Professional Documents
Culture Documents
مكتبة نور شرح متن الورقات في أصول الفقه 3
مكتبة نور شرح متن الورقات في أصول الفقه 3
www.khudheir.com
عاصروا النبي وعايشوه -عليه الصالة والسالم -وعرفوا مقاصده وفهموا عنه ما أنزل عليه وما
ّبينه في سنته -عليه الصالة والسالم -فليسوا بحاجة إلى قواعد وضوابط تعينهم على فهم الكتاب
والسنة ،هي موجودة حاضرة في أذهانهم ،لكنهم ليسو بحاجة إلى تدوين لها؛ ألنهم على علم
واطالع بها.
ومن أراد أن يعرف قدر السلف وعلم السلف وفضل علمهم على الخلف فليقرأ في رسالة الحافظ
ابن رجب -رحمة اهلل عليه -التي أسماها( :فضل علم السلف على الخلف).
وإ ذا ارتفعت نفس اإلنسان وعلت به عن قدره فليقرأ في (مقدمة موضح أوهام الجمع والتفريق)
للخطيب؛ ليرى قدره ويعرف أقدار السلف.
أقول هذا؛ لئال يقول قائل :هذه العلوم حادثة ،وقد قيل ،والتصنيف في هذه األمور أمر طارئ
حادث بعد عصر السلف.
أقول السلف ليسو بحاجة إلى مثل هذه القواعد وهذه الضوابطـ التي تعينهم على فهم الكتاب والسنة،
فليسو بحاجة إلى مؤلفات في العربية؛ ألنهم عرب خلص أقحاح ال يحتاجون إلى ٍ
شيء من ذلك،
غيرهم من األمم
العرب ُ
َ لكن لما اتسعت رقعة البالد ودخل الناس في دين اهلل أفواجاً ،وخالط
احتاجوا أن يؤلفوا في العربية ،وفي علوم اآللة كلها ،وإ ن شئت فقل :علوم الوسائل التي منها ما
نحن بصدد شرحه وهو أصول الفقه.
وعلى هذا إذا عرفنا أن هذه العلوم التي يسميها أهل العلم علوم اآللة التي هي مجرد وسائل لفهم
المقاصد من نصوص الوحيين فال ينبغي لطالب العلم أن يصرف َّ
كل وقته لهذه العلوم ،بل عليه
-ال أقول ينبغي -بل عليه أن يأخذ منها بقدر ما يحتاج إليه في فهم الكتاب والسنة ،وليس معنى هذا
التقليل من شأن هذه العلوم ،القدر الذي يتوقف عليه فهم الكتاب والسنة أمر ال بد منه سواء كان في
علوم العربية ،أو في أصول الفقه أو في علوم الحديث ،أو في قواعد التفسير وعلومه ،وغير هذه
العلوم مما يحتاجه من يعاني نصوص الوحيين.
ومع هذا التوجيه وعدم إضاعة جميع الوقت في تحصيل هذه الوسائل..؛ ألن من الناس من
يستهويه علم النحو مثالً أو علم أصول الفقه فتجده في جميع مراحل عمره ،في شبابه ،في كهولته،
في شيخوخته ،إلى أن يموت وهو يقرأ ويقرئ ويدرس ويؤلف في النحو فقط.
إذا عرفنا أن هذا وسيلة لفهم الكتاب والسنة فكيف نقدمه على الغاية والمقصد ،ومثله تجد مثال
الشخص يتدرج في علم النحو ويقرأ األجرومية ثم القطر ثم األلفية ثم يطلع إلى ما فوق ذلك من
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 4 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
شروح األلفية والمفصل وشروحه وكتاب سيبويه ثم ينتهي عمره على ال شيء ،والنحو كما قال
ضر ،لكنه ال بد منه.
أهل العلم :كالملح في الطعام ،معناه إذا زاد َّ
ومثله أصول الفقه ،تجد بعض الناس يقرأ الورقات ويقرأ شروح الورقات وما نظم فيها ،وشروح
المنظومات ،ثم يطلع إلى مختصر التحرير أو التحرير مع شرحه ،ثم الروضة مع شروحها ثم
المستصفى ثم البحر المحيط وغيره ويفني عمره في ذلك ،فال إفراط وال تفريط.
على طالب بالعلم أن يكون متوسطاً في أموره ،ال يهمل هذه العلوم بالكلية ،كما سمعنا بعض
الدعاوى التي تدعو إلى ذلك فيقلل من شأن هذه العلوم ،وجدت دعاوى تقلل من شأن العربية ،ما
أدري كيف يفهم اإلنسان الكتاب والسنة وهو ال يعرف العربية ،وجدت دعاوى تقلل من شأن
أصول الفقه ،وهو علم حادث ودخله ما دخله من علم الكالم ،نعم ،هو علم حادث أوجدته الحاجة،
ٍ
بحاجة لكن أصوله حاضرة في أذهان الصحابة والتابعين ،قد يقول قائل :أصول الفقه لو كان الناس
إليه استغنى عنه الصحابة والتابعون ،ولم يؤلف فيه حتى جاء اإلمام الشافعي على رأس المائتين
فألف -فكتب الرسالة -إذن هو حادث ،نقول :ال ،كان معلوم عند أهل العلم من الصحابة والتابعين
في أذهانهم ،لما وجدت الحاجة ودعت الضرورة إلى التأليف ألف فيه ،ومثله الدعاوى التي تقال
في علوم الحديث مثالً ،وتدعو إلى نبذ القواعد وغير ذلك ،وهذا له مجال آخر.
ومثله أيضاً التقليل من شأن كتب الفقه ،واالجتهاد والمطالبة باالجتهاد والتفقه من الكتاب والسنة
رأساً –مباشرةً -ألنهما األصل ،واألمر كذلك هما األصل ،لكن متى يتأهل اإلنسان لالجتهاد؟
موضع آخر والدورة مدتها قليلة ،واإلخوان يشيرون إلى أن إكمال الكتاب
ٍ وهذا الكالم مبسوط في
أمر مفضل عندهم ،وإ ن كان على حساب نوعية الشرح؛ ألن هناك مسائل تحتاج إلى بسط ،وتحتاج
إلى توضيح وزيادة في ضرب األمثلة ،لكن كما أشار اإلخوان ال بد من تكميل الكتاب؛ ألن من
اإلخوة ممن حضر من خارج البالد ،وال يتسنى لهم حضور مجالس أخرى إلكمال الكتاب ،وعلى
كل حال سوف يكون الشرح متوسطاً -إن شاء اهلل -بقدر ما يحل إشكاالت الكتاب ورموزه.
علم األصول علم في غاية األهمية ،كيف يعرف الطالب الذي ينتسب لطلب العلم الشرعي ،وكيف
يفهم من كتاب اهلل وسنة نبيه -عليه الصالة والسالم -ما يخاطب به من التكاليف -من األوامر
والنواهي -وهو ال يعرف العام والخاص ،والمطلق والمقيد ،والناسخ والمنسوخ ،والمنطوق
والمفهوم وغير ذلك من مباحث أهل العلم ؟
فهذا العلم ال غنى لطالب العلم عنه البتة ،يقول الشوكاني في مقدمة كتابه ( إرشاد الفحول) :
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 5 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
"وبعد :فإن علم أصول الفقه لما كان هو العلم الذي يأوي إليه األعالم ،والملجأ الذي يلجأ إليه عند
تحرير المسائل وتقرير الدالئل في غالب األحكام ،وكانت مسائله المقررة وقواعده المحررة تؤخذ
مسلمةً عند ٍ
كثير من الناظرين كما تراه في مباحث الباحثين ،وتصانيف المصنفين ،فإن أحدهم إذا
ٍ
بكلمة من كالم أهل األصول أذعن له المنازعون وإ ن كانوا من الفحول؛ العتقادهم استشهد لما قاله
ٍ
علمية من المعقول أن مسائل هذا الفن وقواعده مؤسسةٌ على الحق الحقيق بالقبول ،مربوطةٌ ٍ
بأدلة
والمنقول ،تقصر عن القدح في ٍ
شيء منها".
الشوكاني يشيد بهذا العلم ،ويشير إلى ما دخله مما كدره من مباحث علم الكالم ،وأشار إلى أنه نقّح
وحرره ،ولذا سمى كتابه ( :إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم األصول). هذا العلم وه ّذبه ّ
وعلم األصول ال إشكال في أنه دخله كثير من مباحث علم الكالم مما ِ
طالب العلم في غنية عنه،
وجد محاوالت لتنقية هذا العلم وتصفيته من هذه الشوائب ،لكن يبقى أن أكثر كتب األصول مشتملة
كثير من طالب ٍ
بحاجة إليها ،بل صارت سبباً في صد ٍ على ٍ
كثير من المباحث التي طالب العلم ليس
العلم عن تحصيل هذا العلم؛ ألنها أمور معقدة والحاجة إليها ليست داعية ،وهذا يلحق بما أشرنا
إليه سابقاً أن طالب العلم ينبغي أن يكون متوسطاً في األخذ من هذا العلم ،يأخذ ما يحتاج إليه
ٍ
لطائفة ويعتني به بقدر الحاجة ،وما عدا ذلك مما اشتملت عليه مطوالت هذا الفن يبقى ألناس،..
مخصوصة تعتني بهذا العلم لبيانه وإ يضاحه.
إذا عرفنا هذا فالجادة المطروقة عند أهل العلم البداءة في العلوم كلها بالمختصرات؛ ألن عقل
الناشئة ال يحتمل المطوالت ،وجاء عن ابن عباس في بيان معنى الرباني :أنه هو الذي يعلم الناس
بصغار العلم قبل كباره؛ ليتمكن الطالب المبتدئ من حفظ هذه المختصرات وفهمها ،ثم بعد ذلك
يرتقي إلى ما بعدها مما يناسب الطبقة الثانية من طبقات المتعلمين ،وهكذا يرتقي بعد ذلك إلى ما
يناسب الطبقة الثالثة وهكذا.
فأهل العلم قسموا المتعلمين إلى طبقات :المبتدئين ،المتوسطين ،المنتهين المحصلين ،ولكل ٍ
طبقة
كتب في كل فن ،والشوكاني له كتاب في آداب الطلب وطبقات المتعلمين أشار إلى ٍ
شيء من ذلك.
وهذه المتون وهذا التدرج أمر عرفي اصطالحي يختلف في كل ٍ
بلد عن البلد اآلخر ،فكل أهل بلد
لهم عناية بكتب خاصة ،كما أن ألهل كل مذهب عناية بكتب خاصة دون غيرها.
من أجود ما ألف للمبتدئين في هذا الفن:
(كتاب الورقات) -الذي نحن بصدد شرحه -إلمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك بن عبد اهلل
بن يوسف بن محمد الجويني> الشافعي المتوفى سنة ثمان وسبعين وأربعمائة.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 6 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
ممن نظم الورقات الشيخ شرف الدين يحيى العمريطي نظماً سهالً سلساً ،جاء في مطلع منظومته
قوله :
هذا النظم نظم سهل وسلس يحفظ به هذا المتن؛ ألن النظم في الغالب هو الذي يثبت بخالف النثر،
والعمريطي تصدى لنظم كثير من المتون ،نظم األجرومية ٍ
بنظم أيضاً كذلك نزر سهل سلس ،وهذا
النظم أيضاً مشروح ،شرحه شخص يدعى عبد الحميد قدس من أهل مكة.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 8 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
وقبل البدء بشرح الكتاب نذكر المبادئ العشرة التي جرت العادة بذكرها قبل البدء في كل فن؛
ليتصور هذا الفن ويعرف ،وتعرف أهميته وقيمته ،وهذه المبادئ يجمعها قول الناظم :
فأول هذه المبادئ الحد :والمراد بالحد التعريف وتعريف هذا العلم سيأتي في كالم المصنف.
الموضوع –موضوع هذا العلم :-األدلة الشرعية إجماالً ال تفصيالً ،وكيفية اإلفادة منها وحال
المستفيد منها.
والثمرة من هذا العلم :القدرة على استنباط األحكام الشرعية من األدلة ،فالذي يضبط هذا العلم
ويتقن علم األصول ال شك أنه يستطيع أن يتعامل مع النصوص الشرعية ويعرف كيف يستنبط
منها األحكام.
ونسبته إلى غيره من العلوم التباين؛ فهو علم مستقل من وجه ،وإ ن تداخلت بعض مباحثه ومسائله
في ٍ
علوم أخرى كما سيأتي ذكر ذلك إن شاء اهلل تعالى.
وفضله :كفضل غيره من علوم الشرعية التي جاء الحث على تعلمها وتعليمها في الكتاب والسنة؛
ألن الوسائل لها أحكام المقاصد.
صنفها
وواضعه :اإلمام محمد بن إدريس الشافعي -رحمه اهلل تعالى -في الرسالة –رسالته التي ّ
في هذا العلم -وهي أيضاً تصلح أن تكون قاعدةً ٍ
لكثير من مباحث علم ،..علوم الحديث ،وحكى
األسنوي وغيره اإلجماع على ذلك ،اإلجماع على أن أول من صنف في األصول اإلمام الشافعي.
واسمه :علم أصول الفقه ،اسم هذا العلم علم أصول الفقه ،وهناك علم أصول الحديث ،وعلم أصول
الحديث يسمى مصطلح الحديث ،ويسمى علوم الحديث ،وهنا نقول :أصول الفقه ،فهل نستطيع أن
نقول :هذا علم مصطلح الفقه أو علم علوم الفقه ،كما قلنا :علم مصطلح الحديث أو علم علوم
الحديث؟؟
هذا العلم نظير لذلك العلم ،سموه أصول الفقه ،وهناك قالوا :أصول الحديث وعلوم الحديث
ومصطلح الحديث ،هل نستطيع أن نقول مصطلح الفقه ؟ نسميه بمصطلح الفقه؟
العلماء قاطبةً اصطلحوا واتفقوا على هذه التسمية ،بينما في العلم اآلخر منهم من سماه مصطلح
الحديث ،ومنهم من قال :علوم الحديث ،ومنهم من قال :علم دراية الحديث ،أو علم الحديث درايةً،
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 9 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
أو علوم الحديث ،وغير ذلك من التسميات ،لكن هنا قالوا :علم أصول الفقه ،والمسألة اصطالحية
وال مشاحاة في االصطالح ،وإ ال فهذا العلم نظير ذلك العلم.
مشاحة في االصطالح :وهذه الكلمة يطلقها كثير من أهل العلم وهي بحاجة إلى قيد؛ فهناك من
ّ ال
تضمن
مشاحة فيه ،فإذا ّ
ّ االصطالحات ما يشاحح صاحبه ،وهناك من االصطالحات ما ال
أي ٍ
علم من العلوم فإنه يشاحح فيه ،إذا ترتب على هذا االصطالح مخالفةً لما تقرر عند أهل ِّ
ٍ
حينئذ يشاحح فيه. ألمر مقرر عند أهل ٍ
علم من العلوم فإنه االصطالح مخالفة لنص شرعي ،أو ٍ
لو قال قائل :أنا أصطلح لنفسي أن أسمي هذه الجهة الشمال ،..أسمي الجنوب شماالً ،والشمال
وأبين في مقدمة
جنوب ،نقول :ال مشاحة في االصطالح؟! أو أقول :السماء تحت واألرض فوقّ ،
الكتاب ،نقول :ال مشاحة في االصطالح ؟!
يشاحح في اصطالحه ،لكن لو قال :الشمال شمال والجنوب جنوب ،لكن الناس ،أو جمهور الناس
على أن الشمال يوضع في رأس الخارطة ،وأنا أبى أقلب الخارطة أخلي الجنوب فوق والشمال
تحت ،نقول :ال مشاحة من االصطالح ؟ هل يغير من الواقع شيئاً ؟
ما يغير من الواقع شيئاً ،يعني لو جعل الجنوب في الخارطة فوق ،قلب الخارطة ،صار الجنوب
فوق والشمال تحت ،نقول :ال مشاحة في االصطالح.
عماً وأنا أسميه خاالً ؟
لو قال قائل :أنا أؤلف الفرائض وأسمي أخ األب خاالً ،الناس يسمونه َّ
عماً وإ ن سماه الناس خاالً ،نقول :ال مشاحة في االصطالح ؟!
أخ األم َّ
وأسمي َ
يشاحح في اصطالحه؛ ألن هذا يخالف النصوص الشرعية ،يخالف ما تقرر في علم الفرائض،
وغير ذلك من الواليات التي هي للعصبة دون ذوي األرحام ،هذا مخالف لما تقرر في الشرع ،لو
عماً أو العكس ،نقول :ال مشاحة في
قال :أهل بلدي يسمون أبا الزوجة خاالً وأنا أسميه َّ
االصطالح؟ أبو الزوجة سواء سمي خاالً أو عماً فيه فرق؟ ال مشاحة في االصطالح.
ولذا لما قسم البغوي -رحمه اهلل تعالى -كتابه المصابيح إلى الصحاح والحسان نوزع في
اصطالحه؛ ألنه يخالف ما تقرر في علوم الحديث؛ ألن في السنن ما هو صحيح ،وفي السنن ما هو
ضعيف ،وقاعدته أن ما كان في الصحيحين فهو من الصحاح ،وما كان من السنن فهو من الحسان،
فهذه القاعدة مما ينبغي تقييدها ،فال تطلق:
جانحا
المصابح *** إلى الصحاح والحسان َ
َ والبغوي قسم
أن الحسان ما رووه في السنن *** رد عليه بهما غير الحسن
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 10 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
فإذا خالف االصطالح ما تقرر شرعاً أو ما اتفق عليه أهل علم من العلوم فإنه يشاحح فيه.
استمداد هذا العلم :قالوا لثالثة أشياء ،في كتب األصول يقولون :يستمد من اللغة العربية ،وعلم
الكالم ،وتصور األحكام ،كيف يستمد من هذه العلوم؟ هم جعلوا علم الكالم من مصادر هذا العلم،
من أي وجه؟ ما عالقة علم الكالم بعلم األصول؟
الذين أقحموا علم الكالم في األصول وملؤوا كتب األصول ٍ
بكثير من مباحث المنطق ،بل بعضهم
خصص المقدمة لعلم المنطق ليستعين بها على فهم ما سيأتي ،وما سيرد في الكتاب من مباحث علم
الكالم ،هذا ال شك أنه أساء.
إذن كيف يستمد علم األصول من علم الكالم ونحن نقول :استمداده من علم التوحيد ،ومن أي وجه
ً
يستمد علم األصول من علم التوحيد ؟
قالوا :لتوقف تصديق داللة األدلة الشرعية على معرفة اهلل -عز وجل -وعلى تصديق المبلغ عنه،
وأيضاً يستمد هذا العلم من اللغة العربية؛ ألنها لغة الكتاب والسنة ،فاالستدالل بهما يتوقف على فهم
معانيهما ،وبعض الناس يقلل من شأن اللغة العربية بالنسبة لطالب العلم الشرعي ،وهو ال يعرف
أن بعض المسائل التي اختلف فيها أهل العلم سبب الخالف فيها الخالف في إعرابها.
« ذكاة الجنين ذكاةُ أمه » :قال بعضهم « :ذكاةُ الجنين ذكاةَ أمه » :تبعاً لتغير اإلعراب تغير
الحكم ،فالذي يقول :ذكاةُ الجنين -وهم األكثر -ذكاةُ أمه ،يقول :ذكاةُ الجنين هي ذكاةُ أمه فال
يحتاج إلى تذكية ،والذي يقول :ذكاةُ الجنين ذكاةَ أمه ،يقول هو منصوب على نزع الخافض،
فتكون ذكاته كذكاة أمه فال بد من تذكيته ،عند أصحاب القول األول ال يحتاج إلى تذكية ،إذا ذكيت
أمه وخرج من بطنها ميتاً خالص ذكاة أمه تكفي ،والذين يقولون :ذكاةُ الجنين ذكاةَ أمه يقولون :ال
بد من تذكيته كذكاة أمه ،والمسألة معروفة.
من أهل العلم من يقول :إن من يلحن في النصوص فإنه يدخل في حديث من كذب « ،من كذب
األعمال بالنيات ،هل قال الرسول -عليه
َ علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار » ،إذا قلت :إنما
ّ
ٍ
حينئذ؟ ألنه قال « :إنما األعما ُل األعمال بالنيات أو تكون كذبت عليه
َ الصالة والسالم :-إنما
بالنيات » ،وهكذا.
فشأن العربية في فهم نصوص الكتاب والسنة أمر ال يخفى على أحد ،بل ال بد من العناية بعلم
العربية؛ كي نفهم الكتاب والسنة.
مما يستمد ،..أو يستمد أصول الفقه من األحكام الشرعية ،إيش معنى األحكام الشرعية؟
قالوا :مما يستمد منه علم األصول األحكام الشرعية ،كيف يستمد األصول من الفروع ؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 11 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
المراد أنه يستمد من تصور هذه األحكام؛ ليتم ّكن من إيضاح المسائل األصولية بضرب األمثلة
الفرعية.
ال شك أن االستمداد من هذه العلوم إنما ذكرها من ذكرها بعد أن نظر في واقع كتب األصول ،سبر
كتب األصول ونظر في واقعها وجدها مشتملة على هذه األمور ،لوجود األمثلة من األحكام
الشرعية؛ لتوضيح المسائل األصولية قالوا :إن األصول مستمد من تصور هذه األحكام.
ال شك أن األصولي ال بد أن يكون على معرفة ودراية ٍ
بكثير من المسائل الفرعية؛ ليتم ّكن من
توضيح هذا العلم.
وهل هذا العلم مأخوذ بعد النظر في الفروع؟
يعني إذا نظرنا إلى جملة من الفروع وجدناها تنطوي أو تنضوي تحت ٍ
أصل واحد فاستنبطنا هذا
األصل من مجموع هذه الفروع ،وهذا ما يعرف بالقواعد األصولية ،أو أن هذه الفروع مأخوذة من
تلك األصول؟ أو كل واحد مأخوذ من الثاني فيلزم عليه الدور؟
يعني مقتضى تسميتهم هذا العلم علم األصول أن الفروع مأخوذة من هذه األصول ،وهو مقتضى
الوجود ،وأن هذا العلم وجد بعد معرفة األحكام وتصور األحكام ،قلنا ،أو قال بعضهم :إن هذا العلم
مستمد من األحكام الشرعية ،نعم ،لو قلنا :إن كل واحد مستمد من الثاني قلنا :يلزم عليه الدور،
قلنا :يلزم عليه الدور.
ال شك أن المسائل واألحكام الشرعية مستمدة من كتاب اهلل وسنة رسوله -صلى اهلل عليه وسلم-
وهذا العلم -أعني علم األصول -يعين على فهم الكتاب والسنة ال َذ ْي ِن تستمد وتستنبط منهما
األحكام.
حكمه :حكم هذا العلم فرض كفاية ،حكم تعلم هذا العلم فرض كفاية؛ كغيره من العلوم الشرعية،
يتعين على بعض األشخاص إذا لم يوجد غيره ممن يستطيع القيام به ممن ينوء بهذا العلم ،قد
وقد ّ
يتعين على بعض األشخاص؛ ألن فروض الكفاية إذا لم يقم بها أحد أثم الناس ،وإ ذا قام بها من
يكفي سقط اإلثم عن الباقين.
مسائل هذا العلم :مباحثه وقضاياه التي تذكر في كتبه مما يحتاج إليه.
ثم قال في البيت األخير:
والبعض بالبعض اكتفى :يعني أن بعض الناس اكتفى ببعض هذه المبادئ ،لكن من درى الجميع
حاز الشرفا :كذا قيل ،ويحتمل أن يكون المعنى :أن بعض الناس اكتفى ببعض مسائل العلم ،بعض
الناس اكتفى ببعض مسائل العلم دون بعض ،أو ببعض العلوم دون بعض ،ومن درى وعرف
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 12 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
الجميع حاز من المسائل العلمية أو من العلوم ،..قد حاز الشرف في الدنيا واآلخرة ،واألجر
والثواب العظيم من اهلل سبحانه وتعالى.
بسم اهلل الرحمن الرحيم ،الحمد هلل رب العالمين والصالة والسالم على نبينا محمد وعلى آله
وصحبه أجمعين ،أما بعد :فقد قال إمام الحرمين عبد الملك بن عبد اهلل الجويني -رحمه اهلل:-
هذه ورقات تشتمل> على معرفة فصول من أصول الفقه ،وذلك مؤلف من جزئين مفردين أحدهما:
األصول ،والثاني :الفقه ،فاألصل ما يبنى عليه غيره ،والفرع ما يبنى> على غيره ،والفقه معرفة
األحكام الشرعية التي طريقها االجتهاد.
« َّ
الش ْـر ُح » :
يقول المؤلف -رحمه اهلل تعالى:-
« بسم اهلل الرحمن الرحيم » :المؤلف :افتتح الكتاب أو الرسالة المختصرة الموجزة بالبسملة؛
اقتداء بالقرآن الكريم حيث افتتحت جميع سوره -عدا براءة -بالبسملة ،وعمالً بحديث « :كل ٍ
أمر ً
ذي بال ال يبدأ فيه ببسم اهلل الرحمن الرحيم فهو أبتر » :هذا يستدل به كثير من أهل العلم على
افتتاح ما يريدون افتتاحه بالبسملة أو الحمدلة ،والحديث بجميع طرقه وألفاظه حكم عليه جمع من
حسن بعضهم لفظ الحمد ،وهو مع ضعفه يستدل به الجمهور الذين يرون
أهل العلم بالضعف وإ ن ّ
العمل بالضعيف في الفضائل وهذا منها ،لكن القول المرجح أن الضعيف ال يعمل به ال في األحكام
وال في الفضائل وال في المغازي وال في التفسير وال في العقائد من باب أولى وهكذا ،فالحديث
ضعيف ،لكن العمدة في ذلك االقتداء بالقرآن الكريم.
جاء األمر بالتسمية في مواضع :كاألكل والشرب والدخول والخروج وما أشبه ذلك ،وليكن هذا
منها ،بل من أهمها.
لم يذكر المؤلف -رحمه اهلل تعالى -الحمدلة والتشهد والصالة على النبي -عليه الصالة والسالم-
مبالغةً في االختصار ،ويحتمل أن يكون قد أتى بها لفظاً ،يجاب عن صنيع المؤلف بأنه هداه إلى
ذلك االختصار الشديد ،واالحتمال قائم في كونه جاء بهذه األمور لفظاً ،كما أجيب عن اإلمام أحمد
-رحمه اهلل تعالى -في تركه الصالة على النبي -عليه الصالة والسالم -في بعض المواضع عند
رواية الحديث ،قالوا :لعله يأتي بها لفظاً وإ ن لم يكتبها.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 13 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
« فهذه » «،بسم اهلل الرحمن الرحيم ،فهذه » في بعض النسخ « :هذه » ،بدون الفاء « ،بسم
اهلل الرحمن الرحيم ،فهذه ورقات »،وفي بعض النسخ « :هذه ورقات » ،والفاء إن وجدت فهي
ٍ
أسلوب موضوع إلى آخر ،ومن
ٍ واقعة في جواب (أما بعد) المقدرة التي يؤتى بها لالنتقال من
آخر ،أما بعد « :فهذه ورقات تشتمل على معرفة فصول من أصول الفقه»،فالفاء واقعة في جواب
« أما بعد » :وأما :حرف شرط ،وبعد :قائم مقام الشرط ،وجواب الشرط الفاء وما دخلت عليه،
ما دخلت عليه الفاء.
واإلتيان بـ« أما بعد » :سنة ثبتت عن النبي -عليه الصالة والسالم -في أكثر من ثالثين حديثاً،
فال يليق بطالب العلم تركها ،طالب العلم المؤتسي بالنبي -عليه الصالة والسالم -عليه أن
يالزمها.
أما بعد :وال تقوم الواو مقام أما ،وإ ن جرى كثير من المؤلفين والمتحدثين على االقتصار عليها
دون أما ،وأشار بعض من ألف من المتأخرين أنها تقوم مقامها ،كما في شرح المواهب للزرقاني
وغيره؛ نظراً لشيوعها وكثرتها ،وإ ال فاألصل (أما بعد).
وال حاجة وال داعي لإلتيان بـ( ثم) قبلها ،فإذا قلت :
الحمد هلل رب العالمين ،والصالة والسالم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين ،أما بعد ،ما تقول ثم أما بعد ،ال داعي لـ(ثم)؛ ألنها لم ترد بها النصوص ،وال توجد في
أساليب أهل العلم من المتقدمين ،وإ ن وجدت في بعض نسخ تفسير الطبري ،لكنه ال داعي وال
حاجة إليها؛ النصوص الثابتة عن النبي -عليه الصالة والسالم « -أما بعد » بدون (ثم).
موضع آخر وأسلوب آخر عطفت على ما قبلها (ثم
ٍ إن احتيج إلى (أما بعد) مرة ثانية لالنتقال إلى
أما بعد) ،إذا قلتها في الموضع األول( :أما بعد) واحتجت إليها للفصل بين الموضوعينـ أو
األسلوبين تقول( :ثم أما بعد) ال بأس ،وأهل العلم مختلفون في أول من قالها على ثمانية أقوال
نجملها في قول الشاعر:
أقرب األقوال أنه داود -عليه السالم -وأنها فصل الخطاب الذي أوتيه.
و« بعد » :قائم مقام الشرط ،ظرف مبني على الضم؛ لحذف المضاف إليه مع كونه منوياً،
ومعروف قبل وبعد والجهات الست لها ثالث حاالت ،إن أضيفت أعربت ،وإ ن قطعت عن اإلضافة
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 14 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
مع عدم نية المضاف إليه أعربت مع التنوين ،وإ ن قطعت عن اإلضافة مع نية المضاف إليه بنيت
على الضمِ ﴿ ،للَّ ِه اأْل َْم ُر ِمن قَْب ُل َو ِمن َب ْع ُد ﴾ [ سورة الروم ،اآلية .] 4 :
واإلشارة فهذه :األصل في المشار إليه أن يكون موجوداً حاضراً ،فهذه :اإلشارة هي إلى حاضر
على كل حال ،فإن كانت كتابة المقدمة بعد تأليف الكتاب صارت اإلشارة إلى موجود في األعيان،
وإ ن كانت كتابة هذه المقدمة قبل تأليف الكتاب صارت اإلشارة إلى حاضر في الذهن ال في
األعيان ،يشير إلى ما في ذهنه من الكالم الذي سوف يفرغه في هذه الورقات.
« فهذه ورقات تشتمل> » ورقات جمع ورقة ،جمع مؤنث سالم ،وجموع السالمة من جموع القلة
وعّبر بذلك « هذه ورقات » ؛ ألن هذا هو واقعها ،هذه ورقات ،عبر بذلك؛ ألن
عند سيبويهَ ،
َّاما
الواقع كذلك ،ولكي ينشط القارئ لحفظها وفهمها ودرسها ،كما قال تعالى في أيام الصيام ﴿ :أَي ً
ات ﴾ [ سورة البقرة ،اآلية ،] 184 :فوصف الشهر بأنه أيام معدودات؛ تنشيطاً للمسلم على ود ٍ
َّم ْع ُد َ
صيامها وتقليالً لها.
« فهذه ورقات تشتمل> على معرفة فصول من أصول الفقه » تشتمل :تحتوي على معرفة،
بمعنى واحد عند جمع من أهل العلم ،وفرق بعضهم بين المعرفة والعلم؛ ألن والمعرفة هي والعلم
ً
المعرفة تستلزم سبق الجهل ،بخالف العلم فإنه ال يستلزم سبق الجهل ،ولذا يوصف اهلل -سبحانه
وتعالى -بأنه عالم وعليم وعاَّل م ،وال يوصف بأنه عارف؛ قالوا :ألن المعرفة تستلزم سبق الجهل،
وجاء في الحديث « :تعرف على اهلل في الرخاء يعرفك في الشدة » :قالوا هذا من باب المقابلة
والمشاكلة في التعبير على أن دائرة اإلخبار أوسع من دائرة األسماء ،إلى غير ذلك مما قاله أهل
العلم.
ٍ
لطائفة من المسائل العلمية، ٍ
فصول من أصول الفقه» فصول :جمع فصل ،وهو اسم « على معرفة
والفصل أو الفصول تندرج تحت األبواب ،ويندرج تحتها المسائل ،واألبواب تندرج تحت الكتب.
هذا التقسيم اصطالحي عرفي من العرف الخاص عند أهل العلم ،يؤلفون الكتب على هذا :كتاب
يشتمل على كتب ،وهذه الكتب تشتمل على أبواب ،وهذه األبواب تشتمل على فصول ،والفصول
على مسائل إلى غير ذلك ،وهذا أغلبي إذ قد توجد الكتب واألبواب دون الفصول ،وقد توجد
األبواب دون الكتب ،وقد توجد الفصول دون األبواب ،وهكذا ،لكن الغالب هكذا.
ٍ
فصول من أصول الفقه » على فصول من أصول الفقه.. « على
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 15 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
بالنسبة لألسئلة يا إخوان :المتعلقة بالكتاب ومباحث الكتاب سوف نجيب عليها بإذن اهلل -عز
وجل -وما عدا ذلك مما هو خارج الكتاب فالشيخ موجود ،وال يفتى ومالك في المدينة -كما قال
أهل العلم -وليس لنا أن نتقدم بين يدي الشيخ فنجيب بحضرته ،فاألمور التي تتعلق بالكتاب ال
أمد اهلل في عمره.
مندوحة لنا من الجواب عنها ،لكن الذي ال عالقة له بالكتاب فالشيخ موجود ّ
فعلى كل حال تفرز األسئلة من قبل اإلخوان ويجاب عنها في الدرس الالحق -إن شاء اهلل تعالى-
وهكذا سوف تكون الطريقة ،إجابة اليوم تكون غداً وهكذا يفرزها اإلخوان ،ما يتعلق بالكتاب
ومسائل الكتاب نجيب عنها ،وما عدا ذلك يرجأ حتى يحضر الشيخ.
ما يقابل...نعم؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :ال ،يقابل الجمع أصول مفرد وإ ال جمع؟
طالب :جمع.
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :كيف يقول من جزئين مفردين؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :كيف؟
طالب.......:
ض ْير :يقول « :وذلك مؤلف :مركب من جزئين :أصول وفقه ،مفردين » : َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
كل واحد منهما مفرد ،واإلفراد هنا يقابل أيش؟
التركيب ،التركيب الجملي؛ ألن كلمة أصول جمع ،فال يراد باإلفراد هنا ما يقابل التثنية والجمع؛
ألن كلمة أصول جمع.
ثم أخذ يعرف جزئي المركب ،فبدأ باألصل.
أصول :النسبة إلى هذا العلم ،ماذا تقول في النسبة إلى هذا العلم ،شخص معتني بهذا العلم أكثر من
غيره من العلوم تسميه أيش؟
طالب :أصولي.
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :أصولي كذا ؟ نعم؟ هاه؟ نعم؟
طالب.......:
أصولي كذا ؟ الياء ياء النسب مشددة وال بد ،ياء كيا الكرسي زيدت ض ْير : َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ّ
تيمي بالتشديد ،وشيخ اإلسالم ابن َّ
تيمية للنسب ،والبحث ليس فيها ،نعم ،مشددة ،فالنسبة إلى تيماء ِّ
بالتشديد ،ال شك أن الياء مشددة ،لكن يبقى أن النسبة إلى الجمع حكمها ،..أهل العلم ينصون على
أن النسبة إلى الجمع شاذة ،إذا أردت أن تنسب إلى كلمة هي في األصل جمع تعيد الكلمة إلى
مفردها ثم تنسب ،إال إذا كانت شهرة الجمع أقوى من شهرة المفرد ،كالنسبة إلى األنصار وإ لى
األعراب ،أو إذا كان الجمع ال واحد له من لفظه تنسب إلى الجمع.
« فاألصل ما ُيب َنى> َعليه َغيره » األصل الذي هو واحد األصول ما يبنى عليه غيره ،كأصل
ف
الجدار وأساسه الذي يبنى عليه ،وأصل الشجرة التي تتفرع منه فروعها وأغصانها ﴿ ،أَلَ ْم تََر َك ْي َ
الس َماء ﴾ [ سورة إبراهيم، ت َوفَ ْر ُع َها ِفي َّ
َصلُ َها ثَا ِب ٌ شجر ٍة َ ٍ
ط ِّي َبة أ ْ ض َر َب اللّ ُه َمثَالً َكِل َم ًة َ
ط ِّي َب ًة َك َ َ َ
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 17 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
اآلية ،] 24 :فاألصل هو األساس ،وهو ما يبنى عليه غيره ،ويقابله الفرع -يقابل األصل الفرع-
وهو « ما يبنى> على غيره » كبقية الجدار التي بنيت على األصل وعلى األساس ،وكفروع
الشجرة وأغصانها هي فروع.
ومنهم من يقول :إن األصل ما منه الشيء ،ما منه الشيء ،فاألب أصل بالنسبة لولده ،والولد فرع،
ولذا يقولون في الوارثين أنهم أصول وفروع ،وأيضاً حواشي.
والفرع ما يبنى على غيره والفقه ،...:أخشى أن الشيخ يبي يجي وإ ال...؟ الشيخ قرب ،وإ ال إيش
صار عليه؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :هو بيجي من هنا؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :طيب ال بأس..
« والفقه معرفة األحكام الشرعية التي طريقها االجتهاد » الفقه في اللغة الفهم،
﴿ َي ْفقَ ُهوا قَ ْوِلي ﴾ [ سورة طـه ،اآلية ،] 28 :يعني :يفهموه.
« معرفة األحكام الشرعية » هل الفقه والمعرفة أو هو األحكام ؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :نعم ،كيف؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :هل الفقه هو المعرفة لألحكام ،أو هو األحكام؟
طالب.......:
ض ْير :هو يقول « :معرفة األحكام الشرعية » يخرج بذلك من األحكام ما َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ليس بشرعي ،فال يدخل في الفقه ،واألحكام جمع حكم ،وسيأتي في بيان األحكام التكليفية
والوضعية تعريف الحكم.
« معرفة األحكام الشرعية التي طريقها االجتهاد » المقصود بها المسائل الفرعية ،ويخرج بذلك
المسائل العقلية ،والمسائل العقدية؛ ألنه ليس طريقها االجتهاد.
« التي طريقها االجتهاد » حقيقةً فعالً ،أو بالقوة القريبة من الفعل ،فالفقيه من يعرف جملةً صالحة
من األحكام الشرعية التي طريقها االجتهاد بالفعل ،أو بالقوة القريبة من الفعل ،فالذي يعرف من
األحكام الشرعية بأدلتها بالفعل ،وهي حاضرة في ذهنه يسمى فقيه ،األولى من يسمى الفقيه.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 18 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
الذي ال يعرف األحكام ليست حاضرة في ذهنه ،لكنه يستطيع الوصول إلى معرفة هذه األحكام
بأدلتها ،ويستطيع أن ينظر في أقوال أهل العلم ويوازن بينها وينظر في أدلتهم ويرجح ،وإ ن لم تكن
المسائل حاضرة في ذهنه ،فإنهم يسمونه فقيه بالقوة القريبة من الفعل.
فالشخص الذي إذا سألته عن مسألة في الطهارة يفتح على أوائل الكتب مثالً -أوائل كتب الفقه
مثالً -وينظر فيها ويتصورها وينظر في أدلتها ،ومن خالف ومن وافق وأدلة الجميع ويوازن هذا
فقيه ،لكن إذا سألته عن مسألة في الطهارة بحث في أواخر الكتب وأوساطها هذا تسميه فقيه؟! ال
بالفعل وال بالقوة القريبة منه ،هذا ليس بفقيه أصالً.
فاإلمام مالك -رحمه اهلل تعالى -لما سئل عن أربعين مسألة أو ثمان وأربعين مسألة ،فأجاب عن
ج ّل هذه المسائل -أكثر من ثالثين مسألة -قال" :ال أدري" ،هل استطاع أحد أن يقول :إن اإلمام
مالك ليس بفقيه؟ هل يستطيع أحد أن يقول :اإلمام مالك ليس بفقيه؟ ال يستطيع ،كيف نقول :فقيه،
وهو ال يعرف إال الشيء اليسير من هذه المسائل ،هو فقيه؛ لديه القدرة التامة واآللة المكتملة في
ٍ
حينئذ. استنباط األحكام ،فهو فقيه بالقوة
نقف على األحكام السبعة ،واهلل أعلم وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى
آله وصحبه أجمعين.
[ أسئلـة وأجوبـة ]
يقول هذا :بعض طالب العلم يقولون :إن متن الورقات ال يصلح للحفظ؛ ألنه يوجد فيه أخطاء
في التعاريف ،ويقول :الحل في ذلك أن نأخذ تعاريف الشيخ ابن عثيمين -رحمه اهلل -وتُحفظ،
هل هذا الكالم صحيح ؟
أقول :كتب العلماء التي هي الجادة في التحصيل عند أهل العلم ال بد من العناية بها ،وما فيها من
أخطاء ال تعدو أن تكون وجهات نظر ،يصوبها البعض ويحكم عليها البعض اآلخر بأنها خالف
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 19 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
هذا يريد إعادة المبادئ العشرة التي تطلب عند شرح كل كتاب؟
هذه موجودة في الشريط ،وأظن الشريط يوزع اليوم أو ....متى؟
طالب :بعدما تنتهي الدورة ؟
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :بعد الدورة ،مو كل يوم بيومه؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :سوف يوزع بعد الدورة وهو موجود في غالب الشروح المختصرة.
يفصل في النحو؟
يقول :نود لو لم َّ
النحو عرض ،..عارض لبيان أهمية النحو لطالب العلم ،ولن نرجع إليه إال عند الحاجة
والضرورة القصوى ،وعدم التفصيل واالستطراد جاء من ٍ
كثير من اإلخوان ،وجاء ضده من
بعضهم ،وطلب بعضهم االستطرادات والفوائد التي ال توجد في ٍ
كثير من الشروح الموجودة بين
أيديهم.
على كل حال هذه مسألة نعاني منها في كل الدروس ،فمن الطالب من يرى االقتصار على تحليل
اللفظ ،وفهم الكتاب الذي بأيدينا ،واالستطرادات لها موضع آخر ،وبعض اإلخوان يرى أن الفائدة
بشروح كثيرة.
ٍ في االستطراد ،وأما تحليل اللفظ فالكتاب مشروح
يقول :أنا طالب علم وقرأت علم الفروع من مذهب اإلمام مالك ،ولكني رأيت كثيراً من طلبة
العلم يقولون في هذا ليس بعلم!!
أقول :طالب العلم المبتدئ عليه أن يتفقّه على ما ذكره أهل العلم ،وكل يعتني بالكتاب المعروف
المشهور في بلده ،وليس معنى هذا أنه إذا اعتنى بالكتاب الفقهي -كالزاد عندنا مثالً أو العمدة أو
الدليل ،أو مختصر خليل عند المالكية أو المتون األخرى في المذاهب األخرى -ليس معنى هذا أنه
يأخذ هذه األحكام قضايا مسلمة وهذه الكتب دساتير ال يحاد عنها ،ال ،إنما تكون هذه الكتب
كعناصر بحث يفهم الطالب المسألة ويتصورها ويستدل لها ،وينظر من قال بها من أهل العلم
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 21 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
وأدلتهم ومن خالف أدلتهم ،ثم يوازن بين هذه األدلة ويخرج بالقول الصحيح الراجح ،فإذا أتم كتاباً
على هذه الطريقة فإنه يدرك من الفقه ما ال يدركه غيره ممن ينادي بالتفقه رأساً من الكتاب والسنة.
طالب العلم إذا تأهل فرضه أن يتفقه من الكتاب والسنة وال ينظر إلى أقوال الرجال ،إال من باب
االستئناس ،أما إذا لم يتأهل طالب العلم فإن عليه أن يسلك ما سلكه أهل العلم ،وال نقول بالتقليد ،ال،
إنما نقول باالتباع ،يأخذ هذا الكتاب المختصر ،ويتصور مسائل هذا الكتاب ،ويستدل لهذه المسائل،
ٍ
وحينئذ يكون قد أتقن هذا الفن ثم بعد ذلك ينظر من وافق ومن خالف وأدلة الجميع ويوازن،
ومعوله وعمدته في األدلة.
السحَّار وأفعالهم؟
يقول :هل يجوز أن نهجر المبتدعة وأفعالهم ّ
السحار ال شك أنهم كفرة فحدهم القتل فضالً عن كونهم يذمون ،ويخبر عنهم وعن أفعالهم ويحذر
منهم ،والمبتدعة من كفر ببدعته فحكمه حكمهم ،من كانت بدعته مكفرة فحكمه حكم الكفار ،ومن
كانت بدعته مفسقة وال تخرجه من الملة فحكمه حكم المسلمين ،لكن إذا خشي من ضرره على
المسلمين يحذر منه.
يقول :بماذا ينصح> طالب العلم المبتدئ أن يقرأ في علم أصول الفقه؟
يقرأ في هذا الكتاب وما كتب حوله والمناقشات التي نوقش فيها المؤلف وما كتب على الكتاب ،ثم
ينتقل إلى ما هو أعلى منه ،إما مختصر التحرير مع شرحه أو مختصر الروضة مع شرحه.
يقول :قلتم :إنه ال ينبغي اإلفراط في تعلم أصول الفقه ،فما المراحل التي ينبغي أن يسلكها في
هذا العلم؟
ذكرنا أن المبتدئ يبتدئ بمثل هذا الكتاب ثم ينتقل بعده إلى مختصر الروضة مع شرحه أو مختصر
التحرير مع شرحه ،ثم إذا فهم هذه الكتب يبقى المسألة مراجعات ،عند الحاجة يراجع الكتب
المبسوطة.
يقول :هل من أخطأ في أي حديث ينطبق عليه حديث « :من كذب» ..؟
اخ ْذ َنا إِن َّن ِسي َنا أ َْو
من أخطأ ،من يعرى من الخطأ كما قال اإلمام أحمد -رحمه اهلل ﴿ -ر َّب َنا الَ تُ َؤ ِ
َ
طأْ َنا ﴾ [ سورة البقرة ،اآلية ،] 286 :لكن يذكر المثال الذي ذكرناه باألمس أن من أخطأ في َخ َ
أْ
إعراب كلمة من حديث النبي -عليه الصالة والسالم -يدخل ،..هذا من باب التحذير والتحري
والتثبت ونقل الحديث كما هو بفصه وبلفظه إن أمكن ،وإ ال فبمعناه.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 22 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
يقول :ما دام هذا العلم وغيره من علوم اآللة وسيلة وعلى الطالب التوسط فيها فنرجو بيان ما
يكفي دراسة المتوسط؟
ذكرنا هذا بالنسبة لألصول.
يقول بعض طلبة العلم :إنه ال يسوغ أن يطلق لفظ اإلمامة على من تلبس ببدعة كابن حجر
والنووي والعز بن عبد السالم ،وإ ذا قلنا :اإلمام يطلق على علماء الحديث يقال :العالمة فالن
النووي والحافظ ابن حجر..؟
على كل حال هذه أمور نسبية ،وقد يكون اإلنسان إمام في باب وهو في الباب اآلخر أقل منه في
ذلك ،فال يمنع أن يقال :فالن إمام في باب كذا ،إمام في النحو وإ ن كان ضعيفاً في باب الرواية،
إمام في الحديث وإ ن كان ضعيفاً في باب العربية ،وهكذا ،اإلمام أحمد قالوا :إنه إمام في السنة،
إمام في الفقه ،إمام في الزهد ،إمام في الفقر رحمة اهلل عليه.
يقول :ما حكم خروج بعض المشايخ والدعاة لما يترتب على ذلك من الفتن والضالل بقصد
الدعوة إلى اهلل؟
الخروج :إن كان المراد به الخروج عن هذه البالد إلى بالد الكفر مثالً ،فالسفر إلى بالد الكفر
معروف عند أهل العلم حكمه واإلقامة فيها أيضاً -في بالد الكفر -حكمها التحريم ،والهجرة واجبة
وباقية إلى قيام الساعة ،حسب اإلمكان إذا أمكن ذلك ،وإ ال فاهلل -سبحانه وتعالى -استثنى
المستضعفين.
ما هو موضح ،الخروج إلى بالد الكفر ،إلى غيرها من البلدان ،الخروج في القنوات ابتلي الناس به
أيضاً ووجد من ينتسب إلى العلم يخرج إلى الناس في هذه القنوات مما يكسبها الشرعية ،على كل
حال هذه أمور تحتاج إلى ٍ
شيء من البسط ،ولعل الشيخ يعرض عليه مثل هذا السؤال.
هذا يسأل يقول :إنك ذكرت أنك ستذكر أحسن الطبعات للكتب؟ يعني في مقارنة شروح الكتب
الستة ،ولم تفعل؟
ٍ
مناسبات كثيرة ،ولو الوقت يسعف ذكرنا ذكرناها في مناسبات كثيرة ،ذكرنا أفضل الطبعات في
اآلن ،لكن الوقت ضيق واهلل المستعان.
بسم اهلل الرحمن الرحيم ،الحمد هلل رب العالمين ،والصالة والسالم على نبينا محمد وعلى آله
وصحبه أجمعين ،أما بعد :فقد قال إمام الحرمين رحمه اهلل :
واألحكام سبعة الواجب والمندوب والمباح والمحظور والمكروه والصحيح والفاسد ،فالواجب :ما
يثاب على فعله ويعاقب على تركه ،والمندوب :ما يثاب على فعله وال يعاقب على تركه ،والمباح:
ما ال يثاب على فعله وال يعاقب على تركه ،والمحظور :ما يثاب على تركه ويعاقب على فعله،
والمكروه :ما يثاب على تركه وال يعاقب على فعله ،والصحيح :ما يتعلق به النفوذ ويعتد به،
والباطل :ما ال يتعلق به النفوذ وال يعتد به.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 24 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
« َّ
الش ْـر ُح » :
الحمد هلل رب العالمين ،وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين ،يقول -رحمه اهلل تعالى:-
عليكم أن أغضبا
ُ أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم *** إني أخاف
الحكم في االصطالح :
يعرفه بعض العلماء بأنه خطاب اهلل ،خطاب اهلل المتعلق بأفعال المكلفين طلباً أو تخييراً أو وضعاً،
خطاب اهلل المتعلق بأفعال المكلفين طلباً أو تخييراً أو وضعاً ،فجعلوا الحكم نفس الخطاب ،هذا
الصالَةَ ﴾ [ سورة البقرة ،اآلية 43 : يمواْ َّ ِ
تعريف أكثر األصوليين ،جعلوا الحكم نفس الخطاب﴿ أَق ُ
ادواْ ﴾
طُ الز َنى ﴾ [ سورة اإلسراء ،اآلية ] 32 :هذا حكم ﴿ ،إِ َذا َحلَ ْلتُ ْم فَ ْ
اص َ ] هذا حكم ﴿،الَ تَ ْق َر ُبواْ ِّ
س ﴾ [ سورة اإلسراء ،اآلية : الش ْم ِ الصالَةَ ِل ُدلُ ِ
وك َّ [ سورة المائدة ،اآلية ] 2 :هذا حكم ﴿ ،أ َِقِم َّ
] 78هذا حكم ،فجعلوا الحكم نفس الخطاب.
لكن الفقهاء جعلوا الحكم ما يقتضيه الخطاب ،فجعلوا الحكم الوجوب المأخوذ من هذا األمر في
الصالَةَ ﴾ ،وجعلوا الحكم تحريم الزنا المأخوذ من قوله تعالى ﴿ :الَ
يمواْ َّ ِ
قوله -جل وعال ﴿ :-أَق ُ
تَ ْق َر ُبواْ ِّ
الز َنى ﴾ ،ولعل هذا أقرب.
والمراد بخطاب اهلل ما هو أعم مما جاء في القرآن فقط ،بحيث يشمل ما جاء عن اهلل -عز وجل-
على لسان نبيه -عليه الصالة والسالم -فخطاب اهلل سواء كان في كتابه ،أو على لسان رسوله
-عليه الصالة والسالم -كله خطاب من اهلل ،والذي يجيء عن النبي -عليه الصالة والسالم -هو
من عند اهلل؛ ﴿ وما ي ِ
ق َع ِن ا ْل َه َوى* إِ ْن ُه َو إِاَّل َو ْح ٌي ُي َ
وحى ﴾ [ سورة النجم 3 :ـ ،] 4فالذي نط ُ ََ َ
ابتداء ،وال ينبه على أنه خالف مراد اهلل -عز وجل -هو ً يقوله النبي -عليه الصالة والسالم-
خطاب اهلل -عز وجل -أما اجتهاده -عليه الصالة والسالم -وله أن يجتهد -فإن وافق ما عند اهلل
-عز وجل -وهذا هو الكثير الغالب -فهو من عند اهلل حقيقة ،وإ ن أخطأ -عليه الصالة والسالم-
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 25 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
في اجتهاده ّنبه على خطئه في ارتكابه خالف األولى ،كما جاء في قصة األسرى ،أسرى بدر،
المقصود أن ما يجيء من عند النبي -عليه الصالة والسالم -هو من عند اهلل حقيقةً.
والمراد بأفعال المكلفين :ما يشمل األفعال من جميع الجوارح ،من أفعال القلوب وأفعال اللسان،
أقوال اللسان والبدن.
سواء كان الطلب لفعل الشيء أو الطلب للكف عن شيء ،وطلب الفعل يشمل الطلب الجازم
ً طلباً:
وهو ما يعرف بالواجب ،ويشمل الطلب من غير جزم فيشمل المندوب ،وطلب الكف يشمل ما كان
مع جزم فيدخل فيه المحظور ،وما كان من غير ٍ
جزم فيدخل فيه المكروه.
أو تخييراً :من غير طلب ال فعل وال كف ،وهو غير مطلوب أصالً ،والمكلف مخير بين فعله
وعدم فعله ،وهذا هو المباح .أو وضعاً :فيدخل فيه ذلك الحكم الوضعي.
ما جاء من قولهم :خطاب اهلل المتعلق بأفعال المكلفين طلباً أو تخييراً هذا هو ما يعرف بالحكم
التكليفي ،أو وضعاً يشمل الحكم الوضعي ،والوضع يشمل ما ستأتي اإلشارة إليه من الصحيح
والفاسد وغيرهما.
إذا عرفنا هذا فاألحكام عند أهل العلم تنقسم إلى قسمين :أحكام تكليفية ،وأحكام وضعية ،أحكام
تكليفية وأخرى وضعية ،واألحكام التكليفية ،..واألصل في التكليف أنه إلزام ما فيه كلفة ومشقة،
هذا األصل فيه ،وال شك أن الشرع فيه تكاليف وفيه ما يشق على النفوس؛ ألن الجنة حفّت
بالمكاره ،هذا هو السبب في تسمية األحكام بالتكليف؛ ألن الجنة حفت بالمكاره ،وال يمنع أن يكون
هذا التكليف ،..يكون في بداية األمر ،ثم بعد ذلك يكون تلذذ بالطاعة ،يعالج اإلنسان نفسه على هذه
التكاليف حتى تصير ديدناً لها فتتلذذ بها ،وهذا معروف عند المسلمين قديماً وحديثاً ،كثير من الناس
يتلذذ بالطاعة ،والرسول -عليه الصالة والسالم -يقول « :أرحنا يا بالل بالصالة » ،وحال أو
لسان حال ٍ
كثير من المسلمين يقول :أرحنا من الصالة.
ال شك أن الصالة تكليف على خالف ما ترضاه النفس ،لكن إذا اعتادها اإلنسان وتعلق قلبه بها
ِّ
حدث وال حرج من اللذة وانشراح الصدر في الصالة ،وجاهد السلف -بل كثير من الناس في القديم
والحديث -جاهدوا أنفسهم من أجل قيام الليل ،جاهدوا مدة ثم صار من شأنهم وديدنهم فتلذذوا به،
أشق األمور على النفس ،الصيام في
وهكذا غير الصالة من العبادات كالصيام في الهواجر من ّ
عود نفسه عليها وصار شأناً له وديدناً له واهلل المستعان،
الهواجر ،لكنه من ألذ األشياء عند من ّ
وقل مثل ذلك في سائر العبادات ،كتالوة القرآن ،التلذذ بمناجاة اهلل -عز وجل -والخلوة به ،واهلل
المستعان ،وهذا محروم منه كثير من الناس ،والسبب انشغالهم بهذه الدنيا ،واهلل المستعان.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 26 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
فاألحكام التكليفية خمسة استوعبها المؤلف فذكرها كلها « ،الواجب والمندوب والمباح والمحظور
والمكروه » ،وطريق الحصر في الخمسة االستقراء؛ ألن الطلب إما أن يكون طلباً للفعل أو الكف
عنه أو للتخيير ،فاألول إن كان جازماً على ما تقدم فهو الواجب ،وإ ن كان من غير ٍ
جزم فهو
المندوب ،والثاني طلب الكف ،إن كان مع ٍ
جزم فهو المحظور ،وإ ن كان من غير جزم فهو
ٍ
بخطاب من اهلل المندوب ،وإ ن كان الثالث الذي هو التخيير هو اإلباحة ،فاإلباحة حكم شرعي؛ ألنها
ٍ
خالف بين أهل العلم في ذلك ،منهم من يقول :إن ذكر اإلباحة وإ دراجها ضمن -عز وجل -على
األحكام من باب تتميم القسمة؛ إذ ليست هي حكم ،وليست بتكليف ،وليس فيها كلفة وال مشقّة،
ٍ
بخطاب من اهلل، والذي يقول :إنها من التكليف وأدرجها في األحكام التكليفية قال :إنها جاءت
وخطاب اهلل هو الحكم،
واألحكام الوضعية ،والمراد بالحكم الوضعي :خطاب الشرع المتعلق بأفعال المكلفين ال باالقتضاء
وال بالتخيير ،واألحكام الوضعية كثيرة :السبب ،والعلة ،والشرط ،والمانع ،والرخصة ،والعزيمة،
والصحة ،والفساد ،وأما المؤلف فاقتصر منها على اثنين ،وساقها مساقاً واحداً مع أحكام التكليف
اختصاراً؛ ألن الكتاب ألف للمبتدئين ،وهم ال يستوعبون ذكر جميع األقسام.
وأنتم تالحظون أن الكتب التي تؤلف بالتدريج -ولنأخذ على سبيل المثال مؤلفات الموفق ابن قدامة
في الفقه -العمدة ،المقنع ،الكافي ،المغني ،فللمبتدئين العمدة ،وللطبقة الذين يلونهم من المتوسطين
المقنع ،وللطبقة الثالثة الكافي ،وللمنتهين المغني ،وطريقتهم في التأليف أنهم يقتصرون على ما
يحتاج إليه المبتدئ ،ثم الطبقة الذين يلونهم ،يذكرون ما ذكروه للمبتدئين ،ويزيدون عليه مما
يحتاجه المتوسطون ،فهل المقنع مجرد من األحكام الموجودة في العمدة ؟ ال ،وهل الكافي مجرد
عما اشتمل عليه المقنع؟ ال ،موجود فيه كل ما ذكر في هذه الكتب ،والتكرار عند أهل العلم
مقصود ،ولذا يعمد بعض الناس إلى ذكر زوائد الكافي على المقنع مثالً ،أو ذكر زوائد المقنع على
العمدة ،هذه طريقة ما غابت عن بال أهل العلم حينما ألفوا هذه الكتب ،إنما يستفيد الطالب من هذا
التكرار.
يقول الناظم -رحمه اهلل تعالى:-
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :فالواجب ....نعم
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :تعرفوا معاني الحروف؟ ما في فاء يقال لها :التفريعية؟
نعم؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :ال ،فالواجب :أنا أقصد الفاء هذه ..أيش؟
طالب.......:
ض ْير :هل نقول تفريعية أو فصيحة؟ أو ما تعرفون الفرق؟ َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
وجاء سؤال وطلب يقول :ال تفصلون في المسائل النحوية واهلل المستعان ،يا إخوان العلوم
مترابطة ال ينفك بعضها عن بعض ،ولذا الذين يطالبون بفصل أصول الفقه عن علوم الحديث
يطالبون ٍ
بأمر غير سائغ ،ويأتينا علم السنة مبحث مهم من مباحث أصول الفقه ،ومباحث علوم
السنة ال تستغني عن مباحث أصول الفقه على ما سيأتي إن شاء اهلل تعالى.
يقول « :فالواجب ما يثاب على فعله ويعاقب على تركه » الواجب في اللغة هو الساقط كما في
وب َها فَ ُكلُوا ِم ْن َها ﴾ [ سورة الحـج ،اآلية ] 36 :يعني إذا سقطت على
قوله تعالى ﴿ :فَِإ َذا َو َج َب ْت ُج ُن ُ
األرض بعد نحرها؛ ألن األصل أن اإلبل تنحر قائمة ،فإذا نحرت وهي قائمة ثم سقطت فكلوا منها.
اصطالحاً :عرفه المؤلف -رحمة اهلل عليه -بأنه « ما يثاب على فعله ويعاقب على تركه » يثاب
المكلف على فعله إذا فعله على جهة االمتثال ،واستحضار التعبد هلل -عز وجل -به ،من يفعل
الواجب وهو غافل عن التعبد به ،أو ال يعرف أنه واجب هذا يثاب عليه؟ يفعل الواجب ،لكن على
سبيل التقليد ،رأى الناس يفعلون ففعل ،ال على جهة التعبد هلل عز وجل؟
« إنما األعمال بالنيات » ،إذا ما نوى التعبد هلل -عز وجل -بهذا الفعل فال ثواب له.
عاص ،وحكم العصاة معروف ،الذين ٍ « ويعاقب على تركه » أي يستحق العقاب تاركه ،وإ ال فهو
ش َر َك ِب ِه َو َي ْغ ِف ُر َما
لم تبلغ معصيتهم إلى درجة الشرك ،هم تحت المشيئة ﴿ ،إِ َّن اللّ َه الَ َي ْغ ِف ُر أَن ُي ْ
شاء ﴾ [ سورة النساء ،اآلية ،] 48 :فتارك الواجب معرض نفسه لعقوبة اهلل عز ون َذ ِل َك ِل َمن َي َ
ُد َ
وجل.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 29 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
وهذا التعريف للواجب بالالزم واألثر المترتب عليه ،وأما حقيقته وماهيته :فهو ما طلب الشارع
فعله على سبيل الجزم.
ذم تاركه مطلقاً ،يذم تاركه فيخرج بذلك جميع األحكام ،يخرج
واختار الطوفي في تعريفه أنه ما ّ
المندوب؛ ألنه ال يذم تاركه ،ويخرج بذلك المحظور والمكروه؛ ألنه يمدح تاركه على ما سيأتي.
والواجب مرادف للفرض عند جمهور العلماء ،خالفاً للحنفية الذين يفرقون بين الفرض والواجب،
بدليل قطعي ،والواجب ما ثبت ٍ
بدليل ظني. فيجعلون الفرض ما ثبت ٍ
فزكاة الفطر الثابتة بقول ابن عمر « :فرض رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -زكاة الفطر»،
فرض وإ ال واجب عند الحنفية؟
واجبة ،والصحابي يقول « :فرض »؛ ألنها ثبتت ٍ
بدليل ظني عندهم.
ص ِّل ِلَر ِّب َك َوا ْن َح ْر ﴾ [ سورة ٍ
وصالة العيد عندهم واجبة؛ ألنها ثبتت بدليل ظني ،دليل ظني ﴿ :فَ َ
الكوثر ،اآلية ،] 2 :هذا دليل ظني وإ ال قطعي؟!
طالب.......:
ض ْير :هم عندهم صالة العيد واجبة وليست بفرض؛ ألنها ثبتت بدليل ظني، َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ص ِّل ِل َر ِّب َك َوا ْن َح ْر ﴾ ؟وهو قوله تعالى ﴿ :فَ َ
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :نعم ،ظني الداللة ،وإ ن كان قطعي الثبوت.
المعين :وهو الذي ال
والواجب له تقاسيم باعتبارات ،منه تقسيم باعتبار الفعل نفسه ،فالفعل منه ّ
يقوم غيره مقامه كالصالة والزكاة والصوم ،ومنه المبهم من غير تعيين كخصال الكفارة .وقسمه
أهل العلم باعتبار الوقت سعة وضيقاً ،إلى موسع ومضيق ،فالموسع الذي يتسع وقته لغيره فيزيد
على فعله كأوقات الصلوات،ـ والمضيق ما ال يتسع وقته إلى فعل غيره كشهر رمضان.
وقسم أيضاً باعتبار الفاعل إلى قسمين :عيني وكفائي .فالعيني :ما يلزم كل مكلف بعينه ونفسه
بحيث ال ينوب غيره وال يقوم غيره مقامه ،والكفائي :ما يثبت من فعل البعض فينوب بعض الناس
عن بعض بفعله ،واجب على األعيان وواجب على الكفاية فالذي يلزم به الناس كلهم –المكلفون-ـ
إذا توافرت الشروط ألزموا به هذا يسمى واجب على األعيان.
الصلوات هل يصلي أحد عن أحد؟ هل تسقط بفعل البعض؟ لكن هناك ما يسمى بالواجب على
الكفاية ،إذا قام به من يكفي سقط اإلثم عن الباقين ،وأيهما أفضل؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 30 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
جماهير أهل العلم على أن الواجب العيني أفضل من واجب الكفاية ؟ والمؤلف يرى أن الواجب
على الكفاية أفضل من الواجب العيني ،والتفصيل في هذه المسألة يطول.
-عين له الشارع مقداراً -كالصلوات المفروضة ،ومنه ما هو غير
من الواجبات ما هو محدد ّ
محدد ،يجب لكنه من غير تحديد ،تحدده الحاجة ،كإنقاذ الغرقى وإ غاثة الملهوفين هذا واجب لكن
هل له حد محدد؟ أنقذت اليوم غريقاً ،ورأيت غريقاً من الغد تقول :يكفي أنا أنقذت أمس واحد؟ ال
ليس له حد محدد؛ هذا مربوط بسببه.
يقول الناظم -رحمه اهلل تعالى:-
ثم قال -رحمه اهلل « :-والمندوب ما يثاب على فعله وال يعاقب على تركه » المندوب في اللغة
اسم مفعول من الندب وهو الدعاء إلى الفعل ،أو الدعاء إلى األمر المهم ،وقد عرفه المؤلف
-رحمه اهلل تعالى -بالزمه كسابقه ،بالزمه واألثر المترتب عليه.
قال « :ما يثاب على فعله وال يعاقب على تركه » ويأتي فيه ما ذكر في الواجب من أن الثواب
معلق بقصد االمتثال؛ ألن األعمال بالنيات ،قصد االمتثال ونية التعبد هلل -عز وجل.-
وعرف المندوب باعتبار حقيقته بأنه مأمور به ،يجوز تركه ال إلى بدل ،أو ما طلب فعله ال على
ّ
سبيل الجزم ،وهو مرادف للسنة والمستحب ،وهو مأمور به ،خالفاً لبعضهم ،المندوب مأمور به،
خالفاً لبعضهم ممن قال :لو كان مأموراً به لعصى تاركه؛ إذ المعصية مخالفة األمر كما في قوله
يب ُه ْم ِفتْ َن ٌة ﴾ [ سورة النور ،اآلية ،] 63 :هذا ِ ين ُي َخ ِالفُ َ
ون َع ْن أ َْم ِر ِه أَن تُص َ تعالىَ ﴿ :ف ْل َي ْح َذ ِر الَّ ِذ َ
تهديد لمخالفي األمر ،فدل على أن مخالف المندوب حيث لم يدخل في هذا الوعيد أنه ليس بأمر وال
أشق على أمتي ألمرتهم بالسواك » مع أنه مندوب
مأمور به ،وفي الحديث الصحيح « :لوال أن ّ
إجماعاً ،إذن المندوب ليس بمأمور به ،هذا ما قاله بعضهم.
والصواب أنه مأمور به ،وهو قول عامة أهل العلم ،والمقصود باألمر في اآلية وفي الحديث :أمر
يتوعد
اإليجاب ال أمر االستحباب ،أمر اإليجاب ال أمر االستحباب ،فأمر االستحباب أمر لكنه لم ّ
على تركه ،وهذا يدل على أن األمر في األصل الوجوب ،أن األمر في األصل للوجوب ،وال
يصرف عنه إال بصارفٍ ،
بدليل شرعي.
يقول الناظم:
والندب مـا في فعلـه الثـواب *** ولـم يكـن في تركـه عقاب
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 31 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
وليس فـي المباح مـن ثواب *** فعال ًوتركـاً بـل وال عقـاب
وعرفنا أن المباح من أهل العلم من قال :إنما ذكر في األحكام التكليفية من باب تتميم القسمة،
فالقسمة خماسية ،إما طلب فعل ،أو طلب كف ،أو تخيير ال طلب فعل وال طلب كف ،مخير
المكلف ،تتميم للقسمة العقلية ،وعلى هذا ليس من األحكام التكليفية.
ومنهم من يقول :إنه من األحكام التكليفية ،يعني ما الذي يدريك أن هذا مباح إال بخطاب الشرع،
وأهل العلم يختلفون في األعيان المنتفع بها قبل ورود الشرع ،األعيان المنتفع بها قبل ورود
الشرع ،وفي حكمها ما سكت الشرع عنه ،وعلى هذا هل األصل في األشياء الحظر أو اإلباحة؟
حرمه اهلل ،هناك فرق بين
من أهل العلم من يقول :الحالل ما أحله اهلل ،ومنهم من يقول :الحرام ما ّ
الجملتين؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :فرق وإ ال ما فيه؟ نعم ،في فرق ،فرق كبير ،الحالل ما أحله اهلل،
حرمه اهلل.
وبعضهم يقول :الحرام ما ّ
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 32 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
إذا كنت في ٍ
مكان ما فوجدت شيئاً -نبات أو حيوان -وليس عندك فيه نص يدلك على جواز أكله
وال على المنع منه ،تأكل وإ ال ما تأكل؟ إذا قلنا :الحرام ما حرمه اهلل؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :تأكل ،تأكل نعم ،على هذا تأكل؛ ألنه ما عندك نص يدل على
تحريمه ،وإ ذا قلنا :الحالل ما أحله اهلل ليس عندك نص يدل على حله ،إذن قف ال تأكل ،هناك فرق
كبير بين العبارتين ،والذي يسمعها في بادئ األمر يقول :صح ،الحرام ما حرمه اهلل والحالل ما
أحله اهلل ،شو يصير؟
فعلى سبيل المثال :بعض الناس إذا صار عنده مرض أو نقص في بعض األمور في جسده قيل له:
تأكل من لحم السقنقور ،معروف وإ ال ما هو بمعروف؟
هو موجود عند العطارين على كل حال ،مجفف وموجود عندهم ،وبعض الناس يخرج إلى البر
وفي الرمال يصطاده فيأكله ،هذا جاري على قاعدة أيش؟ الحرام ما حرمه اهلل ،لكن الذي يمنعه
ٍ
جار على قاعدة :الحالل ما أحله اهلل ،نعم ،وصف لك مثل هذه الدويبة ،وصفت لك عالج تحتاج
إلى دليل لتأكل هذه الدويبة؟
الورع بابه معروف ،كون اإلنسان يتورع وال يدخل في جوفه إال ما يطمئن إليه ويجزم بحله هذا
شيء ،لكن أيضاً منع الناس من غير دليل يحتاج إلى ،..أقول :منع الناس لما يحتاجون إليه يحتاج
ض َج ِميعاًٌ ﴾ [ سورة البقرة ،اآلية ،] 29 :على كل
ق لَ ُكم َّما ِفي األ َْر ِ
إلى دليلُ ﴿ :ه َو الَّ ِذي َخلَ َ
حال هذه المسألة تحتاج إلى بسط وتمثيل وتنظير ،وذكر أقوال أهل العلم ،والمقام ال يحتمل هذا،
لكن هذا يورث بحث أصل المسألة إن شاء اهلل تعالى.
« والمحظور- :وهو القسم الرابع -ما يثاب على تركه ويعاقب على فعله » والمحظور اسم
ورا ﴾ [ سورة اإلسراء،
طاء َر ِّب َك َم ْحظُ ً
ان َع َ
مفعول من الحظر ،وهو المنع ،يقول تعالىَ ﴿ :و َما َك َ
اآلية ،] 20 :عرفه المؤلف كسوابقه بالزمه فقال « :ما يثاب على تركه ويعاقب على فعله »
والمقصود أنه يستحق العقاب ،ال أنه يجزم بعقابه كما مضى في تعريف الواجب ،ففاعل المحظور
معرض نفسه لعقاب اهلل -عز وجل -المرتب على فعل هذا المحظور ،وإ ن كان في األصل تحت
المشيئة إذا لم يكن تر ُكه ،..أو يكون ما تركه مكفراً أو يكون من األمور المتفق عليها وتركها
جاحداً لها.
وحقيقته ما طلب الشارع تركه طلباً جازماً ،خرج بطلب الترك الواجب والمندوب والمباح ،وخرج
بالجازم المكروه ،والمحظور ضد الواجب ،ضد وإ ال نقيض؟ ضد وإ ال نقيض؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 33 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :لماذا؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :نعم؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :صحيح ..صحيح
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :يجتمعان؟ ال يجتمعان ،هنا يمكن ارتفاع الواجب والمحظور؟
ال يمكن أن يجتمعا مع اتحاد الجهة ،لكن هل يمكن أن يرتفعا ويحل محلهما شيء ثالث؟ يمكن،
يرتفع الحظر والوجوب ،وتحل اإلباحة أو الكراهة أو االستحباب ،الندب واالستحباب ،فهما
ضدان.
قد يجتمع الواجب مع المحظور في ٍ
عمل واحد ،باعتبارين ،يعني مع انفكاك الجهة كالصالة في
الدار المغصوبة ،وهو ما حرم من الواجبات ٍ
ألمر عارض ال لذاته ،فإذا انفكت الجهة يمكن أن
يوصف الفعل بأنه واجب ،وفي الوقت نفسه محظور ،ولذا يختلف أهل العلم في حكم الصالة في
الدار المغصوبة ،والمعروف عند أهل العلم أن النهي إذا عاد إلى ذات العبادة أو إلى شرطها فإنها
تبطل مع التحريم ،أما إذا عاد النهي إلى ٍ
أمر خارج عن الذات والشرط وما ال تقوم إال به ،فإنها
تصح مع التحريم ،يعني فرق بين أن يصلي شخص وعليه عمامة حرير ،أو خاتم حرير أو ستر
عورته بسترة حرير أو ما أشبه ذلك أو سترة مغصوبة محرمة ،مع انفكاك الجهة :يبالغ بعض
الناس باالنفكاك ،كما أن من أهل العلم والمعروف عن الظاهرية أن كل نهي يقتضي الفساد ،كل
نهي يقتضي الفساد ،ولو لم يعد إلى العبادة نفسها وال إلى شرطها.
الصالة في المسجد المزخرف على هذا إذا قلنا :كل نهي يقتضي الفساد ،الصالة في المسجد
المشيد المنهي عنه فاسدة عند الظاهرية؛ لوجود النهي وهو نهي خارج عن العبادة ،لكن
ّ المزخرف
كل نهي يقارن هذه العبادة ولو كان خارجاً عنها فإنه يقتضي الفساد.
وبالمقابل من يبالغ بانفكاك الجهة ،ومن أوضح األمثلة على ذلك ما يقوله بعض األشعرية من
وجوب غض البصر من قبل الزاني عن المزني بها ،نعم ،يجب عليه أن يغض بصره؛ ألن هذا
حرم بخطاب وهذا حرم بخطاب ،ارتكب هذا ال يجوز له أن يرتكب هذا ،هذه مبالغة في فك
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 34 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
الجهات؛ إنما حرم النظر من أجل الوقوع في الفاحشة ،ال شك أن الجهات قد تنفك وقد تتحد فإذا
اتحدت الجهة لم يصح العمل وإ ذا انفكت الجهة قد يصح وقد ال يصح كما مثّلنا.
يطلق الحرام المرادف للمحظور من حيث الحقيقة ضد الحالل ،والحالل هو في األصل المباح،
الحالل المباح ،فكيف يكون الحرام ضد الحالل ؟
ام ﴾ [ سورة ِ صُ ِ جاء في قوله تعالى ﴿ :والَ تَقُولُواْ ِلما تَ ِ
ف أَْلس َنتُ ُك ُم ا ْل َكذ َب َه َذا َحالَ ٌل َو َه َذا َح َر ٌ َ َ
النحل ،اآلية ،] 116 :كيف جاء الحالل ضد الحرام؟ ونقول :التحليل والتحريم هلل عز وجل؟
نحن عرفنا أن الحرام في حده ضد الواجب ،كما قلنا في الواجب أنه ضد الحرام.
المقابلة هنا من حيث الحد والحقيقة وإ ال..؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :نعم ،الحد والحقيقة ،نعم ،طيب ،وكونه ضد الحالل؟
طالب.........:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :كيف؟ أيوه؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :الحالل يعني أعم من أن يكون مخيراً في فعله أو تركه ،أعم من ذلك،
مقتضى فعله مع جزم أو من غير جزم أو مأذون فيه. فيشمل ما يفعله المكلف ،سواء كان
ً
ثم قال -رحمه اهلل تعالى -في القسم الخامس وهو المكروه:
« والمكروه ما يثاب على تركه وال يعاقب على فعله » هو اسم مفعول من الكراهة ،وهو
المبغض ،وتعريفه عند المؤلف بالزمه كسوابقه ،وحقيقته هو ما طلب الشارع تركه من غير جزم،
وطلب الترك يخرج الواجب والمندوب والمباح؛ ألن الواجب والمندوب مطلوب فعلهما ،والمباح
غير مطلوب ال فعله وال تركه ،مخير فيه ،وقوله :من غير جزم :يخرج المحظو ،وهذا ما استقر
عليه االصطالح عند المتأخرين ،هذا ما استقر عليه االصطالح عند المتأخرين ،ويطلق المكروه
ويراد به الحرام ،ولذا يقسم أهل العلم الكراهة إلى قسمين :كراهة تنزيه ،وكراهة تحريم ،وجاء في
وها ﴾ [ سورة اإلسراء ،اآلية ] 38 :بعد أن ذكر س ٍّي ُئ ُه> ِع ْن َد َر ِّب َك َم ْك ُر ً
ان َقوله تعالىُ ﴿ :ك ُّل َذ ِل َك َك َ
س ٍّي ُئ ُه> ِع ْن َد َر ِّب َك َم ْك ُر ً
وها ﴾ ،وجاء في كالم السلف واألئمة ما جملة من المحرماتُ ﴿ ،ك ُّل َذ ِل َك َك َ
ان َ
يوافق ذلك ،يطلق السلف من الصحابة والتابعين واألئمة الكراهة ويريدون بها كراهة التحريم ،ولو
قيل :إن هذا هو الغالب في إطالقهم الكراهة لما بعد؛ ألنهم يتورعون من إطالق اللفظ الشديد،
فاإلمام أحمد كثيراً ما يقول" :أكره كذا"" ،ال يعجبني كذا" ،وإ ن كانت األمور محرمة" :أكره
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 35 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
المتعة" ،وهو يحرمها ويجزم بتحريمها ،ولذا يخطئ كثير من أتباع األئمة في فهم نصوصهمـ
لمخالفتها لما جرى عليه االصطالح.
يقول الناظم -رحمه اهلل تعالى:-
وضابط المكـروه عكس ما نـدب *** كذلك الحــرام عكس مـا يجـب
وبهذا تكون األحكام التكليفية الخمسة قد انتهى الكالم عنها ،وأما الحكم الوضعي وهو داخل في
الحد السابق للحكم :خطاب اهلل المتعلق بأفعال المكلفين طلباً أو تخييراً أو وضعاً ،هذا هو الخطاب،
أو الحكم الوضعي ،وهو ما وضعه الشارع عالمة ونصبه داللة للمكلف.
مثال يوضح الفرق بين الحكم التكليفي والحكم الوضعي:
مثال :الزكاة تجب في مال من اكتمل عليه النصاب ،من اكتمل عنده النصاب تجب عليه الزكاة،
فإن كان مكلفاً فحكمه من باب التكليف ،الحكم التكليفي يجب عليه ،ووجوبها في مال غير المكلف
-في مال الصبي والمجنون -حكم تكليفي وإ ال وضعي؟
وضعي ،من باب ربط األسباب بالمسببات ،وجد السبب فليوجد المسبب ،وجد المال فلتوجد الزكاة،
هذا المثال يوضح الفرق بين الحكم التكليفي والحكم الوضعي ،ظاهر وإ ال مو ظاهر؟
عند وجوب الزكاة في من اكتمل عنده النصاب :زيد من الناس مكلف حر بالغ عاقل عنده مبلغ من
ٍ
حينئذ تكليفي، المال ،تجب عليه الزكاة ،نقول :تجب عليه الزكاة ،لماذا؟ ألنه مكلف ،فالحكم
الوجوب من األحكام التكليفية ،وأما وجوبها في مال الصبي والمجنون فليس من باب األحكام
التكليفية لماذا؟ ألنه غير مكلف؟ إنما وجوبها من باب الحكم الوضعي ،من باب ربط األسباب
بالمسببات ،وجد السبب ،وجد المال فليوجد المسبب وهو الزكاة.
واألحكام الوضعية كثيرة من السبب والعلة والشرط والمانع والرخصة والعزيمة والصحة
والبطالن ،فالسبب ما جعله الشارع عالمةً على مسببه ،أقول :فالسبب :ما جعله الشارع عالمةً
على مسببه ،وربط وجود السبب بوجوده وعدمه ،ويطلق أيضاً بإزاء علة الحكم.
والشرط :ما يتوقف وجود الحكم على وجوده ،ويلزم من عدمه عدم الحكم ،والمانع :ما يلزم من
ٍ
حاالت خاصة وجوده عدم الحكم ،والرخصة :ما شرعه اهلل من األحكام تخفيفاً على المكلفين في
ٍ
لمعارض راجح ،لكنها تقتضي ذلك التخفيف ،وقيل في تعريفها :ما ثبت على خالف ٍ
دليل شرعي
تثبت بأدلة؛ المعارض الراجح هو الدليل اآلخر الذي اقتضى ذلك التخفيف لوجود سببه.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 36 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
والعزيمة :ما شرعه اهلل -عز وجل -أصالةً من األحكام العامة التي ال تختص ٍ
بحال دون حال،
دليل شرعي لعدم المعارض. ٍ
بمكلف دون مكلف ،وقيل :ما ثبت على وفق ٍ وال
عرف المؤلف الصحيح بقوله « :الصحيح ما يتعلق به النفوذ ،ويعتد به » وهو في اللغة السليم
من المرض والعيب ،يقال :زيد صحيح إذا كان سليماً من المرض ،والدينار والدرهم صحيح إذا
سلم من العيب والتكسير والغش.
فالصحيح من العبادات والمعامالت ما تعلق به النفوذ واالعتداد ،وذلك بأن يكون قد جمع ما يعتبر
فيه شرعاً من الشروط واألركان وانتفت موانعه ،والنفوذ من فعل المكلف واالعتداد كما هو
معروف من فعل الشارع ،وقيل في الصحيح :ما ترتبت آثاره عليه وسقط به الطلب ،تترتب آثاره
عليه في العبادات ،تترتب اآلثار من ثواب اهلل -عز وجل -ويسقط به الطلب بحيث ال يؤمر
بالعبادة مرةً أخرى ،فالصالة المكتملة بشروطها وأركانها وواجباتها صحيحة.
« والباطل » عرفه المؤلف بقوله « :ما ال يتعلق به النفوذ وال يعتد به » وذلك بأن ال يستجمع ما
يعتبر فيه شرعاً ،عبادةً كان أو عقداً ،وقيل :ما ال يسقط به الطلب وال تتربت آثاره عليه.
البيع الصحيح المكتمل للشروط :اشترى زيد من عمرو سيارة إذا كانت الشروط مكتملة والموانع
منتفية والعقد صحيح فالعقد صحيح ،إذن تترتب اآلثار على هذا العقد ،فينتفع المشتري بالسلعة
وينتفع البائع بالثمن وهكذا ،وأما إذا كان مختالً من بعض الشروط ،اختل فيه بعض الشروط فإنه ال
تترب آثاره عليه ،وهو مرادف -أعني الباطل للفاسد -عند جمهور العلماء ،خالفاً للحنفية الفاسد
فرق بين الفاسد والباطل في المناسك وفي النكاح.
بمعنى واحد ،إال في مسائل يسيرة ّ والباطل
ً
يقول الناظم -رحمه اهلل تعالى:-
واهلل أعلم ،وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
س الثَّ ِال ُ
ث الد َّْر ُ
[ أسئلـة وأجوبـة ]
هذا يقول :أعتقد واهلل أعلم أن هذا الدرس صعب ،وال أستطيع أن أفهمه فماذا أفعل؟
أقول :العلم األصل فيه أنه يحتاج إلى معاناة ،فالذي ال ُيفهم من أول مرة ،في المرة الثانية والثالثة
وهكذا ،الذي ال يفهم من خالل كتاب ،يفهم من خالل ٍ
كتاب آخر ،فإذا لم تفهم المتون التي ألفها
المتقدمون ،فارجع إلى المختصرات التي كتبها المتأخرون؛ ألنها كتبت بلغتك ،وهي توطئ وتسهل
الطريق لك حتى تفهم كالم المتقدمين ،وكتب المتقدمين ال غنى عنها لطالب العلم.
وبالنسبة للفهم الناس يتفاوتون فيه ،منهم سريع الفهم ،ومنهم البطيء في فهمه ،فالبطيء في فهمه
عليه أن يكرر ،والسريع في فهمه عليه أن يتجاوز ما فهمه ،واهلل المستعان ،وعليك أن تلجأ بصدق
وتنكسر بين يدي ربك أن يعينك على فهم العلم الشرعي ،والعمل به.
ٍ
بشيء من األمثلة. هذا يريد التوضيحـ
األمثلة -إن شاء اهلل -يأتي وقتها.
ٍ
مذهب آخر، ٍ
مذهب واحد ،حرام في يقول :إذا عامد -يعني متعمد -عمل ما هو مكروه في
فكيف يكون عمل اإلنسان على هذين المذهبين؟
يعمل بالراجح عنده ،وما يدين اهلل به ،إذا كان من أهل النظر ،وإ ذا لم يكن من أهل النظر بأن كان
عامياً أو في حكم العامي من المبتدئين ،فإنه تبرأ بذمته إذا قلّد من جمع بين العلم والعمل والتقوى
والورع ،واهلل المستعان:
يقول :ما معنى يعتد به ويتعلق به النفوذ الذي جاء في تعريف الصحيح؟
الذي يعتد به :بمعنى أنه ال يؤمر بإعادته ،إذا كان عبادة فتبرأ ذمته بفعله ،وذلك إذا كان مستوفياً
للشروط واألركان والواجبات ،أما إذا اختل شرط من الشروط أو ركن من األركان مع القدرة عليه
ٍ
حينئذ ال يعتد به وال يعد صحيحاً ،وال تترتب آثاره عليه ،ومثله في المعامالت ،وهذه العبارة فإنه
مألوفة ،إذا قيل :تعتد بهذه الركعة أو ال تعتد بها :يعني أنها صحيحة مجزئة أو غير صحيحة.
إذا كانت الكراهة عند السلف تعني التحريم ،فهل قول النبي -عليه الصالة والسالم -أنه كان
يكره الحديث بعد صالة العشاء يفيد التحريم؟
الكراهة هنا للتنزيه ،والصارف عن التحريم ،..أوالً الكراهة لفظ مشترك ،وليست نص في
التحريم ،وال في كراهة التنزيه ،لفظ مشترك ليست مثل األمر أو النهي ،يعني لو قال :ال تتحدثوا
بعد صالة العشاء ،قلنا :األصل في النهي التحريم ،ويصرفه عن التحريم كونه -عليه الصالة
والسالم -سمر في بعض الليالي.
إصالح بين الناس أو مدارسة
ٍ وعلى كل حال السهر داء ابتلي به الناس ،لكن إن كان على علم أو
خير أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو عبادة أو تأليف أو ما أشبه ذلك فهو خير -إن شاء اهلل
تعالى -لكنه خالف األصل.
يقول :هل يلزم من قولهم :الحرام ما حرمه اهلل ،والحالل ما أحله اهلل إذا لم يكن هناك نص ،أن
يأت نص على تحريمه؟> يكون الدخان حالالً؛ حيث أنه لم ِ
أوالً :الجملتان ليستا بمتفقتين ،بل هذه لها داللة وتلك لها داللة أخرى ،وقال بهذه أقوام ،وقال بتلك
أقوام ،فالحرام ما حرمه اهلل يعني :أن ما عداه حالل ،ما لم ينص عليه فهو حالل ،والذي يقول :إن
الحالل ما أحله اهلل فمعناه أن الذي لم ينص على حله فهو حرام.
أما بالنسبة للدخان فجاءت النصوص التي تومئ إلى منعه ﴿ ،ي ِح ُّل لَهم الطَّ ِّيب ِ
ات َو ُي َحِّر ُم َعلَ ْي ِه ُم َ ُُ ُ
آئ َث ﴾ [ سورة األعراف ،اآلية ،] 157 :والمعتمد عند أهل العلم من المحققين أنه حرام، ا ْل َخب ِ
َ
وهو ضار أيضاً.
يقول بعض أهل العلم :ال ثواب إال بنية « >:إنما األعمال بالنيات » بال شك ،يقول :فهل اإلنفاق
على الزوجة بدون استحضار النية يثاب عليه الزوج أم ال؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 39 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
في امرأته يثاب عليه إذا قصد بذلك أن تستعين هذه المرأة في هذا األكل على
حتى ما يضعه في ِّ
طاعة اهلل -عز وجل -وأن يسقط عنه ما أوجبه اهلل عليه ،ال شك أن استحضار مثل هذا قدر زائد،
قدر من الثواب زائد على مجرد ثواب وجوب النفقة ،فيستحضر النية مع ذلك ،إذا لم يستحضر
النية فالوجوب سقط عنه ،بمعنى أنه ال يؤمر أن ينفق عليها ثانية إذا لم يستحضر النية ،اإلنفاق
صحيح ،لكن يبقى أنه إذا استحضر النية كما إذا استحضر النية في أكله هو وشربه ونومه وجماعه
وما أشبه ذلك فإنه يثاب على ذلك قدراً زائداً على مجرد الفعل.
يقول :ما رأيكم في القول الذي يقول :من قلد عالماً لقي اهلل سالماً؟
أقول :إذا كان لديه أهلية النظر في النصوص وعنده اآللة التي يستطيع بها االستنباط من الكتاب
والسنة فإنه ال يسوغ له التقليد ،بل حرمه جمع غفير من أهل العلم ،والمقلد عند عامة أهل العلم
ليس من أهل العلم ،على ما سيأتي في االجتهاد والتقليد -إن شاء اهلل تعالى -أما بالنسبة للعامي
ومن في حكمه ممن ليست لديه أهلية النظر فإن فرضه التقليد ،لكن من يقلد ،يقلد من تبرأ ذمته
بتقليده.
يقول :هل يجوز القول لعلي كرم اهلل وجهه؟
من حيث األصل الدعاء ال شيء فيه ،لكن تخصيص علي -رضي اهلل عنه -بهذا الدعاء دون غيره
من الصحابة ال شك أنه يشم منه رائحة -رائحة الميل إلى علي -رضي اهلل عنه -وهو أمير
المؤمنين رابع الخلفاء الراشدين ،مشهود له بالجنة ،وفضائله جمة -رضي اهلل عنه وأرضاه -لكن
تشيع ،وإ ن لم
الميل إليه وتفضيله على غيره بما في ذلك أبي بكر وعمر وعثمان هذا ال شك أنه ّ
يتعرض لسب الشيخين ،أما إذا تعرض لسبهما فهو رفض نسأل اهلل العافية.
على كل حال تخصيص علي -رضي اهلل عنه -بمثل هذه العبارة ،أو بمثل قول بعضهم- :عليه
السالم -كل هذا ال يليق وال يسوغ ،فالترضي عن الصحابة هو الجادة عند أهل العلم ،وهم على ٍ
حد
سواء ،كما أن النبي -عليه الصالة والسالم -خص بالصالة والسالم فال يقال له :عز وجل ،وإ ن
كان عزيزاً جليالً ،لكن العرف عند أهل العلم جرى على ذلك ،فاهلل -سبحانه وتعالى -يقال :عز
وجل ،وال يقال للنبي -عليه الصالة والسالم -وإ ن كان عزيزاً جليالً :عز وجل ،وإ نما يقال :صلى
اهلل عليه وسلم ،وبهذا يحصل االمتثال ،امتثال األمر الوارد في قوله تعالى:
يما ﴾ [ سورة األحزاب ،اآلية ،] 56 :فإن زيد على ذلك فليقل :صلى ﴿ صلُّوا علَ ْي ِه وسلِّموا تَ ِ
سل ً
ْ َ َ َ ُ َ
اهلل عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم ،أما االقتصار على اآلل فهو من عمل بعض المبتدعة ،وهذا
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 40 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
مشبه لعمل بعض المبتدعة ،واالقتصار على الصحب دون اآلل فيه مشابهة لمبتدعة آخرين ،فإذا
زيد على النبي -عليه الصالة والسالم -فلتكن الزيادة لآلل والصحب معاًٍ ،
ولكل حقه ،فاآلل أمر
النبي -عليه الصالة والسالم -باالعتراف بحقهم وفضلهم ،والصحابة فضلهم وصيانتهم وحفظهم
وتبليغهم للدين معروف ،فال نشبه الروافض وال نشبه النواصب،ـ فإذا زدنا على ما نخرج به من
العهدة فلتكن الزيادة لآلل والصحب معاً؛ لنبتعد عن مشابهة المبتدعة الذين هم على طرفي نقيض.
وما جاء في التشهد -الصالة اإلبراهيمية -هذا خاص بالصالة ،وأما خارج الصالة فتبرأ الذمة
ويخرج اإلنسان من العهدة إذا قال :صلى اهلل عليه وسلم؛ ألنه مأمور بذلك ،وأما االقتصار على
الصالة دون السالم والعكس فقد نص النووي على كراهة ذلك ،نص النووي على كراهة االقتصار
خص ابن حجر الكراهة بمن كان
على الصالة دون السالم أو العكس في مقدمة شرح مسلم ،لكن ّ
ديدنه ذلك ،يعني طول عمره يصلي وال يسلم أو يسلم وال يصلي ،أما من كان يصلي أحياناً ،ويسلم
أحياناً ،ويجمع بينهما أحياناً ،فهذا ال كراهة بالنسبة له ،واالقتصار على الصالة دون السالم موجود
في كالم كثير من أهل العلم ،في مقدمة مسلم وفي ٍ
كثير من كتب الشافعي -رحمه اهلل -حتى
النووي نفسه -رحمه اهلل -في بعض كتبه صلى ولم يسلم.
هناك أسئلة عامة وفي قضايا كبرى تؤجل ويسأل عنها الشيخ.
يقول :هل ينصح> من أراد الحفظ أن يحفظ النثر –الورقات -أو يحفظ النظم؟
النظم أثبت ،ولذا يحرص كثير من أهل العلم على تحفيظ طالبه النظم؛ ألنه يثبت ،أما النثر فهو
ينسى.
يقول :هل هناك فرق بين المكروه وخالف األولى أو هما سواء؟
ال ،هناك فرق؛ المكروه فيه مخالفة للدليل الذي يدل على المنع لوال وجود الصارف من التحريم
إلى الكراهة ،وخالف األولى هو ما هو في أمرين مباحين أحدهما أولى من اآلخر ،ففعل المفضول
خالف األولى ،وفعل الفاضل هو األولى.
حجته أن اإلباحة ليس فيها كلفة وال مشقة؛ ألنها مردودة إلى اختيار المكلف إن شاء فعل وإ ن شاء
ترك ،فمن هذه الحيثية ليس فيها تكليف ،في األمر المباح إن شئت فعلته وإ ن شئت تركته لذاته ،ال
لما يترتب عليه من آثار ،هذا المباح إن حصل به إعانة على فعل واجب أو مستحب صار له
حكماً ،وإ ن حصل بسببه تفريط وتضييع للواجبات صار حراماً وهكذا ،لكن هو في األصل مباح،
وليس فيه تكليف؛ ألن ما يرد فيه إلى اختيار المكلف ليس فيه تكليف ،هذه وجهة نظر من يقول :إن
المباح ليس حكماً تكليفياً ،وإ نما ذكر من باب تتميم القسمة ،أما من يقول :إنه حكم تكليفي فيرى أن
الحكم هو خطاب اهلل واإلباحة حصلت بخطاب اهلل.
هذا سؤال مسجوع يقول :يا شيخ ،نبئنا عن كتب المبتدئين؛ لنحفظ ونكون من المتعلمين،
وننشر العلم في تلك األرضين ،فنرضي رب العالمين ،فنكون من الفائزين؟
على كل حال في كل ٍ
علم من العلوم كتب للمبتدئين وأخرى للمتوسطين وثالثة ورابعة وهكذا،
ساللم وجواد مطروقة عند أهل العلم ،تحتاج إلى ٍ
شيء من البسط ،وقلنا بالنسبة لهذا العلم :إن أولى
ما يبدأ به مثل هذا الكتاب الذي هو الورقات ،ثم بعد ذلكم إذا أتقنه وضبطه وسمع عليه ما سجل من
أشرطة ،وقرأ الشروح والحواشي على هذا الكتاب ،نعم ،ينتقل إلى الكتب التي تلي مثل هذا
الكتاب ،إما مختصر التحرير أو مختصر الروضة ،ثم بعد ذلكم ينظر في المطوالت عند الحاجة،
ويعتني بمسودة آل تيمية والموافقات للشاطبي وإ رشاد الفحول للشوكاني وغيرها من الكتب التي
ٍ
بشيء من التحقيق. تمتاز
األسئلة كثيرة جداً ،والوقت نخشى أن يضيق على شرح الكتاب.
سم
بسم اهلل الرحمن الرحيم ،الحمد هلل رب العالمين ،وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد وعلى آله
وصحبه أجمعين أما بعد :فقد قال إمام الحرمين -رحمه اهلل: -
والفقه أخص من العلم ،والعلم معرفة المعلوم على ما هو به في الواقع ،والجهل تصور الشيء
على خالف ما هو في الواقع.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 42 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
والعلم الضروري ما ال يقع عن نظر واستدالل ،وأما العلم المكتسب فهو الموقوف على النظر
واالستدالل ،والنظر :هو الفكر في حال المنظور فيه ،واالستدالل :طلب الدليل ،والدليل :هو
المرشد إلى المطلوب ،والظن :تجويز أمرين أحدهما أظهر من اآلخر ،والشك :تجويز أمرين ال
مزية ألحدهما على اآلخر.
« َّ
الش ْـر ُح » :
الحمد هلل رب العالمين ،وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين ،يقول المؤلف -رحمه اهلل تعالى:-
« والفقه أخص من العلم » الفقه الذي تقدم تعريفه اصطالحاً أخص من العلم؛ ألن الفقه معرفة
األحكام الشرعية الفرعية ،فهو أخص من العلم ،والعلم أعم منه مطلقاً ،بينهما عموم وخصوص
مطلق ،فكل فقه علم وليس كل علم فقهاً؛ ألن العلم يطلق على جميع العلوم.
الفقيه يقال له :عالم ،وعالم يعني بالفقه ،المفسر يقال له :عالم ،لكن ال يقال له :فقيه ،المحدث يقال
له :عالم ،لكن إذا لم تكن به دراية ال يقال له :فقيه ،النحوي عالم ،يعني في النحو ،لكن ال يقال له:
فقيه وهكذا.
فالعلم أعلم مطلقاً من الفقه ،وقد ِ
يرد الفقه ويراد به ما يرادف العلم الشرعي ،كما في حديث:
« من يرد اهلل به خيراً يفقهه في الدين » «،يفقهه في الدين » هل معنى هذا أن الذي يعرف
المسائل واألحكام الشرعية بأدلتها ،وال يعرف غير هذا النوع من العلوم يدخل في هذه الدعوى؟
ال يعرف إال األحكام ،يعرف أحكام الطهارة والصالة والزكاة والبيوع والمعامالت والجنايات
وغيره ،يعرف الفقه بجميع أبوابه ،لكنه ليست له يد فيما يتعلق بالسنة أو بكتاب اهلل -عز وجل-
مما هو قدر زائد على ما يحتاجه الفقيه.
هل ،..نتصور أن النبي -عليه الصالة والسالم -يقول مثل هذا الكالم « :من يرد اهلل به خيراً
يفقهه في الدين » ،يفقهه:المراد بالفقه هنا الفهم ،والدين بجميع أبوابه ،فيشمل جميع أبواب الدين
التي منها معرفة العقائد واألحكام والتفسير والمغازي وغيرها ،جميع أبواب الدين داخلة في الفقه
المدعو به هنا أو المخبر عنه هنا ،وقد دعا النبي -عليه الصالة والسالم -البن عمه عبد اهلل بن
عباس -رضي اهلل عنه -أن يفقهه في الدين وأن يعلمه التأويل.
سمى بعض العلماء االعتقاد :الفقه األكبر ،وهو تسمية له مأخوذة من الفقه بالمعنى األعم ال بمعناه
الخاص ،وفي قرة العين -شرح الورقات -يقول :وكذا بالمعنى اللغوي ما تقدم بالنظر إلى المعنى
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 43 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
االصطالحي الفقه أخص من العلم ،يقول :وكذا بالمعنى اللغوي؛ فإن الفقه الفهم والعلم المعرفة
وهي أعم ،ال يمكن أن يفهم إال وهو عارف ،لكن يمكن أن يعرف وهو غير فاهم؟!
على كالمه هو ،يقول :المعرفة أعم من الفقه الذي هو الفهم ،فعلى هذا كل ٍ
فاهم عارف ،وليس كل ّ
عارف فاهماً ،وإ ن قلنا :إن الفقه هو الفهم الدقيق للمسائل الخفية اتضح األمر أكثر ،صار الفقه
بمعناه اللغوي أخص ،ويقال :عالم وعالم وعليم لكن ال يقال :عارف؛ ألن المعرفة تستلزم سبق
الجهل ،وعرفنا الجواب عن مثل قوله -عليه الصالة والسالم « :-تعرف على اهلل في الرخاء
يعرفك في الشدة ».
يقول الناظم -رحمه اهلل تعالى:-
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :طيب ،صحيح ،أخونا..
طالب.......:
ض ْير :نعم ،ترتيب الشيء على ٍ
شيء مترتب عليه ،الدور ترتيب الشيء َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
شيء مترتب عليه ،يعني في مثل قول الشاعر: على ٍ
أيش السبب؟ نعم ،هل السبب أنه جفاه ألنه شاب ،أو السبب أنه شاب ألنه جفاه؟ نعم؟
طالب.......:
ض ْير :نعم هذا دور ،ويقول العلماء في الفرائض -في مسائل الغرقى َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
والهدمى :-إن كل واحد يرث من اآلخر من تالد ماله ال من مما ورثه منه؛ ألنه يلزم عليه الدور؛
ألنه ما تنتهي المسألة أبداً ،فيرث كل واحد من الثاني من تالد ماله من ماله القديم قبل الوفاة ،ال مما
ورثه منه؛ دفعاً للدور ،وهذا مر بكم ،وال أريد أن أطيل في مثل هذا التفصيل؛ ألن أكثر الحاضرين
قد يشق عليهم فهم مثل هذا الكالم ،وجاءت تنبيهات كثيرة على أن مستوى بعض اإلخوان أقل من
مستوى الكتاب ،لكن تكون هذه توطئة لقراءته مرتان ومراجعة شروحه فيفهم بإذن اهلل ،وإ ن كان
في الحضور يعني من يستحق الزيادة في البسط والتفصيل ،لكن نقتصر بمثل هذا على قدر
الحاجة.
كيف يلزم الدور على تعريف المؤلف « :العلم معرفة المعلوم »؟ تصوير ذلك؟ نعم؟
قالوا المعلوم مشتق من العلم فكيف تعرف الفرع وأنت ال تعرف األصل؟!
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير « :العلم معرفة المعلوم » لو أردنا أن نختار أي مسألة من المسائل
العلمية ،نقول :وجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون ،هذا علم وإ ال معلوم؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :معلوم ،ومعرفة هذا الحكم علم ،معرفة هذا الحكم علم ،والحكم
معلوم ،حكم المسألة معلوم ،ومعرفة هذا الحكم علم ،كيف نعرف المعلوم ونحن ال نعرف العلم؟
مبسط جداً ،نقول :إن المعلوم ال شك أنه مشتق من ٍ
بأسلوب ّ هنا قالوا :ألنه يلزم عليه الدور ،لكن
العلم ،لكن العلم بجملته يشتمل على معلومات كثيرة ،العلم إجماالً يشتمل على معلومات كثيرة ،هذا
الكتاب مثالً علم ،وفي هذا الكتاب -الذي هو بمجموعه علم -فيه معلومات كثيرة ،فمعرفة هذه
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 45 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
المعلومات تدريجياً إذا اكتملت صارت علماً ،واألصل الذي يشتق منه هذه الجزئيات وهذه
المسائل ،العلم -علم األصول أو علم الفقه أو علم الفرائض أو علم الحديث أو ما أشبه ذلك -هو
عبارة عن مسائل تجتمع وتكتمل شيئا فشيئاً حتى تصير علماً ،وهذا شيء مالحظ في المحسوسات،
فالمادة التي تتركب من مجموعة جزئيات ال تسمى مادة إال إذا اكتملت هذه الجزئيات ،فإذا
أحضرت الماء وأحضرت معه ،..غليت هذا الماء ووضعت فيه شيء من السكر والشاي صار
شاي ،فبمجموع هذه األمور يصير شيئاً ،وبمجموع المسائل يصير علماً ،بمجموع هذه المعلومات
يصير علماً ،وإ ذا فسر المعلوم بأنه ما من شأنه أن يعلم انتفى الدور.
وقولهم انتقد أيضاً بأن قوله « :على ما هو به في الواقع » قدر زائد في الحد « ،على ما هو به
في الواقع » ال يحتاج إليه؛ ألن المعلوم ال يستحق أن يكون معلوماً إال إذا كان على ما هو به في
الواقع؛ إذا خالف الواقع هل يستحق أن يسمى معلوماً ؟
ال يستحق ،إذن على ما هو به في الواقع :قدر زائد في الحد ،والحدود ينبغي أن تكون مع كونها
جامعةً مانعة أن تكون أيش؟ مختصرة ،لكن هم ال يأبون في التعاريف والحدود التصريحـ بما هو
مجرد توضيح ،إذا لم يترتب عليه تطويل للحد ،فليكن هذا مما هو تصريح بما هو مجرد توضيح
وال مانع منه.
قوله « :معرفة المعلوم » يفضي عدم المعرفة والجهل بقسميه ،وعلى ما هو به يخرج الجهل
المركب على ما سيأتي.
يقول الناظم -رحمه اهلل تعالى:-
« والجهل تصور> الشيء على خالف ما هو به في الواقع » تصور الشيء على خالف ما هو به
في الواقع ،العلم كما هو مصدر علم يعلم علماً ،والجهل أيضاً مصدر جهل يجهل جهالً وجهالةً.
يقول « :تصور> الشيء على خالف ما هو به في الواقع » تصور الشيء :إدراكه ،يقول الدمياطي
في حاشيته على شرح المحلي -وما أحسن قوله -في تعريف العلم " :معرفة" ،وفي تعريف الجهل:
ٍ
بمعرفة أصالً وإ نما هو حصول الشيء في الذهن ،يعني الجهل على ما قرره "تصور" فإنه ليس
المؤلف هو مجرد حصول الشيء في الذهن ،ولذا لم يكن مطابقاً للواقع ،وإ ال صار معرفةً وعلماً.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 46 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
« على خالف ما هو به » وبعض النسخ « :على خالف ما هو عليه » ،كأن يتصور الشخص
راغ أو ناهق أو صاهل أو ما أشبه ذلك ،هذا علم؟ هذا مطابق للواقع؟
اإلنسان :بأنه حيوان ٍ
ق للواقع ،ليس بمطاب ٍ
ق للواقع فهو جهل ،وكأن تسأل شخصاً عن ما وراء هذا الجدار ليس بمطاب ٍ
فيخبرك ،أيش الذي وراء هذا الجدار -وهو ال يعلم ما الذي وراءه -فيخبرك بخبر يخالف الواقع،
تسأله ما الذي وراء هذا الجدار يقول :لك جمل ،هذا جهل عند المؤلف.
بعضهم يرى أن الجهل الذي عرفه المؤلف هو الجهل المركب ،ويقسم الجهل إلى قسمين :جهل
بسيط ،وهو عدم العلم ،وخلو النفس عن اإلدراك ،وجهل مركب وهو معرفة أو تصور الشيء على
خالف ما هو به ،فإذا سألت شخصاً ،فقلت له :ما الذي وراء هذا الجدار؟ قال :ال أدري ،هذا جهل،
بسيط وإ ال مركب؟ بسيط ،إذا قال لك :جمل ،والواقع أنه سيارة ،بسيط وإ ال مركب؟ مركب.
الجهل البسيط كعدم علمه بما تحت األرضين ،أو بما في قاع البحار ،لكن الجهل المركب أن نقول:
إن تحت األرضين كذا ،وفي قاع البحار كذا ،مما هو على خالف الواقع ،فإذا قلت لزيد مثالً:
عرف الفاعل؟ فقال :ال أدري ،نقول :إنه جاهل ،لكن جهله بسيط ،وإ ن قال :هـو من وقع عليه
الفعل ،قلنا :هذا جاهل جهالً مركباً .أيش معنى مركب؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :ألنه مركب من جهلين ،هو جاهل بحقيقة هذا الشيء ،وهو جاهل
أيضاً بحقيقة نفسه ،يجهل أنه جاهل ،يقول الشاعر:
يعني صاحبه الذي ركبه أجهل منه؛ ألنه ال يدري أنه ال يدري ،فجهله مركب من جهلين.
والشعراء يتجاوزون في مثل هذا فينسبون بعض األفعال إلى الدهر ،وهنا يقول :لو أنصف الدهر
كنت أركب!
وال يقول قائل :إن القائل حمار وهو غير مكلف.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :كيف؟
طالب.......:
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 47 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :
نسب عدم اإلنصاف إلى الدهر ،وهذا يوجد في كالم الشعراء كثيراً ،وهو مخالفة ظاهرة ،لكن قد
يقول قائل :إن القائل حمار وهو غير مكلف ،قال حمار..؛ ألن فاعل قال من؟ حمار الحكيم ،وهو
غير مكلف ،وما دام غير مكلف فاألمر فيه سعة ،يقول ما شاء ،نقول ال ،مثل ما قال األخ يصير
جاهالً مركباً.
ألنني جاهل بسيط :الحمار ال يدري ،لكن هل يدري أنه ال يدري؟ هنا اإلشكال.
وصاحبي جاهل مركب :الحكيم من الحكيم؟ هؤالء الفالسفة الذين يهرفون بما ال يعرفون ،يتكلمون
بما وراء ،..بما فوق إدراكهم وإ حاطتهم ،وهنا :قال حمار الحكيم يوماً :نسبة القول إلى من ال
يصلح منه القول ،أو من ال يصدر منه القول ،يجوز وإ ال ال؟ قال الحمار كذا ،قال الذئب كذا ،يعني
لو عقدنا مناظرة بين حمار وحصان ،أو بين حمار وجمل محاورة ،يجوز مثل هذا؟ نقول :قال
الحمار وقال الجمل؟ يجوز وإ ال ما يجوز؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :من الذي أجازه؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :إسناد مجازي ،هذا إذا قلنا بالمجاز ،إذا قلنا بالمجاز على ما سيأتي.
على كل حال عقد المناظرات الوهمية التي يقصد منها بيان الحق مثالً ،لو عقدنا مناظرة بين سني
وقدري مثالً ،سني وجبري ،كما فعل ابن القيم في (شفاء العليل) ،قال السني كذا ،قال الجبري كذا،
قال السني كذا قال القدري كذا ،يجوز وإ ال ما يجوز؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :قال وإ ال ما قال؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :نسبه إلى أيش؟
طالب.......:
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 48 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :لكن هل قال وإ ال ما قال؟ هذه العلوم مبتكرة من هذا الشخص ،ال
شخص بعينه ،دعونا في ٍ
مثال أوضح ،مناظرة بين العلوم ،قال علم التفسير كذا ،قال علم ٍ ينقلها عن
الحديث كذا ،وتتفاخر هذه العلوم بعضها على بعض ،ووجدت هذه..هاه؟
طالب.......:
حيز الكذب؟ أو نقول :إن هذا سلكه أهل
ض ْير :هل نقول :إن هذا داخل في ّ َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
العلم للفائدة المترتبة عليه ،والمفسدة مغمورة في جانب المصلحة؟
هذا موجود عند أهل العلم ،والحكم يسري على المقامات مثالً :حدث الحارث بن همام قال :قال
عيسى بن هشام قال فالن ،نعم ،هل نقول :إن هذا خالف الواقع فهو كذب ،يدخل في نصوص
الوعيد الوارد في من كذب؟ أو نقول :نتجاوز عن مثل هذا؛ لوجود المصلحة الكبيرة؛ ألن
ٍ
شخص مجهول أو ال حقيقة المقامات فيها ذخيرة لغوية ال توجد في غيرها؟ وإ ن قيلت على لسان
له؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :إذا قررنا مبدأ المصلحة والمفسدة قلنا :المصلحة ظاهرة ،نعم ،الناس
بحاجة إلى تأليف مناظرات مبسطة يدركها آحاد الطالب ،أو يدركها عامة الناس؛ ليجادلوا من
يجادلهم ،واألبواب مفتوحة اآلن للمبتدعة في هذه القنوات ،يقولون ما شاؤوا ،وغزوا الناس في
عقر دورهم ،يعني لو عقدت مناظرات مبسطة وميسرة بين هذه الفرق تناسب أفراد المتعلمين -بل
عامة الناس -صار فيها خير كثير وقرر فيها الحق ،فهل نقول :إن مثل هذه المصلحة الراجحة
تغمر بجانبها المفسدة ،وقد جاء جواز الكذب في مواضع ،نظراً للمصلحة؟
المبالغة على خالف الواقع في بعض صورها ،المبالغات « :أما أبو جهم فكان ال يضع عصاه عن
ضراب للنساء أو كثير األسفار ،لكنه إذا نام عصاه على عاتقه وإ ال يضعه؟
عاتقه » ،رجل َّ
نقول :هذا من باب المبالغة ،ويتجاوز فيها ما ال يتجاوز في غيره ،فمثل هذه األمور عند ٍ
كثير من
أهل العلم مغتفرة ،وال شك أن اإلنسان الذي يحتاط لنفسه ويتحرى ويتوقف عن مثل هذه األمور له
ذلك ،لكن هذه موجودة في كتب أهل العلم -مناظرات بين َبشر -ابن القيم عقد مناظرة طويلة في
بدائع الفوائد بين شخصين ،أحدهما يقول بطهارة المني ،واآلخر يقول بنجاسته ،وأفاض في ذلك
ٍ
بكالم ال يوجد عند غيره ،عقد مناظرات في شفاء العليل بين سني وقدري وما أشبه ذلك ،كالماً
نفيساً.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 49 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
فأهل العلم ألفوا ،..أيضاً المقامات وإ ن كان الحريري في آخر مقامته تمنى أن لو خرج منها كفافاً
ال له وال عليه ،واهلل المستعان.
جرنا إلى هذا الكالم؟ قال حمار الحكيم.
ما الذي ّ
يقول ناظم الورقات:
والجهل قل تصور الشيء على *** خالف وضعه الذي بـه عال
وقيل حــد الجهل فقد العلم *** بسيطاً أو مركبـاً قد سمـي
بسيطه في كل ما تحت الثرى *** تركيبه في كـل ما تصـورا
ٍ
لجهل آخر ،ألنه جهل مدرك بما في الواقع مع جهله بأنه وسمي الجهل المركب بذلك الستلزامه
جاهل ،ففيه جهالن ،ولذا قيل:
جهلت وما تدري بأنك جاهل *** ومن لي بأن تدري بأنك ال تدري
من أقبح األشياء أن يعرف اإلنسان ما كلف به وأمر به شرعاً ويخالف بعد تمام المعرفة لحكم اهلل
ٍ
مسألة ما ،ثم يخالفها ،ويعصي أمر اهلل -سبحانه وتعالى -ويرتكب ما حرمه اهلل -عز وجل -في
عليه ،فهو باستحقاق اسم الجهل أولى ،مثل هذا باستحقاق اسم الجهل أولى ،واهلل -سبحانه وتعالى-
يب ﴾ [ سورة ون ِمن قَ ِر ٍ
وب َ ٍ
الس َو َء ِب َج َهالَة ثُ َّم َيتُ ُ
ون ُّ يقول ﴿ :إِ َّن َما التَّْو َب ُة َعلَى اللّ ِه ِللَّ ِذ َ
ين َي ْع َملُ َ
النساء ،اآلية ] 17 :قرر أهل العلم أن كل من عصى اهلل فهو جاهل ،وإ ن كان عارفاً بالحكم هو
جاهل ،وكل من تاب في وقت اإلمكان فقد تاب من قريب ،يقول ابن القيم -رحمه اهلل تعالى:-
فإن كنت ال تدري فتلك مصيبة> *** وإ ن كنت تدري فالمصيبة> أعظم
فهذا العاصي الذي يعرف حكم اهلل في هذه المسألة ويخالف ،ويرتكب ما حرم اهلل عليه هو
باستحقاق اسم الجهل أولى من الذي ال يدري.
ثم قال -رحمه اهلل تعالى:-
« والعلم الضروري ما ال يقع عن ٍ
نظر واستدالل كالعلم الواقع بإحدى الحواس الخمس وهي
السمع والبصر والشم واللمس والذوق ،أو بالتواتر ،وأما العلم المكتسب فهو ما يقع عن ٍ
نظر
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 50 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
واستدالل » لما عرف العلم وما يقابله من الجهل ،ذكر أقسام العلم ،وأنه ينقسم إلى قسمين:
ضروري قطعي ،والقسم الثاني :علم مكتسب نظري ،وعرفنا أن العلم يراد به ما ال يحتمل النقيض
ٍ
بحال من األحوال ،يعني سواء كان ضرورياً قطعياً ،أو نظرياً مكتسباً النتيجة مفاد الخبر مائة
بالمائة ،ما ينزل وال واحد بالمائة ،ال مجال فيه لالحتمال اآلخر أو النقيض.
فقال عن األول –الضروري-ـ وأنه ال يحتاج إلى مقدمات وال إلى نظر وال استدالل كما يحصل
بإحدى الحواس الخمس ،يعني إذا نظرت إلى هذه الورقة وجزمت بأنها بيضاء بعد نظرها ،هل في
احتمال وال واحد بالمليون أنها غير بيضاء؟
نعم ،ما في احتمال ،مائة بالمائة النتيجة ،وكما لو كانت سوداء أو خضراء فنظرت إليها ،سمعت
صوت تميزه عن غيره ،شممت رائحة ،ذقت طعماً ،لمست شيئاً ،كل هذا مورث للعلم الضروريـ
القطعي الذي ال يحتمل النقيض.
ما يدرك بواسطة الحواس الخمس ال يحتاج في تصديقه إلى مقدمات ،بل يحصل الجزم به بدون
مقدمات ،بل بمجرد حصول هذا اإلدراك ،الذي يدرك بواسطة الحواس الخمس ال يحتاج إلى
ٍ
شخص يميز بين األلوان والروائحـ واألصوات ،شخص سمع نهيق الحمار مقدمات ،ومفترضة في
وهو يعرف الحمار من قبل ،هل يحتمل أن يسأل عن هذا الصوت هل هو نهيق حمار أو صياح
ديك؟ ال يحتمل ،لكن شخص سمع صوت حيوان لم يألفه ولم يعرفه ما سمع صهيل الفرس في
عمره كله يمكن يسأل ما هذا؟ فإذا استقر عنده صار من الضروريات.ـ
ومثل العلم الحاصل بالحواس الخمس العلم الحاصل بالتواتر ،فسامعه ملزم بتصديقه من أول وهلة
دون ٍ
نظر في رجاله ،ومثله -بل أولى منه -ما ثبت بالقرآن ،ولهذا لما كانت الحوادث والوقائع
المتقدمة والسابقة على زمن النبي -عليه الصالة والسالم -الثابتة لديه بالتواتر -في قصة الفيل
مثالً وقصص األمم السابقة المتلقاة المتداولة بين الناس التي يتداولها الناس بعضهم عن بعض،
طبقةً عن طبقة ،تتواتر -هذه القصص -كقصة أصحاب الفيل -شاهدها النبي عليه الصالة
والسالم؟؟
ق متواتر ،بطريق التواتر ،فجاء االستفهام عنها بالقرآن بأي صيغة؟ لم يشاهدها ،لكنها بلغته بطري ٍ
فنزل
فعبر عنها بالرؤيةّ ، اب ا ْل ِف ِ
يل ﴾ [ سورة الفيل ،اآلية ّ ،] 1 : َص َح ِ
ف فَ َع َل َر ُّب َك ِبأ ْ
﴿ أَلَ ْم تََر َك ْي َ
المتواتر منزلة المشاهد في القطعية.
فالعلوم الضروريةـ كالمسائل المعلومة من الدين بالضرورة مما ال يعذر أحد بجهله كوجوب
الصالة وتحريم الزنا ونحو ذلك ،فمثل هذه ال يحتاج السامع ،وال تحوج المتكلم إلى استدالل ،يعني
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 51 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
نعم صالة الجماعة سبب ،األوراد واألذكار أسباب ،لكن قد تتخلف ،فعلى اإلنسان أن يفعل األسباب
وال يعتمد عليها ،يعتمد على مسببها ،وال نقول :إنها تستقل بالتأثير أو ال أثر لها بالكلية.
عند األشعرية يجوز أن يرى أعمى الصين بقة األندلس -صغار البعوض باألندلس -ما هو بإلزام
هذا موجود بالحرف في كتبهم ،هذه ما هي مسألة إلزامية ،موجود بالحرف في كتبهم ،يجوز أن
يرى األعمى وهو بالصين ،البقة -صغار البعوض وهي في األندلس -وهو أعمى ،كيف أعمى ما
يشوف؟ وهل السبب يحصل به شيء؟ ما يحصل به شيء ،إنما يحصل عنده ال به ،يلزمون بـ،...
كأن ،..كالمهم مخالف لعقول الناس كلهم ،لكن هم خرجوا من هذا بقولهم ،..قد تقول لهم :ما
الفرق بين هذا األعمى ،ليش هذا األعمى يضرب الجدار ،والمبصر .....من الباب؟ ما في فرق
بينهما ،في فرق بين األعمى والمبصر؟ نعم ،هذا يصفخ الجدار والعمود وكذا ...الباب ،إذن
البصر له قيمة وسبب ،يقول لك :ال ،اإلبصار حصل عنده ال به ،تقول :طيب أنا أشرب الماء
وأروى من شربه ،يقولون :حصل الري عند الشرب ال به ،طيب وإ ذا أكلت شبعت ،يقول :حصل
الشبع عند األكل ال به.
لكن يدخل هذا الكالم في ما معنا من الجهل المركب؛ ألن هذا الذي يقول :أعمى الصين يجوز أن
يرى بقة األندلس ،هذا يعرف أنه ال يعرف؟ ال ،عند نفسه أنه من أذكى الناس ،وقد يوجد الذكاء
لكن إذا لم يكن العون من اهلل -سبحانه وتعالى -فالذكاء ال شك أنه نعمة وفضل من اهلل -سبحانه
وتعالى -كغيره من النعم التي تفضل بها اهلل -سبحانه وتعالى -على عباده ،لكن إذا ما استغل هذا
الذكاء فيما يرضي اهلل -سبحانه وتعالى -ويوصل إلى جنته صار نقمة ما صار نعمة ،فاإلنسان قد
يؤتى الذكاء لكن ال يؤتى الزكاء ،وبعضهم يقول :الزكاء هو الذكاء ال ..نعم ،ما في أحد إذا أراد
أن يقول :الذكاء قال :الزكاء؟
القسم الثاني من أقسام العلم :هو العلم المكتسب ،عرفه المصنف بقوله:
هو ما يقع عن ٍ
نظر واستدالل « وأما العلم المكتسب فهو الموقوف على النظر واالستدالل »
وذلك كالعلم بأركان العبادات وشروطها وأركان العقود وغيرها مما ال يدركه كل أحد ،مما ال
يدركه كل أحد إال بالنظر والبحث عن مقدماته ،كدقائق العلوم الثابتة باألدلة مما ال خالف فيه بين
العلماء.
إذن عرفنا أن العلم هو ال يحتمل النقيض ،ال يحتمل النقيض ،والذي فيه خالف يحتمل النقيض وإ ال
ما يحتمل؟ الذي فيه خالف يحتمل النقيض ،وأما ما يختلف فيه أهل العلم من المسائل فإنها ال تدخل
في هذا بل هي ظنية كما سيأتي في تعريف الظن.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 53 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
فالعلم بقسميه الضروري القطعي ،والنظري المكتسب ال يحتمل النقيض بحال بخالف الظن على
ما سيأتي ،لكن الفرق بينهما أن الضروريـ ال يحتاج إلى نظر كالعلم بأن الواحد ليس باثنين ،إذا
قلت لزيد من الناس :كم نصف االثنين؟ يقول :انتظر معي آلة خليني أشوف ،يمكن؟
ما يحتاج إلى أن انظر واستدالل وال مقدمات وال شيء بيقول لك :واحد على طول.
إذا قلت له :النار باردة وإ ال حارة؟ يقول :اصبر خليني أشوف؟ ال ما يمكن ،هذا ال يحتاج إلى نظر
وال إلى استدالل فهو علم ضروري ،بخالف النظري إذا قلت للواحد :كم نصف االثنين؟ قال لك
مباشرة واحدة ،لكن إذا قلت لزيد من الناس :كم سبع 1955كم سبعها؟
هذه ضرورية وإ ال نظرية تحتاج إلى نظر واستدالل وقسمة و..؟
هذه نظرية ،ال يمكن أن يقول لك مباشرة إال عاد إذا كانت الموهبة متميزة جداً يقول لك :سبعها
،115هذا يحتاج إلى نظر واستدالل ،يحتاج إلى آلة يحتاج إلى قسمة ،فإن مثل هذا يحتاج إلى
مقدمات وقسمة ونحو ذلك ،والنتيجة ال تحتمل النقيض ،يعني إذا استقر األمر وعرفت أن سبعها
115صارت في النتيجة مثل واحد نصف االثنين ،مائة بالمائة.
ولذا فإن التمثيل من قبل بعضهم بأن المذي نجس ،وأن طواف الوداع واجب ،وأن عقد اإلجارة
عقد الزم ،وغير ذلك من المسائل المختلف فيها هنا التمثيل بمثل هذا فيه نظر؛ ألن هذه المسائل ال
تدخل في العلم بل هي ظنية ،وسيأتي ما بين العلم والظن ،ووجوب العمل بالجميع ،هذا أمر متقرر،
ونقرره فيما سيأتي -إن شاء اهلل تعالى -فيه نظر على مقتضى صنيع في التفريق بين العلم
النظري والظن على ما سيأتي.
يقول الناظم -رحمه اهلل تعالى:-
ٍ
باكتساب حاصـل فاألول ٍ
باضطرار يحصـل *** أو والعلم إما
كالمستفاد بالحـواس الخمـس *** بالشم أو بالـذوق أو باللمس
والسمع واإلبصار ثـم التالـي *** ما كـان موقوفـاً علـى استدالل
ثم قال -رحمه اهلل تعالى:-
« والنظر هو الفكر في حال المنظور فيه ،واالستدالل طلب الدليل ،والدليل هو المرشد إلى
المطلوب » النظر ،وهو التأمل ،وليس المراد به الرؤية بالبصر؛ ألن النظر يطلق ويراد به الرؤية
اضرةٌ* إِلَى ر ِّبها ن ِ
ٍِ ِ
َاظرَةٌ ﴾ َ َ البصرية ،نظرت إلى كذا ،المراد به :الرؤية بالبصرُ ﴿ ،و ُجوهٌ َي ْو َمئ >ذ َّن َ
[ سورة القيامة 22 :ـ ،] 23فالمراد بالنظر هنا :التأمل والتفكير في الشيء لمعرفة حقيقته،
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 54 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
أعم من أن يكون أحكاماً شرعية أو غيرها ،لكن لما كان علم أصول الفقه مما يحتاج
والمنظور فيه ّ
إليه من يعاني استنباط األحكام الشرعية صار االهتمام بالنسبة للنظر في األحكام الشرعية ،فالنظر
والتأمل هو طريق معرفة األحكام الشرعية واستنباطها من أدلتها من قبل من لديه أهلية النظر ،من
قبل من لديه أهلية النظر ،وهو المجتهد على ما سيأتي.
والفكر حركة النفس في المعقوالت ال في المحسوسات ،واالستدالل طلب الدليل المؤدي إلى
المطلوب ،والدليل هو المرشد إلى المطلوب ،والمراد به اسم الفاعل الدال ،فالذي يدل غيره
-الطريق المحسوس -كي ال يضل وال يتيه نسميه دليل ،فهو داله على مراده ومقصوده.
واتخذ النبي -عليه الصالة والسالم -ابن أريقط من أجل أيش؟ نعم ،يدله ،فالذي يرشد الناس إلى
حكم المسألة دليل وهو الدال ،وهكذا بمعنى دال ،فإذا سمعت ٍ
بحكم شرعي فطلبت دليله ،ثم تأملت
في الدليل ثبوتاً ونفياً وبحثت عن وجه الداللة من هذا الدليل استوفيت ما ذكره المصنف من
االستدالل والنظر والتفكر في الدليل والتأمل فيه وهكذا.
يقول الناظم:
وحد االستدالل قـل ما يجتلب *** لنا دليالً مرشداً لما طلب
ثم جاء إلى ما يتمم القسمة من ذكر الظن والشك بعد أن ذكر العلم والجهل ،قال:
« الظن تجويز أمرين أحدهما أظهر من اآلخر ،والشك تجويز أمرين ال مزية> ألحدهما على اآلخر
» فلما ذكر العلم الذي ال يحتمل النقيض ذكر ما يحتمله -يحتمل النقيض -إما مع الرجحان أو مع
التساوي ،فالراجح من االحتمالين هو الظن ،ويقابله المرجوح وهو الوهم ،ومع التساوي يسمى
شك ،فإذا بلغك الخبر ،وليكن مثالً قدوم زيد ،بلغك أن زيداً قدم ،فإن كان تصديقك لهذا الخبر نسبته
مائة بالمائة ،فهو أيش؟ العلم ،وإ ن كان نسبة تصديقك سبعين بالمائة مثالً فهو الظن ،وإ ن كانت
النسبة خمسين بالمائة فهو الشك ،وإ ن كانت النسبة ثالثين بالمائة مثالً فهو الوهم ،فالعلم موجب
للعمل بال خالف ،والظن موجب له عند جميع من يعتد بقوله من أهل العلم ،الظن موجب للعمل
عند جميع من يعتد بقوله من أهل العلم ،ونؤكد على هذا؛ ألن المبتدعة لهم مسلك ،وألهل السنة
مسلك.
المبتدعة لما يقسمون المعلوم إلى مثل هذه األقسام لهم هدف ومقصد ومغزى أن يقولوا :أكثر األدلة
ظنية ،وأخبار اآلحاد ظنية ،والظن ال يثبت به علم ،إذن العقائد ال تثبت بالمظنونات ،فينفون
األسماء والصفات من هذه الحيثية -من هذه الجهة -ونحن ننفصل من هذا ونقول :ما تثبت به
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 55 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
األحكام تثبت به العقائد ،فالظن موجب للعمل في جميع أبواب الدين عند جميع من يعتد بقوله من
أهل العلم ،تثبت بغلبة الظن ،وأكثر األحكام من هذا النوع ،وغالب األحكام مربوط بغلبة الظن
ومعلق به.
ون أ ََّن ُهم ُّمالَقُو َر ِّب ِه ْم َوأ ََّن ُه ْم إِلَ ْي ِه وقد يرد الظن ويراد به اليقين كما في قوله تعالى ﴿ :الَّ ِذ َ
ين َيظُ ُّن َ
حينئذ الوهم ،وهو الذي ٍ ون ﴾ [ سورة البقرة ،اآلية .] 46 :ويرد ويراد به المرجوح ،ويراد ر ِ
اج ُع َ َ
ال يغني من الحق شيئاً.
والشك عند أهل العلم ال يزيل اليقين ،فمن تيقّن الطهارة وشك في الحدث فهو على طهارة بخالف
ما إذا غلب على ظنه ،احتمال ضعيف أنه انتقضت طهارته يلتفت إلى هذا االحتمال؟ يبني على
غلبة الظن ،لكن لو كان متردد على ٍ
حد سواء نقول :الشك ال يرفع اليقين.
إذا عرفنا هذا فالذي يفيده القرآن الكريم ومتواتر السنة هو العلم ،وأما خبر اآلحاد ففي األصل،..
قرب الشيخ؟
إذا عرفنا هذا فالذي يفيده القرآن الكريم ومتواتر السنة هو العلم ،وأما خبر اآلحاد ففي األصل ال
يفيد إال الظن عند جمهور العلماء ،وقد يفيد العلم بالقرائن على ما اختاره شيخ اإلسالم ابن تيمية
وابن القيم وابن حجر وغيرهم ،وبيان ذلك ،..قد يقول قائل :كيف خبر صحيح يفيد الظن؟ خبر
صحيح نقله العدل الضابط عن مثله ٍ
بسند متصل وسلم من الشذوذ والعلة ،كيف نقول يفيد الظن؟
نقول :نعم ،بيان ذلك أن الراوي العدل الضابط المتقن مهما بلغ من الدرجات العليا في هذه
األوصاف -ولنأخذ على ذلك من األمثلة مالك نجم السنن -مهما بلغ الراوي في هذه األوصاف فإنه
ليس بمعصوم ،بل هو كغيره يطرأ عليه الخطأ والنسيان ،وقد وهم اإلمام مالك في بعض األحاديث
وفي بعض أسماء ،..وفي أسماء بعض الرواة لذا فإن خبره يحتمل النقيض.
يعني إذا جاءك خبر عن شخص قال لك شخص بمنزلة مالك عندك :قدم زيد أال يحتمل أن هذا
الشخص وهم أو أخطأ؟ االحتمال قائم ،إذن خبره يحتمل النقيض ،وما دام االحتمال قائماً فإن الخبر
يفيد الظن ،وهذا االحتمال وإ ن كان ضعيفاً إال أنه ال يمكن نفيه ،ال يمكن نفي هذا االحتمال.
لما عرفنا أن العصمة خاصة بمن عصمه اهلل -سبحانه وتعالى -وهو نبيه -عليه الصالة والسالم-
أما من عداه فيحتمل عليه الخطأ والسهو والغفلة والنسيان ،وما دام هذا االحتمال موجوداً فإن الخبر
ال يرتفع إلى درجة العلم اليقيني القطعي ،وإ نما هو مفيد للظن ،لو صارت نسبة صدق الخبر %99
فهو ظن ما لم يصل إلى المائة بالمائة.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 56 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
وما دام االحتمال قائماً فإن خبر الثقة ال يثبت العلم لهذا االحتمال ،فعلى هذا ال يفيد إال الظن ،فإذا
احتفت به قرينة ،إذا احتفت به قرينة ارتفع احتمال النقيض؛ ألن االحتمال في األصل ضعيف،
ٍ
حينئذ يفيد العلم إذا احتفت به قرينة ،وهذا ما ووجدت هذه القرينة التي تقاوم هذا االحتمال فإنه
اختاره شيخ اإلسالم ابن تيمية وابن القيم وابن حجر وغيرهم ،وهذا خالفاً لمن يزعم أن خبر الواحد
يفيد العلم مطلقاً كحسين الكرابيسي وداود الظاهري ،أو يزعم أن خبر الواحد يفيد الظن مطلقاً.
وال تالزم بين الظن هنا وعدم العمل ،بل ال بد أن يعمل به ،وعرفنا أن خبر الواحد وإ ن كان مما
يفيد الظن فإن العمل بالظن واجب عند جميع من يعتد بقوله من أهل العلم.
يقول الناظم:
الرا ِبعُ
س َّالد َّْر ُ
[ أسئلـة وأجوبـة ]
هذا سؤال عن القنوات الفضائية> وظهور وخروج بعض أهل العلم ومساهمتهم فيها بحجة أنهم
ينشرون الخير ويقللون الشر.
فمثل هذا السؤال :أنا بالنسبة لي شخصياً ال أرى المشاركة ،ولو لم يكن فيها إال التصوير؛
فالتصوير بجميع أنواعه وأشكاله داخل في نصوص الوعيد التي جاءت في التصوير،ـ ومثل هذا
السؤال ينبغي أن يطرح على الشيخ حفظه اهلل.
ما الدليل على أن الظن يفيد العمل وال يفيد العلم والمعروف أن العمل ثم العلم و.....؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 58 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
مسألة إفادة خبر الواحد الظن وتقريره وبسطه ،تقرير هذه المسألة وبسطها وما يرد عليها
وتنظيرها ،واالحتجاج لها ومن قال بها ومن خالف ،مبسوط هذا كله في شرح النخبة ،في آخر
شرح من شروح النخبة ويصدر قريباً ،وسوف تقوم الراية بتوزيعه إن شاء اهلل تعالى.
يقول :هل تنصحون طالب العلم بالعناية بكتب وأشرطة الشيخ ابن عثيمين -رحمة اهلل عليه-
لكثرتها؟
هذا يحتاج إلى سؤال؟! مثل هذا يحتاج إلى سؤال؟! الشيخ ابن عثيمين -رحمة اهلل عليه -هو الذي
ذلل العلم لطالبه ،وهو الذي يسره لمريديه ،من يجرؤ من طالب العلم بمفرده -أعني المبتدئين-
على قراءة زاد المستنقع بمفرده لوال شرح الشيخ -رحمة اهلل عليه -وتسهيله وتيسيره وتبسيطه،
فالشيخ -رحمة اهلل عليه -ذلل العلم وسهله لطالبه ومريديه ،فعلى طالب العلم أن يعتني بكتب
الشيخ وكتب غيره من المحققين من هذه البالد وغيرها من المتقدمين والمتأخرين.
هذا يسأل سؤال خارج عن الموضوع وبعيد كل البعد يقول :هل هناك فرق بين جماعة اإلخوان
وأهل السنة والجماعة ،نرجو التوضيح؟>
على كل حال جماعة اإلخوان جماعة برزت في مصر وصار لها فروع في ٍ
كثير من بلدان
المسلمين وصار لها انتشار ،وعليهم مالحظات؛ ألنهم ال يعتنون بالتفريق بين المحقق وغيره،
يهمهم االنطواء تحت ٍ
لواء واحد ،وعلى أن تجمعهم كلمة (اإلسالم) ،وما عدا ذلك مما يتعلق بالعلم
والعمل في الفروع واألصول هذا ال يعنون به كثيراً ،فتجد السني ينتسب إليها ،تجد األشعري
ينتسب إليها ،تجد المعتزلي والشيعي وغيرهم ينتسبون إليها؛ فهم يجمعون أكبر قدر ممكن يمكن أن
ٍ
معتقد يعينهم على ما يريدون تحقيقه ،واهلل المستعان ،وأما أهل السنة والجماعة فهم ينضوون تحت
واحد ،ال يختلفون فيه ومن خالفهم عن معتقدهم فهو مبتدع ال يدخل تحت مسمى أهل السنة
والجماعة.
يقول :يوجد ظاهرة سيئة لدى الملتزمين والمستقيمين ،وهي ظاهرة عدم السالم على بعض أو
على َمن ..أيش؟
بحجج واهية هذا ال شك أنه من تلبيس الشيطان ،وهو
ٍ المقصود أن مسألة ترك السالم على المسلم
حرمان عظيم؛ لبس الشيطان على ٍ
كثير من الناس بحيث ال يبدؤون غيرهم بالسالم فيحرمون
األجر ،وال يدخل المسلمون الجنة حتى يتحابوا ،ومن أعظم ما ينشر المودة والمحبة بذل السالم،
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 59 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
فالمسلم يسلم عليه مهما تلبس به من المخالفات التي ال تخرجه عن دائرة اإلسالم ،نعم إذا ترتب
على هجره وترك السالم عليه مصلحة –الزجر مثالً -وردعه عما هو متلبس به ال بأس ،لكن لنعلم
أن الهجر عالج ،إن كان ينفع وإ ال فالخلطة والنصيحة وبذلها ومحضها ألخيك المسلم هو المتعين،
وإ ذا قلت :السالم عليكم أدركت عشر حسنات.
وبعض اإلخوان من الشباب عنده في نفسه أنه قد حفظ جميع الثغور -ثغور اإلسالم -وأن من عداه
ال يفهم شيئاً أو يدرك شيئاً ،أو ،..ال ،أنت عندك أخطاء كثيرة ،وغيرك عنده أخطاء ،وكل الناس
خطاء ،فبعض الناس بتركه السالم على أخيه ُيشم منه أنه يدعي الكمال لنفسه ،فعلى المسلم أن
يتواضع ألخيه ،وأن يبدأه بالسالم؛ « وخيرهما الذي يبدأ بالسالم ».
يقول :هل أدرس مختصراً لجميع الفنون ثم أرتقي؟ أم أقرأ مختصراً ثم أتوسع..؟
تقرأ مختصراً في كل فن ثم ترتقي إلى ما بعده من المختصرات الالئفة بالمتوسطين وهكذا على
الجادة المعروفة عند أهل العلم.
المفسر ،هل
ّ يقول :يقال إن تقسيم األخبار إلى متواتر وآحاد هو من تقسيم المعتزلة كالرازي
هذا صحيح؟
أوالً الرازي أشعري وليس بمعتزلي ،ومن أشد الناس على المعتزلة -وإ ن كان يوافقهم في كثير
من أمور العقيدة -هو أشعري من جهة ،وجبري في باب القضاء والقدر ،وعليه مالحظات وطوام،
وتفسيره ال ينبغي لطالب العلم المتوسط -فضالً عن المبتدئ -أن يقرأ فيه؛ ألنه مشحون بالشبه،
مع ضعف الرد على هذه الشبه ،وهو من أشد الناس في بدعته ،وتكلم في أهل السنة ٍ
بكالم قبيح،
ومع ذلكم لما سئل شيخ اإلسالم عنه وعن غيره من رؤوس المبتدعة قال :وأما أبو عبد اهلل الرازي
فكثير من الناس يطعن في قصده ،والذي أراه أنه ينثر ما يراه حقاً.
وليس معنى هذا أننا نقلل من الشر الذي تضمنته كتب الرازي ،ال ،لكن ال بد من االعتدال
واإلنصاف ،ال بد من االعتدال واإلنصاف ،ولذا ال ينصح طالب العلم أن يقرأ في تفسيره ،ويقول
عن كتاب التوحيد البن خزيمة( :كتاب الشرك) ،ورمى إمام األئمة ابن خزيمة بعظائم األمور،
تهجم على غيره من أئمة السنة ،لكن يبقى أن الميزان له كفتان ،واهلل المستعان ،وكالم شيخ اإلسالم
ّ
مثل ما سمعتم ،لكن على طالب العلم أن يجتنب مثل هذه الكتب المشتملة على البدعة التي تقرر
البدع وتذب عنها وتورث الشبه التي قد ال يستطيع اإلنسان اجتثاثها.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 60 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
أما تقسيم األخبار إلى متواتر وآحاد فهو كغيره من االصطالحات ،الصحيح والضعيفـ والحسن،
بالنسبة لعلوم الحديث ،والعام والخاص والمطلق والمقيد والمنطوق والمفهوم بالنسبة ألصول الفقه،
وكذلكم ما يتعلق بقواعد التفسير وعلوم القرآن ،المصطلحات بهذه التسميات كلها حادثة ،ال توجد
في عصر السلف من الصحابة والتابعين ،أما كونه منسوب إلى المعتزلة فشيخ اإلسالم يقول به،
ويقسم األخبار إلى متواتر وآحاد ،ويقسم المتواتر إلى لفظي ومعنوي ،ويمثل للمتواتر اللفظي
بحديث « :من كذب » ..كما يمثل به غيره من أهل العلم ،ويمثل للتواتر المعنوي في كل ٍ
كتاب من
كتبه بما يناسب المقام ،مثّل للتواتر المعنوي في منهاج السنة بفضائل أبي ٍ
بكر وعمر ،وفي كل
ٍ
كتاب من كتبه يمثل بما يليق بالمقام -رحمة اهلل عليه -ال شك أن هذا اصطالح ال يوجد عند
الصحابة والتابعين وسلف هذه األمة ،لكنه مجرد اصطالح يوضح ويقرب للطالب المشهور
والعزيز و ،..كلها لست موجودة عند سلف األمة.
المقصود أن هذه االصطالحات وإ ن وجدت أسماؤها فحقائقها موجودة؛ إذ ال يختلف اثنان أن
األخبار متفاوتة في دالالتها ،والرواة متفاوتون في الثقة والضبط واإلتقان والحفظ والعدالة ،وتبعاً
لتفاوتهم في ذلك تتفاوت أخبارهم ،فال نقول :إن خبر زيد يساوي مائة بالمائة لخبر عمرو؛ األخبار
متفاوتة ،وهذا التفاوت يتطلب أسماء لهذه األخبار المتفاوتة ،واصطلح أهل العلم على هذه التسمية
وال مشاحة في االصطالح.
اللوازم التي يلتزمها المبتدعة لهذا التقسيم ال نلتزم بها ،ولذا الشيخ أحمد شاكر لما قسم هذا التقسيم
وأقره قال بعد ذلك :ال يغرنك ما يقوله المبتدعة من لوازم لهذا التقسيم ،هم يقصدون بخبر الواحد
وأنه ال يفيد إال الظن أنه ال يحتج به في العقائد ،ونحن نقول :ال فرق بين العقائد واألحكام ،ما تثبت
به األحكام تثبت به العقائد والكل شرع ،وهذا مبسوط في شرح النخبة كما ذكرنا آنفاً.
يقول :يظهر من السؤال السابق أن السائل كأنه أخرج جماعة اإلخوان من أهل السنة
والجماعة،
أرجو التنبيه حتى ال يختلط األمر على البعض ،وليس معنى ذلك أنهم ليس عندهم أخطاء ،لكن أن
يخرجوا من أهل السنة والجماعة فهذا أمر صعب؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 61 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
عرفنا أن جماعة اإلخوان ال يفرقون بين أفراد هذه الجماعة ،وليس لهم شرط في المعتقد ،يعني لم
يعتمدوا على أهل السنة والجماعة اعتماداً كلياً ،بل فيهم من ينتسب إلى أهل السنة والجماعة ،وفيهم
من ينتسب إلى األشاعرة ،وفيهم من ينتسب إلى المعتزلة ،وفيهم من طوائف البدع من فيهم،
فجماعة اإلخوان أعم من أن يكونوا مبتدعة أو أهل سنة ،وكل شخص يحكم عليه بمفرده ،فهي
جماعة تنظيمية،وإ ن كنا ال نؤيد مثل هذه التنظيمات ،لكنه تنظيم وجد وانضوى تحت هذا التنظيم
من ينتسب إلى مذهب أهل السنة ،وال يخرج عن كونه من أهل السنة النتمائه إلى هذه الجماعة؛
ألنه ليس لها اسم معين ،أو ضابط يضبطهم ،هم ال يلزمون أحد بمعتقد معين ،ال يقولون :أنت سني
ال بد أن تعتنق مذهب األشاعرة وتدخل معنا ،أو تدخل مذهب المعتزلة وتدخل معنا ،هي مجرد
جماعة تنظيمية تجمع السني والمبتدع كما ذكرنا ،لكن على اإلنسان ال سيما في مثل هذه األوقات
التي توالت فيها الفتن والمحن أن يعتصم بالكتاب والسنة ،وأن يلتف حول أهل العلم المحققين
المعروفين بالعلم والعمل والورع والتقوى ،ويترك عنه هذه الجماعات ،ال جماعة إخوان ،ال
جماعة تبليغ ،ال جماعة يمين وال شمال ،يعتصم بالكتاب والسنة؛ ففيهما المخرج من هذه الفتن
الباطنة والظاهرة ،وبعض الناس قد ال يشهد في واقعه فتن؛ قد يكون مفتون في قلبه ،المفتون في
الرجل ،المفتون في أهله وماله ،فتنة الرجل في جاره ،الفتن كثيرة منها ما ظهر ومنها ما بطن،
فنعوذ باهلل من الفتن كلها صغيرها وكبيرها خفيها وظاهرها ،واهلل المستعان.
وهنا الذي ذكرناه وهو في أكثر المصادر :لو أنصف الدهر ،ومعروف أن الشعراء ينسبون إلى
الدهر الشيء الكثير من هذا ،ودواوينهم مشحونة بمثل هذه المخالفة ،لكن كأن هذا تعديل للبيت من
قبل بعض أهل التحري الذي ال يريد أن ينطق ولو ناقل ولو آثر من غيره بالمخالفة ،كأن هذا تعديل
وإ ال فاألصل :لو أنصف الدهر ،وهذه المخالفة نبهنا عليها سابقاً ،وال يقول قائل إن هذه مقالة حمار
وهو غير مكلف ،كما نبهنا سابقا.
يقول :اسم الرازي ذكر ألكثر من عالم فنود منكم ذكرهم ،وهل منهم أحد من أهل السنة
والجماعة؟
الرازي نسبة إلى الري ،نسبة إلى الري –بلد -كل من انتسب إلى هذا البلد قال الرازي ،فاإلمام أبو
حاتم الرازي ،وأبو زرعة الرازي ،وابن أبي حاتم الرازي ،هؤالء أئمة من كبار أهل الحديث ومن
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 62 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
كبار أهل السنة والجماعة ،أبو عبد اهلل بن الخطيب الرازي هو األشعري المعروف المتوفى سنة
ست وستمائة ،أبو بكر الراوي المتطبب المعروف الفيلسوف ،نسأل اهلل العافية ،نعوذ باهلل من البدع
وأهلها.
أنت تقول :اتقيت البرد بهذه المالبس ،أليس هذا من إضافة النعمة للسبب ،واهلل -سبحانه
ون ِنعم َت اللّ ِه ثُ َّم ي ِ
نك ُرو َن َها ﴾ [ سورة النحل ،اآلية ] 83 :؟ ُ وتعالى -يقولَ ﴿ :ي ْع ِرفُ َ ْ َ
سلُ َنا ﴾ [ سورة األنعام ،اآلية ،] 61 :فقد َّ
أال تقول :أنبت الربيع ،نعم ،أنبت الربيع ﴿ ،تََوفتْ ُه ُر ُ
ينسب الفعل إلى السبب ،لكن مع االعتراف بالمسبب ،مات فالن ،هو مات أو اهلل -سبحانه
َّ
س ﴾ [ سورة الزمر ،اآلية ،] 42 :ومع ذلكم قال﴿: وتعالى -هو الذي توفاه؟ ﴿ اللَّ ُه َيتََوفى اأْل َنفُ َ
سلُ َنا ﴾ ،فقد ينسب الفعل إلى السبب ،لكن مع االعتراف بالمسبب. َّ
تََوفتْ ُه ُر ُ
بسم اهلل الرحمن الرحيم ،الحمد هلل رب العالمين ،وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد وعلى آله
وصحبه أجمعين ،أما بعد :فقد قال إمام الحرمين -رحمه اهلل: -
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 63 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
وأصول الفقه :طرقه على سبيل> اإلجمال وكيفية االستدالل بها ،وأبواب أصول الفقه :أقسام
الكالم ،واألمر والنهي ،والعام والخاص ،والمجمل والمبين ،والنص والظاهر والمؤول ،واألفعال
والناسخ والمنسوخ >،واإلجماع واألخبار ،والقياس والحظر واإلباحة وترتيب> األدلة ،وصفة
المفتي والمستفتي وأحكام المجتهدين ،فأقل ما يتركب منه> الكالم اسمان ،أو اسم وفعل ،أو فعل
تمن
وحرف ،أو اسم وحرف ،والكالم ينقسم إلى أمر ونهي ،وخبر واستخبار ،وينقسم أيضاً إلى ٍّ
وعرض وقسم.
« َّ
الش ْـر ُح » :
الحمد هلل رب العالمين ،وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين ،يقول رحمه اهلل تعالى:
« وأصول الفقه :طرقه على سبيل> اإلجمال وكيفية االستدالل بها » سبق تعريف أصول الفقه
باعتبار جزئي المركب ،وأنه مركب من كلمتين :أصول وفقه ،وعرفنا معنى كلمة األصول ومعنى
كلمة الفقه ،واآلن هذا هو التعريف الثاني باعتباره علم على هذا الفن المعروف.
عرفه المؤلف بأن المراد بأصول الفقه « :طرق الفقه على سبيل اإلجمال ،وكيفية االستدالل بها »
فالمراد بأصول الفقه -كما ذكر -طرق الفقه إجماالً ،كمطلق األمر والنهي ،وفعل النبي -عليه
الصالة والسالم -واإلجماع والقياس ،هذه طرق الفقه إجماالً ال تفصيالً ،من حيث البحث فيها بأن
األول :وهو األمر للوجوب ،والثاني :وهو النهي للتحريم ،والفعل :فعل النبي -عليه الصالة
ٍ
خالف فيها ،سيأتي إن شاء اهلل تعالى. والسالم -واإلجماع والقياس وغيرها حجج ،يحتج بها على
« وكيفية االستدالل بها » أي كيفية االستدالل بهذه األصول من حيث تطبيقها على فروع المسائل،
وكيفية العمل عند تعارضها بما يسمى بمباحث تعارض األدلة من تقديم للخاص على العام والمقيد
على المطلق والناسخ على المنسوخ وهكذا.
والكالم هذا يجر -كيفية االستدالل بها ،واالستفادة منها -يجر إلى معرفة المستفيد منها والمجتهد،
المجتهد له أوصاف وله شروط ،وليس لكل ٍ
أحد أن يجتهد ،نعم ،إذا تأهل اإلنسان بالشروط التي
ذكرها أهل العلم المستمدة من الشرع ،فإن له -بل عليه -أن يجتهد ،أما إذا لم يتأهل صار فرضه
ون ﴾ َه َل ِّ
الذ ْك ِر إِن ُكنتُ ْم الَ تَ ْعلَ ُم َ اسأَلُواْ أ ْ
تقليد من تبرأ ذمته بتقليده؛ ﴿ فَ ْ
[ سورة النحل ،اآلية .] 43 :
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 64 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
ونحن نشاهد كثرة من يدعي االجتهاد في هذه األوقات ،ال شك أن مثل هذا غرور وتلبيس من
ٍ
لقرون مضت من قفل باب االجتهاد ،واآلن فتح االجتهاد على الشيطان ،وفيه ما هو ردة فعل
مصراعيه؛ تجد من يحفظ شيئاً ولو يسيراً من العلم تجده يتكلم في عضل المسائل ،تجد المبتدئ
-بل بعض العامة -يجرؤ على إفتاء الناس وتوجيههم ،والمبتدئ في حكم العامي ،وكثير من
المبتدئين -ومن يظن أنه تعلم وهو ما عرف إال الشيء اليسير -تجده يتصدى إلفتاء الناس
وتوجيههم لما يعرف وما ال يعرف ،وهذا األمر خطير جداً؛ ألنه ينصب نفسه موقعاً عن اهلل -عز
س َو َّدةٌ ﴾ ين َك َذ ُبواْ َعلَى اللَّ ِه ُو ُج ُ
وه ُهم ُّم ْ ام ِة تََرى الَّ ِذ َ ِ
وجل -وحكماً بين عباده بالدعوىَ ﴿ ،و َي ْو َم ا ْلق َي َ
[ سورة الزمر ،اآلية ] 60 :أيش معنى كذبوا على اهلل؟
ام ِة تََرى الَّ ِذ َ
ين ِ
الذي يفتي بال علم يكذب على اهلل؛ يدخل دخوالً أولياً في هذه اآلية ﴿ َو َي ْو َم ا ْلق َي َ
ِ صُ ِ وههم ُّمسو َّدةٌ ﴾ ﴿ ،والَ تَقُولُواْ ِلما تَ ِ ِ
ام
ف أَْلس َنتُ ُك ُم ا ْل َكذ َب َه َذا َحالَ ٌل َو َه َذا َح َر ٌ َ َ َك َذ ُبواْ َعلَى اللَّه ُو ُج ُ ُ ْ َ
﴾ [ سورة النحل ،اآلية ] 116 :نص في الموضوع ،فإذا ربطنا بين اآليتين عرفنا خطورة اإلفتاء
بغير علم ،وعندنا من تقوم بهم الحاجة -وهلل الحمد-من أهل العلم الراسخين المحققين.
يتعين
وبالمقابل تقاعس المتأهل وتأخره عن نفع الناس في هذا المجال ال يجوز؛ وهو كتم للعلم ،بل ّ
على من تأهل إلفتاء الناس أن يفتيهم ،وال يجوز له أن يتأخر والحاجة قائمة.
وبعض الناس ال يتحرى إذا أراد أن يسأل ،ال يبحث عمن تبرأ ذمته بتقليده ،واهلل -سبحانه وتعالى-
الذ ْك ِر ﴾ ،بل يتجه كثير من الناس لسؤال بعض المفتونين؛ بحثاً عن الرخص،َه َل ِّ
اسأَلُواْ أ ْ
يقولْ ﴿ :
واإلنسان إذا بحث عن الرخصة في هذه المسألة ،والرخصة في تلك المسألة ،والرخصة في
المسألة الثالثة والرابعة والعاشرة خرج من دينه؛ ألن الدين تكاليف ،فإذا كان الدين كله رخص ما
صار هناك دين ،ما صار هناك تكليف ،واهلل المستعان.
هذه األمور الثالثة -طرق الفقه على سبيل اإلجمال ،وكيفية االستدالل بها ،وحال المستفيد منها-
هذه هي أصول الفقه ،هذا ما قاله كثير من الشراح ،وكأن األوضح مما ذكر أن يراد بأصول الفقه:
أدلة الفقه اإلجمالية من الكتاب والسنة واإلجماع والقياس على سبيل اإلجمال ال على سبيل التفصيل
في هذه األدلة؛ نأخذ الكتاب مجمالً وكيف نستفيد منه ،حجة باإلجماع ،لكن كيف نستفيد من هذا
الكتاب ،السنة حجة إجماعاً ،اإلجماع القياس وهكذا -على الخالف فيه -المقصود أن كيف نستفيد
من هذه األدلة اإلجمالية ،وبيان حال من يستفيد منها.
يقول الناظم رحمه اهلل تعالى:
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 65 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
ثم ذكر أبواب الفقه على سبيل اإلجمال ،أبواب أصول الفقه ذكرها إجماالً ،ثم تحدث عنها بالتفصيل
واحداً تلو اآلخر على نفس الترتيب اإلجمالي ،وهذا أشرنا سابقاً إلى أنه يعرف بأيش؟
باللف والنشر المرتب ،فسرد هذه األبواب سرداً أشبه ما يكون بالفهرس من األبواب التي يريد أن
يتحدث عنها ،وعدتها عشرون باباً على سبيل اإلجمال ثم تكلم عنها بالتفصيل المالئم لهذا
المختصر ،وليس المراد به التفصيل المبسوط الذي يوجد في المطوالت ،ال ،هو تفصيل نسبي
مالئم لهذا المختصر ومناسب إلدراك المبتدئين ،وإ ن كانت األوراق فيها كثير ممن يقول :إنهم ال
يفهمون بعض هذا الكالم الذي يذكر في الكتاب ،هو ال شك أن األفهام متفاوتة ،ولوال ضيق الوقت
لزدنا في التوضيح ،لكن مع اإلجمال في التوضيح يمكن ما نأخذ وال نصف الكتاب ،واهلل المستعان.
ثم شرع -رحمه اهلل تعالى -يفصل ما أجمله ،وينشر ما لفّه ،فقال « :فأما أقسام الكالم فأقل ما
يتركب منه> الكالم اسمان ،أو اسم وفعل ،أو فعل وحرف ،أو اسم وحرف » والكالم مصدر ،أو
قل :اسم مصدر من تكلم يتكلم تكلماً وكالماً ،ويختلف المراد به من ٍ
فن إلى آخر -المراد بالكالم-
فالمراد به عن اللغويين :كل ما يلفظ به ،سواء كان مفيداً أو غير مفيد ،يسمى كالماً ،سواء كان
مركباً أو غير مركب ،فإذا قلت :زيد ،كالم ،،زيد قائم كالم ،ديز عكس زيد -مقلوب زيد -كالم،
كل ما يلفظ به كالم ،سواء كان مقصوداً أو غير مقصود ،فكالم النائم كالم ،كالم بعض الطيور
كالم ،هذا من حيث األصل في اللغة.
وعند النحويين :هو اللفظ المركب المفيد فائدة يحسن السكوت عليها ،فالكالم المفرد ،الكلمة المفردة
ليست بكالم ،والكالم غير المفيد (إن قام زيد) هذا ليس بكالم وإ ن كان مركباً من ثالث كلمات،
والكالم غير المقصود ليس بكالم عند النحويين.
وعند الفقهاء :ما اشتمل على حرفين فصاعداً ،وهو الذي يبطلون به الصالة ،ولذا يقولون :إن بان
حرفان من الكلمة بطلت الصالة ،والمقصود به الكالم الذي ال يحتاج إليه.
والكالم جمع كلمة ،والكلمة إما اسم أو فعل أو حرف ،وفي األلفية -في ألفية ابن مالك:-
طالب.......:
ض ْير :اآلن عرفنا أنه إذا اشتمل على جملة اسم وفعل ،أو اسم وحرف ،أو َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
فعل وحرف هذا كالم ،وهذا أقل الكالم ،هذا أقل الكالم ،مفهومه أنه إذا تركب من جملتين أو من
ثالث كلمات -اسم وفعل وحرف ،أو فعل واسمين أو ثالثة أسماء أو أربعة -ال يسمى كالماً عند
بعضهم ،والمفهوم من كالم المصنف أنه يسمى كالماً.
على كل حال ما الفائدة المرتبة على هذا الخالف؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :في فائدة تترتب على هذا الخالف؟ نعم؟
طالب.......:
ض ْير :يعني إذا حلف أن ال يتكلم ،أو أن ال يصدر منه كالم ،فجاء ٍ
بكالم َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
طويل يصير تكلم وإ ال ما تكلم؟
على ما عليه الجمع -كابن هشام وما يفهم من كالم المؤلف -كالماً ،لكن إذا حلف ال يتكلم ٍ
بكالم
طويل ،كالم مركب من جمل؟ على مقتضى عبارة ابن الحاجب أنه ما تكلم.
إذا قال لزوجته :إن تكلمت بكالم فأنت طالق ،أو قال لعبده :إن تكلمت بكالم فأنت حر ،فتكلم ٍ
بكالم
كبير ما جاب جملة واحدة ،أو نقول :هي تطلق بالجملة األولى ،وهو يعتق بالجملة األولى ،ويحنث
في الجملة األولى وما عدا ذلك قدر زائد على الكالم؟ نعم؟
يقول الناظم:
ٍ
وخبر واستخبار ونهي
ٍ ثم قال -رحمه اهلل تعالى -في بيان أقسام الكالم « :والكالم ينقسم إلى ٍ
أمر
تمن وعرض وقسم :يريد المصنف أن الكالم من حيث داللته ينقسم إلى أمر » وينقسم أيضاً إلى ّ
صل ﴿ ،أ َِقِم َّ
الصالَةَ ﴾ [ سورة اإلسراء ،اآلية « ،] 78 : وهو ما يدل على طلب الفعل نحوِّ :
ونهي » وهو ما يدل على طلب الترك ،نحو :ال تغتب « ،وخبر » وهو ما يحتمل الصدق أو
الكذب لذاته نحو :جاء زيد ،وما جاء عمرو ،ويقابل الخبر اإلنشاء ،ولم يذكره المؤلف بلفظه ذكر
أقسامه ،اإلنشاء :وهو ما ال يحتمل الصدق وال الكذب ،ويدخل فيه األمر والنهي والتمني
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 68 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
واالستفهام والعرض ،وذكرها المؤلف ،واستخبار :وهو االستفهام نحو :هل قام زيد؟ فيجاب
تمن » وهو طلب ما ال طمع فيه:
بـ(نعم) أو (ال) « .وينقسم أيضاً إلى ٍّ
ليت أمس يرجع ،أو يعود :ما ال طمع فيه ،أو فيه طمع ،لكنه مع ٍ
عسر شديد ،كقول منقطع الرجاء
الذي ال يثبت على الراحلة وال يستطيع أن يسافر مثالً :ليتني أحج.
َّ
المصدر بـ(أاَل ) :أال تنزل عندنا ،والعرض يناسب بعض وعرض :وهو الطلب برفق وهدوء ،وهو
ٍ
بشيء -ولو الناس الذين يهابون ،فإذا كنت تهاب شخصاً وال تستطيع أن تأمره أو تصر على أمره
شيخ على ٍ
خطأ وقع فيه، على جهة اإلكرام -ومثله -بل من باب األدب -إذا أراد الطالب تنبيه ٍ
يأتي بصيغة العرض :أال يكون المعنى كذا؟ أو يقول :ما رأيكم بكذا ،أو :أال يكون مراد فالن بكذا
كذا ،وهكذا.
ٍ
بكلمة ومثله :المحتضر حينما يعرض عليه تعرض عليه كلمة التوحيد؛ ألنه يخشى منه أن ينطق
وضع ال يناسب الشدة في الكالم ،فيعرض عليه الكالم عرضاً برفق :يا
ٍ يخرج بها من دينه وهو في
فالن أال تقول :ال إله إال اهلل -برفق ولين -قل :ال إله إال اهلل.
وبالمناسبة أبو زرعة الرازي -الذي أشرنا إليه قريباً -لما حضرته الوفاة هابوا أن يلقّنوه وهو في
حال النزع -رحمة اهلل عليه -هابوا أن يلقّنوه ،فاجتهد بعضهم فجاء بحديث التلقين وقلب إسناده،
قلب اإلسناد والشيخ في النزع -رحمة اهلل عليه -فصحح اإلسناد وقال :قال رسول اهلل -صلى اهلل
عليه وسلم « :-من كان آخر كالمه من الدنيا ال إله إال اهلل » ..ففاضت روحه -رحمة اهلل عليه-
فمثل هؤالء وفي مثل هذا الظرف يهاب اإلنسان وال يتكلم ٍ
بكالم قوي يخشى منه الضرر .وقَ َسم:
وهو الحلف نحو :واهلل ألفعلن كذا.
يقول الناظم:
تمن............الخ
ثم الكالم ثانياً قد انقسم *** إلـى ٍّ
ومن ٍ
وجه آخر ينقسم إلى حقيقة ومجاز ،فالحقيقة ما بقي في االستعمال على موضوعه ،وقيل:
ما استعمل في ما اصطلح عليه من المخاطبة ،والمجاز ما تجوز عن موضوعه ،والحقيقة إما
لغوية وإ ما شرعية وإ ما عرفية ،والمجاز إما أن يكون بزيادة أو نقصان أو نقل أو استعارة،
ش ْي ٌء ﴾ [ سورة الشورى ،اآلية ،] 11 : س َك ِمثْ ِل ِه َفالمجاز بالزيادة مثل قوله تعالى ﴿ :لَ ْي َ
اسأ َِل ا ْلقَ ْر َي َة ﴾ [ سورة يوسف ،اآلية ،] 82 :والمجاز والمجاز بالنقصان مثل قوله تعالىَ ﴿ :و ْ
َن َينقَ َّ
ض بالنقل كالغائط فيما يخرج من اإلنسان ،والمجاز باالستعارة كقوله تعالىِ ﴿ :ج َد ًارا ُي ِر ُ
يد أ ْ
﴾ [ سورة الكهف ،اآلية .] 77 :
« َّ
الش ْـر ُح » :
يقول -رحمه اهلل تعالى:-
ٍ
حقيقة ومجاز » ثم عرف الحقيقة بتعريفين ،فالحقيقة ما بقي « ومن ٍ
وجه آخر ينقسم الكالم إلى
طبة ِ
المخاطبة أو المخا َ في االستعمال على موضوعه ،وقيل :ما استعمل في ما اصطلح عليه من
» يجوز هذا وذاك ،على ما سيأتي.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 70 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
تجوز به عن موضوعه » فلما ذكر أقسام الكالم باعتبار داللته قسم الكالم باعتبار
« والمجاز ما ّ
استعماله ،وذكر أن الكالم من هذه الحيثية ينقسم إلى قسمين :حقيقة ومجاز.
واختلف العلماء في تقسيم الكالم إلى حقيقة ومجاز ،فأثبته بعض العلماء واشتهر وانتشر عند كثير
من المتأخرين ولم يفرقوا في ذلك بين النصوص الشرعية وغيرها من الكالم العادي ،ونفاه عن
القرآن قوم وأثبتوه فيما عدا القرآن كابن خويز منداد من المالكية وابن القاص من الشافعية ،وهو
قول أهل الظاهر ،يقولون بالمجاز في غير القرآن ،وأما القرآن فال مجاز فيه.
ونفاه مطلقاً في القرآن والسنة وفي الكالم العادي آخرون كأبي إسحاق االسفراييني وأبي علي
الفارسي ،ونصره شيخ اإلسالم ابن تيمية وابن القيم ،وسمى المجاز طاغوت.
ورد األمين الشنقيطي -رحمة اهلل عليه -على من يقول بالمجاز بكالم طويل في مذكرته األصولية
ٍ
رسالة خاصة في ذلك. وفي
وبين شيخ اإلسالم -رحمة اهلل عليه -أن هذا التقسيم مخترع حادث بعد القرون المفضلة؛ لم يتكلم
ّ
به أحد من الصحابة والتابعين ،وال أحد من األئمة وال علماء اللغة ،ما تكلم به أحد.
هل نقول هذا اصطالح وال مشاحة في االصطالح؛ كغيره من التقسيمات الموجودة في العلوم
األخرى؟
الظاهر أن القول بالمجاز إنما هو ،..إنما أحدثه المبتدعة؛ ليتوصلواـ به إلى نفي صفات اهلل -عز
وجل -بادعاء أنها مجاز.
من أقوى ما يستدل به على إنكار المجاز أنه يجوز نفيه ،وليس في النصوص ما يجوز نفيه ،أيش
معنى هذا الكالم؟ المجاز يجوز نفيه ،وليس في النصوص الشرعية ما يجوز نفيه؟
إذا جاء رجل شجاع فقال واحد من الناس :جاء أسدٍ ،
لقائل أن يقول :كذبت ،ما جاء أسد ،أليس له
ذلك؟
نعم ،ما جاء أسد؛ ألن حقيقة األسد حيوان مفترس ،فإذا كان يجوز نفيه فليس في النصوص ما
يجوز نفيه ،لكنهم أطلقوا األسد على الشجاع ،فهل نقول :إنه مجاز؟ وهذا في غير النصوص
ونلتزم بالزمه أنه وإ ن جاز نفيه نقول به كما يقول بعضهم ،أو نقول :إنه استعمال حقيقي ،األسد
كما يطلق على الحيوان المفترس يطلق على الرجل الشجاع؟
على كل حال الكالم في المجاز فصله ابن القيم -رحمه اهلل تعالى -في (الصواعق) وشدد في
النكير على من أثبته ،وال شك أنه باب ولج منه المبتدعة فأنكروا صفات اهلل -عز وجل -بسببه،
وال شك أن األثر المترتب عليه شديد.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 71 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
بعد ذلك عرف الحقيقة بأنها ما بقي في االستعمال على موضوعه :ما بقي :أي اللفظ الباقي في
االستعمال على موضوعه ،أي الذي وضع له ،وضعه له المتخاطبون -أهل اللغة -على موضوعه
اللغوي كما هو المتبادر من اللفظ -من ذكر الوضع.-
وقيل في تعريف الحقيقة « :ما استعمل في ما اصطلح عليه من المخاطبة » وإ ن لم يبق على
يبق على موضوعه
موضوعه كالصالة بالهيئة المخصوصة المعروفة لدى المسلمين ،فإنه لم َ
اللغوي وهو الدعاء ،والدابة لذات األربع كالجمل والحمار وغيرهما فإنه لم يبق على موضوعه
-وهو كل ما يدب على األرض -عندنا الحقائق كم؟
ثالث ،الحقائق ثالث :لغوية وشرعية وعرفية ،على التعريف األول الحقيقة ما بقي في االستعمال
على موضوعه :الحقيقة واحدة وال تتعدد ،وما عداها كله من قبيل المجاز ،وعلى التعريف الثاني:
ما استعمل في ما اصطلح عليه من المخاطبة :تتسع دائرة الحقائق فتكون ثالثاً ،فإذا قيل :جاء أسد،
فبدالً من أن يقال :هذا مجاز ،يقال :اصطلح المخاطبة عليه ،فيكون حقيقة عرفية.
الصالة المعروفة لدى المسلمين ،المفتتحة بالتكبير المختتمة بالتسليم ذات الركوع والسجود :هذه
حقيقة ،لكنها حقيقة شرعية ،وإ ن كانت الحقيقة اللغوية للصالة الدعاء ،والفرق بين الحقائق اللغوية
مع الشرعية يختلف أهل العلم في ذلك ،هل هي من باب النقل التام للكلمة من حقيقتها اللغوية إلى
حقيقتها الشرعية ،أو نقول :إنها هي الحقيقة اللغوية وزيد عليها؟ هل نقول :إن حقيقة الصالة لغةً
غير حقيقة الصالة شرعاً ،أو نقول :إن الحقيقة الشرعية هي الحقيقة اللغوية وزاد عليها الشرع
أشياء؟ وقل مثلها :الزكاة والصيام والحج واإليمان وغير ذلك من الحقائق الشرعية؟ نعم؟
طالب.......:
ض ْير :يعني زيد على الحقيقة اللغوية ،وكأن هذا ما يف ِهمه كالم شيخ اإلسالم َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ابن تيمية رحمه اهلل تعالى.
على التعريف األول ال يدخل في الحقيقة سوى اللغوية ،وعلى التعريف الثاني تدخل جميع الحقائق
الثالث ،اللغوية والشرعية والعرفية.
قوله « :من المخاطبة » وهو بكسر الطاء ،أي الجماعة المتخاطبة بذلك اللفظ ،ويجوز فتح الطاء
طبة ،أيش؟
طبة -وهو التخاطب؛ ال مانع أن يقول :بين المخا َ
–المخا َ
ما استعمل عليه ،..أو ما استعمل في ما اصطلح عليه من المخاطبة :يعني من التخاطب وال مانع
تجوز » أي تعدي به عن موضوعه ،وهذا التعريف للمجاز
من ذلك .ثم عرف المجاز بأنه « :ما ّ
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 72 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
يقابل التعريف األول للحقيقة ،وعلى الثاني يكون معنى المجاز :ما استعمل في غير ما اصطلح
ِ
المخاطبة. عليه من
ثم ذكر أقسام الحقيقة الثالث « :والحقيقة إما لغوية وإ ما شرعية وإ ما عرفية » هذا يمشي على
تعريفه للحقيقة؟ يمشي وإ ال ما يمشي؟
هذا التعريف الثاني الذي صدره بصيغة التمريض؛ ألنه قال :والحقيقة إما لغوية وإ ما شرعية وإ ما
جار على التعريف الثاني ،ومعلوم أن أهل العلم إذا جزموا بشيء ثم أتبعوه ٍ
بقول آخر عرفية :فهذا ٍ
ممرض -يعني مصدر بصيغة التمريض -أن اختيارهم ما جزموا به ،اختيارهم ما جزموا به،
َّ
وعلى هذا الذي يختاره إمام الحرمين في تعريف الحقيقة هو األول؛ ألنه صدر الثاني بصيغة
التمريض قيل ،فكيف يقول « :والحقيقة إما لغوية وإ ما شرعية وإ ما عرفية » وهو مناسب للثاني
الم َّ
صدر بصيغة التمريض؟ ُ
ألنه على التعريف األول تنحصر الحقيقة باللغوية فقط ،وعلى التعريف الثاني يتسع أمر الحقائق
وتتنوع إلى ثالثة أنواع.
« الحقيقة إما لغوية وإ ما شرعية وإ ما عرفية » والحقيقة اللغوية :ما وضعه أهل اللغة كاألسد
للحيوان المفترس ،والشرعية :التي وضعها الشارع كالصالة -العبادة المخصوصة -والعرفية :ما
وضعها أهل العرف سواء كان العرف عاماً أو خاصاً ،والعرف العام :ما تعارف عيه الناس على
جميع مستوياتهم وطبقاتهم كالدابة لذات األربع ،وهي في أصل اللغة -حقيقة الدابة اللغوية :-كل
ما يدب على وجه األرض ،حقيقتها العرفية في عرف عامة الناس ذوات األربع ،ومثله ما تعارف
عليه أهل العرف الخاص -ما اصطلح عليه أهل العرف الخاص -هذه حقائق ،كالفاعل عند النحاة،
الفاعل عند النحاة حقيقة عرفية ،الباب عند أهل العلم -في الكتب -يقولون باب؛ « الحقيقة
األصلية للباب اللغوية » ما يدخل ويخرج منه ،مثل هذا الباب وذلك الباب وغيرها من األبواب،
هذه حقيقة الباب ،ما يدخل وما يخرج منه ،لكن الباب في كتب أهل العلم حقيقة عرفية ،نعم ،لو
تقول لشخص عامي :اقرأ الباب ،يعرف يقرأ الباب؟ أيش يبى يسوي؟ ماذا يصنع؟ يظنك تقول:
اقرع الباب؛ ما يعرف أن هناك باب غير الباب المعروف ،لكن هذا عرف عند أهل العلم ،وهذا كما
تقدم ٍ
جار على التعريف الثاني للحقيقة ،وأما على التعريف األول فالحقيقة خاصة باللغوية.
وثالثاً إلى ٍ
مجاز وإ لى *** حقيقة وحدها ما استعمال
اصطالح قدمـا
ٍ من ذاك في موضوعه وقيل ما *** يجري خطاباً في
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 73 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
ٍ
بزيادة أو نقصان أو نقل ثم ذكر -رحمه اهلل تعالى -أنواع المجاز فقال « :والمجاز إما أن يكون
س َك ِم ْث ِل ِه َ
ش ْي ٌء ﴾ ،والنقصان مثل قوله أو استعارة » ثم مثّل للزيادة بقوله -جل وعال ﴿ :-لَ ْي َ
اسأ َِل ا ْلقَ ْر َي َة ﴾ « ،والمجاز بالنقل :كالغائط فيما يخرج من اإلنسان ،والمجازتعالىَ ﴿ :و ْ
َن َينقَ َّ
ض ﴾». باالستعارة كقوله تعالىِ ﴿ :ج َد ًارا ُي ِر ُ
يد أ ْ
لما عرف الحقيقة والمجاز وذكر أقسام الحقيقة ،أردف ذلك بأنواع المجاز ،وذكر أربعةً من أنواعه
س َك ِمثْ ِل ِه َ
ش ْي ٌء ﴾ :وزعموا أن الكاف هنا وهي :المجاز بالزيادة ،ومثل له بقوله تعالى ﴿ :لَ ْي َ
زائدة ،ومنهم من يتأدب مع القرآن المصون عن الزيادة والنقصان فيقول :صلة ،أيش معنى صلة؟
هي زائدة ،يعني من حيث اإلعراب ال محل لها كصلة الموصول ،يشبهون هذه األمور الزائدة
بصلة الموصول الذي ال محل له من اإلعراب ،زعموا أن الكاف زائدة؛ إذ لو لم تكن زائدة لكانت
بمعنى مثل ،فيكون التقدير ليس مثل مثله شيئاً ،يقولون :وهذا باطل؛ ألنه يلزم منه إثبات المثل هلل
-عز وجل-؛ إذا قيل :ليس مثل مثله :أثبتنا مثل المثل -على كالمهم -والصحيح أنها ليست بزائدة
وإ نما ذكرت للتأكيد ،فإذا انتفى مثل المثل فانتفاء المثل من باب أولى.
إذا قلت :زيد ما لمثله مثيل ،من باب أولى ،..مثله الذي يشبهه من بعض الوجوه ليس له مثيل ،إذن
مثله المطابق له من كل وجه من باب أولى.
وشخص رأى مع آخر ثوباً فقال له :اشتر لي مثل هذا الثوب ،فاشترى له الثوب نفسه ،فرده ،قال:
أنا قلت لك :اشتر لي مثل هذا الثوب ،ما قلت لك اشتر لي هذا الثوب ،فتخاصما عند شريح ،فألزمه
بأخذ الثوب ،وقال :ليس شيء أشبه بالشيء من الشيء نفسه.
وهنا نقول :الصحيح أنها ليست بزائدة ،وإ نما ذكرت للتأكيد ،فإذا انتفى مثل المثل فانتفاء المثل من
باب أولى؛ مبالغة في نفي المثل.
اسأ َِل ا ْلقَ ْر َي َة ﴾ ،قالوا :المراد أهل القرية؛ إذ َّ
ثم مثل للزيادة بالنقصان بقوله -جل وعالَ ﴿ :-و ْ
القرية ال يمكن سؤالها ،والصحيح أنه ال حذف؛ فالمراد بالقرية األبنية بأهلها ،القرية :األبنية
-العمران -بأهله ،وال يطلق على العمران مفرداً قرية ،فاألهل جزء من القرية ،وعلى افتراض أن
المراد بالقرية األبنية سؤالها ممكن ،سؤال القرية ذاتها ممكن ،كيف؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 74 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
فيكون جوابها بلسان الحال؛ يعني أال يمكن أن تخاطب داراً خربة فتقول :أين أهلك؟ أين أربابك؟
أين من بناك؟ أين من عمرك؟ نعم ،أال يمكن؟ ألم يسأل علي -رضي اهلل عنه -القبور؟! واهلل
المستعان.
على كل حال الجواب في مثل هذا يكون بلسان الحال وإ ن لم يكن بلسان المقال.
ثم مثّل للمجاز بالنقل بكلمة :الغائط ،إذ األصل في الكلمة أنها وضعت للمكان المطمئن فيقصده من
أراد قضاء الحاجة؛ ليستتر فيه ،فأطلقت على الخارج نفسه من اإلنسان ،والصحيح أن الغائط حقيقة
ٍ
وحينئذ ال مجاز. عرفية،
َن َينقَ َّ
ض ﴾ ،حيث أضاف اإلرادة إلى والمجاز باالستعارة مثّل له بقوله تعالىِ ﴿ :ج َد ًارا ُي ِر ُ
يد أ ْ
فشبه ميله إلى السقوط ،شبه ميله إلى السقوط بإرادة السقوط ،التي هي من صفات الحي
الجدار ّ
دون الجماد ،والمجاز المبني على التشبيه يسمى استعارة ،والصحيح أنه ليس من المجاز؛ فإرادة
كل ٍ
شيء بحسبه ،إرادة كل شيء بحسبه ،إرادة المخلوق تختلف عن إرادة الجماد ،كما أن إرادة
الخالق تختلف عن إرادة المخلوق ،إرادة كل ٍ
شيء بحسبه.
ومعلوم أن بحث مثل هذه األشياء في الحقيقة والمجاز مجالها ومحلها كتب البالغة في علم البيان،
وتذكر في كتب األصول؛ ألنها تبحث في دالالت األلفاظ ،وهي من أهم المباحث في األصول.
على كل حال المسألة في الحقيقة والمجاز مسألة طويلة الذيول ،والخالف فيها كبير بين أهل العلم،
والذي عليه جمع من أهل التحقيق نفي المجاز ،وممن ينفي المجاز شيخ اإلسالم ابن تيمية وابن
القيم.
من أراد االطالع على المسألة بخصها فليرجع إلى (الصواعق) البن القيم ،ورسالة للشيخ األمين
الشنقيطي -رحمه اهلل -في منع جواز المجاز ،وله أيضاً إجابة عن هذه المسائل أو هذه األمثلة
بخصوصها ،له إجابة عنها في مذكرته األصولية،
واهلل أعلم وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 75 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
س الدَّرس َ ِ
الخام ُ ْ ُ
هذا يسأل ،..وهذا سؤال له عالقة باألصول وهو الترادف بين الكلمات ،الترادف مثل :قعد
وجلس ،هل نقول :إن معنى الكلمتين واحد تماماً بحيث ال يزيد أحدهما عن اآلخر -بين قعد
وجلس-؟
من أهل العلم من يقول ذلك ،يوجد في اللغة كلمات مترادفة ،لكن المحققين من اللغويين وعلماء
الشرع يثبتون أن هناك فروق بين الكلمات -فروق دقيقة جداً -وكتاب الفروق اللغوية ألبي هالل
قفيبين ما بينهما من فرو ٍ
العسكري أكبر مثال على ذلك ،يأتي بالكلمتين التين يظن بهما الترادف ّ
دقيقة ،فعلى سبيل المثال :الصنف والضربـ والنوع ِ
والق ْسم ،بينها فروق في غاية الدقة ،وهناك
أيضاً ما بين القعود والجلوس ،هناك أيضاً ما بين القيام والوقوف ،وهكذا من الفروق.
نقول :نعم يحمل المطلق على المقيد إذا اتحدا في الحكم ،وهنا اختالف في الحكم؛ ألن مجرد جر
جره خيالء له حكم آخر أشد من الحكمالثوب له حكم وهو في النار -نسأل اهلل العافية -وأما ّ
ٍ
وحينئذ في مثل هذه الصورةـ ال يحمل المطلق على المقيد. األول،
لبينا ذلك بياناً يكفي -إن شاء اهلل تعالى -ألن للمقيد
ولو أدركنا في الكتاب شرح اإلطالق والتقييد ّ
مع المطلق صوراً أربعاً ،إما أن يتحدا في الحكم والسبب ،أو يختلفا في الحكم والسبب ،أو يختلفا
ٍ
واحدة منها حكمها. في الحكم دون السبب ،أو العكس ،أربع صور ،ولكل
يقول :المحظور يثاب على تركه ويعاقب على فعله ،سؤالي :نحن في كل وقت تاركون ،هل نجد
الثواب مثالً في هذا الوقت ،نحن تاركون السرقة مثالً؟
إذا تركت المحظور فال تخلو إما أن تكون تركته عجزاً عنه ،أو تكون تركته خشية هلل -عز وجل-
أو تركته غفلةً وذهوالً ،ولكل واحد من هذه الصور حكمها ،لكن المسلم إذا استصحب أنه ممتثل
ألمر اهلل -عز وجل -وأنه ٍ
منته عما حرمه اهلل عليه ،وأنه لو أتيحت له فرصة للسرقة مثالً ما
وبيت ذلك -يثاب عليه -إن شاء اهلل -ولو عزب عن ذهنه.
سرق -نوى ذلك ّ
يقول :ما رأيكم في تحية المسجد وقت النهي ،وهل األمر مقدم أم النهي في النصوص إذا
تعارضت؟
هذه مسألة مهمة جداً ،ويقع فيها كثير من الناس ،ويحتاج إليها في مثل هذا الوقت؛ ألنه وقت نهي،
كثير من الناس يصلي في وقت النهي دون تردد كأن المسألة محسومة ،وهذه المسألة من عضل
المسائل ،وليس الخالف فيها كما يتصوره بعض الناس أنه من باب العموم والخصوص والخاص
مقدم على العام ،ال؛ فإذا قال الشافعي مثالً" :إن أحاديث النهي عامة وأحاديث ذوات األسباب
خاصة".
لغيره أن يقول من الحنفية والمالكية والحنابلة أن يقولوا العكس" :أحاديث ذوات األسباب عامة
وأحاديث النهي خاصة".
إذا قال الشافعي" :أحاديث النهي عامة في جميع األوقات ،وأحاديث ذوات األسباب خاصة بهذه
الصلوات" ،للطرف المقابل أن يقول العكس" :أحاديث ذوات األسباب عامة في جميع األوقات،
وأحاديث النهي خاصة بهذه األوقات" ،وليس قول أحدهما بأولى من القبول من قول اآلخر.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 77 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
والصواب أن التعارض في هذه النصوص من باب العموم والخصوص الوجهي ،ولذا فهذه المسألة
من عضل المسائل ،حتى قال بعض أهل العلم :ال تدخل المسجد في هذه األوقات؛ ألنه لم يستطع
الترجيح.
كيف كان العموم والخصوص وجهياً؟
الرتباط هذه المسألة بما نحن فيه من األصول أحاديث النهي عامة في جميع الصلوات،ـ خاصة بهذه
األوقات ،وأحاديث ذوات األسباب عامة في جميع األوقات خاصة بهذه الصلوات ،وال يمكن
الترجيح بين النصوص الواردة في هذا وذاك لذاتها؛ ألن النصوص متكافئة ،فيطلب مرجح
خارجي.
فالذين يقولون :نرجح أحاديث ذوات األسباب ،قالوا :ألن عمومها محفوظ ما دخله تخصيص،
وعرفنا أن أحاديث النهي مخصصة لهذا العموم في هذه األوقات ،وأحاديث النهي عمومها غير
محفوظ ،دخله من المخصصات الكثير ،فتُرجح أحاديث ذوات األسباب على أحاديث النهي.
والذي يلوح لي أن تحية المسجد -وما أشبهها -في الوقتين الموسعين األمر فيهما سعة ،وأما في
األوقات المضيقة الثالثة التي جاءت في حديث عقبة" :ثالث ساعات كان رسول اهلل -صلى اهلل
عليه وسلم -ينهانا أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا" :ترجح فيها أحاديث النهي؛ ألن النهي
عنها لذاتها -لذات األوقات -وأما النهي عن الصالة في الوقتين الموسعين فهو من باب منع
الوسائل؛ لئال يمتد األمر بهذا المصلي فيصلي في األوقات المضيقة.
فعلى هذا من دخل في مثل هذا الوقت والشمس بيضاء نقية وصلى ركعتين ال ينكر عليه ،ولو جلس
عمالً بأحاديث النهي ال ينكر عليه.
وتوقف كثير من أهل العلم؛ من أهل العلم من قال :إذا دخل في وقت النهي ال يجلس يستمر واقفاً،
ومنهم من قال :ال يدخل المسجد في أوقات النهي ،لكن ما جاء في الوقتين الموسعين أخف مما جاء
في األوقات الثالثة المضيقة ،علماً بأن األوقات المضيقة أمرها يسير ،ال يزيد على ربع ساعة ،إذا
كانت الشمس بيضاء نقية ال بأس ِّ
صل ،بعد صالة الصبح تصلي إذا دخلت المسجد؛ ألن الوقت
موسع ،أما عند طلوع الشمس وعند غروبها وحين يقوم قائم الظهيرة فال ،واهلل المستعان.
يقول :وهل األمر مقدم أم النهي في النصوص إذا تعارضت؟
ٍ
شيء فاجتنبوه » ،محسوم ،أما معروف قول األكثر :تقديم النهي على األمر؛ « إذا نهيتكم عن
« إذا أمرتكم ٍ
فأمر فأتوا منه> ما استطعتم » ،وهذا قول األكثر.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 78 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
شيخ اإلسالم -رحمة اهلل عليه -يرى العكس -أن األمر مقدم ومخالفة األمر أعظم من ارتكاب
المحظور -ويستدل بأن معصية آدم ارتكاب محظور ،ومعصية إبليس مخالفة أمر ،ومعصية
إبليس أعظم.
لكن ما الذي خفف معصية آدم ،وما الذي جعل معصية إبليس عظيمة؟
ما صاحب المعصيتين من غرور واستكبار واستنكاف من إبليس ،ومن ندم واستصغار من آدم
عليه السالم.
وعلى كل حال في مثل هذه المسألة ال يجاب ٍ
بقول مطلق ،بل يرجع فيه إلى مقدار هذا األمر وعظم
هذا األمر المتروك المقرون بالنهي ،كما أنه ينظر فيه إلى عظم ارتكاب المحظور بالنسبة للمأمور.
فلو تصورنا شخصاً مطالباً بصالة الجماعة ،وفي طريقه إلى المسجد نساء متبرجات ،نقول يلزمك
حضور صالة الجماعة ،وغض بصرك ،لكن هو مطالب بصالة الجمعة في المسجد وفي طريقه
بغي ،ومن وراء هذا البغي ظالم يجبر الناس على مقارفة الفاحشة معها؟ نقول :ترك المأمور أو
ارتكاب المحظور؟
طالب.......:
ض ْير :ترك المأمور أسهل من ارتكاب المحظور ،وعلى هذا كل مسألة تقدر َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
بحكم عام مطَّرد في مثل هذا ،بل ينظر إلى كل مسألتين متقابلتين من هذا النوع
بقدرها ،فال يقال ٍ
على حده.
يقول هذا -مع أن الوقت طال بنا ،وما كنت أنوي أن أجيب عن مثل هذه األسئلة بحضور
مر بنا -أعشق شيوخنا لكن -..هذا يقول :أعشق المناظرات -في أشياء له ارتباط بما ّ
المناظرات والجدال ال للعناد ،وإ نما لقول كلمة الحق ،مع علمي بأن المراء العقيم من يتركه يكون
قد ضمن له الرسول -صلى اهلل عليه وسلم -الجنة ،ما هي نصيحتكم؟
أوالً :المجادلة مجادلة الخصوم بالحق بالتي هي أحسن مطلب شرعي ،مناظرة الكفار بالتي هي
أحسن -بالرفق واللين -طلباً للحق وبحثاً عنه ،هذا ال شك أنه أسلوب من أساليب الدعوة ،هذا
مطلوب ،وهذا األسلوب موجود في النصوص من الكتاب والسنة ،لكن الجدال لذاته ،والمراء
إلظهار العلم -لكي يقول الناس :هذا يحسن كذا -فيه ما في غيره من أبواب العلم.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 79 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
بسم اهلل الرحمن الرحيم ،الحمد هلل رب العالمين ،وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد وعلى آله
وصحبه أجمعين ،أما بعد :فقد قال إمام الحرمين -رحمه اهلل:-
واألمر استدعاء الفعل بالقول ممن هو دونه على سبيل> الوجوب ،والصيغة الدالة عليه (افعل)،
وهي عند اإلطالق والتجرد عن القرينة تحمل عليه ،إال ما دل الدليل على أن المراد منه> الندب أو
اإلباحة فيحمل عليه ،وال يقتضي التكرار -على الصحيح -إال إذا َّ
دل الدليل على قصد التكرار،
وال يقتضى الفور ،واألمر بإيجاد الفعل أمر به..
« َّ
الش ْـر ُح » :
الحمد هلل رب العالمين ،وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين ،يقول المؤلف -رحمه اهلل تعالى:-
« واألمر استدعاء الفعل » األمر الذي هو أحد شقي التكليف؛ التكليف إما ٍ
بأمر أو بنهي ،على
ٍ
خالف في التخيير ،الذي مقتضاه اإلباحة هل هو تكليف أم ال ،األمر عرفه المؤلف بأنه
« استدعاء الفعل بالقول ممن هو دونه » فيخرج بقوله استدعاء الفعل النهي لماذا؟ ألنه استدعاء
للترك ،كما أنه يخرج به المباح؛ ألنه ليس استدعاء أصالً ،ال فعالً وال تركاً.
وقوله « :بالقول » يخرج به ما د ّل على طلب الفعل من غير قول كاإلشارة ،ونصب العالمة،
والكتابة ،والقرائن المفهمة.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 80 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
اآلن إذا قال األب البنه :اذهب ،هذا أيش؟ أمر ،من اإلشارات المفهمة إذا قال األب البنه...:
-أيش معناه؟ اذهب ،يعني بدون نطق ،لو قال لولده باليد هكذا ،هل يسمى أمراً أو ال يسمى أمراً
على مقتضى كالم المؤلف؟ ال يسمى أمراً.
لو كتب له ورقة -كتابة -ال يسمى أمراً؛ ألنه خصه بالقول ،والقول هو ما يتلفظ به –الملفوظ -فال
تدخل اإلشارة وال تدخل الكتابة وال تدخل القرائن -القرائن المفهمة -وال يدخل أيضاً في ذلك
نصب العالمة ،إذا كان للوالد طريقة أنه إذا نزل من مشربته أو غرفته اقتضى ذلك أن يخرج معه
األوالد إلى الصالة مثالً أو إلى العمل ،هذه قاعدته المطَّردة ،هل معنى هذا أنه إذا نزل وتخلف
واحد منهم أن يكون قد عصى لمجرد نزوله؟ هذا وإ ن تضمن األمر لكنه بالفعل ال بالقول ،فهل يأثم
من خالف األمر المفهوم من اإلشارة ،وهل يأثم من خالف األمر المكتوب؟
هو ال شك أن دائرة اإلخبار أوسع من دائرة القول والتحديث ،فإذا قال الرجل لعبيده :من حدثني
بكذا فهو حر ،من أخبره بكتابة ال يعتق ،من أخبره بإشارة ال يعتق ،من أخبره بعالمة ال يعتق،
بعالمة ولو كانت مفهمة ،ولو قال الرجل لعبيده :من أخبرني بكذا فهو حر عتق إذا وجد أي ٍ
شيء
من هذه األمور ،سواء كان بالقول أو بالكتابة أو باإلشارة أو نصب العالمة المفهمة ،هذا مقتضى
قول المؤلف ،لكن هل هو جامع؟ دقيق؟ مخرج لما ذكر؟ يعني لو كتب األب ،أو ولي األمر أصدر
أمر كتابة بدون القول ،يلزمه قوله أو ال يلزم كتابة؟
نعم ،يلزم ،إال على قوله ،لو قال األب البنه هكذا وهو يفهم ،اذهب ،ثم جلس -المسألة مفترضة في
شخص يفهم هذه اإلشارة ،والذي ال يفهم ما يلزم وال بالقول ،الذي ال يفهم ،المراد من القول ال..
كما سيأتي.
فال شك أن األمر يحصل بالقول والكتابة واإلشارة المفهمة ،فإذا قال األب البنه هكذا يعني اذهب
فلم يذهب يكون عاصياً.
وقوله « :ممن هو دونه » يخرج به الطلب من المساوي واألعلى ،فال يسمى أمراً إذا زيد ٍ
مساو
لعمرو ،قال له :اذهب فاشتر لي ،يسمى أمراً أو التماساً؟
يسمونه التماس ،وإ ن كان بصيغة األمر.
إذا االبن طلب من أبيه أن يشتري له شيئاً ،اشتر لي قلماً ،اشتر لي كراسةً ،اشتر لي كذا ،اشتر لي
كتاباً ،هل هذا يسمى أمراً؟ ال يسمى أمراً ،يسمونه سؤال مثل هذا.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 81 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
الصالَةَ ﴾ [ سورة البقرة ،اآلية ،] 43 :هذا أمر ،لكن يمواْ َّ ِ
إذا قال اهلل -عز وجل -لعباده ﴿ :أَق ُ
رب َنا ا ْغ ِف ْر لَ َنا ﴾ [ سورة آل عمران ،اآلية ﴿ : ] 147 :ا ْغ ِف ْر لَ َنا ﴾:
إذا قال العباد لربهمَّ ﴿ :
صيغة أمر ،لكن هل هذا أمر؟!
هذا دعاء.
على سبيل> الوجوب :يخرج به الندب واإلباحة ،يخرج به الندب واإلباحة على ما سيأتي في األمر
بعد الحظر هل يقتضي اإلباحة أو ال؟ يأتي تفصيله إن شاء اهلل تعالى.
والصيغة الدالة على األمر (افعل) :مثل ﴿ :أ َِقِم َّ
الصالَةَ ﴾ [ سورة اإلسراء ،اآلية ،] 78 :ومثل
هذه الصيغة اسم فعل األمر ،مثل :هاك ،بمعنى خذ ،نعم ،هاك بمعنى خذ.
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :يعني « :أمرنا أن ننزل الناس منازله » ،هل هو مثل قوله -عليه
الصالة والسالم « :-أنزلوا الناس منازلهم » ،وجاء الحديث بهذا وهذا؟
الجمهور على ذلك -على أنه ال فرق -يعني تعبير الصحابي عن صيغة األمر والنهي بلفظهما ال
يختلف عند جماهير أهل العلم ،خالفاً لداود الظاهري وبعض المتكلمين ،قالوا :ال يقتضي األمر
وال يقتضي النهي حتى ينقل لنا اللفظ النبوي؛ لسنا مطالبين بألفاظ الصحابة وفهوم الصحابة -على
نهي.
كالمهم -ألن الصحابي قد يسمع كالماً يظنه أمراً أو نهياً وهو في الحقيقة ليس بأمر وال ٍ
نقول :ال ،هذا القول مرذول؛ ألنه إذا لم يعرف السلف من الصحابة الذين عاصروا النبي -عليه
الصالة والسالم -وفهموا مقاصده ،ومقاصد الشرع ،إذا لم يفهموا مدلوالت األلفاظ النبوية من
يفهمه؟
ب) :حرف تقليل، (ر َّ
ب مبلـّ ٍغ أوعى من سامع » ،لكن ُ
نعم ،في قوله -عليه الصالة والسالمُ « :-ر َّ
وال يتصور أن الصحابي يقول « :أمرنا رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم » -ومراده -عليه
الصالة والسالم -النهي ،أبداً؛ فالصحابة فهمهم مقدم على فهم غيرهم ،فقول داود الظاهري وبعض
المتكلمين في هذه المسألة مرذول ،ال حظَّ له من النظر ،أما إذا قال الصحابي « :أمرنا أو « نهينا
» ،فالخالف في رفعه معروف عند أهل العلم.
ٍ
مسألة شرعية واآلمر غير النبي عليه ُم ْرَنا » :هل يتصور أن يقول الصحابي « :أمرنا » في « أِ
الصالة والسالم؟ ولذا جماهير أهل العلم على أن اآلمر هو النبي -عليه الصالة والسالم -وهو
الناهي في المسائل الشرعية ،فهو مرفوع ،خالفاً ألبي بكر اإلسماعيلي والكرخي وغيرهما الذين
قالوا :هو موقوف.
على كل حال الذي جرنا إلى هذا كله التصريحـ بلفظ األمر.
مثل التصريح بلفظ األمر ،التصريحـ بالفرض « :فرض رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -زكاة
ام ﴾ [ سورة البقرة ،اآلية : ] 183 :معناه الفطر » ،أو بالوجوب أو بالكتبُ ﴿ :ك ِت َب َعلَ ْي ُك ُم ِّ
الص َي ُ
فُرض ،وهذا دال على الوجوب.
وقوله « :واألمر بما يدل عليه من الصيغ » سواء كان بصيغة (افعل) أو اسم فعل األمر ،أو
المضارع المقرون بالم األمر ،أو ما جاء بلفظ األمر وما ألحق به ،عند اإلطالق وعدم التقييد
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 83 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
والتجرد عن القرينة الصارفة التي تصرفه عن الوجوب تحمل عليه -أي على الوجوب -نحو﴿ :
الصالةَ ﴾ [ سورة األنعام ،اآلية .] 72 : يمواْ َّ ِ
أَق ُ
لهذا يقول عامة أهل العلم :األصل في األمر الوجوب ،ومن أوضح األدلة على ذلك قوله تعالى﴿ :
يب ُه ْم ِفتْ َن ٌة ﴾ [ سورة النور ،اآلية ،] 63 :فالوعيد مرتب ِ
ون َع ْن أ َْم ِر ِه أَن تُص َين ُي َخ ِالفُ َ
َف ْل َي ْح َذ ِر الَّ ِذ َ
ين ُي َخ ِالفُ َ
ون على مخالفة األمر ،فدل على أن أمره -عليه الصالة والسالم -للوجوب؛ ﴿ َف ْل َي ْح َذ ِر الَّ ِذ َ
صيبهم ع َذ ِ ِ ِ ِ
يم ﴾ [ سورة النور ،اآلية .] 63 : اب أَل ٌ
يب ُه ْم فتْ َن ٌة أ َْو ُي َ ُ ْ َ ٌَع ْن أ َْم ِر ِه أَن تُص َ
ومن األدلة الدالة على ذلك قوله -عليه الصالة والسالم « :-لوال أن أشق على أمتي ألمرتهم
بالسواك مع كل وضوء » ،أو « عند كل صالة » :وال شك أن أمر االستحباب ثابت وباق إنما
المرتفع لوجود المشقة هو أمر الوجوب ،أما أمر االستحباب فهو ثابت.
قد يقول قائل :نجد األوامر الصريحة وهي محمولة عند جمهور أهل العلم على االستحباب ،وال
نقف على صارف -هذا كثير في كتب أهل العلم -الجمهور حمله على الندب ويقول الظاهرية على
األصل بالوجوب ،فما موقف طالب العلم في مثل هذا؟ هل يقول بقول الظاهرية ولو خالفهم األئمة
األربعة وأتباعهم؟
وقفت على مسألة في ٍ
كتاب من الكتب التي تعنى بذكر الخالف ،أو عندك أمر للنبي -عليه الصالة َ
نهي
والسالم -وفي الشروح حمله الجمهور على الندب ،وقال بالوجوب الظاهرية ،أو وقفت على ٍ
حمله الجمهور على الكراهة ،والتحريم ال يقول به إال الظاهرية ،هذه المسألة تواجه طالب العلم
كثيراً ،فمثالً األئمة األربعة وأتابعهم في جهة ،والظاهرية في جهة؛ الظاهرية معهم األصل ،وهو
أن األصل في األمر الوجوب وفي النهي التحريم ،والجمهور حمل ،..تبحث عن صارف ما تجد،
بناء على األصل ولو لم يقل به إال الظاهرية ،أو تتهم نفسك بالقصور أو
فهل تقول بالوجوب ً
بالتقصير عن البحث عن صارف فتقول بما قال به الجمهور ولو خالفت األصل؟ المسألة كبيرة
واألمثلة عليها كثيرة.
هاه ،أال يواجهكم مثل هذا؟
كثير هذا ،تجد أمراً وإ ال نهياً يقول الظاهرية بالتحريم أو بالوجوب والجمهور على الندب ،بما في
ذلكم األئمة األربعة.
نقول :ال عبرة بقول أحد مع قوله -عليه الصالة والسالم -واألمر للوجوب والنهي للتحريم ،ولو لم
يقل به إال الظاهرية؟ أو نقول بقول الجمهور ونتهم أنفسنا بالتقصير في البحث عن الصارف؟
ٍ
شخص من أهل النظر ،لديه أهلية النظر؟ والمسألة مفترضة في
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 84 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
ها يا إخوان؟
المسألة مبنية على االعتداد بقول الظاهرية ،هل يعتد بقول الظاهرية في مسائل الخالف واالتفاق أو
ال يعتد بهم؟
النووي صرح في مواضع من كتبه أنه ال عبرة بقول الظاهرية ،وال يعتد بقول داود ،يقول في
شرح مسلم في الجزء الرابع عشر( )14صفحة تسعة وعشرين ( " :)29وال يعتد بقول داود ألنه
ال يرى القياس الذي هو أحد أركان االجتهاد".
ومن أهل العلم من يرى أن قول الظاهرية معتبر ومعتد به بل من أولى من يعتد بهم؛ الهتمامهم
بالنصوص ،وال شك أن المسألة إذا كان عمدتها الدليل -الدليل بمنطوقه -ال شك أن الظاهرية من
أولى من يعتد بهم ،لكن إذا كانت عمدة المسألة أقيسة أو مفاهيم فالظاهرية ال عبرة بقولهم وال
بخالفهم؛ ألنهم ال يرون شيئاً من ذلك .على كل حال نعود إلى المسألة ،كانت المسألة مشكلة عندي
جداً أن يكون األئمة األربعة وأتباعهم كلهم في جهة والظاهرية في جهة ،والظاهرية معهم األصل،
نعم أحياناً اإلنسان يتهم نفسه في البحث ،لكن إذا استقصى وال وجد شيئاً ماذا يصنع؟ ما وجد
صارف؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :يتبع الظاهرية.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :لو لم يقل به أحد يتبع األصل وال الظاهرية؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :ال ال ،إذا لم يقل به أحد فهو إجماع.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :أنا أقول :إذا لم يقل به أحد فالمسألة محسومة –إجماع -لكن إذا وجد
من يقول به ممن يخرج عن المذاهب األربعة وأتباعهم ،دعنا من كالم شيخ اإلسالم -إمام معتبر
ومن أهل االستقراء واالطالع هذه مسألة -لكن أهل الظاهر الذين عندهم مخالفة في األصول
لجماهير األمة؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :يأخذ باألحوط ،يعني يعمل بالوجوب في نفسه وال يلزم به الناس ،أو
يقول بالتحريم ويفتي بذلك نفسه ،ويكف نفسه ويمتنع ولم لم ِ
يفت به الناس ،نعم؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 85 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :ال شك أن االحتياط مطلوب ،لكن االحتياط إذا أدى إلى ارتكاب
محظور أو ترك مأمور فاالحتياط في هذا :االحتياط ،وقد يوجد في بعض الصور.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :نتعبد هلل بأيش؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :نعم بما تدين اهلل به أنت ،لكن المسألة مفترضة في شخص من أهل
النظر ،هل يقول :كون األئمة األربعة وأتباعهم على مدى قرون كلهم تواطؤوا ولم يوجد من
يخالفهم إال أهل الظاهر ،هذا قرينة ،وأن هناك صارف ولو لم أطلع عليه ،ويتهم نفسه في ذلك ،أو
علي من أحد ،ال أئمة أربعة وال غيرهم؛ أنا عندي نص ،أعمل بالنص ولو لم ...نعم؟
يقول :أنا ما َّ
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :يتوقف.
طالب....:غير العبادات....
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :وأيش وجه التفريق بين ..الدين واحد؟
طالب :قال بعضهم عند التوافق يكون في غير العبادات ........
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير [ :كاتبوهم][ ،أشهدوا] ،في أبواب اآلداب الجماهير يحملونها على
االستحباب.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :ترى الناس ........صوتك.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :وهذا هو األصل إذا كان من أهل النظر ال يسوغ له أن يقلد.
طالب :يعني يبقى على األصل؟
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :يبقى على األصل نعم.
طالب.......:
ض ْير :نعم ،أنا سألت الشيخ عبد العزيز -رحمة اهلل عليه -عن هذه المسألة َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
فقال" :يعمل بالدليل ولو لم يقل به إال الظاهرية" ،وال زالت المسألة مشكلة عندي؛ ألن لألئمة أقدار
في نفسي.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 86 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :كيف؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :إيه ،أنا أقول :هذه الوقفة أوجدها أيش؟ القصور أو التقصير عن
البحث عن صارف ،قد يكون الصارف في ٍ
كتاب ما وقفت عليه ،مثل ما قالوا :لو وجد حديث
صحيح صريح عمل األئمة بخالفه -أجمع العلماء على ترك العمل به -يقولون ال يعمل به .لماذا؟
لوجود ناسخ لهذا الخبر ولو لم نقف عليه.
ش ِه ُد ْواْ إِ َذا تََب َاي ْعتُ ْم ﴾ [ سورة
وقوله « :إال ما دل الدليل على أن المراد منه> الندب » نحوَ ﴿ :وأَ ْ
وه ْم إِ ْن َعِل ْمتُ ْم ِفي ِه ْم َخ ْي ًرا ﴾ [ سورة النور ،اآلية ] 33 :؛ ألن
البقرة ،اآلية ﴿ ،] 282 :فَ َك ِات ُب ُ
المقام يقتضي عدم الوجوب في مثل هذه المعامالت ،والنبي -عليه الصالة والسالم -باع ولم
فعلم أن األمر للندب.
يشهدُ ،
الصاَل ةُ فَانتَ ِش ُروا ﴾
ض َي ِت َّ
قوله « :أو اإلباحة » كاألمر بعد الحظر ،في مثل قوله تعالى ﴿ :فَِإ َذا قُ ِ
ادواْ ﴾ [ سورة المائدة ،اآلية :] 2 :للمنع من طُ اص َ
[ سورة الجمعة ،اآلية َ ﴿ ،] 10 :وإِ َذا َحلَ ْلتُ ْم فَ ْ
اس َع ْوا إِلَى ِذ ْك ِر ِ البيع بعد النداء يوم الجمعة في قوله تعالى ﴿ :إِ َذا ُنو ِدي ِل َّ ِ ِ
لصاَل ة من َي ْوِم ا ْل ُج ُم َعة فَ ْ
اللَّ ِه َو َذ ُروا ا ْل َب ْي َع ﴾ [ سورة الجمعة ،اآلية .] 9 :
ص ْي ُد ا ْل َبِّر َما ُد ْمتُ ْم ُح ُر ًما ﴾ [ سورة المائدة ،اآلية :
وفي مثل قوله -جل وعالَ ﴿ :-و ُحِّر َم َعلَ ْي ُك ْم َ
،] 96والذي يختاره بعض المحققين أن األمر بعد الحظر يرد الحكم إلى ما كان عليه قبل الحظر،
األمر بعد الحظر يرد الحكم إلى ما كان عليه قبل الحظر.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :هو الذي يختاره بعض المحققين ،واختاره ممن اختاره شيخ اإلسالم
ابن تيمية -رحمه اهلل -ونسبه الطوفي في البلبل إلى األكثرين ،ومال إليه -بل رجحه -الشنقيطي
رحمة اهلل عليه.
طالب.......:
ض ْير :الحظر إنما وجد لعارض ،الحظر وجد لعارض ،فإذا زال هذا َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ص ْي ُد ا ْل َبِّر َما ُد ْمتُ ْم ُح ُر ًما﴾ ،
العارض رجع الحكم إلى ما كان عليه قبل هذا الحظرَ ﴿،و ُحِّر َم َعلَ ْي ُك ْم َ
انتهى اإلحرام ،وحل من إحرامه نقول :حل له الصيد ،لكن إن كان الصيد بالنسبة له حالالً -قبل
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 87 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
ٍ
حينئذ مباح ،إن كان االصطياد والصيد واجباً لضرورته إلى هذا اإلحرام مباحاً -نقول :الصيد
االصطياد صار الصيد في حكمه واجباً؛ إن لم يصد مات ،نقول :يجب عليه أن يصطاد.
إذا كان الصيد في حقه مكروهاً أو محرماً ،يرجع إلى ما كان عليه قبل الحظر ،إذا كان يصطاد هذه
الطيور ال لمأكله وإ نما هواية ،ال يجوز له أن يصطاد ،إذا كانت مجرد هواية ال لمأكله؛ وقد جاء
النهي عن قتل الحيوان إال لمأكله ،هل يقتل حيوان كذا من غير فائدة؟
قوله « :وال يقتضي التكرار -على الصحيح -إال إذا دل الدليل على قصد التكرار » يعني أن
صيغة األمر (افعل) ال تقتضي تكرار الفعل ،صيغة األمر (افعل) ال تقتضي تكرار الفعل ،بل إذا
فعله المكلف مرة واحدة خرج من عهدته وبرئت ذمته وتم امتثاله؛ ألن األصل براءة الذمة مما زاد
ألمر خارج ،وهناك أدلة تدل على التكرار يعمل بالتكرار. على المرة ،يعني لذات األمر ال ٍ
ين آم ُنوا صلُّوا علَ ْي ِه وسلِّموا تَ ِ الن ِب ِّي يا أَي َّ ِ صلُّ َ ِ
يما ﴾
سل ًْ َ َ َ ُ َ ون َعلَى َّ َ َ
ُّها الذ َ َ ﴿ إِ َّن اللَّ َه َو َماَل ئ َكتَ ُه ُي َ
[ سورة األحزاب ،اآلية : ] 56 :يعني من صلى على النبي -عليه الصالة والسالم -في عمره
مرة واحدة نقول :برئت ذمته وامتثل األمر ،أو نقول يكرر كلما ذكر عليه الصالة والسالم؟
للنصوص الواردة في ذلك يكرر ،فإذا دل الدليل على التكرار فهو المتعين.
الصالَةَ ﴾ [ سورة البقرة ،اآلية :
يمواْ َّ ِ ﴿ أ َِقِم َّ
الصالَةَ ﴾ [ سورة اإلسراء ،اآلية ﴿ ،] 78 :أَق ُ
:] 43األمر بالصالة ،إيتاء الزكاة ،دل الدليل على أنها تتكرر متى وجدت األسباب التي ربطت
بها ،بخالف الحج مثالً دل على الدليل على عدم التكرار ،وهكذا.
أما الصيغة لذاتها فإنها ال تقتضي التكرار ،وقال بعضهم :إنها ال تقتضي التكرار وال عدم التكرار؛
هي تقتضي وجوب الفعل والتكرار وعدمه هذا من ٍ
أدلة أخرى.
قوله « :وال تقتضي الفور » أي أن صيغة األمر ال تقتضي الفور -يعني وال التراخي إال بدليل-
صيغة األمر ال تقتضي الفور ،نعم ،إذا ضاق الوقت وخرج الوقت الذي حدد لهذا العمل ،فال بد من
الفور ،ال بد من المبادرة .لو قال األب البنه بعد صالة العشاء مثالً :اشتر خبزاً.
خبز إليش؟ للعشاء أو للفطور؟
قال :للفطور.
اآلن يذهب ليشتري أو الوقت فيه سعة؟
ٍ
اختصاص بالزمن ٍ
حينئذ؛ ألن المقصود إيجاد الفعل من غير الوقت فيه سعة ،فال يقتضي الفور
األول أو الثاني.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 88 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
الش ْم ِ
س ﴾ [ سورة اإلسراء، الصالَةَ ِل ُدلُ ِ
وك َّ المقصود أنه ال ينتهي الوقت المحدد له ،مثل ﴿ :أ َِقِم َّ
اآلية : ] 78 :أي لزوالها ،أقم صالة الظهر لدلوك الشمس –لزوالها -هل يعني هذا أنك تقيم
الصالة بمجرد الزوال ،أو الوقت موسع كما دل عليه الدليل إلى مصير ظل كل ٍ
شيء مثله؟
المراد بالدلوك أيش؟ هاه؟ دلوك الشمس :زوالها ،وقيل له الدلوك لماذا؟ لماذا قيل له الدلوك؟ لماذا
قيل للزوال دلوك؟
قالوا :ألن الناظر إلى الشمس في هذا الوقت تؤلمه عينه فيحتاج إلى دلك لهذا ،هكذا قالوا.
ٍ
خالف المقصود أن الصيغة ال تقتضي الفور إال إذا دل الدليل على ذلك ،مثل( :تعجلوا الحج) على
فيه هل هو واجب على الفور أو على التراخي ،وأقوال أهل العلم في بابه مبسوطة.
وقال بعضهم :إنه يقتضي الفور ،وهذا قول المالكية ،وهو أيضاً قول معتبر عند الحنابلة؛ لألمر
سا ِبقُوا ﴾ [ سورة سِ
ار ُعواْ ﴾ [ سورة آل عمران ،اآلية َ ﴿ ،] 133 : بالمسارعة والمسابقةَ ﴿ :و َ
الخ ْير ِ
ات ﴾ [ سورة المائدة ،اآلية ،] 48 :وال شك أنه أحوط استَِبقُوا َ َ
الحديد ،اآلية ﴿ ،] 21 :فَ ْ
نص قاطع ،قال في قرة العين" :وهو مقتضى قول كل من قال وأبرأ للذمة ،لكن اإللزام يحتاج إلى ٍ
إنه يقتضي التكرار".
يقول الناظم :باب األمر:
وحده استدعاء فعل واجب *** بالقول ممن كان دون الطالب
بصيغة افعل فالوجوب حققا *** حيث القرينة> انتفت وأطلقا
ال مع دليل دلنا شرعاً *** على إباحة في الفعل أو ٍ
ندب فال
بل صرفه عن الوجوب حتما *** بحمله على المراد منهما
ولم يجب فوراً وال تكرارا *** إن لم يرد ما يقتضي التكرارا
نعم سم:
واألمر بإيجاد الفعل أمر به وبما ال يتم الفعل إال به ،كاألمر بالصالة أمر بالطهارة المؤدية إليها،
وإ ذا فُ ِعل يخرج المأمور عن العهدة.
« َّ
الش ْـر ُح » :
نعم « ،األمر بإيجاد الفعل أمر به وبما ال يتم الفعل إال به ،كاألمر بالصالة أمر بالطهارة » أمر
بالسترة أمر بتحصيل الماء ،أمر بقصد المسجد؛ ألداء صالة الجماعة وهكذا.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 89 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
وإ ذا فُعل خرج المأمور عن العهدة :يعني أن األمر بالشيء أمر به على سبيل الغاية ،وأمر بما ال
يتم إال به على سبيل الوسيلة ،فاألمر بالصالة أمر بالطهارة؛ ألنها ال تصح بدونها ،سواء كان
المأمور به واجباً كما ذكر أو مستحباً كغسل الجمعة عند جمهور أهل العلم -األمر به على سبيل
الندب عند الجمهور -وهو أمر ال يتم إال بإحضار الماء وتسخينه أو تبريده ،إذا كان استعماله ال
يتم إال بذلك ،وإ يجاب الجماعة في المسجد إيجاب للذهاب إليها ،وإ يجاب أداء الشهادة إيجاب
للذهاب إلى المحكمة وهكذا ،وهذا بخالف الوجوب ،يعني ما ال يتم الواجب إال به فهو واجب ،لكن
ما ال يتم الوجوب إال به هل هو واجب أو ال؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :لماذا؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :نعم؛ ليس مما كلف به اإلنسان؛ يعني الزكاة ال يتم وجوبها إال
بتحصيل النصاب ،ال يتم وجوبها إال بتحصيل النصاب ،هل نقول :على كل مسلم أن يسعى
لتحصيل النصاب من أجل أن يزكي؟
ال يجب عليه ذلك ،لكن حصل عنده النصاب ووجبت عليه الزكاة ،لكنه ال يجد فقيراً إال بالمسير
إليه ،يذهب إليه؛ ال يتم وجوب إخراج الزكاة الواجبة عليه إال بذلك ،وفرق بين ما ال يتم الواجب إال
به ،وبين ما ال يتم الوجوب إال به.
« وإ ذا فُ ِعل » بالبناء للمجهول أي المأمور به حذف الفاعل للعلم به ،إذا فعله المكلف خرج المأمور
-هذا المكلف -عن عهدة األمر وبرئت ذمته فال يطالب به مرةً أخرى؛ إذا فعل على ٍ
وجه مجزئ
مسقط للطلب صحيح تترتب آثاره عليه فإنه ال يطالب به مرةً أخرى ،وهذا معنى كونه صحيحاً
مسقطاً للطلب.
وال تالزم بين الصحة والقبول؛ قد يصح العمل وال يقبل ،ال تالزم بين الصحة والقبول؛ إذ قد يصح
العمل باستيفاء شروطه وأركانه وال يكون مقبوالً ،كما في قوله تعالى ﴿ :إِ َّن َما َيتَقََّب ُ>ل اللّ ُه ِم َن
ين ﴾ [ سورة المائدة ،اآلية ،] 27 :فالفساق أعمالهم صحيحة وإ ال باطلة؟ أعمال الفساق ا ْل ُمتَّ ِق َ
صحيحة وإ ال باطلة؟
﴿ إِ َّن َما َيتَقََّب ُ>ل اللّ ُه ِم َن ا ْل ُمتَّ ِق َ
ين ﴾ :أعمالهم صحيحة ،بمعنى أنهم ال يطالبون بها مرةً ثانية ،نشوف
مرتكب محرم صلى ،نقول له :ال أعد صالتك؛ ألن اهلل ،..إنما يتقبل
َ شخصاً حليقاً وإ ال مسبالً وإ ال
اهلل من المتقين؟!
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 90 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
نقول :صالتك صحيحة ومجزئة عن الطلب ،ونفي القبول هنا المراد به نفي الثواب المرتب على
هذه العبادة « ،ال يقبل اهلل صالة من في جوفه خمر » ،ال يقبل اهلل ..أو « من أتى عرافاً لم تقبل
صالة أربعين يوماً » :قالوا هذا نفي الثواب المرتب على هذه العبادة ،وليس معنى هذا أنهم
يؤمرون بإعادتها إذا جاءوا بها على الوجه المشروع.
لكن قد يرد نفي القبول ويراد به نفي الصحة « :ال يقبل اهلل صالة من أحدث حتى يتوضأ » ،نقول:
صالته صحيحة ،والثواب المرتب عليها..؟! ال ال ،هنا المراد به نفي الصحة ،لماذا؟ ألن الوضوء
شرط للصالة.
« ال يقبل اهلل صالة حائض ٍ إال بخمار » كذلك؛ السترة بالنسبة للمرأة الالئقة بها شرط لصحة
الصالة ،كما أن سترة الرجل الالئقة به شرط لصحتها.
فإذا جيء بالمأمور مستوفياً الشروط واألركان والواجبات أجزأ وسقط الطلب وترتبت عليه آثاره،
أما إذا اختل شرط أو ركن مع القدرة عليه لم يصح ،بل تجب اإلعادة ولم يسقط به الطلب ،وإ ذا
اختل واجب ففي الصالة مثالً إن كان عمداً لم تصح وإ ن كان سهواً جبر بسجود السهو ،وفي الحج
يجبر بدم سواء كان عمداً أو سهواً ،كن الفرق بين المتعمد وغيره أن المتعمد آثم مع إلزامه بالجابر
وغير المتعمد معذور.
يدخل في خطاب اهلل تعالى المؤمنون ،والساهي والصبي والمجنون غير داخلين في الخطاب،
سلَ َك ُك ْم
والكفار مخاطبون بفروع الشريعة ،وبما ال تصح> إال به وهو اإلسالم؛ لقوله تعالىَ ﴿ :ما َ
ين ﴾ [ سورة المدثر 42 :ـ .] 43 صلِّ َ ِ ِ
سقََر* قَالُوا َل ْم َن ُك م َن ا ْل ُم َ
في َ
« َّ
الش ْـر ُح » :
الذي يدخل في األمر والنهي وما ال يدخل:
يقول المؤلف « :يدخل في خطاب اهلل تعالى المؤمنون ،والساهي والصبي والمجنون » الواو هذه
عاطفة ،أو استئنافية؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 91 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
استئنافية؛ والساهي والصبي والمجنون غير داخلين في الخطاب :هذه الترجمة المراد بها من
يتناوله خطاب التكليف باألمر والنهي ومن ال يتناوله.
قال في قرة العين" :قال ما ال يدخل" ،ترجمة :الذي يدخل في األمر والنهي وما ال يدخل" ،قال :ما
ال يدخل تنبيهاً على أن من لم يدخل في خطاب التكليف ليس في حكم ذوي العقول" ،لماذا؟
فعبر بـ(ما) التي هي في األصل لغير العاقل تشبيهاً لهؤالء بغير
ألن العقل هو مناط التكليفّ ،
العقالء.
لو أخر الناظم هذه الترجمة بعد مبحث النهي ألحسن؛ ألنها متعلقة باألمر والنهي معاً ،فتقديمها
على النهي كما فعل المصنف مفضول.
يدخل في خطاب اهلل تعالى التكليفي المؤمنون المكلفون البالغون ،من ٍ
ذكر وأنثى من األحرار
والعبيد في الجملة ،فيدخل اإلناث في خطاب الذكور بحكم التبع؛ ألن النساء شقائق الرجال ،يقول
اهلل -عز وجل -عن مريم -عليها السالمَ ﴿ :-و َكا َن ْت ِم َن ا ْلقَ ِان ِت َ
ين ﴾ [ سورة التحريم ،اآلية 12 :
] ،فإذا ُعبِّر عنها بجمع الذكور على سبيل االستقالل فدخولها معهم على سبيل التبعية من باب
أولى.
وأما الساهي -وهو الغافل -وفي حكمه الناسي فال يكلف؛ ألن من شرط التكليف فهم الخطاب لما
كلف به ،وهذا ال يتم إال باالنتباه ،وأما الصبي فهو غير مكلف سواء كان مميزاً أو غير مميز ما لم
يبلغ سن التكليف ،وأمره بالعبادات قبل التكليف من باب التمرين على العبادة؛ لحديث « :رفع
القلم عن ثالثة » :وفيهم « :والصبي حتى يبلغ » ،ومثله المجنون للحديث المذكور ،ولما ذكرنا
من أن مناط التكليف هو العقل ،والمجنون ال يعقل.
وأما وجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون فهو ليس من باب التكليف بل هو من باب ربط
األسباب بالمسببات ،وهو حكم وضعي وليس بحكم تكليفي.
ويؤمر الساهي ومثله النائم -بعد ذهاب الوصف المقتضي للعذر -بقضاء ما فات من الصالة
وضمان ما أتلف من األموال؛ لوجود سبب ذلك وهو اإلتالف ودخول الوقت.
المغمى عليه :هل هو في حكم المجنون أو في حكم النائم؟
يعني شخص أدخل العناية المركزة ال يعي ،هل يؤمر بالقضاء إذا أفاق؛ باعتبار أنه في حكم النائم،
أو ال يؤمر بالقضاء باعتبار أنه في حكم المجنون؛ زال عقله؟؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :أيوه ،والحد الفاصل؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 92 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :مطلقاً؟ يعني لو أغمي عليه يوم وليلة نقول :حكم المجنون؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :يعني يعفى عما كان في مقدار النوم؟ أو نقول :ما كان في مقدار النوم
حكمه حكم النوم فيؤمر بالقضاء وما زاد على ذلك حكمه حكم الجنون؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :ارتفع عقله.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :يعني مثل زوال العقل بالسبب ،كشرب الخمر ونحوه ،يعني زوال
العقل بالتسبب ،شخص شرب ما يزيل عقله هذا معاقبةً له يؤمر ،هذا قصدك؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :هو فاقد العقل بال شك ،ولو نبه ال ينتبه بخالف النائم ،فهو بالجنون
أشبه ،لكن يبقى أن هناك قضايا حصلت في عهد الصحابة ،وجعلوا الثالثة األيام هي الحد الفاصل،
إذا كان اإلغماء ثالثة أيام فأقل أمر بالقضاء؛ ألن مثل هذا القضاء ال يشق ،وألحقوه بالنائم ،أما إذا
ٍ
وحينئذ ال يؤمر بالقضاء. زاد اإلغماء عن ثالثة أيام فهو في حكم الجنون
ومن زال عقله بسببه -كشرب الخمر مثالً -فالمسألة خالفية بين أهل العلم ،إذا زال عقله بسببه
-بسبب منه-فكثير من أهل العلم يقولون :هو مطالبَ ،لم يطالب به؟
ألنه هو المتسبب ،وليس لإلنسان أن يسعى إلسقاط التكاليف ،ولذا لو سافر شخص من أجل أن
يفطر في رمضان ،السفر عذر شرعي ،لكن لو سافر من أجل أن يسقط التكليف ما عذر وال جاز
ٍ
حينئذ ال له الفطور ،ال يجوز له اإلفطار في مثل هذه الصورة ،فإذا كان زوال العقل بسببه فإنه
يصرف عنه التكليف ،ويطالب بكل ما ترك ،وتقام عليه الحدود إذا ارتكب ما يقتضي الحد ،إذا زنا
السكران ،قتل السكران ،سرق السكران ،وهكذا.
ومن أهل العلم من يقول :إن عليه إثم الشرب وليس عليه ما يطالب به العقالء؛ ألنه في هذه الحالة
ليس بعاقل والعقل مناط التكليف.
لكن ال شك أن مطالبته بجميع آثار فعله يردعه عن اإلقدام على هذا الفعل ،أما بالنسبة لما يتعلق
بحقوق اآلدميين فهو محل اتفاق مطالب بذلك ،وهذا ليس من باب الحكم التكليفي ،ليس من باب
الحكم التكليفي ،إنما هو من باب ربط األسباب بالمسببات كالصبي والمجنون.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 93 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
إذا أتلف السكران يلزم بما أتلف ،لكن إذا وقع منه ما يوجب الحد فهو محل الخالف ،وفي قصة
ماعز :النبي -عليه الصالة والسالم -قال « :أشربت خمراً؟ استنكهوه ».
على كل حال المسألة خالفية ومعاقبته قال بها جمع من الصحابة -ترتيب جميع اآلثار المترتبة
على سكره -قال به جمع من الصحابة؛ ردعاً له ،ولئال يتخذ ذلك وسيلة إلى إسقاط التكاليف.
المسألة األخيرة نعم.
سلَ َك ُك ْم
والكفار مخاطبون بفروع الشرائع ،وبما ال تصح إال به وهو اإلسالم؛ لقوله تعالىَ ﴿ :ما َ
ين ﴾ [ سورة المدثر 42 :ـ ،] 43واألمر بالشيء نهي عن صلِّ َ ِ ِ
سقََر* قَالُوا َل ْم َن ُك م َن ا ْل ُم َ
في َ
ضده ،والنهي عن الشيء أمر بضده.
« َّ
الش ْـر ُح » :
مسألة مخاطبة الكفار بفروع الشرائع وبما ال تصح إال به -وهو اإلسالم -القول بذلك هو الذي
جرى عليه المصنف وهو قول جمهور أهل العلم ،الكفار مخاطبون بفروع الشريعة وبما ال يتم به
ذلك ،ما ال يتم إال به هو اإلسالم واإليمان؛ ألن اإلسالم واإليمان شرط لصحة هذه األعمال،
فالجمهور على أنهم مخاطبون بالفروع.
سقََر* قَالُوا لَ ْم َن ُك ِم َن ِ
سلَ َك ُك ْم في َ
واألدلة على ذلك كثيرة ،ومن أوضح األدلة قوله تعالىَ ﴿ :ما َ
ين ﴾ :أول ما بدؤوا به فرع من فروع الشريعة ،إضافةً إلى دخولهم في عموم األوامر صلِّ َ
ا ْل ُم َ
اع ُب ُدواْ َر َّب ُك ُم ﴾ [ سورة البقرة ،اآلية .] 21 :
اس ْ ُّها َّ
الن ُ والنواهي ،ال سيما فيما ُي َّ
صدر بـ﴿ َيا أَي َ
هم مطالبون أيضاً بما ال يتم ذلك إال به -كاإلسالم إجماعاً -هذا قول جمهور أهل العلم ،والقول
معنى الثاني :أنهم غير مطالبين بشيء من ذلك -وهو قول الحنفية -ما لم يوجد شرط القبول ،وأي
ً
للمطالبة -بمطالبة الكافر للصالة -إذا كانت ال تصح منه إذا صلى ،وال يؤمر بقضائها إذا أسلم؟
اآلن صالة الكافر فقدت شرطاً من شروط القبول ،وهو نية التقرب ،والنية شرط لصحة العبادة،
ولذا ال نستطيع أن نأمر باألصل مع عدم الوسيلة ،ال نستطيع أن نأمر بالمشروط مع عدم وجود
الشرط ،لكن يرد على قولهم هذا أننا ال نستطيع أن نأمر بالصالة غير المتوضئ،ـ فال نستطيع أن
نأمر شخصاً وهو غير متوضئ أن نقول لهِّ :
صل ،بل ال بد أن نقول له :توضأ قبل ذلك ،ثم نأمره
بالصالة ،وهذا غير وارد.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 94 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
والقول الثالث :أنهم مطالبون بالنواهي دون األوامر؛ ألن كفهم عن ارتكاب المحرمات ال يحتاج
إلى نية ،متوقفة على اإليمان؛ ألنه ترك بخالف أمرهم بالواجبات فال؛ ألنها ال تصح بدون نية،
والمرجح عند عامة أهل العلم القول األول -قول الجمهور-؛ لقوة أدلتهم.
القول الثاني :دليلهم أنها ال تصح في حال كفره وال يطالب بها إذا أسلم ،إذن ما الفائدة من قولهم
بالتكليف؟ نقول :مخاطبتهم بها ،ال يعني أنها تصح بدون اإلسالم؛ لقوله -جل وعالَ ﴿ :-و َما
سوِل ِ>ه ﴾ [ سورة التوبة ،اآلية ،] 54 :بل ِ َّ ِ
َم َن َع ُه ْم أَن تُ ْقَب َل م ْن ُه ْم َنفَقَاتُ ُه ْم إِال أ ََّن ُه ْم َكفَُرواْ ِباللّه َو ِب َر ُ
زيادة في عقوبتهم في اآلخرة ،يعاقبون عليها في اآلخرة ،وكونهم ال يؤمرون بقضائها إذا أسلموا؛
فسلَ َ ترغيباً لهم في اإلسالم ،قال اهلل -جل وعالُ ﴿ :-قل ِللَّ ِذ َ
ين َكفَُرواْ إِن َينتَ ُهواْ ُي َغفَ ْر لَ ُهم َّما قَ ْد َ
﴾ [ سورة األنفال ،اآلية .] 38 :
في قوله -عليه الصالة والسالم « :-ال تشربوا في آنية الذهب والفضة؛ فإنها لهم في الدنيا ولكم
في اآلخرة » ،فهل في هذا ما يدل على إباحتها لهم؟
نكمله غداً إن شاء اهلل تعالى ،واهلل أعلم وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين.
س الدَّرس َّ ِ
الساد ُ ْ ُ
يقول :هذا أكثر من سؤال فيه طلب الفرق بين اإلجماع واالتفاق؟
األصل أن ال فرق ،ويراد بهاتين الكلمتين نفي الخالف ،إذا قيل :ال خالف ،أو اتفق العلماء ،أو
أجمعوا على كذا هذا األصل ،لكن يبقى أن لبعض أهل العلم اصطالحات خاصة ،فإذا قال :أجمعوا
غير قوله :اتفقوا ،صاحب اإلفصاح هو ممن ينقل االتفاق ويريد به اتفاق األئمة األربعة ،وأما إذا
أطلق اإلجماع فمرادهم به إجماع جميع المجتهدين من علماء األمة ،جميع المجتهدين ،هذا قول
عامة أهل العلم.
أبو جعفر بن جرير الطبري يرى أن اإلجماع قول األكثر ،لذا تراه في تفسيره يقول :واختلف
العلماء في كذا ،إما في قراءة آية ،يذكر الخالف ،أو في حكم مستنبط من اآلية يذكر الخالف،
يقول :اختلفوا في كذا ،ثم يذكر قول األكثر ويذكر من خالف ،ثم يقول :والصواب في ذلك عندنا
كذا؛ إلجماع القراءة على ذلك ،أو إلجماع العلماء على ذلك ،وهو بنفسه ساق الخالف.
على كل حال مسائل اإلجماع واالختالف فيها مصنفات ،أما االتفاق فهو أقل عند بعض أهل العلم
مما في اإلجماع ،وهو نفي الخالف؛ األصل فيه أنه مثل نقل اإلجماع ،أو مثل نقل االتفاق ،إال أنه
ٍ
حينئذ أقل من التصريحـ باإلجماع. يبقى أنه مقرون بعلم الناقل ،نفي الخالف حسب علمه ،فيكون
وقد وقع من كبار األئمة شيء من هذا ،اإلمام مالك يقول" :ال أعلم أحداً قال برد اليمين" ،مع أن
قضاة عصره ابن أبي ليلى وابن شبرمة يقولون به.
واإلمام الشافعي -رحمه اهلل -يقول" :ال أعلم أحداً قال بوجوب الزكاة في أقل من ثالثين من
البقر" ،مع أن القول معروف عن عثمان وابن عباس في العشر.
يصرح به أحد إال وهو ال يعرف
المقصود أن مثل هذا مرده إلى علم الناقل ،أما اإلجماع فال يكاد ّ
مخالفاً ،اللهم إال إذا كان ممن يتساهل في نقل اإلجماع ،يتساهل في نقل اإلجماع كالنووي مثالً،
متساهل في نقل اإلجماع؛ ادعى اإلجماع في مسائل كثيرة الخالف فيها معروف ،بل قد يسوق
الخالف بنفسه ،وهذا هو ما جعل الشوكاني يقول" :ونقل هذه اإلجماعات تجعل طالب العلم ال يهاب
اإلجماع".
وعلى كل حال اإلحاطة بقول جميع المجتهدين فيه عسر ،واهلل المستعان.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 96 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
رسالة طويلة جداً تحتاج في قراءتها إلى وقت؛ يمكن أكثر من عشرين سطر..
على كل حال لو صاحبها يتصل ويجاب بالهاتف أو يحضر لإلجابة؛ ألنها تأخذ وقتاً طويالً.
يقول :الكفار مخاطبون- ،..هذا من سيرالنكا -يقول :الكفار مخاطبون بفروع الشرع ،على
هذه القاعدة هل يمكن للمسلم فتح المطاعم نهاراً في رمضان في بالد الكفار؟
إذا قلنا :إنهم مخاطبون وآثمون بأكلهم في نهار رمضان ،فتقديم وتيسير الطعام لهم تعاوناً معهم
على اإلثم والعدوان ،فال يجوز تقديم الطعام لهم.
وهل يمكن للمسلم إطعام الخادمات الكافرات نهاراً؟
أوالً :إدخال الكافرات في بيوت المسلمين خطر محض ،وهذه المسألة مفترضة في غير هذه البالد
التي أمر النبي -عليه الصالة والسالم -بإخراج الكفار منها ،وأنها ال يجتمع فيها دينان ،فإدخال
الكفار في بيوت المسلمين ضرر محض ،وإ طالعهم على عورات المسلمين أشد ضرراً ،وعلى كل
يتقي اهلل -عز وجل -في مثل هذه األمور ،واهلل المستعان.
حال على المسلم أن َ
وهذا أمر ابتلي به الناس ،رغم كثرة المشاكل والمصائب من الخدم والسائقين؛ تاهوا بعض الناس،
ووقوع الكوارث ،والناس يسمعون ويصدقون ما يقع ال ينكرون ،لكن إذا خوطب الشخص في مثل
هذا التساهل يأبى إال أن يكون هو العبرة بدالً من أن يعتبر بغيره ،واهلل المستعان.
هم بعض الشباب الكالم في العلماء والتجريح وتتبع> عثراتهم ،حتى أنهم يطلقون
يقول :صار ّ
على البعض أنه كذا أو كذا؟
المقصود أن على المسلم أن يحرص على عمله ،وأهم ما على اإلنسان نفسه ،وما يخلصها
وينجيها ،ويترك الكالم في اآلخرين؛ فأعراض المسلمين حفرة من حفر النار ،وهذا مالحظ ،بعض
الناس إذا اختلفت معه في وجهة نظر انقلبت جميع الحسنات سيئات ،وال يقبل منك صرفاً وال
عدالً.
يا أخي هذه وجهة نظر ،يمكن هو المصيب وأنت المخطئ ،ويبقى أن اإلسالم -وهلل الحمد -فيه
شيء من السعة وفيه مجال لالجتهاد ،إال ما وردت فيه النصوص ،واإلنسان مأجور على اجتهاده
ولو أخطأ وهلل الحمد ،وهذا من سعة رحمة اهلل عز وجل.
فالمسلم عليه أن يحرص على المحافظة على أعماله الصالحة التي سعى في جمعها ،وال يكون
ٍ
رواية « :كالجبال ،صالة وصيام وصدقة وبر وأمر بمعروف مفلساً ،فالمفلس من يأتي بأعمال في
ونهي عن المنكر ،ثم يوزعها -يعطي فالن وفالن وفالن وعالن -فيأخذ هذا من حسناته وهذا
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 97 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
من حسناته ،فإذا انتهت الحسنات يضاف إليه من سيئاتهم » ،نسأل اهلل السالمة ،والحديث في
الصحيح ،واهلل المستعان.
على كل حال أعراض المسلمين -كما قرر أهل العلم -حفرة من حفر النار ،فليتق اهلل -سبحانه
وتعالى -طالب العلم على وجه الخصوص ،وال يجعل نفسه حكماً على العباد.
والجرح والتعديل بالنسبة للرواة على خالف األصل؛ ألن األصل المنع ،لكن العلماء أجازوه -بل
أوجبوه -للضرورةـ الداعية إليه ،فلوال الجرح والتعديل لم يعرف الصحيح من الضعيف ،لكن ما
الداعي إلى أن يقال :فالن وفالن وفالن؟
ال مانع أن ينبه اإلنسان على الخطأ ،وأن يقال :فعله كذا خطأ ،منهج شيخ اإلسالم -رحمه اهلل-
التشديد على البدع وأهلها ،والرد على المبتدعة بقوة ،وتفنيد أقوالهم ،لكن إذا جاء لألشخاص وهم
متلبسون بهذه البدع التمس لكثير منهم األعذار.
فرق بين أن تتكلم عن الفكرة وأنها مخالفة للشرع بدليل كذا وكذا ،إذا كان في أدلة ،أما إذا كانت
فتبين رأيك وال تفرضه على أحد ،واهلل المستعان.
وجهات نظر ّ
يقول :هل يصح> تنبيه> الساهي حال ارتكابه يعني محظوراً ،فمثالً إذا كان صائماً في رمضان
وجده شخص يأكل أو يشرب؟
نعم ،يلزمه أن ينبهه؛ ألن هذا من التعاون على البر والتقوى ،ومثله إذا وجد شخصاً يعبث بلحيته،
أو يفعل شيئاً محرماً وهو ساهي ينبهه.
يقول :ال شك في فضل طلب العلم وأهله ،ولكن ما رأيكم بمن يقوم للدرس بعد الصالة قبل
األذكار؟
بعض من يتصدر لتعليم الناس يفعل هذا فيقوم بعد الصالة مباشرةً؛ لكي يضمن بقاء الناس في
أماكنهم ويعرفون أنه في درس ،وهذا في الغالب يكون في الكلمات القصيرة التي تقال بعد
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 98 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
الصلوات؛ لئال ينصرف الناس ،وهذه وجهة نظر ،هذا خير وهذا خير ،لكن الدروس الثابتة
المعروفة التي جاء الناس من أجلها ،العبادات المرتبة بوقت والتي يفوت وقتها مقدمة على األمور
المطلقة ،فال بد من اإلتيان بجميع األذكار المتعلقة بالصالة ثم البدء بالدرس.
هذا يقول :خاص ال يفتحه غيركم :رجل عنده قوة وشجاعة وذكاء ،وعنده أيضاً إقبال في طلب
العلم وفقه في المسائل فهل األفضل في حقه الجهاد أو طلب العلم؟
يتعين فطلب العلم أمر مهم ،إذ
تعين ال يعدله شيء ،أما إذا لم ّ
على كل حال ،الكل خير ،والجهاد إذا ّ
به يعرف كيف يؤدي العبادة المسقطة للطلب ،الموصلة إلى مرضات اهلل -عز وجل .-وأجوبة
ٍ
شخص ٍ
سؤال واحد -هو أفضل األعمال -جاءت متفاوتة من النبي -عليه الصالة والسالم -عن
إلى آخر ،فيسأل -عليه الصالة والسالم -عن أفضل األعمال ،فيجيب بجواب ،ويسأله آخر يجيبه
ٍ
بجواب آخر ،يسأله ثالث وهكذا؛ وسبب ذلك اختالف أحوال السائلين ،فإذا كان الشخص لديه قوة
وشجاعة وإ قدام ،وفي النواحي األخرى فيه ضعف ،في إدراكه وفهمه وحفظه أقل نقول :الجهاد،
وإ ذا كان العكس :شخص عنده قوة في الحفظ وفي الفهم ولديه استعداد لتحمل العلم وفي بدنه شيء
من الضعف نقول :عليك بطلب العلم؛ هذا أفضل األعمال ،إذا كان ال هذا وال ذاك نوجهه إلى النفع
تقدر بقدرها ،فأما الجهاد إذا
اآلخر الخاص أو العام المتعدي أو الالزم ،وعلى كل حال األمور ّ
ٍ
حينئذ ال يعدل عنه إلى غيره، تعين ،بأن دهم العدو البلد ،أو استنفره اإلمام أو حضر الصف ،فإنه
ّ
واهلل المستعان.
والمطلق :إذا عرفنا الفرق بين العموم واإلطالق والتقييد والتخصيص انحل لنا كثير من
اإلشكاالت ،فالتخصيص :تقليل ألفراد العام والتقييد :تقليل ألوصاف المطلق ،وهذا سيأتي كله -إن
شاء اهلل تعالى -بأمثلته وصوره.
شخص سرق من أموال الناس قبل بلوغه ،فهل يردها بعد بلوغه؟
نعم ،يلزمه ردها؛ ألن هذا ليس من باب التكليف نقول هو ما كلف ،هو من باب ربط األسباب
بالمسببات ،وجنايات الصبي والمجنون مضنونة.
ذكرتم أن الشرط ما يلزم من عدمه العدم ،وال يلزم من وجوده وجود وال عدم ...تعريف الركن؟
الركن مثل ما سمعنا من كالم الشيخ -حفظه اهلل -أنه جانب الشيء األقوى ،والفرق بين الشرط
والركن أن الشرط خارج الماهية ،بينما الركن داخل الماهية ،ونوضح ذلك بالمثال :تكبيرة اإلحرام
عند الجمهور ركن وعند الحنفية شرط ،الفرق بين القولين تصح بدون تكبيرة اإلحرام عند
الجمهور؟ ال؛ ألنها ركن ،تصح بدون تكبيرة اإلحرام عند الحنفية؟ ال؛ ألنها شرط ،تسقط مع
السهو؟ ال تسقط ،ال عند هؤالء وال عند هؤالء ،تسقط بالنسيان ال؛ ألن النسيان ال ينزل المعدوم
منزلة الموجود كما هو مقرر عند أهل العلم ،بينما العكس صحيح ،ينزل الموجود منزلة المعدوم،
إذن ما الفرق بين قول الحنفية وقول الجمهور؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :خارج الماهية ،أيش يترتب على هذا؟ هل معنى هذا أنك تكبر
اإلحرام في بيتك وتجي تصلي مع الناس مثل ما تتوضأ في بيتك؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :نعم ،طيب وأيش الفرق؟
طالب :خالف لفظي؟
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :خالف لفظي ما فيه فائدة ،نعم؟
أيش رأيك في من كبر وهو حامل نجاسة؟ نفترض أن هذه متنجسة ،وقال :اهلل أكبر ،ووضعها مع
نهاية التكبير ،صالته صحيحة وإ ال باطلة؟
طالب......:
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 100 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :صحيحة عند الحنفية لماذا؟ ألنه حمل النجاسة خارج الصالة ،بينما
عند الجمهور صالته باطلة؛ ألن حمله النجاسة داخل الصالة ،والمسائل المرتبة على هذا كثيرة،
والوقت ما يسمح ببسط أكثر من هذا.
اللهم صل على محمد.
سم
بسم اهلل الرحمن الرحيم ،الحمد هلل رب العالمين ،وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد وعلى آله
وصحبه أجمعين ،أما بعد :فقد قال إمام الحرمين -رحمه اهلل:-
والنهي استدعاء الترك بالقول ممن هو دونه على سبيل الوجوب ،ويدل على فساد المنهي عنه،
وترد صيغة األمر والمراد به اإلباحة أو التهديد أو التسوية أو التكوين.
عم شيئين فصاعداً من غير حصر ،وألفاظه أربعة :االسم المعرف باأللف
وأما العام :فهو ما ّ
والالم ،واسم الجمع المعرف بالالم ،واألسماء المبهمة كـ(من) فيمن يعقل ،و(ما) فيما ال يعقل،
و(أي) في الجميع ،و(أين) في المكان ،و(متى) في الزمان ،و(ما) في االستفهام والجزاء
ّ
وغيره ،و(ال) في النكرات ،والعموم من صفات النطق ،وال يجوز دعوى العموم في غيره من
الفعل وما يجري مجراه.
« َّ
الش ْـر ُح » :
الحمد هلل رب العالمين ،وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين ،يقول -رحمه اهلل تعالى:-
« واألمر بالشيء نهي عن ضده ،والنهي عن الشيء أمر بضده » اختلف العلماء في هذه المسألة
-في األمر بالشيء -هل هو عين النهي عن ضده؟ بعد اتفاقهم أن صيغة النهي شيء ،وصيغة
األمر شيء مختلف تماماً عنه ،فـ(قم) غير (ال تقعد) تماماً؛ فهذا شيء وهذا شيء ،لكن هل هو عين
النهي عن ضده ،هل إذا قيل لك( :قم) هل هو عين النهي عن القعود أو هو غيره؟ أو هو من
مقتضياته ومستلزماته؟
المسألة خالفية ،فاألمر بالحركة هل هو عين الكف عن ضده -وهو السكون -أو ال؟ األمر بالثبات
آم ُنواْ إِ َذا لَ ِقيتُ ْم ِف َئ ًة فَاثُْبتُواْ ﴾ [ سورة األنفال ،اآلية ،] 45 :هل ُّها الَّ ِذ َ
ين َ في قوله تعالىَ ﴿ :يا أَي َ
هو عين النهي عن الفرار؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 101 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
يعني لو لم يرد النهي عن الفرار ،وأنه من الموبقات ،نستفيد النهي من الفرار في هذا اللفظ أو من
لفظ اآلية ،أو هو مما يستلزمه امتثال األمر في اآلية؟
والصواب أن األمر بالشيء ليس هو عين النهي عن ضده ،ولكنه يستلزمه؛ ألن طلب الشيء طلب
له بعينه وطلب لما ال يتم إال به ،فال يتم الثبات المأمور به إال بعدم الفرار وهكذا ،وهذا الذي قرره
شيخ اإلسالم وابن القيم ورجحه الشنقيطي -رحمه اهلل.-
« والنهي عن الشيء » -عكس هذه المسألة -قرر المصنف بأنه أمر بضده ،قال « :والنهي عن
الشيء أمر بضده » وهذا إذا لم يكن له إال ضد واحد ،وهو نظير ما تقدم في األمر بالشيء في
المسألة السابقة.
نقول :إنه من مقتضياته مستلزماته ،إذا لم يكن له إال ضد واحد ،وإ ذا كان له أضداد متعددة فالنهي
ٍ
بواحد من أضداده؟ عنه أمر لجميع أضداده أو
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :نعم ،هو أمر بأحد أضداده؛ النهي عن القيام ،إذا قيل :ال تقم ،هل
معنى هذا أنك ال بد أن تقعد؟ أو يسوغ لك أن تضطجع؟ إذا قيل لك :ال تقم ،يحصل االمتثال بأحد
األضداد ،كذا وإ ال ال؟
نهيت عنه ،فأنت مأمور بأحد أضداده الذي يتم به االمتثال « ،إذا دخل
المقصود أنك ال تفعل ما َ
أحدكم فال يجلس » « ،إذا دخل أحدكم المسجد فال يجلس حتى يصلي ركعتين » :الجلوس له ضد
واحد أو أضداد؟ يعني إن استمر قائماً يدخل في النهي وإ ال ما يدخل؟ إذا اضطجع؟ إذا دخل المسجد
يضطجع ،الرسول يقول" :ال تجلس" ،أنا ما جلست؟ نعم ،يدخل؟!
نعم ،إذا دخل المسجد واضطجع عند الظاهرية معروف رأيهم أنه أيش؟ له أن يضطجع؛ ألنه منهي
عن الجلوس ما نهي عن االضطجاع؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :نعم ،نقول :االضطجاع جلوس وزيادة ،بل هو من باب أولى ،يقال:
مقياس األولى ،أو نقول :مفهوم الموافقة؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :جلوس وزيادة ،فهو من باب قياس األولى ،هذا الذي عليه األكثر،
لكن عرفنا رأي الظاهرية أنه منهي عن الجلوس وما عداه له ذلك.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 102 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
والمسألة -مسألة فعل ذوات األسباب-ومعارضتها تحتمل درس كامل يا إخوان ،ال تحسبون أنه
من السهولة بمكان بحيث يجاب عنها بدقيقة أو دقيقتين أو خمس دقائق؟ ال.
تحتاج إلى بسط؛ ألنها مشكلة عند كثير من أهل العلم بل هي من عضل المسائل ،وكثير ممن
ينتسب إلى العلم من طالبه يتساهلون في هذا ،خاص وعام ،والخاص مقدم على العام ،حتى نجد
من يدخل قبيل الغروب بدقيقة أو دقيقتين فيصلي ،يعني األمر عنده من السهولة بحيث صار خاصاً
وعاماً وانتهى اإلشكال ،واهلل المستعان.
ففي قوله -عليه الصالة والسالم «:-إذا دخل أحدكم المسجد فال يجلس حتى يصلي ركعتين » :
هذا نهي عن الجلوس إلى الغاية المذكورة وهي الصالة ،فهل المراد به استمرار القيام أو يكفي
االضطجاع ،كما يقول الظاهرية؟ لكن المراد شغل البقعة بالصالة؟ ولذا تحصل الصالة بأي صالة
إذا كانت بالعدد المذكور ،يعني لو جاء شخص بعد صالة العشاء وقال :الرسول -عليه الصالة
والسالم -يقول « :إذا دخل أحدكم المسجد فال يجلس حتى يصلي ركعتين » ،أنا أصلي ركعة
واحدة وتراً ،أو ثالث ركعات ،يتم االمتثال وإ ال ما يتم؟ يتم وإ ال ما يتم؟ بركعة واحدة يتم؟
والرسول يقول :حتى يصلي ركعتين؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :كيف يتم؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :حتى يصلي ،..أما إذا صلى ثالثاً ما في إشكال ،ركعتين وزيادة،
حصل المقصود وزيادة.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :أي صالة؟
إذا كان ممن يرى أن سجود التالوة صالة ،فقرأ آية سجدة وسجد وقال :خالص أنا أجلس ،سجود
التالوة صالة -كما هو مقرر عند الحنابلة وجمع من أهل العلم -نقول :هذا صلى فيتم به االمتثال؟
نقول :أقل ما يتم به االمتثال هو الركعتان ،وهذه المسألة كسابقتها؛ فالنهي عن الشيء مختلف عن
األمر بضده؛ ألن النهي عن الشيء طلب لتركه بالذات ولفعل ما هو من ضرورات الترك باللزوم.
ثم عرف المؤلف -رحمه اهلل تعالى -النهي بأنه « استدعاء الترك بالقول ممن هو دونه على
سبيل الوجوب ،ويدل على فساد المنهي عنه » النهي يقابل األمر مقابلة تامة ،فإذا كان األمر
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 103 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
استدعاء الفعل بالقول ممن هو دونه على سبيل الوجوب ،فالنهي استدعاء الترك بالقول ممن هو
دونه على سبيل الوجوب.
وعرفنا أن األمر ال يتم بالكتابة ،وال باإلشارة المفهمة وال بالقرائن على ما تقدم ،وفصلنا القول في
ٍ
وحينئذ ال يحصل النهي بغير القول كما قدمنا ذلك في وقته تفصيالً مناسباً للوقت واختصار الكتاب،
في األمر ،فال يحصل بالكتابة واإلشارة والقرائن المفهمة وال بغير ذلك على ما تقدم بسطه.
إذا قال االبن ألبيه :أريد أن ألعب؟ فقال األب ،.... :إيش معنى هذا؟ يعني ال تلعب.
يأثم إذا خالف؟ ال يدخل في النهي؛ ألنه إشارة المقتضى الكالم لكن الكتابة واإلشارة المفهمة،..
المسألة متصورة فيمن يفهم ويعقل ،ال شك أنها كالقول.
ممن هو دونه :فال يكون النهي لمن هو فوقه أو ٍ
مساو له كما تقدم تقريره في األمر ،إذا قال العبد
لربه -عز وجل :-اللهم ال تعذبني ﴿ ،ر َّب َنا الَ تُ َؤ ِ
اخ ْذ َنا ﴾ [ سورة البقرة ،اآلية ،] 286 :هذا نهي َ
طلب ممن هو فوقه ،ونهي المساوي يسمى التماس. وإ ال دعاء؟ دعاء؛ ألنه ممنٌ ،..
« على سبيل> الوجوب » أي على سبيل وجوب الترك على وزان ما تقدم في األمر إذا لم يوجد
صارف يصرف النهي عن التحريم إلى الكراهة.
ٍ
مقتض للفور والتكرار" ،هناك في األمر قلنا :ال يقتضي الفورية قال في قرة العين" :النهي المطلق
ٍ
مقتض للفور والتكرار ،فيجب االنتهاء في الحال، وال التكرار ،وهنا يقول" :النهي المطلق
واستمرار الكف في جميع األزمان؛ ألن الترك المطلق إنما يصدق بذلك".
إذا قال ،..في قوله -عز وجلَ ﴿ :-والَ تَ ْق َر ُبواْ ِّ
الز َنى ﴾ [ سورة اإلسراء ،اآلية .] 32 :نهي،
شخص يقول :هو يريد أن يمارس هذه الجريمة مع نهي اهلل -عز وجل -وقبل أن يموت يتوب؟
يكف؟
نقول :ال؛ النهي للفور؛ « ما نهيتكم عنه فاجتنبوه> » ،ما في مثنوية ،األمر أخف « ،إذا أمرتكم
ٍ
شيء فاجتنبوه> »؛ مادة محسومة. بشيء فأتوا منه> ما استطعتم » ،أما « إذا نهيتكم عن
ولذا يقرر أهل العلم أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ،والحظر مقدم على اإلباحة كما هو
معروف.
ٍ
مقتض للفور والتكرار فيجب االنتهاء في الحال ،واستمرار الكف في جميع يقول « :النهي المطلق
األزمان؛ ألن الترك المطلق إنما يصدق بذلك » الذي يزاول في وقت السعة ويقول :إذا ضاق
الوقت تركت ،من له ببلوغ ذلك الوقت؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 104 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
إذا قال هو :من تاب تاب اهلل عليه ،والعبرة بالخواتيم ،وأنا اآلن ما زلت في طور الشباب ،من
أجلته لنفسك؟ من يؤمنك؟ وقد تبلغ األجل ،تؤمل أن
يؤمنك حتى تبلغ الحد الذي حددته واألجل الذي ّ
تعيش مائة فتعيش مائة ،لكن من يضمن لك أن توفق للتوبة؟!
ولذا كثير من الناس يعتمد على نصوص الوعد ،وعلى بعض النصوص مع أنه يعمى عن غيرها،
« من توضأ نحو وضوئي هذا وقال بعد ذلك :أشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له ،وأشهد أن
محمداً عبده ورسوله دخل من أي أبواب الجنة الثمانية ،وفتحت له أبواب الجنة » ،وفي الحديث:
« وال تغتروا » :يعني يقول :ما دام األبواب تفتح سهل لمن يقول هذا الكالم اليسير ،ويفعل ما
يشاء من المنكرات ،من يضمن لك أن توفق في مثل هذا؟؟
« من ضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه ضمنت له الجنة » :قد يقول اإلنسان :أنا لن أتكلم
إال بخير ،وأضمن ما بين رجلي وما عدا ذلك من المعاصي الجنة مضمونة.
نقول ال؛ لن توفق لضمان ما بين لحييك وما بين رجليك وأنت لم تأتمر بأوامر اهلل وتعظم شعائر
اهلل ،وتأتي بجميع ما أمرك اهلل به ،وتندم على ما فرط منك من مخالفات.
قوله « :ويدل على فساد المنهي عنه » المنهي عنه ،النهي -كما عرفنا -هو طلب الكف عن
الفعل ،وطلب الكف يقتضي أمرين ،األمر األول :تحريم المنهي عنه؛ ألنه األصل ،النهي إذا تجرد
سو ُل فَ ُخ ُذوهُ َو َما َن َها ُك ْم
الر ُ
عن القرائن الصارفة فهو للتحريم ،يقول اهلل -جل وعالَ ﴿ :-و َما آتَا ُك ُم َّ
َع ْن ُه فَانتَ ُهوا ﴾ [ سورة الحشر ،اآلية ،] 7 :يقول اإلمام الشافعي -رحمة اهلل عليه" :-أصل النهي
من رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -أن كل ما نهى عنه فهو محرم ،وهذا األصل مقرر عند أهل
العلم ،حتى تأتي عنه داللة تدل على أنه إنما نهي عنه لمعنى غير التحريم.
وهذا معنى قوله :األمر في النهي أو "األصل في النهي التحريم إال إذا وجد ما يصرفه إلى
الكراهة" ،هذا ما يقتضيه النهي.
والثاني من مقتضيات النهي ما دل عليه قول المؤلف « :ويدل على فساد المنهي عنه » وهذا
أطلقه المؤلف هكذا بهذه الصيغة « :يدل على فساد المنهي عنه ».
النهي عن الشيء إما أن ينهى عنه لذاته ،فيدخل في قوله -عليه الصالة والسالم « :-من عمل
عمالً ليس عليه أمرنا فهو رد » ،أو ينهى عنه ٍ
ألمر خارج عنه ال لذاته ،وهذا الخارج إما أن
يكون من شروطه ومستلزماته ومقتضياته ،أو جزء ال ينفك عنه ،فهذا أيضاً كالنهي عن الشيء
لذاته ،داخل في كالم المؤلف ،أما إذا عاد النهي إلى ٍ
أمر خارج ،ليس من مقتضيات هذا العمل فإنه
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 105 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
ال يدل على فساد المنهي عنه ،ولذا يقول بعضهم :إذا عاد النهي إلى ذات المنهي عنه أو إلى شرطه
فإنه يبطل إضافةً إلى التحريم ،فمن سجد لغير اهلل سجوده باطل؛ ألن السجود ذاته منهي عنه ،من
استتر بسترة حرير نقول :عاد النهي إلى الشرط فيبطل ،من صلى وعليه عمامة حرير أو خاتم
ذهب؟ نقول :صالته صحيحة وإ ال باطلة؟
طالب.......:
ض ْير :صالته صحيحة وعليه إثم ما ارتكب من المحظور ،وإ ن كان َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
آن واحد. ٍ
حينئذ يجتمع عندهم المأمور والمحظور في ٍ الظاهرية يبطلون مثل هذه الصورة؛ـ ألنه
نهي يقتضي الفساد سواء رجع إلى ذات العبادة أو العقد أو إلى
مفهوم كالم المصنف أن كل ٍ
شرطهما أو ركنهما أو ٍ
أمر خارج عن ذلك ،ويستوي في ذلك من صلى صالةً غير مشروعة ،أو
مغصوبة أو توضأ ٍ
بماء مغصوب أو ٍ على هيئة غير مشروعة ومن صلى صالة مشروعة في ٍ
بقعة
ستر عورته بحرير أو صلى بعمامة حرير أو خاتم ذهب أو غير ذلك ،وهذا مقتضى مذهب أهل
الظاهر.
أما مع اتحاد الجهة بين األمر والنهي فال إشكال في فساد النهي؛ الستحالة الجمع بين النقيضين -أن
يكون العمل مأموراً به منهياً عنه لذاته في ٍ
آن واحد -وأما مع انفكاك الجهة فال يمتنع ذلك؛
فاإلنسان مأمور بالصالة ،منهي عن ارتكاب المحرم كالغصب ولبس العمامة أو خاتم من حرير
ونحو ذلك ،فإن الخاتم والعمامة غير مأمور بهما بخالف السترة وغيرها مما يشترط في الصالة
ويؤمر به من أجلها.
ظاهر؟ واضح وإ ال ما هو بواضح؟
صيغة النهي:
المضارع المقترن بـ(ال) الناهية( ،ال تفعل) ،ومثلها التصريح بالتحريم ﴿ ُحِّر َم ْت َعلَ ْي ُك ُم ا ْل َم ْيتَ ُة
ير ﴾ [ سورة المائدة ،اآلية ،] 3 :يقابله نفي الحل أيضاً ﴿ ،الَ َي ِح ُّل لَ ُك ْم أَن تَ ِرثُواْ َّم َولَ ْح ُم ا ْل ِخ ْن ِز ِ
َوا ْلد ُ
ساء ﴾ [ سورة النساء ،اآلية ،] 19 :أو لفظ النهي كقول أبي سعيد « :نهي رسول اهلل -صلى ِّ
الن َ
اهلل عليه وسلم -عن صوم يوم الفطر ويوم النحر » ،وقول الصحابي « :نهينا » ،إذا قال
الصحابي « :نهانا رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم » -أو قال « :نهينا عن كذا؟ » يدخل ،لكن
يختلف بين « :نهانا رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم » -و« نهينا » ،أن « نهانا » مرفوع
اتفاقاً وفي « نهينا » خالف ذكرناه في "أُمرنا".
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 106 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
وإ ذا صرح الصحابي بالنهي دل على التحريم كصيغة (ال تفعل) عند جمهور أهل العلم ،وهذا
"أمرنا رسول اهلل -صلى اهلل عليه
خالف لداود الظاهري وبعض المتكلمين ،نظير قولهم فيَ :
ٌ
وسلم"-؛ ألن الصحابي قد يسمع كالماً فيظنه نهياً وهو في الحقيقة ليس بنهي ،وعرفنا ما في هذا
القول من ضعف.
« ترد صيغة األمر والمراد به اإلباحة أو التهديد أو التسوية أو التكوين » صيغة األمر (افعل)،
األصل فيها الوجوب كما تقدم ،إال إذا دل الدليل على صرفه إلى االستحباب ،وهذا أيضاً تقدم ،وقد
تأتي صيغة (افعل) والمراد اإلباحة ،وهذا أيضاً تقدم تفصيله في األمر بعد الحظرُ ﴿ ،كلُوا ِم َن
الطَّ ِّيب ِ
ات ﴾ [ سورة المؤمنون ،اآلية ،] 51 :مأمور باألكل من الطيباتُ ﴿ ،كلُوا ﴾ :هذا األمر َ
أمر وجوب وإ ال ندب وإ ال إباحة؟ أو تتأتى به جميع األحكام؟
نعم ،مع خشية الهالك يجب األكل ،مع الحاجة إلى الطعام من دون هالك يندب األكل لالستعانة به
على طاعة اهلل ،مع عدم الحاجة إليه يكره األكل ،وما عدا ذلك فاألكل األصل فيه اإلباحة ،اللهم إال
الط ِّيب ِ ِ
ات ﴾ مفهومه ال تأكلوا من الخبائث، إذا قلنا :إن متعلق ﴿ ُكلُوا ﴾ هو الجار والمجرور ﴿ م َن َّ َ
فاألكل من الطيبات على سبيل الوجوب في مقابلة األكل من الخبائث ،وهذا سبقت اإلشارة إليه
ات ويحِّرم علَ ْي ِهم ا ْل َخب ِ
ِ ِ
آئ َث ﴾ [ سورة األعراف، بإيجاز في مقابلة الحل التحريمُ ﴿ ،يح ُّل لَ ُه ُم الطَّ ِّي َب َ ُ َ ُ َ ُ َ
اع َملُوا َما ِش ْئتُ ْم ﴾ [ سورة فصلت ،اآلية اآلية ،] 157 :تأتي أيضاً للتهديد كما في قوله تعالىْ ﴿ :
ير ُك ْم إِلَى َّ
الن ِ ِ ِ
ار ﴾ [ سورة إبراهيم ،اآلية ،] 30 :وتأتي أيضاً ُ ﴿ ،] 40 :ق ْل تَ َمتَّ ُعواْ فَإ َّن َمص َ
للتسوية:
ص ِب ُروا> َ
س َواء َعلَ ْي ُك ْم ﴾ [ سورة الطور ،اآلية ،] 16 :وتأتي أيضاً للتكوين: اص ِب ُروا أ َْو اَل تَ ْ
﴿ فَ ْ
ون ﴾ [ سورة البقرة ،اآلية .] 117 :
وهو اإليجاد عن العدم بسرعة كما في قوله تعالىُ ﴿ :كن فَ َي ُك ُ
يقول -رحمه اهلل تعالى:-
عم شيئين فصاعداً :من قولهم :عممت زيداً وعمراً بالعطاء ،وعممت جميع
« وأما العام فهو ما َّ
الناس».
عمهم الخير ،إذا شملهم العام :لغةً شمول ٍ
أمر لمتعدد سواء كان األمر لفظاً أو غيره ،ومنه قولهمّ :
وأحاط بهم.
عرفه بأنه ما عم شيئين فصاعداً ،وينبغي أن يزاد في الحد (من غير حصر)؛ ألن العدد
والمؤلف ّ
حيز مقابل العام وهو الخاص ،وهذا أمر ال بد منه في الحد؛ إلخراج اسم العدد
المحصور داخل في ّ
كمائة مثالً أو ألف؛ ألنها وإ ن شملت أكثر من اثنين لكنها مع حصر والعام بال حصر.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 107 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
أل حرف تعريف أو الالم فقط *** فنمط عرفته قل فيه النمط
ٍ
خالف فالخالف بين أهل العلم أن حرف التعريف هو الالم فقط أو (أل) -الهمزة مع الالم -محل
بين أهل العلم.
االسم الواحد المعرف بالالم :المراد بـ(أل) هنا ،االستغراقية ،كما في قولك ﴿ :ا ْل َح ْم ُد للّ ِه َر ِّب
ين ﴾ [ سورة الفاتحة ،اآلية ] 2 :؛ (أل) هنا لالستغراق؛ جميع أنواع المحامد هلل عز وجل، ا ْل َعالَ ِم َ
﴿ إِ َّن اإْلِ نس َ ِ
ان ﴾ ( :أل) هذه جنسية س ٍر ﴾ [ سورة العصر ،اآلية ﴿ ،] 2 :إِ َّن اإْلِ َ
نس َ ان لَفي ُخ ْ َ
الستغراق الجنس ،ولذا صح منها االستثناء.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 108 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
اسم الجمع المعرف بـ(أل) :اسم الجمع المعرف بالالم أو بـ(أل) -على الخالف في ذلك -وهو
شامل للجمع الذي له مفرد ،كما في قوله -جل وعال ﴿ :-قَ ْد أَ ْفلَ َح ا ْل ُم ْؤ ِم ُن َ
ون ﴾ [ سورة المؤمنون،
اآلية .] 1 :
و(أل) الجنسية ضابطها أن يوضع مكانها أو محلها (كل) أو (جميع) قد أفلح جميع المؤمنين ،أو
ون َعلَى
ام َ
الر َجا ُل قَ َّو ُ
كل المؤمنين ،ويشمل أيضاً اسم الجمع الذي ليس له مفرد من لفظه كقولهِّ ﴿ :
الر َجا ُل ﴾ :جنس الرجال قوامون على جنس النساء. ساء ﴾ [ سورة النساء ،اآلية ِّ ﴿ ،] 34 : ِّ
الن َ
هاه كيف؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :الضابط أن تجعل مكان (أل) كل أو جميع.
ويشمل أيضاً اسم الجنس الجمعي :وهو ما يدل على أكثر من اثنين ،ويفرق بينه وبين مفرده بالتاء
ش َاب َه َعلَ ْي َنا ﴾ [ سورة البقرة ،اآلية ،] 70 :فالبقر اسم جنس جمعي ،لماذا؟ أو بالياء ﴿ ،إِ َّن َ
البقََر تَ َ
ألنه يفرق بينه وبين واحده بالتاء؛ واحده بقرة.
إن التمر :اسم جنس جمعي ،نعم ،لماذا؟ ألنهم فرقوا بينه وبين مفرده بالتاء ،الجمع تمر والواحدة
وم ﴾ [ سورة الروم : تمرة ،سدر سدرة ،وهكذا ،أو يفرق بينه وبين مفرده بالياء ﴿ ،الم* ُغِل َب ِت ُّ
الر ُ
1ـ ،] 2وواحده رومي.
الثالث « :األسماء المبهمة ،كـ(من) فيمن يعقل » « من دخل داره فهو آمن ،من دخل دار أبي
سفيان ،» ..من دخل كذا ،من فعل كذا ،هذه من صيغ العموم ،و(من) خاصة بالعقالء ،ومن ينزل
منزلة العقالء.
« و(ما) فيما ال يعقل » نحو :ما جاءني منك أخذته ،يعني أي شيء يأتي من قبلك ،من هبة أو
صلة أو فائدة أو شيء من هذا يقبل ،وقد تدخل على ما يعقل إذا نزل منزلة من ال يعقل ﴿ ،فَ ِ
انك ُحواْ
اب َل ُكم ﴾ [ سورة النساء ،اآلية .] 3 :
ط ََما َ
« و(أي) :االستفهامية> » نحو :أي الناس عندك؟ أي العمل أفضل؟ والشرطية :أي عبيدي جاءك
فأحسن إليه ،ومثلها الموصولة:ـ أي األشياء أردت أعطيتكه.
ون ﴾ [ سورة التكوير ،اآلية « ،] 26 :و(متى) في الزمان»
ْه ُب َ
« و(أين) في المكان » ﴿ فَأ َْي َن تَذ َ
ص ُر اللّ ِه ﴾ [ سورة البقرة ،اآلية « ،] 214 :و(ما) في االستفهام » نحو :ما عندك؟ ﴿ َمتَى> َن ْ
ٍ
نسخة والخبر بدل الجزاء نحو :عملت ما عملت تجز به ،وفي
وأيضاً في الجزاء :نحو :ما تعمل َ
أي :أي ٍ
عمل عملته .فهي دالة على العموم.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 109 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
األمر الرابع( « :ال) في النكرات » في النكرات نحو « :ال رجل في الدار » ،وهو ما يقوله أهل
تعم ،ومثل بالمثال :لكن لو جاء بالقاعدة لشمل جميع أدوات
العلم من أن النكرة في سياق النفي ُّ
النفي ،ما عندي شيء ،أي :أي شيء ،ال رجل في الدار ،نعم.
وق َوالَ ِج َدا َل ِفي ا ْل َح ِّج ﴾
س َعموم النكرات في سياق النفي تدل على العموم ﴿ ،فَالَ َرفَ َث َوالَ فُ ُ
[ سورة البقرة ،اآلية ،] 197 :هذا أيضاً نكرات في سياق النفي فتعم جميع أنواع الرفث ،جميع
أنواع الفسوق ،جميع أنواع الجدال.
فالنكرة في سياق النفي تفيد العموم ،وكذلكم في سياق النهي أو الشرط أو االستفهام اإلنكاري،
ض َياء ﴾ [ سورة القصص ،اآلية ] 71 :في سياق االمتنان ،النكرة في ﴿ م ْن إِلَ ٌه َغ ْير اللَّ ِه يأ ِْتي ُكم ِب ِ
َ ُ َ
ان ﴾ [ سورة الرحمن ،اآلية : ] 68 : سياق االمتنان أيضاً تفيد العمومِ ﴿ ،في ِهما فَ ِ
اك َه ٌة َو َن ْخ ٌل َو ُر َّم ٌ َ
س َذ ِائقَ ُة ا ْل َم ْو ِت ﴾ [ سورة
هذا سياق امتنان ،ومن صيغ العموم أيضاً لفظ( :كل)ُ ﴿ ،ك ُّل َن ْف ٍ
األنبياء ،اآلية .] 35 :
ومن صيغ العموم أيضاً المضاف إلى ما اقترن بـ(أل) ،سواء كان مفرداً أو جمعاً ،المضاف إلى ما
وها ﴾ [ سورة النحل ،اآلية ﴿ ،] 18 :ي ِ
وصي ُك ُم اللّ ُه ص َ ِ ِ
ُ اقترن بـ(أل) ﴿ َوإِن تَ ُعدُّواْ ن ْع َم َة اللّه الَ تُ ْح ُ
ِفي أ َْوالَ ِد ُك ْم ﴾ [ سورة النساء ،اآلية ،] 11 :يعني أضيف إلى معرفة ،ومعروف أن الضمائر من
أعرف المعارف ،حتى قال جمع من النحاة :إن الضمائر أعرف المعارف على اإلطالق ،وإ ن كان
رأي سيبويه أن لفظ الجاللة هو أعرف المعارف ،وكالمه هو الصواب.
ثم قال -رحمه اهلل:-
« والعموم من صفات النطق ،وال تجوز دعوى العموم في غيره من الفعل وما يجري مجراه »
العموم من صفات النطق ،والمراد بالنطق هو اللفظ والقول الملفوظ به ،فالعموم يدخل في اللفظ،
في القول ،وال يدخل في الفعل ،فحكاية األفعال ال عموم لها.
كثيراً ما تسمعون :هذه حكاية فعل وال عموم له ،وال ما يجري مجرى الفعل من اإلشارة والقرائن
المفهمة وغيرها ،فالمراد بالنطق ،المصدر الذي هو المنطوق به ،كما أن اللفظ يراد به الملفوظ به،
اسم المفعول.
فالفعل كجمعه -عليه الصالة والسالم -بين الصالتين في السفر :اآلن المراد تقريره هنا ،الجمع أو
كلمة السفر؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 110 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
قالوا" :كجمعه -عليه الصالة والسالم -بين الصالتين في السفر" :معروف أن الفعل الجمع ،كما
أن السفر أيضاً فعل ،لكن المقصود هنا المثال من أجل الجمع أو أجل السفر؟ هم يمثلون بهذا قالوا:
كجمعه -عليه الصالة والسالم -بين الصالتين في السفر ،هاه السفر أو الجمع؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :نقول :الجمع فعـل ،والسفر فعل ،فعل وإ ال ما هو بفعل؟
السفر :الذي هو المسافرة ،البروز ،السفر واإلسفار والسفور كله معناه بروز وظهور وخروج،
فهي أفعال ،إذا قيل :سافر فالن ،وأسفر الصبح ،وامرأة سافرة؛ كل هذا إلبرازها محاسنها ،وهذا
لبروزه عن البلد وخروجه منه ،وأسفر الصبح؛ لبيانه وظهوره وهكذا.
المقصود أن المثال :كجمعه -عليه الصالة والسالم -بين الصالتين في السفر ،قالوا :ال يدل على
واحد منهما ،فإنه إنما وقع في ٍ
واحد عموم الجمع في السفر الطويل والقصير؛ فإنه إنما وقع في ٍ
منهما.
أو نقول :السفر من صيغ العموم؛ ألنه اقترن بـ(أل) الجنسية؟ ها يا إخوان تجاوبوا.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :السفر مقترن بـ(أل) فهو من صيغ العموم فيعم كل سفر.
نعم؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :كيف؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :هو حكاية فعل ،هذه حكاية فعل "كجمعه" ،نعم ،وال يلزم أن تكون هذه
صيغة الصحابي ،هذه صيغة الذي أورد المثال.
الصيغة" :جمع النبي -عليه الصالة والسالم -بين الصالتين في السفر" ،نعم ،فالمراد فعله -عليه
الصالة والسالم -لهذا الجمع ،فعله -عليه الصالة والسالم -لهذا الجمع ،فال يعني عموم ك ّل
صالة ،بحيث كل صالة ،..ما دام ثبت الجمع عن النبي -عليه الصالة والسالم -بين الصالتين،
هل يشمل هذا كل صالة يصليها اإلنسان يجمعها مع غيرها؟
ال؛ ألن الفعل ال عموم له ،هذا فعل يقتصر فيه على مورده ،وفي السفر ،..السفر مفرد معرف
بـ(أل) فهو من صيغ العموم ،ويبقى أن هل العموم با ٍ
ق على عمومه ،هل هو محفوظ ،أو نقول :هذا
إطالق؟ نقول هذا تعميم وإ ال إطالق؟ السفر له أفراد أو له أوصاف؟ نعم؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 111 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
طالب :أوصاف.
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :يعني ما قدمنا الفرق بين التخصيص والتقييد؟ على شان يخدمنا هنا.
نعم ،له أوصاف ،فلفظ السفر هنا مطلق ،شامل للسفر الموصوفـ بالطول ،والسفر الموصوف
ٍ
بأكيال معدودة، بالقصر ،ولذا من يقول بعدم التحديد ال في الوقت بأيام محدودة ،وال في المسافة
يقول :السفر جاء في النصوص مطلقاً ويبقى على إطالقه ،وهذا معروف من يقول به.
وجماهير أهل العلم على التقييد ،على التقييد؛ ٍ
ألدلة ذكروها في موطنها ،والخالف في هذه المسألة
معروف ،والذي يجري مجرى الفعل كالقضايا المعينة ،قالوا :كالقضايا المعينة ،مثل قضائه -عليه
الصالة والسالم -بالشفعة للجار ،ولذا كثيراً ما تسمعون" :هذه قضية عين" ،وقضايا األعيان ال
عموم لها ،قضية عين ،تسمعون هذا وإ ال ما تسمعون؟ نعم ،وقضايا األعيان ال عموم لها.
مثل قضائه -عليه الصالة والسالم -بالشفعة للجار ،أوالً الحديث فيه مقال ،مروي عند النسائي
عن الحسن مرسالً ،ومراسيل الحسن ضعفها معروف ،قالوا :فال يعم كل ٍ
جار؛ الحتمال
خصوصيته في ذلك الجار ،احتمال خصوصية؛ ألنه يمكن هذا الجار شريك ،ويحتاج إلى مثل هذا
وميزت الطرق فال شفعة
حدت الحدود ّ
القول؛ للنصوص الواردة في الشفعة ،التي تقرر أنه « :إذا ّ
» ،وهذا في الصحيح ،مع أنه جاء « :والجار أحق بصقبه ».
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :هذه قضية عين.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :هذه من المسائل التي يطول فيها الخالف ،وتتباين فيها الوجهات،
لقائل أن يقول :هذه قضية حكم بها النبي -عليه الصالة والسالم -واألصل التشريع وأنه قدوة وأنه
أسوة ،فنقضي بالشفعة لكل جار وأيش المانع؟
لكن مثل هذه األمور تسلك وإ ن كان فيها شيء من الضعف؛ للتوفيق بين النصوص المتعارضة،
تعرف أن نصوص الشفعة جاء فيها شيء ،جاء ما يدل على الشفعة للجار ،وجاء أيضاً أنه إذا
وميزت خالص فال شفعة ،وجاء « :الجار أحق بصقبه » ،فال نقول بعموم شفعةحدت الحدود ّ
ٍ
اشتراك ونحوه. الجيران كلهم ،إال إذا كان له شيء من
هذا الذي جعلهم يقولون :إن مثل هذا ال يقتضي العموم.
قالوا :فال يعم كل ٍ
جار الحتمال الخصوصية في ذلك الجار ،كذا في الشرح؛ ألن الجار مفرد
معرف بـ(أل) الجنسية.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 112 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
األصل فيه أنه عموم ،لكن يبقى أنها قضية عين ،ال عموم لها ،يعني لو قال :النبي -عليه الصالة
والسالم( :-الشفعة للجار) من قوله -عليه الصالة والسالم -ما اختلفوا بأن هذا عموم ،لكن بكونه
فعل وقضاء منه -عليه الصالة والسالم -حصل الخالف ،وقالوا :هذه قضية عين ،لكن لو جاء
لفظ عام ،فالعموم يدخل األلفاظ بخالف األفعال -على ما ّبينوا -لكن يقول الشوكاني" :رجحان
عمومه ،وضعف دعوى احتمال كونه خاصاً في غاية الوضوح" ،الشوكاني يقول" :رجحان عمومه
وضعف دعوى احتمال كونه خاصاً في غاية الوضوح".
وال شك أن األصل االقتداء ،وأننا ملزمون بامتثال أقواله وأفعاله -عليه الصالة والسالم -إذا كانت
تشريعاً -كما هو معروف -في قوله وعمله وقضاءه وغير ذلك ،فاألصل االقتداء واالئتساء به
عليه الصالة والسالم.
هذا سؤال :يقول ما هي نصيحتكم لطالب العلم بعد هذه الدورة خصوصاً المبتدئين منهم؟
نكرر ما بدأنا به سابقاً أن األصل -أصل العلوم كلها -كتاب اهلل -عز وجل -وسنة نبيه -عليه
الصالة والسالم ،-فعلى طالب العلم أن يعتني بكتاب اهلل -عز وجل -قراءةً وحفظاً وفهماً وعمالً
وتدبراً؛ فقراءة القرآن -كما يقول شيخ اإلسالم -على الوجه المأمور به تورث اإلنسان من العلم
واليقين والبصيرة ما ال يدركه إال من عمل مثل هذا العمل.
فعلى طالب العلم أن يعتني بكتاب اهلل -عز وجل -حفظاً وقراءةً وفهماً وعمالً ،ويطالع عليه أقوال
أهل العلم مما يوضحه من أقوال أهل العلم الموثوقين في عقيدتهم وسالمة قصدهم ومنهجهم ،ثم
يعتني بسنة نبيه -عليه الصالة والسالم -وال ينسى ما يعينه على فهم الكتاب والسنة مما يسمى
بعلوم اآللة ،لكن ج ّل الوقت والهم األكبر للمقاصد ،وال ينسى الوسائل التي تعينه على فهم الكتاب
والسنة.
فيعتني بكتاب اهلل -عز وجل -وسنة نبيه -عليه الصالة والسالم -بالتدريج ،فيتعلم على طريقة
الصحابة -رضوانـ اهلل عليهم -يتعلم العشر اآليات ،فيقرؤها قراءة صحيحة ،ويحفظها ،ويفهم ما
علم وعمل ،كما فعلوا -رضوان اهلل عليهم -وبهذا يثبت الحفظ من جهة ،ويرسخ العمل، فيها من ٍ
ويثبت العلم ،ويرسخ المحفوظ على طريقة السلف الصالح -رضوانـ اهلل عليهم.-
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 113 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
وأما السنة فيأخذ منها أيضاً بالتدريج ،وكل يعرف ما وهبه اهلل -سبحانه وتعالى -له من قو ٍة في
الحفظ والفهم ،ال يكلف نفسه أكثر مما يطيق؛ « اكلفوا من العمل ما تطيقون؛ فإن اهلل ال يمل حتى
تملوا ».
يوم واحد أو في ٍ
وقت واحد! نجد اإلنسان يأتي متحمس يبي يلتهم العلم كله في ٍ
ما يمكن ،تجد الحافظة ضعيفة ،والفهم ضعيف ،ثم يأتي إلى القرآن يقول :كل يوم جزء مدة شهر
وأنا حافظ ،ما يمكن ،مثل هذا النوع يحفظ آية آيتين يفهم هاتين اآليتين وما فيهما من العلم والعمل،
ثم من الغد كذلك ،والذي يليه كذلك وهكذا.
المقصود أن العلم يؤخذ بالتدريج ،ويؤخذ من أهله الموثوقين ،وال يقول :أنا الحمد اهلل عندي حافظة
وعندي فهم وعندي قدرة على االطالع واالستيعاب ،ولست بحاجة إلى حضور مجالس العلم؟ ال.
نقول « :من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل اهلل له به طريقاً إلى الجنة » ،وليس المراد ،..ال
يكون المراد من حضور الدروس هو أخذ العلم فقط ،بل التأدب بأدب الشيوخ واالقتداء بهم في
سمتهم وكيفية تحريهم وضبطهم ،ولذا يقول ابن الجوزي في ترجمة أحد شيوخه :إنه استفاد من
بكائه ولم يستفد من علمه" ،مع أن البكاء اآلن -واهلل المستعان -ال يكاد يذكر ،لكن يبقى أن هناك
من إذا رؤوا ،..أناس من إذا رؤوا ذكر اهلل -عز وجل -واهلل المستعان.
فعلينا أن نعتني بهذا الباب إضافةً إلى أن األجر مرتب على سلوك الطريق ،ما رتب على
التحصيل ،األجر مرتب على السلوك « ،من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل اهلل له به طريقاً
إلى الجنة » ،ما قال :من صار عالماً سهل اهلل له ..الخ؟ ال.
نعم العلماء لهم أجرهم وثوابهم ال سيما العاملون بعلمهم ،من عمل بعلمه ،الربانيون الذين يعلمون
الناس ويدلونهم على الخير ،ومن دل على خير فله مثل أجر فاعله.
فعلى اإلنسان أن يحرص في تحصيل العلم وال يتراخى ،ويكون همه العلم والعمل ...... ،الشيخ
حضر اآلن ،إن كان هناك أسئلة تعرض بقيتها على الشيخ،
واهلل أعلم وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد ،وعلى آله وصحبه أجمعين.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 114 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
السا ِبعُ
س َّالد َّْر ُ
بسم اهلل الرحمن الرحيم ،الحمد هلل رب العالمين ،وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد ،وعلى آله
وصحبه أجمعين أما بعد :فقد قال إمام الحرمين -رحمه اهلل:-
والخاص يقابل العام ،والتخصيص :تمييز> بعض الجملة ،وهو ينقسم إلى :متصل> ومنفصل،
فالمتصل :االستثناء والشرط والتقييد في الصفة.
واالستثناء :إخراج ما لواله لدخل في الكالم ،وإ نما يصح االستثناء بشرط أن يبقى من المستثنى>
منه شيء ،ومن شرطه أن يكون متصالً بالكالم ،ويجوز تقديم المستثنى على المستثنى منه>،
ويجوز االستثناء من الجنس ومن غيره ،والشرط يجوز أن يتقدم على المشروط ،والمقيد
قيدت باإليمان في بعض المواضع فيحمل المطلق على
بالصفة يحمل عليه المطلق كالرقبة ّ
المقيد.
وأطلقت .قيدت باإليمان في بعض المواضع ،وأطلقت في بعض المواضع؟
وأطلقت في بعض المواضع فيحمل المطلق على المقيد.
« َّ
الش ْـر ُح » :
الحمد هلل رب العالمين ،وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين ،أما بعد:
إتماماً لما بدأنا شرحه من كتاب الورقات إلمام الحرمين المعالي الجويني عبد اهلل بن يوسف
الشافعي -المعروف عند أهل العلم -عند أهل الكالم واألصول والنظر -بعد أن أخذنا شيئاً من
مباحث األصول ،وشرحنا العام وما يراد به ،وأمثلة للعموم ،وأنه من صفات النطق ،وال يدخل في
الفعل ،ذكر المؤلف بعد ذلك ما يقابله وهو الخاص ،فالذي يقابل العام هو الخاص ،كما أن الذي
المبين وهكذا.
يقابل المطلق :المقيد ،والذي يقابل المجملّ :
يقول في تعريف الخاص « :يقابل العام » :يكفي أن يقال هذا؟ أن يقال :الخاص يقابل العام؟ هل
هذا حد؟ أو ال بد من الرجوع إلى تعريف العام؛ لنعرف الخاص؟
إذا ذكر المقابل ال بد من الرجوع إلى ما يقابله؛ لمعرفته ،فإذا قلت :الحرام ضد الحالل ،ال بد أن
تعرف الحالل ،وإ ذا قلت :الواجب ضد الحرام ال بد أن تعرف الحرام؛ لكي تعرف ما يقابله.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 115 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :عام أريد به الخصوص ،أيش معنى العام الذي أريد به الخصوص؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :ما الذي أخرج غير المحاربين؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :إذن عام مخصوص وإ ال أريد به الخصوص؟ أيش الفرق بين العام
المخصوص ،والعام الذي أريد به الخصوص؟ ما الفرق بينهما؟
طالب.......:
ابتداء ال
ً ابتداء ،نعم ال يريد إدخال هذه األفراد المخصوصة، ً ض ْير :المتكلم الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ ََّ
يريد إدخال هذه األفراد ،فهو عام أريد به الخصوص ،والعام المخصوص يعني لم يرد على خاطر
اس
الن ُ ُ المتكلم أنه يريد هؤالء الذين يريد إخراجهم ،يعني في قوله -جل وعال ﴿ :-الَّ ِذ َ
ين قَا َل لَ ُهم َّ
اس ال لَ ُهم َّ
الن ُ ين قَ َ ُ ش ْو ُه ْم ﴾ [ سورة آل عمران ،اآلية ﴿ .] 173 :الَّ ِذ َ
اخ َ
اس قَ ْد َج َم ُعواْ لَ ُك ْم فَ ْ إِ َّن َّ
الن َ
﴾ :المراد بهم؟ نعم؟
اس قَ ْد َج َم ُعواْ لَ ُك ْم ﴾ :نعيم بن مسعود شخص واحد؟ اللفظ اس إِ َّن َّ
الن َ ال لَ ُهم َّ
الن ُ ين قَ َ ُ الذين ﴿ الَّ ِذ َ
عام :الناس ،اللفظ عام ،لكنه يراد به شخص واحد ،عام أريد به الخصوص ،يعني هل مراد المتكلم
ابتداء ،ثم جاء نص آخر يخرج من عدا نعيم بن
ً -وهو اهلل -عز وجل -جميع الناس؟ هل أراد هذا
مسعود؟ أو أنه في األصل أريد به الخصوص؟ نعم؟
اس ﴾ :الناس كلهم جمعوا لكم؟ اس إِ َّن َّ
الن َ الن ُ ُ هذا من األصل أريد به الخصوص ﴿ ،الَّ ِذ َ
ين قَا َل َل ُهم َّ
جميع من على وجه األرض من الناس جمعوا للنبي -عليه الصالة والسالم -وأصحابه؟ أو أناس
مخصوصون أيضاً؟ مخصوصون ،لكن هل جاء نص يخصص هذا العموم؟ أو أنه من العام الذي
أريد به الخصوص أيضاً؟
عام أريد به الخصوص أيضاً؛ العام المخصوص مثل هذا النص ،لو جاء نص آخر يخرج بقية
ش ِر ِك َ
ين ﴾. أفراد العام ،نقول :عام مخصوص ﴿ ،اقْتُلُواْ ا ْل ُم ْ
المثال الذي معنا هل هو من النوع األول عام أريد به الخصوص؟ اهلل -سبحانه وتعالى -أراد من
المشركين أناساً معينين ،أو أراد جميع أنواع المشركين؟ ثم جاء من يخرج بعض هؤالء األفراد؟
جاءت نصوص أخرى تخرج بعض هؤالء األفراد؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 117 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
اهدتُّ ْم﴾ عام مخصوص جاءت نصوص تخرج ،فأخرج المعاهد في قوله تعالى ﴿ :إِالَّ الَّ ِذ َ
ين َع َ
خالف بين أهل العلم في الكتابي: ٍ [ سورة التوبة ،اآلية ،] 7 :أخرج المعاهد ،أخرج الكتابي ،على
هل يقال له :مشرك أو ال؟
اإلخوان معنا وإ ال ما هم معنا؟
ش ِر ِك َ
ين ﴾ :عرفنا أن المعاهد خرج بالنص الخاص وهو االستثناء. ﴿ اقْتُلُواْ ا ْل ُم ْ
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :والكتابي؟
خرج.
طالب.......:
ض ْير َ ﴿ :حتَّى ُي ْعطُواْ ا ْل ِج ْز َي َة ﴾ [ سورة التوبة ،اآلية ،] 29 :فإذا أعطوا َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
خالف بين أهل العلم :هل يدخل أهل الكتاب في هذه اآلية أو ال يدخلون؟ ٍ الجزية حرم قتلهم ،على
يعني هل يقال للكتابي :مشرك أو ليس بمشرك ،يعني فرق بين أن نقول :فالن مشرك ،أو فيه
شرك؟ وبين أن نقول :فالن مبتدع أو فيه بدعة ،وبين أن نقول :فالن منافق أو نقول :فيه نفاق؟ أو
نقول :زيد جاهلي وأبو ٍ
ذر فيه جاهلية؟ ظاهر وإ ال مو بظاهر؟
أبو ذر قال له النبي -عليه الصالة والسالم « :-إنك امرؤ فيك جاهلية » ،هل نستطيع أن نقول:
-عيره
إن أبا ذر جاهلي؟ ال يستطيع أحد ،بل من خيار الصحابة من سادات األمة ،لكن فيه خصلة ّ
بأمه -إذن فيه خصلة من خصال الجاهلية.
فالن يكذب والكذب من خصال المنافقين ،هل نستطيع أن نقول :فالن منافق؛ ألنه يكذب؟ أو نقول:
فيه خصلة من خصال المنافقين؟
بشيء من البدعة ،نقول :فيه بدعة ،من وافق المبتدعة في ٍ
شيء واحد ٍ تلبس
فيه خصلة ،ومثله :من ّ
مما يقولون :به ،..ممن لهم أصول كالمعتزلة مثالً ،شخص من أهل السنة وافق المعتزلة في مسألة
من مسائلهم هل يقال :هذا معتزلي أو فيه اعتزال؟
طالب :فيه اعتزال
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :فيه اعتزال.
ش ِر ِك َ
ين ﴾ :أهل الكتاب ال شك أن فيهم نأتي إلى دخول أهل الكتاب في المشركين ﴿ ،اقْتُلُواْ ا ْل ُم ْ
شرك؛ يعبدون مع اهلل غيره -عزير والمسيح وغيرهم -ما الذي يخرج أهل الكتاب من لفظ
المشركين؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 118 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
طالب.......:
ض ْير :هو ال شك أن هناك فروق بين أهل الكتاب وبين غيرهم من طوائف َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
الكفر ،ال شك أن أهل الكتاب كفار ،والجنة عليهم حرام؛ « ال يسمع بي يهودي وال نصراني> ثم ال
يؤمن بي إال دخل النار ».
ش ِر ِك َ
ين ﴾ ،ثم على كل حال هم كفار إجماعاً ،لكن هل يدخلون في مثل هذا النص ﴿ :اقْتُلُواْ ا ْل ُم ْ
ون ﴾
اغ ُر َ نحتاج إلى إخراجهم بقوله -جل وعال ﴿ :-حتَّى يعطُواْ ا ْل ِج ْزي َة عن ي ٍد و ُهم ص ِ
َ َ َ َ ْ َ َ ُْ
[ سورة التوبة ،اآلية ،] 29 :أو نقول :هم أصالً ال يدخلون في هذا النص؟
طالب :آية في القرآن......
ض ْير :أيش تقول؟ َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
سولُ ُه َوالَ ون ِباللّ ِه والَ ِبا ْليوِم ِ
اآلخ ِر َوالَ ُي َحِّر ُم َ طالب ﴿ :قَ ِاتلُواْ الَّ ِذ َ
ين الَ ُي ْؤ ِم ُن َ
ون َما َحَّر َم اللّ ُه َو َر ُ َْ َ
اب ﴾ [ سورة التوبة ،اآلية .] 29 : ِ ق ِم َن الَّ ِذ َ ون ِد َ
َي ِدي ُن َ
ين أُوتُواْ ا ْلكتَ َ ين ا ْل َح ِّ
ض ْير :يخرجون بهذا؟ َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
طالب :هذه اآلية تخرجهم.....
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :هم يقاتلون حتى يعطوا الجزية ،هذا ما فيه إشكال ،حتى يعطوا
الجزية يقاتلون ،لكن هل دخولهم -األمر بقتالهم -بهذا النص؟ أو بالنص اآلخر الذي ذكرتَه؟
طالب....:االستثناء......
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :ما أصبنا المحز إلى اآلن؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :ما هو بالعموم في (اقتل) ،الكالم في المشركين ،هل يقال :أهل
ٍ
بمحمد -عليه الكتاب مشركون؟ هم كفار بال شك ،بال نزاع كفار ،والجنة عليهم حرام ما لم يؤمنوا
الصالة والسالم -ويلتزموا بشريعته ،لكن هل هم داخلون في هذه اآلية لنحتاج إلى إخراجهم؟
بمعنى أن عموم المشركين في هذه اآلية يتناول الكفار األصليين الذين أشركوا مع اهلل غيره،
ويتناول أهل الكتاب ،فأخرجنا المعاهد باالستثناء ،ونخرج من هذه اآلية أهل الكتاب بإعطاء الجزية
كما نصت على ذلك األدلة.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :الكالم ،..أصل المسألة هل يدخل أهل الكتاب في المشركين؟ لنحتاج
إلى إخراجهم؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 119 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
ات َحتَّى ُي ْؤ ِم َّن ﴾ [ سورة البقرة ،اآلية :] 221 :نحتاج إلى قوله تعالى: ش ِر َك ِ ﴿ والَ تَ ِ
نك ُحواْ ا ْل ُم ْ َ
اب ﴾ [ سورة المائدة ،اآلية ] 5 :؟ ِ ات ِم َن الَّ ِذ َ
ين أُوتُواْ ا ْلكتَ َ ص َن ُ
نساؤهم حل لكم؟ ﴿ َوا ْل ُم ْح َ
المقصود نحتاج إلى مثل هذا النص المخصص لنخرج مثال الكتابيات من هذا ،أو نقول :هم ال
يدخلون في المشركين أصالً؟ وال يقال :أهل الكتاب مشركون ،يقال كفار أهل كتاب ،لكن ما يقال:
ش ِر ِك َ
ين﴾ َه ِل ا ْل ِكتَ ِ
اب َوا ْل ُم ْ ين َكفَُروا ِم ْن أ ْ
مشركون؛ بدليل عطفهم على الكفار ﴿ :لَ ْم َي ُك ِن الَّ ِذ َ
[ سورة البينة ،اآلية ،] 1 :والعطف عند أهل العلم يقتضي المغايرة؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :هنا ما فيه خالف ،لكن المقصود اللفظ عموم المشركين؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :ما يدخلون ،فال نحتاج إلى إخراجهم ،هم ما دخلوا أصالً في العموم
لنحتاج إلى إخراجهم.
على كل حال المسألة معروفة -خالفية بين أهل العلم -فيرى أهل العلم أنهم ال يدخلون في
ات ﴾ [ سورة البقرة ،اآلية : ش ِر َك ِ نصوص المشركين فال نحتاج إلى تخصيص ﴿ ،والَ تَ ِ
نك ُحواْ ا ْل ُم ْ َ
] 221بحل نساء أهل الكتاب؛ ألنهم لم يدخلوا أصالً ،وال يدخلون في مثل هذا النص ﴿ :اقْتُلُواْ
ين ﴾ [ سورة التوبة ،اآلية ،] 5 :وإ ن جاء فيهم نصوص خاصة. ش ِر ِك َ
ا ْل ُم ْ
ومنهم من يقول :هم مشركون ،والتنصيص عليهم بعد المشركين أو قبل المشركين من باب ذكر
الخاص بعد العام أو عكسه وهذا للعناية بشأن الخاص واالهتمام به ،والمسألة خالفية على كل
حال.
طالب :هل يقال....:في حقيقة الشرك الشرعية وإ ال االصطالحية؟
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :تقصد أن الحقيقة العرفية للشرك تختلف عن الحقيقة الشرعية؟
طالب :يعني نحاول أن نجمع بين القولين ،بمعنى......
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :هم أشركوا ،فيهم شرك ،ال خالف في أن فيهم شرك وهم كفار ،لكن
هل يقال لهم :مشركون؟
ألننا عرفنا أن هناك فرق بين أن يقال :فالن مشرك ،وبين فالن فيه شرك؟ وبين أن يقال :فالن
مبتدع وفالن فيه بدعة ،وفالن جاهلي وفالن فيه جاهلية ،فالن منافق ،..يعني فرق بينهم ،ابن أبي
منافق ،وشخص من المسلمين يزاول الكذب ويمتهنه ،فيه نفاق ،فيه خصلة من خصال النفاق ،نعم،
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 120 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
وأبو جهل جاهلي وأبو طالب وعبد المطلب كلهم جاهليون ،لكن أبو ذر فيه جاهلية؟ فرق بين هذا
وهذا.
يعني هل يستطيع أن يقول شخص :منذر بن سعيد البلوطي -من كبار علماء السنة في المغرب في
األندلس -أنه معتزلي؛ ألنه يقول بفناء الجنة والنار؟ جهمي؟ هو جهمي أو فيه تجهّم؛ ألنه وافق
الجهمية في هذه المسألة؟ نعم؟
طالب :فيه تجهم.
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :فيه تجهّم ،وهكذا.
على كل حال المسألة بس من أجل تقرير المثال الذي معنا وتوضيحه ،وإ ال ما تحتاج إلى كل هذا
البسط.
يقول الناظم -رحمه اهلل تعالى:-
ٍ
حصر جرى والخاص لفظ ال يعم أكثرا *** من ٍ
واحد أو عم مع
ماذا يجري له؟ تضعف داللته ،يضعف ،فالذين ينكرون التخصيص هم شذاذ؛ لئال تضعف دالئل
هذه النصوص ،أو دالالت هذه النصوص ،إذن يوجد شذاذ قالوا :إنه ال تخصيص وإ ن وجد ألفاظ
خاصة ،لماذا؛ ألن التخصيص إضعاف لداللة العموم.
أشرنا مراراً وفي مناسبات أن الخصائص ال تقبل التخصيص ،ويقول بهذا من الجلة :ابن عبد البر
وابن عمر -رحمة اهلل عليه -ومن المتأخرين ابن حجر.
ليش؟ لماذا؟ الخصائص ال تقبل التخصيص؟ هذا أشرنا له في مناسبات يمكن في الورقات أشرنا
إليه.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :نعم؟ حضرت؟ ما أشرنا له في الورقات؟ ما قلنا :إن ابن عبد البر
وابن حجر يقوالن -ومعهم جمع :-إن الخصائص ال تقبل التخصيص؟ ذكرنا؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :أشير في مناسبات كثيرة لكن ال مانع أن نشير إلى ذلك باختصار.
الخصائص :هي تشريف وتكريم للنبي -عليه الصالة والسالم -والتخصيص مقتضاه تقليل لهذا
التكريم وذلك التشريف ،إذن هذا التشريف وهذا التكريم ال يقبل هذا التقليل ،أيش معنى أن النبي
-عليه الصالة والسالم -نعطيه هذه الخصائص ثم نخرج منها بعض األفراد؟ ظاهر وإ ال مو
بظاهر؟
جعلت لي األرض مسجداً وطهوراً » ،ثم يأتي حديث أبي مرثد الغنوي « :ال تصلوا إلى القبور
وال تجلسوا عليها » ،فالصالة في المقابر ال تصح ،لماذا؟
ألن هذا نص خاص ،وحديث « :جعلت لي األرض مسجداً وطهوراً » عام ،والخاص مقدم على
العام ،يعني لو أراد شخص أن يصلي في المقبرة مستدالً بقوله -عليه الصالة والسالم:-
« جعلت لي األرض مسجداً وطهوراً » ،يبي يتيمم ويصلي في المقبرة ،وهذا اللفظ من الخصائص
-كما هو معروف -من الخصائص وإ ال ال؟ من الخصائص ،يمنع .كيف يمنع؟
نقول :الرسول -صلى اهلل عليه وسلم -قال « :ال تصلوا إلى القبور » ،ونهى عن تشبيه البيوت
بالمقابر التي ال يصلى فيها ،فهذه نصوص خاصة ،تخرج المقابر من عموم « :جعلت لي األرض
مسجداً وطهوراً » .
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 122 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
ابن عبد البر يقول :ال .ليست خاصة ،والخصائص جاءت لتشريف النبي -عليه الصالة والسالم-
وتكريمه ،فكيف نقلل هذا التكريم وذلك التشريف؟ مثل هذا البحث نحتاج إليه في هذه المناسبة وإ ال
ما نحتاج؟
نحتاج إليه.
طالب.......:
ض ْير :نعم ،نقول :إن عدم تخصيص الخصائص محافظة على حق النبي َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
-عليه الصالة والسالم ،-وال شك أن حق النبي -عليه الصالة والسالم -أمر تجب مراعاته ،لكن
إذا لم يعارض بما هو أقوى منه وهو حق اهلل -عز وجل -فالنهي عن الصالة في المقبرة محافظةً
لحق اهلل -عز وجل-؛ ألنه وسيلة إلى الشرك.
نأتي إلى العموم وتخصيصه ،األلفاظ العامة التي تتناول أفراداً من غير حصر ،إذا بقيت على
عمومها محفوظة تكون في غاية القوة ،وتضعف هذه العمومات بقدر ما يدخلها من المخصصات.
إبقاء لهذه القوة في هذه العمومات ،قيل بهذا، ٍ
إذن ال تخصص العمومات بشيء من المخصصات ً
لكن هذا قول شاذ.
يقول الغزالي" :ال نعرف خالفاً بين القائلين بالعموم في جواز تخصيصه بالدليل ،إما بدليل العقل،
ش ْي ٍء ﴾ أو السمع أو غيرهما ،وكيف ينكر ذلك مع االتفاق على تخصيص قوله تعالىَ ﴿ :خ ِال ُ
ق ُك ِّل َ
ش ْي ٍء ﴾ [ سورة القصص ،اآلية ،] 57 : [ سورة الزمر ،اآلية ُ ﴿ ،] 62 :ي ْج َبى إِلَ ْي ِه ثَ َم َر ُ
ات ُك ِّل َ
ين ﴾ش ِر ِك َ
ش ْي ٍء ﴾ [ سورة النمل ،اآلية ،] 23 :وقوله تعالى ﴿ :اقْتُلُواْ ا ْل ُم ْ ﴿ َوأُو ِت َي ْت ِمن ُك ِّل َ
الز ِان َي ُة
ارقَ ُة ﴾ [ سورة المائدة ،اآلية ،] 38 :و ﴿ َّ الس ِ
ق َو َّ الس ِ
ار ُ [ سورة التوبة ،اآلية َ ﴿ ،] 5 :و َّ
وصي ُك ُم اللّ ُه ِفي أ َْوالَ ِد ُك ْم ﴾ [ سورة النساء ،اآلية :
الز ِاني ﴾ [ سورة النور ،اآلية ﴿ ،] 2 :ي ِ
ُ َو َّ
،] 11و« فيما سقت السماء العشر » ،يقول" :فإن جميع عمومات الشرع مخصصة بشروط في
يم وقل ما يوجد عام ال يخصص ،مثل قوله تعالى ﴿ :و ُهو ِب ُك ِّل َ ٍ ِ األصل والمحل والسببَّ ،
ش ْيء َعل ٌ َ َ
ق على عمومه". ﴾ [ سورة البقرة ،اآلية ،] 29 :فإنه با ٍ
كأن الغزالي ينفي أن يوجد مخالف في التخصيص؛ أوالً لندرة هذا المخالف وشذوذ قوله ،وأن هذا
القول وجوده مثل عدمه ،فال ينبغي أن يلتفت إليه.
يفهم من عبارة ابن الحاجب أن هناك من خالف في جوازه؛ قال" :التخصيص جائز إال عند شذوذ
-يعني من الناس شواذ -قالوا بعدم جواز التخصيص ،والسبب فيه ما ذكرنا" ،ويستفاد من كالم ابن
الهمام أن هناك من خالف في جواز التخصيص مطلقاً ،ومنهم من خالف في جواز التخصيص
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 123 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
بالعقل ،ولم يشتغل ابن الحاجب بإيراد أدلة لهؤالء المانعين بخالف ابن الهمام ،لكن لعل من أقوى
أدلتهم ما ذكرناه.
ِ
يستثن من ذلك إال اآلن نفهم من كالم الغزالي في قوله" :جميع عمومات الشرع مخصصة ،ولم
ق على عمومه يم ﴾ [ سورة البقرة ،اآلية ،] 29 :هذا عموم با ٍ قوله تعالى ﴿ :و ُهو ِب ُك ِّل َ ٍ ِ
ش ْيء َعل ٌ َ َ
اتفاقاً".
باتفاق من؟
من يعتد بقوله ،أما من ال يعتد بقوله ،كالفالسفة الذين يقولون" :إنه يعلم الكليات وال يعلم الجزئيات"
هؤالء ال عبرة بهم ،وال ينبغي أن يشتغل بذكر أقوالهم وبحثها.
ق على عمومه. يم ﴾ [ سورة الشورى ،اآلية : ] 12 :هذا با ٍ يقولِ ﴿ :ب ُك ِّل َ ٍ ِ
ش ْيء َعل ٌ
ش ْي ٍء ﴾ [ سورة هناك مثَّل للعموم الذي دخله الخصوص -الذي خصص بالعقلَ ﴿ :-خ ِال ُ
ق ُك ِّل َ
ش ْي ٍء ﴾ [ سورة القصص ،اآلية ﴿ ،] 57 :تُ َد ِّم ُر الزمر ،اآلية ُ ﴿ ،] 62 :ي ْج َبى إِلَ ْي ِه ثَ َم َر ُ
ات ُك ِّل َ
ش ْي ٍء ﴾ [ سورة األحقاف ،اآلية : ] 25 :هذه العمومات باقية على عمومها أو مخصصة؟ ُك َّل َ
مخصصة.
شيخ اإلسالم ال يوافق على هذا الكالم الذي يردده كثير من األصوليين وبعض المتكلمين؛ يقول:
"يندر أن تجد نصاً باق على عمومه ،يندر جداً".
يم ﴾ [ سورة البقرة ،اآلية ،] 29 :هذا الذي يذكرونه مما ذكروه قوله تعالى ﴿ :و ُهو ِب ُك ِّل َ ٍ ِ
ش ْيء َعل ٌ َ َ
مما بقي على عمومه ،وأما الباقي كله داخل في الخصوص".
لكن شيخ اإلسالم يقول" :لو قرأنا القرآن من أوله إلى آخره على طريقة تلقين الصبيان آية آية"..
كلمة كلمة ،وبحثنا في كل كلمة كلمـة من القرآن وما دخلها من المخصصات ،لوجدنا من النصوص
الشيء الكثير مما بقي على عمومه ،ماذا يقول شيخ اإلسالم في ٍ
كالم طويل نقلته؛ ألهميته ونفاسته؟
يقول شيخ اإلسالم -رحمه اهلل تعالى -في الجزء السادس من مجموع الفتاوى صفحة [ 440إلى
ثم لفظ
:]445فإن قيل :داللة العموم ضعيفة ،فإنه قد قيل :أكثر العمومات مخصوصة ،وقيل :ما ََّ
يم ﴾ [ سورة البقرة ،اآلية ،] 29 :ومن الناس من أنكر داللة عام إال قوله ﴿ :و ُهو ِب ُك ِّل َ ٍ ِ
ش ْيء َعل ٌ َ َ
العموم رأساً ،قلنا :أما داللة العموم المعنوي العقلي فما أنكره أحد من األمة فيما أعلمه ،بل وال من
ِّرف الذين ال يلحظون المعاني
العقالء ،وال يمكن إنكارها ،اللهم إال أن يكون في أهل الظاهر الص ْ
كحال من ينكرها ،لكن هؤالء ال ينكرون عموم األلفاظ ،بل هو عندهم العمدة وال ينكرون عموم
معاني األلفاظ العامة ،وإ ال قد ينكرون كون عموم المعاني المجردة مفهومة من خطاب الغير -لو
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 124 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
نبي نشرح كالم شيخ اإلسالم طال بنا المقام -يقول" :وأما العموم اللفظي فما أنكره أيضاً إمام وال
طائفة لها مذهب مستقر في العلم ،وال كان في القرون الثالثة من ينكرها" -كل هذا رد على من
يقول :إنه ما من عموم إال ودخله الخصوص ،ما من عموم إال ودخله الخصوص إال ما استثنوا من
اآلية -يقول" :وأما العموم اللفظي فما أنكره أيضاً إمام وال طائفة لها مذهب مستقر في العلم ،وال
كان في القرون الثالثة من ينكره ،وإ نما حدث إنكاره بعد المائة الثانية وظهر بعد المائة الثالثة".
أيش يقول؟ كيف يقول؟" :وال كان في القرون الثالثة من ينكره ،وإ نما حدث إنكاره بعد المائة
الثانية" :كيف يقول :وال كان في القرون الثالثة من ينكره ،وإ نما حدث إنكاره بعد المائة الثانية؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :وظهر بعد المائة الثالثة.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :ليس المراد بالقرن « خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم
» القرن المراد به مائة عام ،وإ ن قيل بذلك ،بل بعضهم يقول :سبعين سنة ،وبعضهم يقول :غالب
القرن ما يقرب من أربعين عاماً.
« خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم » :القرون الثالثة المفضلة تنتهي سنة كم؟
ابن حجر له كالم :إن القرون الثالثة تنتهي سنة 220هـ ،الحين حينما ظهرت فتنة القول بخلق
القرآن ،ورفع المبتدعة رؤوسهم ،وامتحن أهل السنة ..نعم؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير « :خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم » وهكذا ،لكن أتباع
التابعين متى انقرضوا؟ نعم؟
أتباع التابعين ،هاه؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :ال ،يعني هل أدركوا سنة 200أو ما أدركوا -أتباع التابعين -الغالب
الغالـب ما أدركوا ،غالبهم لم يدرك.
طالب.....:السابعة
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :إيه ويعادلها السابعة ،نعم ،لكن يندر من في السابعة من عاصر
التاسعة ،يعني عمر فقارب التاسعة.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 125 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
على كل حال هذا كالم شيخ اإلسالم -رحمه اهلل تعالى :-وال كان في القرون الثالثة من ينكره:
يعني القرون الثالثة التي جاء النص فيها المفضلة ،وإ نما حدث إنكاره بعد المائة الثانية ،يعني بعد
سنة مائتين ،وظهر بعد المائة الثالثة ،وأكبر سبب إلنكاره ،أما من المجوزين للعفو من أهل السنة
ومن المرجئة من ضاق عطنه لما ناظره الوعيدية بعموم آيات الوعيد وأحاديثه ،فاضطره ذلك إلى
أن جحد العموم في اللغة والشرع ،فكانوا فيما فروا إليه من هذا البحث كالمستجير من الرمضاء
بالنار.
يم عموم إال قد خص إال قولهِ ﴿ :ب ُك ِّل َ ٍ ِ
ٍ
ش ْيء َعل ٌ ّ وأما قولهم -وهذا الذي يهمنا -وأما قولهم :ما من
﴾ ،فإن هذا الكالم -وإ ن كان قد يطلقه بعض السادات من المتفقهة وقد يوجد في بعض كالم
المتكلمين في أصول الفقه -فإنه من أكذب الكالم وأفسده ،فإنه من أكذب الكالم وأفسده -هؤالء
المتكلمون من المبتدعة حينما يطلقون من هذا الكالم لهم مقاصد يبنون عليها بدعهم -يقول :فإنه
ش ْي ٍء ﴾
من أكذب الكالم وأفسده ،والظن بمن قاله أوالً أنه إنما عنى أن العموم باللفظ ﴿ ِب ُك ِّل َ
مخصوص إال في مواضع قليلة ،يعني فقط ما جاء فيه في النصوص كل شيء ،يعني بغض النظر
عن العمومات األخرى ،ما يفيد العموم من األلفاظ األخرى ،والظن بمن قاله أوالً أنه إنما عنى أن
ش ْي ٍء ﴾
العموم من لفظ كل شيء مخصوص إال في مواضع قليلة كما في قوله ﴿ :تُ َد ِّم ُر ُك َّل َ
[ سورة األحقاف ،اآلية ] 25 :هذا مخصوص؛ هل دمرت السماوات واألرض؟ ما دمرت﴿ ،
ش ْي ٍء ﴾ [ سورة النمل ،اآلية ،] 23 :أوتيت مما أوتي سليمان؟ ال. أُو ِت َي ْت ِمن ُك ِّل َ
ش ْي ٍء ﴾ [ سورة األنعام ،اآلية ] 44 :مخصوص؟ ،يقول" :وإ ال فأي اب ُك ِّل َ
﴿ فَتَ ْح َنا َعلَ ْي ِه ْم أ َْب َو َ
عاقل يدعي هذا في جميع صيغ العموم في الكتاب والسنة ،وفي سائر كتب اهلل وكالم أنبيائه، ٍ
وسائر كالم األمم عربهم وعجمهم".
يقول" :وأنت إذا قرأت القرآن من أوله إلى آخره وجدت غالب عموماته محفوظة ال مخصوصة،
سواء عنيت عموم الجمع ألفراده ،أو عموم الكل ألجزائه ،أو عموم الكل لجزئياته -وشرح كالم
الشيخ -رحمة اهلل عليه -يحتاج إلى وقت -فإذا اعتبرت قوله ﴿ :ا ْل َح ْم ُد للّ ِه َر ِّب ا ْل َعالَ ِم َ
ين ﴾
ق على عمومه وإ ال؟ محفوظ وإ ال مخصوص؟ [ سورة الفاتحة ،اآلية ،] 2 :هذا با ٍ
يقول :فهل تجد أحداً من العالمين ليس اهلل له رب؟ رب العالمين ،هل من العالمين ال يدخل في
ين ﴾ ؟ هل يوجد أحد يخرج من هذا؟ قولهَ ﴿ :ر ِّب ا ْل َعالَ ِم َ
طيبَ ﴿ ،م ِل ِك َي ْوِم الد ِ
ِّين ﴾ [ سورة الفاتحة ،اآلية ،] 4 :فهل في يوم الدين شيء ال يملكه اهلل؟ هل
يوجد في يوم الدين شيء ال يملكه اهلل؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 126 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
ون ﴾ :ماذا يقول الشيخ -رحمه اهلل :-هل خرج أحد من﴿ َعلَى ُه ًدى ِّمن َّر ِّب ِه ْم َوأ ُْولَ ِئ َك ُه ُم ا ْل ُم ْف ِل ُح َ
ٍ
بمهتد؟ هؤالء المتقين؟ ما زال الكالم على المتقين عن الهدى في الدنيا ،يعني يوجد مت ٍ
ق وليس
ممكن؟
ق ٍ
مهتد غير مفلح في اآلخرة؟ يوجد وإ ال ما يوجد؟ ال يوجد. ق على عمومه ،وهل يوجد ت ٍ
إذن با ٍ
يقول" :هل خرج أحد من هؤالء المتقين عن الهدى في الدنيا وعن الفالح في اآلخرة" ،إذن هو با ٍ
ق
على عمومه فهو محفوظ.
ين َكفَُرواْ ﴾ [ سورة البقرة ،اآلية : ] 6 :قيل :هو عام مخصوص ﴿ ،إِ َّن الَّ ِذ َ
ين ثم قوله ﴿ :إِ َّن الَّ ِذ َ
َكفَُرواْ﴾ ،أيش بعده؟
ين َكفَُرواْ ﴾ :هل نذ ْر ُه ْم ﴾ [ سورة البقرة ،اآلية ﴿ ،] 6 :إِ َّن الَّ ِذ َ
﴿ سواء علَ ْي ِهم أَأَن َذرتَهم أَم لَم تُ ِ
ََ ٌ َ ْ ْ ُْ ْ ْ
هو با ٍ
ق على عمومه؟ أو هو عام مخصوص ،أو عام أريد به الخصوص؟ ألن اآليات في أوائل
سورة البقرة ذكرت األصناف ،وذكرت من؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :ذكرت المؤمنين المتقين من هذه األمة فقط ،أو منهم ومن األمم
السابقة؟
طالب.......:
ون ِب َما ض ْير :هذا قول ،أنهم من هذه األمة ،والقول اآلخر ﴿ :والَّ ِذ َ
ين ُي ْؤ ِم ُن َ َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ُنز َل ِمن قَْبِل َك ﴾ من األمم السابقة.
ُنز َل إِلَ ْي َك َو َما أ ِ
أِ
طالب....:صنف...
ض ْير :هذا صنف ،المقصود أنه ذكر في صدرها المؤمنين ،ثم ثنى بالذينالش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ ََّ
كفروا ،ثم ثلث بالمنافقين.
ق على عمومه؟ ين َكفَُرواْ ﴾ :الذين من صيغ العموم؛ ألنها موصول ،فهل هذا العموم با ٍ ﴿ الَّ ِذ َ
يشمل جميع طوائف الكفر؟ أو أن من الكفار من يخرج من هذا العموم إما بمخصصات أو لم يدخل
أصالً فيكون من العام الذي أريد به الخصوص؟
ين َكفَرواْ ﴾ :قيل عام مخصوص ﴿ ،سواء علَ ْي ِهم أَأَن َذرتَهم أَم لَم تُ ِ
نذ ْر ُه ْم الَ َّ ِ
ََ ٌ َ ْ ْ ُْ ْ ْ ثم إن قوله ﴿ :الذ َ ُ
ون ﴾ :هل جميع الذين كفروا هذه صفتهم؟ يعني ما وجد من الذين كفروا أنذرهم النبي -عليه ُي ْؤ ِم ُن َ
الصالة والسالم -وآمنوا؟ نعم؟
طالب.......:
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 128 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
عام مخصوص أو أريد به الخصوص، عام مخصوصٍ ، ض ْير :إذن هو ٍ َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
بمعنى أن اهلل -سبحانه وتعالى -لما قال هذه اآلية لم يرد أولئك الذين أنذرهم النبي -عليه الصالة
والسالم -فآمنوا.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :تؤذن؟
طالب.......:
ض ْير :هم ال يستطيعون مصادمة النصوص؛ ألن المبتدع من خالف بنوع َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
شبهة ال بمعاندة ،نعم ،هؤالء المبتدعة غالبهم مخالف بنوع شبهة ،نعم؟
طالب.......:
ض ْير :هذا اللفظ يقتضي العموم ،كالمهم يقتضي العموم. َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
كأن شيخ اإلسالم في أول األمر قال :لعل مرادهم كل شيء ،ما جاء في القرآن فيه كل شيء﴿ ،
ش ْي ٍء ﴾ [ سورة األحقاف ،اآلية :ش ْي ٍء ﴾ [ سورة النمل ،اآلية ﴿ ،] 23 :تُ َد ِّم ُر ُك َّل َأُو ِت َي ْت ِمن ُك ِّل َ
يم ﴾ [ سورة شي ٍء ﴾ [ سورة الزمر ،اآلية ﴿ ،] 62 :و ُهو ِب ُك ِّل َ ٍ ِ َ ﴿ ،] 25خ ِال ُ ِّ
ش ْيء َعل ٌ َ َ ق ُكل َ ْ
البقرة ،اآلية .] 29 :
نكمل كالم الشيخ -رحمه اهلل :-ثم قوله ﴿ :إِ َّن الَّ ِذ َ
ين َكفَُرواْ ﴾ [ سورة البقرة ،اآلية ،] 6 :قيل:
هو عام مخصوص ،وقيل :هو لتعريف العهد :يعني هؤالء الذين كفروا من صناديد قريش
وعتاتهم.
اء َعلَ ْي ِه ْم أَأَن َذ ْرتَ ُه ْم ﴾ [ سورة البقرة ،اآلية : ] 6 :هذا تسلية للنبي -عليه الصالة والسالم-
س َو ٌ
﴿ َ
وقيل :هو لتعريف العهد فال تخصيص فيه؛ فإن التخصيص فرع على ثبوت عموم اللفظ.
و(أل) العهدية ،..المفرد أو الجمع إذا اقترن بـ(أل) الجنسية يفيد العموم ،صح وإ ال ال؟
(أل) الجنسية ،لكن (أل) العهدية يفيد العموم وإ ال ما يفيد؟ ال يفيد العموم ،إذن ال يحتاج إلى أن
ين َكفَُرواْ ﴾ هل هو مخصوص أو عام أريد به الخصوص ،..خرج من العموم ،إذا نبحث ﴿ إِ َّن الَّ ِذ َ
قلنا( :أل) للعهد .نعم؟
طالب.......:
ض ْير :ولو كان للوصل (الذين)؛ ﴿ الَّ ِذ َ
ين َكفَُرواْ ﴾ :يعني الذين هم على َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
عهدك.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 129 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
وقيل :هو لتعريف العهد فال تخصيص فيه؛ فإن التخصيص فرع على ثبوت عموم اللفظ ،ومن
هنا ،يقول الشيخ -رحمه اهلل :-يغلط كثير من الغالطين ،يعتقدون أن اللفظ عام ،ثم يعتقدون أنه قد
خص منه ،ولو أمعنوا النظر لعلموا من أول األمر أن الذي أخرجوه لم يكن اللفظ شامالً له ،ففرق
ّ
بين شروط العموم وموانعه وبين شروط دخول المعنى في إرادة المتكلم وموانعه.
ثم قوله ﴿ :الَ ُي ْؤ ِم ُن َ
ون ﴾ [ سورة البقرة ،اآلية : ] 6 :أليس هو عاماً لمن عاد الضمير إليه عموماً
محفوظاً؟".
ين َكفَُرواْ ﴾ ﴿ ،الَّ ِذ َ
ين َكفَُرواْ ﴾ ﴿ :الَ ُي ْؤ ِم ُن َ
ون ﴾. ون ﴾ :الضمير يعود على َمن؟ ﴿ الَّ ِذ َ ﴿ الَ ُي ْؤ ِم ُن َ
ون ﴾ :أليس هو عاماً لمن عاد الضمير إليه عموماً محفوظاً؟ :من خرج يقول :ثم قوله ﴿ :الَ ُي ْؤ ِم ُن َ
منهم؟ نعم؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :الذين آمنوا؟
طالب.......:
ض ْير :ما خرج منهم أحد ،أصالً الذين آمنوا ما دخلوا ،ما دخلوا في اللفظ َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
أصالً.
ار ِه ْم ﴾ [ سورة البقرة ،اآلية : ] 7 :شيخ
صِ ﴿ َختَم اللّ ُه علَى ُقلُو ِبهم وعلَى ِ
س ْمع ِه ْم َو َعلَى أ َْب َ
َْ َ َ َ َ
اإلسالم -رحمه اهلل -إذا أراد أن يرد -رحمة اهلل عليه -عنده طريقة االستقراء ،وهذه طريقته
-رحمه اهلل تعالى -بحيث ال يترك لمستدرك شيئاً يستدركه ،يذكر من األمثلة بحيث يذعن له
المخالف ،وكثير من الناس يضيق ذرعاً بطول الكالم ويقتصر على مثال مثالين ،ثم عاد ما يلبث
أن المخالف يطعن في هذا المثال أو ذلك ثم تبقى المسألة بال حجة.
ار ِه ْم ﴾ :أليس هو عاماً في
صِ يقول -رحمه اهللَ ﴿ :-ختَم اللّ ُه علَى ُقلُو ِبهم وعلَى ِ
س ْمع ِه ْم َو َعلَى أ َْب َ
َْ َ َ َ َ
القلوب وفي السمع واألبصار وفي المضاف إليه -يعني الهاء في قلوبهم وسمعهم وأبصارهم-؟
ُّها
هذه الصفة عموماً لم يدخله تخصيص ،وكذلك في سائر اآليات ،إذا تأملته إلى قولهَ ﴿ :يا أَي َ
ين ِمن قَْبِل ُك ََْ>ْم ﴾ [ سورة البقرة ،اآلية : ] 21 :فمن الذين اع ُب ُدواْ َر َّب ُك ُم الَّ ِذي َخلَقَ ُك ْم َوالَّ ِذ َ
اس ْ َّ
الن ُ
خرجوا من هذا العموم الثاني فلم يخلقهم اهلل؟ ﴿ الَّ ِذي َخلَقَ ُك ْم ﴾ :من الذين خرجوا من هذا العموم
ين ِمن قَْب ِل ُك ََْ>ْم﴾؟
اع ُب ُدواْ َر َّب ُك ُم الَّ ِذي َخلَقَ ُك ْم َوالَِّذ َ
اس ْ ُّها َّ
الن ُ فلم يخلقهم اهلل؟ وهذا باب واسعَ ﴿ ،يا أَي َ
ش ْي ٍء ﴾ [ سورة الزمر ،اآلية ] 62 :عموم ق ُك ِّل َقد يقول قائل :إن قوله تعالىَ ﴿ :خ ِال ُ
مخصوص ،كيف يقول الشيخ -رحمه اهلل -في هذه اآلية من الذي خرج من هذا العموم؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 130 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
يقول -رحمه اهلل :-ثم سورة اإلخالص فيها أربع عمومات؛ ﴿ َل ْم َي ِل ْد ﴾ [ سورة اإلخالص ،اآلية
: ] 3 :فإنه يعم جميع أنواع الوالدة ،كذلك ﴿ َل ْم ُيولَ ْد ﴾ [ سورة اإلخالص ،اآلية ،] 3 :كذلك ﴿
لَم ي ُكن لَّ ُه ُكفُوا أَح ٌد ﴾ [ سورة اإلخالص ،اآلية : ] 4 :فإنها تعم كل ٍ
أحد ،وكل ما يدخل في ً َ َْ
شيء من هذا خصوص؟ مسمى الكفؤ فهل في ٍ
يقول :ومن هذا الباب كلمة اإلخالص :كلمة اإلخالص التي هي أيش؟
(ال إله إال اهلل) التي هي أشهر عند أهل اإلسالم من كل كالم ،وهي كلمة (ال إله إال اهلل) ،فهل دخل
هذا العموم خصوص قط؟ هل دخل هذا العموم خصوص قط؟
فالذي يقول بعد هذا :ما من ٍ
عام إال وقد خص إال كذا وكذا ،إما في غاية الجهل ،وإ ما في غاية
التقصير في العبارة؛ فإن الذي أظنه أنه إنما عنى من الكلمات التي تعم كل شيء كما أشرنا سابقاً:
ش ْي ٍء ﴾ [ سورة األحقاف ،اآلية :ش ْي ٍء ﴾ [ سورة الزمر ،اآلية ﴿ ،] 62 :تُ َد ِّم ُر ُك َّل َ ﴿ َخ ِال ُ
ق ُك ِّل َ
ش ْي ٍء ﴾ [ سورة النمل ،اآلية ،] 23 :مع أن هذا الكالم ،] 25وما أشبه ذلك ﴿ ،أُو ِت َي ْت ِمن ُك ِّل َ
فسر بهذا ،لكنه أساء في التعبير أيضاً؛ فإن ليس بمستقيم ،مع أن هذا الكالم ليس بمستقيم ،وإ ن ّ
تعم ما دلّت عليه ،أي ما وضع
الكلمة العامة ليس معناها أنها تعم كل شيء ،وإ نما المقصود أن ّ
اللفظ له ،ظاهر وإ ال ما هو بظاهر؟
ش ْي ٍء ﴾ :ليس معناها أنها تعم كل شيء، يقول" :ليس معناها أن تعم كل شيء ﴿ ،تُ َد ِّم ُر ُك َّل َ
ش ْي ٍء ﴾ :ليس معناها أنها أوتيت من كل ما يشمله اللفظ حتى ما يخص الرجال، ﴿ أُو ِت َي ْت ِمن ُك ِّل َ
ش ْي ٍء ﴾ [ سورة القصص ،اآلية وإ نما هو في حدود اإلمكان مما يناسبهاُ ﴿ .ي ْج َبى إِلَ ْي ِه ثَ َم َر ُ
ات ُك ِّل َ
،] 57 :كل شيء على وجه األرض يجبى إليها؟!!
ولذا يقول" :ليس معناها أنها تعم كل شيء ،وإ نما المقصود أن تعم ما دلت عليه" :أي ما وضع له
لفظ في الغالب إال وهو أخص مما فوقه من العموم ،ما من ٍ
لفظ في الغالب إال وهو اللفظ ،وما من ٍ
أخص مما فوقه في العموم ،وأعم مما هو دونه في العموم والجميع يكون عاماً ،أيش معنى هذا
الكالم؟
يعني أن العموم والخصوص أمور نسبية ،فإذا قلت مثالً -على سبيل التقريب :-زيد قوي ،زيد
طويل ،كم طوله؟ مترين ،هذا طويل بالنسبة لعامة الناس.
وعمرو قصير ،كم طوله؟ ،160هذا مائتين وهذا مائة وستين ،لكن قد يوجد في الناس من يزيد
على المترين ،فإذا ضممت إليه زيداً ،..شخص طوله مائتين وأربعين مثالً -وجد وإ ال ما وجد؟
وجد -إذا ضممت إليه زيداً الذي طوله مائتين ،تقول :طويل وإ ال قصير؟ قصير نسبياً.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 132 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
وعمرو الذي طوله ،160إذا وجد بكر طوله مائة وأربعين؟ يوجد ،تقول :طويل وإ ال قصير؟ مثله
العموم والخصوص ،يوجد في العموم ما هو أعم منه ،ويوجد في الخصوص ما هو أخص منه.
إذن العموم على ثالثة أقسام :عموم محفوظ با ٍ
ق على عمومه -وهو كثير كما قرره شيخ اإلسالم
-رحمه اهلل -في الكالم الطويل الذي ذكرناه ،وعموم مخصوص ،وهو كثير جداً -وهو الذي نبحثه
ٍ
حينئذ هنا -وعموم أريد به الخصوص فال تدخل جميع أفراده في مراد المتكلم أصالً ،وال يحتاج
إلى نص يخرج بعض أفراده؛ حيث لم يدخل أصالً في مراد المتكلم كما في قوله تعالى ﴿ :الَّ ِذ َ
ين
ش ْو ُه ْم ﴾
اخ َ
اس قَ ْد َج َم ُعواْ َل ُك ْم فَ ْ اس إِ َّن َّ
الن َ ال لَ ُهم َّ
الن ُ ين قَ َ ُ اس ﴾ -كما مثلنا ﴿ -الَّ ِذ َ ال لَ ُهم َّ
الن ُ قَ َ ُ
[ سورة آل عمران ،اآلية .] 173 :
كم باقي على اإلقامة؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :كم؟
طالب ...:شيخ اإلسالم .....قوية ...يرد على....
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :إيه ،يرد على المبتدعة ،هو يرد على المبتدعة في هذا ،يرد على
المبتدعة ،نعم؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :في مسألة الرؤية ،نعم ،في مسألة الرؤية رؤية الرب -عز وجل -لما
ذكر المبتدعةُ األدلة الدالة على أن المؤمنين يرون اهلل -عز وجل -في اآلخرة أراد بعضهم أن هذه
النصوص ال تتناول النساء مثالً ،ال تتناول النساء فهذا من العام المخصوص ،أو العام الذي أريد به
ٍ
وحينئذ تكون الداللة أو الدليل ضعيف على المراد -في داللته على الخصوص فهو ضعيف،
المراد -واستطرد الشيخ كعادته في مثل هذا ،سال واديه هنالك.
اء
س َو ٌ طالب :يا شيخ .....العام المخصوص أو الذي أريد به الخصوص؟ ﴿ إِ َّن الَّ ِذ َ
ين َكفَُرواْ َ
َعلَ ْي ِه ْم ﴾ [ سورة البقرة ،اآلية ] 6 :هل يمكن أن يقال يا شيخ :أريد به الخصوص مع كون
الخاص ........ونفعت معهم اإلثارة.....،إال أن يكون مؤمناً....؟
ض ْير :على كل حال هل نستطيع أن نقول :إن هذا با ٍ
ق على عمومه؟ أو ما َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
بقي على عمومه؟
شيخ اإلسالم -رحمه اهلل -يريد أن يقرر شيئاً ،وهو أن اللفظ العام الذي أريد به الخصوص ال
يدخل فيما معنا مما ضعفت داللته؛ ألنه خصص؛ أصل المتكلم لم يرد جميع األفراد ،لم يرد جميع
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 133 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
األفراد؛ ألننا إذا خصصناه قلنا :إنه دخله المخصص فضعف ،والشيخ -رحمة اهلل عليه -يريد أن
يقرر أنه من النوع الذي لم يدخله المخصص؛ أصل المتكلم هؤالء األفراد الذين أخرجهم من أصل
االعتبار.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :إيه في حكم الخاص؛ ألنه أريد به الخصوص.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :من؟
طالب ....:الجويني قال :الخاص يقابل العام؟
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :وما دام عرفت المقابل ال بد أن تعرف ما يقابله ،إذا عرفت المقابل،..
عرفت النهار يقابله الليل
عرفت الذكر واألنثى سواء ،تحتاج إلى أن تعرف األنثى ،نعم؟ إذا َّ إذا َّ
تحتاج أن تعرف الليل؟ نعم؟ يعني إذا كانت القسمة ثنائية ،اثنان متقابالت عرفت أحدهما الباقي،..
نعم؟ يعني لو أعطيت واحداً عشرة ،وقلت له :أعطني خمسة ،وأيش مصير الخمسة الثانية؟
طالب :له.
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :لك نعم؟ إذا أعطيته عشرة يعني هذا مقابل هذا ،هذا يقابل هذا ،فإذا
تبين ،..إذا قيل :الحالل ضد الحرام ،وعرفت الحرام ،يحتاج أن تعرف الحالل؟ ما عرفت المقابل ّ
يحتاج.
إذا قيل -من المقابلة التامة في الحد :-الواجب ضد المحظور ،ثم أتيت بتعريف الواجب ،أو أنت
تتبين األشياء؛ إذا عرفت الضد عرفت
تعرف الواجب؟ بضدها ّ
تعرف المحظور من قبل يحتاج أن ّ
ضده.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :هم يتفننون في األمور التي ال إشكال فيها تكفيهم اإلشارة ،ال سيما
وإ ن هذا الكتاب إنما وضع لمن؟
للمبتدئين ،واألصل أن يكون الشرح أيضاً للمبتدئين ،مناسب للمبتدئين ،لكن نشوف الذي قدامنا -ما
شاء اهلل -كبار ما هم مبتدئين ،وإ ال أيش معنى كتاب يؤلف للمبتدئين ويشرح على هذه الطريقة
التي فيها شيء من البسط وفيها إشكاالت ،وفيها ،..لكن نالحظ الحال وإ ال لو كان نوعية الطالب
غير ما بسطنا مثل هذا البسط ،واهلل المستعان ،انتهى الوقت؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 134 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الدَّرس الثَّ ِ
ام ُن ْ ُ
بسم اهلل الرحمن الرحيم ،الحمد هلل رب العالمين ،وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد وعلى آله
وصحبه أجمعين أما بعد :فقد قال المصنف -رحمه اهلل تعالى:-
والخاص يقابل العام والتخصيص تمييز بعض الجملة ،وهو ينقسم إلى متصل ومنفصل>،
فالمتصل :االستثناء والشرط والتقييد بالصفة ،واالستثناء :إخراج ما لواله لدخل في الكالم وإ نما
يصح االستثناء بشرط أن يبقى من المستثنى> منه شيء ،ومن شرطه أن يكون متصالً بالكالم،
ويجوز تقديم المستثنى> على المستثنى> منه ،ويجوز االستثناء من الجنس ومن غيره ،والشرط
قيدت باإليمان في
يجوز أن يتقدم على المشروط ،والمقيد بالصفة يحمل عليه المطلق ،كالرقبة ّ
بعض المواضع فيحمل المطلق على المقيد.
« َّ
الش ْـر ُح » :
الحمد هلل رب العالمين ،وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه
عم
أجمعين :عرفنا في الدرس الماضي الخاص وأنه يقابل العام ،وعرفنا أنه إذا كان العام :ما ّ
شيئين فصاعداً بال حصر ،فالخاص ما كان مقابالً له بضده ،ولذا قال:
« التخصيص تمييز> بعض الجملة » :يقصد به أفراد العام ،أو إخراج بعض أفراد العام مما
يتناوله اللفظ العام.
يقول « :وهو ينقسم إلى قسمين متصل ومنفصل >،فالمتصل االستثناء والشرط والتقييد بالصفة
وهو » :الضمير يعود على أيش؟ التخصيص أو الخاص؟ هل نقول :إنه يعود إلى أقرب مذكور
المخصص المفهوم
ِّ وهو التخصيص ،أو نقول :يعود إلى ما قبله وهو الخاص؟ نعم؟ أو يعود إلى
من التخصيص؟
المخصص -وإ ن قلنا:
ِّ على كل حال الفرق سهل يعني ،الخطاب سهل وهو -أي الخاص أو
بخاصٍ ،..
بلفظ خاص متصل أو منفصل. ٍ التخصيص يكون
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 135 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
ثم قال « :وهو ينقسم إلى متصل> ومنفصل ،فالمتصل » :االستثناء والشرط والتقييد بالصفة.
المخصصات ،جعل من المخصِّصات
ِّ « والتقييد بالصفة » :اآلن جعل التقييد من ضمن
المتصلة ،االستثناء والشرط وهذا واضح ،ثم أردف ذلك بقوله :والتقييد بالصفة :يعني هل التقييد
تخصيص؟ أو التقييد شيء والتخصيص شيء آخر؟
الحظ عبارة المؤلف ،يقول « :وهو ينقسم إلى متصل> ومنفصل ،فالمتصل االستثناء والشرط
والتقييد بالصفة ».
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :كيف؟
« فالمتصل االستثناء والشرط والتقييد بالصفة » :أيش عندك؟
طالب :التقييد بالشرط والتقييد بالصفة!
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :يجي التقييد بالشرط؟ أو تخصيص بالشرط؟
طالب ... :تقييد بالصفة...
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :خلي التقييد بالصفة انتهينا ،لكن التقييد بالشرط أيش معناه؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :شو لون تجي تقييد بالشرط؟ تخصيص بالشرط ماشي لكن تقييد
بالشرط؟!
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :هذا تخصيص وإ ال تقييد؟
طالب....:تقييد...
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :هذا تكرار ،هذا تكرار ،ونعرف أنه خلط بين التقييد والتخصيص،
كثير من أهل العلم يخلطون بينهما بالجامع بين التقييد والتخصيص وهو التقليل واإلخراج،
اإلخراج لبعض أفراد العام بالتخصيص ،واإلخراج لبعض أوصاف المطلق بالتخصيص ،فهما من
هذه الحيثية متداخالن ،من هذه الحيثية باعتبار أن كالً منهما تقليل وإ خراج ،وإ ن كان التخصيص
يختص بتقليل األفراد ،والتخصيص يختص بتقليل األوصاف ،ولذا قال :والتقييد بالصفة :ما قال:
التخصيص بالصفة ،وإ ن أدرج التقييد بالصفة ضمن المخصصات ففيهما ،..بينهما شوب موافقة،
واألصل فيهما االختالف ،الموافقة من أي جهة؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 136 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
أن كالً منهما تقليل وإ خراج ،واالنفصال من جهة كون التخصيص في األفراد ،ومن جهة كون
التقييد في األوصاف.
الخلط يحصل في هذا كثيراً؛ تجد الشراح –شراح الحديث -حينما يشرحون حديث الخصائص« :
وجعلت تربتها » :يخلطون مرةً يقولون :يخص العام بالخاص ،وهو التربة ،ثم يقولون :هل
يحمل المطلق على المقيد في هذا أو ال يحمل!!
يحصل خلط يعني؛ فأول الكالم ينصب إلى التخصيص وآخره ينتهي بالتقييد -عند من يقول بأنه ال
النصين في باب التيمم مبسوط في غير هذا الموضع ،بسطناه
ُيتيمم إال بالتراب -وتفصيل ما بين ّ
مراراً.
نعود إلى كالم المؤلف:
"وهو" :عرفنا أن الضمير يعود إلى المخصص المفهوم من التخصيص ينقسم إلى قسمين كما ذكر
المؤلف :متصل ومنفصل :والمتصل بحيث يرد العام مع الخاص في ٍ
نص واحد ،والمنفصل إذا
نص مستقل ،والخاص في ٍ
نص آخر مستقل. ورد العام في ٍ
فإذا جاء اللفظ العام في السياق نفسه ،ثم جاء في السياق نفسه ما يخصصه هو المتصل وإ ال
فالمنفصل.
ثم ذكر من المخصصات المتصل :االستثناء والشرط والتقييد بالصفة.
يقول الناظم:
ثم شرع -رحمه اهلل -في بيان ما أجمله على طريقة أيش؟
اللف والنشر.
مرتب وإ ال غير مرتب؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 137 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
يقول « :فالمتصل االستثناء والشرط والتقييد » :ثم ذكر االستثناء ثم الشرط ثم المقيد على سبيل
اللف والنشر المرتب.
قال « :واالستثناء إخراج ما لواله لدخل في الكالم » :ثم ذكر شروطه « :االستثناء إخراج ما
لواله لدخل في الكالم ،وإ نما يصح بشرط أن يبقى من المستثنى منه> شيء ،ومن شرطه :أن
يكون متصالً بالكالم » :االستثناء في األصل استفعال من الثني بمعنى العطف؛ ألن المستثنى
معطوف عليه بإخراجه من حكم المستثنى منه ،أو بمعنى الصرف؛ ألنه مصروف عن حكم
المستثنى منه.
والسين والتاء؟
طالب.......:
ض ْير :طلب ،هاه للطلب؟ نعم؟ تجي ،تجي هنا للطلب؟ نعم؟ طلب الثنية هنا؟ َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
إذا قيل :هذا استثناء ،قام القوم إال زيداً ،هذا استثناء ،أو هذا ثنيا؟
االستثناء والثنيا بمعنى واحد ،ولذا يقولون :السين والتاء هنا زائدتان" ،نهى عن الثنيا ما لم تعلم"،
نهى عن الثنيا ما لم تعلم" :فالثنيا هي االستثناء ،وليس االستثناء طلب الثنيا ،إذن السين والتاء كما
قالوا :زائدتان.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :كيف؟
طالب.......:
ض ْير :أنت لما تقول :قام القوم إال زيداًِ ،
أعط القوم إال محمداً :أنت تستثنى َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
وإ ال تثني؟ هل هذا استثناء أو ثنيا؟ غيرك يطلب منك أن تستثني ،نعم؟
لما تقول :أوصي أو أوقف أو غلّة هذا الوقف لبني تميم ،إن طلب منك أن تستثني صار االستثناء
السين والتاء على بابها للطلب ،لكن إن استثنيت أنت من غير طلب -من نفسك بادرت باالستثناء-
بمعنى واحد. فتكون ثنيا أو استثناء
ً
عرفه المؤلف -عرف االستثناء « :-إخراج ما لواله لدخل في الكالم » :وفي شرح األشموني
على األلفية -ألفية ابن مالك -االستثناء" :هو اإلخراج بـ(إال) أو إحدى أخواتها لما كان داخالً أو
منزالً منزلة الداخل" :فاإلخراج جنس وبـ(إال) إلى آخره يخرج التخصيص بغير االستثناء -يخرج
التخصيص بغير االستثناء -بالشرط والصفة على ما سيأتي -وما كان داخالً يشمل الداخل حقيقةً
والداخل تقديراً ،وهو المفرغ.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 138 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
والقيد األخير -المنزل منزلة الداخل -يذكر إلدخال االستثناء المنقطع؛ ألنه عندنا استثناء متصل
وآخر منقطع :قام القوم إال زيداً :هذا استثناء متصل ،وقام القوم إال حماراً -مثالً :-استثناء
منقطع ،لماذا؟ ألن المستثنى من غير جنس المستثنى منه.
والضمير « فيما لواله » :عائد إلى اإلخراج ،يعني لوال اإلخراج موجود لدخل ذلك المخرج في
حكم الكالم السابق.
حرم ٍ
ومثّل له بأمثلة كثيرة لكن ،..منها « :الصلح جائز بين المسلمين إال صلحاً أح ّل حراماً أو ّ
حرم حالالً » [هذا مخرج في السنن
حالالً » و« المسلمون على شروطهم إال شرطاً أح ّل حراماً أو ّ
وهو صحيح لغيره].
ثم ذكر ما يشترط لالستثناء:
« وإ نما يصح بشرط أن يبقى من المستثنى منه> شيء » :بشرط أن يبقى من المستثنى منه شيء،
لو قلت مثالً :عندي عشرة إال عشرة ،يصح االستثناء وإ ال ما يصح؟ نعم؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :أيش يلزمك إذا قلت :عندي عشرة إال عشرة؟ كم يلزمك؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :العشرة كاملة؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :نعم؟ كيف؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :إذن صححنا االستثناء إذا قلنا :ال شيء؛ إذا طرحنا العشرة من
العشرة صار صفر ،وهذا إذا اعتبرنا االستثناء ،وهم يشترطون في صحة االستثناء أن يبقى منه
شيء -على الخالف بين أهل العلم هل يشترط أن يبقى األكثر أو ال يشترط -كما لو قال :عندي
عشرة إال تسعة ،يلزمه واحد ،أو ال بد أن يكون االستثناء أقل من النصف ،مسألة خالفية.
ولذا قالوا في شرطه :أن يبقى من المستثنى منه شيء ،فال يجوز أن يكون مستغرقاً لجميع أفراد
علي
علي عشرة إال خمسةَّ ،
علي عشرة إال عشرة ،لكن يجوز نحو له ّ العام ،فال يجوز مثل :له ّ
ٍ
وحينئذ يلزمه على األول :خمسة ،وعلى الثاني :سبعة، علي عشرة إال تسعة،
عشرة إال ثالثة ،وله َّ
وعلى الثالث :واحد.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 139 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
ٍ
وحينئذ علي عشرة إال عشرة ،لم يصح االستثناء،
فلو استغرق بأن لم يبق منه شيء كما لو قال :له ّ
تلزمه العشرة كاملة.
أما استثناء أقل من النصف فهو جائز باإلجماع -كما قال الشوكاني وغيره -وأما استثناء النصف
ففيه خالف ،والجمهور على جوازه ،وأما استثناء األكثر فأكثر األصوليينـ على الجواز ،وهذا
علي عشرة إال
رجحه الشوكاني ،ومنعه اإلمام أحمد وأصحابه ،وهو قول للشافعي ،إذا قلت :له ّ
علي عشرة إال سبعة ،ما السبب في كونه ال يجوز استثناء -االستثناء إذا استغرق جميع
سبعة ،له ّ
المستثنى منه -نعم؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :اآلن هم يفرقون بين العام المخصوص ،والعام الذي أريد به
الخصوص ،أن يكون الباقي من أفراد العام في العام المخصوص أكثر -أكثر مما أخرج منه-
وفي العام الذي أريد به الخصوص يكون الخصوص أكثر من العموم ،فالقائل –المتكلم -حينما
يتكلم بلفظ عام ويريد به الخصوص ،هل يريد بذلك أكثر الناس؟ حينما يريد بلفظ عام يريد به
الخصوص ،يأتي بلفظ عام يريد به الخصوص ،هل يريد به أكثر الناس؟ نعم؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :كيف؟
طالب.......:
اس﴾
الن ُ ُ ض ْير :هو أراد به الخصوص ،لكن هل إذا قال ﴿ :الَّ ِذ َ
ين قَا َل لَ ُهم َّ َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
[ سورة آل عمران ،اآلية ،] 173 :واعتبرنا أنه على وجه األرض من الناس مليار مثالً ،هل
نقول :إنه يريد حينما يقول هذا الكالم أكثر من النصف ،أو يريد أفراد أقل من النصف؟
طالب.......:
اس ﴾ واحد ﴿ ،إِ َّن
الن ُ ُ ض ْير :بغض النظر عن المثال نفسه؛ ﴿ الَّ ِذ َ
ين قَا َل لَ ُهم َّ َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
اس ﴾ [ سورة آل عمران ،اآلية : ] 173 :المراد بهم جمع ،لكنهم أقل من النصف ،قطعاً أقل الن َ َّ
من نصف من على وجه األرض؛ ألن (الناس) إذا قلنا :إنه اسم جنس معرف بـ(أل) االستغراقية
قلنا :إنه من ألفاظ العموم ،واألصل أنه يشمل جميع الناس ،هذا األصل ،لكن هذا عام أريد به
الخصوص ،وعلى هذا ما يفرقون به العام المخصوص والعام الذي أريد به الخصوص ،أن العام
المخصوص يكون التخصيص إخراج أقل مما بقي من أفراد العام ،والخصوص الذي أريد باللفظ
العام يكون ،..أيش؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 140 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :أقل ،أقل بكثير ،بكثير مما يتناوله اللفظ العام.
إذا قال شخص في بيته :اعطوا األوالد كل واحد لاير ،وقلنا :إن األوالد جمع ،وعرف بـ(أل) فهو
من صيغ العموم (-أل) الجنسية -يشمل األوالد -أوالد هذا المتكلم وأوالد الجيران ،وأوالد
أصحاب البلد كلهم ،وأوالد البلدان كلهم -لكن هو هل يريد ها الخلق كلهم؟ ال ،إنما هو يريد
الخصوص ،هو يريد أوالده هو.
قد يقول قائل :إن (أل) هذه ليست الجنسية ،وإ نما هي (أل) العهدية ،صح وإ ال ال؟
لكن لقائل أن يقول :إن هذه (أل) الجنسية؛ ألنه لم يتقدم ما يدل على إرادة (أل) العهدية( ،أل)
العهدية إذا تقدم لهم ذكر ،راح األوالد ،جاء األوالد من المدرسة ،فعلوا ،تركوا ،أعطوا األوالد،
ابتداء وليس في
ً ابتداء :أعطوا األوالد ،نعم،
ً فيكون المراد بهم األوالد المعهودين ،لكن إذا قال
السياق ما يدل على إرادة العهد نقول :هذا عام ،لكنه عام باق على عمومه محفوظ وإ ال أريد به
الخصوص؟ نقول :هذا عام أريد به الخصوص ،وكم نسبة األوالد المراد إعطائهم لنسبة من ينطبق
عليه هذا اللفظ؟
ها ويش تقول؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :واحد من أيش؟ من مليون يمكن ،أو أكثر ،أو أقل من واحد من
مليون.
حينما نقول هذا الكالم ونبين وجه الفرق بين العام الذي أريد به الخصوص ،العام المخصوص
وسبق أن تحدثنا عنه مراراً ،وأن العموم ليس مراداً للمتكلم فيما يريد به الخصوص ،بينما هو مراد
للمتكلم في العام المخصوص.
هنا نقول :هذه من حجج من يقول :إنه ال يجوز استثناء أكثر من النصف ،وهذه أصح الروايتينـ
عن أحمد ،وهي قول للشافعي.
أما استثناء األكثر فأكثر األصوليينـ على جوازه ورجحه الشوكاني ،ومنعه اإلمام أحمد وأصحابه،
وهذا الخالف -يعني في االستثناء ،استثناء أكثر من النصف -إنما هو في استثناء العدد :له عشرة
إال كذا ،له مائة إال كذا ،أما االستثناء من الصفة ،قالوا :فيصح استثناء األكثر أو الكل ،ومنه قوله
ين ﴾ [ سورة الحجر، ان إِالَّ َم ِن اتََّب َع َك ِم َن ا ْل َغ ِ
او َ ط ٌس ْل َ ِ ِ
تعالى إلبليس ﴿ :إِ َّن ع َبادي لَ ْي َ
س لَ َك َعلَ ْي ِه ْم ُ
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 141 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
ص َت
اس َولَ ْو َح َر ْ اآلية ،] 42 :فاستثنى الغاوين ،وهم األكثر كما في قوله تعالىَ ﴿ :وما أَ ْكثَُر َّ
الن ِ َ
ين ﴾ [ سورة يوسف ،اآلية .] 103 : ِب ُم ْؤ ِم ِن َ
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :أيوه؟
طالب.......:
ِ ِ
ان ﴾ [ سورة الحجر ،اآلية :
ط ٌس ْل َ ض ْير ﴿ :إِ َّن ع َبادي لَ ْي َ
س لَ َك َعلَ ْي ِه ْم ُ َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
.] 42
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :وأيش المانع من أن يكون متصالً؟
األصل أن العباد كلهم ليس له عليهم سلطان ،إال من اتبعه ،وحينئذ يكون استثنى األكثر ،استثنى
األكثر .استثنى في مختصر التحرير ما إذا كان استثناء األكثر من دليل خارج عن اللفظ ،إذا كان
الدليل خارجاً عن اللفظ كما في اآليتين السابقتين وحينئذ ال يدخل فيما معنا ،لماذا ال يدخل؟ ألن
الذي معنا االستثناء المتصل ،واالستثناء بالدليل الخارجي هو االستثناء المنفصل ،لكن النص الذي
فيه االستثناء متصل وإ ال منفصل؟ متصل ،لكن الداللة على المراد من االستثناء منفصلة ،الداللة
على المراد من االستثناء منفصلة.
من شرطه أيضاً أن يكون االستثناء منطوقاً بحيث يسمع من بقربه؛ لو استثنى بقلبه ،استثنى بقلبه:
اعط األوالد كذا ،ثم استثنى بقلبه إال فالن ،يصح وإ ال ما يصح؟
قالوا :ال بد أن يكون االستثناء منطوقاً به.
واستثنى في مختصر التحرير يمين المظلوم الخائف بنطقه ،أيش مثاله؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :نعم ،يمين الخائف المظلوم بنطقه ،يعني إذا نطق باالستثناء حصل له
ظلم ،وحينئذ يستثني بقلبه.
من شرطه أن يكون متصالً بالكالم إما حقيقة أو حكماً :فاألول :أعتق العبيد إال زيداً ،هذا متصل
بالكالم حقيقة ،الثاني :أن يحصل فاصل اضطراريـ يضطره إلى أن يفصل بين المستثنى
والمستثنى منه بحيث ال يستطيع دفعه ،كالسعال والعطاس ،وما أشبه ذلك.
ولذا حينما يشترطون أن تكون اآليات في الفاتحة متتابعة على الهيئة المشروعة لو حصل فاصل
اضطراري مثل هذا فهي متصلة حكماً ،وعلى هذا فإن حصل فاصل بينهما من سكوت بطل
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 142 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
إذا ُذ ِّكر ثم تذكر فاستثنى نفعه ذلك ،شريطة أن يكون متصالً بالكالم ،أو في المجلس إذا كان هناك
خيار ،إذا اشترى شخص من آخر سيارة ،نعم ،اشترى سيارة ،وقال :أنا اشتريت هذه السيارة بمائة
ألف إال إن كان الولد اشترى لنا سيارة غيرها ،هذا متصل ومستحضر ،ماشي؟ يصح االستثناء
وإ ال ما يصح؟ نعم؟ يصح ما فيه إشكال.
إذا انتظر وهم في المجلس باقون وهم يكتبون العقد قبل التفرق -بعد ربع ساعة مثالً من اإليجاب
والقبول -قال :إال إذا كان الولد اشترى سيارة ،ينفع وإ ال ما ينفع؟ وما في باله االستثناء ،وإ نما طرأ
عليه فيما بعد ،احتمال يكون الولد عاد لقى له سيارة ثم نزل وجابها ،وهم ما يبغون إال واحدة ،ما
يبغون إال سيارة واحدة ،نعم؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :كيف؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :يعني ينفعه االستثناء؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :ما ينفعه االستثناء؟ كيف؟
طالب.......:
ض ْير :نقول :هذه صور ،تلك صورة ،وهذه صورة ،ويأتي صورة ثالثة، َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
نعم ،بعد التفرق وبعد أن وصل إلى البيت قال :إال إن كان الولد اشترى لنا سيارة ،ينفع وإ ال ما
ينفع؟
ال بد من اعتبار هذه الصور :صورة مع العقد ،وصورة بعد العقد في وقت اإلمكان ،وصورة بعد
العقد بعد وقت اإلمكان ،األولى ال إشكال فيها صحيحة عند الجميع ،والثانية :صحيحة لذاتها أو
لكون العقد معلق بالتفرق؟ نعم؟
طالب :لكون.....
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :سهل لكون العقد معلق.
بعض العلماء -ويذكر عن ابن عباس -أن االستثناء ينفع ولو بعد شهر.
طالب........:
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 144 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
فإنهم يرجون منه> شفاعة *** إذا لم يكن إال النبيون شافع
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :أعد أعد؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :هذا متقدم؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :يعني االستثناء األول من نفس الجملة هذه وإ ال من الجملة التي قبلها؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :ال ،اختلطت.
ثم قال -رحمه اهلل تعالى :-ويجوز االستثناء من الجنس ومن غيره :االستثناء من الجنس واضح،
كقولك :قام القوم إال زيداً وقام النساء إال هنداً ،وأما من غير الجنس فالمراد به االستثناء المنقطع
كـ :قام القوم إال حماراً.
إذا قلت :قام القوم إال هنداً من األول وإ ال من الثاني؟
طالب :من األول؟
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :من الجنس أو من غير الجنس؟ قام القوم إال هنداً؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :كيف؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :للرجال والنساء؟ يمكن؟ تدخل النساء في القوم أو ال تدخل؟ ﴿ :اَل
س َخ ْر﴾ ... َي ْ
وم ِّمن قَ ْوم ﴾ [ سورة الحجرات ،اآلية .] 11 :
طالب ﴿ :قَ ٌ
ض ْير :أيش اللي بعده؟ َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ِ
ساء ﴾ [ سورة الحجرات ،اآلية .] 11 : ساء ِّمن ِّن َطالبَ ﴿ :واَل ن َ
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :إذن تدخل النساء في القوم وإ ال ما تدخل؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :كيف تدخل؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 146 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
طالب.......:
ِ
ساء ِّمن ِّن َ
ساء ﴾ [ سورة وم ِّمن قَ ْوم ﴾ ﴿ َواَل ن َ
س َخ ْر قَ ٌ
ض ْير ﴿ :اَل َي ْ َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
الحجرات ،اآلية ] 11 :
طالب.....:تأكيد يا شيخ.
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :تأكيد أليش؟
طالب.......:
ض ْير :على كل حال من أهل العلم من قال :إن النساء ال تدخل في القوم. َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
الرهط :قام الرهط إال زيداً ،تدخل فيه النساء وإ ال ما تدخل؟ قام الرهط إال هنداً.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :كيف؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :لكن ليس فيهم امرأة ،وهنا قالوا :القوم ال تدخل فيهم النساء؛ بدليل
هذه اآلية ،ومنهم مثل ما قلتم :إنها داخلة وعطف النساء على القوم من باب عطف الخاص على
العام؛ لالعتناء –للعناية -بشأن الخاص ،ولبيان أن السخرية في النساء أكثر منها في الرجال،
السخرية في النساء أكثر منها في الرجال ،واهلل المستعان.
علي ألف إال ثوباً ،منقطع وإ ال متصل ،أو يحتمل؟
علي ألف إال ثوباً ،له َّ
فعلى هذا لو قال :له َّ
طالب :يحتمل.
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :كيف يحتمل؟
طالب :قد يكون له ألف ثوب.
ض ْير :ألف ثوب احتمال ،لكن لو أطلق ،قال هذه الكلمة :له علي ألف إال َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ثوباً ،قال :أنا أقصد ألف لاير ال أقصد ألف ثوب ،واالستثناء منقطع يقبل وإ ال ما يقبل؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :الشيخ كيف ......ثوب.
طالب.......:
علي ألف ثوب.
ض ْير :ما قالَّ : َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
طالب.......:
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 147 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :إال ثوباً ،يقول :االستثناء المنقطع معروف في لغة العرب ،معروف
في القرآن ،وهذا استثناء منقطع.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :مثل أيش؟
طالب.......:
ض ْير :أن يكون المقَر له ،نعم ،أو ِ
المقر صاحب ثياب مثالً ،يورد ثياباً ،لكن َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
إذا قال :له علي ألف دينار أو ألف درهم إال ثوباً ،عرفنا أن هذا االستثناء منقطع ،وحينئذ يصح
االستثناء؛ ألنه قال :ويجوز االستثناء من الجنس وغيره :وعلى هذا تسقط قيمة الثوب من األلف،
ُّها
بكم الثوب؟ مائة لاير ،إذن عندك تسعمائة ،وعلى هذا أكثر األصوليينـ كما في قوله تعالىَ ﴿ :يا أَي َ
ون ِت َج َارةً َعن تََر ٍ
اض ِّمن ُك ْم ﴾ [ سورة النساء، ين آم ُنواْ الَ تَأْ ُكلُواْ أَموالَ ُكم ب ْي َن ُكم ِبا ْلب ِ
اط ِل إِالَّ أَن تَ ُك َ َْ ْ َ ْ َ
َّ ِ
الذ َ َ
اآلية : ] 29 :هل التجارة عن التراضي من أكل األموال بالباطل؟
ال ،إذن االستثناء منقطع كما في قوله تعالى ﴿ :اَل يسمع َ ِ
ساَل ًما ﴾ [ سورة مريم، يها لَ ْغ ًوا إِاَّل َ
ون ف َ َ َُْ
اآلية : ] 62 :فالسالم ليس من اللغو.
ومنعه آخرون كما في أصح الروايتينـ عن أحمد ونسبه اآلمدي إلى األكثرين ،يقول الخرقي في
مختصره" :من أقر بشيء واستثنى من غير جنسه كان استثناؤه باطالً" ،وعلى هذا فقوله :له علي
ألف إال ثوباً ،تلزمه األلف كاملة ،واالستثناء له.
أما الشرط الشرعي الذي يلزم من عدمه العدم ،ومثله الشرط العقلي كالحياة للعلم فال تخصيص
بهما ،وحينئذ يجوز تقديمه على المشروط -تقديم الشرط على المشروط -أو الشرط ،..كما في
المثال السابق ،أكرم العلماء إذا عملوا بعلمهم.
اج ُك ْم إِن لَّ ْم َي ُكن لَّ ُه َّن َولَ ٌد ﴾ [ سورة النساء ،اآلية : ِ
ف َما تََر َك أ َْز َو ُ
صُفي قوله تعالىَ ﴿ :ولَ ُك ْم ن ْ
] 12هنا تقديم المشروط على الشرط ،ويجوز عكسه تقديم الشرط على المشروط ،نحو :إن جاء
بنو تميم فأكرمهم ،ونحو قوله تعالى ﴿ :وإِن ُك َّن أُواَل ِت حم ٍل فَأ ِ
َنفقُوا َعلَ ْي ِه َّن َحتَّى َي َ
ض ْع َن َح ْملَ ُه َّن ﴾ َْ َ
[ سورة الطالق ،اآلية .] 6 :
نأتي عاد إلى اإلشكال في كالم المؤلف حينما عطف التقييد على االستثناء والشرط.
ثم قال -رحمه اهلل تعالى:-
« والمقيد بالصفة يحمل عليه المطلق كالرقبة قيدت باإليمان في بعض المواضع وأطلقت في
بعض المواضع فيحمل المطلق على المقيد » :اآلن هو أقحم التقييد مع المخصصات ،وعرفنا
وجه الشبه بين التقييد والتخصيص ووجه االفتراق ،وعرفنا أنهما يشتبهان أن كالً منهما إخراج،
وكل منهما تقليل ،ويختلفان في كون التخصيص تقليالً لألفراد ،والتقييد تقليالً لألوصاف.
وهنا يقول « :والمقيد بالصفة » :فلما ذكر االستثناء والشرط عقبهما بالتقييد بالصفة ،يعني لو
قال :أكرم العلماء المحدثين :العلماء عام ،والمحدثين وصف يصير تخصيصاً وإ ال تقييداً؟
أوالً :لفظ العلماء :هل هو لفظ عام أو لفظ مطلق؟
طالب :عام
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :لفظ عام؛ ألن (أل) الجنسية دخلت على الجمع ،نعم ،فهو من صيغ
العموم ،المحدثين تخصيص وإ ال تقييد؟
طالب :تقليل للعدد بالوصف.
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :كيف؟
طالب :تقليل للعدد بالوصف.
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :تقليل للعدد بالوصف ،ومن هنا يتبين أن إدخال التقييد في
المخصصات له وجه ،وعرفنا أنهما يجتمعان في شيء ويختلفان في شيء آخر ،فالذين خلطوا في
حديث الخصائص حقيقة قد يعذرون نعم ،يعني « جعلت لي األرض مسجداً وطهوراً » ،مع قوله
-عليه الصالة والسالم « :-جعلت تربتها لنا طهوراً » :نعم ،من أهل العلم قال :ال يجوز التيمم
إال بالتراب ،ومنهم من قال :يجوز التيمم بالتراب وغير التراب ،فالذين قالوا يجوز التيمم بالتراب
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 149 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
التحرير" :وقد يجتمعان في لفظ باعتبار الجهتين يكون اللفظ مطلقاً من وجه ومقيداً من وجه آخر":
يعني رقبة مؤمنة :هل هي مقيدة من كل وجه؟
وإ ن قيدت بالوصف المعتبر المؤثر في الحكم وهو اإليمان إال أنها أطلقت ،أطلقت من جهات -من
أوصاف-؛ لعدم اعتبار هذه األوصاف.
يقول :كالرقبة قيدت باإليمان في بعض المواضع وأطلقت في بعض المواضع ،فيحمل المطلق على
المقيد :عرفنا أن الرقبة أطلقت في آية الظهار وقيدت في آية القتل ،يحمل المطلق على المقيد
لماذا؟ نعم؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :كيف؟
طالب.......:
ض ْير :يعني في كل لفظ مطلق أو مقيد نحمل المطلق على المقيد؟ َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
الحنفية قالوا :ما يحمل المطلق على المقيد ،تقول لهم :إال يحمل المطلق على المقيد هنا؟
طالب.......:
إطالق وتقييد؛ ألنه حينما
ٌ إطالق وتقييد،
ٌ ض ْير :ال هذا إطالق وتقييد ،هذا َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ير َرقَ َب ٍة ِّمن قَْب ِل أَن َيتَ َم َّ
اسا ﴾ [ سورة المجادلة ،اآلية ،] 3 :ما جاء بلفظ العموم، قال ﴿ :فَتَ ْح ِر ُ
يعني تحرير رقبة واحدة ،فرد من جنس ،لكن هذا الفرد له أوصاف ،قيد في نصوص أخرى،
فالذين يقولون :بحمل المطلق على المقيد في مثل هذه الصورةـ قالوا :التحاد الحكم وإ ن اختلف
السبب ،اتحاد الحكم وإ ن اختلف السبب ،فالحكم في الرقبة المعتقة في كفارة الظهار الوجوب،
وجوب اإلعتاق ،والحكم في إعتاق الرقبة في كفارة القتل هو الوجوب ،والسبب مختلف؛ هذا
الظهار وهذا القتل ،فإذا اتحدا في الحكم وجب حمل المطلق على المقيد وإ ن اختلف السبب.
الحنفية ما يقولون بهذا ،وقد يدافع عنهم بعض الناس فيقول :كم ذكر القيد في آية كفارة القتل؟ كم
مرة؟ كم كرر هذا القيد؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :مرة واحدة؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :شوف أول صفحة ثالثة وتسعين ،نعم ،كم؟
طالب.......:
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 151 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
ض ْير :كرر مراراً في نص واحد ،فدل على أن هذا الوصف معتبر في هذا َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
الموضع؛ ألنه بقتله هذه النفس المؤمنة ال بد أن يوجد بدلها نفساً مؤمنة ،لكن في الظهار ما أعدم
نفساً مؤمنة ،ظاهر وإ ال ما هو بظاهر؟
نعم ،ولذا والعتبار هذا الوصف في هذا الموضع كرر مراراً ،بينما في المواضع األخرى ما ذكر
فضالً عن كونه يكرر ،فلو كان معتبراً لذكر ،هذا قول من يدافع عنهم ،أنا ما رأيت هذا الكالم لهم،
لكن يمكن أن يدافع عنهم بهذا.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :كيف؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :أنا أدافع عنهم بهذا ،لكن أنا مع الجمهور على كل حال ،أنا مع
الجمهور في كون الرقبة ال بد أن تكون مؤمنة في جميع الكفارات ،في جميع الكفارات ال بد أن
تكون مؤمنة؛ لالتحاد في الحكم وإ ن اختلف السبب وهذه هي صورة من صور حمل المطلق على
المقيد.
الصورة الثانية :وهي أولى منها بالحمل ،وهي ما إذا اتحد الحكم والسبب معاً ،إذا كان الحنفية
خالفوا في الصورة األولى فإنهم يتفقون مع الجمهور في الصورة الثانية ،إذا اتحدا في الحكم
والسبب حمل المطلق على المقيد ،كالدم جاء مطلقاً في قوله -جل وعالُ ﴿ :-حِّر َم ْت َعلَ ْي ُك ُم ا ْل َم ْيتَ ُة
َّم ﴾ [ سورة المائدة ،اآلية ] 3 :وجاء مقيداً في قولهُ ﴿ :قل الَّ أَ ِج ُد ِفي َما أ ُْو ِح َي إِلَ َّي ُم َحَّر ًما َوا ْلد ُ
وحا ﴾ [ سورة األنعام ،اآلية ،] 145 :فالدم غير ط ِ
اعٍم َي ْط َع ُم ُه إِالَّ أَن َي ُك َ
سفُ ًون َم ْيتَ ً>ة أ َْو َد ًما َّم ْ َعلَى َ
المسفوح حالل ،فيحمل المطلق على المقيد لالتحاد في أيش؟ في الحكم والسبب.
إذا اختلفا في الحكم والسبب يحمل المطلق على المقيد وإ ال ما يحمل؟
ال يحمل اتفاقاً؛ اختلفا في الحكم والسبب ،اليد في آية الوضوء مقيدة بكونها إلى المرافق ،وفي آية
ط ُعواْ أ َْي ِد َي ُه َما ﴾ [ سورة المائدة ،اآلية ] 38 :إلى الس ِ
ارقَ ُة فَا ْق َ ق َو َّ الس ِ
ار ُ السرقة مطلقة ﴿ َو َّ
المرافق؟ ال ،لماذا ال نحمل المطلق على المقيد؟ لالختالف في الحكم والسبب وهذا يكاد يكون
إجماعاً.
والصورة الثالثة :وهي تتميم القسمة فيما إذا اتفقا في السبب واختلفا في الحكم ،اتفقا في السبب
واختلفا في الحكم ،ومثاله اليد أيضاً اليد في آية الوضوء ،واليد في آية التيمم ،السبب واحد وهو
الحدث والحكم مختلف؛ هذا غسل وهذا مسح وحينئذ ال يحمل المطلق على المقيد خالفاً للشافعية.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 152 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
هناك بعض األمثلة ،وفيها إشكال ودقة في تطبيق مثل هذه القواعد عليها ،مثل اإلسبال :اإلسبال
جاء فيه اإلطالق والتقييد « :ما أسفل من الكعبين فهو في النار » :هو مقيد وإ ال مطلق ذا؟
نعم ،مطلق ،وجاء التقييد « من جر ثوبه خيالء » :من أهل العلم من يقول :يحمل المطلق على
المقيد وينتهي اإلشكال ،اللي ما يجر ثوبه خيالء ما عليه شيء ،ولعلكم تالحظون بعض من ينتسب
إلى العلم قد يسبل ،انطالقاً من هذا ،لكن له وجه أو ليس له وجه؟ إذا طبقناه على الصور األربع
السابقة الحكم واحد وإ ال مختلف؟
الحكم مختلف ،الحكم مختلف ،يعني يشترك الجميع في التحريم ،لكن يبقى أن هذا له حكم؛ هذا في
النار وهو أسهل من الحكم في النص الثاني « :من جر إزاره خيالء » « ،من جر ثوبه> خيالء »
،أيش حكمه؟
طالب :ال ينظر اهلل إليه.
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :ال ينظر اهلل إليه ،هذا أشد نسأل اهلل العافية.
فعلى هذا ال يحمل المطلق على المقيد في هذه الصورة.ـ
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :نعم.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :إيه.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :بالوصف.
طالب :إذا قلنا هذا ،ما يمكن أن نقول هذا الكالم في المطلق بشكل عام أو في المقيد بشكل
عام.....؟
ض ْير :إيه لكن هل هذا الوصف متعقب للفظ عام أو للفظ مطلق؟ َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
قلنا مثل هذا الكالم لما جاء الوصف متعقباً للفظ عام ،الباب ،باب اإلطالق مع التقييد والتخصيص
بينهما تداخل كبير ،وفي التفريق بينهما غموض يحتاج إلى انتباه.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :أيش لون؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :تقليد ،ما تقول :تقييد ،ال.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 153 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :نعم ،إيه ،أو إن شئت فقل هو تخصيص بالصفة مثل ما قال المؤلف،
تخصيص بالصفة ،نعم؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :تخصيص بالصفة؛ ألن اللفظ عام ،العلماء عام ،جمع مقترن بـ(أل)
الجنسية ،عام إال لو جاء ما يدل على إرادة الخصوص ،نعم ،لو جاء ما يدل على إرادة الخصوص
ال بأس.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :كيف؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :إيه.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :يقولون :هذا ليس استثناء إنما هو استدراك (لكن) يقولون :هذا ليس
من باب االستثناء وإ نما هو استدراك.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :كيف؟
طالب.......:
ير َرقَ َب ٍة ﴾ [ سورة المجادلة ،اآلية : ] 3 :الرقبة
ض ْير :عندك ﴿ :فَتَ ْح ِر ُ َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
مطلق وإ ال عام؟
رقبة هي واحدة ما فيها عموم ،واحدة ليس فيها عموم ،لكن لو جاء اللفظ (الرقاب مثالً فتحرير
الرقاب) ،ثم جاء ما يدل على إرادة واحد من هذه الرقاب قلنا تخصيص.
ِ
س التَّاسعُ
الد َّْر ُ
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 154 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
بسم اهلل ال ـ ـ ــرحمن ال ـ ـ ــرحيم ،الحمد هلل رب الع ـ ـ ــالمين ،وص ـ ـ ــلى اهلل وس ـ ـ ــلم على نبينا محمد وعلى آله
وصحبه أجمعين ،أما بعد :فقد قال إمام الحرمين -رحمه اهلل تعالى:-
ويجوز تخصيص الكتاب بالكتاب ،وتخصيص الكتاب بالسنة ،وتخصيص السنة بالكتاب،
وتخصيص السنة بالسنة ،وتخصيص النطق بالقياس ،ونعني بالنطق :قول اهلل تعالى ،وقول
الرسول -صلى اهلل عليه وسلم -والمجمل :ما يفتقر إلى البيان ،والبيان :إخراج الشيء من حيز
اإلشكال إلى حيز التجلي.
معنى واحداً ،وقيل :ما تأويله تنزيله> وهو مشتق من منصة> العروس والنص :ما ال يحتمل إال
ً
وهو الكرسي ،والظاهر :ما احتمل أمرين أحدهما أظهر من اآلخر ،ويؤول الظاهر بالدليل ويسمى
ظاهراً بالدليل.
« َّ
الش ْـر ُح » :
السَّالم عليكم ورحمة اللَّ ِـه وبركاته.
الحمد هلل رب الع ــالمين وص ــلى اهلل وس ــلم وب ــارك على عب ــده ورس ــوله نبينا محمد وعلى آله وص ــحبه
أجمعين ،تق ــدم الكالم في حقيقة الع ــام والخ ــاص ،وأن الع ــام :ما يش ــمل أف ــراداً ،والخ ــاص :ما يخص
ويخرج بعض هذه األفراد من النص العام.
وهنا يقــول المؤلف -رحمه اهلل تعــالى « :-ويج>>وز تخص>>يص الكت>>اب بالكت>>اب » :يعــني يجــوز أن
يـ ــأتي في الكتـ ــاب الـ ــذي هو القـ ــرآن نص عـ ــام ،ويـ ــأتي المخصص له في الكتـ ــاب نفسه -في القـ ــرآن
الكــريم -وال يعــني هــذا أن النص العــام الــذي يشــمل أفــراداً يــأتي في الكتــاب التنصــيص على فــرد من
أولئك األفـ ـ ــراد ،إنما يـ ـ ــأتي بلفظ هو في الحقيقة عـ ـ ــام ،إال أنه أخص من النص األول ،يعـ ـ ــني هل في
الكتاب تخصيص شخص بعينه من بين أفراد العام؟ نعم؟
ال يوجــد ،إنما يــأتي بالكتــاب ما هو أخص من اللفظ األعم ،فــإذا نظرنا إلى قــول اهلل -عز وجــل،..-
ولنعلم أن تخص ــيص الكت ــاب بالكت ــاب أمر مجمع عليه بين أهل العلم ،والس ــبب في ذلكم أن نصوصه
كلها قطعيــة ،فــإذا تقابل عــام وخــاص فــالواجب الجمع بين ال ــدليلين بإعمــال الع ــام فيما ع ــدا الخ ــاص،
اجا ين ُيتََوفَّ ْو َن ِمن ُك ْم َو َي> > > َذ ُر َ
ون أ َْز َو ً وإ عم ـ ـ ــال الخ ـ ـ ــاص في محل ـ ـ ــه ،فمثالً قوله -جل وعالَ ﴿ :-والَِّذ َ
ش ًرا ﴾ [ سورة البقرة ،اآلية : ] 234 :هـذا عـام في الزوجـات َّص َن ِبأَنفُ ِس ِه َّن أ َْر َب َع َة أَ ْ
ش ُه ٍر َو َع ْ َيتََرب ْ
كلهن ،فيش ـ ــمل الح ـ ــامالت والح ـ ــائالت ،الم ـ ــدخول بهن وغ ـ ــير الم ـ ــدخول بهن؛ ألن الحامل زوج ـ ــة،
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 155 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
والحائل التي ليست بذات حمل ،زوجة ،والمدخول بها زوجة ،وغير المدخول بها -المعقود عليها-
َّص > َن ِبأَنفُ ِس > ِه َّن أ َْر َب َع> َة
اجا َيتََرب ْ ين ُيتََوفَّ ْو َن ِمن ُك ْم َو َي> َذ ُر َ
ون أ َْز َو ً أيض ـاً زوج ــة ،ه ــذا النص ع ــامَ ﴿ :والَّ ِذ َ
ش ًرا ﴾ ،ما الذي يخرج من هذا النص؟ نعم؟ ش ُه ٍر َو َع ْ
أَ ْ
ه ـ ــذا ع ـ ــام من وجه حيث يش ـ ــمل جميع الزوج ـ ــات الحوامل وغ ـ ــير الحوام ـ ــل ،الم ـ ــدخول بهن وغ ـ ــير
المدخول بهن ،لكنه خاص من وجه فهو خاص بالمتوفى عنهن ،يخـرج من هـذا النص الحوامـل؛ في
ض ْع َن َح ْملَ ُه َّن ﴾ [ ســورة الطالق ،اآلية : ] 4 :
َجلُ ُه َّن أَن َي َ َحم ِ
ال أ َ ت اأْل ْ َ
قوله -جل وعالَ ﴿ :-وأ ُْواَل ُ
فنخص ذوات األحمال -وهن الحوامل -من عموم اآلية األولى ،فكل متوفى عنها تعتد أربعة أشهر
وعشـ ــرة أيـ ــام -وعشر ليـ ــال -ما عـ ــدا الحوامل فعـ ــدتها تنتهي بوضع الحمـ ــل ،نخص عمـ ــوم األولى
بخصوص الثانية ،كما أننا نخص عموم الثانية بخصوص األولى ،كيف؟
ض > ْع َن َح ْملَ ُه َّن ﴾ :ه ــذا ع ــام من وج ــه ،فيش ــمل المطلق ــات والمت ــوفى
َجلُ ُه َّن أَن َي َ َحم> ِ
>ال أ َ ت اأْل ْ َ
﴿ أ ُْواَل ُ
عنهن ،يشــمل المطلقــات والمتــوفى عنهن ،لكن هل يشــمل المــدخول بهن وغــير المــدخول بهن؟ هــاه،
يشمل وإ ال ما يشمل؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :كيف؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :نعم.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :ال يتصور ،كيف تكون من ذوات األحمال وهي غير مدخول بها؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :هاه؟
طالب.......:
ض ْير :نعم ،أيش معنى الدخول؟ هل معناه المسيس؟ هاه؟ الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ َّ
طالب.......:
وه َّن فَما َل ُكم علَ ْي ِه َّن ِم ْن ِع> د ٍ
َّة تَ ْعتَ>>دُّو َن َها ﴾ >وه َّن ِمن قَْب> ِ>ل أَن تَ َم ُّ
طلَّ ْقتُ ُم> ُ ﴿ إِ َذا َن َك ْحتُم ا ْلم ْؤ ِم َن> ِ
س> ُ َ ْ َ >ات ثُ َّم َ ُ ُ
[ ســورة األحــزاب ،اآلية : ] 49 :يعــني أورد على ذلك المــرأة إذا تحملت مع زوجهــا ،هل نقــول:
عدتها بوضع الحمل؟ أو نقول -والمسألة متصورة :-امرأة غير مدخول بها ،عقد عليها ولما يــدخل
بها ،فزنت فحملت من غيره ،ثم طلقها ماذا تكون عدتها؟ عليها عدة وإ ال ما عليها عدة؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 156 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
طالب.......:
بالنسبة لزوجها الذي عقد عليها ليس له عليها عدة؛ ألنه غير داخل بها -لم يدخل بها -وبالنســبة لها
ال يجوز لها أن تتزوج حتى تضع الحمل ،نسأل اهلل السالمة والعافية.
على كل حال هذا المثال الذي أوردناه في هاتين اآليتين من العموم والخصوص اللي يسمونه أيش؟
اجا ين ُيتََوفَّ ْو َن ِمن ُك ْم َو َي> َذ ُر َ
ون أ َْز َو ً وجهي ،عموم وخصوص وجهي ،فعرفنا أن اآلية األولىَ ﴿ :والَّ ِذ َ
ش ًرا ﴾ شــامل لكل الزوجــات :الحوامل والحوائـل ،المــدخول بهن َّص َن ِبأَنفُ ِس ِه َّن أ َْر َب َع َة أَ ْ
ش ُه ٍر َو َع ْ َيتََرب ْ
وغير المدخول بهن ،لكنه خاص بالمتوفى عنهن.
سواء كانت بمــوت ض ْع َن َح ْملَ ُه َّن ﴾ هذا عام في الفرقة،
َجلُ ُه َّن أَن َي َ َحم ِ
ال أ َ
ً ت اأْل ْ َ
اآلية الثانيةَ ﴿ :وأ ُْواَل ُ
أو طالق ،يشــمل المطلقــات والمتــوفى عنهن ،لكنه خــاص بــأوالت األحمــال ،وهنا نســتطيع أن نحمل
عم ـ ــوم األولى على خص ـ ــوص الثاني ـ ــة ،وعم ـ ــوم الثانية على خص ـ ــوص األولى ،وعلى ه ـ ــذا يك ـ ــون
المت ــوفى عنهن كلهن يتربصن أربعة أش ــهر وعش ــراً ما ع ــدا ذات األحم ــال؛ الحامل فهي تعتد بوضع
الحمل.
هناك رأي لبعض الصحابة :أنها تعتد بأبعد األجلين ،بأبعد األجلين ،أيش معنى هذا؟
أنها إذا توفى عنها زوجها وهي حامل فوضعت بعد شهرين ،تعتد كم؟ أربعة أشهر وعشــراً ،ال تعتد
بوضــعا الحمــل ،إذا تــوفي عنها زوجها وهي في الشــهر األول ،مكثت ثمانية أشــهر ما وضــعت تعتد
بوضع الحم ـ ـ ــل؛ ألنه أبعد األجلين؛ وذلكم للتع ـ ـ ــارض الظ ـ ـ ــاهر بين اآلية األولى والثاني ـ ـ ــة؛ ألن اآلية
ـواء ك ــانت من ذوات األحم ــال ،أو حوائل -ليست
األولى تش ــمل جميع من ت ــوفي عنهن أزواجهن ،س ـ ً
بــذات حمــل -والثانيــة ،خاصة بــذوات األحمــال لكنها عامة في كل مفارقة بطالق أو مــوت ،وعرفنا
أن هذا من العموم والخصوص الوجهي.
اآلية األولى :تقتضي بعمومها أن األجل أربعة أش ـ ــهر وعش ـ ــراً ،والثاني ـ ــة :تقتضي بخصوص ـ ــها في
أوالت األحمـ ـ ــال أن أجلهن وضع الحمـ ـ ــل ،وانفـ ـ ــردت اآلية الثانية بحكم عـ ـ ــدة المطلقـ ـ ــات الحـ ـ ــامالت
ووضع الحمل كما انفردت األولى بعدة المتوفى عنهن الحائالت وهي أربعة أشهر وعشراً.
هذا بالنسبة بالعموم والخصوص الوجهي ،أما بالنسبة للعموم والخصوص المطلق نحو قوله تعــالى:
َّص َن ِبأَنفُ ِس ِه َّن ثَالَثَ َة قُُر َو ٍء ﴾ [ ســورة البقــرة ،اآلية : ] 228 :هــذا لفظ عــام في طلَّقَ ُ
ات َيتََرب ْ ﴿ َوا ْل ُم َ
آم ُن>>>وا إِ َذا ُّها الَّ ِذ َ
ين َ جميع المطلق ـ ــات الم ـ ــدخول بهن وغ ـ ــير الم ـ ــدخول بهن ،أما قوله تع ـ ــالىَ ﴿ :يا أَي َ
َّة تَ ْعتَ>>دُّو َن َها ﴾ [ ســورةعدٍ وه َّن فَ َما َل ُك ْم َعلَ ْي ِه َّن ِم ْن ِ> >وه َّن ِمن قَْب> ِ>ل أَن تَ َم ُّ
س> ُ طلَّ ْقتُ ُم ُ َن َك ْحتُم ا ْلم ْؤ ِم َن ِ
ات ثُ َّم َ ُ ُ
األحــزاب ،اآلية : ] 49 :هــذا خــاص يغــير المــدخول بهــا ،فخــرجت غــير المــدخول بها من عمــوم
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 157 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
اآلية األولى ،فال عــدة عليهــا؛ لهــذه اآليــة ،هــذا عمــوم وخصــوص يســمونه أيش؟ وجهي وإ ال مطلــق؟
نعم؟ وجهي وإ ال مطلق؟ األول وجهي والثاني؟ متى نتصور العموم والخصوص الوجهي؟
إذا ك ــان في كل من اآليـــتين ،أو في كل من النصـــين عمـــوم ،وفيهما في ال ــوقت نفسه خص ــوص ،إذا
تق ــابال عموم ــان وخصوص ــان في نص ــين ه ــذا عم ــوم وخص ــوص وجهي ،لكن إذا ك ــانت أح ــدهما أو
إحداهما أعم من األخرى من كل وجه فهو عموم وخصوص مطلق.
إذن لو نتأمل في النص ــين عرفنا أيضـ ـاً أن النص الث ــاني فيه عم ــوم وإ ال ما فيه عم ــوم بالنس ــبة لآلية
األولى؟
َّص َن ِبأَنفُ ِس ِه َّن ثَالَثَ َة قُُر َو ٍء ﴾ :هذا عام في كل مطلقة مدخول بها وغــير مــدخول طلَّقَ ُ
ات َيتََرب ْ ﴿ َوا ْل ُم َ
بها ،لكنه من وجه آخر خاص بذوات األقراء ،بذوات األقراء اللوات يحضن.
وه َّن فَ َما لَ ُك ْم وه َّن ِمن قَْب ِل أَن تَ َم ُّ
س> ُ طلَّ ْقتُ ُم ُ ين آم ُنوا إِ َذا َن َك ْحتُم ا ْلم ْؤ ِم َن ِ
ات ثُ َّم َ ُ ُ
اآلية الثانية ﴿ :يا أَي َّ ِ
ُّها الذ َ َ
َ َ
َّة تَ ْعتَ>>دُّو َن َها ﴾ :هــذا خــاص بغــير المــدخول بهــا ،لكنه يشــمل ذات األقــراء والصــغيرة عدٍ
َعلَ ْي ِه َّن ِم ْن ِ>
واآليسة ،لكن هل هذا الخصوص له أ ثر أو ليس له أ ثر؟ عموم اآلية الثانية له أثر وإ ال ما له أثر؟
ليس له أثر؛ ألنه ليس لها عدة ،ليس عليها عــدة أصـالً ،فكيف ننظر فيها هل هي ذات أقــراء أو آيسة
أو صــغيرة ،هي ليس عليها عــدة أص ـالً ،فلعــدم اعتبــار ذلك العمــوم وعــدم تــرتب األثر عليه لم ينظر
إليهن ،وحكموا بأن اآلية بين اآليتين عموم وخصوص مطلق.
ـواء علم
جمهور األصوليينـ على تخصــيص العـام مطلقـاً ،على تخصـيص العــام في الخــاص مطلقـاً س ً
سواء علم تقدم العام أو الخاص أو جهل التاريخ.
ً تقدم العام أو الخاص أو جهل التاريخ،
وقال أبو حنيفة وإ مــام الحــرمين -مؤلف الورقــات :-إن ُعلم التـاريخ وكـان الخــاص متــأخراً خصص
به الع ـ ــام ،وإ ن ك ـ ــان الع ـ ــام مت ـ ــأخراً نسخ الخ ـ ــاص ،وإ ن جهل الت ـ ــاريخ تس ـ ــاقطا في موضع المقابل ـ ــة؛
الحتمـ ــال تـ ــأخر العـ ــام فيكـ ــون ناسـ ــخاً للخـ ــاص ،فيكـ ــون مخصص ـ ـاً للعـ ــام ،فيتوقف في محل الخـ ــاص
ويتطلب دليل آخر ،أيش معنى هذا الكالم؟
إذا تقدم العام وتأخر الخاص ،فيه مشكلة؟
ما فيه إش ـ ــكال ،لكن اإلش ـ ــكال لو تق ـ ــدم الخ ـ ــاص ثم ت ـ ــأخر الع ـ ــام ،لو افترض ـ ــنا أن اآلية ﴿ إِ َذا َن َك ْحتُ ُم
َّة تَ ْعتَ>>دُّو َن َها ﴾ :الخــاص بغــير عدٍ وه َّن فَ َما لَ ُك ْم َعلَ ْي ِه َّن ِم ْن ِ>
س ُوه َّن ِمن قَْب ِل أَن تَ َم ُّ
طلَّ ْقتُ ُم ُ ا ْلم ْؤ ِم َن ِ
ات ثُ َّم َ ُ
َّص َن ِبأَنفُ ِس ِه َّن ثَالَثَ> َة قُ> ُ>ر َو ٍء ﴾ :على
ات َيتََرب ْ طلَّقَ ُالمدخول بهن ،هذا متقــدم على قوله تعــالىَ ﴿ :وا ْل ُم َ
سواء كــان
ً قول أبي حنيفة وإ مام الحرمين ،تكون اآلية هذه نسخت اآلية ،دل على أن كل مطلقة تعتد
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 158 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
المدخول بها أو غير المدخول بها ،والجمهور على أنه إذا وجد العام والخاص فإنه يحمل العـام على
سواء تقدم العام أو تأخر ،ظاهر؟
ً الخاص بغض النظر
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :نعم؟
طالب.......:
َّ
الش > ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ
ض > ْير :ولو علم الت ــاريخ؛ هو ما يمكن أن نع ــرف أن ه ــذا متق ــدم أو مت ــأخر إال
بالتاريخ.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :نعم؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :عرفنا أن اآلية األولى عامة والثانية خاصة بغير المدخول بهــا ،وحينئذ
ـواء تقــدمت
حملنا العام على الخاص فأخرجنا غير المدخول بها من العــدة؛ ألنه ليس له عليها عــدة سـ ً
اآلية األولى أو تأخرت ما عندنا فرق ،هذا في قول األكثر ،في قول الجمهور.
أبو حنيفة وإ مام الحــرمين يقــول :إن كــان العــام هو المتقــدم وتــأخر عنه الخــاص ما فيه إشــكال؛ عرفنا
أن الخ ــاص مقص ــود ب ــاإلخراج ،لكن إذا تق ــدم الخ ــاص ،..ج ــاء النص في غ ــير الم ــدخول بها وأنه ال
عدة عليها ،ثم جاء بعده النص العام يقرر العدة على كل مطلقــة ،دل على أن حكم غــير المــدخول بها
ارتفع فينسخ ،والجمهور على أنه ال فرق تقدم العام أو تأخر فيحمل العام على الخاص ،وحمل العام
على الخــاص نــوع من أنــواع الجمــع ،نــوع من أنــواع التوفيق بين األدلــة ،نعم ،وال يصــار إلى النسخ
إال إذا لم يمكن الجمع ،والجمع حينئذ ممكن بحمل العام على الخاص ،لماذا؟
ألن النسخ حكم بإلغ ــاء المنس ــوخ بالكلي ــة ،حكم بإلغائه بالكلية النس ــخ ،والجمع حكم بالعمل ب ــالخبرين
معاً ،وإ عمال النص أولى من إهماله.
تخص>>يص الكت>>اب بالس>>نة :الرســول -عليه الصــالة والســالم -هو المــبين لكتــاب اهلل ،فــإذا تحققنا أن
الرسول -عليه الصـالة والســالم -قـال قــوالً مخصوصـاً أو مخصصـاً لعمـوم الكتـاب أو مقيــداً لمطلقه
الً على أن مراد الكتاب ما خصه الرسول -عليه الصالة والسالم -وأن مــراده بــالمطلق كان ذلك دلي ِ
المقيد على لسان رسوله عليه الصالة والسالم.
>>ل لَ ُكم َّما َو َراء َذِل ُك ْم ﴾ [ س ــورة النس ــاء ،اآلية ،] 24 :لما ع ــددمث ــال ذلـــك :قوله تعـــالى ﴿ :وأ ِ
ُح َّ َ
>>ل َل ُكم َّما َو َراء َذِل ُك ْم ﴾ :يعـــني من النس ــاء ،وعم ــوم ه ــذه اآلية خص بقوله المحرمـــات قـــال ﴿ :وأ ِ
ُح َّ َ
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 159 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
-عليه الصــالة والســالم « :-ال تنكح الم>>رأة على عمتها وال على خالتها » ،وبقوله -عليه الصــالة
>ل َل ُكم َّما َو َراء َذِل ُك ْم ﴾ :يقتضي والسـ ــالم « :-يح >>رم من الرض >>اع ما يح >>رم من النسب » ﴿ ،وأ ِ
ُح> َّ َ
حل كل ما لم ينص عليه ب ـ ــالقرآن ،لكن ج ـ ــاء في الس ـ ــنة تح ـ ــريم الجمع بين الم ـ ــرأة وعمتها والم ـ ــرأة
وخالتهـ ــا ،وحينئذ ُيخصص الكتـ ــاب بالسـ ــنة؛ ألن السـ ــنة وحي والرسـ ــول هو المـ ــبين -عليه الصـ ــالة
والسالم -لمراد اهلل من كتابه.
أيضاً « :يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » :الكتاب لم يــذكر مما حــرم من الرضــاع إال األم
واألخت ،العمة من الرضاعة والخالة من الرضاعة وهكذا حرام بقوله -عليه الصالة والســالم« :-
يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب » .
خصت آيات المواريث بقوله -عليه الصالة والســالم « :-ال يرث القاتل » ،كما أنها أيض ـاً خصت
آيات المواريث بقوله -عليه الصالة والسالم « :-نحن معاشر األنبياء ال نورث » .
الحنفية لهم قول يرددونه كثيراً يقولون :الزيادة على النص نسخ ،أيش معنى هذا الكالم؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير .........:من تلقاء أنفسنا؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :الزيادة على النص نسخ ،أيش معنى هذا الكالم؟ أين األصول؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :أيش؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :إيه.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :أحد يستحضر مثاالً؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :الزيادة على النص نسخ ،نعم؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :ال ،ال ،ليست هذه المسألة.
طالب.......:
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 160 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
َّ
الش > ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ
ض > ْير :ال ،ال ما هي به ــذه المس ــألة المس ــألة أخ ــرى ،يع ــني الق ــدر الزائد على
ال ــواجب مســـألة أخـــرى ،إن كـــان متمـــيزاً فهو مســـتحب قـــوالً واح ــداً ،وإ ن لم يتم ــيز فمنهم من يق ــول
بوجوبـــه ،يعـــني من دفع كيس ــاً كـــامالً فطـــرة ،والـــواجب عليه ص ــاع ه ــذه غ ــير متم ــيزة ،لكن لو دفع
صاعين متميز كل واحد عن الثاني ،ولو دفع ديناراً زكاة لعشرين ،..على كل حال المسألة أخرى.
الزيـ ــادة على النص :عنـ ــدنا النص في القـ ــرآن الـ ــذي بينت فيه المحرمـ ــات من النكـ ــاح ثم جاءنا قوله
-عليه الص ـ ـ ــالة والس ـ ـ ــالم « :-ال تنكح الم > >>رأة على عمتها وال على خالتها » :ه ـ ـ ــذه زي ـ ـ ــادة على
النص ،فإذا زيد على النص حكموا بأنه نسخ ،لكن هل ينسخ المتواتر باآلحاد عندهم؟
ال ،إذن ما م ــوقفهم من مثل قوله -عليه الص ــالة والس ــالم « :-ال تنكح الم>>رأة على عمتها وال على
خالتها » ؟ القاعــدة عنــدهم ليست مطــردة ،إنما يحتاجونها إذا احتــاجوا إلى رد شــيء قــال به غــيرهم،
يستعملونها عند الحاجة ولذا ال يمكن أن يقولوا بجواز نكاح المرأة على عمتها وال على خالتها وهذا
وارد عليهم ،..نعم؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :أمثلة ما هو بمثال عندهم.
المن ــار النس ــفي يق ــول :ويج ــوز نسخ الحكم والتالوة جميعــاً ،ونسخ وصف الحكم كالزي ــادة -أي على
النص المطلــق -بــأن يثبت أمر آخر زائد على الحكم المنصــوص شــرطاً كــانت تلك الزيــادة أو ركن ـاً
فإنها نسخ عند الحنفية ،وعند الشافعية تخصيص وبيان.
على كل حال هذه تحتاج إلى بسط وتمثيـل ،لكن الـوقت ما يسـتوعب كل هـذا؛ ألننا متـأخرين جـداً في
الكتاب.
تخصـ ــيص الكتـ ــاب بالكتـ ــاب أمر مجمع عليه وبالسـ ــنة؛ ألن الرسـ ــول -عليه الصـ ــالة والسـ ــالم -هو
المبين للكتاب.
ُّها الَّ ِذ َ
ين هن ــاك تخص>>يص الكت>>اب باإلجم>>اع :وه ــذا لم ي ــذكره المص ــنف ،وذلكم كقوله تع ــالىَ ﴿ :يا أَي َ
ِ >ودي ِل َّ ِ ِ
آم ُن>>وا إِ َذا ُن> ِ
اس> َع ْوا ﴾ [ ســورة الجمعــة ،اآلية : ] 9 :والمقــرر عند لص>اَل ة من َي> ْ>وِم ا ْل ُج ُم َع>>ة فَ ْ َ
آم ُنوا ﴾ الرجــال والنســاء األحــرار والعبيــد،
ين َُّها الَّ ِذ َ
أهل العلم أنه يــدخل في مثل هــذا النــداءَ ﴿ :يا أَي َ
هم داخلون في مثل هــذا النص ،لكنهم أجمعــوا على أنه ال ُجمعـةَ على عبد وال امــرأة ،يقـول اآلمـدي:
ال أعــرف في التخصــيص باإلجمــاع خالفـاً ،ويقــول الشــوكاني :وفي الحقيقة يكــون التخصــيص بــدليل
اإلجماع ال بنفس اإلجماع.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 161 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
اإلجمــاع أوالً ال بد له أن يعتمد على دليــل ،ال بد أن يســتند إلى دليــل؛ فالمخصص هو دليل اإلجمــاع،
ما هم قالوا في النسخ :اإلجماع ال ينسخ وال ينسخ؟
نعم؛ ألن النسخ من خصــائص النصــوص ،فــإذا أجمع أهل العلم على خالف خــبر من األخبــار نقــول:
هذا الخبر منسوخ ،بأي شيء؟
ب ـ ــدليل اإلجم ـ ــاع ،بال ـ ــدليل ال ـ ــذي اس ـ ــتند إليه اإلجم ـ ــاع ،ال باإلجم ـ ــاع نفس ـ ــه؛ ألنه عرفنا أن النسخ من
خصــائص النصــوص ،وكــذلك التخصــيص ،إال أنه عنــدهم التخصــيص أوســع ،التخصــيص أوسع من
دائرة النسخ.
تخصيص الكتاب بالقياس :الجمهور يــذهبون إلى جــوازه ،وبه يقــول الثالثــة ،وهو رواية عن أحمــد،
يق ـ ــول الش ـ ــوكاني :والحق الحقيق ب ـ ــالقبول أنه يخصص بالقي ـ ــاس الجلي؛ ألنه معم ـ ــول به لق ـ ــوة أدلته
اح> ٍد
>ل و ِ الز ِاني> ُ>ة وال> َّ>ز ِاني فَ ْ ِ
اجل> ُ>دوا ُك> َّ َ وبلوغها إلى حد يــوازي النصــوص ،ومثلــوا له بقوله تعــالىَ َ َّ ﴿ :
ِّم ْن ُه َما ِم َئ َة َج ْل َد ٍة ﴾ [ سورة النــور ،اآلية : ] 2 :فـإن عمــوم الزانية خص بالكتــاب وهو قوله تعــالى
اب ﴾ [ ســورة النســاء، ات ِم َن ا ْل َع> َذ ِ ف ما علَى ا ْلم ْحص> َن ِ
ُ َ ص> ُ َ َ
ِ اح َ ٍ
ش>ة فَ َعلَ ْي ِه َّن ن ْ
في اإلمــاء ﴿ :فَِإ ْن أَتَْي َن ِبفَ ِ
اآلية .] 25 :
اح> ٍد ِّم ْن ُه َما ِم َئ> َ>ة َج ْل َ>د ٍة ﴾ :الزانية والــزاني يشــمل األحــرار وأيض ـاً >ل و ِ الز ِاني فَ ْ ِ
اجل ُدوا ُك َّ َ الز ِان َي ُ>ة َو َّ
﴿ َّ
العبيــد ،عمومه يتنــاول األحــرار والعبيــد ،الزانية خصت بقوله -جل وعال -في حق اإلمــاء ﴿ :فَ>ِإ ْن
اب ﴾ ،طيب ال ـ ـ ــزاني يجلد مائة وإ ال ات ِم َن ا ْل َع> > > َذ ِ
ف ما علَى ا ْلم ْحص> > > َن ِ
ُ َ ص> > > ُ َ َ
ِ اح َ ٍ
ش> > >ة فَ َعلَ ْي ِه َّن ن ْ
أَتَْي َن ِبفَ ِ
خمسين؟ نعم؟
طالب.......:
ض ْير :نقيس العبد على األمة في التنصيف ونخصص الزاني بالقيــاس ،فيقــاس َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
العبد الزاني على األمة بتنصيف العذاب واالقتصار على خمســين جلـدة ،مع أن هـذه المســألة ال تســلم
من خالف.
تخص >>يص الس >>نة بالكت >>اب :مثاله قوله -عليه الصـ ــالة والسـ ــالم « :-أم >>رت أن أقاتل الن >>اس ح >>تى
يقولوا ال إله إال اهلل » ( :النــاس) :لفظ عــام « ،أم>>رت أن أقاتل الن>اس ح>تى يقول>وا ال إله إال اهلل»:
ون هذا شامل لجميع الناس ،لكنه مخصوص بقوله تعالى ﴿ :حتَّى يعطُواْ ا ْل ِج ْزي َة عن ي ٍد و ُهم ص ِ
اغ ُر َ َ َ َ َ ْ َ َ ُْ
﴾ [ سورة التوبة ،اآلية ،] 29 :فخرج بذلك الكتابي إذا أدى الجزية ،الكتابي إذا أدى الجزية خرج
من عموم قوله -عليه الصالة والسالم « :-أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ال إله إال اهلل أو
حتى يقولوا ال إله إال اهلل ».
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 162 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
تخص>>يص الس>>نة بالس>>نة :كقوله -عليه الصــالة والســالم « :-فيما س>>قت الس>>ماء العشر » :يعــني
الزكــاة ،يجب في كل ما ســقت الســماء العشــر؛ ألن (مــا) من صــيغ العمــوم ،هــذا عــام لكنه خص بمثل
قوله -عليه الصالة والسالم « :-ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة »؛ ألن « فيما سقت السماء
ـواء بلغ النصـاب أو لم يبلـغ ،وقوله -عليه الصـالة والسـالم:-
العشر » عـام يشـمل القليل والكثـير ،س ً
« ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة » يخرج ما دون الخمسة أوسق من عموم
« فيما سقت السماء العشر ».
ومن أمثلته ح ــديث « :إن الم>>اء طه>>ور ال ينجسه ش>>يء » :خص بقوله -عليه الص ــالة والس ــالم-
في حديث ابن عمر -على الخالف في ثبوته « :-إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث »،
فـ ـ« الماء طهور ال ينجسه> ش>>يء » مخصــوص بما لم يبلغ القلــتين ،فما بلغ القلــتين ال ينجسه شــيء،
إذن عم ــوم ح ــديث « :إن الم>>اء طه>>ور ال ينجسه ش>>يء » مخص ــوص بما دون القل ــتين بح ــديث ابن
عمر -هــذا على القــول بثبوتــه -وإ ال فكالم أهل العلم في الحــديث طويل منهم من حكم على الحــديث
باالضـ ــطراب في سـ ــنده ومتنـ ــه ،اضـ ــطراب في سـ ــنده ومتنـ ــه ،لكن على القـ ــول بثبوته يخص عمـ ــوم
حــديث « :إن الماء طه>>ور ال ينجسه ش>>يء » ،فــاألول عــام في القليل والكثــير ،والثــاني خــاص فيما
دون القلتين ،وهو تخصيص بالمنطوق وإ ال بالمفهوم؟ نعم.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :نعم؟ « إن الماء طه>>ور ال ينجسه> ش>>يء » :منطوقه أن المــاء طهــور
ال ينجسه شيء قل أو كثر؛ « إن الماء ».
الثــاني « :إذا بلغ الم>>اء قل>>تين لم يحمل الخبث » قولــه « :لم يحمل الخبث » في منطوقه مع قولــه:
« ال ينجسه شيء » فيه تعارض؟ نعم؟
متوافقان ،إذن كيف نخصص الحديث األول بالحديث الثاني ،هل نخصص الحـديث األول بمنطـوق
الحديث الثاني؟
طالب.......:
َّ
الش > ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ
ض > ْير :إذن نخصصه بمفهــوم الحــديث الثــاني؛ ألن مفهــوم الحــديث الثــاني أن
الم ــاء إذا لم يبلغ قل ــتين فإنه يحمل الخبث ،وحينئذ يك ــون معارضـ ـاً لعم ــوم الح ــديث األول ،وه ــذا من
باب التخصيص بالمفهوم.
نق ــول :ه ــذا الح ــديث الع ــام مخص ــوص أو مخصص بمفه ــوم الح ــديث الث ــاني ،اآلن منط ــوق الح ــديث
األول ومنطوق الحديث الثاني بينهما تعارض؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 163 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
ال تعارض بينهما ،إنما التعارض بين منطوق الحديث األول ومفهوم الحــديث الثــاني ،فمن أهل العلم
من يرى -كالشافعية والحنابلة -تخصيص المنطوق بالمفهوم ،ومنهم من يقول :المنطوق أقوى من
المفهوم فيقدم عليه ،المنطوق أقوى من المفهــوم فيقــدم عليــه ،وعلى كل حــال هــذا على قــول من يثبت
الحــديث الثــاني؛ الحــديث األول صــحيح والثــاني فيه خالف طويل ألهل العلم ،لكن عند من يثبت هــذا
الحديث.
شــيخ اإلســالم -رحمة اهلل عليــه -ابن تيميــة -يــرى ثبــوت الحــديث ،يــرى ثبــوت حــديث القلــتين ،يــرى
ثبــوت حــديث القلــتين ويعمل بمنطوقه دون مفهومــه ،يقــول :مفهومه معــارض بما هو أقــوى منه وهو
المنطوق ،وحينئذ يلغى المفهوم.
اس >تَ ْغ ِف ْر لَ ُه ْم أ َْو الَ
وإ لغ ــاء المفه ــوم عند المعارضة موج ــود في النص ــوص كث ــيراً عند المعارض ــةْ ﴿ :
>ه َل ُه ْم ﴾ [ سـ ــورة التوبـ ــة ،اآلية ،] 80 : ين َم> َّ>رةً َفلَن َي ْغ ِف > َ>ر اللّ > ُ
س> > ْب ِع َ ِ ِ
س> >تَ ْغف ْر َل ُه ْم إِن تَ ْ
س> >تَ ْغف ْر َل ُه ْم َ تَ ْ
مفهومه أنه لو استغفرت لهم واحد وسبعين مـرة أنه يغفر لهم ،لكن منطوقـات الشـريعة األخـرى كلها
ش > َر َك ِب> ِ>ه﴾ت ــدل على أنه لن يغفر لهم؛ ألنه محك ــوم عليهم بالتأبيد في الن ــار ﴿ :إِ َّن اللّ> َ>ه الَ َي ْغ ِف> ُ>ر أَن ُي ْ
[ سورة النساء ،اآلية ،] 48 :والمنافقون كفار.
اعفَ ًة ﴾
ض ََض َعافًا ُّم َ
اعفَ ًة ﴾ [ سورة آل عمران ،اآلية : ] 130 :ـ ﴿ أ ْ
ض ََض َعافًا ُّم َ ﴿ الَ تَأْ ُكلُواْ ِّ
الر َبا أ ْ
:يعني إذا كان الربا أضعاف ،ضعفين أو ثالثة ،أخذت ألف بألفين أو ثالثة حرام؛ هذا منهي عنه.
مفهومه أنه إذا لم يصل إلى هـ ــذا الحد نعم ،يعـ ــني إذا كـ ــان األلف بـ ــألف وخمسـ ــمائة مفهـ ــوم اآلية أنه
يجــوز ،لكن النصــوص المحكمة المنطوقة تــدل على تحــريم الزيــادة في الربويــات ولو قلَّت ،فمفهــوم
هذا الخبر أو هذه اآلية معارض بمنطوق نصوص الربا كلها وحينئذ يلغى المفهوم.
كثيراً ما يأتي المفهوم ،أو الكالم ال مفهــوم له ملغى من األصــلَ ﴿ :و َر َب ِائ ُب ُك ُم الالَِّتي ِفي ُح ُج> ِ
>ور ُكم ﴾ ً
[ سورة النســاء ،اآلية ،] 23 :هل يلــزم من هــذا أن الربيبة إذا لم تكن في حجر زوج أمها أنها تحل
له؟ نعم؟ هذا المفهوم أيش؟ ملغى ..لماذا؟
ألن اللفظ خـ ـ ــرج مخـ ـ ــرج الغـ ـ ــالب ،والغـ ـ ــالب أن الربيبة تعيش في حجر زوج أمهـ ـ ــا ،يعـ ـ ــني في كنفه
ورعايته.
ه ـ ـ ــذا بالنس ـ ـ ــبة لمفه ـ ـ ــوم المخالف ـ ـ ــة ،وأما مفه ـ ـ ــوم الموافقة فقد حكى الص ـ ـ ــفي الهن ـ ـ ــدي اإلجم ـ ـ ــاع على
التخص ـ ــيص ب ـ ــه؛ ألنه أق ـ ــوى من مفه ـ ــوم المخالف ـ ــة ،وله ـ ــذا يس ـ ــميه بعض ـ ــهم( :داللة النص) ،يس ـ ــميه
بعضهم( :قياس األولى) أو (القياس الجلي) ،فيخصص به.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 164 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
تخص>>يص الس>>نة بالقي>>اس :في حــديث عبــادة « :خ>>ذوا ع>>ني ،خ>>ذوا ع>>ني :ال>>ثيب ب>>الثيب جلد مائة
لألمة ﴿
والرجم ،والبكر بالبكر جلد مائة وتغريب سنة » :هذا الحديث مخصوص بــالنص بالنســبة َ
اب ﴾ [ ســورة النســاء ،اآلية ] 25 : ات ِم َن ا ْل َع> َذ ِ
ف ما علَى ا ْلم ْحص> َن ِ
ُ َ
ِ اح َ ٍ
ش>ة فَ َعلَ ْي ِه َّن ن ْ
ص> ُ َ َ
فَ>ِإ ْن أَتَْي َن ِبفَ ِ
ومخصـ ــوص بالنسـ ــبة للعبد بالقيـ ــاس على األمـ ــة ،فخصت السـ ــنة بالقيـ ــاس ،كما تقـ ــدم في تخصـ ــيص
الكتاب بالقياس.
تخصــيص النطق بالقيــاس :ويعــني بــالنطق قــول اهلل تعــالى وقــول الرســول -عليه الصــالة والســالم-
كما تقدم في األمثلة -في أمثلة تخصيص الكتاب بالقياس ،والسنة بالقياس -نعم؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :تخصيص السنة باإلجماع؟
طالب.......:
ض>>> ْير :يع ـ ــني إذا خصص ـ ــنا الكت ـ ــاب باإلجم ـ ــاع ،وعرفنا أن المقص ـ ــود دليل
>>>ر ْيم ال ُخ َ َّ
الش>>> ْيخ َع ْبد ال َك ِ
اإلجماع فلن تخصص السنة بدليل اإلجماع من باب أولى.
نعم؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :كيف؟
طالب.......:
َّ
الش> ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ
ض> ْير :يعــني نصــوص كثــيرة جــاءت في الســنة ذكرهــا ،..ذكر منها الترمــذي
حديثين ،لكن هل هذا نقول :من باب التخصيص أو من باب النسخ؟ نعم؟
ذكر حديثين أجمع العلماء على عدم العمل بهما فهذا يكون من باب النسخ ،نعم؟
طالب.......:
َّ
الش> > ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ
ض> > ْير :فهمت ،ظـ ــاهر؟ « إن الم >>اء طه >>ور ال ينجسه> ش >>يء » :جـ ــاء عند
الـ ــبيهقي وابن ماجه وغيرهمـ ــا « :إال إن تغ >>ير لونه أو طعمه أو ريحه بنجاسة تح >>دث فيه» :لكن
هذه الزيادة ضعيفة باالتفاق ،والمعول على تخصيص المتغير على اإلجماع.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :نعم صالح إيه.
الحين عنــدنا العمــوم والخصــوص الــوجهي اللي هو أصــعب أنــواع التعــارض في هــذا البــاب ومثلنا له
َّص َن ِبأَنفُ ِس ِه َّن
اجا َيتََرب ْ ين ُيتََوفَّ ْو َن ِمن ُك ْم َو َي َذ ُر َ
ون أ َْز َو ً سابقاً بالمثال األول ،نعم ،المثال األولَ ﴿ ،والَِّذ َ
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 165 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
ال ال ،أنت خلينا مسـ ــألة مسـ ــألة ،مسـ ــألة مسـ ــألة ،اآلن عنـ ــدنا في كل واحد فيهما عمـ ــوم وخصـ ــوص،
والمســـألة مســـتوية من كل وجـــه ،ال نســـتطيع أن نحكم لخص ــوص أح ــدهما على عم ــوم اآلخ ــر؛ ألنه
تحكم ،إذن ماذا نصنع؟
نبحث عن مرجحات أخرى ،فإذا أتينا إلى حديث « :من بدل دينه فاقتلوه » :هــذا مخصــوص وإ ال
محفوظ؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :بأي شيء؟
طالب.......:
َّ
الش> ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ
ض> ْير :إيــه ،محفــوظ إذا اجتنبنــا ،إذا قلنــا :هــذين النصــين أبعــدنا ما بينهما من
تعــارض وإ ال هو مخصــوص ،ح ــوى الــدعوى ،ال ــدعوى معنا أنه مخص ــوص بهــذا الحــديث ،اســتبعد
محل الخالف ،فنـ ــأتي إلى عمـ ــوم حـ ــديث « :من ب >>دل دينه ف >>اقتلوه » نجـ ــده محفوظ ـ ـاً ،لم يـ ــرد عليه
مخصص ،حديث النهي عن قتل النساء ،محفوظ وإ ال ما هو بمحفوظ؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :غير محفوظ ،لماذا؟
قُتل نساء :القصاص ،إذا قتلت ،إذا زنت وهي محصنة ،إذا سحرت؛ "فقتلنا ثالث سواحر".
المقصــود أن هــذا العمــوم غــير محفــوظ فضــعف ،فقــدم عليه عمــوم حــديث « من بدل دينه ف>اقتلوه »
فتقتل المرتدة.
نــأتي إلى مســألة ،..هــذه مســألة عمليــة ،لكن مســألة عملية أكــثر منها -وإ ن كنا يعــني طرقناها مــراراً
لكن ما يمنع أن نعيــدها للمناســبة -أحــاديث النهي عن الصــالة في أوقــات النهي" :ثالث ســاعات كــان
رس ـ ــول اهلل -ص ـ ــلى اهلل عليه وس ـ ــلم -ينهانا أن نص ـ ــلي فيهن ،أو أن نق ـ ــبر فيهن موتان ـ ــا :إذا طلعت
الشمس حتى ترتفع ،إذا بزغت الشمس حتى ترتفع ،وحين يقـوم قـائم الظهـيرة ،وإ ذا تضـيفت الشـمس
للغــروب حــتى تغــرب" ،ثالث ســاعات ،إضــافة إلى الوقــتين الموســعين « :ال صالة بعد الصبح ح>تى
تطلع الش>>مس ،وال بعد ص>>الة العصر ح>>تى تغ>>رب الش>>مس » فاألوق ــات خمس ــة ،األوق ــات خمس ــة،
عن ــدنا النهي عن الص ــالة في ه ــذه األوق ــات الخمس ــة ،وعن ــدنا أح ــاديث ذوات األس ــباب ،ونأخذ مث ــاالً
-هو من أوض ــحها « :-إذا دخل أح>>دكم المس>>جد فال يجلس ح>>تى يص>>لي ركع>>تين » اآلن تس ــمعون
وتـ ــرون النـ ــاس يتسـ ــامحون في الصـ ــالة في أوقـ ــات النهي ،يتسـ ــامحون كثـ ــيراً ،ورأينا من أهل العلم
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 167 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
والفضل من يـ ــدخل قبل غـ ــروب الشـ ــمس بـ ــدقيقتين أو ثالث فيصـ ــلي ،أو يـ ــدخل المسـ ــجد مع بـ ــزوغ
الشمس ويصلي؛ عمالً بحديث التحية -تحية المسجد -يتسامحون لماذا؟
ألنهم اعتادوا أن يقال :أحــاديث النهي عامــة ،وأحــاديث ذوات األســباب خاصــة ،والخــاص مقــدم على
العام -يعني كما يقول الشـافعية -اعتـاد النـاس أن يقولـوا مثل هـذا الكالم ،ووجد قبـوالً ،وجد ارتياحـاً
نفس ـ ــياً؛ بعد أن أكد بعض من ينتسب إلى العلم ،وينبغي أن يؤكد لكن ليس على إطالق ـ ــه ،نبذ التقلي ـ ــد،
ناس رأوا النـاس ملـتزمين بمــذهب معين ،فـالثورة على التقليد صـار لها آثـاراً صـار لها ردود أفعــال،
التقليد بالنسبة للمتأهل ال يجوز ،لكن هل يؤمر كل شخص باالجتهاد؟
يعني جاءت هذه الدعوة ،وهي دعوة حق ،ال نقول :هي باطلة ،لكن ليست لكل الناس ،للمتأهل على
العين والـرأس،ـ فجـاءت هـذه الـدعوة وصـادفت محـل ،النـاس متمسـكون بمـذهب ،والمـذهب يـرى منع
الص ــلواتـ في ه ــذه األوق ــات بل يتش ــددون في مثل ه ــذا األم ــر ،ح ــتى رأينا من يح ــرف ال ــذي يريد أن
يصــلي ،يحرفه عن القبلــة ،فالمســألة صــارت من بــاب ردود األفعــال ،وإ ال لو بحثت بحثـاً مبســوطاً ما
صار لها مثل هذه اآلثار.
ن ــأتي إلى المس ــألة :عن ــدنا ح ــديث عقبة وما ج ــاء في معن ــاه من النهي عن الص ــالة في أوق ــات النهي،
وعنـ ــدنا األمر بصـ ــالة ركعـ ــتين قبل أن يجلس « :إذا دخل أح >>دكم المس >>جد فال يجلس ح >>تى يص >>لي
ركعتين ».
الحديث األول -حديث عقبة -فيه عموم ،عمومه من جهة الصلوات،ـ فهو عــام في جميع الصــلوات:
"ثالث س ــاعات ك ــان رس ــول اهلل -ص ــلى اهلل عليه وس ــلم -ينهانا أن نص ــلي فيهن ،"..أي ص ــالة ،ه ــذه
ـواء كـانت فـرائض مقضـية أو مـؤادة ،نوافل مطلقة أو مقيـدة؛
الصلوات ال تصـلى في هـذه األوقـات س ً
فعموم حديث" :ثالث ساعات كان رسـول اهلل -صـلى اهلل عليه وسـلم -ينهانا أن نصـلي فيهن" شـامل
لجميع الص ــلوات ،فعمومه من ه ــذه الحيثي ــة ،وخصوصه في ه ــذه األوق ــات ،فهو ع ــام في الص ــلوات
خاص في األوقات.
النصـ ـ ــوص األخـ ـ ــرى الـ ـ ــتي هي نصـ ـ ــوص ذوات األسـ ـ ــباب عمومها في األوقـ ـ ــات ،خصوصـ ـ ــها في
الصلوات ،هل نستطيع أن نوفق بين هذه النصوص كما وفقنا في آيتي العدة في أول األمر؟ يمكن؟
هل نقول :يمكن حمل عموم أحدهما على خصوص اآلخر؟
عنــدنا عمــوم وخصــوص وجهي وليس بمطلــق ،وأولئك الــذين دخلــوا في أوقــات النهي وصــلوا قــالوا:
الخاص مقدم على العام ،فإذا قال الشافعي مثالً :أحاديث النهي عامة في الصلوات،ـ وأحــاديث ذوات
األس ــباب خاص ــة ،والخ ــاص مق ــدم على الع ــام ،للحنفي والم ــالكي والحنبلي -على كل ح ــال هو ق ــول
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 168 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
الجمهـ ـ ــور -للحنفي والمـ ـ ــالكي والشـ ـ ــافعي أن يقـ ـ ــول :العكس ،له أن يقـ ـ ــول العكس :أحـ ـ ــاديث ذوات
األسباب -ومنها تحية المسجد -عامة في األوقات ،وأحاديث النهي خاصة بهذه األوقــات ،والخــاص
مقدم على العام ،كالمه صحيح وإ ال ما هو بصحيح؟
نعم ،كالم األول صـ ـ ــحيح ،وكالم الثـ ـ ــاني صـ ـ ــحيح ،لكن كل منهما نظر إلى النصـ ـ ــوص من زاويـ ـ ــة،
وأهمل الزاوية األخرى.
وعلى المنصف أن ينظر إلى النصـ ــوص من جميع الزوايـ ــا؛ ألنه إذا قـ ــال الشـ ــافعي :أحـ ــاديث النهي
عامة وأحــاديث ذوات األســباب خاصة نقــول :كالمك صــحيح ،لكنه بالنســبة أليش؟ للصــلوات،ـ وأنت
لم تنظر إلى العم ــوم والخص ــوص في األوق ــات ،فيعارضه ق ــول من يق ــول :أح ــاديث ذوات األس ــباب
عامة في األوقات ،وأحــاديث النهي خاصة بهــذه األوقــات ،فالنصــوص متكافئــة ،وال يمكن تخصــيص
عموم أحد الطرفين بخصوص اآلخر.
الــدعوة الــتي أثــيرت قبل ربع قــرن حــول التقليد ونبذ التقليــد ،وصــادفت محل متهــيئ وهي في جملتها
دعــوة طيبة أعــادت النــاس إلى االلــتزام بالــدليل ،وصــادفت أيض ـاً مجتمعــات تقــدم آراء الرجــال على
النص ــوص ،وص ــار لها ردود أفع ــال ،وواكب ذلك أيضـ ـاً دفع ــه ،..ك ــون ش ــيخ اإلس ــالم -رحمه اهلل-
يوافق الشافعية ،وشيخ اإلسـالم ،شـيخ اإلسـالم ،يعـني ما أحـد ،..نعم ،فكـأن النـاس صـار ،..كـأن هـذه
المســألة صــارت قضــية مســلمة ال يمكن النقــاش فيهــا ،وأن مــذهب الحنابلة والحنفية والمالكية خطأ ال
يحتمل الصواب ،هذا الكالم ليس بصــحيح ،المســألة من حيث النصــوص متكافئــة ،وحينئذ نحتــاج إلى
بم يرجح الشافعية قولهم في تقديم أحاديث ذوات األسباب على أحاديث النهي؟
مرجح خارجيَ ،
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ
ض> ْير :بكــثرة المخصصــات ،نعم ،عمــوم أحــاديث النهي غــير محفوظــة ،دخله
سواء كانت مؤداة أو مقضية ،وأيضاً.
ً مخصصات ،مخصص بالفرائض ،نعم ،بالفرائض
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :يخير لصاحب القول اآلخر إال في هذه األوقات ،إيه له أن يقلبها عليه.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :نعم ،سبب الورود ،العبرة بعموم اللفظ ال بخصــوص الســبب ،أو نقــول:
سبب الورود دخوله في النص قطعياً ،أنت معي؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :تعلمون ماذا يقصد؟ نعم؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 169 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
إذا جــاء شــخص إلى المســجد وقد صــلى في بيتــه ،وهم يصــلون أو صــلى في مكــان آخر ووجد النــاس
يص ــلون ،يص ــلي معهم « ،إذا ص>>ليتما في رحالكما فص>>لوا » :ه ــذا النص ج ــاء في ص ــالة الص ــبح،
وما بعد ص ــالة الص ــبح وقت نهي ،وأيضـ ـاً وقت النهي بالنس ــبة لص ــالة الص ــبح اس ــتثنيت من النوافل
ركعتا الصبح.
على كل حال أحاديث النهي دخلها من المخصصات الشيء الكثير ،فعمومها ليس بمحفوظ ،أحاديث
ذوات األسباب عمومها محفوظ وإ ال غير محفوظ؟
طالب.......:
َّ
الش > ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ
ض > ْير :دعونا من محل ال ــنزاع ،ال ــذي هو محل البحث ،يع ــني من غ ــير محل
النزاع ،الشافعية يرجحون قولهم بأن عموم أحــاديث ذوات األســباب محفــوظ ،وعمــوم أحــاديث النهي
غير محفوظ ،وللطرف اآلخر أن يرجح ،بأي شيء؟
ب ــأن الحظر مق ــدم على اإلباح ــة « ،إذا نهيتكم عن ش>>يء ف>>اجتنبوه >،إذا أم>>رتكم ب>>أمر ف>>أتوا منه ما
استطعتم » :فالحظر هنا مقدم ،المنع مقدم على األمر بالصالة.
حــتى المرجحــات متكافئــة ،المرجحــات متكافئــة ،ولهــذا قــرر جمع من أهل العلم أن هــذه المســألة من
ضـل المســائل؛ ليست من المســائل الســهلة الــتي لكل شــخص أن يقــول :وراه جلست وركعت ،ورا
ُع َ
ما تصلي ،دخل أحد المسجد العصر قال له واحد :وراك ليش تجلس وراك ما صليت؛
« إذا دخل أح>>دكم المس>>جد ،» ..أو ج ــاء ش ــخص ص ــلى يأتيه آخر يق ــول ل ــه :ليش تص ــلي في وقت
النهي؟
فالمســألة ليست بهــذه الســهولة ،بل هي من عضل المســائل حــتى قــرر بعض أهل العلم أن اإلنســان ال
يــدخل المســجد في وقت النهي؛ ألنه إن صــلى خــالف أحــاديث النهي ،إن لم يصـ ِّـل خــالف حــديث تحية
المسجد ،ظاهر وإ ال ما هو بظاهر؟
فعلى ه ــذا يق ــول :ال ت ــدخل المس ــجد في ه ــذا ال ــوقت ،أو إذا دخلت فاس ــتمر واقفـ ـاً ،يع ــني كيف يص ــنع
شخص جاء إلى المسجد خشي أن تفوته الصالة والمسجد فيه درس بعد صالة العصر أو بعد صــالة
الص ـ ــبح وخشي أن تفوته الص ـ ــالة ص ـ ــلى في الطريق ثم ج ـ ــاء إلى المس ـ ــجد ،أو إم ـ ــام مس ـ ــجد ص ـ ــلى
بجماعته وج ــاء إلى المس ــجد ال ــذي فيه درس بعد ص ــالة الص ــبح أو بعد ص ــالة العصر م ــاذا يص ــنع؟
ِّ
تصل؟ نقول له :صل وإ ال ال
أوالً إن جلس ال نــأمره بالصــالة ،وإ ن ص ــلى ال ننهــاه عن الصــالة ،لوج ــود النص ــوص ال ــتي ال يمكن
الترجيح بينها؛ لما ذكرنا.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 170 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
على أنه من بــاب النظر الــدقيق في النصــوص إذا جــاء الــداخل إلى المســجد في األوقــات الموســعة في
الوقتين الموسعين ،جاء بعد صالة الصبح فالمتجه أنه يصلي وإ ال ال يصــلي؟ يصــلي ،ومثله إذا دخل
المسـ ــجد العصر والشـ ــمس بيضـ ــاء نقيـ ــة ،يصـ ــلي ،بينما إذا جـ ــاء في األوقـ ــات المضـ ــيقة عند طلـ ــوع
الشــمس وعند غروبها وإ ذا قــام قــائم الظهــيرة ،نقــول لــه :ال تصـ ِّـل ،لمــاذا؟ ألن المنع من الصــالة في
الوق ـ ــتين الموس ـ ــعين -ق ـ ــرر جمع من أهل العلم -أنه من ب ـ ــاب سد الذريع ـ ــة ،النهي عن الص ـ ــالة بعد
صالة الصبح وبعد العصر قالوا :من بـاب سد الذريعـة ،كيف سد الذريعـة؟ لئال يسترسل في الصـالة
فيص ـ ــلي في وقت طل ـ ــوع الش ـ ــمس أو وقت غروبه ـ ــا ،ف ـ ــدل على أن المقص ـ ــود من النهي أال يص ـ ــلي
اإلنســان في وقت طلــوع الشــمس أو في وقت غروبهــا ،فهــذا منع منه قصــداً ،وذاك منع منه من بــاب
منع الوس ــائل ،فعلى ه ــذا يك ــون النهي في الوق ــتين موس ــعين أس ــهل وأخف من النهي عن الص ــالة في
األوقات المضيقة الثالثة.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :نع؟
طالب.......:
َّ
الش > ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ
ض > ْير :ال ،يجلس ما فيه إش ــكال؛ ألن النص ــوص واض ــحة ،وإ ن وقف والم ــدة
يسيرة ال تتجاوز عشر دقائق ربع ساعة ،فله ذلك.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :هو يبدو ربع ساعة الظاهر ما يزيد -إن شــاء اهلل -يمضي ربع ســاعة،
إذا دخل والشمس بيضاء نقية يصلي ،إذا دخل بعد صالة الصبح أذن له أن يصلي راتبة قبل الصــبح
بعد الصــبح فــدل على أن األمر فيه ســعة ،الرســول -عليه الصــالة والســالم -قضى راتبة الظهر بعد
صالة العصر ،نعم ،كثير من الســلف أثر عنهم أنهم يصــلون بعد العصــر ،فــدل على أن النهي والمنع
من الصالة في والوقتين الموسعين إنما هو من باب منع الوسائل ال المقاصــد؛ لئال يسترسل ويســتمر
يصلي حتى يضيق الوقت.
تروا المسألة عملية ويحتاجها كل أحد.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :يسمى جلوس وإ ال ما هو بجلوس؟
طالب.......:
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 171 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
َّ
الش > ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ
ض > ْير :هو إذا ك ــان ال ــوقت ض ــيقاً وال يتحمل مثالً الوق ــوف ال م ــانع أن يص ــنع
مثل هذا؛ ألنه له أن يجلس؛ "ثالث ساعات كان رسول اهلل -صـلى اهلل عليه وسـلم -ينهانا أن نصـلي
فيهن ،وأن نقبر فيهن موتانا"؛ لشــدة النهي ،ولــذا يــورد بعضــهم على األوقــات الخمسة لمــاذا ال تصــير
ـداء ،من طلـ ــوع الفجر إلى ارتفـ ــاع الشـ ــمس يصـ ــير واحـ ــد ،ليش ما يقسـ ــموها اثـ ــنين؟ ووقت
ثالثة ابتـ ـ ً
الــزوال ،ومن صــالة العصر إلى غــروب الشــمس ليش ما يقســموها اثــنين تصــير ثالثــة؟ وهي كــذلك
على سبيل اإلجمال ،لكن بسطت لماذا؟ لماذا قالوا ثالثة؟
ألنها تختلف خفة وقــوة ،وتختلف أيضـاً من جهة أخــرى وهي أن الوقــتين الموســعين النهي عن شــيء
واحد وهو أيش؟ الصــالة فقــط ،والنهي في األوقــات الثالثة المضــيقة عن ،..نعم ،عن شــيئين الصــالة
وعن قــبر الميت" ،وأن نقــبر فيهن موتانــا ،وإ ن كــان بعضــهم يقــول :إن المــراد بقــبر المــوتى الصــالة
على الجنازة.
فيها غموض المسألة وإ ال؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :نعم ،نعم يا أحمد؟
طالب :جاء في وقت النهي هل ينكر عليه؟
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :وصلى؟
طالب.......:
ض ْير :مشكلتنا أنه القول اآلخر يعني ما هو بملغى من كل وجه ،لكن لو أشــير َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
علي ــه ،يع ــني لو ج ــاء في ال ــوقت الموسع وص ــلى ما ينكر علي ــه ،جلس ما ينكر علي ــه؛ ألن كالً منهما
معه نص ،لكن لو أشير عليه ،قيل له :لو في األوقات الضيقة هذه التي النهي فيها شــديد لو انتظــرت
حـ ــتى يخـ ــرج وقت النهي أفضل لـ ــك ،يعـ ــني من بـ ــاب المشـ ــورة؛ ألن القـ ــول اآلخر أيض ـ ـاً له حظ من
النظر وله دليل.
طالب :أحسن اهلل إليك ،هذا على القول أن تحية المسجد واجبة؟
َّ
الش> ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ
ض> ْير :ال ما هو على القــول بوجوبهــا ،على القــول أنهــا ،..جمــاهير أهل العلم
على أنها سنة.
طالب.......:
ال َّ
ش>> ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ
ض>> ْير :اآلن عنـ ــدنا النهي هل هو للتحـ ــريم أو للكراهـ ــة؟ وعنـ ــدنا األمر بتحية
المسـ ـ ـ ــجد هل هو للوجـ ـ ـ ــوب أو لالسـ ـ ـ ــتحباب ،كالهما يتجاذبه ما يتجاذبه من الخالف بين أهل العلم،
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 172 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
اختلفــوا في النهي هل هو للتح ــريم أو للكراهــة ،كما أنهم اختلفــوا في تحية المســجد واألدلة المتكــاثرة
تدل على عدم الوجوب ،وهو قول جماهير أهل العلم.
كم باقي على اإلقامة؟ يعني نبدأ بشيء وإ ال؟
هنا الناظم يقول -رحمة اهلل عليه: -
ب ــاقي وقت؟ ه ــا ،ب ــاقي ش ــيء؟ طيب ،واهلل أعلم ،وص ــلى اهلل وس ــلم وب ــارك على عب ــده ورس ــوله نبينا
محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الدَّرس الع ِ
اش ُر ْ ُ َ
بسم اهلل ال ـ ـ ــرحمن ال ـ ـ ــرحيم ،الحمد هلل رب الع ـ ـ ــالمين ،وص ـ ـ ــلى اهلل وس ـ ـ ــلم على نبينا محمد وعلى آله
وصحبه أجمعين ،أما بعد :فقد قال المصنف -رحمه اهلل تعالى:-
والمجمل :ما يفتقر إلى البيان ،والبيان :إخراج الشيء من حيز اإلشكال إلى حيز التجلي،
معنى واحداً ،وقيل :ما تأويله تنزيله ،وهو مشتق والمبين :هو النص ،والنص :ما ال يحتمل إال
ً
من منصة العروس وهو الكرسي ،والظاهر :ما احتمل أمرين أحدهما أظهر من اآلخر ،ويؤول
الظاهر بالدليل ويسمى> ظاهراً بالدليل.
« َّ
الش ْـر ُح » :
أجملت الشيء إذا جمعته :هذه لغة مستعملة إلى اآلن ،إذا قيل لك :أجمل الحساب ،أيش معناه؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 173 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
اذكر جملته وهي مجموعـ ـ ــه ،تقـ ـ ــول :أجمل األمر أي أبهم ،وفي الحـ ـ ــديث الصـ ـ ــحيح في تحـ ـ ــريم بيع
الخمر والميتة والخ ـ ــنزير واألص ـ ــنام ،ثم الس ـ ــؤال عن ش ـ ــحوم الميت ـ ــة ،ج ـ ــاء في الخ ـ ــبر « :قاتل اهلل
اليه>>ود؛ لما ح>>رم عليهم الش>>حوم جملوها » :أي :أذابوه ــا ،فجم ــل :أذاب ،وأجم ــل :جمع أو أبهم،
أو حصَّل ،على المعاني الثالثة المذكورة.
ما عالقة الثالثي بالرباعي؟ جمل وأجمل ،بينهما عالقة؟ جملوه أذابوه ،نعم؟
طالب.......:
ض>>>> ْير :جملـ ـ ــوه :أذاب ـ ـ ــوه ،هل يفهم من اإلذابة مع ـ ـ ــنى الجمع أو اإلبهـ ـ ــام أو
>>>>ر ْيم ال ُخ َ َّ
الش>>>> ْيخ َع ْبد ال َك ِ
التحصيل؟
نعم كأن التحصيل أقربها.
ع ـ ــرف المص ـ ــنف المجمل بأن ـ ــه « :ما يفتقر إلى البي>>>ان » :وفي مختصر التحري ـ ــر :ما ت ـ ــردد بين
محتملين فأكثر على السواء ،ما تردد بين محتملين فأكثر على السواء.
إن أمكن ترجيح أحد االحتماالت هل يكون فيه إجمال؟ نعم؟
طالب.......:
َّ
الش> ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ
ض> ْير :نقــارن بعض األمــور ببعض من أجل أن تتضح الرؤيــة :إذا لم يحتمل
معنى واحداً يدخل في المجمل؟ نعم؟ إال
ً
طالب.......:
معنى واحداً. ض ْير :نص ،نص ال يحتمل إال َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ً
إذا احتمل أكثر من معنى وكانت هذه المعاني متفاوتة ،االحتمال األقوى يسمى..؟
طالب :الظاهر.
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :الظاهر ،واألضعف؟
طالب.......:
ال َّ
ش > > ْيخ َع ْبد ال َك> > ِ>ر ْيم ال ُخ َ
ض > > ْير :نعم ،وإ ذا احتملهما على السـ ـ ــواء :إجمـ ـ ــال ،إجمـ ـ ــال ،فما تـ ـ ــردد بين
محتملين فــأكثر على الســواء هــذا هو المجمــل ،فـإن أمكن تــرجيح أحــدهما على اآلخر انتفى اإلجمــال،
يع ـ ـ ـ ــني :كما يق ـ ـ ـ ــال في الح ـ ـ ـ ــديث :إذا روي على أوجه مختلفة متس ـ ـ ـ ــاوية ،نعم ،فهو أيش؟ إذا روي
الحديث على أوجه مختلفة متساوية نعم؟
طالب :مضطرب.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 174 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ
ض> ْير :مضــطرب ،فــإذا أمكن تــرجيح بعضــها على بعض انتفى االضــطراب،
وهنا إذا أمكن ترجيح أحد االحتماالت على بعض انتفى اإلجمــال ،وحينئذ يكـون الـراجح هو الظـاهر
والمرجوح هو أيش؟ المؤول.
إذا وجدنا لفظاً أو نصاً بهذه الصفة ،نص من كتاب أو ســنة بهــذه الصــفة يحتمل أمــرين على الســواء،
فحينئذ نعمل بأي المعنيين؟ نعم؟
طالب.......:
ض ْير :نتوقـف؛ ألن عملنا بأحد االحتمـالين المسـتويين دون مـرجح أيش؟ تحكم َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
تحكم ،فال بد من المرجح ،وإ ذا وجد المــرجح انتفى اإلجمــال ،حكم المجمل حينئذ التوقف حــتى يوجد
البيان الخارجي.
يق ـ ــول « :المجمل هو ما يفتقر إلى البي>>>ان ،والبي>>>ان إخ>>>راج الش>>>يء من ح>>>يز اإلش >>كال إلى ح >>يز
التجلي ،والمبين هو النص ».
أسباب اإلجمال:
ذك ــروا لإلجم ــال أس ــباباً منه ــا :ع ــدم معرفة الم ــراد؛ لالش ــتراك في الداللة ك ــالقرء؛ الق ــرء م ــتردد بين
الطهر والحيض ،وقد جــاء في اللغة ما يــدل على هــذا وما يــدل على ذاك ،فنحتــاج حينئذ إلى مــرجح،
ولذا يختلف أهل العلم في المراد بالقرء في قوله تعالىِ ﴿ :بأَنفُ ِس ِه َّن ثَالَثَ َة قُُر َو ٍء ﴾
الحَيض ،وذهب آخــرون [ سورة البقرة ،اآلية : ] 228 :فذهب بعضهم إلى أن األقـراء المـراد بها ِ
إلى أن المراد األطهار ،هذا سبب من أسباب اإلجمال.
الســبب الثــاني :عــدم معرفة الصــفة ،كما في آية الحج وآية الزكــاة والصــالة -اآليــات المجملة فيهــا:-
الصالَةَ ﴾ [ سورة البقرة ،اآلية : ] 43 :يعني لو لم ينزل في الصالة إال هذه اآلية: يمواْ َّ ِ
﴿ َوأَق ُ
ص>>الَةَ ﴾ ،كيف نقيم الصـ ــالة؟ نحتـ ــاج إلى بيـ ــان؛ ألن اللفظ مجمـ ــل ،وسـ ــبب ذلك عـ ــدم
يم>>واْ ال َّ ِ
﴿ َوأَق ُ
معرفة الصفة.
الز َكاةَ ﴾ [ سورة البقرة ،اآلية : ] 43 :نفس الشيء. ﴿ َوآتُواْ َّ
ط َ ِ ِ الن ِ ِ
﴿ َوِللّ ِه َعلَى َّ
س ِبيالً ﴾ [ سورة آل عمــران ،اآلية : ] 97 :كيف اع إِلَ ْيه َ اس ح ُّج ا ْل َب ْيت َم ِن ْ
استَ َ
يحج؟ نعم هنـ ــاك حج مـ ــوروث قبل نـ ــزول اآليـ ــة ،لكن هل يجـ ــزئ حج ـ ـاً شـ ــرعياً؟ نعم؟ النـ ــبي -عليه
الصالة والسالم -ثبت أنه حج قبل فرض الحج عليه ،نعم ،بدليل؟ نعم؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :نعم رؤي في عرفة ،من الذي رآه؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 175 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
والبيـ ـ ــان الـ ـ ــذي يقابل اإلجمـ ـ ــال :مـ ـ ــأخوذ من التبـ ـ ــيين الـ ـ ــذي هو فعل المـ ـ ــبيِّن -بكسر التحتيـ ـ ــة -وهو
َّ
الموضح. المبَّين وهو النص ِّ
الموضح ،وبفتحها َ
ع ــرف المص ــنف البي ــان بقول ــه « :إخ>>راج الش>>يء من ح>>يز اإلش>>كال إلى ح>>يز التجلي » يق ــال :في
اإلشكال هو الخفاء ،والتجلي هو الظهور ،فيقال :بان األمر وتبين ،بمعنى اتضح وانكشف.
فالبيان إخراج ،البيان إخراج ،المبين هو النص ،ما الذي يرد على تعريف المصنف؟
طالب.......:
ال َّ
ش > > ْيخ َع ْبد ال َك> > ِ>ر ْيم ال ُخ َ
ض>>>> ْير :يـ ـ ــرد عليه النصـ ـ ــوص البينة الـ ـ ــتي ال تحتـ ـ ــاج إلى بيـ ـ ــان ،هل جميع
النصوص في أول األمر مجملة تحتاج إلى بيان ،أو فيها ما ال يحتاج إلى بيان؟
نعم ،في أمور واضحة ال تحتاج إلى بيان ،فعندنا مجمل ومبين ،..أنتم معي يا إخوان وإ ال..؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 176 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
فقــول المصــنف « :البيان :إخراج الشيء من ح>يز اإلش>كال إلى ح>يز التجلي » أورد عليه بعضــهم
ـداء قبل تقرير اإلشـ ــكال؛ ألنه ليس فيه إخـ ــراج من حـ ــيز اإلشـ ــكال إلى حـ ــيز
أنه ال يشـ ــمل التبـ ــيين ابتـ ـ ً
التجلي ،هذا إيراد على المؤلف ،لكن هل يمكن أن يرد على المؤلف أو ال يرد؟ تأملوا.
طالب :ال يرد.
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :ال يرد ،لماذا؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :اآلن هل المؤلف يعــرف المــبين مطلقـاً ،أو يعــرف البيــان للمجمــل؟ نعم،
يعــرف الثــاني ،إذن ال إيــراد؛ ألن بيــان المجمل إخــراج للمجمل من حــيز اإلشــكال إلى حــيز التجلي،
فال إيراد.
>نى واح>>داً ،وقي>>ل :ما تأويله تنزيل>>ه >،وهو مش>>تق من منصة
ثم ق ــال « :والنص ما ال يحتمل إال مع> ً
الع> >>روس وهو الكرسي » النص في اللغـ ـ ــة :الظهـ ـ ــور ،مشـ ـ ــتق -كما قـ ـ ــال المؤلـ ـ ــف « -من منصة>
العروس ،وهو الكرسي » الذي تنص عليه العروس :أي ترفع لتظهر للناظرين.
والعــروس يقــال للرجل والمــرأة معـاً ،هــذا عــروس وذاك عــروس ،هــذه عــروس ،وهــذا عــروس ،زيد
عروس ودعد عروس؛ ماداما في عرسهما ،يعني في أيام العرس ،كما في القاموس.
ق ــول المؤل ــف « :مش>>تق من منصة الع>>روس » النص نوع ــه ،..النص أيش نوع ــه؟ فعل وإ ال اس ــم،
اسم فاعل ،اسم مفعول ،صفة مشبهة ،صيغة مبالغة ،وأيش يصير؟
طالب.......:
ض ْير :نعم ،مصــدر ،يقــول :النص مشــتق من منصة العــروس ،وإ ذا قررنا أنه َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
مص ـ ـ ــدر ،المص ـ ـ ــدر أصل وإ ال مش ـ ـ ــتق؟ أص ـ ـ ــل ،وليس بمش ـ ـ ــتق ،وهنا يق ـ ـ ــرر أنه مش ـ ـ ــتق من منصة
العــروس ،وفي قولــه :مشــتق من منصة العــروس :مســامحة -يعــني تجــوز-؛ ألن المصــدر ال يشــتق
من غــيره على الصــحيح بل غــيره يشــتق منــه ،فالمنصة مشــتقة من النص ،المنصة مشــتقة من النص
–العكس -والنص لغ ــة :الرف ــع ،ف ــإذا ظه ــرت داللة اللفظ على معن ــاه ك ــان ذلك في مع ــنى رفعه على
غيره.
فقولـ ــه « :مش >>تق من منصة الع >>روس » لم يـ ــرد به االشـ ــتقاق االصـ ــطالحي؛ عرفنا أن األصل في
المشــتقات كلها المصــدر ،ولــذا يقــول ابن مالــك :وكونه أص ـالً لهــذين انتخب :يعــني الفعل والمشــتق،
اسم الفاعل اسم المفعول -إيه ،وكونه أصالً لهذين انتخب ،نعم ،هذا رأي من؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 177 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
البصــريين،ـ عند الكوفــيين العكس األصل الفعــل ،لكن األكــثر على رأي البصــريين،ـ وعلى هــذا يــراد
به االشــتقاق االصــطالحي أو ال؟ ال ،لم يــرد به االشــتقاق االصــطالحي ،وإ نما أراد مجــرد االشــتراك
في المادة.
نظ ـ ــيره ق ـ ــول الفقه ـ ــاء في ال ـ ــبيع :إنه مش ـ ــتق من الب ـ ــاع؛ ألن كل واحد من المتب ـ ــايعين يمد باع ـ ــه ،هل
يريدون بهذا االشتقاق االصطالحي؟ البيع مصدر ،نعم ،هل يريدون بهذا االشتقاق االصطالحي؟
ال ،إنما هـ ــذا تجـ ــوز ومسـ ــامحة ،يريـ ــدون بـ ــذلك مطلق االشـ ــتراك في أصل المـ ــادة ،وإ ال فاألصل أن
المصدر هو أصل الجميع.
معنى واح>>داً » هــذا النص وعرفنا أن ما عرف المصنف النص اصطالحاً بقوله « :ما ال يحتمل إال
ً
يحتمل معنيين على حد سواء هو المجمل ،إذا ترجح أحدهما فهو أيش؟
الظـاهر ،والمرجـوح يقــال لـه :المــؤول ،وهـذا نظـير ما يقـال في المعلــوم ،نعم ،إما أن يحتمل النقيض
أو ال ،والـ ـ ــذي ال يحتمل النقيض إما أن يكـ ـ ــون مع احتمـ ـ ــال مسـ ـ ـ ٍ
ـاو أو راجح أو مرجـ ـ ــوح ،فالـ ـ ــذي ال
يحتمل النقيض هو العلم ،والذي يحتمله مع رجحان االحتمـال يقـال لـه :الظن ،ومع المرجوحية يقـال
له :الوهم ،والمساواة يقال لها :الشك ،هذا قريب منه جداً.
معنى واحداً » في قوله تعــالىَ ﴿ :ذِل َك أ َْد َنى أَالَّ تَ ُعولُ>>واْ ﴾ [ ســورة النســاء ،اآلية « ما ال يحتمل إال
ً
: ] 3 :أيش معنى ﴿ :تَ ُعولُواْ ﴾ ؟ نعم؟ من يقرأ اآلية كاملة؟ هاه ،نعم؟
طالب.......:
ض ْير :اللي قبله. َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
طالب.......:
ض ْيرَ ﴿ :ذِل َك أ َْد َنى أَالَّ تَ ُعولُواْ ﴾ :أيش معنى ﴿ :تَ ُعولُواْ ﴾ ؟ َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :وقيل :يكثر عيالكم.
طالب.......:
نعم ،كــثرة العيــال ،أيش المعــنى الصــحيح في اآليــة ،اآلية محتملة لمعنــيين ،المعــنى الــذي يــراه اإلمــام
الشــافعي معنــاه :أال تفتقــروا بكــثرة العيــال ،ال تــتزوج إال واحــدة؛ لئال يكــثر أوالدك فتفتقــر ،والمعــنى
الث ـ ـ ــاني :أال تميل ـ ـ ــوا ،المع ـ ـ ــنى الث ـ ـ ــاني هو الم ـ ـ ــرجح عند أك ـ ـ ــثر أهل العلم ،واألول هو الم ـ ـ ــرجح عند
الشــافعي ،فعلى كل حــال الــذي يظهر من نصــوص الشــريعة ومقاصــدها أن كــثرة العيــال مطلوبة وإ ال
غير مطلوبة في الشـرع؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 178 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
يقول :تراءى لي جعفر ،رأيت جعفراً :ال تشك في شخصه وال في اسمه ،هل يقــال مثالً :إنك رأيت
محمداً وإ ال زيداً؟ احتمال؟ احتمال أن يكون زيد وإ ال محمد؟ ال؛ أنت رأيت جعفراً.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 179 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
ثم قال -رحمه اهلل « :-والظاهر ما احتمل أمرين أحدهما أظهر من اآلخر ،ويؤول الظ>>اهر بال>>دليل
ويسمى> ظاهراً بالدليل » أيش معنى هذا؟
طالب.......:
ض ْير « :والظاهر ما احتمل أمرين أحدهما أظهر من اآلخ>>ر ،وي>>ؤول الظ>>اهر َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
بال>>>دليل ويس>>>مى ظ>>>اهراً بال>>>دليل » عرفنا أن االحتم ـ ــال ال ـ ــراجح من المع ـ ــاني هو أيش؟ الظ ـ ــاهر،
والمرجوح هو المؤول ،وعرفنا أن ما يحتمل هو المجمل ،وما ال يحتمل هو النص.
الظ ــاهر :عرف ــوه في اللغة بأنه الواض ــح،ـ وق ــال بعض ــهم :ال ــبيِّن ال ــذي ال خف ــاء في ــه ،وعرفه المؤلف
اص ــطالحاً بأنه « ما احتمل أم>>رين أح>>دهما أظهر من اآلخر » عن ــدنا األس ــد ،إذا قلت :رأيت أس ــداً،
كم االحتماالت الواردة في هذه اللفظة؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :أنت إذا قلت أو قيل لك ،..قال لك زميلك :رأيت أسداً ،كم يحتمل؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :كيف؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :احتمالين ،واحد يقول ثالثة ،ما فيه رابع؟
طالب.......:
َّ
الش> ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ
ض> ْير :قبل النظر في القــرائن هــذا النص مــاذا يحتمــل؟ وهنــاك احتمــال راجح
واحتم ــال مرج ــوح ،وإ ذا وج ــدت القرينة للمرج ــوح ص ــار هو الظ ــاهر ،والخ ــالي عن القرينة يص ــير
مؤول حينئذ ،نعم؟
احتم ــاالت ثالثـــة ،أظهر ه ــذه االحتمـــاالت أنه أيش؟ الحي ــوان المف ــترس؛ ألن ه ــذه حقيقت ــه ،والحقيقة
أظهر من غيرهـــا ،االحتمـــال الثـــاني أيش؟ الرجل الشـــجاع؛ ألن الش ــجاعة تظهر للن ــاس ،ويش ــبهون
الشجاع باألسد ،االحتمال الثالث..هاه؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :كيف؟
طالب.......:
ال َّ
ش>> ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ
ض>> ْير :ال ،ال ما هو الكالم في الرؤيـ ــة ،في لفظ األسـ ــد ،االحتمـ ــاالت في لفظ
األسد ،نعم؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 180 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
طالب.......:
َّ
الش> ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ
ض> ْير :االحتمــال األول -وهو الظــاهر :-الحيــوان المفــترس ،الثــاني :الرجل
الشجاع.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :كيف؟
طالب.......:
ال َّ
ش > > ْيخ َع ْبد ال َك> > ِ>ر ْيم ال ُخ َ
ض > > ْير :ال ،ال ال ،ال االحتمـ ـ ــال الثـ ـ ــالث ،مـ ـ ــذكور ذكرنـ ـ ــاه مـ ـ ــراراً في بعض
الدروس :األبخر ،أيش معنى األبخر؟ الرجل الذي فيه بخر ،أيش هو البخر؟
نعم الرائحة الكريهة الــتي تنبعث من فمــه ،يقــال لــه :أسد ليش؟ ألن األسد أبخــر ،فيشــبه به من تنبعث
منه الرائحة الكريهة من هذه الحيثية ،وهذا تشــبيه فيه خفــاء وغمــوض ،فالتشــبيه باألسد في الشــجاعة
والقوة أظهر من التشبيه به في الرائحة.
فعندنا ثالثة احتماالت ،احتمـال أقـوى ،واالحتمـال الثـاني :مرجـوح لكنه أرجح من االحتمـال الثـالث،
فإن استبعدنا االحتمال األول ،دخل رجل وقال قائل :هذا أسـد ،هل يحتمل أن يكـون حيوانـاً مفترسـاً؟
ال يحتمل ،انتهى االحتمال األول ،يبقى عندنا احتمــال راجح ومرجــوح ،احتمــال راجح أن يكـون هـذا
الرجل ش ــجاعاً مثل األسد واحتم ــال ثـــاني وهو مرجـــوح أيضـ ـاً أن يك ــون أبخ ــراً -تنبعث منه روائح
كريهة كاألســد -وهــذا ما أشــار إليه المؤلف بــأن المــؤول قد يكــون ظــاهراً بالــدليل « ويؤول الظ>اهر
بالدليل ،ويسمى ظاهراً بالدليل » :يسمى المؤول ظاهراً بالدليل.
إذن عنــدنا الظــاهر كما قــال المؤلــف :هو االحتمــال األرجح ،والمــؤول االحتمــال المرجــوح ،لكن في
النصوص ،..ما الواجب في تفسير النصوص؟
حملها على الظـ ـ ــاهر ،وال يلجأ إلى االحتم ـ ــال المرجـ ـ ــوح إال لـ ـ ــدليل يقتضـ ـ ــيه ،يمنع من إرادة الحقيقة
-وهو الظـ ــاهر -إذا وجد دليل يمنـ ــع ،فال بـ ــأس من حمله على المعـ ــنى المرجـ ــوح ،وهـ ــذا االحتمـ ــال
المرج ــوح هو ال ــذي س ــلكه المبتدعة في تأويل الص ــفات ،ففي مثل قوله اهلل -جل وعالَ ﴿ :-ي> ُ>د اللَّ ِه
ق أ َْي> ِ>دي ِه ْم ﴾ [ س ــورة الفتح ،اآلية : ] 10 :االحتم ــال ال ــراجح ،أنها اليد الحقيقية ال ــتي تليق باهلل
فَ> ْ>و َ
-عز وجل -واالحتمال المرجــوح أنها النعمة أو القــوة ،أو القـدرة ،هـذا احتمــال مرجـوح ،كيف ســلك
المبتدعة هــذا االحتمــال وهو مرجــوح وقــدموه على الحقيقــة؛ بحجة التنزيه هلل -عز وجــل -أن تكــون
له يد جارحة ،لمـاذا؟ ألنهم توهمـوا أنه ال يد إال كــ(يـد) تشـبه المخلـوق ،إال يد تشـبه يد المخلـوق ،فـإذا
س َك ِمثْ ِل> ِ>ه َ
ش > ْي ٌء ﴾ قلن ــا :يد حقيقية كما ق ــال -عز وج ــل -عن نفس ــه ،لكنها ال تش ــبه المخل ــوق؛ ﴿ لَ ْي َ
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 181 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
[ سورة الشــورى ،اآلية ،] 11 :تليق بجالله وعظمتــه ،جمعنا بين التفســير باالحتمــال الــراجح وهو
الظاهر ،ولم نسلك االحتمال المرجوح ،ومع ذلكم لم نقع في المحظور.
طالب :هل يمكن أن نأخذ احتماالت..........؟
ض ْير :المقصــود أن فيه وجه شــبه من األســد ،إذا وجد فيه وجه شــبه من األسد َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ال ب ــأس ،نعم ،ولـ ــذلك األلقـ ــاب ،..األلقـ ــاب عند أهل الحـــديث وغ ــيرهم من صـ ــروف العلم ،يوجد في
كتب التراجم بحث يقال له :األلقاب ،وفي كتب مستقلة لأللقــاب ،نزهة األلبــاب في األلقــاب ،وغيرها
من الكتب ،تجد الشــخص يلقب بــأدنى مناســبة ،نعم ،فيحتــاج حمله على االحتمــال المرجــوح إلى دليل
يقتضي ذلك ويمنع من إرادة الحقيقـ ـ ـ ـ ـ ــة ،فال يصح التأويل بمجـ ـ ـ ـ ـ ــرد االحتمـ ـ ـ ـ ـ ــال ،وإ ذا لم يوجد دليل
فالتأويل فاسد مردود؛ ألنه دعوى بال برهان كتأويل المبتدعة نصوص الصفات.
وإ ذا وجد الــدليل المقتضي للتأويل صــار ظــاهراً بســبب الــدليل ،ولــذا قــال المؤلــف « :يس>>مى> ظ>>اهراً
بال >>دليل » ؛ ألن الظـ ــاهر نوعـ ــان ،ظـ ــاهر من جهة اللفظ وظـ ــاهر من جهة الـ ــدليل ،اآلن إذا وجد في
المس ــألة أك ــثر من ق ــول ألهل العلم ،ثم بحثت ه ــذه المس ــألة بأدلتها ووجد أن بعض األق ــوال أرجح من
بعض بالدليل؛ أال يعبر العلماء :وهذا هو الظاهر ،أو هذا هو األظهر؛ لقوة دليله؟ نعم ،لقوة دليله.
وقد يك ـ ــون من حيث اللفظ الث ـ ــاني أظه ـ ــر ،وقد يك ـ ــون من جهة اللفظ الث ـ ــاني أظه ـ ــر ،فالمعية -مثالً-
المعية بالنس ــبة هلل -عز وج ــل :.-االحتم ــال ال ــراجح هو ط ــرد نص ــوص الص ــفات على ظاهرها مع
نفي ت ــوهم التش ــبيه -ه ــذه القاع ــدة المط ــردة عند الس ــلف قاطبة في جميع الص ــفات -المعية ق ــال أهل
العلم :إن منها معية النصر والتأييد وهي المعية الخاصة ،والمعية العامة هي معية أيش؟
>>ه َم َع َنا ﴾ [ ســـورة التوبـــة ،اآلية : ] 40 :يع ــني بنص ــره وتأيي ــده -معية ح> َز ْن إِ َّن اللّ َ
العلم ﴿ ،الَ تَ ْ>
خاصةَ ﴿ -واَل أ َْد َنى ِمن َذ ِل َك َواَل أَ ْكثََر إِاَّل ُه َو َم َع ُه ْم ﴾ [ ســورة المجادلــة ،اآلية : ] 7 :بعلمــه ،هــذا
االحتمال الراجح وإ ال المرجوح؟ طرداً للباب؟ نعم؟
طالب.......:
َّ
الش > ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ
ض>> ْير :نق ــرر المس ــألة على أص ــولها :ه ــذا االحتم ــال ال ــراجح وإ ال االحتم ــال
المرجوح؟ في األصل ،في األصل يعني؟ يعني إذا أولت المعية بالعلم هذا االحتمال الراجح؟
االحتمال المرجوح ،لكن ما الذي اضطرنا أن نعدل عن االحتمال الراجح إلى المرجوح؟
الدليل؛ إجماع السلف على هذا ،السلف قاطبة قـالوا :المعية هنا العلم ،وال يعــرف لهم مخـالف ،يعــني
لوال وجود اإلجماع من الســلف لطردنا البــاب ،وحينئذ تكــون معية حقيقية ذاتية -كما قــال بعض أهل
العلم -والمســـألة عـــرفت وانتشـــرت واش ــتهرت نعم ،ول ــوال انتش ــارها ووج ــود من يق ــول ب ــذلك ك ــان
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 182 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
إخفائها بعد عن صغار المتعلمين أولى ،نعم ،أقول :االحتمال المرجوح لجأنا إليه بالــدليل ،يعــني هل
لنا أن نفسر النصوص بتفسير يخالف ما اتفق عليه سلف هذه األمة؟ ليس لنا ذلك ،ليس لنا ذلك ،نعم
لنا أن نختار من أقوالهم إذا اختلفوا ما نرجحه بالدليل ،أما أن نحدث تفســيراً جديـداً غــير ما قـالوا بـه،
ونقل عنهم وأثر عنهم ليس لنا ذلك فنقــول :المــراد بالمعية هنا العلم ،وهو الظــاهر من اللفظ بالــدليل؛
ألن الظهور أحياناً يكون من جهة اللفظ ،وأحياناً يكون من جهة الدليل.
يقول الناظم -رحمه اهلل تعالى:-
معنى سوى المعنى الذي له وضع والظاهر الذي يفيد ما سمع ***
ً
كاألسد اسم واحد السباع *** وقد يرى للرجل الشجاع
والظاهر المذكور حيث أشكال *** مفهومه> فبالدليل أوالً
وصار بعد ذلك التأويل *** مقيداً في االسم بالدليل
هــذه أمــور جبرية خلقيــة ،نعم ،ليس لإلنســان منــاص ،كونه طويــل ،أزهر اللــون ،مــاذا يعــني المكلف
من ه ــذا؟ نعم ،أوص ــافه تدخله في قلب الس ــامع ،بال ش ــك؛ ألنها أوص ــاف كم ــال بش ــري ،نعم ،يس ــتفيد
منها المكلف من هذه الحيثية ،أما من حيث االقتــداء فال ،نعم أوصــافه -عليه الصــالة والســالم -الــتي
يدخلها االختيار كث اللحية ،يحتاج المكلف إلى مثل هذا ،لمـاذا؟ لئال يتعـرض للحيته بشـيء ،فنحتـاج
من الشمائل األنواع الجبلي الجبري ،وأيضاً االختياري ،وهذا موضوعه الشمائل.
عندنا القول وهو األصل في الباب ،وهو الذي له العموم -كما قرر أهل العلم -والفعل كما قالوا :ال
عمــوم فيــه؛ ألن العمــوم من خــواص القــول ،ويــذكر أيضـاً التقريــر ،فاألصــوليونـ يبحثــون في مبــاحث
السنة القول والفعل والتقرير ،وهنا المؤلف قــدم الفعل والتقريــر ،واألصل أن تجمع وجــوه الســنن من
قول أو فعل أو تقرير في مبحث مستقل ،كما يصنعه كثير من األصوليين.
والمؤلف هنا أردف األفعال ذكر األفعــال وأردفها بــاإلقرار وكــان األولى بالمصــنف جمعها كغيرهــا،
كغــيره؛ ألن التفريق تشــتيت للــدارس ،يعــني لما الطــالب يــدرس األفعــال والتقرير ثم تــترك الســنة إلى
مباحث أخرى ،نعم ،تشتيت للدارس ال سيما المبتدئ الذي من أجله أُلِّفت هذه الورقات.
هنا يق ــول « :فعل ص>>احب الش>>ريعة » يع ــني الن ــبي -عليه الص ــالة والس ــالم -مف ــاده أن فيه تفص ــيل،
مف ـ ــاد كالمه أن فعل الن ـ ــبي فيه تفص ـ ــيل؛ ألنه ال يخلو إما أن يك ـ ــون فعل ه ـ ــذا الفعل على وجه القربة
والطاعة -والقربة والطاعة بمعنى واحد -أو ال يكون -يعني فعله -على وجه القربة والطاعــة؛ إن
ك ــان الن ــبي -عليه الص ــالة والس ــالم -فعل عمالً ه ــذا العمل متقربـ ـاً به إلى اهلل -عز وج ــل -ه ــذا له
حكم ،إذا ك ـ ــان فعله ال على وجه التق ـ ــرب والطاعة ه ـ ــذا له أيضـ ـ ـاً حكم ،ف ـ ــإن ك ـ ــان على وجه القربة
والطاعــة ،فال يخلو إما أن يــدل الــدليل على كونه من خصائصه -عليه الصــالة والســالم -أو ال يــدل
الـ ـ ـ ــدليل على االختصـ ـ ـ ــاص ،فـ ـ ـ ــإن دل الـ ـ ـ ــدليل على كونه من الخصـ ـ ـ ــائص ،ال بد من الـ ـ ـ ــدليل للحكم
بالخصوص ــية ،إن دل ال ــدليل على كونه من الخص ــائص كجمعه بين أك ــثر من أربع نس ــوة ،ووص ــاله
في الصــيام ،حمل على ذلــك ،نقــول :هــذا خــاص بــالنبي -عليه الصــالة والســالم ،-وجــاء في قضــاء
فائتة راتبة الظهر بعد صالة العصر ما يدل على أنه من خصائصه ،فإذا دل الدليل قلنــا :هــذا خــاص
بالنبي -عليه الصالة والسالم -وال نقتدي به فيه.
يعني لو قال شخص :الرســول -عليه الصــالة والســالم -تــزوج اثنا عشــر ،ومــات عن تسع وأنا أريد
أن أقتــدي ،نقــول :ال؛ هــذا من الخصــائص؛ دل الــدليل على أنه من الخصــائص ،لكن إذا كــان مجــرد
الحكم بأنه من الخصــائص ،مجــرد اســترواح وميل ودفع تعــارض بين نصــوص ،هل يكفي أن يحكم
بأنه من الخصـ ــائص ،أو ال بد أن يـ ــدل الـ ــدليل على أن هـ ــذا من الخصـ ــائص؟ فمثالً :كشف الفخذ في
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 184 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
الصحيح من حديث أنس" :حسر النبي -عليه الصالة والسالم -عن فخذه" ،وجاء في حديث جرهد:
« غطِّ فخذك؛ فإن الفخذ عورة » نعم؟ قــالوا :حسر الفخذ من خصائصه -عليه الصــالة والســالم-
ب ــدليل أنه أمر غ ــيره بتغطية الفخ ــذ ،يكفي ألن يحكم ب ــأن ه ــذا من الخص ــائص؟ يكفي مثل ه ــذا الرفع
للتعارض بين النصين أن نقول :هذا من الخصائص ،أو ال يكفي؟ نعم؟ طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :قال به جمع من أهل العلم ،قالوا :هــذا من الخصــائص؛ لرفع التعــارض
بين النصوص.
نقول :تغطية الفخذ أكمل أو حسره أكمل -بالنسبة للبشر -أيهما أكمل؟
التغطية أكمــل ،الســتر أكمــل ،كل كمــال يطلب من األمة النــبي -عليه الصــالة والســالم -أولى بــه ،ال
يمكن أن يتص ــور أن يطلب من األمة كم ــال أكمل من نبيها -عليه الص ــالة والس ــالم -ظ ــاهر وإ ال ما
هو بظاهر؟
يعـ ـ ــني حينما يقـ ـ ــال في النهي عن اسـ ـ ــتقبال الكعبة واسـ ـ ــتدبارها ببـ ـ ــول أو غائـ ـ ــط :جـ ـ ــاء النهي « :ال
تس >>تقبلوا وال تس >>تدبروا ولكن ش >>رقوا أو غرب >>وا » ،في ـ ــأتي ح ـ ــديث ابن عمر قبل أن يقبض الن ـ ــبي
-عليه الصالة والسالم -بعام ويرى النبي -عليه الصــالة والســالم -يقضي حاجته مســتدبراً الكعبــة،
يقـ ــول بعضـ ــهم :هـ ــذا من خصائصه -عليه الصـ ــالة والسـ ــالم -والنهي لألمة وهو له أن يفعل ذلـ ــك،
نقول :احترام وتعظيم شعائر اهلل –كالكعبة -كمال وإ ال نقص؟
كم ـ ـ ــال ،إذن الن ـ ـ ــبي -عليه الص ـ ـ ــالة والس ـ ـ ــالم -أولى ب ـ ـ ــه ،وإ ن ق ـ ـ ــال بعض أهل العلم :إن ه ـ ـ ــذا من
الخصائص ،ظاهر وإ ال ما هو بظاهر ،إذن نبحث عن جمع آخر في النصين وهكذا.
وإ ن لم يدل الدليل على االختصاص به -عليه الصالة والسالم -كالتهجد وصــيام النوافل وغــير ذلك
من أفعاله -عليه الص ــالة والس ــالم -فاألصل االقت ــداء به -عليه الص ــالة والس ــالم -واالئتس ــاء ،كما
ان لَ ُكم ِفي رس ِ ِ
س َن ٌة ﴾ [ سورة األحزاب ،اآلية : ] 21 : ول اللَّه أ ْ
ُس َوةٌ َح َ َ ُ قال -جل وعال ﴿ :-لَقَ ْد َك َ ْ
أي قدوة صالحة ،واإلسوة واألُسوة -بكسر الهمزة وضمها -لغتان قرئ بهما في السبعة.
اختلف العلماء في مقتضى الفعل المجرد عن القول :مقتضى الفعل ،النــبي -عليه الصــالة والســالم-
عمل عمالً -فعل فعالً -على وجه القربة والطاع ـ ـ ـ ــة ،وقلن ـ ـ ـ ــا :إن هـ ـ ـ ــذا يقت ـ ـ ـ ــدى به -عليه الصـ ـ ـ ــالة
والسالم -في هذا الفعل ،يقتدى به لكن على سبيل الوجوب أو على سبيل الندب؟
إذا فعل النبي -عليه الصالة والسالم -فعالً على سبيل التقرب إلى اهلل -عز وجل -والطاعة عرفنا
ان َل ُكم ِفي رس> ِ ِ
س> َن ٌة ﴾ :أما إذا فعل ول اللَّه أ ْ
ُس> َوةٌ َح َ َ ُ أنه ُيقتــدى بــه؛ لقــول اهلل -جل وعال ﴿ :-لَقَ ْد َك َ ْ
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 185 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
الفعل ال على وجه القربة والطاعة فال يقت ـ ـ ـ ــدى به فيه -عليه الص ـ ـ ـ ــالة والس ـ ـ ـ ــالم -على ما س ـ ـ ـ ــيأتي
تفصيله في كالم الشوكاني ،وإ ن عمله ابن عمر رضي اهلل تعالى عنه.
ابن عمر -رضي اهلل عنهم ــا -في ه ــذا الب ــاب لم يت ــابع علي ــه ،على فعل ــه ،فعل أفع ــاالً اقت ــدى بها في
النــبي -عليه الصــالة والســالم -وهي مجــرد أفعــال عاديــة ،يفعله النــبي -عليه الصــالة والســالم -ال
على سبيل التقرب ،وذكر ابن عبد البر وغيره عنه أنه كان يكفكف دابته من أجل أيش؟
طالب.......:
َّ
الش> > ْيخ َع ْبد ال َك > ِ>ر ْيم ال ُخ َ
ض>>> ْير :نعم؛ أن تطأ أق ـ ــدامها على م ـ ــوطئ أق ـ ــدام دابة الن ـ ــبي -عليه الص ـ ــالة
والسالم -هذا من شــدة اقتدائه وائتســائه بــالنبي -عليه الصــالة والســالم -لكنه لم يوافق على ذلــك ،لم
يوافق على ذلك ،أي مكان يبيت فيه أو يجلس فيه النبي -عليه الصالة والسالم -يــذهب إليه ويجلس
فيه ،وكبار الصحابة -علماؤهم فقهاؤهم سلف األمة قاطبة -لم يفعلــوا مثل هــذا الفعــل ،فــدل على أنه
ٍ
بمحل لالئتساء وال لالقتداء. ليس
على كل حال إذا كان فعله -عليه الصـالة والسـالم -على سـبيل القربة والطاعة -وهو الـذي يهمنـا-
هل اقتداؤنا به على سبيل الوجوب واللزوم ،أو على سبيل االستحباب؟
العلمــاء اختلفــوا في مقتضى الفعل المجــرد عن القــول ،فــذهب جمع من أهل العلم إلى أنه يحمل على
الوجوب في حقه -صلى اهلل عليه وسلم -وفي حقنا؛ ألنه األحوط.
فعل النــبي -عليه الصــالة والســالم -فعالً متقربـاً به إلى اهلل -عز وجــل -ال بد أن تفعــل ،إن لم تفعل
أثمت ،قــالوا :هــذا هو األحــوط في حقنــا ،وبــذلك قــال مالك وبعض الشــافعية ورواية عن اإلمــام أحمد
س>>و ُل فَ ُخ>> ُذوهُ ﴾ [ س ــورة الحش ــر ،اآلية :
الر ُ
-رحمه اهلل تعـــالى -دليلهم قوله تعـــالىَ ﴿ :و َما آتَ>>ا ُك ُم َّ
.] 7
سو ُل فَ ُخ> ُذوهُ ﴾ على
الر ُ
واســتبعد إمــام الحــرمين هــذا القــول في البرهــان وحملــوا اآليــةَ ﴿ :و َما آتَا ُك ُم َّ
األمر ،يعني ما أمركم به النــبي -عليه الصــالة والســالم -فخــذوه؛ بــدليلَ ﴿ :و َما َن َها ُك ْم َع ْن ُه فَانتَ ُهوا
﴾ [ ســورة الحشــر ،اآلية َ ﴿ ،] 7 :ما آتَا ُك ُم ﴾ :يعــني أمــركم بــه ،ما أمــركم بــه؛ بــدليل المقابــل﴿ ،
َو َما َن َها ُك ْم َع ْن ُه فَانتَ ُهوا ﴾.
ذهب بعض العلمــاء إلى أنه يحمل على الن ــدب ،وهو قــول أك ــثر الحنفية والظاهرية وبعض الش ــافعية
ورواية عن أحمـ ــد ،ورجحه إمـ ــام الحـ ــرمين في البرهـ ــان ،والغـ ــزاليـ في المنخـ ــول ،والشـ ــوكاني في
إرشاد الفحول.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 186 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
وذهب جمع من أهل العلم إلى التوق ــف؛ لع ــدم معرفة الم ــراد ولتع ــارض األدل ــة ،لع ــدم معرفة الم ــراد
حينما فعل النبي -عليه الصالة والسالم -هذا الفعل متقربـاً به إلى اهلل -عز وجــل -ولم يــأمر بــه ،لم
يأمر به ،ولم يثبت لنا دليل يدل على أنه من خصائصه -عليه الصالة والســالم -بل فعله على ســبيل
القربة والطاع ــة ،وقلن ــا :إن ه ــذا هو محل اقت ــداء وائتس ــاء ،لكن ليس فيه أم ــر ،ولو ك ــان واجب ـاً لطلبه
النـبي -عليه الصــالة والسـالم -ما اكتفى بفعلــه ،وهــذه حجة من يقــول بأنــه ،..بـأن الفعل المجـرد عن
القول إنما هو للندب.
وذهب بعض أهل العلم إلى التوقـ ــف؛ لعـ ــدم معرفة المـ ــراد ،بعض أهل العلم يقـ ــول :نتوقـ ــف؛ ألننا ال
ندري هل هو للوجوب أو للندب ،وصرنا ال ندري نفعل وإ ال ما نفعل ،يقول :نتوقف حتى نجد دليالً
يدل أنه للوجوب ،أو يدل على أنه للندب.
لكن أقل االحتماالت أنه على الندب ،والندب مطلوب الفعل أو مطلوب الترك؟
مطلوب الفعل ،إذن ال وجه للتوقف هنا ،ولذا يقول الشوكاني :وعنــدي أنه ال معــنى للوقف في الفعل
ال ـ ـ ـ ــذي قد ظهر فيه قصد القربة؛ ف ـ ـ ـ ــإن قصد القربة يخرجه عن اإلباحة إلى ما فوقها والم ـ ـ ـ ــتيقن مما
فوقها الندب.
يقــول شــيخ اإلســالم ابن تيميــة" :وما فعله النــبي -صــلى اهلل عليه وســلم -على وجه التعبد فهو عبــادة
يشــرع التأسي به فيــه ،فــإذا خص زمان ـاً أو مكان ـاً بعبــادة كــان تخصيصه تلك العبــادة ســنة" [هــذا كالم
شيخ اإلسالم].
وإ ن كـ ـ ـ ــان فعله -عليه الصـ ـ ـ ــالة والسـ ـ ـ ــالم -على وجه القربة والطاعـ ـ ـ ــة ،..على غـ ـ ـ ــير وجه القربة
والطاعة ،..انتهينا مما يقصد به التقرب من قبله -عليه الصالة والسالم -جاء االحتمال الثاني.
االحتم ــال الث ــاني :وهو فعل الن ــبي -عليه الص ــالة والس ــالم -ال على وجه القربة والطاع ــة ،كالقي ــام
والقع ـ ــود واألكل والش ـ ــرب والن ـ ــوم ،ه ـ ــذا يحمل على اإلباحة في حقه وفي حقن ـ ــا ،ويس ـ ــتوي في ذلك
األفعال الجبلية -التي منها القيام والقعود واألكل والشرب وما فعله -عليه الصـالة والسـالم -موافقـاً
للعــادات ،اللي يســمونها التقاليد كلباسه -عليه الصــالة والســالم -فكلها من نــوع المبــاح؛ اآلن األلبسة
مما يتعبد بها أو هي راجعة إلى األعراف والتقاليد؟
طالب.......:
ض > ْير :ما ورد فيه النص عب ــادة ،يع ــني ما ورد النص بتحدي ــده كلونه وطوله َّ
الش > ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ
ه ــذا عب ــادة ال يج ــوز أن نتع ــداها ،وما لم ي ــرد فيه النص يرجع فيه إلى الع ــرف ،ول ــذا لم يغ ــير الن ــبي
-عليه الصالة والسالم -لباسه عن لباس قومه.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 187 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
طالب.......:
ض ْير :ال ،هو إذا لم تكن المخالفة موقعة في شهرة –مثالً -فال بأس؛ الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ َّ
ألن المسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــألة، ..األلبسة أعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراف وعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادات،نعم؟
طالب :إذا تبين لك أن هذا الفعل على وجه القربة......ونجعل هذا األصل في أفعاله أم العكس؟
ض ْير :تعمل باألحوط حينئذ ،حينئذ تعمل باألحوط ،ما لم يوقعك هذا االحتيــاط َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
في فعل محظ ـ ــور أو يجر إلى محظ ـ ــور ،أو يج ـ ــرك إلى ت ـ ــرك م ـ ــأمور ،حينئذ تعمل ب ـ ــاألحوط ،ما لم
يج ـ ــرك ه ـ ــذا االحتي ـ ــاط إلى فعل محظ ـ ــور أو ت ـ ــرك م ـ ــأمور ،وحينئذ يك ـ ــون االحتي ـ ــاط في ت ـ ــرك ه ـ ــذا
االحتياط.
ُعلم مما ذكره المصــنف انحصــار أفعاله -عليه الصــالة والســالم -في الوجــوب والنــدب واإلباحة فال
يقع منه -صــلى اهلل عليه وســلم -محــرم ،ال ســيما بعد البعثــة؛ ألنه معصــوم ،وال مكــروه ،وال خالف
األولى على خالف في ذلك ،فإن خالف األولى وقع وإ ال ما وقع؟
يفعل خالف األولى لبي ــان الج ــواز ،يفعله تشــريعاً لبي ــان الج ــواز؛ لئال يحمل األمر على الوجــوب ،أو
الفعل على ذلك.
الشوكاني قسم أفعال النبي -عليه الصالة والسالم -إلى سبعة أقسام ،في إرشاد الفحول ماذا يقول؟
يق ــول" :البحث الرابع :في أفعاله -ص ــلى اهلل عليه وس ــلم :-اعلم أن أفعاله -ص ــلى اهلل عليه وس ــلم-
تنقسم إلى سـ ــبعة أقسـ ــام :القسم األول :ما كـ ــان من هـ ــواجس النفس والحركـ ــات البشـ ــرية ،كتصـ ــرف
األعض ـ ــاء وحرك ـ ــات الجس ـ ــد ،فه ـ ــذا القسم ال يتعلق به أمر باتب ـ ــاع ،وال نهي عن مخالف ـ ــة ،وليس فيه
أسوة ،ولكنه يفيد أن مثل ذلك مباح".
يعــني :مثل ما ذكرنا في أنه -عليه الصــالة والســالم -ال يفعل محرم ـاً وال مكروه ـاً -بل وال خالف
األولى -إال لبيان الجواز.
القسم الثـ ــاني :ما ال يتعلق بالعبـ ــادات ووضح فيه أمر الجبلـ ــة ،كالقيـ ــام والقعـ ــود ونحوهمـ ــا ،فليس فيه
تأس وال به اقتداء ،ولكنه يدل على اإلباحة عند الجمهور.
ثم ق ــال بعد ذل ــك :وقد ك ــان عبد اهلل بن عمر -رضي اهلل عن ــه -يتتبع مثل ه ــذا ويقت ــدي ب ــه ،كما هو
معروف عنه ،منقول في كتب السنة.
وعرفنا أن ابن عبد ال ـ ــبر نقل عن ابن عمر -رضي اهلل تع ـ ــالى عن ـ ــه -أنه ك ـ ــان يكفكف دابت ـ ــه؛ لتقع
مواطئ أقدامها على مواطئ أقدام دابة النبي عليه الصالة والسالم.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 188 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
المقصود أن هذا ليس بمحل لالقتداء ،ال سيما إذا جـ َّـر إلى محظــور ،فبعض أفعــال ابن عمر -رضي
اهلل عنهما -جرت إلى بعض المحظـور من غلو بعض النـاس في هـذه األمـاكن الـتي جلس فيها النـبي
-عليه الصالة والسالم -اتفاقاً من غير قصد وال تعبد.
القسم الثــالث :ما احتمل أن يخــرج عن الجبلة إلى التشــريع بمواظبته عليه على وجه معــروف وهيئة
مخصوصة كاألكل والشـرب واللبس والنــوم ،فهـذا القسم دون ما ظهر فيه أمر القربة وفـوق ما ظهر
فيه أمر الجبلة.
عرفنا أن أصل النـ ــوم واألكل والشـ ــرب ،والقيـ ــام والقعـ ــود ،أصـ ــلها أنها جبليـ ــة ،لكن الكيفيـ ــات الـ ــتي
واظب عليها النبي -عليه الصالة والسالمَّ -
وأداها على هيئة مخصوصة.
الن ــبي -عليه الص ــالة والس ــالم -يأكل على هيئة مخصوص ــة ،يش ــرب على هيئة مخصوص ــة ،يلبس
على هيئة مخصوصة ،نعم ،يقدم اليمين ،ينــام على جنبه األيمن ،وهكــذا األصل في العمل أنه جبلي،
لكن لزوم هذه الهيئة المخصوصة يقربه من القربة والطاعة.
يق ــول :فه ــذا القسم دون ما ظهر فيه أمر القرب ــة ،وف ــوق ما ظهر فيه أمر الجبل ــة؛ على ف ــرض أنه لم
يثبت فيه إال مجـ ـ ــرد الفعـ ـ ــل ،وأما إذا وقع منه -عليه الصـ ـ ــالة والسـ ـ ــالم -اإلرشـ ـ ــاد إلى بعض هـ ـ ــذه
الهيئات ،كما ورد في اإلرشاد إلى هيئات من هيئـات األكل والشـرب واللبس والنــوم فهـذا خـارج عن
هذا القسم -خارج عن أن يكون جبلياً إلى أن يكون قربة وطاعة -يعني إذا اقترن بالفعل القول.
القسم الرابــع :ما علم اختصاصه به -عليه الصــالة والســالم -كالوصــال ،والزيــادة على أربــع ،فهــذا
خاص به ال يشاركه فيه غيره ...إلى آخره.
هـ ـ ـ ــذا ما ذكرنـ ـ ـ ــاه وبسـ ـ ـ ــطناه ،وعرفنا أن هـ ـ ـ ــذه الخصوصـ ـ ـ ــيات ال بد لها من مخصـ ـ ـ ــص ،وعرفنا أن
التخصيص والخصائص ال تثبت بمجرد احتمال ،وضربنا لذلك أمثلة.
القسم الخـ ـ ــامس :في كالم طويل للشـ ـ ــوكاني ،يقـ ـ ــول :ما يبهمه -عليه الصـ ـ ــالة والسـ ـ ــالم -النتظـ ـ ــار
الــوحي ،كعــدم تعــيين نــوع الحج –مثالً -فقيــل :يقتــدي به في ذلــك ،وقيــل :ال :النــبي -عليه الصــالة
"صل في هذا الوادي المبـاركِّ والسالم -في أول األمر أحرم إحراماً مطلقاً ،ثم جاءه الملك وقال له:
وقــل ،"..:يقتــدى به في إطالقــه ،أو ال يقتــدى بــه؟ ظــاهر صــنيع علي -رضي اهلل عنــه -وأبي موسى
أنه يقتدى به ولو كان مطلقاً؛ "لبيك بإحرام كإحرام النبي عليه الصالة والسالم".
هنا يقــول :فقيــلُ :يقتــدى به في ذلــك ،وقيــل :ال :النــبي -عليه الصــالة والســالم -فعل هــذا الفعل على
سـ ـ ــبيل اإلبهـ ـ ــام ،كيف يفعل فعالً على سـ ـ ــبيل اإلبهـ ـ ــام ،والقسم الخـ ـ ــامس :ما يبهمه -صـ ـ ــلى اهلل عليه
وسلم -النتظار الوحي؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 189 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
يــترك ،..يفعل فعالً مبهم ـاً ،وإ ن شــئت فقــل :مجمالً يحتمل أمــرين على الســواء ،هــذا اإلحــرام المبهم
يحتمل أن يص ـ ــرف إلى اإلف ـ ــراد ،يحتمل أن يص ـ ــرف إلى ِ
القـ ــران ،يحتمل أن يص ـ ــرف إلى التمت ـ ــع،
فأحرم في أول األمر إحراماً مبهماً ،ثم جاءه الملك وقال له :افعل كذا.
النــبي -عليه الصــالة والســالم -فعــل ،فنقتــدي به في كيفية هــذا الفعــل ،أما إذا أبهم ولم يفعل -اســتمر
اإلبه ــام -ص ــدر منه -عليه الص ــالة والس ــالم -ق ــول ،..اآلن اإلبه ــام هل يتص ــور في الفع ــل؟ اإلبه ــام
واإلجمال يتصور في الفعل؟ نعم؟ نعم؟
طالب.......:
ض ْير :في أول األمر ،ثم يأتي البيان ،مثل ما ذكرنا في إحرامه. َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
هنا يقول :قال إمام الحرمين في النهاية :وهذا عنــدي هفــوة ظــاهرة –يعــني االقتــداء به في هــذا -فــإن
إبهــام رســول اهلل -صــلى اهلل عليه وســلم -محمــول على انتظــار الــوحي قطعـاً ،فال مســاغ لالقتــداء به
من هذه الجهة.
أيش المانع أنه لما أحرم -عليه الصالة والسـالم -بـإحرام مطلـق؛ ينتظر البيـان من اهلل -عز وجـل-
أن ُيقتـ ــدى بـ ــه ،فيحـ ــرم إحرام ـ ـاً مطلق ــاً –مبهم ـ ـاًُ -ينتظر فيه البيـ ــان ،ف ــإذا حصل البي ــان للن ــبي -عليه
الصالة والسالم -حصل لمن يقتدي به؟
المقصــود أن إدخــال هــذا القسم في الفعل يقتضي التمثيل له بما ذكرنــا ،وإ ن كــان مفهــوم كالمه أنه ال
يقتض ــيه؛ ألنه ق ــال :ق ــال إم ــام الح ــرمين في النهاي ــة" :وه ــذه عن ــدي هف ــوة عظيمة ظ ــاهرة؛ ف ــإن إبه ــام
رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -محمول على انتظار الوحي قطعاً ،فال مساغ لالقتداء به من هــذه
الجهة" ..كيف؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :نعم ،يتصور؟
طالب.......:
ض ْير :أو حمله على صورة قبل وقوعه ،نعم ،وحينئذ ال فعل؛ إذا فعل لماذا ال َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
نقتدي به على اإلجمال؟ نجمل مثل ما أجمــل ،نبهم مثل ما أبهم ،نفعل مثل ما فعــل ،مثل المثــال الــذي
ذكرن ــاه ،كيف يقـــول :وهـــذه عنـــدي هفـــوة ظـــاهرة؛ فـــإن إبه ــام رس ــول اهلل -ص ــلى اهلل عليه وس ــلم-
محمول على انتظار الوحي قطعاً؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :ال ،هذا كله داخل تحت األفعال ،هذا في تقسيم األفعال.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 190 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :كيف؟
طالب.......:
َّ
الش > ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ
ض > ْير :ما مث ــل ،ال ما مث ــل ،هو ما مث ــل ،المقص ــود أننا نحت ــاج ،..كيف أح ــرم
الصحابة في أول األمر؟
طالب.......:
ض ْير :مثل ما صنع -عليه الصالة والسالم -منتظراً الوحي؟ َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
القسم الس ــادس :ما يفعله مع غ ــيره عقوبة ل ــه ،كالتص ــرف في أمالك غ ــيره؛ عقوبة ل ــه ،ف ــاختلفوا هل
يقتـ ــدي به فيه أم ال؟ يعـ ــني عقوبة مـ ــانع الزكـ ــاة مثالً -وهـ ــذه من بـ ــاب التعزير بالمـ ــال -نعم؛ « من
منعها فإنا آخذوها وشطر ماله » ،يعــني هل لغــير النــبي -عليه الصــالة والســالم -أن يفعل مثل هــذا
الفعل؟ أو نقول :هذا خاص به عليه الصالة والسالم؟
ما يفعله مع غيره عقوبة له ،كالتصرف في أمالك غــيره عقوبة له فــاختلفوا ،هل يقتــدى به فيه أم ال،
فقيــل :يجــوز ،وقيــل :ال يجــوز ،وقيــل :هو باإلجمــاع موقــوف على معرفة الســبب ،وهــذا هو الحــق،
فإن وضح لنا السبب الذي فعله ألجله كــان لنا أن نفعل مثل فعله عند وجــود مثل ذلك الســبب ،وإ ن لم
يظهر الســبب لم يجــز ،وأما إذا فعله بين شخصــين متــداعيين فهو جــار مجــرى القضــاء ،فيتعين علينا
القض ــاء بما قضى بـــه ،نعم ،نقتـــدي به فيما قضى به -عليه الص ــالة والس ــالم -وال نق ــول كما يق ــول
بعضهم :هذه قضية عين.
األصل أنه -عليه الص ــالة والس ــالم -مش ـ ِّـرع ،ف ــإذا قضى بين اث ــنين في قض ــية ،حكمنا على غيرهما
في نظائرها بنفس الحكم؛ هذا مقتضى االقتداء به -عليه الصالة والسالم.-
القسم السابع :الفعل المجرد عما سبق ،فــإن ورد بيانـاً كقوله -عليه الصــالة والســالم « :-صلوا كما
رأيتم>>وني أص>>لي » و« خ>>ذوا ع>>ني مناس>>ككم » ،وكــالقطع من الكــوع – يعــني من المفصل -بيان ـاً
آلية السرقة ،فال خالف أنه دليل في حقنا ،لماذا؟
ألنه بيان للواجب المــأمور به في الكتــاب إجمــاالً ،فحينئذ يكـون بيـان الــواجب أيش؟ واجب ،كما قــرر
أهل العلم ،واهلل أعلم وصـ ــلى اهلل وسـ ــلم وبـ ــارك على عبـ ــده ورسـ ــوله نبينا محمد وعلى آله وصـ ــحبه
أجمعين.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :ما عنده أيش؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 191 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :هو يرى ،يدل ،..كيف؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :أقل األحوال االستحباب.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :على من توقف؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض> ْير :ال ،من توقــف ،يقــول :ال نعمــل ،ال نفعل حــتى نجد مرجح ـاً ،من توقف
يقول :ال نفعل؛ هذا مقتضى التوقف ،وإ ال أيش معنى يتوقف في الحكم وعمله يخالف الحكم؟
طالب.......:
ض ْير :كالم ،..يعني الترجيح بين االستحباب؟ َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ال ال ،نتوقف؛ يقول :الفعل ال داللة له حتى نجد ما يأمرنا بالفعل.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :النبي عليه الصالة والسالم؟
طالب.......:
ض>>>>>> ْير :هـ ـ ـ ــذا ما قـ ـ ـ ــرره أهل العلم بعد النبـ ـ ـ ــوة على خالف في العصـ ـ ـ ــمة
>>>>>>ر ْيم ال ُخ َ ال َّ
ش > > > ْيخ َع ْبد ال َك ِ
ومقتضياتها.
طالب.......:
ثم يتركه لماذا؟ ليدل
ض ْير :قد يفعل خالف األولى؛ لبيان الجواز ،يأمر بشيء َّ َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
على ،..صرفاً لهذا األمر من الوجوب إلى االستحباب ،وقد ينهى.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :كيف؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :يعني ما يقابل االستحباب مكروه؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :إيه.
طالب.......:
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 192 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
ض ْير :لبيان الجواز ،بس منه -عليه الصالة والسالم -ليس بمكروه منه؛ ألنه َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
مـ ــأمور بالبيـ ــان ،فهو من هـ ــذه الحيثية مطلـ ــوب منـ ــه ،فكيف يجتمع ويتـ ــوارد على شـ ــيء واحد كونه
مطلوباً ممنوعاً منه عليه الصالة والسالم؟!
اللهم ِّ
صل على عبدك ورسولك.
بسم اهلل الـ ـ ـ ــرحمن الـ ـ ـ ــرحيم ،الحمد هلل رب العـ ـ ـ ــالمين وصـ ـ ـ ــلى اهلل وسـ ـ ـ ــلم على نبينا محمد وعلى آله
وصحبه أجمعين ،أما بعد :فقد قال المصنف -رحمه اهلل تعالى:-
والمجمل :ما يفتقر إلى البيان ،والبيان :إخراج الشيء من حيز اإلشكال إلى حيز التجلي،
معنى واحداً ،وقيل :ما تأويله تنزيله ،وهو مشتق والمبين :هو النص ،والنص :ما ال يحتمل إال
ّ
ً
من ِمنصة العروس وهو الكرسي ،والظاهر :ما احتمل أمرين أحدهما أظهر من اآلخر ،ويؤول
الظاهر بالدليل ويسمى> ظاهراً بالدليل.
األفعال :فعل صاحب الشريعة :ال يخلو إما أن يكون على وجه القربة والطاعة :يعني ال يخلو من
أمرين ،إما أن يكون كذا وإ ما أن يكون كذا.
أو ال يكون ،فإن دل الدليل على االختصاص به حمل على االختصاص :فإن كان على وجه القربة
والطاعة ،فإن كان على وجه القربة والطاعة ،فإن دل الدليل على االختصاص به حمل على
ول اللَّ ِه
س ِ ِ
ان لَ ُك ْم في َر ُ
االختصاص ،وإ ن لم يدل دليل ال يخص به؛ ألن اهلل تعالى قال ﴿ :لَقَ ْد َك َ
س َن ٌة ﴾ [ سورة األحزاب ،اآلية ] 21 :فيحمل على الوجوب عند بعض أصحابنا ،ومنهم ُس َوةٌ َح َ
أْ
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 193 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
من قال :يحمل على الندب ،ومنهم من قال :يتوقف فيه ،فإن كان على غير وجه القربة والطاعة
فيحمل على اإلباحة في حقه وحقنا.
وإ قرار صاحب الشريعة على القول هو قول صاحب الشريعة ،وإ قراره على الفعل كفعله ،وما فعل
وعلم به ولم ينكره فحكمه حكم ما فعل في
وعلم بهَ ،
في وقته في غير مجلسه وعلم بهَ :علم َ
مجلسه.
« َّ
الش ْـر ُح » :
الحمد هلل رب العــالمين ،وصــلى اهلل وســلم وبــارك على عبــده ورســوله نبينا محمد وعلى آله وصــحبه
أجمعين ،يقول المؤلف -رحمه اهلل تعالى:-
« وإ ق>>رار ص>>احب الش>>ريعة على الق>>ول هو ق>>ول ص>>احب الش>>ريعة » إق ــرار ص ــاحب الش ــريعة هو
النبي -عليه الصالة والسالم -على القول الذي يقــال بين يديــه « .هو قول صاحب الش>ريعة» وهــذا
التعبـ ــير فيه تسـ ــامح وتجـ ـ ُّـوز؛ فـ ــرق بين القـ ــول واإلقـ ــرار ،وإ ن اشـ ــترك الجميع في كونهما سـ ــنة؛ إذ
اإلقرار أحد وجوه السنن.
السنن على ما تقدم ،أشــرنا إليه في األفعــال :ما يضــاف إلى النــبي -عليه الصــالة والســالم -من قــول
أو فعل أو تقرير ،أو وصف خلقي أو خلقي.
فالفعل سنة ،واإلقرار سنة ،ولذا يقول هنا « :وإ قرار صاحب الشريعة » وهو الن ــبي -عليه الص ــالة
والس ــالم .-على القـــول :يعـــني الـــذي يقـــال بين يديه -عليه الص ــالة والس ــالم « -هو ق >>ول ص >>احب
الشريعة » وهذا فيه تسامح وتجوز في العبارة؛ ألن اإلقرار شيء والقول شيء آخـر ،ولو قـال :هو
وأدق.
ّ كقول صاحب الشريعة ،لكان أولى
كما أن إقـ ــراره -عليه الصـ ــالة والسـ ــالم -على الفعل كفعله -عليه الصـ ــالة والسـ ــالم -هـ ــذا ما اطلع
عليه النـ ــبي -عليه الصـ ــالة والسـ ــالم -وفعل بحضـ ــرته ،أو قيل بحضـ ــرته ،فـ ــإقراره -عليه الصـ ــالة
والس ـ ــالم -على ما يق ـ ــال بحض ـ ــرته هو كقوله -عليه الص ـ ــالة والس ـ ــالم -لم ـ ــاذا؟ ألن الن ـ ــبي -عليه
الصالة والسالم -ال يسكت على باطل ،وال يقر عليه ،فيكتسب الشــرعية بــاإلقرار ،كما أن الرؤيا ال
ينبني عليها حكم شرعي ،لكن متى تكتسب الشرعية؟ باإلقرار ،بإقرار صاحب الشريعة.
في حديث عبد اهلل بن زيد راوي األذان قال" :طــاف بي طــائف وأنا نـائم ،فقـال لي :تقــول :اهلل أكـبر،
اهلل أكــبر..إلى آخــره ،وعلمه األذان في المنــام؛ حينما أهمه شــأن األذان ،وجــاءت االقتراحــات للنــبي
-عليه الص ـ ــالة والس ـ ــالم -لما أراد أن ينصب لهم عالمة يعرف ـ ــون بها دخ ـ ــول ال ـ ــوقت ،فمن قائ ـ ــل:
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 194 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
يضرب ناقوس ،ومن قائل :توقد نار ،ومن قائل ..:إلى آخره ،فرأى عبد اهلل بن زيد الرؤيا" ،طــاف
بي طائف وأنا نائم ،"...رجل...إلى آخره ،وعلمه األذان.
قد يق ـ ــول قائ ـ ــل :ه ـ ــذه رؤيا والرؤيا ال يب ـ ــنى عليها حكم ش ـ ــرعي ،نق ـ ــول :نعم رؤي ـ ــا ،لكنها اكتس ـ ــبت
الشرعية من أيش؟
من إق ــراره -عليه الص ــالة والس ــالم -اكتس ــبت الش ــرعية من إق ــرار الن ــبي -عليه الص ــالة والس ــالم-
وهنا القول الذي يقال بحضـرته -عليه الصــالة والسـالم -يكتسب الشــرعية من اإلقـرار ال من القــول
نفسه ،لماذا؟ ألنه ال ِيقر على باطل.
إذا قيل قول بحضرة عالم -مثالً -هل يمكن أن ننسب هذا القول لهذا العالم؟ سكت ،عــالم قــال بعض
طالب العلم في مجلسه كالماً ،وسكت العالم ما اســتدرك عليهم ،هل ننسب هــذا القــول لهــذا العــالم؟ ال
ينسب إليه لماذا؟
ألنه قد يس ــكت ألمر م ــا ،قد يجبن عن ال ــرد؛ لك ــون ه ــذا الط ــالب ال ــذي ق ــال بين يديه ه ــذا الكالم ممن
شره ،أو لكــون المجلس ما يســلم ممن ينقل الكالم نعم ،فيســكت العــالم؛ إيثــاراً للســالمة ،وإ ن لم
يخشى ُّ
يوافق على هذا القــول ،على أن البيــان أمر ال بد منــه ،وأن الســكوت في مثل هــذه المــواطن الــتي يقــال
فيها الباطل فهو جبن ،جبن نعم؟
طالب.......:
َّ
الش > ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ
ض > ْير :وك ــذلك الص ــحابة يع ــتريهم ما يع ــتري غ ــيرهم ،ليس ــوا معص ــومين ،قد
يقرون ،يسكتون؛ ألمر من األمـور؛ ألنهم ليسـوا بمعصـومين؛ الـذي ال يقر على خطأ وال على باطل
هو النبي -عليه الصــالة والســالم -ولــذا قــرر أهل العلم أن اإلقــرار أحد وجــوه الســنن ،وأما من عــداه
-عليه الصــالة والســالم -فقد يســكت؛ إيثــاراً للســالمة ،أو لتحصــيل مصــلحة أعظم ،أو غــير ذلك مما
يعتري ذلك من وجوه التأويل ،ولذا تعـارف أهل العلم على قـول وتواطئـوا عليه أنه ال ينسب لسـاكت
قول ،ال ينسب لساكت قول.
ومن بــاب االســتطراد :البخــاري -رحمه اهلل تعــالى -قد يــذكر الــراوي في تاريخه الكبــير ،وال يــذكر
فيه جرح ـاً وال تعــديالً ،وهنا يقــول أهل العلم في ترجمة هــذا الــراوي :ذكــره البخــاري ،ولم يــذكر فيه
جرح ـاً وال تعــديالً ،ومثله ابن أبي حــاتم في الجــرح والتعــديل ،قد يــذكر الــراوي ويســكت عنــه ،الحكم
في ه ــذا ال ــراوي -يع ــني إذا س ــكت أهل العلم عن ال ــراوي -هل نق ــول :ثق ــة ،أو نق ــول :ض ــعيف؟ أو
نقول :ال ينسب لساكت قول؟
طالب.......:
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 195 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :نعم.
طالب.......:
ض ْير :ال ،الكالم ،ماذا نقول عن البخاري؟ نقول :ذكــره البخــاري وســكت عنه َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
وبس ،وسكوته ال يعني نفياً وال إثباتاً ،ال توثيقاً وال تضعيفاً ،ومثله ابن أبي حاتم؟ نعم؟
طالب.......:
َّ
الش > > ْيخ َع ْبد ال َك> > ِ>ر ْيم ال ُخ َ
ض > > ْير :ال احنا اآلن في البخـ ـ ــاري ،وابن أبي حـ ـ ــاتم في (التـ ـ ــاريخ الكبـ ـ ــير)،
و(الج ـ ــرح والتع ـ ــديل) اللي هما محل الكالم عند أهل العلم ،هم ال ـ ــذين يتكلم ـ ــون فيهم أهل العلم ،وهم
الذين يكثرون مثل هذا النوع ،يذكرون الراوي ويسكتون عنه ،بعض أهل العلم يرى أن هـذا توثيـق،
ذكره البخــاري وابن أبي حــاتم ولم يــذكرا فيه جرحـاً وال تعــديالً ،فهو ثقة -يصــرح بعضــهم في هــذا-
من ه ــذا أحمد ش ــاكر كث ــيراً ما يق ــول ه ــذا الكالم ،وحينـ ـاً يق ــول" :س ــكت عنه البخ ــاري ،وه ــذه أم ــارة
توثيقــه" ،لكن الصــوابـ أنه ال ينسب لســاكت قــول ،وأنه لم يــذكر فيه جرح ـاً وال تعــديالً؛ ألنه لم يطلع
فيه على قــادح وال مــادح ،وقد أشــار ابن أبي حــاتم في مقدمة الجــرح والتعــديل أنه تــرك بعض الــرواة
دون حكم؛ عله أن يقف لهم أو فيهم على حكم ،هذا دليل على أنه ال يعرف أحوالهم.
ما ارتباط هذه المسألة بما معنا ،أو هذا استطراد؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :نعم؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :كيف؟
طالب.......:
ض ْير :استطراد له عالقة ،نعم. َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
على كل ح ــال ال أحد يعتد ب ــإقراره غ ــير الن ــبي -عليه الص ــالة والس ــالم -المعص ــوم من أن يقر على
خطأ.
ُمثَّل لذلك بإقرار النـبي -عليه الصـالة والسـالم -أبا بكر -رضي اهلل عنـه -على قوله بإعطـاء سـلب
القتيل لقاتله -والحديث في الصحيحين في غزوة حنين مطوالً فيه قصة -وفي الحــديث قــال أبو بكر
الص ــديق -رضي اهلل عن ــه" :-الها اهلل ،إذن ال يعمد إلى أسد من أسد اهلل يقاتل عن اهلل وعن رس ــوله
فيعطيك س ــلبه" ،فق ــال رس ــول اهلل -ص ــلى اهلل عليه وس ــلم « :-ص>>دق ،فأعطه إي>>اه » الح ــديث ،ه ــذا
إقرار على القول؛ أقسم أبو بكر أال يعطى ،وأقره النبي -عليه الصالة والسالم.-
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 196 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
إقــراره على الفع ــل :إذا فعل بحض ــرته -عليه الصــالة والس ــالم -فعل ولم ينكــره ،فإنه حينئذ يكتسب
الشـ ــرعية من أيش؟ من إقـ ــراره -عليه الصـ ــالة والسـ ــالم -كما أقر النـ ــبي -عليه الصـ ــالة والسـ ــالم-
خالد بن الوليد على أكل الضـ ــب ،إقـ ــرار النـ ــبي -عليه الصـ ــالة والسـ ــالم -خالد على أكل الضب في
الص ــحيحين وغيرهما من حـــديث ابن عبـــاس -رضي اهلل عنهم ــا -ق ــال" :دخلت أنا وخالد بن الوليد
مع رس ــول اهلل -ص ــلى اهلل عليه وس ــلم -بيت ميمون ــة ،ف ــأتي بضب محن ــوذ ،ف ــأهوى إليه رس ــول اهلل
-ص ـ ــلى اهلل عليه وس ـ ــلم -بي ـ ــده ،فق ـ ــال بعض النس ـ ــوة الالتي في بيت ميمون ـ ــة" :أخ ـ ــبروا رس ـ ــول اهلل
-صلى اهلل عليه وسلم -بما يريد أن يأكــل" ،فــأخبروه فرفع رســول اهلل -صــلى اهلل عليه وســلم -يــده،
فقلت :أحرام هو يا رسول اهلل؟ قال « :ال ،ولكنه لم يكن بأرض قومي ،فأجدني أعافه » ،ق ــال خالد
بن الوليــد" :فاجتررته فأكلتــه ،والنــبي -عليه الصــالة والسـالم -ينظـر" :يعــني أقــره على أكلـه ،إقـرار
على الفعل ،النبي -عليه الصالة والسالم -قُدم له الضب فلم يأكلــه؛ ألنه لم يكن بــأرض قومــه ،وقُــدم
له -كما في صحيح مسلم -خوان عليه ضب فلم يأكل ..نعم؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :كيف؟
طالب.......:
َّ
الش>> ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ
ض>> ْير :ال ال ،الكالم في" :فاجتررته فأكلته والنـ ــبي -صـ ــلى اهلل عليه وسـ ــلم-
ينظر"؛ أقره على أكله.
طالب.......:
َّ
الش> ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ
ض> ْير :على إباحة الضــب ،نعم ،قــال" :أحــرام هو يا رســول اهلل"؟ نعم؟ فقلت:
"أحرام هو يا رسول اهلل؟" قال(( :ال)) ،يعـني حكمه يتظـافر فيه القـول مع اإلقـرار ،يعـني ما يلـزم أن
يكون القول فقط.
الرسول -عليه الصالة والسالم -لما قــدم له الخـوان وعليه الضب لم يأكـل ،فهل المــانع له من األكل
كونه على خوان ،أو كونه ضباً؟
طالب.......:
َّ
الش>> ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ
ض>> ْير :وثبت في الصـ ــحيح أن النـ ــبي -عليه الصـ ــالة والسـ ــالم -ما أكل على
خــوان ،وال على ســكرجة في البخــاري ،نعم ،معــروف الخــوان أيش هــو ،الخــوان أيش هــو؟ طاولــة،
كالماسات اللي يأكلون عليها الناس اآلن ،النبي -عليه الصالة والسالم -ما أكل على خوان..
والسكرجة أيش؟ نعم؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 197 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
طالب.......:
َّ
الش > ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ
ض > ْير :إن ــاء مرتفع عن األرض ،يع ــني يش ــبه الص ــينية ال ــتي تك ــون على ش ــبه
أعمـ ــدة ،نعم ،فـــالنبي -عليه الصـ ــالة والسـ ــالم -ما أكل على هـ ــذا وال هـ ــذا ،وإ نما أكل على األرض؛
تواض ـ ـ ــعاً منه -عليه الص ـ ـ ــالة والس ـ ـ ــالم -وه ـ ـ ــذا ،..هل ه ـ ـ ــذا يقتضي المنع من األكل على الخ ـ ـ ــوان
والسكرجة؟ هل في هذا اقتداء أو ليس فيه اقتداء؟
شوف عكس ما سبق من اعتماد الفعل واالقتداء واالئتساء به -عليه الصــالة والســالم -كونه ما فعل
النبي -عليه الصالة والسالم -يقول « :أنا ال آكل متكئاً » ،وهنا لم يأكل على خوان.
الص ــحابة ما فهم ــوا من ذلك االمتن ــاع ،ول ــذا أكل ــوا على الخ ــوان ،لما توس ــعوا في أم ــور دني ــاهم أكل ــوا
على الخ ــوان -أكل ــوا الماســات -ف ــدل على أن ــه ،..ال شك أن من اقت ــدى به -عليه الص ــالة والســالم-
وتواضع يؤجر من هذه الحيثية كونه تواضع ،نعم ،كونه تواضع يؤجر على ذلك.
مثــال ذلك أيضـاً :إقــرار الحبشــة :كــانوا يلعبــون في المســجد ،فــأقرهم النــبي -عليه الصــالة والســالم-
من أجل التأليف على اإلسالم ،كما في حديث عائشة -رضي اهلل تعالى عنها -قالت" :رأيت رسول
اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -يومـاً على بـاب حجـرتي والحبشة يلعبـون بحـرابهم في المسـجد ،كـان في
يــوم أيش؟ عيــد ،كــان في يــوم عيــد ،فــأقرهم النــبي -عليه الصــالة والســالم -ليعلم النــاس ،أو « ليعلم
يهود أن في ديننا فس>>حة » ،وليس من هــذا اإلقــرار التوسع الــذي يعمله النــاس اليــوم في األعيــاد من
مزاولة المحرم ــات وت ــرك الواجب ــات؛ ليعلم الن ــاس أن في ديننا فس ــحة مما هو مب ــاح ،ك ــونهم يعلب ــون
بالحراب ال بأس ،لكن أن يزيد األمر على ذلك بارتكاب محظورات أو ترك مــأمورات فال؛ المعبــود
واحد ،في العيد وفي غير العيد ،يعني رب العشر من رمضان ،هو رب العشر من شوال؛ واحد.
نعم األوق ـ ـ ــات تتف ـ ـ ــاوت وتتفاضل وليس مع ـ ـ ــنى ه ـ ـ ــذا أن ال ـ ـ ــوقت المفض ـ ـ ــول ت ـ ـ ــزاول فيه المنك ـ ـ ــرات
والمحرمــات ،ال ،بل مزاولة المحرمــات بعد األوقــات الفاضــلة واألعمــال الصــالحة قــرائن على عــدم
القبول ،نسأل اهلل السالمة والعافية.
كثــير من النــاس يتجــاوز في أيــام العيــد ،ويخرجــون إلى النزهــات فيتجــوزون في اســتعمال بعض ما
يمتنعــون منه في غــير األعيــاد ،وليس وجــود العيد بمــبرر ،كــون الــدين فيه فســحة ال يعــني أنه يعصى
اهلل -عز وجل -ال ،واهلل المستعان ،يزداد األمر سوءاً إذا كثرت هذه المنكرات وظهـرت ولم تنكـر،
نسأل اهلل السالمة والعافية.
هذا بالنسبة إلى ما فعل في مجلسه -تحت رؤيته ونظره.-
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 198 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
إذا فعل في وقتـ ـ ــه ،..هنا يقـ ـ ــول المؤلـ ـ ــف :وما فعل في وقته في غـ ـ ــير مجلسه ِ
وعلم بـ ـ ــه ،ولم ينكـ ـ ــره
فحكمه حكم ما فعل في مجلس ــه :عن ــدنا مس ــألة -مس ــألة إق ــرار -إما أن يفعل في مجلسه تحت نظ ــره
-عليه الص ـ ــالة والس ـ ــالم -أو ال ،ال ـ ــذي ال يفعل في مجلس ـ ــه ،نعم ،إما أن يعلم به أو ال ،وه ـ ــذا الفعل
أيضاً إما أن يكــون في عصــره أو ال ،لكن الــذي ليس في عصــره مما لم ينص على عصــره ال نقــول:
نجـ ـ ــزم بأنه ليس في عصـ ـ ــره ،ال ،إذا جزمنا بأنه ليس ،..ال يـ ـ ــدخل ،..لكن إما أن ينص على أنه في
عصر النـبي -عليه الصــالة والسـالم -أو ال ينص على أنه في عصــره بس؛ يقــول الصــحابي « :كنا
نفعل» « ،كنا نقول» من غير تنصيص على العصر النبوي.
وعلم به ولم ينك ــره ،فحكمه حكم ما فعل
ما فعل في وقته -عليه الص ــالة والس ــالم -في غ ــير مجلسه َ
في مجلس ــه ،كعلمه -عليه الص ــالة والس ــالم -بحلف أبي بكر -رضي اهلل عن ــه -أنه ال يأكل الطع ــام
في وقت غيظه وغض ـ ـ ــبه على الض ـ ـ ــيوف وأهل بيت ـ ـ ــه ،ثم أكل بعد ذلك لما رأى أن ذلك خ ـ ـ ــير -كما
يؤخذ من رواية مسلم -أقره النبي -عليه الصالة والسالم -على حلفه في حال الغضب وأكله.
مثاله أيضـ ـ ـاً :قصة مع ـ ــاذ -رضي اهلل عن ـ ــه -حيث ك ـ ــان يص ـ ــلي العش ـ ــاء مع الن ـ ــبي -عليه الص ـ ــالة
والسالم -ثم ينصرف إلى قومه ويصلي بهم ،معاذ يصلي العشاء مع النبي -عليه الصالة والسالم-
ثم ينص ــرف إلى قومه فيص ــلي بهم ،ص ــالته مع الن ــبي -عليه الص ــالة والس ــالم -فريض ــة ،وص ــالته
بقومه نافلـ ــة ،األصل عـ ــدم االختالف على اإلمـ ــام ،هـ ــذا األصـ ــل؛ « إنما جعل اإلم >>ام لي >>ؤتم ب >>ه ،فال
تختلف >>وا عليه » ،وكونه يص ـ ــلي نافلة وهم يص ـ ــلون فريضة ه ـ ــذا اختالف ،ه ـ ــذا اختالف ،لكن ه ـ ــذا
االختالف من فعل مع ــاذ اكتسب الش ــرعية من أيش؟ من إق ــرار الن ــبي -عليه الص ــالة والس ــالم -بعد
اطالعــه ،كيف اطلع النــبي عليه الصــالة والســالم؟ لما شــكي معــاذ ،كــان يطيل بهم فشــكي إلى النــبي
عليه الصالة والسالم.
إذا لم يــذكر علم النــبي -عليه الصــالة والســالم -إذا لم يــذكر « :فعلنا » « ،أكلنا » « ،كــانوا يفعلــون
» « ،كــانوا يفضــلون » ،إلى آخــره ،مع عــدم التصــريحـ بعلم النــبي -عليه الصــالة والســالم -دون ما
ذكر بال شك والخالف فيه أق ــوى ،دون ذلك إذا لم ي ــذكر علمه -عليه الص ــالة والس ــالم -ب ــذلك ،لكن
الص ــحابة يس ــتدلون ب ــذلك لمس ــائل الخالف ،كق ــول ج ــابر -رضي اهلل عن ــه « :-كنا نع ــزل والق ــرآن
يـنزل" [متفق عليــه] ،يعــني هل هــذا في عصر النـبي -عليه الصــالة والسـالم-؟ نعم ،في عصر النـبي
–صــلى اهلل عليه وســلم -بــدليل قولــه « :والقــرآن يــنزل » ،لكن هل فيه شــيء يشــير أو يــدل على أن
النبي -عليه الصالة والسالم -يعلم بذلك؟ ليس فيه شيء من ذلك.
وقوله « :كنا نأكل لحم الخيل على عهد النبي صلى اهلل عليه وسلم » ،نعم؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 199 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
طالب.......:
َّ
الش > ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ
ض > ْير :ه ــذا فيه تص ــريح ،ه ــذا فيه تص ــريح فال يك ــون فيه ش ــاهد ،لكن المتفق
عليه ما فيه ،..الرواية التي في الصحيحين ما فيها.
قول ــه « :كنا نأكل لحم الخيل على عهد النـ ــبي عليه الصـــالة والسـ ــالم » ،في روايـ ــة « :ذبحنا فرس ــاً
على عهد النبي عليه الصالة والسالم » [الحديث رواه النسائي وابن ماجة وغيرهما].
إذا لم يصـ ــرح بـ ــأن النـ ــبي -عليه الصـ ــالة والسـ ــالم -اطلع على ذلـ ــك ،فالحافظ العـ ــراقي -رحمه اهلل
تعــالى -في شــرح ألفيته يقــول :الــذي قطع به الحــاكم وغــيره من أهل الحــديث وغــيرهم ،أن ذلك من
قبيل المرفــوع ،من قبيل المرفــوع ،يعــني ولو لم يــذكر أن النــبي -عليه الصــالة والســالم -اطلع على
ذلك؛ ألن قول جابر يشير إلى أن الوحي ال يقر على الخطأ.
"عمل ُعمـ ٌل،
إذا كــان الرســول -عليه الصــالة والســالم -ال يعلم الغيب ،نعم ،الرســول ال يعلم الغيب؛ َ
أو فعل فعــل ،بغــير حضــرته فهو ال يعلم الغيب ،الرســول ال يعلم الغيب ،لكن هل يتصــور أن الــوحي
يقر على الخطأ ،والقرآن ينزل؟!
« كنا نعزل والقرآن ينزل » ،ولو كان مما ينهى عنه لنهى عنه القرآن ،بهذا استدل الصحابي.
يقول الحافظ العراقي في هذا النوع" :فالذي قطع به الحاكم وغيره من أهل الحديث وغيرهم أن ذلك
من قبيل المرفوع" ،وصححه األصوليون الرازي واآلمدي وأتباعهما.
قــال ابن الصــالح :وهو الــذي عليه اعتمــاد؛ ألن ظــاهر ذلك مشــعر بــأن رســول اهلل -صــلى اهلل عليه
وس ــلم -اطلع على ذلك وق ــررهم علي ــه ،وتقري ــره أحد وج ــوه الس ــنن المرفوع ــة؛ فإنها أقواله وأفعاله
وتقريـــره وســـكوته -ســـكوته عن اإلنكـــار بعد اطالعـــه -قـــال :ابن الص ــالح :وبلغ ــني عن البرق ــاني
-ويضبط بتثليث الباء -أيش معنى تثليث الباء؟
طالب.......:
ض ْير :الحركات الثالث. َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
وبلغ ـ ـ ــني عن البرق ـ ـ ــاني أنه س ـ ـ ــأل اإلس ـ ـ ــماعيلي عن ذلك ف ـ ـ ــأنكر كونه من المرف ـ ـ ــوع ،أنكر كونه من
المرف ـ ــوع :يع ـ ــني مثل ق ـ ــول الص ـ ــحابي أيش؟ « أمرنا » ،خ ـ ــالف أبو بكر اإلس ـ ــماعيلي في كونه من
المرفــوع؛ ألن اآلمر يحتمل أن يكــون النــبي -عليه الصــالة والســالم -ويحتمل أن يكــون غــيره ،لكن
الجمهور على أنه من قبيل ما رفع.
قلت :ق ــال الحافظ الع ــراقي :أما إذا ك ــان في القصة اطالعه فحكمه على الرفع إجماعـ ـاً ،إذا ك ــان في
القصة ما يــدل على إطالعه فحكمه الرفع إجماع ـاً ،كقــول ابن عمر -رضي اهلل عنهمــا" :-كنا نقــول
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 200 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
-ورسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -حي « :-أفضل هذه األمة بعد نبيها أبو بكر وعمر وعثمــان،
ويســمع ذلك رســول اهلل -صــلى اهلل عليه وســلم -فال ينكــره » [رواه الطــبراني في الكبــير ،والحــديث
في الصحيح ،لكن ليس فيه اطالع النبي -عليه الصالة والسالم -على ذلك بالتصريح].
ثم قال الحافظ العراقي -رحمه اهلل :-وإ ن لم يكن مقيــداً بعصر النــبي -صــلى اهلل عليه وســلم -فليس
من قبيل المرفوع :لم يكن مقيداً بعصر النــبي -عليه الصــالة والســالم -فليس من قبيل المرفــوع عند
ابن الصــالح ،تبعـاً للخطيب ،فجزما أنه من قبيل الموقــوف ،لكن الــرازي -وقبله الحــاكم -جعاله من
قبيل المرفوع ،ولو لم يقيده بعهد النبي -عليه الصالة والسالم.-
قد يقــول قائــل :أيش عالقة الــرازي واآلمــدي وغيرهما من أهل األصــول بهــذه المبــاحث ،كونه يحكم
بأنه مرفوع أو موقوف؟
طالب.......:
ض ْير :ال ،هذه المسألة أخص من مسألة الحجية ،أخص. َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
هل الرازي يرجع إليه في مثل هذا األمر كون الخبر مرفوعـاً أو موقوفـاً ،هل يحكم برفعه إلى النـبي
-عليه الصــالة والســالم -أو بوقفــه ،مثله اآلمــدي وهو بعيد كل البعد من علــوم األثــر؟ الغــزالي أيضـاً
وبضاعته في هذا العلم مزجاة ،كيف يتداول أهل العلم أقوال مثل هؤالء ،في هذه المسائل؟
ولـذا يعتب كثـير من المنتسـبين إلى هـذا الفن -أعـني األثـر -إدخـال أقـوال مثل هـؤالء في كتب علـوم
الحديث؛ يقولون :ال عالقة لهم؛ يصرحون بأن بضاعتهم مزجاة.
اآلمدي في ترجمته اتهم بأنه ال يصـلي ،والــرازي معـروف وضـعه -موقعه من السـنة وأهلهـا -نعم،
فكيف تذكر أقوال مثل هؤالء؟ يعني هل مرد كونه مرفوعاً أو موقوفاً نص شرعي ،أو نظر؟
نحــرر المســألة اآلن :اآلن دعــاوى تلقى بين طالب العلم بقــوة ،يقــول :كيف نعتمد قــول الغــزالي وهو
يقــول" :بضــاعتي في الحــديث مزجــاة" ،كيف نعتمد قــول الــرازي وكالمه في الســنة وأهلها معــروف،
كيف نعتمد اآلمدي وفي ترجمته ذكر أشياء -ذكر عظائم -وإ ن كان كثيراً منها ال يثبت.
أقول :التفريق في هــذه األمــور كونه مرسـالً أو موصــوالً ،كونه موقوفـاً أو مرفوعـاً ،هل هــذا يــترتب
أو ينبــني أو يســتنبط من أثر وخــبر ،الــذي نقــول :هم بعيــدون كل البعد عنــه ،أو هو محل نظر ودقــة؟
نعم؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :كيف؟
طالب.......:
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 201 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :محل نظــر؛ ألنه كيف يقــول مثالً :هــذا من قبيل المرفــوع ،وهــذا يقــول:
من قبيل الموقوف.
أدق ،مس ــألة ك ــون ب ــاب الن ــبي -عليه الص ــالة والس ــالم -يق ــرع باألظ ــافير –هك ــذا-
ن ــأتي إلى مس ــألة ّ
اختلفوا في كونه مرفوعاً أو موقوفَاًـًَ.
أوالً :المس ــائل ال ــتي يتفق عليها أهل ه ــذا الش ــأن -األئمة الكب ــار -ال كالم ألحد مع كالمهم ،نعم ،إذا
حكمــوا بــأن هــذا مرفــوع ،ليس ألحد كالم معهم ،لكن إذا اختلفــوا ،فتــذكر أقــوال مثل هــؤالء؛ يســتأنس
بهــا ،نعم ،وكم من قائل قــال كلمة فتح اهلل بها آفــاق -فتحت مغــاليق -ال ســيما إذا كــانت الكلمة تــدور
مع النظر ،وليس مردها إلى األثر.
في فهم األثر مثالً « :رب مبلغ أوعى من سامع » ،فهمنا مدرك المسألة اآلن؟
يعــني كــون بابه -عليه الص ــالة والســالم -يقــرع باألظــافير ،قــال بعض ــهم :مرف ــوع ،وق ــال بعضــهم:
موقوف ،يعني هل هذا نحتاج إلى أن عائشة -أو غيرها من أمهــات المؤمــنين -تقــول :هــذا مرفــوع،
أو هــذا موقــوف ،أو تصــرح بــأن النــبي -عليه الصــالة والســالم -كــان يســمع ،فنقــول :مرفــوع ،أو ال
يسمع ،فنقول :موقوف؟ نقل هكذا كان بابه يقرع باألظافير ،أيش تسـوي ،وأيش تقـول :هــذا موقـوف
وإ ال مرفوع؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :كيف؟
طالب.......:
َّ
الش > ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ
ض > ْير :ه ــذا يرجع إلى النظ ــر ،ه ــذه مس ــألة نظرية ليست أثري ــة ،يع ــني فهمها
نظري ،كيف؟ كيف نقول :نظري؟
نقول :بيـوتهم صـغيرة ،الـذي يقـول :مرفـوع ،يقـول :بيـوتهم عبـارة عن غرفـة ،فيبعد أال يسـمع النـبي
-عليه الصالة والسالم -هذا القرع ،فيقرهم عليه ،نعم.
من جهة أخــرى :قد يقــول قائــل :الظفر مــاذا يفعل بالبــاب الــذي عرضه شــبر ،بــاب من الخشب يقــرع
باألظافير ويش يصنع الظفر به؛ ال يسمع الرسول –عليه الصالة والسالمٍ -
ولكل وجهه.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض> ْير :أنا أقــول :قد يــتركون ،يعــني كونه مما يقــرع حكم به الحــاكم والخطيب
وغيره ،أما الكبار ما لهم كالم في هذا ،ما في أحد نص على أنه مرفوع أو موقوف.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 202 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
األمر الثـ ــاني :أنك قد تجد مثالً كالم ـ ـاً لعلي بن المـــديني ،وكالم ـ ـاً لإلم ــام أحمد يختلـ ــف ،فتحت ــاج إلى
مــرجح ،فــأنت إن رجحت قــول علي بن المــديني ما أبعــدت عن أهل األثــر ،وإ ن رجحت قــول اإلمــام
أحمد ما أبعدت ،لكن ،..نعم؟
طالب.......:
َّ
الش > ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ
ض > ْير :ب ــدل ما ن ــرجح من أنفس ــنا نحت ــاج إلى أحد يس ــندنا ،هي المس ــألة مس ــألة
فهـ ــوم؛ الـ ــترجيح يعتمد على أيش؟ في مثل هـ ــذه القضـ ــايا ما يعتمد على نصـ ــوص ،هو في نصـ ــوص
مرفوعة إلى أن هذا موقوف ،أو هذا إما يحكم بوقفه أو يحكم برفعه؟
إذن المسألة مسألة نظر -دقة نظر -إحنا إذا فهمنا المـدرك ما لمنا وال ثربنـا ،يعـني قـولهم اعتـبر أنه
مثل قولك أنت ،يعــني مثل ما تــرجح أنت شــوف تــرجيحهم وشــوف حججهم ،أنت اســمع من الخصــم،
احنا نعتــبرهم خصــوماً لنــا ،اســمع منهم ،باعتبــار أنهم من أهل األثــر ،نعتــبر هــؤالء خصــوماً ،اســمع
كالمهم ،ال ســيما والســنة مبحث كبــير في كتب األصــول ،هل نقــول ألهل األصــول :اتركــوا الســنة ما
هي بش ــغلكم ال تبحثونها في كتب األص ــول؟ نعم؟ مثل ما نن ــاديهم بق ــوة ،حينما نق ــول :طه ــروا كتبكم
مما يتعلق بعلم الكالم ،هذا شيء نتفق عليـه ،لكن هل نقــول ألهل األصــول :طهــروا كتبكم مما يتعلق
بمبــاحث الســنة ،وله وجه يبحثــون الكتــاب والســنة واإلجمــاع والقيــاس؟! هــذا علم األصــول ،ودخلــوا
بقـوة في هـذا العلم ،وله عنـدهم دقة نظر وعنـدهم شـفوف ،فنسـمع ،نسـمع من كل أحـد ،ولعل اهلل يفتح
على يد أحد منهم ذهناً مغلقاً ،نعم؛ ألن مثل ما قلت مراراً :إن الحكم بأن هذا مرفوع أو موقوف من
قبل ما رفع أو ما وقف ،كله من باب الفهم ،الفهم.
هو خبر نعم ،كون الغزالي يقـول :خـبر ثـابت أو غـير ثـابت ،نقـول :ال؛ بضـاعتك مزجـاة ،نعم ،نـأتي
إلى األئمة ال ــذين هم العم ــدة في ه ــذا الب ــاب ،لكن إذا ثبت الخ ــبر ،نس ــتنير ب ــآراء أهل العلم ،نعم ،ال بد
من التفريق في هذا الباب ،المسألة ترى في غاية الدقة.
اآلن توضيح األفكار للصــنعاني ،من أهل العلم من يجعله في الثريــا ،ليش؟ ألنه جمع بين أقــوال أهل
الحديث وأهل األصول ،وهذه مزية ،ومنهم من قال :ال يسوى شــيئاً؛ ألنه خلط علم األثر بعلم النظر
واألصول ،هل هذا إنصاف؟
ليس بإنصـ ــاف؛ يا أخي اسـ ــمع ،اسـ ــمع أنت أنت ،وأنت تتحـ ــدث عن هـ ــذا الموضـ ــوع في مسـ ــألة نعم،
يقول :احتمال أن يكون اآلمر -مثالً خلي المسألة بين المحدثين -قول الصحابي « :أمرنا » أو
« نهينا » :جمـاهير أهل العلم على أنه من قبيل المرفـوع ،لمـاذا؟ ألن الصـحابي ما يمكن أن يقـول:
« أمرنا » أو « نهينا » في مسائل شرعية واآلمر غير النبي -عليه الصالة والسالم.-
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 203 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
أبو بكر اإلسماعيلي وهو إمام في هذا الباب -في هذا الشأن -نعم ،إمام بال منازع ،يقول :موقوف؛
الحتم ــال أن يكـــون اآلمر والنـــاهي غـــير النـــبي -عليه الص ــالة والس ــالم -فنحن نحت ــاج في فهم ه ــذا
الكالم إلى من ينـير للنـاس الطريـق؛ ألن المسـائل تحتـاج إلى دقة نظر في مثل هـذه األمـور ،ومثل ما
ذكرنا في قــرائن األلفــاظ ،اإلمــام أبو بكر اإلســماعيلي -يقــول الحافظ الــذهبي في ترجمته من تــذكرة
الحفاظ :-من عرف حال هذا الرجل جزم يقيناً بأن المتأخرين على يأس تام من لحاق المتقدمين.
ما عن ـ ـ ــدنا شك أن المت ـ ـ ــأخرين كلهم عالة على فت ـ ـ ــات ما يس ـ ـ ــقط من موائد المتق ـ ـ ــدمين؛ أيش عن ـ ـ ــدهم
المتــأخرين؟ المتقــدمون هم األصــل ،لكن هنــاك مســائل تحتــاج إلى دقة نظــر ،أما ثبــوت الخــبر وعدمه
ما للمت ــأخرين س ــند ثبوته وعدمه إال بواس ــطة المتق ــدمين ،يبقى كيف نفهم ه ــذه المس ــألة وفيها لل ــرأي
مجـ ــال ،نـ ــترك ألهل الـ ــرأي مجـ ــال يفهمـ ــون المعـ ــنى ،ال سـ ــيما وأنهم موجـ ــودون يعـ ــني ،موجـ ــودون
ويبحث ــون ه ــذه األم ــور بق ــوة ودق ــة ،فال ض ــير وال ت ــثريب أن توجد مثل ه ــذه األق ــوال؛ لنس ــتفيد منه ــا،
ونقبل ما يقبل منها ،ونرد ما يرد.
يق ــول :لكن ال ــرازي ،..ثم ق ــال الع ــراقي :وإ ن لم يكن مقي ــداً بعصر الن ــبي -عليه الص ــالة والس ــالم-
فليس من قبيل المرفــوع ،وعند ابن الصــالح تبعـاً للخطيب ،فجــزم بأنه من قبيل الموقــوف ،فليس من
قبيل المرفــوع عند ابن الصــالح تبع ـاً للخطيب ،فحيث جــزم بأنه من قبيل الموقــوف ،..لكن الــرازي،
وقبله الحاكم جعاله من قبيل المرفوع ،ولو لم يقيده بعهد النبي -صلى اهلل عليه وسلم.-
وقـ ــال ابن الصـ ــباغ في العـ ــدة :إنه الظـ ــاهر ،ومثَّله بقـ ــول عائشة -رضي اهلل عنهـ ــا" :-كـ ــانت اليد ال
تقطع في الشــيء التافــه" ،مــتى كــانت؟ يعــني في عهد النــبي -عليه الصــالة والســالم -أو في عهد أبي
بكر ،أو في عهد عمر -رضي اهلل عنـه -أو في عهد عثمـان ،أو في عهد علي ،أو في عهد معاويـة؛
ألنها تأخرت وفاتها؟؟ "كانت ال تقطع اليد في الشيء التافه"؛ يعني هذا محل نظر.
أق ــول :لل ــرأي فيه مج ــال ،لكن ما يمكن عائشة تس ــتدل بمثل ه ــذا الكالم في حكم ش ــرعي إال وعن ــدها
أصل مما يحتج به ،أصل مما يحتج به.
ومقتضى كالم البيضــاوي موافق لما قاله ابن الصــالح ،ولكن اإلمــام -هكــذا يطلقــون :ولكن اإلمــام-
أيش اإلمام هذا؟
كتب األصول عند متأخري الشافعية إذا أطلقوا اإلمام أرادوا به...؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :ال ال ،الرازي ،نعم.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 204 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
ولكن اإلمام واآلمدي لم يقيدا ذلك بعهده -صلى اهلل عليه وسلم -وقال به أيضاً كثير من الفقهــاء كما
قاله النووي في شرح المهذب ،وهو قوي من حيث المعنى.
يقول الحافظ العراقي في ألفيته:
المقص ــود أن ه ــذا كالم ليس م ــرده إلى ثب ــوت الخ ــبر ونفيه لنعتمد في ذلك على أهل الفن ،إنما م ــرده
هل هو مرفـ ـ ــوع أو موقـ ـ ــوف ،يعـ ـ ــني عمل عمالً ،..شـ ـ ــخص عمل عمالً أو نسب إلى جماعة كـ ـ ــانوا
يعملون أو كانوا يفعلون ولم يذكر عصر النــبي -عليه الصــالة والســالم -المســألة محتملــة ،االحتمــال
قــائم ،لكن نقــول :إن الصــحابي إذا قــال « :كنا نفعــل» ،ويســتدل بــذلك في مقابلة خصــم؛ ليســتدل عليه
في هذه المسألة ،ويقرر له ثبوت هذه المسألة ،ال يمكن أن يقولها إال وعنده أصل.
يقول الشيخ زكريا األنصــاري في شــرحه على األلفية يقــول :تحصل في المســألة ثالثة أقــوال :الرفع
مطلقاً ،والوقف مطلقاً ،والتفصيل بين ما قيد بالعصر النبوي ،وما لم يقيد به".
هذه األقوال التي ذكرها الحافظ العراقي :يقـول :تحصل في هـذه المسـألة ثالثة أقـوال :الرفع مطلقـاً:
ـواء قلنـا :في عصر
ـواء نص على عصر النـبي أو لم ينص ،الوقف مطلقـاً :يعـني موقـوف س ً
يعـني س ً
النــبي أو في غــيره؛ ألن النــبي لم يطلع عليــه...إلى آخــره .التفصــيل بين ما قيد بالعصر النبــوي ،وما
لم يقيد به.
يق ــول :وفيها أيضــاً رابع -هن ــاك ق ــول راب ــع -وه ــو:إن ك ــان الفعل مما ال يخفى غالب ـاً فمرف ــوع وإ ال
فموقوف :إن كان الفعل مما ال يخفى غالباً بحيث ينشر -يعرفه الناس -مرفوعاً ،إذا كان مما يخفى
-صــحابي يعمل مع امرأته عمالً من األعمــال -يقــول" :كنا نفعــل "..هــذا مرفــوع وإ ال موقــوف؟ هــذا
التفصيل له وجه ،أو ما له وجه؟
إذا كـ ـ ـ ــان مما يخفى ،..إذا كـ ـ ـ ــان مما ال يخفى؛ بحيث إذا عمل عمالً إما أن يطلع عليه النـ ـ ـ ــبي -عليه
الص ـ ــالة والس ـ ــالم -أو يطلع غ ـ ــيره فينقله للن ـ ــبي -عليه الص ـ ــالة والس ـ ــالم -لكن أمر خفي بين زوج
وزوجته لم يطلع عليه النـ ـ ــبي -عليه الصـ ـ ــالة والسـ ـ ــالم -ولم يطلع عليه أحد ينقله إلى النـ ـ ــبي -عليه
الصـ ـ ــالة والسـ ـ ــالم -لكن يبقى أنه في عصر التنزيـ ـ ــل ،ومن أد ّل األدلة على ذلك قـ ـ ــول" :كنا نعـ ـ ــزل
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 205 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
والق ــرآن يـــنزل" :هـــذا مما يخفى ،واســـتدلوا على أنه مرفـــوع؛ بك ــون الق ــرآن ق ــررهم عليه ولم ينكر
عليهم.
وقــول خــامس :وهو إن ذكر في معــرض االحتجــاج فمرفــوع وإ ال فموقــوف ،يعــني هــذا القــول الــذي
كـ ـ ــانوا يفعلونـ ـ ــه ،أو هـ ـ ــذا الفعل الـ ـ ــذي كـ ـ ــانوا يفعلونه مما لم يـ ـ ــذكر فيه عصر النـ ـ ــبي -عليه الصـ ـ ــالة
والســالم -إن ذكــره الصــحابي على أســاس أنه قاله على ســبيل االحتجــاج ،يحتج به على خصم يقــرر
به مس ـ ــألة ش ـ ــرعية ،إن قاله الص ـ ــحابي في ه ـ ــذا المع ـ ــرض قلن ـ ــا :مرف ـ ــوع؛ ألنه ما يمكن أن يس ـ ــتدل
الصـ ــحابي ويحتج إال بشـ ــيء تثبت به الحجيـ ــة ،وال قـ ــول ألحـ ــد ،أو فعل ألحد تثبت به الحجية إال ما
نسب إلى النبي -عليه الصالة والسالم.-
وس ـ ــابع :وهو إن ق ـ ــال « :كنا ن ـ ــرى » :فموق ـ ــوف ،أو « كنا نفع ـ ــل» أو نح ـ ــوه :فمرف ـ ــوع :إن ق ـ ــال
الصحابي « :كنا نرى » ،فموقوف ،وإ ن قال « :كنا نفعل » أو نحوه ،فهو مرفوع ،لماذا؟
يقول :ألن « نرى » من الرأي ،فيحتمل أن يكــون مســتنده اســتنباطاً ال توقيفـاً؛ "كنا نــرى" :يعــني من
الرأي ،أما إذا « كنا نفعل» :واضح الفرق بينهما وإ ال ما هو بواضح؟ واضح من حيث اللفظ.
ثم محل الخالف إذا لم يكن في القصة اطالعه -عليه الصالة والســالم -على ذلك وإ ال فحكمه الرفع
قطعاً.
وبالجملة ما قيد من ذلك بالعصر النبوي حكمه الرفع ،إما قطعاً أو على األصح.
يقول الناظم -ناظم الورقات:-
وإ ن أقر قول غيره جعل *** كقوله كذاك فعل قد فعل
وما جرى في عصره ثم اطلع *** عليه إن أقره فليتبع
وعلى هذا نكون وقفنا على النسخ نعم ،نستأنف -إن شاء اهلل -إذا استأنفت الدروس بعد.
طالب :أؤذن يا شيخ؟
ض ْير :إيه أذن ،إن كان هناك ســؤال وإ ال شــيء ال بــأس ،اللهم صـ ِّـل وســلم على َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
عبدك ورسولك.
تبعـ ـ ـاً لما ذكرن ـ ــاه من ذكر أق ـ ــوال بعض المبتدعة في ه ـ ــذه العل ـ ــوم ،نق ـ ــول :حينما ي ـ ــذكرها أهل العلم
يذكرونها من جهة لالستئناس ،ولتفنيد الخطأ منها ،ما صح ومنها يستأنس به ،وما له حظ من النظر
يس ــتأنس بـــه ،وما ال حـــظَّ له من النظر من أجل أن يفند ويـــرد علي ــه ،كما ي ــذكر أهل العلم أق ــواالً في
علوم الحديث ،ذكروا أقوال بعض األطباء نعم -في كتب علوم الحديث -الفقهــاء يســتندون إلى كالم
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 206 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
األطب ــاء ،في عل ــوم الح ــديث احتجنا إلى كت ــاب األغ ــاني ألبي الف ــرج األص ــبهاني ،هل هو عم ــدة أبو
الفرج؟ نعم؟ ليش؟
ألن المس ــألة فهم ،ليست مبنية على رواية نق ــول :ض ــعيف ،مس ــألة ترجع تع ــود إلى الفهم أيش مع ــنى
هذا الكالم؟ في ألفاظ الجرح والتعديل قول أبي حاتم في (جبارة بن المغلس) بين يدي عدل ،هــذه في
ألفاظ الجرح والتعديل تذكر ،لكن هل هي جرح وإ ال تعديل؟
الحافظ العراقي إلى أن مات وهي تعديل عنده ،كيف؟
جبــارة ،..ســألت أبي عن جبــارة بن المغلس فقــال :بين يــدي عــدل ،هل نقــول :يرجع إلى األغــاني يا
إخوان؟
كتاب األغاني ألبي الفرج األصبهاني كتاب خسيس خبيث ،لكن احتجنا له في هذه المسألة.
يدي عد ٌل.
الحافظ العراقي مضى على أنها تعديل ،وكان يقرؤها بين َّ
في كتاب األغاني قصة لطاهر ،وطاهر اسمه القائد ،أيش اسمه؟ قائد من قواد الرشيد؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :نعم؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :أيش اسمه؟ ابن طاهر.
طالب.......:
َّ
الش > ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ
ض > ْير :فالرش ــيد له ولد اس ــمه إب ــراهيم ،نعم ،فك ــان ط ــاهر على المائ ــدة ،فج ــاء
إبـ ــراهيم أخذ هنـ ــدباد -إما كوسة وإ ال قرعة وإ ال شـ ــيئاً -فضـ ــرب بها طـ ــاهر ،نعم ،فأصـ ــابت إحـ ــدى
عينيــه ،وطــاهر أعــور ،وأصــابت الســليمة ،نعم ،فشــكاه إلى أبيه فقــال :ضــرب الســليمة واألخــرى بين
يدي عدل ،وأيش يستفاد منها؟ األخرى وأيش هي؟
تالفة ،فنسـتفيد من هـذا أن معـنى قولـه :بين يـدي عــدل :تـالف شـديد الضــعف ،اآلن احنا اعتمــدنا على
أبي الفرج ،وإ ال اعتمدنا -أخذنا من القصة -فهمنا من مجموع القصة؟
طالب.......:
َّ
الش> ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ
ض> ْير :ذهبنا نبحث عما وراء هــذه القصــة ،أيش معــنى العــدل؟ هل نــذهب في
العدل أنه مصدر عدل يعدل عدالة فهو عدل إلى آخره؟!
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 207 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
ال ما نبحث عن هذا ،وقد قيلت لعين عــوراء ،نبحث عن معانيها األخــرى ،فنجــدهم يقولــون -كما في
أدب الك ــاتب البن قتيب ــة -يق ــول :الع ــدل ،ش ــخص اس ــمه الع ــدل ،وك ــان ه ــذا الرجل على ش ــرطة تَُّبع،
وأين تَُّبع؟
احتجناه في علوم الحديث تبع ،واحتجنا األغاني واحتجنا أدب الكاتب ليش؟ نعم؟
لكي نفهم هــذا اإلطالق وهــذا االصــطالح الــذي أطلقه أهل العلم ،ال اعتمــاداً أص ـالً على هــذه الكتب؛
ألننا ال نعتمدها في إثبات ونفي ،قد نعتمدها أو نستفيد منها في فهم.
اآلن العــدل كــان على شــرطة تبــع ،وكــان إذا أراد تبع أن يقتل أحــداً ســلمه إلى هــذا الرجل الــذي اســمه
العدل -عدل الشرطة ،رئيس الشرطة -وأيش يقولــون النــاس؟ بين يــدي عــدل ،بين يــدي عــدل وأيش
محكوم عليه بالهالك.
ٌ با يسوي به هذا عدل؟ يبى بيقتله ،إذن بين يدي عدل يعني
اآلن يا إخوان استفدنا من األغاني ،ومن أدب الكاتب ،ومن كذا وإ ال ما استفدنا؟
اس ــتفدنا ،فالحافظ الع ــراقي حينما فهم عن ق ــولهم" :بين ي ــدي ع ــدل" أنها تع ــديل ،وك ــان ينطقها هك ــذا:
ـدي عــدل" ،ما له إال هــو؛ الظــاهر ،من يــبي تجي على باله أن هــذه تجــريح ،بل تجــريح شــديد،
"بين يـ َّ
وهذا لفظها ،لوال هذه القصص التي وجدت في هذه الكتب التالفة ،كم من قصة حصلت لشــخص من
عامة الناس فتحت آفاقاً ،فيستفاد منها ،والحكمة ضالة المؤمن.
فعرفنا أن معنى قوله" :بين يدي عدل" أنه تالف هالك شديد الضعف ،طيب ،هل يكفي هذا الفهم ألن
نحكم على هذا الرجل بأنه تالف؟ يكفي وإ ال ما يكفي؟
نحت ــاج إلى ما يؤي ــده -يؤيد ه ــذا الكالم -ه ــذه قرينة قوي ــة ،ننظر في أق ــوال أهل العلم في ه ــذا الرجل
نج ــدها كلها تض ــعيف ،كلهم ض ــعفوه ما وثقه وال واح ــد ،إذن نق ــول :المص ــيبة الحافظ الع ــراقي وإ ال
غيره؟
غيره قطعاً ،قد يقول قائل :انتم اعتمدتم على األغـاني ،واألغـاني كتـاب شـخص فيــه ،..كتـاب مملــوء
ب ــالمجون وال عم ــدة ،..نق ــول :احنا ما اعتم ــدنا على األغ ــاني ،إذا ق ــال ص ــاحب األغ ــاني ح ــدثنا قلن ــا:
اضرب به عرض الحائط ،لكن استفدنا في فهم هذا الجملة ،ومثل ذلك نقول :نســتفيد من الكتب الــتي
فيها شيء من الخلط ،لكن يبقى أن االستفادة واإلفادة مقصورة على من يميز بين الحق والباطل.
الســخاوي له كتــاب اســمه (األصل األصــيل في اإلجمــاع على تحــريم النقل من التــوراة واإلنجيــل) قد
يق ــول قائ ــل :ش ــيخ اإلس ــالم نقل من اإلنجيل حينما رد على النص ــارى ،هل نق ــول :إن ش ــيخ اإلس ــالم
خالف؟
احتاج ،...كتب المبتدعة اآلن اللي مملوءة األسواق بها.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 208 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
نقــول للطــالب المتأهل الــذي في نيته تفنيد هــذه المخالفــات أن يقــرأ في هــذه الكتب ،لكن الطــالب غــير
المتأهل ليس له ذلك ،هذا فيما يسيء إلى الدين ،هات ما يسيء إلى الخلق مثالً.
الط ــالب المتأهل نق ــول :كت ــاب المحلى البن ح ــزم من أنفع الكتب ل ــه؛ ألنه كت ــاب اعتمد على األث ــر،
وفيه براعة الكتاب ،لكن طالب مبتدئ نقول له :اقرأ في المحلى ،وأيش يتعود ،وأيش يتعلم؟
يتعلم س ــالطة اللس ــان ،يتعلم س ــالطة اللس ــان ،ول ــذلك الط ــالب غ ــير المتأهل ال يق ــرأ في ه ــذه الكتب ال
األغاني ،ال ،..هذه الكتب التي مرت بنا ،ال يقرأها ،يعني حينما يقول :وبهذا قال مالك ،فأين الــدين،
بهــذا قــال أبو حنيفــة :وهــذا ال يســاوي رجيع الكلب ،يصــلح طــالب علم يــربى على هــذه الجمــل؟ أبــداً،
لكن طالب متمكن يدرك الصوابـ من الباطل الحق من الخطأ ،نعم ،ال مــانع أن يقــرأ في هــذه الكتب،
نعم في شيء؟
كم باقي على اإلقامة؟
طالب.......:
ض > ْير :ال ال ،ال ال( ،أدب الك ــاتب) كت ــاب نفيس ن ــافع ،فيه ش ــيء من األوه ــام َّ
الش > ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ
اليس ــيرة ،لكن ن ــافع ،ن ــافع ج ــداً ،ال ،ال ما ي ــبين النس ــبة ،ما ي ــبين النس ــبة ،اآلن ص ــار له ربع من.....
1:14:28أو أكثر؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :يرجع إلى متنه وإ ال إلى سنده؟
طالب.......:
َّ
الش> > ْيخ َع ْبد ال َك> ِ>ر ْيم ال ُخ َ
ض> > ْير :أقـ ــول :هـ ــذه مسـ ــائل اختلف فيها األئمـ ــة ،نعم ،وإ ذا وجد الخالف بين
األئمة ف ــالترجيح ش ــيء م ــدرك ،ش ــيء م ــدرك ال ــترجيح يدرك ــه..؛ هي مس ــألة ت ــرجيح ،ما هي مس ــألة
اعتمــاد على كالمهم ،فأيض ـاً كــون الفقهــاء يفهمــون من هــذا الخــبر فهم ـاً ،..دعنا من قضــايا اإلســناد؛
قضــايا اإلســناد ألهل الحــديث ،يبقى متن الحــديث ال شك أن لهم اعتبــاراً؛ رجــال عقالء يفهمــون؛ أهل
نظــر ،أهل دقــة ،ولــذا يقــول ابن حبــان -وإ ن كــان الكالم ليس على إطالقــه :-حــديث يتداوله الفقهــاء
أفضل من حديث يتداوله الشيوخ"؛ ألن الفقهاء لهم دقة نظر في المتون ،ولذا شـاع على ألسـنة النـاس
في العصــور الوســطى أن الفقهــاء هم األطبــاء ،الفقهــاء هم األطبــاء ،وأهل الحــديث صــيادلة ،لكن هــذا
الكالم ليس بصحيح؛ أهل الحديث هم الفقهاء ،وهم المعول عليهم في اإلثبات واالستنباط،
واهلل أعلم وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 209 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
بسم اهلل الرحمن الرحيم ،الحمد هلل رب العالمين ،وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد وعلى آله
وصحبه أجمعين ،أما بعد :فقد قال المؤلف -رحمه اهلل تعالى:-
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 210 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
وأما النسخ :فمعناه اإلزالة ،يقال :نسخت الشمس الظل إذا أزالته ،وقيل :معناه النقل من قولهم:
نسخت ما في هذا الكتاب :إذا نقلتَه :نسخت ما في هذا الكتاب إذا نقلتَه ،إذا نقلته بأشكال كتابته>.
وحده :الخطاب الدال على رفع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم على وجه لواله لكان ثابتاً مع
تراخيه عنه ،ويجوز نسخ الرسم وبقاء الحكم ،ونسخ> الحكم وبقاء الرسم ،ونسخ األمرين معاً.
وينقسم النسخ إلى بدل وإ لى غير بدل ،وإ لى ما هو أغلظ وإ لى ما هو أخف ،ويجوز نسخ الكتاب
بالكتاب ،ونسخ السنة بالكتاب ،ويجوز نسخ المتواتر بالمتواتر ،ونسخ> اآلحاد باآلحاد
وبالمتواتر >،وال يجوز نسخ المتواتر باآلحاد.
« َّ
الش ْـر ُح » :
الحمد هلل رب العالمين ،وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين ،النسخ :يطلق في اللغة ويراد به اإلزالة والرفع ،كما يقال :نسخت الشمس الظل إذا أزالته
ورفعته بانبساط ضوئها ،ونسخت الريح األثر إذا أزالته عن األرض ،يقول -جل وعال﴿ :-
ان ﴾ [ سورة الحج ،اآلية : ] 52 :يعني :يزيله ويذهبه. ط ُ نس ُخ اللَّ ُه َما ُي ْل ِقي َّ
الش ْي َ فَ َي َ
يطلق أيضاً النسخ ويراد به النقل ،كذا قالوا ،والمثال ال يسعف ،المثال الذي مثل به المؤلف ال
يسعف على إرادة النقل؛ يقول هنا :وقيل :معناه النقل من قولهم :نسخت ما في هذا الكتاب إذا
نقلته ،نعم ،هو يقول :نسخت ،وهذا الكتاب نسخة من كتاب كذا ،ومنسوخ من كذا ،هذا مستعمل
لكن هل معناه النقل؟
نعم يريدون به النسخ ،يفسرون مثل هذا النسخ بالنقل ،لكن ما مقتضى النقل حقيقة ،ما مقتضى
حقيقة النقل ،نقل الجرم من حيز إلى حيز ،يعني إذا افترضنا أن هذه القارورة موجودة هنا ونقلناها
إلى جهة اليمين ،هذا النقل حقيقته ،يعني النقل انتقال الجرم من حيز إلى حيز ،لكن هل النسخ
بمعنى النقل ،يراد به هذا؟
بعضهم يريد أن يخلص من هذا اإلشكال ،يقول :يطلق على ما يشبه النقل.
المقصود أن النقل المراد به االنتقال ،االنتقال أو نقل الحيز من ،..أو نقل الجرم من حيز إلى آخر،
فهل إذا نسخنا الكتاب معناه أننا نقلنا الحروف من هذا الكتاب إلى كتاب آخر؟
يعني الكتاب األول الذي نسخنا منه ونقلنا منه الكالم ،مقتضى النقل الحقيقي أن يكون الكتاب األول
دفتر ما فيه كتابة ،نقلنا الكتابة منه ،أليس هذا مقتضاه؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 211 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
أن االستعمال األصلي لهذه الكلمة -يعني أن هذه الكلمة -وضعت أصالً أليش؟ للنقل -على كالم
صاحب التحرير -لإلزالة على كالم صاحب التحرير -ثم استعملت على غير األصل في النقل،
والعكس فيما نقله صاحب قرة العين.
على كل حال هذا كالم تفصيله يحتاج إلى وقت.
النقل في ،..أو النسخ في االصطالح :النقل ،في االصطالح َّ
حده المؤلف -يعني عرفه؛ الحد
التعريف -قال « :وحده :الخطاب الدال على رفع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم على وجه لواله
لكان ثابتاً مع تراخيه عنه » هنا في رفع حكم ،رفع حكم ثابت بخطاب ،وال بد أن يكون هذا الرفع
بخطاب أيضاً ،رفع حكم ثابت بخطاب آخر متراخ عنه.
وهنا يقول « :حده الخطاب الدال على رفع الحكم الثابت بالخطاب » بالخطاب :جار ومجرور
متعلق بأيش؟ بـ(رفع) وإ ال (ثابت)؟ متعلق بالمصدر (رفع) وإ ال متعلق باسم الفاعل (ثابت)؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :ال ،تأملوا ،إذا قلنا :متعلق بـ(رفع) جعلنا الرفع بالخطاب المتقدم ،هل
الرفع يكون بالخطاب المتقدم أو الرفع بالخطاب المتأخر؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :نعم ،إذن الرفع بالخطاب المتأخر للحكم الثابت بالخطاب المتقدم،
ظاهر وإ ال ما هو بظاهر ،يعني إذا قلنا :بالخطاب المتقدم متعلق بالمصدر الذي هو (رفع) يترتب
عليه أيش؟ أن الرفع بالخطاب المتقدم ،وهذا ليس بصحيح؛ الرفع يكون بالخطاب المتأخر؛ ألن
المتأخر هو الذي يرفع ،والرفع لما ثبت بخطاب متقدم –المنسوخ -المؤلف حينما قال « :حدُّه »
يعني تعريفه ،ويريد بذلك اصطالحاً؛ ألنه انتهى من اللغة « ،الخطاب الدال » هذا تعريف للنسخ
أو للناسخ؟ للناسخ؛ فالنسخ هو الرفع والناسخ هو الخطاب المتأخر والمنسوخ هو ماثبت بالخطاب
المتقدم.
على كل حال تعريف النسخ يؤخذ من تعريف الناسخ؛ فالنسخ فيه رفع -فيه إزالة -وهل النسخ
رفع كلي للحكم أو جزئي؟ النسخ رفع كلي وإ ال جزئي؟
كلي؛ إذا كان الرفع جزئياً إما أن يكون تخصيصاً أو تقييداً ،إما أن يكون تخصيصاً أو تقييداً،
والنسخ يراد به الرفع الكلي للحكم.
وقوله « :بالخطاب » أي يرفع ما ثبت حكمه بخطاب -بنص من الكتاب أو من السنة -ال ما ثبت
بالبراءة األصلية -أي عدم التكليف بشيء ،قبل ورود الخطاب -قبل أن يرد الخطاب في األعيان
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 213 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
المنتفع بها -لها حكم ،يعني هل معنى هذا أن الصحابة لما بعث فيهم النبي -عليه الصالة والسالم-
تعطلوا عن كل شيء -عن عمل أي شيء -حتى نزلت الخطابات أو استمرت حياتهم على ما
كانوا عليه؟ نعم ،ثم نزلت النصوص تقر ما ُيقر وترفع ما لم يقر ،نعم؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :استمروا على ما كانوا عليه من مزاولة األعيان المنتفع بها ،لكن من
هذه األعيان ما نزل الخطاب مؤيداً لالستمرار ،ومنها ما لم ينزل فيه شيء البتة ،فبقي على
البراءة ،ومنها ما نزل الخطاب بخالف ما دلت عليه البراءة األصلية -بالنقل أو باالنتقال عن
البراءة األصلية -فالخطاب األول الذي رفع ما دلت عليه البراءة األصلية يقال :ناسخ؟ ال؛ فال بد
أن يكون الحكم المرفوع المنسوخ ثابت بخطاب متقدم ،ال يكون ثبوته بالبراءة األصلية ،هذا مفاد
قوله « :رفع الحكم الثابت بالخطاب ».
أيضاً الرفع ال بد أن يكون بخطاب ٍ
ثان؛ فالنسخ من خواص النصوص؛ معروف أن اإلجماع ال
ينسخ وال ُينسخ ،والقياس كذلك؛ ألن النسخ من خواص النصوص ،فالمنسوخ ال بد أن يكون ثابتاً
بنص ،والناسخ ال بد أن يكون ثابتاً أيضاً بنص ،أما ما ثبت بالبراءة ال يقال له :نسخ لو نزل الحكم
الشرعي بإلغائه ،كما أن غير النصوص ال يمكن أن ينسخ به ،فاإلجماع ال ينسخ وال ُينسخ ،لكن قد
يستدل أهل العلم باإلجماع على ترك العمل بخطاب ثابت ،قد يستدل أهل العلم باإلجماع على ترك
حكم ثابت بدليل شرعي على وجود ناسخ ولو لم نطلع عليه؛ هناك أحاديث صحيحة أجمع أهل
العلم على عدم العمل بها ،هل يكون اإلجماع ناسخاً لهذا الدليل؟ النسخ من خواص النصوص،
كيف يجمع أهل العلم على ترك عمل بخبر ثابت؟
قالوا :البد أن يوجد ناسخ ،ولو لم نطلع عليه؛ إذ األمة ال تجمع على ضاللة ،فعلى سبيل المثال:
الجمع بالمدينة من غير سبب ،يقول النووي" :دل اإلجماع على نسخه" .قتل المدمن :يقول
الترمذي" :أجمع أهل العلم على ترك العمل به" ،يعني هل تركه أهل العلم معاندة ،قالوا :ما يصلح
وال يناسب العصر وال ..؟
مستند ،فاإلجماع يدل على وجود ناسخ وال ينسخ به.
ٌ ال؛ ال بد أن يكون لهذا اإلجماع
على كل حال الخالف في المسألتين معروف ،وإ ن قال الترمذي :إنه ليس في كتابه مما أجمع على
تركه سوى هذين الحديثين يعني حديث ابن عباس في الجمع بالمدينة ،وحديث معاوية في قتل
الشارب.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 214 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
« بخطاب » الرفع ال بد أن يكون بخطاب ،فيخرج ما رفع حكمه تبعاً لرفع التكليف ،يقصد بذلك ما
شخص ُج َّن ،هل نقول :نسخت الصالة؛ ألن
ٌ رفع فيه الحكم تبعاً لرفع التكليف ،إما بموت أو جنون،
الحكم ارتفع؟ جن شخص أو مات ،نقول رفع التكليف بالصالة؛ ألن الحكم ارتفع عنه؟
نعم الحكم ارتفع عنه ،لكن بغير نص ،وارتفع عنه -ارتفاع مناط التكليف -ارتفع مناط التكليف
فارتفع التكليف.
كذلك يخرج به األحكام الموقتة بوقت :المنع من البيع بعد النداء يوم الجمعة ،هل نقول :إنه بعد
الصالة ينسخ الحكم؟ أو نقول من األصل :هذا حكم مؤقت في هذا الوقت يرتفع بارتفاعه ،فليس هذا
من النسخ؟
ص ْي ُد ا ْل َبِّر َما ُد ْمتُ ْم ُح ُر ًما ﴾ [ سورة المائدة ،اآلية : ] 96 :ال يقال فيه :إنه
أيضاً تحريم الصيدَ ﴿ :
ادواْ ﴾ [ سورة المائدة ،اآلية ] 2 :؛ ألن هذا حكم
طُ اص َ
منسوخ بقوله -جل وعالَ ﴿ :-وإِ َذا َحلَ ْلتُ ْم فَ ْ
موقوت.
من ذلكم الجزية :في الصحيح -صحيح مسلم -من حديث أبي هريرة -رضي اهلل عنه -قال :قال
رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم « :-والذي نفسي بيده ،ليوشكن أن ينزل> فيكم ابن مريم -صلى
اهلل عليه وسلم -حكماً مقسطاً ،فيكسر الصليب ويقتل الخنزير >،ويضع الجزية ،ويفيض المال
حتى ال يقبله أحد » :المقصود أنه يضع الجزية ،الجزية حكم شرعي ثابت بنص شرعي ،هل
نقول :إن عيسى –عليه السالم -ينسخ هذا الحكم؟ أو نقول :إن الحكم الشرعي -وهو أخذ الجزية
من أهل الكتاب -موقوت إلى نزول عيسى عليه السالم؟
اآلن ظاهر المثال وإ ال ما هو بظاهر؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :نعم؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :دليل أيش؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :أيوه.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :إيه؟
طالب.......:
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 215 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :طيب ،دليل على التوقيت ال على الرفع ،دليل على أن هذا الحكم
موقوت إلى نزول عيسى؛ ألن الشريعة استقرت بوفاته -عليه الصالة والسالم -بعد وفاته ال ناسخ
وال منسوخ ،استقرت ،لكن أخبرنا أن هذا الحكم مؤقت ،يعني مثل ما يقال :البيع بعد النداء الثاني
من صالة الجمعة ،تحريمه مؤقت إلى الصالة ،أيضاً ،..نعم؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :صيام؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :أيش فيه؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :يعني في وقت من األوقات يجوز صيام يوم العيد؟
طالب.......:
ض ْير :الكالم وأيش فيه؟ الكالم في شيء حرم في وقت دون وقت ،هذا َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
المحرم -هذا لو افترضنا أنه لو جاء ما يدل على أن صيام العيد حرام إلى سنة كذا ،نقول :هنا
موقوت ،انتهى توقيته -على كل حال فروع هذه المسألة كثيرة.
اإلمام النووي -رحمه اهلل -أيش يقول في حديث وضع الجزية؟
يقول :معناه أن عيسى -عليه السالم -ال يقبل إال اإلسالم ،فعلى هذا قد يقال :هذا خالف حكم
الشرع اليوم ،فإن الكتابي إذا بذل الجزية وجب قبولها ولم يجز قتله وال إكراهه على اإلسالم،
وجوابه أن هذا الحكم ليس بمستمر إلى يوم القيامة؛ وهو مقيد بما قبل عيسى -عليه السالم -وقد
اخبرنا النبي -صلى اهلل عليه وسلم -في هذه األحاديث الصحيحة بنسخه ،وليس عيسى -عليه
السالم -هو الناسخ بل نبينا -عليه الصالة والسالم -هو المبين للنسخ.
الحقيقة أنه مبين للوقت الذي ينتهي به هذا الحكم ،وإ ال حقيقة النسخ :هو رفع الحكم ،بل نبينا محمد
-صلى اهلل عليه وسلم -هو المبين للنسخ؛ فإن عيسى يحكم بشرعنا ،يحكم بشريعة محمد -عليه
الصالة والسالم -فدل على أن االمتناع من قبول الجزية في ذلك الوقت هو شرع نبينا محمد
-صلى اهلل عليه وسلم -كذا قال.
وعرفنا أن مثله هذا مغياً بغاية وهي نزول عيسى -عليه السالم -ومثله المنع من البيع في يوم
الجمعة إلى انتهاء الصالة بعد األذان ،ومثله أيضاً تحريم صيد البر مادام اإلنسان محرماً حتى
يحل.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 216 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
النسخ ثابت في النصوص -ثابت شرعاً -كما أنه جائز عقالً ،النسخ في النصوص جائز عقالً؛ ألن
هلل -عز وجل -أن يغير ما شاء متى شاء ،وال يسأل عما يفعل ،يعني لإلنسان أن يتصرف بمواله،
للسيد أن يتصرف بمواله كيفما شاء ،فيأمره بشيء وينهاه عنه ،ولألب أن يأمر ابنه بشيء في يوم
وينهاه عنه في يوم آخر إذا رأى المصلحة فيما انتقل إليه.
أنكر اليهود -قاتلهم اهلل -النسخ وتبعهم طوائف تنتسب إلى اإلسالم؛ محتجين بأن النسخ يستلزم
البداء ،وهو محال على اهلل عز وجل.
البداء :هو الظهور ،مقتضى قولهم :إن اهلل -سبحانه وتعالى -حينما يغير الحكم الثابت معناه أن
اهلل -سبحانه وتعالى -بدا له ،يعني ظهر له أمر كان قد خفي عليه ثم لما بدا له غيره ،هذا مقتضى
قولهم ،قالوا :النسخ يستلزم البداء ،مقتضاه أن اهلل -سبحانه وتعالى -أمر بأمر ،ثم ظهر له -بدا
له -أن هذا األمر غير مناسب فغيره ،وقولهم باطل من وجوه:
األول :ما اتفقت عليه جميع األمم من وقوع النسخ في الشرائع ،كل شريعة تنسخ بعض ما شرع
في التي قبلها ،ومن أظهر ذلك :اتفاق جميع األمم على نسخ نكاح األخوات في زمان آدم -عليه
السالم -ثم تحريمه في جميع الملل ،هل يستطيع أن يقول أحد :إن هذا الحكم ثابت إلى اآلن؟ نعم؟
ال يجرؤ ،ال يستطيع أحد أن يقول هذا الكالم ،كما أنه ال يستطيع أحد أن يقول :إنه محرم في
شريعة آدم ،هل يستطيع أحد أن يقول :إن هذا محرم في شريعة آدم؟ نعم؟ ال يمكن ،ليش ،لماذا؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 217 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
النسل ،يعني لو كان محرماً انقطع النسل ،كما أنه ال يستطيع أحد أن يقول :إنه ثابت إلى اآلن ،هذا
دليل ملزم تواطأت عليه جميع الشرائع ،جميع الملل.
الثاني :أن اليهود وافقوا على أن شريعتهم نسخت ما قبلها؛ اليهود يزعمون أن شريعة موسى
-عليه السالم -نسخت ما قبلها من الشرائع ،فإذا جاز ذلك جاز أن ينسخها ما بعدها.
الثالث -الفرق بين النسخ والبداء :-أن البداء هو أن يظهر له ما كان خفياً عليه ،في البداء أن
نس َخه لخفاء
يظهر له ما كان خفياً عليه ،والنسخ ليس كذلك ،النسخ ليس كذلك ،ال يلزم أن يكون َ
نس ُخه ألحد أمرين:
حكمته عليه؛ وإ نما ْ
إما امتحان المكلفين بمعرفة مقدار امتثالهم لهذه األوامر والنواهي ،يعني الشخص الذي ينزل عليه
الحكم بالوجوب فيمتثل ويفعل ،ال شك أن مثل هذا ممتثل ،لكن إذا ألف هذا الحكم ووطن نفسه عليه
ثم نسخ هذا الحكم إلى شيء َّ
أشد مثالً ،ثم امتثل ثانية هذا يدل على أيش؟
على أن هذا المكلف يسارع ويبادر إلى االمتثال ،نعم المسارعة والمبادرة تختلف من شخص إلى
آخر؛ شخص من أول ما يسمع يقول :سمعنا وأطعنا ،وآخر يتبرم ثم يفعل ،وثالث يتبرم وال يفعل،
يعني فرق بين من أمر بذبح ابنه فتله للجبين ،أيش معنى تله؟ ما تأخر وال لحظة ،فرد أُمر بذبح
ون
ادواْ َي ْف َعلُ َ
وها َو َما َك ُ ابنه بِكره الفرد الوحيد ،فتله للجبين ،وأ َّ
ُمة بكاملها أمرت بذبح بقرة ﴿ فَ َذ َب ُح َ
﴾ [ سورة البقرة ،اآلية ، ] 71 :يعني فرق بين امتثال وامتثال ،يعني اإلنسان ينذر هواه تبعاً لما
جاء به النبي -عليه الصالة والسالم ،-كل ما جاء عن النبي امتثله ،فإذا نقل من حال إلى حال
وامتثل بسرعة ال شك أن هذا جاز االمتحان؛ فمن حكم النسخ امتحان المكلفين والنظر في مبادرتهم
وسرعة امتثالهم ،وجاء مدح نساء األنصار حينما امتثلن الحجاب بادرن بامتثال الحجاب.
أيضاً هناك رعاية األصلح للمكلفين ،قد يكون هذا الحكم في وقت مناسب ،لكنه ال يناسب في وقت
ثان ،فيراعى األصلح؛ وهذا من فضل اهلل -عز وجل -على عباده ،ليس واجباً عليه -كما تقوله
المعتزلة -،أنه يجب عليه رعاية األصلح ،ال ،بل من فضل اهلل -عز وجل -ورأفته بعباده أنه
يراعي مصالحهم ،فيوجب عليهم شيئاً في وقت؛ ألنه يناسبهم ،في وقت آخر ال يناسبهم هذا الحكم
فينسخه.
طيب ،قد يقول قائل :جاء في صحيح البخاري في كتاب أحاديث األنبياء باب في حديث األبرص
واألعمى واألقرع في بني إسرائيل من حديث أبي هريرة –رضي اهلل عنه -أنه سمع رسول اهلل
-صلى اهلل عليه وسلم -يقول « :إن ثالثة في بني إسرائيل ،أبرص وأقرع وأعمى ،بدا هلل -عز
وجل -أن يبتليهم فبعث إليهم ملكاً » ...الحديث :في الحديث -وهذا في الصحيح فال ألحد كالم:-
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 218 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
« بدا هلل عز وجل أن يبتليهم » ،كيف نجيب عن هذا ،ونحن ننفي البداء الذي معناه ظهور ما كان
خفياً على اهلل عز وجل؟ أيش معنى بدا؟
معنى بدا هنا أراد اهلل -عز وجل -إظهار ما سبق في علمه ،يعني مما لم يخفى عليه ،وليس المراد
به أنه ظهر له ما كان خافياً؛ ألن ذلك كما قدمنا محال في حق اهلل تعالى.
أراد اهلل -سبحانه وتعالى -أن يختبر هؤالء ،أراد اهلل ،يعني بدا هلل -عز وجل -أن يختبرهم ،يعني
أراد اهلل -جل وعال -أن يختبرهم؛ يؤيد ذلك ما جاء في البخاري نفسه في كتاب األيمان والنذور
الحديث نفسه خرجه اإلمام البخاري في كتاب األيمان والنذور" :باب ال يقول ما شاء اهلل وشئت،
وهل يقول :أنا باهلل ثم بك" من حديث أبي هريرة ،الحديث نفسه ،أنه سمع النبي -عليه الصالة
والسالم -يقول « :إن ثالثة من بني إسرائيل أراد اهلل أن يبتليهم فبعث ملكاً » الحديث ،فمعنى بدا
في الرواية األولى :أراد ،وهو مفسر بالرواية الثانية.
ثم بعد ذلك قال المؤلف -رحمه اهلل تعالى:-
« يجوز نسخ الرسم وبقاء الحكم :نسخ الرسم وبقاء الحكم ،والعكس :نسخ الحكم وبقاء الرسم،
والنسخ إلى بدل وإ لى غير بدل ،وإ لى ما هو أغلظ وإ لى ما هو أخف ».
« يجوز نسخ الرسم » نسخ اللفظ ،والحكم باق ،ومثل لذلك بـ((الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما
البتة)) ،في الصحيحين يقول :قال عمر -رضي اهلل عنه" :-فإنا قد قرأناها ووعيناها وعقلناها،
ورجم رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -ورجمنا بعده ،فدل على أن هذا الحكم ثابت وإ ن كان
الرسم منسوخاً -يعني مرفوعاً من التالوة -ويظهر في هذا النوع مقدار امتثال المكلف؛ ألنه قد
ينازع ال سيما في مثل هذا الحكم ،قد ينازع بعض من فتن ويقول :إن الرجم مادام نسخ -رفع
لفظه -لماذا لم يكن مما رفع حكمه؛ ال سيما وأن الرجم ال يناسب في مثل هذه العصور؟ قد يقول
قائل :وحشية هذه ،أو حقوق اإلنسان ال تقره أو ما أشبه ذلك ،فلماذا ال يرفع حكمه تبعاً لرسمه؟
نقول :اهلل -سبحانه وتعالى -له أن يفعل ما يشاء ،فيرفع ما يشاء ويبقي ما يشاء ،والحديث في
الصحيح ،وليس ألحد كالم.
و حكم ،..لفظه مرفوع وأجمع الصحابة على عدم كتابته في المصحف ،فدل على أنه منسوخ من
حيث التالوة ،لكن حكمه باق كما قال عمر -رضي اهلل عنه" :-فإنا قد قرأناها ووعيناها وعقلناها،
ورجم رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -ورجمنا بعده".
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 219 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
رجم النبي -عليه الصالة والسالم -في قصص معروفة مستفيضة مأثورة في دواوين اإلسالم
المعروفة ،يعني ليس ألحد كالم في هذا ،وكون عمر -رضي اهلل عنه -يقول" :رجمنا بعده" :يدل
على بقاء الحكم.
« يجوز نسخ الحكم وبقاء الرسم » عكس ما تقدم ،وهذا أكثر أنواع النسخ كآيتي المصابرة ﴿ إِن
ين َكفَُرواْ ﴾ ون َي ْغِل ُبواْ ِم َئتَْي ِن َوإِن َي ُكن ِّمن ُكم ِّم َئ ٌ>ة َي ْغِل ُبواْ أَْلفًا ِّم َن الَّ ِذ َ
صا ِب ُر َ
ون َ َي ُكن ِّمن ُك ْم ِع ْ
ش ُر َ
[ سورة األنفال ،اآلية ،] 65 :هذه اآلية في أول األمر ،وفيها شدة على المؤمنين ،والمؤمنون فيهم
َن ِفي ُك ْم َ
ض ْعفًا فَِإن َي ُكن ف اللّ ُه َعن ُك ْم َو َعِل َم أ َّ اآلن َخفَّ َ
ضعف ،فخفف اهلل عنهم بقوله –جل وعالَ ﴿ :-
صا ِب َرةٌ َي ْغ ِل ُبواْ ِم َئتَْي ِ>ن ﴾ [ سورة األنفال ،اآلية .] 66 : ِّمن ُكم ِّم َئ ٌة َ
قد يقول قائل :هذه أخبار ،هذه أخبار؟
لكنها أخبار متضمنة ألحكام قد يأتي األمر بلفظ الخبر ،يأتي األمر بلفظ الخبر ،كما أن النهي أيضاً
يأتي بلفظ الخبر ،وعلى كل حال هذا من هذا النوع؛ المسلم مأمور بأن يصبر لعشرة في أول
األمر ،وحينئذ ال يجوز له أن يفر من عشرة؛ الحكم شرعي ،لما علم اهلل الضعف جعل الحكم
مربوط بالضعف ،فإذا كان العدد أكثر من الضعف جاز له الفرار.
كما يجوز أيضاً نسخ الحكم والرسم معاً :كحديث عائشة -رضي اهلل عنها -قالت" :كان فيما أنزل
من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ،ثم نسخن بخمس معلومات".
العشر منسوخة ،وكانت من القرآن ،وكانت مما يتلى من القرآن ،فرسمها يعني لفظها منسوخ
وحكمها أيضاً منسوخ ،ثم نسخن بخمس معلومات ،فتوفي رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -وهن
فيما ُيقرأ من القرآن ،وفي رواية" :نزل في القرآن عشر رضعات معلومات ،ثم أنزل أيضاً خمس
معلومات".
قد يقول قائل :توفي رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -وهن فيما يقرأ ،لماذا ال نقرؤهن؟ أين،..
كيف رفعن من المصحف ،وقد توفي النبي -عليه الصالة والسالم -استقر األمر وهن مما يتلى؟
ومثل هذا يلبس به بعض المبتدعة ،وأن أهل السنة كغيرهم؛ يرون أن في القرآن شيئاً من
التحريف ،وأنهم نقصوا من القرآن" ،فتوفي رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -وهن فيما يتلى من
القرآن"؟!
أهل العلم يجيبون عن مثل هذا بأن النسخ تأخر جداً ،إلى قبيل وفاة النبي -عليه الصالة والسالم-
فخفي على بعض الصحابة هذا النسخ ،فصار يقرأ مثل هذا الكالم بعد وفاة النبي -عليه الصالة
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 220 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
والسالم -ثم بلغه الناسخ فترك ،توفي النبي -عليه الصالة والسالم -وهن فيما يقرأ من قبل بعض
من خفي عليه النسخ ،ولذا أجمع الصحابة على عدم إثبات هذه اآلية في المصحف.
« ينقسم النسخ إلى بدل » كنسخ استقبال بيت المقدس باستقبال الكعبة ،وإ لى غير بدل :نسخ
استقبال بيت المقدس إلى بدل وهو استقبال الكعبة ،وإ لى غير بدل كنسخ صدقة المناجاة ﴿ ،إِ َذا
ص َدقَ ًة ﴾ [ سورة المجادلة ،اآلية ،] 12 :هذا نسخ إلى
ي َن ْج َوا ُك ْم َ
ِّموا َب ْي َن َي َد ْ
سو َل فَقَد ُ
الر ُ
اج ْيتُ ُم َّ
َن َ
غير بدل.
ْت ِب َخ ْي ٍر ِّم ْن َها أ َْو ِم ْث ِل َها ﴾ [سورة
نسها َنأ ِ
ِ النسخ إلى بدل ال خالف فيه؛ ﴿ ما َننس ْ>خ ِم ْن ٍ
آية أ َْو ُن َ
َ َ َ
البقرة ،اآلية .] 106 :
الثاني :وهو النسخ إلى غير بدل ،هو مذهب جمهور أهل العلم؛ جمهور أهل العلم يرون أن هناك
نسخ إلى غير بدل ،والمثال كما سمعنا ،ومنعه الظاهرية؛ استدالالً باآلية ﴿ ما َننس ْخَ ﴿ ،﴾ ..نأ ِ
ْت َ َ
﴾ :معناه أن كل ما ينسخ يؤتى بدله ،إما خيراً منه أو مثله.
أما النسخ إلى بدل فهو مجمع عليه عند كل من يقول بالنسخ ،وهم جميع من يعتد بقولهم من أهل
اإلسالم ،بعض المعاصرين ألف كتاباً كبيراً في التفسير يعني على طريقة الخلف في كثرة الكالم
مع قلة البركة ،وهذا التفسير ينتقي من عناوين كل جزء أبرزها ويجعلها على الغالف ،فكان من
أبرز العناوين التي كتبها( :النسخ وال نسخ في القرآن).
الظاهرية يمنعون أن يوجد نسخ إلى غير بدل ،والشيخ محمد األمين الشنقيطي -رحمه اهلل تعالى-
يميل إلى قول الظاهرية ويؤيده؛ يقول -رحمه اهلل تعالى :-إن القول بالنسخ إلى غير بدل ،قول
نسها َنأ ِ
ْت ِب َخ ْي ٍر ِ باطل ،وإ ن قال به جمهور العلماء؛ ألن اهلل تعالى يقول ﴿ :ما َننس ْخ ِم ْن ٍ
آية أ َْو ُن َ
َ َ َ
ِّم ْن َها أ َْو ِمثْ ِل َها ﴾ [ سورة البقرة ،اآلية .] 106 :
وأجاب الشنقيطي -رحمه اهلل تعالى -عن آية صدقة المناجاة بأن الذي نسخ هو الوجوب ،وأما
استحباب الصدقة فهو باق لم ينسخ ،فالنسخ إلى بدل ،..فالنسخ حينئذ إلى بدل يعني من الوجوب
إلى االستحباب.
لكن من يقول بجواز النسخ إلى غير بدل كيف يجيب عن هذه اآلية؟
يقول :إن اآلية عامة خصصت بمثل هذا.
« يجوز النسخ إلى ما هو أغلظ » -كما يقول المؤلف :-كنسخ التخيير بين صوم رمضان والفدية
ين ُي ِطيقُو َن ُه> ِف ْد َي ٌة ﴾ [ سورة البقرة ،اآلية :
في أول األمر ،صوم رمضان ال يتعين؛ ﴿ َو َعلَى الَّ ِذ َ
،] 184مخير اإلنسان ولو كان يستطيع الصيام أن يصوم وبين أن يطعم ،نسخ هذا إلى تعين
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 221 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
وجاز نسخ الرسم دون الحكم *** كذاك نسخ الحكم دون الرسم
ونسخ كل منهما إلى بدل *** ودونه وذاك تخفيف حصل
وجاز أيضاً كون ذلك البدل *** أخف أو أشد مما قد بطل
ثم قال -رحمه اهلل تعالى « -ويجوز نسخ الكتاب بالكتاب ونسخ السنة بالكتاب :نسخ> الكتاب
بالكتاب ونسخ السنة بالكتاب وبالسنة >،ويجوز نسخ المتواتر بالمتواتر واآلحاد باآلحاد
وبالمتواتر >،وال يجوز نسخ المتواتر باآلحاد :يجوز نسخ الكتاب » المراد به القرآن،
« بالكتاب » يعني يجوز نسخ آية بآية ،كآيتي المصابرة.
« ونسخ السنة بالكتاب » كنسخ استقبال بيت المقدس ،استقبال بيت المقدس ثابت بالكتاب أو
بالسنة؟ بالسنة ،نسخ ما ثبت بالسنة من استقبال بيت المقدس بما ثبت بالكتاب من قوله -جل
وعال:-
س ِج ِد ا ْل َح َر ِام ﴾ [ سورة البقرة ،اآلية .] 144 :ويجوز نسخ السنة بالسنة: ﴿ فَ َو ِّل َو ْج َه َك َ
ش ْط َر ا ْل َم ْ
اتفاقاً « ،كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزورها ».
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :نسخ الكتاب بالسنة يأتي.
اآلن القسمة ثالثية وإ ال رباعية؟
يجوز نسخ الكتاب بالكتاب ،ونسخ السنة بالكتاب ،ونسخ السنة بالسنة ،تمام القسمة أن يقال العكس،
نسخ الكتاب بالسنة ،يعني صار عندنا أمران كل واحد له صورتان ،تطلع أربع صور؛ نسخ الكتاب
بالكتاب ،نسخ السنة بالكتاب ،نسخ السنة بالسنة ،نسخ الكتاب بالسنة.
سكت المؤلف عن تمام القسمة وهو نسخ الكتاب بالسنة ،وفيه خالف فقيل بجوازه؛ ألن النبي -عليه
الصالة والسالم -ال ينطق عن الهوى ،أما كون السنة أضعف من حيث الثبوت ،هذا شيء ،لكن
األصل أن ما صح من سنة عن النبي -عليه الصالة والسالم -أنه من عند اهلل؛ ألن النبي -عليه
الصالة والسالم -ال ينطق عن الهوى؛ ﴿ إِ ْن ُه َو إِاَّل َو ْح ٌي ُي َ
وحى ﴾ [ سورة النجم ،اآلية ،] 4 :
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 222 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
على هذا القول -وهو القول بجواز نسخ الكتاب بالسنة -يمثل له بآية الوصيةُ ﴿ :ك ِت َب َعلَ ْي ُك ْم إِ َذا
ين ﴾ [ سورة البقرة ،اآلية ،] 180 : ص َّي ُ>ة ِل ْل َو ِال َد ْي ِن َواأْل َق َْر ِب َ
ت إِ ْن تَر َك َخ ْيرا ا ْلو ِ
ً َ َ َح َد ُك ُم ا ْل َم ْو ُ
ض َر أ َ
َح َ
نسخ هذا بحديث « :ال وصية لوارث » ،من أهل العلم من يقول :خروجاً من مثل هذا الخالف ،إن
النسخ إنما هو بآيات المواريث ال بهذا الحديث.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :إيه.
طالب.......:
ض ْير :جاء هذا في بعض النسخ دون بعض؛ ألنه قال في األخير: َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
« ويجوز نسخ المتواتر بالمتواتر ونسخ> اآلحاد باآلحاد وبالمتواتر >،وال يجوز نسخ المتواتر
باآلحاد » يدخل فيه هذا ،أقول :قوله :وال يجوز نسخ المتواتر باآلحاد يغني عما ذكرت.
طالب.......:
ض ْير :ولو أثبتت..؛ قوله « :وال يجوز نسخ المتواتر باآلحاد » يغني عما َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ذكرت ،لكن من باب تتميم القسمة يذكر في محله فقط ،ومنع آخرون -بل هو قول األكثر -أن
ون ِلي أ ْ
َن أ َُب ِّدلَ ُه السنة ال تنسخ الكتاب ،السنة ال تنسخ الكتاب؛ من أدلتهم قوله تعالىُ ﴿ :ق ْل َما َي ُك ُ
ِمن ِت ْلقَاء َن ْف ِسي ﴾ [ سورة يونس ،اآلية ،] 15 :والنسخ -نسخ الكتاب بالسنة -تبديل منه -عليه
الصالة والسالم -للكتاب!!
لكن يمكن الجواب عن هذا بأن ما يتلقاه عن اهلل -عز وجل -من بيان للكتاب وتخصيص للكتاب
ونسخ للكتاب ال يجوز أن يقال :إنه من تلقاء نفسه -عليه الصالة والسالم -إنما تلقاه عن ربه ،وقد
ثبت بالنص أنه ال ينطق عن الهوى.
« يجوز نسخ المتواتر بالمتواتر> » معلوم أن القرآن كله متواتر ،وأما السنة فمنها المتواتر وغير
المتواتر ،القرآن كله متواتر ،والسنة منها المتواتر وغيره ،فيجوز نسخ القرآن -على هذا -بالقرآن
وبالسنة المتواترة ،ويجوز نسخ السنة المتواترةـ بالقرآن ،والسنة المتواترةـ بالسنة المتواترة ،كل هذا
يدخل في قوله « :يجوز نسخ المتواتر بالمتواتر> »؛ ألن القرآن متواتر ،ومن السنة ما هو متواتر،
إذن يجوز نسخ القرآن بالقرآن ،ونسخ المتواتر من السنة بالمتواتر من السنة ،ويجوز نسخ القرآن
بالمتواتر من السنة ،ويجوز نسخ المتواتر من السنة بالقرآن.
على هذا يجوز نسخ القرآن بالسنة المتواترة عند الجمهور ،ومنعه الشافعي وأحمد في المشهور
عنه؛ ألن مرتبة القرآن فوق مرتبة السنة ولو تواترت على هذا ،لكن إذا قلنا بأن اآلحاد إذا صح
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 223 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
خبر الواحد عن النبي -عليه الصالة والسالم -جاز النسخ به؛ ألنه ال ينطق عن الهوى ،فألن
يجوز النسخ بالمتواتر من السنة من باب أولى.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :من أي وجه؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :هو عندنا قبل قال « :وال يجوز نسخ الكتاب بالسنة ».
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :ال ،هو إذا أطلقت يراد بها اآلحاد ،على أن مذهبه مذهب الشافعي
سواء كانت آحاداً أو متواترة.
ً -المؤلف شافعي المذهب -والشافعي يرى أن السنة ال تنسخ القرآن
نسخ السنة المتواترةـ بالسنة المتواترة مجمع عليه بين القائلين بالنسخ ،وال يوجد له مثال فيما قرره
صاحب شرح مختصر التحرير ،ال يوجد له مثال.
نسخ متواتر السنة بالكتاب ،نسخ المتواتر من السنة بالكتاب مثلوا له بنسخ استقبال بيت المقدس
باستقبال الكعبة ،وقد تقدم ،فاستقبال بيت المقدس ثبت بالسنة المتواترةـ ونسخ بالكتاب ﴿ :فَ َو ِّل
س ِج ِد ا ْل َح َر ِام ﴾ [ سورة البقرة ،اآلية .] 144 :
ش ْط َر ا ْل َم ْ
َو ْج َه َك َ
« ويجوز نسخ اآلحاد باآلحاد » وهذا كثير جداً يراجع ألمثلته الكثيرة كتاب الحازمي (االعتبار
في معرفة الناسخ والمنسوخ من اآلثار) وهذا كتاب نفيس ال يستغني عنه طالب علم ،يعني من
أمثلته « :كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزورها » ؛ ألنه آحاد نسخ آحاداً.
« وبالمتواتر> » يجوز نسخ اآلحاد بالمتواتر؛ ألنه أقوى منه ،وهذا أيضاً َّ
دل ،..أو أيضاً محل
اتفاق ،لكن قال في شرح مختصر التحرير :إنه لم يقع.
« وال يجوز نسخ المتواتر باآلحاد » ألن الجمهور يشترطون المساواة في القوة ،فاآلحاد ال يساوي
المتواتر ،والسنة عموماً ال تساوي القرآن ،فالسنة ال تنسخ القرآن ،واآلحاد ال ينسخ المتواتر.
سواء كان من
ً ولذا قال « :وال يجوز نسخ المتواتر باآلحاد » وعلى هذا ال يجوز نسخ األقوى
الكتاب أو متواتر السنة باآلحاد؛ ألنه دونه في القوة؛ ألن المتواتر قطعي الثبوت ،واآلحاد ظني،
والشيء إنما ينسخ بمثله أو بما هو أقوى منه ،وهذا مذهب األكثر ،هذا مذهب الجمهور.
وذهب جماعة من الظاهرية كابن حزم إلى جوازه وهي رواية عن أحمد ورجحه كثير من
المحققين؛ ألن القطعي هو اللفظ ،ومحل النسخ هو الحكم ،وال يشترط في ثبوته التواتر ،وال يشترط
في ثبوته التواتر.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 224 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
اآلن عندنا ثبوت وداللة ،قد يكون النص قطعي الثبوت ظني الداللة ،والعكس ،قد يكون ظني
الثبوت قطعي الداللة ،والمرد في النسخ المعول على الحكم ،المعول على الحكم ،والحكم كما يثبت
سواء كان من القرآن أو متواتر ً بالقطعي يثبت أيضاً بالظني ،قد تكون ،..قد يكون الثبوت قطعياً
ص ِّل ِل َر ِّب َك َوا ْن َح ْر ﴾ [ سورة الكوثر،
السنة ،لكن قد تكون الداللة ظنية ،في مثل قوله تعالى ﴿ :فَ َ
اآلية :] 2 :االستدالل بمثل هذا على صالة العيد ،اآلية قطعية الثبوت ،لكن داللتها على صالة
العيد ظنية؛ بدليل أن الجمهور ال يوجبون صالة العيد على األعيان ،القول بوجوب صالة العيد
على كل أحد على كل من تجب عليه صالة الجمعة هو قول الحنفية ورجحه شيخ اإلسالم ،فوجود
هذا الخالف في مثل هذه اآلية -فيما تدل عليه هذه اآلية -دل على أن داللتها على هذا الحكم ظنية،
وإ ن كان ثبوتها قطعياً.
إذا قلنا بأن المعول في النصوص على الحكم وهو يثبت بالقطعي ويثبت بالظن إذا صح الخبر ولو
لم يبلغ حد التواتر ،قلنا بجواز نسخ الكتاب بالسنة ونسخ المتواتر باآلحاد.
-وأريد االنتباه -مثلوا لذلك بما في الصحيحين من حديث ابن عمر -رضي اهلل عنهما-
ُ مثلوا لذلك
قال" :بينما الناس بقباء في صالة الصبح إذ جاءهم ٍ
آت فقال" :إن رسول اهلل -صلى اهلل عليه
وسلم -أمر أن تستقبل الكعبة فاستقبلوها؛ إن رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -أُمر أن تستقبل
الكعبة فاستقبلوها" ،يعني نزل عليه القرآن يأمره باستقبال الكعبة فاستقبلوها ،وكانت وجوههم إلى
الشام فاستداروا إلى الكعبة.
عندهم االستقبال إلى بيت المقدس ،قطعي وإ ال ظني؟
قطعي ،قطعي ال مجال فيه للشك ،هذا اآلتي الذي أتاهم شخص واحد وقال لهم :إن القبلة قد حولت،
س ِج ِد ا ْل َح َر ِام ﴾ اهلل -سبحانه وتعالى -أمر نبيه أن يتحول إلى الكعبة ﴿ فَ َو ِّل َو ْج َه َك َ
ش ْط َر ا ْل َم ْ
[ سورة البقرة ،اآلية : ] 144 :هل تردد هؤالء حينما سمعوا خبر هذا الواحد ،أو استداروا كما
هم في صالتهم ،بدل ما هم شمال صاروا جنوب ،استداروا كما هم ،امتثلوا ،هل نقل عن النبي
-عليه الصالة والسالم -أنه أنكر عليهم أو عنفهم ،أو أمرهم بإعادة الصالة؟
ما نقل ،إذن عملهم صحيح ،عملهم صحيح ،فوجه الداللة أن التوجه إلى بيت المقدس ثبت بالدليل
القطعي ،وتحولوا عنه إلى الكعبة بخبر واحد وهو ظني.
اآلن يسلم مثل هذا المثال للتمثيل على ما يريدون من رفع القطعي بالظني يسلم؟ نعم؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :لماذا؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 225 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :طيب ،اآلن عندنا النقل ظني ،وهم على قبلة مقطوع بها ،تركوا هذه
القبلة المقطوع بها لخبر واحد وهو ظني ،نعم؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :لكن هم ما ثبت عندهم ،ثابت عندهم بنص قطعي ،لكن هم ما ثبت
عندهم إال بخبر هذا الواحد ،نعم؟
طالب.......:
ض ْير :أقول :هذا وإ ن كان في أصله خبر واحد،إال أنه احتف به من القرائن َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ما يجعله يفيد القطع ،خبر الواحد في األصل ال يفيد إال الظن عند كثير من أهل العلم ،لكن إذا
احتف بخبر الواحد قرينة ،إذا احتفت به قرينة ،..اآلن لماذا قلنا :إن خبر الواحد يفيد الظن؟
ألن الواحد مهما بلغ من الثقة والحفظ والضبط واإلتقان إال أنه ليس بمعصوم من الخطأ ،وما دام
وجد فيه نسبة ولو واحد بالمائة من احتمال الخطأ ،ال نقول :إنه يفيد القطع ،أيش معنى قطع؟
القطع الذي ال يحتمل النقيض ،يعني نسبة صدقه مائة ،..نسبة صحته ومطابقته للواقع مائة بالمائة،
فإن افترضنا نجم السنن مالك -نجم السنن -هل نستطيع أن نقول :جميع ما أخبر به مالك مائة
بالمائة ،أو يتصور منه الخطأ والنسيان؟
هذا االحتمال ينزل خبر مالك من مائة بالمائة إلى ما يقرب منها ،المقصود أنه يحتمل النقيض إلى
تسعة وتسعين ،إلى ثمانية وتسعين ،إلى تسعين وهذا ال ينزله عن درجة الثقة.
هذا االحتمال جعلنا نقول :إن خبر الواحد يفيد الظن وال يفيد القطع ،هذا االحتمال الذي أبديناه
وذكرناه في خبر مالك ،يرتفع هذا االحتمال بوجود قرينة؛ القرينة ترفع احتمال الخطأ..؛ هو في
األصل ضعيف احتمال ضعيف القرينة تكون في مقابل هذا االحتمال فيرتفع ،وحينئذ خبر الواحد
إذا احتفت به قرينة أفاد العلم وأفاد القطع ،وصار قطعياً ،انتهينا ،نعم؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :القطعي بالقطعي ،القطعي بالقطعي.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :أما من أراد مثال القطعي ،نسخ القطعي بالظني :نسخ الحبس -حبس
الزانية -بحديث عبادة بن الصامت « :خذوا عني ،خذوا عني ،قد جعل اهلل لهن سبيالً ،البكر
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 226 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
بالبكر جلد مائة ونفي سنة ،والثيب بالثيب جلد مائة والرجم » ،على كل حال المسألة تحتاج إلى
بسط طويل ،ولو أخذنا نبسط المسائل كلها ما انتهينا.
وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :أيش هو؟
طالب.....:الظاهرية.......
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :إيه.
طالب.......:النسخ هو للحكم وليس للفظ...؟
ض ْير :معروف ،معروف هذا ذكرناه. َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
طالب.......:لو كان الحكم قطعياً هل يرون الجواز...؟
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :إيه خالص يطردونه ما دام جاز يجوز إيه.
طالب.......:القطعي والظني؟
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :القطعي والظني ،ال فرق في الثبوت والداللة.
اللهم ِّ
صل على محمد.
بسم اهلل الرحمن الرحيم ،الحمد هلل رب العالمين وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد وعلى آله
وصحبه أجمعين ،أما بعد :فقد قال المؤلف -رحمه اهلل تعالى:-
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 227 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
فصل:
إذا تعارض نطقان فال يخلو إما أن يكونا عامين أو خاصين ،أو أحدهما عاماً واآلخر خاصاً ،أو
كل واحد منهما عاماً من وجه خاصاً من وجه آخر ،فإن كانا عامين فإن أمكن الجمع بينهما
يجمع ،فإن لم يمكن الجمع بينهما يتوقف فيهما إن لم يعلم التاريخ ،فإن علم التاريخ نسخ المتقدم
بالمتأخر ،وكذلك إن كانا خاصين ،وإ ن كان أحدهما عاماً واآلخر خاصا فيخص العام بالخاص،
وإ ن كان كل منهما عاماً من وجه وخاصاً من وجه فيخص عموم كل منهما بخصوص اآلخر.
« َّ
الش ْـر ُح » :
الحمد هلل رب العالمين ،وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين ،في هذا المبحث -في هذا الفصل -تحدث المؤلف -رحمه اهلل تعالى -عن التعارض بين
النصوص ،والتعارض المقصود به االختالف في الظاهر بحسب ما يظهر للمجتهد ،وإ ال ففي حقيقة
األمر ال تعارض بين النصوص ،ال يمكن أن يتعارض نصان صحيحان في الباطن في الحقيقة،
وإ نما التعارض إنما هو بحسب ما يظهر للمجتهد حسب فهمه ،كما أنه ال يمكن أن يتعارض النص
الصحيح مع العقل الصريح ،ال يمكن أن يتعارض نص صحيح مع عقل صريح باق على فطرته،
باق على خلقته ما اجتالته الشياطين ،أما من اجتالتهم الشياطين وتأثروا بالبدع وأهلها هؤالء يبدون
شيئاً من التعارض بين عقولهم والنصوص ،ويحتكمون في ذلك إلى عقولهم ،ليتهم لما وجدوا مثل
هذا التعارض بين عقولهم وبين النصوص حكموا النصوص وألقوا ما دلتهم عليه عقولهم ،جعلوا
الحكم العقل ،ال شك أن هذا ضالل وعليه اعتماد كثير من طوائف المبتدعة؛ أرجعوا النصوص
ووزنوها بعقولهم المتأثرة بكالم أهل البدع والضالل ممن يدعون الحكماء والفالسفة ،هؤالء ضلوا
في هذا الباب ضالالً مبيناً.
شيخ اإلسالم -رحمه اهلل تعالى -له كتاب ،كتاب من أعظم الكتب يقع في أحد عشر مجلداً اسمه
(درء تعارض العقل والنقل) بعض النسخ يوجد عليها موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول ،فال
تعارض بين العقل الصريح الذي لم تجتاله الشياطين ،وال تأثر بقواعد المخالفين لدين اإلسالم ،هذا
من جهة.
الناحية الثانية هي أن التعارض يكون في الظاهر بين النصوص النطقية ،ولذا يقول المؤلف:
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 228 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
« إذا تعارض نطقان » نعم ،يقول « :إذا تعارض نطقان » فهذا التعارض الظاهري يكون بين
النصوص النطقية يعني القولية ،فال تعارض بين األفعال ،ال تعارض بين األفعال ،كما أفاده كالم
المؤلف وجزم به جمع من أهل العلم ،أيش معنى التعارض بين األفعال؟
أن يفعل النبي -عليه الصالة والسالم -فعالً ويفعل ضده ،يفعل شيئاً ويفعل ضده ،كيف يفعل شيئاً
ويفعل ضده؟ يتصور؟ كيف؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :كيف يتصور أن يفعل الشيء ويفعل ضده؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :نعم؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :في حال منفصل ،لكن أريد مثاالً يفعل فعالً ويفعل ضده ،ال تقول يفعل
فعالً ويتركه ،والترك فعل ،أنا أريد فعل يفعله ،يوجده -عليه الصالة والسالم -ويوجد فعالً
يضاده؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :كيف؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :هذا تعارض؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :ال ،هو يتعارض الشرب قائماً مع قول ،ما يتعارض مع فعل،
يتعارض مع النهي عن الشرب قائماً ،يتعارض مع قول ما يتعارض مع فعل.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :كيف؟
قول ،النهي عن الوصال.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :أنا أقول :أريد تعارضاً بين فعلين متضادين من النبي عليه الصالة
والسالم؟
ال يمكن؛ جمع من أهل العلم قالوا :ال يمكن.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 229 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :هذا تعارض؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :كيف؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :يعني البول قائماً هل مقتضاه النهي عن البول جالساً ،والبول جالساً
مقتضاه النهي عن البول قاعداً ،هم يقولون :جزم جمع من أهل العلم أنه ال يتصور ،إال عند من
يقول :إن الترك فعل ،فقد يفعل شيئاً ويتركه أحياناً ،يفعل النبي -عليه الصالة والسالم -شيئاً على
جهة التعبد ويتركه أحياناً ،ويأتي فيه ما يأتي من أنه يكون تركه لبيان الجواز.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :هو الظاهر ما يمكن يوجد النبي -عليه الصالة والسالم -فعلين
متناقضين.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :مرجح عند كثير من أهل العلم بقول الصحابي:
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :لو لم يرد النهي على ضعفه ما وجد خالف.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :وليس لها عموم ،هو تقدم أن الفعل ال عموم له ،تقدم أن الفعل ال عموم
له.
« إذا تعارض نطقان فال يخلو » انتهينا من تعارض األفعال.
إذا تعارض القول مع الفعل :ألنه يقول :عندنا المسألة مفترضة فيما إذا تعارض نطقان ،قول مع
قول ،عرفنا أنه ال يمكن يوجد تعارض فعلين ،إذا تعارض قول مع فعل ،ومنه األمثلة التي ذكرت
اآلن ،كان يأمر النبي -عليه الصالة والسالم -بأمر ويفعل بخالفه ،أو ينهى عن شيء ويفعل ذلك
الشيء -عليه الصالة والسالم -هذا متصور قول مع فعل ،متصور ،كأن يأمر النبي -عليه الصالة
والسالم -بأمر ويفعل خالفه ،أو ينهى عن شيء ويفعل ذلك الشيء.
وللتوفيق بين مثل هذه النصوص المتعارضة مسالك ألهل العلم منهم من يجعل الفعل صارفاً ،فعل
المنهي عنه يصرف النهي من التحريم إلى الكراهة ،وترك المأمور به ،أو فعل خالف المأمور
يصرف األمر من الوجوب إلى االستحباب.
إذا تعارض القول مع فعله -عليه الصالة والسالم -منهم من يقول :يصرف األمر من الوجوب
إلى االستحباب؛ لفعله -عليه الصالة والسالم -ففعله دال على الجواز ،ويصرف النهي من التحريم
إلى الكراهة بفعله -عليه الصالة والسالم -وفعله دال على الجواز ،ويبقى النهي لكراهة التنزيه.
منهم من يسلك مسلك آخر ويحمل الفعل على الخصوصية ،يقول :فعله خاص به -عليه الصالة
والسالم -واألمر والنهي عام لألمة ،ولو أخذنا مثاالً « :غطِّ فخذك؛ فإن الفخذ عورة » [حديث
جرهد].
وحديث أنس في الصحيح" :حسر النبي -عليه الصالة والسالم -عن فخذه" :يقول البخاري
-رحمه اهلل تعالى :-حديث أنس أسند ،وحديث جرهد أحوط ،هل نقول :إن فعل النبي -عليه
الصالة والسالم -حينما حسر عن فخذه يدل على أن النهي ،..أو األمر في قوله « :غط فخذك »
لالستحباب ال للوجوب ،وفعله يدل على الجواز؟ هذا قول ،أو نقول « :غط فخذك » هذا بالنسبة
لألمة ،وكونه حسر -عليه الصالة والسالم -وعارض فعله قوله هذا خاص به عليه الصالة
والسالم؟ الكالم ظاهر وإ ال ما هو بظاهر؟
طالب.......:
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 231 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :أيش هو؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :يسلك مثل هذا لرفع مثل هذا التعارض ،يعني كيف توفق بين قوله« :
غط فخذك » والنبي -عليه الصالة والسالم -حسر عن فخذه؟ هذا مسلك عند بعض أهل العلم،
يقول :هذا خاص بالنبي -عليه الصالة والسالم.-
مثله أيضاً :النهي عن استقبال القبلة واستدبارها ببول أو غائط ،مع أنه -عليه الصالة والسالم-
رآه ابن عمر قبل أن يقبض بعام مستدبراً القبلة ،واختلفت أنظار أهل العلم في التوفيق بين
النصوص ،منهم من قال :هذا خاص بالنبي -عليه الصالة والسالم -لكن التخصيص يدل على،..
ال بد له من وجود مخصص ،حمل هذا األمر على الخصوص يدل على ،..ال بد له من مخصص.
األمر الثاني :لو نظرنا إلى ما عندنا من أمثلة ،مثل األمر بتغطية الفخذ ،وكون النبي -عليه الصالة
والسالم -حسر عن فخذه ،وكونه -عليه الصالة والسالم -أمر األمة أن تنزه جهة الكعبة،
واستدبرها -عليه الصالة والسالم -هل تغطية الفخذ أكمل أو كشفه أكمل؟ التغطية أكمل ،نقول:
كيف يطلب الكمال من األمة ،ويفعل النبي -عليه الصالة والسالم -خالف هذه الصفة التي هي
الكمال؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :ال ،ال ما نقول :من غير قصد ال ،ال معروف هذا؛ حسر ما بيقول:
انحسر ،يقول" :حسر النبي -عليه الصالة والسالم -عن فخذه" نعم.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :هناك لما كان على البئر دخل أبو بكر وعمر ،ثم لما دخل عثمان
غطاه ،استحيا منه فغطاه ،المقصود أن مثل هذه المسالك يسلكها أهل العلم؛ لرفع التعارض ،لكن
ينبغي أن ينظر إلى مثل هذه النصوص بدقة ،فال شك أن تغطية الفخذ أكمل من كشفه ،فكيف يطلب
الكمال من األمة والنبي -عليه الصالة والسالم -أولى بكل كمال يطلب من األمة ،كيف ينهى بل
يأمر باحترام جهة الكعبة ويخالف ذلك؟
النبي -عليه الصالة والسالم -أولى من يعظم شعائر اهلل ،كثير من أهل العلم يستروح إلى مثل هذا
ويطرد ،كل ما تعارض قول مع فعل قال :فعله خاص به.
عرفنا المسالك في مثل هذا التعارض؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 232 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
إما أن يكون الفعل دال على الجواز ،وحينئذ يحمل األمر على االستحباب ،والنهي على التنزيه ،أو
يحمل فعله على أنه خاص به في غير هذين المثالين؛ ألنه ال بد أننا ننظر إلى ،..ما نسلك مسلك
نرفع به تعارضاً ،ونقع فيما هو أشد منه ،أو نقول :إن الفعل خاص به ،وأمره ونهيه موجه إلى
غيره -عليه الصالة والسالم.-
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :في أيش؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :أي مسألة؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :االستقبال وإ ال ،..أو الفخذ؟
طالب.......:
ض ْير :ال كل مسألة بعينها ،يعني ما في شك أن هناك نصوص ال مانع من َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
حملها على الخصوصية به -عليه الصالة والسالم -لكونه إما لكون الفعل أكمل أو لكونه مساو مع
األمة ،فال مانع من أن نسلك التخصيص به -عليه الصالة والسالم-؛ ألنه فعل ،فعل مع نهيه ،أو
فعل مع أمره فيكون قوله موجه إلى غيره وفعله خاص به ،هذا ،ال مانع منه إذا لم يترتب عليه
شيء مما ذكر.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :وين؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :كيف؟
طالب :يعني عندما جعل الوجوب ما يمنع ،أن نقدم هل على الخصوصية أو على البيان؟
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :نعم ،يعني نرجح المسلك األول وإ ال الثاني؟ هل نقول :إن الفعل
صارف واألوامر والنواهي تصرف بما هو دون الفعل عند الجمهور ،يصرفون األوامر بالعلل،
بعلة الحكم يصرف األمر من الوجوب إلى االستحباب ،والنهي من التحريم إلى الكراهة.
على كل حال كل مسألة لها ما يحتف بها من قرائن ،أحياناً قد يرجح التخصيص ويمال إليه
ويستروح إليه ،وأحياناً يرجح الصرف.
طالب.......:
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 233 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :نعم .ال يمكن حمله على الخصوصية هذا ،ال يمكن حمله على
الخصوصية ،الصرف أقرب؛ ألن التغطية أكمل من الحسر ،فال يطلب من النبي -عليه الصالة
والسالم -دون ما يطلب من األمة في الكماالت؛ ألنه أكمل الخلق -عليه الصالة والسالم.-
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :أيش هو؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :ال ال ،كل ما يطلق عليه فخذ ،يعني ما يطلق عليه فخذ يشمله النص
األول والثاني.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :عاد مسألة العورة في الصالة ،والعورة خارج الصالة مسألة ال بد من
التفريق بين داخل الصالة وخارج الصالة؛ من أهل العلم من قال « :غط فخذك » :في الصالة،
محمول على الصالة « ،فإن الفخذ عورة » :يعني في الصالة ،منهم من قال بذلك ،كاألمر
بتغطية المنكب ،كاألمر بتغطية المنكب.
على كل حال المسألة تمثيل يعني ،هو عندنا أمثلة وإ شكاالت كبيرة هنا ،نعم ،وعندنا في رأس
المسألة يقول « :إذا تعارض نطقان » مقتضى التعارض أن يختلف حكم أحدهما عن حكم اآلخر،
أن يختلف الحكم في أحدهما عن اآلخر ،لكن إذا جاء الحكم في أحد النصين موافقاً لحكم النص
اآلخر ،يصير فيه تعارض وإ ال ما فيه تعارض؟ نعم ،ولو كان أحدهما عاماً واآلخر خاصاً؟
طالب.......:
ض ْير :يعني عندنا نص عام له حكم ،وجاء نص خاص له ذلك الحكم ،يعني َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
مثل ما نقول :التنصيص على بعض أفراد العام بحكم موافق لحكم العام ،هل هناك تعارض؟ ما في
تعارض ،إذن يحمل العام على الخاص وإ ال ما يحمل؟ يحمل وإ ال ما يحمل؟
الحكم واحد ،يحتاج إلى حمل ،يبقى العام على عمومه ،والخاص يندرج تحت العام في الحكم،
والتنصيص عليه للعناية به واالهتمام بشأنه.
فالمسألة في مسألة التعارض ،والمراد بالتعارض اختالف الحكم ،فتخرج مسألة ما إذا نص على
بعض أفراد العام بحكم موافق.
يقول « :فال يخلو إما أن يكونا عامين أو خاصين » أو بينهما عموم وخصوص مطلق ،أو بينهما
عموم وخصوص وجهي ،القسمة رباعية.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 234 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
« فإما أن يكونا عامين أو خاصين ،أو أحدهما عاماً واآلخر خاصاً » يعني عموم وخصوص
مطلق ،أو كل واحد منهما عاماً من وجه وخاصاً من وجه.
إذا كانا عامين أو خاصين ،أو أحدهما عام واآلخر خاص من وجه ،يعني بينهما عموم وخصوص
من وجه ،أما إذا كان بينهما عموم وخصوص مطلق هذا ما فيه إشكال ،نعم ،يوفق بينهما بحمل
العام على الخاص.
اإلشكال فيما إذا كانا عامين متساويين في العموم أو خاصين متساويين في الخصوص ،أو بينهما
عموم وخصوص وجهي ،هذا محل البحث ،أما إذا كان أحدهما عام واآلخر خاص ما فيه مشكلة؛
يحمل العام على الخاص.
الحاالت األربع التي أشار إليها المؤلف بقوله « :فال يخلو إما أن يكونا عامين » وهذه هي الحالة
األولى ،أن يكونا عامين متساويين في العموم بأن يصدق كل واحد منهما على ما يصدق عليه
اآلخر ،ومثاله :حديث بسرة بنت صفوان « :من مس ذكره فليتوضأ » [والحديث صحيح مخرج
في السنن ومصحح عند أهل العلم] ،مع حديث طلق بن علي -رضي اهلل عنه -سئل عن الرجل
يمس ذكره :أعليه الوضوء؟ قال « :ال؛ إنما هو بضعة منك » [مخرج أيضاً في السنن وصححه
جمع وحسن آخرون ،فهو أقل في الرتبة من حديث بسرة].
« فإن كانا عامين » فأمكن الجمع بينهما جمع ،وإ ن لم يمكن الجمع بينهما يتوقف فيهما إن لم يعلم
التاريخ ،فإن علم التاريخ فينسخ المتقدم بالمتأخر.
نأتي إلى مثالنا « :من مس ذكره فليتوضأ » ،سئل عن الرجل يمس ذكره أعليه الوضوء؟ قال« :
ال » :هذا تعارض بين عامين ،هل يمكن الجمع بينهما؟ هل يمكن؟ بعضهم جمع ،صحيح ،جمع
بحمل األمر بالوضوء على أيش؟ على أيش؟
طالب.......:
ض ْير :ال ،على االستحباب ،والصارف لهذا األمر من الوجوب إلى َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
االستحباب الحديث الثاني ،الحديث الثاني حديث طلق ،فإن أمكن الجمع بينهما جمع ،وإ ن لم يمكن
الجمع بينهما -شيخ اإلسالم كأنه يميل إلى الجمع ويقول :إن األمر بالوضوء على سبيل االستحباب
والصارف له حديث طلق بن علي -إن لم يمكن الجمع بينهما يتوقف فيهما.
طيب ،هل نلجأ إلى التوقف لعدم إمكان الجمع قبل أن ننظر في وجوه الترجيح ،وقبل أن ننظر في
التاريخ؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 235 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
يتوقف فيهما إن لم يعلم التاريخ ،وعلى هذا يقدم القول بالنسخ -إن علم التاريخ -على التوقف،
ويقدم عليهما الترجيح إن أمكن بوجه من وجوهه الكثيرة.
اآلن لو نظرنا عرفنا مسلك شيخ اإلسالم وهو التوفيق بينهما بحمل األمر على االستحباب ،نأتي
إلى الترجيح ،أكثر أهل ،..كثير من أهل العلم -ال أقول أكثر -كثير من أهل العلم رجحوا حديث
بسرة ،وقالوا :هو أصح ،ونص على ذلك اإلمام البخاري ،وهو أيضاً أحوط ،يرجح من جهات:
األولى :ألنه أصح ،الثانية :ألنه أحوط ،والثالثة :ألنه ناقل عن البراءة األصلية.
والثاني مقرر للبراءة األصلية ،وإ ذا أردنا أن نعبر بعبارة أخرى نقول :مؤسس ،وحديث طلق بن
علي مؤكد ،أيش معنى مؤسس ومؤكد؟
حديث بسرة مؤسس لحكم جديد ،وحديث طلق بن علي مؤكد لحكم البراءة األصلية ،والتأسيس عند
أهل العلم أولى من التأكيد.
إن نظرنا إلى الترجيح حديث بسرة أرجح ،إن نظرنا إلى الجمع فقد أمكن بصنيع شيخ اإلسالم
-رحمه اهلل تعالى -بحمل األمر على االستحباب.
ننظر آخر األمور وهو النظر في التاريخ؛ لنقول بالنسخ ،أيهما أقدم؟ أيهما أقدم؟ نعم؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :ال هو هناك قرائن تدل على التاريخ ،يعني طلق بن علي قدم إلى
المدينة متى؟ في أول الهجرة في أول الهجرة فهو متقدم على حديث بسرة ،فيكون منسوخاً بحديث
بسرة.
على كل حال كل له مسلكه في التوفيق بين هذه النصوص ،وكالم شيخ اإلسالم يجمع األقوال ،وال
شك أن حديث بسرة أصح وأحوط.
مثل له أيضاً بحديث « :خيركم قرني ،ثم الذين يلونهم ،ثم الذين يلونهم » بعد ذلك؟ نعم؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :نعم « ،ويظهر فيهم السمن » الشاهد ذم من يشهد قبل أن ُيستشهد،
وجاء وصفه بأنه شر الشهود ،وجاء أيضاً « :أال أخبركم بخير الشهود ،الذي يأتي بشهادته قبل
أن يسألها » تعارض ،هذا تعارض.
جمع بينهما األول يذم من يؤدي الشهادة قبل أن يستشهد إذا كان من له الشهادة عالم بهذه الشهادة،
إذا كان صاحب الشأن -صاحب الحق -يعرف أن عندك شهادة ،حينئذ ال تؤديها إال إذا طلبت
منك.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 236 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
ويحمل الثاني على ما إذا لم يكن عالماً بها ،وحينئذ يخشى من ضياع الحق ،يخشى من ضياع
الحق ،إذا لم يكن صاحب الحق عالماً بالشهادة التي عندك فعليك أن تبادر بأدائها؛ لئال يضيع الحق.
إن لم يمكن الجمع بوجه من الوجوه ،ولم يمكن الترجيح ،ولم نعرف المتقدم من المتأخر حينئذ يحكم
بالتوقف ،والتعبير بالتوقف أولى من التعبير بالتساقط ،أولى من التعبير بالتساقط ،يعني التساقط بين
أيش؟
بين النصوص ،ويمكن أن تسقط النصوص؟
ألن هذا التعارض ليس بحقيقي ،ليس بحقيقي ،وإ نما هو فيما يظهر للمجتهد ،لذا يقول ابن حجر:
"ألن خفاء الترجيح إنما هو بالنسبة للمعتبر في الحال الراهنة ،مع احتمال أن يظهر لغيره ما خفي
عليه".
من األمثلة :قوله تعالى ﴿ :أ َْو َما َملَ َك ْت أ َْي َما ُن ُك ْم ﴾ [ سورة النساء ،اآلية ،] 3 :مع قوله -جل
ُختَْي ِن ﴾ [ سورة النساء ،اآلية ،] 23 :فاآلية األولى ﴿ :أ َْو َما
وعالَ ﴿ :-وأَن تَ ْج َم ُعواْ َب ْي َن األ ْ
ُختَْي ِن ﴾ بعمومها تشمل
َملَ َك ْت أ َْي َما ُن ُك ْم ﴾ بعمومها تشمل األختين ،والثانيةَ ﴿ :وأَن تَ ْج َم ُعواْ َب ْي َن األ ْ
ملك اليمين ،اآلية األولى ﴿ :أ َْو َما َملَ َك ْت أ َْي َما ُن ُك ْم ﴾ شاملة لألختين وغيرهما ،لكنها خاصة بملك
اليمين ،واآلية الثانية عامة في ملك اليمين والحرائر من الزوجات ،لكنها خاصة باألختين ،ويمكن
أن يجعل هذا المثال للصورة األخيرة ،وهو العموم والخصوص الوجهي ،ولذا توقف كثير من أهل
العلم للتوفيق بين هاتين اآليتين ،لماذا؟ حتى قال قائلهم :أحلتهما آية وحرمتهما آية ،أحلتهما ﴿ :أ َْو
ُختَْي ِن ﴾
َما َملَ َك ْت أ َْي َما ُن ُك ْم ﴾ [ سورة النساء ،اآلية ،] 3 :وحرمتهماَ ﴿ :وأَن تَ ْج َم ُعواْ َب ْي َن األ ْ
[ سورة النساء ،اآلية ،] 23 :وعلى كل حال يمكن يرجح التحريم؛ ألنه أحوط؛ واألبضاع
االحتياط لها مطلوب.
إن علم التاريخ نسخ المتقدم بالمتأخر -كما تقدم في مبحث األسبوع الماضي -ومثال ذلك آيتي
المصابرة ،وقوله -عليه الصالة والسالم « :-كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها » ،والعلم
اآلن َخفَّ َ
ف اللّ ُه بالتاريخ « كنت نهيتكم » فافعلوا ،واضح ،ومثله أيضاً ما جاء في آية المصابرة ﴿ َ
َعن ُك ْم ﴾ [ سورة األنفال ،اآلية .] 66 :
الحالة الثانية :أن يكون التعارض بين نطقين خاصين متساويين في الخصوص ،ومثال ذلك :حديث
جابر في صفة حج النبي -صلى اهلل عليه وسلم -أنه -عليه الصالة والسالم -صلى الظهر يوم
النحر بمكة ،قصة جابر ،قصة أو حديث جابر في صفة حج النبي -عليه الصالة والسالم -مخرجة
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 237 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
في الصحيح -صحيح مسلم" :-صلى الظهر يوم النحر بمكة" ،وحديث ابن عمر -وهو أيضاً
تعارض نطقان وإ ال فعالن؟
صحيح -أن النبي -عليه الصالة والسالم -صالها بمنىَ ،
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :صحيح ،نطقان ،في حديث جابر أن النبي -عليه الصالة والسالم-
صلى الظهر يوم النحر بمكة ،وحديث ابن عمر أن النبي -عليه الصالة والسالم -صالها بمنى،
وكالهما في الصحيح ،يقول النووي :ووجه الجمع بينهما أنه -عليه الصالة والسالم -طاف
لإلفاضة قبل الزوال ،ثم صلى الظهر بمكة ،يعني على مقتضى ما جاء في حديث جابر في أول
وقتها ،ثم رجع إلى منى فصلى بها الظهر مرة أخرى بأصحابه حينما سألوه ذلك.
الن ِب ُّي إِ َّنا أ ْ
َحلَ ْل َنا ُّها َّ
إن لم يمكن الجمع وعلم التاريخ فالثاني ناسخ ،كما في قوله -جل وعالَ ﴿ :-يا أَي َ
ِ
ور ُه َّن ﴾ [ سورة األحزاب ،اآلية ،] 50 :مع قوله -جل وعال ﴿ :-اَل اج َك الاَّل تي آتَْي َت أ ُ
ُج َ َل َك أ َْز َو َ
س ُن ُه َّن ﴾
َع َج َب َك ُح ْ َّل ِب ِه َّن ِم ْن أ َْز َو ٍ
اج َولَ ْو أ ْ ساء ِمن َب ْع ُد َواَل أَن تََبد َ َي ِح ُّل لَ َك ِّ
الن َ
[ سورة األحزاب ،اآلية ،] 52 :فالثانية ال شك أنها ناسخة لألولى ،نعم؟
طالب ....:كالم النووي...؟
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :كيف؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :يعني مثل ما كان معاذ يصلي مع النبي -صلى اهلل عليه وسلم -ثم
يصلي بقومه ،فيه إشكال؟ فيه مشكلة؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :نافلة إيه ،لذا يختلفون في صالة المفترض خلف المتنفل ،يقول الناظم
من االختيارات:
وعند أبي العباس ذلك جائز *** لفعل معاذ مع صحابة أحمد
يصلي بهم نفالً وهم ذوو فريضة *** وقد كان قد صلى الفرض خلف محمد
المقصود أن المسألة ما فيها إشكال؛ كونك تصلي فريضة ،ثم تعيدها نافلة عند قومك أو معهم ما
فيه إشكال « ،إذا صليتما في رحالكما » ،ثم جئت والجماعة قد صلوا صلي معهم ما فيه إشكال.
إن لم يمكن الجمع وال عرف التاريخ فالترجيح.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 238 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
الترجيح :زواج النبي -عليه الصالة والسالم -بميمونة -ميمونة بنت الحارث -في الصحيح من
حديثها أن النبي -عليه الصالة والسالم -تزوجها وهو حالل ،ومن حديث أبي رافع كذلك ،نعم؟
وأيش هو؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :حديث ميمونة ،تزوجها النبي -عليه الصالة والسالم -وهو حالل،
من حديثها ومن حديث أبي رافع ،لكن ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس أن النبي -عليه
الصالة والسالم -زوجها وهو محرم ،تزوجها وهو محرم" .
هنا الترجيح ،رجح أهل العلم حديث ميمونة وحديث أبي رافع على حديث ابن عباس؛ ألن ميمونة
صاحبة القصة -صاحبة الشأن -اإلنسان يضبط ما يتعلق به أكثر من ضبطه لما يتعلق بغيره،
فميمونة صاحبة الشأن ال شك أنها تضبط هذه القصة أكثر من ضبط ابن عباس ،وأبو رافع كان
السفير بينهما -بين النبي -عليه الصالة والسالم -وميمونة -الرسول ،سفير بينهما ،ورافع سفير
بينهما -يعني رسول أرسله النبي -عليه الصالة والسالم -يخطبها -فالمقصود أنه له عالقة
بالقصة ،فحديث ميمونة وما يشهد له من حديث أبي رافع مرجح.
أوجه الترجيح كثيرة جداً ،يعني يرجح أهل العلم أحياناً بأدنى مرجح؛ قد يحتاج إلى أدنى مرجح
لماذا؟ لرفع التعارض بين النصوص ،ولذا كثرت المرجحات عند أهل العلم.
الحازمي في (مقدمة االعتبار في معرفة الناسخ والمنسوخ من اآلثار) ،ذكر خمسين وجهاً من
وجوه الترجيح ،خمسين وجهاً من وجوه الترجيح.
وأوصلها الحافظ العراقي -رحمه اهلل تعالى -إلى المائة ،لكن السيوطي حصرها في ثمانية أقسام،
وجعل تحت كل قسم فروع ،أقسام رئيسية؛ لتكون القسمة حاصرة يسهل يعني ضبط هذه األقسام
وهذه األوجه باألقسام الرئيسية ،ثم ما تفرع عنها ،وأحياناً نحتاج إلى الترجيح بالقشة؛ ألن الترجيح
مهما كان ضعفه أولى من التوقف ،على أن من أهل العلم من يستروح ويميل إلى العمل بالنصين
معاً ،يعمل بهذا أحياناً وبهذا أحياناً إذا خفي الترجيح ،وبعضهم يتوقف ،هذا إذا أمكن العمل
بالنصين ،أما إذا لم يمكن العمل بأن كان التعارض كلياً فإنه حينئذ ال يلجأ لمثل هذا.
إذا كان التعارض بين نطقين أحدهما عام واآلخر خاص هذا ما فيه إشكال ،ما في إشكال في هذه
الحالة ،ونؤكد على مسألة التعارض؛ ألنه قد يذكر العام ويأتي نص خاص موافق له في الحكم ،هذا
ما نحتاج إلى كبير عمل ،ما نحتاج إلى أي عمل بالنسبة لهذا؛ ألن التنصيص على بعض أفراد
العام ال يقتضي التخصيص لعدم وجود التعارض.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 239 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
إذا تعارض نطقان أحدهما عام واآلخر خاص ،يعني عموم وخصوص كلي ،حينئذ يخص العام
فيخص العام بالخاص :مثلوا لذلك
ّ بالخاص ،ولذا يقول :وإ ن كان أحدهما عاماً واآلخر خاصاً
بحديث « فيما سقت السماء العشر » ،فيما سقت السماء العشر » [الحديث متفق عليه] :وهو عام
في القليل والكثير مما تخرجه األرض ،يخصصه حديث « :ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة »
[وهو أيضاً متفق عليه]
ط ُعواْ أ َْي ِد َي ُه َما ﴾ [ سورة المائدة ،اآلية : ] 38 : الس ِ
ارقَ ُة فَا ْق َ ق َو َّ الس ِ
ار ُ من أمثلته :قوله تعالىَ ﴿ :و َّ
السارق :جنس يطلق على من أخذ من مال غيره خفية ،حتى قال بعضهم :من حرز ،ال يعني أن
هذا الكالم ،..أن الحرز ليس بشرط ،ال ،شرط ،لكن قال بعضهم :إن الحرز يؤخذ من لفظ السرقة،
السرقة يقولون :من مفهومها األخذ بخفية من حرز ،لكن ليس من مفهومها النصاب ،فالمسروق
يشمل القليل والكثير ،يخصصه حديث « :ال تقطع يد السارق إال في ربع دينار فصاعداً » هذا
خاص لما يبلغ النصاب.
الحالة الرابعة :وهي التي تحتاج إلى مزيد بحث وعناية وانتباه ،وهي فيما إذا كان التعارض بين
نصين بينهما عموم وخصوص وجهي.
يقول « :وإ ن كان كل واحد منهما عاماً من وجه وخاصاً من وجه ،فيخص عموم كل واحد منهما
بخصوص اآلخر » هذه آخر الصور ،وهي أعقدها ،فتحتاج إلى مزيد انتباه ،نعم عرضنا لها في
مناسبات كثيرة ،ومثلنا لها ونظَّرنا ،لكنها تحتاج إلى مزيد انتباه؛ ألنها من أعقد مسائل األصول.
أيش يقول المؤلف؟
« وإ ن كان كل واحد منهما عاماً من وجه وخاصاً من وجه ،فيخص عموم كل واحد منهما
َّص َن
اجا َيتََرب ْ ين ُيتََوفَّ ْو َن ِمن ُك ْم َو َي َذ ُر َ
ون أ َْز َو ً بخصوص اآلخر » عندنا في قوله تعالىَ ﴿ :والَّ ِذ َ
متوفى عنها،
ً ش ًرا ﴾ [ سورة البقرة ،اآلية ،] 234 :هذا عام في كل ِبأَنفُ ِس ِه َّن أ َْر َب َع َة أَ ْ
ش ُه ٍر َو َع ْ
سواء كانت حامالً أو حائالً ،لكنه خاص بالمتوفى عنها.
ً سواء كانت حامالً أو غير حامل،
ً
متوفى عنها من حامل وحائل ،وخصوص هذه اآلية يكمن في كون عموم هذه اآلية في شمولها كل
ً
متوفى عنها ال غير. هذه المرأة
ً
ض ْع َن َح ْملَ ُه َّن ﴾ [ سورة الطالق ،اآلية :
َجلُ ُه َّن أَن َي َ َحم ِ
ال أ َ ت اأْل ْ َ
مع قوله -جل وعالَ ﴿ :-وأ ُْواَل ُ
سواء كان الفراق بسبب الطالق أو الوفاة ،لكنه خاص بأوالت
ً ،] 4هذه اآلية عامة في كل مفارقة،
األحمال ،ظاهر ما بين النصين من التعارض؟ ظاهر ما بينهما من العموم و الخصوص؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 240 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
يعني إذا جاءك شخص قال :إن أباه توفي نعم ،وترك أمه وهي حبلى ،يعني لو قلتَ ﴿ :والَِّذ َ
ين
ش ًرا ﴾ في أحد بينتقدك؟ ألنك َّص َن ِبأَنفُ ِس ِه َّن أ َْر َب َع َة أَ ْ
ش ُه ٍر َو َع ْ اجا َيتََرب ْ ُيتََوفَّ ْو َن ِمن ُك ْم َو َي َذ ُر َ
ون أ َْز َو ً
متوفى عنها يلزمها أن تتربص أربعة أشهر وعشراً ،يعني لو لم استدللت بنص قطعي باآلية ،هذه
ً
يرد في الباب إال هذه اآلية ،نعم ،لكن للطرف اآلخر أن يقول :ال يا أخي يقول اهلل -جل وعال﴿ :-
متوفى عنها ،وهذه ض ْع َن َح ْملَ ُه َّن ﴾ ،واآلية األولى تتناول كل
َجلُ ُه َّن أَن َي َ َحم ِ
ال أ َ
ً ت اأْل ْ َ
َوأ ُْواَل ُ
المذكورة في السؤال فرد من أفراد من توفي عنهن ،كما أنها فرد من أفراد اآلية الثانية -أوالت
األحمال-؛ ألنها حبلى –حامل -ظاهر وإ ال ما هو بظاهر؟
يعني ليس استدالل من استدل باآلية األولى أولى بالقبول ممن استدل باآلية الثانية ،وهنا يكمن
الصعوبة في مثل هذه الصورة.
تفضل ِّأذن.
متوفى عنها تتربص أربعة أقول :هذه المسألة تحتاج إلى مزيد انتباه؛ اآلية األولى تدل على أن كل
ً
أشهر وعشر ليال ،وتشمل بعمومها الحامل وغير الحامل ،لكنها خاصة بالمتوفى عنها ،واآلية
سواء كانت بمفارقة أو طالق ،لكنها خاصة بأوالت األحمال.
ً الثانية تشمل كل مفارقة
هنا عموم وخصوص وجهي ،ماذا يقول المؤلف؟
« فيخص عموم كل واحد منهما بخصوص اآلخر » يخص عموم كل واحد منهما بخصوص
اآلخر :أنا ال أستوعب مثل هذا الكالم ،كيف يخص عموم كل واحد منهما بخصوص اآلخر؟
اآلن التساوي من كل وجه ،التساوي من كل وجه ،فإذا خصصنا عموم اآلية األولى بخصوص
اآلية الثانية قال لنا الطرف اآلخر :ال يا أخي ،لماذا ال نخصص عموم اآلية الثانية بخصوص اآلية
األولى؟
ظاهر وإ ال ما هو بظاهر؟ إذن نحتاج إلى أيش؟
مرجح خارجي من غير النصين ،نحتاج إلى مرجح خارجي من غير هذين النصين؛ ألننا كوننا
نرجح خصوص عموم اآلية األولى بخصوص اآلية الثانية والعكس ما سوينا شيئاً ،ما يمكن في
متوفى عنها وحامل ،ال بد أن مثل هذا المثال الذي بين أيدينا ،إذا قال لك شخص :واهلل هذه زوجة
ً
متوفى عنها ال بد أن تمكث أربعة تمكث أربعة أشهر وعشراً؛ ألن اآلية األولى تدل على ذلك ،هي
ً
أشهر وعشراً ،يقول لك الثاني :ال ،هذه ذات حمل ،واهلل -سبحانه وتعالى -يقول:
ض ْع َن َح ْملَ ُه َّن ﴾ :هذا خاص بذوات األحمال ،نقول :فيه عموم من
َجلُ ُه َّن أَن َي َ َحم ِ
ال أ َ ت اأْل ْ َ
﴿ َوأ ُْواَل ُ
وجه آخر ،وهو أنه شامل للمتوفى عنها والمطلقات.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 241 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
إذن نحتاج إلى مرجح خارجي ،يعني لوجود مثل هذا التعارض قال بعضهم :المتوفى عنها الحامل
تعتد بأيش؟
بأقصى األجلين؛ لتخرج من العدة بيقين ،يعني لو بعد شهر ولدت تخرج من العدة؟
على هذا الكالم ما تخرج حتى تمكث أربعة أشهر وعشراً ،إذا ولدت بعد سبعة أشهر تخرج من
العدة إذا أكملت أربعة أشهر وعشراً؟
ال ،حتى تضع الحمل؛ قيل بذلك ،ثم ارتفع هذا الخالف وأجمع أهل العلم على أن الحامل المتوفى
عنها تخرج من العدة بأيش؟ بوضع الحمل؛ والمرجح حديث سبيعة ،حديث سبيعة األسلمية -وهو
في الصحيحين -حديث سبيعة األسلمية أنها كانت تحت سعد بن خولة ،وهو من بني عامر بن
لؤي ،وكان ممن شهد بدراً فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل ،فلم تنشب أن وضعت حملها
للخطَّاب ،فدخل عليها أبو السنابل ابن بعكك
بعد وفاته -يعني بيسير -فلما تعلت من نفاسها تجملت ُ
-رجل من بني عبد الدار -فقال لها :ما لي أراك متجملة ،لعلك ترجين للنكاح ،واهلل ما أنت بناكح
علي ثيابي حين
حتى يمر عليك أربعة أشهر وعشراً ،قالت سبيعة" :فلما قال لي ذلك ،جمعت ّ
أمسيت ،فأتيت رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -فسألته عن ذلك ،فأفتاني بأني قد حللت حين
وضعت حملي ،وأمرني بالتزويج إن بدا لي" ،هذا مرجح أليش؟
اجا ين ُيتََوفَّ ْو َن ِمن ُك ْم َو َي َذ ُر َ
ون أ َْز َو ً لكون الحامل المتوفى عنها كالمطلقة ،فتخرج من عمومَ ﴿ :والَّ ِذ َ
ش ًرا ﴾ لهذا الحديث الخاص ،فاحتجنا إلى مرجح خارجي. َّص َن ِبأَنفُ ِس ِه َّن أ َْر َب َع َة أَ ْ
ش ُه ٍر َو َع ْ َيتََرب ْ
يقول ابن دقيق العيد -وهذا الكتاب الذي يشرح فيه ابن دقيق العيد العمدة خير ما يتمرن عليه طالب
العلم في ربط الفروع باألصول -يعني هذا الكتاب -صحيح فيه صعوبة ،الكتاب فيه صعوبة ،لكن
فائدته عظمى ،يعني الذي ينفق عليه وقتاً طويالً ويفهمه ،يستفيد فائدة ال تقدر؛ فيه كالم ال يوجد في
المطوالت ،حواشي الصنعاني عليه أيضاً نافعة ،لكن العبرة بكالم ابن دقيق العيد -اسمعوا ما يقول
ابن دقيق العيد :في الحديث دليل على أن الحامل تنقضي عدتها بوضع الحمل أي وقت كان ،وهو
مذهب فقهاء األمصار ،وقال بعضهم من المتقدمين :إن عدتها أقصى األجلين ،فإن تقدم وضع
الحمل على تمام أربعة أشهر وعشراً انتظرت تمامها ،وإ ن تقدمت األربعة األشهر والعشر على
وضع الحمل انتظرت وضع الحمل ،وقيل :إن بعض المتأخرين من المالكية :اختار هذا المذهب،
وهو سحنون.
ين ُيتََوفَّ ْو َن ِمن ُك ْم ﴾ اآلية ،مع قوله تعالى:
وسبب الخالف :تعارض عموم قوله تعالىَ ﴿ :والَِّذ َ
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 242 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
في مقابل عموم أحاديث النهي ،فإذا قال الحنفي أو المالكي أو الحنبلي :أحاديث النهي خاصة،
وأحاديث ذوات األسباب عامة -وله أن يقول ذلك؛ ألن فيها عموم وخصوص -يقول له الطرف
األخر :أحاديث ذوات األسباب خاصة ،يعني في هذه الصلوات ،وهي عامة في األوقات ،فليس
قبول قول أحدهما بأولى بالقبول من قول اآلخر؛ هما قوالن متكافئان من كل وجه من حيث
النصوص ،العموم والخصوص وجهي ،ظاهر التعارض و إال ما هو بظاهر؟ ظاهر؟
يعني للحنفي أو الحنبلي أو المالكي أن يقول :أحاديث ذوات األسباب عامة ،وأحاديث النهي
خاصة ،وكالمه صحيح؛ أحاديث ذوات األسباب عامة في األوقات ،وأحاديث النهي خاصة في هذه
األوقات ،للطرف اآلخر –الشافعي -يقول :العكس أحاديث النهي عامة في جميع الصلوات،ـ
وأحاديث ذوات األسباب خاصة بهذه الصلوات ،وليس قول أحدهما بأولى بالقبول من اآلخر،
وعرفنا السبب أن العموم والخصوص وجهي ،وبهذا نعرف أن من يتعرض لبحث هذه المسألة
ويقول :عموم وخصوص ،والخاص مقدم على العام ،ويأتي يتنفل في أي وقت هذا كالم فيه ما فيه.
أقول :في الطرفين عموم وخصوص ،وال يمكن التوفيق بين هذه النصوص إال بمرجح خارجي،
يعني إذا أردنا أن نسلك ما قاله المؤلف ،نخصص عموم أحدهما بخصوص اآلخر ،كيف نخصص
عموم أحدهما؟ يمكن؟ ما يمكن ،إذن ال بد من مرجح خارجي ،هناك في المسألة األولى طلبنا
مرجحاً خارجياً فوجدنا حديث سبيعة.
هنا نحتاج إلى مرجح خارجي ،الذين يمنعون من إيقاع النوافل في هذه األوقات ولو كانت ذوات
أسباب يقولون :الحظر مقدم على اإلباحة ،أنت أمرت بالصالة إذا دخلت المسجد ،لكن من الذي
نهاك عن الصالة في هذه األوقات؟ أليس هو الذي أمرك؟
يقولون :الحظر مقدم على اإلباحة ،ال شك أن النهي ويلتحق به قواعد :درء المفاسد مقدم على
جلب المصالح ،فعلى هذا نترك المحظور ،وإ ن ترتب عليه ترك مأمور؛ ألنه في الحديث الصحيح:
« إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ،وإ ذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه> » ،فال شك أن القائل:
بأن الحظر مقدم على اإلباحة يوافق عليه الشافعية ،وبهذا يرجح قول األئمة الثالثة ،وهو أن الداخل
إلى المسجد ال يتنفل في األوقات الخمسة ،من هذه الحيثية رجحوا بهذا بالقاعدة ،بالمقابل للشافعية
أن يقولوا -أن يرجحوا قولهم بقواعد أخرى -يقولون :العموم المحفوظ أولى من العموم الذي دخله
الخصوص ،فالعموم المحفوظ أقوى؛ ألن العموم يضعف بقدر ما يدخله من المخصصات ،وعموم
أحاديث ذوات األسباب محفوظ وإ ن دخله خصوص أحاديث النهي ،يعني نستحضر خصوص
أحاديث النهي وأنه دخل عموم أحاديث ذوات األسباب ،لكن ما دخل عموم أحاديث النهي من
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 244 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
المخصصات أكثر مما دخل عموم أحاديث ذوات األسباب من المخصصات ،فعلى هذا يبقى عموم
أحاديث ذوات األسباب أقوى من عموم أحاديث النهي ،وبهذا يرجح الشافعية مذهبهم.
وما زالت المسألة من عضل المسائل ،حتى قال جمع من أهل العلم :ال تدخل المسجد في أوقات
النهي؛ لئال تقع في الحرج؛ ألنك إن صليت عارضت حديث النهي ،وحديث النهي صحيح ،وإ ن
جلست عارضت األمر ،..أو النهي عن الجلوس حتى تصلي ركعتين.
قال بعضهم :ال تدخل في أوقات النهي؛ دفعاً لهذا الحرج ،وبعضهم قال :ادخل لكن ال تجلس،
المسألة من عضل المسائل فيما قرره أهل العلم ،ليست من السهولة بمكان بحيث يدخل اإلنسان قبل
غروب الشمس بخمس دقائق ويتنفل ،ونفسه تطيب بهذا ومرتاح وما كأنه خالف شيئاً ،بعض أهل
العلم يقول :ال تدخل في هذا الوقت؛ منعاً للحرج ،وبعضهم يقول :إذا دخلت ال تجلس.
قول الظاهرية في هذا غير معتبر؛ ألنهم يقولون :إذا دخلت اضطجع ،فما تصير جلست وال صليت
في وقت النهي ،لكنه الئق بمذهبهم.
على كل حال نعود إلى المسألة وهي تحتاج إلى مزيد مرجحات ،والمرجح مع من يعمل بأحاديث
النهي ،وهم الجمهور ،ويمنعون من الصالة في أوقات النهي.
ِّ
المرجح عرفناه ،أن الحظر مقدم على اإلباحة ،أن تأتي بصالة ،صحيح أنك أمرت بها ،لكن من
الذي نهاك عن الصالة في هذه األوقات؟ هو الذي أمرك ،والنهي أقوى من األمر عند أهل العلم،
ودليله كما ذكرنا « :إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه> ما استطعتم » ،أنا ال أستطيع أن أصلي في وقت
النهي؛ ألني منهي عن الصالة في هذا الوقت « ،وإ ذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه> » ما في مثناوية.
للقول ،..لمن يقول بالقول اآلخر مرجحه ،وهو قول معتبر عند أهل العلم ،لكن ليس من السهولة
بمكان أن يدخل اإلنسان في أي وقت يتنفل ونفسه تطيب بذلك ومرتاح ،ال.
والذي أرجحه أن أوقات النهي الموسعة األمر فيه سعة ،يعني إذا دخلت بعد صالة الصبح تنفل،
دخلت بعد صالة العصر تنفل؛ ألنك مأمور بأن تتنفل ،صحيح أنك منهي ،لكن ليس مثل النهي عن
الصالة في األوقات المضيقة؛ ألن النهي عن الصالة في األوقات الموسعة قرر أهل العلم كابن عبد
البر وابن رجب وغيرهم أن النهي عن الصالة في الوقتين الموسعين ،نعم؛ لئال يسترسل اإلنسان
فيصلي في األوقات المضيقة ،فالنهي عن الصالة فيها من باب منع الوسائل ،والنهي عن الصالة
في األوقات المضيقة الثالثة ،وهي أشد ،النهي فيها أشد؛ ألن النهي فيها عن الصالة وعن الدفن
-دفن األموات -بينما الوقتين الموسعين األمر فيهما أوسع؛ وقد أقر النبي -عليه الصالة والسالم-
من قضى راتبة الصبح بعد صالة الصبح ،مع أنه وقت نهي.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 245 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
وقضى النبي -عليه الصالة والسالم -راتبة الظهر بعد صالة العصر ،فدل على أن األمر فيه
أوسع ،بينما إذا طلعت الشمس بازغة حتى ترتفع هذا وقت ذروة بالنسبة للنهي ،حين يقوم قائم
الظهيرة حتى تزول أيضاً وقت ذروة ،ومثله حين تتضيف الشمس للغروب ،وهي أوقات قصيرة،
يعني ال تزيد على ربع ساعة في المواطن الثالثة ،يعني اإلنسان يتحرى في هذه األوقات وال
يصلي.
من صور هذه المسألة أو من أمثلة هذه الصورةـ الرابعة « :من بدل دينه فاقتلوه » «،من بدل دينه
فاقتلوه » مع ما جاء في النهي عن قتل النساء والذرية « ،من بدل دينه فاقتلوه » عام في الرجال
والنساء؛ ألن (من) من صيغ العموم « ،من بدل دينه فاقتلوه » عام في الرجال والنساء ،خاص
بمن؟ بالمرتد ،خاص بالمرتد ،فعمومه في الذكور واإلناث ،وخصوصه بالمرتدين ،والنهي عن قتل
النساء ،عمومه في المرتدات والكوافر األصليات ،فهو عام من هذه الحيثية وخصوصه في النساء
دون الرجال.
يعني إذا قال قائل :هذه امرأة مرتدة ،قال :تقتل؛ « من بدل دينه فاقتلوه » يرد عليه بالنهي عن
قتل النساء ،النهي عن قتل النساء ،من قال :تقتل معه دليل؛ معه عموم حديث « من بدل دينه
فاقتلوه » ومن قال :ال تقتل معه عموم حديث النهي عن قتل النساء.
لكن خصوص « من بدل دينه » يتناول هذه المرأة التي ارتدت وإ ال ال؟ وعموم النص الثاني النهي
عن قتل النساء يتناولها أيضاً فال تقتل ،فهناك عموم وخصوص وجهي.
إذن نحتاج إلى مرجح خارجي ،كيف نأتي بمرجح خارجي؟
نقول :مثل ما قلنا سابقاً :إن العموم المحفوظ أولى وأقوى من العموم المخصوص ،النهي عن قتل
النساء عمومه محفوظ وإ ال مخصوص؟ مخصوص بأشياء كثيرة؛ المرأة إذا قتلت تقتل وإ ال ما
تقتل؟ تقتل مع إمكان دخولها في النهي عن قتل النساء.
المرأة المحصنة إذا زنت ترجم وإ ال ما ترجم؟ ترجم مع إمكان دخولها في عموم النهي عن قتل
النساء ،فعموم النهي عن قتل النساء مخصوص؛ دخله مخصصات ،فضعف في مقابل عموم النهي
عن قتل النساء ،وضعف عن عموم ،..صار أضعف من عموم حديث « :من بدل دينه فاقتلوه »
وعلى هذا تقتل المرتدة وهو قول الجمهور ،خالفاً للحنفية.
كم باقي على اإلقامة؟
طالب.......:
واهلل أعلم ،وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 246 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
الرابع عشر
الدرس ّ
ّ
الحمد هلل رب العالمين ،وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،أما بعد :فقد
قال المؤلف -رحمه اهلل تعالى:-
وإ ما اإلجماع فهو اتفاق علماء أهل العصر على الحادثة ،ونعني بالعلماء الفقهاء ،ونعني
بالحادثة الحادثة الشرعية ،وإ جماع هذه األمة حجة دون غيرها لقوله « :ال تجتمع أمتي على
ضاللة » ،والشرع ورد بعصمة هذه األمة ،واإلجماع حجة على العصر الثاني وفي أي عصر
كان ،وال يشترط في حجيته> انقراض العصر ،فإن قلنا :انقراض العصر شرط.
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :على الصحيح ،عندك على الصحيح؟
طالب :ال.
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :عندكم؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :وال يشترط انقراض العصر على الصحيح.
فإن قلنا :انقراض العصر شرط يعتبر قول من ولد في حياتهم وتفقه ،وصار من أهل االجتهاد،
ولهم على هذا القول أن يرجعوا عن ذلك الحكم ،واإلجماع يصح بقولهم وبفعلهم وبقول البعض
وبفعل البعض ،وانتشار ذلك القول أو الفعل ،وسكوت الباقين عليه ،وقول الواحد من الصحابة.
« َّ
الش ْـر ُح » :
الحمد هلل رب العالمين ،وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين :في هذا المبحث يتكلم المؤلف -رحمه اهلل تعالى -عن اإلجماع.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 247 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
واإلجماع حجة شرعية عند عامة من يعتد بقوله من أهل العلم ،ورتبته ثالث األدلة بعد الكتاب
والسنة ،وقدمه بعضهم عليهما -على الكتاب والسنة -بعض أهل العلم -ال سميا من أهل
األصول -يقدمون اإلجماع على الكتاب والسنة؛ ألن اإلجماع ال يحتمل نسخاً وال تأويالً ،بخالف
النصوص من الكتاب والسنة؛ يحتمل أن تكون منسوخة كما أنها أيضاً تحتمل التأويل ،واإلجماع
باعتباره ال بد أن يكون له مستند من الكتاب والسنة.
والحجة في الحقيقة في األصلين ،في األصلين الذين هما الكتاب والسنة ،واستمد اإلجماع حجيته
من داللة الكتاب والسنة؛ فلوالً ما ورد من أدلة الكتاب والسنة على حجية اإلجماع لما اعتددنا
باإلجماع ،فهو استمد قوته منهما ،فكيف يقدم عليهما؟
اإلجماع عرفه المؤلف -رحمه اهلل تعالى -بقوله:
« هو اتفاق علماء أهل العصر على حكم الحادثة :اتفاق علماء أهل العصر على حكم الحادثة»
وخص المؤلف العلماء بالفقهاء ،والحادثة خصها بالحادثة الشرعية ،فاإلجماع -كما هو معروف:-
مصدر أجمع يجمع إجماعاً ،من الرباعي أجمع يجمع إجماعاً ،ويطلق ويراد به أحد معنيين:
َج ِم ُعواْ أ َْم َر ُك ْم ﴾ [ سورة يونس ،اآلية : ] 71 :اعزموا
األول :العزم كما في قوله تعالى ﴿ :فَأ ْ
على أمركم ،وفي الحديث « :ال صيام لمن لم يجمع الصيام من الليل » الحديث « :ال صيام لمن
لم يجمع » :يعني يعزم وينوي ويعقد النية من الليل -وهذا معروف أنه في الفرض ،وأما النفل
فيصح من أثناء النهار على ما هو مقرر في الفقه -فيطلق ويراد به العزم كما ذكرنا ،ويطلق ويراد
به االتفاق وهو المراد هنا.
تعريف المؤلف « :اتفاق علماء أهل العصر على حكم الحادثة » يريد باالتفاق هنا ما يراد في
اإلجماع؛ ألنه بصدد تعريفه ،وهو اتفاق جميع المجتهدين من علماء هذه األمة في عصر من
العصور على حكم الحادثة الشرعية ،هذا هو المراد به هنا ،وإ ن أطلق بعضهم االتفاق وأراد به
اتفاق األئمة األربعة؛ ألن هذه مسائل اصطالحية وال مشاحة في االصطالح ،فإذا بين العالم في
مقدمة كتابه أنه إذا قال :اتفقوا -يريد بذلك األئمة األربعة -له ذلك على أن يبين ،وال مشاحة في
االصطالح.
إذا نفى الخالف فقال :بال خالف :األصل أن يكون بال خالف بين أهل العلم ،بال نزاع :بال نزاع
بين أهل العلم ،وال نعلم في هذا خالفاً :أيضاً بين أهل العلم ،لكن قد يطلق أهل العلم هذه األلفاظ:
بال خالف :يعني في المذهب ،بال نزاع :في روايات المذهب إلى آخره ،بين أتباع المذهب..
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 248 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
المقصود أنه األصل إذا أثبت االتفاق واإلجماع فالمراد به اتفاق علماء األمة ،وإ ذا نفي الخالف
فالمراد خالفهم ،هذا هو الحقيقة في الباب ،لكن إذا اصطلح أحد على غير ذلك وبين اصطالحه فال
مشاحة حينئذ في االصطالح ،وهو موجود نعم ،موجود يقول :بال نزاع :والمراد به بين أتباع هذا
المذهب ،بال خالف :بين روايات المذهب وال اختالف ،هذا ال يدخل فيما معنا.
يطلق اإلجماع ويراد به قول األكثر ،المبحوث هنا ،المراد باإلجماع قول الكل ،قول جميع علماء
العصر ،والمراد بذلك المجتهدين من الفقهاء ،لكن قد يطلق اإلجماع ويراد به قول األكثر ،وهذا
معروف عند اإلمام ابن جرير الطبري -رحمه اهلل -وهذا كثير ملحوظ في تفسيره؛ ألنه يذكر
الخالف ،يذكر الخالف ،يذكر قول األكثر ،ثم يذكر قول المخالف ،ثم يقول :والصوابـ في ذلك
عندنا كذا؛ إلجماع القرأة على ذلك ،كيف يقول إلجماع وقد ذكر الخالف؟ نعم ،كيف يقول إلجماع
القرأة إلجماع العلماء ،إلجماع الفقهاء ،إلجماع المفسرين ،وقد ذكر الخالف هو بنفسه؟ هو يرى
أن اإلجماع قول األكثر ،وهذا قول انفرد به عن غيره رحمة اهلل عليه.
العلماء الذين يعتنون أو يعنون بنقل اإلجماع ونفي الخالف -كابن المنذر وابن عبد البر والنووي
وابن قدامة -يلهجون بذكر اإلجماع بكثرة ،وابن حزم له مؤلف في اإلجماع ،ابن المنذر له مؤلف
في اإلجماع.
المقصود أن هذه كلمة يلهج بها كثير من أهل العلم ،مع أنها ال تُسلَّم لهم كل دعاواهم؛ قد ينقل ابن
المنذر اإلجماع ثم يوقف على مخالف ،وقد ينقل ابن عبد البر اإلجماع على مسألة مع وجود
المخالف ،ومثلهم ،..أقول مثل ذلك بالنسبة البن قدامة والنووي ،والنووي -رحمة اهلل عليه -واسع
الخطو في هذا الباب ،متساهل في نقل اإلجماع أكثر من غيره ،فقد يذكر اإلجماع وينقله في مسائل
سواء كان بين العلماء عامة من مذهبه
ً الخالف فيها واضح -في مسائل اشتهر فيها الخالف-
وغيره ،أو الخالف في مذهبه -مذهب الشافعي -وقد ينقل الخالف هو ،وقد ينقل الخالف ،لكن إن
كان نقله للخالف عن الظاهرية مثالً ،أو عن من ال يعتد بقوله ،فال اعتراض؛ كثيراً ما يقول:
واإلجماع قائم على كذا ،وأجمع العلماء على كذا ،وينقل قول الظاهرية ،هذا ال اعتراض عليه
لماذا؟ ألنه نص في شرح مسلم على أنه ال يعتد بقول داود ،لماذا؟ ألنه ال يرى القياس الذي هو أحد
أركان االجتهاد ،لكن قد ينقل اإلجماع والخالف معتبر.
في مسائل كثيرة منها يقول -رحمه اهلل" :-عيادة المريض سنة باإلجماع" ،مع أن اإلمام البخاري
ترجم في صحيحه باب وجوب عيادة المريض .وقال" :صالة الكسوف سنة باإلجماع" ،مع أن أبا
عوانة في صحيحه قال :باب وجوب صالة الكسوف ،هل نقول إن مثل هذا الخالف خفي على
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 249 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
النووي؟ إن خفي عليه ما في صحيح أبي عوانة ،ال يخفى عليه ما في صحيح البخاري -رحمه
اهلل -لكن هم البشر ،ال بد من الغفلة ،ال بد من الغفلة.
اإلمام الشافعي -رحمه اهلل تعالى -نفى الخالف ،وقال :ال يعلم خالفاً في عدم وجوب الزكاة في
البقر إذا لم تبلغ الثالثين ،والخالف معروف بين الصحابة في العشر .واإلمام مالك -رحمه اهلل
تعالى -في الموطأ ذكر أنه ال يعلم خالفاً في مسألة رد اليمين على المدعي ،والخالف معروف بين
قضاة عصره ،كابن أبي ليلى وابن شبرمة.
على كل حال هم بشر ،هم بشر ال يتصور أن يحيطوا بكل مسائل العلم ،وبكل أقوال العلماء.
مثل هذه االستدراكات على هؤالء األئمة جعلت مثل الشوكاني -رحمه اهلل -في نيل األوطار
يقول :هذه الدعاوى التي يدعيها بعض أهل العلم –يعني يكثرون منها ،من دعاوى اإلجماع -قال:
كل هذا يجعل طالب العلم ال يهاب اإلجماع ،ال يهاب اإلجماع.
على أنه على طالب العلم أن يهاب اإلجماع ،فإذا ذكر اإلجماع ،على طالب العلم أن يقف ،وال
يتسرع وال يتعجل ،يبحث إن ُو ِجد مخالف ،يبحث عن دليله ،إن كان له حظ من النظر نظر فيه،
وإ ال فاإلجماع له هيبته؛ ألنه حجة عند من يعتد بقوله من أهل العلم.
المؤلف -رحمه اهلل تعالى -قال « :ونعني بالعلماء الفقهاء :نعني بالعلماء الفقهاء » وعلى هذا
ال يعتبر اتفاق غيرهم -والغير يشمل جميع التخصصات ،وإ ن كانت شرعية -فال عبرة بإجماع
المفسرين ،وال عبرة بإجماع المحدثين ،وال عبرة بإجماع علماء العقيدة ،كل هذا على ِّ
حد كالمه
-رحمه اهلل تعالى « -ونعني بالعلماء الفقهاء » نعم من كانت همته مصروفة لرواية الحديث دون
درايته وال التفقه منه ،ومن كانت همته مصروفة لفهم كالم اهلل -عز وجل -دون التفقه ،يعني فهم
المعاني وربط ،..وتحريرها لفظياً من غير استنباط منها واستدالالً بها ،ما يبعد كالمه ،لكن الفقهاء
الحقيقيون هم العلماء وهم المفسرون ،وهم المحدثون ،نعم ،ما عرف انفكاك هذه الجهات من
بعضها بحيث يكون عالماً في علم ،عامياً في علم إال في العصور المتأخرة ،وإ ال فاألصل أن العلوم
الشرعية مترابطة مترابطة؛ الفقيه على أي شيء يبني فقهه؟ على نصوص الكتاب والسنة ،الفقيه
إنما يبني فقهه على نصوص الكتاب والسنة.
كيف يكون فقيهاً وهو ال عالقة له وال دراية بكالم اهلل -عز وجل -وال كيف يعتمد في األحكام
ويؤصل ويؤسس وهو ال بضاعة له من سنة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم؟
وعلى هذا قوله « :العلماء » المقصود بهم من يجمع هذه العلوم بحيث يكون فقيهاً معتمداً على
نصوص الكتاب والسنة ،والمراد بالعلماء المجتهدون لماذا؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 250 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
ألن المقلد ال عبرة بوفاقه وال خالفه ،المقلد ال عبرة بقوله وفاقاً وال خالفاً؛ ألنه تابع لغيره ،فضالً
عن العوام ،إذا كان من يعرف المسائل الفقهية من أول باب في كتب الفقه إلى آخر باب من
الطهارة إلى اإلقرار ،لكن تفقهه على جهة التقليد وقبول قول الغير من غير حجة ،مثل هذا ال عبرة
به؛ العبرة بالمقلَّد ،أما المقلد ال عبرة به ،ولذا نقل ابن عبد البر اإلجماع على أن المقلد ليس من أهل
العلم؛ المقلد في حكم الناقل لقول غيره.
فالمراد باتفاق العلماء :العلماء المجتهدين ،والمراد بعلماء العصر :علماء الزمانَّ ،
قل أو كثر،
إجماع العلماء ،إجماع طبقة من أهل العلم وجدوا في عصر واحد متقاربون في السن والتحمل
واألخذ من الشيوخ -هذه طبقة -إذا انقرضوا جاء العصر الثاني ،وإ ال لو لم نقل بهذا قلنا :إن األمة
كلها طبقة واحدة؛ ألنها مترابطة يذهب هذا ويخلفه هذا.
يقول « :على حكم الحادثة ،ونعني بالحادثة الحادثة الشرعية » هذا المبحث وهو االتفاق
واإلجماع تبحث فيه من الناحية الشرعية ،يستدل به على األحكام الشرعية ،فال يحتج به في
األحكام على األمور العادية ،األمور العادية ،لو نظرنا في إشارات المرور وجدنا اإلجماع قائم في
دول العالم كلها على األلوان الثالثة ،صح وإ ال ال؟ نعم؟ فيه بلد يختلف عن هذا؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :أنا ما سافرت ،وال رحت وال جيت ،لكن هذا المستفيض ،في بلد
يختلف عن األلوان الثالثة األحمر واألصفر واألخضر؟
طالب.......:
ض ْير :ما فيه ،إذن هذا إجماع ،هذا إجماع ،لو جاء في بلد من البلدان شخص َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
مسؤول عن المرور أو ملك أو شيئاً من هذا قال :واهلل العالم كله على هذا الترتيب ،أنا اقلب
الترتيب ،اعكسوه ،نقول :يأثم لمخالفته اإلجماع؟
طالب.......:
ض ْير :ال ،لماذا؟ ألنه ليس من المسائل الشرعية ،هذه أمور عادية َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
اصطالحية ،وال مشاحة في االصطالح ،وال يعني هذا الكالم أننا ال نلتزم بما تدل عليه هذه
اإلشارات؛ ألن الشخص يسمع مثل هذا الكالم ويخلط ،يفهم من هذا الكالم أنه يمشي يقطع اإلشارة؛
وهذه أمور عادية وال فيها اجتماع ،وال إجماع وال شيء ،نعم؟
طالب.......:
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 251 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :قد يسمع هذا الكالم وال يوفق لفهمه ،الكالم منصب على أنه لو رأى
ولي أمر في بلد من البلدان أنه يغير الترتيب هذا ،اللون األخضر للوقوف ،واألحمر للمشي ،أو
األصفر وإ لى آخره ،نقول :يأثم؛ ألنه خالف اإلجماع؟ ال يأثم ،ومعنى هذا أنه يغير نظام هذه
األمور من قبل من تلزم طاعته.
لكن لو جاء شخص –فرد -وقال :العالم كله مجمع على أن اإلشارة إذا صارت حمراء يقف ،أنا ما
نبغاها إال إذا صارت خضراء ،يأثم وإ ال ما يأثم؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :نعم؟
طالب.......:
ض ْير :هذه مخالفة صريحة ،وضررها ظاهر ومصلحتها ظاهرة ،إذن أهل َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
العلم يقولون :يأثم للمخالفة ،وهذه مسألة وتلك مسألة أخرى.
المقصود أن اإلجماع هنا يراد به اإلجماع على المسائل الشرعية ،والمراد بالعلماء علماء هذه
األمة ،فال يعتبر اتفاق علماء الشرائع السابقة ،ولو قيل :إن اإلجماع من خصائص هذه األمة التي
فيها حصول االتفاق واتحاد الكلمة ،..األمم السابقة قد يتفقون على المخالفة لشرائعهم وهذا ظاهر،
يتفق العلماء -إن استحقوا هذا الوصف -على مخالفة النص ،أو على تحريف النص ،ويتتابعون
عليه ،فاألمم السابقة ليست معصومة ،ولذا ذكر الحافظ ابن كثير -رحمه اهلل تعالى -أن عشرة من
النصارى اجتمعوا لبحث مسألة ،اتفقوا فصدروا عن أحد عشر قوالً ،هذا ذكره الحافظ بن كثير
-رحمه اهلل تعالى -عشرة اجتمعوا لبحث مسألة فصدروا عن أحد عشر قوالً.
ومما ينبغي إضافته إلى الحد ما قرره أهل العلم من أن اإلجماع المعتبر ال بد أن يكون بعد وفاة
النبي -صلى اهلل عليه وسلم -بعد وفاته -عليه الصالة والسالم-؛ ألنه في حياته الدليل يحصل
بسنته -عليه الصالة والسالم -من قول أو فعل أو تقرير؛ فلسنا بحاجة إلى اتفاق غيره مع قوله
-عليه الصالة والسالم.-
اإلجماع ،..قد يقول قائل كيف يتصور اإلجماع؟
صعب
اإلجماع في عصر الصحابة وقت اجتماعهم بالمدينة ممكن ،وبعد تفرقهم في األمصار ُ
تصور اإلجماع ،وأصعب منه من جاء بعد الصحابة ،بعد انتشار العلماء في األقطار المترامية
األطراف من شرق األرض وغربها مع صعوبة االتصال ،ولذا أنكر بعضهم وقوع اإلجماع ،وال
شك أن اإلجماع واقع ،والدليل على ذلك حصوله في مسائل كثيرة ،مسائل نقل فيها اإلجماع،
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 252 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
والنقل مطابق للواقع ،النقل مطابق للواقع ،كثير من المسائل التي نقل فيها اإلجماع مطابق للواقع،
يعني المسائل التي نقل فيها اإلجماع وخرم هذا اإلجماع قليلة بالنسبة للمسائل التي اختلف فيها
العلماء ،والناظم -رحمه اهلل -ذكر مثال بعد أن عرف اإلجماع بقوله:
إجماع :أجمع أهل العلم على تقديم الدين على اإلرث ،مسائل كثيرة حصل فيها اإلجماع ،أجمعوا
على تحريم الزنا ،تحريم شرب المسكر ،تحريم الربا ،أجمعوا على إباحة شرب الماء ،إباحة أكل
الخبز وما أشبه ذلك ،هذه مسائل حصل فيها اإلجماع ولم يخالف فيها أحد ،المقصود أنه واقع واقع.
بعض أهل العلم جعل اإلجماع من قبيل المستحيل؛ ال سيما بعد أن تفرق الناس ،ولذا منهم من يرى
أن اإلجماع المعتبر إجماع الصحابة دون غيرهم.
يقول -رحمه اهلل تعالى « :-وإ جماع هذه األمة حجة دون غيرها لقوله –صلى اهلل عليه وسلم:-
« ال تجتمع أمتي على ضاللة » والشرع ورد بعصمة> هذه األمة » اإلجماع مثل ما تقدم حجة
قطعية شرعية ،يجب العمل به على كل مسلم ،بل هو ثالث األدلة ،وعرفنا أن بعضهم بالغ حتى
قدمه على النصوص؛ ألنه ال يحتمل نسخاً وال تأويالً بخالف النصوص؛ ألنها تحتمل ،وعرفنا أنه
لو لوال النصوص لما حصل اإلجماع ،إذ ال بد في كل إجماع من مستند من الكتاب أو السنة،
علمناه أو خفي علينا.
إذا نقل اإلجماع في المسألة ولم نعرف لها دليالً جزمنا بأن لها دليالً ولو لم نطلع عليه ،وإ ذا أجمع
أهل العلم على ترك العمل بخبر ثابت جزمنا بأن هذا الخبر منسوخ بدليل شرعي ،ولو لم نطلع
عليه؛ دلنا على وجوده هذا اإلجماع ،فاإلجماع دلنا على وجود ناسخ ،وإ ال كما تقدم النسخ من
خصائص النصوص واإلجماع ال ينسخ وال ُينسخ ،نعم؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :أيش؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :إيه.
طالب.......:
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 253 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :االحتمال قائم ،نعم ،االحتمال قائم ويتداوله األئمة وال ينتقدونه ،نعم،
ويمر على علماء األمة ،وال في أحد يقول :ال خالف فالن ،هذا يثبت إجماعاً ،معنى هذا أن األمة
فرطت في دينها ،واألمة معصومة من التفريط في شيء من دينها.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :ال ،وتداوله الناس ،صار فيه فرصة ألن يتداوله الناس ولم يطلعوا
على مخالف!!
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :إذا لم يكن له سلف يكن آثم ،إذا لم يكن له سلف ال يجوز له إحداث
قول جديد ،نعم؟
طالب :كيف نعول قول اإلمام أحمد....؟
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :يعني بعد انتشار األمة في األقطار في...
طالب :هل مستند اإلجماع األول إجماع الصحابة...؟
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :هذه رواية في المذهب ،هذه رواية في المذهب أن اإلجماع المعتبر
إجماع الصحابة؛ ألنهم هم الذين يمكن حصرهم وحصر أقوالهم ،وأما األمة تفرقت شذر مذر،
يعني من في األندلس كيف يتسنى له أن يطلع على أقوال علماء اليمن ،أو علماء خراسان ،أو ما
أشبه ذلك ،نعم؟
طالب :يا شيخ أحسن اهلل إليك :يوجد بعض اإلجماعات من الصحابة األئمة على خالفها مثل يا
شيخ تارك الصالة مثل ....نقل اإلجماع عن الصحابة بعض األئمة المتقدمين المعتبرين ،ولكن
األئمة على خالف ....كيف نعوله يا شيخ؟
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :يعني كانوا ال يرون شيئاً تركه كفر ،شيئاً من األعمال تركه كفر إال
الصالة ،معروف أنه إذا قيل :كانوا ،المراد به الصحابة ،وجود الخالف من إمام معتبر ،أو من
أئمة معتبرين ،نعم ،وجود هذا الخالف يدل على خلل في هذا اإلجماع إما في حقيقته أو في نقله،
إما في حقيقته أو في نقله ،وجود مثل هذا الخالف.
الترمذي -رحمه اهلل تعالى -في (علل الجامع) قال :إنه ال يوجد حديث في كتابي أجمع العلماء
على ترك العمل به سوى حديثين األول :أيش؟ الجمع ،الجمع من غير سفر وال مط،ر حديث ابن
عباس ،وهو حديث صحيح مخرج في صحيح مسلم ،الثاني :قتل الشارب ،قتل المدمن في المرة
الرابعة أو الخامسة في حديث معاوية وغيره ،أحاديث صحيحة ،أجمع العلماء على ترك العمل بها
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 254 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
ونقل اإلجماع ،يعني الترمذي نقله ،والنووي نقله لكن المخالف موجود؛ من أهل العلم من يرى قتل
الشارب في المرة الرابعة أو الخامسة ،منهم من يراه حد ،شرب في األولى يجلد ،ثم يجلد ،ثم يجلد،
ثم ،..ثم يقتل ،نعم ،وممن يرى قتله ابن حزم وجمع من أهل العلم ،لكن شيخ اإلسالم يرى أنه ليس
بحد وإ نما هو تعزير ،وأيده ابن القيم؛ يرى أن قتل الشارب المدمن من باب التعزير ،وأنه إذا لم
يرتدع بالجلد فإنه يقتل.
على كل حال مثل هذه النقول اآلن موقف أهل العلم من األحاديث التي أجمع العلماء على ترك
العمل بها ،هل نقول :إن األمة ردت على النبي -عليه الصالة والسالم -قوله؟ أو نقول إن هذا
اإلجماع دل على وجود ناسخ ولو لم نطلع عليه؟
دل على وجود ناسخ ولو لم نطلع عليه؛ ألنه ال يتصور أن األمة ترد كذا معاندة الرسول يقول كذا،
يقولون :بدنا نجمع على خالفه ،فقول الرسول ال يرد إال بقوله -عليه الصالة والسالم.-
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :إيه.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :أيش لون؟
طالب.......:
ض ْير :إيه ،لكن مع ذلك نتحرى ونتثبت في اإلجماع؛ الكالم على اإلجماع َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
الذي له حظ من النظر ،واقع بالفعل وليس له مخالف ،ال بد أن نقول :إنه ،..هذا يجعلنا نزيد في
البحث عن وجود معارض للدليل.
كالم من يقول :إن اإلجماع مقدم على النصوص ،يعني ما فيه إال أنه سوء أدب في التعبير؛ يعني
سوء أدب في التعبير؛ ألن اإلجماع مستند على نصوص فكيف يقدم عليها.
أيضاً يهاب اإلنسان أن يقول :إن اإلجماع وكالم الناس مقدم على قال اهلل وقال رسوله ،لكن إذا
نظرت بعين البصيرة والواقع أنه إذا أجمع ،واإلجماع مستند إلى نص ،صار التقديم للنص الذي
اعتمد عليه اإلجماع ،واتفاق علماء األمة على حكم من األحكام يدلنا على أن النص الثاني الذي من
الكتاب أو من السنة إما منسوخ أو مؤول.
طالب :أال يشترط العلم بالناسخ؟
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :ال ما يشترط وين ،في مثل هذه الحالة إذا أجمع أهل العلم على ترك
حديث ،نعم ،ما يشترط العلم بالناسخ ،وأيش تسوي؟ تترك اإلجماع وإ ال تترك النص؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 255 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
تقول :هذا اإلجماع وقد اشترط لإلجماع أن يعتمد على نص ،ما في إجماع بدون نص ،إذا لم نطلع
على هذا النص الذي اعتمد عليه اإلجماع نتهم أنفسنا نقول :هذا اإلجماع له مستند ولو لم نطلع
عليه ،لقصورنا أو تقصيرنا.
طالب :يا شيخ من لم َير العمل باإلجماع هل يبدع أو يفسق؟
ض ْير :أما اإلجماع اتفاق األمة ال شك أنه حجة ،يعني ال يراه مع األدلة التي الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ َّ
سو َل ِمن َب ْع ِد
الر ُ
ق َّ شِ
اق ِ نسوقها؟! ألنهم قالوا :من األدلة على حجية اإلجماع قوله تعالىَ ﴿ :و َمن ُي َ
ين ُنولِّ ِه ما تَولَّى و ُنص ِل ِه جه َّنم وس ْ ِ ِ س ِب ِ>
يرا ﴾ اءت َمص ً يل ا ْل ُم ْؤ ِمن َ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ َّن َل ُه ا ْل ُه َدى َو َيتَِّب ْ>ع َغ ْي َر َ
َما تََبي َ
[ سورة النساء ،اآلية ،] 115 :يتبع غير سبيل المؤمنين ،وسبيل المؤمنين على قول واحد ،ثم
ص ِل ِه َج َه َّن َم ﴾. ِ
يأتي فيحدث قول جديدُ ﴿ :ن َولِّه َما تََولَّى َو ُن ْ
طالب.......:
ض ْير :أنت اآلن أثبِت حجيته ،ثم ثبوته مرحلة ثانية ،فال تستدل وال تحتج إال َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
بما ثبت.
الحديث الذي أشار إليه المؤلف « :ال تجتمع أمتي على ضاللة » :أيضاً يدل على حجية اإلجماع،
وهو حديث مخرج عند أبي داود والترمذي وال يسلم من مقال ،لكنه له طرق تشد بعضها بعضاً،
تدل على أن له أصالً ،والشرع ورد بعصمة هذه األمة -كما قال المؤلف -لألدلة التي ذكرها
ولغيرها.
يقول -رحمه اهلل تعالى:-
« واإلجماع حجة على العصر الثاني وفي أي عصر كان » من الزم كون اإلجماع حجة قطعية أن
يلزم أهل العصر الثاني ،مقتضاه هو العمل به ،فإذا أجمع الصحابة -رضوانـ اهلل عليهم -على
حكم شرعي حينئذ ليس للتابعين أن يخالفوا هذا اإلجماع ،بل هو حجة عليهم وعلى من بعدهم في
أي عصر من العصور ،وهكذا.
ثم قال « :وال يشترط انقراض العصر على الصحيح » قوله « :على الصحيح » يدل على أن
هناك من يشترط ،وإ ن كان مرجوحاً إال أن هناك قول يقول باشتراط انقراض العصر.
« فإن قلنا :انقراض العصر شرط يعتبر قول من ولد في حياتهم وتفقه -هذا كالم المؤلف-
وصار من أهل االجتهاد ،ولهم أن يرجعوا عن ذلك الحكم » خالص ما دام وجد قبل انقراضهم
فإنه ال ينعقد إجماعاً.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 256 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
ذهب جمهور العلماء إلى عدم اشتراط انقراض العصر فينعقد اإلجماع بمجرد اتفاق المجتهدين ولو
كانوا أحياء ،فال تجوز حينئذ مخالفتهم؛ ألن أدلة حجية اإلجماع ال توجب وال تشير ،وليس فيها
إشارة إلى انقراض العصر.
واإلجماع ،..وألن اإلجماع هو االتفاق بين العلماء المجتهدين في عصر من العصور ،وقد حصل،
فإذا حصل هذا االتفاق من المجتهدين كلهم فقد حصلت حقيقة اإلجماع.
ذهب بعض الشافعية ورواية عن اإلمام أحمد إلى أنه يشترط انقراض العصر ،ووجه اشتراطه
احتمال رجوع بعض المجتهدين عن رأيه ،بعض المجتهدين متفق ،هو في األصل متفق مع
العلماء ،ثم يتبين له من أدلة المسألة ما يرجح له خالف ما قاله أوالً ،وإ ذا ترجح لديه خالف ما
ذهب إليه أوالً فإنه حينئذ يؤول األمر إلى الخالف ،وإ ذا وجد الخالف فال إجماع ،لكن الراجح هو
القول األول ،ولذا قال المصنف « :هو الصحيح ».
وفي قوله « :فإن قلنا انقراض العصر شرط » بيان لثمرة الخالف ،وتتمثل في أمرين :
األول :اعتبار قول من ولد في عصر المجمعين وبلغ رتبة االجتهاد في حياتهم أو في حياة بعضهم،
فله أن يخالف وال يعد مخالفاً لإلجماع؛ ألنه لم ينعقد؛ ألنه ما انقرض العصر ،ما مات جميع
المجتهدين بقي بعضهم ،ولد من تفقه ووصل إلى درجة االجتهاد ثم خالفهم ،ذا في الحقيقة العصر
استوعب اإلجماع السابق ومن لحق بهم فيما بعد ووجد منه الخالف ،هذه ثمرة الخالف.
فإذا قلنا :إنه يشترط انقراض العصر اعتددنا بقول المخالف ،وإ ن جاء بعدهم ،يعني ممن ولد في
حياتهم ،وإ ذا قلنا بعدم االشتراط ،إذا قلنا بعدم االشتراط لم نعتدد ،نعم ،وإ ذا قلنا باالشتراط اعتددنا
به.
الفائدة والثمرة الثانية :أن للمجمعين أن يرجعوا عن الحكم الذي أجمعوا عليه ،وال يعد ذلك نقضاً
لإلجماع؛ ألنه لم يستقر ،ومعروف أن رجوعهم إنما هو إلى الحق ،يعني المسألة مفترضة في
أئمة ،في علماء مجتهدين ومعول عليهم في بيان الحالل والحرام ،ال يكون رجوعهم عن هوى أو
تحت ضغط أو تأثير؛ هذا ال عبرة به ،لكن المسألة مفترضة في علماء أئمة تجردوا للدين ولنصره
وبيان ما أمروا ببيانه من الشرع ،للمجمعين أن يرجعوا عن الحكم الذي أجمعوا عليه ،وال يعد ذلك
نقضاً لإلجماع؛ ألنه لم يستقر ،وعلى القول األول ليس ألحدهم أن يرجع بعد حصول االتفاق.
ثم قال -رحمه اهلل تعالى....:-
طالب :القول الثاني يكون......قد يوجد مخالف ما دام ما انقضى العصر؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 257 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :االحتمال أنه يوجد بعدهم مخالف ،على كل حال القول الصحيح أنه ال
يشترط.
« واإلجماع يصح بقولهم » يعني بقول العلماء المجتهدين « ،وبفعلهم » أيضاً ،وبقول البعض
« وبفعل البعض ،وانتشار ذلك » القول « وسكوت الباقين عنه -هذا كالم المؤلف -واإلجماع
يصح بقولهم وبفعلهم ،وبقول البعض ،وبفعل البعض وانتشار القول أو الفعل وسكوت الباقين»
عنه يعني أن اإلجماع يصح بقول المجتهدين في حكم من األحكام أنه حالل أو حرام ،أو واجب أو
مندوب ،أو غير ذلك ،وهذا هو اإلجماع القولي المعتد به عند أهل العلم.
وأما الثاني وهو الذي يسمى باإلجماع السكوتي ،ويكون بقول البعض أو فعل البعض ،وانتشار ذلك
القول أو الفعل وسكوت الباقين عليه ،ويسمى اإلجماع السكوتي ،والعلماء يختلفون في حجيته
ولزوم العمل به.
ذهب أكثر الشافعية والمالكية وهذه رواية عن أحمد إلى أنه إجماع ،يعني فعل عالم فعالً أو قال
قوالً وانتشر ولم يخالف -وهذا كثير ما يستدل به أهل العلم -قاله فالن وال يعرف له مخالف ،فهو
إجماع ،يعني عند ابن قدامة كثير وعند غيره ،وهذا يسمى اإلجماع السكوتي.
فالقول األول إلى أنه إجماع له حكم اإلجماع النطقي؛ تنزيالً للسكوت منزلة الرضى ،لكن أال
يسكت العالم لمصلحة راجحة يراها؟ نعم ،قد يسكت العالم لمصلحة يراها ،لكن قد يقول قائل هذا
القول :إنه إن سكت فالن ما سكت الثاني ،فال بد من قائم هلل بحجة ،ما يمكن أن يسكت الناس كلهم
على خطأ.
منهم من يقول :هو حجة يلزم العمل به وليس بإجماع؛ لرجحان الموافقة بالسكوت على المخالفة،
يعني رجحان الموافقة تجعلنا نقول :إن إصابة هذا السكوت صار غلبة ظن ،وغلبة الظن موجبة
للعمل ،وإ ن لم توجب القطعية.
يقول :وليس إجماعاً؛ ألن حقيقة اإلجماع لم تتحقق فيه ،وقيل :ليس بحجة وال إجماع ،لماذا؟ ألن
الساكت ساكت ،ما يدرى أيش عنده ،وال ينسب لساكت قول.
إلى غير ذلك من األقوال التي أوردها الشوكاني في إرشاد الفحول ،أورد منها اثني عشر قوالً،
إرشاد الفحول للشوكاني هنا أورد اثني عشر قوالً في هذه المسألة :القول األول :أنه إجماع :هنا
يقول :القول األول :إنه ليس بإجماع وال حجة قاله داود الظاهري وابنه والمرتضى وعزاه
القاضي ..إلى آخره ،إنه ليس بإجماع ،وال حجة.
الثاني :أنه إجماع وحجة ،وبه قال جماعة من الشافعية.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 258 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
واهلل أعلم ،وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحمد هلل رب العالمين ،وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،أما بعد :فقد
قال المؤلف -رحمه اهلل تعالى:-
وقول الواحد من الصحابة ليس حجة على غيره ،على القول الجديد ،وأما األخبار فالخبر ما
يدخله الصدق والكذب ،والخبر ينقسم إلى آحاد ومتواتر ،فالمتواتر :ما يوجب العلم :وهو أن
يرويه جماعة ال يقع التواطؤ على الكذب عن مثلهم ،وهكذا إلى أن ينتهي إلى المخبر عنه،
فيكون في األصل عن مشاهدة أو سماع ال عن اجتهاد.
واآلحاد :هو الذي يوجب العمل وال يوجب العلم؛ الحتمال الخطأ فيه ،وينقسم إلى قسمين :مرسل
ومسند ،فالمسند :ما اتصل إسناده ،والمرسل :ما لم يتصل> إسناده ،فإن كان من مراسيل> غير
المسيب؛ فإنها فتشت فوجدت مسانيد.
ّ الصحابة فليس بحجة ،إال مراسيل سعيد بن
والعنعنة :تدخل على األسانيد ،وإ ذا قرأ الشيخ يجوز للراوي أن يقول :حدثني أو أخبرني ،وإ ن
قرأ هو على الشيخ فيقول :أخبرني وال يقول حدثني >،وإ ن أجازه الشيخ من غير قراءة فيقول
الراوي :أجازني أو أخبرني> إجازة.
« َّ
الش ْـر ُح » :
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 259 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
الحمد هلل رب العالمين ،وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين ،لما أنهى الكالم عن اإلجماع ،وهو من األصول المتفق عليها ،ال سيما اإلجماع النطقي
القولي المنضبط؛ ألن األمة ال تجمع على ضاللة ،ذكر بعد ذلك قول الصحابي ،وهل يحتج به أو
ال ،فقال -رحمه اهلل تعالى « :-وقول الواحد من الصحابة ليس حجة على غيره على القول
الجديد » قول الصحابي ال يخلو إما أن يكون لالجتهاد والرأي فيه مجال أو ال ،فإن لم يكن
لالجتهاد والرأي والنظر فيه مجال فقد قرر أهل العلم أن له حكم الرفع ،قرر أهل العلم أن له حكم
الرفع ،وحينئذ يكون حجة.
إذا كان لالجتهاد فيه مجال فال يخلو إما أن يخالف هذا الصحابي من قبل غيره من الصحابة،
وحينئذ يكون ليس بحجة لماذا؟؛ ألنه ليس قبول قول أحد الصحابة بأولى من قبول الصحابي
الثاني ،ليس قبول قول أحدهما بأولى من قول اآلخر ،هذا إذا عورض بمثله.
إذا قال الصحابي قوالً وال يعرف له مخالف ،إن انتشر ولم يخالَف فهو اإلجماع السكوتي الذي
سبق القول فيه ،الشوكاني ذكر فيه أثني عشر قوالً على ما تقدم.
إذا قال الصحابي قوالً ولم ينتشر فيما يغلب على الظن ال يوجد في هذه المسألة سوى قول هذا
الصحابي ،ليس فيها نص مرفوع والمسألة مما للرأي فيه مجال ولم يعرف له مخالف من جنسه،
فهذا محل الخالف مما لم ينتشر ،هذا محل الخالف.
يقول المؤلف -رحمه اهلل تعالى « :-ليس حجة على غيره على القول الجديد » يعني من قولي
الشافعي ،والقول الجديد عند الشافعية :هو ما قرره واعتنى به وأفتى به في مصر ،بينما القول
القديم هي أقوال اإلمام الشافعي في العراق ،والمعتمد عند الشافعية المقرر عندهم أن الفتوى على
الجديد؛ ألن آخر االجتهادين هو المعمول به عندهم إال في مسائل يسيرة يفتون فيها على القول
القديم وهي مدونة ،هذه المسائل مدونة في مقدمة المجموع للنووي وفي األشباه والنظائر للسيوطي
وغيرهما ،ومنظومة أيضاً.
المقصود أن الشافعي في قوله الجديد يرى أن قول الصحابي ليس بحجة ،لماذا؟؛ ألن الحجة
الملزمة في النصوص الشرعية -في الكتاب والسنة -والصحابي ليس بمعصوم عن الخطأ؛
الصحابي لم تضمن عصمته ليكون قوله غير قابل للنقيض للخطأ ،وما دام االحتمال قائماً -احتمال
النقيض وهو الخطأ -فإنه حينئذ يكون قوله ليس بحجة ،وهذا هو القول الجديد عند الشافعية ،وهو
رواية عن أحمد ،واختارها جمع من الحنابلة.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 260 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
والقول الثاني :وهو القول القديم لإلمام الشافعي ورواية عن أحمد أنه حجة ،وبهذا قال جمع من
أهل العلم؛ ألن الصحابة الذين عاصروا التنزيل وعاشوا مع النبي -عليه الصالة والسالم-
وعرفوا المقاصد من قرب ،وأثنى عليهم اهلل -جل وعال -في كتابه ،وأثنى عليهم النبي -عليه
الصالة والسالم -في سنته هم أولى باإلصابة من غيرهم ،هم أولى باإلصابة من غيرهم ،والمسألة
مفترضة فيما ال نص فيه ،أما ما فيه نص فالعمدة النص ،فإذا تجردت المسألة عن النص ،فعلى
القول الثاني قبول قول الصحابي أولى من اجتهاد غيره من التابعين فمن دونهم.
من أهل العلم من يرى أن الحجة في قول الخلفاء الراشدين؛ يستدل هؤالء بحديث « :عليكم بسنتي
وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ » إلى آخر الحديث.
وهناك قول رابع في المسألة :وهو أن الحجة في قول أبي بكر وعمر -رضي اهلل عنهما -لحديث:
« اقتدوا باللذين من بعدي ».
ويستدل أصحاب القول الثاني بما ذكرنا من أن اجتهاد الصحابي الذي عاصر التنزيل ،وعرف
المقاصد من قرب ،وعايش النبي -عليه الصالة والسالم -قوله أولى باإلصابة من قول غيره؛
ويستدل بعضهم لهذا القول بحديث « :أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم » [هذا ضعيف
باتفاق الحفاظ ،فال حجة فيه].
عرفنا القول بعدم االحتجاج بقول الصحابي بعد أن حررنا محل النزاع ،عدم االحتجاج به وهو قول
الشافعي في الجديد ورواية عن اإلمام أحمد.
القول الثاني :وهو االحتجاج به فيما خال من النصوص ،في المسائل التي خلت من النصوص ولما
ذكرنا ،وأيضاً رواية عن اإلمام أحمد ،وهو القول القديم لإلمام الشافعي ،ونصره ابن القيم في
إعالم الموقعين ،وهناك من يقول :الحجة في قول الخلفاء الراشدين؛ لألمر باألخذ بسنتهم.
ومن أهل العلم من يقصر الحجية في قول أبي بكر وعمر لقوله -عليه الصالة والسالم:-
« اقتدوا باللذين من بعدي ».
المقصود أن المسألة خالفية ،واألصل أن الحجة والعمدة في الدين على الكتاب والسنة ،لكن إذا
افترضنا مسألة ما فيها شيء من النصوص ال من الكتاب وال السنة ،وجدنا فيها قول صحابي ،هل
نعمل بقول هذا الصحابي؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 261 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
من األصول التي يعتمد عليها اإلمام أحمد اعتماد قول الصحابي ،ويستدل به ويفتي بمضمونه
كثيراً ،وهو أيضاً مقتضى عمل األئمة غير اإلمام أحمد فإن كتب الفقه طافحة بأقوال الصحابة
يعتمدون عليها ويستدلون بها.
ال شك أن الصحابة خير القرون ،وهم أدرى من غيرهم في الجملة ،وإ ن كان من النصوص ما يدل
على أنه قد يوجد ،قد يوجد -وهذه للتقليل -ممن يأتي بعد الصحابة من هو أوعى من بعض
الصحابة ،ال نقول من الصحابة كلهم ،من بعض الصحابة ،و « رب مبلغ أوعى من سامع ».
ال شك أن من يعمل في مسألة فيها قول صحابي ،ويقدمه على اجتهاده أنه ال يالم ،المسألة مثل ما
كررنا مفترضة في مسألة خالية من النصوص من الكتاب والسنة ،من اقتدى بصحابي فهو على
خير إن شاء اهلل تعالى ،لكن من رد قول الصحابي وقال :الحجة بالكتاب والسنة ال يالم ال يالم؛
ألن الصحابة غير معصومين.
بعد هذا يقول المؤلف -رحمه اهلل تعالى « :-األخبار » يقول « :وأما األخبار فالخبر ما يدخله
الصدق والكذب :األخبار » جمع خبر ،وعرفه المؤلف بتعريفه عند أهل البالغة :ما يدخله الصدق
والكذب ،هذا في األصل ،ما يدخله الصدق والكذب لذاته ،وبغض النظر عن قائله ،لذاته بغض
النظر عن قائله؛ فقد يكون الخبر وهو في األصل يحتمل الصدق والكذب ،لكونه صادراً عن من ال
يكذب ال يحتمل إال الصدق ،كأخبار اهلل -عز وجل -وأخبار نبيه -عليه الصالة والسالم -لكنها
في الجملة خبر؛ ألنها تحتمل بغض النظر عن القائل.
هناك من أخبارهم ال تحتمل الصدق كمسيلمة الكذاب ،ومن عرف عنه الكذب ،يعني وإ ن كان
االحتمال قائماً ،لكنه إذا رمي بالكذب على النبي -عليه الصالة والسالم -فإنه ُيطرح جميع ما
يرويه ،وكل خبر يأتي من قبله يكون مردوداً ،وعلى هذا ُحكماً خبره ال يحتمل الصدقُ ،حكماً وإ ن
كان االحتمال قائم لماذا؟؛ ألن النبي -عليه الصالة والسالم -قال عن الشيطان « :صدقك وهو
كذوب » ،لكن لو جاءك خبر عن شخص رمي بالكذب في الحديث ،وأنت ما تدري هل صدق في
هذا الحديث أو كذب ،ترد الخبر ،وتحكم عليه بأن الخبر موضوع؛ ألن فيه فالن وهو كذاب ،أو
وضاع فتعريفهم هذا بغض النظر عن القائل لذاته.
« والخبر ينقسم إلى آحاد ومتواتر> » ألن الخبر ال يخلو إما أن يكون مروياً من طريق عدد –
جماعة -ال يقع التواطؤ منهم على الكذب عن مثلهم ،وأسندوه إلى شيء محسوس ،ال يحتمل
تواطؤهم على الكذب ،وال بد أن يكون عن مثلهم في جميع طبقات اإلسناد ،أو يروى من طريق من
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 262 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
لم يبلغ هذا العدد الذي رفع احتمال التواطؤ على الكذب ،وإ ن شئت فقل :اآلحاد ما لم تتوافر فيه
شروط المتواتر.
فالمتواتر من التواتر وهو التتابع ،من التواتر وهو التتابع ،وعرفه المؤلف -رحمه اهلل تعالى« :-
هو أن يرويه> جماعة ال يقع التواطؤ على الكذب عن مثلهم ،وهكذا إلى أن ينتهي> المخبر عنه »
هكذا إلى أن ينتهي إلى المخبر عنه :لو اختل هذا الشرط في أي طبقة من طبقات اإلسناد ،احتمل
أن يقع التواطؤ في هذه الطبقة ،فال بد أن يكون هذا الشرط ،مستصحباً في جميع طبقات اإلسناد؛
لنجزم بأنهم لم يتواطؤا على الكذب ،وال بد من إسناده إلى شيء محسوس ،إما سماع ،أو رؤيا أو
مشاهدة ،أو غيرهما ،وال يدخل في هذا العقليات واألمور المستنبطة ومثلها اإلشاعات ،فاإلشاعات
ولو كثر ناقلوها فإنها ال تفيد العلم ،وال يقع الجزم بصدقها ما لم تتوافر فيها الشروط.
الحافظ ابن حجر -رحمه اهلل تعالى -يقول :اإلشاعات أو ما يشاع من األخبار ولو كثر ناقلوه فإنه
ال يفيد القطع ولو كثر الناقلون.
اآلن يصدر خبر من جهة ما ،ثم تتناقله وسائل اإلعالم في الشرق والغرب -ألوف مؤلفة يتناقلون
هذا الخبر -لكن هل يفيد التواتر؟ ال؛ ألن أصله ما استند إلى شيء محسوس ،ال عن رؤيا
ومشاهدة ،وال عن سماع.
عمر بن الخطاب -رضي اهلل عنه -لما دخل المدينة ووجد الناس حول المنبر ،أهل المدينة كلهم
مجتمعون حول المنبر ،والنبي -عليه الصالة والسالم -معتزل نسائه في المشربة ،وهو في
الحديث الصحيح ،أهل المدينة كلهم تناقلوا الخبر أن النبي -عليه الصالة والسالم -طلق نساءه،
النبي -عليه الصالة والسالم -حصل بينه وبين نسائه ما يحصل من البشر ،طلبوا منه مطالب فآلى
أن يعتزل النساء شهراً ،وجلس في المشربة؛ اعتزلهن ،فصدر إشاعة في المدينة أن النبي -عليه
الصالة والسالم -طلق نساءهَّ ،
فصدق الناس كلهم ،ليش صدقوا؟ ألنه اعتزل ،خالص جلس وحده
بدون نساء ،ولمدة شهر ،فوافقت هذه اإلشاعة بعض التصرفات التي قد يظن منها صدق هذه
اإلشاعة ،فصدق الناس بهذا الخبر ،فدخل النبي -عليه الصالة والسالم -بعد أن استأذن مراراً
على ،..دخل عمر -رضي اهلل عنه -بعد أن استأذن مراراً فسأله :أطلقت نساءك؟ قال « :ال »،
فثبت أن هذه مجرد إشاعة ولو كثر تناقلها.
فاإلشاعات ال يعتمد عليها ،ولو كثر ناقلوها ،ومثلها ما ينقل في مثل هذه الظروف من أخبار،
وسهلت اآلن ،سهل ترويج اإلشاعات ،والناس في مثل هذه الظروف -في أوقات الفتن -تشرأب
أنفسهم إلى تلقي مثل هذه األخبار ،وسرعان ما ينتشر الخبر في أقطار األرض.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 263 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
المقصود أن اإلشاعات ،يعني على المسلم أن يتثبت ،وأهل العلم وضعوا شروطاً شديدة لمن تقبل
روايته ومن ترد ،فال بد من اعتبارها ،فعلينا أن نعتني بهذا الباب؛ ألن اإلشاعات ضررها عظيم،
ضررها عظيم ،فالتثبت أمر ال بد منه.
يقول « :إلى المخبر عنه ،فيكون في األصل عن مشاهدة أو سماع ال عن اجتهاد » يعني المسائل
العقلية التي يتوصل فيها إلى النتائج بطريق العقل الفالسفة كلهم ألوف مؤلفة مجمعون على قدم
العالم ،وتلقاه عنهم من تلقاه عنهم ،لكن هذه مسائل عقلية ،لم تنتج ال عن مشاهدة وال سماع ،فعلى
هذا ال يفيد التواتر.
أمم األرض كلها في كتبهم -أعني من غير المسلمين -قد يجمعون على مسائل ،لكنها نتيجة
دراسات غير مبنية على شيء محسوس نتائج عقلية ،ولذا سرعان ما تنتقض؛ يأتي جيل آخر
ويدرس هذه المسألة بطريقة أخرى ،وينكشف له من األسرار واألمور ما ينسف به النظرية
السابقة ،فهذه مجرد نظريات.
« واآلحاد » جمع أحد ،اآلحاد جمع أحد ،وقد سئل ثعلب -وهو إمام من أئمة اللغة معروف :-هل
اآلحاد جمع أحد؟ فقال :حاشا أن يكون لألحد جمع ،أما أن يكون جمع الواحد فنعم ،جمع الواحد
فنعم.
ثعلب -رحمه اهلل تعالى -نظر إلى أيش؟ أيش الذي انقدح في ذهنه؟
أن األحد اسم من أسماء اهلل -عز وجل -فإذا قلنا آحاد ،معناه أن فيه أحد ،وأحد وأحد ،واألحد من
أسماء اهلل -عز وجل -هذا انقدح في ذهنه ولذلك نفى :حاشا أن يكون لألحد جمع ،لكن هذا
صحيح؟ نعم؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :كيف؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :اآلن الشهر ،كم فيه من أحد؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :هاه؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :أربعة أيش؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 264 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
آحاد ،فاألحد من األسماء المشتركة ،ليس من األسماء الخاصة باهلل -عز وجل -فالشهر فيه أربعة
معنى واحد. آحاد -جمع أحد -فعلى هذا نقول :اآلحاد جمع أحد ،واألحد والواحد
ً
ويعرفون اآلحاد -خبر الواحد -بأنه :ما اختل فيه شرط من شروط التواتر.
بعض طالب العلم ممن عرف بالغيرة على علوم الكتاب والسنة ينفي تقسيم األخبار إلى متواتر
وآحاد ،وقال :إنه دخل على علوم الحديث من األصوليين،ـ واألصوليين تلقوه من المتكلمين ،نعم،
وهدف المتكلمين من تقسيم األخبار إلى متواتر موجب للعلم القطعي الضروري،ـ وإ لى آحاد مفيد
للظن ال يفيد العلم ،وإ ن أوجب العمل ،ولذا يقول « :واآلحاد هو الذي يوجب العمل وال يوجب
العلم » هم خشوا من اآلثار واللوازمـ على هذا الكالم ،لماذا؟؛ ألن المتكلمين رتبوا أموراً ،فقالوا:
ما دام خبر الواحد ال يفيد العلم وإ نما يفيد الظن ،فالعقائد ال تثبت إال بما يوجب العلم ،فجميع ما ثبت
من أخبار اآلحاد في باب العقائد مردود ،ونفوا على ذلك كثيراً من الصفات وأموراً مما يثبت هلل
-عز وجل -مما ثبت بأخبار اآلحاد.
هؤالء الغيورون -جزاهم اهلل خيراً عن الدين وأهله -نظروا إلى هذا الالزم ،لكن هل يختلف أحد
في أن األخبار متفاوتة؛ منها ما يلزمك بتصديقه بمجرد سماعه ،ومنها ما يغلب على ظنك صدقه،
ومنها ما تتوقف فيه ،ومنها ما يغلب على ظنك كذبه ،ومنها ما تجزم بصدقه ،ومنها ما تجزم
بكذبه ،األخبار أيش؟
متفاوتة ،متفاوتة وإ ال ال؟ يعني ما يختلف الخبر من مجيئه من طريق واحد أو اثنين أو عشرة أو
مائة؟ متفاوتة ،ال يختلف في هذا أحد.
تبقى التسميات نعم ،تبقى التسميات ،متواتر وآحاد لم ينطق بها سلف هذه األمة ال الصحابة وال
التابعون ،لكن لو طردنا هذا الكالم نفينا كثير من االصطالحات العلمية في جميع العلوم الشرعية،
حتى في التفسير والحديث والفقه والعقائد ،نفينا جميع هذه االصطالحات ،إذا قلنا :ال نثبت إال ما
ثبت عن الصحابة والتابعين ،إذا عرفنا مأخذ هذه الكلمة ،ومدلول هذه الكلمة ،وما يلزم من إطالق
هذه الكلمة ،واحترزنا عن هذا الالزم ،واستعملت هذه الكلمة من األئمة الموثوقين المعتبرين ،لماذا
ال نقول :اصطالح ،وال مشاحة في االصطالح؟
شيخ اإلسالم ابن تيمية -وال يشك أحد في رسوخ قدمه في علوم الكتاب والسنة ،وفي نصر السنة،
وقمع البدع ،والرد على المبتدعة -يقسم األخبار إلى متواتر وآحاد ،ونخشى من اللوازم ،نعم ،نقسم
ونعتني بهذا التقسيم ،ونمثل له باألمثلة التي مثل بها شيخ اإلسالم وغيره ممن اعتنى بهذا التقسيم،
وال نلتزم بالالزم ،وال نلتزم بالالزم الذي لزم عليه المحظور الشرعي.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 265 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
ومعنى ،ومتواتر معنوي شيخ اإلسالم قسم إلى متواتر وآحاد ،وقسم المتواتر إلى متواتر لفظاً
ً
-معنى فقط -ومثل للمتواتر اللفظي بحديث « :من كذب » كما يمثل أهل العلم ،ومثل للمتواتر
ً
المعنوي بفضائل أبي بكر وعمر ،وفي كل مقام يمثل بمثال مناسب ،يعني في منهاج السنة
-والكتاب موضوع للدفاع عن الصحابة ال سيما أبا بكر وعمر -مثل بفضائل أبي بكر وعمر
وقال :متواتر تواتراً معنوياً.
حديث المسح على الخفين تبلغ التواتر ،حديث الشفاعة والحوض ،هل يستطيع أحد أن يدفع
تصديقها عن نفسه؟ متواترة ،لكنه تواتر معنوي.
ابن الصالح وغيره يشيرون إلى أن مثل هذا التقسيم ال يوجد عند أهل الحديث ،لماذا؟
على سبيل الخصوص التواتر ال يوجد عند أهل الحديث ،مع أنهم أثبتوا ومثلوا له ،لماذا ال يوجد
عند أهل الحديث ،المتواتر؟؛ ألنهم ليس بحاجة إليه ،الحديث يبحث في الخبر من حيث الثبوت
وعدمه ،علماء الحديث يبحثون عن األخبار من حيث الثبوت وعدمه -وعدم الثبوت -خبر متواتر
هل يحتمل الثبوت وعدمه؟ ال يحتمل إذن ال يبحثون.
فالمقصود أن إقرار مثل هذا التقسيم ال يلزم عليه أي محظور ،والشيخ أحمد شاكر لما اعتمد هذا
التقسيم -رحمه اهلل -وقال بعد ذلك :وال تنظر إلى لوازم المبتدعة فإنهم يريدون باآلحاد ويقصدون
من ورائه غير ما تقصده أنت؛ ألنهم حينما يقسمون إلى متواتر وآحاد ،ويقولون :اآلحاد ظني
يوجب العلم ،ال يوجب العلم ،إنما هو موجب للظن ،هو موجب للعمل عند جميع من يعتد بقوله من
أهل العلم ،موجب للعمل في جميع أبواب الدين ،إذا وصل إلى درجة القبول موجب للعمل عند
جميع من يعتد بقوله من أهل العلم.
إذا أوجب العمل في جميع أبواب الدين بما في ذلك العقائد واألحكام والفضائل والتفسير والقراءات
وغيرها موجب للعمل.
ننظر في مسألة العلم ،ماذا يراد بالعلم؟
العلم عندهم الذي ال يحتمل النقيض ،يعني خبر صادق مائة بالمائة ،ما يحتمل نقيض ،خالص بلغك
هذا الخبر الزم ،وال يجوز لك بحال من األحوال أن تشكك فيه؛ ألنه ال يحتمل النقيض ،إذا قلنا :هذا
العلم ،هذا هو العلم ،والظن :االحتمال الراجح -يعني الذي يغلب على الظن ثبوته -الظن هو
االحتمال الراجح ،نأتي براو من الرواة ،وليكن إمام من أئمة المسلمين مالك بن أنس نجم السنن،
مالك بن أنس نجم السنن ،يعني إذا نقل اإلمام مالك ،وجاءنا حديث من طريق اإلمام مالك نحلف
عليه ونجزم بأن اإلمام مالك ما أخطأ وال سها وال غفل ،نجزم بهذا؟ نعم؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 266 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
حفظ لمالك -رحمه اهلل تعالى -بعض األوهام ،ومادام حفظ له بعض األوهام ،وهو ما يندرج تحت
األصل المقرر في الشرع أنه غير معصوم ،ومن يعرو من الخطأ والنسيان؟ ما في ال مالك وال
غير مالك ،حفظ عليه بعض األوهام ،إذن إذا جاءك خبر من طريق مالك كم تعطيه نسبة؟ تعطيه
مائة بالمائة؟ أال يحتمل أنه وهم في هذا الخبر؟
إذن نزلت النسبة ولو واحد بالمائة ،وما دام نزل عن مائة بالمائة إلى تسعة وتسعين ثمانية وتسعين،
وقل في كثير من الثقات إلى تسعين إلى خمسة وثمانين ،إلى ثمانين هذا ظن غالب ،إذن مفيد
أليش؟ للظن.
إذا عرفنا االصطالحات وعرفنا ما يلزم على هذه االصطالحات وتنصلنا من هذه اللوازم وصار
التقسيم ،يحدد لنا األنواع بدقة ،وال يلزم عليه شيء؛ ألنها اصطالحات ،وال مشاحة في
االصطالحات ،أو في كل علم من علوم الشرع اصطالحات يعتني به أهل ذلك العلم.
إذا قلنا :إن رأي اإلمام مالك -رحمه اهلل تعالى -يحتمل الخطأ إذن اإلمام مالك -كما هو مقرر-
ليس بمعصوم ،وقل مثل هذا في من دون اإلمام مالك -رحمه اهلل -فعلى هذا خبر اإلمام مالك يفيد
الظن ،يفيد الظن الغالب.
يعني جاءك شخص من أوثق الناس عندك ،فقال :جاء زيد ،جاء زيد ،تستطيع أن تحلف أن زيداً
جاء ،كأنك رأيته أنت؟ نعم؟ هل تستطيع أن تقول :إن فالناً أخبرك -أوثق الناس عندك -بأن فالناً
من الناس زنى بفالنة ،وهو أوثق الناس عندك هل تستطيع أن تشهد عليه ،أو تحلف على أنه
زنى؟!
إذن يحتمل خبره النقيض ،فما أفادنا العلم اللي هو نتيجته مائة بالمائة ،إذن نزل عن هذه النسبة،
وهو أوثق الناس عندك ،ومثلنا بنجم السنن مالك ،إمام مجمع على إمامته وتحريه وتثبته.
أقول :خبر الواحد بهذا التقرير ،وهو بمعرفة ،..بعد معرفة العلم والظن ،ويقابل الظن الوهم ،الذي
هو االحتمال المرجوح ،واالحتمال المساوي يسمونه الشك.
أقول :إذا استوعبنا هذا التقرير ،قلنا :إن خبر الواحد ال يوجب العلم ،وإ نما يفيد الظن -هذا في
األصل -مع أنه موجب للعمل اتفاقاً بإجماع من يعتد بقوله من أهل العلم ،دع عنك من يقول :إن
خبر الواحد ال يقبل في العقائد من أشاعرة وغيرهم ،ودع عنك من ال يحتج بخبر الواحد أصالً
كالمعتزلة ،هؤالء ما لنا بهم الزم ،ما لنا بهم الزم ،هؤالء ما لنا بهم دعوة؛ ألننا ال نعتد بخالفهم،
فإذا قلنا :إنه موجب للعمل في جميع أبواب الدين ،وعرفنا وفرقنا بين العلم والظن ،وقلنا :إنه يفيد
الظن ،يبقى أنه قد يفيد العلم بالقرائن ،يفيد العلم بالقرائن ليش؟؛ ألن االحتمال -احتمال الخطأ -في
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 267 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
خبر الثقة ضعيف ،ولوال هذا االحتمال لقلنا :إنه موجب للعلم ،هذا االحتمال الضعيف إذا وجد
قرينة تقابل هذا االحتمال ارتفع هذا االحتمال ،فصار خبره موجباً للعلم ،موجباً للعلم ،وهذا ما قرره
شيخ اإلسالم ابن تيمية وابن القيم -رحمه اهلل -في الصواعق ،وابن حجر ،وجمع غفير من أهل
العلم ،يقولون :الخبر الواحد ،..وأيضاً ابن رجب في شرح البخاري في مواضع يقرر أن خبر
الواحد إذا احتفت به قرينة يوجب العلم ،أيش مفهومه؟ أنه إذا لم تحتف به قرينة فاحتمال الخطأ
قائم.
من القرائن التي قررها أهل العلم -التي تحتف بخبر الواحد حتى يصل إلى درجة إفادة العلم –
وعرفنا كيف ترقى خبر الواحد بالقرينة إلى أن يفيد العلم-؛ ألن االحتمال الذي أنزله أصالً من
إفادة العلم ضعيف ،فجاءت هذه القرينة فقاومت هذا االحتمال فكأن هذا االحتمال غير موجود،
قالوا :كون الحديث في الصحيحين أو في أحدهما هذه قرينة؛ لشدة تحري الشيخين وانتقائهما
للمتون واألسانيد.
كون الحديث مروياً بطرق متباينة سالمة من القوادح والعلل ،كون الحديث متداوالً بين األئمة
يرويه إمام عن إمام عن إمام عن إمام مالك ،أحمد عن الشافعي عن مالك؛ يعني لو وهم مالك
يحتمل أن يوافقه الشافعي على الوهم ويرويه عنه؟ ال يحتمل ،إذا وهم مالك والشافعي يوافقهم
اإلمام أحمد والحديث فيه خطأ؟ ال يمكن.
إذن هذه القرائن قابلت ذلك االحتمال فارتقى خبر الواحد إلى إفادة العلم.
يقول « :وال يوجب العلم الحتمال الخطأ فيه ،وينقسم إلى قسمين »
طالب.......:
ض ْير :معنا سفر اآلن ،فنقف على هذا ،ونكمل -إن شاء اهلل -األسبوع القادم. َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
كم باقي على األذان؟ جزاكم اهلل خيراً.
سبحانك اللهم وبحمدك ،..واهلل أعلم ،وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى
آله وصحبه أجمعين.
السادس عشر
الدرس ّ
ّ
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 268 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
بسم اهلل الرحمن الرحيم ،الحمد هلل رب العالمين ،وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد وعلى آله
وصحبه أجمعين أما بعد :فقد قال المؤلف -رحمه اهلل تعالى:-
وينقسم اآلحاد إلى قسمين :مرسل ومسند ،فالمسند :ما اتصل إسناده ،والمرسل :ما لم يتصل
إسناده ،فإن كان من مراسيل> غير الصحابة فليس بحجة ،إال مراسيل> سعيد بن المسيب؛ فإنها
فتشت فوجدت مسانيد.
والعنعنة تدخل على األسانيد ،وإ ذا قرأ الشيخ يجوز للراوي أن يقول :حدثني أو أخبرني ،وإ ن قرأ
هو على الشيخ فيقول :أخبرني >،وال يقول :حدثني ،وإ ن أجازه الشيخ من غير قراءة فيقول
الراوي :أجازني ،أو أخبرني> إجازة.
« َّ
الش ْـر ُح » :
الحمد هلل رب العالمين ،وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين ،تقدم الكالم في الحديث عن األخبار ،والمراد بها أعم من األخبار المسندة المضافة إلى
النبي -عليه الصالة والسالم -وغيره؛ فالخبر يشمل المرفوع إلى النبي -عليه الصالة والسالم-
وما أضيف إلى غيره -هذا األصل في الخبر -فهو أعم من الحديث ،لكن الذي يهمنا هنا ما يضاف
إلى النبي -عليه الصالة والسالم ،-تقدم الكالم في تقسيمه إلى متواتر وآحاد ،وذكرنا حكم
المتواتر ،وأنه موجب للعلم القطعي الضروري؛ـ ألن السامع ملزم بتصديقه من غير نظر وال
يضر،
استدالل وإ ن نازع بعض أهل العلم في وجوده ،لكن حقيقته موجودة ،والنزاع في تسميته ال ُّ
ال سيما وقد اعتمده من يعتد بقوله من أهل العلم ،وسموه بهذا االسم وعرفوه بالتعريف المعروف،
وقسموه إلى األقسام المعروفة ،ومثله قسيمه -اآلحاد -وهو ما دون المتواتر.
قال المؤلف « :هو الذي يوجب العمل وال يوجب العلم » ومضى الحديث في ذلك بالتفصيل،
والسبب في كونه يوجب العمل أن النبي -عليه الصالة والسالم -يرسل الرسل إلى القبائل وإ لى
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 269 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
البلدان وإ لى األقطار ،فلوال أن أخبارهم مقبولة موجبة للعمل لما أرسل الواحد منهم حتى يرسل
الجماعة المجموعة الذين يثبت القطع بخبرهم ،لكن خبر الواحد موجب للعمل بهذا ،وال يوجب
العلم لذاته؛ ألن العلم ما ال يحتمل النقيض ،وخبر الواحد يحتمل النقيض؛ ألنه ليس بمعصوم،
وسبق تقرير هذه المسألة ،نعم ،إن احتف بخبر الواحد قرينة أوجب العلم؛ ألن هذه القرينة تقوم في
مقابل االحتمال -احتمال النقيض وهو ضعيف ،احتمال النقيض -يعني إذا ،..ومثلنا بمالك نجم
السنن ،وقلنا :إنه ليس بمعصوم من الخطأ ،ليس بمعصوم من الوهم ،إذن يعتري حديثه ما يجعله
يخالف الواقع ،وقد وقعت له بعض األوهام ،فال يحلف على خبره ،نعم إذا احتفت به قرينة وقاومت
هذا االحتمال أوجب العلم عند أهل العلم.
ومنهم من يرى أن خبر الواحد يوجب العلم مطلقاً ،وهو قول الحسين الكرابيسي وداود الظاهري،
وبعض من أهل الحديث ،لكن حقيقة القول المعتمد الذي يميل إليه شيخ اإلسالم ابن تيمية وابن القيم
و ابن حجر وابن رجب وغيرهم من أهل العلم أن خبر الواحد إذا احتفت به قرينة -بهذا القيد-
أوجب العلم وأفاده ،وهذا مضى الكالم فيه.
ثم قال المؤلف « :وينقسم إلى قسمين » يعني خبر الواحد ينقسم إلى قسمين :مرسل ومسند.
أوالً :متى يوجب العمل خبر الواحد؟
إذا ثبت ،إذا وصل إلى درجة القبول بأن كان صحيحاً إما لذاته أو لغيره ،أو كان حسناً لذاته أو
لغيره ،يعني في دائرة القبول.
والصحيح عند أهل العلم :ما نقله العدل الضابط عن مثله مع اتصال السند من غير اتصاف بعلة
وال شذوذ ،يقول :الحافظ العراقي:
وأهل هذا الشأن قسموا السنن *** إلى صحيح وضعيف وحسن
فاألول المتصل اإلسناد *** بنقل عدل ضابط الفؤاد
عن مثله من غير ما شذوذ *** وعلة قادحة فتوذي
سواء كان صح بذاته أو لغيره بأن كان حسناً لذاته وتعددت طرقه
ً فإذا صح الخبر أوجب العمل،
أوجب العمل أيضاً ،ومثله إذا نزل قليالً عن حد الصحيح إلى درجة القبول ،مما يسمى بأدنى
الصحيح وهو الحسن ،ما لم يصل إلى الضعف ،فإذا كان حسناً لذاته أو حسناً لغيره بأن كانت
مفرداته ضعيفة ضعفاً قريباً محتمالً وتعاضدت ،قابلة لالنجبار وتعاضد بعضها مع بعض فإنها
ترتقي إلى درجة الحسن لغيره ،ويحتج به حينئذ وهو حجة -خبر الواحد -عمدة وحجة عند أهل
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 270 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
العلم ،موجب للعمل في جميع أبواب الدين ،في جميع أبواب الدين ،فتثبت به العقائد ،تثبت به
األحكام ،تثبت به اآلداب والفضائل ،يثبت به التفسير والقراءة وغير ذلك ،المقصود إذا وصل إلى
درجة القبول بمعنى أنه غلب الظن على ثبوته ،فإن العمل به واجب.
« ينقسم إلى قسمين مرسل ومسند ،فالمسند :ما اتصل إسناده » عرفنا أن من شروط القبول:
اتصال السند ،من شروط القبول :اتصال السند ،فاألول المتصل اإلسناد ،هذا أول شرط -اتصال
السند -فالذي يتصل سنده؛ بنقل العدل الضابط يعني الثقة عن مثله إلى أن ينتهي السند من غير
اتصاف بشذوذ وال علة قادحة هذا صحيح ،إذا اختل شرط -وهو شرط االتصال -بأن حصل
االنقطاع في السند -في أي طبقة من طبقات اإلسناد -حكم على الخبر بأنه ضعيف ،بأنه ضعيف؛
الختالل شرط من شروط القبول ،وهو اتصال السند.
المؤلف جرى على عادة األصوليينـ بمقابلة المسند بالمرسل ،وهو أيضاً معروف عند أهل الحديث؛
حينما يقولون :أسنده فالن وأرسله فالن ،فإذا قالوا :أسنده فالن ،مرادهم بذلك أنه وصل إسناده،
يعني رواه بسند متصل ،وإ ذا قالوا :أرسله فالن ،معناه أنه حصل أو رواه بسند فيه شيء من
االنقطاع في أي طبقة من طبقاته ،لكن أهل العلم يجعلون االنقطاع قسمين :قسم ظاهر وقسم خفي،
انقطاع ظاهر وانقطاع خفي.
اآلن المؤلف أطلق المسند بإزاء المتصل فقال « :المسند :ما اتصل إسناده » مع أن أهل الحديث
يختلفون في تعريف المسند ،فمنهم من يقول :المسند المتصل -كما هنا -ومنهم من يقول :المسند
المرفوع ،ومنهم من يقول :المسند المرفوع المتصل ،وهنا اعتمد قول الخطيب ،وهو أن المسند
المتصل.
ابن عبد البر يرى أن المسند المرفوع ،والحاكم جمع األمرين معاً فقال :هو المرفوع المتصل ،فإذا
اتصل إسناد ،..اإلسناد إلى النبي -عليه الصالة والسالم -وأضيف الخبر إليه صار مسنداً ،بينما
لو اتصل السند إلى صحابي فإنه حينئذ ال يكون مسنداً ،عند من؟ عند ابن عبد البر ،وال عند
الحاكم ،وهو مسند عند الخطيب.
على كل حال أهل األصول لهم عناية بالخطيب ،وهو قريب منهم في كثير من القواعد ،وال يقدح
فيه ،...ال يقدح في الخطيب كونه محسوباً على أهل األصول ،ال أبداً؛ ما من فن من فنون علوم
الحديث إال وقد ألف فيه كتاباً ،حتى قال أبو بكر بن نقطة " :من أنصف علم أن أهل الحديث عيال
على الخطيب في كتبه"؛ ما من باب من أبواب علوم الحديث إال وألف فيه ،يعني كونه يلتقي مع
األصوليين في كثير من القواعد واألصول التي يرجعون إليها هذا ال يضيره إن شاء اهلل تعالى.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 271 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
إذا قابلنا المسند ،وحكمنا على المسند بأنه المتصل -وهو ما يراه الخطيب ويتبعه المؤلف -فالذي
يقابل المتصل المنقطع ،وهو ما عبر عنه ببعض أنواعه وهو المرسل ،وهذا اصطالح معروف
عند أهل العلم ،حتى من المحدثين حينما يقولون :أسنده فالن ،وأرسله فالن.
وإ ن يكن أول اإلسناد حذف *** مع صيغة الجزم فتعليقاً عرف
هذا إذا حذف أول اإلسناد ،إذا حذف آخر اإلسناد ،طرفه الذي فيه الصحابي ،ورفعه التابعي إلى
النبي -عليه الصالة والسالم -هذا هو المرسل بالمعنى األخص عند أهل الحديث.
إذا كان االنقطاع في أثناء السند ،فإن كان بواحد ،أو بواحد من أكثر من موضع يعني ال على
التوالي ،يسمونه المنقطع ،فإن كان باثنين على التوالي فهو المعضل:
المعضل الساقط منه اثنان
فصاعداً ومنه قسم ثاني
هذا االنقطاع الظاهر ،هناك انقطاع خفي ،وهو الذي ال يدركه آحاد المتعلمين ،وإ نما يدرك بالخبرة
والدربة ومعاناة هذا الفن ،حتى تتكون لطالب العلم ملكة يدرك به مثل هذا السقط ،فإذا روى
الشخص عن من سمع منه أحاديث حديثاً لم يسمعه منه ،روى نافع عن ابن عمر ،سمع منه أحاديث
كثيرة جداً ،لكن روى عنه حديثاً لم يسمعه منه ،..أنت تبحث في كتب الرجال تجد كلها تنص على
أن نافع سمع من ابن عمر ،يعني من باب أولى أن يكون لقيه وعاصره إلى آخره ،هذا يسمى أيش؟
سمع منه ،سمع منه؛ ألن للراوي مع من يروي عنه أربع صور ،أربع حاالت :إما أن يسمع منه
حديثاً فيروي عنه ما لم يسمعه منه ،أو يلقاه ولم يسمع منه ،يعني لم يثبت أنه سمع منه ،فيروي
عنه ،أو يعاصره معاصرة فقط ،ولم يثبت لقاؤه له ،فيروي عنه ،أو ال تثبت المعاصرة؛ ألنها أربع
صور ،كل ٍ
راو مع من يروي عنه ،نعم ،ال يخرج عن هذه الصور األربع :إما أن يكون سمع منه،
أو يكون لقيه ،أو عاصره ،أو لم يعاصره ،القسمة ال تخلو من هذا األربع الصور.
فإذا روى عن شخص سمع منه ما لم يسمعه منه ،ومثلنا بنافع عن ابن عمر ،فهذا أيش؟ تدليس
إجماعاً هذا ،إجماعاً تدليس ،إذا روى عن من لقيه ،إذا روى عن من لقيه ما لم يسمعه منه
-والشرط في جميع الصور أن تكون الصيغة موهمة -ما يقول :سمعت وإ ال أخبرني؛ ألنه إذا
قال :سمعت وإ ال أخبرني -والمسألة مفترضة في ثقة -انتهى اإلشكال يصير سمع هذا الخبر منه،
لكن إذا أتى بصيغة موهمة ،ودلت القرائن أو دلت الطرق األخرى على أنه لم يسمعه منه ،وأتى
بصيغة موهمة ،وقد سمع منه أحاديث نقول :دلس هذا الحديث ،إذا روى عن من لقيه ما لم يسمعه
منه بصيغة موهمة أيضاً هذا تدليس ،هذا تدليس.
الصورة الثالثة :إذا روى عن شخص عاصره ولم يثبت أنه لقيه ،روى عن شخص عاصره ولم
يثبت أنه لقيه ،بمعنى أنهما وجدا في زمن واحد ،روى شخص ولد سنة مائة عن شخص مات سنة
مائة وعشرين ،عاصر وإ ال ما عاصر؟ عاصر لكن لم يثبت لنا أنه لقيه بمجرد المعاصرة ،هذا
أيش؟ إرسال خفي ،إرسال خفي وإ ن أدخله بعضهم في بعض صور التدليس ،لكنه إرسال خفي .إذا
روى عن من لم يعاصره شخص ولد سنة مائة روى عن شخص مات سنة ثمانين ،هذا تدليس؟ ال،
إرسال خفي؟ ال ،انقطاع ظاهر؟ نقول له :نعم ،انقطاع ظاهر يعرفه آحاد الطلبة؛ يعني ما في أحد
يخفى عليه أن من ولد سنة مائة ال يمكن أن يروي عن من مات سنة ثمانين ،هذا يخفى على طالب
علم؟ ما يخفى على صغار المتعلمين ،إذن هذا انقطاع ظاهر.
بعضهم يقول :إليهام الصيغة إذا روى عنه بـ(عن) يسمى تدليساً؛ إليهام الصيغة ،وهذا ذكره ابن
عبد البر في مقدمة التمهيد ،وهو قول شاذ ال يعول عليه.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 273 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
المقصود أنه إذا روى ما لم يسمعه عموماً فهو انقطاع ،روى عن شخص خبراً روى عن شخص
لم يسمعه ،إذن فيه انقطاع؛ فيه واسطة بينهم ،وهذا االنقطاع إن كان الشيخ –الراوي -قد سمع من
هذا الشيخ ،أو لقيه ،أو عاصره هذا انقطاع خفي؛ ألنك تجد في كتب الرجال أن هذا ولد سنة مائة،
وهذا مات سنة مائة وعشرين ،يعني مدرك؛ عشرين مدرك إدراكاً بيناً.
المقصود أن مثل هذا االنقطاع الخفي والظاهر ينبغي أن يالحظ في التقسيم ،وهنا أجمل فقال:
« مرسل ومسند » والمسند المتصل ،والمرسل ما عداه ،يعني المنقطع « ،فالمسند :ما اتصل
إسناده ،والمرسل :ما لم يتصل إسناده » فجعل المرسل بإزاء األقسام كلها ،المرسل الذي لم
يتصل إسناده حجة وإ ال ليس بحجة؟ نعم؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :نعم؟ نعم؟
المرسل الذي هو المرسل االصطالحي ،الذي هو مرفوع التابعي إلى النبي -عليه الصالة
والسالم -أو المرسل بالمعنى األعم؟
أهل العلم يقررون أن االنقطاع علة ،االنقطاع علة لماذا؟؛ الحتمال أن يكون الواسطة ضعيف،
الحتمال أن يكون الواسطة ضعيف ،إذن ال بد أن نعرف عين من روى عنه ،ثم بعد ذلك هل هو
ثقة نقبل ،إذا كان غير ثقة نرد ،إذا لم يذكر اسمه أصالً هل نثق بخبره؟
طالب :ال
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :إذن هو في دائرة الضعف ،ولذا يقول الحافظ العراقي لما تحدث عن
المرسل:
لكن الخالف موجود في المتقدمين حتى قال بعضهم :إن التابعين بأسرهم يقبلون المراسيل ،التابعين
بأسرهم يقبلون المراسيل ،وعلى هذا جرى اإلمام أبو حنيفة واإلمام مالك..
حتى نقل أكثر من واحد من أهل العلم اإلجماع على قبول مراسيل الصحابة ،نقل اإلجماع على
قبول مراسيل الصحابة.
أبو إسحاق االسفرائيني يقول :مراسيلهم كمراسيل غيرهم ،مراسيل الصحابة كمراسيل غيرهم،
الذين يقبلون مراسيل الصحابة أيش يقولون؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 275 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
يقولون :الصحابي إن لم يكن سمع الخبر من النبي -عليه الصالة والسالم -بمعنى أنه أعاده إليه،
فاالحتمال أنه سمعه من صحابي آخر ،هذا الذي يغلب على الظن ،االحتمال األقوى أنه سمعه من
سواء ذكر أو حذف ما يضر؛ ألن الصحابة كلهم
ً صحابي آخر وأسقط هذا الصحابي ،والصحابي
عدول.
يعني هل يتصور أن يروي صحابي عن تابعي؟ نعم يتصور عقالً ،لكن الذي يغلب على الظن،
واألحكام مبنية على غلبة الظن أن الصحابي إنما يروي عن صحابي آخر ،فلهذا نقل االتفاق على
قبول مراسيل الصحابة ،وخالف أبو إسحاق االسفرائيني ،وقال :هي مثل مراسيل غيرهم؛ ألن
الصحابي احتمال يروي عن تابعي فيسقط هذا التابعي ،والتابعي االحتمال قائم أنه ثقة أو غير ثقة.
هذا بالنسبة لمراسيل الصحابة ،مراسيل الصحابة كثيرة جداً؛ باعتبار تأخر إسالم كثير منهم،
وصغر السن ،الغيبة أيضاً ،عمر -رضي اهلل عنه -كان يغاب؛ يتناوب المجيء إلى النبي -عليه
الصالة والسالم -فما بالك بغيره.
أحداث الصحابة مثل عائشة ،ابن عباس ،ابن الزبير ،هؤالء يروون أحاديث وقصص ووقائع لم
يشهدوها ،حديث بدء الوحي ترويه عائشة ،بدء الوحي قبل أن تولد بأزمان ترويه عائشة ،لكن
بعض أهل العلم يميل ويستروح إلى أن النبي -عليه الصالة والسالم -قص عليها القصة ،قص
عليها القصة.
المقصود أن مثل عائشة لصغر سنها ،أو مثل أبو هريرة لتأخر إسالمه ،أو مثل ابن عباس لصغر
سنة وابن الزبير ،هؤالء قد يروون بعض الوقائع بواسطة فيسقطون الواسطة ،ولذا يقولون :إن ابن
عباس لم ِ
يرو عن النبي -عليه الصالة والسالم -مباشرة إال أربعة أحاديث؛ وجميع مروياته فيها
واسطة ،ويحذف الواسطة ،هذا أشار إليه الغزالي في المستصفى وغيره ،لكن الحافظ ابن حجر
قال :إنه وجد مما ثبت سماعه من النبي -عليه الصالة والسالم -من قبل ابن عباس من الصحيح
والحسن ما يزيد على األربعين.
المقصود أنها بالنسبة لمروياته حتى األربعين قليلة ،فدل على أن هناك وسائط بالنسبة لصغار
الصحابة ،ولذا يقرر أهل العلم أن مراسيل الصحابة في حكم الموصول؛ هذا الواسطة كأنه مذكور.
مراسيل غير الصحابة من التابعين :عرفنا فيها الخالف ،عرفنا فيها الخالف والجمهور على ردها
مطلقاً.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 276 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
أن يكون الراوي سالماً من وصمة التدليس -أال يكون مدلساً -والثاني :أن يكون قد لقي من روى
عنه -في القول المشهور المعروف المنسوب للبخاري -أو عاصره -ثبتت معاصرته له على
القول المعروف عن اإلمام مسلم.-
على كل حال العنعنة محكوم لها باالتصال بالشرطين المعروفين ،وحكم (عن) حكم َّ
(أن) ،السند
المئنن مثل السند المعنعن ،وحكم (عن) أيضاً حكم (قال) ،يحكم لها باالتصال بالشرطين
المذكورين.
العنعنة تدخل على اإلسناد وبعدين؟
إن كان قصده اإلسناد ،معناه االتصال فيحكم له باالتصال مع وجود العنعنة؛ ألنه فسر المسند
بالمتصل ،فهو مقبول ،وإ ذا قرأ الشيخ...
طالب :األنأنة
َّ
المؤنن مثل السند المعنعن: ض ْير :السند َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
بسط هذه المسائل يعني يحتاج إلى دروس المصطلح ما هو هنا ،لكن نحن نشير إشارات؛ لعلها تفي
بالغرض.
« وإ ذا قرأ الشيخ يجوز للراوي أن يقول :حدثني وأخبرني >،وإ ذا قرأ هو على الشيخ فيقول
أخبرني >،ويقول :حدثني ،وإ ن أجازه الشيخ من غير رواية فيقول :أجازني ،أو أخبرني> إجازة »
أشار المؤلف هنا إلى بعض طرق التحمل ،وأشرنا في درس األمس أن طرق التحمل ثمان ،السماع
من لفظ الشيخ ،القراءة على الشيخ ،اإلجازة ،المناولة ،المكاتبة ،الوصية ،اإلعالم ،الوجادة ،ثمان.
السماع من لفظ الشيخ ،إذا سمع الطالب من لفظ الشيخ ،الطالب يسمع من لفظ الشيخ ،الشيخ يحدث
والطالب يتلقى ،هذه أعلى طرق التحمل؛ ألنها هي األصل في الرواية ،األصل أن الشيخ يحدث
والطالب يتلقى ،وهذه حال النبي -عليه الصالة والسالم -مع الصحابة؛ يسمعون منه ،وهي أعلى
طرق التحمل.
الثاني :القراءة على الشيخ :الطالب يقرأ والشيخ يستمع ،السماع من لفظ الشيخ هو المرجح عند
جمهور أهل العلم ،العرض الذي هو القراءة على الشيخ مرتبة ثانية بعد مرتبة السماع ،وبعضهم
فضل العرض على السماع من لفظ الشيخ ،لماذا؟؛ يقول :في حال السماع من لفظ الشيخ ،قد
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 278 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
يخطئ الشيخ ،قد يخطئ الشيخ وإ ذا أخطأ الشيخ والطالب يتلقى عنه من يصحح للشيخ؟ يعني
الطالب يصحح للشيخ؟ والمفترض أنه يروي ،..جاء يروي منه أحاديث ،ما يصحح ،لكن في حال
العرض والقراءة على الشيخ ،إذا أخطأ الطالب فإن الشيخ لن يتردد في التصويب ،ولذا يرى اإلمام
سواء قرأت على الشيخ أو قرأ عليك سواء ،المهم أنك تسمع
ً مالك وجمع من أهل العلم أنهما سواء،
الخبر ،أو الشيخ يسمع الخبر ويقره.
« وإ ذا قرأ هو على الشيخ فيقول :أخبرني >،وال يقول :حدثني :إذا قرأ الشيخ يجوز للراوي أن
يقول :حدثني ،وأخبرني >،وإ ن قرأ هو على الشيخ فيقول :أخبرني> وال يقول :حدثني » صيغ
األداء التي هي :سمعت ،وحدثني ،وأخبرني ،وأنبأني ،وعن فالن ،وقال فالن ،وأن فالناً قال،
صيغ ،من روى بطريق السماع من لفظ الشيخ له أن يقول :سمعت؛ ألنه سمع من لفظ الشيخ هذه
حقيقة الحال ،وله أن يقول :حدثني؛ ألن الشيخ حدثه ،وله أن يقول :أخبرني؛ ألن الشيخ أخبره ،فله
أن يقول كل هذه الصيغ ،وال يعدو حينئذ الواقع إذا قال ذلك.
إذا قرأ هو على الشيخ ،هل يستطيع أن يقول سمعت؟ هو سمع من الشيخ شيئاً؟ ما سمع ،هل
يستطيع أن يقول :حدثني؟ نعم؟ هل يستطيع أن يقول :أخبرني؟
طالب.......:
ض ْير :كيف؟ أيش الفرق بين التحديث واإلخبار؟الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ َّ
َخ َب َار َها ﴾ [ سورة الزلزلة ،اآلية ،] 4 :هل الشيخ أخبره أو قرأ على الشيخ ،ما ﴿ َي ْو َم ِئ ٍ>ذ تُ َحد ُ
ِّث أ ْ
في شك أن الورع أن يقول :قرأت على الشيخ ،قرأت على فالن هو الذي يبين ،لكن أجاز أهل العلم
في السماع وفي العرض أن يقول :سمعت وحدثني وأخبرني ،جميع الصيغ؛ ألنها طرق مجمع
على صحة التلقي بها ،فأي صيغة تفيد -تدل على المقصود -فهي مقبولة.
طالب :أخبار ...قراءة قراءة أخبار...؟
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :لكن أنا إذا أخبرتك وإ ال أنت أخبرتني ،يعني وأنت تقرأ علي ،أنا
أخبرتك بشيء؟
طالب :أنت أقريت يا شيخ.
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :لكن هذا إخبار؟
طالب :ال ،لكن قد يكون إقراراً منك يا شيخ.
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :اإلقرار فيه إقرار ،وهل يشترط أن يقول :نعم أو ال يشترط؟ المسألة
معروفة ،لكن اإلقرار هل فيه إخبار؟ نعم؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 279 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :اآلن لما تقول لي :قدم زيد ،أقول لك :صحيح ،أصير أخبرتك بقدوم
زيد وإ ال أنت اللي أخبرتني؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :لكن أنت بتقول أخبرتني؛ أخبرني فالن ،واضح وإ ال ما هو بواضح.
أنا أقول :في األصل أهل العلم أجازوا كل الصيغ في السماع من لفظ الشيخ ،وفي العرض على
الشيخ؛ ألنهما طريقان مجمع على صحة التلقي بهما ،فبأي عبارة أو أي أسلوب أديت مما يفهم أنك
تروي هذا الخبر وتنقله عن الشيخ تبلغه إلى غيره يجوز لك ذلك ،لكن أهل االصطالح جعلوا كل
طريق من طرق التحمل يختص بصيغ معينة ،فجعلوا للسماع من لفظ الشيخ :سمعت وحدثني ،وال
يقول :أخبرني ،وإ ن كان مخبراً له ،ومن قرأ على الشيخ وعرض على الشيخ يقول :أخبرني وال
يقول حدثني.
أيش الفرق بين التحديث واإلخبار؟ نعم؟
هناك فرق؛ يقولون :دائرة اإلخبار أوسع من دائرة التحديث ،دائرة اإلخبار أوسع من دائرة
حدث ،..لمن يتحدث معه -بينما َّ
المحدث بما ِّ التحديث؛ فالتحديث ال يحصل إال بالمشافهة -مشافهة
اإلخبار يحصل بالمشافهة ،يحصل بالقرينة ،يحصل بالعالمة ،يحصل بالمكاتبة كل هذا إخبار.
ولذا لو قال زيد من الناس :من حدثني بقدوم فالن فهو عتيق -فهو حر -من حدثني ،فجاء واحد
وكتب له ورقة وقال :قدم فالن ،يعتق وإ ال ما يعتق؟ نعم؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :ما يعتق؛ ما حدثه يا أخي ،كتب له كتابة.
طالب ...:إخبار.
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :ما ينفع إحنا بالتحديث اآلن ،هو يقول :من حدثني ،ما قال من
أخبرني ،يقول :من حدثني بقدوم فالن فهو حر ،جاء واحد وكتب له خطاباً أنه قدم فالن ،ما يعتق،
لكن لو قال :من أخبرني بقدوم فالن ،فأخبره بكتابة ،أو بنصب عالمة ،أو بشيء ،خالص يعتق؛
ألن دائرة اإلخبار أوسع من دائرة التحديث ،فهم يقولون :يختص التحديث والسماع بطريق السماع
من لفظ الشيخ ،وأما اإلخبار فباعتبار دائرته أوسع فيخصص للعرض على الشيخ والقراءة عليه،
وكثير من أهل العلم يعتني بالتفريق بين صيغ األداء الصادرة عن الشيوخ عناية فائقة ،فيجعل هذا
لهذا وهذا لذاك ،ومنهم من ال يفرق.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 280 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
فتجد مسلماً وله عناية فائقة في التفريق بين هذه الصيغ ،يقول :حدثنا فالن ،وفالن وفالن ،قال
فالن :حدثنا ،وقال اآلخرون :أخبرنا ،أو العكس ،فهو يهتم بذلك ،لكن مثل إسحاق -رحمه اهلل-
سواء سمع أو قرأ ما يقولها؛ يلزم صيغة أخبرنا.
ً ابن راهوية -ما يقول :حدثنا أبداً،
البخاري -رحمه اهلل تعالى -مع جمع من أهل العلم ال يرون التفريق فيؤدي بأي صيغة تفيد
المراد ،لكن أهل االصطالح خصوا التحديث بالسماع من لفظ الشيخ ،واإلخبار بالقراءة على
الشيخ ،والمسألة اصطالحية.
« وإ ذا قرأ الشيخ يجوز للراوي أن يقول :حدثني وأخبرني >،وإ ن قرأ هو على الشيخ فيقول:
أخبرني >،وال يقول :حدثني » ألنه لم يشافهه.
« وإ ن أجازه الشي ُخ من غير قراءة أو من غير رواية -كما في نسختي -فيقول :أجازني أو
-الطالب للشيخ -وقال :أريد منك أن تجيزني برواية
ُ الشيخ
َ أخبرني> إجازة » إذا أجازه ،جاء
صحيح البخاري ،أو بالحديث الفالني ،فقال :أجزتك أن تروي عني صحيح البخاري ،أو الحديث
الفالني.
واإلجازة :هي اإلذن بالرواية ،اإلذن بالرواية ،فال الطالب سمع من لفظ الشيخ ،وال الطالب أيضاً
قرأ على الشيخ؛ ما فيه تحديث أصالً ،بس قال لهِ :
ارو عني صحيح البخاري ،اإلذن بالرواية ،هذه
اإلجازة؛ إذن ،وجمهور أهل العلم على صحة الرواية باإلجازة؛ والداعي إليها كثرة الطالب وتباين
األقطار وتباعدها ،ويحصل المشقة الشديدة لو حصرت الرواية بالسماع أو العرض.
يعني تصور شيخاً يروي صحيح البخاري بأسانيده ،ثم كل طالب العلم يبون منه رواية لهذا
الكتاب ،إما أن يقرؤوا عليه أو يقرأ عليهم بيتعبوه؛ يروح أفواج ويجي أفواج ،واللي فاته شيء
واللي سافر قبل ما يكمل الكتاب ،لكن من السهل جداً أن يكون كتب سنده في ورقة أو ثبت ،ويقول
له :تفضل ،خالص أجزتك أن تروي عني صحيح البخاري ،وأجيز مثل هذا للحاجة الماسة إلى
ذلك ،وأبطلها قوم -أبطلوا اإلجازة -حتى قال بعض الظاهرية :إن من قال لغيره :أجزت لك أن
علي،
علي ،أجزت لك أن تكذب َّ
تروي عني ما لم تسمعه مني ،فكأنه قال له :أجزت لك أن تكذب َّ
َ
وقال بعضهم :لو جازت اإلجازة لبطلت الرحلة .المقصود أن كثيراً من أهل العلم الجماهير على
جوازها ،وقال بعضهم بأنها باطلة.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :تبغون التفصيل في الطرق الثمانية ومتى تصح ومتى ال تصح هذا
مظنة المصطلح.ـ
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 281 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :نعم؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :يا أخي المصطلحـ ملوه اإلخوان؛ شرحناه سنين ،في بعض الكتب
عرض ثالث مرات ،وشرح ثالث مرات بعض الكتب ،واألشرطة اإلخوان عندهم ،المصطلحـ
آخرها الباعث الحثيث كامل يا أخي ،النخبة كاملة ،ألفية العراقي قدر كبير منها مسجل ،المصطلح
يعني مطروق ما فيه إشكال ،لكن إحنا نشرح على قدر ما يحتاج إليه في توضيح مثل هذا الكتاب
المعتصر ال أقول المختصر ،ولذلك تجدونه ،..تسمعون ما فيه إطالة ،وما فيه مزيد تفصيل يناسب
صغر الكتاب.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :واهلل إن بين وقال..؛ ألنه أحياناً الشريط إذا قلت :حدثني ،تسمع شريط
للشيخ ابن باز أو ابن عثيمين تقول :حدثني ابن باز أو ابن عثيمين ،يحتمل التدليس؛ ألن مثل هذا قد
يسلكه بعض التدليس؛ ليوهم غيره أن الشيخ تفرد به وخصه بهذا الخبر ،ال شك أن هذا تشبع ،تشبع
بما لم يعط.
طالب :لو قال سمعته من الشريط؟
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :لو قال :سمعته من الشريط خالص ما أحد يتهمه.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :سمعته من لفظ الشيخ ،إن بين يا أخي أولى وأورع أن يقول :سمعت
من لفظ الشيخ بشريط ،أيش المانع يا أخي ،نعم.
طالب.......:
ض ْير :ما في ما يمنع ،أيضاً لو تقول :سمعت ،أنت سمعت صحيح ،أنت َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
سمعت ،لكن ال تسلم من شوب االنقطاع مثل الوجادة ،ال يسلم من شوب االنقطاع لماذا؟؛ ألنه قد
يأتي ممن ولد اآلن بعد عشر سنين أو عشرين سنة يقول :سمعت الشيخ ابن باز ،انقطاع ظاهر ما
أدرك وال عصر الشيخ ،نعم ،وهو سمع بالفعل ،سمع بالشريط ،في األصل أنه منقطع مثل الوجادة
إال أن فيه شوب اتصال باعتبارك سمعت لفظه ،فالبيان هو األولى؛ ال سيما وأن التشبع والتكثر عن
طالب العلم وإ يهام السماع المباشر من لفظ الشيخ ،أو إيهام الرحلة للقاء الشيخ ،أحياناً أنت ما رأيت
الشيخ ابن عثيمين مطلقاً فتقول :سمعت الشيخ ابن عثيمين ،توحي أنك رحلت إلى بلده وتلقيت عنه
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 282 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
وهكذا ،هذا إيهام ،هذا تشبع بما لم يعط ،وطالب العلم ينبغي أن يكون صريحاً فإذا خشي من هذه
األمور يوضح.
وال أجمل من قول من يقول" :أما إني لم أكن في صالة ولكني لدغت" ،نعم ،هو رأى الكوكب الذي
انقض ،هو ما رآه ،لو سكت على هذا الحد ،قال :نعم رأيته بيتهم ،لكن بينفي؛ بيى يبين حقيقة الحال
–األمر -كما هو" ،أما إني لم أكن في صالة ولكني لدغت" ،يا أخي أنت قل :واهلل ما رحلت إلى
الشيخ ابن عثيمين وال رأيت الشيخ ابن عثيمين ،لكن سمعته بشريط ،يبي ينقص من قدرك شيئاً،
هذا رفعة بال شك ،والحديث الصحيح « :المتشبع بما لم يعط كالبس ثوبي> زور » [الحديث في
الصحيح هذا].
وكم من طالب يزعم ويدعي أنه فعل وترك؛ ألنه سمع شريط وإ ال سمع بواسطة وإ ال سمع ،..واهلل
المستعان.
طالب.......:
هذا توسع في العبارة ،توسع في العبارة ،هذه عبارات صحفية أو إذاعات أو قل :ما شئت من،..
ٍ
مرض يتفننون في العبارات ،لكن ما حد بيظن بهم أن الطبري جاء وحدثهم نعم ،هذا توسع غير
وإ ال ،..نعم ،مثل ما يتجوزون :هذا خبر السماء ،هذا عدالة السماء ،أيش الكالم هذا؟!
هذا كالم صحفيين هذا ،لكن طالب العلم ينبغي أن يكون دقيقاً متحرياً متثبتاً فيما يقول ،وفيما يترك،
وفيما يفعل ،وفيما يذر ،ال سيما إذا خشي ،ال سيما إذا خشي من السامع أن يكون قد فهم منزلة
أعظم أو أعلى مما هو فيه ،حينئذ يخبر عن الواقع" ،أما إني لم أكن في صالة ولكني لدغت"
تفضل؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :جزاك اهلل خيراً.
المؤلف -رحمه اهلل تعالى ،..-وإ ن أجازه الشيخ من غير رواية ومن غير قراءة ومن غير سماع
من لفظه حينئذ ال يقول :سمعت ،وإ ن سمع منه لفظاً مجمالً إجماالً يقولِ :
ارو عني ،هذا ال يكفي
أن يقول :حدثني أو سمعت فالن ،ثم يذكر أحاديث تفصيلية؛ ألنه إذن إجمالي بالرواية ،فال يقول:
سمعت ،وال حدثني ،وال أخبرني ،لكن لو تجاوز وقال :أخبرني إجازة -يعني بين فيقول:
أجازني -هذا هو اللفظ المطابق للحال ،واألولى واألورع :أجازني فالن ،أو أذن لي فالن ،لكن إن
قال :حدثني إجازة ،أو أخبرني إجازة ،أو قال عن فالن ال سيما المتأخرين يستعملون العنعنة في
اإلجازة
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 283 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
قمن يا سليمان؟
َ
طالب.......:
ض ْير :لكن قَ َمن وإ ال قَ ِمن؟ َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :غيره ،غيره واحد من اإلخوان؟
طالب.......:
ض ْيرِ :
قمن بالكسر؟ َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :وهي كذلك بالفتح،
قمن
وكثر استعمال عن في ذا الزمن *** إجازة وهي بوصل ما َ
قمن.
بالفتح ،يعني تفتح وتكسر ،لكن البيت المناسب له ،الزمن ،مناسب له َ
السابع عشر
الدرس ّ
ّ
بسم اهلل الرحمن الرحيم ،الحمد هلل رب العالمين ،وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد وعلى آله
وصحبه أجمعين ،أما بعد :فقد قال إمام الحرمين -رحمه اهلل تعالى:-
وأما القياس :فهو رد الفرع إلى األصل بعلة تجمعها في الحكم ،وهو ينقسم إلى ثالثة أقسام:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :تجمعهما.
الطالب :أحسن اهلل إليك..
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 284 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
بعلة تجمعهما في الحكم ،وهو ينقسم إلى ثالثة أقسام :إلى قياس علة ،وقياس داللة ،وقياس
شبه ،فقياس العلة :ما كانت العلة فيه موجبة للحكم ،وقياس الداللة :هو االستدالل بأحد النظرين
على اآلخر ،وهو أن تكون العلة دالة على الحكم ،وال تكون موجبة للحكم ،وقياس الشبه :هو
الفرع المردد بين أصلين فيلحق...
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :المتردد.
« َّ
الش ْـر ُح » :
الحمد هلل رب العالمين ،وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين ،لما أنهى المؤلف -رحمه اهلل تعالى -الكالم على األصول الثالثة المتفق عليها -الكتاب
والسنة واإلجماع -تكلم -رحمه اهلل تعالى -على األصل الرابع من أصول االستدالل عند أهل
العلم ،وهو القياس ،األصل الرابع من أصول االستدالل بعد الكتاب والسنة واإلجماع :القياس.
فالقياس حجة عند جمهور أهل العلم ،جمهور أهل العلم يرون االحتجاج بالقياس ،خالفاً ألهل
الظاهر الذين ال يرون القياس ،أهل الظاهر ال يرون األقيسة ،والبن حزم كتاب اسمه (إبطال
القياس) ،وكثيراً ما يشنع في كتبه على أهل الرأي الذين يقيسون الدين ويثبون األحكام بآرائهم على
حد زعمه.
ولذا توقف كثير من أهل العلم باالعتداد بأهل الظاهر خالفاً ووفاقاً ،وقال :إنه ال يعتد بهم ،ولقد
نص كثير من أهل العلم على عدم االعتداد بأهل الظاهر.
يقول النووي في شرح مسلم " :وال يعتد بقول داود؛ ألنه ال يرى القياس الذي هو أحد أركان
االجتهاد".
مثل أهل الظاهر الذين ال يرون القياس كيف يتصرفون في كثير من المسائل والنوازل غير
المنصوصة؟ ألنهم يطلبون الدليل -يطلبون النص -في كل مسألة ،لذا جاء من يشنع عليهم ،هم
شنعوا على أهل الرأي ،حتى قال ابن حزم في بعض المسائل في إمام من أئمة المسلمين :وبهذا قال
فالن ،وهو ال يساوي رجيع الكلب ،يشنع على األئمة؛ ألنهم يقيسون ،وكما تدين تدان ،كما تدين
تدان ،وبهذا قال مالك ،فأين الدين ،يقول ابن حزم :وهذا قول من ال يؤمن بيوم الحساب ،وإ لى
آخره من الكالم اللي في حق األئمة شنيع نعم ،وجد من أهل الفقه من يسترسل في األقيسة،
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 285 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
يسترسل في األقيسة ويغرق في االستنباط بواسطتها حتى طغى ذلك على االستدالل بالنصوص،
وشغلهم ذلك عن حفظ النصوص وفهمها ،وجد ،هذا غلو في القياس ،لكن في المقابل وجد غلو -ال
أقول :في اتباع النص؛ ألنه األصل إنما إحمال األقيسة التي أومأ الشارع إلى اعتبارها على ما
سيأتي.
يعني سمعنا ما قاله ابن حزم في بعض األئمة ،وانظر ما قاله بعضهم في ابن حزم مثالً ،أو في أهل
الظاهر.
هنا في عارضة األحوذي البن العربي يقول" :والحكمة في أن ذكر النبي -عليه الصالة والسالم-
الفضة والتضبيب وتقدير الواجب وترك ذكر الذهب؛ ألن تجارتهم إنما كانت في الفضة خاصة
معظمها ،فوقع التنصيص على المعظم؛ ليدل على الباقي" :ألنه إذا منع استعمال أواني الفضة فألن
تمنع استعمال أواني الذهب يعني من باب أولى ،وأهل الظاهر عندهم المنصوص.
يقول" :فوقع التنصيص على المعظم ليدل على الباقي" :العارضة ممسوخة محرفة ،طباعتها في
غاية السوء ،ومع ذلكم مفاد كالمه ،وكانوا أفهم أمة وأعلمها -يعني الصحابة -فلما جاء الحمير"،
شوف أيش يقول :فلما جاء الحمير الذين يطلبون النص في كل صغير وكبير طمس اهلل عليهم باب
الهدى ،وخرجوا عن زمرة من استن بالسلف واهتدى!!
يا إخوان :الشطط ال بد له من ردة فعل ،ال بد من التطرف لوجود طرف آخر ،فإذا وجد إغراق في
باب ال بد أن يوجد في المقابل من يقاوم من يقول بهذا القول.
لما قال ابن حزم :فأين الدين ،وقوله" :من ال يؤمن بيوم الحساب"" ،وهذا ال يساوي رجيع الكلب"،
قيل فيهم :فلما جاء الحمير الذين يطلبون النص في كل صغير وكبير طمس اهلل عليهم باب الهدى،
وخرجوا عن زمرة من استن بالسلف واهتدى.
نعم طلبوا الدليل هذا األصل ،هذا األصل ،لكن إذا لم نجد النص في المسألة ،تترك المسألة بدون
حكم؟
نقول :طلبكم يا أهل الظاهر على العين والرأس ،طلبتم النص ،ما وجدنا نص في هذه المسألة ينص
عليها بعينها ،ماذا نصنع؟ نقف؟ تترك المسألة بدون حكم؟ أو نلحقها بما يشبهها من األحكام ،نعم؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :تلحق قول جماهير أهل العلم.
"فلما جاء الحمير الذين يطلبون النص في كل صغير وكبير ،طمس اهلل عليهم باب الهدى وخرجوا
عن زمرة من استن بالسلف واهتدى" :يعني أحياناً يكون القدح مدح ،هو يريد أن يذم أهل الظاهر،
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 286 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
لكن العبارة ما أسعفته ،جاء الحمير الذين يطلبون النص في كل صغير وكبير ،يقال :على العين
والرأس ألنه يطلب النص ،نعم ،مثل خطيب أراد أن يقع في طائفة من الناس ويذمهم ،ثم ذكر من
سيماهم وعالمتهم تقصير الثياب وحمل كتب الحديث ،هو يريد أن يذمهم ،هذه عالمتهم لكن ما هي
سبب ذمهم من أجل أن تذكر.
من أراد أن ينفر من طائفة لما يراه من خلل في علمها أو عملها أو خطر من بعض تصرفاتهم على
غيرهم يأتي بما يقدحون فيه ،ال بما يمدحون فيه ،يذم طائفة نعم هي جنحت إلى فكر معين ،لكن ما
أذكر شيئاً يتفق عليه أنه من المحاسن ،عالمتهم تقصير الثياب وحمل كتب الحديث ،على العين
والرأس يا أخي.
وهنا يقول ابن العربي :الذين يطلبون النص في كل صغير وكبير ،إذا سمعت هذه الدعوة نقول:
وأين هم ذوالء؟ هؤالء أكثر اهلل من أمثالهم أن يطلبون النص؛ "قد أحسن من انتهى إلى ما سمع"،
لكن بعد النص ،ما وجدنا نص ،إذا وجدنا النص ال محيد عنه ،لكن إذا لم نجد نصاً ،هنا يأتي
الخالف مع أهل الظاهر.
فلما وقع الظاهرية في أئمة اإلسالم ُو ِقع فيهم -جاء مثل هذا الكالم فيهم -ولهذا على طالب العلم أن
يكتسب أدباً قبل أن يتعلم؛ وال يؤثر في الخصم مثل األدب واالحترام « ،أنزلوا الناس منازلهم »،
أنزله منازله ووافقه على ما يقوله من حق ،واشكره على ذلك ،وامدحه بذلك ،ثم بعد ذلك انتقد
ووجه ،أما تصادر كل ما عنده من حق وتركز على هذه المخالفة وتجعلها كل شيء ما يقبل منك،
واهلل المتسعان.
مسألة االعتداد بقول أهل الظاهر ،مسألة كبيرة ومعروفة عند أهل العلم ،فكثير من أهل العلم ال
يعتد بقولهم ،وسمعنا كالم النووي في شرح مسلم يقول" :وال يعتد بقول داود؛ ألنه ال يرى القياس
الذي هو أحد أركان االجتهاد".
ومسألة االعتداد بهم أو عدم االعتداد تحتاج إلى بسط ،وتصور وتصوير دقيق كي تفهم؛ ألن من
يرى االعتداد بهم يقول :هم قوم من المسلمين ،وهم أئمة مجتهدون عرفوا بالعلم والعمل ،حرصهم
على النصوص ال يقل عن حرص غيرهم من األئمة إن لم يكن أشد ،والذي يقول :ال يعتد بهم
حجته ما سمعنا.
وال شك أن المسألة المختلف فيها ،وفيها ألهل الظاهر قول يخالفون فيه غيرهم من األئمة إن كان
عمدتها النص من الكتاب والسنة ،فأهل الظاهر من أولى من يعتد بقولهم ،وإ ن كان عمدتها أقيسة
واجتهادات فأهل الظاهر ال مدخل لهم في هذا الباب.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 287 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
ابن حزم وهو إمام من أئمة مذهبهم ألغى األقيسة واآلراء في الفروع ،واستعمل هذه األقيسة في
األصول ،ولذا بعد عن مذهب أهل السنة والجماعة بعداً فاحشاً في مسائل االعتقاد في كثير منها.
استعمل العقل في االعتقاد ،وألغى وأهمل العقل في األحكام ،مع أن المفترض أيش؟ العكس،
المفترض العكس؛ ألن العقائد نحن ملزمون بالنصوص ،وال نتجاوز وال نتعدى ما جاء في
النصوص ،وعلينا أن نفهم هذه النصوص بفهم سلف األمة وأئمتها ،وعلى هذا فنحن مكفيون في
هذا الباب.
الفروع التي هي مجال لالجتهاد تدخل فيها اآلراء فهم عكسوا ،ال سيما ابن حزم منهم ،نظر في
مقدمة المحلى فيما يتعلق بأصول الدين فجاء ببدع بعضهم يكفره بسببها ،يقول :ما عندنا قرآن وال
قرآنان وال ثالثة ،عندنا أربعة قرآنات!!
عظائم ،لكن البدعة تعتمد على نوع شبهة ،ال معاندة؛ لو كانت معاندة ما تردد في تكفير كثير من
المبتدعة.
المقصود أن مسألة االعتداد بأهل الظاهر مسألة كبرى وأقوالهم تدور في الكتب كثيراً جداً تذكر
أقوالهم ،فإن كان عمدة في المسألة نص من الكتاب والسنة فهو من أولى من يعتد به ،وإ ن كان
عمدتها آراء وأقيسة فال مدخل لهم في ذلك.
طالب :قول ابن عبد الهادي في ابن حزم أنه جهمي جلد؟
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :أشد ،أشد من الجهمية ،وبالمقابل ذكر شيخ اإلسالم أن كل قول يعضده
الدليل فألبي محمد منه أوفر الحظ والنصيب ،يعني كالمه في الفروع يعني المحلى لوال ما فيه من
التهجم على األئمة لقلنا :إنه فقه السنة ،لكن يحجب طالب العلم المبتدئ بل المتوسط من القراءة في
مثل هذا الكتاب؛ ألنه يربي فيه الشدة والقسوة وسوء األدب مع األئمة واهلل المستعان.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :ال ،ال موجود ،لكل قوم وارث ،لكل قوم وارث ،يوجد اآلن منهم على
مذهب أهل الظاهر ،وكتب عن نفسه وقال :إنه ال من باب خالف تذكر ،وال من باب الشذوذ
واإلغراب بل هو قناعة ،وينتسب إليه كذلك الظاهري ،فالن ابن فالن الظاهري؛ لكل قوم وارث،
ال شك أن عندهم تعظيم للنصوص ما يختلف في أن عندهم تعظيم للنصوص ،لكن ماذا وراء
النصوص؟ ماذا وراء النصوص؟
إهمال أهل الظاهر للقياس أوقعهم في أشياء ال يقبلها عقل ،منها ما نقل عنهم صراحة من قولهم،
ومنها ما هو مجرد إلزام يلزمون به.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 288 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
يعني تحريم البول في الماء الراكد جاء فيه النص « :ال يبولن أحدكم في الماء الدائم » حرام
البول في الماء الدائم ،لكن لو بال في إناء وصبه في الماء الدائم ،عندهم حرام وإ ال ال؟
طالب :ليس حراماً.
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :ليس بحرام.
لو تغوط في الماء الدائم حرام و إال ليس بحرام؟
طالب :عندهم ليس بحرام.
ض ْير :ليس بحرام ،يلغون القياس ،النص في البول ،وهم يقفون مع النص، َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
قول (أف) للوالدين حرام؛ ألنه جاء به النص ﴿ :فَالَ تَ ُقل لَّ ُه َمآ أ ٍّ
ُف َوالَ تَْن َه ْر ُه َما ﴾ [ سورة
اإلسراء ،اآلية ،] 23 :لكن ال يقاس عليه ما هو بمنزلته في األذى بل وال ما هو أشد منه
كالضرب مثالً.
أقول :إهمالهم للقياس أوقعهم في مثل هذه المضحكات ،ومع ذلكم هم فيهم من األذكياء ،..ابن حزم
ليس بغبي ،ابن حزم من أذكياء العالم ،من العباقرة الكبار ،لكن المسألة أصل ،أصول ،إذا مشى
اإلنسان على أصل خالص ما يحيد عنه ،يعني في المقابل أناس استرسلوا مع الرأي ،استرسلوا مع
األقيسة ،وأخذوا يشققون المسائل ويفرعون في مسائل قد تقع ومسائل جلها ال يقع يصار على
حساب النصوص ،شغلهم هذا عن حفظ النصوص وفهمها.
لو قال قائل :إن ترك الظاهرية للقياس سببه تعظيم ظواهر النصوص ،تعظيم ظواهر النصوص،
هو الذي أوقعهم في ترك القياس وإ بطاله ،وال يبعد أن يكون هذا المذهب ردة فعل لتصرفات أهل
الرأي ،الذين يردون النصوص الصحيحة باألقيسة واآلراء.
فمع ذلك كله ،أو بعد ذلك كله فالراجح قول الجمهور ،الراجح قول الجمهور ،يعني لو وجدنا ألهل
الظاهر قول يخالفون فيه األئمة قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وأتباعهم ،وسفيان والطبري
واألوزاعي وأئمة اإلسالم على قول ،وأهل الظاهر في جهة في قول ،هل نقول :نرجح ما يرجحه
الدليل بغض النظر عن قائله ،أو نقول :اتفاق هؤالء األئمة كلهم تدل على أن عندهم شيئاً مما يعتمد
عليه وإ ن لم نقف عليه؟
يعني كثيراً ما نقف فيكتب الحديث على مسألة قال فيها جماهير األئمة –جماهير أئمة اإلسالم-
باالستحباب ،وفيها أمر صريح ،وهم يتفقون على أن األصل في األمر الوجوب ،فقال أئمة اإلسالم
باالستحباب ،وقال أهل الظاهر بالوجوب.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 289 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
ومثله لو وقفنا على حكم اتفق األئمة األربعة وأتباعهم على القول بكراهته وفيه النهي الصريح،
وقال أهل الظاهر بالتحريم ،من نتبع؟ ما الذي يرجح في مثل هذا؟ هل نقول :أقوال األئمة األربعة
مع أتباعهم والحق مع األكثر؟ أو نقول :ال يلزم أن يكون الحق مع األكثر ،ما يمنع أن يكون الحق
مع أهل الظاهر في هذه المسائل؛ ألن معهم الدليل صريح وواضح ،األمر أصله الوجوب؟
يمر عليكم في شروح الحديث ،في سبل السالم كثير هذا ،في فتح الباري كثير ،الجمهور على أنه
مستحب وأنت ترى األمر الصريح ولم تقف على صارف ،ال يذكر الجمهور صارفاً لهذا النص،
ويجزمون بأنه سنة ،وأهل الظاهر يقولون بالوجوب؛ ألن النص صحيح وصريح في األمر ،فهل
نقول :الراجح قول الظاهرية؛ ألن معهم الدليل ،أو نقول -كما يقوله بعض الناس :-علينا أن نتهم
أنفسنا بالتقصير عن البحث عن الصارف الذي يصرف هذا النص من الوجوب إلى االستحباب،
ولذا قال أئمة اإلسالم بأنه مستحب ،هل نتهم النفس ونقول :قصرنا أو قصرنا عن إدراكه -عن
إدراك الصارف -أو نقول :الراجح ما عندنا علم ،ال نتعبد بأقوال الرجال ،نتعبد بالنص ،والنص
يدل على الوجوب إذن األمر واجب ،ها يا إخوان؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :يعني نتبع أئمة اإلسالم ،يعني من الحظ على الشيخ ابن عثيمين
-رحمه اهلل تعالى -أنه قد يوجب أشياء ال يوجبها األئمة األربعة؛ ألن النص صحيح وصريح في
األمر ،واألصل في األمر الوجوب ،انطالقاً من هذه المسألة.
يعني ما مر عليكم عن الشيخ كثير هذا ،الشيخ يقول بالوجوب ،وجماهير علماء اإلسالم على
االستحباب؛ ألن النص صحيح صريح؛ أمر واألصل في األمر الوجوب ،يعني هل يخفى على
األئمة أن األصل في األمر الوجوب ،الذين قالوا بأن األصل في األمر الوجوب ،وقالوا :إن هذا
مستحب وفيه أمر صريح ،ما الصارف عندهم؟
هو ال بد من وجود صارف ،وإ ال يصير اضطراب بين التقعيد والتفريع والتطبيق ،ال شك أن أئمة
اإلسالم التفاقهم هيبة ،هيبة تجعل اإلنسان يعيد النظر في تقصيره وقصوره ،وال يعني هذا أننا
نجعل هؤالء األئمة بمنزلة المشرع نحكم بهم على النصوص ،ال ،فمن هاب هؤالء األئمة مع اتفاق
هؤالء األئمة له حظ من النظر؛ ألن الذين حكموا هذا الحكم هم الذين قعدوا بأن األمر األصل فيه
الوجوب ،واألصل في النهي التحريم ،فال بد له من صارف.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 290 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
أنا شخصياً سألت الشيخ ابن باز -رحمه اهلل تعالى -عن هذه المسألة فقال :إذا لم تقف على
صارف فالراجح قول الظاهرية بغض النظر عن من وافقهم ،يرجح قول الظاهرية ولو لم يوافقهم
أحد؛ ألن معهم الدليل ،ونحن متعبدون بالدليل.
نتعدى الظاهرية إلى أئمة معتبرين من أئمة اإلسالم ،جماهير األئمة على أن عيادة المريض سنة،
عيادة المريض سنة ،بل نقل النووي اإلجماع على أن عيادة المريض سنة ،واإلمام البخاري
-رحمه اهلل تعالى -في صحيحه يقول" :باب وجوب عيادة المريض" ،فهل يجرؤ أحد أن يقول :إن
عيادة المريض واجبة وجماهير األمة ،بل نقل اإلجماع على أنها سنة ،واألمر صريح صحيح
صريح ثابت لكن أين الصارف؟ نعم،
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :نعم؟
األدب؟
طالب.......:
طالب.......:
ض ْير :هذا ما هو بأدب ،هذا حكم شرعي ،يعني حتى لو دققنا في هذه َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
المسألة ،لو قلنا :اآلداب إما أن يرتب عليها ثواب وإ ال فال ،هل يرتب عليها ثواب وإ ال ال؟ نعم؟
يرتب عليها ثواب ،صح وإ ال ال؟ إذن هي حكم شرعي ،هي حكم شرعي؛ ألن ما فيه الثواب حكم
شرعي ،ما يخلو إما أن يكون واجباً وإ ال مستحباً ،فهي حكم فتعود إلى أصل المسألة ،وإ ال كثير
منهم من يقول :إن باب األدب محمول على االستحباب.
لو جئنا إلى األمر الصحيح الصريح في صالة الكسوف « :فإذا رأيتموهما فصلوا » ،صالة
الكسوف واجبة وإ ال مستحبة؟
نقل اإلجماع على أنها مستحبة وليست بواجبة ،أبو عوانة في صحيحه يقول" :باب وجوب صالة
الكسوف" ،فهل لك أن ترجح كالم البخاري وكالم ابي عوانة لصراحة األمر وصحته ،وتضرب
بقول الجماهير عرض الحائط؛ لمخالفتها النص الصحيح الصريح؟؟
مثل ما سبق ،أنت مطالب بما يرجحه الدليل.
أقول :هذه المسألة في غاية األهمية ،مسألة عملية يحتاجها جميع طالب العلم؛ ألن الكل يقررون
أن األصل في األمر الوجوب ،وال يعدل عنه إلى االستحباب إال لصارف ،واألصل في النهي
التحريم ،وال يعدل عنه إال لصارف.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 291 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
الراجح في العمل بالقياس هو قول الجمهور؛ ألن المسألة مفترضة في عدم الدليل ،أما إذا وجدنا
دليالً في المسألة فإن مثل هذا الدليل إن كان القياس يوافقه ويعضده فال بأس ،والمدار والمعول على
الدليل ،وإ ن كان القياس يعارضه فال عبرة بقياس يخالف الدليل.
فالمسألة على كال االحتمالين مفترضة في خلو المسألة عن الدليل ،إذا لم نجد الدليل ،يعني نترك
المسألة دون حكم أو نقيس؟
نقيس ،فقول الجمهور العمل بالقياس؛ ألنه يثير ظناً غالباً؛ ألنه إذا خلت المسألة عن الدليل فالتردد
موجود ،والتردد ظن وإ ال شك؟
التردد ظن وإ ال شك؟ ألن عندنا العلم والظن والشك والوهم ،الشك هو االحتمال المساوي إذا لم تجد
دليل في المسألة ،يعني إذن تشك فيها؛ ما عندك ما يرجح العمل وال ما يرجح الترك ،فأنت شاك
فيها ،كون هذه المسألة تشارك مسألة أخرى نص عليها تشاركها في الحكم هذا مرجح ألحد
االحتمالين ،صح وإ ال ال؟ هذه المسألة غير منصوصة ،ماذا يكون بالنسبة للمجتهد؟ يكون عنده
االحتمال على حد سواء ،شك ،فإذا كان أحد الطرفين ،أحد الطرفين ،أحد احتمالَي المشكوك فيه
على حد سواء أحدهما يوافق حكماً منصوصاً عليه يجمعهما علة واحدة ،حينئذ يترجح أحد
االحتمالين ،وإ ذا ترجح أحد االحتمالين صار ظناً غالباً ،ولذلك يقولون :ألن القياس يثير ظناً غالباً
يعمل به في األحكام الشرعية ،وال شك أن الشريعة ال تفرق بين المتماثالت ،كما أنها ال تجمع بين
المختلفات.
ولذا قال شيخ اإلسالم ابن تيمية -رحمه اهلل تعالى" :-القياس الصحيح من العدل؛ فإنه تسوية بين
متماثلين وتفريق بين المختلفين".
وقال اإلمام أحمد" :ال يستغني عن القياس أحد" :هذا كالم صحيح؛ ألنه ليس في كل المسائل دليل،
ال نستطيع أن نستحضر في كل مسألة دليالً ،ولذا ال يستغني عن القياس أحد.
نقل عن اإلمام أحمد -رحمه اهلل تعالى" :-يجتنب المتكلم في الفقه هذين األصلين :المجمل
والقياس" :هو قال في النقل األول :ال يستغني عن القياس أحد ،وعرفنا وجهه ،إذن كيف يقول:
يجتنب المتكلم في الفقه هذين األصلين :المجمل والقياس؟ تأوله القاضي قاضي أيش؟
طالب :عياض.
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :ما يجي عياض هنا يا إخوان.
طالب :أبو يعلى.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 292 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :أبو يعلى نعم ،تأوله القاضي على قياس يخالف نصاً ،القياس الذي
يخالف النص ال عبرة به ،فعلى الفقيه أن يجتنبه.
وأقول :لعل مراده ،لعل مراد اإلمام أحمد الحد من االسترسال في األقيسة ،لعل المراد ،مراد اإلمام
أحمد -رحمة اهلل عليه -الحد من االسترسال في األقيسة التي تحول معاناتها دون حفظ النصوص
وفهمها؛ ال شك أن اإلنسان إذا استرسل في األقيسة واستعمل هذه األقيسة في كل مسألة ،واستفرغ
وبذل وسعه وأمضى جهده في هذا ال شك أن أنه على حساب النصوص؛ وكل شيء له ضريبة،
يعني كوننا نعنى بالفقه وهو األحكام العملية المستقاة من الكتاب والسنة ،كون اإلنسان -طالب
العلم -ينفق وقته وجهده كله على فقه األحكام العملية والعبادات والمعامالت إلى آخر أبواب الفقه،
أليس هذا على حساب شيء؟
ما هو بعلى حساب حفظ الكتاب والسنة؟ فهم الكتاب والسنة؟ نعم إدامة النظر في الكتاب والسنة؟ ما
هو هذا بعلى حساب هذا؟
وأعني الفقه المدون في كتب الفقه ،وإ ال الفقه المستنبط من الكتاب والسنة ال يعوق عن مدارسة
الكتاب والسنة ،بل هو من أعظم الثمرات التي تجنى من العلم بالكتاب والسنة.
فإذا كان اإلنسان مثالً ديدنه النظر في اإلنصاف مثالً ،ونضرب المثل باإلنصاف لخلوه عن الدليل،
اثنا عشر مجلد ،كتاب مذهبي ،يذكر المسائل يفرع المسائل يعلل للمسائل ،يذكر ما في المذهب من
روايات ،يذكر من قال بها من األصحاب ،يذكر ما دونت فيه من الكتب ،يستطرد في هذا كله،
يعني تبي تنفق على اإلنصاف كم سنة ،اثنا عشر مجلد حتى تهضم اإلنصاف؟ تبي لك عدد مجلدات
من السنين ،وهذا على حساب الكتاب والسنة ،ولهذا قال اإلمام أحمد" :يجتنب المتكلم في الفقه هذين
األصلين المجمل والقياس".
وال شك أن الفقه ال يستغني عنه طالب علم ال يستغني عن الفقه وكتب الفقه طالب علم ،لكن يأخذ
منه بقدر ما يعينه على فهم الكتاب والسنة؛ ألن األصل هو الكتاب والسنة ،فعليه أن يعتني باألصل
الذي هو الكتاب والسنة وما يعينه على فهم هذين االصلين.
صِ
ار﴾ اعتَِب ُروا َيا أُوِلي اأْل َْب َ
يقول ابن قدامة" :وقد استدل على إثبات القياس بقوله تعالى ﴿ :فَ ْ
[ سورة الحشر ،اآلية ،] 2 :وحقيقة االعتبار مقايسة الشيء بغيره ،كما يقال :اعتبر الدينار
بالصنجة ،يعني العيار أو الدينار يوزن ،نعم ،الدينار يوزن ،يوضع في كفه والصنجة الذي هي
أيش؟ العيار الذي يوزن به ،أو يوازن به ويقاس به ما يراد وزنه ،يقولون له أيش؟ صنجة ،يعني
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 293 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
بمثابة الكيلو ،يعني قطعة من الحديد تزن كذا ،تصير في أحد كفتي الميزانِ ،كفتي الميزان وإ ال
الكفة وال ُكفة ،في فرق؟ في فرق بين ِ
الكفة وال ُكفة؟ ُكفتي؟ أيش الفرق بين ِ
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :وأيش هو الفرق؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :ال......،
طالبُ :كفة الثوب يا شيخ؟
ض ْيرُ :كفة الثوب ولذا يقولون :كل مستدير ِكفة ،وكل مستطيل ُكفة. َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
من السنة ما رواه الشيخان من حديث أبي هريرة -رضي اهلل عنه -أن رجالً أتى النبي -صلى اهلل
عليه وسلم -فقال :يا رسول اهلل ،ولد لي غالم أسود ،جاء مذعوراً ،هو أبيض فولد له غالم أسود،
فقال رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم « :-هل لك من إبل؟ » قال :نعم ،قال « :ما ألوانها؟ »
قال :حمر ،قال « :هل فيها من أورق؟ » قال :نعم ،قال « :فأنى ذلك؟ » ،يقول النبي -عليه
الصالة والسالم « :-فأنى ذلك؟ » :من أين أتاها هذا اللون المخالف؟ قال :لعله نزعه عرق،
قال « :فلعل ابنك هذا نزعه عرق ».
ظاهر في القياس وإ ال ما هو بظاهر؟
طالب :ظاهر يا شيخ.
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :ظاهر في القياس ،يعني قاس الولد على هذا البعير الذي خالف لونه
ألوان اإلبل ،والسبب لعله نزعه عرق ،وهذا الولد أيضاً لعله نزعه عرق.
يقول ابن دقيق العيد في شرح العمدة" :استدل به األصوليون –يعني الحديث -على العمل بالقياس،
فإن النبي -صلى اهلل عليه وسلم -حصل منه التشبيه لولد هذا الرجل المخالف للونه بولد اإلبل
المخالف أللوانها ،وذكر العلة الجامعة وهي نزع العرق ،وهي نزع العرق.
يقول ابن دقيق العيد بعد ذلك" :إال أنه تشبيه في أمر وجودي ،والذي حصلت المنازعة فيه هو
التشبيه في األحكام الشرعية".
طالب.......:
ض ْير :كيف؟ َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
أيش معنى كالم ابن دقيق العيد ،يقول" :إال أنه تشبيه في أمر وجودي ،يعني موجود في الواقع في
الظاهر ،حسي ،يعني بإمكانك أن تحضر الولد مع أبيه ،وتحضر اإلبل األورق مع الحمر ،وتقول:
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 294 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
هذا خالف هؤالء ،لماذا؟ لعله نزعه عرق ،وهذا الولد خالف أباه لماذا؟ ألنه نزعه عرق ،أمور
وجودية.
يقول :والذي حصلت المنازعة فيه وهو القياس في األحكام هو التشبية في األحكام الشرعية ،يعني
ليست على أرض الواقع ،يعني ليست محسوسة ،أمور معنوية ،أمور معنوية ،لكن كالم ابن دقيق
العيد ،..أوالً االستدالل من الحديث ظاهر أو ليس بظاهر؟
طالب :ظاهر
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :ظاهر ،وتطبيقه على األحكام الشرعية ظاهر وإ ال ما هو بظاهر؟
طالب :ظاهر.
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :يعني كون الشيء في المحسوسات التي ال يتعبد بها ،نعم ،في
المحسوسات التي ال يتعبد بها شيء ،وكونه في الشرعيات التي يرتب عليها الثواب والعقاب ،وأنت
إذا حكمت بقياس قلت :إن هذا حكم اهلل في هذه المسألة ،ولذا استدرك ابن دقيق العيد ،قال :إال أنه
تشبيه في أمر وجودي ،والذي حصلت المنازعة فيه هو التشبيه في األحكام الشرعية.
نقول أيضاً :ما يتعلق بالولد حكم شرعي ،ما يتعلق بالولد المخالف لونه للون أبيه أيضاً هو حكم
شرعي ،من أي وجه؟
من وجه النفي واإلثبات ،إثبات النسب ونفيه هذا حكم شرعي ،فكما أنكم ال تنفون وقوع هذا الولد
المخالف لونه للون ،..هذا الولد من اإلبل ،المخالف أللوان اإلبل األخرى ،أيضاً ال يمكن أن ينفى
الولد لمخالفة لونه للون أبيه.
يقول الصنعاني في حواشيه على شرح العمدة -هو نقل كالم الخطابي -نقل الصنعاني في
حواشيه على شرح العمدة قول الخطابي" :هو أصل في قياس الشبة" ،هو أصل يعني حديث أبي
هريرة أصل في قياس الشبه ،هل هو أصل في قياس الشبه؟ هل هذا الحديث أصل في قياس الشبه؟
المسألة في الشبه لكن هل قياس الشبه اآلتي ذكره وتردد الفرع بين أصلين ،هل هناك فرع متردد
بين أصلين في الحديث؟
ما في فرع متردد بين أصلين ،فرع واحد وهو الولد المخالف لونه للون أبيه ،يلحق بذلك البعير
الذي خالف لونه لون ألوان اإلبل األخرى للعلة الجامعة ،فمراده كون هذه المخالفة مشابهة لتلك
المخالفة ال يعني أن هذا هو قياس الشبه المتعارف عليه ،ال يعني أن هذا هو قياس الشبه المتعارف
عليه الذي سيأتي ذكره في أنواع القياس.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 295 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
وقال ابن العربي" :فيه دليل على صحة القياس واالعتبار بالنظير" :فيه يعني حديث أبي هريرة
صحة القياس واالعتبار بالنظير.
وفي كتاب عمر بن الخطاب -رضي اهلل عنه -إلى أبي موسى ،كتاب عمر إلى أبي موسى في
القضاء الذي شرح له أمور القضاء" :ثم قايس األمور عندك واعرف األمثال ،ثم اعمد فيما ترى
إلى أحبها إلى اهلل -عز وجل -وأشبهها بالحق" :قايس األمور ،يعني قس األشباه بأشباهها،
واألمثال بأمثالها ،والنظائر بنظائرها ،واعرف األمثال ،ثم اعمد فيما ترى إلى أحبها إلى اهلل -عز
وجل -وأشبهها بالحق ،وهو كتاب عظيم شرحه ابن القيم -رحمه اهلل تعالى -بأكثر من نصف
إعالم الموقعين ،هذا الكتاب العظيم أكثر من نصف شرح في كتاب عمر -رضي اهلل عنه -إلى
أبي موسى في القضاء.
نقل ابن القيم -رحمه اهلل تعالى -عن المزني أنه قال" :الفقهاء من عصر الرسول -صلى اهلل
عليه وسلم -إلى يومنا هذا وهلم جرا استعملوا المقاييس في الفقه في جميع األحكام في أمر دينهم،
وقال" :وأجمعوا على أن نظير الحق حق ،ونظير الباطل باطل ،أجمعوا على أن نظير الحق حق،
ونظير الباطل باطل ،واهلل أعلم وصلى اهلل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين.
الحمد هلل رب العالمين وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين ،انتهينا من الكالم على الظاهرية وموقفهم من القياس ،وما نيل منهم بسبب تركه ،اآلن هذا
كله انتهى ،نعم ،استغرق الدرس الماضي كله الظاهرية.
يقول المؤلف -رحمه اهلل تعالى « :-وأما القياس :فهو رد الفرع إلى األصل بعلة تجمعهما في
الحكم » :هذا تعريفه عند المؤلف ،وفي اللغة :التقدير ،القياس في اللغة التقدير ،ومنه قياس
الثوب ،تقول :قست الثوب بالذراع؛ إذا قدرته به ،قست الثوب بالذراع إذا قدرته به ،ومنه قول
الشاعر :يصف شجة:
نشتغل بالتعريف ،نشتغل بالتعريف إلى أن يحضر ،نشتغل بالتعريف إلى أن يحضر
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 296 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
إذا قاسها اآلسي النطاسي أدبرت *** غثيثتها أو زاد وهياً هزومها
إذا قاسها :يعني قدرها بالمسبر ،الجرح ،الشجة تقدر ،وفي الفقه في أبواب الجنايات :تقدير
الشجاج ،نعم ،بأن يدخل المسبر ،يرى مقدارها طوالً وعرضاً؛ من أجل تقدير ما يستحقه المجني
عليه ،فالقياس أصله التقدير.
وأما في االصطالح فعرفه المؤلف -رحمه اهلل تعالى -بما سمعنا ،بأنه رد الفرع إلى األصل بعلة
تجمعهما في الحكم.
ابن قدامة يعرفه بقول قريب جداً من هذا يقول" :حمل فرع على أصل في الحكم بجامع بينهما"
-هناك تعريفات كثيرة لكن هذا محصلها -حمل فرع على أصل في حكم بجامع بينهما :فال بد أن
يكون هناك فرع وأصل وحكم وجامع ،هذه يمكن أن نسميها أيش؟ أركان القياس ،فرع يقاس،
أصل يقاس عليه ،حكم الذي هو نتيجة القياس ،والذي من أجله حصل القياس ،والعلة التي تجمع
بينهما ،العلة التي يلحق بها النظير بنظيره في الحكم والشبيه بشبيهه.
والباء في قول المؤلف « :بعلة » :سببية ،أي بسبب علة تجمعهما.
ومعنى رد الفرع إلى األصل :إرجاعه إليه ،إرجاعه إليه ،إرجاعه إليه في الحكم؛ ألن الفرع
المفترض فيه أنه لم يرد فيه بخصوصه نص يبين حكمه ،هذا األصل.
الفرع ،لماذا قلنا :فرع؟ ألنه خال من الحكم المنصوص عليه ،وقلنا :أصل؛ ألنه منصوص عليه
-على حكمه -فنحتاج إن نلحق هذا الفرع غير المنصوص عليه ،باألصل بالمنصوص عليه.
هناك ما يقول فيه بعض أهل العلم :إنه جاء على خالف األصل ،جاء على خالف األصل ،مع أنه
منصوص عليه ،فالمنصوص عليه بدليل شرعي من الكتاب أو من السنة أصل.
كيف يقول بعض أهل العلم :إن جواز هذا األمر -وهو منصوص عليه -على خالف األصل،
واألصل ،عرفنا األصل بأنه ما نص عليه -على حكمه -والفرع ما لم ينص على حكمه فيلحق
بهذا األصل للعلة التي تجمع بينهما.
ما فيه مسائل قال فيها أهل العلم :إنها على خالف األصل؟ نعم؟ على خالف األصل وهي
منصوص عليها باألدلة ،حتى قالوا في المزارعة :إنه على خالف ،..جوازه على خالف األصل.
قالوا في وجوب الوفاء بالنذر على خالف األصل ،مع أنه منصوص عليه « :أوف بنذرك » ،ليش
على خالف األصل؟ لماذا جاء على خالف األصل ،األصل أن النذر مرغوب وإ ال غير مرغوب
في الشرع؟ نعم؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 297 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
مكروه ،بل جاء النهي عنه ،فكيف تكون وسيلته مكروهة ،ونتيجته واجبة؟ واألصل أن الوسائل لها
أحكام المقاصد ،قالوا :هذا جاء على خالف األصل ،هم عندهم قواعد مطردة مأخوذة من نصوص
الشريعة يؤيدها فروع كثيرة جاءت بنصوص شرعية ،فما خرج عن هذه القاعدة ولو جاء فيه نص
يكون على خالف األصل عندهم ،هل نستطيع أن نقول :إن مثل هذا أصل برأسه؛ ألنه جاء فيه
نص؟ ونحتاج إذا وجدنا له نظير نقيسه عليه؛ ليكون فرعاً منه ،أو نقول مثل ما يقولون :على
خالف األصل؟
ابن القيم -رحمه اهلل تعالى -في إعالم الموقعين ذكر كثيراً من المسائل التي قيل فيها :إنها على
خالف األصل وفندها ،ما في شيء على خالف األصل؛ ما دام ورد فيه نص فهو أصل ،وأجراها
على القواعد -رحمه اهلل -نعم ،هناك ما يخرج عن القواعد األغلبية ،القواعد الكلية ال يخرج عنها
شيء ،لكن القواعد األغلبية يخرج عنها فروع ،جاءت بأدلة أو ألحقت بأصول هي أقرب بها شبهاً
مما قعد عليه.
فلتوضيح التعريف نقول :رد الفرع يعني إرجاعه إلى أصله المنصوص عليه؛ ألن الفرع غير
منصوص عليه ،والجتماعهما واشتراكهما في علة واحدة حكمنا على الفرع بحكم األصل لماذا؟
ألن الشرع ال يفرق بين المتماثالت ،كما أنه ال يجمع بين المختلفات.
فإذا تحقق وجود العلة في الفرع مثل وجودها في األصل ألحقناه به حكماً ،ولذا قال ابن العربي
مقالته ،نعم ،لما تجد مسألة تبحث عن حكمها الشرعي ما تجدها ،ما نص عليها ،وكم من المسائل
مما لم ينص عليه ،فتبحث في المسائل المنصوص عليها فتجد هذه المسألة علتها هي علة المسألة
المنصوص عليها ،فتلحقها بها ،فإذا قلت :هذا واجب لماذا؟ ألن اهلل -سبحانه وتعالى -أوجب كذا
والعلة واحدة ،أو هذا حرام؛ ألن اهلل -سبحانه وتعالى -حرم كذا والعلة متحققة ،هل يستطيع أحد
أن يطالبك بالدليل ،العلة متحققة في الفرع مثل تحققها في األصل.
ولنعلم أن العلل تنقسم إلى علل منصوصة وعلل مستنبطة ،علل منصوصة وعلل مستنبطة ،فالعلل
المنصوصة من الشرع يدور معها الحكم وجوداً وعدماً ،العلل المستنبطة للمخالف أن ينفيها؛ ألن
ابتداء للمبتدئين ال نستطيع أن
ً المستنبطة بإمكانه أن يستنبط غيرها ،وباعتبار أن الكتاب ألف
نسترسل في العلة والعلل ،وما تتحقق ،وتحقيق المناط ،وتنقيح المناط ،وأمور يعني تطول؛ ألن
الكتاب أساساً ألف للمبتدئين.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 298 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
من أمثلة ذلك :أهل العلم قاسوا النبيذ على الخمر؛ بجامع اإلسكار ،العلة الجامعة بينهما اإلسكار،
فالنبيذ تبحث في النصوص الشرعية شيئاً -دليالً -ينص على النبيذ ما تجد ،لكن الدليل نص على
الخمر ،والعلة اإلسكار ،يخالف في هذا الحنفية ولهم ردود على مثل هذه العلل.
المخدرات والمفترات مقيسة على الخمر بجامع تغطية العقل من وجه ،والضررـ من وجه آخر ،بل
هي شر من الخمر ،فهذا قياس ،يعني يلزم من ال يقول بالقياس أن المخدرات عنده حالل؛ ما فيها
نص يدل عليها ،يلزمه يعني لوازم باطلة ،لكن له أن يقول -إن كان ممن يقول بالمفهوم -يقول:
تحريم المخدرات من باب مفهوم الموافقة ،مفهوم الموافقة ،وهو الذي يسميه بعضهم قياس األولى،
يعني تحريم المخدرات أولى من تحريم الخمر؛ ألنها أشد ضرراً وأشد تغطية ،على أنه جاء في
النص ما يدل على أن أي شيء يجتمع مع الخمر في العلة أنه حرام « ،كل مسكر خمر ،وكل خمر
حرام » ،وال يعني أن يكون الخمر هو ما نزل الحكم مع وجوده ،يعني من التمر والعنب واألمور
التي ،..والشعير والعسل األمور التي نزل الوحي وهي موجودة ومستعملة ،لكن الحنفية ينازعون
في تسمية الخمر إذا اعتصر من غير العنب ،ال يسمونه خمراً ،لكنهم يقيسونه على الخمر ،الخمر
المعتصر من التمر مقيس على الخمر المعتصر من العنب ،لكنه خمر ،ونزلت النصوص وأهل
الحجاز خمرهم من التمر.
المقصود أن مثل هذا يطول ،لكن هناك أمور ال بد من العمل فيها بالقياس؛ لو اقتصرنا على
األحكام المنصوصة ألذهبنا أحكام النوازل كلها؛ ألنها غير منصوصة ،من أمثلته قياس األرز على
البر في جريان الربا بعلة الطعم واالدخار ،كل ما يشارك البر في العلة مقيس عليه بجريان الربا،
كل ما يشارك التمر ما يشارك األصناف الستة المنصوص عليها التي هي الذهب والفضة ،البر،
الشعير ،التمر ،الملح ،ستة.
الظاهرية يقولون :ما في شيء اسمه ربا في غير هذه األنواع الستة ،يعني مقتضى كالمهم أنه ال
يوجد ربا البتة اآلن ،ما في ربا يعني ألف بألف وخمسمائة ما فيه شيء ،لماذا؟ ألنها ليست ذهب
وال فضة ،يعني مقتضى كالمهم -مع تعظيمهم للنصوص ،وال دفعهم إلى هذا القول إال تعظيم
النصوص وعدم الجرأة على اهلل -عز وجل -إال بشيء بين ثابت عنه وعن رسوله مع ذلكم-
وقعوا فيما وقعوا فيما وقعوا فيه.
يعني معناه ألف بألف وخمسمائة ما فيه شيء؛ ألنه ال ذهب وال فضة ،ليس من األنواع الستة،
القرطاس هذا ،فله لوازم ،له لوازم كثيرة عدم القول بالقياس.
يقول الناظم -رحمه اهلل تعالى:-
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 299 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
وأيش أخذنا قبل؟ التعريف فقط؟ إيه ،اقرأ بعده ،اقرأ األقسام ،نعم.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :إيه.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :اإللزام أو تحميل الشرع أو المتمسكين بالشرع بفعل بعضهم بحيث
يقال :إن هذا هو اإلسالم من صنيع بعض المسلمين ،هذه جناية على اإلسالم ،جناية على اإلسالم
من وجه ،فال يجوز أن يلصق باإلسالم إال ما جاء في نصوصه ،أما تصرفات بعض المسلمين ال
تلصق باإلسالم ،واإلسالم يعني مع سعته وكون مرتكب هذه األمور ال يخرج عن دائرة اإلسالم،
لكن ال يعني أن اإلسالم يرتضي هذه التصرفات ،ولذا حرمها وعاقب عليها ،هذا من وجه.
الوجه الثاني :أنه أيضاً على وجود بعض المسلمين الذين يرتكبون هذه المخالفات ال شك أنهم في
تصرفاتهم هذه مع إساءتهم إلى أنسهم ،وتعريضها لعقوبة اهلل -عز وجل -أنهم يصدون عن دين
اهلل ،يصدون عن دين اهلل ،المسلمون الجدد يسمعون عن اإلسالم ،يسمعون عن اإلسالم أنه دين
العدل والرحمة والرأفة والمساواة واإلخاء واإليثار وكذا ،فلما نظروا إلى واقع المسلمين قالوا:
وأين اإلسالم؟ فهم بهذه يصدون عن دين اهلل ،لكن هم تسببوا ،بعضهم يتسبب في الصد عن دين
اهلل ،لكن مع ذلك ال يعفى الذي ُيصد بسبب هؤالء ،فمن تسبب في صد أحد عن دين اهلل بقوله أو
بفعله يأثم ،ويبقى أن الذي انصرف عن دين اهلل بسبب هؤالء معاقب ،ال يعني أننا وجدنا من
يتصرف تصرفات ال تليق بالسلم أننا نبرئ الطرف اآلخر الذي ينصرف عن دين اهلل بسبب هذه
التصرفات ،هو المسؤول األول ،يعني هل معنى أن النساء إذا تبرجت ،وفتنت الشباب ،نعم ،ووقع
الشباب في بعض المحظورات أننا نعفي هؤالء الشباب ونقول :اللوم على النساء التي تبرجت؟ ال
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 300 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
ال ،ال نعني هذا ،هي عليها إثمها ،وأنت عليك إثمك ،هي مأمورة بغض البصر ،مأمورة بالستر،
مأمورة بالقرار في البيت ،أنت أيضاً مأمور بأوامر ،الشرع وضع لك احتياطات؛ لئال تقع في مثل
هذه األمور.
وأما من يقول:
هذا ما هو بصحيح ،الشرع ما يفعل هذا ،هذا مذهب الجبرية ،نعم على المرأة كفل في هذا الباب،
الز ِاني ﴾ [ سورة النور ،اآلية ،] 2 :قدمت على الرجل ،لكن
الز ِان َي ُ>ة َو َّ
ولذا قدمت على الرجلَّ ﴿ :
ال يعني أننا نبرئ الرجل ،ال يعني أن الرجل يبرأ ،وكذلك إذا وجد من يصد عن دين اهلل بقوله أو
بفعله ،ووجد من صد ،..من انصرف عن دين اهلل بسبب هذا الصد مؤاخذ؛ هو مكلف.
طالب.......:
ض ْير :على كل حال دعوة الشيخ مثبتة ومسطرة في كتبه ،وكتب أوالده، َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
وأحفاده ،ومن حمل هذه الراية بعدهم ،ومعهم من أئمة الهدى في العصور المتأخرة ،ال يضيره أن
يتكلم أحد عنهم ،النبي -عليه الصالة والسالم -الحملة على محمد -عليه الصالة والسالم -في هذه
األيام أشد من حملة .......مؤسسات منظمات قامت لتشويه اإلسالم في شتى عصره ،يضر؟ ما
يضر.
الخالق -جل وعال عما يقول الظالمون علواً كبيراً -ما سلم من السب ،وهو المنعم المتفضل،
الموجد من العدم ،المدر للنعم بجميع أنواعها وأصنافها ومع ذلك ما سلم « ،يؤذيني> ابن آدم ».
المقصود أن مثل هذه األمور -وإ ن وجدت -نعم ينبغي الرد عليها والتصدي لها ،لكن نعرف أنها
سنن إلهية ال بد من أن تبقى ،الصراع بين الحق والباطل ال بد أن يبقى؛ لتعظم األجور ،تعظم
األجور لمن يساهم في رد هذه األمور لنصر الدين.
انتهينا من ،..أنت قرأت أقسام القياس؟
المؤلف -رحمه اهلل تعالى -قسم القياس كغيره إلى ثالثة أقسام.
قال « :وينقسم إلى ثالثة أقسام :إلى قياس علة وقياس داللة وقياس شبه ،فقياس العلة :ما
كانت العلة فيه موجبة للحكم » :هذا قياس العلة ،األقيسة ،قياس علة ،وقياس داللة ،وقياس شبه –
ثالثة -قياس العلة عرفه المؤلف « :ما كانت العلة فيه موجبة للحكم » :أيش معنى موجبة؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 301 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
إيجاب عقلي وإ ال شرعي؟ يعني هل العلة موجبة؟ العلة هل العلة يصدر عنها إيجاب ،اإليجاب من
من؟
من اهلل -عز وجل -هذا اإليجاب األصل ،موجبة للحكم يعني مقتضية له ،يمعنى أنه ال يحسن عقالً
تخلف الحكم عنها ،ولو تخلف عنها لم يلزم منه محال ،كما هو شأن العلل الشرعية ،يعني العلل
المستنبطة ،العلل المستنبطة ،يعني قد يتخلف الحكم في المنصوص فضالً عن المقيس الذي توجد
فيه العلة ،وال يلزم منه محال عقالً ،وال يلزم منه مؤاخذة شرعاً؛ لنص آخر.
الميتة حرمت؛ لنجاستها وللضرر ،المضطر يأكل من الميتة ،بل يجب عليه أن يأكل ما يحفظ
حياته ،بنص آخر ،تخلفت ،تخلف إيجاب العلة واقتضاء الحكم لوجود معارض ،فكيف بالعلل
المستنبطة ،ولذا تجد من يثبت حكماً بقياس لعالم آخر أن ينفي ،كما سيأتي في مثال قياس الداللة.
وليس المراد اإليجاب العقلي الذي يقابل االستحالة ،ليس معنى هذا اإليجاب العقلي الذي هو مقابل
لالستحالة؛ ألن عندهم واجب وجائز ومستحيل ،واجب يقابل المستحيل ،والجائز بينهما ،لكن لما
كان مثل هذا ال يمكن التعبير عنه بأنه جائز؛ ألنه يستوفيه طرفاه وهذا راجح لوجود العلة ،العلة
مرجحة إللحاق الفرع باألصل ،ما استطاعوا أن يقولوا :جائز ،وإ نما قالوا :واجب؛ ألنه أقرب
للوجوب.
وليس المراد اإليجاب العقلي بمعنى أنه يستحيل عقالً تخلف الحكم عنها وذلك كقياس تحريم ضرب
الوالدين على التافيف ،بجامع اإليذاء؛ فإنه ال يحسن في العقل إباحة الضرب مع تحريم التأفيف،
يعني هل يحسن من شخص أن يطالبك بمبلغ زهيد ،ويصر ويسجنك من أجله مع أنه له مبلغ ثان
أكبر منه يعفو عنه ،نعم؟ يقول :صحيح عندك لي قيمة البيت مليون ،وعندك قيمة كتاب مائة لاير،
قيمة البيت حل ،لكن المائة ال بد تحضرها اآلن ،ال بد من إحضارها اآلن ،وإ ال سوف تترتب اآلثار
المترتبة على عدم اإلحضار من شكوى وسجن وغيرهما ،هذا عقالً مقبول؟
طالب :ال.
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :ما يحسن ،هذا ال يحسن عقالً ،أيضاً لو وجد ممن يتولى الحسبة –
مثالً -فيشدد على من يرسل نظره ويتسامح مع مسألة إركاب وغيره ،أيهما أشد؟ أنت ال تلتفت ،ال
تلتفت ال يمين وال يسار للنساء ،لكن كونك تفتح الباب وتركب المرأة هذا أمره سهل ،هذا يحسن
عقالً وإ ال شرعاً ما يحسن ،فإذا منع األقل فاألعلى أولى منه بالمنع ،وإ ذا تسومح في األعلى فاألقل
أولى منه بالتسامح.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 302 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
ولذا لما حرم الشارع التأفيف كلمة (أف) ﴿ فَالَ تَ ُقل لَّ ُه َمآ أ ٍّ
ُف ﴾ [ سورة اإلسراء ،اآلية ،] 23 :
وال في أقل من هذه الكلمة ،إذن الشتم والسب من باب أولى.
« لعن اهلل من لعن والديه » تعجبوا كيف يلعن الرجل والديه؟ كيف يلعن الرجل؟ قال « :يسب أبا
الرجل فيسب أباه ،ويسب أمه فيسب أمه » يكون سبب ملعون إذا تسبب ،فكيف إذا فعل؟ نسأل اهلل
العافية ،فكيف به إذا ضرب ،وهذا حاصل وموجود في مجتمعات المسلمين ،يضرب أمه ،يقول:
ليربيها ،أيش يربيها؟ كيف يربي أمه؟ لخالف بينه وبين زوجته ،ليربيها!
أمه لو وجد عندها أجنبياً في البيت؟ لو وجد معها في الفراش رجالً أجنبياً له أن
هل له أن يضرب َّ
يضرب أمه؟ ليس له ذلك ،يريد أن يربيها لخالف بينها وبين زوجته ،هل يستطيع أن يقول شخص:
لمصلحة التربية يجوز مثل هذا؟ واهلل -سبحانه وتعالى -يقول ﴿ :الَ تَ ُقل لَّ ُه َمآ أ ٍّ
ُف ﴾ يتصور
هذا؟!
ما يتصور ،وليس معنى هذا أنه دعوى للتساهل مع الوالدين في عدم توجيههم ،وإ رشادهم،
ونصحهم ،وبيان الحق لهم وقطع جميع السبل المفضية على فسادهم؛ ألن الفساد كما يوجد في
الصغار ،قد يوجد في الكبار ،يعني المقصود ظاهر يا إخوان ،اختلف في هذا النوع فمنهم من جعله
من ،..منهم من جعل الداللة فيه على الحكم قياسية ،ومنهم من ذهب إلى أنها غير قياسية وأنها من
ُف أصل؛
داللة اللفظ على الحكم ،يعني هل تحريم الضرب قياس وإ لحاق ،فيكون الضرب فرع واأل ّ
ألنه منصوص عليه؟ أو نقول :إن اللفظ يدل على تحريم الضرب فيكون من باب أيش؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :مفهوم الموافقة ،مفهوم الموافقة والذي يسميه بعضهم قياس األولى،
يعني إذا حرم ،إذا نص الشارع على أمر خفيف فما فوقه من باب أولى ،محرم من باب أولى
يتناوله النص.
نقل إمام الحرمين في البرهان عن أكثر األصوليين أنه يثبت حكم الضرب بطريق مفهوم الموافقة،
نقل إمام الحرمين عن أكثر األصوليينـ أنه يثبت حكم الضرب بطريق مفهوم الموافقة ،وهو أن
يوافق المسكوت عنه المنطوق في الحكم ،وقد يكون أولى وقد يكون مساوياً ،والضرب أولى
بالتحريم من التأفيف.
يقول الناظم -رحمه اهلل تعالى:-
يعني هل مثل هذا القياس يحتاج إلى عالم ينظر هناك فرع ،هناك أصل ،هناك علة ،وإ ال أدنى عوام
المسلمين يعرف أن مثل هذا حرام من هذا النص؟ نعم.
طالب.......:
ض ْير :هل يحتاج الحكم في مثل هذا ،شخص يضرب أباه ،ويقول :انتظر َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
خلينا نسأل الشيخ فالن؟ نعم ،ال يحتاج ،عوام المسلمين يفهمون أنه إذا منع األدنى فمن باب أولى
أن يمنع ما هو أعلى منه.
إذا منع الشرع الضرب في التأديب الزيادة على عشرة أسواط ،نعم ،هل نقول :إن مائة سوط ما
تخالف؛ ألنه غير منصوص عليها؟ من باب أولى.
الثاني :قياس الداللة :وهو االستدالل بأحد النظيرين على اآلخر ،وقد تكون العلة دالة على الحكم،
وال تكون موجبة للحكم ،قد تكون العلة دالة على الحكم وال تكون موجبة ،ولذا هذا النوع من القياس
أضعف وإ ال أعلى من سابقه؟ أضعف؛ ألنه في القسم األول العلة موجبة ،بينما هنا ال تكون العلة
موجبة ،وفي القسم الثاني من أقسام القياس ،وهو قياس الداللة كما سمعنا ،وعرفه المؤلف بأنه:
االستدالل بأحد النظيرين على اآلخر ،لكن ال بد من أن يكون النظير ،..أن يكون النظيران
متقاربين إن لم يكونا متطابقين في وجه الشبه ،وال تكون موجبة للحكم يعني مقتضية له كما في
القسم األول ،وهذا النوع غالب أنواع األقيسة ،هذا النوع هو غالب أنواع األقيسة.
من العلل المنصوصة في هذا النوع بحيث يلحق بها ما شارك في العلة قوله -عليه الصالة
والسالم -في الهرة « :إنها ليست بنجس » العلة الطوافة « ،ألنها من الطوافين عليكم
والطوافات » ،فالعلة منصوصة – الطوافة -فإذا توافرت هذه العلة نقيس ،إذا وجد شيء يطوف
على الناس ،ويدخل عليهم من غير استئذان ،وال يستطيعون رده ،فإنه يحكم بطهارته ،ولذا يقول
أهل العلم" :وسؤر الهرة وما دونها في الخلقة -هم نظروا إلى الحجم -وما دونها في الخلقة طاهر،
لماذا؟ ألن ما دونها في الخلقة تتحقق فيه العلة التي هي الطوافة ،مع عدم إمكان التحرز منه ،بينما
من فوقها في الخلقة يمكن التحرز منه ،الناس ال يأبهون بما يجول في أفنية البيوت؛ ألنه ال يمكن
ضبطها ،لكن دواخل البيوت يتحكمون فيها ،دواخل البيوت يتحكمون فيها ،نفرض أن شخصاً له
مواشي ،وعنده .....كبيرة ورابط هنا غنم ،وهنا حمار ،وهناك ثور ،وهناك ،..من المأكول وغير
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 304 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
المأكول ،كونها تجوب وتتمشى في األفنية هذا األصل ،لكن دخولها داخل البيوت ،يعني هل يأذن
مثل هؤالء للحمار أن يدخل الصالة نعم؟ ما يمكن ،هل يمكن التحرز من الحمار؟ يمكن؟ ألنه كبير،
لكن يا اهلل هات فأرة يمكنك التحرز منها؟ فأر.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :نعم ،سؤرها ليس بنجس.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :أيش هو؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :لكن سؤرها طاهر وإ ال نجس؟ أيش معنى سؤرها؟ فضلة أكلها أو
شربها ،إذا أكلت من طعام أو شربت من ماء ،ينجس وإ ال ما ينجس؟ ما ينجس ،ولذا يقول أهل
العلم :سؤر الهرة ،..أنت بإمكانك أن تقول :نجس؛ ألن عينها نجسة وتعمى عن العلة المنصوصةـ
أنها من الطوافين ،أنتم ال تتصورون أن البيوت على حد سواء ،هناك بيوت لبعض الناس ما فيها
شيء من هذه الحشرات ،وبعضها مسرح -بعض البيوت -وفي بعض األحيان تسلط أمور تطلع
من المجاري أيش تسوي بها هذه؟ الفئران والجرذان ،رايحة جاية ،مثل هذه ال يمكن التحرز منها،
وهي دون الهرة في الخلقة إذن على كالمهم طاهرة ،لكن لقائل أن يقول :هذه العلة -إنها من
لمعنى يخص الهرة ،ال الطوافين -نعم هو طواف ،لكن كل طواف تتحقق فيه الطوافة طاهر؟ أو
ً
يتحقق في غيرها؟
لقائل أن يقول ذلك ،فالمقصود أن مثل هذا داللته ظنية ،ولذا يكثر التنازع فيه ،وهو أوسع أنواع
األقيسة ،وغالب أنواع األقيسة من هذا النوع ،وهو ما يكون فيه العلة الغالب أنها مستنبطة،
يستنبطها أهل العلل ،وقد يأتي عالم يستنبط علة أخرى ،ولذا وجد قياس -الذي يلي هذا -قياس
الشبه ،فمن أهل العلم من يقيس بجامع كذا ،ومن يطلع واحد ثاني يقيس على حكم مخالف تماماً
لوجود مشابهة من وجه آخر ،وهو ما يسمى فيما بعد على ما سيأتي بقياس الشبه :وهو ما يكون
الحكم فيه لعلة مستنبطة يجوز أن يترتب عليها الحكم في الفرع ،ويجوز أن يتخلف ،وهذا النوع
أضعف من األول كما ذكرنا؛ فإن العلة دالة على الحكم وليست ظاهرة فيه ظهوراً ال يحسن معه
تخلف الحكم ،ومثاله :مثلوا له بقياس مال الصبي والمجنون ،قياس مال الصبي والمجنون على
مال البالغ في وجوب الزكاة.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 305 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
مال الصبي والمجنون :نفترض أن صبياً أو مجنوناً ورث من أبيه أو من قريبه مبالغ طائلة
وأودعت في البنك ،فيها زكاة وإ ال ما فيها زكاة؟ نعم ،فيها زكاة ،لماذا؟ ألن النصوص تتناوله ،مال
ٍ
نام وهو أيضاً كنز ،وقد جاء ما يدل على ذلك في الوصية بالعمل في مال األيتام ،لئال تأكلها
الصدقة.
فالزكاة في مال الصبي والمجنون واجبة قياساً على مال الكبير العاقل ،بجامع أن كال منهما مال
نام ،يعني قابل للنمو ،ليس معنى نام أنه يزيد ،يمكن أنه رصيد جامد أو يخسر بعد ،لكنه قابل للنمو
كمال الكبير العاقل ،وهذا قول األكثر.
أبو حنيفة يقول :أبداً ،ال زكاة في مال الصبي والمجنون ،لماذا؟ لعدم التكليف ،هل على الصبي
صالة؟ هل يجب على المجنون زكاة؟ هل يجب على المجنون صالة أو صيام؟ ال يجب عليهما
لماذا؟ ألنهما غير مكلفين ،إذن الزكاة مثل الصالة ،هما غير مكلفين.
فأبو حنيفة نظر إلى أن المسألة من باب حكم التكليف ،وال تكليف هنا ،والجمهور نظروا إلى أن
المسألة داخلة في حكم الوضع ،يعني هل الحكم هنا تكليفي وإ ال وضعي؟ إذا قلنا :تكليفي ما فيه
شيء؛ ألنهما غير مكلفين ،وإ ذا قلنا :إن إيجاب الزكاة عليهما من باب الحكم الوضعي ،من باب
ترتيب المسبب على السبب ،السبب الموجب للزكاة وجد ،إذن يوجد المسبب ،وجد ملك نصاب إذن
يوجد إيجاب الزكاة ،فيكون من باب ترتب اآلثار على األسباب ،فيكون الحكم وضعياً.
لو أتلف الصبي أو المجنون لغيرهما ،نقول :هذا غير مكلف ال يلزمه شيء؟ نعم ،هل نستطيع أن
نقول غير مكلف؟ هو غير مكلف يا أخي ،طرداً لقول أبي حنيفة ما يلزمه شيء هو غير مكلف
كالبهيمة ،إذن هو من باب ربط األسباب بالمسببات ،وجد التلف فوجد األثر المترتب عليه ،وجد
المال وجد األثر المترتب عليه ،فيكون من باب ربط األسباب بالمسببات ،فيكون حكماً وضعياً،
وليس بحكم تكليفي.
يقول الناظم -رحمه اهلل تعالى:-
هذا يقول :هل ابن حزم يقول بنفي القياس جملة وتفصيالً ،أو ينفي بعض أنواع القياس ويأخذ
ببعضه ولو كان قليالً؟
له كتاب أشرنا إليه ،اسمه إبطال القياس ،ومقتضى كالمه النظري في الكتاب وفي المحلى وفي
غيره من كتبه أنه ال يقول بالقياس مطلقاً ،لكن مع األسف الشديد أنه ألغى القياس في باب األحكام
والفروع ،واستعمله على أوسع نطاق في األصول ،وليته عكس ،ليته عكس كما اشرنا ،لكن مثل
هؤالء الذين يقولون بهذه القواعد النظرية المطلقة التي لها آثارها أحياناً يحتاجون إليه ،أحياناً ال
يكون هناك مفر من القياس ،فتجده من شعور أو من ال شعور يقتحم هذه الغمرات فيقيس ولو لم
يشعر ،يعني نظيره كتقرير أهل العلم أنه ال يقاس في العبادات ،ال قياس في العبادات ،العبادات فيها
قياس عند أهل العلم؟
نعم ،ال يدخلها القياس؛ ألنها تعبدية ،ومع ذلكم إذا نظرنا في كتب الفقه في المذاهب كلها قد نجد
قياساً ،يحتاج إليه في مناقشة خصم فال مفر له عنه ،فكثير من الذين يقعدون ويميلون ويستروحون
إلى أمور تجدهم يخالفونها ،وإ ن كان عاد ليس هو الغالب قليل ،إنما المخالفة توجد.
الثالث :قياس الشبه وهو الفرع المتردد بين أصلين ،هنا يقول :قياس الشبه :هو الفرع المتردد بين
أصلين فيلحق بأكثرهما شبهاً :يعني يوجد فرع ال حكم له في الشرع -لم ينص عليه -وهناك أصل
يشبه ،يشبهه هذا الفرع من وجه له حكم شرعي ،وهناك أيضا أصل آخر يشبهه هذا الفرع له حكم
شرعي ،فيتردد الفرع بين هذين األصلين ،وحينئذ قد تحصل الحيرة وقد ال تحصل حيرة ،إذا
ترجح أحدهما أمر سهل ،يعني أشبه هذا األصل من وجه ،وأشبه األصل الثاني من وجهين ،فنلحقه
بأكثرهما شبهاً.
أشبه هذا األصل بثالثة أوجه من أوجه الشبه ووجه الشبه الثاني -األصل الثاني -من خمسة أوجه
فنلحقه بأكثرهما شبهاً.
ابن قدامة في الروضة يقول :اختلف في تفسيره ثم في أنه حجة ،فأما تفسيره فقال القاضي يعقوب:
هو أن يتردد الفرع بين أصلين حاضر ومبيح ،ويكون شبهه بأحدهما أكثر ،نحو أن يشبه المبيح في
ثالثة أوصاف ،ويشبه الحاضر في أربعة فنلحقه بأشبههما به -يعني بأكثرهما شبهاً به -ومثاله:
تردد العبد بين الحر وبين البهيمة ،العبد يقرر أهل العلم أنه ال يملك بالتمليك ،وقال بعضهم بأنه
يملك ،فمن قال :ال يملك ،قال :هو يشبه البهيمة من وجوه كثيرة ،ومن قال :يملك ،قال :هو يشبه
الحر ولو من وجه ،التكليف على أقل األحوال ،وتحمل المسؤولية ،ينكح ويطلق ،فهو مشبه للحر.
ِّأذن ونكملِّ ،أذن.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 307 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
ما زلنا يا إخوان في قياس الشبه الذي ُمثِّل له بالرقيق ،وهو مشبه للحر من وجوه ،ومشبه للبهيمة
من وجوه ،فإذا جنى هذا الرقيق جناية ،هل تكون جنايته ملحقة بجناية البهيمة ،أو تكون جناية
ملحقة بجناية الحر؛ ألن له إرادة كالحر؟ أو نقول :ألنه ال يملك كالبهيمة ،وأيضاً في ملكه خالف،
تبعاً لتردده بين هذين األصلين؟
فمن وجوه شبهه يقول :مثلوا له بالعبد المتردد بين الحر وبين البهيمة في أنه يملك ،وفي ضمان
متلفه ،فمن لم يملكه قال :حيوان؛ يجوز بيعه ،ورهنه ،وهبته ،وإ جارته ،وإ رثه أيش وإ رثه يعني
يورث كالمال سواء بسواء ،أشبه الدابة ،يشبه ،..حيوان يجوز بيعه ،ورهنه ،وهبته ،وإ جارته،
وإ رثه ،فهو مشبه للدواب.
ومن يملكه يقول :يملك بالتمليك ،قال :يثاب ،ويعاقب ،وينكح ،ويطلق ،ويكلف أشبه الحر ،فيلحق
بما هو أكثر بهما شبهاً.
المذي مشبه فرع متردد بين أصلين ،بين البول فيحكم بنجاسته ،وبين المني فيحكم بطهارته.
أمثلة هذا النوع من قياس الشبه كثيرة ،ولذا اختلف لآلن عندنا قياس العلة ،العلة موجبة فهو قوي،
قياس الداللة العلة غير موجبة ،ولذا يحصل التنازع في بعض المسائل التي يستدل عليها بقياس
الداللة.
قياس الشبه أضعف وإ ال أقوى؟ نعم؟
أنت إذا نظرت إلى قياس الداللة ،ال يوجد له إال أصل واحد ما في تردد ،اآلن هذا التردد بين
أصلين أال يضعف اإللحاق؟ نعم؟ يعني لو أشبه أصالً واحداً نعم ،مالت النفس إلى إلحاقه بهذا
األصل صار من باب قياس الداللة ،لكن إذا ألحقناه بهذا األصل جاءنا من يقول :لماذا ال نلحقه
بكذا؟ فهو أضعف من النوعين السابقين ،ولذا اختلفت الرواية عن اإلمام أحمد في قياس الشبه،
وروي أنه صحيح ،وروي أنه غير صحيح ،ولإلمام الشافعي قوالن كالروايتين ،ووجه كونه حجة
أنه يثير ظناً غالباً ،يثير ظناً غالباً ،أيش معنى يثير ظناً غالباً؟
يعني كون هذه المسألة ،كون هذا الفرع أقرب شبه بهذا األصل فيكون أرجح ،يعني لو وجد فرع
متردد بين أصلين على حد سواء في وجوه الشبه ،اآلن يثير ظناً غالباً وإ ال شكاً؟
شك ،مع االحتمال المساوي شك ،لكن وجدناه فيما يشبه من أحد األصلين أقوى ،إذن األقوى هو
الغالب ،لو ألحقناه باألضعف لقلنا :يثير وهماً ،لو ألحقناه بالمساوي لقلنا :يثير شكاً ،إذا ألحقناه
بأشبههما وأقربهما وأقواهما شبهاً ،نعم ،قلنا :يثير ظناً غالباً ،والعمل بالظن الغالب أولى من ترك
العمل بالحكم أصالً؛ ألنك مخير بين أمرين :إما أن تعمل بهذا الظن الغالب على ضعفه ،أو تترك
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 308 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
العمل بالكلية في هذا الحكم حتى ،..تتوقف فيها حتى تجد فيها حكماً مناسباً ،ال شك أن مثل هذا
يثير ظناً غالباً ،واهلل المستعان.
بسم اهلل الرحمن الرحيم ،الحمد هلل رب العالمين ،وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد وعلى آله
وصحبه أجمعين أما بعد:
فقد قال المؤلف -رحمه اهلل تعالى:-
ومن شرط الفرع :أن يكون مناسباً لألصل فيما يجمع به بينهما للحكم ،ومن شرط األصل :أن
يكون ثابتاً بدليل متفق عليه بين الخصمين ،ومن شرط العلة :أن تطرد في معلوالتها ،فال تنتقض
معنى ،ومن شرط الحكم :أن يكون مثل العلة في النفي واإلثبات ،والعلة هي الجالبة لفظاً وال
ً
للحكم ،والحكم هو المجلوب للعلة.
« َّ
الش ْـر ُح » :
الحمد هلل رب العالمين ،وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين ،أما بعد:
فلما ذكر القياس وعرفه وذكر أقسامه ،وأنه ينقسم إلى ثالثة أقسام :قياس الداللة ،وقياس العلة،
وقياس الشبه ،تقدمت هذه األنواع -تقدم شرحها.-
أردف ذلك بالشروط التي تشترط لصحة القياس ،فذكر منها ما يتعلق بالفرع ،ومنها ما يتعلق
باألصل ،ومنها ما يتعلق بالعلة والحكم ،واقتصر في كل واحد منها على شرط واحد؛ ألن الكتاب
في غاية االختصار ،وقد ألف للمبتدئين ،وإ ال فالشروط كثيرة جداً.
شروط األصل أوصلها الشوكاني إلى اثني عشر شرطاً ،وشروط الفرع ذكر منها أربعة ،وشروط
العلة وصلت إلى أربعة وعشرين شرطاً ،أربعة وعشرين شرطاً ،فيكون المجموع أربعين ،نعم،
في كثير منها أو في بعضها نزاع بين أهل العلم ،هل يشترط ،أو هل يمكن إدراجه بغيره من
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 309 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
الشروط ،يمكن تداخل بعض هذه الشروط مع بعض؟ وبعضها فيه ،..في إثباته نزاع ،لكن ما يمنع
أننا نطلع على هذه الشروط إجماالً ،التي ذكرها الشوكاني.
من شروط األصل ما ذكره المؤلف ،والمؤلف في ترتيبه قدم الفرع على األصل ،قال :ومن شرط
الفرع ،ثم قال :ومن شرط األصل ،يعني األصل أن يقدم الفرع وإ ال األصل؟
طالب :األصل.
ض ْير :نعم ،األصل هو األصل على اسمه ،وال يقدم الفرع على أصله ،كما َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
أنه ال يقدم الولد على أبيه ،ال يقدم الفرع على أصله ،يعني ترتيب فني ،وإ ال ما يضر أن تقدم فرع
وإ ال أصل هنا ،وال تقول :خالفت السنة ،وال األصل أكبر من الفرع وال أصغر ،نعم ،كون األصل
ثابت بنص شرعي يقتضي تقديمه على الفرع الذي هو ثابت بقياس من هذه الحيثية ،لكن لعل
المؤلف نظر إلى هذه األمور من وجهة ،وهي أن الفرع هو المقصود بحثه بالذات في هذا الباب،
يعني األصل -المقيس عليه -هل يحتاج إليه في هذا الباب باعتباره محل بحث في هذا الباب ،أو
أن القياس إنما أوجد للفرع المقيس؟
يعني هل نحتاج إلى إثبات حكم األصل في هذا الباب ،أو نحتاج إلى إثبات حكم الفرع في هذا
الباب؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :نعم ،نحن نحتاج إلى إثبات حكم الفرع وإ ال فاألصل ثابت بنص ،ولهذا
قُ ِّدم ،يعني من قدم األصل -والمسألة مسألة تنظيمية ،يعني سواء قدم أو أخر األمر سهل يعني
الخطب سهل -لكن مسألة ترتيبية فنية ،لو قدم األصل باعتبار أنه ثابت بنص ،والفرع مقيس عليه
ثابت بالقياس التحادهما –الشتراكهما -في العلة ،فيبقى الترتيب مناسب لألصل ،يقدم األصل.
ومن نظر إلى أن الفرع هو المقصود بالذات ،المطلوب إثبات حكمه في هذا الباب قدم الفرع ،كما
فعل المؤلف ،على كل حال يعني مثل ما قلنا :مسألة سهلة.
الشروط التي ذكرها الشوكاني لألصل اثنا عشر:
األول منها :أن يكون الحكم الذي أريد تعديته إلى الفرع ثابتاً في األصل؛ فإنه لو لم يكن ثابتاً فيه
بأن لم يشرع فيه حكم ابتداء أو شرع ونسخ ،لم يمكن بناء الفرع عليه.
الشرط الذي ذكره المؤلف « :ومن شرط األصل أن يكون ثابتاً بدليل متفق عليه بين الخصمين،
بدليل متفق عليه بين الخصمين » :يعني مثاله :إذا قال الحنبلي أو الشافعي :الماء المستعمل ال
يجوز التطهر به ثانية ،فانتقل حينئذ من كونه مطهر إلى كونه طاهر ،هذا يقوله من؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 310 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
شافعي أو حنبلي.
طالب :حنبلي.
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :كالهما ،كالهما.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :كيف؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :كالهما والحنفية أيضاً ،لكن بينهم فروق في القليل والكثير وتحديده،
لكن إذا قال الحنبلي والشافعي؛ ألن الحنفي رأيه أشد من رأي الشافعية والحنابلة في هذا ،عندهم
رواية في مذهبهم أن الماء الذي رفع به الحدث ينجس ،ما يكفي أن يكون طاهراً ،عندهم هم ،لكن
دعونا في مذهب الشافعية والحنابلة.
إذا قال الحنبلي :الماء المستعمل لرفع الحدث طاهر وليس بطهور ،بمعنى أنه ال يجزئ التطهر به
مرة ثانية ،وجعل هذا أصالً ،وقال :يقاس عليه الحجر الذي رمي به أوالً ال يرمى به ثانياً؛ ألنه
استعمل في عبادة ،إذن ال ينفع استعماله مرة ثانية ،كاستعمال الماء في الوضوء ،يريد أن يلزم
مالكياً بأن ال يرمي بالحجر مرة ثانية لماذا؟ ألنه استعمل في عبادة ،ومادام استعمل في عبادة ال
يصلح أن يستعمل مرة ثانية قياساً على الماء الذي استعمل في الطهارة مرة أولى فال يستعمل مرة
ثانية.
عندنا خصم وهو الحنابلة والشافعية في جهة والمالكية في جهة أخرى ،يسلم المالكي بهذا؟ يسلم
وإ ال ما يسلم؟ ال يسلم ،لماذا؟ ألنه ال يوافق على حكم األصل ،عنده الماء المستعمل -عند المالكية-
الماء المستعمل يجوز التطهر به ثانية وثالثة ورابعة ،ويبقى طهوراً ،ويبقى أنه أولى باسم الطهور
من الماء الذي لم يستعمل ،لماذا؟ لماذا صار أولى من الماء الذي لم يستعمل أصالً ،يا إخوان
تأملوا ،ومر عليكم في أوائل كتب الفقه ،نعم؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :نعم؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :إيه هو استعمل في عبادة ،لكن أولئك يقولون :استعمل في عبادة
خالص انتهى ،وهؤالء يقولون :هو أولى من الماء غير المستعمل.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 311 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
لو نظرنا إلى الصيغة ،صيغة طهور ،طهور أيش؟ صيغة أيش؟ مبالغة ،صيغة مبالغة ،لماذا
استحق هذه المبالغة؟ ألنه تكرر فيه أو منه التطهير ،فتطهر به مراراً فصار طهوراً ،فاستحق هذا
الوصف ،استحق هذه المبالغة فهو أولى من غيره.
نعود إلى أصل المسألة التي معنا :أن يكون الحكم ،حكم األصل متفق عليه بين الخصمين ،شوف
أيش يقول « :من شرط األصل أن يكون ثابتاً بدليل متفق عليه بين الخصمين » :اآلن هل يتفق
الحنابلة والشافعية مع خصومهم من المالكية على أصل المسألة التي هي عدم الوضوء بالماء
المستعمل؟ يتفقون وإ ال يختلفون؟ ما يختلفون ،إذن يختلفون في الفرع المقيس عليه من باب أولى،
فإذا قاس الحنبلي أو الشافعي الحجارة المستعملة التي رمي بها واستعملت في الرمي مرة أولى فال
تعاد مرة ثانية قياساً على الماء المستعمل ،قال لك المالكي :ال ،أنا ال أوافق على األصل ،فكيف
تريدونني أن أوافق على الفرع؟
هذا معنى قوله « :أن يكون األصل ثابتاً بدليل متفق عليه بين الخصمين ».
واقتصر على هذا الشرط؛ ألهميته ووضوحه ،وإ ال فالشروط كما ذكرنا اثنا عشر.
الشرط األول من الشروط التي ذكرها الشوكاني :أن يكون الحكم الذي أريد تعديته إلى الفرع في
األصل ،فإنه لو لم يكن ثابتاً فيه بأن لم يشرع فيه حكم ابتداء ،أو شرع ونسخ لم يكن بناء الفرع
عليه.
الذي لم يشرع فيه حكم ابتداء يستحق أن يسمى أصالً ،نعم؟ هل يستحق أن يسمى أصالً؟ هو بحاجة
إلى أن يبحث فيه عن أصل ،فهو كالفرع ،إذن هل نحتاج إلى هذا الشرط؟
ال نحتاج إلى هذا الشرط إال في شقه الثاني ،يعني لو كان األصل ثابتاً بدليل منسوخ ،ثابتاً بدليل
منسوخ ،أن يكون الحكم الذي أريد تعديته ثابتاً في األصل فإنه لو لم يكن ثابتاً بأن لم يشرع فيه حكم
ابتداء ،هذا ما نحتاج إليه ،أو شرع ثم نسخ ،يعني إذا كان األصل المقيس عليه ،األصل المقيس
عليه ثابتاً بحكم أو بدليل منسوخ ،أما مع االتفاق على النسخ فال يمكن أن يقول بهذا أحد من أهل
العلم ،نعم ،لكن يتصور أن يقيس العالم على حكم ثابت بدليل منسوخ إذا لم يبلغه الناسخ ،أو ينازع
في كونه منسوخاً ،ينازع في كونه منسوخاً ،ينازع في كونه منسوخاً ،فعلى سبيل المثال لو قال
القائل :إن الذي ال يجد النعلين يلبس الخفين ويقطعهما أسفل من الكعبين ،ويقول :النص محكم
محكم ،والثاني الذي لم يذكر فيه القطع مطلق واألول مقيد ،والمقيد ،..يعني القطع قيد ،وحينئذ
يحمل المطلق على المقيد فنحتاج إلى قطع ،كونه ما ذكر القطع اكتفاء بذكره أوالً ،فنحتاج إلى أن
نقطع ،فإذا قال مثل هذا ،نقيس عليه أيش؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 312 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
السراويل -مثالً -ماذا نصنع بالسراويل؟ يقول :إذا لم نجد إزاراً نلبس السراويل ونقطع السروال
بدل ما يكون سابغ إلى فوق الكعب نقطعه بالقدر المجزئ،؛ ألن لبس السراويل للحاجة كما أن لبس
الخف للحاجة ،واحتجنا إلى قطعها بالنص ،ولبس السراويل للحاجة إذن نكتفي بالقدر المجزئ
منها ،إلى ما يستر العورة ،وما زاد على ذلك قدر زائد على الحاجة ،فجعلوا هذا فرع والخف
أصل ،وهذه مسألة تقريبية ترى ،ما قال أحد بالسروال وأنه يقطع أو ما يقطع ،لكن هذا مثال
للتقريب.
على قول من يقول بأن قطع الخف محكم وليس بمنسوخ ،يمكن أن يقيس عليه مثل هذا ،بجامع أن
كالً منهما لباس حاجة لعدم وجود المنصوص عليه من النعل واإلزار.
يقول الخصم :أنا ال أوافق على قطع الخف ،لماذا؟ ألن النبي -عليه الصالة والسالم -خطب
بعرفة وحضره الجموع الغفيرة ممن لم يحضره بالمدينة ولم يشر إلى القطع ،فدل على أنه منسوخ
القطع ،إذن األصل دليله منسوخ ،فإذن ال نحتاج ،..ال نستطيع أن نقيس عليه؛ ألن دليله منسوخ،
ظاهر وإ ال ما هو بظاهر ،واضح وإ ال ما هو بواضح؟ ما تعرفون حكم لبس الخف للمحرم ،وأن فيه
خالفاً بين أهل العلم ،هل يقطع أو ال يقطع؟ وأن من قال بقطعه قال:
« وليقطعهما » قيد ،نص مقيد وذاك مطلق ،وحينئذ يحمل المطلق على المقيد وينتهي اإلشكال،
والذين قالوا يلبس بدون قطع يقولون :نسخ.
النبي -عليه الصالة والسالم -خطب بالمدينة وبين األحكام وقال « :من لم يجد النعلين فليلبس
الخفين ،وليقطعهما أسفل من الكعبين » ،وهذا متقدم ،وفي عرفة بعد ذلك خطب وحضره جموع
غفيرة ،يعني ما يقال اكتفاء بما بيِّن في المدينة ،حضره جموع غفيرة ممن لم يحضر هناك ،وال
أشار إلى القطع ،مع أدلة أخرى تعضد المسألة ،والنهي عن إضاعة المال وما أشبه ذلك.
فإذا قسنا السراويل على الخف ،وقلنا :يقطع السروال ويقتصر منه على قدر الحاجة ،كما يقطع
الخف ،نحتاج إلى مقيس عليه ثابت بنص محكم لم يثبت بنص منسوخ.
يقول الخصم :أنا ال أوفاقك على األصل فضالً عن الفرع ،ويمكن أيضاً إدخال هذا الشرط فيما
ذكره المؤلف من أن يكون األصل ثابتاً بنص متفق عليه بين الخصمين.
من الشروط التي ذكرها الشوكاني :أن يكون الحكم الثابت في األصل شرعياً ،فلو كان عقلياً أو
لغوياً لم يصح القياس عليه؛ ألن بحثنا إنما هو بالقياس الشرعي ،كيف؟
البحث في القياس الشرعي ،هناك شيء يسمى القياس في اللغة ،القياس في اللغة وفيه كتب مؤلفة،
وأيضاً العقليات يدخلها القياس ،ويدخلها التنظير ،هل معنى هذا أنه ال يثبت القياس في اللغويات
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 313 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
وال في العقليات؟ لكن المقصود بالقياس الذي يبحث هنا ،وهو القياس الشرعي ،البد أن يكون
األصل شرعياً ،ثبوت الحكم في األصل شرعياً ال لغوياً وال عقلياً ،وإ ال فالقياس في اللغة معروف،
والقياس في العقليات والتنظير لها معروف.
أن يكون الحكم الثابت في األصل شرعياً ،فلو كان عقلياً أو لغوياً لم يصح القياس عليه؛ ألن بحثنا
إنما هو بالقياس الشرعي.
مسألة اختلفوا فيها :هل يثبت القياس على النفي األصلي:
الحكم الثابت باالستصحاب -استصحاب النفي األصلي -وكل على أصله في األعيان المنتفع بها
قبل ورود الشرع ،هل هي على المنع أو على اإلباحة؟ وسبق بحثها.
إذا كان الحكم األصلي ثابتاً بالنفي األصلي ،حكم األصل يثبته من يقول به بالنفي األصلي ،وهذا
يتصور في العبادات ،مثل هذا يتصور في العبادات؟ نعم؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :نعم ،ال يتصور؛ ألن العبادات ال بد فيها من نص؛ ألنها ال يدخلها
األقيسة ،فهناك شيء -عين ينتفع بها -يمكن االنتفاع بها ،دليل إباحتها :عدم وجود النص على
تحريمها ،فنحتاج إلى ،..فاحتجنا إلى شيء مماثل لهذا الشيء الذي استدل أهل العلم على جوازه
بعدم نص يدل على تحريمه فنقيس عليه.
على سبيل المثال :األطعمة ،األطعمة :وجدت حيوان ال تعرف له حكماً في الشرع ،ولم يرد فيه
نص ال بنفي وال بإثبات ،والعلماء يختلفون في هذا ،منهم من يقول :الحالل ما أحله اهلل ،والحرام ما
حرمه اهلل ،ومنهم من يقول :الحرام ما حرمه اهلل ،هناك خالف بين من يقول :الحالل ما أحله اهلل،
وبين من يقول :الحرام ما حرمه اهلل؟ هناك خالف؟ هذا قال به جمع ،وهذا قال به جمع؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :هذا جعل األصل الحل ،وال حرام إال ما حرمه اهلل ،والثاني جعل
األصل التحريم وال حالل إال ما أحله اهلل ،دعونا نجعل األصل الحل في األطعمة:
وجدنا نوع من النبات بحثنا له عن أصل يدل على منعه ما وجدنا قلنا :يؤكل بناء على أن الحرام
ما حرمه اهلل ،وهذا باق على األصل ولم نجد فيه نصاً ،ثم وجدنا نباتا يشبهه ،هل نقيس هذا النبات
الثاني على األول؟ أو نستدل للثاني بما استدللنا به على األول.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :نعم؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 314 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
الشوكاني يقول :أن يكون الطريق إلى معرفته سمعية؛ ألن ما لم تكن طريقه سمعية ال يكون حكماً
شرعياً ،وهذا عند من ينفي التحسين والتقبيح العقليين ال عند من يثبتهما.
الرابع :أن يكون الحكم ثابتاً بالنص ،وهو الكتاب أو السنة ،أن يكون الحكم ثابتاً بالنص يعني حكم
األصل ثابت بنص من الكتاب أو السنة ،وهل يجوز قياسه على الحكم الثابت بمفهوم الموافقة أو
المخالفة؟
قال الزركشي :لم يتعرض له ،ويتجه أن يقال :إن قلنا :إن حكمهما حكم النطق فواضح ،وإ ن قلنا:
كالقياس فيلحق به.
عندنا دليل من الكتاب أو من السنة يدل على التحريم ،ووجدنا فرعاً يناسب المنصوص عليه في
العلة نقيس ،لكن عندنا دليل يدل على حكم بنطقه ،داللته في محل النطق هذا منطوق ،والفرع
المقيس عندنا ال يشبه المنطوق ،يشبه المفهوم ،يعني مأخوذ من داللة اللفظ ال في محل النطق،
سواء في ذلك مفهوم الموافقة أو المخالفة.
ً
نعم ،مفهوم الموافقة يعني قياس أو أخذ تحريم السب للوالدين من التأفيف ،وهذا يسمى قياس
األولى ،وهو مفهوم موافقة؛ ألنه يتفق مع المنطوق في الحكم ،هل نحتاج إلى أن نقيس فرع على
سواء كان موافقة أو مخالفة؟
ً الحكم المستنبط من مفهوم النص
هذا مختلف فيه ،هذا مختلف فيه.
أن يكون الحكم ثابتاً من نص وهو الكتاب والسنة ،وهل يجوز القياس على الحكم الثابت بمفهوم
الموافقة أو المخالفة؟
قال الزركشي :لم يتعرضوا له ،ويتجه أن يقال ،إن قلنا :إن حكمهما حكم النطق يعني نستدل
بالمفهوم مثل ما نستدل بالمنطوق ،يعني النص يتناول داللة النص في محل النطق وفي غير محل
النطق تتناول المنطوق والمفهوم ،فإذا قلنا :إنه يستدل على الحكم المستنبط من مفهوم النص ويكون
دليالً ثابتاً استنبطناه من النص وإ ن لم يكن من منطوقه بل من مفهومه نستطيع أن نقيس عليه.
من يأتي لنا بمثال فيه مفهوم؟ مثال له مفهوم ومنطوق ،نص له منطوق ومفهوم؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :كيف؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير « :إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث » ،منطوقه :أن ما بلغ القلتين
بالتحديد لم يحمل الخبث.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 317 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
يقول :والظاهر -يقول الشوكاني :-والظاهر أنه يجوز القياس عليهما عند من أثبتهما؛ ألنه يثبت
بهما األحكام الشرعية كما يثبت بالمنطوق ،وأما ما ثبت باإلجماع...
انتهينا مما ثبت بالمفهوم ،لكن ما ثبت باإلجماع ما ثبت باإلجماع ،وخلونا في نفس الحديث ،نفس
الحديث.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :ال الحديث الثاني ،الحديث الثاني « :إن الماء طهور ال ينجسه شيء
».
بالمناسبة حديث القلتين من أهل العلم من عمل به -بمنطوقه ومفهومه -وهذا عند من يصححه،
وهو المعتمد عند الحنابلة والشافعية ،ومنهم من ال يعمل بمنطوقه وال بمفهومه ،وهم مذهب
بناء على ضعفه ،ومنهم من يعمل بمنطوقه دون مفهومه ،وهذا قول من؟ شيخ اإلسالم ابن
المالكية؛ ً
تيمية -رحمه اهلل.-
شيخ اإلسالم يعمل بمنطوق الحديث وال يعمل بمفهومه؛ ألن مفهومه مخالف بمنطوق حديث:
« إن الماء طهور ال ينجسه شيء » ،مفهومه مخالف ،وإ ذا خولف المفهوم بمنطوق قدم المنطوق.
إذا كان األصل ثابتاً بإجماع ،ولم نعرف األصل الذي استند عليه هذا اإلجماع ،هل نقيس عليه؟
وفي الحديث « :إن الماء طهور ال ينجسه شيء إال ما غلب على لونه وطعمه وريحه » ،الزيادة
ضعيفة باتفاق الحفاظ « إال ما غلب » ،لكن اإلجماع قائم على أن ما غلب على لونه أو ريحه أو
طعمه -لون النجاسة أو ريحها أو طعمها -أنه نجس باإلجماع.
فعندنا برميل فيه زيت أكثر من قلتين ،وقعت فيه نجاسة ونطل في البرميل ونشم النجاسة ،زيت
نشم فيه النجاسة ،وتغير لون الزيت بلون النجاسة ،أو طعم الزيت تغير بطعم النجاسة ،هل نقول:
إن هذا ،..حكم هذا الزيت نجس قياساً على الماء الذي تغير بالنجاسة ،واألصل ثبت بإجماع أهل
العلم ،إذن الفرع يثبت باإلجماع ،أو بالقياس على ما أجمع عليه ،واضح وإ ال ما هو بواضح؟
طالب :واضح.
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :اإلخوان اللي ساكتين ما ندري أيش وراءهم ،واضح وإ ال ما هو
بواضح ،طيب العهدة عليهم.
وأما ما ثبت باإلجماع ففيه وجهان ،قال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي وابن السمعاني" :أصحهما
الجواز" ،وحكاه ابن برهان عن جمهور أصحاب الشافعي ،والثاني عدم الجواز ما لم يعرف النص
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 319 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
وإ ن اختلفت -إن اختلفت العلة -يعني المفترض أن العلة في األصل -األصل األصلي -والمقيس
عليه واحدة ،ثم جاءنا ثالث إن اتحدت علته مع الثاني ،والثاني قد اتحدت علته مع األول ،نعم؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :نقيس الثالث على األول.
اآلن لو سئلت مثالً كيل كم تقديرك؟
قلت :تقديري مثل زيد الذي تقديره مثل تقدير عمرو ،الذي تخاطبه ال يعرف زيداً ،هو يعرف
عمراً ،فأنت تقول له :تقديري مثل تقدير زيد الذي تقديره مثل تقدير عمرو ،اآلن عرف ،ليش
عرف؟ ألنه يعرف تقدير عمرو ،وهو ما يعرف زيد وال تقديره ،فعرف تقديرك لكن أنت طولت
بغير طائل ،لماذا ال تقول تقديري مثل تقدير عمرو؟ ما هو بتطويل؟
طالب :بلى.
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :هو صحيح أن تقديرك مثل تقدير زيد سبعين ثمانين تسعين في المائة
مثل تقدير زيد ،وتقدير زيد مثل عمرو ،فأنت ال تحتاج إلى ذكر الواسطة؛ ألن العلة موجودة في
األطراف الثالثة على حد سواء ،فلسنا بحاجة إلى ذكر الواسطة ،فنقيس الفرع الثاني على األصل
األول ،وإ ن اختلفت لم ينعقد القياس الثاني؛ لعدم اشتراك األصل والفرع في علة الحكم ،يعني لو
قدر أن الثاني -المقيس الثاني -على األصل األول تختلف العلة ،نعم ،تختلف العلة ،إيه ،إذن كيف
نقيس أصل على فرع مقيس على أصل تختلف فيه العلة؟
طالب :يبطل.
ض ْير :خالص يبطل القياس؛ ألنا اشترطنا أن وجود العلة في الفرع مثل َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
وجودها في األصل ،لكن لو قال قائل ممن أجاز مثل هذا النوع نعم ،وقال :إن الفرع األول يتفق
مع األصل في العلة بنسبة ثمانين في المائة ،والفرع الثاني يتفق مع الفرع األول في العلة بنسبة
ثمانين بالمائة ،إذن الفرع الثاني يتفق مع األصل بنسبة كم؟
يعني هل المفترض أن تكون العلة موجودة في الفرع مطابقة مثل وجودها في األصل مائة بالمائة؟
نعم ،ما يجد ،فإذا كانت نسبة المطابقة بين األصل والفرع بنسبة ثمانين بالمائة ،وغلب على الظن
تحقق هذه العلة نعم ،استطعنا أن نقيس ،جيد وإ ال ال؟
إذا كان الفرع الثاني بنسبة ثمانين بالمائة مع الفرع األول ،إذن نسبة الفرع الثاني مع األصل بنسبة
ستين بالمائة ،ستين بالمائة ،وحينئذ لو دققنا في مثل هذه واعتبرناها وجدنا القول الثاني ،ترى ما
هو بالغي تماماً.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 321 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
الحمد هلل رب العالمين ،وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين ،سبق الكالم على شروط األصل ،ذكر منها الشوكاني اثني عشر شرطاً ،شرحنا منها
بعض ما يناسب شرحه ،بقيت منها بقية ،والمؤلف كما ترون يقول:
« من شرط األصل أن يكون ثابتاً بدليل متفق عليه بين الخصمين ،ثابتاً بدليل متفق عليه بين
الخصمين » :فلو ثبت األصل بدليل يثبته أحد دون أحد -يعني من أهل العلم -فعلى سيبل المثال
لو قلنا :إن األصل ،أو المسألة المنصوص عليها الكفارة في وطء الحائض ،دينار أو نصفه كفارة،
فجاء شخص فقاس على وطء الحائض مثالً وطء النفساء -مثالً على سبيل المثال -وقال :يجيب
في الوطء وطء النفساء كفارة دينار أو نصفه ،وأراد أن يقرر المسألة على غيره ،حنبلي يقول بهذا،
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 322 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
فيقول لشافعي –مثالً -أو غيره من المذاهب األخرى :وطء النفساء فيه الكفارة دينار أو نصفه،
قياساً على وطء الحائض ،يقول له صاحب المذهب الثاني :أنا ال أوافقك على صحة الدليل الذي
اعتمدت عليه ،الذي أثبت به األصل –الدليل -ال أوافقك على صحته وعلى ثبوته ،فال بد أن يكون
دليل األصل ثابتاً متفقاً عليه بين الخصمين.
أهل العلم يسمون المتناظرين خصوم خصوم ،قال صاحب المذهب كذا ،وقال الخصوم كذا ،وأنتم
ترون في ،..على سبيل المثال في نصب الراية -وهو كتاب حديث -تخريج أحاديث الهادية ،من
أدلة الخصوم ،من أحاديث الخصوم ،خصوم صارت قضايا المسائل العلمية ،ما ظهر مثل هذا إال
لما تعصب الناس آلرائهم ،لما تعصب الناس بآرائهم ومذاهبهم صارت المناظرات بين الخصوم،
وإ ال قبل ذلك اإلمام الشافعي ماذا يهمه؟ يهمه ظهور الحق ،يقول :ولو كان على لسان الخصم،
يهمنا ظهور الحق ،فتسمية المناظر أو تسمية صاحب المذهب اآلخر المراد إقناعه وإ يصال الحجة
إليه خصم ،هذا فيه تجوز ،ولهذا يقول « :ومن شرط األصل أن يكون ثابتاً بدليل متفق عليه بين
الخصمين » :وعرفنا مثاله ،فإذا قلت :في وطء النفساء كفارة دينار أو نصفه ،قياساً على الحائض
الذي فيه النصف ،يقول لك :أصل النص الذي اعتمدت عليه في تقرير األصل ال أوافقك عليه،
ظاهر وإ ال ما هو بظاهر؟ هذا ظاهر.
طيب بقية الشروط التي أشار إليها الشوكاني ،شرحنا خمسة وإ ال ستة؟ ال أكثر سبعة ،هذا سبعة،
طيب.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :خمسة؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :أال يكون األصل المقيس عليه فرعاً ألصل آخر ،هذا انتهى ،طيب،
فرعاً ألصل آخر ،أال يكون األصل المقيس عليه فرعاً ألصل آخر.
في مسألتنا التي قررناها -وإ ن كان عاد الكالم عليها ذهب -يعني وطء النفساء قياساً على أصل
وهو وطء الحائض فيه كفارة دينار أو نصفه عند من يثبته ،يأتي بمسألة هي فرع عن وطء النفساء
مثل أيش؟
لو قال قائل :إنه في وطء المستحاضة كفارة دينار أو نصفه ،قياساً على النفساء ،والنفساء قياساً
على الحائض.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 323 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
أال يكون األصل المقيس عليه فرع ألصل آخر ،نعم ،لماذا؟ ألن كانت العلة في الفرع األول مثل
العلة في الفرع الثاني ،وهي علة األصل يشترك الثالثة في العلة ،فال داعي ذكر الفرع األول؛
تطويل ،الفرع الثاني الحكم باألصل ،صحيح وإ ال ال ،ال داعي لذكر الفرع األول؛ ألنه تطويل،
وهذا أشرنا إليه سابقاً.
السادس من الشروط التي ذكرها الشوكاني :أال يكون دليل حكم األصل شامالً لحكم الفرع ،أما لو
كان شامالً له خرج عن كونه فرعاً ،وكان القياس ضائعاً لخلوه عن الفائدة باالستغناء عنه بدليل
األصل ،وألنه ال يكون جعل أحدهما أصالً واآلخر فرعاً أولى من العكس ،يعني إذا تناولت العلة
بعمومها أكثر من صورة ،نعم ،تناولت العلة بعمومها أكثر من صورة مثل علة اإلسكار ،هذه علة
تتناول أكثر من صورة ،الخمر مسكر ،نعم ،نقول أيضاً :الكالونية مسكر ،المخدرات مسكر،
الحشيش مسكر ،جيد وإ ال ال؟
ما نقول :الحشيش مقيس على الخمر ،الكالونية يقاس على ،..لون من األطياب فيه كحول وفيه
أشياء تسكر ،نعم ،ما نقول هي مقيسة على الخمر لماذا؟ ألن عموم العلة يشمل كل هذه الذي هو
اإلسكار ،فال داعي للقياس في هذه الصورة ،إنما شمول العلة.
إذن كيف نقول بتحقق العلة في الفرع كتحققها في األصل ،يكون األصل منصوص عليه ،إذا كان
األصل منصوص عليه ،نعم ،إذا كان األصل مسمى في النص ،وما عداه غير منصوص عليه،
وبحثنا عن العلة فوجدناها منطبقة ،تروا هذه من الشروط الغير المتفق عليها ،نعم ،يعني وأيش
الفرق بين قياس الحشيش على الخمر بجامع علة اإلسكار ،الذي قلنا :إن العلة تتناول األصل
مباشرة ،وبين قياس ماذا نقيس في باب الربا مثالً؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :نعم ،األرز على البر ،بالجامع ،لماذا ال نقول :إن العلة تناولته ،العلة
تناولته ،لماذا؟ لماذا ال نقول :القوت واالدخار تناولت الرز مثل ما تناولت البر ،مثل ما قلنا في علة
اإلسكار؟ نعم.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :كيف؟
طالب.......:
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 324 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
ض ْير :هو منصوص على البر ،والخمر منصوص عليه ،لكنه منصوص َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
عليه مع علته فالعلة منصوصة ،وبعمومها وشمولها للفروع كلها تدخل -تدخل الفروع -هذا وجه
الفرق ،وإ ن كان بعضهم ال يلتفت إلى مثل هذا.
أن يكون الحكم في األصل متفقاً عليه؛ ألنه لو كان مختلفاً عليه التجه إلى ثبوته أوالً :وهذا شرح،
نعم.
جوز جماعة القياس على األصل المختلف فيه؛ ألن القياس في نفسه ال يشترط االتفاق عليه في
جواز التمسك به ،فسقوط ذلك في ركن من أركانه أولى ،يعني مثل ما نظَّرنا باألسبوع الماضي
بقياس الحجر الذي رمي به في الجمرة على األيش؟ الماء المستعمل ،بجامع االستعمال في كل،..
هذا ال يتفق عليه الخصمان ،فينفي حكم األصل الخصم ،فضالً عن الفرع.
قلنا :إذا استدل حنبلي أو شافعي وقال :إنه الحجر الذي سبق الرمي به ،نعم ،ال يجوز أن يرمى به
ثانية؛ ألنه مستعمل في عبادة ،كالماء الذي استعمل في الطهارة ال يستعمل ثانية؛ ألنه استعمل في
عبادة ،يقول المالكي :أنا ال أوافقك على حكم األصل ،أنا ال أوافقك على حكم األصل ،الشرط الذي
قبل الماضي ،هذا في دليل األصل ،ال بد أن يكون متفقاً عليه ،وهنا األصل نفسه ،حكم األصل البد
أن يكون متفقاً عليه بين الخصمين.
هنا يقول الثامن :أال يكون حكم األصل ذا قياس مركب ،وذلك إذا اتفق على إثبات الحكم في
األصل لكنه معلل ألحدهما بعلة ،إلى آخر كالمه ،كالم ،..وطول فيه األصوليون والجدليون ،كالم
على هذا الشرط بما ال طائل تحته.
التاسع :أال نكون متعبدين في ذلك الحكم بالقطع ،فإن تعبدنا فيه بالقطع لم يجز فيه القياس؛ ألنه ال
يفيد إال الظن ،وقد ضعف ابن األنباري القول بالمنع ،بل ما تعبدنا فيه بالعلم جاز أن يثبت بالقياس
الذي يفيده ،أيش معنى هذا الكالم؟ أال نكون متعبدين في ذلك الحكم بالقطع ،فإن تعبدنا فيه بالقطع
لم يجز فيه القياس؛ ألنه ال يفيد إال الظن؟
هل يشترط أن يكون ثبوت الحكم في األصل أو في الفرع بدرجة مساوية لثبوت الحكم في ،..يعني
ال بد أن يستوي في الحكم ،يعني في داللة النص أو في ،..أقول :هل يشترط أن يتساوى الفرع مع
األصل في قوة الحكم؟ نعم؟ ال يشترط ،بل معروف أن في الفرع حكمه أضعف من حكم األصل
وسواء كان هذا النص قطعياً أو ظنياً.
ً كما هو معروف؛ ألن األصل ثبت بالدليل –النص-
ما ثبت بالدليل القطعي عندهم كأنه يشم منه أنه ال يقاس عليه؛ ألن القياس ال يفيد إال الظن ،وال بد
أن يتساوى الفرع مع األصل في الحكم ،وليس كذلك ،ولذا ضعف ابن األنباري القول بالمنع.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 325 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
العاشر :أال يكون معدوالً به عن قاعدة القياس ،يعني ال يأتي على خالف األصل ،األصل ال يأتي
على خالف األصل ،وإ ن كان كل حكم دل عليه نص فهو أصل.
لكن شهادة خزيمة مثالً ،شهادة خزيمة الذي شهد للنبي -عليه الصالة والسالم -بثبوت البيع وهو
لم يحضر ،وقال :إنه يصدقه في المغيبات -بخبر السماء -أفال يصدقه ببيع بعير وإ ال شبهه ،فجعل
النبي -عليه الصالة والسالم -شهادته بشهادة اثنين ،نعم.
يد ْي ِن من ِّر َج ِال ُك ْم ﴾ [ سورة البقرة،
ش ِه َ
ش ِه ُدواْ َ
استَ ْ
هذا الحكم جاء على خالف األصل ،األصلْ ﴿ :
اآلية ،] 282 :قد يقول قائل :هذا الشخص ،هذا العلم األشم هذا عن عشرة ما هو بعن اثنين ،إمام
حافظ ضابط ورع تقي ،ما هو بأقل منزلة من خزيمة.
نقول :يا أخي أبو بكر -رضي اهلل عنه -هل يقاس على خزيمة وهو أفضل منه وأجل ،هل يجوز
أن نستعمل في هذا قياس األولى ،إذا ثبت في خزيمة وهو من سائر الصحابة ،نقول :ال بد أن يثبت
هذا الحكم في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وكبار الصحابة؟ أو نقول :هذا خاص به فال يقاس
عليه غير؟ ظاهر وإ ال ما هو بظاهر؟ طيب.
الشرط الذي يليه :أال يكون حكم األصل مغلظاً :وهذه المسألة بعد فيها خالف ال يكون حكم األصل
جاء على سبيل التغليظ على فاعل هذا ،يعني شخص فعل منكراً ،واحتف بهذا المنكر ما يقتضي
تغليظ العقوبة عليه ،ما يقتضي تغليظ العقوبة عليه ،فجاء الحكم فيه شديد؛ ألنه قارن ارتكابه لهذا
المنكر ما يقتضي تغليظ الحكم عليه ،فهل نقول :إن كل من اقترف هذا المنكر مهما كان وضعه
يحكم عليه بذلك الحكم؟ من يذكر مثاالً؟ نعم؟
العرنيين ،غلظ عليهم الحكم ،قتلوا الراعي ،وارتدوا عن اإلسالم ،وسملوا عين الراعي ،ومثلوا به،
ففعل بهم مثل ما فعلوا به مماثلة ،هل يكفي أن نقول :إن فالناً من الناس قتل فيفعل به مثل ما فعل
بالعرنيين؛ ألنهم قتلوا الراعي ففعل بهم هذا الفعل؟
نقول :غلظت عليهم العقوبة؛ لما احتف بفعلهم من أفعال أخرى ،لكن لو جد من فعل هذا الفعل قتل
وسمل وارتد وفعل وترك ،نعم ،يفعل به مثل ما فعل بهم.
يقول :الثاني عشر أال يكون الحكم في الفرع ثابتاً قبل األصل؛ ألن الحكم المستفاد متأخر عن
المستفاد منه بالضرورة ،فلو تقدم لزم اجتماع النقيضين أو الضدين وهو محال.
أال يكون الحكم في الفرع ثابتاً قبل األصل ،ثابت بأيش؟ كيف يثبت حكم الفرع -الحكم في الفرع-
قبل األصل ،يمكن يثبت؟ ثبوته بأي شيء؟ يتصور؟ نعم ،يتصور وإ ال ما يتصور؟ نعم؟ نعم؟
طالب.......:
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 326 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :يكون حكم األصل باالستصحاب الفرع باالستصحاب ،ثم يأتي أصل
منصوص عليه يشارك ذلك في العلة ،فنقيس ما ثبت باالستصحاب على ما ثبت بالنص ،واضح
وإ ال ما هو بواضح؟
عندنا مسألة:
نفترض شيء من األعيان المنتفع بها قبل ورود الشرع ،شيء ينتفع به وليس عندنا فيه دليل ،ووجد
قبل أن ينص على نظيره في الحكم ،نأتي إلى الضب ،..السقنقور الذي مثلنا به سابقاً ،مثلنا به
سابقاً ،شخص بحث عن السقنقور ما وجد في النصوص ما يدل على منعه وال على إباحته ،قال:
األصل أن الحرام ما حرمه اهلل ،ومشى على هذا األصل ،وقال :نستصحب هذا األصل فالسقنقور
حالل ،ثم نص على إباحة أكل الضب بعد ذلك والسقنقور مشبه للضب والعلة الجامعة واحدة ،فهل
نقول :إن ثبوت أكل السقنقور باالستصحاب -بالبراءة األصلية -أو نقول :بالقياس على الضب؟
نقول :إن هذا الفرع ثبت حكمه قبل ثبوت حكم األصل كيف ثبت؟
ثبت باالستصحاب -بالبراءة األصلية -ثم وجدنا ما يناسبه مما نص عليه بعد ذلك ،هل نقول :إن
ثبوت أكل السقنقور بالبراءة األصلية –باالستصحاب -أو نقول بالقياس على الضب؟ نعم؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :لماذا؟
طالب :ألنها اتصفت.......
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :نعم؟
طالب..... :على األصل.
الشرط الثاني عشر :أال يكون الحكم في الفرع ثابتاً قبل األصل؛ ألن الحكم المستفاد متأخر عن
المستفاد منه بالضرورة ،فلو تقدم لزم اجتماع النقيضين أو الضدين وهو محال.
كيف يلزم اجتماع النقيضين؟
نعكس المسألة السابقة ،جاء واحد وشاف سقنقور وقال :الحرام ما حرمه اهلل ،ثم نص على الوزق
وأنه فويسق ،وقال :هذا يشبه الفويسق ،قال :أنا عندي البراءة األصلية ،نستعمل البراءة األصلية،
أو يستعمل القياس على الوزق.
طالب :البراءة األصلية.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 327 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
ض ْير :هو مشبه للوزق ،يشبه وإ ال ما يشبه؟ يشبه الوزق ،هذا كله من أجل َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
تقرير هذا الشرط ،مع أن أثره الحقيقي ليس له أثر فعلي؛ ألنه مازال اإلشكال قائم يمكن أن يستعمل
فيه قياس الشبه.
البراءة األصلية قبل ورود الشرع ،أما بعد ورود الشرع ،يعني بعد وجود النص الذي يدل على
ذلك تصريحاً أو تلميحاً ارتفع حكم البراءة األصلية.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :هذا زيادة ،هذا داعم للبراءة األصلية.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :إيه ،لكن اآلن إذا أردنا أن نقيس السقنقور نقيسه على الوزق وإ ال على
الضب؟ نقول :قياسه على الوزق ناقل له عن البراءة األصلية ،وقياسه على الضب مبق له على
البراءة األصلية ،والناقل عن األصل أولى من المبقي له.
على كل حال المسألة تطول ،يعني إذا بدنا نسترسل في مثل هذه األمور ما انتهينا.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :أيش لون؟
طالب.......:
ض ْير :على كل حال هذه اثنا عشر شرط ،اشترطوا في الفرع أربعة شروط: َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
أحدها :مساواة علته لعلة األصل ،وهنا يقول :من شرط الفرع :أن يكون مناسباً لألصل ال منافراً
له ،يعني تجد بينهما من التماثل والتقارب ما يجعل اإللحاق له وجه ،أما لو كان هناك تنافر بين
الحكمين أو بين األمرين ،الفرع واألصل ،فإنه ،..فإن الشرع ال يجمع بين المختلفات ،كما أنه ال
يفرق بين المتماثالت ،مساواة علته لعلة األصل ،يعني وجود العلة في الفرع كوجودها في األصل.
الثاني :مساواة حكمه لحكم األصل ،أيش معنى هذا؟ لو وجدنا شيئاً نص على تحريمه ،وفيه علة
وجدنا شيئاً قد ،..فيه شيء من هذه العلة ،أقل من هذه العلة فيه ،يعني شيء ضار ،نعم ،سم مثالً
قاتل ،وحكم أكله التحريم؛ ألنه يقتل ،جئنا مثالً لمشروب من المشروبات فيه ضرر -ضرر يسير-
فقلنا :نقيسه على السم وإ ن لم يشاركه في العلة ،العلة في األصل أقوى منها في الفرع ،ونعطيه في
الحكم أقل من حكم األصل نقول :مكروه ،يصلح وإ ال ما يصلح؟ لماذا؟
لالختالف في العلة وفي الحكم ،فال يكون هذا من باب القياس ،ما نقول :نقيس شفنا أي شيء فيه
ضرر ،ضرر يسير نعم ،المشروبات الغازية مثالً فيها ضرر ،لكنه ليس بكبير ،نعم ،فيها ضرر
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 328 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
لكنه نفترض أنه ليس بكبير ،ال نذهب إلى أعالها التي فيها األمور األخرى ،التي أثبتت التجربة أن
فيها مواد ضارة ،أو مثالً نقول :سفن مثالً وهو أخفها ضرراً ،أو تيم ،أو شيء من المشروبات التي
فيها حموضة ،وال فيها ألوان ،القهوة ،أخف منه القهوة ،تدري صاحب الغاية أيش يقول ،صاحب
غاية المنتهى يقول :ويتجه نحو دخان وقهوة" جاء هنا بالدخان ،نعم ،القهوة ال شك أن فيها ضرر
ال سيما على بعض الناس ،هل نقول :تمنع القهوة؛ ألننا منعنا السم؛ ألنه قاتل ،والقتل ضرر،
والقهوة فيها ضرر يسير ،والسم حرام ،نعطيه أيضاً حكم أخف؛ ألن العلة أخف؟
هنا شرطين ،نفقد شرطين الشرط األول :أحدها مساواة علته لعلة األصل ،والثاني :مساواة حكمه
لحكم األصل.
الثالث :أال يكون منصوصاً عليه ،ال يكون الفرع منصوصاً عليه بدليل ،لماذا؟ ألنه حينئذ ال نحتاج
إلى قياس ،نعم ،هل نحتاج إلى قياس؟ ال نحتاج إلى قياس ،وبعض أهل العلم تجدون في بعض
الكتب ،نعم ،كذا حرام ،لقوله -عليه الصالة والسالم -كذا ،وقياساً على كذا ،لست بحاجة إلى
قياس ،لكن قد يستعمل مثل هذا إذا كان النص عليه فيه ما فيه ،نعم ،في دليله الذي يعتمد عليه الذي
نص عليه فيه ،فيه ما فيه من الضعف ،فيدعم بالقياس ،وإ ال لو كان دليله صحيحاً وصريحاً ما
احتجنا إلى قياس؛ صار أصالً.
الرابع :أال يكون متقدماً على حكم األصل ،أال يكون متقدماً على حكم األصل ،وهو الشرط الثاني
عشر من شروط األصل.
نأتي إلى العلة :والعلة علة ،وذكروا لها أربعة وعشرين شرطاً ،الشوكاني ذكر للعلة أربعة
وعشرين شرطاً ،والمؤلف قال « :ومن شرط العلة أن تطرد في معلوالتها ،فال تنتقض لفظاً وال
معنى » :تكون مطردة بحيث أن كل ما وجدت وجد الحكم لتسلم من النقض ،تكون مطردة ،أيش ً
معنى هذا؟ أن تكون العلة مطردة؟ أن تطرد العلة في معلوالتها ،فال تنتقض لفظاً وال معنى؟
ً
يعني إذا افترضنا علة لحكم يشركه فيها فروع كثيرة ،لكن قد يأتي عليها النقض ،يأتي عليها
النقض ،يأتي من ينقض هذه العلة ،كيف؟ أيش معنى يأتي عليها النقض؟ ما معنى ورود النقض
على العلة؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :يقول :كأن يقال بالقتل بالمثقل أنه قتل عمد عدوان ،فيجب به
القصاص كالقتل بالمحدد.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 329 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
القتل بالمثقل قتل عمد عدوان ،فيجب به القصاص كالقتل بالمحدد ،فينتقض ذلك بقتل الوالد ولده؛
فإنه ال يجب به قصاص ،أيش معنى هذا؟
يريد أن يطرد العلة ،كل قتل بالمثقل يوجب القصاص؛ ألنه عمد عدوان والمثقل قاتل ،فلو افترضنا
أن زيداً من الناس قتل عمرو بالمثقل عدوان متعمد ُيقتل ،أو قتله بمحدد -بسيف أو بسكين -يقتل،
فهل نقول :إن كل قتل بالمحدد أو بالمثقل يوجب القصاص؟ نعم؟
طالب.......:
حر عبداً ،أو
الولد ،أو مع عدم التكافؤ ،قتل ٌّ
الوالد َ
ُ ض ْير :إيه ،ينتقض إذا قتل َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
مسلم كافراً بمثقل أو بمحدد ،حينئذ تنتقض العلة. قتل ٌ
الظاهر أن الدرس ما هو مسوي شيء مع شروط العلة ،أربعة وعشرين شرط ،نحيلكم على
الشوكاني وإ ال ،..نعم؟
طالب......:
ض ْير :من الشروط التي ذكرها الشوكاني: َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
األول :أن تكون –يعني العلة -مؤثرة في الحكم ،فإن لم تؤثر فيه لم يجز أن تكون علة ،إن لم تكن
مؤثرة ،األصل في العلة أنها وصف مناسب ،وصف يتصف به من جاء الحكم بصدده.
لو افترضنا –مثالً -الذي جامع في نهار رمضان ووجبت عليه كفارة ظهار ،نعم ،هناك أوصاف
كثيرة لهذا الرجل ،نعم ،هناك أوصاف كثيرة لهذا الرجل ،نفترض أن هذا الرجل طويل القامة،
أمي -ال يقرأ وال يكتب -زيدوا ،نعم؟
لونه أسود ،نعم ،عريض ،نعمِّ ،
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :نفترض أن هذه األوصاف مجتمعة في هذا الرجل ،فهل مثل هذه
األوصاف مؤثرة في الحكم؟ نعم؟
غير مؤثرة؛ ألنه عرفنا من قاعدة الشرع أنه ال يلتفت إلى هذه األمور ،ال يفرق بين األسود
واألبيض ،ال يفرق بين الطويل والقصير ،ال يفرق بين العريض والنحيف ،الشرع ال يفرق بين هذه
األمور ،مش كلما شفنا شخصاً أسود جامع في نهار رمضان قلنا :تعال ،عليك كفارة ظهار ،أو
حتى في غير نهار رمضان ،في ليل رمضان مثالً جامع؛ ألنه أسود مثل الذي جامع في النهار
وألزمه النبي -عليه الصالة والسالم -الكفارة؟! نقول :هذه علة غير مؤثرة ،فال تكون مناسبة،
واضح وإ ال ما هو بواضح؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 330 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
أن يكون وصفاً ضابطاً ،بأن يكون تأثيرها لحكمة مقصودة للشارع ،ال حكمة مجردة لخفائها ،فال
يظهر إلحاق غيرها بها ،أن تكون ظاهرة جلية ،وإ ال لم يمكن إثبات الحكم بها بالفرع ،على تقدير
أن تكون أخفى منه أو مساوية له في الخفاء.
أن تكون سالمة بحيث ال يردها نص وال إجماع ،تكون العلة سالمة ال يردها نص وال إجماع.
أال يعارضها من العلل ما هو أقوى منها ،أال يعارضها من العلل ما هو أقوى منها ،ولذا في تنقيح
المناط نجمع أكبر قدر من العلل المناسبة لهذا الحكم ،نعم ،ثم بعد ذلك ننقح ،العلل المفضولة؛ ألن
هناك قوية وعلل ضعيفة ،وعلل مناسبة ،وعلل غير مناسبة ،فإذا تحقق وتقرر لنا أن هذه هي العلة
المناسبة لهذا الحكم ،لم نلتفت إلى غيرها مما هو أضعف منها ،أو مما هو غير مناسب للحكم.
أن تكون مطردة ،الذي شرحناها.
السابع :أال تكون عدماً في الحكم الثبوتي :أي ال يعلل الحكم الوجودي بالوصف العدمي ،قاله
جماعة ،وذهب األكثرون إلى جوازه.
الثامن :أال تكون العلة المتعدية هي المحل أو جزء منه؛ ألن ذلك يمنع من تعديها.
التاسع :أن ينتفي الحكم بانتفاء العلة ،والمراد انتفاء العلم أو الظن به؛ إذ ال يلزم من عدم الدليل عدم
المدلول ،أن ينتفي الحكم بانتفاء العلة ،وهذا إذا كانت العلة منصوصة.
العاشر :أن تكون أوصافها مسلمة أو مدلوالً عليها.
الحادي عشر :أن يكون األصل المقيس عليه معلالً بالعلة التي يعلق عليها الحكم بالفرع بنص أو
إجماع.
الثاني عشر :أال تكون موجبة للفرع حكماً ،ولألصل حكماً غيره.
الثالث عشر :أال توجب ضدين؛ ألنها حينئذ تكون شاهدة لحكمين متضادين.
الرابع عشر :أال يتأخر ثبوتها عن ثبوت حكم األصل ،خالفاً لقوم ،يعني ما تستنبط العلة بعد
استقرار الحكم األصلي ،أال يتأخر ثبوتها أيش معنى ثبوتها؟ يعني تحققها في المحكوم عليه ،أما
كونها تخفى في أول األمر ،ثم تستنبط فيما بعد هذا فيه ما يمنع وإ ال ما فيه؟ استنباط العلل توقيفي
وإ ال اجتهادي؟ اجتهادي ،إذن للمتأخر أن يستنبط ،نعم ،للمتأخر أن يستنبط.
الخامس عشر :أن يكون الوصف معيناً؛ ألن رد الفرع إليه ال يصح إال بهذه الواسطة.
السادس عشر :أن يكون طريق إثباتها شرعياً كالحكم.
السابع عشر :أال يكون وصفاً مقدراً.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 331 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
الثامن عشر :أن تكون مستنبطة ،فالشرط أال ترجع على األصل بإبطاله أو إبطال بعضه؛ لئال
يفضي أال ترجع على األصل باإلبطال ،أو إبطال بعضه؛ لئال يفضي إلى ترك الراجح إلى
المرجوح؛ إذ الظن المستفاد من النص أقوى من الظن المستفاد من االستنباط؛ ألنه فرع له ،والفرع
ال يرجع على إبطال أصله ،وإ ال لزم أن يرجع إلى نفسه باإلبطال.
الهرة علة الطهارة فيه ،نعم،ا أنها من الطوافين ،فسؤرها طاهر ،لو قال شخص :الهرة سؤرها
طاهر لماذا؟ ألنها تشبه الجدي ،وإ ال الجفرة ،واضح وإ ال ما هو بواضح؟
هذه العلة كونها مشبهة في الحجم إلى شيء مباح ،هذه الشبه يصلح أن يكون علة وإ ال ما يصلح أن
يكون علة؟ أهل العلم ما قالوا :وسؤر الهرة وما دونها في الخلقة طاهر ،نظراً إلى الحجم ،نعم؟ لو
قال :الهرة طاهرة؛ ألنها تشبه الجدي الصغير في الحجم ،نعم؟
طالب :هي أصل بنفسها أصالً.
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :دعنا من كونها أصالً ،وكون علتها منصوصة ،لو قال شخص :أنا
عندي أن الهرة طاهرة ،أو النص دل على طهارة سؤر الهرة ،والعلة أستنبطها؛ ألنها تشبه..؛ ألنه
ما وقف على قوله -عليه الصالة والسالم « :-إنها من الطوافين » ،وإ ال من يقف ما هو معلل
بعلة أخرى ،لكن هذا ما وقف ،عرف أن النبي -عليه الصالة والسالم -توضأ بسؤرها وأبو قتادة
توضأ ،وأن ،..فقال :طاهرة ،لماذا؟ فاستنبط علة ،علة؛ ألنها تشبه الجدي في حجمه ،أو تشبه
الجفرة في حجمها ،هذا يعود إلى األصل باإلبطال؛ ألنه يأتينا من يقول :إنها تشبه ،..هاتوا لنا شيئاً
محرماً أو نجساً ،ما بس في حجمه ،صغير ،يجي بكبر ،..إيه ال ،تشبه جرو الكلب؛ ألنها تشبه
جرو الكلب ،فعادت على األصل باإلبطال ،إذن هذه العلة ال تصلح ألن تكون علة؛ ألنها عادت
على األصل باإلبطال ،نعم؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :إيه ،لكن أبطلت األصل؛ ألنه لما الرسول توضأ بسؤرها ،أبو قتادة
توضأ بسؤرها ،هذا دليل على أيش؟ الطهارة ،احنا نستنبط لماذا صارت طاهرة؟ كأننا ما وقفنا
على العلة المنصوصة ،أنها من الطوافين ،ما هي بعلة الطوافة ،نستنبط علة ،شخص ما وقف على
العلة الحقيقية المنصوصة ،فقال :ألنها تشبه الجدي ،والجدي طاهر ،تشبه الجفرة ،والجفرة
طاهرة ،يأتي من يقول :ال يا أخي هي تشبه جرو الكلب ،إذن هي نجسة ،فعاد على األصل
باإلبطال ،فعاد على األصل باإلبطال.
طالب.......:
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 332 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :إيه ،بس ما تعود عليه باإلبطال مثل هذه ،ما تعود عليه باإلبطال ،وإ ال
هم قالوا –بعض أهل العلم قالوا :-إن الهرة وما دونها في الخلقة طاهرة ،فنظروا إلى مسألة
الحجم ،والحجم ال مانع منه إذا لم يعد على األصل باإلبطال.
التاسع عشر :إن كانت مستنبطة في الشرط ،وأال تعارض بمعارض مناف لموجود باألصل.
العشرون :إن كانت مستنبطة أال تتضمن زيادة على النص ،أي حكماً غير ما أثبته النص.
الحادي والعشرون :أال تكون معارضة لعلة أخرى تقتضي نقيض حكمها.
الثاني والعشرون :إذا كان األصل فيه شرطاً فال يجوز أن تكون العلة موجبة إلزالة ذلك الشرط؛
ألنها عادت على بعض المعلول باإلبطال.
الثالث والعشرون :أال يكون الدليل الدال عليها متناوالً لحكم الفرع ال بعمومه وال بخصوصه؛
لالستغناء حينئذ عن القياس.
مثل ما قلنا :أال يكون الفرع منصوصاً عليه ،أو ال تتناوله العلة بعمومها ،أال تتناوله العلة بمعومها.
الرابع والعشرون :أال تكون مؤيدة لقياس أصل منصوص عليه باإلثبات ،على أصل منصوص
عليه بالنفي ،ومن شرط الحكم هنا ،ومن شرط الحكم أن يكون مثل العلة في النفي واإلثبات ،شرط
الحكم أن يكون مثل العلة في النفي واإلثبات ،أي في الوجود والعدم ،فإن وجدت العلة وجد الحكم،
وإ ن انتفت انتفى ،وهذا إذا كان الحكم معلالً بعلة واحدة ،كتحريم الخمر ،فإنه معلل باإلسكار ،فمتى
وجد اإلسكار وجد الحكم ،ومتى انتفى انتفى.
وأما إذا كان الحكم معلالً بعلل فإنه ال يلزم منه انتفاء علة معينة ،منها انتفاء الحكم ،كالقتل فإنه
يجب بالردة والزنا بعد اإلحصان ،وقتل النفس المعصومة المماثلة ،وترك الصالة غير وذلك ،أيش
معنى هذا؟
وأما إذا كان الحكم معلالً بعلل فإنه ال يلزم من انتفاء علة معينة منها انتفاء الحكم ،معلل بعلل،
شخص زنى بعد اإلحصان ،وقتل نفس معصومة ،نعم ،فاستحق القتل ،واضح وإ ال ال ،زنى وقتل،
استحق القتل.
شخص زنى بعد اإلحصان فقط وال قتل ،نفترض شخصين اشتركا في اغتصاب امرأة ،وهما
محصنان ،أحدهما قتلها ،فحكم القاضي بقتلهما ،طيب واحد منهما زنى وقتل ،كيف الثاني يقتل مثله
وهو مجرد ِزنا؟
نقول :هذه العلة ،..المسألة واحد فيه أكثر من علة ،وواحد فيه علة موجبة ،تكفي هذه العلة ،ولذا
يقول :وأما إذا كان الحكم معلالً بعلل فإنه ال يلزم منه انتفاء علة معينة منها انتفاء الحكم ،يعني ما
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 333 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
يقول لك زيد من الناس :ليش قتلت ولدي وهو ما قتل ،أنتم قتلتوا ولد فالن صحيح؛ ألنه قتل،
نقول :قتلنا ولدك ليش؟ ألنه زنى وهو محصن.
كالقتل فإنه يجب بالردة والزنا بعد اإلحصان وقتل النفس المعصومة المماثلة وترك الصالة وغير
ذلك.
هناك القياس له مفسدات ،له مفسدات ،إذا كان القياس في مقابلة النص ،قالوا عنه :فاسد االعتبار،
لماذا؟ ألنه في مقابل النص ،إذا كان القياس مخالفاً لإلجماع أيضاً فاسد االعتبار.
عدم ثبوت الوصف الجامع الذي يجمع بينهما فيقتضي اإللحاق ،قصور العلة ،النقض ،وهو وجود
الوصف بدون الحكم ،والنقض في سائر األدلة ،يعني حتى في النصوص ،العكس وهو وجود الحكم
بدون الوصف.
السابع :القلب وهو إثبات نقيض الحكم بالعلة بعينها.
معنى مناسب للحكم يوجد في األصل ،ويعدم في الفرع ،أو يوجد في الثامن :الفرق وهو إبداء
ً
الفرع ويعدم في األصل.
التاسع :القول بالموجب ،وهو يقدح بجميع األدلة بالقياس وغيره ،ومعناه :أن يسلم الخصم الدليل
الذي استدل به المستدل ،إال أن يقول :هذا الدليل ليس في محل النزاع ،نعم ،ليس في محل النزاع،
نعم ،دليلك صحيح لكنه ليس في محل النزاع ،دليلك مورده شيء آخر ،وإ نما هو في غيره ،فيبقى
الخالف بينهما.
العاشر :نقص شرط من شروط القياس التي تقدم ذكرها.
تفضل.
بعد أن أنهى المؤلف -رحمه اهلل تعالى -الكالم في الشروط قال « :والعلة هي الجالبة » :
والحكم هو المجلوب للعلة ،العلة هي الجالبة ،والحكم هو المجلوب للعلة.
الوصف المناسب لترتيب الحكم عليه كدفع حاجة الفقير ،فإنه وصف مناسب دفع حاجة الفقير،
علة ،وصف مناسب إليجاب الزكاة ،والحكم هو المجلوب للعلة ،أي هو األمر الذي نشأ عن وجود
ذلك الوصف المناسب ،العلة وهي االدخار مع االقتيات ،جلبت الحكم ،وهو جريان الربا في األرز،
فالحكم مجلوب ،جلب إلى الرز ،والعلة التي تجمع بين الرز والبر هي الجالبة لذلك الحكم ،وفي هذا
يقول الناظم -رحمه اهلل:-
واهلل أعلم ،وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
بسم اهلل الرحمن الرحيم ،الحمد هلل رب العالمين ،والصالة والسالم على أشرف األنبياء والمرسلين
نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،أما بعد :فقد قال المؤلف -رحمه اهلل تعالى:
وأما الحظر واإلباحة فمن الناس من يقول :إن األشياء على الحظر ،إال ما أباحته الشريعة ،فإن
لم يوجد في الشريعة ما يدل على اإلباحة فيستمسك باألصل وهو الحظر ،ومن الناس من يقو ُل
بضده ،وهو أن األصل في األشياء اإلباحة إال ما حظره الشرع ،ومعنى استصحاب الحال :أن
يستصحب األصل عند عدم الدليل الشرعي.
وأما األدلة فيقدم الجلي منها على الخفي ،والموجب للعلم على الموجب للظن ،والنطق على
القياس ،والقياس الجلي على الخفي ،فإن وجد في النطق ما يغير األصل وإ ال فيستصحب الحال.
« َّ
الش ْـر ُح » :
الحمد هلل رب العالمين ،وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين ،أما بعد :درس اليوم في مسألتين:
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 335 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
أوالهما :األصل في األعيان المنتفع بها قبل ورود الشرع ،األعيان المنتفع بها قبل ورود الشرع.
المسألة الثانية :في تعارض األدلة ،فيما إذا وجد اإلنسان عيناً يمكن أن ينتفع بها ،ولم يجد فيها نصاً
بناء على أن األصل هو اإلباحة ،حتى
يدل على إباحتها ،وال نصاً يدل على منعها ،فهل ينتفع بها؛ ً
بناء على أن األصل المنع ،والحظر حتى يجد دليل اإلباحة.
يجد دليالً على المنع ،أو يكف عنها ً
هذه مسألة خالفية بين أهل العلم ،والخالف فيها طويل ،من العلماء من يقول :ال حالل إال ما أحله
اهلل ،ومنهم من يقول :ال حرام إال ما حرمه اهلل.
المؤلف -رحمه اهلل تعالى -لما ذكر هذه المسألة ،فقال « :وأما الحظر واإلباحة فمن الناس من
يقول أن األشياء على الحظر إال ما أباحته الشريعة » :يعني ممنوع أن تتصرف في ملك الغير
ك له ،فال يجوز أن تتصرف فيه إال بإذنه ،فأنت ممنوع من
إال بإذنه ،وما خلقه اهلل -عز وجل -مل ٌ
استعماله حتى تجد الدليل الذي يدل على إباحة استعماله ،فإن لم يوجد في الشريعة ما يدل على
اإلباحة يتمسك باألصل وهو الحظر ،هذا قول.
ومن الناس « -وهذا القول الثاني -من يقول بضده ،وهو أن األصل في األشياء على اإلباحة إال
ما حظره الشرع » :فمن العلماء من يقول :إن األشياء بعد البعثة موصوفة بالحظر كما كانت قبل
تصرف في ملك اهلل
البعثة محرمة ،وذكرنا دليل هذا القول ،وهو أن الفعل واالنتفاع بهذه األعيان ّ
-عز وجل -بغير إذنه؛ إذ جميع ما على وجه األرض مما يمكن أن ينتفع به هو ملك هلل -عز
وجل ،-والتصرف في ملك الغير بغير إذنه ال يجوز ،فممنوع أن تنتفع بشي من ملك غيرك إال
بإذنه.
القول الثاني :وهو أن األصل في األشياء على اإلباحة ،يعني أنه مأذون فيها إذناً عاماً مع عدم
الحرج ،ودليل ذلك أن اهلل تعالى خلق العبد ،وخلق له ما ينتفع به ،خلق العبد ،يعني لو قلنا :ال ينتفع
بشيء حتى يجد دليالً يدل على إباحته ،ماذا عن حكم األشياء بعد البعثة مباشرة ،وقبل صدور
األدلة التي تدل على إباحة هذه األعيان ،يعني هل ينتظر الناس الذين تدينوا بهذا الدين ،وتبعوا
النبي -عليه الصالة والسالم -حتى يوجد ما يبيح لهم االنتفاع بهذه األعيان؟
اهلل -سبحانه وتعالى -لما خلقهم وخلق لهم ما ينتفعون به ،دل ذلك على إباحته لهم ،إذ لو لم َـُيَُح
لهم ،لكان خلقه -جل وعال -إياها عبثاً ،أي خالياً عن الحكمة ،يعني لماذا خلقت هذه األشياء التي
يمكن أن ينتفع بها؟ لينتفع بها.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 336 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
ومن أهل العلم من قال بالتوقف ،يعني األدلة متكافئة ،أيش الفرق بين القول بالوقف والتوقف ،وهل
المتوقف قائل؟ يعني من توقف في بيان حكم مسألة ما ،هل يمكن أن يدرج قوله في أقوال أهل العلم
الذين لهم قول في هذه المسألة؟
نعم ،هم يذكرون :القول الثالث التوقف في كثير من المسائل ،يذكرون األقوال المتقابلة ،ويذكرون
أدلتها ،وقيل بالوقف ،سبق لنا مسألة اللغات ومبدأ اللغات ما كانت توقيفية أو كانت توقيفية أو
توفيقية ،أو تلفيقية ،ورابعها التوقف،رابع األقوال ،وهنا ثالثها التوقف.
من األئمة من يقول :إن األصل في األعيان الحضر ،الملك هلل -عز وجل -ال يجوز أن ترتفع إال
بإذنه ،وال ورد اإلذن ،وهذا دليله ظاهر.
القول الثاني :دليله أيضاً -وهو القول أن األصل في األشياء المنتفع بها اإلباحة -دليله أيضاً
ظاهر ،خلق هذه األمور ،وذكرها على سبيل االمتنان من اهلل -عز وجل -وأن اهلل امتن بها،
ض َج ِميعاً ﴾ [ سورة البقرة ،اآلية ،] 29 :دل على أنه ينتفع بها ،حتى يرد
ق لَ ُكم َّما ِفي األ َْر ِ
﴿ َخلَ َ
دليل المنع.
والثالث :التوقف؛ ألن دليل الفريقين متكافئ ،أدلة الفريقين متكافئة.
اآلن المسألة متصورة؟ دعنا من مسألة الضرورة،ـ الضرورة لها حكمها ،اضطر إلى أكل حشيش
يأكل ،مضطر ،نعم ،وجد شيئاً ضاراً ال يجوز له أكله ،وجد شيئاً متساوي الطرفين ال يضر وال
ينفع ،وأراد يجرب ،لو قال قائل :يا أخي وأيش الفرق بين البرسيم -علف األغنام -نعم ،وبين
الخس ،أيش الفرق بينهن ،أنت تأكل خس وال تأكل برسيم ،ليش ما نأكل برسيم؟ تقول له حرام وإ ال
حالل؟ وأيش تقول؟
نعم ،ما يضر ،مثل الخس ،ويش تقول له ،حالل وإ ال حرام؟ ليش ما تشتهيه ،واهلل الناس يشتهونه،
وأيش المانع؟ يعني مسألة تعارفنا على أننا ما نأكله وصرنا ما نشتهيه ،وعرفنا أنه طعام للدواب
وتركناه من أجل هذا ،نعم ،يقول :واهلل أنا جائز لي البسه ما هو جائر لي أطعمه وأيش المانع،
باكل ،أبش تقول له :حرام وإ ال حالل؟ أنت ما عندك دليل ال يبيح وال يحرم ،كل على أصله في
المسألة.
من يقول :إن األصل المنع يمتنع حتى يجد دليالً يبيح ،من يقول األصل :اإلباحة يأكل حتى يجد
دليالً يدل على اإلباحة.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :أنت وأيش يدريك أن ما عندهم دليل.....
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 337 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
طالب.......:
ض ْير :أنت إذا اعتقدت هذا القول ال تأكله إال بدليل ،إذا اعتقدت هذا القول َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
واعتمدته ال تأكل غالً بدليل أو تقليد ،تقلد من تبرأ الذمة بتقليده.
أظن أن المسألة ظاهرة ،وذكرت لكم سابقاً أن واحداً علق على كتاب في هذه المسألة قال:
كالحشيش ،المؤلف مثل بالحشيش ،والمعلق تكلم في أربع صفحات ينقل ما جاء في كتب أهل العلم
البر ،طالع رحلة
عن الحشيش وأنها مسكرة ،وأنها حرام إجماعاً ،وأنها ،..نعم ،وهو قصده حشيش َ
وجاز له ،..نوع من أنواع الحشائش يأكل وإ ال ما يأكل؟ افترض أن نفعها مضمون لكن ما تضر
قطعاً يأكل وإ ال ما يأكل؟
كل على أصله في هذه المسألة ،نعم الورع ،الورع كونك ما تدخل في جوفك إال شيئاً تجزم بحله،
هذا شيء ،نعم ،هذا أمر ثاني ،يعني الورع حمل كثير من السلف أن يتركوا المباح خشية أن يقعوا
في المحظور ،فضالً عن المختلف فيه.
أقول :ومثاله ما يوجد على ظهر األرض من نباتات مما ال ضرر فيه ،هل يباح أكله قبل الوقوف
على دليل يبيحه؟ أو يمتنع من أكله حتى يوجد دليل على اإلباحة؟ وكل على أصله ،والمختار يعني
من باب التوسعة ،ويسر الدين وسماحته ،صار عند جمع من أهل العلم -وهم األكثر -أن األصل
ض َج ِميعاً ﴾ [ سورة
ق لَ ُكم َّما ِفي األ َْر ِ
فيما ينتفع به واألشياء النافعة الجواز؛ لقوله تعالىَ ﴿ :خلَ َ
البقرة ،اآلية ،] 29 :وهذا ذكره اهلل -جل وعال -في معرض االمتنان ،وال يمتن إال بجائز.
وأما بالنسبة لما يضر ،فاألصل فيها التحريم لعموم حديث « :ال ضرر وال ضرار » ،لعموم:
« ال ضرر وال ضرار » ،وأظن كررنا مراراً التمثيل بالسقنقور ،نعم ،مثلنا به مراراً ،فال داعي
لتكراره.
المقصود أن المسألة واضحة ومتصورة،ـ فال أحد يمنعك من أن تأكل ما ال يضر ،ولو لم تجد دليالً
يدل على إباحته ،ما لم يكن ضاراً ،أو يكون داخالً في عموم ما ينهى عنه ،نعم.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :حتى بعد البعثة ،لكن بعد البعثة ،بعد البعثة قبل ورود الدليل الذي يدل
عليه.
طالب :لكن بعد ثبوت األدلة المفيدة أن األصل اإلباحة ،هل هناك من قال......؟
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :إيه إيه ،األصل في األعيان المنتفع بها بعد ورود الشرع ،كل على
أصله ،تدري أن بعض الناس يقعد قواعد في األطعمة ،األصل اإلباحة ،بعضهم يقول :األصل
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 338 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
المنع ،نعم ،عندهم يختلفون فيها ،ولذا يقول بعضهم :ال حرام ما حرمه اهلل ،ومنهم من يقول :ال
حالل إال ما أباحه اهلل.
هنا يقول الناظم -رحمه اهلل تعالى:-
قيل القول الثالث هذا األخير :أن األصل فيما ينفع واألصل فيما يضر ،معروف أن األصل،
الخالف في المسألة في األعيان المنتفع بها ،األعيان المنتفع بها ،وال يمكن أن ينتفع فيما يضر.
طالب.......:
ض ْير :كل على ،..أما بالنسبة للعبادات فهي توقيفية ،العبادات توقيفية ،ال َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
يجوز ألحد أن يعمل شيئاً إال بمقتضى الدليل مما يتعبد به هلل -عز وجل ،-وأال يعبد اهلل إال بما
شرع ،وأال يعبد اهلل إال بما شرع ،العبادات مفروغ منها ،ولذا ال تدخلها األقيسة ،فالعبادات توقيفية.
بالنسبة للمعامالت والمناكحات وغيرها من أبواب الدين واألطعمة هذه محل الخالف.
االستصحاب الذي أشار إليه المؤلف ،معنى االستصحاب « أن يستصحب األصل عند عدم الدليل
الشرعي » :فاالستصحاب :السين والتاء للطلب ،المقصود به طلب الصحبة ،كاالستشفاء ،طلب
الشفاء ،واالسترقاء ،طلب الرقية ،واالستسقاء ،طلب السقيا ،معناه « أن يستصحب األصل عند
عدم الدليل الشرعي » :هذا تعريف المؤلف.
وفي إرشاد الفحول معناه :أن ما ثبت في الزمن الماضي فاألصل بقاؤه في الزمن المستقبل ،مأخوذ
من المصاحبة ،وهو بقاء ذلك األمر ما لم يوجد ما يغي ُِّره ،أن ما ثبت في الزمن الماضي فاألصل
بقاؤه في الزمن المستقبل ،قوله :مأخوذ من المصاحبة ،وهو بقاء ذلك األمر ما لم يوجد ما يغي ُِّره.
إذا لم يجد المجتهد بعد البحث والتحري دليالً على وجوب شيء أو عدم وجوبه ،ذكر له أو سمع
شيئاً من فضائل رجب ،أو ليلة النصف من شعبان ،نعم ،فأراد أن يصوم رجب ،فبحث في األدلة
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 339 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
فلم يجد ما يدل على وجوب صوم رجب مثالً ،فيستصحب هذا األصل؛ ألن األصل عدم وجوب
صومه.
أراد أن يصلي صالة سادسة ،فبحث عن دليل ما وجد؛ ألن الواجبات -الصالة الواجبة -الصلوات
علي غيرها؟ قال « :ال ،إال أن تتطوع » ما وجد ما يدل على وجوب صالة سادسة،
الخمس ،هل َّ
علي غيرها؟" ،قال « :ال ،إال أن
فال يجب سوى الصلوات الخمس ،كما في حديث ضمام" :هل َّ
تتطوع ».
طيب ،صالة العيد ،صالة الوتر -عند من يقول بوجوبهما -وجدوا أدلة توجبها ،فأنت إذا لم تجد
دليالً تستصحب هذا األصل ،وهو أنه ال شرع إال ما شرعه اهلل -عز وجل -يعني في العبادات ،ال
يتعبد اهلل إال بما شرع ،فتستصحب هذا األصل ،فإذا قال لك قائل :نصوم رجب على سبيل الوجوب
واإللزام ،نقوم ليلة النصف من شعبان ،نقول :هات الدليل؛ نستصحب بالعدم ،نستصحب العدم
-عدم الدليل -األصل العدم فنستصحبه حتى نقف على دليل.
واالستصحاب من األدلة التي اختُِلف فيها ،العلماء اختلفوا في االستصحاب هل هو حجة عند عدم
الدليل؟ فمنهم من قال :حجة ،وهذا قول الحنابلة والمالكية وأكثر الشافعية ،سواء كان في النفي أو
في اإلثبات ،وحكاه ابن الحاجب عن األكثر.
إذا نفى أمراً ثابتاً لك أن تطالبه بالدليل ،وإ ذا أثبت أمراً -ولو لم يرد نفيه -فلك أن تطالبه بالدليل.
القول الثاني :أنه ليس بحجة ،وإ ليه ذهب أكثر الحنفية والمتكلمين؛ـ ألن الثبوت في الزمان األول
يفتقر إلى الدليل ،فكذلك في الزمان الثاني؛ ألنه يجوز أن يكون وأن ال يكون ،وهذا خاص
بالشرعيات ،أيش معنى هذا الكالم؟
أكثر الحنفية يقولون :الثبوت في الزمان األول ،على أن االستصحاب ليس بحجة ،يحتاج إلى دليل،
صالة الخوف مثالً ،في عهده -عليه الصالة والسالم -صالها النبي -عليه الصالة والسالم-
في ،..على ستة أوجه أو سبعة ،كلها ثابتة ،ونحن نستصحب هذا األصل ونصليها بعد وفاته -عليه
الصالة والسالم -إلى قيام الساعة؛ ألنها ثبتت بدليل لم يثبت نفيه ،وصالها الصحابة بعده ،دليل
على أن الحكم ليس خاصاً به ،نعم ،ليس خاصاً به ،فإذا قال محمد بن الحسن ،أو أبو يوسف :صالة
الخوف خاصة بالنبي -عليه الصالة والسالم -نقول :نحن نستصحب األصل ،وهو فعل صالة
الخوف في عصره -عليه الصالة والسالم -وفعل الصحابة بعده ،قالوا :ال ،صالة الخوف ثبتت
نت ِفي ِه ْم فَأَقَ ْم َت لَ ُه ُم َّ
الصالَةَ َف ْلتَقُ ْم ﴾ [ سورة النساء، في حقه -عليه الصالة والسالمَ ﴿ -وإِ َذا ُك َ
اآلية ،] 102 :ونحن نحتاج إلى دليل كما ثبت الدليل في حقه ،نحتاج إلى دليل ،نقول :أيضاً
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 340 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
نحتاج إلى دليل في مثل قوله -عليه الصالة والسالم ،-في قوله -جل وعالُ ﴿ :-خ ْذ ِم ْن أ َْم َو ِال ِه ْم
ص َدقَ ًة ﴾ [ سورة التوبة ،اآلية ] 103 :؛ هذا خطاب للنبي -عليه الصالة والسالم -وهو خطاب َ
ألمته من بعده عند الجماهير ،بل ال أعرف من خالف في هذا بخالف صالة الخوف ،إذن ال بد من
ثبوت دليل يتناول األمة ،الخطاب للنبي -عليه الصالة والسالم -خطاب ألمته ما لم يرد دليل يدل
على التخصيص ،عرفنا كالمهم في القول الثاني أنه ليس بحجة؟
ثبت في الزمن األول ،ثبوته في الزمن األول افتقر إلى دليل ،صالة الخوف في عهده -عليه
الصالَةَ ﴾ ،بدليل أنه قبل ذلك قبل أن نت ِفي ِه ْم فَأَقَ ْم َت َل ُه ُم َّ
الصالة والسالم -ثبتت بدليل ﴿ َوإِ َذا ُك َ
يرد هذا الدليل ،الصلوات الخمس في يوم الخندق جمعت بعد غروب الشمس؛ ألنه لم يرد دليل،
نت ِفي ِه ْم فَأَقَ ْم َت لَ ُه ُم َّ
الصالَةَ ﴾ ،صالها على فورد الدليل للنبي -عليه الصالة والسالمَ ﴿ -وإِ َذا ُك َ
أوجه ،فالزمان األول احتاج إلى دليل ،إذن الزمان الثاني يحتاج إلى دليل ،ظاهر وإ ال ما هو
بظاهر؟ نعم ،أما أصحاب القول األول يقولون :خالص ثبت الدليل ،هذا فيما يراد نفيه.
أما ما يراد إثباته ،فإن ثبت الدليل المثبت في حق النبي -عليه الصالة والسالم -فاألصل االقتداء
واالئتساء ،إن لم يرد دليل من فعله ،وقد ورد دليل من قوله عملنا بالدليل القولي؛ ألنه أعم ،والفعل
ال عموم له.
لو قال قائل :إن العمرة في رمضان ليست بمشروعة؛ بدليل أن النبي -عليه الصالة والسالم -لم
يعتمر في رمضان ،نعم ،ماذا نقول؟
نقول :النبي -عليه الصالة والسالم -حث على العمرة في رمضان ،وقال « :إنها تعدل حجة »،
كونه ما اعتمر لعارض رحمة بأمته ،شفقة عليها ،عدم تمكنه -عليه الصالة والسالم -من ذلك،
شيء آخر ،لكن الدليل القولي يتناول النبي -عليه الصالة والسالم -ويتناول األمة ،لكن كونه ما
فعل ال يعني أنه ليس بمشروع.
صوم عشر ذي الحجة :بعض من كتب يقول :هذا من األخطاء ،من أخطاء الناس في عشر ذي
الحجة الصيام؛ ألنه ثبت من حديث عائشة -رضي اهلل تعالى عنها -أن النبي -عليه الصالة
والسالم -ما كان يصوم العشر ،نقول :أيضاً ثبت من حديث بعض أزواجه -عليه الصالة
والسالم -أنه كان يصوم تسع ذي الحجة ،فإذا اعتضد هذا بالحث على العمل الصالح في هذه
األيام « ،ما من أيام العمل الصالح فيهن خير وأحب إلى اهلل من هذه األيام العشر » ،وثبت أيضاً:
أن الصيام من أفضل األعمال؛ « من صام يوماً في سبيل> اهلل باعد اهلل وجهه عن النار سبعين
خريفاً » ،إذا انظم هذا إلى هذا قلنا :إن صيام تسع ذي الحجة مشروع ،بل من أفضل األعمال؛ ألنه
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 341 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
عمل فاضل ،عمل صالح « ،ما من أيام العمل الصالح » ،وهذا عمل صالح ،كونه -عليه الصالة
والسالم -ما صام كما في حديث عائشة ،أو صام في حديث بعض أزواجه -عليه الصالة
والسالم ،-كونه ما صام ال يعني أنه أن الصيام غير مشروع ،مثل كونه لم يعتمر في رمضان،
إذن هذه أمور واضحة.
منهم من يقول :إن االستصحاب يصلح أن يكون مرجحاً يرجح به إذا تكافأت األدلة في مسألة ما،
فيستصحب األصل ،يعني وجدنا أدلة تدل على المنع ،وأدلة تدل على اإلباحة ،نرجح
باالستصحاب؛ ألن األصل أنه دليل وإ ن كان مختلفاً فيه ،فهو من ضمن ما يدعم القول باإلباحة،
قال به قوم.
ومنهم من عكس ،من قال :يرجح الناقل عن األصل ،يرجح الناقل عن األصل ،ليش يرجح الناقل
عن األصل؟
وجدنا دليالً يدل على اإلباحة ،واألصل اإلباحة ،اعتضد هذا الدليل باألصل ،وجدنا دليالً ينقل عن
هذه اإلباحة -عن هذا األصل -فهل نقول :نؤيد الدليل المبقي على األصل باالستصحاب؟ أو
نقول :ال نعمل بالدليل الناقل عن األصل ،وهذا الدليل الموافق لألصل كان في أول األمر ،وإ ال لزم
على ذلك النسخ مرتين ،نصير نقلنا عن األصل ،ثم نسخنا هذا الناقل ،لكن كوننا نقول :إن هذا
بناء على أن األصل اإلباحة ،ثم جاء ما ينقل عن هذا األصل.
المبقي لألصل في أول األمرً ،
وعلى كل حال المسألة خالفية ،هل األصل ،..هل يؤيد ما يؤيد االستصحاب ،واألصل أن يبقى
الحكم على أصله ،أو نقول :يرجح الناقل عن األصل على المبقي له ،المسألة معروفة.
المسألة أيضاً فيها أقوال أخر أضربنا عن ذكرها؛ اختصاراً.
يقول الناظم -رحمه اهلل تعالى:-
وحد االستصحاب أخذ المجتهد *** باألصل عند دليل حكم قد فقد
نعم من أهل العلم من يكتفي باإلجماع ،فيقول :المسألة هذه جائزة باإلجماع ،أو دليلها اإلجماع،
وفيها دليل من الكتاب والسنة ،فيستدرك عليه فيقال :هذا الحكم جائز بالكتاب والسنة واإلجماع.
فأنت عند ترتيبك لألدلة في المسألة الواحدة -ولو لم يحصل تعارض -الترتيب الطبيعي أن تبدأ
بالقرآن ما يدل على هذه المسألة من كتاب اهلل -عز وجل ،-ما يؤيد هذه المسألة من صحيح السنة،
ثم بعد ذلك األدلة األخرى المتفق عليها والمختلف فيها على الترتيب.
لكن إذا تعارضت هذه األدلة ،إذا تعارضت هذه األدلة ،جمعت في المسألة عشرين دليالً ،عشرة
منها تؤيد اإلباحة ،وعشرة يستدل بها على تحريم هذا الفعل ،نقول :تعارضت األدلة ،في هذه
المسألة تعارضت األدلة ،إن أمكن الجمع بين هذه األدلة بوجه من الوجوه المعتبرة عند أهل العلم،
ولو بحمل خاص ،..عام على خاص ،مطلق على مقيد ،إذا أمكن الجمع تعين ،إذا لم يمكن الجمع
وعرفنا المتقدم من المتأخر قلنا :هذا ناسخ ،إذا لم يمكن الجمع ولم نعرف المتقدم من المتأخر ال بد
من الترجيح ،إذا لم يمكن الترجيح فأيش؟ فالتوقف.
الترجيح :كيف ترجح بين هذه النصوص ،النصوص هذه المتعارضة في الظاهر من القرآن ،أو
من السنة ،أو منهما معاً ،فالمؤلف -رحمه اهلل تعالى -يقول « :وأما األدلة فيقدم الجلي منها على
الخفي ،والموجب للعلم على الموجب للظن ،والنطق على القياس ،والقياس الجلي على الخفي،
فإن وجد في النطق ما يغير األصل وإ ال فيستصحب الحال » :المراد باألدلة هنا :ما يثبت به
األحكام الشرعية من الكتاب والسنة واإلجماع والقياس ،التي مضى الحديث عنها إجماالً ،فإذا كان
في المسائل التفصيلية ،اآلن إجمالي ،نتحدث إجماالً عن األدلة إجماالً على ضوء ما تقدم الذي هو
موضوع أصول الفقه.
يعني موضوع أصول الفقه األدلة اإلجمالية ،فاألدلة اإلجمالية يكون النظر فيها إجمالي مثل ما هنا،
لكن لو كان عندنا دليل تفصيلي ،دليل تفصيلي يدل على حكم مسألة ما فإن الكالم في هذا التعارض
ودفعه يكون على سبيل التفصيل.
ص ِّل ِلَر ِّب َك َوا ْن َح ْر ﴾ [ سورة الكوثر ،اآلية
يعني إذا تعارض دليل من القرآن مع دليل من السنة ﴿ ،فَ َ
ص ِّل ِل َر ِّب َك﴾؟ هل
ص ِّل ﴾ ،دليل من القرآن ،هل المراد بالصالة الصلواتـ الخمس؟ ﴿ فَ َ ﴿ ،] 2 :فَ َ
المراد به الصلوات الخمس ،نعم؟
ات ﴾ [ سورة البقرة ،اآلية ]238 : الصلَو ِ ِ
ليس المراد به الصلواتـ الخمس ،لكنَ ﴿ :حافظُواْ َعلَى َّ َ
ص ِّل ِل َر ِّب َك َوا ْن َح ْر ﴾ ،هذا دليل من القرآن استدل به بعضهم على :المراد به الصلواتـ الخمس ﴿ فَ َ
وجوب صالة العيد.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 343 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
إذا خصصنا النص العام بالقياس ،عندنا دليل قياس ،وعندنا دليل من الكتاب أو من السنة لكنه عام،
يتناول هذا الفرد بعمومه ،وعندنا ما يخرج هذا الفرد بقياسه على ما خرج بالنص ،نعم.
حبس من يأتي الفاحشة حتى الوفاة -آية النساء -نعم؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :من نسائكم ،نعم؟
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 344 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
طالب.......:
س ِبيالً ﴾ [ سورة النساء ،اآلية :
ض ْير :حتى ،..نعم ﴿ ،أ َْو َي ْج َع َل اللّ ُه لَ ُه َّن َ َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ت ﴾ [ سورة النساء ،اآلية ،] 15 :هذا يتناول بعمومه أيش؟ من َ ﴿ ،] 15حتَّ َى َيتََوفَّ ُ
اه َّن ا ْل َم ْو ُ
يتناول؟
طالب :الحبس ،يتناول المحصن.....
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :نعم المحصن والثيب.
طالب :البكر.
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :كيف؟
طالب :المحصن والبكر.
ض ْير :نعم ،اإلحصان ضد البكارة ،لكن هل نقول :إن هذا الحكم منسوخ َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
بحديث عبادة « :خذوا عني ،خذوا عني ،قد جعل اهلل لهن سبيالً ،الثيب بالثيب جلد مائة والرجم،
والبكر بالبكر جلد مائة وتغريب سنة » نقول :منسوخ؟ هذا يمكن أن يقول به من يرى نسخ
القطعي بالظني -القرآن بالسنة -وحينئذ ال إشكال ،لكن الذي ال يقول بالنسخ يقول :هو بيان بيان،
فالحكم ساري إلى أمد ،وقد انتهى األمد ،فقد جعل اهلل لهن سبيالً ،وليس من باب النسخ.
ف ما علَى ا ْلم ْحص َن ِ ِ
ات ُ َ صُ َ َ هاه ،النص في اإلماء ،النص في اإلماء ،دعونا من هذه اآلية ﴿ ،فَ َعلَ ْي ِه َّن ن ْ
اح ٍد ِّم ْن ُه َما ِم َئ َ>ة َج ْل َد ٍة
اجِل ُدوا ُك َّل و ِ
َ الز ِاني فَ ْالز ِان َي ُ>ة َو َّ ِم َن ا ْل َع َذ ِ
اب ﴾ [ سورة النساء ،اآلية َّ ﴿ ،] 25 :
اح ٍد ِّم ْن ُه َما
اجِل ُدوا ُك َّل و ِ
َ الز ِاني فَ ْ
الز ِان َي ُ>ة َو َّ
﴾ [ سورة النور ،اآلية ،] 2 :هذا المثال يكون أوضحَّ ﴿ ،
ِم َئ َة َج ْل َد ٍة ﴾ :هذا يتناول األحرار والعبيد ،بعمومه يتناول األحرار والعبيد ،خرج اإلماء بقوله﴿ :
ات ِم َن ا ْل َع َذ ِ
اب ﴾ ،وخرج العبيد بالقياس على اإلماء ،فالعموم ف ما علَى ا ْلم ْحص َن ِ
ُ َ صُ َ َ
ِ
فَ َعلَ ْي ِه َّن ن ْ
-عموم الزانية والزاني-ـ مخصوص بالقياس بالنسبة لذكور العبيد ،مخصوص بقياسه على اإلماء،
فهنا القياس يخص العموم ،فنحن قدمنا القياس على عموم النطق؛ ألن عندهم الترجيح ،بل بعضهم
يجعله من وجوه الجمع وهو في الحقيقة ترجيح ،نرجح الخاص على العام ،في الجزء الذي ورد فيه
النص الخاص ،فالتخصيص والتقييد نوع من أنواع النسخ ،يطلق عليه بعض المتقدمين :النسخ،
بمعناه األعم ،ال شك أن فيه رفع حكم بالنسبة لما ورد فيه الدليل الخاص ،لكنه رفع جزئي وليس
برفع كلي.
واهلل مملة األصول أشوف اإلخوان.....
« يقدم الجلي » ،وهو ما اتضح المراد منه « على الخفي » :وهو ما خفي المراد منه،
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 345 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
« والموجب للعلم » :وهو القرآن ومتواتر السنة « على الموجب للظن » :وهو ما ثبت من
أخبار اآلحاد على النطق :وهو قول اهلل وقول رسوله على القياس :الذي تقدم شرحه ،إال إذا كان
النص عاماً فإنه يخص بالقياس.
يعني قدمنا القياس -قياس العبيد على اإلماء -قدمنا هذا القياس على عموم قوله -جل وعال﴿ :-
اح ٍد ِّم ْن ُه َما ِم َئ َة َج ْل َد ٍة ﴾.
اج ِل ُدوا ُك َّل و ِ
َ الز ِاني فَ ْ
الز ِان َي ُة َو َّ
َّ
القياس الجلي :وهو ما نص على علته ،أو أجمع عليها ،يقدم على القياس الخفي ،وهو ما ثبت علته
باالستنباط ،فإن وجد في النطق من الكتاب والسنة ما ينقل عن األصل ،إن وجد في النطق -الدليل
من الكتاب والسنة -إن وجد فيهما ما ينقل عن األصل الذي تحدثنا عنه قريباً وهو البراءة األصلية،
عمل بالنص ،عمل بالنص الناقل عن األصل ،تركنا األصل وعملنا بالنص ،نعم؛ ألننا وجدنا ما
ينقل عن هذا األصل ،وإ ن لم نجد نصاً ينقل عن األصل فإننا نعمل باالستصحاب ،وهو العدم
األصلي الذي سبقت اإلشارة إليه.
بسم اهلل الرحمن الرحيم ،الحمد هلل رب العالمين ،وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد وعلى آله
وصحبه أجمعين .أما بعد :فقد قال المؤلف -رحمه اهلل تعالى:-
ومن شرط المفتي :أن يكون عالماً بالفقه أصالً وفرعاً ،خالفاً ومذهباً ،وأن يكون كامل اآللة في
االجتهاد ،عارفاً بما يحتاج إليه في استنباط األحكام من النحو واللغة ومعرفة الرجال الراوين،
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 346 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
وتفسير اآليات الواردة في األحكام واألخبار الواردة فيها ،ومن شرط المستفتي :أن يكون أهالً
للتقليد ،فيقلد المفتي في الفتيا :أن يكون من أهل التقليد فيقلد المفتي في الفتيا.
وليس للعالم أن يقلد ،والتقليد قبول...
« َّ
الش ْـر ُح » :
الحمد هلل رب العالمين ،وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين ،لما فرغ المؤلف -رحمه اهلل تعالى -من بيان ما يحتاج إليه الطالب المبتدئ مما يتعلق
باألصول اإلجمالية من الكتاب ،والسنة ،واإلجماع ،والقياس ،واالستصحاب ،وقول الصحابي،
وذكر كيفية االستفادة منها ،عقب ذلك كله بحال المستفيد والمجتهد.
المجتهد :وهو المفتي له شروط عند أهل العلم ،من شرطه « :أن يكون عالماً بالفقه أصالً وفرعاً
» :يعني بأصوله وفروعه ،كيف يكون عالماً بالفقه؟ كيف يكون المفتي عالماً بالفقه؟
يعني هل المقصود بذلك أن يكون مستحضراً لجميع المسائل الفقهية بأدلتها ،أو يكفي في ذلك
تحصيل جملة من المسائل يستطيع بواسطتها من تطبيق هذه األصول على تلك الفروع بأدلتها،
ويكون بالنسبة للباقي معرفته بها بالقوة القريبة من الفعل؟
فالفقيه منه ما يكون بالفعل ،ففالن فقيه بالفعل يعني مستحضر لجميع المسائل المتداولة بين الفقهاء
بأدلتها ،ومنهم من يكون فقيهاً بالقوة القريبة من الفعل بمعنى أنه يستطيع الوصول إلى المسائل
بأدلتها ،ويتوصل إلى القول الصحيح بدليله في أقرب وقت ،هذا فقيه لكنه بالقوة وليس بالفعل ،وهذا
تقدم ذكره في شرح تعريف الفقه.
« أن يكون عالماً بالفقه أصالً وفرعاً » :يعني ال بد أن يكون متصوراً للمسائل الفقهية ،وقواعد
سواء كان في مذهب بعينه ،إذا كان المراد به المجتهد المقيد،
ً الفقه وأصوله ،وبما فيها من الخالف،
ويكون مجتهد مذهب يسمونه ،مجتهد مذهب ،أو على العموم في مذاهب العلماء كلهم إذا كان
المراد االجتهاد المطلق.
والمراد بمذاهب العلماء :مذاهب فقهاء األمصار ممن يعتد بقوله منهم ،وال يقدح فيه أن يخفى عليه
بعض األقوال الشاذة التي ال حظ لها من النظر ،وال يقدح فيه أن يخفى عليه أقوال المبتدعة الذين ال
يعتد بهم في الخالف والوفاق.
اشتراط هذا الشرط الذي هو االطالع على المذاهب ،ومعرفة مواطن الخالف واإلجماع؛ لئال
يخالف كالماً مجمعاً عليه ،فيحدث قول يخالف اإلجماع.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 347 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
من الشروط ،الشرط األول :أن يكون عالماً بالفقه أصالً وفرعاً خالفاً ومذهباً ،والثاني :أن يكون
كامل اآللة في االجتهاد ،كامل اآللة ،وهذا الشرط إما أن يراد به األوصاف الغريزية الخلقية في
اإلنسان ،أو يراد به األوصاف المكتسبة ،لكن حمله على األوصاف الغريزية من كونه صحيح
الذهن ،جيد الفهم ،بمعنى أنه عنده من الحفظ ما يؤهله لحفظ النصوص التي يعتمد عليها ،وعنده
من الفهم ما يؤهله لفهم هذه النصوص؛ من أجل أن يستنبط منها ،حمله على هذا أولى؛ ألن
االحتمال الثاني يغني عنه الشرط الثالث ،وهو أن يكون عارفاً بما يحتاج إليه في استنباط األحكام.
هذه هي العلوم المكتسبة ،ال بد أن يكون عارفاً بما يحتاج إليه في استنباط األحكام ،فال بد أن يكون
جيد التحصيل فيما ذكره المؤلف من علوم ،جيد التحصيل ،ال يشترط أن يكون حافظاً لجميع هذه
العلوم ،بحيث يكون في كل علم كخواص أهله ،بل يكفي من هذه العلوم ما يحتاج إليه في فهم
النصوص ،في فهم الكتاب والسنة ،فال بد من مشاركته في النحو واللغة ،وهذا أشار إليه المؤلف،
أن يكون عارفاً بما يحتاج إليه في استنباط األحكام من النحو واللغة ،ال بد أن يكون عالماً بالقدر
الالزم الكافي لفهم الكالم من اللغة بفروعها.
فروع اللغة كم؟ عشرة؟ النحو ،الصرف ،اللغة ،أيش معنى اللغة؟ نعم؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :مفرداتها التي يسمونها متن اللغة وفقه اللغة ،نعم ،والعروض،
والقوافي ،والبيان ،والمعاني ،والبديع ،واالشتقاق ،هذه فروع علم اللغة ،لكن ال يلزم معرفة
العروض والقوافي لماذا؟
ألن الكالم نثر ،كالم اهلل -جل وعال -ليس بشعر ،وكالم نبيه -عليه الصالة والسالمُ -ن ِف َي عنه أن
يكون شعراً.
على كل حال هذا من الكمال أن يكون عارفاً بذلك ،وهذا معروف عند أهل العلم ،فروع هذه العلوم
كلها معروفة عند أهل العلم إلى طبقة شيوخنا.
نذكر أننا لما كنا نقرأ على الشيخ عبد العزيز -رحمة اهلل عليه -سنة خمسة وتسعين في الفرائض
جاء بيت كان فيه انكسار ،فقطعه الشيخ عروضياً وأثبت أن ما فيه شيء ،فمثل هذا يحتاج إليه ال
شك أنه كمال ،نعم ،هذا أمر كمالي لكن يحتاج إليه طالب العلم ،طالب العلم محتاج إلى النحو ،هذه
حاجة ضرورية ليست كمالية ،الصرف –أيضاً -كذلك ،مفردات اللغة الذي هو متن اللغة ،فقه
اللغة ،اآلن منا من يفرق بين متن اللغة وفقه اللغة؟ نعم؟
طالب.......:
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 348 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
ألن النصوص الشرعية من الكتاب والسنة وردت بلسان العرب ،فال بد لفهمهما من معرفة بهذه
العلوم؛ تؤهل لفهمها ،والمراد بذلك -مثل ما ذكرنا -القدر المجزئ الذي يقبح جهله ،وال يراد بذلك
أن يتقن كل فرع من هذه الفروع كخواص أهله ،على ما سبقت اإلشارة إليه.
من األدب أيضاً -من أدب المفتي -أن يطلع على كتب اآلداب ،وهذه تعطيه األساليب والعبارات
الجيدة التي يستطيع بواسطتها أن يوصل ما لديه من علوم ،ويقصد بذلك األدب العفيف ال األدب
الماجن ،وإ ن كان أهل العلم يطلعون على الكتب وإ ن كان فيها ما فيها ،وفيها فوائد وإ ن كان فيها
شيء من المخالفة التي بعضها ال يليق بسمت طالب العلم ،لكن تجد كثيراً من أهل العلم حينما يفتي
أو يسأل يصعب عليه أن يوصل المعلومة التي يريدها إلى المستفتي.،
نعم هناك كتب قد تغني عن هذه الكتب وهي عفيفة ،مثل األساليب الرائعة التي بثها ابن القيم في
كتبه ،لو يحفظ منها طالب العلم كمية وجملة استفاد منها في مستقبل حياته.
ولذا العالم حينما يسأل ينبغي أن ينظر حال السائل من أي طبقة يكون ،فيخاطبه على قدر فهمه ،قد
يكون السائل طالب علم وليس عنده من العبارات ما يستطيع أن يوصله إلى طالب العلم ،مع أن
طالب العلم أسهل من العامي ،فيوصل المعلومة والفتوى والجواب إلى هذا السائل باألسلوب
المناسب ،هذا إذا كان السائل واحداً أو مجموعة يشملهم وصف واحد ،لكن إذا كان السؤال مطروح
على خالئق ال يحصون ،منهم العالم ،منهم المتعلم ،منهم العامي ،منهم الذي ال يفهم اللهجات ،فمثل
هذا يتعين عليه أن يكون جوابه مفهوماً لدى السامعين ،فال يفتي بلهجة ال يفهمها جميع من يستمع.
هو ال يطالب أن يفتي بجميع اللغات ،أو يتعلم جميع اللغات ليفتي بها ،لكن أقل األحوال أن يتقن
العربية؛ بحيث يفتي الناس بالعربية؛ ألن األقاليم تختلف في فهم العامية ،وبعض األلفاظ العامية
يختلف مدلولها من قطر إلى آخر ،يختلف مدلولها من قطر إلى آخر ،وقد تفيد الضد والنقيض ،تفيد
الضد والنقيض من المقصود.
فالعالم عليه أن يعتني بالعربية ويفتي بالعربية ال سيما إذا كان من يسمعه من شرائح متنوعة ،ومن
أقطار متباعدة؛ ألن اآلن ما هو مثل قبل ال يبلغ صوتك إال أمتاراً ،اآلن ألوف مؤلفة من الكيلوات
يصل صوتك ،واهلل المستعان.
طالب.......:
ض ْير :يعطيه بقدر ما يفهم؛ ألن المقصود نفع السائل ،حل اإلشكال لدى َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
السائل فيهمه بلهجته ،لكن لما يقول كلمة –مثالً -تختلف فيها األقطار اختالفاً متباينا ،واحد سأل
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 350 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
شيخاً من المشايخ قال :ما حكم الزعابة؟ قال :الزعابة ما فيها شيء ،أيش معنى الزعابة؟ الشيخ
فهم أن الزعابة إخراج الماء من البئر ،هذه الزعابة عندهم ،قال :يا شيخ أنا سمعت أنها حرام
وشرك ،قال :أيش لون شرك؟ قال :الزعابة تذبح عند باب الدار إذا أردت أن تسكن ،قال :اللهم
سلم ،هذا الشرك األكبر نعم ،فعلى هذا ال بد من االستفصال ،وال بد من اإلجابة باللغة التي يتفق
عليها الجميع ،واهلل المستعان.
يقول :ومعرفة الرجال ،عارفاً بما يحتاج إليه في استنباط األحكام من النحو واللغة ومعرفة
الرجال ،معرفة رجال الحديث من ناحية الجرح والتعديل ،ومعرفة قواعد الجرح والتعديل ،وكيف
يعمل عند تعارض الجرح والتعديل ،ال بد من معرفة ذلك لماذا؟ ليتأهل للنظر في األسانيد ،ليتمكن
من التصحيح والتضعيف،ـ ليبني فتواه على خبر ثابت ،وال يستدل بحديث لم يثبت ،كما هو شأن
كثير من الفقهاء ،لكن المجتهد شأنه أعظم وأشد ،وليس المراد حفظ كتب الرجال –مثالً -واهلل
يشترط لك أن تحفظ الجرح والتعديل ،والثقات والضعفاء ،والكمال ،وتهذيب الكمال ،هذه ينتهي
العمر وما حفظت كتاباً واحداً ،نعم ،لكن المقصود أن تكون لديك األهلية ،تحسن التعامل مع هذه
الكتب ،وترجع إليها بأخصر طريق ،وتنظر ما قيل في الراوي من جرح وتعديل ،تستطيع أن
توازن بواسطة معرفة القواعد التي قعدها أهل العلم للتعارض والترجيح ،ثم بعد ذلك تخرج بنتيجة،
مع أن هذا أمر في غاية الصعوبة ،نعم ،هو سهل إذا نظرنا إليه بمفردات هؤالء الرواة ،لكن
المسألة مفترضة في من؟ في شخص مجتهد ،يجتهد في جميع ما يسأل عنه من أحكام ،كل مسألة
عليه أن ينظر في أقوال أهل العلم ،في الخالف واإلجماع ،ثم ينظر في أدلة كل قول ،ثم ينظر في
ثبوت كل دليل ،وكل دليل ينظر في إسناده وطرقه ومتابعاته وشواهده ،والعمر وين؟ ولذلك تجد
كثير من الناس ،..أما االجتهاد المطلق -بمعنى اإلطالق بهذا اللفظ بمعنى اإلطالق -فهو نادر،
أيش معنى ،معنى اإلطالق؟ معناه أنك تجتهد في كل مسألة من مسائل الدين ،في كل نازلة من
النوازل ،تنظر فيها من جميع وجوهها ،أقوال العلماء فيها ،أدلة هذه األقوال ،النظر في كل دليل،
وكل دليل النظر في جميع رواته ،وكل راو النظر في جميع ،..كل ما قيل فيه جرحاً وتعديالً ،ثم
بعد ذلك تستخلص النتيجة بالنسبة لهذا الراوي ،ثم الراوي الذي يليه ،ثم الذي يليه ،ثم الذي يليه،
وتنظر في الطبقات ،لتنظر هل يتمكن هذا من سماع هذا أم لم يتمكن ،ثم بعد ذلك تخرج بنتيجة
حديث واحد يوم مثالً ،الحديث الثاني وين العمر الذي بيستوعب هذه األمور.
ولذلكم تجدون كثير من العلماء -والمشقة تجلب التيسير -يختصر الطريق ،إن أراد أن يجتهد في
الرواية جعل همه الحديث وما يتعلق به ،واألسانيد ،والعلل ،على أن هذا تنقطع دونه األعمار ،علم
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 351 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
الحديث علم ،وبعضهم اختصر الطريق واقتصر على الدراية ،قلد في التصحيح ،أو نظر فيها نظراً
عابراً ،ورجح ترجيحاً من غير دراسة كافية ،وحكم من خالل هذا النظر –االسترواح -يعني
مجرد ميل ،لكن العالم إذا تحرى الصواب،ـ وصدق اللجأ إلى اهلل وقرن علمه بالعمل الغالب أنه
يسدد ويوفق ،ولو لم يتمكن من االجتهاد المطلق بشرط اإلطالق ،لكن هذا ظاهر ،وأنتم أدركتم من
أهل العلم من سدد ووفق ،هل يتصور أنهم مع أعمالهم ،واألعباء التي تحملوها وحملوها على أكمل
وجه أنهم اجتهدوا في كل مسألة مسألة ،وبحثوها من كل وجه ،وبحثوا جميع ما يتعلق بها؟
هذا دونه خرط القتاد ،ومع ذلكم وفقوا وسددوا وهدوا إلى الصواب،ـ هذا سببه أيش؟ اإلخالص،
سببه اإلخالص وصدق اللجأ إلى اهلل -جل وتعالى -والعمل بالعلم ،أما شخص ديدنه المكتبة ،ما
يخرج من المكتبة؛ بحثاً وراء بحث ،لكن إذا جاءت الصالة هو آخر من يحضر المسجد ،إذا جاء
القيل والقال أول من يبادر ،مثل هذا قد ال يوفق ،فعلى العالم أن يتصف بالورع ،وااللتزام الحقيقي
بالدين ،وأن يكون عمله مطابقاً لعلمه ،ثم يسدد.
ثم قال بعد ذلك :ومعرفة الرجال ،وتفسير اآليات الواردة في األحكام :يعرف آيات األحكام ،يعرف
آيات األحكام ،وعناية الفقهاء بآيات األحكام ،وال يشترطون للمجتهد المطلق حفظ القرآن ،سوى
آيات األحكام ،ما يشترط حفظ القرآن ،يعني رغم صعوبة الشروط التي وضعوها لم يشترطوا حفظ
القرآن؛ ألن همهم األحكام العملية.
بعضهم يقدر آيات األحكام خمسمائة آية ،وهذه ألفت فيها الكتب -كتب تفسير آيات األحكام -من
أهمهما (أحكام القرآن البن العربي) ،وميله إلى مذهب مالك( ،أحكام القرآن للجصاص) ،وميله
لمذهب أبي حنيفة( ،أحكام القرآن إللكيا الطبري الراسي) ،وهو شافعي المذهب.
من أجمع وأنفس ما كتب في أحكام القرآن (الجامع في أحكام القرآن للقرطبي) ،فآيات األحكام ال بد
من العناية بها ،وال يعني هذا أننا نهمل ما جاء في القرآن في القصص –مثالً-؛ العبر والمواعظ
والدروس التي تستنبط من القصص ال تقل أهميتها عن أهمية آيات األحكام.
األمثال :وقد قال اهلل -جل وعالَ ﴿ :-و َما َي ْع ِقلُ َها إِاَّل ا ْل َع ِال ُم َ
ون ﴾ [ سورة العنكبوت ،اآلية ،]43 :
ال بد من معرفتها ،آيات الترغيب ،آيات الترهيب ،وآيات القرآن تنوعت أنواعاً بحسب ما يحتاجه
العالم والمتعلم ،لكن الفقهاء يهمهم الفقه الذي هو األحكام ،فال بد للمجتهد أن يكون عارفاً بكتاب اهلل
-عز وجل -ال سيما ما يتعلق منه باألحكام الذي هو بصدد إفتاء الناس فيها؛ فكيف يفتي الناس
ويتصدى لحل إشكاالتهم من ال يعرف كتاب اهلل -عز وجل -وال بد أن يعرف تفسير هذه اآليات
من خالل كالم العلماء الموثوقين من سلف هذه األمة وأئمتها.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 352 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
وأن يكون عارفاً بناسخها ومنسوخها ،ال بد أن يعرف الناسخ من المنسوخ ،وقد وقف علي بن أبي
طالب على قاص ،فقال له :أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال :ال ،قال" :هلكت وأهلكت"؛ قد يفتي
الناس بحكم منسوخ .والنسخ في القرآن واآليات المنسوخة واآليات الناسخة فيها المؤلفات ،من
أجمعها كتاب ابن النحاس ،وكذلك على المتعلم الذي يتمنى أن يكون مجتهداً مفتياً ،أن يعنى بتفسير
أحاديث األحكام؛ فالسنة كما هو معروف شقيقة القرآن في االستدالل ،وإ ن كانت هي المصدر
الثاني في الترتيب؛ باعتبار القائل وباعتبار الثبوت ،فال بد لمن يتصدى لإلفتاء أن يكون حافظاً
لقدر كاف ،عارفاً بما فيها من أحكام ،مطلعاً على أقوال العلماء في شرحها؛ لئال يضل في فهم هذه
األحاديث ،ويأتي بما لم يسبق إليه في ذلك.
كتب أحاديث األحكام كثيرة :عمدة األحكام ،بلوغ المرام ،المحرر ،المنتقى ،اإللمام ،كتب ألفت في
هذا الشأن ولها شروح كثيرة ،ويذكر بعض أهل العلم أن سنن أبي داود يكفي المجتهد ،يكفي
المجتهد سنن أبي داود في أحاديث األحكام ،وبعضهم يضيف إليه السنن الكبرى للبيهقي-البحر -ال
شك أن من أحاط علماً بسنن البيهقي -وهذا أشرنا إليه مراراً -ال شك أنه يصدر عن علم ،لكن من
يوفق للعناية بهذه الكتب؟
آم ُنوا ِمن ُك ْم َوالَِّذ َ
ين معاناة العلم شاقة وصعبة ،لكن الثمرة من هذه المعاناة كبيرة؛ ﴿ َي ْرفَ ِع اللَّ ُه الَّ ِذ َ
ين َ
أُوتُوا ا ْل ِع ْلم َدرج ٍ
ات ﴾ [ سورة المجادلة ،اآلية .] 11 : َ َ َ
جاء في فضل العلم ومدح أهله من نصوص الكتاب والسنة الشيء الكثير ،لوال المشقة لكان كل
الناس علماء ،كل الناس علماء ،ولوال التعب واللهث وراء أمور الدنيا لصار الناس كلهم تجاراً
تجاراً ،لكن الراحة واإلخالد إليها والدعة والترف يعوق عن تحصيل خير الدنيا واآلخرة.
وال بد أن يكون أيضاً عالماً بناسخ الحديث ومنسوخه ،وألفت فيه الكتب ،ومن أنفس ما ألف في هذا
الباب (االعتبار في معرفة الناسخ والمنسوخ من اآلثار للحازمي) ،وهذا كتاب نفيس ينبغي لطالب
العلم أن يعنى به ،ومع تمام معرفته بذلك -بجميع ما ذكر وإ تقانه -ال بد أن يتصف بالورع ،ورعاً
ديِّناً ،ال يتجرأ على اهلل فيفتي بغير علم؛ ألنه إن لم يكن ورع جرؤ على اهلل -عز وجل -وأفتى
الناس بغير علم ،أو أفتاهم -وإ ن كان له عنده شيء من العلم -يمكن يفتي بخالف ما يعلم طمعاً في
إرضاء لفالن أوعالن ،يشتري بآيات اهلل ثمناً قليالً ،فعلى المفتي أال
ً حطام فاني -حطام الدنيا-
يتجرأ على اهلل ،فيفتي بغير علم ،أو بشيء لم يتأكد منه؛ ألن المفتي كما هو معلوم موقِّع عن اهلل
-عز وجل ،-فليحذر أشد الحذر من يتصدى لهذا األمر الخطير ،من الجرأة على اهلل -عز وجل-؛
ش فالقول على اهلل بال علم من عظائم األمور ،كما قال -جل وعالُ ﴿ :-ق ْل إِ َّنما حَّرم ر ِّبي ا ْلفَو ِ
اح َ َ َ ََ َ َ
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 353 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
مع األسف الشديد أن نرى ونسمع كثيراً ممن يتصدى للفتوى بغير علم ،أو مع علم ،لكن يفتي بغير
الحق؛ اتباعاً للهوى وطمعاً في الحطام الفاني ،وقد صح عن النبي -عليه الصالة والسالم -أنه
قال « :إن اهلل ال يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ،ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ،حتى
إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهاالً ،فسئلوا ،فأفتوا بغير علم ،فضلوا وأضلوا » [الحديث
مخرج في البخاري].
وثبت في الصحيح من حديث أنس -رضي اهلل تعالى عنه -قال :قال رسول اهلل -صلى اهلل عليه
وسلم « :-إن من أشراط الساعة :أن يرفع العلم ،ويثبت الجهل ،ويشرب الخمر ،ويظهر الزنا ».
يقول ابن القيم-رحمه اهلل تعالى -في إعالم الموقعين" :فصل :وكان السلف من الصحابة
والتابعين يكرهون التسرع في الفتوى ،ويود كل واحد منهم أن يكفيه إياها غيره ،فإذا رأى أنها
تعينت عليه بذل اجتهاده في معرفة حكمها من الكتاب والسنة وأقوال الخلفاء الراشدين ثم أفتى".
وقال عبد اهلل بن المبارك :حدثنا سفيان عن عطاء بن السائب عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال:
"أدركت عشرين ومائة من أصحاب رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -أراه قال :في المسجد -فما
ود أن أخاه كفاه الحديث ،وال مفت إال َّ
ود أن أخاه كفاه الفتيا". كان منهم محدث إال َّ
ثم قال ابن القيم -رحمه اهلل" :-قلت :الجرأة على الفتيا تكون من قلة العلم ،أو من غزارته وسعته
–يعني ليست مذمومة مطلقاً -الجرأة على الفتيا تكون عن قلة العلم ،مش مثل هذا -قليل العلم -إذا
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 354 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
تصدر للناس ،وسئل عن مسائل إذا قال :ال أدري ،ال أدري ،قلة علم وما عنده شيء؟ ال تطاوعه
نفسه ،وهواه وشيطانه؟ أيش معنى أنك ما تدري ،ليش تتصدر للناس وأنت ال تدري؟ هكذا يسول
له ،هذا من قلة علم ،فال يجرأ على الفتيا خشية أن يقال :هذا ما هو شيء ،إذا قال :ال أدري كم مرة
.......استفاضة بعلم وعمل وفضل وخير وصالح ،سقط من أعين الناس ،فيخشى أن يسقط من
أعين الناس فال يقول :ال أدري ،ومن غزارته وسعته ،بحيث يكون الدليل والبرهان عنده مثل
الشمس ،مثل هذا ما يتردد إال من جهة واحدة ،إذا وجد من يكفيه الفتيا -وإ ن كان غزير العلم واسع
العلم ودفع الفتيا إلى من تبرأ الذمة باإلحالة إليه -مثل هذا يحمد؛ ألنه وإ ن كان غزير العلم واسع
االطالع ،فيجيب عن كل مسألة ال بد أن يصاب بشيء؛ ألن النفس البشرية ضعيفة ،إذا تتابع الناس
على مدحه والثناء عليه واإلشادة به ،يخشى عليه ،يخشى عليه ويخشى على غيره أن يفتن به.
يقول :فإذا َّ
قل علمه أفتى عن كل ما يسأل عنه بغير علم ،وإ ذا اتسع علمه اتسعت فتياه ،ولهذا كان
ابن عباس -رضي اهلل عنهما -من أوسع الصحابة فتيا ،وقد تقدم -يقول ابن القيم -أن فتاواه
جمعت في عشرين سفراً ،وكان سعيد بن المسيب -أيضاً -واسع الفتيا.
المقصود أنه إذا كان هناك علم ،فال يخلو إما أن يتعين عليه الجواب فال يجوز له حينئذ أن يتأخر
عن الجواب ،إذا لم يتعين عليه ،وصار بالنسبة له واجباً على الكفاية ،وأحال على غيره؛ تورعاً أو
خشية من أن َيفتن أو ُيفتن ،مثل هذا يمدح ،لكن إن أجاب فهو األصل.
أقول :من ابتلي بالفتيا وتعينت عليه فعليه بالورع ،وعليه بصدق اللجأ إلى اهلل -سبحانه وتعالى-
أن يعينه ويسدده ويوفقه للصواب ،وعليه –أيضاً -بقراءة ما يعينه إلى معرفة آداب المفتي
وشروطه.
ومن أهم ما كتب في ذلك الكتاب الجامع النافع الماتع (إعالم الموقعين عن رب العالمين) البن
القيم-رحمه اهلل تعالى.-
يقول الناظم-رحمه اهلل تعالى:-
بعضهم يقول :يأتي العالم -يأتي العامي -ويسأل أنت عالم؟ أنت مجتهد؟ فإن كان كذلك سأله......
ليس بالئق ،وإ ن رجحه بعضهم ،أسلوب ممجوج ،نعم ،ما يلزم يا أخي؛ ألنه لو كان متصدراً للناس
وقال له ،..حتى أعلم الناس إذا قيل له :أنت عالم؟ قال :ال ،أيش يسوي العامي ،يرجع؟ وأجهل
الناس إذا قيل له :عالم ،قال وأيش أنا جاهل؟ نعم ،فهذه ليست طريقة.
أقول الطريقة لسؤال من تبرأ الذمة بسؤاله االستفاضة االستفاضة ،فإذا سأل المقلد من تبرأ ذمته
بتقليده وجب عليه العمل بفتواه وإ ن لم يعرف الدليل؛ لقصوره عن إدراك األحكام بأدلتها.
تفضل؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :نعم ،لكن الذم في العكس؛ ألن هذه دليل على أنه يتبع هواه ،الذم يأتي
لو قيل :عليك كذا ،ثم ذهب؛ ليبحث عن األخف ،نعم ،يتتبع الرخص ،وبعض طالب العلم يرى أنه
إذا أفتاه أكثر من واحد ،تكون إحدى أو أحد الجوابين فيه تسهيل وتيسير واآلخر فيه تشديد يقول:
خذ الذي فيه تيسير؛ ألن النبي -عليه الصالة والسالم -ما خير بين أمرين إال اختار أيسرهما.
نقول :ما هو بصحيح هذا ،نعم ،أنت متهم ،أنت متهم هنا؛ ألن حكم اهلل في المسألة واحد ال على
جهة التخيير ،فأحدهما صواب واآلخر خطأ ،في وقت النبي -عليه الصالة والسالم -إذا اختار
أحدهما فهو شرع ،لكن هل للعامي أن إذا قيل له :عليك دماً ،وقال :الثاني ما عليك دماً ،قال :النبي
ما خير بين أمرين؟ نعم ،ما نقول هذا الكالم؛ ألن النبي -عليه الصالة والسالم -لما يختار األيسر
نعم ،لما يختار األيسر ،..نعم إذا خيرت في ما له أكثر من خصلة ،كذا ،وكذا اختار األيسر ،خيرت
علي ،أنا يا اهلل أطعم ،اختار األيسر ال
بين عتق رقبة ،وإ طعام وكسوة ،تقول :ال واهلل الطعام أخف َّ
بأس ،لكن يقال لك :مذهب أبي حنيفة الوجوب ،ومذهب مالك االستحباب ،نعم ،تقول :ال ،مذهب
مالك االستحباب ،ولو بعد وجدت قوالً يقول باإلباحة مستوى الطرفين ،هذا أرغب إليك ،هذا اختار
األيسر؟ ال أنت تتبعت رخص في هذه الحالة ،وإ ذا تتبعت الرخص في جميع حياتك ،خالص
انسلخت من الدين ،فننتبه لهذا.
وليس للعالم المتأهل أن يقلد ،بل عليه أن يستنبط؛ ألنه متعبد بشرع ووحي من كتاب وسنة ،إال إذا
اجتهد ولم يتبين له الحكم ،تردد ،أو نزلت به حادثة يحتاج إلى جواب عاجل ،تحتاج إلى جواب
عاجل ،فال بأس حينئذ أن يقلد؛ ألن اهلل -سبحانه وتعالى -ال يكلف نفساً إال وسعها.
يقول الناظم-رحمه اهلل تعالى:-
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 357 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :كيف؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :هو يهمه األحكام ،يهمه األحكام ،فالذي تستنبط منه األحكام وتستمد
منه األحكام يهتم به ،وما عدا ذلك من العلوم ،في هذا الباب ،في هذا الباب على وجه الخصوص
نعم؛ ألن العقيدة فن ،واألحكام فن ،هم عندهم في األحكام العملية ،يفتي يعني فقيه ،فقيه يفتي في
الفقه ،لكن إذا أراد أن يفتي في كل علم ،يفتي في الفقه ،يفتي في الحديث ،يفتي في التفسير ،يفتي
في جميع العلوم ،نعم ،ال بد أن يعرف كل هذه العلوم.
سم.
بسم اهلل الرحمن الرحيم ،الحمد هلل رب العالمين وصلى اهلل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين ،أما بعد :فقد قال المؤلف-رحمه اهلل تعالى:-
وليس للعالم أن يقلد ،والتقليد :قبول قول القائل بال حجة ،فعلى هذا قبول قول النبي -صلى اهلل
عليه وسلم -ال يسمى تقليداً ،ومنهم من قال :التقليد :قبول قول القائل ،وأنت ال تدري من أين
قاله ،فإن قلنا :إن النبي -صلى اهلل عليه وسلم -كان يقول بالقياس ،فيجوز أن يسمى قبول قوله
تقليداً.
وأما االجتهاد :فهو بذل الوسع في بلوغ الغرض ،فالمجتهد إن كان كامل اآللة في االجتهاد ،فإن
اجتهد في الفروع فأصاب فله أجران ،وإ ن اجتهد فيها وأخطأ فله أجر ،ومنهم من قال :كل مجتهد
في الفروع مصيب ،وال يجوز أن يقال :كل مجتهد في األصول الكالمية مصيب؛ ألن ذلك يؤدي
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 358 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
إلى تصويب> أهل الضاللة من النصارى والمجوس والكفار والملحدين ،ودليل من قال :ليس كل
مجتهد في الفروع مصيباً قوله -صلى اهلل عليه وسلم « :-من اجتهد فأصاب فله أجران ،ومن
اجتهد وأخطأ فله أجر واحد » ،وجه الدليل أن النبي -صلى اهلل عليه وسلم -خطأ المجتهد تارة،
وصوبه أخرى.
« َّ
الش ْـر ُح » :
الحمد هلل رب العالمين ،وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين ،لما ذكر المؤلف-رحمه اهلل تعالى -شروط المفتي وهو المجتهد ،وشروط المستفتي وهو
السائل ،ثم ذكر أن العالم يعني المجتهد ليس له أن يقلد ،مراده بذلك أن من تحققت لديه األهلية
-أهلية االستنباط من الكتاب والسنة -ليس له أن يقلد في دينه الرجال؛ ألن المرد عند التنازع إلى
اهلل ورسوله ،وليس إلى قول فالن وال عالن ،مهما كانت سابقته وقدمه في ،..ورسوخ قدمه،
فالمتأهل فرضه االجتهاد ،كما أن العامي ومن في حكمه فرضه سؤال أهل العلم ،وقبول قولهم،
وهذا تقدم.
ثم بين-رحمه اهلل تعالى -حقيقة التقليد ،وحقيقة االجتهاد ،فالتقليد يقول « :قبول قول القائل بال
حجة » :وهو في األصل مصدر قلد يقلد تقليداً.
التقليد :وضع الشيء في العنق كالقالدة ،إلحاطتها بالعنق ،ومنه تقليد الهدي ،شيئاً يعلم به أنه هدي،
ومنه تقليد الواليات من قبل اإلمام األعظم لوالة األقاليم ،والذين كانوا يعرفون في السابق بالعمال.
المقصود أن كل هذا تقليد؛ ألنه تفويض لألمر كما في القاموس :أعطيته قلد أمري ،أي فوضته
إليه ،فالمقلد يفوض أمر سؤاله إلى من يقلده من أهل العلم ،ويقبل قوله من غير نقاش ،ومن غير
معرفة دليل ،ولذا قال المؤلف « :التقليد :قبول قول القائل بال حجة » :أي يذكرها لمن أراد
تقليده ،فال يذكر الدليل لمن سأله ،المجتهد إذا سئل عن مسألة ما ،يفتي بما يدين اهلل به ،بما توصل
إليه باجتهاده ،وال يلزمه بيان مستنده ،ينصون على هذا ،لكن هذا يختلف باختالف أحوال السائلين،
فإن كان السائل عامياً ال يعرف درك المسألة فمثل هذا يعطى الحكم ،وإ ن كان متعلماً طالباً للدليل؛
ليبني عليه فيما يستقبل من حياته العلمية ،فمثل هذا يعلم الدليل ،ويخبر بالدليل ،ويعلم ويخبر بمأخذ
المسألة من هذا الدليل.
في مختصر التحرير يقول :التقليد عرفاً أخذ مذهب الغير بال معرفة دليله ،وفي األحكام البن حزم:
التقليد على الحقيقة إنما هو قبول ما قاله قائل دون النبي -صلى اهلل عليه وسلم -بغير برهان ،دون
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 359 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
النبي -صلى اهلل عليه وسلم -بغير برهان ،ثم قال :فهذا هو الذي أجمعت األمة على تسميته تقليداً
وقام البرهان على بطالنه ،هذا كالم ابن حزم ،وسيأتي أن ابن حزم والشوكاني شددا في أمر
التقليد ،ويأتي ما في كالمهما –إن شاء اهلل-والشوكاني في إرشاد الفحول عرف التقليد بأنه قبول
رأي من ال تقوم به الحجة بال حجة.
من ال تقوم به الحجة :يعني من يستدل لكالمه وال يستدل بكالمه ،فكالمهم المجرد ليس بحجة ،إنما
يلتمس له الحجة من كالم اهلل ،وكالم رسوله -عليه الصالة والسالم.-
« بال حجة » :بال بيان لما اعتمد عليه هذا الغير المسؤول.
يقول « :فعلى هذا قبول قول النبي -صلى اهلل عليه وسلم -يسمى> تقليداً » :لماذا؟ ألن التعريف
الذي ذكره ينطبق عليه؛ ألن النبي -عليه الصالة والسالم -يذكر القول -يذكر حكم المسألة -وال
يذكر دليله ،من هذه الحيثية سماه تقليداً ،لكن هل هذا الكالم صحيح؟
التقليد :قبول قول من ليس بحجة -من يحتج لكالمه -أما تقليد من يحتج بكالمه فليس بتقليد ،من
يحتج بكالمه ،..فرق بين من يحتج بكالمه وبين من يبحث الدليل لالحتجاج به لكالمه.
فنصوص الكتاب والسنة ما جاء عن اهلل -عز وجل -وعن رسوله -عليه الصالة والسالم -هذه
أصول يحتج بها ،وال يحتج لها ،أما ما جاء عن غيرهما فإنه مما يحتج له وال يحتج به.
فالصواب أن قول النبي -عليه الصالة والسالم -حجة يحتج به وال يحتج له ،ولذا قال المصنف
الجويني في البرهان :وذهب بعضهم إلى أن التقليد قبول قول القائل بال حجة ،ومن سلك هذا
المسلك منع أن يكون قبول قول النبي -عليه الصالة والسالم -تقليداً؛ فإنه حجة بنفسه ،حجة
بنفسه.
ومنهم من قال :كالم المؤلف « ،ومنهم من قال :التقليد قبول قول القائل وأنت ال تدري من أين
قاله » :أي ال تعرف معتمده ومأخذه واألصل الذي اعتمد عليه ،فإن قلنا يقول « :المؤلف :فإن
قلنا :إن النبي -عليه الصالة والسالم -كان يقول بالقياس » :يعني يجتهد إن كان النبي -عليه
الصالة والسالم -له أن يجتهد ،إن كان الرسول -عليه الصالة والسالم -له أن يأخذ بالقياس
ويجتهد ،فإن قبول قوله يسمى تقليداً ،وإ ن كان ال يجوز له أن يجتهد ،وإ نما جميع ما يصدر عنه
ق َع ِن ا ْل َه َوى* إِ ْن ُه َو إِاَّل َو ْح ٌي إنما هو توقيف من اهلل -عز وجل -بدليل آية النجم ﴿ ،وما ي ِ
نط ُ ََ َ
وحى﴾ [ سورة النجم 3 :ـ ،] 4يعني ما ينطق ،جميع ما ينطق ال يكون عن هوى ﴿ ،إِ ْن ُه َو إِاَّل ُي َ
وحى﴾ ،فهذه اآلية تمنع اجتهاد النبي -عليه الصالة والسالم -وبها يستدل من يقول بأنه
َو ْح ٌي ُي َ
ليس له أن يجتهد.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 360 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
لكن الواقع يدل على أن النبي -عليه الصالة والسالم -اجتهد في مسائل ،وأقر على كثير منها ،ولم
يقر على بعضها ،اجتهد -عليه الصالة والسالم -في أسرى بدر ،ولم يقر على اجتهاده ،فدل على
أنه -عليه الصالة والسالم -له أن يجتهد.
يعني مسألة اجتهاد النبي -عليه الصالة والسالم -إثباتاً ونفياً ،مسألة خالفية بين أهل العلم ،اآلية
تدل على أن جميع ما ينطق به وحي ،والواقع يشهد بأنه اجتهد ،أقر في جميع اجتهاداته إال القليل
النادر التي لم يقر عليها ،كقضية أسرى بدر ،وهذه مسألة مشهورة ،هذه مسألةَ ﴿ ،..عفَا اللّ ُه َعن َك
ِل َم أ َِذ َ
نت َل ُه ْم ﴾[ سورة التوبة ،اآلية ،] 43 :نعم،
ما كان ..هاه؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :في األسرى.
طالب.......:
ض ْير :أي نعم ،نعم ﴿ َحتَّى ُيثْ ِخ َن ِفي األ َْر ِ
ض ﴾ [ سورة األنفال ،اآلية : َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
،] 67لم يقر على هذا االجتهاد ،لم يقر على هذا االجتهاد ،فدل على أنه يجتهد ،إذن كيف نوفق
بين هذا وبين اآلية؟ له أن يجتهد وال ينطق عن الهوى ،إن وافق االجتهاد الصوابـ أقر ،ويكون
اإلقرار حينئذ عمله واجتهاده مؤيد بالوحي –باإلقرار -إن لم يقر -عليه الصالة والسالم -فال
يعتبر من نطقه ،إن لم يقر ،إن لم يقر ،يعني ال يخلو إما أن يكون اجتهاده موافقاً وأقر عليه ،هذا ما
شي ،هذا داخل في الوحي ،إن لم يقر عليه ،فعدم اإلقرار –أيضاً -وحي ،فالثابت في النهاية هو
الوحي.
على كل حال مثل ما ذكرنا سابقاً إن مسألة االجتهاد والتقليد مسألة حصل فيها اإلفراط والتفريط،
والقول الوسط في المسألة أن العامي ومن في حكمه فرضه التقليد ،ومن تأهل لالجتهاد ،واكتملت
لديه اآللة لالستنباط من الكتاب والسنة فإنه حينئذ ال يسوغ له أن يقلد إال إذا لم يتمكن من التقليد في
وقت مثالً ،وهذا سبقت اإلشارة إليه.
شدد ابن حزم والشوكاني في مسألة التقليد ،يقول الشوكاني في تفسيره -فتح القدير في تفسير سورة
ون* َب ْل قَالُوا إِ َّنا َو َج ْد َنا ستَ ْم ِس ُك َ ِ ِِ
اه ْم كتَ ًابا ِّمن قَْبله فَ ُهم ِبه ُم ْ
الزخرف كالماً طويالً جداً ﴿ :-أَم آتَْي َن ُ ِ
ْ
س ْل َنا ِمن قَْب ِل َك ِفي قَ ْر َي ٍة ِّمن َّن ِذ ٍ
ير إِاَّل قَا َل ِ ار ِهم ُّم ْهتَ ُد َ
ون* َو َك َذل َك َما أ َْر َ ُم ٍة َوإِ َّنا َعلَى آثَ ِ
آباء َنا َعلَى أ ََّ
َه َدى ِم َّما َو َجدتُّ ْم ال أ ََولَ ْو ِج ْئتُ ُكم ِبأ ْ ار ِهم ُّم ْقتَ ُد َ
ون* قَ َ ُم ٍة َوإِ َّنا َعلَى آثَ ِ وها إِ َّنا َو َج ْد َنا َ
آباء َنا َعلَى أ َّ ُمتَْرفُ َ
ون ﴾ [ سورة الزخرف 21 :ـ ،] 24سئلوا فأجابوا علَ ْي ِه آباء ُكم قَالُوا إِ َّنا ِبما أُر ِس ْلتُم ِب ِه َك ِ
اف ُر َ َ ْ َ ْ َ
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 361 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
بأنهم وجدوا آبائهم على هذا ،ولن يغيروا ما وجدوا عليه آبائهم ،ويشبه إلى حد كبير ما يتفوه به
سواء كانت المذاهب األصلية أو الفرعية ،تأتي له بالدليل -دليل المسألة-
ً بعض متعصبة المذاهب،
من الكتاب أو من الصحيحين أو من غيرهما ،مما صح عن النبي -عليه الصالة والسالم -فيقول:
هذا المذهب ،هذا المذهب وعليه العمل ،هذا المذهب وعليه العمل ،وكل عمر الناس يفعلون كذا،
طيب هل هذه حجج ،هل هذه حجج تعارض بها النصوص؟ هذه يقولها بعض متعصبة المذاهب.
ماذا يقول الشوكاني ،قال بعد أن فسر اآليات يقول :وهذا من أعظم األدلة الدالة على بطالن التقليد
وقبحه ،فإن هؤالء المقلدة في اإلسالم إنما يعملون بقول أسالفهم ،ويتبعون آثارهم ،ويقتدون بهم،
فإذا رام الداعي إلى الحق أن يخرجهم من ضاللة ،أو يدفعهم عن بدعة قد تمسكوا بها ،وورثوها
بمجرد قال وقيل لشبهة داحضة ،وحجة زائفة، عن أسالفهم بغير دليل نير ،وال حجة واضحة ،بل ّ
ُم ٍة َوإِ َّنا َعلَى آثَ ِ
ار ِهم ومقالة باطلة ،قالوا بما قاله المترفون من هذه الملل ﴿ :إِ َّنا َو َج ْد َنا َ
آباء َنا َعلَى أ َّ
ون ﴾.
ُّم ْقتَ ُد َ
األمة -كما قال قتادة وأبو عبيد وغيرهم والجوهري -يقولون :األمة الطريقة والدين ،إنا وجدنا
ون ﴾.ار ِهم ُّم ْقتَ ُد َآباءنا على طريقة -على منهج -سائرين عليه ،ولن نخالفهمَ ﴿ ،وإِ َّنا َعلَى آثَ ِ
ُم ٍة َوإِ َّنا َعلَى آثَ ِ
ار ِهم يقول :يجيب هؤالء بما قاله المترفون من هذه الملل ﴿ :إِ َّنا َو َج ْد َنا َ
آباء َنا َعلَى أ َّ
ون ﴾ ،أو بما يالقي معناه معنى ذلك ،يعني ما يلزم أن يقولوا إنا وجدنا آباءنا على أمة ،ال، ُّم ْقتَ ُد َ
يقول :كل عمر الناس يسوونه ،أو هذا المذهب وعليه العمل.
الحق :قد جمعتنا الملة اإلسالمية ،وشملنا هذا الدين المحمدي ،ولم
ّ يقول :فإن قال لهم الداعي إلى
يتعبدنا اهلل ،وال تعبدكم ،وتعبد آباءكم من قبلكم إالّ بكتابه الذي أنزله على رسوله -صلى اهلل عليه
صح عن رسوله -عليه الصالة والسالم ،-فإنه المبين لكتاب اهلل ،الموضح لمعانيه،
وسلم ،-وبما ّ
وسنة رسوله -عليه نرد ما تنازعنا فيه إلى كتاب اهللّ ، الفارق بين محكمه ومتشابهه ،فتعالوا ّ
الصالة والسالم ،-كما أمرنا اهلل بذلك في كتابه بقوله ﴿ :فَِإن تََن َاز ْعتُ ْم ِفى َ
ش ْىء فَُردُّوهُ إِلَى اهلل
الرد إلى ما قاله الرد إليهما أهدى لنا ولكم من ّ والرسول ﴾ [ سورة النساء ،اآلية ،] 59 :فإن ّ
األسالف ،ودرج عليه اآلباء ،إذا قيل لهم ذلك ،نفروا نفور الوحش ،ورموا الداعي لهم إلى ذلك
ان قَ ْو َل المؤمنين إِ َذا ُد ُعواْ بكل حجر ومدر ،كأنهم لم يسمعوا قول اهلل سبحانه وتعالى ﴿ :إِ َّن َما َك َ
ط ْع َنا ﴾ [ سورة النور ،اآلية ،] 51 :وال قوله: س ِم ْع َنا َوأَ َ إِلَى اهلل ور ِ ِ
سوِله ل َي ْح ُك َم َب ْي َن ُه ْم أَن َيقُولُواْ َََ ُ
ش َج َر َب ْي َن ُه ْم ثُ َّم الَ َي ِج ُدواْ ِفي أَنفُ ِس ِه ْم َح َرجاً ّم َّما قَ َ
ض ْي َت يما َ ون حتى يح ّكم َ ِ
وك ف َ َُ ُ ﴿ فَالَ َو َر ّب َك الَ ُي ْؤ ِم ُن َ
س ِليماً ﴾ [ سورة النساء ،اآلية ،] 65 :يقول :فإن قال لهم القائل :هذا العالم الذي سلّ ُمواْ تَ ْ َو ُي َ
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 362 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
تقتدون به ،وتتبعون أقواله هو مثلكم ،هذا العالم مثلكم من أي وجه ،يعني في كونه متعبداً بالكتاب
والسنة ،مطلوباً منه ما هو مطلوب منكم ،وإ ذا عمل برأيه عند عدم وجدانه الدليل ،فذلك رخصة له
ال يح ّل أن يتبعه غيره عليها ،وال يجوز له العمل بها ،وقد وجد الدليل الذي لم يجده ،يعني المتأخر
سنة رسوله
صح من ّ
وجد دليالً لم يقف عليه المتقدم ،وها أنا أوجدكموه في كتاب اهلل ،أو فيما ّ
-عليه الصالة والسالم ،-وذلكم أهدى لكم مما وجدتم عليه آباءكم ،قالوا :ال نعمل بهذا ،وال سمع
لك وال طاعة ،ووجدوا في صدورهم أعظم الحرج هناك ﴿ ،ثُ َّم الَ َي ِج ُدواْ ِفي أَنفُ ِس ِه ْم َح َرجاً ّم َّما
والسنة ،ولم يسلموا ذلك، ّ ض ْي َت ﴾ ،وهؤالء يجدون في صدورهم أعظم الحرج ،من حكم الكتاب قَ َ
وال أذعنوا له ،وقد وهب لهم الشيطان عصاً يتوكئون عليها عند أن يسمعوا من يدعوهم إلى الكتاب
وسنة رسوله –
والسنة ،وهي أنهم يقولون :إن إمامنا الذي قلدناه ،واقتدينا به أعلم منك بكتاب اهللّ ،
ّ
صلى اهلل عليه وسلم ،-نعم ،هذه قيلت بالحرف ،تقول للواحد منهم ،من أهل الفضل والخير والعلم
والعمل والصالح ،تقول له :الدليل في البخاري أو في مسلم ،يقول :هل عندنا علم أكثر من علم
اإلمام أحمد بالسنة؟
ما عدل اإلمام أحمد عن هذا الدليل إال ألنه وجد ما يعارضه مما هو أقوى منه ،ما احنا بأعلم من
اإلمام أحمد ،وقل مثل هذا في مالك والشافعي وغيرهم ،يعني هل مثل هذا الكالم يخفى على أحمد،
هذا كالمهم ،وهذه حجتهم ،هذه عصاً أعطاهم إياها الشيطان ،وهيأها لهم يتوكئون عليها في دفع
النصوص ،وهي حجة في ظاهرها ،يعني لها حظ من النظر؛ أئمة كبار ،األئمة المقلدون كبار
يحفظون مئات األلوف من السنن ،فيأتي شخص حديث عهد بعلم ويرد على كبار األئمة ،لكن هذا
الشخص الذي بيده الدليل الحق معه ،حتى يوجد دليل يعارض هذا الدليل ويكون أقوى منه.
والسنة ،وهي
ّ وقد وهب لهم الشيطان عصاً يتوكئون عليها عند أن يسمعوا من يدعوهم إلى الكتاب
وسنة رسوله -صلى اهلل عليه
أنهم يقولون :إن إمامنا الذي قلدناه واقتدينا به أعلم منكم بكتاب اهللّ ،
تقدم العصر وكثرة
تصورت من يقتدون به تصوراً عظيماً بسبب ّ
وسلم-؛ وذلك ألن أذهانهم قد ّ
األتباع؛ ألنه قد يقول قائل :كم أتباع أبي حنيفة منذ أن قام مذهبه إلى يومنا هذا؟ من يحصيهم
والمشرق كله حنفية ،وبقية األقطار اإلسالمية فيها أيضاً حنفية ،خالل قرون وأئمة كبار فحول
قلدوا هذا اإلمام ،يمكن أن يخفى عليهم مثل هذا الكالم؟
هذه من الحجج الذي يلبس بها المتعصبة حينما يدعون إلى األخذ بالكتاب والسنة ،وما علموا أن
هذا منقوض عليهم ،مدفوع به في وجوههم ،فإنه لو قيل :إن التابعين ،أو إن في التابعين من هو
أعظم قدراً ،وأقدم عصراً من صاحبكم ،فإن كان لتقدم العصر وجاللة القدر مزية حتى توجب
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 363 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
االقتداء ،فتعالوا حتى أريكم من هو أقدم عصراً ،وأج ّل قدراً ،يعني في الفقهاء السبعة -فقهاء
المدينة السبعة من التابعين -من هو أهل ألن يقلد ،فإذا كان القدم يؤهل للتقليد ،ويبرر ويبرهن
للتقليد ،ففي من تقدم عصر األئمة –أيضاً -من هو أهل للتقليد.
ثم قال :فإن أبيتم ذلك ،ففي الصحابة -رضي اهلل عنهم -من هو أعظم قدراً من صاحبكم علماً
وعمالً وفضالً ،وجاللة قدر ،تقولون :أبو حنيفة أهل ألن يقلد؛ ألنه إمام ،نقول :أي إمامة أبي
حنيفة أو إمامة أبي بكر؟ أبو بكر أهل ألن يقلد ،تقولون :مالك ،أي مالك وعمر –مثالً -تقولون:
أحمد يحفظ من السنة ،ومالك نجم السنن ،أي هؤالء وأبو هريرة في الحفظ ،لماذا ال نطلع فوق
ونقلد الصحابة؟ هذا كالم الشوكاني.
فإن أبيتم ذلك ،فها أنا أدلكم على من هو أعظم قدراً ،وأج ّل خطراً ،وأكثر أتباعاً ،وأقدم عصراً،
وهو :محمد بن عبد اهلل نبينا ونبيكم -عليه الصالة والسالم -ورسول اهلل إلينا وإ ليكم ،فتعالوا ،فهذه
سنته موجودة في دفاتر اإلسالم ،ودواوينه التي تلقتها جميع األمة قرناً بعد قرن ،وعصراً بعد
ّ
عصر ،وهذا كتاب ربنا خالق الكل ،ورازق الكل ،وموجد الكل بين أظهرنا موجود في كل بيت،
وبيد كل مسلم لم يلحقه تغيير وال تبديل ،وال زيادة ،وال نقص ،وال تحريف ،وال تصحيف ،ونحن
الحق من معدنه ،ونشرب صفو الماء من
ّ وأنتم ممن يفهم ألفاظه ،ويتعقل معانيه ،فتعالوا لنأخذ
منبعه ،فهو أهدى مما وجدتم عليه آباءكم.
قالوا –يعني بلسان الحال :-ال سمع وال طاعة ،يقول :إما بلسان المقال ،وإ ما بلسان الحال ،يقول:
فتدبر هذا ،وتأمله إن بقي فيك بقية من إنصاف ،وشعبة من خير ،ومزعة من حياء ،وحصة من
العلي العظيم.
ّ قوة إالّ باهلل
دين ،وال حول وال ّ
يقول :وقد أوضحت هذا غاية اإليضاح في كتابي الذي سميته «أدب الطلب ومنتهى األرب»،
فارجع إليه إن رمت أن تنجلي عنك ظلمات التعصب ،وتتقشع لك سحائب التقليد" انتهى كالمه
بحروفه.
ابن حزم –أيضاً -له كالم طويل جداً في إبطال التقليد في الباب السادس والثالثين من األحكام.
هذا الكالم وإ ن كان فيه شدة على جماهير المسلمين الذين يتبعون المذاهب األربعة ،هذا فيه شدة
عليهم ،لكنه أقرب إلى الحق والصواب ،نعم ،مما يتذرع به كثير من متعصبة المذاهب؛ ألن كالم
مثل هؤالء يدعون إلى الكتاب والسنة الذي هو األصل ،وأولئك يدعون إلى تقليد الرجال ثقة بهم
وبإمامتهم وعلمهم وعملهم.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 364 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
انظروا إلى كالم في الطرف اآلخر ،إذا قارنا كالم الشوكاني السابق بكالم الصاوي في حاشيته
اع ٌل َذِل َك
شي ٍء إِِّني فَ ِ ِ
على الجاللين في الجزء الثالث (صفحة )10عند قوله تعالىَ ﴿ :واَل تَقُولَ َّن ل َ ْ
شاء اللَّ ُه ﴾ [ سورة الكهف 23 :ـ ،] 24اسمعوا ما يقول ،يعني الكالم الذي سمعناه َغ ًدا إِاَّل أَن َي َ
من كالم الشوكاني في غاية القوة في طرف ،واسمعوا كالم الصاوي أيش يقول.
يقول :وال يجوز تقليد ما عدا المذاهب األربعة ،وال يجوز تقليد ما عدا المذاهب األربعة ،ولو وافق
أيش يعني؟ يعني ما عدا المذاهب األربعة ،ولو وافق قول الصحابة والحديث الصحيح واآلية ،وال
يجوز تقليد ما عدا المذاهب األربعة ،ولو وافق قول الصحابة والحديث الصحيح واآلية ،فالخارج
عن المذاهب األربعة ضال مضل ،وربما أداه ذلك للكفر ،يقول :ألن األخذ بظواهر الكتاب والسنة
من أصول الكفر!
يعني هل هذا كالم يقبله عاقل ،هل هذا الكالم يقبله عاقل منصف؟ معارك في مسألة االجتهاد
والتقليد ،ال نختلف في أن األصل الكتاب والسنة ،ال يختلف على هذا أحد ،لكن هل التقليد مذموم
وهل االجتهاد واجب ،وهل المطالب بذلك جميع الناس؟ أو المطالب به فئة من الناس.
يعني قبل ربع قرن ثارت ثورة على التقليد وعلى كتب الفقهاء ،وعلى أئمة اإلسالم ونبذ أقوالهم،
والتفقه من الكتاب والسنة مباشرة ،هذه دعوى أو دعوة إلى األخذ باألصول ،والمظنون بمن أطلقها
الظن الحسن ،وقد ساءه وأهمه وأغمه ما يرد في ثنايا كالم متعصبة المذاهب في المسائل األصلية
والفرعية ،ومن ذلكم ما سمعنا من كالم الصاوي.
ظهرت دعوى لنبذ التقليد وعدم النظر في كتب الفقهاء ،والتفقه مباشرة من الكتاب ولسنة ،دعوة
إلى أخذ العلم من معدنة ،لكن ينبغي أن يفرق بين الناس ،وال شك أن من تأهل لالستنباط من الكتاب
والسنة أنه ليس له أن يقلد أحداً ،وإ نما عليه أن يجتهد ،وال يجوز له أن يقلد في دينه الرجال؛ ألن
سواء كان عامياً أو مبتدئاً في الطلب ،ليست
ً المرد عند التنازع إلى الكتاب والسنة ،والذي لم يتأهل
لديه األهلية ،وليست لديه اآللة كاملة ،مثل هذا فرضه سؤال أهل العلم ،وفي حكم سؤال أهل العلم
األخذ من كتبهم ،وهذا هو التقليد.
لما ينادي هؤالء -الذين نجزم بأنهم على خير ويدعون إلى خير بنبذ الكتاب والسنة ،ويلقون مثل
هذه المسائل ويشددون فيها في مختلف طبقات المتعلمين -يريدون أن يأتي المبتدئ ويتفقه من
الكتاب والسنة.
المبتدئ بيمسك المصحف ويشوف أول آية وثاني آية فيها حكم بيطبق ،مبتدئ ما يعرف شيئاً ،يأتي
سواء كانت المطولة أو
ً إلى صحيح البخاري أو مسلم أو بلوغ المرام وغيره من كتب السنة
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 365 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
المختصرة فيعمل بهذه األحاديث ،وقد يكون لهذه األحاديث نواسخ في كتب أخرى ،متى يعرف أن
هذا الحكم منسوخ ،يعني إذا قرأ في كتب السنة باب األمر بقتل الكالب ،ثم أ خذ المسدس وكلما
شاف كلباً أفرغ في رأسه رصاصة ،مأمور بقتل الكالب ،ثم بعد ذلك يأتيه باب نسخ األمر بقتل
الكالب ،مثل هذا يقال له :اجتهد من الكتاب والسنة ،أو نقول :تأهل على الطريقة وعلى الجادة
المتبعة عند أهل العلم؟ اقرأ في كتب الفقه ،اقرأ ألهل العلم -لفقهاء األمصار -ووازن بين أقوالهم
باألدلة ورجح ما يرجحه الدليل.
حينما يوجه طالب العلم المبتدئ إلى كتاب فقه من المتون المعتمدة في المذاهب -وكل بحسبه ،وما
هو بمعتمد في بلده -حينما يقال لطالب العلم المبتدئ :احفظ الزاد ،وادرس الزاد ،واحضر دروس
الزاد ،هل معنى هذا أننا نجعل الزاد بمثابة الكتاب والسنة ،ال يحيد عنه طالب العلم؟ ال ،إنما نجعل
مثل هذا الكتاب عناصر بحث ،تأتي إلى المسألة األولى وتتصور هذه المسألة ،تفهم هذه المسألة ،ثم
تستدل لهذه المسألة ،تبحث عن دليل لهذه المسألة ،من قال بهذا القول؟ من خالف هذا القول؟ ما
دليلهم؟ تنظر في األدلة وترجح وتوازن وتأخذ بالقول الصائب من خالل الدليل ،هذا هو االتباع،
هذه طريقة جادة متبعة عند أهل العلم ،نعم منهم من يقتصر ويدعو إلى االقتصار على مرحلة
واحدة من المراحل ،هذا الزاد ،هذا زاد المستقنع احفظه وتصير إماماً ،بنقول :ما هو بصحيح،
ليس بصحيح ،نقول :احفظ الزاد ،صح ،افهم الزاد ،صح ،استدل لمسائل الزاد صحيح ،اعرف من
خالف ومن وافق باألدلة صحيح ،وازن بين األدلة صحيح ،رجح ما يرجحه الدليل صحيح ،هو هذا
االتباع ،خطة ،خطة تسير عليها ،ليس معنى هذا أنك كل ما في الزاد صحيح ،الزاد على صغر
حجمه قد هذا الكتاب ،خالف المذهب في اثنتين وثالثين مسألة ،إذن كم خالف القول الصحيح
الراجح بدليله؟
أكثر قطعاً ،ال نريد من طالب العلم أن يتعصبوا لشخص ،نريد منهم أن يعملوا بالدليل ،ونريد منهم
أن يسيروا على الطرق والجواد المتعبة عند أهل العلم ،الموصلة إلى العلم من أبوابه.
فالمبتدئ ال شك أنه يبي يتعلم ،والعلم ال يأتي فجأة ،ال يأتي دفعة واحدة ،يأتي بالتدريج ،وإ ذا كان
هذا الطالب يترجح له في يوم من األيام في بادئ األمر قول من خالل النظر في المسألة ،وتصور
المسألة ،واألدلة والموازنة؛ ألنه بهذه الطريقة بيعرف المسألة بأدلتها ،وبيشوف دليل المخالف
اعتمد على ناسخ ،اعتمد على منسوخ ،اعتمد على عام ،اعتمد على خاص ،اعتمد على مطلق،
اعتمد على مقيد ،وماشي ،لكن لما ينظر إلى حديث بمفرده ويعمل به ،ال يدري هل هو منسوخ ،ال
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 366 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
يدري هل هو مقيد ،ال يدري هل هو مخصص ،ال يدري عن شيء ،حتى يأتي الدليل المقيد ،أو
الدليل المخصص ،أو الدليل الناسخ بعد يمكن شهور وأعوام من بداية الطلب.
فأظن الكالم واضح ما فيه لبس ،يعني الدعوة التي أثيرت قبل ربع قرن ،دعوة محترمة ،ولها حظ
كبير من النظر ،والقائلون بها أهل خير وفضل وصالح ،لكن نختلف معهم في من تلقى إليه هذه
الدعوى ،فرق بين عامي وشبه عامي من مبتدئ يريد أن يتعلم ويسلك الجادة والطريقة المتبعة،
وبين متأهل ،المتأهل ليس له أن ينظر في كالم فالن وعالن ،إنما يأخذ من الكتاب والسنة ،ومع
ذلكم عليه –أيضاً -أن ينظر في أقوال الصحابة والتابعين ومن دونهم ،ينظر في أقوال فقهاء
األمصار يستدل بها يستنير بها ،يستنير بها؛ لئال يحدث قول يؤديه إليه فهمه لهذا النص وفهم
الصحابة على خالفه ،ونحن ملزمون بفهم السلف ،ال نبتدع فهم يختلف عن فهم السلف.
أظن الكالم واضح ،والمقصود منه بيِّن ،فنحن ندعو إلى األخذ بالكتاب والسنة؛ ألنهما هما األصل،
ونقدر ما قاله ابن حزم ،وما قاله الشوكاني ،وما يرمى به من دعاوى لالعتصام بالكتاب والسنة
وهذا األصل؛ ألن الكتاب والسنة أصل األصول ،لكن يبقى أن هذا يخاطب به المتأهل ،وأما بالنسبة
للمبتدئ فعلى الطريقة والجادة التي شرحنا وهي جادة مسلوكة عند أهل العلم ،نعم يوجد في
المذاهب من يعتمد هذا الكتاب دستوراً ال يحيد عنه ،هذا خطأ ال يقر ،يعني في كل مذهب كتاب
معتمد ،أيش معنى هذا؟
إن بعض الطلبة يقف إلى هذا الحد ،خالص ،يقول :أنا حدي هذا الكتاب ويكفيني هذا الكتاب،
ويستمر مقلد ،والمقلد يا إخوان ليس من أهل العلم اتفاقاً ،كما نقل ذلك ابن عبد البر وغيره ،ليس
من أهل العلم اتفاقاً المقلد ،يعني ما في فرق بين عالم يسمونه عالم –الناس -ويتصدى للقضاء بين
الناس وإ فتائهم وهو جامد على مذهب ،ولو خالفه الدليل ال يتعداه؛ ألنه أخذ العلم من هذا الكتاب
الذي ال يتجاوز مائة صفحة ،وبين عامي يسأل عالماً فيجيبه بالحكم ،وأيش الفرق؟ ما في فرق،
إذن كلهم عوام.
العالم هو الذي يعرف الحكم بدليله ،وهذا الطالب المبتدئ بالطريقة التي شرحناها -بإذن اهلل -إذا
كانت لديه األهلية للتحصيل من الفهم والحفظ فإنه ال يستغرق وقتاً طويالً حتى يسمى عالماً ،بس
المسألة تحتاج إلى وجود آلة لفهم هذه النصوص ،وما يعين على فهم هذه النصوص ،ويكون عالماً؛
ألنه ليس بالمستحيل ،لكن نحتاج إلى جادة متبعة مسلوكة توصل إلى العلم ،ما نحتاج نتخبط ،يوم
الكتاب هذا ،ويوم الكتاب الفالني ،يوم الكتاب العالني ،يوم يروح لزيد من الناس وينصحه بكتاب
كذا ،اقرأ كتاب كذا ،ويمر على ثاني يقول :ال ،اترك هذا واقرأ كذا ،ال ،أنت عندك كتاب في بلدك
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 367 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
معتمد ،اقرأ في هذا الكتاب ،أيش المانع ،لكن على الطريقة التي ذكرناها ،اجعل مسائل الكتاب
عناصر بحث ،وحينئذ توفق وتسدد واصدق اللجأ إلى ربك ،أن يهديك لما اختلف فيه من الحق
بإذنه ،وأكثر من االستغفار وأكثر من األذكار ،واقرأ القرآن بالتدبر على الوجه المأمور به وسوف
يوفقك اهلل -جل وعال.-
نعم ،مسائل الجرح والتعديل باعتبار أن الرواة انتهوا ،الرواة يعني عاصرهم من عاش في القرن
الثالث والقرن الثاني ،والقرن األول ،األئمة الذين عاصروا الرواة اجتهدوا وكل واحد َّقيم هذا
الراوي من وجهة نظره ،وعلى ما يدين اهلل به من أن هذا الراوي يستحق هذه المرتبة ،نعم ،هذا
اجتهاد.
يبقى أن من جاء من بعد عصر الرواة يعني بعد الثالثمائة ليس له أن يحكم على الرواة إال من
خالل أقوال أهل العلم ،فإن كان ممن يقلد الشافعي اكتفى بقول الشافعي انتهى ،كان ممن يقلد مالك
واكتفى بقول مالك ،استمر صار مقلداً ،يقلد أحمد اكتفى بقول أحمد ،لكن من أراد االجتهاد -وباب
االجتهاد مفتوح إلى قيام الساعة -ينظر في أقوال األئمة كلهم ،ال سيما في الرواة المختلف فيهم.
الرواة المتفق على توثيقهم والمتفق على تضعيفهم ما فيهم إشكال ،لكن يأتي رواة -ابن لهيعة مثالً-
مختلف فيه جرح وتعديل فيه أكثر من عشرين قول لألئمة ،طيب ،نأتي إلى هذه األقوال وننظر في
هذه األقوال ونوازن أنها من خالل قواعد الجرح والتعديل ،فإذا ترجح عندك من خالل القواعد،
وهذا مثل ما أشرنا إليه سابقاً أن االجتهاد المطلق بمعنى اإلطالق نعم ،مشكل أو نادر ،نادر في
غاية الندرة؛ ألنه حتى االجتهاد في معرفة قواعد الجرح والتعديل ،أنت تنظر فيها من خالل قواعد
الجرح والتعديل ،تجتهد في ثبوت ما يمكن إثباته من هذه القواعد ونفي ما يمكن نفيه من هذه
القواعد ،فهذه آلة االجتهاد ،وورائها اجتهاد ثالث وهكذا ،فأنت تنظر في األقوال التي قيلت في هذا
الراوي ،قالوا :ثقة ،قالوا :ضعيف ،قالوا :كذا –تجمع -ثالثة عشر من األئمة على تضعيفه ،ثالثة
أو أربعة قالوا بأنه ثقة مطلقاً ،مجموعة قالوا :بأنه ثقة مع التقييد ،فأنت توازن بين هذه األقوال،
فتخرج بما تدين اهلل به مع التجرد ،ولذا ابن حجر حكم عليه بأنه صدوق ،حكم عليه مرة صدوق
يخطئ ،حكم عليه مرة –مراراً -بأنه ضعيف؛ ألن المسألة تحتاج ،..تحتاج إلى توازن ونظر في
كل راو من الرواة ،وهذا فيه طول ،ولذا من العلماء -ال سيما كبار العلماء عندنا -عندنا في هذا
الباب بالنسبة للسنة ،يعني لو قلنا :إن هؤالء االثنين ما لهم نظير ،الشيخ عبد العزيز -رحمه اهلل-
والشيخ األلباني ،الشيخ عبد العزيز انصب اجتهاده إلى علم الحديث دراية واستنباط ،اعتمد على
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 368 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
الحديث وصحح وضعف ،لكن اعتماده في الرجال ما اعتمد على أن يبحث كل راوي بعينه ،ثم بعد
ذلك ،..ال ،يثبت عنده الخبر ،يكفيه أن يثبت عنده الخبر ويستنبط منه.
الشيخ األلباني على العكس يعني كان اجتهاد منصب إلى الراوية وإ ثبات الخبر ،ثم بعد ذلك
االجتهاد في االستنباط مستواه ما هو مثل مستوى الشيخ ابن باز ،كما أن اهتمام الشيخ بتخريج
األحاديث بالتصحيح والتضعيفـ والكالم على الرواة أقل من اجتهاد الشيخ األلباني ،وكل على خير
عظيم فيما نحسب واهلل حسيبهم ،واهلل يغفر للجميع.
تفضل.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :من أهل العصر؟ لماذا نحتاج إلى جرحهم وتعديلهم؟
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :ال ال ،هذا ليس له داعي ،أصل الجرح والتعديل إنما أبيح للضرورة؛
ألنه على خالف األصل ،والكالم في الناس -ال سيما أهل العلم -أمره خطير جداً ،أعراض
المسلمين حفرة من حفر النار ،أعراض المسلمين حفرة من حفر النار خطر ،يعني يحذر اإلنسان
كل الحذر أن يتكلم في الناس ،ال جرحاً وال تعديالً ،إنما أبيح الجحر والتعديل للرواة للضرورة،
للضرورة -ضرورةـ حفظ السنة -ال يمكن أن نعرف الصحيح من الضعيف المقبول من المردود
إال من خالل الجرح والتعديل ،وأيضاً الجرح والتعديل بقدر الحاجة ،يعني إذا كانت الحاجة تقوم
باألقل ما نظرنا إلى األعلى.
على كل حال مسألة الجرح والتعديل والكالم في الرجال إنما يباح للضرورة،ـ نعم ،ويبقى بقدرها.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :ينتهي ،الباقي ما لهم حاجة ،لست بحاجة إلى أن تعرف مراتبهم ،اللهم
إال إذا كان هناك من يخشى ضرره المتعدي ،من المعاصرين من يخشى ضرره المتعدي فيحذر
منه بالتلميح ال بالتصريح ،وبقدر الحاجة ،فإن أجدى ذلك وإ ال فالتصريح للحاجة -لحفظ الدين-
يبقى أن المسألة المنظور إليه أوالً وأخراً حفظ الدين ،ليس معنى هذا أن يقدح بفالن لشخصه ،أو
يدافع عن فالن لشخصه ال ،المسألة دين.
طالب.......:
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 369 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :على كل حال هذا الذي يغلب على الظن أنه من التحريش ،من
التحريش الذي اقتنع به الشيطان في جزيرة العرب ،وفي غيرها من بلدان المسلمين هو موجود
على كل حال ،لكن هذا ابتالء ،وألزم ما على اإلنسان نفسه ،يحافظ على نفسه ،يحافظ على عمله
من أن يوزعه بين الناس؛ من الناس من يأتي بأعمال أمثال الجبال ،لكن هذا مفلس ،ليش؟ يأتي
بأعمال أمثال الجبال ويقال :مفلس في عرف الشرع ،ليش؟ ألنه يأتي وقد شتم هذا ،سب هذا ،قدح
في هذا ،أخذ مال هذا ،..يعطى هذا من حسناته ،وهذا من حسناته ،وبعدين؟ تنتهي إذا انتهت ولما
تنتهي حقوق الناس يؤخذ من سيئاتهم وتلقى عليه.
المقصود أن على اإلنسان أن يحفظ نفسه ويكون كالمه بقدر الحاجة ،بقدر الحاجة.
يقول -رحمه اهلل « :-وأما االجتهاد فهو بذل الوسع في بلوغ الغرض » :االجتهاد ال شك أنه
بذل الوسع واستفراغ الجهد في تحمل أمر فيه كلفة ومشقة.
يعني يقال :اجتهد في حمل الرحى؛ ألن فيه مشقة ،لكن هل يقال اجتهد في حمل نواة؟ نعم؟ لو شفت
شخصاً معه عصا شايله بيده تقول :اجتهد في حمل العصا؟ نعم؟ ال ،لكن قول :اجتهد في حمل
كيس كبير؛ ألن فيه مشقة.
وعرف االجتهاد بقوله « :بذل الوسع في بلوغ الغرض » :أي بذل المجتهد وسعه في البلوغ
والوصول إلى الحكم الشرعي المطلوب.
وعرفه في مختصر التحرير بـ"استفراغ الفقيه وسعه لدرك حكم شرعي ،إلدراك حكم شرعي.
« فالمجتهد » -يقول المؤلف « :-إن كان كامل اآللة في االجتهاد » :إن كان كامل اآللة في
االجتهاد ،هل هذا الكالم له حاجة؟ نقول :هذا تصريح بما هو مجرد توضيح ،وإ ال فإنه ال يسمى
مجتهداً حتى تكتمل فيه اآللة ،من معرفة ما تقدم ذكره في شروط المجتهد.
إن اجتهد في الفروع فأصاب فله أجران ،يعني له أجر االجتهاد ،وله أجر اإلصابة ،وإ ن اجتهد
فأخطأ فله أجر االجتهاد فقط.
ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث عمرو بن العاص ،أنه قال ،أو أنه سمع رسول اهلل -صلى
اهلل عليه وسلم -يقول « :إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران ،وإ ذا حكم فاجتهد ثم أخطأ
فله أجر ».
ومنهم من قال :كل مجتهد في الفروع مصيب ،يعني فهما قوالن في المسألة ،منهم من يقول:
المجتهد واحد ،والحق واحد ال يتعدد ،واحد مجتهد والثاني مخطئ ،وكالهما مأجور ،المصيب له
أجران ،والمخطئ له أجر واحد ،والمسألة مفترضة في أيش؟ في مجتهد.
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 370 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
بيهجم غير المجتهد -الطالب المبتدئ -يهجم إلى المسائل العلمية ويقول :أنا لو أخطأت ،..افرض
أني أخطأت لي أجر واحد ،نقول :أنت مأزور؛ ألن المسألة مفترضة فيمن تحققت فيه األهلية؛ ألن
هذا ظاهر أنه كله في المجتهد.
القول الثاني :أن كلهم على خير ،وكلهم مجتهدون وكلهم مصيبون ،يقول ابن العربي :تعلق بهذا
الحديث من قال :إن الحق في جهة واحدة ،للتصريح بتخطئة واحد ال بعينه قال :وهي نازلة في
الخالف عظيمة.
نازلة ،أيش معنى نازلة؟ يعني هل المسألة التي هي الخالف في كل مجتهد مصيب ،أو أن هذه
المسألة النازلة العظيمة التي يحتمل فيها أن يجتهد ،..أن يصيب بعض المجتهدين ويخطئ بعض
المجتهدين؟ احتمال.
المازري يقول :تمسك به –يعني الحديث -كل من الطائفتين ،من قال أن الحق في طرفين ،ومن
قال :إن كل مجتهد ،..من قال :إن الحق في أحد الطرفين ،يعني واحد مجتهد مصيب ،والثاني
مخطئ ،ومن قال :كل مجتهد مصيب.
فأما األولى الطائفة األولى ،أصحاب القول األول وجه االستدل ،يقول :لو كان كل مصيباً لم يطلق
على أحدهما الخطأ؛ الستحالة النقيضين في حالة واحدة.
الرسول -عليه الصالة والسالم -أطلق عليه الخطأ ،فكيف نقول :هو مصيب؟ كيف يوصف بأنه
مصيب ومخطئ في آن واحد؟ هذا اجتماع للنقيضين.
المصوبة -الذين يصوبون جميع المجتهدين -فاحتجوا بأنه -صلى اهلل عليه وسلم -جعل له
ِّ وأما
أجراً ،فلو كان لم يصب لم يؤجر.
وأجابوا عن إطالق الخطأ في الخبر على من ذهل عن النص ،أو اجتهد فيما ال يسوغ االجتهاد فيه
من القطعيات فيما خالف اإلجماع ،فإن مثل هذا إن اتفق له الخطأ فيه نسخ حكمه وفتواه ،ولو اجتهد
باإلجماع ،وهو الذي يصح عليه إطالق الخطأ ،وأما من اجتهد في قضية ليس فيها نص وال إجماع
فال يطلق عليها الخطأ.
وأطال المازري في تقرير ذلك واالنتصار له ،وختم كالمه بأن قال" :إن من قال أن الحق في
طرفين هو قول أكثر أهل التحقيق من الفقهاء والمتكلمين ،وهو مروي عن األئمة األربعة ،وإ ن
حكي عن كل منهم اختالفه فيه" [ذكر ذلك ابن حجر] ،وال شك أن الراجح هو القول األول ،وهو أن
المصيب واحد ،والثاني مخطئ؛ ألن الحق ال يتعدد ،والحديث صريح في ذلك ،فالمصيب واحد،
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 371 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
ومن عداه مخطئ ،وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعية والحنابلة ،وقال بالثاني أبو حنيفة في
قول ،وبعض الشافعية ،وبعض المالكية.
وال يقال « ،..وال يجوز » -هذا كالم المؤلف « -أن يقال كل مجتهد في األصول الكالمية » :
يعني العقائد « مصيب » :ونقل بعضهم اإلجماع على ذلك ،يعني أن المسائل الكالمية الذي،..
أهل الكالم يعبرون عن مسائل االعتقاد بالكالمية ،وال شك أنه اصطالح حادث مبتدع ،فإثباتهم
مسائل االعتقاد على طرقهم المحدثة محدث ،فيبقى أن مسائل االعتقاد وهي معروفة مميزة عن
مسائل األحكام.
مسائل االعتقاد هل تقبل االجتهاد؟ هل للمجتهد أن ينظر في مسائل االعتقاد؟ أو عليه أن يقلد ما
ثبت عن سلف األمة فيما أثبتوه مما ثبت ،مما أثبتوه هلل -عز وجل -مما ثبت في الكتاب والسنة؟
هذا األصل ،نعم ،لكن شيخ اإلسالم-رحمه اهلل تعالى -ال يفرق بين األصول والفروع ،يقول:
عندك نصوص من الكتاب والسنة ،تجتهد ،وما يؤديه وما يؤديك إليه اجتهادك ،إن أصبت الحق
فأنت على خير عظيم ،ولك األجران ،إن لم تصب فلن تحرم األجر الواحد ،حتى في مسائل
االعتقاد ،ولذا -رحمه اهلل -لما سئل عن بعض المنظرين في المذاهب البدعية الكالمية ،أجاب بأن
عذرهم ،وقال" :إن هذا ينصر ما يراه الحق" ،يعني هذا ما آداه االجتهاد ،لكن ينبغي أن نؤطر ونقيد
فهمنا لنصوص الكتاب والسنة بفهم السلف ،فما اتفق عليه السلف من إثبات ما أثبته اهلل -سبحانه
وتعالى -ورسوله هلل -عز وجل -ال يجوز لنا أن نوجد قوالً جديداً بعد السلف ،المسائل العقيدة
التي اختلف فيها السلف محل اجتهاد ،نقيد محل االجتهاد فيما اختلف فيه السلف ،اختلفوا في الساق
–مثالً -إثبات الساق مع الخالف ،إذن لالجتهاد فيه مجال.
سواْ اللّ َه فَ َن ِس َي ُه ْم ﴾ [ سورة
الهرولة ،ما يثبت على طريق المشاكلة « ،ال يمل حتى تملوا »َ ﴿ ،ن ُ
يثرب على من خالف فيها؛
التوبة ،اآلية ،] 67 :المقصود أن مثل هذه التي هي محل اجتهاد ،ال َّ
ألن الخالف قديم فيها ،لكن المسائل التي اتفق عليها السلف -أجمعوا عليها -من إثبات األسماء
والصفات المتفق على إثباتها بين سلف هذه األمة وأئمتها ال يجوز ألحد أن ينظر فيها من غير
منظارهم ،ويوجد قوالً جديداً غير ما اعتمدوه.
يقول « :ألن ذلك يؤدي » :نعم؟
طالب.......:
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 372 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :ال ،الحق واحد ،الحق واحد ال يتعدد ،فاجتهد زيد واجتهد عمرو ،الحق
مع أحدهما دون الثاني ،والمصيب الذي أصاب الحق ،المصيب له األجران ،والمخطئ له أجر
واحد ،فالحق ال يتعدد.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :أيش لون ،..المسائل االجتهادية التي ال يظهر فيها رجحان قطعي هذه
التي ال ينكر فيها ،لكن هل كل خالف معتبر؟
الخالف الذي ال يسنده الدليل ،ولو وجد ،ولو نقل عن بعض أهل العلم ،هذا ينكر ،فليس كل خالف
معتبراً ،بل المعتبر ما له أصل من الكتاب والسنة.
يقول –يعلل -أن االجتهاد ال يدخل مسائل الكالم ،وال يدخل في المسائل االعتقادية ،يقول:
« ألن ذلك يؤدي إلى تصويب> أهل الضاللة من النصارى » :ألنهم اجتهدوا وقالوا بالتثليث ،إذن
نعذرهم؟ نعم؟
نقول :هذا يخالف أموراً قطعية ،عندنا في الكتاب والسنة ،فهو خالف غير معتبر؛ اجتهاد في غير
محلة ،أيضاً المجوس في قولهم باألصلين كذلك؛ ألن قولهم مخالف للقطعيات ،مخالف لما علم من
الدين بالضرورة.
طالب.......:
َّ
الش ْيخ َع ْبد ال َك ِر ْيم ال ُخ َ
ض ْير :نعم ،والكفار أيضاً في نفيهم التوحيد وبعثة الرسل ،والبعث أيضاً
باليوم اآلخر.
المقصود أنه ليس لمن أثبت االجتهاد في مسائل االعتقاد -ال سيما المسائل التي اتفق عليها سلف
هذه األمة -ليس عندهم ما يستمسك به ،فنحن مأمورون ومقيدون بفهم السلف ،في هذه المسائل.
نعم « رب مبلغ أوعى من سامع » ،لكن في المسائل التي يدخلها االجتهاد ،أما ما ال يدخله
االجتهاد فإنه الحق فيما اتفق عليه السلف في هذه المسائل.
ثم استدل على أنه ليس كل مجتهد في الفروع مصيباً بقوله « :من اجتهد وأصاب » ،وجاء النص
هكذا عنده ،نعم ،ماذا يقول؟
نعم ،يقول « :من اجتهد وأصاب فله أجران ،ومن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد » :ولفظ الحديث
كما سقناه من الصحيح « إذا اجتهد الحاكم فحكم فأصاب فله أجران ،وإ ذا حكم فأخطأ فله أجر »،
ض ْير
الخ َ
ه ُ ال َعال َّ َمة َعبد الك َِريم بن َعبد اللَّـ ِ 373 تن ال َو َرقَات في ُأ ُ
صولِ ال ِفقْه ح َم ِ
ش ْر ُ
َ
ووجه الدليل أن النبي -عليه الصالة والسالم -خطأ المجتهد تارة وصوبه أخرى ،فدل على أن من
المجتهدين من هو مخطئ ،واهلل المستعان،
واهلل أعلم ،وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله و صحبه أجمعين.