني‪ ،‬وال أخبرني‪ ،‬لكن لو تجاوز وقال‪ :‬أخبرني إجازة ‪-‬يعني بين فيقول‪:‬‬
‫أجازني‪ -‬هذا هو اللفظ المطابق للحال‪ ،‬واألولى واألورع‪ :‬أجازني فالن‪ ،‬أو أذن لي فالن‪ ،‬لكن إن‬
‫قال‪ :‬حدثني إجازة‪ ،‬أو أخبرني إجازة‪ ،‬أو قال عن فالن ال سيما المتأخرين يستعملون العنعنة في‬
‫اإلجازة‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪283‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫وكثر استعمال عن في ذا الزمن *** إجازة وهي بوصل ما قمن‬

‫قمن يا سليمان؟‬
‫َ‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‪ :‬لكن قَ َمن وإ ال قَ ِمن؟‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬غيره‪ ،‬غيره واحد من اإلخوان؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‪ِ :‬‬
‫قمن بالكسر؟‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬وهي كذلك بالفتح‪،‬‬

‫قمن‬
‫وكثر استعمال عن في ذا الزمن *** إجازة وهي بوصل ما َ‬

‫قمن‪.‬‬
‫بالفتح‪ ،‬يعني تفتح وتكسر‪ ،‬لكن البيت المناسب له‪ ،‬الزمن‪ ،‬مناسب له َ‬

‫‪‬‬

‫السابع عشر‬
‫الدرس ّ‬
‫ّ‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد وعلى آله‬
‫وصحبه أجمعين‪ ،‬أما بعد‪ :‬فقد قال إمام الحرمين ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪:-‬‬

‫وأما القياس‪ :‬فهو رد الفرع إلى األصل بعلة تجمعها في الحكم‪ ،‬وهو ينقسم إلى ثالثة أقسام‪:‬‬

‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬تجمعهما‪.‬‬
‫الطالب‪ :‬أحسن اهلل إليك‪..‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪284‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫بعلة تجمعهما في الحكم‪ ،‬وهو ينقسم إلى ثالثة أقسام‪ :‬إلى قياس علة‪ ،‬وقياس داللة‪ ،‬وقياس‬
‫شبه‪ ،‬فقياس العلة‪ :‬ما كانت العلة فيه موجبة للحكم‪ ،‬وقياس الداللة‪ :‬هو االستدالل بأحد النظرين‬
‫على اآلخر‪ ،‬وهو أن تكون العلة دالة على الحكم‪ ،‬وال تكون موجبة للحكم‪ ،‬وقياس الشبه‪ :‬هو‬
‫الفرع المردد بين أصلين فيلحق‪...‬‬

‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬المتردد‪.‬‬

‫هو الفرع المتردد بين أصلين فيلحق بأكثرهما شبهاً‪.‬‬

‫« َّ‬
‫الش ْـر ُح » ‪:‬‬
‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‪ ،‬لما أنهى المؤلف ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬الكالم على األصول الثالثة المتفق عليها ‪-‬الكتاب‬
‫والسنة واإلجماع‪ -‬تكلم ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬على األصل الرابع من أصول االستدالل عند أهل‬
‫العلم‪ ،‬وهو القياس‪ ،‬األصل الرابع من أصول االستدالل بعد الكتاب والسنة واإلجماع‪ :‬القياس‪.‬‬
‫فالقياس حجة عند جمهور أهل العلم‪ ،‬جمهور أهل العلم يرون االحتجاج بالقياس‪ ،‬خالفاً ألهل‬
‫الظاهر الذين ال يرون القياس‪ ،‬أهل الظاهر ال يرون األقيسة‪ ،‬والبن حزم كتاب اسمه (إبطال‬
‫القياس)‪ ،‬وكثيراً ما يشنع في كتبه على أهل الرأي الذين يقيسون الدين ويثبون األحكام بآرائهم على‬
‫حد زعمه‪.‬‬
‫ولذا توقف كثير من أهل العلم باالعتداد بأهل الظاهر خالفاً ووفاقاً‪ ،‬وقال‪ :‬إنه ال يعتد بهم‪ ،‬ولقد‬
‫نص كثير من أهل العلم على عدم االعتداد بأهل الظاهر‪.‬‬
‫يقول النووي في شرح مسلم ‪" :‬وال يعتد بقول داود؛ ألنه ال يرى القياس الذي هو أحد أركان‬
‫االجتهاد"‪.‬‬
‫مثل أهل الظاهر الذين ال يرون القياس كيف يتصرفون في كثير من المسائل والنوازل غير‬
‫المنصوصة؟ ألنهم يطلبون الدليل ‪-‬يطلبون النص‪ -‬في كل مسألة‪ ،‬لذا جاء من يشنع عليهم‪ ،‬هم‬
‫شنعوا على أهل الرأي‪ ،‬حتى قال ابن حزم في بعض المسائل في إمام من أئمة المسلمين‪ :‬وبهذا قال‬
‫فالن‪ ،‬وهو ال يساوي رجيع الكلب‪ ،‬يشنع على األئمة؛ ألنهم يقيسون‪ ،‬وكما تدين تدان‪ ،‬كما تدين‬
‫تدان‪ ،‬وبهذا قال مالك‪ ،‬فأين الدين‪ ،‬يقول ابن حزم‪ :‬وهذا قول من ال يؤمن بيوم الحساب‪ ،‬وإ لى‬
‫آخره من الكالم اللي في حق األئمة شنيع نعم‪ ،‬وجد من أهل الفقه من يسترسل في األقيسة‪،‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪285‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫يسترسل في األقيسة ويغرق في االستنباط بواسطتها حتى طغى ذلك على االستدالل بالنصوص‪،‬‬
‫وشغلهم ذلك عن حفظ النصوص وفهمها‪ ،‬وجد‪ ،‬هذا غلو في القياس‪ ،‬لكن في المقابل وجد غلو ‪-‬ال‬
‫أقول‪ :‬في اتباع النص؛ ألنه األصل إنما إحمال األقيسة التي أومأ الشارع إلى اعتبارها على ما‬
‫سيأتي‪.‬‬
‫يعني سمعنا ما قاله ابن حزم في بعض األئمة‪ ،‬وانظر ما قاله بعضهم في ابن حزم مثالً‪ ،‬أو في أهل‬
‫الظاهر‪.‬‬
‫هنا في عارضة األحوذي البن العربي يقول‪" :‬والحكمة في أن ذكر النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪-‬‬
‫الفضة والتضبيب وتقدير الواجب وترك ذكر الذهب؛ ألن تجارتهم إنما كانت في الفضة خاصة‬
‫معظمها‪ ،‬فوقع التنصيص على المعظم؛ ليدل على الباقي"‪ :‬ألنه إذا منع استعمال أواني الفضة فألن‬
‫تمنع استعمال أواني الذهب يعني من باب أولى‪ ،‬وأهل الظاهر عندهم المنصوص‪.‬‬
‫يقول‪" :‬فوقع التنصيص على المعظم ليدل على الباقي"‪ :‬العارضة ممسوخة محرفة‪ ،‬طباعتها في‬
‫غاية السوء‪ ،‬ومع ذلكم مفاد كالمه‪ ،‬وكانوا أفهم أمة وأعلمها ‪-‬يعني الصحابة‪ -‬فلما جاء الحمير"‪،‬‬
‫شوف أيش يقول‪ :‬فلما جاء الحمير الذين يطلبون النص في كل صغير وكبير طمس اهلل عليهم باب‬
‫الهدى‪ ،‬وخرجوا عن زمرة من استن بالسلف واهتدى!!‬
‫يا إخوان‪ :‬الشطط ال بد له من ردة فعل‪ ،‬ال بد من التطرف لوجود طرف آخر‪ ،‬فإذا وجد إغراق في‬
‫باب ال بد أن يوجد في المقابل من يقاوم من يقول بهذا القول‪.‬‬
‫لما قال ابن حزم‪ :‬فأين الدين‪ ،‬وقوله‪" :‬من ال يؤمن بيوم الحساب"‪" ،‬وهذا ال يساوي رجيع الكلب"‪،‬‬
‫قيل فيهم‪ :‬فلما جاء الحمير الذين يطلبون النص في كل صغير وكبير طمس اهلل عليهم باب الهدى‪،‬‬
‫وخرجوا عن زمرة من استن بالسلف واهتدى‪.‬‬
‫نعم طلبوا الدليل هذا األصل‪ ،‬هذا األصل‪ ،‬لكن إذا لم نجد النص في المسألة‪ ،‬تترك المسألة بدون‬
‫حكم؟‬
‫نقول‪ :‬طلبكم يا أهل الظاهر على العين والرأس‪ ،‬طلبتم النص‪ ،‬ما وجدنا نص في هذه المسألة ينص‬
‫عليها بعينها‪ ،‬ماذا نصنع؟ نقف؟ تترك المسألة بدون حكم؟ أو نلحقها بما يشبهها من األحكام‪ ،‬نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬تلحق قول جماهير أهل العلم‪.‬‬
‫"فلما جاء الحمير الذين يطلبون النص في كل صغير وكبير‪ ،‬طمس اهلل عليهم باب الهدى وخرجوا‬
‫عن زمرة من استن بالسلف واهتدى"‪ :‬يعني أحياناً يكون القدح مدح‪ ،‬هو يريد أن يذم أهل الظاهر‪،‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪286‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫لكن العبارة ما أسعفته‪ ،‬جاء الحمير الذين يطلبون النص في كل صغير وكبير‪ ،‬يقال‪ :‬على العين‬
‫والرأس ألنه يطلب النص‪ ،‬نعم‪ ،‬مثل خطيب أراد أن يقع في طائفة من الناس ويذمهم‪ ،‬ثم ذكر من‬
‫سيماهم وعالمتهم تقصير الثياب وحمل كتب الحديث‪ ،‬هو يريد أن يذمهم‪ ،‬هذه عالمتهم لكن ما هي‬
‫سبب ذمهم من أجل أن تذكر‪.‬‬
‫من أراد أن ينفر من طائفة لما يراه من خلل في علمها أو عملها أو خطر من بعض تصرفاتهم على‬
‫غيرهم يأتي بما يقدحون فيه‪ ،‬ال بما يمدحون فيه‪ ،‬يذم طائفة نعم هي جنحت إلى فكر معين‪ ،‬لكن ما‬
‫أذكر شيئاً يتفق عليه أنه من المحاسن‪ ،‬عالمتهم تقصير الثياب وحمل كتب الحديث‪ ،‬على العين‬
‫والرأس يا أخي‪.‬‬
‫وهنا يقول ابن العربي‪ :‬الذين يطلبون النص في كل صغير وكبير‪ ،‬إذا سمعت هذه الدعوة نقول‪:‬‬
‫وأين هم ذوالء؟ هؤالء أكثر اهلل من أمثالهم أن يطلبون النص؛ "قد أحسن من انتهى إلى ما سمع"‪،‬‬
‫لكن بعد النص‪ ،‬ما وجدنا نص‪ ،‬إذا وجدنا النص ال محيد عنه‪ ،‬لكن إذا لم نجد نصاً‪ ،‬هنا يأتي‬
‫الخالف مع أهل الظاهر‪.‬‬
‫فلما وقع الظاهرية في أئمة اإلسالم ُو ِقع فيهم ‪-‬جاء مثل هذا الكالم فيهم‪ -‬ولهذا على طالب العلم أن‬
‫يكتسب أدباً قبل أن يتعلم؛ وال يؤثر في الخصم مثل األدب واالحترام‪ « ،‬أنزلوا الناس منازلهم »‪،‬‬
‫أنزله منازله ووافقه على ما يقوله من حق‪ ،‬واشكره على ذلك‪ ،‬وامدحه بذلك‪ ،‬ثم بعد ذلك انتقد‬
‫ووجه‪ ،‬أما تصادر كل ما عنده من حق وتركز على هذه المخالفة وتجعلها كل شيء ما يقبل منك‪،‬‬
‫واهلل المتسعان‪.‬‬
‫مسألة االعتداد بقول أهل الظاهر‪ ،‬مسألة كبيرة ومعروفة عند أهل العلم‪ ،‬فكثير من أهل العلم ال‬
‫يعتد بقولهم‪ ،‬وسمعنا كالم النووي في شرح مسلم يقول‪" :‬وال يعتد بقول داود؛ ألنه ال يرى القياس‬
‫الذي هو أحد أركان االجتهاد"‪.‬‬
‫ومسألة االعتداد بهم أو عدم االعتداد تحتاج إلى بسط‪ ،‬وتصور وتصوير دقيق كي تفهم؛ ألن من‬
‫يرى االعتداد بهم يقول‪ :‬هم قوم من المسلمين‪ ،‬وهم أئمة مجتهدون عرفوا بالعلم والعمل‪ ،‬حرصهم‬
‫على النصوص ال يقل عن حرص غيرهم من األئمة إن لم يكن أشد‪ ،‬والذي يقول‪ :‬ال يعتد بهم‬
‫حجته ما سمعنا‪.‬‬
‫وال شك أن المسألة المختلف فيها‪ ،‬وفيها ألهل الظاهر قول يخالفون فيه غيرهم من األئمة إن كان‬
‫عمدتها النص من الكتاب والسنة‪ ،‬فأهل الظاهر من أولى من يعتد بقولهم‪ ،‬وإ ن كان عمدتها أقيسة‬
‫واجتهادات فأهل الظاهر ال مدخل لهم في هذا الباب‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪287‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫ابن حزم وهو إمام من أئمة مذهبهم ألغى األقيسة واآلراء في الفروع‪ ،‬واستعمل هذه األقيسة في‬
‫األصول‪ ،‬ولذا بعد عن مذهب أهل السنة والجماعة بعداً فاحشاً في مسائل االعتقاد في كثير منها‪.‬‬
‫استعمل العقل في االعتقاد‪ ،‬وألغى وأهمل العقل في األحكام‪ ،‬مع أن المفترض أيش؟ العكس‪،‬‬
‫المفترض العكس؛ ألن العقائد نحن ملزمون بالنصوص‪ ،‬وال نتجاوز وال نتعدى ما جاء في‬
‫النصوص‪ ،‬وعلينا أن نفهم هذه النصوص بفهم سلف األمة وأئمتها‪ ،‬وعلى هذا فنحن مكفيون في‬
‫هذا الباب‪.‬‬
‫الفروع التي هي مجال لالجتهاد تدخل فيها اآلراء فهم عكسوا‪ ،‬ال سيما ابن حزم منهم‪ ،‬نظر في‬
‫مقدمة المحلى فيما يتعلق بأصول الدين فجاء ببدع بعضهم يكفره بسببها‪ ،‬يقول‪ :‬ما عندنا قرآن وال‬
‫قرآنان وال ثالثة‪ ،‬عندنا أربعة قرآنات!!‬
‫عظائم‪ ،‬لكن البدعة تعتمد على نوع شبهة‪ ،‬ال معاندة؛ لو كانت معاندة ما تردد في تكفير كثير من‬
‫المبتدعة‪.‬‬
‫المقصود أن مسألة االعتداد بأهل الظاهر مسألة كبرى وأقوالهم تدور في الكتب كثيراً جداً تذكر‬
‫أقوالهم‪ ،‬فإن كان عمدة في المسألة نص من الكتاب والسنة فهو من أولى من يعتد به‪ ،‬وإ ن كان‬
‫عمدتها آراء وأقيسة فال مدخل لهم في ذلك‪.‬‬
‫طالب‪ :‬قول ابن عبد الهادي في ابن حزم أنه جهمي جلد؟‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬أشد‪ ،‬أشد من الجهمية‪ ،‬وبالمقابل ذكر شيخ اإلسالم أن كل قول يعضده‬
‫الدليل فألبي محمد منه أوفر الحظ والنصيب‪ ،‬يعني كالمه في الفروع يعني المحلى لوال ما فيه من‬
‫التهجم على األئمة لقلنا‪ :‬إنه فقه السنة‪ ،‬لكن يحجب طالب العلم المبتدئ بل المتوسط من القراءة في‬
‫مثل هذا الكتاب؛ ألنه يربي فيه الشدة والقسوة وسوء األدب مع األئمة واهلل المستعان‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬ال‪ ،‬ال موجود‪ ،‬لكل قوم وارث‪ ،‬لكل قوم وارث‪ ،‬يوجد اآلن منهم على‬
‫مذهب أهل الظاهر‪ ،‬وكتب عن نفسه وقال‪ :‬إنه ال من باب خالف تذكر‪ ،‬وال من باب الشذوذ‬
‫واإلغراب بل هو قناعة‪ ،‬وينتسب إليه كذلك الظاهري‪ ،‬فالن ابن فالن الظاهري؛ لكل قوم وارث‪،‬‬
‫ال شك أن عندهم تعظيم للنصوص ما يختلف في أن عندهم تعظيم للنصوص‪ ،‬لكن ماذا وراء‬
‫النصوص؟ ماذا وراء النصوص؟‬
‫إهمال أهل الظاهر للقياس أوقعهم في أشياء ال يقبلها عقل‪ ،‬منها ما نقل عنهم صراحة من قولهم‪،‬‬
‫ومنها ما هو مجرد إلزام يلزمون به‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪288‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫يعني تحريم البول في الماء الراكد جاء فيه النص‪ « :‬ال يبولن أحدكم في الماء الدائم » حرام‬
‫البول في الماء الدائم‪ ،‬لكن لو بال في إناء وصبه في الماء الدائم‪ ،‬عندهم حرام وإ ال ال؟‬
‫طالب‪ :‬ليس حراماً‪.‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬ليس بحرام‪.‬‬
‫لو تغوط في الماء الدائم حرام و إال ليس بحرام؟‬
‫طالب‪ :‬عندهم ليس بحرام‪.‬‬
‫ض ْير‪ :‬ليس بحرام‪ ،‬يلغون القياس‪ ،‬النص في البول‪ ،‬وهم يقفون مع النص‪،‬‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫قول (أف) للوالدين حرام؛ ألنه جاء به النص‪ ﴿ :‬فَالَ تَ ُقل لَّ ُه َمآ أ ٍّ‬
‫ُف َوالَ تَْن َه ْر ُه َما ﴾ [ سورة‬
‫اإلسراء‪ ،‬اآلية ‪ ،] 23 :‬لكن ال يقاس عليه ما هو بمنزلته في األذى بل وال ما هو أشد منه‬
‫كالضرب مثالً‪.‬‬
‫أقول‪ :‬إهمالهم للقياس أوقعهم في مثل هذه المضحكات‪ ،‬ومع ذلكم هم فيهم من األذكياء‪ ،..‬ابن حزم‬
‫ليس بغبي‪ ،‬ابن حزم من أذكياء العالم‪ ،‬من العباقرة الكبار‪ ،‬لكن المسألة أصل‪ ،‬أصول‪ ،‬إذا مشى‬
‫اإلنسان على أصل خالص ما يحيد عنه‪ ،‬يعني في المقابل أناس استرسلوا مع الرأي‪ ،‬استرسلوا مع‬
‫األقيسة‪ ،‬وأخذوا يشققون المسائل ويفرعون في مسائل قد تقع ومسائل جلها ال يقع يصار على‬
‫حساب النصوص‪ ،‬شغلهم هذا عن حفظ النصوص وفهمها‪.‬‬
‫لو قال قائل‪ :‬إن ترك الظاهرية للقياس سببه تعظيم ظواهر النصوص‪ ،‬تعظيم ظواهر النصوص‪،‬‬
‫هو الذي أوقعهم في ترك القياس وإ بطاله‪ ،‬وال يبعد أن يكون هذا المذهب ردة فعل لتصرفات أهل‬
‫الرأي‪ ،‬الذين يردون النصوص الصحيحة باألقيسة واآلراء‪.‬‬
‫فمع ذلك كله‪ ،‬أو بعد ذلك كله فالراجح قول الجمهور‪ ،‬الراجح قول الجمهور‪ ،‬يعني لو وجدنا ألهل‬
‫الظاهر قول يخالفون فيه األئمة قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وأتباعهم‪ ،‬وسفيان والطبري‬
‫واألوزاعي وأئمة اإلسالم على قول‪ ،‬وأهل الظاهر في جهة في قول‪ ،‬هل نقول‪ :‬نرجح ما يرجحه‬
‫الدليل بغض النظر عن قائله‪ ،‬أو نقول‪ :‬اتفاق هؤالء األئمة كلهم تدل على أن عندهم شيئاً مما يعتمد‬
‫عليه وإ ن لم نقف عليه؟‬
‫يعني كثيراً ما نقف فيكتب الحديث على مسألة قال فيها جماهير األئمة –جماهير أئمة اإلسالم‪-‬‬
‫باالستحباب‪ ،‬وفيها أمر صريح‪ ،‬وهم يتفقون على أن األصل في األمر الوجوب‪ ،‬فقال أئمة اإلسالم‬
‫باالستحباب‪ ،‬وقال أهل الظاهر بالوجوب‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪289‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫ومثله لو وقفنا على حكم اتفق األئمة األربعة وأتباعهم على القول بكراهته وفيه النهي الصريح‪،‬‬
‫وقال أهل الظاهر بالتحريم‪ ،‬من نتبع؟ ما الذي يرجح في مثل هذا؟ هل نقول‪ :‬أقوال األئمة األربعة‬
‫مع أتباعهم والحق مع األكثر؟ أو نقول‪ :‬ال يلزم أن يكون الحق مع األكثر‪ ،‬ما يمنع أن يكون الحق‬
‫مع أهل الظاهر في هذه المسائل؛ ألن معهم الدليل صريح وواضح‪ ،‬األمر أصله الوجوب؟‬
‫يمر عليكم في شروح الحديث‪ ،‬في سبل السالم كثير هذا‪ ،‬في فتح الباري كثير‪ ،‬الجمهور على أنه‬
‫مستحب وأنت ترى األمر الصريح ولم تقف على صارف‪ ،‬ال يذكر الجمهور صارفاً لهذا النص‪،‬‬
‫ويجزمون بأنه سنة‪ ،‬وأهل الظاهر يقولون بالوجوب؛ ألن النص صحيح وصريح في األمر‪ ،‬فهل‬
‫نقول‪ :‬الراجح قول الظاهرية؛ ألن معهم الدليل‪ ،‬أو نقول ‪-‬كما يقوله بعض الناس‪ :-‬علينا أن نتهم‬
‫أنفسنا بالتقصير عن البحث عن الصارف الذي يصرف هذا النص من الوجوب إلى االستحباب‪،‬‬
‫ولذا قال أئمة اإلسالم بأنه مستحب‪ ،‬هل نتهم النفس ونقول‪ :‬قصرنا أو قصرنا عن إدراكه ‪-‬عن‬
‫إدراك الصارف‪ -‬أو نقول‪ :‬الراجح ما عندنا علم‪ ،‬ال نتعبد بأقوال الرجال‪ ،‬نتعبد بالنص‪ ،‬والنص‬
‫يدل على الوجوب إذن األمر واجب‪ ،‬ها يا إخوان؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬يعني نتبع أئمة اإلسالم‪ ،‬يعني من الحظ على الشيخ ابن عثيمين‬
‫‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬أنه قد يوجب أشياء ال يوجبها األئمة األربعة؛ ألن النص صحيح وصريح في‬
‫األمر‪ ،‬واألصل في األمر الوجوب‪ ،‬انطالقاً من هذه المسألة‪.‬‬
‫يعني ما مر عليكم عن الشيخ كثير هذا‪ ،‬الشيخ يقول بالوجوب‪ ،‬وجماهير علماء اإلسالم على‬
‫االستحباب؛ ألن النص صحيح صريح؛ أمر واألصل في األمر الوجوب‪ ،‬يعني هل يخفى على‬
‫األئمة أن األصل في األمر الوجوب‪ ،‬الذين قالوا بأن األصل في األمر الوجوب‪ ،‬وقالوا‪ :‬إن هذا‬
‫مستحب وفيه أمر صريح‪ ،‬ما الصارف عندهم؟‬
‫هو ال بد من وجود صارف‪ ،‬وإ ال يصير اضطراب بين التقعيد والتفريع والتطبيق‪ ،‬ال شك أن أئمة‬
‫اإلسالم التفاقهم هيبة‪ ،‬هيبة تجعل اإلنسان يعيد النظر في تقصيره وقصوره‪ ،‬وال يعني هذا أننا‬
‫نجعل هؤالء األئمة بمنزلة المشرع نحكم بهم على النصوص‪ ،‬ال‪ ،‬فمن هاب هؤالء األئمة مع اتفاق‬
‫هؤالء األئمة له حظ من النظر؛ ألن الذين حكموا هذا الحكم هم الذين قعدوا بأن األمر األصل فيه‬
‫الوجوب‪ ،‬واألصل في النهي التحريم‪ ،‬فال بد له من صارف‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪290‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫أنا شخصياً سألت الشيخ ابن باز ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬عن هذه المسألة فقال‪ :‬إذا لم تقف على‬
‫صارف فالراجح قول الظاهرية بغض النظر عن من وافقهم‪ ،‬يرجح قول الظاهرية ولو لم يوافقهم‬
‫أحد؛ ألن معهم الدليل‪ ،‬ونحن متعبدون بالدليل‪.‬‬
‫نتعدى الظاهرية إلى أئمة معتبرين من أئمة اإلسالم‪ ،‬جماهير األئمة على أن عيادة المريض سنة‪،‬‬
‫عيادة المريض سنة‪ ،‬بل نقل النووي اإلجماع على أن عيادة المريض سنة‪ ،‬واإلمام البخاري‬
‫‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬في صحيحه يقول‪" :‬باب وجوب عيادة المريض"‪ ،‬فهل يجرؤ أحد أن يقول‪ :‬إن‬
‫عيادة المريض واجبة وجماهير األمة‪ ،‬بل نقل اإلجماع على أنها سنة‪ ،‬واألمر صريح صحيح‬
‫صريح ثابت لكن أين الصارف؟ نعم‪،‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬نعم؟‬
‫األدب؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‪ :‬هذا ما هو بأدب‪ ،‬هذا حكم شرعي‪ ،‬يعني حتى لو دققنا في هذه‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫المسألة‪ ،‬لو قلنا‪ :‬اآلداب إما أن يرتب عليها ثواب وإ ال فال‪ ،‬هل يرتب عليها ثواب وإ ال ال؟ نعم؟‬
‫يرتب عليها ثواب‪ ،‬صح وإ ال ال؟ إذن هي حكم شرعي‪ ،‬هي حكم شرعي؛ ألن ما فيه الثواب حكم‬
‫شرعي‪ ،‬ما يخلو إما أن يكون واجباً وإ ال مستحباً‪ ،‬فهي حكم فتعود إلى أصل المسألة‪ ،‬وإ ال كثير‬
‫منهم من يقول‪ :‬إن باب األدب محمول على االستحباب‪.‬‬
‫لو جئنا إلى األمر الصحيح الصريح في صالة الكسوف‪ « :‬فإذا رأيتموهما فصلوا »‪ ،‬صالة‬
‫الكسوف واجبة وإ ال مستحبة؟‬
‫نقل اإلجماع على أنها مستحبة وليست بواجبة‪ ،‬أبو عوانة في صحيحه يقول‪" :‬باب وجوب صالة‬
‫الكسوف"‪ ،‬فهل لك أن ترجح كالم البخاري وكالم ابي عوانة لصراحة األمر وصحته‪ ،‬وتضرب‬
‫بقول الجماهير عرض الحائط؛ لمخالفتها النص الصحيح الصريح؟؟‬
‫مثل ما سبق‪ ،‬أنت مطالب بما يرجحه الدليل‪.‬‬
‫أقول‪ :‬هذه المسألة في غاية األهمية‪ ،‬مسألة عملية يحتاجها جميع طالب العلم؛ ألن الكل يقررون‬
‫أن األصل في األمر الوجوب‪ ،‬وال يعدل عنه إلى االستحباب إال لصارف‪ ،‬واألصل في النهي‬
‫التحريم‪ ،‬وال يعدل عنه إال لصارف‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪291‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫الراجح في العمل بالقياس هو قول الجمهور؛ ألن المسألة مفترضة في عدم الدليل‪ ،‬أما إذا وجدنا‬
‫دليالً في المسألة فإن مثل هذا الدليل إن كان القياس يوافقه ويعضده فال بأس‪ ،‬والمدار والمعول على‬
‫الدليل‪ ،‬وإ ن كان القياس يعارضه فال عبرة بقياس يخالف الدليل‪.‬‬
‫فالمسألة على كال االحتمالين مفترضة في خلو المسألة عن الدليل‪ ،‬إذا لم نجد الدليل‪ ،‬يعني نترك‬
‫المسألة دون حكم أو نقيس؟‬
‫نقيس‪ ،‬فقول الجمهور العمل بالقياس؛ ألنه يثير ظناً غالباً؛ ألنه إذا خلت المسألة عن الدليل فالتردد‬
‫موجود‪ ،‬والتردد ظن وإ ال شك؟‬
‫التردد ظن وإ ال شك؟ ألن عندنا العلم والظن والشك والوهم‪ ،‬الشك هو االحتمال المساوي إذا لم تجد‬
‫دليل في المسألة‪ ،‬يعني إذن تشك فيها؛ ما عندك ما يرجح العمل وال ما يرجح الترك‪ ،‬فأنت شاك‬
‫فيها‪ ،‬كون هذه المسألة تشارك مسألة أخرى نص عليها تشاركها في الحكم هذا مرجح ألحد‬
‫االحتمالين‪ ،‬صح وإ ال ال؟ هذه المسألة غير منصوصة‪ ،‬ماذا يكون بالنسبة للمجتهد؟ يكون عنده‬
‫االحتمال على حد سواء‪ ،‬شك‪ ،‬فإذا كان أحد الطرفين‪ ،‬أحد الطرفين‪ ،‬أحد احتمالَي المشكوك فيه‬
‫على حد سواء أحدهما يوافق حكماً منصوصاً عليه يجمعهما علة واحدة‪ ،‬حينئذ يترجح أحد‬
‫االحتمالين‪ ،‬وإ ذا ترجح أحد االحتمالين صار ظناً غالباً‪ ،‬ولذلك يقولون‪ :‬ألن القياس يثير ظناً غالباً‬
‫يعمل به في األحكام الشرعية‪ ،‬وال شك أن الشريعة ال تفرق بين المتماثالت‪ ،‬كما أنها ال تجمع بين‬
‫المختلفات‪.‬‬
‫ولذا قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪" :-‬القياس الصحيح من العدل؛ فإنه تسوية بين‬
‫متماثلين وتفريق بين المختلفين"‪.‬‬
‫وقال اإلمام أحمد‪" :‬ال يستغني عن القياس أحد"‪ :‬هذا كالم صحيح؛ ألنه ليس في كل المسائل دليل‪،‬‬
‫ال نستطيع أن نستحضر في كل مسألة دليالً‪ ،‬ولذا ال يستغني عن القياس أحد‪.‬‬
‫نقل عن اإلمام أحمد ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪" :-‬يجتنب المتكلم في الفقه هذين األصلين‪ :‬المجمل‬
‫والقياس"‪ :‬هو قال في النقل األول‪ :‬ال يستغني عن القياس أحد‪ ،‬وعرفنا وجهه‪ ،‬إذن كيف يقول‪:‬‬
‫يجتنب المتكلم في الفقه هذين األصلين‪ :‬المجمل والقياس؟ تأوله القاضي قاضي أيش؟‬
‫طالب‪ :‬عياض‪.‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬ما يجي عياض هنا يا إخوان‪.‬‬
‫طالب‪ :‬أبو يعلى‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪292‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬أبو يعلى نعم‪ ،‬تأوله القاضي على قياس يخالف نصاً‪ ،‬القياس الذي‬
‫يخالف النص ال عبرة به‪ ،‬فعلى الفقيه أن يجتنبه‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬لعل مراده‪ ،‬لعل مراد اإلمام أحمد الحد من االسترسال في األقيسة‪ ،‬لعل المراد‪ ،‬مراد اإلمام‬
‫أحمد ‪-‬رحمة اهلل عليه‪ -‬الحد من االسترسال في األقيسة التي تحول معاناتها دون حفظ النصوص‬
‫وفهمها؛ ال شك أن اإلنسان إذا استرسل في األقيسة واستعمل هذه األقيسة في كل مسألة‪ ،‬واستفرغ‬
‫وبذل وسعه وأمضى جهده في هذا ال شك أن أنه على حساب النصوص؛ وكل شيء له ضريبة‪،‬‬
‫يعني كوننا نعنى بالفقه وهو األحكام العملية المستقاة من الكتاب والسنة‪ ،‬كون اإلنسان ‪-‬طالب‬
‫العلم‪ -‬ينفق وقته وجهده كله على فقه األحكام العملية والعبادات والمعامالت إلى آخر أبواب الفقه‪،‬‬
‫أليس هذا على حساب شيء؟‬
‫ما هو بعلى حساب حفظ الكتاب والسنة؟ فهم الكتاب والسنة؟ نعم إدامة النظر في الكتاب والسنة؟ ما‬
‫هو هذا بعلى حساب هذا؟‬
‫وأعني الفقه المدون في كتب الفقه‪ ،‬وإ ال الفقه المستنبط من الكتاب والسنة ال يعوق عن مدارسة‬
‫الكتاب والسنة‪ ،‬بل هو من أعظم الثمرات التي تجنى من العلم بالكتاب والسنة‪.‬‬
‫فإذا كان اإلنسان مثالً ديدنه النظر في اإلنصاف مثالً‪ ،‬ونضرب المثل باإلنصاف لخلوه عن الدليل‪،‬‬
‫اثنا عشر مجلد‪ ،‬كتاب مذهبي‪ ،‬يذكر المسائل يفرع المسائل يعلل للمسائل‪ ،‬يذكر ما في المذهب من‬
‫روايات‪ ،‬يذكر من قال بها من األصحاب‪ ،‬يذكر ما دونت فيه من الكتب‪ ،‬يستطرد في هذا كله‪،‬‬
‫يعني تبي تنفق على اإلنصاف كم سنة‪ ،‬اثنا عشر مجلد حتى تهضم اإلنصاف؟ تبي لك عدد مجلدات‬
‫من السنين‪ ،‬وهذا على حساب الكتاب والسنة‪ ،‬ولهذا قال اإلمام أحمد‪" :‬يجتنب المتكلم في الفقه هذين‬
‫األصلين المجمل والقياس"‪.‬‬
‫وال شك أن الفقه ال يستغني عنه طالب علم ال يستغني عن الفقه وكتب الفقه طالب علم‪ ،‬لكن يأخذ‬
‫منه بقدر ما يعينه على فهم الكتاب والسنة؛ ألن األصل هو الكتاب والسنة‪ ،‬فعليه أن يعتني باألصل‬
‫الذي هو الكتاب والسنة وما يعينه على فهم هذين االصلين‪.‬‬
‫صِ‬
‫ار﴾‬ ‫اعتَِب ُروا َيا أُوِلي اأْل َْب َ‬
‫يقول ابن قدامة‪" :‬وقد استدل على إثبات القياس بقوله تعالى‪ ﴿ :‬فَ ْ‬
‫[ سورة الحشر‪ ،‬اآلية ‪ ،] 2 :‬وحقيقة االعتبار مقايسة الشيء بغيره‪ ،‬كما يقال‪ :‬اعتبر الدينار‬
‫بالصنجة‪ ،‬يعني العيار أو الدينار يوزن‪ ،‬نعم‪ ،‬الدينار يوزن‪ ،‬يوضع في كفه والصنجة الذي هي‬
‫أيش؟ العيار الذي يوزن به‪ ،‬أو يوازن به ويقاس به ما يراد وزنه‪ ،‬يقولون له أيش؟ صنجة‪ ،‬يعني‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪293‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫بمثابة الكيلو‪ ،‬يعني قطعة من الحديد تزن كذا‪ ،‬تصير في أحد كفتي الميزان‪ِ ،‬كفتي الميزان وإ ال‬
‫الكفة وال ُكفة‪ ،‬في فرق؟ في فرق بين ِ‬
‫الكفة وال ُكفة؟‬ ‫ُكفتي؟ أيش الفرق بين ِ‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬وأيش هو الفرق؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬ال‪......،‬‬
‫طالب‪ُ :‬كفة الثوب يا شيخ؟‬
‫ض ْير‪ُ :‬كفة الثوب ولذا يقولون‪ :‬كل مستدير ِكفة‪ ،‬وكل مستطيل ُكفة‪.‬‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫من السنة ما رواه الشيخان من حديث أبي هريرة ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬أن رجالً أتى النبي ‪-‬صلى اهلل‬
‫عليه وسلم‪ -‬فقال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬ولد لي غالم أسود‪ ،‬جاء مذعوراً‪ ،‬هو أبيض فولد له غالم أسود‪،‬‬
‫فقال رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ « :-‬هل لك من إبل؟ » قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ « :‬ما ألوانها؟ »‬
‫قال‪ :‬حمر‪ ،‬قال‪ « :‬هل فيها من أورق؟ » قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ « :‬فأنى ذلك؟ »‪ ،‬يقول النبي ‪-‬عليه‬
‫الصالة والسالم‪ « :-‬فأنى ذلك؟ » ‪ :‬من أين أتاها هذا اللون المخالف؟ قال‪ :‬لعله نزعه عرق‪،‬‬
‫قال‪ « :‬فلعل ابنك هذا نزعه عرق »‪.‬‬
‫ظاهر في القياس وإ ال ما هو بظاهر؟‬
‫طالب‪ :‬ظاهر يا شيخ‪.‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬ظاهر في القياس‪ ،‬يعني قاس الولد على هذا البعير الذي خالف لونه‬
‫ألوان اإلبل‪ ،‬والسبب لعله نزعه عرق‪ ،‬وهذا الولد أيضاً لعله نزعه عرق‪.‬‬
‫يقول ابن دقيق العيد في شرح العمدة‪" :‬استدل به األصوليون –يعني الحديث‪ -‬على العمل بالقياس‪،‬‬
‫فإن النبي ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬حصل منه التشبيه لولد هذا الرجل المخالف للونه بولد اإلبل‬
‫المخالف أللوانها‪ ،‬وذكر العلة الجامعة وهي نزع العرق‪ ،‬وهي نزع العرق‪.‬‬
‫يقول ابن دقيق العيد بعد ذلك‪" :‬إال أنه تشبيه في أمر وجودي‪ ،‬والذي حصلت المنازعة فيه هو‬
‫التشبيه في األحكام الشرعية"‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‪ :‬كيف؟‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫أيش معنى كالم ابن دقيق العيد‪ ،‬يقول‪" :‬إال أنه تشبيه في أمر وجودي‪ ،‬يعني موجود في الواقع في‬
‫الظاهر‪ ،‬حسي‪ ،‬يعني بإمكانك أن تحضر الولد مع أبيه‪ ،‬وتحضر اإلبل األورق مع الحمر‪ ،‬وتقول‪:‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪294‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫هذا خالف هؤالء‪ ،‬لماذا؟ لعله نزعه عرق‪ ،‬وهذا الولد خالف أباه لماذا؟ ألنه نزعه عرق‪ ،‬أمور‬
‫وجودية‪.‬‬
‫يقول‪ :‬والذي حصلت المنازعة فيه وهو القياس في األحكام هو التشبية في األحكام الشرعية‪ ،‬يعني‬
‫ليست على أرض الواقع‪ ،‬يعني ليست محسوسة‪ ،‬أمور معنوية‪ ،‬أمور معنوية‪ ،‬لكن كالم ابن دقيق‬
‫العيد‪ ،..‬أوالً االستدالل من الحديث ظاهر أو ليس بظاهر؟‬
‫طالب‪ :‬ظاهر‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬ظاهر‪ ،‬وتطبيقه على األحكام الشرعية ظاهر وإ ال ما هو بظاهر؟‬
‫طالب‪ :‬ظاهر‪.‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬يعني كون الشيء في المحسوسات التي ال يتعبد بها‪ ،‬نعم‪ ،‬في‬
‫المحسوسات التي ال يتعبد بها شيء‪ ،‬وكونه في الشرعيات التي يرتب عليها الثواب والعقاب‪ ،‬وأنت‬
‫إذا حكمت بقياس قلت‪ :‬إن هذا حكم اهلل في هذه المسألة‪ ،‬ولذا استدرك ابن دقيق العيد‪ ،‬قال‪ :‬إال أنه‬
‫تشبيه في أمر وجودي‪ ،‬والذي حصلت المنازعة فيه هو التشبيه في األحكام الشرعية‪.‬‬
‫نقول أيضاً‪ :‬ما يتعلق بالولد حكم شرعي‪ ،‬ما يتعلق بالولد المخالف لونه للون أبيه أيضاً هو حكم‬
‫شرعي‪ ،‬من أي وجه؟‬
‫من وجه النفي واإلثبات‪ ،‬إثبات النسب ونفيه هذا حكم شرعي‪ ،‬فكما أنكم ال تنفون وقوع هذا الولد‬
‫المخالف لونه للون‪ ،..‬هذا الولد من اإلبل‪ ،‬المخالف أللوان اإلبل األخرى‪ ،‬أيضاً ال يمكن أن ينفى‬
‫الولد لمخالفة لونه للون أبيه‪.‬‬
‫يقول الصنعاني في حواشيه على شرح العمدة ‪-‬هو نقل كالم الخطابي‪ -‬نقل الصنعاني في‬
‫حواشيه على شرح العمدة قول الخطابي‪" :‬هو أصل في قياس الشبة"‪ ،‬هو أصل يعني حديث أبي‬
‫هريرة أصل في قياس الشبه‪ ،‬هل هو أصل في قياس الشبه؟ هل هذا الحديث أصل في قياس الشبه؟‬
‫المسألة في الشبه لكن هل قياس الشبه اآلتي ذكره وتردد الفرع بين أصلين‪ ،‬هل هناك فرع متردد‬
‫بين أصلين في الحديث؟‬
‫ما في فرع متردد بين أصلين‪ ،‬فرع واحد وهو الولد المخالف لونه للون أبيه‪ ،‬يلحق بذلك البعير‬
‫الذي خالف لونه لون ألوان اإلبل األخرى للعلة الجامعة‪ ،‬فمراده كون هذه المخالفة مشابهة لتلك‬
‫المخالفة ال يعني أن هذا هو قياس الشبه المتعارف عليه‪ ،‬ال يعني أن هذا هو قياس الشبه المتعارف‬
‫عليه الذي سيأتي ذكره في أنواع القياس‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪295‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫وقال ابن العربي‪" :‬فيه دليل على صحة القياس واالعتبار بالنظير"‪ :‬فيه يعني حديث أبي هريرة‬
‫صحة القياس واالعتبار بالنظير‪.‬‬
‫وفي كتاب عمر بن الخطاب ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬إلى أبي موسى‪ ،‬كتاب عمر إلى أبي موسى في‬
‫القضاء الذي شرح له أمور القضاء‪" :‬ثم قايس األمور عندك واعرف األمثال‪ ،‬ثم اعمد فيما ترى‬
‫إلى أحبها إلى اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬وأشبهها بالحق"‪ :‬قايس األمور‪ ،‬يعني قس األشباه بأشباهها‪،‬‬
‫واألمثال بأمثالها‪ ،‬والنظائر بنظائرها‪ ،‬واعرف األمثال‪ ،‬ثم اعمد فيما ترى إلى أحبها إلى اهلل ‪-‬عز‬
‫وجل‪ -‬وأشبهها بالحق‪ ،‬وهو كتاب عظيم شرحه ابن القيم ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬بأكثر من نصف‬
‫إعالم الموقعين‪ ،‬هذا الكتاب العظيم أكثر من نصف شرح في كتاب عمر ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬إلى‬
‫أبي موسى في القضاء‪.‬‬
‫نقل ابن القيم ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬عن المزني أنه قال‪" :‬الفقهاء من عصر الرسول ‪-‬صلى اهلل‬
‫عليه وسلم‪ -‬إلى يومنا هذا وهلم جرا استعملوا المقاييس في الفقه في جميع األحكام في أمر دينهم‪،‬‬
‫وقال‪" :‬وأجمعوا على أن نظير الحق حق‪ ،‬ونظير الباطل باطل‪ ،‬أجمعوا على أن نظير الحق حق‪،‬‬
‫ونظير الباطل باطل‪ ،‬واهلل أعلم وصلى اهلل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‪.‬‬

‫الحمد هلل رب العالمين وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‪ ،‬انتهينا من الكالم على الظاهرية وموقفهم من القياس‪ ،‬وما نيل منهم بسبب تركه‪ ،‬اآلن هذا‬
‫كله انتهى‪ ،‬نعم‪ ،‬استغرق الدرس الماضي كله الظاهرية‪.‬‬

‫يقول المؤلف ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ « :-‬وأما القياس‪ :‬فهو رد الفرع إلى األصل بعلة تجمعهما في‬
‫الحكم » ‪ :‬هذا تعريفه عند المؤلف‪ ،‬وفي اللغة‪ :‬التقدير‪ ،‬القياس في اللغة التقدير‪ ،‬ومنه قياس‬
‫الثوب‪ ،‬تقول‪ :‬قست الثوب بالذراع؛ إذا قدرته به‪ ،‬قست الثوب بالذراع إذا قدرته به‪ ،‬ومنه قول‬
‫الشاعر‪ :‬يصف شجة‪:‬‬

‫إذا قاسها اآلسي النطاسي أدبرت *** ‪..............................‬‬

‫نشتغل بالتعريف‪ ،‬نشتغل بالتعريف إلى أن يحضر‪ ،‬نشتغل بالتعريف إلى أن يحضر‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪296‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫إذا قاسها اآلسي النطاسي أدبرت *** غثيثتها أو زاد وهياً هزومها‬

‫إذا قاسها‪ :‬يعني قدرها بالمسبر‪ ،‬الجرح‪ ،‬الشجة تقدر‪ ،‬وفي الفقه في أبواب الجنايات‪ :‬تقدير‬
‫الشجاج‪ ،‬نعم‪ ،‬بأن يدخل المسبر‪ ،‬يرى مقدارها طوالً وعرضاً؛ من أجل تقدير ما يستحقه المجني‬
‫عليه‪ ،‬فالقياس أصله التقدير‪.‬‬
‫وأما في االصطالح فعرفه المؤلف ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬بما سمعنا‪ ،‬بأنه رد الفرع إلى األصل بعلة‬
‫تجمعهما في الحكم‪.‬‬
‫ابن قدامة يعرفه بقول قريب جداً من هذا يقول‪" :‬حمل فرع على أصل في الحكم بجامع بينهما"‬
‫‪-‬هناك تعريفات كثيرة لكن هذا محصلها‪ -‬حمل فرع على أصل في حكم بجامع بينهما‪ :‬فال بد أن‬
‫يكون هناك فرع وأصل وحكم وجامع‪ ،‬هذه يمكن أن نسميها أيش؟ أركان القياس‪ ،‬فرع يقاس‪،‬‬
‫أصل يقاس عليه‪ ،‬حكم الذي هو نتيجة القياس‪ ،‬والذي من أجله حصل القياس‪ ،‬والعلة التي تجمع‬
‫بينهما‪ ،‬العلة التي يلحق بها النظير بنظيره في الحكم والشبيه بشبيهه‪.‬‬
‫والباء في قول المؤلف‪ « :‬بعلة » ‪ :‬سببية‪ ،‬أي بسبب علة تجمعهما‪.‬‬
‫ومعنى رد الفرع إلى األصل‪ :‬إرجاعه إليه‪ ،‬إرجاعه إليه‪ ،‬إرجاعه إليه في الحكم؛ ألن الفرع‬
‫المفترض فيه أنه لم يرد فيه بخصوصه نص يبين حكمه‪ ،‬هذا األصل‪.‬‬
‫الفرع‪ ،‬لماذا قلنا‪ :‬فرع؟ ألنه خال من الحكم المنصوص عليه‪ ،‬وقلنا‪ :‬أصل؛ ألنه منصوص عليه‬
‫‪-‬على حكمه‪ -‬فنحتاج إن نلحق هذا الفرع غير المنصوص عليه‪ ،‬باألصل بالمنصوص عليه‪.‬‬
‫هناك ما يقول فيه بعض أهل العلم‪ :‬إنه جاء على خالف األصل‪ ،‬جاء على خالف األصل‪ ،‬مع أنه‬
‫منصوص عليه‪ ،‬فالمنصوص عليه بدليل شرعي من الكتاب أو من السنة أصل‪.‬‬
‫كيف يقول بعض أهل العلم‪ :‬إن جواز هذا األمر ‪-‬وهو منصوص عليه‪ -‬على خالف األصل‪،‬‬
‫واألصل‪ ،‬عرفنا األصل بأنه ما نص عليه ‪-‬على حكمه‪ -‬والفرع ما لم ينص على حكمه فيلحق‬
‫بهذا األصل للعلة التي تجمع بينهما‪.‬‬
‫ما فيه مسائل قال فيها أهل العلم‪ :‬إنها على خالف األصل؟ نعم؟ على خالف األصل وهي‬
‫منصوص عليها باألدلة‪ ،‬حتى قالوا في المزارعة‪ :‬إنه على خالف‪ ،..‬جوازه على خالف األصل‪.‬‬
‫قالوا في وجوب الوفاء بالنذر على خالف األصل‪ ،‬مع أنه منصوص عليه‪ « :‬أوف بنذرك »‪ ،‬ليش‬
‫على خالف األصل؟ لماذا جاء على خالف األصل‪ ،‬األصل أن النذر مرغوب وإ ال غير مرغوب‬
‫في الشرع؟ نعم؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪297‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫مكروه‪ ،‬بل جاء النهي عنه‪ ،‬فكيف تكون وسيلته مكروهة‪ ،‬ونتيجته واجبة؟ واألصل أن الوسائل لها‬
‫أحكام المقاصد‪ ،‬قالوا‪ :‬هذا جاء على خالف األصل‪ ،‬هم عندهم قواعد مطردة مأخوذة من نصوص‬
‫الشريعة يؤيدها فروع كثيرة جاءت بنصوص شرعية‪ ،‬فما خرج عن هذه القاعدة ولو جاء فيه نص‬
‫يكون على خالف األصل عندهم‪ ،‬هل نستطيع أن نقول‪ :‬إن مثل هذا أصل برأسه؛ ألنه جاء فيه‬
‫نص؟ ونحتاج إذا وجدنا له نظير نقيسه عليه؛ ليكون فرعاً منه‪ ،‬أو نقول مثل ما يقولون‪ :‬على‬
‫خالف األصل؟‬
‫ابن القيم ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬في إعالم الموقعين ذكر كثيراً من المسائل التي قيل فيها‪ :‬إنها على‬
‫خالف األصل وفندها‪ ،‬ما في شيء على خالف األصل؛ ما دام ورد فيه نص فهو أصل‪ ،‬وأجراها‬
‫على القواعد ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬نعم‪ ،‬هناك ما يخرج عن القواعد األغلبية‪ ،‬القواعد الكلية ال يخرج عنها‬
‫شيء‪ ،‬لكن القواعد األغلبية يخرج عنها فروع‪ ،‬جاءت بأدلة أو ألحقت بأصول هي أقرب بها شبهاً‬
‫مما قعد عليه‪.‬‬
‫فلتوضيح التعريف نقول‪ :‬رد الفرع يعني إرجاعه إلى أصله المنصوص عليه؛ ألن الفرع غير‬
‫منصوص عليه‪ ،‬والجتماعهما واشتراكهما في علة واحدة حكمنا على الفرع بحكم األصل لماذا؟‬
‫ألن الشرع ال يفرق بين المتماثالت‪ ،‬كما أنه ال يجمع بين المختلفات‪.‬‬
‫فإذا تحقق وجود العلة في الفرع مثل وجودها في األصل ألحقناه به حكماً‪ ،‬ولذا قال ابن العربي‬
‫مقالته‪ ،‬نعم‪ ،‬لما تجد مسألة تبحث عن حكمها الشرعي ما تجدها‪ ،‬ما نص عليها‪ ،‬وكم من المسائل‬
‫مما لم ينص عليه‪ ،‬فتبحث في المسائل المنصوص عليها فتجد هذه المسألة علتها هي علة المسألة‬
‫المنصوص عليها‪ ،‬فتلحقها بها‪ ،‬فإذا قلت‪ :‬هذا واجب لماذا؟ ألن اهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬أوجب كذا‬
‫والعلة واحدة‪ ،‬أو هذا حرام؛ ألن اهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬حرم كذا والعلة متحققة‪ ،‬هل يستطيع أحد‬
‫أن يطالبك بالدليل‪ ،‬العلة متحققة في الفرع مثل تحققها في األصل‪.‬‬
‫ولنعلم أن العلل تنقسم إلى علل منصوصة وعلل مستنبطة‪ ،‬علل منصوصة وعلل مستنبطة‪ ،‬فالعلل‬
‫المنصوصة من الشرع يدور معها الحكم وجوداً وعدماً‪ ،‬العلل المستنبطة للمخالف أن ينفيها؛ ألن‬
‫ابتداء للمبتدئين ال نستطيع أن‬
‫ً‬ ‫المستنبطة بإمكانه أن يستنبط غيرها‪ ،‬وباعتبار أن الكتاب ألف‬
‫نسترسل في العلة والعلل‪ ،‬وما تتحقق‪ ،‬وتحقيق المناط‪ ،‬وتنقيح المناط‪ ،‬وأمور يعني تطول؛ ألن‬
‫الكتاب أساساً ألف للمبتدئين‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪298‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫من أمثلة ذلك‪ :‬أهل العلم قاسوا النبيذ على الخمر؛ بجامع اإلسكار‪ ،‬العلة الجامعة بينهما اإلسكار‪،‬‬
‫فالنبيذ تبحث في النصوص الشرعية شيئاً ‪-‬دليالً‪ -‬ينص على النبيذ ما تجد‪ ،‬لكن الدليل نص على‬
‫الخمر‪ ،‬والعلة اإلسكار‪ ،‬يخالف في هذا الحنفية ولهم ردود على مثل هذه العلل‪.‬‬
‫المخدرات والمفترات مقيسة على الخمر بجامع تغطية العقل من وجه‪ ،‬والضررـ من وجه آخر‪ ،‬بل‬
‫هي شر من الخمر‪ ،‬فهذا قياس‪ ،‬يعني يلزم من ال يقول بالقياس أن المخدرات عنده حالل؛ ما فيها‬
‫نص يدل عليها‪ ،‬يلزمه يعني لوازم باطلة‪ ،‬لكن له أن يقول ‪-‬إن كان ممن يقول بالمفهوم‪ -‬يقول‪:‬‬
‫تحريم المخدرات من باب مفهوم الموافقة‪ ،‬مفهوم الموافقة‪ ،‬وهو الذي يسميه بعضهم قياس األولى‪،‬‬
‫يعني تحريم المخدرات أولى من تحريم الخمر؛ ألنها أشد ضرراً وأشد تغطية‪ ،‬على أنه جاء في‬
‫النص ما يدل على أن أي شيء يجتمع مع الخمر في العلة أنه حرام‪ « ،‬كل مسكر خمر‪ ،‬وكل خمر‬
‫حرام » ‪ ،‬وال يعني أن يكون الخمر هو ما نزل الحكم مع وجوده‪ ،‬يعني من التمر والعنب واألمور‬
‫التي‪ ،..‬والشعير والعسل األمور التي نزل الوحي وهي موجودة ومستعملة‪ ،‬لكن الحنفية ينازعون‬
‫في تسمية الخمر إذا اعتصر من غير العنب‪ ،‬ال يسمونه خمراً‪ ،‬لكنهم يقيسونه على الخمر‪ ،‬الخمر‬
‫المعتصر من التمر مقيس على الخمر المعتصر من العنب‪ ،‬لكنه خمر‪ ،‬ونزلت النصوص وأهل‬
‫الحجاز خمرهم من التمر‪.‬‬
‫المقصود أن مثل هذا يطول‪ ،‬لكن هناك أمور ال بد من العمل فيها بالقياس؛ لو اقتصرنا على‬
‫األحكام المنصوصة ألذهبنا أحكام النوازل كلها؛ ألنها غير منصوصة‪ ،‬من أمثلته قياس األرز على‬
‫البر في جريان الربا بعلة الطعم واالدخار‪ ،‬كل ما يشارك البر في العلة مقيس عليه بجريان الربا‪،‬‬
‫كل ما يشارك التمر ما يشارك األصناف الستة المنصوص عليها التي هي الذهب والفضة‪ ،‬البر‪،‬‬
‫الشعير‪ ،‬التمر‪ ،‬الملح‪ ،‬ستة‪.‬‬
‫الظاهرية يقولون‪ :‬ما في شيء اسمه ربا في غير هذه األنواع الستة‪ ،‬يعني مقتضى كالمهم أنه ال‬
‫يوجد ربا البتة اآلن‪ ،‬ما في ربا يعني ألف بألف وخمسمائة ما فيه شيء‪ ،‬لماذا؟ ألنها ليست ذهب‬
‫وال فضة‪ ،‬يعني مقتضى كالمهم ‪-‬مع تعظيمهم للنصوص‪ ،‬وال دفعهم إلى هذا القول إال تعظيم‬
‫النصوص وعدم الجرأة على اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬إال بشيء بين ثابت عنه وعن رسوله مع ذلكم‪-‬‬
‫وقعوا فيما وقعوا فيما وقعوا فيه‪.‬‬
‫يعني معناه ألف بألف وخمسمائة ما فيه شيء؛ ألنه ال ذهب وال فضة‪ ،‬ليس من األنواع الستة‪،‬‬
‫القرطاس هذا‪ ،‬فله لوازم‪ ،‬له لوازم كثيرة عدم القول بالقياس‪.‬‬
‫يقول الناظم ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪:-‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪299‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫أما القياس فهو رد الفرع *** لألصل في حكم صحيح شرعي‬


‫لعلة جامعة في الحكم *** وليعتبر ثالثة في الرسم‬

‫يعني أقسامه ثالثة‪،‬‬

‫لعلة أضفه أو داللة *** أو شبه ثم اعتبر أحواله‬

‫وأيش أخذنا قبل؟ التعريف فقط؟ إيه‪ ،‬اقرأ بعده‪ ،‬اقرأ األقسام‪ ،‬نعم‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬إيه‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬اإللزام أو تحميل الشرع أو المتمسكين بالشرع بفعل بعضهم بحيث‬
‫يقال‪ :‬إن هذا هو اإلسالم من صنيع بعض المسلمين‪ ،‬هذه جناية على اإلسالم‪ ،‬جناية على اإلسالم‬
‫من وجه‪ ،‬فال يجوز أن يلصق باإلسالم إال ما جاء في نصوصه‪ ،‬أما تصرفات بعض المسلمين ال‬
‫تلصق باإلسالم‪ ،‬واإلسالم يعني مع سعته وكون مرتكب هذه األمور ال يخرج عن دائرة اإلسالم‪،‬‬
‫لكن ال يعني أن اإلسالم يرتضي هذه التصرفات‪ ،‬ولذا حرمها وعاقب عليها‪ ،‬هذا من وجه‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬أنه أيضاً على وجود بعض المسلمين الذين يرتكبون هذه المخالفات ال شك أنهم في‬
‫تصرفاتهم هذه مع إساءتهم إلى أنسهم‪ ،‬وتعريضها لعقوبة اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬أنهم يصدون عن دين‬
‫اهلل‪ ،‬يصدون عن دين اهلل‪ ،‬المسلمون الجدد يسمعون عن اإلسالم‪ ،‬يسمعون عن اإلسالم أنه دين‬
‫العدل والرحمة والرأفة والمساواة واإلخاء واإليثار وكذا‪ ،‬فلما نظروا إلى واقع المسلمين قالوا‪:‬‬
‫وأين اإلسالم؟ فهم بهذه يصدون عن دين اهلل‪ ،‬لكن هم تسببوا‪ ،‬بعضهم يتسبب في الصد عن دين‬
‫اهلل‪ ،‬لكن مع ذلك ال يعفى الذي ُيصد بسبب هؤالء‪ ،‬فمن تسبب في صد أحد عن دين اهلل بقوله أو‬
‫بفعله يأثم‪ ،‬ويبقى أن الذي انصرف عن دين اهلل بسبب هؤالء معاقب‪ ،‬ال يعني أننا وجدنا من‬
‫يتصرف تصرفات ال تليق بالسلم أننا نبرئ الطرف اآلخر الذي ينصرف عن دين اهلل بسبب هذه‬
‫التصرفات‪ ،‬هو المسؤول األول‪ ،‬يعني هل معنى أن النساء إذا تبرجت‪ ،‬وفتنت الشباب‪ ،‬نعم‪ ،‬ووقع‬
‫الشباب في بعض المحظورات أننا نعفي هؤالء الشباب ونقول‪ :‬اللوم على النساء التي تبرجت؟ ال‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪300‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫ال‪ ،‬ال نعني هذا‪ ،‬هي عليها إثمها‪ ،‬وأنت عليك إثمك‪ ،‬هي مأمورة بغض البصر‪ ،‬مأمورة بالستر‪،‬‬
‫مأمورة بالقرار في البيت‪ ،‬أنت أيضاً مأمور بأوامر‪ ،‬الشرع وضع لك احتياطات؛ لئال تقع في مثل‬
‫هذه األمور‪.‬‬
‫وأما من يقول‪:‬‬

‫ألقاه في اليم مكتوفاً ثم قال له *** إياك إياك أن تبتل> بالماء‬

‫هذا ما هو بصحيح‪ ،‬الشرع ما يفعل هذا‪ ،‬هذا مذهب الجبرية‪ ،‬نعم على المرأة كفل في هذا الباب‪،‬‬
‫الز ِاني ﴾ [ سورة النور‪ ،‬اآلية ‪ ،] 2 :‬قدمت على الرجل‪ ،‬لكن‬
‫الز ِان َي ُ>ة َو َّ‬
‫ولذا قدمت على الرجل‪َّ ﴿ :‬‬
‫ال يعني أننا نبرئ الرجل‪ ،‬ال يعني أن الرجل يبرأ‪ ،‬وكذلك إذا وجد من يصد عن دين اهلل بقوله أو‬
‫بفعله‪ ،‬ووجد من صد‪ ،..‬من انصرف عن دين اهلل بسبب هذا الصد مؤاخذ؛ هو مكلف‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‪ :‬على كل حال دعوة الشيخ مثبتة ومسطرة في كتبه‪ ،‬وكتب أوالده‪،‬‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫وأحفاده‪ ،‬ومن حمل هذه الراية بعدهم‪ ،‬ومعهم من أئمة الهدى في العصور المتأخرة‪ ،‬ال يضيره أن‬
‫يتكلم أحد عنهم‪ ،‬النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬الحملة على محمد ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬في هذه‬
‫األيام أشد من حملة‪ .......‬مؤسسات منظمات قامت لتشويه اإلسالم في شتى عصره‪ ،‬يضر؟ ما‬
‫يضر‪.‬‬
‫الخالق ‪-‬جل وعال عما يقول الظالمون علواً كبيراً‪ -‬ما سلم من السب‪ ،‬وهو المنعم المتفضل‪،‬‬
‫الموجد من العدم‪ ،‬المدر للنعم بجميع أنواعها وأصنافها ومع ذلك ما سلم‪ « ،‬يؤذيني> ابن آدم »‪.‬‬
‫المقصود أن مثل هذه األمور ‪-‬وإ ن وجدت‪ -‬نعم ينبغي الرد عليها والتصدي لها‪ ،‬لكن نعرف أنها‬
‫سنن إلهية ال بد من أن تبقى‪ ،‬الصراع بين الحق والباطل ال بد أن يبقى؛ لتعظم األجور‪ ،‬تعظم‬
‫األجور لمن يساهم في رد هذه األمور لنصر الدين‪.‬‬
‫انتهينا من‪ ،..‬أنت قرأت أقسام القياس؟‬
‫المؤلف ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬قسم القياس كغيره إلى ثالثة أقسام‪.‬‬
‫قال‪ « :‬وينقسم إلى ثالثة أقسام ‪ :‬إلى قياس علة وقياس داللة وقياس شبه‪ ،‬فقياس العلة‪ :‬ما‬
‫كانت العلة فيه موجبة للحكم » ‪ :‬هذا قياس العلة‪ ،‬األقيسة‪ ،‬قياس علة‪ ،‬وقياس داللة‪ ،‬وقياس شبه –‬
‫ثالثة‪ -‬قياس العلة عرفه المؤلف‪ « :‬ما كانت العلة فيه موجبة للحكم » ‪ :‬أيش معنى موجبة؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪301‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫إيجاب عقلي وإ ال شرعي؟ يعني هل العلة موجبة؟ العلة هل العلة يصدر عنها إيجاب‪ ،‬اإليجاب من‬
‫من؟‬
‫من اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬هذا اإليجاب األصل‪ ،‬موجبة للحكم يعني مقتضية له‪ ،‬يمعنى أنه ال يحسن عقالً‬
‫تخلف الحكم عنها‪ ،‬ولو تخلف عنها لم يلزم منه محال‪ ،‬كما هو شأن العلل الشرعية‪ ،‬يعني العلل‬
‫المستنبطة‪ ،‬العلل المستنبطة‪ ،‬يعني قد يتخلف الحكم في المنصوص فضالً عن المقيس الذي توجد‬
‫فيه العلة‪ ،‬وال يلزم منه محال عقالً‪ ،‬وال يلزم منه مؤاخذة شرعاً؛ لنص آخر‪.‬‬
‫الميتة حرمت؛ لنجاستها وللضرر‪ ،‬المضطر يأكل من الميتة‪ ،‬بل يجب عليه أن يأكل ما يحفظ‬
‫حياته‪ ،‬بنص آخر‪ ،‬تخلفت‪ ،‬تخلف إيجاب العلة واقتضاء الحكم لوجود معارض‪ ،‬فكيف بالعلل‬
‫المستنبطة‪ ،‬ولذا تجد من يثبت حكماً بقياس لعالم آخر أن ينفي‪ ،‬كما سيأتي في مثال قياس الداللة‪.‬‬
‫وليس المراد اإليجاب العقلي الذي يقابل االستحالة‪ ،‬ليس معنى هذا اإليجاب العقلي الذي هو مقابل‬
‫لالستحالة؛ ألن عندهم واجب وجائز ومستحيل‪ ،‬واجب يقابل المستحيل‪ ،‬والجائز بينهما‪ ،‬لكن لما‬
‫كان مثل هذا ال يمكن التعبير عنه بأنه جائز؛ ألنه يستوفيه طرفاه وهذا راجح لوجود العلة‪ ،‬العلة‬
‫مرجحة إللحاق الفرع باألصل‪ ،‬ما استطاعوا أن يقولوا‪ :‬جائز‪ ،‬وإ نما قالوا‪ :‬واجب؛ ألنه أقرب‬
‫للوجوب‪.‬‬
‫وليس المراد اإليجاب العقلي بمعنى أنه يستحيل عقالً تخلف الحكم عنها وذلك كقياس تحريم ضرب‬
‫الوالدين على التافيف‪ ،‬بجامع اإليذاء؛ فإنه ال يحسن في العقل إباحة الضرب مع تحريم التأفيف‪،‬‬
‫يعني هل يحسن من شخص أن يطالبك بمبلغ زهيد‪ ،‬ويصر ويسجنك من أجله مع أنه له مبلغ ثان‬
‫أكبر منه يعفو عنه‪ ،‬نعم؟ يقول‪ :‬صحيح عندك لي قيمة البيت مليون‪ ،‬وعندك قيمة كتاب مائة لاير‪،‬‬
‫قيمة البيت حل‪ ،‬لكن المائة ال بد تحضرها اآلن‪ ،‬ال بد من إحضارها اآلن‪ ،‬وإ ال سوف تترتب اآلثار‬
‫المترتبة على عدم اإلحضار من شكوى وسجن وغيرهما‪ ،‬هذا عقالً مقبول؟‬
‫طالب‪ :‬ال‪.‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬ما يحسن‪ ،‬هذا ال يحسن عقالً‪ ،‬أيضاً لو وجد ممن يتولى الحسبة –‬
‫مثالً‪ -‬فيشدد على من يرسل نظره ويتسامح مع مسألة إركاب وغيره‪ ،‬أيهما أشد؟ أنت ال تلتفت‪ ،‬ال‬
‫تلتفت ال يمين وال يسار للنساء‪ ،‬لكن كونك تفتح الباب وتركب المرأة هذا أمره سهل‪ ،‬هذا يحسن‬
‫عقالً وإ ال شرعاً ما يحسن‪ ،‬فإذا منع األقل فاألعلى أولى منه بالمنع‪ ،‬وإ ذا تسومح في األعلى فاألقل‬
‫أولى منه بالتسامح‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪302‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫ولذا لما حرم الشارع التأفيف كلمة (أف) ﴿ فَالَ تَ ُقل لَّ ُه َمآ أ ٍّ‬
‫ُف ﴾ [ سورة اإلسراء‪ ،‬اآلية ‪،] 23 :‬‬
‫وال في أقل من هذه الكلمة‪ ،‬إذن الشتم والسب من باب أولى‪.‬‬
‫« لعن اهلل من لعن والديه » تعجبوا كيف يلعن الرجل والديه؟ كيف يلعن الرجل؟ قال‪ « :‬يسب أبا‬
‫الرجل فيسب أباه‪ ،‬ويسب أمه فيسب أمه » يكون سبب ملعون إذا تسبب‪ ،‬فكيف إذا فعل؟ نسأل اهلل‬
‫العافية‪ ،‬فكيف به إذا ضرب‪ ،‬وهذا حاصل وموجود في مجتمعات المسلمين‪ ،‬يضرب أمه‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫ليربيها‪ ،‬أيش يربيها؟ كيف يربي أمه؟ لخالف بينه وبين زوجته‪ ،‬ليربيها!‬
‫أمه لو وجد عندها أجنبياً في البيت؟ لو وجد معها في الفراش رجالً أجنبياً له أن‬
‫هل له أن يضرب َّ‬
‫يضرب أمه؟ ليس له ذلك‪ ،‬يريد أن يربيها لخالف بينها وبين زوجته‪ ،‬هل يستطيع أن يقول شخص‪:‬‬
‫لمصلحة التربية يجوز مثل هذا؟ واهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬يقول‪ ﴿ :‬الَ تَ ُقل لَّ ُه َمآ أ ٍّ‬
‫ُف ﴾ يتصور‬
‫هذا؟!‬
‫ما يتصور‪ ،‬وليس معنى هذا أنه دعوى للتساهل مع الوالدين في عدم توجيههم‪ ،‬وإ رشادهم‪،‬‬
‫ونصحهم‪ ،‬وبيان الحق لهم وقطع جميع السبل المفضية على فسادهم؛ ألن الفساد كما يوجد في‬
‫الصغار‪ ،‬قد يوجد في الكبار‪ ،‬يعني المقصود ظاهر يا إخوان‪ ،‬اختلف في هذا النوع فمنهم من جعله‬
‫من‪ ،..‬منهم من جعل الداللة فيه على الحكم قياسية‪ ،‬ومنهم من ذهب إلى أنها غير قياسية وأنها من‬
‫ُف أصل؛‬
‫داللة اللفظ على الحكم‪ ،‬يعني هل تحريم الضرب قياس وإ لحاق‪ ،‬فيكون الضرب فرع واأل ّ‬
‫ألنه منصوص عليه؟ أو نقول‪ :‬إن اللفظ يدل على تحريم الضرب فيكون من باب أيش؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬مفهوم الموافقة‪ ،‬مفهوم الموافقة والذي يسميه بعضهم قياس األولى‪،‬‬
‫يعني إذا حرم‪ ،‬إذا نص الشارع على أمر خفيف فما فوقه من باب أولى‪ ،‬محرم من باب أولى‬
‫يتناوله النص‪.‬‬
‫نقل إمام الحرمين في البرهان عن أكثر األصوليين أنه يثبت حكم الضرب بطريق مفهوم الموافقة‪،‬‬
‫نقل إمام الحرمين عن أكثر األصوليينـ أنه يثبت حكم الضرب بطريق مفهوم الموافقة‪ ،‬وهو أن‬
‫يوافق المسكوت عنه المنطوق في الحكم‪ ،‬وقد يكون أولى وقد يكون مساوياً‪ ،‬والضرب أولى‬
‫بالتحريم من التأفيف‪.‬‬
‫يقول الناظم ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪:-‬‬

‫أولها ما كان فيه العلة *** موجبة للحكم مستقلة‬


‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪303‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫فضربه> للوالدين ممتنع *** كقول أف وهو لإليذا منع‬

‫يعني هل مثل هذا القياس يحتاج إلى عالم ينظر هناك فرع‪ ،‬هناك أصل‪ ،‬هناك علة‪ ،‬وإ ال أدنى عوام‬
‫المسلمين يعرف أن مثل هذا حرام من هذا النص؟ نعم‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‪ :‬هل يحتاج الحكم في مثل هذا‪ ،‬شخص يضرب أباه‪ ،‬ويقول‪ :‬انتظر‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫خلينا نسأل الشيخ فالن؟ نعم‪ ،‬ال يحتاج‪ ،‬عوام المسلمين يفهمون أنه إذا منع األدنى فمن باب أولى‬
‫أن يمنع ما هو أعلى منه‪.‬‬
‫إذا منع الشرع الضرب في التأديب الزيادة على عشرة أسواط‪ ،‬نعم‪ ،‬هل نقول‪ :‬إن مائة سوط ما‬
‫تخالف؛ ألنه غير منصوص عليها؟ من باب أولى‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬قياس الداللة‪ :‬وهو االستدالل بأحد النظيرين على اآلخر‪ ،‬وقد تكون العلة دالة على الحكم‪،‬‬
‫وال تكون موجبة للحكم‪ ،‬قد تكون العلة دالة على الحكم وال تكون موجبة‪ ،‬ولذا هذا النوع من القياس‬
‫أضعف وإ ال أعلى من سابقه؟ أضعف؛ ألنه في القسم األول العلة موجبة‪ ،‬بينما هنا ال تكون العلة‬
‫موجبة‪ ،‬وفي القسم الثاني من أقسام القياس‪ ،‬وهو قياس الداللة كما سمعنا‪ ،‬وعرفه المؤلف بأنه‪:‬‬
‫االستدالل بأحد النظيرين على اآلخر‪ ،‬لكن ال بد من أن يكون النظير‪ ،..‬أن يكون النظيران‬
‫متقاربين إن لم يكونا متطابقين في وجه الشبه‪ ،‬وال تكون موجبة للحكم يعني مقتضية له كما في‬
‫القسم األول‪ ،‬وهذا النوع غالب أنواع األقيسة‪ ،‬هذا النوع هو غالب أنواع األقيسة‪.‬‬
‫من العلل المنصوصة في هذا النوع بحيث يلحق بها ما شارك في العلة قوله ‪-‬عليه الصالة‬
‫والسالم‪ -‬في الهرة‪ « :‬إنها ليست بنجس » العلة الطوافة‪ « ،‬ألنها من الطوافين عليكم‬
‫والطوافات »‪ ،‬فالعلة منصوصة – الطوافة‪ -‬فإذا توافرت هذه العلة نقيس‪ ،‬إذا وجد شيء يطوف‬
‫على الناس‪ ،‬ويدخل عليهم من غير استئذان‪ ،‬وال يستطيعون رده‪ ،‬فإنه يحكم بطهارته‪ ،‬ولذا يقول‬
‫أهل العلم‪" :‬وسؤر الهرة وما دونها في الخلقة ‪-‬هم نظروا إلى الحجم‪ -‬وما دونها في الخلقة طاهر‪،‬‬
‫لماذا؟ ألن ما دونها في الخلقة تتحقق فيه العلة التي هي الطوافة‪ ،‬مع عدم إمكان التحرز منه‪ ،‬بينما‬
‫من فوقها في الخلقة يمكن التحرز منه‪ ،‬الناس ال يأبهون بما يجول في أفنية البيوت؛ ألنه ال يمكن‬
‫ضبطها‪ ،‬لكن دواخل البيوت يتحكمون فيها‪ ،‬دواخل البيوت يتحكمون فيها‪ ،‬نفرض أن شخصاً له‬
‫مواشي‪ ،‬وعنده ‪ .....‬كبيرة ورابط هنا غنم‪ ،‬وهنا حمار‪ ،‬وهناك ثور‪ ،‬وهناك‪ ،..‬من المأكول وغير‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪304‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫المأكول‪ ،‬كونها تجوب وتتمشى في األفنية هذا األصل‪ ،‬لكن دخولها داخل البيوت‪ ،‬يعني هل يأذن‬
‫مثل هؤالء للحمار أن يدخل الصالة نعم؟ ما يمكن‪ ،‬هل يمكن التحرز من الحمار؟ يمكن؟ ألنه كبير‪،‬‬
‫لكن يا اهلل هات فأرة يمكنك التحرز منها؟ فأر‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬نعم‪ ،‬سؤرها ليس بنجس‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬أيش هو؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬لكن سؤرها طاهر وإ ال نجس؟ أيش معنى سؤرها؟ فضلة أكلها أو‬
‫شربها‪ ،‬إذا أكلت من طعام أو شربت من ماء‪ ،‬ينجس وإ ال ما ينجس؟ ما ينجس‪ ،‬ولذا يقول أهل‬
‫العلم‪ :‬سؤر الهرة‪ ،..‬أنت بإمكانك أن تقول‪ :‬نجس؛ ألن عينها نجسة وتعمى عن العلة المنصوصةـ‬
‫أنها من الطوافين‪ ،‬أنتم ال تتصورون أن البيوت على حد سواء‪ ،‬هناك بيوت لبعض الناس ما فيها‬
‫شيء من هذه الحشرات‪ ،‬وبعضها مسرح ‪-‬بعض البيوت‪ -‬وفي بعض األحيان تسلط أمور تطلع‬
‫من المجاري أيش تسوي بها هذه؟ الفئران والجرذان‪ ،‬رايحة جاية‪ ،‬مثل هذه ال يمكن التحرز منها‪،‬‬
‫وهي دون الهرة في الخلقة إذن على كالمهم طاهرة‪ ،‬لكن لقائل أن يقول‪ :‬هذه العلة ‪-‬إنها من‬
‫لمعنى يخص الهرة‪ ،‬ال‬ ‫الطوافين‪ -‬نعم هو طواف‪ ،‬لكن كل طواف تتحقق فيه الطوافة طاهر؟ أو‬
‫ً‬
‫يتحقق في غيرها؟‬
‫لقائل أن يقول ذلك‪ ،‬فالمقصود أن مثل هذا داللته ظنية‪ ،‬ولذا يكثر التنازع فيه‪ ،‬وهو أوسع أنواع‬
‫األقيسة‪ ،‬وغالب أنواع األقيسة من هذا النوع‪ ،‬وهو ما يكون فيه العلة الغالب أنها مستنبطة‪،‬‬
‫يستنبطها أهل العلل‪ ،‬وقد يأتي عالم يستنبط علة أخرى‪ ،‬ولذا وجد قياس ‪-‬الذي يلي هذا‪ -‬قياس‬
‫الشبه‪ ،‬فمن أهل العلم من يقيس بجامع كذا‪ ،‬ومن يطلع واحد ثاني يقيس على حكم مخالف تماماً‬
‫لوجود مشابهة من وجه آخر‪ ،‬وهو ما يسمى فيما بعد على ما سيأتي بقياس الشبه‪ :‬وهو ما يكون‬
‫الحكم فيه لعلة مستنبطة يجوز أن يترتب عليها الحكم في الفرع‪ ،‬ويجوز أن يتخلف‪ ،‬وهذا النوع‬
‫أضعف من األول كما ذكرنا؛ فإن العلة دالة على الحكم وليست ظاهرة فيه ظهوراً ال يحسن معه‬
‫تخلف الحكم‪ ،‬ومثاله‪ :‬مثلوا له بقياس مال الصبي والمجنون‪ ،‬قياس مال الصبي والمجنون على‬
‫مال البالغ في وجوب الزكاة‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪305‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫مال الصبي والمجنون‪ :‬نفترض أن صبياً أو مجنوناً ورث من أبيه أو من قريبه مبالغ طائلة‬
‫وأودعت في البنك‪ ،‬فيها زكاة وإ ال ما فيها زكاة؟ نعم‪ ،‬فيها زكاة‪ ،‬لماذا؟ ألن النصوص تتناوله‪ ،‬مال‬
‫ٍ‬
‫نام وهو أيضاً كنز‪ ،‬وقد جاء ما يدل على ذلك في الوصية بالعمل في مال األيتام‪ ،‬لئال تأكلها‬
‫الصدقة‪.‬‬

‫فالزكاة في مال الصبي والمجنون واجبة قياساً على مال الكبير العاقل‪ ،‬بجامع أن كال منهما مال‬
‫نام‪ ،‬يعني قابل للنمو‪ ،‬ليس معنى نام أنه يزيد‪ ،‬يمكن أنه رصيد جامد أو يخسر بعد‪ ،‬لكنه قابل للنمو‬
‫كمال الكبير العاقل‪ ،‬وهذا قول األكثر‪.‬‬
‫أبو حنيفة يقول‪ :‬أبداً‪ ،‬ال زكاة في مال الصبي والمجنون‪ ،‬لماذا؟ لعدم التكليف‪ ،‬هل على الصبي‬
‫صالة؟ هل يجب على المجنون زكاة؟ هل يجب على المجنون صالة أو صيام؟ ال يجب عليهما‬
‫لماذا؟ ألنهما غير مكلفين‪ ،‬إذن الزكاة مثل الصالة‪ ،‬هما غير مكلفين‪.‬‬
‫فأبو حنيفة نظر إلى أن المسألة من باب حكم التكليف‪ ،‬وال تكليف هنا‪ ،‬والجمهور نظروا إلى أن‬
‫المسألة داخلة في حكم الوضع‪ ،‬يعني هل الحكم هنا تكليفي وإ ال وضعي؟ إذا قلنا‪ :‬تكليفي ما فيه‬
‫شيء؛ ألنهما غير مكلفين‪ ،‬وإ ذا قلنا‪ :‬إن إيجاب الزكاة عليهما من باب الحكم الوضعي‪ ،‬من باب‬
‫ترتيب المسبب على السبب‪ ،‬السبب الموجب للزكاة وجد‪ ،‬إذن يوجد المسبب‪ ،‬وجد ملك نصاب إذن‬
‫يوجد إيجاب الزكاة‪ ،‬فيكون من باب ترتب اآلثار على األسباب‪ ،‬فيكون الحكم وضعياً‪.‬‬
‫لو أتلف الصبي أو المجنون لغيرهما‪ ،‬نقول‪ :‬هذا غير مكلف ال يلزمه شيء؟ نعم‪ ،‬هل نستطيع أن‬
‫نقول غير مكلف؟ هو غير مكلف يا أخي‪ ،‬طرداً لقول أبي حنيفة ما يلزمه شيء هو غير مكلف‬
‫كالبهيمة‪ ،‬إذن هو من باب ربط األسباب بالمسببات‪ ،‬وجد التلف فوجد األثر المترتب عليه‪ ،‬وجد‬
‫المال وجد األثر المترتب عليه‪ ،‬فيكون من باب ربط األسباب بالمسببات‪ ،‬فيكون حكماً وضعياً‪،‬‬
‫وليس بحكم تكليفي‪.‬‬
‫يقول الناظم ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪:-‬‬

‫والثاني ما لم يوجب التعليل *** حكما به لكنه دليل‬


‫فيستدل بالنظير المعتبر *** شرعاً على نظيره فيعتبر‬
‫كقولنا مال الصبي تلزم *** زكاته كبالغ أي للنمو‬

‫في إشكال قياس العلة والداللة؟ هو ما جاء المؤذن‪....‬؟‬


‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪306‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫‪‬هذا يقول‪ :‬هل ابن حزم يقول بنفي القياس جملة وتفصيالً‪ ،‬أو ينفي بعض أنواع القياس ويأخذ‬
‫ببعضه ولو كان قليالً؟‬
‫له كتاب أشرنا إليه‪ ،‬اسمه إبطال القياس‪ ،‬ومقتضى كالمه النظري في الكتاب وفي المحلى وفي‬
‫غيره من كتبه أنه ال يقول بالقياس مطلقاً‪ ،‬لكن مع األسف الشديد أنه ألغى القياس في باب األحكام‬
‫والفروع‪ ،‬واستعمله على أوسع نطاق في األصول‪ ،‬وليته عكس‪ ،‬ليته عكس كما اشرنا‪ ،‬لكن مثل‬
‫هؤالء الذين يقولون بهذه القواعد النظرية المطلقة التي لها آثارها أحياناً يحتاجون إليه‪ ،‬أحياناً ال‬
‫يكون هناك مفر من القياس‪ ،‬فتجده من شعور أو من ال شعور يقتحم هذه الغمرات فيقيس ولو لم‬
‫يشعر‪ ،‬يعني نظيره كتقرير أهل العلم أنه ال يقاس في العبادات‪ ،‬ال قياس في العبادات‪ ،‬العبادات فيها‬
‫قياس عند أهل العلم؟‬
‫نعم‪ ،‬ال يدخلها القياس؛ ألنها تعبدية‪ ،‬ومع ذلكم إذا نظرنا في كتب الفقه في المذاهب كلها قد نجد‬
‫قياساً‪ ،‬يحتاج إليه في مناقشة خصم فال مفر له عنه‪ ،‬فكثير من الذين يقعدون ويميلون ويستروحون‬
‫إلى أمور تجدهم يخالفونها‪ ،‬وإ ن كان عاد ليس هو الغالب قليل‪ ،‬إنما المخالفة توجد‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬قياس الشبه وهو الفرع المتردد بين أصلين‪ ،‬هنا يقول‪ :‬قياس الشبه‪ :‬هو الفرع المتردد بين‬
‫أصلين فيلحق بأكثرهما شبهاً‪ :‬يعني يوجد فرع ال حكم له في الشرع ‪-‬لم ينص عليه‪ -‬وهناك أصل‬
‫يشبه‪ ،‬يشبهه هذا الفرع من وجه له حكم شرعي‪ ،‬وهناك أيضا أصل آخر يشبهه هذا الفرع له حكم‬
‫شرعي‪ ،‬فيتردد الفرع بين هذين األصلين‪ ،‬وحينئذ قد تحصل الحيرة وقد ال تحصل حيرة‪ ،‬إذا‬
‫ترجح أحدهما أمر سهل‪ ،‬يعني أشبه هذا األصل من وجه‪ ،‬وأشبه األصل الثاني من وجهين‪ ،‬فنلحقه‬
‫بأكثرهما شبهاً‪.‬‬
‫أشبه هذا األصل بثالثة أوجه من أوجه الشبه ووجه الشبه الثاني ‪-‬األصل الثاني‪ -‬من خمسة أوجه‬
‫فنلحقه بأكثرهما شبهاً‪.‬‬
‫ابن قدامة في الروضة يقول‪ :‬اختلف في تفسيره ثم في أنه حجة‪ ،‬فأما تفسيره فقال القاضي يعقوب‪:‬‬
‫هو أن يتردد الفرع بين أصلين حاضر ومبيح‪ ،‬ويكون شبهه بأحدهما أكثر‪ ،‬نحو أن يشبه المبيح في‬
‫ثالثة أوصاف‪ ،‬ويشبه الحاضر في أربعة فنلحقه بأشبههما به ‪-‬يعني بأكثرهما شبهاً به‪ -‬ومثاله‪:‬‬
‫تردد العبد بين الحر وبين البهيمة‪ ،‬العبد يقرر أهل العلم أنه ال يملك بالتمليك‪ ،‬وقال بعضهم بأنه‬
‫يملك‪ ،‬فمن قال‪ :‬ال يملك‪ ،‬قال‪ :‬هو يشبه البهيمة من وجوه كثيرة‪ ،‬ومن قال‪ :‬يملك‪ ،‬قال‪ :‬هو يشبه‬
‫الحر ولو من وجه‪ ،‬التكليف على أقل األحوال‪ ،‬وتحمل المسؤولية‪ ،‬ينكح ويطلق‪ ،‬فهو مشبه للحر‪.‬‬
‫ِّأذن ونكمل‪ِّ ،‬أذن‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪307‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫ما زلنا يا إخوان في قياس الشبه الذي ُمثِّل له بالرقيق‪ ،‬وهو مشبه للحر من وجوه‪ ،‬ومشبه للبهيمة‬
‫من وجوه‪ ،‬فإذا جنى هذا الرقيق جناية‪ ،‬هل تكون جنايته ملحقة بجناية البهيمة‪ ،‬أو تكون جناية‬
‫ملحقة بجناية الحر؛ ألن له إرادة كالحر؟ أو نقول‪ :‬ألنه ال يملك كالبهيمة‪ ،‬وأيضاً في ملكه خالف‪،‬‬
‫تبعاً لتردده بين هذين األصلين؟‬
‫فمن وجوه شبهه يقول‪ :‬مثلوا له بالعبد المتردد بين الحر وبين البهيمة في أنه يملك‪ ،‬وفي ضمان‬
‫متلفه‪ ،‬فمن لم يملكه قال‪ :‬حيوان؛ يجوز بيعه‪ ،‬ورهنه‪ ،‬وهبته‪ ،‬وإ جارته‪ ،‬وإ رثه أيش وإ رثه يعني‬
‫يورث كالمال سواء بسواء‪ ،‬أشبه الدابة‪ ،‬يشبه‪ ،..‬حيوان يجوز بيعه‪ ،‬ورهنه‪ ،‬وهبته‪ ،‬وإ جارته‪،‬‬
‫وإ رثه‪ ،‬فهو مشبه للدواب‪.‬‬
‫ومن يملكه يقول‪ :‬يملك بالتمليك‪ ،‬قال‪ :‬يثاب‪ ،‬ويعاقب‪ ،‬وينكح‪ ،‬ويطلق‪ ،‬ويكلف أشبه الحر‪ ،‬فيلحق‬
‫بما هو أكثر بهما شبهاً‪.‬‬
‫المذي مشبه فرع متردد بين أصلين‪ ،‬بين البول فيحكم بنجاسته‪ ،‬وبين المني فيحكم بطهارته‪.‬‬
‫أمثلة هذا النوع من قياس الشبه كثيرة‪ ،‬ولذا اختلف لآلن عندنا قياس العلة‪ ،‬العلة موجبة فهو قوي‪،‬‬
‫قياس الداللة العلة غير موجبة‪ ،‬ولذا يحصل التنازع في بعض المسائل التي يستدل عليها بقياس‬
‫الداللة‪.‬‬
‫قياس الشبه أضعف وإ ال أقوى؟ نعم؟‬
‫أنت إذا نظرت إلى قياس الداللة‪ ،‬ال يوجد له إال أصل واحد ما في تردد‪ ،‬اآلن هذا التردد بين‬
‫أصلين أال يضعف اإللحاق؟ نعم؟ يعني لو أشبه أصالً واحداً نعم‪ ،‬مالت النفس إلى إلحاقه بهذا‬
‫األصل صار من باب قياس الداللة‪ ،‬لكن إذا ألحقناه بهذا األصل جاءنا من يقول‪ :‬لماذا ال نلحقه‬
‫بكذا؟ فهو أضعف من النوعين السابقين‪ ،‬ولذا اختلفت الرواية عن اإلمام أحمد في قياس الشبه‪،‬‬
‫وروي أنه صحيح‪ ،‬وروي أنه غير صحيح‪ ،‬ولإلمام الشافعي قوالن كالروايتين‪ ،‬ووجه كونه حجة‬
‫أنه يثير ظناً غالباً‪ ،‬يثير ظناً غالباً‪ ،‬أيش معنى يثير ظناً غالباً؟‬
‫يعني كون هذه المسألة‪ ،‬كون هذا الفرع أقرب شبه بهذا األصل فيكون أرجح‪ ،‬يعني لو وجد فرع‬
‫متردد بين أصلين على حد سواء في وجوه الشبه‪ ،‬اآلن يثير ظناً غالباً وإ ال شكاً؟‬
‫شك‪ ،‬مع االحتمال المساوي شك‪ ،‬لكن وجدناه فيما يشبه من أحد األصلين أقوى‪ ،‬إذن األقوى هو‬
‫الغالب‪ ،‬لو ألحقناه باألضعف لقلنا‪ :‬يثير وهماً‪ ،‬لو ألحقناه بالمساوي لقلنا‪ :‬يثير شكاً‪ ،‬إذا ألحقناه‬
‫بأشبههما وأقربهما وأقواهما شبهاً‪ ،‬نعم‪ ،‬قلنا‪ :‬يثير ظناً غالباً‪ ،‬والعمل بالظن الغالب أولى من ترك‬
‫العمل بالحكم أصالً؛ ألنك مخير بين أمرين‪ :‬إما أن تعمل بهذا الظن الغالب على ضعفه‪ ،‬أو تترك‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪308‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫العمل بالكلية في هذا الحكم حتى‪ ،..‬تتوقف فيها حتى تجد فيها حكماً مناسباً‪ ،‬ال شك أن مثل هذا‬
‫يثير ظناً غالباً‪ ،‬واهلل المستعان‪.‬‬

‫‪‬‬

‫الدرس الثّامن عشر‬


‫ّ‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد وعلى آله‬
‫وصحبه أجمعين أما بعد‪:‬‬
‫فقد قال المؤلف ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪:-‬‬

‫ومن شرط الفرع‪ :‬أن يكون مناسباً لألصل فيما يجمع به بينهما للحكم‪ ،‬ومن شرط األصل‪ :‬أن‬
‫يكون ثابتاً بدليل متفق عليه بين الخصمين‪ ،‬ومن شرط العلة‪ :‬أن تطرد في معلوالتها‪ ،‬فال تنتقض‬
‫معنى‪ ،‬ومن شرط الحكم‪ :‬أن يكون مثل العلة في النفي واإلثبات‪ ،‬والعلة هي الجالبة‬ ‫لفظاً وال‬
‫ً‬
‫للحكم‪ ،‬والحكم هو المجلوب للعلة‪.‬‬

‫« َّ‬
‫الش ْـر ُح » ‪:‬‬
‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫فلما ذكر القياس وعرفه وذكر أقسامه‪ ،‬وأنه ينقسم إلى ثالثة أقسام‪ :‬قياس الداللة‪ ،‬وقياس العلة‪،‬‬
‫وقياس الشبه‪ ،‬تقدمت هذه األنواع ‪-‬تقدم شرحها‪.-‬‬
‫أردف ذلك بالشروط التي تشترط لصحة القياس‪ ،‬فذكر منها ما يتعلق بالفرع‪ ،‬ومنها ما يتعلق‬
‫باألصل‪ ،‬ومنها ما يتعلق بالعلة والحكم‪ ،‬واقتصر في كل واحد منها على شرط واحد؛ ألن الكتاب‬
‫في غاية االختصار‪ ،‬وقد ألف للمبتدئين‪ ،‬وإ ال فالشروط كثيرة جداً‪.‬‬
‫شروط األصل أوصلها الشوكاني إلى اثني عشر شرطاً‪ ،‬وشروط الفرع ذكر منها أربعة‪ ،‬وشروط‬
‫العلة وصلت إلى أربعة وعشرين شرطاً‪ ،‬أربعة وعشرين شرطاً‪ ،‬فيكون المجموع أربعين‪ ،‬نعم‪،‬‬
‫في كثير منها أو في بعضها نزاع بين أهل العلم‪ ،‬هل يشترط‪ ،‬أو هل يمكن إدراجه بغيره من‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪309‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫الشروط‪ ،‬يمكن تداخل بعض هذه الشروط مع بعض؟ وبعضها فيه‪ ،..‬في إثباته نزاع‪ ،‬لكن ما يمنع‬
‫أننا نطلع على هذه الشروط إجماالً‪ ،‬التي ذكرها الشوكاني‪.‬‬
‫من شروط األصل ما ذكره المؤلف‪ ،‬والمؤلف في ترتيبه قدم الفرع على األصل‪ ،‬قال‪ :‬ومن شرط‬
‫الفرع‪ ،‬ثم قال‪ :‬ومن شرط األصل‪ ،‬يعني األصل أن يقدم الفرع وإ ال األصل؟‬
‫طالب‪ :‬األصل‪.‬‬
‫ض ْير‪ :‬نعم‪ ،‬األصل هو األصل على اسمه‪ ،‬وال يقدم الفرع على أصله‪ ،‬كما‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫أنه ال يقدم الولد على أبيه‪ ،‬ال يقدم الفرع على أصله‪ ،‬يعني ترتيب فني‪ ،‬وإ ال ما يضر أن تقدم فرع‬
‫وإ ال أصل هنا‪ ،‬وال تقول‪ :‬خالفت السنة‪ ،‬وال األصل أكبر من الفرع وال أصغر‪ ،‬نعم‪ ،‬كون األصل‬
‫ثابت بنص شرعي يقتضي تقديمه على الفرع الذي هو ثابت بقياس من هذه الحيثية‪ ،‬لكن لعل‬
‫المؤلف نظر إلى هذه األمور من وجهة‪ ،‬وهي أن الفرع هو المقصود بحثه بالذات في هذا الباب‪،‬‬
‫يعني األصل ‪-‬المقيس عليه‪ -‬هل يحتاج إليه في هذا الباب باعتباره محل بحث في هذا الباب‪ ،‬أو‬
‫أن القياس إنما أوجد للفرع المقيس؟‬
‫يعني هل نحتاج إلى إثبات حكم األصل في هذا الباب‪ ،‬أو نحتاج إلى إثبات حكم الفرع في هذا‬
‫الباب؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬نعم‪ ،‬نحن نحتاج إلى إثبات حكم الفرع وإ ال فاألصل ثابت بنص‪ ،‬ولهذا‬
‫قُ ِّدم‪ ،‬يعني من قدم األصل ‪-‬والمسألة مسألة تنظيمية‪ ،‬يعني سواء قدم أو أخر األمر سهل يعني‬
‫الخطب سهل‪ -‬لكن مسألة ترتيبية فنية‪ ،‬لو قدم األصل باعتبار أنه ثابت بنص‪ ،‬والفرع مقيس عليه‬
‫ثابت بالقياس التحادهما –الشتراكهما‪ -‬في العلة‪ ،‬فيبقى الترتيب مناسب لألصل‪ ،‬يقدم األصل‪.‬‬
‫ومن نظر إلى أن الفرع هو المقصود بالذات‪ ،‬المطلوب إثبات حكمه في هذا الباب قدم الفرع‪ ،‬كما‬
‫فعل المؤلف‪ ،‬على كل حال يعني مثل ما قلنا‪ :‬مسألة سهلة‪.‬‬
‫الشروط التي ذكرها الشوكاني لألصل اثنا عشر‪:‬‬
‫األول منها‪ :‬أن يكون الحكم الذي أريد تعديته إلى الفرع ثابتاً في األصل؛ فإنه لو لم يكن ثابتاً فيه‬
‫بأن لم يشرع فيه حكم ابتداء أو شرع ونسخ‪ ،‬لم يمكن بناء الفرع عليه‪.‬‬
‫الشرط الذي ذكره المؤلف‪ « :‬ومن شرط األصل أن يكون ثابتاً بدليل متفق عليه بين الخصمين‪،‬‬
‫بدليل متفق عليه بين الخصمين » ‪ :‬يعني مثاله‪ :‬إذا قال الحنبلي أو الشافعي‪ :‬الماء المستعمل ال‬
‫يجوز التطهر به ثانية‪ ،‬فانتقل حينئذ من كونه مطهر إلى كونه طاهر‪ ،‬هذا يقوله من؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪310‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫شافعي أو حنبلي‪.‬‬
‫طالب‪ :‬حنبلي‪.‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬كالهما‪ ،‬كالهما‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬كيف؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬كالهما والحنفية أيضاً‪ ،‬لكن بينهم فروق في القليل والكثير وتحديده‪،‬‬
‫لكن إذا قال الحنبلي والشافعي؛ ألن الحنفي رأيه أشد من رأي الشافعية والحنابلة في هذا‪ ،‬عندهم‬
‫رواية في مذهبهم أن الماء الذي رفع به الحدث ينجس‪ ،‬ما يكفي أن يكون طاهراً‪ ،‬عندهم هم‪ ،‬لكن‬
‫دعونا في مذهب الشافعية والحنابلة‪.‬‬
‫إذا قال الحنبلي‪ :‬الماء المستعمل لرفع الحدث طاهر وليس بطهور‪ ،‬بمعنى أنه ال يجزئ التطهر به‬
‫مرة ثانية‪ ،‬وجعل هذا أصالً‪ ،‬وقال‪ :‬يقاس عليه الحجر الذي رمي به أوالً ال يرمى به ثانياً؛ ألنه‬
‫استعمل في عبادة‪ ،‬إذن ال ينفع استعماله مرة ثانية‪ ،‬كاستعمال الماء في الوضوء‪ ،‬يريد أن يلزم‬
‫مالكياً بأن ال يرمي بالحجر مرة ثانية لماذا؟ ألنه استعمل في عبادة‪ ،‬ومادام استعمل في عبادة ال‬
‫يصلح أن يستعمل مرة ثانية قياساً على الماء الذي استعمل في الطهارة مرة أولى فال يستعمل مرة‬
‫ثانية‪.‬‬
‫عندنا خصم وهو الحنابلة والشافعية في جهة والمالكية في جهة أخرى‪ ،‬يسلم المالكي بهذا؟ يسلم‬
‫وإ ال ما يسلم؟ ال يسلم‪ ،‬لماذا؟ ألنه ال يوافق على حكم األصل‪ ،‬عنده الماء المستعمل ‪-‬عند المالكية‪-‬‬
‫الماء المستعمل يجوز التطهر به ثانية وثالثة ورابعة‪ ،‬ويبقى طهوراً‪ ،‬ويبقى أنه أولى باسم الطهور‬
‫من الماء الذي لم يستعمل‪ ،‬لماذا؟ لماذا صار أولى من الماء الذي لم يستعمل أصالً‪ ،‬يا إخوان‬
‫تأملوا‪ ،‬ومر عليكم في أوائل كتب الفقه‪ ،‬نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬إيه هو استعمل في عبادة‪ ،‬لكن أولئك يقولون‪ :‬استعمل في عبادة‬
‫خالص انتهى‪ ،‬وهؤالء يقولون‪ :‬هو أولى من الماء غير المستعمل‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪311‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫لو نظرنا إلى الصيغة‪ ،‬صيغة طهور‪ ،‬طهور أيش؟ صيغة أيش؟ مبالغة‪ ،‬صيغة مبالغة‪ ،‬لماذا‬
‫استحق هذه المبالغة؟ ألنه تكرر فيه أو منه التطهير‪ ،‬فتطهر به مراراً فصار طهوراً‪ ،‬فاستحق هذا‬
‫الوصف‪ ،‬استحق هذه المبالغة فهو أولى من غيره‪.‬‬
‫نعود إلى أصل المسألة التي معنا‪ :‬أن يكون الحكم‪ ،‬حكم األصل متفق عليه بين الخصمين‪ ،‬شوف‬
‫أيش يقول‪ « :‬من شرط األصل أن يكون ثابتاً بدليل متفق عليه بين الخصمين » ‪ :‬اآلن هل يتفق‬
‫الحنابلة والشافعية مع خصومهم من المالكية على أصل المسألة التي هي عدم الوضوء بالماء‬
‫المستعمل؟ يتفقون وإ ال يختلفون؟ ما يختلفون‪ ،‬إذن يختلفون في الفرع المقيس عليه من باب أولى‪،‬‬
‫فإذا قاس الحنبلي أو الشافعي الحجارة المستعملة التي رمي بها واستعملت في الرمي مرة أولى فال‬
‫تعاد مرة ثانية قياساً على الماء المستعمل‪ ،‬قال لك المالكي‪ :‬ال‪ ،‬أنا ال أوافق على األصل‪ ،‬فكيف‬
‫تريدونني أن أوافق على الفرع؟‬
‫هذا معنى قوله‪ « :‬أن يكون األصل ثابتاً بدليل متفق عليه بين الخصمين »‪.‬‬
‫واقتصر على هذا الشرط؛ ألهميته ووضوحه‪ ،‬وإ ال فالشروط كما ذكرنا اثنا عشر‪.‬‬
‫الشرط األول من الشروط التي ذكرها الشوكاني‪ :‬أن يكون الحكم الذي أريد تعديته إلى الفرع في‬
‫األصل‪ ،‬فإنه لو لم يكن ثابتاً فيه بأن لم يشرع فيه حكم ابتداء‪ ،‬أو شرع ونسخ لم يكن بناء الفرع‬
‫عليه‪.‬‬
‫الذي لم يشرع فيه حكم ابتداء يستحق أن يسمى أصالً‪ ،‬نعم؟ هل يستحق أن يسمى أصالً؟ هو بحاجة‬
‫إلى أن يبحث فيه عن أصل‪ ،‬فهو كالفرع‪ ،‬إذن هل نحتاج إلى هذا الشرط؟‬
‫ال نحتاج إلى هذا الشرط إال في شقه الثاني‪ ،‬يعني لو كان األصل ثابتاً بدليل منسوخ‪ ،‬ثابتاً بدليل‬
‫منسوخ‪ ،‬أن يكون الحكم الذي أريد تعديته ثابتاً في األصل فإنه لو لم يكن ثابتاً بأن لم يشرع فيه حكم‬
‫ابتداء‪ ،‬هذا ما نحتاج إليه‪ ،‬أو شرع ثم نسخ‪ ،‬يعني إذا كان األصل المقيس عليه‪ ،‬األصل المقيس‬
‫عليه ثابتاً بحكم أو بدليل منسوخ‪ ،‬أما مع االتفاق على النسخ فال يمكن أن يقول بهذا أحد من أهل‬
‫العلم‪ ،‬نعم‪ ،‬لكن يتصور أن يقيس العالم على حكم ثابت بدليل منسوخ إذا لم يبلغه الناسخ‪ ،‬أو ينازع‬
‫في كونه منسوخاً‪ ،‬ينازع في كونه منسوخاً‪ ،‬ينازع في كونه منسوخاً‪ ،‬فعلى سبيل المثال لو قال‬
‫القائل‪ :‬إن الذي ال يجد النعلين يلبس الخفين ويقطعهما أسفل من الكعبين‪ ،‬ويقول‪ :‬النص محكم‬
‫محكم‪ ،‬والثاني الذي لم يذكر فيه القطع مطلق واألول مقيد‪ ،‬والمقيد‪ ،..‬يعني القطع قيد‪ ،‬وحينئذ‬
‫يحمل المطلق على المقيد فنحتاج إلى قطع‪ ،‬كونه ما ذكر القطع اكتفاء بذكره أوالً‪ ،‬فنحتاج إلى أن‬
‫نقطع‪ ،‬فإذا قال مثل هذا‪ ،‬نقيس عليه أيش؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪312‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫السراويل ‪-‬مثالً‪ -‬ماذا نصنع بالسراويل؟ يقول‪ :‬إذا لم نجد إزاراً نلبس السراويل ونقطع السروال‬
‫بدل ما يكون سابغ إلى فوق الكعب نقطعه بالقدر المجزئ‪،‬؛ ألن لبس السراويل للحاجة كما أن لبس‬
‫الخف للحاجة‪ ،‬واحتجنا إلى قطعها بالنص‪ ،‬ولبس السراويل للحاجة إذن نكتفي بالقدر المجزئ‬
‫منها‪ ،‬إلى ما يستر العورة‪ ،‬وما زاد على ذلك قدر زائد على الحاجة‪ ،‬فجعلوا هذا فرع والخف‬
‫أصل‪ ،‬وهذه مسألة تقريبية ترى‪ ،‬ما قال أحد بالسروال وأنه يقطع أو ما يقطع‪ ،‬لكن هذا مثال‬
‫للتقريب‪.‬‬
‫على قول من يقول بأن قطع الخف محكم وليس بمنسوخ‪ ،‬يمكن أن يقيس عليه مثل هذا‪ ،‬بجامع أن‬
‫كالً منهما لباس حاجة لعدم وجود المنصوص عليه من النعل واإلزار‪.‬‬
‫يقول الخصم‪ :‬أنا ال أوافق على قطع الخف‪ ،‬لماذا؟ ألن النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬خطب‬
‫بعرفة وحضره الجموع الغفيرة ممن لم يحضره بالمدينة ولم يشر إلى القطع‪ ،‬فدل على أنه منسوخ‬
‫القطع‪ ،‬إذن األصل دليله منسوخ‪ ،‬فإذن ال نحتاج‪ ،..‬ال نستطيع أن نقيس عليه؛ ألن دليله منسوخ‪،‬‬
‫ظاهر وإ ال ما هو بظاهر‪ ،‬واضح وإ ال ما هو بواضح؟ ما تعرفون حكم لبس الخف للمحرم‪ ،‬وأن فيه‬
‫خالفاً بين أهل العلم‪ ،‬هل يقطع أو ال يقطع؟ وأن من قال بقطعه قال‪:‬‬
‫« وليقطعهما » قيد‪ ،‬نص مقيد وذاك مطلق‪ ،‬وحينئذ يحمل المطلق على المقيد وينتهي اإلشكال‪،‬‬
‫والذين قالوا يلبس بدون قطع يقولون‪ :‬نسخ‪.‬‬
‫النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬خطب بالمدينة وبين األحكام وقال‪ « :‬من لم يجد النعلين فليلبس‬
‫الخفين‪ ،‬وليقطعهما أسفل من الكعبين » ‪ ،‬وهذا متقدم‪ ،‬وفي عرفة بعد ذلك خطب وحضره جموع‬
‫غفيرة‪ ،‬يعني ما يقال اكتفاء بما بيِّن في المدينة‪ ،‬حضره جموع غفيرة ممن لم يحضر هناك‪ ،‬وال‬
‫أشار إلى القطع‪ ،‬مع أدلة أخرى تعضد المسألة‪ ،‬والنهي عن إضاعة المال وما أشبه ذلك‪.‬‬
‫فإذا قسنا السراويل على الخف‪ ،‬وقلنا‪ :‬يقطع السروال ويقتصر منه على قدر الحاجة‪ ،‬كما يقطع‬
‫الخف‪ ،‬نحتاج إلى مقيس عليه ثابت بنص محكم لم يثبت بنص منسوخ‪.‬‬
‫يقول الخصم‪ :‬أنا ال أوفاقك على األصل فضالً عن الفرع‪ ،‬ويمكن أيضاً إدخال هذا الشرط فيما‬
‫ذكره المؤلف من أن يكون األصل ثابتاً بنص متفق عليه بين الخصمين‪.‬‬
‫من الشروط التي ذكرها الشوكاني‪ :‬أن يكون الحكم الثابت في األصل شرعياً‪ ،‬فلو كان عقلياً أو‬
‫لغوياً لم يصح القياس عليه؛ ألن بحثنا إنما هو بالقياس الشرعي‪ ،‬كيف؟‬
‫البحث في القياس الشرعي‪ ،‬هناك شيء يسمى القياس في اللغة‪ ،‬القياس في اللغة وفيه كتب مؤلفة‪،‬‬
‫وأيضاً العقليات يدخلها القياس‪ ،‬ويدخلها التنظير‪ ،‬هل معنى هذا أنه ال يثبت القياس في اللغويات‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪313‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫وال في العقليات؟ لكن المقصود بالقياس الذي يبحث هنا‪ ،‬وهو القياس الشرعي‪ ،‬البد أن يكون‬
‫األصل شرعياً‪ ،‬ثبوت الحكم في األصل شرعياً ال لغوياً وال عقلياً‪ ،‬وإ ال فالقياس في اللغة معروف‪،‬‬
‫والقياس في العقليات والتنظير لها معروف‪.‬‬
‫أن يكون الحكم الثابت في األصل شرعياً‪ ،‬فلو كان عقلياً أو لغوياً لم يصح القياس عليه؛ ألن بحثنا‬
‫إنما هو بالقياس الشرعي‪.‬‬
‫مسألة اختلفوا فيها‪ :‬هل يثبت القياس على النفي األصلي‪:‬‬
‫الحكم الثابت باالستصحاب ‪-‬استصحاب النفي األصلي‪ -‬وكل على أصله في األعيان المنتفع بها‬
‫قبل ورود الشرع‪ ،‬هل هي على المنع أو على اإلباحة؟ وسبق بحثها‪.‬‬
‫إذا كان الحكم األصلي ثابتاً بالنفي األصلي‪ ،‬حكم األصل يثبته من يقول به بالنفي األصلي‪ ،‬وهذا‬
‫يتصور في العبادات‪ ،‬مثل هذا يتصور في العبادات؟ نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬نعم‪ ،‬ال يتصور؛ ألن العبادات ال بد فيها من نص؛ ألنها ال يدخلها‬
‫األقيسة‪ ،‬فهناك شيء ‪-‬عين ينتفع بها‪ -‬يمكن االنتفاع بها‪ ،‬دليل إباحتها‪ :‬عدم وجود النص على‬
‫تحريمها‪ ،‬فنحتاج إلى‪ ،..‬فاحتجنا إلى شيء مماثل لهذا الشيء الذي استدل أهل العلم على جوازه‬
‫بعدم نص يدل على تحريمه فنقيس عليه‪.‬‬
‫على سبيل المثال‪ :‬األطعمة‪ ،‬األطعمة‪ :‬وجدت حيوان ال تعرف له حكماً في الشرع‪ ،‬ولم يرد فيه‬
‫نص ال بنفي وال بإثبات‪ ،‬والعلماء يختلفون في هذا‪ ،‬منهم من يقول‪ :‬الحالل ما أحله اهلل‪ ،‬والحرام ما‬
‫حرمه اهلل‪ ،‬ومنهم من يقول‪ :‬الحرام ما حرمه اهلل‪ ،‬هناك خالف بين من يقول‪ :‬الحالل ما أحله اهلل‪،‬‬
‫وبين من يقول‪ :‬الحرام ما حرمه اهلل؟ هناك خالف؟ هذا قال به جمع‪ ،‬وهذا قال به جمع؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬هذا جعل األصل الحل‪ ،‬وال حرام إال ما حرمه اهلل‪ ،‬والثاني جعل‬
‫األصل التحريم وال حالل إال ما أحله اهلل‪ ،‬دعونا نجعل األصل الحل في األطعمة‪:‬‬
‫وجدنا نوع من النبات بحثنا له عن أصل يدل على منعه ما وجدنا قلنا‪ :‬يؤكل بناء على أن الحرام‬
‫ما حرمه اهلل‪ ،‬وهذا باق على األصل ولم نجد فيه نصاً‪ ،‬ثم وجدنا نباتا يشبهه‪ ،‬هل نقيس هذا النبات‬
‫الثاني على األول؟ أو نستدل للثاني بما استدللنا به على األول‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬نعم؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪314‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫طالب‪ :‬أن يكون لوحده‪.....‬مسألة أخرى ما يقاس عليه‪..‬؟‬


‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬يعني نستدل له بالقاعدة العامة على ما سيأتي‪ ،‬على ما سيأتي‪ :‬إذا كان‬
‫الفرع يتناوله النص الذي يستدل به لألصل‪ ،‬يتناوله بعمومه‪ ،‬إذا كان يتناوله بعمومه ال نحتاج إلى‬
‫قياس على ما سيأتي‪.‬‬
‫طالب‪..... :‬ثابت بالدليل‪....‬؟‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬وين؟‬
‫طالب‪ :‬الذي قسنا عليه؟‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬المسألة اختلفوا هل يثبت القياس على النفي األصلي وما كان قبل‬
‫الشرع‪ ،‬فمن قال‪ :‬إن نفي الحكم الشرعي حكم شرعي جوز القياس عليه‪ ،‬ومن قال‪ :‬إنه ليس بحكم‬
‫شرعي لم يجوز القياس عليه‪.‬‬
‫يا إخوان ذكرنا هذه المسألة مراراً في مناسبات‪ ،‬وذكرنا السقنقور على سبيل المثال‪ ،‬نعرف‬
‫السقنقور أيش هو؟ معروف؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬أيش يشبه‪ ،‬تعرفه؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬يعرفونه اإلخوان‪ ،‬وين عايش وين؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬لكنه صغير يعيش في الرمل‪ ،‬ويذكره العطارون (عالج لبعض‬
‫األمراض)‪ ،‬معروف‪ ،‬ما تعرف السقنقور؟ هاه؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬يشبه الوزق إال أنه يعيش في التراب في الرمال‪ ،‬وهو أملس ما هو‬
‫بمثله‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬ال أصغر من السحلية نوع ثاني‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬إيه يصير منقط ويصير سادة ويصير‪ ...‬وفيه أنواع‪ ،‬عرفناه وإ ال ما‬
‫عرفناه؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪315‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫العطارون يذكرونه يصفونه وعندهم كميات منه‪ ،‬تنك مجفف‪ ،‬عرفته؟‬


‫طالب‪.......:‬‬
‫ود َر ِّب َك إِاَّل ُه َو﴾‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬ال‪ ،‬ال غيره‪ ،‬نوع ثاني‪ ،‬هو أنواع‪َ ﴿ ،‬و َما َي ْعلَ ُم ُج ُن َ‬
‫[ سورة المدثر‪ ،‬اآلية ‪ ،] 31 :‬هذا النوع أنا جئت به مثاالً‪ ،‬ولو غريب‪ ،‬صاحب حياة الحيوان قال‪:‬‬
‫طوله ثالثة أذرع في عرض شبر‪.‬‬
‫طالب‪ :‬طويل‪...‬؟‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬وال يوجد إال في طنطا أو الهند‪ ،‬يا أخي بكثرة يوجد‪ ،‬ويوصف‪ ،‬وما‬
‫زال الناس يأكلونه بعضهم‪ ،‬بعض العامة يأكله حي‪ ،‬ما يبي بعد‪ ،‬أملس يروح بسرعة‪ ،‬نعم‪ ،‬أقصد‬
‫أنه معروف‪ ،‬والمسألة بحاجة إلى بحثها‪ ،‬فالعطارون اآلن يصفونه لبعض الناس‪.‬‬
‫طالب‪ :‬ما يقال للضرورة؟‬
‫ض ْير‪ :‬ال‪ ،‬ال‪ ،‬ما هي بمسألة ضرورة‪ ،‬ال‪ ،‬أمورهم أهون –كمال‪ -‬تأتي إلى‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫تبحث عن دليل يدل على إباحته أو على تحريمه ما تجد شيئاً‪ ،‬فإذا قلت‪ :‬األصل في األعيان المنتفع‬
‫بها اإلباحة‪ ،‬واألطعمة ال حرام إال ما حرمه اهلل‪ ،‬تأكل‪ ،‬ثم تأتي إلى شيء يشبهه تقيسه عليه‪.‬‬
‫طالب‪ :‬ما يقاس ما ثبت الدليل بهذا‪.‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬لكن هل االستصحاب دليل أو ليس بدليل؟‬
‫طالب‪ :‬دليل ثابت‪.‬‬
‫ض ْير‪ :‬هل االستصحاب دليل أو عدم دليل‪.‬‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫طالب‪ :‬إذا قلنا‪ :‬إنه ليس دليالً؟‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬إذا قلنا‪ :‬دليل الزم نقيس عليه يصير ثابت بدليل‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬ما يحتاج تقول‪ :‬ليس بدليل هذا الثاني بعد ما في دليل إذن كل على‬
‫أصله‪.‬‬
‫بعض اإلخوان كأنهم ما هم مستعدين لسماع مثل هذا الكالم‪ ،‬في استعداد؟‪ ،‬نعم‪ ،‬إذا في استعداد‬
‫نسترسل وإ ال ما في فائدة‪.‬‬
‫طالب‪ :‬يستدعى؟‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬إي ألنه ما شفت يجاوب‪ ،‬ألمسألة مو بصعبة على شان نقول‪..‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪316‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫الشوكاني يقول‪ :‬أن يكون الطريق إلى معرفته سمعية؛ ألن ما لم تكن طريقه سمعية ال يكون حكماً‬
‫شرعياً‪ ،‬وهذا عند من ينفي التحسين والتقبيح العقليين ال عند من يثبتهما‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬أن يكون الحكم ثابتاً بالنص‪ ،‬وهو الكتاب أو السنة‪ ،‬أن يكون الحكم ثابتاً بالنص يعني حكم‬
‫األصل ثابت بنص من الكتاب أو السنة‪ ،‬وهل يجوز قياسه على الحكم الثابت بمفهوم الموافقة أو‬
‫المخالفة؟‬
‫قال الزركشي‪ :‬لم يتعرض له‪ ،‬ويتجه أن يقال‪ :‬إن قلنا‪ :‬إن حكمهما حكم النطق فواضح‪ ،‬وإ ن قلنا‪:‬‬
‫كالقياس فيلحق به‪.‬‬
‫عندنا دليل من الكتاب أو من السنة يدل على التحريم‪ ،‬ووجدنا فرعاً يناسب المنصوص عليه في‬
‫العلة نقيس‪ ،‬لكن عندنا دليل يدل على حكم بنطقه‪ ،‬داللته في محل النطق هذا منطوق‪ ،‬والفرع‬
‫المقيس عندنا ال يشبه المنطوق‪ ،‬يشبه المفهوم‪ ،‬يعني مأخوذ من داللة اللفظ ال في محل النطق‪،‬‬
‫سواء في ذلك مفهوم الموافقة أو المخالفة‪.‬‬
‫ً‬
‫نعم‪ ،‬مفهوم الموافقة يعني قياس أو أخذ تحريم السب للوالدين من التأفيف‪ ،‬وهذا يسمى قياس‬
‫األولى‪ ،‬وهو مفهوم موافقة؛ ألنه يتفق مع المنطوق في الحكم‪ ،‬هل نحتاج إلى أن نقيس فرع على‬
‫سواء كان موافقة أو مخالفة؟‬
‫ً‬ ‫الحكم المستنبط من مفهوم النص‬
‫هذا مختلف فيه‪ ،‬هذا مختلف فيه‪.‬‬
‫أن يكون الحكم ثابتاً من نص وهو الكتاب والسنة‪ ،‬وهل يجوز القياس على الحكم الثابت بمفهوم‬
‫الموافقة أو المخالفة؟‬
‫قال الزركشي‪ :‬لم يتعرضوا له‪ ،‬ويتجه أن يقال‪ ،‬إن قلنا‪ :‬إن حكمهما حكم النطق يعني نستدل‬
‫بالمفهوم مثل ما نستدل بالمنطوق‪ ،‬يعني النص يتناول داللة النص في محل النطق وفي غير محل‬
‫النطق تتناول المنطوق والمفهوم‪ ،‬فإذا قلنا‪ :‬إنه يستدل على الحكم المستنبط من مفهوم النص ويكون‬
‫دليالً ثابتاً استنبطناه من النص وإ ن لم يكن من منطوقه بل من مفهومه نستطيع أن نقيس عليه‪.‬‬
‫من يأتي لنا بمثال فيه مفهوم؟ مثال له مفهوم ومنطوق‪ ،‬نص له منطوق ومفهوم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬كيف؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ « :‬إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث »‪ ،‬منطوقه‪ :‬أن ما بلغ القلتين‬
‫بالتحديد لم يحمل الخبث‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪317‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫مفهوم الموافقة أيش؟‬


‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬كيف؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬ال‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬أكثر من القلتين‪ ،‬مفهوم الموافقة‪ :‬أن ما زاد على القلتين ال يحمل‬
‫الخبث‪ ،‬مفهوم المخالفة‪ :‬ما كان أقل من القلتين فإنه يحمل الخبث‪ ،‬واضح وإ ال ما هو بواضح؟ نعم‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ « :‬إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث »‪ ،‬منطوقه‪ :‬أن ما بلغ هذا‬
‫المقدار من غير زيادة وال نقص فإنه ال يحمل الخبث ‪-‬ال ينجس‪ -‬مفهوم الموافقة‪ :‬أن ما زاد على‬
‫القلتين فإنه ال يحمل الخبث‪ ،‬يعني ال ينجس‪ ،‬ولماذا قلنا‪ :‬مفهوم موافقة؛ ألنه يوافق المنطوق في‬
‫الحكم‪ ،‬ظاهر وإ ال ما هو بظاهر‪.‬‬
‫مفهوم المخالفة من هذا النص أن ما نقص عن القلتين فإنه يحمل الخبث‪ ،‬هذا أصل ‪-‬الحديث‬
‫أصل‪ -‬وما يستنبط منه ويستدل به عليه أصل‪.‬‬
‫منطوق الحديث ‪-‬ما يستنبط من منطوق الحديث أصل‪ -‬ما يستنبط من مفهومه ‪-‬مفهوم الموافقة‪-‬‬
‫أصل‪ ،‬ما يستنبط من مفهومه ‪-‬مفهوم المخالفة‪ -‬أصل‪ ،‬دليله مفهوم النص‪ ،‬وذاك دليله منطوق‬
‫النص‪.‬‬
‫كوننا نقيس على المنطوق هذا ظاهر‪ ،‬هذا األصل في باب القياس‪ ،‬لكن إذا أتينا بغير الماء‪ ،‬بغير‬
‫الماء مثالً‪ ،‬وأردنا أن نقيس الزيت مثالً الزيت‪ ،‬وقلنا‪ :‬هذا الزيت أقل من قلتين إذن ينجس إذا‬
‫وقعت فيه النجاسة‪ ،‬ينجس لماذا؟ ألنه أقل من قلتين‪ ،‬قياساً على ما دل عليه مفهوم المخالفة في‬
‫الحديث عن أبي سعيد وغيره‪ ،‬إذن ينجس‪.‬‬
‫قسنا اآلن الزيت الذي لم يبلغ القلتين على الماء الذي لم يبلغ قلتين‪ ،‬وقلنا بنجاسته؛ أخذاً من مفهوم‬
‫المخالفة من النص‪.‬‬
‫إذا كان الزيت قلتين نقيس منطوق على منطوق‪ ،‬وإ ذا كان أكثر من قلتين نقيس مفهوم الموافقة على‬
‫مفهوم الموافقة‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪318‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫يقول‪ :‬والظاهر ‪-‬يقول الشوكاني‪ :-‬والظاهر أنه يجوز القياس عليهما عند من أثبتهما؛ ألنه يثبت‬
‫بهما األحكام الشرعية كما يثبت بالمنطوق‪ ،‬وأما ما ثبت باإلجماع‪...‬‬
‫انتهينا مما ثبت بالمفهوم‪ ،‬لكن ما ثبت باإلجماع ما ثبت باإلجماع‪ ،‬وخلونا في نفس الحديث‪ ،‬نفس‬
‫الحديث‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬ال الحديث الثاني‪ ،‬الحديث الثاني‪ « :‬إن الماء طهور ال ينجسه شيء‬
‫»‪.‬‬
‫بالمناسبة حديث القلتين من أهل العلم من عمل به ‪-‬بمنطوقه ومفهومه‪ -‬وهذا عند من يصححه‪،‬‬
‫وهو المعتمد عند الحنابلة والشافعية‪ ،‬ومنهم من ال يعمل بمنطوقه وال بمفهومه‪ ،‬وهم مذهب‬
‫بناء على ضعفه‪ ،‬ومنهم من يعمل بمنطوقه دون مفهومه‪ ،‬وهذا قول من؟ شيخ اإلسالم ابن‬
‫المالكية؛ ً‬
‫تيمية ‪-‬رحمه اهلل‪.-‬‬
‫شيخ اإلسالم يعمل بمنطوق الحديث وال يعمل بمفهومه؛ ألن مفهومه مخالف بمنطوق حديث‪:‬‬
‫« إن الماء طهور ال ينجسه شيء »‪ ،‬مفهومه مخالف‪ ،‬وإ ذا خولف المفهوم بمنطوق قدم المنطوق‪.‬‬
‫إذا كان األصل ثابتاً بإجماع‪ ،‬ولم نعرف األصل الذي استند عليه هذا اإلجماع‪ ،‬هل نقيس عليه؟‬
‫وفي الحديث‪ « :‬إن الماء طهور ال ينجسه شيء إال ما غلب على لونه وطعمه وريحه »‪ ،‬الزيادة‬
‫ضعيفة باتفاق الحفاظ « إال ما غلب »‪ ،‬لكن اإلجماع قائم على أن ما غلب على لونه أو ريحه أو‬
‫طعمه ‪-‬لون النجاسة أو ريحها أو طعمها‪ -‬أنه نجس باإلجماع‪.‬‬
‫فعندنا برميل فيه زيت أكثر من قلتين‪ ،‬وقعت فيه نجاسة ونطل في البرميل ونشم النجاسة‪ ،‬زيت‬
‫نشم فيه النجاسة‪ ،‬وتغير لون الزيت بلون النجاسة‪ ،‬أو طعم الزيت تغير بطعم النجاسة‪ ،‬هل نقول‪:‬‬
‫إن هذا‪ ،..‬حكم هذا الزيت نجس قياساً على الماء الذي تغير بالنجاسة‪ ،‬واألصل ثبت بإجماع أهل‬
‫العلم‪ ،‬إذن الفرع يثبت باإلجماع‪ ،‬أو بالقياس على ما أجمع عليه‪ ،‬واضح وإ ال ما هو بواضح؟‬
‫طالب‪ :‬واضح‪.‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬اإلخوان اللي ساكتين ما ندري أيش وراءهم‪ ،‬واضح وإ ال ما هو‬
‫بواضح‪ ،‬طيب العهدة عليهم‪.‬‬
‫وأما ما ثبت باإلجماع ففيه وجهان‪ ،‬قال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي وابن السمعاني‪" :‬أصحهما‬
‫الجواز"‪ ،‬وحكاه ابن برهان عن جمهور أصحاب الشافعي‪ ،‬والثاني عدم الجواز ما لم يعرف النص‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪319‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫سواء عرفنا ذلك‬


‫ً‬ ‫الذي أجمعوا ألجله؛ ألنه معروف أنه ما في إجماع إال البد أن يستند على نص‬
‫النص أو لم نعرفه‪.‬‬
‫قال ابن السمعاني‪ :‬وهذا غير صحيح؛ ألن اإلجماع أصل في إثبات األحكام كالنص‪ ،‬فإذا جاز‬
‫القياس على الثابت بالنص جاز على الثابت باإلجماع‪.‬‬
‫وال شك أن من يقدم اإلجماع على النصوص‪ ،‬يقدم القياس على اإلجماع على القياس على ما ثبت‬
‫بالنص‪ ،‬وفي وقته في اإلجماع بينا أن من أهل العلم من األصوليين من قال‪ :‬إن اإلجماع مقدم على‬
‫النصوص؛ ألنه ال يحتمل نسخاً وال تأويالً بخالف النص‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬أال يكون األصل المقيس عليه فرعاً ألصل آخر‪ ،‬وإ ليه ذهب الجمهور‪ ،‬وخالف في ذلك‬
‫بعض الحنابلة والمعتزلة وأجازوها‪.‬‬
‫في مثالنا الزيت الذي قسناه على الماء نعم‪ ،‬الزيت قسناه على الماء صح وإ ال ال؟ لو جاءنا مائع‬
‫ثالث‪ ،‬ولم يبلغ القلتين وقعت فيه نجاسة قلنا‪ :‬ينجس قياساً على الزيت المقيس على الماء‪ ،‬فرع‬
‫الفرع‪ ،‬يصح وإ ال ما يصح؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬تقول يصح؟‬
‫طالب‪ :‬أقول ال يصح؟‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬كيف؟‬
‫طالب‪ :‬أقول ال يصح‪.‬‬
‫ض ْير‪ :‬اآلن عندنا أصل ثابت بنص‪ ،‬الفرع المقيس عليه ثابت بالقياس؛‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫الشتراكهما في العلة‪ ،‬وجدنا شيئاً ثالثاً نبي نقيسه على هذا الفرع‪ ،‬والفرع الذي قسناه على األصل‪،‬‬
‫وأال يكون األصل المقيس عليه فرعاً ألصل آخر‪ ،‬وإ ليه ذهب الجمهور‪ ،‬وخالف في ذلك بعض‬
‫الحنابلة والمعتزلة وأجازوه‪.‬‬
‫واحتج الجمهور على المنع بأن العلة الجامعة بين القياسين إن اتحدت كان ذكر األصل الثاني‬
‫تطويالً‪ ،‬ما نحتاج أن نذكر الزيت‪ ،‬لسنا بحاجة أن نذكر الزيت‪ ،‬نأتي إلى هذا الفرع غير الزيت‬
‫ونقيسه على الماء مباشرة‪ ،‬يعني إذا كانت العلة موجودة في الفرع مثل وجودها في األصل فنقيسها‬
‫على األصل دون الواسطة؛ ألن ذكر الواسطة تطويالً بال فائدة‪ ،‬فيستغنى عن ذلك بقياس الفرع‬
‫الثاني على األصل األول‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪320‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫وإ ن اختلفت ‪-‬إن اختلفت العلة‪ -‬يعني المفترض أن العلة في األصل ‪-‬األصل األصلي‪ -‬والمقيس‬
‫عليه واحدة‪ ،‬ثم جاءنا ثالث إن اتحدت علته مع الثاني‪ ،‬والثاني قد اتحدت علته مع األول‪ ،‬نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬نقيس الثالث على األول‪.‬‬
‫اآلن لو سئلت مثالً كيل كم تقديرك؟‬
‫قلت‪ :‬تقديري مثل زيد الذي تقديره مثل تقدير عمرو‪ ،‬الذي تخاطبه ال يعرف زيداً‪ ،‬هو يعرف‬
‫عمراً‪ ،‬فأنت تقول له‪ :‬تقديري مثل تقدير زيد الذي تقديره مثل تقدير عمرو‪ ،‬اآلن عرف‪ ،‬ليش‬
‫عرف؟ ألنه يعرف تقدير عمرو‪ ،‬وهو ما يعرف زيد وال تقديره‪ ،‬فعرف تقديرك لكن أنت طولت‬
‫بغير طائل‪ ،‬لماذا ال تقول تقديري مثل تقدير عمرو؟ ما هو بتطويل؟‬
‫طالب‪ :‬بلى‪.‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬هو صحيح أن تقديرك مثل تقدير زيد سبعين ثمانين تسعين في المائة‬
‫مثل تقدير زيد‪ ،‬وتقدير زيد مثل عمرو‪ ،‬فأنت ال تحتاج إلى ذكر الواسطة؛ ألن العلة موجودة في‬
‫األطراف الثالثة على حد سواء‪ ،‬فلسنا بحاجة إلى ذكر الواسطة‪ ،‬فنقيس الفرع الثاني على األصل‬
‫األول‪ ،‬وإ ن اختلفت لم ينعقد القياس الثاني؛ لعدم اشتراك األصل والفرع في علة الحكم‪ ،‬يعني لو‬
‫قدر أن الثاني ‪-‬المقيس الثاني‪ -‬على األصل األول تختلف العلة‪ ،‬نعم‪ ،‬تختلف العلة‪ ،‬إيه‪ ،‬إذن كيف‬
‫نقيس أصل على فرع مقيس على أصل تختلف فيه العلة؟‬
‫طالب‪ :‬يبطل‪.‬‬
‫ض ْير‪ :‬خالص يبطل القياس؛ ألنا اشترطنا أن وجود العلة في الفرع مثل‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫وجودها في األصل‪ ،‬لكن لو قال قائل ممن أجاز مثل هذا النوع نعم‪ ،‬وقال‪ :‬إن الفرع األول يتفق‬
‫مع األصل في العلة بنسبة ثمانين في المائة‪ ،‬والفرع الثاني يتفق مع الفرع األول في العلة بنسبة‬
‫ثمانين بالمائة‪ ،‬إذن الفرع الثاني يتفق مع األصل بنسبة كم؟‬
‫يعني هل المفترض أن تكون العلة موجودة في الفرع مطابقة مثل وجودها في األصل مائة بالمائة؟‬
‫نعم‪ ،‬ما يجد‪ ،‬فإذا كانت نسبة المطابقة بين األصل والفرع بنسبة ثمانين بالمائة‪ ،‬وغلب على الظن‬
‫تحقق هذه العلة نعم‪ ،‬استطعنا أن نقيس‪ ،‬جيد وإ ال ال؟‬
‫إذا كان الفرع الثاني بنسبة ثمانين بالمائة مع الفرع األول‪ ،‬إذن نسبة الفرع الثاني مع األصل بنسبة‬
‫ستين بالمائة‪ ،‬ستين بالمائة‪ ،‬وحينئذ لو دققنا في مثل هذه واعتبرناها وجدنا القول الثاني‪ ،‬ترى ما‬
‫هو بالغي تماماً‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪321‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫طالب‪ :‬العلة ما انتهت أصالً نهائياً؟‬


‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬العلة موجودة‪.‬‬
‫طالب‪ :‬ما اختلفت نهائياً‪.‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬ال‪ ،‬لكن اختلفت‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬ما في شك‪ ،‬نعم‪ ،‬لكن لو قيل لك ‪-‬مثالً‪ :-‬نحتاج‪ ،..‬لو قيل لشخص‬
‫من األشخاص من أهل الخبرة والرأي والدراية‪ :‬نحتاج إلى شخص يشغل هذا المنصب ومواصفاته‬
‫كذا وكذا وكذا‪ ،‬أو شخص كان يشغل منصب وتوفي‪ ،‬هذا الشخص فقيد نريد مثله تماماً لشغل هذا‬
‫المنصب‪ ،‬نعم‪ ،‬جيد‪ ،‬فوجدنا شخصاً تتوافر فيه من الصفات في الشخص السابق بنسبة ثمانين‬
‫ابتداء وجدنا ستين بالمائة ما قبلناه‪ ،‬نقول‪ :‬قبلنا هذا ثمانين بالمائة‬
‫ً‬ ‫بالمائة جيد مقبول‪ ،‬لكن لو‬
‫يمشي‪ ،‬فتوفي الثاني فوجدنا شخص بنسبة ثمانين بالمائة‪ ،‬لكن لو نسبنا الثاني إلى األصل الذي‬
‫توفي األول‪ ،‬يعني ما يصح‪ ،‬ما يصح يجي بعده‪ ،‬نعم‪ ،‬األمور يسهل بعضها بعض‪ ،‬وهذا يا إخوان‬
‫مثال تقريبي‪.‬‬
‫تفضل‪ ،‬يا‪ ،..‬جزاك اهلل خيراً‪.....‬‬

‫‪‬‬

‫الدرس التّاسع عشر‬


‫ّ‬

‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‪ ،‬سبق الكالم على شروط األصل‪ ،‬ذكر منها الشوكاني اثني عشر شرطاً‪ ،‬شرحنا منها‬
‫بعض ما يناسب شرحه‪ ،‬بقيت منها بقية‪ ،‬والمؤلف كما ترون يقول‪:‬‬
‫« من شرط األصل أن يكون ثابتاً بدليل متفق عليه بين الخصمين‪ ،‬ثابتاً بدليل متفق عليه بين‬
‫الخصمين » ‪ :‬فلو ثبت األصل بدليل يثبته أحد دون أحد ‪-‬يعني من أهل العلم‪ -‬فعلى سيبل المثال‬
‫لو قلنا‪ :‬إن األصل‪ ،‬أو المسألة المنصوص عليها الكفارة في وطء الحائض‪ ،‬دينار أو نصفه كفارة‪،‬‬
‫فجاء شخص فقاس على وطء الحائض مثالً وطء النفساء ‪-‬مثالً على سبيل المثال‪ -‬وقال‪ :‬يجيب‬
‫في الوطء وطء النفساء كفارة دينار أو نصفه‪ ،‬وأراد أن يقرر المسألة على غيره‪ ،‬حنبلي يقول بهذا‪،‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪322‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫فيقول لشافعي –مثالً‪ -‬أو غيره من المذاهب األخرى‪ :‬وطء النفساء فيه الكفارة دينار أو نصفه‪،‬‬
‫قياساً على وطء الحائض‪ ،‬يقول له صاحب المذهب الثاني‪ :‬أنا ال أوافقك على صحة الدليل الذي‬
‫اعتمدت عليه‪ ،‬الذي أثبت به األصل –الدليل‪ -‬ال أوافقك على صحته وعلى ثبوته‪ ،‬فال بد أن يكون‬
‫دليل األصل ثابتاً متفقاً عليه بين الخصمين‪.‬‬
‫أهل العلم يسمون المتناظرين خصوم خصوم‪ ،‬قال صاحب المذهب كذا‪ ،‬وقال الخصوم كذا‪ ،‬وأنتم‬
‫ترون في‪ ،..‬على سبيل المثال في نصب الراية ‪-‬وهو كتاب حديث‪ -‬تخريج أحاديث الهادية‪ ،‬من‬
‫أدلة الخصوم‪ ،‬من أحاديث الخصوم‪ ،‬خصوم صارت قضايا المسائل العلمية‪ ،‬ما ظهر مثل هذا إال‬
‫لما تعصب الناس آلرائهم‪ ،‬لما تعصب الناس بآرائهم ومذاهبهم صارت المناظرات بين الخصوم‪،‬‬
‫وإ ال قبل ذلك اإلمام الشافعي ماذا يهمه؟ يهمه ظهور الحق‪ ،‬يقول‪ :‬ولو كان على لسان الخصم‪،‬‬
‫يهمنا ظهور الحق‪ ،‬فتسمية المناظر أو تسمية صاحب المذهب اآلخر المراد إقناعه وإ يصال الحجة‬
‫إليه خصم‪ ،‬هذا فيه تجوز‪ ،‬ولهذا يقول‪ « :‬ومن شرط األصل أن يكون ثابتاً بدليل متفق عليه بين‬
‫الخصمين » ‪ :‬وعرفنا مثاله‪ ،‬فإذا قلت‪ :‬في وطء النفساء كفارة دينار أو نصفه‪ ،‬قياساً على الحائض‬
‫الذي فيه النصف‪ ،‬يقول لك‪ :‬أصل النص الذي اعتمدت عليه في تقرير األصل ال أوافقك عليه‪،‬‬
‫ظاهر وإ ال ما هو بظاهر؟ هذا ظاهر‪.‬‬
‫طيب بقية الشروط التي أشار إليها الشوكاني‪ ،‬شرحنا خمسة وإ ال ستة؟ ال أكثر سبعة‪ ،‬هذا سبعة‪،‬‬
‫طيب‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬خمسة؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬أال يكون األصل المقيس عليه فرعاً ألصل آخر‪ ،‬هذا انتهى‪ ،‬طيب‪،‬‬
‫فرعاً ألصل آخر‪ ،‬أال يكون األصل المقيس عليه فرعاً ألصل آخر‪.‬‬
‫في مسألتنا التي قررناها ‪-‬وإ ن كان عاد الكالم عليها ذهب‪ -‬يعني وطء النفساء قياساً على أصل‬
‫وهو وطء الحائض فيه كفارة دينار أو نصفه عند من يثبته‪ ،‬يأتي بمسألة هي فرع عن وطء النفساء‬
‫مثل أيش؟‬
‫لو قال قائل‪ :‬إنه في وطء المستحاضة كفارة دينار أو نصفه‪ ،‬قياساً على النفساء‪ ،‬والنفساء قياساً‬
‫على الحائض‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪323‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫أال يكون األصل المقيس عليه فرع ألصل آخر‪ ،‬نعم‪ ،‬لماذا؟ ألن كانت العلة في الفرع األول مثل‬
‫العلة في الفرع الثاني‪ ،‬وهي علة األصل يشترك الثالثة في العلة‪ ،‬فال داعي ذكر الفرع األول؛‬
‫تطويل‪ ،‬الفرع الثاني الحكم باألصل‪ ،‬صحيح وإ ال ال‪ ،‬ال داعي لذكر الفرع األول؛ ألنه تطويل‪،‬‬
‫وهذا أشرنا إليه سابقاً‪.‬‬
‫السادس من الشروط التي ذكرها الشوكاني‪ :‬أال يكون دليل حكم األصل شامالً لحكم الفرع‪ ،‬أما لو‬
‫كان شامالً له خرج عن كونه فرعاً‪ ،‬وكان القياس ضائعاً لخلوه عن الفائدة باالستغناء عنه بدليل‬
‫األصل‪ ،‬وألنه ال يكون جعل أحدهما أصالً واآلخر فرعاً أولى من العكس‪ ،‬يعني إذا تناولت العلة‬
‫بعمومها أكثر من صورة‪ ،‬نعم‪ ،‬تناولت العلة بعمومها أكثر من صورة مثل علة اإلسكار‪ ،‬هذه علة‬
‫تتناول أكثر من صورة‪ ،‬الخمر مسكر‪ ،‬نعم‪ ،‬نقول أيضاً‪ :‬الكالونية مسكر‪ ،‬المخدرات مسكر‪،‬‬
‫الحشيش مسكر‪ ،‬جيد وإ ال ال؟‬
‫ما نقول‪ :‬الحشيش مقيس على الخمر‪ ،‬الكالونية يقاس على‪ ،..‬لون من األطياب فيه كحول وفيه‬
‫أشياء تسكر‪ ،‬نعم‪ ،‬ما نقول هي مقيسة على الخمر لماذا؟ ألن عموم العلة يشمل كل هذه الذي هو‬
‫اإلسكار‪ ،‬فال داعي للقياس في هذه الصورة‪ ،‬إنما شمول العلة‪.‬‬
‫إذن كيف نقول بتحقق العلة في الفرع كتحققها في األصل‪ ،‬يكون األصل منصوص عليه‪ ،‬إذا كان‬
‫األصل منصوص عليه‪ ،‬نعم‪ ،‬إذا كان األصل مسمى في النص‪ ،‬وما عداه غير منصوص عليه‪،‬‬
‫وبحثنا عن العلة فوجدناها منطبقة‪ ،‬تروا هذه من الشروط الغير المتفق عليها‪ ،‬نعم‪ ،‬يعني وأيش‬
‫الفرق بين قياس الحشيش على الخمر بجامع علة اإلسكار‪ ،‬الذي قلنا‪ :‬إن العلة تتناول األصل‬
‫مباشرة‪ ،‬وبين قياس ماذا نقيس في باب الربا مثالً؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬نعم‪ ،‬األرز على البر‪ ،‬بالجامع‪ ،‬لماذا ال نقول‪ :‬إن العلة تناولته‪ ،‬العلة‬
‫تناولته‪ ،‬لماذا؟ لماذا ال نقول‪ :‬القوت واالدخار تناولت الرز مثل ما تناولت البر‪ ،‬مثل ما قلنا في علة‬
‫اإلسكار؟ نعم‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬كيف؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪324‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫ض ْير‪ :‬هو منصوص على البر‪ ،‬والخمر منصوص عليه‪ ،‬لكنه منصوص‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫عليه مع علته فالعلة منصوصة‪ ،‬وبعمومها وشمولها للفروع كلها تدخل ‪-‬تدخل الفروع‪ -‬هذا وجه‬
‫الفرق‪ ،‬وإ ن كان بعضهم ال يلتفت إلى مثل هذا‪.‬‬
‫أن يكون الحكم في األصل متفقاً عليه؛ ألنه لو كان مختلفاً عليه التجه إلى ثبوته أوالً‪ :‬وهذا شرح‪،‬‬
‫نعم‪.‬‬
‫جوز جماعة القياس على األصل المختلف فيه؛ ألن القياس في نفسه ال يشترط االتفاق عليه في‬
‫جواز التمسك به‪ ،‬فسقوط ذلك في ركن من أركانه أولى‪ ،‬يعني مثل ما نظَّرنا باألسبوع الماضي‬
‫بقياس الحجر الذي رمي به في الجمرة على األيش؟ الماء المستعمل‪ ،‬بجامع االستعمال في كل‪،..‬‬
‫هذا ال يتفق عليه الخصمان‪ ،‬فينفي حكم األصل الخصم‪ ،‬فضالً عن الفرع‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬إذا استدل حنبلي أو شافعي وقال‪ :‬إنه الحجر الذي سبق الرمي به‪ ،‬نعم‪ ،‬ال يجوز أن يرمى به‬
‫ثانية؛ ألنه مستعمل في عبادة‪ ،‬كالماء الذي استعمل في الطهارة ال يستعمل ثانية؛ ألنه استعمل في‬
‫عبادة‪ ،‬يقول المالكي‪ :‬أنا ال أوافقك على حكم األصل‪ ،‬أنا ال أوافقك على حكم األصل‪ ،‬الشرط الذي‬
‫قبل الماضي‪ ،‬هذا في دليل األصل‪ ،‬ال بد أن يكون متفقاً عليه‪ ،‬وهنا األصل نفسه‪ ،‬حكم األصل البد‬
‫أن يكون متفقاً عليه بين الخصمين‪.‬‬
‫هنا يقول الثامن‪ :‬أال يكون حكم األصل ذا قياس مركب‪ ،‬وذلك إذا اتفق على إثبات الحكم في‬
‫األصل لكنه معلل ألحدهما بعلة‪ ،‬إلى آخر كالمه‪ ،‬كالم‪ ،..‬وطول فيه األصوليون والجدليون‪ ،‬كالم‬
‫على هذا الشرط بما ال طائل تحته‪.‬‬
‫التاسع‪ :‬أال نكون متعبدين في ذلك الحكم بالقطع‪ ،‬فإن تعبدنا فيه بالقطع لم يجز فيه القياس؛ ألنه ال‬
‫يفيد إال الظن‪ ،‬وقد ضعف ابن األنباري القول بالمنع‪ ،‬بل ما تعبدنا فيه بالعلم جاز أن يثبت بالقياس‬
‫الذي يفيده‪ ،‬أيش معنى هذا الكالم؟ أال نكون متعبدين في ذلك الحكم بالقطع‪ ،‬فإن تعبدنا فيه بالقطع‬
‫لم يجز فيه القياس؛ ألنه ال يفيد إال الظن؟‬
‫هل يشترط أن يكون ثبوت الحكم في األصل أو في الفرع بدرجة مساوية لثبوت الحكم في‪ ،..‬يعني‬
‫ال بد أن يستوي في الحكم‪ ،‬يعني في داللة النص أو في‪ ،..‬أقول‪ :‬هل يشترط أن يتساوى الفرع مع‬
‫األصل في قوة الحكم؟ نعم؟ ال يشترط‪ ،‬بل معروف أن في الفرع حكمه أضعف من حكم األصل‬
‫وسواء كان هذا النص قطعياً أو ظنياً‪.‬‬
‫ً‬ ‫كما هو معروف؛ ألن األصل ثبت بالدليل –النص‪-‬‬
‫ما ثبت بالدليل القطعي عندهم كأنه يشم منه أنه ال يقاس عليه؛ ألن القياس ال يفيد إال الظن‪ ،‬وال بد‬
‫أن يتساوى الفرع مع األصل في الحكم‪ ،‬وليس كذلك‪ ،‬ولذا ضعف ابن األنباري القول بالمنع‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪325‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫العاشر‪ :‬أال يكون معدوالً به عن قاعدة القياس‪ ،‬يعني ال يأتي على خالف األصل‪ ،‬األصل ال يأتي‬
‫على خالف األصل‪ ،‬وإ ن كان كل حكم دل عليه نص فهو أصل‪.‬‬
‫لكن شهادة خزيمة مثالً‪ ،‬شهادة خزيمة الذي شهد للنبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬بثبوت البيع وهو‬
‫لم يحضر‪ ،‬وقال‪ :‬إنه يصدقه في المغيبات ‪-‬بخبر السماء‪ -‬أفال يصدقه ببيع بعير وإ ال شبهه‪ ،‬فجعل‬
‫النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬شهادته بشهادة اثنين‪ ،‬نعم‪.‬‬
‫يد ْي ِن من ِّر َج ِال ُك ْم ﴾ [ سورة البقرة‪،‬‬
‫ش ِه َ‬
‫ش ِه ُدواْ َ‬
‫استَ ْ‬
‫هذا الحكم جاء على خالف األصل‪ ،‬األصل‪ْ ﴿ :‬‬
‫اآلية ‪ ،] 282 :‬قد يقول قائل‪ :‬هذا الشخص‪ ،‬هذا العلم األشم هذا عن عشرة ما هو بعن اثنين‪ ،‬إمام‬
‫حافظ ضابط ورع تقي‪ ،‬ما هو بأقل منزلة من خزيمة‪.‬‬
‫نقول‪ :‬يا أخي أبو بكر ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬هل يقاس على خزيمة وهو أفضل منه وأجل‪ ،‬هل يجوز‬
‫أن نستعمل في هذا قياس األولى‪ ،‬إذا ثبت في خزيمة وهو من سائر الصحابة‪ ،‬نقول‪ :‬ال بد أن يثبت‬
‫هذا الحكم في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وكبار الصحابة؟ أو نقول‪ :‬هذا خاص به فال يقاس‬
‫عليه غير؟ ظاهر وإ ال ما هو بظاهر؟ طيب‪.‬‬
‫الشرط الذي يليه‪ :‬أال يكون حكم األصل مغلظاً‪ :‬وهذه المسألة بعد فيها خالف ال يكون حكم األصل‬
‫جاء على سبيل التغليظ على فاعل هذا‪ ،‬يعني شخص فعل منكراً‪ ،‬واحتف بهذا المنكر ما يقتضي‬
‫تغليظ العقوبة عليه‪ ،‬ما يقتضي تغليظ العقوبة عليه‪ ،‬فجاء الحكم فيه شديد؛ ألنه قارن ارتكابه لهذا‬
‫المنكر ما يقتضي تغليظ الحكم عليه‪ ،‬فهل نقول‪ :‬إن كل من اقترف هذا المنكر مهما كان وضعه‬
‫يحكم عليه بذلك الحكم؟ من يذكر مثاالً؟ نعم؟‬
‫العرنيين‪ ،‬غلظ عليهم الحكم‪ ،‬قتلوا الراعي‪ ،‬وارتدوا عن اإلسالم‪ ،‬وسملوا عين الراعي‪ ،‬ومثلوا به‪،‬‬
‫ففعل بهم مثل ما فعلوا به مماثلة‪ ،‬هل يكفي أن نقول‪ :‬إن فالناً من الناس قتل فيفعل به مثل ما فعل‬
‫بالعرنيين؛ ألنهم قتلوا الراعي ففعل بهم هذا الفعل؟‬
‫نقول‪ :‬غلظت عليهم العقوبة؛ لما احتف بفعلهم من أفعال أخرى‪ ،‬لكن لو جد من فعل هذا الفعل قتل‬
‫وسمل وارتد وفعل وترك‪ ،‬نعم‪ ،‬يفعل به مثل ما فعل بهم‪.‬‬
‫يقول‪ :‬الثاني عشر أال يكون الحكم في الفرع ثابتاً قبل األصل؛ ألن الحكم المستفاد متأخر عن‬
‫المستفاد منه بالضرورة‪ ،‬فلو تقدم لزم اجتماع النقيضين أو الضدين وهو محال‪.‬‬
‫أال يكون الحكم في الفرع ثابتاً قبل األصل‪ ،‬ثابت بأيش؟ كيف يثبت حكم الفرع ‪-‬الحكم في الفرع‪-‬‬
‫قبل األصل‪ ،‬يمكن يثبت؟ ثبوته بأي شيء؟ يتصور؟ نعم‪ ،‬يتصور وإ ال ما يتصور؟ نعم؟ نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪326‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬يكون حكم األصل باالستصحاب الفرع باالستصحاب‪ ،‬ثم يأتي أصل‬
‫منصوص عليه يشارك ذلك في العلة‪ ،‬فنقيس ما ثبت باالستصحاب على ما ثبت بالنص‪ ،‬واضح‬
‫وإ ال ما هو بواضح؟‬
‫عندنا مسألة‪:‬‬
‫نفترض شيء من األعيان المنتفع بها قبل ورود الشرع‪ ،‬شيء ينتفع به وليس عندنا فيه دليل‪ ،‬ووجد‬
‫قبل أن ينص على نظيره في الحكم‪ ،‬نأتي إلى الضب‪ ،..‬السقنقور الذي مثلنا به سابقاً‪ ،‬مثلنا به‬
‫سابقاً‪ ،‬شخص بحث عن السقنقور ما وجد في النصوص ما يدل على منعه وال على إباحته‪ ،‬قال‪:‬‬
‫األصل أن الحرام ما حرمه اهلل‪ ،‬ومشى على هذا األصل‪ ،‬وقال‪ :‬نستصحب هذا األصل فالسقنقور‬
‫حالل‪ ،‬ثم نص على إباحة أكل الضب بعد ذلك والسقنقور مشبه للضب والعلة الجامعة واحدة‪ ،‬فهل‬
‫نقول‪ :‬إن ثبوت أكل السقنقور باالستصحاب ‪-‬بالبراءة األصلية‪ -‬أو نقول‪ :‬بالقياس على الضب؟‬
‫نقول‪ :‬إن هذا الفرع ثبت حكمه قبل ثبوت حكم األصل كيف ثبت؟‬
‫ثبت باالستصحاب ‪-‬بالبراءة األصلية‪ -‬ثم وجدنا ما يناسبه مما نص عليه بعد ذلك‪ ،‬هل نقول‪ :‬إن‬
‫ثبوت أكل السقنقور بالبراءة األصلية –باالستصحاب‪ -‬أو نقول بالقياس على الضب؟ نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬لماذا؟‬
‫طالب‪ :‬ألنها اتصفت‪.......‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬نعم؟‬
‫طالب‪..... :‬على األصل‪.‬‬
‫الشرط الثاني عشر‪ :‬أال يكون الحكم في الفرع ثابتاً قبل األصل؛ ألن الحكم المستفاد متأخر عن‬
‫المستفاد منه بالضرورة‪ ،‬فلو تقدم لزم اجتماع النقيضين أو الضدين وهو محال‪.‬‬
‫كيف يلزم اجتماع النقيضين؟‬
‫نعكس المسألة السابقة‪ ،‬جاء واحد وشاف سقنقور وقال‪ :‬الحرام ما حرمه اهلل‪ ،‬ثم نص على الوزق‬
‫وأنه فويسق‪ ،‬وقال‪ :‬هذا يشبه الفويسق‪ ،‬قال‪ :‬أنا عندي البراءة األصلية‪ ،‬نستعمل البراءة األصلية‪،‬‬
‫أو يستعمل القياس على الوزق‪.‬‬
‫طالب‪ :‬البراءة األصلية‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪327‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫ض ْير‪ :‬هو مشبه للوزق‪ ،‬يشبه وإ ال ما يشبه؟ يشبه الوزق‪ ،‬هذا كله من أجل‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫تقرير هذا الشرط‪ ،‬مع أن أثره الحقيقي ليس له أثر فعلي؛ ألنه مازال اإلشكال قائم يمكن أن يستعمل‬
‫فيه قياس الشبه‪.‬‬
‫البراءة األصلية قبل ورود الشرع‪ ،‬أما بعد ورود الشرع‪ ،‬يعني بعد وجود النص الذي يدل على‬
‫ذلك تصريحاً أو تلميحاً ارتفع حكم البراءة األصلية‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬هذا زيادة‪ ،‬هذا داعم للبراءة األصلية‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬إيه‪ ،‬لكن اآلن إذا أردنا أن نقيس السقنقور نقيسه على الوزق وإ ال على‬
‫الضب؟ نقول‪ :‬قياسه على الوزق ناقل له عن البراءة األصلية‪ ،‬وقياسه على الضب مبق له على‬
‫البراءة األصلية‪ ،‬والناقل عن األصل أولى من المبقي له‪.‬‬
‫على كل حال المسألة تطول‪ ،‬يعني إذا بدنا نسترسل في مثل هذه األمور ما انتهينا‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬أيش لون؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‪ :‬على كل حال هذه اثنا عشر شرط‪ ،‬اشترطوا في الفرع أربعة شروط‪:‬‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫أحدها‪ :‬مساواة علته لعلة األصل‪ ،‬وهنا يقول‪ :‬من شرط الفرع‪ :‬أن يكون مناسباً لألصل ال منافراً‬
‫له‪ ،‬يعني تجد بينهما من التماثل والتقارب ما يجعل اإللحاق له وجه‪ ،‬أما لو كان هناك تنافر بين‬
‫الحكمين أو بين األمرين‪ ،‬الفرع واألصل‪ ،‬فإنه‪ ،..‬فإن الشرع ال يجمع بين المختلفات‪ ،‬كما أنه ال‬
‫يفرق بين المتماثالت‪ ،‬مساواة علته لعلة األصل‪ ،‬يعني وجود العلة في الفرع كوجودها في األصل‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬مساواة حكمه لحكم األصل‪ ،‬أيش معنى هذا؟ لو وجدنا شيئاً نص على تحريمه‪ ،‬وفيه علة‬
‫وجدنا شيئاً قد‪ ،..‬فيه شيء من هذه العلة‪ ،‬أقل من هذه العلة فيه‪ ،‬يعني شيء ضار‪ ،‬نعم‪ ،‬سم مثالً‬
‫قاتل‪ ،‬وحكم أكله التحريم؛ ألنه يقتل‪ ،‬جئنا مثالً لمشروب من المشروبات فيه ضرر ‪-‬ضرر يسير‪-‬‬
‫فقلنا‪ :‬نقيسه على السم وإ ن لم يشاركه في العلة‪ ،‬العلة في األصل أقوى منها في الفرع‪ ،‬ونعطيه في‬
‫الحكم أقل من حكم األصل نقول‪ :‬مكروه‪ ،‬يصلح وإ ال ما يصلح؟ لماذا؟‬
‫لالختالف في العلة وفي الحكم‪ ،‬فال يكون هذا من باب القياس‪ ،‬ما نقول‪ :‬نقيس شفنا أي شيء فيه‬
‫ضرر‪ ،‬ضرر يسير نعم‪ ،‬المشروبات الغازية مثالً فيها ضرر‪ ،‬لكنه ليس بكبير‪ ،‬نعم‪ ،‬فيها ضرر‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪328‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫لكنه نفترض أنه ليس بكبير‪ ،‬ال نذهب إلى أعالها التي فيها األمور األخرى‪ ،‬التي أثبتت التجربة أن‬
‫فيها مواد ضارة‪ ،‬أو مثالً نقول‪ :‬سفن مثالً وهو أخفها ضرراً‪ ،‬أو تيم‪ ،‬أو شيء من المشروبات التي‬
‫فيها حموضة‪ ،‬وال فيها ألوان‪ ،‬القهوة‪ ،‬أخف منه القهوة‪ ،‬تدري صاحب الغاية أيش يقول‪ ،‬صاحب‬
‫غاية المنتهى يقول‪ :‬ويتجه نحو دخان وقهوة" جاء هنا بالدخان‪ ،‬نعم‪ ،‬القهوة ال شك أن فيها ضرر‬
‫ال سيما على بعض الناس‪ ،‬هل نقول‪ :‬تمنع القهوة؛ ألننا منعنا السم؛ ألنه قاتل‪ ،‬والقتل ضرر‪،‬‬
‫والقهوة فيها ضرر يسير‪ ،‬والسم حرام‪ ،‬نعطيه أيضاً حكم أخف؛ ألن العلة أخف؟‬
‫هنا شرطين‪ ،‬نفقد شرطين الشرط األول‪ :‬أحدها مساواة علته لعلة األصل‪ ،‬والثاني‪ :‬مساواة حكمه‬
‫لحكم األصل‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أال يكون منصوصاً عليه‪ ،‬ال يكون الفرع منصوصاً عليه بدليل‪ ،‬لماذا؟ ألنه حينئذ ال نحتاج‬
‫إلى قياس‪ ،‬نعم‪ ،‬هل نحتاج إلى قياس؟ ال نحتاج إلى قياس‪ ،‬وبعض أهل العلم تجدون في بعض‬
‫الكتب‪ ،‬نعم‪ ،‬كذا حرام‪ ،‬لقوله ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬كذا‪ ،‬وقياساً على كذا‪ ،‬لست بحاجة إلى‬
‫قياس‪ ،‬لكن قد يستعمل مثل هذا إذا كان النص عليه فيه ما فيه‪ ،‬نعم‪ ،‬في دليله الذي يعتمد عليه الذي‬
‫نص عليه فيه‪ ،‬فيه ما فيه من الضعف‪ ،‬فيدعم بالقياس‪ ،‬وإ ال لو كان دليله صحيحاً وصريحاً ما‬
‫احتجنا إلى قياس؛ صار أصالً‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬أال يكون متقدماً على حكم األصل‪ ،‬أال يكون متقدماً على حكم األصل‪ ،‬وهو الشرط الثاني‬
‫عشر من شروط األصل‪.‬‬
‫نأتي إلى العلة‪ :‬والعلة علة‪ ،‬وذكروا لها أربعة وعشرين شرطاً‪ ،‬الشوكاني ذكر للعلة أربعة‬
‫وعشرين شرطاً‪ ،‬والمؤلف قال‪ « :‬ومن شرط العلة أن تطرد في معلوالتها‪ ،‬فال تنتقض لفظاً وال‬
‫معنى » ‪ :‬تكون مطردة بحيث أن كل ما وجدت وجد الحكم لتسلم من النقض‪ ،‬تكون مطردة‪ ،‬أيش‬ ‫ً‬
‫معنى هذا؟ أن تكون العلة مطردة؟ أن تطرد العلة في معلوالتها‪ ،‬فال تنتقض لفظاً وال معنى؟‬
‫ً‬
‫يعني إذا افترضنا علة لحكم يشركه فيها فروع كثيرة‪ ،‬لكن قد يأتي عليها النقض‪ ،‬يأتي عليها‬
‫النقض‪ ،‬يأتي من ينقض هذه العلة‪ ،‬كيف؟ أيش معنى يأتي عليها النقض؟ ما معنى ورود النقض‬
‫على العلة؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬يقول‪ :‬كأن يقال بالقتل بالمثقل أنه قتل عمد عدوان‪ ،‬فيجب به‬
‫القصاص كالقتل بالمحدد‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪329‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫القتل بالمثقل قتل عمد عدوان‪ ،‬فيجب به القصاص كالقتل بالمحدد‪ ،‬فينتقض ذلك بقتل الوالد ولده؛‬
‫فإنه ال يجب به قصاص‪ ،‬أيش معنى هذا؟‬
‫يريد أن يطرد العلة‪ ،‬كل قتل بالمثقل يوجب القصاص؛ ألنه عمد عدوان والمثقل قاتل‪ ،‬فلو افترضنا‬
‫أن زيداً من الناس قتل عمرو بالمثقل عدوان متعمد ُيقتل‪ ،‬أو قتله بمحدد ‪-‬بسيف أو بسكين‪ -‬يقتل‪،‬‬
‫فهل نقول‪ :‬إن كل قتل بالمحدد أو بالمثقل يوجب القصاص؟ نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫حر عبداً‪ ،‬أو‬
‫الولد‪ ،‬أو مع عدم التكافؤ‪ ،‬قتل ٌّ‬
‫الوالد َ‬
‫ُ‬ ‫ض ْير‪ :‬إيه‪ ،‬ينتقض إذا قتل‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫مسلم كافراً بمثقل أو بمحدد‪ ،‬حينئذ تنتقض العلة‪.‬‬ ‫قتل ٌ‬
‫الظاهر أن الدرس ما هو مسوي شيء مع شروط العلة‪ ،‬أربعة وعشرين شرط‪ ،‬نحيلكم على‬
‫الشوكاني وإ ال‪ ،..‬نعم؟‬
‫طالب‪......:‬‬
‫ض ْير‪ :‬من الشروط التي ذكرها الشوكاني‪:‬‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫األول‪ :‬أن تكون –يعني العلة‪ -‬مؤثرة في الحكم‪ ،‬فإن لم تؤثر فيه لم يجز أن تكون علة‪ ،‬إن لم تكن‬
‫مؤثرة‪ ،‬األصل في العلة أنها وصف مناسب‪ ،‬وصف يتصف به من جاء الحكم بصدده‪.‬‬
‫لو افترضنا –مثالً‪ -‬الذي جامع في نهار رمضان ووجبت عليه كفارة ظهار‪ ،‬نعم‪ ،‬هناك أوصاف‬
‫كثيرة لهذا الرجل‪ ،‬نعم‪ ،‬هناك أوصاف كثيرة لهذا الرجل‪ ،‬نفترض أن هذا الرجل طويل القامة‪،‬‬
‫أمي ‪-‬ال يقرأ وال يكتب‪ -‬زيدوا‪ ،‬نعم؟‬
‫لونه أسود‪ ،‬نعم‪ ،‬عريض‪ ،‬نعم‪ِّ ،‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬نفترض أن هذه األوصاف مجتمعة في هذا الرجل‪ ،‬فهل مثل هذه‬
‫األوصاف مؤثرة في الحكم؟ نعم؟‬
‫غير مؤثرة؛ ألنه عرفنا من قاعدة الشرع أنه ال يلتفت إلى هذه األمور‪ ،‬ال يفرق بين األسود‬
‫واألبيض‪ ،‬ال يفرق بين الطويل والقصير‪ ،‬ال يفرق بين العريض والنحيف‪ ،‬الشرع ال يفرق بين هذه‬
‫األمور‪ ،‬مش كلما شفنا شخصاً أسود جامع في نهار رمضان قلنا‪ :‬تعال‪ ،‬عليك كفارة ظهار‪ ،‬أو‬
‫حتى في غير نهار رمضان‪ ،‬في ليل رمضان مثالً جامع؛ ألنه أسود مثل الذي جامع في النهار‬
‫وألزمه النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬الكفارة؟! نقول‪ :‬هذه علة غير مؤثرة‪ ،‬فال تكون مناسبة‪،‬‬
‫واضح وإ ال ما هو بواضح؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪330‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫أن يكون وصفاً ضابطاً‪ ،‬بأن يكون تأثيرها لحكمة مقصودة للشارع‪ ،‬ال حكمة مجردة لخفائها‪ ،‬فال‬
‫يظهر إلحاق غيرها بها‪ ،‬أن تكون ظاهرة جلية‪ ،‬وإ ال لم يمكن إثبات الحكم بها بالفرع‪ ،‬على تقدير‬
‫أن تكون أخفى منه أو مساوية له في الخفاء‪.‬‬
‫أن تكون سالمة بحيث ال يردها نص وال إجماع‪ ،‬تكون العلة سالمة ال يردها نص وال إجماع‪.‬‬
‫أال يعارضها من العلل ما هو أقوى منها‪ ،‬أال يعارضها من العلل ما هو أقوى منها‪ ،‬ولذا في تنقيح‬
‫المناط نجمع أكبر قدر من العلل المناسبة لهذا الحكم‪ ،‬نعم‪ ،‬ثم بعد ذلك ننقح‪ ،‬العلل المفضولة؛ ألن‬
‫هناك قوية وعلل ضعيفة‪ ،‬وعلل مناسبة‪ ،‬وعلل غير مناسبة‪ ،‬فإذا تحقق وتقرر لنا أن هذه هي العلة‬
‫المناسبة لهذا الحكم‪ ،‬لم نلتفت إلى غيرها مما هو أضعف منها‪ ،‬أو مما هو غير مناسب للحكم‪.‬‬
‫أن تكون مطردة‪ ،‬الذي شرحناها‪.‬‬
‫السابع‪ :‬أال تكون عدماً في الحكم الثبوتي‪ :‬أي ال يعلل الحكم الوجودي بالوصف العدمي‪ ،‬قاله‬
‫جماعة‪ ،‬وذهب األكثرون إلى جوازه‪.‬‬
‫الثامن‪ :‬أال تكون العلة المتعدية هي المحل أو جزء منه؛ ألن ذلك يمنع من تعديها‪.‬‬
‫التاسع‪ :‬أن ينتفي الحكم بانتفاء العلة‪ ،‬والمراد انتفاء العلم أو الظن به؛ إذ ال يلزم من عدم الدليل عدم‬
‫المدلول‪ ،‬أن ينتفي الحكم بانتفاء العلة‪ ،‬وهذا إذا كانت العلة منصوصة‪.‬‬
‫العاشر‪ :‬أن تكون أوصافها مسلمة أو مدلوالً عليها‪.‬‬
‫الحادي عشر‪ :‬أن يكون األصل المقيس عليه معلالً بالعلة التي يعلق عليها الحكم بالفرع بنص أو‬
‫إجماع‪.‬‬
‫الثاني عشر‪ :‬أال تكون موجبة للفرع حكماً‪ ،‬ولألصل حكماً غيره‪.‬‬
‫الثالث عشر‪ :‬أال توجب ضدين؛ ألنها حينئذ تكون شاهدة لحكمين متضادين‪.‬‬
‫الرابع عشر‪ :‬أال يتأخر ثبوتها عن ثبوت حكم األصل‪ ،‬خالفاً لقوم‪ ،‬يعني ما تستنبط العلة بعد‬
‫استقرار الحكم األصلي‪ ،‬أال يتأخر ثبوتها أيش معنى ثبوتها؟ يعني تحققها في المحكوم عليه‪ ،‬أما‬
‫كونها تخفى في أول األمر‪ ،‬ثم تستنبط فيما بعد هذا فيه ما يمنع وإ ال ما فيه؟ استنباط العلل توقيفي‬
‫وإ ال اجتهادي؟ اجتهادي‪ ،‬إذن للمتأخر أن يستنبط‪ ،‬نعم‪ ،‬للمتأخر أن يستنبط‪.‬‬
‫الخامس عشر‪ :‬أن يكون الوصف معيناً؛ ألن رد الفرع إليه ال يصح إال بهذه الواسطة‪.‬‬
‫السادس عشر‪ :‬أن يكون طريق إثباتها شرعياً كالحكم‪.‬‬
‫السابع عشر‪ :‬أال يكون وصفاً مقدراً‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪331‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫الثامن عشر‪ :‬أن تكون مستنبطة‪ ،‬فالشرط أال ترجع على األصل بإبطاله أو إبطال بعضه؛ لئال‬
‫يفضي أال ترجع على األصل باإلبطال‪ ،‬أو إبطال بعضه؛ لئال يفضي إلى ترك الراجح إلى‬
‫المرجوح؛ إذ الظن المستفاد من النص أقوى من الظن المستفاد من االستنباط؛ ألنه فرع له‪ ،‬والفرع‬
‫ال يرجع على إبطال أصله‪ ،‬وإ ال لزم أن يرجع إلى نفسه باإلبطال‪.‬‬
‫الهرة علة الطهارة فيه‪ ،‬نعم‪،‬ا أنها من الطوافين‪ ،‬فسؤرها طاهر‪ ،‬لو قال شخص‪ :‬الهرة سؤرها‬
‫طاهر لماذا؟ ألنها تشبه الجدي‪ ،‬وإ ال الجفرة‪ ،‬واضح وإ ال ما هو بواضح؟‬
‫هذه العلة كونها مشبهة في الحجم إلى شيء مباح‪ ،‬هذه الشبه يصلح أن يكون علة وإ ال ما يصلح أن‬
‫يكون علة؟ أهل العلم ما قالوا‪ :‬وسؤر الهرة وما دونها في الخلقة طاهر‪ ،‬نظراً إلى الحجم‪ ،‬نعم؟ لو‬
‫قال‪ :‬الهرة طاهرة؛ ألنها تشبه الجدي الصغير في الحجم‪ ،‬نعم؟‬
‫طالب‪ :‬هي أصل بنفسها أصالً‪.‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬دعنا من كونها أصالً‪ ،‬وكون علتها منصوصة‪ ،‬لو قال شخص‪ :‬أنا‬
‫عندي أن الهرة طاهرة‪ ،‬أو النص دل على طهارة سؤر الهرة‪ ،‬والعلة أستنبطها؛ ألنها تشبه‪..‬؛ ألنه‬
‫ما وقف على قوله ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ « :-‬إنها من الطوافين »‪ ،‬وإ ال من يقف ما هو معلل‬
‫بعلة أخرى‪ ،‬لكن هذا ما وقف‪ ،‬عرف أن النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬توضأ بسؤرها وأبو قتادة‬
‫توضأ‪ ،‬وأن‪ ،..‬فقال‪ :‬طاهرة‪ ،‬لماذا؟ فاستنبط علة‪ ،‬علة؛ ألنها تشبه الجدي في حجمه‪ ،‬أو تشبه‬
‫الجفرة في حجمها‪ ،‬هذا يعود إلى األصل باإلبطال؛ ألنه يأتينا من يقول‪ :‬إنها تشبه‪ ،..‬هاتوا لنا شيئاً‬
‫محرماً أو نجساً‪ ،‬ما بس في حجمه‪ ،‬صغير‪ ،‬يجي بكبر‪ ،..‬إيه ال‪ ،‬تشبه جرو الكلب؛ ألنها تشبه‬
‫جرو الكلب‪ ،‬فعادت على األصل باإلبطال‪ ،‬إذن هذه العلة ال تصلح ألن تكون علة؛ ألنها عادت‬
‫على األصل باإلبطال‪ ،‬نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬إيه‪ ،‬لكن أبطلت األصل؛ ألنه لما الرسول توضأ بسؤرها‪ ،‬أبو قتادة‬
‫توضأ بسؤرها‪ ،‬هذا دليل على أيش؟ الطهارة‪ ،‬احنا نستنبط لماذا صارت طاهرة؟ كأننا ما وقفنا‬
‫على العلة المنصوصة‪ ،‬أنها من الطوافين‪ ،‬ما هي بعلة الطوافة‪ ،‬نستنبط علة‪ ،‬شخص ما وقف على‬
‫العلة الحقيقية المنصوصة‪ ،‬فقال‪ :‬ألنها تشبه الجدي‪ ،‬والجدي طاهر‪ ،‬تشبه الجفرة‪ ،‬والجفرة‬
‫طاهرة‪ ،‬يأتي من يقول‪ :‬ال يا أخي هي تشبه جرو الكلب‪ ،‬إذن هي نجسة‪ ،‬فعاد على األصل‬
‫باإلبطال‪ ،‬فعاد على األصل باإلبطال‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪332‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬إيه‪ ،‬بس ما تعود عليه باإلبطال مثل هذه‪ ،‬ما تعود عليه باإلبطال‪ ،‬وإ ال‬
‫هم قالوا –بعض أهل العلم قالوا‪ :-‬إن الهرة وما دونها في الخلقة طاهرة‪ ،‬فنظروا إلى مسألة‬
‫الحجم‪ ،‬والحجم ال مانع منه إذا لم يعد على األصل باإلبطال‪.‬‬
‫التاسع عشر‪ :‬إن كانت مستنبطة في الشرط‪ ،‬وأال تعارض بمعارض مناف لموجود باألصل‪.‬‬
‫العشرون‪ :‬إن كانت مستنبطة أال تتضمن زيادة على النص‪ ،‬أي حكماً غير ما أثبته النص‪.‬‬
‫الحادي والعشرون‪ :‬أال تكون معارضة لعلة أخرى تقتضي نقيض حكمها‪.‬‬
‫الثاني والعشرون‪ :‬إذا كان األصل فيه شرطاً فال يجوز أن تكون العلة موجبة إلزالة ذلك الشرط؛‬
‫ألنها عادت على بعض المعلول باإلبطال‪.‬‬
‫الثالث والعشرون‪ :‬أال يكون الدليل الدال عليها متناوالً لحكم الفرع ال بعمومه وال بخصوصه؛‬
‫لالستغناء حينئذ عن القياس‪.‬‬
‫مثل ما قلنا‪ :‬أال يكون الفرع منصوصاً عليه‪ ،‬أو ال تتناوله العلة بعمومها‪ ،‬أال تتناوله العلة بمعومها‪.‬‬
‫الرابع والعشرون‪ :‬أال تكون مؤيدة لقياس أصل منصوص عليه باإلثبات‪ ،‬على أصل منصوص‬
‫عليه بالنفي‪ ،‬ومن شرط الحكم هنا‪ ،‬ومن شرط الحكم أن يكون مثل العلة في النفي واإلثبات‪ ،‬شرط‬
‫الحكم أن يكون مثل العلة في النفي واإلثبات‪ ،‬أي في الوجود والعدم‪ ،‬فإن وجدت العلة وجد الحكم‪،‬‬
‫وإ ن انتفت انتفى‪ ،‬وهذا إذا كان الحكم معلالً بعلة واحدة‪ ،‬كتحريم الخمر‪ ،‬فإنه معلل باإلسكار‪ ،‬فمتى‬
‫وجد اإلسكار وجد الحكم‪ ،‬ومتى انتفى انتفى‪.‬‬
‫وأما إذا كان الحكم معلالً بعلل فإنه ال يلزم منه انتفاء علة معينة‪ ،‬منها انتفاء الحكم‪ ،‬كالقتل فإنه‬
‫يجب بالردة والزنا بعد اإلحصان‪ ،‬وقتل النفس المعصومة المماثلة‪ ،‬وترك الصالة غير وذلك‪ ،‬أيش‬
‫معنى هذا؟‬
‫وأما إذا كان الحكم معلالً بعلل فإنه ال يلزم من انتفاء علة معينة منها انتفاء الحكم‪ ،‬معلل بعلل‪،‬‬
‫شخص زنى بعد اإلحصان‪ ،‬وقتل نفس معصومة‪ ،‬نعم‪ ،‬فاستحق القتل‪ ،‬واضح وإ ال ال‪ ،‬زنى وقتل‪،‬‬
‫استحق القتل‪.‬‬
‫شخص زنى بعد اإلحصان فقط وال قتل‪ ،‬نفترض شخصين اشتركا في اغتصاب امرأة‪ ،‬وهما‬
‫محصنان‪ ،‬أحدهما قتلها‪ ،‬فحكم القاضي بقتلهما‪ ،‬طيب واحد منهما زنى وقتل‪ ،‬كيف الثاني يقتل مثله‬
‫وهو مجرد ِزنا؟‬
‫نقول‪ :‬هذه العلة‪ ،..‬المسألة واحد فيه أكثر من علة‪ ،‬وواحد فيه علة موجبة‪ ،‬تكفي هذه العلة‪ ،‬ولذا‬
‫يقول‪ :‬وأما إذا كان الحكم معلالً بعلل فإنه ال يلزم منه انتفاء علة معينة منها انتفاء الحكم‪ ،‬يعني ما‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪333‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫يقول لك زيد من الناس‪ :‬ليش قتلت ولدي وهو ما قتل‪ ،‬أنتم قتلتوا ولد فالن صحيح؛ ألنه قتل‪،‬‬
‫نقول‪ :‬قتلنا ولدك ليش؟ ألنه زنى وهو محصن‪.‬‬
‫كالقتل فإنه يجب بالردة والزنا بعد اإلحصان وقتل النفس المعصومة المماثلة وترك الصالة وغير‬
‫ذلك‪.‬‬
‫هناك القياس له مفسدات‪ ،‬له مفسدات‪ ،‬إذا كان القياس في مقابلة النص‪ ،‬قالوا عنه‪ :‬فاسد االعتبار‪،‬‬
‫لماذا؟ ألنه في مقابل النص‪ ،‬إذا كان القياس مخالفاً لإلجماع أيضاً فاسد االعتبار‪.‬‬
‫عدم ثبوت الوصف الجامع الذي يجمع بينهما فيقتضي اإللحاق‪ ،‬قصور العلة‪ ،‬النقض‪ ،‬وهو وجود‬
‫الوصف بدون الحكم‪ ،‬والنقض في سائر األدلة‪ ،‬يعني حتى في النصوص‪ ،‬العكس وهو وجود الحكم‬
‫بدون الوصف‪.‬‬
‫السابع‪ :‬القلب وهو إثبات نقيض الحكم بالعلة بعينها‪.‬‬
‫معنى مناسب للحكم يوجد في األصل‪ ،‬ويعدم في الفرع‪ ،‬أو يوجد في‬ ‫الثامن‪ :‬الفرق وهو إبداء‬
‫ً‬
‫الفرع ويعدم في األصل‪.‬‬
‫التاسع‪ :‬القول بالموجب‪ ،‬وهو يقدح بجميع األدلة بالقياس وغيره‪ ،‬ومعناه‪ :‬أن يسلم الخصم الدليل‬
‫الذي استدل به المستدل‪ ،‬إال أن يقول‪ :‬هذا الدليل ليس في محل النزاع‪ ،‬نعم‪ ،‬ليس في محل النزاع‪،‬‬
‫نعم‪ ،‬دليلك صحيح لكنه ليس في محل النزاع‪ ،‬دليلك مورده شيء آخر‪ ،‬وإ نما هو في غيره‪ ،‬فيبقى‬
‫الخالف بينهما‪.‬‬
‫العاشر‪ :‬نقص شرط من شروط القياس التي تقدم ذكرها‪.‬‬
‫تفضل‪.‬‬
‫بعد أن أنهى المؤلف ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬الكالم في الشروط قال‪ « :‬والعلة هي الجالبة » ‪:‬‬
‫والحكم هو المجلوب للعلة‪ ،‬العلة هي الجالبة‪ ،‬والحكم هو المجلوب للعلة‪.‬‬
‫الوصف المناسب لترتيب الحكم عليه كدفع حاجة الفقير‪ ،‬فإنه وصف مناسب دفع حاجة الفقير‪،‬‬
‫علة‪ ،‬وصف مناسب إليجاب الزكاة‪ ،‬والحكم هو المجلوب للعلة‪ ،‬أي هو األمر الذي نشأ عن وجود‬
‫ذلك الوصف المناسب‪ ،‬العلة وهي االدخار مع االقتيات‪ ،‬جلبت الحكم‪ ،‬وهو جريان الربا في األرز‪،‬‬
‫فالحكم مجلوب‪ ،‬جلب إلى الرز‪ ،‬والعلة التي تجمع بين الرز والبر هي الجالبة لذلك الحكم‪ ،‬وفي هذا‬
‫يقول الناظم ‪-‬رحمه اهلل‪:-‬‬

‫والشرط في القياس كون الفرع *** مناسباً ألصله في الجمع‬


‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪334‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫بأن يكون جامع األمرين *** مناسباً للحكم دون مين‬


‫وكون ذاك األصل ثابتاً بما *** يوافق الخصمين في رأييهما‬
‫وشرط كل علة أن تطرد *** في كل معلوالتها التي ترد‬
‫معنى فال *** قياس في ذات انتقاض مسجال‬ ‫لم ينتقض لفظاً وال‬
‫ً‬
‫والحكم من شروطه أن يتبعا *** علته نفياً وإ ثباتاً معا‬
‫فهي التي له حقيقاً تجلب *** وهو الذي لها كذاك يجلب‬

‫واهلل أعلم‪ ،‬وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫‪‬‬

‫الد َّْرس العشرون‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬والصالة والسالم على أشرف األنبياء والمرسلين‬
‫نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬أما بعد‪ :‬فقد قال المؤلف ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪:‬‬

‫وأما الحظر واإلباحة فمن الناس من يقول‪ :‬إن األشياء على الحظر‪ ،‬إال ما أباحته الشريعة‪ ،‬فإن‬
‫لم يوجد في الشريعة ما يدل على اإلباحة فيستمسك باألصل وهو الحظر‪ ،‬ومن الناس من يقو ُل‬
‫بضده‪ ،‬وهو أن األصل في األشياء اإلباحة إال ما حظره الشرع‪ ،‬ومعنى استصحاب الحال‪ :‬أن‬
‫يستصحب األصل عند عدم الدليل الشرعي‪.‬‬
‫وأما األدلة فيقدم الجلي منها على الخفي‪ ،‬والموجب للعلم على الموجب للظن‪ ،‬والنطق على‬
‫القياس‪ ،‬والقياس الجلي على الخفي‪ ،‬فإن وجد في النطق ما يغير األصل وإ ال فيستصحب الحال‪.‬‬

‫« َّ‬
‫الش ْـر ُح » ‪:‬‬
‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‪ ،‬أما بعد‪ :‬درس اليوم في مسألتين‪:‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪335‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫أوالهما‪ :‬األصل في األعيان المنتفع بها قبل ورود الشرع‪ ،‬األعيان المنتفع بها قبل ورود الشرع‪.‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬في تعارض األدلة‪ ،‬فيما إذا وجد اإلنسان عيناً يمكن أن ينتفع بها‪ ،‬ولم يجد فيها نصاً‬
‫بناء على أن األصل هو اإلباحة‪ ،‬حتى‬
‫يدل على إباحتها‪ ،‬وال نصاً يدل على منعها‪ ،‬فهل ينتفع بها؛ ً‬
‫بناء على أن األصل المنع‪ ،‬والحظر حتى يجد دليل اإلباحة‪.‬‬
‫يجد دليالً على المنع‪ ،‬أو يكف عنها ً‬
‫هذه مسألة خالفية بين أهل العلم‪ ،‬والخالف فيها طويل‪ ،‬من العلماء من يقول‪ :‬ال حالل إال ما أحله‬
‫اهلل‪ ،‬ومنهم من يقول‪ :‬ال حرام إال ما حرمه اهلل‪.‬‬
‫المؤلف ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬لما ذكر هذه المسألة‪ ،‬فقال‪ « :‬وأما الحظر واإلباحة فمن الناس من‬
‫يقول أن األشياء على الحظر إال ما أباحته الشريعة » ‪ :‬يعني ممنوع أن تتصرف في ملك الغير‬
‫ك له‪ ،‬فال يجوز أن تتصرف فيه إال بإذنه‪ ،‬فأنت ممنوع من‬
‫إال بإذنه‪ ،‬وما خلقه اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬مل ٌ‬
‫استعماله حتى تجد الدليل الذي يدل على إباحة استعماله‪ ،‬فإن لم يوجد في الشريعة ما يدل على‬
‫اإلباحة يتمسك باألصل وهو الحظر‪ ،‬هذا قول‪.‬‬
‫ومن الناس « ‪-‬وهذا القول الثاني‪ -‬من يقول بضده‪ ،‬وهو أن األصل في األشياء على اإلباحة إال‬
‫ما حظره الشرع » ‪ :‬فمن العلماء من يقول‪ :‬إن األشياء بعد البعثة موصوفة بالحظر كما كانت قبل‬
‫تصرف في ملك اهلل‬
‫البعثة محرمة‪ ،‬وذكرنا دليل هذا القول‪ ،‬وهو أن الفعل واالنتفاع بهذه األعيان ّ‬
‫‪-‬عز وجل‪ -‬بغير إذنه؛ إذ جميع ما على وجه األرض مما يمكن أن ينتفع به هو ملك هلل ‪-‬عز‬
‫وجل‪ ،-‬والتصرف في ملك الغير بغير إذنه ال يجوز‪ ،‬فممنوع أن تنتفع بشي من ملك غيرك إال‬
‫بإذنه‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬وهو أن األصل في األشياء على اإلباحة‪ ،‬يعني أنه مأذون فيها إذناً عاماً مع عدم‬
‫الحرج‪ ،‬ودليل ذلك أن اهلل تعالى خلق العبد‪ ،‬وخلق له ما ينتفع به‪ ،‬خلق العبد‪ ،‬يعني لو قلنا‪ :‬ال ينتفع‬
‫بشيء حتى يجد دليالً يدل على إباحته‪ ،‬ماذا عن حكم األشياء بعد البعثة مباشرة‪ ،‬وقبل صدور‬
‫األدلة التي تدل على إباحة هذه األعيان‪ ،‬يعني هل ينتظر الناس الذين تدينوا بهذا الدين‪ ،‬وتبعوا‬
‫النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬حتى يوجد ما يبيح لهم االنتفاع بهذه األعيان؟‬
‫اهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬لما خلقهم وخلق لهم ما ينتفعون به‪ ،‬دل ذلك على إباحته لهم‪ ،‬إذ لو لم َـُيَُح‬
‫لهم‪ ،‬لكان خلقه ‪-‬جل وعال‪ -‬إياها عبثاً‪ ،‬أي خالياً عن الحكمة‪ ،‬يعني لماذا خلقت هذه األشياء التي‬
‫يمكن أن ينتفع بها؟ لينتفع بها‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪336‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫ومن أهل العلم من قال بالتوقف‪ ،‬يعني األدلة متكافئة‪ ،‬أيش الفرق بين القول بالوقف والتوقف‪ ،‬وهل‬
‫المتوقف قائل؟ يعني من توقف في بيان حكم مسألة ما‪ ،‬هل يمكن أن يدرج قوله في أقوال أهل العلم‬
‫الذين لهم قول في هذه المسألة؟‬
‫نعم‪ ،‬هم يذكرون‪ :‬القول الثالث التوقف في كثير من المسائل‪ ،‬يذكرون األقوال المتقابلة‪ ،‬ويذكرون‬
‫أدلتها‪ ،‬وقيل بالوقف‪ ،‬سبق لنا مسألة اللغات ومبدأ اللغات ما كانت توقيفية أو كانت توقيفية أو‬
‫توفيقية‪ ،‬أو تلفيقية‪ ،‬ورابعها التوقف‪،‬رابع األقوال‪ ،‬وهنا ثالثها التوقف‪.‬‬
‫من األئمة من يقول‪ :‬إن األصل في األعيان الحضر‪ ،‬الملك هلل ‪-‬عز وجل‪ -‬ال يجوز أن ترتفع إال‬
‫بإذنه‪ ،‬وال ورد اإلذن‪ ،‬وهذا دليله ظاهر‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬دليله أيضاً ‪-‬وهو القول أن األصل في األشياء المنتفع بها اإلباحة‪ -‬دليله أيضاً‬
‫ظاهر‪ ،‬خلق هذه األمور‪ ،‬وذكرها على سبيل االمتنان من اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬وأن اهلل امتن بها‪،‬‬
‫ض َج ِميعاً ﴾ [ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪ ،] 29 :‬دل على أنه ينتفع بها‪ ،‬حتى يرد‬
‫ق لَ ُكم َّما ِفي األ َْر ِ‬
‫﴿ َخلَ َ‬
‫دليل المنع‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬التوقف؛ ألن دليل الفريقين متكافئ‪ ،‬أدلة الفريقين متكافئة‪.‬‬
‫اآلن المسألة متصورة؟ دعنا من مسألة الضرورة‪،‬ـ الضرورة لها حكمها‪ ،‬اضطر إلى أكل حشيش‬
‫يأكل‪ ،‬مضطر‪ ،‬نعم‪ ،‬وجد شيئاً ضاراً ال يجوز له أكله‪ ،‬وجد شيئاً متساوي الطرفين ال يضر وال‬
‫ينفع‪ ،‬وأراد يجرب‪ ،‬لو قال قائل‪ :‬يا أخي وأيش الفرق بين البرسيم ‪-‬علف األغنام‪ -‬نعم‪ ،‬وبين‬
‫الخس‪ ،‬أيش الفرق بينهن‪ ،‬أنت تأكل خس وال تأكل برسيم‪ ،‬ليش ما نأكل برسيم؟ تقول له حرام وإ ال‬
‫حالل؟ وأيش تقول؟‬
‫نعم‪ ،‬ما يضر‪ ،‬مثل الخس‪ ،‬ويش تقول له‪ ،‬حالل وإ ال حرام؟ ليش ما تشتهيه‪ ،‬واهلل الناس يشتهونه‪،‬‬
‫وأيش المانع؟ يعني مسألة تعارفنا على أننا ما نأكله وصرنا ما نشتهيه‪ ،‬وعرفنا أنه طعام للدواب‬
‫وتركناه من أجل هذا‪ ،‬نعم‪ ،‬يقول‪ :‬واهلل أنا جائز لي البسه ما هو جائر لي أطعمه وأيش المانع‪،‬‬
‫باكل‪ ،‬أبش تقول له‪ :‬حرام وإ ال حالل؟ أنت ما عندك دليل ال يبيح وال يحرم‪ ،‬كل على أصله في‬
‫المسألة‪.‬‬
‫من يقول‪ :‬إن األصل المنع يمتنع حتى يجد دليالً يبيح‪ ،‬من يقول األصل‪ :‬اإلباحة يأكل حتى يجد‬
‫دليالً يدل على اإلباحة‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬أنت وأيش يدريك أن ما عندهم دليل‪.....‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪337‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‪ :‬أنت إذا اعتقدت هذا القول ال تأكله إال بدليل‪ ،‬إذا اعتقدت هذا القول‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫واعتمدته ال تأكل غالً بدليل أو تقليد‪ ،‬تقلد من تبرأ الذمة بتقليده‪.‬‬
‫أظن أن المسألة ظاهرة‪ ،‬وذكرت لكم سابقاً أن واحداً علق على كتاب في هذه المسألة قال‪:‬‬
‫كالحشيش‪ ،‬المؤلف مثل بالحشيش‪ ،‬والمعلق تكلم في أربع صفحات ينقل ما جاء في كتب أهل العلم‬
‫البر‪ ،‬طالع رحلة‬
‫عن الحشيش وأنها مسكرة‪ ،‬وأنها حرام إجماعاً‪ ،‬وأنها‪ ،..‬نعم‪ ،‬وهو قصده حشيش َ‬
‫وجاز له‪ ،..‬نوع من أنواع الحشائش يأكل وإ ال ما يأكل؟ افترض أن نفعها مضمون لكن ما تضر‬
‫قطعاً يأكل وإ ال ما يأكل؟‬
‫كل على أصله في هذه المسألة‪ ،‬نعم الورع‪ ،‬الورع كونك ما تدخل في جوفك إال شيئاً تجزم بحله‪،‬‬
‫هذا شيء‪ ،‬نعم‪ ،‬هذا أمر ثاني‪ ،‬يعني الورع حمل كثير من السلف أن يتركوا المباح خشية أن يقعوا‬
‫في المحظور‪ ،‬فضالً عن المختلف فيه‪.‬‬
‫أقول‪ :‬ومثاله ما يوجد على ظهر األرض من نباتات مما ال ضرر فيه‪ ،‬هل يباح أكله قبل الوقوف‬
‫على دليل يبيحه؟ أو يمتنع من أكله حتى يوجد دليل على اإلباحة؟ وكل على أصله‪ ،‬والمختار يعني‬
‫من باب التوسعة‪ ،‬ويسر الدين وسماحته‪ ،‬صار عند جمع من أهل العلم ‪-‬وهم األكثر‪ -‬أن األصل‬
‫ض َج ِميعاً ﴾ [ سورة‬
‫ق لَ ُكم َّما ِفي األ َْر ِ‬
‫فيما ينتفع به واألشياء النافعة الجواز؛ لقوله تعالى‪َ ﴿ :‬خلَ َ‬
‫البقرة‪ ،‬اآلية ‪ ،] 29 :‬وهذا ذكره اهلل ‪-‬جل وعال‪ -‬في معرض االمتنان‪ ،‬وال يمتن إال بجائز‪.‬‬
‫وأما بالنسبة لما يضر‪ ،‬فاألصل فيها التحريم لعموم حديث‪ « :‬ال ضرر وال ضرار »‪ ،‬لعموم‪:‬‬
‫« ال ضرر وال ضرار »‪ ،‬وأظن كررنا مراراً التمثيل بالسقنقور‪ ،‬نعم‪ ،‬مثلنا به مراراً‪ ،‬فال داعي‬
‫لتكراره‪.‬‬
‫المقصود أن المسألة واضحة ومتصورة‪،‬ـ فال أحد يمنعك من أن تأكل ما ال يضر‪ ،‬ولو لم تجد دليالً‬
‫يدل على إباحته‪ ،‬ما لم يكن ضاراً‪ ،‬أو يكون داخالً في عموم ما ينهى عنه‪ ،‬نعم‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬حتى بعد البعثة‪ ،‬لكن بعد البعثة‪ ،‬بعد البعثة قبل ورود الدليل الذي يدل‬
‫عليه‪.‬‬
‫طالب‪ :‬لكن بعد ثبوت األدلة المفيدة أن األصل اإلباحة‪ ،‬هل هناك من قال‪......‬؟‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬إيه إيه‪ ،‬األصل في األعيان المنتفع بها بعد ورود الشرع‪ ،‬كل على‬
‫أصله‪ ،‬تدري أن بعض الناس يقعد قواعد في األطعمة‪ ،‬األصل اإلباحة‪ ،‬بعضهم يقول‪ :‬األصل‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪338‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫المنع‪ ،‬نعم‪ ،‬عندهم يختلفون فيها‪ ،‬ولذا يقول بعضهم‪ :‬ال حرام ما حرمه اهلل‪ ،‬ومنهم من يقول‪ :‬ال‬
‫حالل إال ما أباحه اهلل‪.‬‬
‫هنا يقول الناظم ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪:-‬‬

‫ال حكم قبل بعثة الرسول *** بل بعدها بمقتضى> الدليل‬


‫واألصل في األشياء قبل الشرع *** تحريمها ال بعد حكم شرعي‬
‫بل ما أحل الشرع حللناه *** وما نهانا عنه حرمناه‬
‫وحيث لم نجد دليل ح ّل *** شرعاً تمسكنا بحكم األصل‬
‫مستصحبين األصل ال سواه *** وقال قوم ضد ما قلناه‬
‫أي أصله التحليل إال ما ورد *** تحريمها في شرعنا فال يرد‬
‫وقيل إن األصل فيما ينفع *** جوازه‪ ،‬وما يضر يمنع‬

‫قيل القول الثالث هذا األخير‪ :‬أن األصل فيما ينفع واألصل فيما يضر‪ ،‬معروف أن األصل‪،‬‬
‫الخالف في المسألة في األعيان المنتفع بها‪ ،‬األعيان المنتفع بها‪ ،‬وال يمكن أن ينتفع فيما يضر‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‪ :‬كل على‪ ،..‬أما بالنسبة للعبادات فهي توقيفية‪ ،‬العبادات توقيفية‪ ،‬ال‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫يجوز ألحد أن يعمل شيئاً إال بمقتضى الدليل مما يتعبد به هلل ‪-‬عز وجل‪ ،-‬وأال يعبد اهلل إال بما‬
‫شرع‪ ،‬وأال يعبد اهلل إال بما شرع‪ ،‬العبادات مفروغ منها‪ ،‬ولذا ال تدخلها األقيسة‪ ،‬فالعبادات توقيفية‪.‬‬
‫بالنسبة للمعامالت والمناكحات وغيرها من أبواب الدين واألطعمة هذه محل الخالف‪.‬‬
‫االستصحاب الذي أشار إليه المؤلف‪ ،‬معنى االستصحاب « أن يستصحب األصل عند عدم الدليل‬
‫الشرعي » ‪ :‬فاالستصحاب‪ :‬السين والتاء للطلب‪ ،‬المقصود به طلب الصحبة‪ ،‬كاالستشفاء‪ ،‬طلب‬
‫الشفاء‪ ،‬واالسترقاء‪ ،‬طلب الرقية‪ ،‬واالستسقاء‪ ،‬طلب السقيا‪ ،‬معناه « أن يستصحب األصل عند‬
‫عدم الدليل الشرعي » ‪ :‬هذا تعريف المؤلف‪.‬‬
‫وفي إرشاد الفحول معناه‪ :‬أن ما ثبت في الزمن الماضي فاألصل بقاؤه في الزمن المستقبل‪ ،‬مأخوذ‬
‫من المصاحبة‪ ،‬وهو بقاء ذلك األمر ما لم يوجد ما يغي ُِّره‪ ،‬أن ما ثبت في الزمن الماضي فاألصل‬
‫بقاؤه في الزمن المستقبل‪ ،‬قوله‪ :‬مأخوذ من المصاحبة‪ ،‬وهو بقاء ذلك األمر ما لم يوجد ما يغي ُِّره‪.‬‬
‫إذا لم يجد المجتهد بعد البحث والتحري دليالً على وجوب شيء أو عدم وجوبه‪ ،‬ذكر له أو سمع‬
‫شيئاً من فضائل رجب‪ ،‬أو ليلة النصف من شعبان‪ ،‬نعم‪ ،‬فأراد أن يصوم رجب‪ ،‬فبحث في األدلة‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪339‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫فلم يجد ما يدل على وجوب صوم رجب مثالً‪ ،‬فيستصحب هذا األصل؛ ألن األصل عدم وجوب‬
‫صومه‪.‬‬
‫أراد أن يصلي صالة سادسة‪ ،‬فبحث عن دليل ما وجد؛ ألن الواجبات ‪-‬الصالة الواجبة‪ -‬الصلوات‬
‫علي غيرها؟ قال‪ « :‬ال‪ ،‬إال أن تتطوع » ما وجد ما يدل على وجوب صالة سادسة‪،‬‬
‫الخمس‪ ،‬هل َّ‬
‫علي غيرها؟"‪ ،‬قال‪ « :‬ال‪ ،‬إال أن‬
‫فال يجب سوى الصلوات الخمس‪ ،‬كما في حديث ضمام‪" :‬هل َّ‬
‫تتطوع »‪.‬‬
‫طيب‪ ،‬صالة العيد‪ ،‬صالة الوتر ‪-‬عند من يقول بوجوبهما‪ -‬وجدوا أدلة توجبها‪ ،‬فأنت إذا لم تجد‬
‫دليالً تستصحب هذا األصل‪ ،‬وهو أنه ال شرع إال ما شرعه اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬يعني في العبادات‪ ،‬ال‬
‫يتعبد اهلل إال بما شرع‪ ،‬فتستصحب هذا األصل‪ ،‬فإذا قال لك قائل‪ :‬نصوم رجب على سبيل الوجوب‬
‫واإللزام‪ ،‬نقوم ليلة النصف من شعبان‪ ،‬نقول‪ :‬هات الدليل؛ نستصحب بالعدم‪ ،‬نستصحب العدم‬
‫‪-‬عدم الدليل‪ -‬األصل العدم فنستصحبه حتى نقف على دليل‪.‬‬
‫واالستصحاب من األدلة التي اختُِلف فيها‪ ،‬العلماء اختلفوا في االستصحاب هل هو حجة عند عدم‬
‫الدليل؟ فمنهم من قال‪ :‬حجة‪ ،‬وهذا قول الحنابلة والمالكية وأكثر الشافعية‪ ،‬سواء كان في النفي أو‬
‫في اإلثبات‪ ،‬وحكاه ابن الحاجب عن األكثر‪.‬‬
‫إذا نفى أمراً ثابتاً لك أن تطالبه بالدليل‪ ،‬وإ ذا أثبت أمراً ‪-‬ولو لم يرد نفيه‪ -‬فلك أن تطالبه بالدليل‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬أنه ليس بحجة‪ ،‬وإ ليه ذهب أكثر الحنفية والمتكلمين؛ـ ألن الثبوت في الزمان األول‬
‫يفتقر إلى الدليل‪ ،‬فكذلك في الزمان الثاني؛ ألنه يجوز أن يكون وأن ال يكون‪ ،‬وهذا خاص‬
‫بالشرعيات‪ ،‬أيش معنى هذا الكالم؟‬
‫أكثر الحنفية يقولون‪ :‬الثبوت في الزمان األول‪ ،‬على أن االستصحاب ليس بحجة‪ ،‬يحتاج إلى دليل‪،‬‬
‫صالة الخوف مثالً‪ ،‬في عهده ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬صالها النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪-‬‬
‫في‪ ،..‬على ستة أوجه أو سبعة‪ ،‬كلها ثابتة‪ ،‬ونحن نستصحب هذا األصل ونصليها بعد وفاته ‪-‬عليه‬
‫الصالة والسالم‪ -‬إلى قيام الساعة؛ ألنها ثبتت بدليل لم يثبت نفيه‪ ،‬وصالها الصحابة بعده‪ ،‬دليل‬
‫على أن الحكم ليس خاصاً به‪ ،‬نعم‪ ،‬ليس خاصاً به‪ ،‬فإذا قال محمد بن الحسن‪ ،‬أو أبو يوسف‪ :‬صالة‬
‫الخوف خاصة بالنبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬نقول‪ :‬نحن نستصحب األصل‪ ،‬وهو فعل صالة‬
‫الخوف في عصره ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬وفعل الصحابة بعده‪ ،‬قالوا‪ :‬ال‪ ،‬صالة الخوف ثبتت‬
‫نت ِفي ِه ْم فَأَقَ ْم َت لَ ُه ُم َّ‬
‫الصالَةَ َف ْلتَقُ ْم ﴾ [ سورة النساء‪،‬‬ ‫في حقه ‪-‬عليه الصالة والسالم‪َ ﴿ -‬وإِ َذا ُك َ‬
‫اآلية ‪ ،] 102 :‬ونحن نحتاج إلى دليل كما ثبت الدليل في حقه‪ ،‬نحتاج إلى دليل‪ ،‬نقول‪ :‬أيضاً‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪340‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫نحتاج إلى دليل في مثل قوله ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ ،-‬في قوله ‪-‬جل وعال‪ُ ﴿ :-‬خ ْذ ِم ْن أ َْم َو ِال ِه ْم‬
‫ص َدقَ ًة ﴾ [ سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪] 103 :‬؛ هذا خطاب للنبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬وهو خطاب‬ ‫َ‬
‫ألمته من بعده عند الجماهير‪ ،‬بل ال أعرف من خالف في هذا بخالف صالة الخوف‪ ،‬إذن ال بد من‬
‫ثبوت دليل يتناول األمة‪ ،‬الخطاب للنبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬خطاب ألمته ما لم يرد دليل يدل‬
‫على التخصيص‪ ،‬عرفنا كالمهم في القول الثاني أنه ليس بحجة؟‬
‫ثبت في الزمن األول‪ ،‬ثبوته في الزمن األول افتقر إلى دليل‪ ،‬صالة الخوف في عهده ‪-‬عليه‬
‫الصالَةَ ﴾‪ ،‬بدليل أنه قبل ذلك قبل أن‬ ‫نت ِفي ِه ْم فَأَقَ ْم َت َل ُه ُم َّ‬
‫الصالة والسالم‪ -‬ثبتت بدليل ﴿ َوإِ َذا ُك َ‬
‫يرد هذا الدليل‪ ،‬الصلوات الخمس في يوم الخندق جمعت بعد غروب الشمس؛ ألنه لم يرد دليل‪،‬‬
‫نت ِفي ِه ْم فَأَقَ ْم َت لَ ُه ُم َّ‬
‫الصالَةَ ﴾‪ ،‬صالها على‬ ‫فورد الدليل للنبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪َ ﴿ -‬وإِ َذا ُك َ‬
‫أوجه‪ ،‬فالزمان األول احتاج إلى دليل‪ ،‬إذن الزمان الثاني يحتاج إلى دليل‪ ،‬ظاهر وإ ال ما هو‬
‫بظاهر؟ نعم‪ ،‬أما أصحاب القول األول يقولون‪ :‬خالص ثبت الدليل‪ ،‬هذا فيما يراد نفيه‪.‬‬
‫أما ما يراد إثباته‪ ،‬فإن ثبت الدليل المثبت في حق النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬فاألصل االقتداء‬
‫واالئتساء‪ ،‬إن لم يرد دليل من فعله‪ ،‬وقد ورد دليل من قوله عملنا بالدليل القولي؛ ألنه أعم‪ ،‬والفعل‬
‫ال عموم له‪.‬‬
‫لو قال قائل‪ :‬إن العمرة في رمضان ليست بمشروعة؛ بدليل أن النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬لم‬
‫يعتمر في رمضان‪ ،‬نعم‪ ،‬ماذا نقول؟‬
‫نقول‪ :‬النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬حث على العمرة في رمضان‪ ،‬وقال‪ « :‬إنها تعدل حجة »‪،‬‬
‫كونه ما اعتمر لعارض رحمة بأمته‪ ،‬شفقة عليها‪ ،‬عدم تمكنه ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬من ذلك‪،‬‬
‫شيء آخر‪ ،‬لكن الدليل القولي يتناول النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬ويتناول األمة‪ ،‬لكن كونه ما‬
‫فعل ال يعني أنه ليس بمشروع‪.‬‬
‫صوم عشر ذي الحجة‪ :‬بعض من كتب يقول‪ :‬هذا من األخطاء‪ ،‬من أخطاء الناس في عشر ذي‬
‫الحجة الصيام؛ ألنه ثبت من حديث عائشة ‪-‬رضي اهلل تعالى عنها‪ -‬أن النبي ‪-‬عليه الصالة‬
‫والسالم‪ -‬ما كان يصوم العشر‪ ،‬نقول‪ :‬أيضاً ثبت من حديث بعض أزواجه ‪-‬عليه الصالة‬
‫والسالم‪ -‬أنه كان يصوم تسع ذي الحجة‪ ،‬فإذا اعتضد هذا بالحث على العمل الصالح في هذه‬
‫األيام‪ « ،‬ما من أيام العمل الصالح فيهن خير وأحب إلى اهلل من هذه األيام العشر »‪ ،‬وثبت أيضاً‪:‬‬
‫أن الصيام من أفضل األعمال؛ « من صام يوماً في سبيل> اهلل باعد اهلل وجهه عن النار سبعين‬
‫خريفاً »‪ ،‬إذا انظم هذا إلى هذا قلنا‪ :‬إن صيام تسع ذي الحجة مشروع‪ ،‬بل من أفضل األعمال؛ ألنه‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪341‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫عمل فاضل‪ ،‬عمل صالح‪ « ،‬ما من أيام العمل الصالح »‪ ،‬وهذا عمل صالح‪ ،‬كونه ‪-‬عليه الصالة‬
‫والسالم‪ -‬ما صام كما في حديث عائشة‪ ،‬أو صام في حديث بعض أزواجه ‪-‬عليه الصالة‬
‫والسالم‪ ،-‬كونه ما صام ال يعني أنه أن الصيام غير مشروع‪ ،‬مثل كونه لم يعتمر في رمضان‪،‬‬
‫إذن هذه أمور واضحة‪.‬‬
‫منهم من يقول‪ :‬إن االستصحاب يصلح أن يكون مرجحاً يرجح به إذا تكافأت األدلة في مسألة ما‪،‬‬
‫فيستصحب األصل‪ ،‬يعني وجدنا أدلة تدل على المنع‪ ،‬وأدلة تدل على اإلباحة‪ ،‬نرجح‬
‫باالستصحاب؛ ألن األصل أنه دليل وإ ن كان مختلفاً فيه‪ ،‬فهو من ضمن ما يدعم القول باإلباحة‪،‬‬
‫قال به قوم‪.‬‬
‫ومنهم من عكس‪ ،‬من قال‪ :‬يرجح الناقل عن األصل‪ ،‬يرجح الناقل عن األصل‪ ،‬ليش يرجح الناقل‬
‫عن األصل؟‬
‫وجدنا دليالً يدل على اإلباحة‪ ،‬واألصل اإلباحة‪ ،‬اعتضد هذا الدليل باألصل‪ ،‬وجدنا دليالً ينقل عن‬
‫هذه اإلباحة ‪-‬عن هذا األصل‪ -‬فهل نقول‪ :‬نؤيد الدليل المبقي على األصل باالستصحاب؟ أو‬
‫نقول‪ :‬ال نعمل بالدليل الناقل عن األصل‪ ،‬وهذا الدليل الموافق لألصل كان في أول األمر‪ ،‬وإ ال لزم‬
‫على ذلك النسخ مرتين‪ ،‬نصير نقلنا عن األصل‪ ،‬ثم نسخنا هذا الناقل‪ ،‬لكن كوننا نقول‪ :‬إن هذا‬
‫بناء على أن األصل اإلباحة‪ ،‬ثم جاء ما ينقل عن هذا األصل‪.‬‬
‫المبقي لألصل في أول األمر‪ً ،‬‬
‫وعلى كل حال المسألة خالفية‪ ،‬هل األصل‪ ،..‬هل يؤيد ما يؤيد االستصحاب‪ ،‬واألصل أن يبقى‬
‫الحكم على أصله‪ ،‬أو نقول‪ :‬يرجح الناقل عن األصل على المبقي له‪ ،‬المسألة معروفة‪.‬‬
‫المسألة أيضاً فيها أقوال أخر أضربنا عن ذكرها؛ اختصاراً‪.‬‬
‫يقول الناظم ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪:-‬‬

‫وحد االستصحاب أخذ المجتهد *** باألصل عند دليل حكم قد فقد‬

‫عندنا مسألة ترتيب األدلة‪ ،‬ترتيب األدلة‪ ،‬كيف ترتِّب األدلة؟‬


‫أنت باحث أردت أن تستوعب‪ ،‬أو كلفت ببحث مسألة‪ ،‬وأردت أن تستوعب جميع ما قيل فيها من‬
‫أدلة‪ ،‬وبذلت جهدك‪ ،‬واجتمع عندك من األدلة الشيء الكثير‪.‬‬
‫معلوم أنك تبدأ باألدلة من الكتاب‪ ،‬نعم‪ ،‬ثم من صريح صحيح السنة‪ ،‬ثم باإلجماع‪ ،‬ثم بالقياس‪ ،‬إلى‬
‫آخر األدلة‪ ،‬هذا الترتيب الطبيعي حسب القوة‪ ،‬ترتب من ظاهر‪ ،‬هل يستدل شخص على حكم‬
‫المسألة يقدم القياس على الكتاب والسنة‪ ،‬أو يقدم السنة على القرآن؟!‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪342‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫نعم من أهل العلم من يكتفي باإلجماع‪ ،‬فيقول‪ :‬المسألة هذه جائزة باإلجماع‪ ،‬أو دليلها اإلجماع‪،‬‬
‫وفيها دليل من الكتاب والسنة‪ ،‬فيستدرك عليه فيقال‪ :‬هذا الحكم جائز بالكتاب والسنة واإلجماع‪.‬‬
‫فأنت عند ترتيبك لألدلة في المسألة الواحدة ‪-‬ولو لم يحصل تعارض‪ -‬الترتيب الطبيعي أن تبدأ‬
‫بالقرآن ما يدل على هذه المسألة من كتاب اهلل ‪-‬عز وجل‪ ،-‬ما يؤيد هذه المسألة من صحيح السنة‪،‬‬
‫ثم بعد ذلك األدلة األخرى المتفق عليها والمختلف فيها على الترتيب‪.‬‬
‫لكن إذا تعارضت هذه األدلة‪ ،‬إذا تعارضت هذه األدلة‪ ،‬جمعت في المسألة عشرين دليالً‪ ،‬عشرة‬
‫منها تؤيد اإلباحة‪ ،‬وعشرة يستدل بها على تحريم هذا الفعل‪ ،‬نقول‪ :‬تعارضت األدلة‪ ،‬في هذه‬
‫المسألة تعارضت األدلة‪ ،‬إن أمكن الجمع بين هذه األدلة بوجه من الوجوه المعتبرة عند أهل العلم‪،‬‬
‫ولو بحمل خاص‪ ،..‬عام على خاص‪ ،‬مطلق على مقيد‪ ،‬إذا أمكن الجمع تعين‪ ،‬إذا لم يمكن الجمع‬
‫وعرفنا المتقدم من المتأخر قلنا‪ :‬هذا ناسخ‪ ،‬إذا لم يمكن الجمع ولم نعرف المتقدم من المتأخر ال بد‬
‫من الترجيح‪ ،‬إذا لم يمكن الترجيح فأيش؟ فالتوقف‪.‬‬
‫الترجيح‪ :‬كيف ترجح بين هذه النصوص‪ ،‬النصوص هذه المتعارضة في الظاهر من القرآن‪ ،‬أو‬
‫من السنة‪ ،‬أو منهما معاً‪ ،‬فالمؤلف ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬يقول‪ « :‬وأما األدلة فيقدم الجلي منها على‬
‫الخفي‪ ،‬والموجب للعلم على الموجب للظن‪ ،‬والنطق على القياس‪ ،‬والقياس الجلي على الخفي‪،‬‬
‫فإن وجد في النطق ما يغير األصل وإ ال فيستصحب الحال » ‪ :‬المراد باألدلة هنا‪ :‬ما يثبت به‬
‫األحكام الشرعية من الكتاب والسنة واإلجماع والقياس‪ ،‬التي مضى الحديث عنها إجماالً‪ ،‬فإذا كان‬
‫في المسائل التفصيلية‪ ،‬اآلن إجمالي‪ ،‬نتحدث إجماالً عن األدلة إجماالً على ضوء ما تقدم الذي هو‬
‫موضوع أصول الفقه‪.‬‬
‫يعني موضوع أصول الفقه األدلة اإلجمالية‪ ،‬فاألدلة اإلجمالية يكون النظر فيها إجمالي مثل ما هنا‪،‬‬
‫لكن لو كان عندنا دليل تفصيلي‪ ،‬دليل تفصيلي يدل على حكم مسألة ما فإن الكالم في هذا التعارض‬
‫ودفعه يكون على سبيل التفصيل‪.‬‬
‫ص ِّل ِلَر ِّب َك َوا ْن َح ْر ﴾ [ سورة الكوثر‪ ،‬اآلية‬
‫يعني إذا تعارض دليل من القرآن مع دليل من السنة‪ ﴿ ،‬فَ َ‬
‫ص ِّل ِل َر ِّب َك﴾؟ هل‬
‫ص ِّل ﴾‪ ،‬دليل من القرآن‪ ،‬هل المراد بالصالة الصلواتـ الخمس؟ ﴿ فَ َ‬ ‫‪ ﴿ ،] 2 :‬فَ َ‬
‫المراد به الصلوات الخمس‪ ،‬نعم؟‬
‫ات ﴾ [ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪]238 :‬‬ ‫الصلَو ِ‬ ‫ِ‬
‫ليس المراد به الصلواتـ الخمس‪ ،‬لكن‪َ ﴿ :‬حافظُواْ َعلَى َّ َ‬
‫ص ِّل ِل َر ِّب َك َوا ْن َح ْر ﴾‪ ،‬هذا دليل من القرآن استدل به بعضهم على‬ ‫‪ :‬المراد به الصلواتـ الخمس ﴿ فَ َ‬
‫وجوب صالة العيد‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪343‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫علي غيرها؟ قال‪ « :‬ال‪ ،‬إال أن تتطوع »‪.‬‬


‫في حديث ضمام وهو من السنة‪ :‬هل َّ‬
‫فالنظر في تعارض‪ ،..‬في التعارض بين هذين الدليلين من وجوه‪:‬‬
‫أحد هذه الوجوه‪ :‬أن أحدهما قطعي الثبوت وهو اآلية‪ ،‬والثاني ظني وهو الحديث‪ ،‬فمن هذه الحيثية‬
‫نقدم القطعي على أيش؟ الظني‪.‬‬
‫إذا نظرنا إلى هذين النصين من جهة أخرى‪ ،‬وجدنا أن الحديث يدل على المدعى بمفهومه‬
‫بمفهومه‪ ،‬واآلية تدل على المدعى بمنطوقها‪.‬‬
‫طيب‪ ،‬إذا نظرنا من جهة ثالثة‪ ،‬وهو أن داللة الحديث على المدعى أصرح وأجلى من داللة اآلية‬
‫على المدعى ولو كانت مفهومة‪ ،‬صح وإ ال ال؟‬
‫يعني حينما يقول‪ :‬هل علي غير الخمس؟ يقول‪ :‬ما عليك شيء‪ ،‬هذا ما هو بصريح في نفي الزائد؟‬
‫ص ِّل ِلَر ِّب َك َوا ْن َح ْر ﴾‪ ،‬أين الداللة على صالة العيد؟ ما في إال اقترانه بالنحر‪ ،‬نعم‪،‬‬
‫نعم‪ ،‬لكن ﴿ فَ َ‬
‫فالحديث أصرح في الداللة‪ ،‬وإ ن كان ظنياً وإ ن كان مفهوماً‪ ،‬إال أنه أصرح وأجلى من داللة اآلية‬
‫على المدعى‪.‬‬
‫إذا تعارض عند المجتهد أكثر من فرد من أفراد ما ذكر ‪-‬من أدلة الكتاب والسنة واإلجماع والقياس‬
‫واالستصحاب‪ ،‬وقول الصحابي ‪-‬عند من يقول به‪ -‬األدلة اإلجمالية‪ -‬فال بد من ترجيح بعضها‬
‫على بعض إذا لم يمكن الجمع كما هو معروف‪ ،‬فيقدم الجلي وهو ما اتضح المراد منه‪ ،‬يقدم الجلي‬
‫على ما اتضح المراد منه على الخفي وهو ما لم يتضح المراد منه‪ ،‬والموجب للعلم على الموجب‬
‫للظن‪ ،‬والنطق على القياس‪ ،‬والقياس الجلي على الخفي‪ ،‬نعم‪ ،‬ال بد أن يقدم الجلي وهو ما اتضح‬
‫المراد منه‪ ،‬بأن كان نصاً في الداللة على المدعى‪ ،‬على الخفي وهو ما كانت داللته ظاهرة أو‬
‫مؤولة‪ ،‬الموجب للعلم وهو القرآن ومتواتر السنة ‪-‬على ما تقدم‪ -‬على الموجب للظن‪ ،‬وما ثبت من‬
‫أخبار اآلحاد‪ ،‬وهذا تقدم بسطه‪ ،‬والنطق‪ :‬وهو قول اهلل ‪-‬جل وعال‪ -‬وقول رسوله ‪-‬عليه الصالة‬
‫والسالم‪ -‬على القياس ‪-‬الذي تقدم شرحه‪ -‬إال إذا كان النص عاماً‪ ،‬فإنه يخص بالقياس‪.‬‬

‫إذا خصصنا النص العام بالقياس‪ ،‬عندنا دليل قياس‪ ،‬وعندنا دليل من الكتاب أو من السنة لكنه عام‪،‬‬
‫يتناول هذا الفرد بعمومه‪ ،‬وعندنا ما يخرج هذا الفرد بقياسه على ما خرج بالنص‪ ،‬نعم‪.‬‬
‫حبس من يأتي الفاحشة حتى الوفاة ‪-‬آية النساء‪ -‬نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬من نسائكم‪ ،‬نعم؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪344‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫طالب‪.......:‬‬
‫س ِبيالً ﴾ [ سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪:‬‬
‫ض ْير‪ :‬حتى‪ ،..‬نعم‪ ﴿ ،‬أ َْو َي ْج َع َل اللّ ُه لَ ُه َّن َ‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ت ﴾ [ سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪ ،] 15 :‬هذا يتناول بعمومه أيش؟ من‬ ‫‪َ ﴿ ،] 15‬حتَّ َى َيتََوفَّ ُ‬
‫اه َّن ا ْل َم ْو ُ‬
‫يتناول؟‬
‫طالب‪ :‬الحبس‪ ،‬يتناول المحصن‪.....‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬نعم المحصن والثيب‪.‬‬
‫طالب‪ :‬البكر‪.‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬كيف؟‬
‫طالب‪ :‬المحصن والبكر‪.‬‬
‫ض ْير‪ :‬نعم‪ ،‬اإلحصان ضد البكارة‪ ،‬لكن هل نقول‪ :‬إن هذا الحكم منسوخ‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫بحديث عبادة‪ « :‬خذوا عني‪ ،‬خذوا عني‪ ،‬قد جعل اهلل لهن سبيالً‪ ،‬الثيب بالثيب جلد مائة والرجم‪،‬‬
‫والبكر بالبكر جلد مائة وتغريب سنة » نقول‪ :‬منسوخ؟ هذا يمكن أن يقول به من يرى نسخ‬
‫القطعي بالظني ‪-‬القرآن بالسنة‪ -‬وحينئذ ال إشكال‪ ،‬لكن الذي ال يقول بالنسخ يقول‪ :‬هو بيان بيان‪،‬‬
‫فالحكم ساري إلى أمد‪ ،‬وقد انتهى األمد‪ ،‬فقد جعل اهلل لهن سبيالً‪ ،‬وليس من باب النسخ‪.‬‬
‫ف ما علَى ا ْلم ْحص َن ِ‬ ‫ِ‬
‫ات‬ ‫ُ َ‬ ‫صُ َ َ‬ ‫هاه‪ ،‬النص في اإلماء‪ ،‬النص في اإلماء‪ ،‬دعونا من هذه اآلية‪ ﴿ ،‬فَ َعلَ ْي ِه َّن ن ْ‬
‫اح ٍد ِّم ْن ُه َما ِم َئ َ>ة َج ْل َد ٍة‬
‫اجِل ُدوا ُك َّل و ِ‬
‫َ‬ ‫الز ِاني فَ ْ‬‫الز ِان َي ُ>ة َو َّ‬ ‫ِم َن ا ْل َع َذ ِ‬
‫اب ﴾ [ سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪َّ ﴿ ،] 25 :‬‬
‫اح ٍد ِّم ْن ُه َما‬
‫اجِل ُدوا ُك َّل و ِ‬
‫َ‬ ‫الز ِاني فَ ْ‬
‫الز ِان َي ُ>ة َو َّ‬
‫﴾ [ سورة النور‪ ،‬اآلية ‪ ،] 2 :‬هذا المثال يكون أوضح‪َّ ﴿ ،‬‬
‫ِم َئ َة َج ْل َد ٍة ﴾ ‪ :‬هذا يتناول األحرار والعبيد‪ ،‬بعمومه يتناول األحرار والعبيد‪ ،‬خرج اإلماء بقوله‪﴿ :‬‬
‫ات ِم َن ا ْل َع َذ ِ‬
‫اب ﴾‪ ،‬وخرج العبيد بالقياس على اإلماء‪ ،‬فالعموم‬ ‫ف ما علَى ا ْلم ْحص َن ِ‬
‫ُ َ‬ ‫صُ َ َ‬
‫ِ‬
‫فَ َعلَ ْي ِه َّن ن ْ‬
‫‪-‬عموم الزانية والزاني‪-‬ـ مخصوص بالقياس بالنسبة لذكور العبيد‪ ،‬مخصوص بقياسه على اإلماء‪،‬‬
‫فهنا القياس يخص العموم‪ ،‬فنحن قدمنا القياس على عموم النطق؛ ألن عندهم الترجيح‪ ،‬بل بعضهم‬
‫يجعله من وجوه الجمع وهو في الحقيقة ترجيح‪ ،‬نرجح الخاص على العام‪ ،‬في الجزء الذي ورد فيه‬
‫النص الخاص‪ ،‬فالتخصيص والتقييد نوع من أنواع النسخ‪ ،‬يطلق عليه بعض المتقدمين‪ :‬النسخ‪،‬‬
‫بمعناه األعم‪ ،‬ال شك أن فيه رفع حكم بالنسبة لما ورد فيه الدليل الخاص‪ ،‬لكنه رفع جزئي وليس‬
‫برفع كلي‪.‬‬
‫واهلل مملة األصول أشوف اإلخوان‪.....‬‬
‫« يقدم الجلي »‪ ،‬وهو ما اتضح المراد منه « على الخفي » ‪ :‬وهو ما خفي المراد منه‪،‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪345‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫« والموجب للعلم » ‪ :‬وهو القرآن ومتواتر السنة « على الموجب للظن » ‪ :‬وهو ما ثبت من‬
‫أخبار اآلحاد على النطق‪ :‬وهو قول اهلل وقول رسوله على القياس‪ :‬الذي تقدم شرحه‪ ،‬إال إذا كان‬
‫النص عاماً فإنه يخص بالقياس‪.‬‬
‫يعني قدمنا القياس ‪-‬قياس العبيد على اإلماء‪ -‬قدمنا هذا القياس على عموم قوله ‪-‬جل وعال‪﴿ :-‬‬
‫اح ٍد ِّم ْن ُه َما ِم َئ َة َج ْل َد ٍة ﴾‪.‬‬
‫اج ِل ُدوا ُك َّل و ِ‬
‫َ‬ ‫الز ِاني فَ ْ‬
‫الز ِان َي ُة َو َّ‬
‫َّ‬
‫القياس الجلي‪ :‬وهو ما نص على علته‪ ،‬أو أجمع عليها‪ ،‬يقدم على القياس الخفي‪ ،‬وهو ما ثبت علته‬
‫باالستنباط‪ ،‬فإن وجد في النطق من الكتاب والسنة ما ينقل عن األصل‪ ،‬إن وجد في النطق ‪-‬الدليل‬
‫من الكتاب والسنة‪ -‬إن وجد فيهما ما ينقل عن األصل الذي تحدثنا عنه قريباً وهو البراءة األصلية‪،‬‬
‫عمل بالنص‪ ،‬عمل بالنص الناقل عن األصل‪ ،‬تركنا األصل وعملنا بالنص‪ ،‬نعم؛ ألننا وجدنا ما‬
‫ينقل عن هذا األصل‪ ،‬وإ ن لم نجد نصاً ينقل عن األصل فإننا نعمل باالستصحاب‪ ،‬وهو العدم‬
‫األصلي الذي سبقت اإلشارة إليه‪.‬‬

‫وقدموا من األدلة الجلي *** على الخفي باعتبار العمل‬


‫مفيد العلم *** على مفيد الظن أي للحكم‬
‫وقدموا منها َ‬
‫إال مع الخصوص والعموم *** فليؤتى بالتخصيص ال التقديم‬
‫والنطق قدم عن قياسهم تفي *** وقدموا جليه على الخفي‬
‫وإ ن يكن في النطق من كتاب *** أو سنة تغيير االستصحاب‬
‫فالنطق حجة إذا وإ ال *** فكن باالستصحاب مستدالً‬

‫تفضل‪ ،‬تفضل أذن‪....‬‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد وعلى آله‬
‫وصحبه أجمعين‪ .‬أما بعد‪ :‬فقد قال المؤلف ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪:-‬‬

‫ومن شرط المفتي‪ :‬أن يكون عالماً بالفقه أصالً وفرعاً‪ ،‬خالفاً ومذهباً‪ ،‬وأن يكون كامل اآللة في‬
‫االجتهاد‪ ،‬عارفاً بما يحتاج إليه في استنباط األحكام من النحو واللغة ومعرفة الرجال الراوين‪،‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪346‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫وتفسير اآليات الواردة في األحكام واألخبار الواردة فيها‪ ،‬ومن شرط المستفتي‪ :‬أن يكون أهالً‬
‫للتقليد‪ ،‬فيقلد المفتي في الفتيا‪ :‬أن يكون من أهل التقليد فيقلد المفتي في الفتيا‪.‬‬
‫وليس للعالم أن يقلد‪ ،‬والتقليد قبول‪...‬‬

‫« َّ‬
‫الش ْـر ُح » ‪:‬‬
‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‪ ،‬لما فرغ المؤلف ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬من بيان ما يحتاج إليه الطالب المبتدئ مما يتعلق‬
‫باألصول اإلجمالية من الكتاب‪ ،‬والسنة‪ ،‬واإلجماع‪ ،‬والقياس‪ ،‬واالستصحاب‪ ،‬وقول الصحابي‪،‬‬
‫وذكر كيفية االستفادة منها‪ ،‬عقب ذلك كله بحال المستفيد والمجتهد‪.‬‬
‫المجتهد‪ :‬وهو المفتي له شروط عند أهل العلم‪ ،‬من شرطه‪ « :‬أن يكون عالماً بالفقه أصالً وفرعاً‬
‫» ‪ :‬يعني بأصوله وفروعه‪ ،‬كيف يكون عالماً بالفقه؟ كيف يكون المفتي عالماً بالفقه؟‬
‫يعني هل المقصود بذلك أن يكون مستحضراً لجميع المسائل الفقهية بأدلتها‪ ،‬أو يكفي في ذلك‬
‫تحصيل جملة من المسائل يستطيع بواسطتها من تطبيق هذه األصول على تلك الفروع بأدلتها‪،‬‬
‫ويكون بالنسبة للباقي معرفته بها بالقوة القريبة من الفعل؟‬
‫فالفقيه منه ما يكون بالفعل‪ ،‬ففالن فقيه بالفعل يعني مستحضر لجميع المسائل المتداولة بين الفقهاء‬
‫بأدلتها‪ ،‬ومنهم من يكون فقيهاً بالقوة القريبة من الفعل بمعنى أنه يستطيع الوصول إلى المسائل‬
‫بأدلتها‪ ،‬ويتوصل إلى القول الصحيح بدليله في أقرب وقت‪ ،‬هذا فقيه لكنه بالقوة وليس بالفعل‪ ،‬وهذا‬
‫تقدم ذكره في شرح تعريف الفقه‪.‬‬
‫« أن يكون عالماً بالفقه أصالً وفرعاً » ‪ :‬يعني ال بد أن يكون متصوراً للمسائل الفقهية‪ ،‬وقواعد‬
‫سواء كان في مذهب بعينه‪ ،‬إذا كان المراد به المجتهد المقيد‪،‬‬
‫ً‬ ‫الفقه وأصوله‪ ،‬وبما فيها من الخالف‪،‬‬
‫ويكون مجتهد مذهب يسمونه‪ ،‬مجتهد مذهب‪ ،‬أو على العموم في مذاهب العلماء كلهم إذا كان‬
‫المراد االجتهاد المطلق‪.‬‬
‫والمراد بمذاهب العلماء‪ :‬مذاهب فقهاء األمصار ممن يعتد بقوله منهم‪ ،‬وال يقدح فيه أن يخفى عليه‬
‫بعض األقوال الشاذة التي ال حظ لها من النظر‪ ،‬وال يقدح فيه أن يخفى عليه أقوال المبتدعة الذين ال‬
‫يعتد بهم في الخالف والوفاق‪.‬‬
‫اشتراط هذا الشرط الذي هو االطالع على المذاهب‪ ،‬ومعرفة مواطن الخالف واإلجماع؛ لئال‬
‫يخالف كالماً مجمعاً عليه‪ ،‬فيحدث قول يخالف اإلجماع‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪347‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫من الشروط‪ ،‬الشرط األول‪ :‬أن يكون عالماً بالفقه أصالً وفرعاً خالفاً ومذهباً‪ ،‬والثاني‪ :‬أن يكون‬
‫كامل اآللة في االجتهاد‪ ،‬كامل اآللة‪ ،‬وهذا الشرط إما أن يراد به األوصاف الغريزية الخلقية في‬
‫اإلنسان‪ ،‬أو يراد به األوصاف المكتسبة‪ ،‬لكن حمله على األوصاف الغريزية من كونه صحيح‬
‫الذهن‪ ،‬جيد الفهم‪ ،‬بمعنى أنه عنده من الحفظ ما يؤهله لحفظ النصوص التي يعتمد عليها‪ ،‬وعنده‬
‫من الفهم ما يؤهله لفهم هذه النصوص؛ من أجل أن يستنبط منها‪ ،‬حمله على هذا أولى؛ ألن‬
‫االحتمال الثاني يغني عنه الشرط الثالث‪ ،‬وهو أن يكون عارفاً بما يحتاج إليه في استنباط األحكام‪.‬‬
‫هذه هي العلوم المكتسبة‪ ،‬ال بد أن يكون عارفاً بما يحتاج إليه في استنباط األحكام‪ ،‬فال بد أن يكون‬
‫جيد التحصيل فيما ذكره المؤلف من علوم‪ ،‬جيد التحصيل‪ ،‬ال يشترط أن يكون حافظاً لجميع هذه‬
‫العلوم‪ ،‬بحيث يكون في كل علم كخواص أهله‪ ،‬بل يكفي من هذه العلوم ما يحتاج إليه في فهم‬
‫النصوص‪ ،‬في فهم الكتاب والسنة‪ ،‬فال بد من مشاركته في النحو واللغة‪ ،‬وهذا أشار إليه المؤلف‪،‬‬
‫أن يكون عارفاً بما يحتاج إليه في استنباط األحكام من النحو واللغة‪ ،‬ال بد أن يكون عالماً بالقدر‬
‫الالزم الكافي لفهم الكالم من اللغة بفروعها‪.‬‬
‫فروع اللغة كم؟ عشرة؟ النحو‪ ،‬الصرف‪ ،‬اللغة‪ ،‬أيش معنى اللغة؟ نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬مفرداتها التي يسمونها متن اللغة وفقه اللغة‪ ،‬نعم‪ ،‬والعروض‪،‬‬
‫والقوافي‪ ،‬والبيان‪ ،‬والمعاني‪ ،‬والبديع‪ ،‬واالشتقاق‪ ،‬هذه فروع علم اللغة‪ ،‬لكن ال يلزم معرفة‬
‫العروض والقوافي لماذا؟‬
‫ألن الكالم نثر‪ ،‬كالم اهلل ‪-‬جل وعال‪ -‬ليس بشعر‪ ،‬وكالم نبيه ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ُ -‬ن ِف َي عنه أن‬
‫يكون شعراً‪.‬‬
‫على كل حال هذا من الكمال أن يكون عارفاً بذلك‪ ،‬وهذا معروف عند أهل العلم‪ ،‬فروع هذه العلوم‬
‫كلها معروفة عند أهل العلم إلى طبقة شيوخنا‪.‬‬
‫نذكر أننا لما كنا نقرأ على الشيخ عبد العزيز ‪-‬رحمة اهلل عليه‪ -‬سنة خمسة وتسعين في الفرائض‬
‫جاء بيت كان فيه انكسار‪ ،‬فقطعه الشيخ عروضياً وأثبت أن ما فيه شيء‪ ،‬فمثل هذا يحتاج إليه ال‬
‫شك أنه كمال‪ ،‬نعم‪ ،‬هذا أمر كمالي لكن يحتاج إليه طالب العلم‪ ،‬طالب العلم محتاج إلى النحو‪ ،‬هذه‬
‫حاجة ضرورية ليست كمالية‪ ،‬الصرف –أيضاً‪ -‬كذلك‪ ،‬مفردات اللغة الذي هو متن اللغة‪ ،‬فقه‬
‫اللغة‪ ،‬اآلن منا من يفرق بين متن اللغة وفقه اللغة؟ نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪348‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫ض ْير‪ :‬أنت عندك كلمة نعم‪ ،‬عندك كلمة (الفَ ِ‬


‫صيل) ما معنى الفصيل؟ هاه‪،‬‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫أيش هو؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬ال أيش معناه؟ نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬ولد أيش؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫معنى واحداً‪.‬‬ ‫ض ْير‪ :‬ال‪ ،‬ولد أيش خلينا‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ً‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬ولد الناقة‪ ،‬هذا مفردات اللغة ‪-‬متن اللغة‪ -‬لكن إذا كنت تعرف ولد‬
‫الناقة‪ ،‬هذا ولد ناقة‪ ،‬لكن أيش يسمى بلغة العرب؟‬
‫ترجع إلى كتب فقه اللغة‪ ،‬يعني عكس متن اللغة‪.‬‬
‫أما بالنسبة لمتن اللغة ومفرداتها فيها المعاجم التي ال تعد وال تحصى‪ ،‬ومن أهمها كتب المتقدمين‬
‫مثل (الصحاح‪ ،‬والتهذيب) يليها (اللسان والقاموس)‪ ،‬ومن أجمع ما كتب في اللغة (تاج العروس)‪.‬‬
‫هناك أيضاً (المجمل‪ ،‬ومعجم المقاييس البن فارس) وغيرها‪ ،‬كتب كثيرة ال يحاط بها‪ ،‬لكن كتب‬
‫فقه اللغة قليلة‪ ،‬من أنفسها‪( :‬فقه اللغة للثعالبي) وهو مختصر‪ ،‬وأيضاً (المخصص البن سيدة)‬
‫كتاب نفيس‪ ،‬وال يستغني عنه طالب علم‪.‬‬
‫هناك كتاب اسمه (اإلفصاح في فقه اللغة لعبد المتعال الصعيدي) أظن كتب النحو والصرف لو‬
‫بدأنا نعدد كتب النحو والتدرج فيها‪ ،‬والصرف كذلك‪ ،..‬وما لعل هذا نرجئه إلى شرح األجرومية‬
‫وهي التي بعد هذا الكتاب‪ ،‬بعد الورقات األجرومية ‪-‬إن شاء اهلل تعالى‪.-‬‬
‫والصرف واللغة فقهاً ومتناً‪ ،‬والعروض والقافية‪ ،‬وهذه أيضاً كتب فيها كثير‪ ،‬والبيان‪ ،‬والمعاني‪،‬‬
‫والبديع‪ ،‬الفنون الثالثة التي يجمعها (البالغة)‪ ،‬وفيها الكتب الكثيرة للمتقدمين والمتأخرين‪ ،‬وفيها‬
‫لعبد القاهر الجرجاني أسرار البالغة‪ ،‬ودالئل اإلعجاز‪ ،‬وفيها المفتاح للسكاكي‪ ،‬وفيها (تلخيص‬
‫المفتاح) الذي دار الناس بفلكه‪ ،‬ومشوا ورائه وكثرت شروحه وحواشيه‪ ،‬وعنوا به‪.‬‬
‫لماذا نحتاج إلى النحو واللغة والصرف وهذه العلوم؟‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪349‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫ألن النصوص الشرعية من الكتاب والسنة وردت بلسان العرب‪ ،‬فال بد لفهمهما من معرفة بهذه‬
‫العلوم؛ تؤهل لفهمها‪ ،‬والمراد بذلك ‪-‬مثل ما ذكرنا‪ -‬القدر المجزئ الذي يقبح جهله‪ ،‬وال يراد بذلك‬
‫أن يتقن كل فرع من هذه الفروع كخواص أهله‪ ،‬على ما سبقت اإلشارة إليه‪.‬‬
‫من األدب أيضاً ‪-‬من أدب المفتي‪ -‬أن يطلع على كتب اآلداب‪ ،‬وهذه تعطيه األساليب والعبارات‬
‫الجيدة التي يستطيع بواسطتها أن يوصل ما لديه من علوم‪ ،‬ويقصد بذلك األدب العفيف ال األدب‬
‫الماجن‪ ،‬وإ ن كان أهل العلم يطلعون على الكتب وإ ن كان فيها ما فيها‪ ،‬وفيها فوائد وإ ن كان فيها‬
‫شيء من المخالفة التي بعضها ال يليق بسمت طالب العلم‪ ،‬لكن تجد كثيراً من أهل العلم حينما يفتي‬
‫أو يسأل يصعب عليه أن يوصل المعلومة التي يريدها إلى المستفتي‪.،‬‬
‫نعم هناك كتب قد تغني عن هذه الكتب وهي عفيفة‪ ،‬مثل األساليب الرائعة التي بثها ابن القيم في‬
‫كتبه‪ ،‬لو يحفظ منها طالب العلم كمية وجملة استفاد منها في مستقبل حياته‪.‬‬
‫ولذا العالم حينما يسأل ينبغي أن ينظر حال السائل من أي طبقة يكون‪ ،‬فيخاطبه على قدر فهمه‪ ،‬قد‬
‫يكون السائل طالب علم وليس عنده من العبارات ما يستطيع أن يوصله إلى طالب العلم‪ ،‬مع أن‬
‫طالب العلم أسهل من العامي‪ ،‬فيوصل المعلومة والفتوى والجواب إلى هذا السائل باألسلوب‬
‫المناسب‪ ،‬هذا إذا كان السائل واحداً أو مجموعة يشملهم وصف واحد‪ ،‬لكن إذا كان السؤال مطروح‬
‫على خالئق ال يحصون‪ ،‬منهم العالم‪ ،‬منهم المتعلم‪ ،‬منهم العامي‪ ،‬منهم الذي ال يفهم اللهجات‪ ،‬فمثل‬
‫هذا يتعين عليه أن يكون جوابه مفهوماً لدى السامعين‪ ،‬فال يفتي بلهجة ال يفهمها جميع من يستمع‪.‬‬
‫هو ال يطالب أن يفتي بجميع اللغات‪ ،‬أو يتعلم جميع اللغات ليفتي بها‪ ،‬لكن أقل األحوال أن يتقن‬
‫العربية؛ بحيث يفتي الناس بالعربية؛ ألن األقاليم تختلف في فهم العامية‪ ،‬وبعض األلفاظ العامية‬
‫يختلف مدلولها من قطر إلى آخر‪ ،‬يختلف مدلولها من قطر إلى آخر‪ ،‬وقد تفيد الضد والنقيض‪ ،‬تفيد‬
‫الضد والنقيض من المقصود‪.‬‬
‫فالعالم عليه أن يعتني بالعربية ويفتي بالعربية ال سيما إذا كان من يسمعه من شرائح متنوعة‪ ،‬ومن‬
‫أقطار متباعدة؛ ألن اآلن ما هو مثل قبل ال يبلغ صوتك إال أمتاراً‪ ،‬اآلن ألوف مؤلفة من الكيلوات‬
‫يصل صوتك ‪ ،‬واهلل المستعان‪.‬‬

‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‪ :‬يعطيه بقدر ما يفهم؛ ألن المقصود نفع السائل‪ ،‬حل اإلشكال لدى‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫السائل فيهمه بلهجته‪ ،‬لكن لما يقول كلمة –مثالً‪ -‬تختلف فيها األقطار اختالفاً متباينا‪ ،‬واحد سأل‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪350‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫شيخاً من المشايخ قال‪ :‬ما حكم الزعابة؟ قال‪ :‬الزعابة ما فيها شيء‪ ،‬أيش معنى الزعابة؟ الشيخ‬
‫فهم أن الزعابة إخراج الماء من البئر‪ ،‬هذه الزعابة عندهم‪ ،‬قال‪ :‬يا شيخ أنا سمعت أنها حرام‬
‫وشرك‪ ،‬قال‪ :‬أيش لون شرك؟ قال‪ :‬الزعابة تذبح عند باب الدار إذا أردت أن تسكن‪ ،‬قال‪ :‬اللهم‬
‫سلم‪ ،‬هذا الشرك األكبر نعم‪ ،‬فعلى هذا ال بد من االستفصال‪ ،‬وال بد من اإلجابة باللغة التي يتفق‬
‫عليها الجميع‪ ،‬واهلل المستعان‪.‬‬
‫يقول‪ :‬ومعرفة الرجال‪ ،‬عارفاً بما يحتاج إليه في استنباط األحكام من النحو واللغة ومعرفة‬
‫الرجال‪ ،‬معرفة رجال الحديث من ناحية الجرح والتعديل‪ ،‬ومعرفة قواعد الجرح والتعديل‪ ،‬وكيف‬
‫يعمل عند تعارض الجرح والتعديل‪ ،‬ال بد من معرفة ذلك لماذا؟ ليتأهل للنظر في األسانيد‪ ،‬ليتمكن‬
‫من التصحيح والتضعيف‪،‬ـ ليبني فتواه على خبر ثابت‪ ،‬وال يستدل بحديث لم يثبت‪ ،‬كما هو شأن‬
‫كثير من الفقهاء‪ ،‬لكن المجتهد شأنه أعظم وأشد‪ ،‬وليس المراد حفظ كتب الرجال –مثالً‪ -‬واهلل‬
‫يشترط لك أن تحفظ الجرح والتعديل‪ ،‬والثقات والضعفاء‪ ،‬والكمال‪ ،‬وتهذيب الكمال‪ ،‬هذه ينتهي‬
‫العمر وما حفظت كتاباً واحداً‪ ،‬نعم‪ ،‬لكن المقصود أن تكون لديك األهلية‪ ،‬تحسن التعامل مع هذه‬
‫الكتب‪ ،‬وترجع إليها بأخصر طريق‪ ،‬وتنظر ما قيل في الراوي من جرح وتعديل‪ ،‬تستطيع أن‬
‫توازن بواسطة معرفة القواعد التي قعدها أهل العلم للتعارض والترجيح‪ ،‬ثم بعد ذلك تخرج بنتيجة‪،‬‬
‫مع أن هذا أمر في غاية الصعوبة‪ ،‬نعم‪ ،‬هو سهل إذا نظرنا إليه بمفردات هؤالء الرواة‪ ،‬لكن‬
‫المسألة مفترضة في من؟ في شخص مجتهد‪ ،‬يجتهد في جميع ما يسأل عنه من أحكام‪ ،‬كل مسألة‬
‫عليه أن ينظر في أقوال أهل العلم‪ ،‬في الخالف واإلجماع‪ ،‬ثم ينظر في أدلة كل قول‪ ،‬ثم ينظر في‬
‫ثبوت كل دليل‪ ،‬وكل دليل ينظر في إسناده وطرقه ومتابعاته وشواهده‪ ،‬والعمر وين؟ ولذلك تجد‬
‫كثير من الناس‪ ،..‬أما االجتهاد المطلق ‪-‬بمعنى اإلطالق بهذا اللفظ بمعنى اإلطالق‪ -‬فهو نادر‪،‬‬
‫أيش معنى‪ ،‬معنى اإلطالق؟ معناه أنك تجتهد في كل مسألة من مسائل الدين‪ ،‬في كل نازلة من‬
‫النوازل‪ ،‬تنظر فيها من جميع وجوهها‪ ،‬أقوال العلماء فيها‪ ،‬أدلة هذه األقوال‪ ،‬النظر في كل دليل‪،‬‬
‫وكل دليل النظر في جميع رواته‪ ،‬وكل راو النظر في جميع‪ ،..‬كل ما قيل فيه جرحاً وتعديالً‪ ،‬ثم‬
‫بعد ذلك تستخلص النتيجة بالنسبة لهذا الراوي‪ ،‬ثم الراوي الذي يليه‪ ،‬ثم الذي يليه‪ ،‬ثم الذي يليه‪،‬‬
‫وتنظر في الطبقات‪ ،‬لتنظر هل يتمكن هذا من سماع هذا أم لم يتمكن‪ ،‬ثم بعد ذلك تخرج بنتيجة‬
‫حديث واحد يوم مثالً‪ ،‬الحديث الثاني وين العمر الذي بيستوعب هذه األمور‪.‬‬
‫ولذلكم تجدون كثير من العلماء ‪-‬والمشقة تجلب التيسير‪ -‬يختصر الطريق‪ ،‬إن أراد أن يجتهد في‬
‫الرواية جعل همه الحديث وما يتعلق به‪ ،‬واألسانيد‪ ،‬والعلل‪ ،‬على أن هذا تنقطع دونه األعمار‪ ،‬علم‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪351‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫الحديث علم‪ ،‬وبعضهم اختصر الطريق واقتصر على الدراية‪ ،‬قلد في التصحيح‪ ،‬أو نظر فيها نظراً‬
‫عابراً‪ ،‬ورجح ترجيحاً من غير دراسة كافية‪ ،‬وحكم من خالل هذا النظر –االسترواح‪ -‬يعني‬
‫مجرد ميل‪ ،‬لكن العالم إذا تحرى الصواب‪،‬ـ وصدق اللجأ إلى اهلل وقرن علمه بالعمل الغالب أنه‬
‫يسدد ويوفق‪ ،‬ولو لم يتمكن من االجتهاد المطلق بشرط اإلطالق‪ ،‬لكن هذا ظاهر‪ ،‬وأنتم أدركتم من‬
‫أهل العلم من سدد ووفق‪ ،‬هل يتصور أنهم مع أعمالهم‪ ،‬واألعباء التي تحملوها وحملوها على أكمل‬
‫وجه أنهم اجتهدوا في كل مسألة مسألة‪ ،‬وبحثوها من كل وجه‪ ،‬وبحثوا جميع ما يتعلق بها؟‬
‫هذا دونه خرط القتاد‪ ،‬ومع ذلكم وفقوا وسددوا وهدوا إلى الصواب‪،‬ـ هذا سببه أيش؟ اإلخالص‪،‬‬
‫سببه اإلخالص وصدق اللجأ إلى اهلل ‪-‬جل وتعالى‪ -‬والعمل بالعلم‪ ،‬أما شخص ديدنه المكتبة‪ ،‬ما‬
‫يخرج من المكتبة؛ بحثاً وراء بحث‪ ،‬لكن إذا جاءت الصالة هو آخر من يحضر المسجد‪ ،‬إذا جاء‬
‫القيل والقال أول من يبادر‪ ،‬مثل هذا قد ال يوفق‪ ،‬فعلى العالم أن يتصف بالورع‪ ،‬وااللتزام الحقيقي‬
‫بالدين‪ ،‬وأن يكون عمله مطابقاً لعلمه‪ ،‬ثم يسدد‪.‬‬
‫ثم قال بعد ذلك‪ :‬ومعرفة الرجال‪ ،‬وتفسير اآليات الواردة في األحكام‪ :‬يعرف آيات األحكام‪ ،‬يعرف‬
‫آيات األحكام‪ ،‬وعناية الفقهاء بآيات األحكام‪ ،‬وال يشترطون للمجتهد المطلق حفظ القرآن‪ ،‬سوى‬
‫آيات األحكام‪ ،‬ما يشترط حفظ القرآن‪ ،‬يعني رغم صعوبة الشروط التي وضعوها لم يشترطوا حفظ‬
‫القرآن؛ ألن همهم األحكام العملية‪.‬‬
‫بعضهم يقدر آيات األحكام خمسمائة آية‪ ،‬وهذه ألفت فيها الكتب ‪-‬كتب تفسير آيات األحكام‪ -‬من‬
‫أهمهما (أحكام القرآن البن العربي)‪ ،‬وميله إلى مذهب مالك‪( ،‬أحكام القرآن للجصاص)‪ ،‬وميله‬
‫لمذهب أبي حنيفة‪( ،‬أحكام القرآن إللكيا الطبري الراسي)‪ ،‬وهو شافعي المذهب‪.‬‬
‫من أجمع وأنفس ما كتب في أحكام القرآن (الجامع في أحكام القرآن للقرطبي)‪ ،‬فآيات األحكام ال بد‬
‫من العناية بها‪ ،‬وال يعني هذا أننا نهمل ما جاء في القرآن في القصص –مثالً‪-‬؛ العبر والمواعظ‬
‫والدروس التي تستنبط من القصص ال تقل أهميتها عن أهمية آيات األحكام‪.‬‬
‫األمثال‪ :‬وقد قال اهلل ‪-‬جل وعال‪َ ﴿ :-‬و َما َي ْع ِقلُ َها إِاَّل ا ْل َع ِال ُم َ‬
‫ون ﴾ [ سورة العنكبوت‪ ،‬اآلية ‪،]43 :‬‬
‫ال بد من معرفتها‪ ،‬آيات الترغيب‪ ،‬آيات الترهيب‪ ،‬وآيات القرآن تنوعت أنواعاً بحسب ما يحتاجه‬
‫العالم والمتعلم‪ ،‬لكن الفقهاء يهمهم الفقه الذي هو األحكام‪ ،‬فال بد للمجتهد أن يكون عارفاً بكتاب اهلل‬
‫‪-‬عز وجل‪ -‬ال سيما ما يتعلق منه باألحكام الذي هو بصدد إفتاء الناس فيها؛ فكيف يفتي الناس‬
‫ويتصدى لحل إشكاالتهم من ال يعرف كتاب اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬وال بد أن يعرف تفسير هذه اآليات‬
‫من خالل كالم العلماء الموثوقين من سلف هذه األمة وأئمتها‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪352‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫وأن يكون عارفاً بناسخها ومنسوخها‪ ،‬ال بد أن يعرف الناسخ من المنسوخ‪ ،‬وقد وقف علي بن أبي‬
‫طالب على قاص‪ ،‬فقال له‪ :‬أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬قال‪" :‬هلكت وأهلكت"؛ قد يفتي‬
‫الناس بحكم منسوخ‪ .‬والنسخ في القرآن واآليات المنسوخة واآليات الناسخة فيها المؤلفات‪ ،‬من‬
‫أجمعها كتاب ابن النحاس‪ ،‬وكذلك على المتعلم الذي يتمنى أن يكون مجتهداً مفتياً‪ ،‬أن يعنى بتفسير‬
‫أحاديث األحكام؛ فالسنة كما هو معروف شقيقة القرآن في االستدالل‪ ،‬وإ ن كانت هي المصدر‬
‫الثاني في الترتيب؛ باعتبار القائل وباعتبار الثبوت‪ ،‬فال بد لمن يتصدى لإلفتاء أن يكون حافظاً‬
‫لقدر كاف‪ ،‬عارفاً بما فيها من أحكام‪ ،‬مطلعاً على أقوال العلماء في شرحها؛ لئال يضل في فهم هذه‬
‫األحاديث‪ ،‬ويأتي بما لم يسبق إليه في ذلك‪.‬‬
‫كتب أحاديث األحكام كثيرة‪ :‬عمدة األحكام‪ ،‬بلوغ المرام‪ ،‬المحرر‪ ،‬المنتقى‪ ،‬اإللمام‪ ،‬كتب ألفت في‬
‫هذا الشأن ولها شروح كثيرة‪ ،‬ويذكر بعض أهل العلم أن سنن أبي داود يكفي المجتهد‪ ،‬يكفي‬
‫المجتهد سنن أبي داود في أحاديث األحكام‪ ،‬وبعضهم يضيف إليه السنن الكبرى للبيهقي‪-‬البحر‪ -‬ال‬
‫شك أن من أحاط علماً بسنن البيهقي ‪-‬وهذا أشرنا إليه مراراً‪ -‬ال شك أنه يصدر عن علم‪ ،‬لكن من‬
‫يوفق للعناية بهذه الكتب؟‬
‫آم ُنوا ِمن ُك ْم َوالَِّذ َ‬
‫ين‬ ‫معاناة العلم شاقة وصعبة‪ ،‬لكن الثمرة من هذه المعاناة كبيرة؛ ﴿ َي ْرفَ ِع اللَّ ُه الَّ ِذ َ‬
‫ين َ‬
‫أُوتُوا ا ْل ِع ْلم َدرج ٍ‬
‫ات ﴾ [ سورة المجادلة‪ ،‬اآلية ‪.] 11 :‬‬ ‫َ َ َ‬
‫جاء في فضل العلم ومدح أهله من نصوص الكتاب والسنة الشيء الكثير‪ ،‬لوال المشقة لكان كل‬
‫الناس علماء‪ ،‬كل الناس علماء‪ ،‬ولوال التعب واللهث وراء أمور الدنيا لصار الناس كلهم تجاراً‬
‫تجاراً‪ ،‬لكن الراحة واإلخالد إليها والدعة والترف يعوق عن تحصيل خير الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫وال بد أن يكون أيضاً عالماً بناسخ الحديث ومنسوخه‪ ،‬وألفت فيه الكتب‪ ،‬ومن أنفس ما ألف في هذا‬
‫الباب (االعتبار في معرفة الناسخ والمنسوخ من اآلثار للحازمي)‪ ،‬وهذا كتاب نفيس ينبغي لطالب‬
‫العلم أن يعنى به‪ ،‬ومع تمام معرفته بذلك ‪-‬بجميع ما ذكر وإ تقانه‪ -‬ال بد أن يتصف بالورع‪ ،‬ورعاً‬
‫ديِّناً‪ ،‬ال يتجرأ على اهلل فيفتي بغير علم؛ ألنه إن لم يكن ورع جرؤ على اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬وأفتى‬
‫الناس بغير علم‪ ،‬أو أفتاهم ‪-‬وإ ن كان له عنده شيء من العلم‪ -‬يمكن يفتي بخالف ما يعلم طمعاً في‬
‫إرضاء لفالن أوعالن‪ ،‬يشتري بآيات اهلل ثمناً قليالً‪ ،‬فعلى المفتي أال‬
‫ً‬ ‫حطام فاني ‪-‬حطام الدنيا‪-‬‬
‫يتجرأ على اهلل‪ ،‬فيفتي بغير علم‪ ،‬أو بشيء لم يتأكد منه؛ ألن المفتي كما هو معلوم موقِّع عن اهلل‬
‫‪-‬عز وجل‪ ،-‬فليحذر أشد الحذر من يتصدى لهذا األمر الخطير‪ ،‬من الجرأة على اهلل ‪-‬عز وجل‪-‬؛‬
‫ش‬ ‫فالقول على اهلل بال علم من عظائم األمور‪ ،‬كما قال ‪-‬جل وعال‪ُ ﴿ :-‬ق ْل إِ َّنما حَّرم ر ِّبي ا ْلفَو ِ‬
‫اح َ‬ ‫َ َ ََ َ َ‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪353‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ظ َه َر ِم ْن َها َو َما َب َ‬


‫طا ًنا َوأَن‬
‫س ْل َ‬ ‫ش ِر ُكواْ ِباللّه َما َل ْم ُي َنِّز ْل ِبه ُ‬
‫ق َوأَن تُ ْ‬ ‫اإلثْ َم َوا ْل َب ْغ َي ِب َغ ْي ِر ا ْل َح ِّ‬
‫ط َن َو ِ‬ ‫َما َ‬
‫ون ﴾ [ سورة األعراف‪ ،‬اآلية ‪.] 33 :‬‬ ‫تَقُولُواْ َعلَى اللّ ِه َما الَ تَ ْعلَ ُم َ‬
‫س ِفي َج َه َّن َم‬ ‫س َو َّدةٌ أَلَ ْي َ‬ ‫ين َك َذ ُبواْ َعلَى اللَّ ِه ُو ُج ُ‬
‫وه ُهم ُّم ْ‬ ‫ام ِة تََرى الَّ ِذ َ‬ ‫ِ‬
‫قال ‪-‬جل وعال‪َ ﴿ :-‬و َي ْو َم ا ْلق َي َ‬
‫ين ﴾ [ سورة الزمر‪ ،‬اآلية ‪ : ] 60 :‬يعني يدخل في المتكبرين من يتكبر عن قول‪:‬‬ ‫َمثًْوى لِّ ْل ُمتَ َك ِّب ِر َ‬
‫ف أَْل ِس َنتُ ُك ُم ا ْل َك ِذ َب َه َذا‬‫صُ‬ ‫قرنا هذا بقوله ‪-‬جل وعال‪ ﴿ :-‬والَ تَقُولُواْ ِلما تَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ال أدري‪ ،‬أو ال أعلم‪ ،‬إذا َّ‬
‫ون ﴾ [ سورة‬ ‫ون َعلَى اللّ ِه ا ْل َك ِذ َب الَ ُي ْف ِل ُح َ‬ ‫ام لِّتَ ْفتَُرواْ َعلَى اللّ ِه ا ْل َك ِذ َب إِ َّن الَّ ِذ َ‬
‫ين َي ْفتَُر َ‬ ‫َحالَ ٌل َو َه َذا َح َر ٌ‬
‫النحل‪ ،‬اآلية ‪ ،] 116 :‬فتوى بغير علم كذب اهلل ‪-‬عز وجل‪ ،-‬فال بد حينئذ من توافر العلم والدين‬
‫والورع‪ ،‬كما قال الناظم ‪:‬‬

‫وليس في فتواه مفت متبع *** ما لم يضف للعلم والدين الورع‬

‫مع األسف الشديد أن نرى ونسمع كثيراً ممن يتصدى للفتوى بغير علم‪ ،‬أو مع علم‪ ،‬لكن يفتي بغير‬
‫الحق؛ اتباعاً للهوى وطمعاً في الحطام الفاني‪ ،‬وقد صح عن النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬أنه‬
‫قال‪ « :‬إن اهلل ال يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد‪ ،‬ولكن يقبض العلم بقبض العلماء‪ ،‬حتى‬
‫إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهاالً‪ ،‬فسئلوا‪ ،‬فأفتوا بغير علم‪ ،‬فضلوا وأضلوا » [الحديث‬
‫مخرج في البخاري]‪.‬‬
‫وثبت في الصحيح من حديث أنس ‪-‬رضي اهلل تعالى عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪ « :-‬إن من أشراط الساعة‪ :‬أن يرفع العلم‪ ،‬ويثبت الجهل‪ ،‬ويشرب الخمر‪ ،‬ويظهر الزنا »‪.‬‬
‫يقول ابن القيم‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬في إعالم الموقعين‪" :‬فصل‪ :‬وكان السلف من الصحابة‬
‫والتابعين يكرهون التسرع في الفتوى‪ ،‬ويود كل واحد منهم أن يكفيه إياها غيره‪ ،‬فإذا رأى أنها‬
‫تعينت عليه بذل اجتهاده في معرفة حكمها من الكتاب والسنة وأقوال الخلفاء الراشدين ثم أفتى"‪.‬‬

‫وقال عبد اهلل بن المبارك‪ :‬حدثنا سفيان عن عطاء بن السائب عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال‪:‬‬
‫"أدركت عشرين ومائة من أصحاب رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬أراه قال‪ :‬في المسجد‪ -‬فما‬
‫ود أن أخاه كفاه الحديث‪ ،‬وال مفت إال َّ‬
‫ود أن أخاه كفاه الفتيا"‪.‬‬ ‫كان منهم محدث إال َّ‬
‫ثم قال ابن القيم ‪-‬رحمه اهلل‪" :-‬قلت‪ :‬الجرأة على الفتيا تكون من قلة العلم‪ ،‬أو من غزارته وسعته‬
‫–يعني ليست مذمومة مطلقاً‪ -‬الجرأة على الفتيا تكون عن قلة العلم‪ ،‬مش مثل هذا ‪-‬قليل العلم‪ -‬إذا‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪354‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫تصدر للناس‪ ،‬وسئل عن مسائل إذا قال‪ :‬ال أدري‪ ،‬ال أدري‪ ،‬قلة علم وما عنده شيء؟ ال تطاوعه‬
‫نفسه‪ ،‬وهواه وشيطانه؟ أيش معنى أنك ما تدري‪ ،‬ليش تتصدر للناس وأنت ال تدري؟ هكذا يسول‬
‫له‪ ،‬هذا من قلة علم‪ ،‬فال يجرأ على الفتيا خشية أن يقال‪ :‬هذا ما هو شيء‪ ،‬إذا قال‪ :‬ال أدري كم مرة‬
‫‪ .......‬استفاضة بعلم وعمل وفضل وخير وصالح‪ ،‬سقط من أعين الناس‪ ،‬فيخشى أن يسقط من‬
‫أعين الناس فال يقول‪ :‬ال أدري‪ ،‬ومن غزارته وسعته‪ ،‬بحيث يكون الدليل والبرهان عنده مثل‬
‫الشمس‪ ،‬مثل هذا ما يتردد إال من جهة واحدة‪ ،‬إذا وجد من يكفيه الفتيا ‪-‬وإ ن كان غزير العلم واسع‬
‫العلم ودفع الفتيا إلى من تبرأ الذمة باإلحالة إليه‪ -‬مثل هذا يحمد؛ ألنه وإ ن كان غزير العلم واسع‬
‫االطالع‪ ،‬فيجيب عن كل مسألة ال بد أن يصاب بشيء؛ ألن النفس البشرية ضعيفة‪ ،‬إذا تتابع الناس‬
‫على مدحه والثناء عليه واإلشادة به‪ ،‬يخشى عليه‪ ،‬يخشى عليه ويخشى على غيره أن يفتن به‪.‬‬
‫يقول‪ :‬فإذا َّ‬
‫قل علمه أفتى عن كل ما يسأل عنه بغير علم‪ ،‬وإ ذا اتسع علمه اتسعت فتياه‪ ،‬ولهذا كان‬
‫ابن عباس ‪-‬رضي اهلل عنهما‪ -‬من أوسع الصحابة فتيا‪ ،‬وقد تقدم ‪-‬يقول ابن القيم‪ -‬أن فتاواه‬
‫جمعت في عشرين سفراً‪ ،‬وكان سعيد بن المسيب ‪-‬أيضاً‪ -‬واسع الفتيا‪.‬‬
‫المقصود أنه إذا كان هناك علم‪ ،‬فال يخلو إما أن يتعين عليه الجواب فال يجوز له حينئذ أن يتأخر‬
‫عن الجواب‪ ،‬إذا لم يتعين عليه‪ ،‬وصار بالنسبة له واجباً على الكفاية‪ ،‬وأحال على غيره؛ تورعاً أو‬
‫خشية من أن َيفتن أو ُيفتن‪ ،‬مثل هذا يمدح‪ ،‬لكن إن أجاب فهو األصل‪.‬‬
‫أقول‪ :‬من ابتلي بالفتيا وتعينت عليه فعليه بالورع‪ ،‬وعليه بصدق اللجأ إلى اهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪-‬‬
‫أن يعينه ويسدده ويوفقه للصواب‪ ،‬وعليه –أيضاً‪ -‬بقراءة ما يعينه إلى معرفة آداب المفتي‬
‫وشروطه‪.‬‬
‫ومن أهم ما كتب في ذلك الكتاب الجامع النافع الماتع (إعالم الموقعين عن رب العالمين) البن‬
‫القيم‪-‬رحمه اهلل تعالى‪.-‬‬
‫يقول الناظم‪-‬رحمه اهلل تعالى‪:-‬‬

‫والشرط في المفتي اجتهاد وهو أن *** يعرف من آي الكتاب والسنن‬


‫والفقه في فروعه الشوراد *** وكل ما له من القواعد‬
‫مع ما به من المذاهب التي *** تقررت ومن خالف المثبت‬
‫والنحو واألصول مع علم األدب *** واللغة التي أتت من العرب‬

‫قدراً به يستنبط المسائال *** بنفسه> لمن يكون سائالً‬


‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪355‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫مع علمه التفسير في اآليات *** وفي الحديث حالة الرواة‬


‫وموضع اإلجماع والخالف *** فعلم هذا القدر فيه كاف‬

‫يعني قدراً كافياً‪.‬‬


‫ثم قال‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ :-‬ومن شرط المستفتي أن يكون من أهل التقليد‪ :‬فيقلد المفتي في الفتيا‪،‬‬
‫وليس للعالم أن يقلد‪ ،‬العامة ‪-‬عامة المسلمين‪ -‬الذين ليست لديهم األهلية للنظر في النصوص‪،‬‬
‫والخالف واإلجماع‪ ،‬والموازنة بين كل ما ذكر‪ ،‬هذا عامي فرضه التقليد‪ ،‬وفي حكمه المتعلم الذي‬
‫لم يبلغ درجة األهلية‪ ،‬أهلية االستنباط من الكتاب والسنة‪ ،‬هؤالء فرضهم التقليد‪ ،‬كما في قوله ‪-‬جل‬
‫ون ﴾ [ سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪ ،] 43 :‬لكن على المقلد‬ ‫َه َل ِّ‬
‫الذ ْك ِر إِن ُكنتُ ْم الَ تَ ْعلَ ُم َ‬ ‫اسأَلُواْ أ ْ‬
‫وعال‪ ﴿ :-‬فَ ْ‬
‫أن يسأل من تبرأ ذمته بسؤاله‪.‬‬
‫قد يقول‪ :‬العامي ليست لديه أهلية‪ ،‬من يسأل؟ إذا رأى شخص مظهره مظهر عالم يكفي؟ يكفي أن‬
‫يكون الشكل الخارجي يؤهل ألن يسمى شيخاً؟ إذن كيف يطالب هذا العامي بسؤال من تبرأ ذمته‬
‫بسؤاله‪ ،‬وهو ليست لديه أهلية ‪-‬أهلية الموازنة‪ -‬بين من تبرأ ذمته بتقليده‪ ،‬ومن ال تبرأ ذمته‬
‫بتقليده‪.‬‬
‫قد يقول‪ :‬يستشير أهل العلم‪ ،‬نقول‪ :‬أين أهل العلم‪ ،‬هو اآلن ما بعد عرف أهل العلم الذين يمنكن أن‬
‫يقتدى بفعالهم وأقوالهم؟‬
‫نقول‪ :‬االستفاضة في هذا كافية‪ ،‬يعني إذا عرف الناس‪ ،..‬اتجهوا إلى فالن يسألونه‪ ،‬واشتهر بين‬
‫الناس أن هذا عالم يكفي العامي‪ ،‬شهادة‪ ،..‬عمله بهذه االستفاضة‪ ،‬وال يكلف ما وراء ذلك‪ ،‬هل‬
‫يجب على العامي أن ينظر في هذا العالم‪ ،‬هل انطبقت فيه الشروط السابقة أم لم تنطبق؟ كيف؟ ما‬
‫يستطيع‪ ،‬ما يستطيع تطبيق هذه الشروط‪ ،‬وتكليفه بذلك تكليف بالمحال؛ هو ما يعرف‪ ،‬لو عرف أن‬
‫يطبق هذه الشروط في العالم لطبقها على نفسه‪ ،‬نعم‪ ،‬فكان يصير عالماً‪ ،‬وإ ذا اشترطنا فيه أن‬
‫يعرف العالم بالطرق المتبعة عند أهل العلم‪ ،‬لزم عليه الدور‪ ،‬المسألة مفترضة في عامي‪ ،‬لكن‬
‫نقول‪ :‬يكفي في ذلك االستفاضة‪ ،‬إذا اشتهر وشاع بين الناس أن فالناً يتجه إليه المسلمون بسؤالهم‪،‬‬
‫ويصدرهم بالعلم الذي لم يستفض نقده؛ ألنه إذا لم يكن عالماً حقيقياً‪ ،‬وال يتصدر للناس استفاض‬
‫نقده عند الناس‪ ،‬وكشفه اهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪ ،-‬فمثل هذا يكفي فيه أن يستفيض أمره ويشتهر عند‬
‫الناس أن هذا العالم‪ ،‬هذا الشخص من أهل العلم الذين تبرأ الذمة بتقليدهم‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪356‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫بعضهم يقول‪ :‬يأتي العالم ‪-‬يأتي العامي‪ -‬ويسأل أنت عالم؟ أنت مجتهد؟ فإن كان كذلك سأله‪......‬‬
‫ليس بالئق‪ ،‬وإ ن رجحه بعضهم‪ ،‬أسلوب ممجوج‪ ،‬نعم‪ ،‬ما يلزم يا أخي؛ ألنه لو كان متصدراً للناس‬
‫وقال له‪ ،..‬حتى أعلم الناس إذا قيل له‪ :‬أنت عالم؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬أيش يسوي العامي‪ ،‬يرجع؟ وأجهل‬
‫الناس إذا قيل له‪ :‬عالم‪ ،‬قال وأيش أنا جاهل؟ نعم‪ ،‬فهذه ليست طريقة‪.‬‬
‫أقول الطريقة لسؤال من تبرأ الذمة بسؤاله االستفاضة االستفاضة‪ ،‬فإذا سأل المقلد من تبرأ ذمته‬
‫بتقليده وجب عليه العمل بفتواه وإ ن لم يعرف الدليل؛ لقصوره عن إدراك األحكام بأدلتها‪.‬‬
‫تفضل؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬نعم‪ ،‬لكن الذم في العكس؛ ألن هذه دليل على أنه يتبع هواه‪ ،‬الذم يأتي‬
‫لو قيل‪ :‬عليك كذا‪ ،‬ثم ذهب؛ ليبحث عن األخف‪ ،‬نعم‪ ،‬يتتبع الرخص‪ ،‬وبعض طالب العلم يرى أنه‬
‫إذا أفتاه أكثر من واحد‪ ،‬تكون إحدى أو أحد الجوابين فيه تسهيل وتيسير واآلخر فيه تشديد يقول‪:‬‬
‫خذ الذي فيه تيسير؛ ألن النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬ما خير بين أمرين إال اختار أيسرهما‪.‬‬
‫نقول‪ :‬ما هو بصحيح هذا‪ ،‬نعم‪ ،‬أنت متهم‪ ،‬أنت متهم هنا؛ ألن حكم اهلل في المسألة واحد ال على‬
‫جهة التخيير‪ ،‬فأحدهما صواب واآلخر خطأ‪ ،‬في وقت النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬إذا اختار‬
‫أحدهما فهو شرع‪ ،‬لكن هل للعامي أن إذا قيل له‪ :‬عليك دماً‪ ،‬وقال‪ :‬الثاني ما عليك دماً‪ ،‬قال‪ :‬النبي‬
‫ما خير بين أمرين؟ نعم‪ ،‬ما نقول هذا الكالم؛ ألن النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬لما يختار األيسر‬
‫نعم‪ ،‬لما يختار األيسر‪ ،..‬نعم إذا خيرت في ما له أكثر من خصلة‪ ،‬كذا‪ ،‬وكذا اختار األيسر‪ ،‬خيرت‬
‫علي‪ ،‬أنا يا اهلل أطعم‪ ،‬اختار األيسر ال‬
‫بين عتق رقبة‪ ،‬وإ طعام وكسوة‪ ،‬تقول‪ :‬ال واهلل الطعام أخف َّ‬
‫بأس‪ ،‬لكن يقال لك‪ :‬مذهب أبي حنيفة الوجوب‪ ،‬ومذهب مالك االستحباب‪ ،‬نعم‪ ،‬تقول‪ :‬ال‪ ،‬مذهب‬
‫مالك االستحباب‪ ،‬ولو بعد وجدت قوالً يقول باإلباحة مستوى الطرفين‪ ،‬هذا أرغب إليك‪ ،‬هذا اختار‬
‫األيسر؟ ال أنت تتبعت رخص في هذه الحالة‪ ،‬وإ ذا تتبعت الرخص في جميع حياتك‪ ،‬خالص‬
‫انسلخت من الدين‪ ،‬فننتبه لهذا‪.‬‬
‫وليس للعالم المتأهل أن يقلد‪ ،‬بل عليه أن يستنبط؛ ألنه متعبد بشرع ووحي من كتاب وسنة‪ ،‬إال إذا‬
‫اجتهد ولم يتبين له الحكم‪ ،‬تردد‪ ،‬أو نزلت به حادثة يحتاج إلى جواب عاجل‪ ،‬تحتاج إلى جواب‬
‫عاجل‪ ،‬فال بأس حينئذ أن يقلد؛ ألن اهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬ال يكلف نفساً إال وسعها‪.‬‬
‫يقول الناظم‪-‬رحمه اهلل تعالى‪:-‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪357‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫ومن شرط السائل المستفتي *** أال يكون عالماً كالمفتي‬


‫فحيث كان مثله مجتهدا *** فال يجوز كونه مقلدا‬

‫وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد‪.‬‬

‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬كيف؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬هو يهمه األحكام‪ ،‬يهمه األحكام‪ ،‬فالذي تستنبط منه األحكام وتستمد‬
‫منه األحكام يهتم به‪ ،‬وما عدا ذلك من العلوم‪ ،‬في هذا الباب‪ ،‬في هذا الباب على وجه الخصوص‬
‫نعم؛ ألن العقيدة فن‪ ،‬واألحكام فن‪ ،‬هم عندهم في األحكام العملية‪ ،‬يفتي يعني فقيه‪ ،‬فقيه يفتي في‬
‫الفقه‪ ،‬لكن إذا أراد أن يفتي في كل علم‪ ،‬يفتي في الفقه‪ ،‬يفتي في الحديث‪ ،‬يفتي في التفسير‪ ،‬يفتي‬
‫في جميع العلوم‪ ،‬نعم‪ ،‬ال بد أن يعرف كل هذه العلوم‪.‬‬

‫‪‬‬

‫سم‪.‬‬
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد هلل رب العالمين وصلى اهلل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‪ ،‬أما بعد‪ :‬فقد قال المؤلف‪-‬رحمه اهلل تعالى‪:-‬‬

‫وليس للعالم أن يقلد‪ ،‬والتقليد‪ :‬قبول قول القائل بال حجة‪ ،‬فعلى هذا قبول قول النبي ‪-‬صلى اهلل‬
‫عليه وسلم‪ -‬ال يسمى تقليداً‪ ،‬ومنهم من قال‪ :‬التقليد‪ :‬قبول قول القائل‪ ،‬وأنت ال تدري من أين‬
‫قاله‪ ،‬فإن قلنا‪ :‬إن النبي ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬كان يقول بالقياس‪ ،‬فيجوز أن يسمى قبول قوله‬
‫تقليداً‪.‬‬
‫وأما االجتهاد‪ :‬فهو بذل الوسع في بلوغ الغرض‪ ،‬فالمجتهد إن كان كامل اآللة في االجتهاد‪ ،‬فإن‬
‫اجتهد في الفروع فأصاب فله أجران‪ ،‬وإ ن اجتهد فيها وأخطأ فله أجر‪ ،‬ومنهم من قال‪ :‬كل مجتهد‬
‫في الفروع مصيب‪ ،‬وال يجوز أن يقال‪ :‬كل مجتهد في األصول الكالمية مصيب؛ ألن ذلك يؤدي‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪358‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫إلى تصويب> أهل الضاللة من النصارى والمجوس والكفار والملحدين‪ ،‬ودليل من قال‪ :‬ليس كل‬
‫مجتهد في الفروع مصيباً قوله ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ « :-‬من اجتهد فأصاب فله أجران‪ ،‬ومن‬
‫اجتهد وأخطأ فله أجر واحد »‪ ،‬وجه الدليل أن النبي ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬خطأ المجتهد تارة‪،‬‬
‫وصوبه أخرى‪.‬‬

‫« َّ‬
‫الش ْـر ُح » ‪:‬‬
‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‪ ،‬لما ذكر المؤلف‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬شروط المفتي وهو المجتهد‪ ،‬وشروط المستفتي وهو‬
‫السائل‪ ،‬ثم ذكر أن العالم يعني المجتهد ليس له أن يقلد‪ ،‬مراده بذلك أن من تحققت لديه األهلية‬
‫‪-‬أهلية االستنباط من الكتاب والسنة‪ -‬ليس له أن يقلد في دينه الرجال؛ ألن المرد عند التنازع إلى‬
‫اهلل ورسوله‪ ،‬وليس إلى قول فالن وال عالن‪ ،‬مهما كانت سابقته وقدمه في‪ ،..‬ورسوخ قدمه‪،‬‬
‫فالمتأهل فرضه االجتهاد‪ ،‬كما أن العامي ومن في حكمه فرضه سؤال أهل العلم‪ ،‬وقبول قولهم‪،‬‬
‫وهذا تقدم‪.‬‬
‫ثم بين‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬حقيقة التقليد‪ ،‬وحقيقة االجتهاد‪ ،‬فالتقليد يقول‪ « :‬قبول قول القائل بال‬
‫حجة » ‪ :‬وهو في األصل مصدر قلد يقلد تقليداً‪.‬‬
‫التقليد‪ :‬وضع الشيء في العنق كالقالدة‪ ،‬إلحاطتها بالعنق‪ ،‬ومنه تقليد الهدي‪ ،‬شيئاً يعلم به أنه هدي‪،‬‬
‫ومنه تقليد الواليات من قبل اإلمام األعظم لوالة األقاليم‪ ،‬والذين كانوا يعرفون في السابق بالعمال‪.‬‬
‫المقصود أن كل هذا تقليد؛ ألنه تفويض لألمر كما في القاموس‪ :‬أعطيته قلد أمري‪ ،‬أي فوضته‬
‫إليه‪ ،‬فالمقلد يفوض أمر سؤاله إلى من يقلده من أهل العلم‪ ،‬ويقبل قوله من غير نقاش‪ ،‬ومن غير‬
‫معرفة دليل‪ ،‬ولذا قال المؤلف‪ « :‬التقليد‪ :‬قبول قول القائل بال حجة » ‪ :‬أي يذكرها لمن أراد‬
‫تقليده‪ ،‬فال يذكر الدليل لمن سأله‪ ،‬المجتهد إذا سئل عن مسألة ما‪ ،‬يفتي بما يدين اهلل به‪ ،‬بما توصل‬
‫إليه باجتهاده‪ ،‬وال يلزمه بيان مستنده‪ ،‬ينصون على هذا‪ ،‬لكن هذا يختلف باختالف أحوال السائلين‪،‬‬
‫فإن كان السائل عامياً ال يعرف درك المسألة فمثل هذا يعطى الحكم‪ ،‬وإ ن كان متعلماً طالباً للدليل؛‬
‫ليبني عليه فيما يستقبل من حياته العلمية‪ ،‬فمثل هذا يعلم الدليل‪ ،‬ويخبر بالدليل‪ ،‬ويعلم ويخبر بمأخذ‬
‫المسألة من هذا الدليل‪.‬‬
‫في مختصر التحرير يقول‪ :‬التقليد عرفاً أخذ مذهب الغير بال معرفة دليله‪ ،‬وفي األحكام البن حزم‪:‬‬
‫التقليد على الحقيقة إنما هو قبول ما قاله قائل دون النبي ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬بغير برهان‪ ،‬دون‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪359‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫النبي ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬بغير برهان‪ ،‬ثم قال‪ :‬فهذا هو الذي أجمعت األمة على تسميته تقليداً‬
‫وقام البرهان على بطالنه‪ ،‬هذا كالم ابن حزم‪ ،‬وسيأتي أن ابن حزم والشوكاني شددا في أمر‬
‫التقليد‪ ،‬ويأتي ما في كالمهما –إن شاء اهلل‪-‬والشوكاني في إرشاد الفحول عرف التقليد بأنه قبول‬
‫رأي من ال تقوم به الحجة بال حجة‪.‬‬
‫من ال تقوم به الحجة‪ :‬يعني من يستدل لكالمه وال يستدل بكالمه‪ ،‬فكالمهم المجرد ليس بحجة‪ ،‬إنما‬
‫يلتمس له الحجة من كالم اهلل‪ ،‬وكالم رسوله ‪-‬عليه الصالة والسالم‪.-‬‬
‫« بال حجة » ‪ :‬بال بيان لما اعتمد عليه هذا الغير المسؤول‪.‬‬
‫يقول‪ « :‬فعلى هذا قبول قول النبي ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يسمى> تقليداً » ‪ :‬لماذا؟ ألن التعريف‬
‫الذي ذكره ينطبق عليه؛ ألن النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬يذكر القول ‪-‬يذكر حكم المسألة‪ -‬وال‬
‫يذكر دليله‪ ،‬من هذه الحيثية سماه تقليداً‪ ،‬لكن هل هذا الكالم صحيح؟‬
‫التقليد‪ :‬قبول قول من ليس بحجة ‪-‬من يحتج لكالمه‪ -‬أما تقليد من يحتج بكالمه فليس بتقليد‪ ،‬من‬
‫يحتج بكالمه‪ ،..‬فرق بين من يحتج بكالمه وبين من يبحث الدليل لالحتجاج به لكالمه‪.‬‬
‫فنصوص الكتاب والسنة ما جاء عن اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬وعن رسوله ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬هذه‬
‫أصول يحتج بها‪ ،‬وال يحتج لها‪ ،‬أما ما جاء عن غيرهما فإنه مما يحتج له وال يحتج به‪.‬‬
‫فالصواب أن قول النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬حجة يحتج به وال يحتج له‪ ،‬ولذا قال المصنف‬
‫الجويني في البرهان‪ :‬وذهب بعضهم إلى أن التقليد قبول قول القائل بال حجة‪ ،‬ومن سلك هذا‬
‫المسلك منع أن يكون قبول قول النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬تقليداً؛ فإنه حجة بنفسه‪ ،‬حجة‬
‫بنفسه‪.‬‬
‫ومنهم من قال‪ :‬كالم المؤلف‪ « ،‬ومنهم من قال‪ :‬التقليد قبول قول القائل وأنت ال تدري من أين‬
‫قاله » ‪ :‬أي ال تعرف معتمده ومأخذه واألصل الذي اعتمد عليه‪ ،‬فإن قلنا يقول‪ « :‬المؤلف‪ :‬فإن‬
‫قلنا‪ :‬إن النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬كان يقول بالقياس » ‪ :‬يعني يجتهد إن كان النبي ‪-‬عليه‬
‫الصالة والسالم‪ -‬له أن يجتهد‪ ،‬إن كان الرسول ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬له أن يأخذ بالقياس‬
‫ويجتهد‪ ،‬فإن قبول قوله يسمى تقليداً‪ ،‬وإ ن كان ال يجوز له أن يجتهد‪ ،‬وإ نما جميع ما يصدر عنه‬
‫ق َع ِن ا ْل َه َوى* إِ ْن ُه َو إِاَّل َو ْح ٌي‬ ‫إنما هو توقيف من اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬بدليل آية النجم‪ ﴿ ،‬وما ي ِ‬
‫نط ُ‬ ‫ََ َ‬
‫وحى﴾ [ سورة النجم ‪ 3 :‬ـ ‪ ،] 4‬يعني ما ينطق‪ ،‬جميع ما ينطق ال يكون عن هوى‪ ﴿ ،‬إِ ْن ُه َو إِاَّل‬ ‫ُي َ‬
‫وحى﴾‪ ،‬فهذه اآلية تمنع اجتهاد النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬وبها يستدل من يقول بأنه‬
‫َو ْح ٌي ُي َ‬
‫ليس له أن يجتهد‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪360‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫لكن الواقع يدل على أن النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬اجتهد في مسائل‪ ،‬وأقر على كثير منها‪ ،‬ولم‬
‫يقر على بعضها‪ ،‬اجتهد ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬في أسرى بدر‪ ،‬ولم يقر على اجتهاده‪ ،‬فدل على‬
‫أنه ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬له أن يجتهد‪.‬‬
‫يعني مسألة اجتهاد النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬إثباتاً ونفياً‪ ،‬مسألة خالفية بين أهل العلم‪ ،‬اآلية‬
‫تدل على أن جميع ما ينطق به وحي‪ ،‬والواقع يشهد بأنه اجتهد‪ ،‬أقر في جميع اجتهاداته إال القليل‬
‫النادر التي لم يقر عليها‪ ،‬كقضية أسرى بدر‪ ،‬وهذه مسألة مشهورة‪ ،‬هذه مسألة‪َ ﴿ ،..‬عفَا اللّ ُه َعن َك‬
‫ِل َم أ َِذ َ‬
‫نت َل ُه ْم ﴾[ سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪ ،] 43 :‬نعم‪،‬‬
‫ما كان‪ ..‬هاه؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬في األسرى‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‪ :‬أي نعم‪ ،‬نعم ﴿ َحتَّى ُيثْ ِخ َن ِفي األ َْر ِ‬
‫ض ﴾ [ سورة األنفال‪ ،‬اآلية ‪:‬‬ ‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫‪ ،] 67‬لم يقر على هذا االجتهاد‪ ،‬لم يقر على هذا االجتهاد‪ ،‬فدل على أنه يجتهد‪ ،‬إذن كيف نوفق‬
‫بين هذا وبين اآلية؟ له أن يجتهد وال ينطق عن الهوى‪ ،‬إن وافق االجتهاد الصوابـ أقر‪ ،‬ويكون‬
‫اإلقرار حينئذ عمله واجتهاده مؤيد بالوحي –باإلقرار‪ -‬إن لم يقر ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬فال‬
‫يعتبر من نطقه‪ ،‬إن لم يقر‪ ،‬إن لم يقر‪ ،‬يعني ال يخلو إما أن يكون اجتهاده موافقاً وأقر عليه‪ ،‬هذا ما‬
‫شي‪ ،‬هذا داخل في الوحي‪ ،‬إن لم يقر عليه‪ ،‬فعدم اإلقرار –أيضاً‪ -‬وحي‪ ،‬فالثابت في النهاية هو‬
‫الوحي‪.‬‬
‫على كل حال مثل ما ذكرنا سابقاً إن مسألة االجتهاد والتقليد مسألة حصل فيها اإلفراط والتفريط‪،‬‬
‫والقول الوسط في المسألة أن العامي ومن في حكمه فرضه التقليد‪ ،‬ومن تأهل لالجتهاد‪ ،‬واكتملت‬
‫لديه اآللة لالستنباط من الكتاب والسنة فإنه حينئذ ال يسوغ له أن يقلد إال إذا لم يتمكن من التقليد في‬
‫وقت مثالً‪ ،‬وهذا سبقت اإلشارة إليه‪.‬‬
‫شدد ابن حزم والشوكاني في مسألة التقليد‪ ،‬يقول الشوكاني في تفسيره ‪-‬فتح القدير في تفسير سورة‬
‫ون* َب ْل قَالُوا إِ َّنا َو َج ْد َنا‬ ‫ستَ ْم ِس ُك َ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫اه ْم كتَ ًابا ِّمن قَْبله فَ ُهم ِبه ُم ْ‬
‫الزخرف كالماً طويالً جداً‪ ﴿ :-‬أَم آتَْي َن ُ ِ‬
‫ْ‬
‫س ْل َنا ِمن قَْب ِل َك ِفي قَ ْر َي ٍة ِّمن َّن ِذ ٍ‬
‫ير إِاَّل قَا َل‬ ‫ِ‬ ‫ار ِهم ُّم ْهتَ ُد َ‬
‫ون* َو َك َذل َك َما أ َْر َ‬ ‫ُم ٍة َوإِ َّنا َعلَى آثَ ِ‬
‫آباء َنا َعلَى أ َّ‬‫َ‬
‫َه َدى ِم َّما َو َجدتُّ ْم‬ ‫ال أ ََولَ ْو ِج ْئتُ ُكم ِبأ ْ‬ ‫ار ِهم ُّم ْقتَ ُد َ‬
‫ون* قَ َ‬ ‫ُم ٍة َوإِ َّنا َعلَى آثَ ِ‬ ‫وها إِ َّنا َو َج ْد َنا َ‬
‫آباء َنا َعلَى أ َّ‬ ‫ُمتَْرفُ َ‬
‫ون ﴾ [ سورة الزخرف ‪ 21 :‬ـ ‪ ،] 24‬سئلوا فأجابوا‬ ‫علَ ْي ِه آباء ُكم قَالُوا إِ َّنا ِبما أُر ِس ْلتُم ِب ِه َك ِ‬
‫اف ُر َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪361‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫بأنهم وجدوا آبائهم على هذا‪ ،‬ولن يغيروا ما وجدوا عليه آبائهم‪ ،‬ويشبه إلى حد كبير ما يتفوه به‬
‫سواء كانت المذاهب األصلية أو الفرعية‪ ،‬تأتي له بالدليل ‪-‬دليل المسألة‪-‬‬
‫ً‬ ‫بعض متعصبة المذاهب‪،‬‬
‫من الكتاب أو من الصحيحين أو من غيرهما‪ ،‬مما صح عن النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬فيقول‪:‬‬
‫هذا المذهب‪ ،‬هذا المذهب وعليه العمل‪ ،‬هذا المذهب وعليه العمل‪ ،‬وكل عمر الناس يفعلون كذا‪،‬‬
‫طيب هل هذه حجج‪ ،‬هل هذه حجج تعارض بها النصوص؟ هذه يقولها بعض متعصبة المذاهب‪.‬‬
‫ماذا يقول الشوكاني‪ ،‬قال بعد أن فسر اآليات يقول‪ :‬وهذا من أعظم األدلة الدالة على بطالن التقليد‬
‫وقبحه‪ ،‬فإن هؤالء المقلدة في اإلسالم إنما يعملون بقول أسالفهم‪ ،‬ويتبعون آثارهم‪ ،‬ويقتدون بهم‪،‬‬
‫فإذا رام الداعي إلى الحق أن يخرجهم من ضاللة‪ ،‬أو يدفعهم عن بدعة قد تمسكوا بها‪ ،‬وورثوها‬
‫بمجرد قال وقيل لشبهة داحضة‪ ،‬وحجة زائفة‪،‬‬ ‫عن أسالفهم بغير دليل نير‪ ،‬وال حجة واضحة‪ ،‬بل ّ‬
‫ُم ٍة َوإِ َّنا َعلَى آثَ ِ‬
‫ار ِهم‬ ‫ومقالة باطلة‪ ،‬قالوا بما قاله المترفون من هذه الملل‪ ﴿ :‬إِ َّنا َو َج ْد َنا َ‬
‫آباء َنا َعلَى أ َّ‬
‫ون ﴾‪.‬‬
‫ُّم ْقتَ ُد َ‬
‫األمة ‪-‬كما قال قتادة وأبو عبيد وغيرهم والجوهري‪ -‬يقولون‪ :‬األمة الطريقة والدين‪ ،‬إنا وجدنا‬
‫ون ﴾‪.‬‬‫ار ِهم ُّم ْقتَ ُد َ‬‫آباءنا على طريقة ‪-‬على منهج‪ -‬سائرين عليه‪ ،‬ولن نخالفهم‪َ ﴿ ،‬وإِ َّنا َعلَى آثَ ِ‬
‫ُم ٍة َوإِ َّنا َعلَى آثَ ِ‬
‫ار ِهم‬ ‫يقول‪ :‬يجيب هؤالء بما قاله المترفون من هذه الملل‪ ﴿ :‬إِ َّنا َو َج ْد َنا َ‬
‫آباء َنا َعلَى أ َّ‬
‫ون ﴾‪ ،‬أو بما يالقي معناه معنى ذلك‪ ،‬يعني ما يلزم أن يقولوا إنا وجدنا آباءنا على أمة‪ ،‬ال‪،‬‬ ‫ُّم ْقتَ ُد َ‬
‫يقول‪ :‬كل عمر الناس يسوونه‪ ،‬أو هذا المذهب وعليه العمل‪.‬‬
‫الحق‪ :‬قد جمعتنا الملة اإلسالمية‪ ،‬وشملنا هذا الدين المحمدي‪ ،‬ولم‬
‫ّ‬ ‫يقول‪ :‬فإن قال لهم الداعي إلى‬
‫يتعبدنا اهلل‪ ،‬وال تعبدكم‪ ،‬وتعبد آباءكم من قبلكم إالّ بكتابه الذي أنزله على رسوله ‪-‬صلى اهلل عليه‬
‫صح عن رسوله ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ ،-‬فإنه المبين لكتاب اهلل‪ ،‬الموضح لمعانيه‪،‬‬
‫وسلم‪ ،-‬وبما ّ‬
‫وسنة رسوله ‪-‬عليه‬ ‫نرد ما تنازعنا فيه إلى كتاب اهلل‪ّ ،‬‬ ‫الفارق بين محكمه ومتشابهه‪ ،‬فتعالوا ّ‬
‫الصالة والسالم‪ ،-‬كما أمرنا اهلل بذلك في كتابه بقوله‪ ﴿ :‬فَِإن تََن َاز ْعتُ ْم ِفى َ‬
‫ش ْىء فَُردُّوهُ إِلَى اهلل‬
‫الرد إلى ما قاله‬ ‫الرد إليهما أهدى لنا ولكم من ّ‬ ‫والرسول ﴾ [ سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪ ،] 59 :‬فإن ّ‬
‫األسالف‪ ،‬ودرج عليه اآلباء‪ ،‬إذا قيل لهم ذلك‪ ،‬نفروا نفور الوحش‪ ،‬ورموا الداعي لهم إلى ذلك‬
‫ان قَ ْو َل المؤمنين إِ َذا ُد ُعواْ‬ ‫بكل حجر ومدر‪ ،‬كأنهم لم يسمعوا قول اهلل سبحانه وتعالى‪ ﴿ :‬إِ َّن َما َك َ‬
‫ط ْع َنا ﴾ [ سورة النور‪ ،‬اآلية ‪ ،] 51 :‬وال قوله‪:‬‬ ‫س ِم ْع َنا َوأَ َ‬ ‫إِلَى اهلل ور ِ ِ‬
‫سوِله ل َي ْح ُك َم َب ْي َن ُه ْم أَن َيقُولُواْ َ‬‫ََ ُ‬
‫ش َج َر َب ْي َن ُه ْم ثُ َّم الَ َي ِج ُدواْ ِفي أَنفُ ِس ِه ْم َح َرجاً ّم َّما قَ َ‬
‫ض ْي َت‬ ‫يما َ‬ ‫ون حتى يح ّكم َ ِ‬
‫وك ف َ‬ ‫َُ ُ‬ ‫﴿ فَالَ َو َر ّب َك الَ ُي ْؤ ِم ُن َ‬
‫س ِليماً ﴾ [ سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪ ،] 65 :‬يقول‪ :‬فإن قال لهم القائل‪ :‬هذا العالم الذي‬ ‫سلّ ُمواْ تَ ْ‬ ‫َو ُي َ‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪362‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫تقتدون به‪ ،‬وتتبعون أقواله هو مثلكم‪ ،‬هذا العالم مثلكم من أي وجه‪ ،‬يعني في كونه متعبداً بالكتاب‬
‫والسنة‪ ،‬مطلوباً منه ما هو مطلوب منكم‪ ،‬وإ ذا عمل برأيه عند عدم وجدانه الدليل‪ ،‬فذلك رخصة له‬
‫ال يح ّل أن يتبعه غيره عليها‪ ،‬وال يجوز له العمل بها‪ ،‬وقد وجد الدليل الذي لم يجده‪ ،‬يعني المتأخر‬
‫سنة رسوله‬
‫صح من ّ‬
‫وجد دليالً لم يقف عليه المتقدم‪ ،‬وها أنا أوجدكموه في كتاب اهلل‪ ،‬أو فيما ّ‬
‫‪-‬عليه الصالة والسالم‪ ،-‬وذلكم أهدى لكم مما وجدتم عليه آباءكم‪ ،‬قالوا‪ :‬ال نعمل بهذا‪ ،‬وال سمع‬
‫لك وال طاعة‪ ،‬ووجدوا في صدورهم أعظم الحرج هناك‪ ﴿ ،‬ثُ َّم الَ َي ِج ُدواْ ِفي أَنفُ ِس ِه ْم َح َرجاً ّم َّما‬
‫والسنة‪ ،‬ولم يسلموا ذلك‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ض ْي َت ﴾‪ ،‬وهؤالء يجدون في صدورهم أعظم الحرج‪ ،‬من حكم الكتاب‬ ‫قَ َ‬
‫وال أذعنوا له‪ ،‬وقد وهب لهم الشيطان عصاً يتوكئون عليها عند أن يسمعوا من يدعوهم إلى الكتاب‬
‫وسنة رسوله –‬
‫والسنة‪ ،‬وهي أنهم يقولون‪ :‬إن إمامنا الذي قلدناه‪ ،‬واقتدينا به أعلم منك بكتاب اهلل‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪ ،-‬نعم‪ ،‬هذه قيلت بالحرف‪ ،‬تقول للواحد منهم‪ ،‬من أهل الفضل والخير والعلم‬
‫والعمل والصالح‪ ،‬تقول له‪ :‬الدليل في البخاري أو في مسلم‪ ،‬يقول‪ :‬هل عندنا علم أكثر من علم‬
‫اإلمام أحمد بالسنة؟‬
‫ما عدل اإلمام أحمد عن هذا الدليل إال ألنه وجد ما يعارضه مما هو أقوى منه‪ ،‬ما احنا بأعلم من‬
‫اإلمام أحمد‪ ،‬وقل مثل هذا في مالك والشافعي وغيرهم‪ ،‬يعني هل مثل هذا الكالم يخفى على أحمد‪،‬‬
‫هذا كالمهم‪ ،‬وهذه حجتهم‪ ،‬هذه عصاً أعطاهم إياها الشيطان‪ ،‬وهيأها لهم يتوكئون عليها في دفع‬
‫النصوص‪ ،‬وهي حجة في ظاهرها‪ ،‬يعني لها حظ من النظر؛ أئمة كبار‪ ،‬األئمة المقلدون كبار‬
‫يحفظون مئات األلوف من السنن‪ ،‬فيأتي شخص حديث عهد بعلم ويرد على كبار األئمة‪ ،‬لكن هذا‬
‫الشخص الذي بيده الدليل الحق معه‪ ،‬حتى يوجد دليل يعارض هذا الدليل ويكون أقوى منه‪.‬‬
‫والسنة‪ ،‬وهي‬
‫ّ‬ ‫وقد وهب لهم الشيطان عصاً يتوكئون عليها عند أن يسمعوا من يدعوهم إلى الكتاب‬
‫وسنة رسوله ‪-‬صلى اهلل عليه‬
‫أنهم يقولون‪ :‬إن إمامنا الذي قلدناه واقتدينا به أعلم منكم بكتاب اهلل‪ّ ،‬‬
‫تقدم العصر وكثرة‬
‫تصورت من يقتدون به تصوراً عظيماً بسبب ّ‬
‫وسلم‪-‬؛ وذلك ألن أذهانهم قد ّ‬
‫األتباع؛ ألنه قد يقول قائل‪ :‬كم أتباع أبي حنيفة منذ أن قام مذهبه إلى يومنا هذا؟ من يحصيهم‬
‫والمشرق كله حنفية‪ ،‬وبقية األقطار اإلسالمية فيها أيضاً حنفية‪ ،‬خالل قرون وأئمة كبار فحول‬
‫قلدوا هذا اإلمام‪ ،‬يمكن أن يخفى عليهم مثل هذا الكالم؟‬
‫هذه من الحجج الذي يلبس بها المتعصبة حينما يدعون إلى األخذ بالكتاب والسنة‪ ،‬وما علموا أن‬
‫هذا منقوض عليهم‪ ،‬مدفوع به في وجوههم‪ ،‬فإنه لو قيل‪ :‬إن التابعين‪ ،‬أو إن في التابعين من هو‬
‫أعظم قدراً‪ ،‬وأقدم عصراً من صاحبكم‪ ،‬فإن كان لتقدم العصر وجاللة القدر مزية حتى توجب‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪363‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫االقتداء‪ ،‬فتعالوا حتى أريكم من هو أقدم عصراً‪ ،‬وأج ّل قدراً‪ ،‬يعني في الفقهاء السبعة ‪-‬فقهاء‬
‫المدينة السبعة من التابعين‪ -‬من هو أهل ألن يقلد‪ ،‬فإذا كان القدم يؤهل للتقليد‪ ،‬ويبرر ويبرهن‬
‫للتقليد‪ ،‬ففي من تقدم عصر األئمة –أيضاً‪ -‬من هو أهل للتقليد‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬فإن أبيتم ذلك‪ ،‬ففي الصحابة ‪-‬رضي اهلل عنهم‪ -‬من هو أعظم قدراً من صاحبكم علماً‬
‫وعمالً وفضالً‪ ،‬وجاللة قدر‪ ،‬تقولون‪ :‬أبو حنيفة أهل ألن يقلد؛ ألنه إمام‪ ،‬نقول‪ :‬أي إمامة أبي‬
‫حنيفة أو إمامة أبي بكر؟ أبو بكر أهل ألن يقلد‪ ،‬تقولون‪ :‬مالك‪ ،‬أي مالك وعمر –مثالً‪ -‬تقولون‪:‬‬
‫أحمد يحفظ من السنة‪ ،‬ومالك نجم السنن‪ ،‬أي هؤالء وأبو هريرة في الحفظ‪ ،‬لماذا ال نطلع فوق‬
‫ونقلد الصحابة؟ هذا كالم الشوكاني‪.‬‬
‫فإن أبيتم ذلك‪ ،‬فها أنا أدلكم على من هو أعظم قدراً‪ ،‬وأج ّل خطراً‪ ،‬وأكثر أتباعاً‪ ،‬وأقدم عصراً‪،‬‬
‫وهو‪ :‬محمد بن عبد اهلل نبينا ونبيكم ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬ورسول اهلل إلينا وإ ليكم‪ ،‬فتعالوا‪ ،‬فهذه‬
‫سنته موجودة في دفاتر اإلسالم‪ ،‬ودواوينه التي تلقتها جميع األمة قرناً بعد قرن‪ ،‬وعصراً بعد‬
‫ّ‬
‫عصر‪ ،‬وهذا كتاب ربنا خالق الكل‪ ،‬ورازق الكل‪ ،‬وموجد الكل بين أظهرنا موجود في كل بيت‪،‬‬
‫وبيد كل مسلم لم يلحقه تغيير وال تبديل‪ ،‬وال زيادة‪ ،‬وال نقص‪ ،‬وال تحريف‪ ،‬وال تصحيف‪ ،‬ونحن‬
‫الحق من معدنه‪ ،‬ونشرب صفو الماء من‬
‫ّ‬ ‫وأنتم ممن يفهم ألفاظه‪ ،‬ويتعقل معانيه‪ ،‬فتعالوا لنأخذ‬
‫منبعه‪ ،‬فهو أهدى مما وجدتم عليه آباءكم‪.‬‬
‫قالوا –يعني بلسان الحال‪ :-‬ال سمع وال طاعة‪ ،‬يقول‪ :‬إما بلسان المقال‪ ،‬وإ ما بلسان الحال‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫فتدبر هذا‪ ،‬وتأمله إن بقي فيك بقية من إنصاف‪ ،‬وشعبة من خير‪ ،‬ومزعة من حياء‪ ،‬وحصة من‬
‫العلي العظيم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫قوة إالّ باهلل‬
‫دين‪ ،‬وال حول وال ّ‬
‫يقول‪ :‬وقد أوضحت هذا غاية اإليضاح في كتابي الذي سميته «أدب الطلب ومنتهى األرب»‪،‬‬
‫فارجع إليه إن رمت أن تنجلي عنك ظلمات التعصب‪ ،‬وتتقشع لك سحائب التقليد" انتهى كالمه‬
‫بحروفه‪.‬‬
‫ابن حزم –أيضاً‪ -‬له كالم طويل جداً في إبطال التقليد في الباب السادس والثالثين من األحكام‪.‬‬
‫هذا الكالم وإ ن كان فيه شدة على جماهير المسلمين الذين يتبعون المذاهب األربعة‪ ،‬هذا فيه شدة‬
‫عليهم‪ ،‬لكنه أقرب إلى الحق والصواب‪ ،‬نعم‪ ،‬مما يتذرع به كثير من متعصبة المذاهب؛ ألن كالم‬
‫مثل هؤالء يدعون إلى الكتاب والسنة الذي هو األصل‪ ،‬وأولئك يدعون إلى تقليد الرجال ثقة بهم‬
‫وبإمامتهم وعلمهم وعملهم‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪364‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫انظروا إلى كالم في الطرف اآلخر‪ ،‬إذا قارنا كالم الشوكاني السابق بكالم الصاوي في حاشيته‬
‫اع ٌل َذِل َك‬
‫شي ٍء إِِّني فَ ِ‬ ‫ِ‬
‫على الجاللين في الجزء الثالث (صفحة ‪ )10‬عند قوله تعالى‪َ ﴿ :‬واَل تَقُولَ َّن ل َ ْ‬
‫شاء اللَّ ُه ﴾ [ سورة الكهف ‪ 23 :‬ـ ‪ ،] 24‬اسمعوا ما يقول‪ ،‬يعني الكالم الذي سمعناه‬ ‫َغ ًدا إِاَّل أَن َي َ‬
‫من كالم الشوكاني في غاية القوة في طرف‪ ،‬واسمعوا كالم الصاوي أيش يقول‪.‬‬
‫يقول‪ :‬وال يجوز تقليد ما عدا المذاهب األربعة‪ ،‬وال يجوز تقليد ما عدا المذاهب األربعة‪ ،‬ولو وافق‬
‫أيش يعني؟ يعني ما عدا المذاهب األربعة‪ ،‬ولو وافق قول الصحابة والحديث الصحيح واآلية‪ ،‬وال‬
‫يجوز تقليد ما عدا المذاهب األربعة‪ ،‬ولو وافق قول الصحابة والحديث الصحيح واآلية‪ ،‬فالخارج‬
‫عن المذاهب األربعة ضال مضل‪ ،‬وربما أداه ذلك للكفر‪ ،‬يقول‪ :‬ألن األخذ بظواهر الكتاب والسنة‬
‫من أصول الكفر!‬
‫يعني هل هذا كالم يقبله عاقل‪ ،‬هل هذا الكالم يقبله عاقل منصف؟ معارك في مسألة االجتهاد‬
‫والتقليد‪ ،‬ال نختلف في أن األصل الكتاب والسنة‪ ،‬ال يختلف على هذا أحد‪ ،‬لكن هل التقليد مذموم‬
‫وهل االجتهاد واجب‪ ،‬وهل المطالب بذلك جميع الناس؟ أو المطالب به فئة من الناس‪.‬‬
‫يعني قبل ربع قرن ثارت ثورة على التقليد وعلى كتب الفقهاء‪ ،‬وعلى أئمة اإلسالم ونبذ أقوالهم‪،‬‬
‫والتفقه من الكتاب والسنة مباشرة‪ ،‬هذه دعوى أو دعوة إلى األخذ باألصول‪ ،‬والمظنون بمن أطلقها‬
‫الظن الحسن‪ ،‬وقد ساءه وأهمه وأغمه ما يرد في ثنايا كالم متعصبة المذاهب في المسائل األصلية‬
‫والفرعية‪ ،‬ومن ذلكم ما سمعنا من كالم الصاوي‪.‬‬
‫ظهرت دعوى لنبذ التقليد وعدم النظر في كتب الفقهاء‪ ،‬والتفقه مباشرة من الكتاب ولسنة‪ ،‬دعوة‬
‫إلى أخذ العلم من معدنة‪ ،‬لكن ينبغي أن يفرق بين الناس‪ ،‬وال شك أن من تأهل لالستنباط من الكتاب‬
‫والسنة أنه ليس له أن يقلد أحداً‪ ،‬وإ نما عليه أن يجتهد‪ ،‬وال يجوز له أن يقلد في دينه الرجال؛ ألن‬
‫سواء كان عامياً أو مبتدئاً في الطلب‪ ،‬ليست‬
‫ً‬ ‫المرد عند التنازع إلى الكتاب والسنة‪ ،‬والذي لم يتأهل‬
‫لديه األهلية‪ ،‬وليست لديه اآللة كاملة‪ ،‬مثل هذا فرضه سؤال أهل العلم‪ ،‬وفي حكم سؤال أهل العلم‬
‫األخذ من كتبهم‪ ،‬وهذا هو التقليد‪.‬‬
‫لما ينادي هؤالء ‪-‬الذين نجزم بأنهم على خير ويدعون إلى خير بنبذ الكتاب والسنة‪ ،‬ويلقون مثل‬
‫هذه المسائل ويشددون فيها في مختلف طبقات المتعلمين‪ -‬يريدون أن يأتي المبتدئ ويتفقه من‬
‫الكتاب والسنة‪.‬‬
‫المبتدئ بيمسك المصحف ويشوف أول آية وثاني آية فيها حكم بيطبق‪ ،‬مبتدئ ما يعرف شيئاً‪ ،‬يأتي‬
‫سواء كانت المطولة أو‬
‫ً‬ ‫إلى صحيح البخاري أو مسلم أو بلوغ المرام وغيره من كتب السنة‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪365‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫المختصرة فيعمل بهذه األحاديث‪ ،‬وقد يكون لهذه األحاديث نواسخ في كتب أخرى‪ ،‬متى يعرف أن‬
‫هذا الحكم منسوخ‪ ،‬يعني إذا قرأ في كتب السنة باب األمر بقتل الكالب‪ ،‬ثم أ خذ المسدس وكلما‬
‫شاف كلباً أفرغ في رأسه رصاصة‪ ،‬مأمور بقتل الكالب‪ ،‬ثم بعد ذلك يأتيه باب نسخ األمر بقتل‬
‫الكالب‪ ،‬مثل هذا يقال له‪ :‬اجتهد من الكتاب والسنة‪ ،‬أو نقول‪ :‬تأهل على الطريقة وعلى الجادة‬
‫المتبعة عند أهل العلم؟ اقرأ في كتب الفقه‪ ،‬اقرأ ألهل العلم ‪-‬لفقهاء األمصار‪ -‬ووازن بين أقوالهم‬
‫باألدلة ورجح ما يرجحه الدليل‪.‬‬
‫حينما يوجه طالب العلم المبتدئ إلى كتاب فقه من المتون المعتمدة في المذاهب ‪-‬وكل بحسبه‪ ،‬وما‬
‫هو بمعتمد في بلده‪ -‬حينما يقال لطالب العلم المبتدئ‪ :‬احفظ الزاد‪ ،‬وادرس الزاد‪ ،‬واحضر دروس‬
‫الزاد‪ ،‬هل معنى هذا أننا نجعل الزاد بمثابة الكتاب والسنة‪ ،‬ال يحيد عنه طالب العلم؟ ال‪ ،‬إنما نجعل‬
‫مثل هذا الكتاب عناصر بحث‪ ،‬تأتي إلى المسألة األولى وتتصور هذه المسألة‪ ،‬تفهم هذه المسألة‪ ،‬ثم‬
‫تستدل لهذه المسألة‪ ،‬تبحث عن دليل لهذه المسألة‪ ،‬من قال بهذا القول؟ من خالف هذا القول؟ ما‬
‫دليلهم؟ تنظر في األدلة وترجح وتوازن وتأخذ بالقول الصائب من خالل الدليل‪ ،‬هذا هو االتباع‪،‬‬
‫هذه طريقة جادة متبعة عند أهل العلم‪ ،‬نعم منهم من يقتصر ويدعو إلى االقتصار على مرحلة‬
‫واحدة من المراحل‪ ،‬هذا الزاد‪ ،‬هذا زاد المستقنع احفظه وتصير إماماً‪ ،‬بنقول‪ :‬ما هو بصحيح‪،‬‬
‫ليس بصحيح‪ ،‬نقول‪ :‬احفظ الزاد‪ ،‬صح‪ ،‬افهم الزاد‪ ،‬صح‪ ،‬استدل لمسائل الزاد صحيح‪ ،‬اعرف من‬
‫خالف ومن وافق باألدلة صحيح‪ ،‬وازن بين األدلة صحيح‪ ،‬رجح ما يرجحه الدليل صحيح‪ ،‬هو هذا‬
‫االتباع‪ ،‬خطة‪ ،‬خطة تسير عليها‪ ،‬ليس معنى هذا أنك كل ما في الزاد صحيح‪ ،‬الزاد على صغر‬
‫حجمه قد هذا الكتاب‪ ،‬خالف المذهب في اثنتين وثالثين مسألة‪ ،‬إذن كم خالف القول الصحيح‬
‫الراجح بدليله؟‬
‫أكثر قطعاً‪ ،‬ال نريد من طالب العلم أن يتعصبوا لشخص‪ ،‬نريد منهم أن يعملوا بالدليل‪ ،‬ونريد منهم‬
‫أن يسيروا على الطرق والجواد المتعبة عند أهل العلم‪ ،‬الموصلة إلى العلم من أبوابه‪.‬‬
‫فالمبتدئ ال شك أنه يبي يتعلم‪ ،‬والعلم ال يأتي فجأة‪ ،‬ال يأتي دفعة واحدة‪ ،‬يأتي بالتدريج‪ ،‬وإ ذا كان‬
‫هذا الطالب يترجح له في يوم من األيام في بادئ األمر قول من خالل النظر في المسألة‪ ،‬وتصور‬
‫المسألة‪ ،‬واألدلة والموازنة؛ ألنه بهذه الطريقة بيعرف المسألة بأدلتها‪ ،‬وبيشوف دليل المخالف‬
‫اعتمد على ناسخ‪ ،‬اعتمد على منسوخ‪ ،‬اعتمد على عام‪ ،‬اعتمد على خاص‪ ،‬اعتمد على مطلق‪،‬‬
‫اعتمد على مقيد‪ ،‬وماشي‪ ،‬لكن لما ينظر إلى حديث بمفرده ويعمل به‪ ،‬ال يدري هل هو منسوخ‪ ،‬ال‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪366‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫يدري هل هو مقيد‪ ،‬ال يدري هل هو مخصص‪ ،‬ال يدري عن شيء‪ ،‬حتى يأتي الدليل المقيد‪ ،‬أو‬
‫الدليل المخصص‪ ،‬أو الدليل الناسخ بعد يمكن شهور وأعوام من بداية الطلب‪.‬‬
‫فأظن الكالم واضح ما فيه لبس‪ ،‬يعني الدعوة التي أثيرت قبل ربع قرن‪ ،‬دعوة محترمة‪ ،‬ولها حظ‬
‫كبير من النظر‪ ،‬والقائلون بها أهل خير وفضل وصالح‪ ،‬لكن نختلف معهم في من تلقى إليه هذه‬
‫الدعوى‪ ،‬فرق بين عامي وشبه عامي من مبتدئ يريد أن يتعلم ويسلك الجادة والطريقة المتبعة‪،‬‬
‫وبين متأهل‪ ،‬المتأهل ليس له أن ينظر في كالم فالن وعالن‪ ،‬إنما يأخذ من الكتاب والسنة‪ ،‬ومع‬
‫ذلكم عليه –أيضاً‪ -‬أن ينظر في أقوال الصحابة والتابعين ومن دونهم‪ ،‬ينظر في أقوال فقهاء‬
‫األمصار يستدل بها يستنير بها‪ ،‬يستنير بها؛ لئال يحدث قول يؤديه إليه فهمه لهذا النص وفهم‬
‫الصحابة على خالفه‪ ،‬ونحن ملزمون بفهم السلف‪ ،‬ال نبتدع فهم يختلف عن فهم السلف‪.‬‬
‫أظن الكالم واضح‪ ،‬والمقصود منه بيِّن‪ ،‬فنحن ندعو إلى األخذ بالكتاب والسنة؛ ألنهما هما األصل‪،‬‬
‫ونقدر ما قاله ابن حزم‪ ،‬وما قاله الشوكاني‪ ،‬وما يرمى به من دعاوى لالعتصام بالكتاب والسنة‬
‫وهذا األصل؛ ألن الكتاب والسنة أصل األصول‪ ،‬لكن يبقى أن هذا يخاطب به المتأهل‪ ،‬وأما بالنسبة‬
‫للمبتدئ فعلى الطريقة والجادة التي شرحنا وهي جادة مسلوكة عند أهل العلم‪ ،‬نعم يوجد في‬
‫المذاهب من يعتمد هذا الكتاب دستوراً ال يحيد عنه‪ ،‬هذا خطأ ال يقر‪ ،‬يعني في كل مذهب كتاب‬
‫معتمد‪ ،‬أيش معنى هذا؟‬
‫إن بعض الطلبة يقف إلى هذا الحد‪ ،‬خالص‪ ،‬يقول‪ :‬أنا حدي هذا الكتاب ويكفيني هذا الكتاب‪،‬‬
‫ويستمر مقلد‪ ،‬والمقلد يا إخوان ليس من أهل العلم اتفاقاً‪ ،‬كما نقل ذلك ابن عبد البر وغيره‪ ،‬ليس‬
‫من أهل العلم اتفاقاً المقلد‪ ،‬يعني ما في فرق بين عالم يسمونه عالم –الناس‪ -‬ويتصدى للقضاء بين‬
‫الناس وإ فتائهم وهو جامد على مذهب‪ ،‬ولو خالفه الدليل ال يتعداه؛ ألنه أخذ العلم من هذا الكتاب‬
‫الذي ال يتجاوز مائة صفحة‪ ،‬وبين عامي يسأل عالماً فيجيبه بالحكم‪ ،‬وأيش الفرق؟ ما في فرق‪،‬‬
‫إذن كلهم عوام‪.‬‬
‫العالم هو الذي يعرف الحكم بدليله‪ ،‬وهذا الطالب المبتدئ بالطريقة التي شرحناها ‪-‬بإذن اهلل‪ -‬إذا‬
‫كانت لديه األهلية للتحصيل من الفهم والحفظ فإنه ال يستغرق وقتاً طويالً حتى يسمى عالماً‪ ،‬بس‬
‫المسألة تحتاج إلى وجود آلة لفهم هذه النصوص‪ ،‬وما يعين على فهم هذه النصوص‪ ،‬ويكون عالماً؛‬
‫ألنه ليس بالمستحيل‪ ،‬لكن نحتاج إلى جادة متبعة مسلوكة توصل إلى العلم‪ ،‬ما نحتاج نتخبط‪ ،‬يوم‬
‫الكتاب هذا‪ ،‬ويوم الكتاب الفالني‪ ،‬يوم الكتاب العالني‪ ،‬يوم يروح لزيد من الناس وينصحه بكتاب‬
‫كذا‪ ،‬اقرأ كتاب كذا‪ ،‬ويمر على ثاني يقول‪ :‬ال‪ ،‬اترك هذا واقرأ كذا‪ ،‬ال‪ ،‬أنت عندك كتاب في بلدك‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪367‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫معتمد‪ ،‬اقرأ في هذا الكتاب‪ ،‬أيش المانع‪ ،‬لكن على الطريقة التي ذكرناها‪ ،‬اجعل مسائل الكتاب‬
‫عناصر بحث‪ ،‬وحينئذ توفق وتسدد واصدق اللجأ إلى ربك‪ ،‬أن يهديك لما اختلف فيه من الحق‬
‫بإذنه‪ ،‬وأكثر من االستغفار وأكثر من األذكار‪ ،‬واقرأ القرآن بالتدبر على الوجه المأمور به وسوف‬
‫يوفقك اهلل ‪-‬جل وعال‪.-‬‬
‫نعم‪ ،‬مسائل الجرح والتعديل باعتبار أن الرواة انتهوا‪ ،‬الرواة يعني عاصرهم من عاش في القرن‬
‫الثالث والقرن الثاني‪ ،‬والقرن األول‪ ،‬األئمة الذين عاصروا الرواة اجتهدوا وكل واحد َّقيم هذا‬
‫الراوي من وجهة نظره‪ ،‬وعلى ما يدين اهلل به من أن هذا الراوي يستحق هذه المرتبة‪ ،‬نعم‪ ،‬هذا‬
‫اجتهاد‪.‬‬
‫يبقى أن من جاء من بعد عصر الرواة يعني بعد الثالثمائة ليس له أن يحكم على الرواة إال من‬
‫خالل أقوال أهل العلم‪ ،‬فإن كان ممن يقلد الشافعي اكتفى بقول الشافعي انتهى‪ ،‬كان ممن يقلد مالك‬
‫واكتفى بقول مالك‪ ،‬استمر صار مقلداً‪ ،‬يقلد أحمد اكتفى بقول أحمد‪ ،‬لكن من أراد االجتهاد ‪-‬وباب‬
‫االجتهاد مفتوح إلى قيام الساعة‪ -‬ينظر في أقوال األئمة كلهم‪ ،‬ال سيما في الرواة المختلف فيهم‪.‬‬
‫الرواة المتفق على توثيقهم والمتفق على تضعيفهم ما فيهم إشكال‪ ،‬لكن يأتي رواة ‪-‬ابن لهيعة مثالً‪-‬‬
‫مختلف فيه جرح وتعديل فيه أكثر من عشرين قول لألئمة‪ ،‬طيب‪ ،‬نأتي إلى هذه األقوال وننظر في‬
‫هذه األقوال ونوازن أنها من خالل قواعد الجرح والتعديل‪ ،‬فإذا ترجح عندك من خالل القواعد‪،‬‬
‫وهذا مثل ما أشرنا إليه سابقاً أن االجتهاد المطلق بمعنى اإلطالق نعم‪ ،‬مشكل أو نادر‪ ،‬نادر في‬
‫غاية الندرة؛ ألنه حتى االجتهاد في معرفة قواعد الجرح والتعديل‪ ،‬أنت تنظر فيها من خالل قواعد‬
‫الجرح والتعديل‪ ،‬تجتهد في ثبوت ما يمكن إثباته من هذه القواعد ونفي ما يمكن نفيه من هذه‬
‫القواعد‪ ،‬فهذه آلة االجتهاد‪ ،‬وورائها اجتهاد ثالث وهكذا‪ ،‬فأنت تنظر في األقوال التي قيلت في هذا‬
‫الراوي‪ ،‬قالوا‪ :‬ثقة‪ ،‬قالوا‪ :‬ضعيف‪ ،‬قالوا‪ :‬كذا –تجمع‪ -‬ثالثة عشر من األئمة على تضعيفه‪ ،‬ثالثة‬
‫أو أربعة قالوا بأنه ثقة مطلقاً‪ ،‬مجموعة قالوا‪ :‬بأنه ثقة مع التقييد‪ ،‬فأنت توازن بين هذه األقوال‪،‬‬
‫فتخرج بما تدين اهلل به مع التجرد‪ ،‬ولذا ابن حجر حكم عليه بأنه صدوق‪ ،‬حكم عليه مرة صدوق‬
‫يخطئ‪ ،‬حكم عليه مرة –مراراً‪ -‬بأنه ضعيف؛ ألن المسألة تحتاج‪ ،..‬تحتاج إلى توازن ونظر في‬
‫كل راو من الرواة‪ ،‬وهذا فيه طول‪ ،‬ولذا من العلماء ‪-‬ال سيما كبار العلماء عندنا‪ -‬عندنا في هذا‬
‫الباب بالنسبة للسنة‪ ،‬يعني لو قلنا‪ :‬إن هؤالء االثنين ما لهم نظير‪ ،‬الشيخ عبد العزيز ‪-‬رحمه اهلل‪-‬‬
‫والشيخ األلباني‪ ،‬الشيخ عبد العزيز انصب اجتهاده إلى علم الحديث دراية واستنباط‪ ،‬اعتمد على‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪368‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫الحديث وصحح وضعف‪ ،‬لكن اعتماده في الرجال ما اعتمد على أن يبحث كل راوي بعينه‪ ،‬ثم بعد‬
‫ذلك‪ ،..‬ال‪ ،‬يثبت عنده الخبر‪ ،‬يكفيه أن يثبت عنده الخبر ويستنبط منه‪.‬‬
‫الشيخ األلباني على العكس يعني كان اجتهاد منصب إلى الراوية وإ ثبات الخبر‪ ،‬ثم بعد ذلك‬
‫االجتهاد في االستنباط مستواه ما هو مثل مستوى الشيخ ابن باز‪ ،‬كما أن اهتمام الشيخ بتخريج‬
‫األحاديث بالتصحيح والتضعيفـ والكالم على الرواة أقل من اجتهاد الشيخ األلباني‪ ،‬وكل على خير‬
‫عظيم فيما نحسب واهلل حسيبهم‪ ،‬واهلل يغفر للجميع‪.‬‬
‫تفضل‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬من أهل العصر؟ لماذا نحتاج إلى جرحهم وتعديلهم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬ال ال‪ ،‬هذا ليس له داعي‪ ،‬أصل الجرح والتعديل إنما أبيح للضرورة؛‬
‫ألنه على خالف األصل‪ ،‬والكالم في الناس ‪-‬ال سيما أهل العلم‪ -‬أمره خطير جداً‪ ،‬أعراض‬
‫المسلمين حفرة من حفر النار‪ ،‬أعراض المسلمين حفرة من حفر النار خطر‪ ،‬يعني يحذر اإلنسان‬
‫كل الحذر أن يتكلم في الناس‪ ،‬ال جرحاً وال تعديالً‪ ،‬إنما أبيح الجحر والتعديل للرواة للضرورة‪،‬‬
‫للضرورة ‪-‬ضرورةـ حفظ السنة‪ -‬ال يمكن أن نعرف الصحيح من الضعيف المقبول من المردود‬
‫إال من خالل الجرح والتعديل‪ ،‬وأيضاً الجرح والتعديل بقدر الحاجة‪ ،‬يعني إذا كانت الحاجة تقوم‬
‫باألقل ما نظرنا إلى األعلى‪.‬‬

‫على كل حال مسألة الجرح والتعديل والكالم في الرجال إنما يباح للضرورة‪،‬ـ نعم‪ ،‬ويبقى بقدرها‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬ينتهي‪ ،‬الباقي ما لهم حاجة‪ ،‬لست بحاجة إلى أن تعرف مراتبهم‪ ،‬اللهم‬
‫إال إذا كان هناك من يخشى ضرره المتعدي‪ ،‬من المعاصرين من يخشى ضرره المتعدي فيحذر‬
‫منه بالتلميح ال بالتصريح‪ ،‬وبقدر الحاجة‪ ،‬فإن أجدى ذلك وإ ال فالتصريح للحاجة ‪ -‬لحفظ الدين‪-‬‬
‫يبقى أن المسألة المنظور إليه أوالً وأخراً حفظ الدين‪ ،‬ليس معنى هذا أن يقدح بفالن لشخصه‪ ،‬أو‬
‫يدافع عن فالن لشخصه ال‪ ،‬المسألة دين‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪369‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬على كل حال هذا الذي يغلب على الظن أنه من التحريش‪ ،‬من‬
‫التحريش الذي اقتنع به الشيطان في جزيرة العرب‪ ،‬وفي غيرها من بلدان المسلمين هو موجود‬
‫على كل حال‪ ،‬لكن هذا ابتالء‪ ،‬وألزم ما على اإلنسان نفسه‪ ،‬يحافظ على نفسه‪ ،‬يحافظ على عمله‬
‫من أن يوزعه بين الناس؛ من الناس من يأتي بأعمال أمثال الجبال‪ ،‬لكن هذا مفلس‪ ،‬ليش؟ يأتي‬
‫بأعمال أمثال الجبال ويقال‪ :‬مفلس في عرف الشرع‪ ،‬ليش؟ ألنه يأتي وقد شتم هذا‪ ،‬سب هذا‪ ،‬قدح‬
‫في هذا‪ ،‬أخذ مال هذا‪ ،..‬يعطى هذا من حسناته‪ ،‬وهذا من حسناته‪ ،‬وبعدين؟ تنتهي إذا انتهت ولما‬
‫تنتهي حقوق الناس يؤخذ من سيئاتهم وتلقى عليه‪.‬‬
‫المقصود أن على اإلنسان أن يحفظ نفسه ويكون كالمه بقدر الحاجة‪ ،‬بقدر الحاجة‪.‬‬
‫يقول ‪-‬رحمه اهلل‪ « :-‬وأما االجتهاد فهو بذل الوسع في بلوغ الغرض » ‪ :‬االجتهاد ال شك أنه‬
‫بذل الوسع واستفراغ الجهد في تحمل أمر فيه كلفة ومشقة‪.‬‬
‫يعني يقال‪ :‬اجتهد في حمل الرحى؛ ألن فيه مشقة‪ ،‬لكن هل يقال اجتهد في حمل نواة؟ نعم؟ لو شفت‬
‫شخصاً معه عصا شايله بيده تقول‪ :‬اجتهد في حمل العصا؟ نعم؟ ال‪ ،‬لكن قول‪ :‬اجتهد في حمل‬
‫كيس كبير؛ ألن فيه مشقة‪.‬‬
‫وعرف االجتهاد بقوله‪ « :‬بذل الوسع في بلوغ الغرض » ‪ :‬أي بذل المجتهد وسعه في البلوغ‬
‫والوصول إلى الحكم الشرعي المطلوب‪.‬‬
‫وعرفه في مختصر التحرير بـ"استفراغ الفقيه وسعه لدرك حكم شرعي‪ ،‬إلدراك حكم شرعي‪.‬‬
‫« فالمجتهد » ‪-‬يقول المؤلف‪ « :-‬إن كان كامل اآللة في االجتهاد » ‪ :‬إن كان كامل اآللة في‬
‫االجتهاد‪ ،‬هل هذا الكالم له حاجة؟ نقول‪ :‬هذا تصريح بما هو مجرد توضيح‪ ،‬وإ ال فإنه ال يسمى‬
‫مجتهداً حتى تكتمل فيه اآللة‪ ،‬من معرفة ما تقدم ذكره في شروط المجتهد‪.‬‬
‫إن اجتهد في الفروع فأصاب فله أجران‪ ،‬يعني له أجر االجتهاد‪ ،‬وله أجر اإلصابة‪ ،‬وإ ن اجتهد‬
‫فأخطأ فله أجر االجتهاد فقط‪.‬‬
‫ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث عمرو بن العاص‪ ،‬أنه قال‪ ،‬أو أنه سمع رسول اهلل ‪-‬صلى‬
‫اهلل عليه وسلم‪ -‬يقول‪ « :‬إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران‪ ،‬وإ ذا حكم فاجتهد ثم أخطأ‬
‫فله أجر »‪.‬‬
‫ومنهم من قال‪ :‬كل مجتهد في الفروع مصيب‪ ،‬يعني فهما قوالن في المسألة‪ ،‬منهم من يقول‪:‬‬
‫المجتهد واحد‪ ،‬والحق واحد ال يتعدد‪ ،‬واحد مجتهد والثاني مخطئ‪ ،‬وكالهما مأجور‪ ،‬المصيب له‬
‫أجران‪ ،‬والمخطئ له أجر واحد‪ ،‬والمسألة مفترضة في أيش؟ في مجتهد‪.‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪370‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫بيهجم غير المجتهد ‪-‬الطالب المبتدئ‪ -‬يهجم إلى المسائل العلمية ويقول‪ :‬أنا لو أخطأت‪ ،..‬افرض‬
‫أني أخطأت لي أجر واحد‪ ،‬نقول‪ :‬أنت مأزور؛ ألن المسألة مفترضة فيمن تحققت فيه األهلية؛ ألن‬
‫هذا ظاهر أنه كله في المجتهد‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬أن كلهم على خير‪ ،‬وكلهم مجتهدون وكلهم مصيبون‪ ،‬يقول ابن العربي‪ :‬تعلق بهذا‬
‫الحديث من قال‪ :‬إن الحق في جهة واحدة‪ ،‬للتصريح بتخطئة واحد ال بعينه قال‪ :‬وهي نازلة في‬
‫الخالف عظيمة‪.‬‬
‫نازلة‪ ،‬أيش معنى نازلة؟ يعني هل المسألة التي هي الخالف في كل مجتهد مصيب‪ ،‬أو أن هذه‬
‫المسألة النازلة العظيمة التي يحتمل فيها أن يجتهد‪ ،..‬أن يصيب بعض المجتهدين ويخطئ بعض‬
‫المجتهدين؟ احتمال‪.‬‬
‫المازري يقول‪ :‬تمسك به –يعني الحديث‪ -‬كل من الطائفتين‪ ،‬من قال أن الحق في طرفين‪ ،‬ومن‬
‫قال‪ :‬إن كل مجتهد‪ ،..‬من قال‪ :‬إن الحق في أحد الطرفين‪ ،‬يعني واحد مجتهد مصيب‪ ،‬والثاني‬
‫مخطئ‪ ،‬ومن قال‪ :‬كل مجتهد مصيب‪.‬‬
‫فأما األولى الطائفة األولى‪ ،‬أصحاب القول األول وجه االستدل‪ ،‬يقول‪ :‬لو كان كل مصيباً لم يطلق‬
‫على أحدهما الخطأ؛ الستحالة النقيضين في حالة واحدة‪.‬‬
‫الرسول ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬أطلق عليه الخطأ‪ ،‬فكيف نقول‪ :‬هو مصيب؟ كيف يوصف بأنه‬
‫مصيب ومخطئ في آن واحد؟ هذا اجتماع للنقيضين‪.‬‬
‫المصوبة ‪-‬الذين يصوبون جميع المجتهدين‪ -‬فاحتجوا بأنه ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬جعل له‬
‫ِّ‬ ‫وأما‬
‫أجراً‪ ،‬فلو كان لم يصب لم يؤجر‪.‬‬
‫وأجابوا عن إطالق الخطأ في الخبر على من ذهل عن النص‪ ،‬أو اجتهد فيما ال يسوغ االجتهاد فيه‬
‫من القطعيات فيما خالف اإلجماع‪ ،‬فإن مثل هذا إن اتفق له الخطأ فيه نسخ حكمه وفتواه‪ ،‬ولو اجتهد‬
‫باإلجماع‪ ،‬وهو الذي يصح عليه إطالق الخطأ‪ ،‬وأما من اجتهد في قضية ليس فيها نص وال إجماع‬
‫فال يطلق عليها الخطأ‪.‬‬
‫وأطال المازري في تقرير ذلك واالنتصار له‪ ،‬وختم كالمه بأن قال‪" :‬إن من قال أن الحق في‬
‫طرفين هو قول أكثر أهل التحقيق من الفقهاء والمتكلمين‪ ،‬وهو مروي عن األئمة األربعة‪ ،‬وإ ن‬
‫حكي عن كل منهم اختالفه فيه" [ذكر ذلك ابن حجر]‪ ،‬وال شك أن الراجح هو القول األول‪ ،‬وهو أن‬
‫المصيب واحد‪ ،‬والثاني مخطئ؛ ألن الحق ال يتعدد‪ ،‬والحديث صريح في ذلك‪ ،‬فالمصيب واحد‪،‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪371‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫ومن عداه مخطئ‪ ،‬وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعية والحنابلة‪ ،‬وقال بالثاني أبو حنيفة في‬
‫قول‪ ،‬وبعض الشافعية‪ ،‬وبعض المالكية‪.‬‬
‫وال يقال‪ « ،..‬وال يجوز » ‪-‬هذا كالم المؤلف‪ « -‬أن يقال كل مجتهد في األصول الكالمية » ‪:‬‬
‫يعني العقائد « مصيب » ‪ :‬ونقل بعضهم اإلجماع على ذلك‪ ،‬يعني أن المسائل الكالمية الذي‪،..‬‬
‫أهل الكالم يعبرون عن مسائل االعتقاد بالكالمية‪ ،‬وال شك أنه اصطالح حادث مبتدع‪ ،‬فإثباتهم‬
‫مسائل االعتقاد على طرقهم المحدثة محدث‪ ،‬فيبقى أن مسائل االعتقاد وهي معروفة مميزة عن‬
‫مسائل األحكام‪.‬‬
‫مسائل االعتقاد هل تقبل االجتهاد؟ هل للمجتهد أن ينظر في مسائل االعتقاد؟ أو عليه أن يقلد ما‬
‫ثبت عن سلف األمة فيما أثبتوه مما ثبت‪ ،‬مما أثبتوه هلل ‪-‬عز وجل‪ -‬مما ثبت في الكتاب والسنة؟‬
‫هذا األصل‪ ،‬نعم‪ ،‬لكن شيخ اإلسالم‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬ال يفرق بين األصول والفروع‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫عندك نصوص من الكتاب والسنة‪ ،‬تجتهد‪ ،‬وما يؤديه وما يؤديك إليه اجتهادك‪ ،‬إن أصبت الحق‬
‫فأنت على خير عظيم‪ ،‬ولك األجران‪ ،‬إن لم تصب فلن تحرم األجر الواحد‪ ،‬حتى في مسائل‬
‫االعتقاد‪ ،‬ولذا ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬لما سئل عن بعض المنظرين في المذاهب البدعية الكالمية‪ ،‬أجاب بأن‬
‫عذرهم‪ ،‬وقال‪" :‬إن هذا ينصر ما يراه الحق"‪ ،‬يعني هذا ما آداه االجتهاد‪ ،‬لكن ينبغي أن نؤطر ونقيد‬
‫فهمنا لنصوص الكتاب والسنة بفهم السلف‪ ،‬فما اتفق عليه السلف من إثبات ما أثبته اهلل ‪-‬سبحانه‬
‫وتعالى‪ -‬ورسوله هلل ‪-‬عز وجل‪ -‬ال يجوز لنا أن نوجد قوالً جديداً بعد السلف‪ ،‬المسائل العقيدة‬
‫التي اختلف فيها السلف محل اجتهاد‪ ،‬نقيد محل االجتهاد فيما اختلف فيه السلف‪ ،‬اختلفوا في الساق‬
‫–مثالً‪ -‬إثبات الساق مع الخالف‪ ،‬إذن لالجتهاد فيه مجال‪.‬‬
‫سواْ اللّ َه فَ َن ِس َي ُه ْم ﴾ [ سورة‬
‫الهرولة‪ ،‬ما يثبت على طريق المشاكلة‪ « ،‬ال يمل حتى تملوا »‪َ ﴿ ،‬ن ُ‬
‫يثرب على من خالف فيها؛‬
‫التوبة‪ ،‬اآلية ‪ ،] 67 :‬المقصود أن مثل هذه التي هي محل اجتهاد‪ ،‬ال َّ‬
‫ألن الخالف قديم فيها‪ ،‬لكن المسائل التي اتفق عليها السلف ‪-‬أجمعوا عليها‪ -‬من إثبات األسماء‬
‫والصفات المتفق على إثباتها بين سلف هذه األمة وأئمتها ال يجوز ألحد أن ينظر فيها من غير‬
‫منظارهم‪ ،‬ويوجد قوالً جديداً غير ما اعتمدوه‪.‬‬
‫يقول‪ « :‬ألن ذلك يؤدي » ‪ :‬نعم؟‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪372‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬ال‪ ،‬الحق واحد‪ ،‬الحق واحد ال يتعدد‪ ،‬فاجتهد زيد واجتهد عمرو‪ ،‬الحق‬
‫مع أحدهما دون الثاني‪ ،‬والمصيب الذي أصاب الحق‪ ،‬المصيب له األجران‪ ،‬والمخطئ له أجر‬
‫واحد‪ ،‬فالحق ال يتعدد‪.‬‬
‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬أيش لون‪ ،..‬المسائل االجتهادية التي ال يظهر فيها رجحان قطعي هذه‬
‫التي ال ينكر فيها‪ ،‬لكن هل كل خالف معتبر؟‬
‫الخالف الذي ال يسنده الدليل‪ ،‬ولو وجد‪ ،‬ولو نقل عن بعض أهل العلم‪ ،‬هذا ينكر‪ ،‬فليس كل خالف‬
‫معتبراً‪ ،‬بل المعتبر ما له أصل من الكتاب والسنة‪.‬‬
‫يقول –يعلل‪ -‬أن االجتهاد ال يدخل مسائل الكالم‪ ،‬وال يدخل في المسائل االعتقادية‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫« ألن ذلك يؤدي إلى تصويب> أهل الضاللة من النصارى » ‪ :‬ألنهم اجتهدوا وقالوا بالتثليث‪ ،‬إذن‬
‫نعذرهم؟ نعم؟‬
‫نقول‪ :‬هذا يخالف أموراً قطعية‪ ،‬عندنا في الكتاب والسنة‪ ،‬فهو خالف غير معتبر؛ اجتهاد في غير‬
‫محلة‪ ،‬أيضاً المجوس في قولهم باألصلين كذلك؛ ألن قولهم مخالف للقطعيات‪ ،‬مخالف لما علم من‬
‫الدين بالضرورة‪.‬‬

‫طالب‪.......:‬‬
‫َّ‬
‫الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ‬
‫ض ْير‪ :‬نعم‪ ،‬والكفار أيضاً في نفيهم التوحيد وبعثة الرسل‪ ،‬والبعث أيضاً‬
‫باليوم اآلخر‪.‬‬
‫المقصود أنه ليس لمن أثبت االجتهاد في مسائل االعتقاد ‪-‬ال سيما المسائل التي اتفق عليها سلف‬
‫هذه األمة‪ -‬ليس عندهم ما يستمسك به‪ ،‬فنحن مأمورون ومقيدون بفهم السلف‪ ،‬في هذه المسائل‪.‬‬
‫نعم « رب مبلغ أوعى من سامع »‪ ،‬لكن في المسائل التي يدخلها االجتهاد‪ ،‬أما ما ال يدخله‬
‫االجتهاد فإنه الحق فيما اتفق عليه السلف في هذه المسائل‪.‬‬
‫ثم استدل على أنه ليس كل مجتهد في الفروع مصيباً بقوله‪ « :‬من اجتهد وأصاب »‪ ،‬وجاء النص‬
‫هكذا عنده‪ ،‬نعم‪ ،‬ماذا يقول؟‬
‫نعم‪ ،‬يقول‪ « :‬من اجتهد وأصاب فله أجران‪ ،‬ومن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد » ‪ :‬ولفظ الحديث‬
‫كما سقناه من الصحيح « إذا اجتهد الحاكم فحكم فأصاب فله أجران‪ ،‬وإ ذا حكم فأخطأ فله أجر »‪،‬‬
‫ض ْير‬
‫الخ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ‬ ‫‪373‬‬ ‫تن ال َو َرقَات في ُأ ُ‬
‫صولِ ال ِفقْه‬ ‫ح َم ِ‬
‫ش ْر ُ‬
‫َ‬

‫ووجه الدليل أن النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬خطأ المجتهد تارة وصوبه أخرى‪ ،‬فدل على أن من‬
‫المجتهدين من هو مخطئ‪ ،‬واهلل المستعان‪،‬‬
‫واهلل أعلم‪ ،‬وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله و صحبه أجمعين‪.‬‬

You might also like