Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 337

‫المرأة في النص الديني‬

‫حسين أحمد الخشن‬

‫المرأة في النص الديني‬


‫المحتويات‬
‫تمهيد‪9.....................................................................................‬‬

‫المحور الأول‪ :‬في المنهج‪� :‬ضوابط ومعايير‬


‫في المنهج‪ :‬ضوابط ومعايير ‪27.............................................................‬‬
‫‪  -1‬بعيد ًا عن التهويل واالنهزام ‪27...........................................................‬‬
‫‪  -2‬نقد السند ‪29...........................................................................‬‬
‫‪  -3‬خطأ التعامل على أساس قاعدة التسامح ‪32..............................................‬‬
‫‪  -4‬نقد المتن ومرجع ّية القرآن ‪34............................................................‬‬
‫‪  -5‬اإلحاطة والنظرة المتكاملة ‪35............................................................‬‬
‫‪  -6‬النص الديني بين المرحل ّية والدائم ّية ‪37..................................................‬‬
‫‪   -7‬تأويل النص وفق قواعد اللغة‪39.........................................................‬‬
‫‪  -8‬قبح الذم على ما ليس باالختيار ‪41.......................................................‬‬
‫‪  -9‬المعطيات الواقع ّية ودورها في قراءة النصوص ‪43........................................‬‬

‫المحور الثاني‪ :‬المر�أة بين مدر�سة الإ�سالم والمدار�س الأخرى‬


‫المرأة بين مدرسة اإلسالم والمدارس األخرى ‪47............................................‬‬
‫‪  -1‬المرأة في القرآن ‪49......................................................................‬‬
‫‪  -2‬المرأة في حياة الرسول(ص) وأحاديثه ‪78................................................‬‬
‫‪  -3‬بين الجاهلية واإلسالم‪96................................................................‬‬
‫‪  -4‬المرأة في الحضارات واألديان القديمة ولدى الفالسفة والشعراء ‪106.....................‬‬

‫المحور الثالث‪ :‬المر�أة في حياة الإمام علي‪‬‬


‫المرأة في حياة علي‪125................................................................ ‬‬
‫‪  -1‬عالقة علي‪ ‬بالمرأة في ضوء التحليل النفسي التربوي ‪125.............................‬‬
‫‪  -2‬علي والزهراء‪128.............................................................. ‬‬
‫‪  -3‬زينب بنت علي‪129................................................................. ‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪6‬‬
‫‪  -4‬نساء في مدرسة علي‪130............................................................ ‬‬
‫‪  -5‬علي‪ ‬والسيدة عائشة ‪150.............................................................‬‬

‫المحور الرابع‪ :‬ما روي عن ر�سول اهلل(�ص) في ذ ّم المر�أة‬


‫ذم المرأة ‪157...............................................‬‬
‫ما ورد عن رسول الله (ص) في ّ‬
‫‪  -1‬حديث «أكثر أهل النار من النساء» ‪158..................................................‬‬
‫‪  -2‬حديث‪« :‬النساء حبائل الشيطان» ‪163...............................................‬‬
‫أضر من النساء على الرجال»‪170.....................................‬‬
‫‪  -3‬حديث‪« :‬ليس ّ‬
‫‪  -4‬حديث‪« :‬المرأة ضلع أعوج»‪172....................................................‬‬
‫‪  -5‬حديث‪« :‬شاوروهن وخالفوهن» ‪186...............................................‬‬
‫‪  -6‬حديث‪« :‬ما أفلح قوم و ّلوا أمرهم امرأة»‪191.........................................‬‬
‫عي وعورة» ‪195....................................................‬‬
‫‪  -7‬حديث‪« :‬النساء ٌّ‬
‫‪ُ «   -8‬ت ْقبِل المرأة وتدبر بصورة شيطان» ‪203.............................................‬‬
‫ن الكتابة!»‪206.................................................‬‬
‫‪   -9‬حديث‪« :‬ال تعلموه ّ‬
‫‪«  -10‬الشؤم في المرأة والدار والدابة»‪220................................................‬‬

‫المحور الخام�س‪ :‬ما روي عن علي‪ ‬في ذ ّم المر�أة‬


‫ما روي عن علي‪ ‬في ذ ّم المرأة ‪225......................................................‬‬
‫شر كلها»‪225.......................................................‬‬
‫‪  -1‬حديث‪« :‬المرأة ٌّ‬
‫‪  -2‬حديث‪« :‬ال تطيعوا النساء على حال‪232......................................... »..‬‬
‫‪  -3‬حديث‪« :‬النساء نواقص‪239..................................................... »..‬‬
‫‪  -4‬حديث‪« :‬غيرة المرأة كفر» ‪264.....................................................‬‬
‫‪  -5‬حديث «إياك ومشاورة النساء» ‪268..................................................‬‬
‫ِ‬
‫‪  -6‬حديث‪« :‬ا ْل َم ْر َأ ُة َع ْق َر ٌ‬
‫ب ُح ْل َو ُة ال َّل ْس َبة»‪276............................................‬‬
‫‪  -7‬حديث «جند المرأة» ‪279...........................................................‬‬
‫‪ «  -8‬فالنة أدركها رأي النساء»‪280......................................................‬‬
‫‪  -9‬حديث آخر عن ضعف رأي النساء ‪282..............................................‬‬
‫‪  -10‬حديث‪« :‬عقول النساء في جمالهن» ‪283...........................................‬‬
‫‪  -11‬حديث‪« :‬الوفاء من المرأة محال»‪286..............................................‬‬
‫‪7‬‬ ‫المحتويات‬
‫المحور ال�ساد�س‪� :‬أفكار جاهلية بلبو�س �إ�سالمي‬
‫أفكار جاهلية بلبوس إسالمي ‪293..........................................................‬‬
‫‪«   -1‬دفن البنات من المكرمات» ‪294........................................................‬‬
‫‪«  -2‬للمرأة ستران‪ :‬القبر والزوج»‪296........................................................‬‬
‫‪ «  -3‬نعم الصهر القبر» ‪296..................................................................‬‬
‫‪«   -4‬للنساء عشر عورات» ‪297..............................................................‬‬
‫خير من المرأة العقيم» ‪298.....................................................‬‬
‫‪«  -5‬الحصير ٌ‬
‫وأعروهن»‪300..................................................‬‬
‫ّ‬ ‫‪  -6‬حديث‪ « :‬أجيعوا النساء‬
‫المالحق‬
‫الملحق رقم (‪ :)1‬كلمة حول الديوان المنسوب لإلمام علي‪307.........................‬‬
‫الملحق رقم (‪ :)2‬المرأة في التوراة ‪315.....................................................‬‬
‫فهرس المصادر والمراجع ‪324.............................................................‬‬
‫تمهيد‬
‫وتبوأت‬ ‫ٍ‬
‫خاف ّ‬
‫أن المرأة المعاصرة قد اقتحمت ميادين الحياة من أوسع أبوابها‪ّ ،‬‬ ‫غير‬
‫أعلى المراكز العلم ّية والمناصب السياس ّية‪ ،‬وبرعت في شتى المجاالت‪ .‬ففي المجال األدبي‬
‫نرى الشاعرة واألديبة والروائية‪ ،‬وفي المجال العلمي نرى الطبيبة والمهندسة والفلكية‪ ،‬وفي‬
‫المجال السياسي واإلداري نراها نائبة ووزيرة ورئيسة تقود بالدها وتسوس شعبها‪ ،‬وهكذا‬
‫نراها المع ّلمة الناجحة واإلعالمية القديرة‪ ..‬وفي معظم هذه المجاالت التي دخلتها‪ ،‬نراها‬
‫تثبت جدارتها وأهليتها وتقوم بدورها وما هو مطلوب منها على أحسن ما يرام‪ ،‬وربما فاقت‬
‫الرجال في ذلك‪ ..‬وال نبالغ بالقول‪ :‬إنّه قد و ّلى الزمان الذي كان المدافعون عن حقوق‬
‫المرأة يبذلون جهد ًا كبير ًا للحديث عن أهليتها وكفاءتها‪ ،‬فواقع المرأة في العالم قد تجاوز‬
‫هذا األمر‪ ،‬فهي قد فرضت نفسها وانتزعت اعتراف ًا عام ًا بقدراتها وإمكاناتها وأهليتها‪.‬‬

‫تهمي�ش المر�أة في مجتمعنا‬


‫هذا ما عليه حال المرأة في الكثير من دول العالم‪ ،‬ولك ّن واقع المرأة المسلمة في‬
‫الكثير من البلدان ما يزال متردي ًا ومتأخر ًا بالمقارنة مع أقرانها من النساء في بلدان أخرى‬
‫وباألخص البلدان الغربية‪ ،‬فالمرأة المسلمة ‪ -‬ومع تقديرنا للنجاح أو التقدم الذي طرأ على‬
‫وضعها في بعض الدول ‪ -‬ما زالت تعيش اإلقصاء والتهميش‪ ،‬وما برحت األم ّية متفشية في‬
‫أوساطها‪ ،‬وال ُيسمح لها أن تأخذ مكانتها الالئقة بها في المجتمع‪ ،‬وال يزال أمامها طريق‬
‫طويل ومسار شاق من النضال والكفاح وبذل التضحيات في سبيل التخ ّلص من أسر بعض‬
‫العادات والتقاليد التي تك ّبل حريتها وتحاصرها وتعيقها عن االنطالق في مجاالت العلم‬
‫والعمل واإلبداع‪.‬‬
‫وهذه المقارنة بين المرأة المسلمة ونظيرتها في البلدان المتقدمة‪ ،‬ال تعني بحال تصويب ًا‬
‫لكل المسارات التي مشتها المرأة أو أريد لها أن تمشيها في تلك البلدان‪ .‬فال يجب أن ننسى‬
‫أن الثقافة المادية التي أعلت من شأن المرأة وساوت بينها وبين الرجل‪ ،‬وأعطتها‬ ‫أو نغفل ّ‬
‫ٍ‬
‫الكثير من حقوقها المهدورة وكرامتها المسلوبة‪ ،‬قد أساءت في مكان ما إلى إنسانيتها عندما‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪10‬‬
‫تحولت في بعض‬ ‫سمحت أو تغاضت عن المسار المؤلم والمشين الذي ُأدخلت فيه‪ ،‬حيث ّ‬
‫سلعة رخيصة في سوق االتجار الجنسي‪ ،‬أو مجرد مادة لإلعالن‪ .‬والسبب‬ ‫ٍ‬ ‫الحاالت إلى‬
‫في ذلك‪ ،‬هو ّ‬
‫أن الثقافة السائدة والمهيمنة في الكثير من دول العالم ترتكز على رؤية فلسف ّية‬
‫ماد ّية تنظر إلى اإلنسان ذكر ًا كان أو أنثى‪ ،‬من خالل هذا المنظار النفعي اآلني‪ ،‬وال تعير كبير‬
‫وإن سلبيات ومخاطر هذا المسار لم تعد خافية على‬ ‫اهتمام للمعنويات والقيم والفضائل‪ّ .‬‬
‫أن بعض فالسفة الغرب المعاصرين قد أخذوا بالحديث عن ضرورة العودة‬ ‫أحد‪ ،‬ولذا رأينا ّ‬
‫إلى القيم األخالقية وعن حاجة االجتماع البشري إلى الفضائل‪.‬‬
‫أن نجاح المرأة في العديد من مسارات الحياة‬ ‫وعلينا أن نعلن بكل وضوح‪ّ ،‬‬
‫ومجاالتها المشار إليها‪ ،‬هو مدعاة احترام لشخصها وتقدير لجهودها‪ ،‬وهو في الوقت عينه‬
‫فرص وإمكانات‪،‬‬‫ٍ‬ ‫مثار حسرة وأسف وألم على ما أضاعت البشر ّية في أزمنتها الغابرة من‬
‫بسبب تهميش المرأة‪ ،‬وما بدّ دته من طاقات ‪ -‬هي طاقات المرأة ‪ -‬كانت كفيل ًة بتطوير حال‬
‫اإلنسان نحو األفضل‪.‬‬
‫ٍ‬
‫خصوصيات‬ ‫أن ذلك ك ّله ال يجب أن يدفعنا ‪ -‬وفي ضوء ما هو معلوم ومعروف من‬ ‫إال ّ‬
‫غزو ثقافي وضحايا‬ ‫ووظائف تكوين ّية بيولوجية تم ّيز المرأة عن الرجل ‪ -‬إلى الوقوع أسرى ٍ‬
‫َ‬
‫خطاب تهويلي يضطرنا إلى تبني أفكار مرتجلة أو مستوردة فيما يتصل بالمرأة‪ ،‬أو االنخراط‬
‫في تبني مواقف غير مدروسة‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فليس من المنطقي االستخفاف بالدعوة التي يطلقها‬
‫البعض إلى ضرورة دراسة قض ّية خروج المرأة إلى ميادين العمل‪ ،‬ال من زاوية دراسة جدوى‬
‫أمر ال ينبغي أن يخضع للتشكيك من حيث المبدأ‪ ،‬وهو حق‬ ‫هذا الخروج من أصله‪ ،‬فهذا ٌ‬
‫ٍ‬
‫للمرأة ‪ -‬كما هو حق للرجل ‪ -‬وال يمكن ألحد أن ينازعها فيه ويسلبها إياه‪ ،‬بل من زاوية‬
‫دراسة مجاالت النجاح ومستواه وشروطه في شتى األنشطة والمسارات التي انخرطت فيها‬
‫فإن دراسة كهذه‬ ‫المرأة‪ ،‬والميادين التي دخلتها ومدى تأثير ذلك على األسرة واستقرارها‪ّ .‬‬
‫كفيلة بتحديد المجاالت التي قد تبرع فيها المرأة أكثر من الرجل‪ ،‬والمجاالت التي قد يبرع‬
‫فيها الرجل أكثر من المرأة‪ ،‬بما يساعد على توزيع األدوار وتطوير الواقع إلى ما هو أحسن‪.‬‬
‫نتخوف الوصم بالرجعية والتخلف‪ ،‬فنبتعد عن أمثال‬ ‫ٍ‬
‫وال يجوز أن نؤخذ بسطوة إعالمية أو ّ‬
‫أن الدول التي أعطت المرأة كافة حقوقها وساوت‬ ‫هذه الدراسات العلم ّية الجادة‪ ،‬مع العلم ّ‬
‫بينها وبين الرجل في الحقوق والواجبات‪ ،‬قد ال تجد غضاضة ‪ -‬من خالل مؤسساتها‬
‫‪11‬‬ ‫تمهيد‬
‫ومراكز الدراسات واألبحاث فيها ‪ -‬عن القيام بمثل هذه الدراسات(((‪ ،‬ومن الطبيعي ّ‬
‫أن هذه‬
‫الدراسات يجب أن تراعي وتأخذ بعين االعتبار‪:‬‬
‫فإن هذا االختالف في األعضاء ليس‬‫‪--1‬اختالف الخصائص التكوين ّية المم ِّيزة للجنسين‪ّ ،‬‬
‫عبث ًا‪ ،‬بل مر ّده إلى االختالف في الوظائف‪ ،‬طبق ًا لما أبدعته يد الحكمة اإللهية‪.‬‬
‫‪--2‬خصوصية المجتمعات‪ ،‬والمنظومة األخالقية والقيمية التي تحكمها‪ ،‬ليكون ذلك معيار ًا‬
‫داخ ً‬
‫ال في عمل ّية اختبار النجاحات أو اإلخفاقات‪.‬‬

‫الم�س�ؤوليات والأ�سئلة‬
‫وبالنظر إلى الواقع المأساوي المشار إليه للمرأة المسلمة‪ ،‬وال سيما التي تعيش في‬
‫المجتمعات والدول اإلسالمية‪ ،‬فإنّنا معنيون ‪ -‬وانطالق ًا من مسؤوليتنا الدين ّية وانتمائنا‬
‫الرسالي وواجبنا األخالقي ‪ -‬بالعمل الدؤوب والجاد والسعي الهادف إلى تغيير هذا‬
‫الواقع‪ ،‬بما يؤدي إلى رفع مستوى المرأة‪ ،‬لتأخذ مكانتها الالئقة في عمارة الحياة عمران ًا‬
‫مادي ًا ومعنوي ًا‪ ،‬وتقوم بدورها التوأم مع الرجل في خالفة الله على األرض‪ .‬وعندما أقول‪:‬‬
‫إن النساء يجب أن ينخرطن في هذه المهمة قبل‬ ‫إنّنا معنيون فلست أقصد الرجال فحسب‪ ،‬بل ّ‬
‫أن الحقوق حقوقهن والمعاناة تقع عليهن قبل أن تقع على الرجال وعلى‬ ‫الرجال‪ ،‬وال سيما ّ‬
‫المجتمع بر ّمته‪.‬‬
‫إن السؤال هو البداية الطبيعية لإلحساس بالمشكلة والدافع الرئيس للتفكير‬ ‫وحيث ّ‬
‫في إيجاد الحلول والعالجات لها‪ ،‬كان من الطبيعي أن نبدأ بطرح األسئلة المتصلة بمعرفة‬
‫األسباب الكامنة وراء تردي حال المرأة المسلمة وتخ ّلفها‪.‬‬
‫فلماذا ال تزال تعيش على الهامش وفي ّ‬
‫ظل الرجل؟‬
‫يتم وأدها في كل يوم بأشكال شتى وأنواع مختلفة ومتعددة من الوأد((( الجسدي‬
‫ولماذا ّ‬
‫أو المعنوي؟!‬

‫أن بعض القضايا يتجذر االعتقاد بها في‬ ‫(((  نقول هذا الكالم ال على سبيل الجزم والكلية‪ ،‬ألننا نالحظ ّ‬
‫الوسط الجماهيري العام وتصبح لها هالة وسطوة أكبر من حجمها العلمي والحقيقي‪ ،‬بحيث إنّه ال ُيتق َبل‬
‫يتم تخوين صاحبه ورميه بالتخلف أو وصمه بالعنصرية أو ما إلى ذلك‪.‬‬ ‫فيها الرأي اآلخر بأريحية‪ ،‬بل قد ّ‬
‫ٌ‬
‫(((   الوأد هو دفن المرأة ح ّية‪ ،‬وهذا فعل مورس في الجاهلية‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﵛﭐﱥ ﱦ ﱧ* ﱩ ﱪ‬
‫ﱫﵚ [التكوير ‪.]9-8‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪12‬‬
‫مجرد عورة‪ ،‬ويجب سترها بما يوازي حبسها؟‬
‫ولماذا ال زلنا ننظر إليها باعتبارها ّ‬
‫يتم تعطيل هذه الطاقة اإلنسانية وتجهيلها؟!‬
‫ولماذا ّ‬
‫هل السبب يكمن في الذهن ّية الجاهل ّية التي ال تزال تحكم عقول الكثيرين من المسلمين‬
‫حتى لو كانوا من حملة الشهادات الجامع ّية‪ ،‬أو من «رجال الدين»‪ ،‬أم ّ‬
‫أن السبب كامن في‬
‫ّ‬
‫محل آخر؟!‬
‫ثم ما هو منشأ هذه الذهن ّية يا ترى؟ وهل هي عص ّية على اإلصالح والتغيير؟‬
‫ّ‬
‫وما هو دور الظروف االجتماعية والسياسية والثقافية في تشكيل الذهن ّية المشار إليها؟‬
‫صحة ما يقوله البعض من ّ‬
‫أن السبب في تردي وضع المرأة المسلمة والمجتمع‬ ‫وما ّ‬
‫اإلسالمي برمته يكمن في تعاليم الدين اإلسالمي؟!‬
‫إنّها أسئلة مشروعة ومطروحة ليس فقط في األروقة العلم ّية‪ ،‬بل غدت تُطرح عالن ّية‬
‫على ألسنة الكثيرين من الشباب المسلم عبر وسائل اإلعالم أو التواصل االجتماعي‪ .‬وليس‬
‫يحل المشكلة بل‬ ‫ألن ذلك ال ّ‬
‫وغض الطرف عنها‪ّ ،‬‬ ‫من المنطقي في شيء تجاهل هذه األسئلة ّ‬
‫متسرعة عليها‪ ،‬فاألمر يحتاج إلى‬
‫ِّ‬ ‫يزيدها تفاقم ًا‪ .‬واألسوأ من ذلك هو محاولة تقديم أجوبة‬
‫تحرص على عدم الوقوع تحت تأثير سطوة المشهور والفهم السائد‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫دراسة متأنّية وجريئة‪،‬‬
‫وعدم الوقوع ‪-‬أيض ًا‪ -‬تحت تأثير التهويل اآلتي من الخارج‪.‬‬

‫الروايات وظاهرة انتقا�ص المر�أة‬


‫ويهمني هنا أن أتوقف عند السؤال األخير المتقدم‪ ،‬ألقول في اإلجابة عليه‪ّ :‬‬
‫إن تعاليم‬
‫اإلسالم ونصوصه الصحيحة ليست هي سبب المشكلة‪ ،‬وال هي المسؤولة عن هذا الواقع‬
‫الذي تعيشه المرأة‪ ،‬وهذا ما سوف يثبته هذا الكتاب بشكل ال لبس فيه‪ .‬لكن علينا أن نعترف‬
‫بأن تجربة المسلمين التاريخية مع المرأة لم تكن بشكل عام ‪ -‬وبصرف النظر عن بعض‬ ‫ّ‬
‫نقر ونعترف به‬‫الفترات المضيئة ‪ -‬ناصعة كما كان يؤمل لها‪ .‬واألمر اآلخر الذي علينا أن ّ‬
‫ثمة نصوص ًا «دين ّية إسالمية» مثيرة لالهتمام وباعثة على االستغراب في هذا المجال‪،‬‬ ‫هو ّ‬
‫أن ّ‬
‫وهي نصوص تواجه الباحث والعالم وتفرض نفسها عليه‪ ،‬ويأتي على رأس القائمة مثالً‪:‬‬
‫النصوص المنسوبة لإلمام علي‪ ‬بشأن المرأة والتي تعطي في مجملها انطباع ًا مفاده‪ّ :‬‬
‫أن‬
‫بأن المرأة ‪-‬في رؤية علي‪ -‬هي‬ ‫لعلي‪ ‬نظر ًة خاصة سلبية ومعقدة تجاه المرأة‪ ،‬وتوحي ّ‬
‫‪13‬‬ ‫تمهيد‬
‫يجسد الشر‪ ،‬ومخلوق هي أقل درجة ورتبة من الرجل‪ ،‬فهي ضعيفة اإليمان وناقصة‬ ‫كائن ّ‬
‫العقل‪ .‬ودعت هذه النصوص ‪ -‬أيض ًا ‪ -‬إلى تهميش المرأة وعدم االهتمام برأيها‪ ،‬وال الوثوق‬
‫بها وال ائتمانها على شيء‪.‬‬
‫وعلى سبيل المثال‪ ،‬فإنّنا نعرض هنا لبعض تلك النصوص‪ ،‬على أن نعود الحق ًا‬
‫الستقصائها وإشباعها بحث ًا ومدارسة‪:‬‬
‫‪--1‬روي عن علي‪« :‬المرأة شر كلها وشر ما فيها أنّه ال بدّ منها»(((‪.‬‬
‫‪--2‬وروي عنه‪« :‬معاشر الناس ال تطيعوا النساء على حال‪ ،‬وال تأمنوهن على مال‪،‬‬
‫أوردن المهالك وعَدَ ْو َن َأ ْم َر‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫أردن‬ ‫وال تذروهن يدبرن أمر العيال‪ ،‬فإنّهن إن ت ُِرك َن وما‬
‫المالك‪ ،‬فإنّا وجدناهن ال ورع لهن عند حاجتهن‪ ،‬وال صبر لهن عند شهوتهن‪ ،‬البذخ‬
‫له َّن الزم وإن كبرن‪ ،‬والعجب به َّن الحق وإن عجزن‪ ،‬ال َي ْشك ُْر َن الكثير إذا ُمنِ ْع َن القليل‪،‬‬
‫الشر‪ ،‬فيتهافتن بالبهتان ويتمادين بالطغيان ويتصدين للشيطان‪،‬‬ ‫ينسين الخير ويحفظن ّ‬
‫َفدَ اروهن على كل حال‪ ،‬و َأح ِسنُوا لهن المقال‪ ،‬لع ّلهن يح ِسن ِ‬
‫الف َعال»(((‪.‬‬ ‫ُ ْ َّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َّ‬
‫‪--3‬وروي عنه من خطبة له بعد حرب الجمل‪ ،‬وصفها الشريف الرضي بأنّها في «ذم‬
‫النساء»‪« :‬معاشر الناس ّ‬
‫إن النساء نواقص اإليمان نواقص العقول نواقص الحظوظ‪ ،‬فأ ّما‬
‫نقصان إيمانهن فقعودهن عن الصالة والصيام في أيام حيضهن‪ ،‬وأ ّما نقصان حظوظهن‬
‫فمواريثهن على األنصاف من مواريث الرجال‪ ،‬وأ ّما نقصان عقولهن فشهادة امرأتين‬
‫كشهادة الرجل الواحد‪ ،‬فاتقوا شرار النساء وكونوا من خيارهن على حذر وال تطيعوهن‬
‫في المعروف حتى ال يطمعن في المنكر»(((‪.‬‬
‫إلى غيرها من الروايات واألحاديث المنسوبة إليه‪ ‬في هذا المجال‪ ،‬األمر الذي دفع‬
‫أن اإلمام علي ًا‪ ‬كانت له نظر ٌة سلبي ٌة متشائمة تجاه المرأة‪ .‬يقول األديب‬ ‫البعض إلى االعتقاد ّ‬
‫أن جميع‬ ‫علي‪ ‬وآرائه‪« :‬ويذكر ‪-‬يقصد اإلمام ‪ّ -‬‬ ‫فؤاد أفرام البستاني متحدِّ ث ًا عن شخص ّية ٍّ‬
‫تمت إلى النساء بأسباب قو ّية‪ ،‬فيشتدُّ كره ًا له ّن‪،‬‬
‫تعسه‪ ‬خاصة ُّ‬ ‫مفاسد الخلق عامة‪ ،‬وآالم ِ‬

‫(((  نهج البالغة‪ ،‬ج‪ 4‬ص‪.35‬‬


‫(((  علل الشرائع‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪ ،513‬األمالي‪ ،‬ص‪ ،275‬من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪ ،554‬وعنهما جامع‬
‫أحاديث الشيعة‪ ،‬ج‪ 25‬ص‪ 333‬باب ‪ 45‬من أبواب مباشرة النساء ومعاشرتهن‪..‬‬
‫(((  نهج البالغة‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.130‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪14‬‬
‫ثم تتجلى لديه الحياة‬ ‫شر كلها‪ّ ،»..‬‬ ‫وتتجاوز عاطفته اإلشفاق إلى الحكم‪ ،‬فيقول‪« :‬المرأة ٌّ‬
‫البشر ّية ونظام الكون وضعف اإلنسان ف ُيتِ ُّم حكمه‪ ..« :‬وشر ما فيها أنّه ال بدّ منها»(((‪.‬‬
‫أن علي ًا‪ ‬ينطق باسم اإلسالم‪ ،‬فال يمكن لنا التصديق بصدور هذه‬ ‫وحيث إنّنا نعتقد ّ‬
‫األحاديث عنه على سبيل بيان القاعدة اإلسالم ّية العامة والعابرة للزمان والمكان؛ ّ‬
‫ألن بعض‬
‫أن علي ًا‪ ‬يبغض‬
‫نتصور ّ‬
‫ّ‬ ‫مفرداتها ال تنسجم مع القرآن الكريم نص ًا وروح ًا‪ ،‬وال يمكننا أن‬
‫المرأة أو يحكم على المرأة وهي نصف المجتمع ّ‬
‫بكل هذه األحكام القاسية التي تقارب‬
‫يقل بشاعة عن وأدها الجسدي الذي‬‫حدّ الدعوة إلى إعدامها أو وأدها معنوي ًا‪ ،‬وهو إعدام ال ّ‬
‫فعلته الجاهلية مع المرأة‪.‬‬
‫والنظرة السلب ّية القاسية إلى المرأة ليست موجودة في النصوص المنسوبة إلى اإلمام‬
‫إن ذلك يظهر أو يتراءى من بعض النصوص المنسوبة إلى رسول‬ ‫علي‪ ‬فحسب‪ ،‬بل ّ‬
‫الله(ص) أيض ًا‪ ،‬والتي سنعقد لها ‪ -‬الحق ًا ‪ -‬فص ً‬
‫ال كام ً‬
‫ال لدراستها‪.‬‬
‫وقد اعترف بعض العلماء المعاصرين بهذه القسوة التي تتضمنها بعض الروايات تجاه المرأة‬
‫حق النساء»(((‪.‬‬
‫فقال‪َ « :‬م ْن الحظ الروايات الواردة في هذا المجال رأى فيها قسوة ظاهرة في ّ‬
‫أن هذه النظرة السلبية والتشاؤمية تجاه المرأة موجودة في التراث األدبي‬ ‫وهكذا نجد ّ‬
‫والفكري لكثير من الحكماء واألدباء والشعراء في األزمنة الغابرة(((‪ .‬وسيرد في ثنايا الكتاب‬
‫العديد من النماذج الدالة على ذلك‪.‬‬
‫ومن المؤكد ّ‬
‫أن دراسة التراث اإلنساني‪ ،‬األدبي والفكري حول المرأة‪ ،‬هو قض ّية مهمة‪،‬‬
‫تطور الفكر البشري في هذا المجال‪ ،‬بل ألنّه سيتيح لنا إجراء مقارنة‬
‫ال ألنّه يسهم في معرفة ّ‬
‫مع الفكر الديني لمعرفة نقاط االشتراك ونقاط االفتراق بينهما‪ ،‬ومستوى تأثير أحدهما في‬
‫تجذره في الواقع‪ّ ،‬‬
‫فإن تجاوزه ونقده‬ ‫أن الفكر البشري مهما بلغ ُّ‬
‫اآلخر‪ .‬وجدير بنا التنبيه إلى ّ‬
‫ألن األخير يمتلك قدس ّية خاصة ترفعه‬ ‫يظل أسهل بكثير من نقد الفكر الديني أو تجاوزه؛ ّ‬ ‫ّ‬
‫فوق مستوى النقد والنقاش‪ .‬وهذه إحدى أهم المعضالت التي تواجه المجتهد والباحث‬
‫في الشأن الديني‪.‬‬

‫(((   الروائع‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.26‬‬


‫(((   الحديث النبوي بين الرواية والدراية‪ ،‬للشيخ جعفر السبحاني ص ‪.251‬‬
‫(((  انظر على سبيل المثال‪ :‬شرح نهج البالغة‪ ،‬ج‪ 18‬ص‪.199‬‬
‫‪15‬‬ ‫تمهيد‬
‫وعلى هذا األساس‪ ،‬فإنه وعلى الرغم من األهم ّية التي تكتسبها دراسة التراث األدبي‬
‫المشار إليه‪ّ ،‬‬
‫فإن ما نعتقد أنّه األهم في المقام هو دراسة الموروث الديني اإلسالمي بشأن‬
‫ألن الدين يبقى هو العنصر األكثر تأثير ًا في النفوس‪ ،‬واألشد حضور ًا في واقع‬‫المرأة؛ ّ‬
‫اإلنسان وال سيما المسلم‪.‬‬

‫ولتكتمل ال�صورة �أكثر‪..‬‬


‫ولتكتمل الصورة أكثر وتتضح معالمها‪ّ ،‬‬
‫فإن علينا أخذ األمور التالية بعين االعتبار‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬يتراءى من بعض النصوص الروائية المنسوبة إلى أئمة الدين محورية الرجل‪،‬‬
‫وكأنّه األساس واألصل‪ ،‬وعليه تدور رحى الحياة‪ ،‬وأ ّما المرأة فهي الفرع والهامش وليست‬
‫سوى كائن ُخلق بهدف تلبية استمتاعات الرجل‪ ،‬باإلضافة إلى دورها كوعاء يساهم في بقاء‬
‫فإن مرضاة الرجل هي المقياس‪ ،‬فما يصدر عن المرأة إن كان‬ ‫النسل‪ .‬وعلى ضوء ذلك‪ّ ،‬‬
‫مناسب ًا ومالئم ًا ومفيد ًا للرجل كان خير ًا وإال كان شر ًا‪.‬‬
‫فإن بعض المجتمعات البشرية ‪ -‬على ما ُيحكى ‪ -‬قد عكست األمر‪،‬‬ ‫وفي المقابل‪ّ ،‬‬
‫فعملت على جعل المرأة هي المحور وهي المقياس‪ ،‬وذلك فيما ُعرف بالنظام األمومي‬
‫الذي تم ّيز بسلطة مطلقة لألم على األسرة‪ ،‬وبانتساب األوالد إلى أمهاتهم ال إلى آبائهم‪.‬‬
‫و ُيحكى ّ‬
‫أن هذا النظام ساد في المراحل البدائية للحياة اإلنسانية‪ ،‬ور ّبما كان تأليه األنثى لدى‬
‫بعض الشعوب الغابرة هو من تأثيرات هذا النظام‪ ،‬الذي قدّ س المرأة واعتبرها أصل الحياة‪.‬‬
‫والصحيح في هذا المجال‪ ،‬أنّه ال يصح جعل الرجل هو المقياس وال المرأة‪ ،‬وإنّما‬
‫المقياس هو اإلنسان‪ ،‬وهذا ما يستفاد من القرآن الكريم الذي يؤكّد على محورية اإلنسان‬
‫(وليس الذكر أو األنثى) ودوره في نظام الخالفة‪ .‬وفي هذا النظام‪ ،‬فالمرأة ليست على هامش‬
‫الرجل‪ ،‬ال في الوظيفة وال في الدور وال في الرسالة‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬قد حصل أيض ًا فهم خاطئ لفكرة الع ّفة والستر‪ ،‬بحيث فهم البعض ّ‬
‫أن الستر يم ّثل‬
‫حجب ًا للمرأة أو عزالً لها عن الحياة العامة‪ ،‬وربما ساعد على شيوع هذا الفهم بعض النصوص‬
‫التي تُعزى إلى النبي(ص) أو األئمة ‪ ،‬مع أنّها غير ثابتة‪ ،‬أو واردة في ظروف خاصة‪ ،‬كما‬
‫سنرى الحق ًا‪ ،‬ومع ذلك فقد بنى الفقهاء عليها في فتاواهم الداعية إلى إبعاد المرأة عن الحياة‬
‫ظل هذا الواقع وتحكّم هذه الذهنية‪،‬‬ ‫العامة والتي أسست لثقافة حبس المرأة في البيت‪ .‬وفي ِّ‬
‫كان من الطبيعي أن تعقم المرأة عن اإلنتاج والعطاء في العديد من المجاالت‪.‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪16‬‬
‫إن هذا التراث الديني الذي نعتز ونفخر به‪ ،‬ونعتمد عليه في بناء عقيدتنا وفقهنا‬‫ثالث ًا‪ّ :‬‬
‫الدس‬
‫ّ‬ ‫تعرض (فيما عدا القرآن الكريم) إلى‬
‫ومنظومتنا الفكرية واألخالقية والروح ّية‪ ،‬قد ّ‬
‫تعرض للتشويه والتالعب والعبث‪ ،‬وإحدى مجاالت العبث هذه مجال المرأة(((‪.‬‬ ‫والتزوير‪ ،‬كما ّ‬
‫هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى فقد ُقدّ مت قراءة معينة لهذا التراث‪ ،‬وا ْعت ُِمدَ ْت‬
‫باعتبارها القراءة الرسم ّية‪ ،‬ور ّبما امتلكت هذه القراءة قدس ّية‪ ،‬ما أعاق عن تقديم فهم جديد‬
‫لهذا التراث أو إعادة قراءته‪ ،‬مخافة أن يتهم صاحب هذا الفهم بالمروق واالبتداع في الدين‬
‫أو تأسيس فقه جديد‪.‬‬

‫الأثر النف�سي للن�صو�ص‬


‫وهذا الموروث الديني‪ ،‬المتصل بالمرأة والذي اتهمها ‪ -‬في كثير من األحيان ‪ -‬بق ّلة‬
‫الوفاء أو بضعف العقل ونقصان الدين والحظ‪ ،‬أو ما إلى ذلك من أوصاف ونعوت تنتقص‬
‫إن هذا الموروث والذي لم يخضع‬ ‫منها ومن أهليتها للقيام بالكثير من األنشطة واألعمال‪ّ ،‬‬
‫أثر نفسي كبير على‬ ‫للدرس ولم يوضع على طاولة البحث العلمي‪ ،‬كان له ‪ -‬باعتقادي ‪ٌ -‬‬
‫شل المرأة المسلمة‬ ‫الرؤية العامة التي تحكم ذهنية المسلم تجاه المرأة‪ .‬فهو لم ُيسهم في ّ‬
‫وانكماشها والحدّ من طموحاتها‪ ،‬وتردي أوضاعها فحسب‪ ،‬بل وساعد على إقناعها ‪-‬فض ً‬
‫ال‬
‫ال كائن ضعيف العقل وقاصر‪ ،‬وبحاجة ‪-‬على الدوام‪ -‬إلى وصاية‬ ‫عن إقناع الرجل ‪ -‬بأنّها فع ً‬
‫وقيمومة ذكور ّية عليها‪ .‬وهكذا‪ ،‬قبلت المرأة طائعة أن تكون العنصر الضعيف والضلع‬
‫األعوج‪ ،‬وربما انخرطت في التنظير لهذه الفكرة!‬

‫الن�ص �أم في قارئه؟‬


‫هل الم�شكلة في ّ‬
‫والحق يقال‪ :‬إنّه وبالرغم من موافقتنا وتأكيدنا على ما تؤكّد عليه قواعد علم االجتماع‪،‬‬
‫أن الظواهر االجتماع ّية ‪ -‬ومنها ظاهرة تخ ّلف المرأة المسلمة ‪ -‬من غير المنطقي‬ ‫من ّ‬
‫إرجاعها إلى عامل واحد‪ ،‬فقد تتداخل العوامل وتتشابك لينتج عنها في نهاية المطاف هذا‬
‫أن خبرتنا في النص الديني اإلسالمي(((‪ ،‬والقواعد التي تحكم قراءته‬‫الواقع الذي نشهده‪ ،‬بيد ّ‬

‫(((   سنذكر في بعض محاور هذا الكتاب جملة من الروايات المكذوبة على لسان الرسول(ص) وهي‬
‫ّ‬
‫وتحط من شأنها‪.‬‬ ‫تمتهن المرأة‬
‫السنّة‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫أو‬ ‫الكتاب‬ ‫من‬ ‫والثابتة‪،‬‬ ‫الصحيحة‬ ‫النصوص‬ ‫بذلك‬ ‫(((   ونقصد‬
‫‪17‬‬ ‫تمهيد‬
‫تدفعنا للقول‪ :‬إنّه ليس من اإلنصاف في شيء تحميل الدين وزر هذا الواقع األليم الذي‬
‫تعاني منه المرأة‪ ،‬أو رمي التهمة على عاتق النص الديني وإدخاله في عداد العوامل المسببة‬
‫إن المشكلة ‪ -‬في عمقها ‪ -‬هي في قارئ هذا النص‪ ،‬والذي لم يشتغل‬ ‫لهذا التردي‪ ،‬بل ّ‬
‫بما فيه الكفاية على غربلة التراث المشار إليه غربل ًة دقيقة تميز صحيحه من سقيمه‪ ،‬وتسبر‬
‫أن قارئ النص قد تحكّمت فيه ذهن ّية‬ ‫وتتعرف على ثابته ومتغيره‪ .‬والسر في ذلك ّ‬
‫ّ‬ ‫أغواره‬
‫خاصة متش ِّبعة بخلف ّية تاريخية مستندة إلى جملة من العادات البالية والتقاليد المتحجرة‪،‬‬
‫والتي أضفى عليها البعض ‪ -‬وألسباب شتى ‪ -‬طابع ًا ديني ًا مقدس ًا‪ ،‬وهذا ما جعلنا أمام قراءة‬
‫ومشوهة للكثير من النصوص‪ ،‬ونتج عنها تقديم «رؤية دينية» متزمتة حول المرأة‬ ‫ّ‬ ‫مجتزأة‬
‫ودورها في الحياة‪.‬‬
‫شك يمتلك‬ ‫أن النص الديني ليس لغز ًا وال أحجية عص ّية على الفهم‪ ،‬ولكنّه دون ّ‬
‫صحيح ّ‬
‫إن لم يجتهد في ولوج‬ ‫أعماق ًا ودالالت مختلفة ومقاصد كل ّية وأبعاد ًا متنوعة‪ .‬وقارئ النص ْ‬
‫هذه األعماق‪ ،‬ويعمل على استهداء تلك المقاصد ويبذل قصارى جهده للتمييز بين تلك‬
‫األبعاد‪ ،‬ليعرف ما هو ديني منها وما هو عادي‪( ،‬أي داخل في نطاق العادات والتقاليد)‪،‬‬
‫متحرك ومتغ ّير‪ ،‬إنّه وبدون ذلك سوف يحمل‬ ‫ّ‬ ‫وليتحرى ما هو ثابت من مضامين النص وما هو‬
‫مشوهة عن الدين هي أقرب إلى ذهن ّية قارئ النص منها إلى الحقيقة الدينية‪.‬‬‫أو يختزن صورة ّ‬

‫تح ّكم النزعة الذكورية‬


‫أهم العوامل المؤثرة في تشكيل ذهنية القارئ للنص الديني المتصل‬ ‫أن من ّ‬ ‫وأعتقد ّ‬
‫بالمرأة‪ ،‬والمعيقة له عن بلوغ أعماق النص واستكناه جوهره ومغزاه‪ ،‬هو تحكّم النزعة‬
‫الذكور ّية في المجتمع الشرقي عموم ًا والعربي خصوص ًا‪ .‬وهذه النزعة ليست وليدة اإلسالم‬
‫وال تعاليمه‪ ،‬وإنّما هي ممتدّ ة في المجتمع العربي والشرقي وصوالً إلى زمن الجاهل ّية التي‬
‫اضطهدت المرأة وامتهنتها‪ ،‬وأساءت إليها على أكثر من صعيد‪ ،‬وفي أكثر من اتجاه‪ ،‬بل ّ‬
‫إن‬
‫تحكّم النزعة الذكور ّية كان هو السمة العامة الغالبة عند كافة األمم والشعوب كما سنذكر في‬
‫فصل الحق‪ .‬وأخطر ما في األمر‪ ،‬هو انعكاس تلك النزعة على البناء الثقافي وعدم اقتصارها‬
‫على السلوك‪ ،‬لتغدو ثقافتنا ثقاف ًة ذكورية ومتح ّيزة ضد المرأة أو مضطهدة لها‪.‬‬
‫ٍ‬
‫لقرون متمادية رهينة عقل ّية ذكورية إقصائ ّية‪ ،‬بل حبيسة‬ ‫باختصار‪ :‬لقد عاشت المرأة‬
‫ثقافة ذكور ّية حاكمة‪ ،‬ال تؤمن بطاقة المرأة وال بكفاءتها وأهليتها للتطور والنهوض‪ ،‬وال‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪18‬‬
‫بقدرتها على التغيير واإلبداع‪ .‬فهي ال تعدو أن تكون مجرد متعة للرجل ووسيلة إلطفاء‬
‫غريزته وخادمة له ومنجبة ألوالده‪ ،‬وينحصر دورها في تدبير أمورهم واحتياجاتهم من‬
‫الطعام والشراب وما إلى ذلك‪ .‬وقيام المرأة بهذه األمور والمهام ليس معيب ًا وال مذموم ًا‪،‬‬
‫إن ذلك هو عمل مقدّ س في نفسه‪ ،‬وهو من أشرف الوظائف واألعمال التي قد تقوم‬ ‫بل ّ‬
‫تهز العالم‬
‫تهز المهد بيسراها قادرة على أن ّ‬ ‫بها المرأة‪ ،‬وقد قال بعضهم‪ّ :‬‬
‫«إن المرأة التي ّ‬
‫يتم حصر دورها في هذا النطاق؟! ولِ َم ال يستفاد من طاقتها في‬ ‫بيمينها» ‪ ،‬ولكن لماذا ُّ‬
‫(((‬

‫أن مهمة تربية األسرة لم تعد أمر ًا بسيط ًا في عالمنا المعاصر وما‬
‫المجاالت األخرى؟ على ّ‬
‫يكتنفه من تطورات وتعقيدات‪ ،‬بل تحتاج ‪ -‬باإلضافة إلى المؤهالت الخاصة ‪ -‬إلى إعداد‬
‫ظل ثقافة تدعو إلى حبس‬ ‫واف وتأهيل مناسب وتدريب مالئم‪ ،‬األمر الذي لن يتحقق في ِّ‬ ‫ٍ‬
‫أن على المصلح الديني‬ ‫حق التعليم ودخول الجامعات‪ ..‬وأعتقد ّ‬ ‫المرأة وحرمانها من ِّ‬
‫واالجتماعي وكل من يسعى إلى تغيير واقع المرأة إلى األحسن‪ ،‬أن يأخذ هذا اإلرث الثقيل‬
‫المرة‪ ،‬وهذا سوف يمكّنه من اختيار األسلوب‬ ‫بعين االعتبار‪ ،‬وأن ال يقفز على هذه الحقيقة ّ‬
‫المالئم لتغيير هذا الواقع‪.‬‬
‫وعلينا أن نأخذ بعين االعتبار أيض ًا ّ‬
‫أن النزعة الذكور ّية المشار إليها قد تالقت مع نزعة‬
‫أنثو ّية مقابلة‪ ،‬دفعت المرأة إلى لعب دور الضعيف في حاالت االشتباك بينها وبين الرجل‪.‬‬

‫الن�ص الديني ومراعاة النزعة الذكور ّية‬


‫ّ‬
‫أن ذكور ّية المجتمع المتجذرة في الثقافة والممارسة‪ ،‬قد‬ ‫ويجدر بنا التنبيه هنا إلى ّ‬
‫تترك أثرها حتى على اللغة الدين ّية نفسها التي قد تسعى إلصالح هذا الواقع‪ ،‬ما يجعل قارئ‬
‫ألول وهلة ‪ -‬بمحورية الرجل وتبعية المرأة له حتى في الرؤية الدينية‪،‬‬
‫النص الديني يشعر ‪ّ -‬‬
‫أن تدقيق النظر ومراعاة ما أشرنا إليه وما سيأتي من ضوابط قراءة النص سيؤديان إلى‬ ‫مع ّ‬
‫تخطي هذا الفهم‪.‬‬
‫أن الدين قد يضطر في مهمته‬ ‫وهذا األمر قد تحصل الغفلة عنه‪ ،‬وال يتن ّبه قارىء النص إلى ّ‬
‫التغيير ّية إلى مراعاة بعض العادات االجتماع ّية المستحكمة في بادئ األمر‪ ،‬ريثما تته ّيأ األجواء‬
‫وتتوفر الظروف المالئمة والمساعدة على تغييرها التدريجي‪ .‬ومراعاة النص الديني للواقع‬
‫إنّما هي مراعاة على صعيد الوسائل المتحركة‪ ،‬وليس على صعيد المبادئ والقيم الثابتة‪.‬‬

‫(((   تنسب إلى نابليون‪.‬‬


‫‪19‬‬ ‫تمهيد‬
‫وبااللتفات إلى ما تقدّ م‪ ،‬يغدو واضح ًا أنّه ليس من المنطقي في شيء أن ُيطلب من النص‬
‫الديني اجتراح معجزات على صعيد التغيير في الواقع االجتماعي‪ ،‬فحركة التاريخ ال تدين أو‬
‫تخضع للنص الديني وحده‪ ،‬فثمة عوامل عديدة تشكّل شروط ًا أساسية وعناصر ضرورية النطالق‬
‫أهم هذه‬
‫عجلة التاريخ في مسارها الطبيعي اآلخذ في التصاعد والتقدم نحو األفضل‪ ،‬ومن ّ‬
‫العناصر والشروط توفر المتلقي للنص على وعي تام‪ُ ،‬ي َم ِّكنُه من فهم مراميه وأبعاده ومقاصده‪،‬‬
‫واستعداده للتفاعل معه مهما كانت التضحيات‪ .‬وعدم تو ّفر هذه العناصر بما فيه الكفاية هو ما قد‬
‫يفسر لنا حالة التردي التي طرأت على وضع المرأة المسلمة‪ ،‬فبدل أن تسير األمور نحو األفضل‬ ‫ِّ‬
‫النص المرجعي‪،‬‬ ‫ألن ّ‬ ‫إذا بنا نشهد سير ًا قهقرائي ًا! وهذا ما ال يتحمل النص اإلسالمي مسؤوليته‪ّ ،‬‬
‫حرر المرأة من كل اآلصار الجاهلية التي تك ِّبلها‪ ،‬وفتح‬ ‫وهو النص القرآني ‪ -‬كما سيأتي ‪ -‬قد ّ‬
‫أن حركة االجتماع‬ ‫أمامها األبواب لتنطلق إلى جانب الرجل في كل مجاالت الحياة الهادفة‪ّ ،‬إل ّ‬
‫اإلسالمي بعد وفاة النبي(ص) لم ت َِس ْر بالشكل المطلوب والمرجو والذي خطط له النبي(ص)‪،‬‬
‫ما أ ّدى إلى هذا التردي في الوضع اإلسالمي العام‪ ،‬بما في ذلك وضع المرأة‪.‬‬

‫وهكذا ظ ّلت المر�أة الم�سلمة على الهام�ش‬


‫ويمتدُ تأثير النزعة الذكورية إلى كتّاب التاريخ‪ّ ،‬‬
‫فإن المؤرخ اإلسالمي قد أغفل ‪-‬إلى‬
‫حدٍّ كبير‪ -‬دور المرأة المسلمة اإليجابي ‪ -‬على تواضعه ‪ -‬في صناعة هذا التاريخ‪ ،‬ومساهمتها‬
‫البنَّاءة ‪ -‬ولو جزئي ًا ‪ -‬في بناء الحضارة اإلسالمية‪ .‬وبإغفاله لدور المرأة يكون المؤرخ‬
‫المذكور قد شارك في ظلمها‪ ،‬ولم يعطها حقها ولم يفصح عن دورها وجهودها‪ ،‬وإنّما ركّز‬
‫على تناولها والحديث عنها في سياقات اإلثارة وبيان العناصر األنثوية في شخصيتها‪.‬‬
‫إن النزعة الذكور ّية التي تحكمت بالعقل الشرقي قد تركت المرأة في الظل‪ ،‬وعلى‬ ‫ّ‬
‫هامش الحياة وعلى ضفاف الرجل‪ .‬فلم تحظ باالهتمام الكافي‪ ،‬ولم يعتن بعطاءاتها‬
‫وإنجازاتها‪ ،‬فهي عورة وينبغي سترها وتجنب الحديث عنها أمام اآلخرين! وقد الحظنا ّ‬
‫أن‬
‫بعض الناس إلى يومنا هذا‪ ،‬يتجنَّبون ذكر أسماء بناتهم أو زوجاتهم أمام اآلخرين‪ ،‬ويرون‬
‫ذلك أمر ًا معيب ًا أو ال يليق بهم‪ ،‬وال يناسب حم ّيتهم وشهامتهم‪ .‬وهذا ما امتد إلى الحياة‬
‫الفكر ّية‪ ،‬فلم تلج المرأة العديد من الحقول المعرفية‪ ،‬ووصل األمر إلى حدّ أن تعطى بعض‬
‫العلوم أسما ًء ذكور ّية صرفة‪ ،‬كما هو الحال في العلم المخصص لتسجيل سيرة وتراجم‬
‫الرواة والمحدثين‪ ،‬حيث ُأطلق عليه اسم «علم الرجال»! مع أن الذكورة ليست شرط ًا في‬
‫حجية خبر الراوي‪.‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪20‬‬
‫الن�صو�ص «الدين ّية» والنزعة الذكور ّية‬
‫بأن النصوص الواردة في المرأة والتي سوف ندرسها فيما يأتي‪،‬‬ ‫وإننا على قناعة تامة‪ّ ،‬‬
‫سواء ما نسب منها إلى رسول الله(ص) أو ما نسب إلى اإلمام علي‪ ،‬قد أسهمت إلى‬
‫حدٍّ كبير في تعميق وتجذير النزعة الذكور ّية المشار إليها في الوسط اإلسالمي‪ ،‬بما في‬
‫ذلك الوسط الثقافي والديني‪ .‬وهذا طبيعي‪ّ ،‬‬
‫ألن الفقيه أو المثقف الديني هو نتاج هذه البيئة‬
‫التي تعاملت مع هذه النصوص بقداسة‪ ،‬ولم تفتح باب السؤال عن صدقيتها وصحتها‪،‬‬
‫أن هذه النصوص ‪-‬في‬ ‫ولم تدخل في دراستها دراسة تحقيق وتدقيق‪ .‬وزاد في الطين ب ّلة‪ّ ،‬‬
‫المجمل‪ -‬ال تدخل في باب إنتاج الحكم الشرعي بشكل مباشر‪ ،‬وإنّما المستفاد منها هو‬
‫جملة من اآلداب والسنن‪ ،‬األمر الذي سمح بالتساهل إزاءها وعدم التدقيق السندي فيها‪،‬‬
‫وفق ًا لقاعدة التسامح في أدلة السنن التي حكمت تعاملنا مع تراثنا الديني خارج نطاق‬
‫األحكام الشرع ّية اإللزامية‪.‬‬
‫وثمة سبب آخر دخل في البين‪ ،‬وحال دون القيام بدراسة نقد ّية للنصوص الدين ّية‬ ‫ّ‬
‫المتصلة بالمرأة والتي قد تصنّف في عداد النصوص المقللة من مكانتها‪ ،‬والمستخفة بها‪،‬‬
‫أن هذه النصوص ورادة في «نهج البالغة» الذي‬ ‫ال وفهم ًا وخبرة ودين ًا وورع ًا‪ ،‬وهو ّ‬
‫عق ً‬
‫يضم خطب ووصايا ورسائل وكلمات أمير المؤمنين‪ .‬و«نهج البالغة» له قدسية خاصة‬ ‫ّ‬
‫في نفوس أتباع علي‪ ‬وشيعته الذين ال يستسيغون النقاش في أسانيده‪ ،‬وباعتقادي‪ّ ،‬‬
‫فإن‬
‫الرأي المتعصب والالموضوعي الذي اتخذه بعض الكتّاب والباحثين باتهام الشريف‬
‫الرضي باختالق «النهج» وافترائه على علي‪ ،‬قد خلق ر ّدة فعل مقابلة متشبثة بكل ما‬
‫ورد في النهج‪ ،‬وقد اتسم هذا الموقف المقابل بشيء من العاطفة المبالغة في التقديس‪ ،‬مما‬
‫شكّل حاجز ًا نفسي ًا لدى الكثير من علماء الشيعة‪ ،‬منعهم من المناقشة في نصوص النهج‬
‫أو محاكمتها‪ ،‬أو التعامل معها كما يتعاملون مع سائر النصوص المرو ّية في أمهات الكتب‬
‫إن «نهج البالغة» يعدّ مفخرة دين ّية وثقافية وأخالقية وروحية وإرث ًا‬‫والمصادر المعتبرة‪ّ .‬‬
‫إنساني ًا وكنز ًا ثري ًا على صعيد النصوص اإلسالمية‪ ،‬ولك ّن ذلك ال يجعله بمنأى عن النقد‬
‫وضرورة إخضاعه لقواعد توثيق النص وإثبات نسبته إلى صاحبه‪ ،‬وكذلك قواعد قراءته‬
‫وفهمه‪ .‬وبكلمة‪ :‬هو ليس فوق النقد السندي والداللي‪ ،‬ولنا عودة إلى هذه النقطة فيما بعد‬
‫(انظر‪ :‬المحور األول)‪.‬‬
‫‪21‬‬ ‫تمهيد‬
‫إن انتماءنا لعلي‪ ‬يفرض علينا درس النصوص المنسوبة إليه ووضعها على طاولة‬ ‫ّ‬
‫ال صادرة عنه‪ ‬مع ما تحمله من مضمون فكري يذ ّم‬ ‫البحث العلمي‪ ،‬لنرى إن كانت فع ً‬
‫أن علي ًا‪ ‬عندما يذ ّم المرأة أو الرجل‪ ،‬فإنّه ينطق باسم اإلسالم وليس‬
‫المرأة‪ .‬مع العلم ّ‬
‫أن هذه هي‬‫تم إثبات انتساب هذه النصوص إليه‪ ‬لكان معنى ذلك ّ‬ ‫باسمه الشخصي‪ ،‬فلو ّ‬
‫رؤية اإلسالم حول المرأة‪.‬‬
‫وألجل ذلك‪ ،‬كانت هذه الدراسة التي نضعها بين أيدي أهل العلم وطالب المعرفة‪،‬‬
‫فهي مخصصة للبحث في الموروث الديني الروائي المتصل بالمرأة‪ ،‬وخصوص ًا ما روي عن‬
‫اإلمام علي‪.‬‬
‫ينصبون أنفسهم حراس ًا للتراث‪ :‬لماذا تقحمون أنفسكم‬ ‫وربما يقول لنا البعض ممن ِّ‬
‫في بحث هذه المسائل‪ ،‬فتر ّدون النصوص المرو ّية عن رسول الله(ص) أو عن أمير‬
‫أن جمهور الفقهاء والمحدثين قد تل ّقوها بالقبول وتبنّوا ما جاء فيها‬
‫المؤمنين‪ ،‬والحال ّ‬
‫ولم يناقشوا في أسانيدها وال في مضامينها؟!‬
‫إن جمهور الفقهاء ربما لم يعملوا على إخضاع هذه النصوص للدراسة‬ ‫والجواب‪ّ :‬‬
‫النقدية لعدم إحساسهم بوجود مشكلة كبيرة في تبنّي مضامينها‪ّ ،‬‬
‫ألن وضعية المرأة آنذاك‬
‫والرؤية العامة حولها كانتا تتسقان وتنسجمان مع مضامين تلك الروايات‪ ،‬لذا لم يجدوا‬
‫غضاضة في تبنّي ما جاء فيها‪ ،‬هذا من جهة‪.‬‬
‫تطرق قدامى الفقهاء لدرس تلك الروايات أو غيرها ال يمنع‬ ‫فإن عدم ّ‬‫ومن جهة أخرى‪ّ ،‬‬
‫فكم ترك األول لآلخر‪ ،‬وليس ُ‬
‫فعل المتقدمين هو الميزان‬ ‫إطالق ًا من تناول المتأخرين لها‪ْ ،‬‬
‫الذي َي ْل َزم المتأخرين اعتماده والسير على ضوئه‪ّ .‬‬
‫إن السيرة العلم ّية للمتقدمين هي جهد‬
‫بشري يستضاء به ويستفاد منه‪ ،‬لكنّها ليست طريق ًا يلزم َم ْن تأخر عنهم بسلوكه‪ ،‬فض ً‬
‫ال عن‬
‫إن محاذرة المتأخر من مخالفة‬‫أن تتحول إلى سيف مسلط على رقابهم والتهويل عليهم به‪ّ .‬‬
‫المتقدم ال تبتني على أساس علمي‪ ،‬وإنما قد تكون منطلقة من وحشة نفس ّية‪ّ ،‬‬
‫فإن اإلنسان‬
‫أن الجمود الفكري الذي أصاب المسلمين ناتج عن‬ ‫يتوجس من االنفراد في الرأي؛ وأعتقد ّ‬ ‫ّ‬
‫مثل هذه الذهن ّية التي تستوحش من كل جديد‪ ،‬وتتهيب من الخروج على السائد والمألوف‪،‬‬
‫وهو ما شكّل عائق ًا كبير ًا أمام إعادة دراسة تراثنا بجد ّية‪.‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪22‬‬
‫الحاجة �إلى مزيد من الجهود‬
‫وضع النصوص المشار إليها حول المرأة على مشرحة البحث العلمي‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫آمل أن يشك َّل‬
‫ُ‬
‫المكونة للموقف الذكوري‬ ‫ّ‬ ‫ال مساعد ًا ودافع ًا قوي ًا باتجاه تفكيك عقدة رئيسة من ال ُعقد‬
‫عام ً‬
‫أن موضوع المرأة ال يزال بحاجة إلى‬ ‫اإلقصائي المتح ّيز ضد المرأة‪ .‬ولكن ال بدّ أن نعترف ّ‬
‫ال عن الجهود االجتماع ّية والتربو ّية ‪ -‬التي‬ ‫بذل المزيد من الجهود الفكر ّية والفقه ّية ‪ -‬فض ً‬
‫تهدف إلى تفكيك الكثير من العقد التي ال تزال تعيق المرأة عن القيام بدورها المناط بها في‬
‫حمل األمانة اإلله ّية إلى جانب الرجل‪ ،‬وترمي أيض ًا إلى تفنيد العديد من األفكار والعادات‬
‫يتم إلباس هذه العادات لبوس‬ ‫البالية التي تكبل المرأة وتحاصرها‪ .‬والخطورة‪ ،‬أنّه غالب ًا ما ّ‬
‫الدين‪ ،‬كما أننا بحاجة إلى الجهود التوجيه ّية والتربو ّية الرامية إلى تحصين المرأة من أن‬
‫تتحول إلى مجرد جسد ُيعرض في سوق النخاسة الغرائزية‪.‬‬
‫والالفت في غالب الدراسات والكتابات اإلسالمية حول المرأة‪ ،‬اعتماد منهج تبريري‬
‫دفاعي إزاء الموروث الديني الذي يتحدّ ث عنها‪ ،‬مع اللجوء في الوقت عينه إلى اعتماد‬
‫الخطابات التبجيلية والكلمات الرنانة‪ ،‬والتي تستغرق في الحديث عن تكريم اإلسالم‬
‫للمرأة وضمان حقوقها‪ ،‬بلغة شاعرية طوباوية وعامة‪ ،‬من دون الدخول في مقاربة جد ّية‬
‫للقضايا اإلشكالية‪ ،‬أو تقديم قراءة نقدية لتلك النصوص التي يمكن تصنيفها من قبل البعض‬
‫ألن تهميش المرأة سينعكس‬‫الذامة للمرأة والمعيقة لنهوض المجتمع‪ّ ،‬‬
‫في عداد النصوص ّ‬
‫على المجتمع برمته‪.‬‬
‫أن ثمة جهود ًا طيبة بذلها بعض الفقهاء والمفكرين المسلمين(((‪،‬‬
‫أجل‪ ،‬ال يسعنا إنكار ّ‬
‫وقد تناولت العديد من قضايا المرأة اإلشكالية‪ .‬فهي جهود مهمة للغاية‪ ،‬وقد استطاعت أن‬
‫تجيب على الكثير من األسئلة‪ ،‬وأن تدفع الكثير من الشبهات‪ ،‬وأن تخلق حالة وعي في األمة‬
‫وال سيما لدى المرأة حول أهمية دورها وحقوقها‪ ،‬واستطاعت أيض ًا أن ّ‬
‫تحرك الكثير من‬
‫الجمود‪ ،‬وتفتح الباب واسع ًا أمام دراسات متالحقة حول فقه المرأة وقضاياها المختلفة‪.‬‬
‫تحرك الراكد وتثير الساكن‪ ،‬وتعيد جسر التواصل‬
‫إنّنا بحاجة ماسة إلى ثورة اجتهادية ّ‬
‫بين الماضي والحاضر‪ّ .‬‬
‫إن حرك ّية العقل االجتهادي وتحرره من اآلصار المعيقة من النهوض‬

‫(((  كالذي كتبه الشهيد مرتضى المطهري في الجانب الفكري‪ ،‬وكذلك ما كتبه السيد محمد حسين فضل‬
‫الله في النطاق الفقهي والفكري وما كتبه الشيخ محمد مهدي شمس الدين في الجانب الفقهي‪ ،‬وما‬
‫كتبه آخرون أيض ًا‪.‬‬
‫‪23‬‬ ‫تمهيد‬
‫مفر لهذه األمة من ركوبها لتعبر بها إلى آفاق المستقبل بأمان‪ ،‬في ظل‬
‫هي سفينة النجاة التي ال ّ‬
‫عمق الفجوة بين الفقه اإلسالمي وواقع الحياة المعاصرة‪.‬‬ ‫جمود فقهي كبير ّ‬
‫لقد كنت أمنّي النفس بدراسة تلك النصوص المنسوبة ألمير المؤمنين‪ ‬بشأن المرأة‬
‫التعرف على حقيقة موقف اإلمام علي‪ ‬من المرأة‪ ،‬وقد وفق الله تعالى‬‫دراسة وافية‪ ،‬بغية ّ‬
‫لتحقيق هذه األمنية‪ ،‬فكان هذا الكتاب الذي درسنا فيه النصوص المروية عن اإلمام علي‪‬‬
‫بشأن المرأة وأضفنا إلى ذلك النصوص المروية عن النبي األكرم(ص) في المجال عينه حتى‬
‫جل النصوص‬ ‫ضم بين دفتيه ّ‬
‫غدا أقرب ما يكون إلى العمل الموسوعي في بابه‪ ،‬بحيث ّ‬
‫المروية عن النبي(ص) وعن أمير المؤمنين‪ ‬بشأن المرأة‪.‬‬
‫وإذا فاتتنا بعض النصوص وزاغ عنها البصر‪ ،‬ولم يتسن لنا متابعتها بالبحث والدرس‪،‬‬
‫فهذا أمر طبيعي‪ ،‬فلسنا محصنين ضد السهو والغفلة‪ ،‬والعصمة ألهلها‪ ،‬لكني أعتقد ّ‬
‫أن ما‬
‫س ُيذكر في ثنايا هذا الكتاب يقدّ م معالم رؤية منهج ّية تصلح للبناء عليها في محاكمة سائر‬
‫النصوص‪ .‬وحسبنا أنّنا أثرنا هذه القضية ور ّبما خطونا خطوة إضافية في هذا الطريق‪.‬‬
‫والله من وراء القصد‪.‬‬
‫حسين أحمد الخشن‬
‫‪ 27‬رمضان ‪1436‬هـ‬
‫المحور الأول‬

‫في المنهج‪� :‬ضوابط ومعايير‬

‫‪--1‬بعيد ًا عن التهويل واالنهزام‬


‫‪--2‬نقد ال�سند‬
‫‪--3‬خط�أ التعامل على �أ�سا�س قاعدة الت�سامح‬
‫‪--4‬نقد المتن ومرجعية القر�آن الكريم‬
‫‪--5‬الإحاطة والنظرة المتكاملة‬
‫‪--6‬الن�ص الديني بين المرحلية والدائمية‬
‫‪--7‬ت�أويل الن�ص وفق قواعد اللغة‬
‫‪--8‬قبح الذم على ما لي�س باالختيار‬
‫‪--9‬المعطيات الواقع ّية ودورها في قراءة الن�صو�ص‬
‫في المنهج‪� :‬ضوابط ومعايير‬
‫أهم الضوابط والقواعد المنهج ّية التي ُيفترض أن تحكم‬
‫ص لبيان ّ‬ ‫مخص ٌ‬
‫َّ‬ ‫إن هذا المحور‬ ‫ّ‬
‫يتم التعامل مع‬
‫والتعرف على المعايير األساسية التي بموجبها ّ‬
‫ّ‬ ‫قراءتنا للموروث الديني‪،‬‬
‫ال ضروري ًا ليس لدراسة هذه‬
‫النصوص المتصلة بالمرأة أو غيرها‪ .‬فما نطرحه هنا يشكّل مدخ ً‬
‫القضية المبحوث عنها فحسب‪ ،‬بل ودراسة نظائرها من قضايا الفكر الديني التي تعتمد على‬
‫النصوص الروائ ّية‪.‬‬
‫إن الضوابط اآلتية تم ّثل بعض معالم المنهج السليم في قراءة النص الديني‪.‬‬
‫باختصار‪ّ :‬‬

‫‪--1‬بعيد ًا عن التهويل واالنهزام‬


‫التجرد عن المسبقات الفكر ّية‪ ،‬فض ً‬
‫ال‬ ‫ّ‬ ‫ويأتي على رأس تلك المعايير ضرورة‬
‫عن األهواء واألغراض الخاصة التي قد تدفع اإلنسان إلى تبرير الواقع والتماشي معه‬
‫والتماهي مع عاداته وتقاليده‪ .‬فاإلرث التاريخي السلبي في التعامل مع المرأة مهما كان‬
‫ومر ًا ال يفترض أن يلقي بظالله على الباحث والمفكر بما يمنعه من اإلدالء برأيه بكل‬ ‫ثقي ً‬
‫ال ّ‬
‫جو علمي هادئ يتيح للدارس‬ ‫أن من الضروري درس قضايا الفكر في ٍ‬ ‫حرية وصراحة‪ .‬كما ّ‬
‫التعبير عن رأيه بكل حر ّية دون مث ّبطات نفس ّية أو تهويالت إعالم ّية أو مؤثرات اجتماعية‬
‫أو إسقاطات ثقافية مستوردة من خارج بيئتنا‪ ،‬وال سيما اإلسقاطات الوافدة من الثقافة‬
‫أن موضوع المرأة هو من الموضوعات‬ ‫الغربية المهيمنة‪ .‬وعلينا أن نعترف في هذا المقام ّ‬
‫يتم التعاطي معها في كثير من األوساط المتأثرة بالثقافة المهيمنة بطريقة‬ ‫الحساسة التي ّ‬
‫عاطفية تهويل ّية بعيد ًا عن اللغة العلمية الرزينة واألجواء الهادئة التي تسمح لصاحب‬
‫عما يؤمن به‪ .‬وهذا الجو ربما يدفع المرء‬ ‫الفكر أن يطرح رأيه بحرية كاملة أو يفصح ّ‬
‫إلى إخفاء بعض آرائه المتصلة بالمرأة والتكتم عليها‪ ،‬بل قد يقول كالم ًا مخالف ًا لقناعاته‪،‬‬
‫وذلك مخافة أن ُيتّهم بكراهية المرأة ومعاداتها وهو ما يعرف بـ(الميسوجينية)((( ويشهر‬
‫به ويشنّع عليه بذلك‪ّ .‬‬
‫إن هذه السطوة التهويل ّية وإن كنا نتفهمها لكننا ال نستطيع أن نجدَ‬

‫(((   كراهية النساء (الميسوجينية)‪ :‬موقف عنصري ضد جنس النساء‪ ،‬يدفع باتجاه اضطهاده ّن وممارسة‬
‫التمييز ضده ّن‪.‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪28‬‬
‫لها مبرر ًا‪ ،‬فهي ‪ -‬في واقع األمر ‪ -‬تم ّثل نوع ًا من اإلرهاب الفكري المعيق للدراسة‬
‫الموضوعية لألحداث والظواهر‪ ،‬هذه الدراسة التي تعدُّ شرط ًا ضروري ًا لتقدم المجتمعات‬
‫وتطورها‪ ،‬هذا التطور الذي نعتقد أنه َمدي ٌن لتالقح األفكار وتنوعها‪ ،‬ومما يؤسف له ّ‬
‫أن‬
‫الكثيرين يستخدمون أساليب التشنيع والتهويل على الغير ألهداف غير نظيفة وال عالقة لها‬
‫بالعلم‪ ،‬من قبيل الشعار التهويلي الذي يستغله الصهاينة ويشهرونه في وجه كل من يعارض‬
‫سياستهم التوسع ّية العدوان ّية‪ ،‬عنيت به شعار معاداة السام ّية‪ ،‬واألسلوب عينه يستخدمه‬
‫البعض في الفضاء الديني عندما يعمدون إلى التشهير باآلخرين ويرفعون في وجههم سالح‬
‫التكفير والتضليل والتفسيق والتبديع‪.‬‬

‫ولهذا‪ ،‬فإنّنا نعتقد أنّه َلخطأ فادح أن نقع ‪ -‬في دراسة هذه المسألة وأمثالها ‪-‬‬
‫ضحايا الخطاب التهويلي الذي يتهمنا باإلساءة إلى المرأة ومصادرة دورها وحقوقها‪،‬‬
‫أو يرمينا بالتخ ّلف والرجع ّية‪ ،‬ما يدفعنا إلى تغيير مواقفنا‪ ،‬وتبديل أفكارنا مسايرة لهذا‬
‫الخطاب وتماهي ًا معه وانسجام ًا مع األفكار السائدة والمستوردة التي يفرضها علينا‬
‫اآلخر القوي الذي ينطلق في خطابه وأفكاره من رؤية فلسف ّية ليس في قاموسها شيء‬
‫اسمه «عالم الغيب» أو «يوم المعاد»‪ ،‬كما أنّه يعتمد على مرجع ّية تشريع ّية ال تأخذ الدين‬
‫‪-‬كثير ًا‪ -‬بعين االعتبار‪ .‬ومن هنا‪ ،‬كان من الطبيعي أن يدعو إلى إعطاء المرأة الحر ّية‬
‫الكاملة لتفعل ما تريد وتمارس ما يحلو لها‪ ،‬وأن يدعو إلى المساواة بين الرجل والمرأة‬
‫في كل شيء‪ .‬وهذه العناوين أو المبادئ‪ ،‬وإن كنا قد نوافق على مجملها‪ ،‬ونعتقد ّ‬
‫أن‬
‫مساحة اللقاء كبيرة بينها وبين فكرنا اإلسالمي األصيل‪ ،‬بيد أننا نختلف معها في بعض‬
‫الجوانب‪ ،‬ونختلف ‪ -‬وهذا هو األهم ‪ -‬مع األساس الفلسفي الذي تنطلق منه‪ .‬كما أنّنا‬
‫فإن حري ًة مطلقة ودون ضوابط أو قيود ال نوافق‬ ‫ال نقبل بالتفسير الغربي لمفهوم الحرية‪ّ ،‬‬
‫على إعطائها للرجل‪ ،‬ومن الطبيعي أن ال نوافق على إعطائها للمرأة أيض ًا‪ .‬كما أنّنا ننطلق‬
‫أن حريتنا هي في طول‬ ‫في تصورنا حول مفهوم الحرية من قاعدة التوحيد التي تعني ّ‬
‫عبوديتنا لله تعالى‪.‬‬
‫أن البعض من أبناء أمتنا قد انهزموا نفسي ًا وروحي ًا أمام الهالة أو السطوة التي‬
‫وال يخفى ّ‬
‫فرضتها الحضارة الماد ّية وما حققته من إنجازات على أكثر من صعيد‪ ،‬حتى فقدوا الثقة‬
‫ال عليهم‪ ،‬وأنّه لن يتسنى لهذه‬ ‫بأن تراثهم وتاريخهم يم ّثالن عبئ ًا ثقي ً‬
‫بذاتهم وبدينهم‪ ،‬وشعروا ّ‬
‫‪29‬‬ ‫المحور األول‪ :‬في المنهج‪ :‬ضوابط ومعايير‬
‫األمة النهوض من كبوتها وتخبطها إال بعد قيامها بقطيعة تامة((( مع تراثها‪ .‬ولكننا إذ نرفض‬
‫هذه الفكرة‪ ،‬ونعتقد أنّها تع ّبر عن روح انهزام ّية‪ ،‬فإننا في الوقت نفسه نؤكّد على ّ‬
‫أن من الخطأ‬
‫‪-‬أيض ًا‪ -‬أن نتعامل مع تراثنا بقداسة مطلقة وكل ّية‪ ،‬دون التمييز بين ثوابته ومتغيراته‪ ،‬بين‬
‫مبادئه ووسائله‪.‬‬
‫وعند هذا األمر األخير‪ ،‬أعني الخلط بين الوسائل والمبادئ‪ ،‬وبين الثابت والمتغ ّير‪،‬‬
‫أن الكثير من األفكار والرؤى السائدة في مجتمعاتنا اإلسالمية حول المرأة‪،‬‬ ‫فإنّي أؤكد على ّ‬
‫وهكذا الكثير من أشكال وأساليب التعامل معها تدخل في دائرة العادات والتقاليد‪ ،‬وليست‬
‫هي من الدين وقيمه ومبادئه في شيء‪ ،‬وما أكثر العادات التي ألبسناها لبوس الدين! وما أكثر‬
‫الوسائل المتغ ّيرة التي منحناها سمة المبادئ الثابتة!‬

‫‪--2‬نقد ال�سند‬
‫والضابط الثاني الذي يفترض أن نتحاكم إليه قبل تكوين رؤية متكاملة حول موقف‬
‫اإلمام علي‪ ‬من المرأة وتحميله تبعات هذا الرؤية هو ضرورة التو ّثق من انتساب تلك‬
‫المرويات إليه‪ .‬فالنصوص المنسوبة إلى علي‪ ‬بشأن المرأة سواء أكانت مروية في‬
‫«نهج البالغة» أو غيره من المصادر‪ ،‬ال بدّ أن تخضع لمعايير البحث العلمي التي تخضع لها‬
‫سائر النصوص الروائية‪ .‬وأمانة البحث العلمي تفرض علينا القيام بعملية ٍ‬
‫نقد لهذه النصوص‬ ‫ّ‬
‫أن غالبية هذه النصوص ضعيفة السند‪.‬‬ ‫على صعيدي السند والمتن مع ًا‪ ،‬وسنكتشف فيما يأتي ّ‬
‫ونحن في الوقت الذي نرفض فيه بشكل جازم وحاسم ما يزعمه البعض(((‪ ،‬من ّ‬
‫أن‬
‫خطب علي‪ ‬وكلماته ورسائله ووصاياه ومواعظه المذكورة في «نهج البالغة»‪ ،‬هي‬
‫بأجمعها أو معظمها نصوص منحولة أو موضوعة عليه من قبل الشريف الرضي (جامع‬

‫(((   ُي َعدُّ محمد أركون من أبرز المفكرين الذين ن ّظروا ّ‬


‫وروجوا لضرورة القيام بقطيعة كاملة مع التراث‬
‫اإلسالمي‪ ،‬انظر كتابه‪ :‬قضايا في نقد العقل الديني‪ -‬كيف نفهم اإلسالم اليوم؟‪ ،‬ترجمة وتعليق‪ :‬هاشم‬
‫صالح‪ ،‬دار الطليعة‪ ،‬بيروت ‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة الرابعة‪2009 ،‬م‪.‬‬
‫ولعل من أوائل من طرح هذه التهمة الباطلة ابن خ ّلكان (ت‪681 :‬هـ) فقد نقلها عن بعض الناس دون‬ ‫(((   ّ‬
‫أن يجزم بصدقها أو يتبناها‪ ،‬قال‪« :‬وقد اختلف الناس في كتاب «نهج البالغة» المجموع من كالم‬
‫اإلمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه هل هو جمعه (أي جمع المرتضى) أم جمع أخيه الرضي؟ وقد‬
‫قيل‪ :‬إنّه ليس من كالم علي‪ ،‬وإنّما الذي جمعه ونسبه إليه هو الذي وضعه والله أعلم»‪ ،‬انظر‪ :‬وفيات‬
‫األعيان وأنباء أبناء الزمان‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪ .313‬وترددت بعد ذلك على ألسنة البعض دون تدقيق أو تحقيق‪.‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪30‬‬
‫أن باحث ًا موضوعي ًا ّ‬
‫يتجرد‬ ‫ألن هذه الدعوى هي دعوى واهية وغير علم ّية‪ .‬وال أعتقد ّ‬ ‫النهج)‪ّ ،‬‬
‫من الخلف ّيات‪ ،‬ويمتلك نصيب ًا معقوالً من الثقافة األدبية والتاريخ ّية يجرؤ على ّ‬
‫التفوه بطرح‬
‫هذه الدعوى بهذا التعميم والكل ّية(((؛ وذلك‪:‬‬
‫ألن أدنى اطالع على لغة علي‪ ،‬وأسلوبه البياني والخصائص التعبير ّية لعصره‪،‬‬ ‫أوالً‪ّ :‬‬
‫مقارنة بلغة الشريف الرضي وأسلوبه األدبي والخصائص البيان ّية لعصره‪ ،‬سوف يقدِّ م دلي ً‬
‫ال‬
‫قاطع ًا على ضعف هذه الدعوى ووهنها‪ ،‬فشتان بين الشخصين والعصرين واألسلوبين‪،‬‬
‫الجم والرفيع ولمع اسمه بين الشعراء(((‪ ،‬وبلغ مقام ًا عالي ًا‬
‫ّ‬ ‫فالشريف الرضي وإن ُعرف بأدبه‬
‫وتبحر في شتى المعارف الدين ّية‪ ،‬لكنه ال يرقى إلى مقام علي‪ ‬الذي كان‬ ‫ّ‬ ‫في الفقاهة‪،‬‬
‫السباق في كل ما قال أو كتب‪ ،‬وقوله الفصل وكالمه الحجة في البالغة والفصاحة وفي‬ ‫َّ‬
‫اللغة والنحو‪ ،‬واألدب‪ ،‬وهو الذي يؤخذ منه وال ُير ُّد عليه‪ ،‬ولذلك ال يمكن أن يشتبه كالمه‬
‫أن على كالمه‪« ‬مسحة من العلم‬ ‫بكالم الشريف الرضي‪ ،‬وكيف يدانيه‪ ‬أحد‪ ،‬والحال ّ‬
‫اإللهي‪ ،‬وفيه عبق ٌة من الكالم النبوي»(((‪.‬‬
‫ضمها «نهج‬
‫أن الكثير من هذه الخطب والمواعظ والوصايا والكلمات التي ّ‬ ‫ثاني ًا‪ :‬على ّ‬
‫البالغة» نجدها مبثوثة في المصادر الحديثية والتاريخية قبل والدة الشريف الرضي بعشرات‬
‫بل ربما مئات السنين‪ ،‬كما أثبت ذلك باألدلة والبراهين الساطعة العالمة المحقق السيد‬
‫عبد الزهراء الحسيني في كتابه القيم «مصادر نهج البالغة وأسانيده»‪.‬‬
‫إن اتهام الشريف الرضي بوضع نصوص «نهج البالغة» هو افتراء محض وتهمة‬ ‫ثالث ًا‪ّ :‬‬
‫ٍ‬
‫معروف بورعه وأمانته وصدقه وعزة نفسه وإبائه‬ ‫ٍ‬
‫لرجل‬ ‫جائرة بغير دليل‪ ،‬وتخوين بدون مبرر‬
‫ووفائه وإخالصه وشهامته‪ ،‬فض ً‬
‫ال عن كونه األديب البارع والفقيه المتبحر والمتكلم الحاذق‬
‫والمفسر المبدع(((‪ ،‬إلى غيرها من مكارم أخالقه وجميل صفاته التي تجعله أجل وأسمى من‬
‫أن يفتري الكذب على جده أمير المؤمنين‪.‬‬

‫  وقد فنّد جمع من األعالم هذه الدعوى‪ :‬انظر‪ :‬أعيان الشيعة‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪ ،540‬وذكر األستاذ أحمد زكي‬ ‫(((‬
‫صفوت وجوه ًا ستة للشك في نهج البالغة وفنّدها جميع ًا بأسلوب علمي رصين‪ ،‬انظر كتابه‪ :‬ترجمة‬
‫علي بن أبي طالب‪ ،‬طبعة مطبعة دار العلوم‪ ،‬مصر‪1932 ،‬م‪.‬‬
‫فضل بعضهم شعره على المتنبي‪ ،‬انظر‪ :‬أعيان الشيعة‪ ،‬ج ‪ 9‬ص ‪.217‬‬ ‫  حتى ّ‬ ‫(((‬
‫  كما يصرح الشريف الرضي نفسه‪ ،‬انظر‪ :‬نهج البالغة‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.11‬‬ ‫(((‬
‫  وهذا ما أجمع عليه كتاب سيرته ومترجمو حياته‪ ،‬انظر على سبيل المثال‪ :‬أعيان الشيعة‪ ،‬ج ‪ 9‬ص ‪217‬‬ ‫(((‬
‫وما بعدها‪.‬‬
‫‪31‬‬ ‫المحور األول‪ :‬في المنهج‪ :‬ضوابط ومعايير‬
‫أن كل ما في «النهج» هو صادر قطع ًا عن اإلمام‪،‬‬ ‫أن ذلك ال يعني ‪-‬بحال‪ّ -‬‬ ‫ّإل ّ‬
‫بحيث نجعله في مرتبة ما فوق النقد السندي‪ ،‬واالستدالل بنصوصه قبل التأكد من صحة‬
‫السند أو الوثوق بالصدور ولو من طريق آخر‪ .‬فروايات «النهج» تخضع لما تخضع له سائر‬
‫الروايات من ضرورة التدقيق في أسانيدها‪ ،‬ومالحظة مضمونها ولغتها ومدى انسجامها مع‬
‫ْ‬
‫تستوحش من المناقشة‬ ‫لغة صاحب النهج وهو اإلمام علي‪ ‬سيد الفصحاء والبلغاء(((‪ .‬وال‬
‫السند ّية في األحاديث‪ ،‬بما في ذلك أحاديث «نهج البالغة»(((‪ ،‬فهذا ليس بدعة في القول أو‬
‫ومؤس ٌس‬
‫َ‬ ‫إن األخذ بهذا المعيار معروف لدى مشهور علماء المسلمين‬ ‫ض ّلة في الفكر‪ ،‬بل ّ‬
‫بتعرض‬ ‫على قواعد علم ّية متينة تفرض ذلك وتحتّم المصير إليه‪ .‬إنّه وفي ّ‬
‫ظل معرفتنا اليقين ّية ّ‬
‫مفر من اعتماد هذا الضابط العقالئي‪ ،‬سعي ًا إلى‬ ‫تراثنا إلى العبث وامتداد يد الوضع إليه‪ ،‬فال ّ‬
‫غربلة هذا التراث قدر المستطاع وتمييز غ ّثه من سمينه وصحيحه من ضعيفه‪.‬‬
‫ولكن تجدر اإلشارة إلى نقطة مهمة في المقام‪ ،‬وهي أنّه إذا وجدنا سبي ً‬
‫ال إلى قراءة هذه‬
‫النصوص قراءة تاريخ ّية‪ ،‬فال ضرورة تحتّم علينا ر ّدها وطرحها‪ .‬وأقصد بالقراءة التاريخية‬
‫وضع هذه الروايات في سياق المرحلة الزمن ّية التي صدرت فيها‪ ،‬مع ما يكتنف تلك المرحلة‬
‫من ظروف اجتماعية وعادات خاصة وضعت المرأة في ح ّيز معين‪ .‬ولذا‪ ،‬فإنّي ال أجد‬
‫نفسي تطاوعني على االكتفاء بالمناقشة السندية وحدها إن وجدت متسع ًا للقراءة التاريخية‪،‬‬
‫وسيأتي الحديث عن هذا األمر في الضابط السادس اآلتي‪.‬‬

‫(((   انظر‪ :‬ما ذكره السيد علي الفاني رحمه الله في كتابه بحوث في فقه الرجال‪ ،‬ص ‪ ،113‬حيث خلص إلى‬
‫ما يقرب مما ذكرناه‪.‬‬
‫أن الكثير من الفقهاء يحاذرون التصريح بضعف الخبر الوارد في نهج‬ ‫(((   في الوقت الذي الحظنا ّ‬
‫ِ‬ ‫ْ‬
‫فإن البعض اآلخر لم ُيخف رأيه في المسألة‪ ،‬كالسيد الخوئي‪ ،‬والذي يقول بشكل صريح‪:‬‬ ‫البالغة‪ّ ،‬‬
‫«إن االعتماد على نهج البالغة واالستدالل به إلثبات حكم من األحكام الشرع ّية مشكل جدّ ًا»‪ .‬انظر‪:‬‬‫ّ‬
‫موسوعة السيد الخوئي الفقهية‪ ،‬الزكاة ج‪ 24‬ص‪ .192‬وقد ر ّد بعض الروايات مع كونها واردة في نهج‬
‫البالغة‪ ،‬انظر‪ :‬الموسوعة المذكورة ج‪ 11‬ص‪ ،102‬وقد يصرح بسبب الر ّد وهو اإلرسال‪ ،‬انظر‪ :‬مصباح‬
‫صحح عهد األشتر المروي في «النهج» ال‬ ‫الفقاهة‪ ،‬ج‪ 35‬ص‪ ،561‬أجل نجده في بعض الموارد قد ّ‬
‫لصحة سنده‪ ،‬بل اعتماد ًا على قوة مضمونه ما يبعث على الوثوق بصدوره عنه‪ ،‬قال‪« :‬والعهد وإن‬
‫أن آثار الصدق منه الئحة‪ ،‬كما ال يخفى للناظر إليه»‪ ،‬انظر‪ :‬مصباح الفقاهة‪( ،‬ضمن‬ ‫ال إال ّ‬
‫نقل مرس ً‬
‫أن للعهد سند ًا صحيح ًا كما ذكرنا في محل‬ ‫موسوعة السيد الخوئي) ج‪ 35‬ص‪ .416‬ولكن الصحيح ّ‬
‫آخر‪ ،‬بصرف النظر عن المعيار الذي ذكره السيد رحمه الله‪ ،‬وإن كان معيار ًا صحيح ًا في نفسه‪ ،‬كما أنّ‬
‫للكثير من روايات النهج أسانيد مذكورة في مصادر الحديث‪.‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪32‬‬
‫إن إخضاع « نهج البالغة» لمعيار التدقيق السندي لن يبقي منه شيئ ًا ولن‬ ‫وربما يقال‪ّ :‬‬
‫تسلم رواية من رواياته؛ ألنّها بأجمعها ‪ -‬وطبق ًا لهذا المعيار ‪ -‬مراسيل((( وال تمتلك أسانيد‬
‫أن «الشريف الرضي»‬ ‫من أصلها لينظر فيها أو يبحث عن مدى وثاقة رجالها‪ .‬ومر ّد ذلك إلى ّ‬
‫رحمه الله قد ارتأى حذف أسانيد كتابه ‪ -‬ربما ‪ -‬روم ًا لالختصار‪ ،‬أو لوثوقه بصدورها عن‬
‫علي‪ ،‬أو اتكاالً على وجودها في مصادر الحديث والتاريخ‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬إنّه وببركة الجهود التحقيق ّية التي بذلها بعض المحققين (السيد عبد الزهراء‬
‫تم إثبات وجود أسانيد أو مصادر أخرى‪ ،‬لمعظم روايات «النهج»‪ ،‬أكان ذلك‬ ‫الحسيني)‪ ،‬فقد ّ‬
‫في مصادر الحديث األخرى‪ ،‬أو في الكتب التاريخ ّية أو غيرها‪ .‬وهو األمر الذي أخرج الكثير‬
‫أن الكثير من الروايات المبثوثة في «النهج» يمكن‬ ‫منها عن حدّ اإلرسال إلى اإلسناد‪ .‬على ّ‬
‫ألن لعلي‪ ‬بصم ًة‬
‫الوثوق بصدورها عنه‪ ،‬ال لوجودها في مصادر أخرى فحسب‪ ،‬بل ّ‬
‫شك ّ‬
‫أن هذه‬ ‫بيان ّية خاصة تجعل كالمه متميز ًا عن كالم اآلخرين وال يشتبه بكالم غيره‪ ،‬وال ّ‬
‫البصمة متوفرة في الكثير من نصوص «النهج»(((‪.‬‬

‫‪--3‬خط�أ التعامل على �أ�سا�س قاعدة الت�سامح‬


‫ثمة أمر ًا آخر ال بدّ من التنبيه إليه‪( ،‬األمر الثالث)‬ ‫وربط ًا بموضوع التدقيق السندي‪ّ ،‬‬
‫فإن ّ‬
‫وهو أنّه ‪ -‬ر ّبما ‪ -‬دعا أو يدعو البعض إلى األخذ بنصوص «نهج البالغة» عموم ًا وما يتصل‬
‫أن مضامين «النهج» في األعم‬ ‫بالمرأة خصوص ًا دون حاجة إلى التثبت من أسانيدها‪ ،‬بحجة ّ‬
‫األغلب ال ربط لها باألحكام الشرعية اإللزامية‪ ،‬األمر الذي يسمح بنوع من التساهل في‬
‫يضطرنا إلى التشدد في تطبيق المعايير الرجالية في محاكمتها‪ ،‬وذلك استناد ًا‬ ‫ّ‬ ‫أسانيدها وال‬
‫إلى قاعدة «التسامح في أدلة السنن» ‪ .‬وهذا األمر ‪ -‬أعني ندرة األحكام الشرعية اإللزام ّية‬
‫(((‬

‫(((   الخبر المرسل هو الذي يرويه عن المعصوم من لم يدركه أو لم يسمعه منه‪ ،‬سواء رواه بدون واسطة‬
‫أو بوجود سقط في سلسلة السند واحد ًا كان أو أكثر‪ ،‬انظر‪ :‬نهاية الدراية‪ ،‬للسيد حسن الصدر (ت‪:‬‬
‫‪1351‬هـ) ص‪ ،189‬تحقيق‪ :‬ماجد الغرباوي‪ ،‬نشر المشعر‪ ،‬ط‪ ،1‬قم ‪ -‬إيران‪.‬‬
‫مفصال عن هذا المعيار وإمكانية االعتماد عليه ومحاذير ذلك في كتاب أصول االجتهاد‬ ‫ً‬ ‫(((   تكلمنا‬
‫الكالمي‪ ،‬ص ‪ 366‬وما بعدها‪.‬‬
‫(((   قاعدة التسامح في أدلة السنن هي قاعدة مشهورة وفحواها‪ :‬أنّه ال حاجة لألسانيد الصحيحة في أخبار‬
‫وعممها بعضهم إلى ما هو أوسع من ذلك‪،‬‬ ‫السنن (المستحبات) وألحق بها بعضهم المكروهات‪ّ ،‬‬
‫األمر الذي كان له تداعيات غير محمودة في العديد من المجاالت كما أوضحنا ذلك في كتاب أصول‬
‫االجتهاد الكالمي‪ ،‬ص‪ 342‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪33‬‬ ‫المحور األول‪ :‬في المنهج‪ :‬ضوابط ومعايير‬
‫في نصوص «النهج» ‪ -‬قد يرى البعض فيه ‪ -‬أيض ًا ‪ -‬عذر ًا للشريف الرضي نفسه في حذفه‬
‫(((‬
‫أن غرض الشريف الرضي‬ ‫ألسانيد خطب «النهج» ورسائله وكلماته القصار‪ ،‬على أساس ّ‬
‫ليهتم بذكر األسانيد ويعتني بها‪.‬‬
‫َّ‬ ‫لم يكن متجه ًا إلى تأليف كتاب ُم َعدٍّ لذكر روايات األحكام‬
‫أن غرض الشريف الرضي لم يكن متجه ًا إلى تأليف كتاب معدٍّ لذكر‬ ‫أقول‪ :‬صحيح ّ‬
‫روايات األحكام‪ ،‬وإنّما هدف في كتابه إلى جم ِع قدر كبير من نصوص علي‪ ‬ذات الطابع‬
‫البالغي المميز الذي يظهر تفوق علي‪ ‬وفرادته في هذا المجال‪ ،‬لكن هذا ال يعني أبد ًا ّ‬
‫أن‬
‫«نهج البالغة» ال ربط له باألحكام الشرعية‪ ،‬وبالتالي ليستنتج من ذلك أنّه ال داعي للتشدد‬
‫السندي في رواياته‪ ،‬فهذا الكالم مرفوض لعدة اعتبارات‪ ،‬أهمها‪:‬‬
‫‪ّ --1‬‬
‫إن الكثير من نصوص «النهج» تتضمن مفاهيم عقد ّية‪ ،‬وهذه ال ُيكتفى في إثباتها باالعتماد‬
‫ال عن األخبار المرسلة أو الضعيفة‪،‬‬ ‫على أخبار اآلحاد حتى لو كانت صحيحة السند‪ ،‬فض ً‬
‫أن الكثير من النصوص العقد ّية التي‬ ‫وال مجال للتسامح في أسانيدها؛ هذا مع العلم ّ‬
‫اشتمل عليها «النهج»‪ ،‬تشتمل على مضامين عالية ومنسجمة مع البراهين العقلية‪ ،‬ويمكن‬
‫الوثوق واالطمئنان بصدورها عن باب مدينة علم الرسول(ص) بهذا االعتبار‪.‬‬
‫إن الكثير منها يتضمن مفاهيم إسالمية عامة متصلة بالحياة واإلنسان‪ ،‬ومن ذلك ما نحن‬ ‫‪ّ --2‬‬
‫فيه‪ ،‬أعني النصوص المتصلة بالنظرة إلى المرأة ودورها في الحياة‪ ..‬وهذه المفاهيم ال‬
‫تمت في نفسها ‪ -‬فإنّها‬ ‫مجال ‪ -‬أيض ًا ‪ -‬للتسامح في أدلتها؛ ّ‬
‫ألن قاعدة التسامح ‪ -‬لو ّ‬
‫واردة في مجال المستحبات‪ ،‬وربما ألحق بها المكروهات‪ ،‬وأما تعميمها إلى المفاهيم‬
‫إن هذا التساهل في أدلة المفاهيم اإلسالمية العامة ساهم في‬ ‫فال وجه له إطالق ًا‪ ،‬بل ّ‬
‫إن المفاهيم‬‫تقديم صورة مشوهة عن اإلسالم وموقفه ورؤيته في كثير من القضايا‪ّ .‬‬
‫القوة‪ ،‬دور المرأة وموقعها في الحياة وسواها‬‫اإلسالمية من قبيل‪ :‬الزهد‪ ،‬الحرية‪ ،‬العزة‪ّ ،‬‬
‫يتم إثباتها وبلورة الموقف اإلسالمي منها استناد ًا إلى أخبار‬
‫من المفاهيم‪ ،‬ال يمكن أن ّ‬
‫أن أمثال هذه المفاهيم تعكس صورة اإلسالم العامة‬ ‫ضعيفة السند أو مراسيل‪ ،‬وال سيما ّ‬
‫ويتفاعل معها الناس‪ ،‬ولها تأثير بالغ في نفوسهم أكثر مما تعكسه بعض األحكام الشرعية‬
‫الجزئ ّية والتفصيلية التي يرفض الفقهاء التسامح في أدلتها‪.‬‬

‫(((   قال السيد األمين رحمه الله‪« :‬ولم يكن قصده ‪ -‬أي الشريف الرضي ‪ -‬من جمعه أن تؤخذ منه األحكام‬
‫ومسائل الحالل والحرام ليذكرأسانيده‪ ،‬وإنّما قصد جمع مختارات كال ٍم له ٌ‬
‫حظ في الفصاحة والبالغة‬
‫والمضامين العالية لينتفع قراؤه بذلك»‪ ،‬انظر‪ :‬أعيان الشيعة‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.540‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪34‬‬
‫إن دعوى ندرة النّصوص التشريع ّية في «نهج البالغة» هي دعوى غير صحيحة‪ ،‬وال‬ ‫‪ّ --3‬‬
‫ٍ‬
‫يفوه بها َم ْن لديه إلمام كاف بنصوص «النهج» أو َسبر أغواره‪ .‬فالنصوص التي يستفاد‬
‫منها في المجال التشريعي بشكل أو بآخر هي نصوص وفيرة جد ًا في «النهج»‪ ،‬سواء‬
‫ما يتصل منها باألصول والقواعد الفقهية أو ما يتصل بمقاصد التشريع وفلسفته‪ ،‬أو‬
‫ما له ربط باألحكام التشريع ّية المتعارفة كالصالة والصوم والحج والزكاة‪ .‬ولعل أهم‬
‫ما يشتمل عليه «النهج» على الصعيد التشريعي‪ ،‬هو النصوص التي تس ّلط الضوء على‬
‫قضايا السلطة وأسس اإلدارة السياسية والقضائية والمالية‪ ،‬وضوابط عمل المسؤولين‬
‫أن هذا األمر بحاجة إلى دراسة مستقلة‬‫والموظفين في الدولة اإلسالمية؛ وإنّي أعتقد ّ‬
‫تعمل على استالل النصوص ذات البعد التشريعي في «نهج البالغة» وتبويبها وتنظيمها‬
‫ووضعها أمام الباحثين والمهتمين‪.‬‬
‫أن قاعدة «التسامح في أدلة السنن» هي قاعدة غير تامة في‬ ‫‪--4‬هذا كله بصرف النظر عن ّ‬
‫نفسها حتى في مجال السنن والمستحبات‪ ،‬كما برهن على ذلك جمع من العلماء‬
‫المحققين(((‪ .‬وأ ّما الروايات التي استدل بها لقاعدة التسامح والتي عرفت بروايات «من‬
‫بلغ»(((‪ ،‬فال يستفاد منها سوى حسن االنقياد لله‪ ،‬وأنّه تعالى عند حسن ظن عبده به‪ ،‬وال‬
‫يخ ّيب ظنه ورجاءه‪.‬‬

‫‪--4‬نقد المتن ومرجع ّية القر�آن‬


‫والضابط الرابع الذي يفترض اعتماده في محاكمة التراث الروائي برمته‪ ،‬ومنه الروايات‬
‫الواردة عن علي‪ ‬بشأن المرأة‪ :‬هو ضرورة نقد المتن‪ ،‬وهو ما يعرف بالنقد الداخلي‬
‫أن اإلمام علي ًا‪ ‬هو ربيب‬‫للنص‪ ،‬وذلك بعرض مضمونه على القرآن الكريم‪ ،‬انطالق ًا من ّ‬
‫القرآن وال يمكن أن يحيد عنه قيد أنملة‪ ،‬كيف وهو س ّيد العترة الطاهرة التي لن تفترق عن‬
‫كتاب الله (عز وجل) طرفة عين أبد ًا إلى حين الورود على رسول الله(ص) وهو قائم على‬
‫ينص على ذلك حديث الثقلين الشهير(((‪.‬‬ ‫الحوض يوم القيامة‪ ،‬كما ّ‬

‫أن قاعدة التسامح في أدلة‬ ‫(((   يقول السيد الخوئي (رحمه الله) بعد تعرضه لروايات القاعدة‪« :‬فتحصل ّ‬
‫السنن مما ال أساس لها»‪ ،‬انظر مصباح األصول‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.320‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ثواب م َن الله على عمل‪ ،‬ف َعم َل‬ ‫«م ْن َب َل َغ ُه‬
‫ٌ‬ ‫نص الحديث‪ ،‬فعن أبي جعفر‪َ :‬‬ ‫(((   والتسمية مأخوذة من ّ‬
‫ُ‬
‫ذلك العمل التماس ذلك الثواب أوتيه وإن لم يكن الحديث كما بلغه»‪ ،‬الكافي‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.87‬‬
‫(((   روى هذا الحديث علماء الفريقين‪ ،‬ففي مسند أحمد بإسناده إلى أبي سعيد قال‪ :‬قال رسول الله صلى=‬
‫‪35‬‬ ‫المحور األول‪ :‬في المنهج‪ :‬ضوابط ومعايير‬
‫أن القرآن الكريم يقدّ م صورة عن المرأة ومكانتها وحقوقها ّ‬
‫أقل ما‬ ‫وسيأتينا الحق ًا‪ّ ،‬‬
‫يمكن أن يقال في وصفها بأنّها صورة متوازنة‪ ،‬وهذه الصورة هي األساس في بناء تصورنا‬
‫اإلسالمي‪ .‬ومن وحي هذه الصورة القرآنية وفي هديها‪ ،‬علينا أن نتعامل مع كل التراث‬
‫الخبري المروي عن رسول الله(ص) أو عن أمير المؤمنين‪ ‬أو غيره من األئمة ‪ ‬بشأن‬
‫المرأة‪ ،‬كما في غير ذلك من المجاالت‪ .‬فكل هذا التراث ال بدّ من عرضه على كتاب الله‬
‫تعالى‪ ،‬فما وافق الكتاب وكان منسجم ًا مع مفاهيمه أخذنا به‪ ،‬وما لم يوافقه وكان فيه ما يشي‬
‫الحط من كرامتها فهو مرفوض‪ ،‬وال يمكننا أن نثق بصدوره‬ ‫ّ‬ ‫بذ ّم جنس المرأة أو تحقيرها أو‬
‫شراح القرآن‬
‫عن النبي(ص) أو عن أمير المؤمنين‪ ‬أو سائر األئمة من أهل البيت‪ .‬فهم ّ‬
‫أجل وأسمى من أن يتك ّلموا أو يتحدثوا بما يخالف مفاهيمه وتعاليمه‪ ،‬كما‬ ‫ومفسروه‪ ،‬وهم ّ‬
‫أكدت على ذلك العديد من كلماتهم ومواقفهم‪ ،‬وجرى عليه عملهم وسار عليه نهجهم‪ ،‬ففي‬
‫«إن على ّ‬
‫كل َح ٍّق حقيقة وعلى‬ ‫الحديث عن أبي عبد الله‪ :‬قال‪ :‬قال رسول الله(ص)‪ّ :‬‬
‫صواب نور ًا‪ ،‬فما وافق كتاب الله فخذوه‪ ،‬وما خالف كتاب الله فدعوه» ‪.‬‬
‫(((‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬‫ّ‬
‫وسوف نذكر في ثنايا الصفحات اآلتية بعض الروايات المنسوبة إلى رسول الله(ص)‬
‫أو إلى أمير المؤمنين‪ ‬والتي تتنافى مع نص الكتاب أو مع روحه ومفاهيمه‪.‬‬
‫النص القرآني حول المرأة يشكّل مرجع ّية أساس ّية ال يستغنى عنها في بناء‬
‫أن ّ‬ ‫والحقيقة ّ‬
‫السنة في معظمها هي ‪-‬فيما أرجح‪-‬‬ ‫تصور إسالمي حقوقي إزاء قضايا المرأة‪ّ ،‬‬
‫فإن نصوص ُّ‬
‫نصوص تزخر بالبعد التاريخي الخاضع للزمان والمكان‪ ،‬وهذا ما سوف نتناوله بالحديث‬
‫في النقطة السادسة اآلتية‪.‬‬

‫‪--5‬الإحاطة والنظرة المتكاملة‬


‫والضابط الخامس الذي ال بدّ من مراعاته في التعامل مع تلك النصوص‪ ،‬هو ضرورة‬
‫االبتعاد عن القراءة التجزيئية لها؛ ّ‬
‫ألن تكوين صورة واقع ّية أو قريبة من الواقع حول رؤية‬
‫اإلمام علي‪ ‬وموقفه من المرأة يحتّم علينا أن نعمل بادئ ذي بدء على تجميع كافة‬

‫= الله عليه وآله وسلم‪« :‬إنّي تارك فيكم الثقلين‪ :‬أحدهما أكبر من اآلخر كتاب الله حبل ممدود من‬
‫السماء إلى األرض‪ ،‬وعترتي أهل بيتي وإنّهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض»‪ ،‬مسند أحمد‪ ،‬ج‪3‬‬
‫ص‪ ،14‬والحظ كنز العمال‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪ ،172‬والحظ كتاب الكافي‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.415‬‬
‫(((   وسائل الشيعة‪ ،‬ج‪ 27‬ص‪ ،109‬الحديث ‪ 10‬الباب ‪ 9‬من أبواب صفات القاضي‪.‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪36‬‬
‫خص المرأة‪ ،‬ثم وبعد تنظيمها وتبويبها‪ ،‬يصار إلى توثيقها‬ ‫النصوص المروية عنه فيما ّ‬
‫وفحص أسانيدها‪ ،‬ثم يصار إلى إجراء موازنة بينها‪ ،‬بغية الخروج بتقييم عام لها‪ ،‬ومن َث َّم‬
‫استخالص النتائج المستفادة منها‪.‬‬
‫وال يكفي في هذا المجال الرجوع إلى النصوص المنطوقة أو المكتوبة من الكلمات‬
‫والخطب والوصايا المروية عنه‪ ،‬بل من الضروري أن نأخذ في الحسبان أيض ًا سيرته العمل ّية‬
‫وتعاطيه أو تعامله اليومي مع المرأة‪ .‬فحضور المرأة في حياة علي‪ ‬سواء كان ذلك داخل‬
‫إن هذا كله ال بدّ أن يشكّل‬ ‫بيته وأسرته أو خارج ذلك‪ ،‬ومشاركتها في مسيرته ومعاركه‪ّ ،‬‬
‫يصح بحال من‬ ‫ّ‬ ‫مستند ًا أساسي ًا في تكوين صورة متكاملة عن موقفه‪ ‬من النساء‪ ،‬وال‬
‫األحوال تكوين هذه الصورة بطريقة مجتزئة‪ ،‬وذلك باالستناد إلى بعض النصوص والروايات‬
‫أو بعض المواقف واألحداث مع إغفال البق ّية‪ ،‬فالنظرة التجزيئية ال تسمح بتكوين صورة‬
‫صحيحة وواقعية عن نظرة علي‪ ‬إلى المرأة‪ ،‬وموقفه منها‪ ،‬بل إنّها ستجعلنا أمام صورة‬
‫مشوهة وغير دقيقة‪.‬‬
‫ويجدر بنا تفعيل العمل بهذا المعيار‪ ،‬واألخذ به في التعاطي مع كل تراثنا الروائي‪،‬‬
‫وال سيما الذي يراد االستناد إليه في بناء المفاهيم والتصورات واألحكام‪ .‬وهذا يفرض علينا‬
‫بكل النصوص والخصوصيات المتصلة بالموضوع المبحوث عنه‪ ،‬وكل ما يضيء‬ ‫نلم ِّ‬
‫أن ّ‬
‫التصور وأخذ الفكرة باالستناد إلى ذلك‪.‬‬
‫ّ‬ ‫يتم بناء‬
‫ثم ّ‬‫على القضية من جميع جوانبها‪ ،‬ومن ّ‬
‫وهذا المعيار ليس خاص ًا بقراءة النص الديني‪ ،‬بل هو معيار عام يعتمده كافة العقالء‬
‫التعرف على آراء الحكماء واألدباء‪ ،‬وغيرهم من الشخصيات‬ ‫ّ‬ ‫ويسيرون على ضوئه في‬
‫إن العقالء وفي الموارد التي تصدر فيها عن أحد الشخصيات السياسية‬ ‫وذوي الرأي بينهم‪ّ .‬‬
‫أو األدبية أو الفلسفية كلمات عديدة ومواقف شتى‪ ،‬فهم يجمعون كل الكلمات ذات الصلة‪،‬‬
‫ويتحرون عن جميع المواقف واألفعال‪ ،‬ويدرسون الظروف التي صدرت فيها األقوال‪،‬‬ ‫ّ‬
‫والمالبسات المحيطة بتلك األفعال‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬يصار إلى تكوين صورة كاملة واستخالص‬
‫رأي نهائي عن موقف تلك الشخص ّية‪ .‬وال ينحصر أخذهم بهذا المعيار في التعرف على‬
‫آراء األفراد ومواقفهم‪ ،‬بل وكذا الجماعات واألمم والشعوب الغابرة‪ّ .‬‬
‫فإن المنهج المعتمد‬
‫فيتم تحشيد‬
‫في دراسة أحوالهم وأوضاعهم وعاداتهم ومعتقداتهم يعتمد المعيار المذكور‪ّ ،‬‬
‫القرائن والشواهد الكتب ّية أو الشفو ّية أو األثرية أو الطب ّية (علم التشريح) أو غيرها لتكوين‬
‫الصورة المطلوبة‪.‬‬
‫‪37‬‬ ‫المحور األول‪ :‬في المنهج‪ :‬ضوابط ومعايير‬
‫‪--6‬الن�ص الديني بين المرحل ّية والدائم ّية‬
‫والضابط المنهجي السادس الذي ال بدّ من مالحظته ووضعه في الحسبان عند دراسة‬
‫ال أو بعض ًا ‪ -‬بصدد الحديث‬‫النصوص المذكورة واستنطاقها‪ ،‬هو مالحظة ما إذا كانت ‪ -‬ك ً‬
‫يختص بزمان دون آخر‪ ،‬أو بيئة دون أخرى‪ ،‬ما يسمح‬ ‫ّ‬ ‫عن جنس المرأة وطبيعتها مما ال‬
‫في مثل ذلك بإصدار حكم عابر لألزمنة‪ ،‬وصادر ‪ -‬على حدّ تعبير األصوليين ‪ -‬على نهج‬
‫القض ّية الحقيقية‪ ،‬أو أنّها بصدد إعطاء حكم ظرفي وصادر على نهج القضية الخارجية؛‬
‫وبكالم آخر‪ :‬هل تلك النصوص ناظرة إلى جنس المرأة على نحو العموم والشمول‪ ،‬أو‬
‫إلى واقع المرأة في زمانه‪ ‬وما أحاط بها من ظروف جعلتها على هامش الحياة الثقاف ّية‬
‫واألدب ّية والسياس ّية والعلم ّية؟‬
‫عما ينبغي أن يكون؟‬ ‫وبكلمة ثالثة‪ :‬هل ّ‬
‫إن اإلمام‪ ‬يتحدث عما هو كائن أو ّ‬
‫إن حمل النصوص الدين ّية على المرحل ّية أو التاريخانية ‪-‬مع أنّه ليس غريب ًا عن‬ ‫ّ‬
‫يتحول إلى منحى مستساغ في الوسط‬ ‫ّ‬ ‫الفكر األصولي وله جذوره في كلمات الفقهاء‪ -‬لم‬
‫الحوزوي‪ ،‬بحيث ُيتل ّقى بالقبول‪ ،‬بل ال يزال اتجاه ًا خجوالً ويؤخذ به على استحياء‪ ،‬ألنّه‬
‫ينافي ما استقر في األذهان من أصالة ثبات الشريعة‪.‬‬
‫إن حمل كالم النبي(ص) أو اإلمام‪ ‬على النظر إلى واقع المرأة في زمانه‬ ‫قد تقول‪ّ :‬‬
‫أن ثمة فارق ًا جوهري ًا بين كلمات المعصوم‬ ‫يجعل كالمه ككالم غيره من الحكماء‪ ،‬مع ّ‬
‫وكلمات الحكماء‪ ،‬فالحكماء وإن كانوا قد يستشرفون المستقبل‪ ،‬لكنهم يق ّيمون األمور‬
‫بحسب اجتهاداتهم وتجاربهم ويتأثرون بمحيطهم وظروفهم التاريخية‪ ،‬ولذا فقد تأتي‬
‫اجتهاداتهم وتحليالتهم مصيبة وقد تكون خاطئة‪ ،‬بينما المعصومون مسددون وال يصدرون‬
‫ض للخطأ‪ ،‬فالمعصوم متصل بوحي السماء ولو بطريقة غير مباشرة‪،‬‬ ‫معر ٍ‬
‫عن تحليل واجتهاد َّ‬
‫كما أنّه ملهم ومسدد‪ ،‬وما يطرحه ليس آرا ًء شخصية أو اجتهادات استحسان ّية يمكن أن يتب ّين‬
‫خطؤها بمرور الزمان‪.‬‬
‫أن المعصوم‪ ‬ال يجتهد فيخطئ‪ّ ،‬إل‬ ‫ونقول في الجواب على ذلك‪ :‬إننا نعترف ون ّقر ّ‬
‫أن ذلك ال يلغي أن يكون في بعض األحيان بصدد تقييم الواقع الخارجي كما قلنا‪ ،‬فيكون‬ ‫ّ‬
‫حكمه وتقييمه صادر ًا على نهج القضية الخارجية ال الحقيقية‪ ،‬هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪38‬‬
‫فإن ثمة وجه ًا مقبوالً يرى إمكانية حمل كالم النبي(ص) أو اإلمام‪ ‬في بعض المجاالت‬
‫ّ‬
‫على الخبروية دون الوقوع بمحذور االلتزام بخطأ المعصوم‪.(((‬‬
‫وسوف يوافيك ‪ -‬فيما يأتي من محاور الكتاب ‪ -‬اشتمال النصوص المرو ّية عن اإلمام‬
‫محط نظره‪ ‬إلى واقع المرأة في ظروفها‬ ‫َّ‬ ‫علي‪ ‬على العديد من القرائن التي تشهد ّ‬
‫بأن‬
‫ووضعيتها التاريخية‪ ،‬وليس إلى بيان القاعدة المطردة والعابرة للزمان والمكان‪ ،‬وال بأس أن‬
‫نشير هنا إلى بعض هذه القرائن‪:‬‬
‫لهن‪ّ ،»..‬‬
‫فإن هذا التعبير‬ ‫ ) أ قوله‪ ‬في بعض النصوص اآلتية‪« :‬فإنّا وجدناهن ال ورع ّ‬
‫يشي أنّه‪ ‬كان يتحدث عن حصيلة تجربته مع النساء‪ .‬ومعلو ٌم ّ‬
‫أن التقييم المنطلق‬
‫يظل محكوم ًا بسقف الواقع االجتماعي وقدرته على تربية‬ ‫من الخبرة االجتماعية ُّ‬
‫المرأة والنهوض بوضعها‪ ،‬وهو ليس بالضرورة أن يعكس حال المرأة في كل عصر‬
‫ومصر‪ ،‬فض ً‬
‫ال عن أن يع ّبر ذلك عن طبيعة متأصلة في المرأة‪.‬‬
‫ ) بوفي خطبة الجهاد المعروفة نجده‪ ‬يؤنّب أصحابه مش ّبه ًا عقولهم بعقول النساء‪،‬‬
‫مستخدم ًا تعبير ًا ذا داللة فيقول‪« :‬يا أشباه الرجال وال رجال‪ ،‬حلوم األطفال‪ ،‬وعقول‬
‫ربات الحجال»(((‪ ،‬وربات الحجال ه ّن النساء‪ ،‬كما ال يخفى‪ ،‬والحجال جمع حجلة‪،‬‬
‫وهي بيت العروس‪ ،‬وهي ُق َّب ٌة تُز ّين بالستور والثياب للعروس‪ .‬ومن المعلوم ّ‬
‫أن عالقة‬
‫النساء بالحجال وارتباطهن بها‪ ،‬تتصل بالتنشئة والواقع االجتماعي الذي أحاط بهن‬
‫وجعل ذلك وكأنه مفروض عليه ّن‪ ،‬فه ّن لم ُي ْخ َل ْق َن ليك ّن ربات حجال فحسب‪ ،‬وإن‬
‫دور الشراكة مع‬
‫إن للمرأة َ‬ ‫كان ذلك بعض شؤونه ّن ولديهن ميل ونزوع إليه‪ .‬بل ّ‬
‫الرجل في خالفة الله على األرض بكل ما للخالفة من متطلبات‪ .‬وال يخفى ّ‬
‫أن المرأة‬
‫همها منحصر ًا بالزينة‪ ،‬فمن‬
‫التي تُر ّبى لتكون من ربات الحجال‪ ،‬وتُعدُّ وتُه ّيأ ليكون ُّ‬
‫يظل نظير عقل األطفال كما وصفها اإلمام‪.‬‬ ‫الطبيعي أن ال ينمى عقلها الثقافي‪ ،‬بل ُّ‬
‫أن المتأمل في كلماته‪ ‬سيظفر بالكثير من القرائن المشابهة والتي تشهد‬ ‫وال شك ّ‬
‫لما قلناه‪ .‬وسيأتي الحق ًا اإلشارة إلى هذه القرائن‪.‬‬

‫(((   بحثنا هذا األمر في دروسنا حول أبعاد الشخص ّية النبوية والمعصومة‪ ،‬ويمكن مراجعة ذلك أيض ًا في‬
‫كتابنا‪ :‬الشريعة تواكب الحياة‪ ،‬ص‪ 102‬وما بعدها‪.‬‬
‫(((   نهج البالغة‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪ ،70‬والكافي‪ ،‬ج ‪ 5‬ص ‪ ،6‬وانظر‪ :‬معاني األخبار‪ ،‬للصدوق ص‪ ،310‬والغارات‪،‬‬
‫للثقفي ج‪ 2‬ص ‪ ،477‬واإلرشاد‪ ،‬للمفيد ج ‪ 1‬ص ‪.279‬‬
‫‪39‬‬ ‫المحور األول‪ :‬في المنهج‪ :‬ضوابط ومعايير‬
‫‪ --7‬ت�أويل الن�ص وفق قواعد اللغة‬
‫والضابط السابع الذي يجدر بنا التذكير به‪ ،‬والتنبيه على أهم ّية رعايته في المقام‪ ،‬هو‬
‫ضرورة اعتماد الظاهر كمبدأ ال محيص عنه في عملية قراءة النصوص واستنطاقها؛ فإن كان‬
‫الظاهر مما يمكن األخذ به‪ ،‬وال يصادم حقيقة عقلية أو علم ّية فيتع ّين األخذ به وال موجب‬
‫ٍ‬
‫لر ّده أو تأويله‪ ،‬وإال فلو كان مضمونه مصادم ًا لحقيقة مما ذكر فال ّ‬
‫مفر من ر ّده‪ ،‬وال موجب‬
‫ال لألخذ به وال لتأويله‪.‬‬
‫ونحن نؤكد ‪ -‬هنا ‪ -‬على اعتماد هذا الضابط‪ ،‬وذلك في مقابل ما قد يقوله لنا البعض‬
‫ال ‪ -‬من أنّه ليس من المستحسن اإلقدام على ر ّد النصوص‬ ‫‪ -‬وربما أقدم على ممارسته فع ً‬
‫المرو ّية عن المعصومين‪ ،‬ومنها النصوص الواردة عن اإلمام علي‪ ‬في شأن المرأة‬
‫والتي قد يصعب التصديق بها واألخذ بظواهرها‪ .‬بل األولى واألجدى ‪ -‬بنظر هذا البعض ‪-‬‬
‫هو اللجوء إلى تأويلها وحملها على خالف الظاهر الذي تراءى لنا‪.‬‬
‫الخ َب ِر َّية(((‪ ،‬لعدة أسباب‪:‬‬
‫ولكننا نتح ّفظ على هذا المنهج في التعامل مع النصوص َ‬
‫إن في التأويل خروج ًا عن قواعد قراءة النص‪ ،‬والتي تعتمد الظهور أساس ًا في‬ ‫أوالً‪ّ :‬‬
‫عمل ّية التفهيم والتفاهم؛ وهو ‪ -‬أقصد التأويل ‪ -‬يم ِّثل في واقع األمر نوع ًا من أنواع الر ِّد‬
‫بلي عنقه‬ ‫للنص‪ ،‬إذ ال فرق بين ر ّد النص ورفضه من أصله‪ ،‬أو ر ّد المعنى المتبادر منه‪ ،‬وذلك ّ‬
‫وصرفه عن ظاهره‪.‬‬
‫إن اإلفراط في التأويل وال سيما في نصوص اإلمام علي‪ ‬المعروفة بسحرها‬ ‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫الس َم ُة التي نعهدها ونلمسها ونتذوقها في‬
‫البياني الخاص قد يفقدها قيمتها البالغية‪ ،‬وهي ِّ‬
‫ويتحمله‬
‫ّ‬ ‫معظم خطبه وكلماته ورسائله ووصاياه‪ ،‬ولهذا فأي «تأويل» يراعي قواعد اللغة‬
‫ال مرفوض ًا‪.‬‬
‫وإل كان تأوي ً‬‫وعاؤها ويحافظ على بالغة الكالم فهو مقبول‪ّ ،‬‬
‫إن التغاضي والتسامح مع التأويل الذي ال تحتمله قواعد اللغة حتى لو كان‬ ‫ثالث ًا‪ّ :‬‬
‫الدافع إليه حسن ًا قد ّ‬
‫جرا إلى ما ال تحمد عقباه‪ ،‬من العبث في النصوص الدين ّية والتالعب في‬
‫موجب لر ّد شيء من األخبار حتى لو‬
‫ٌ‬ ‫تفسيرها والتك ّلف في تأويلها‪ ،‬األمر الذي ال يبقى معه‬

‫(((   أ ّما النصوص القرآنية فإن كان ظاهرها مصادم ًا مع حقيقة علمية أو عقلية‪ ،‬فال ّ‬
‫مفر من التزام التأويل‬
‫فيها‪ ،‬للقطع بصدورها فال مجال لر ّدها‪ ،‬والواقع أنّه ال وجود لنصوص قرآنية مصادمة لحقائق العلم‬
‫وقطعيات حكم العقل‪.‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪40‬‬
‫ثمة مبرر أو موجب للتأويل‬ ‫كانت كاذبة ‪ ،‬ناهيك عن غيرها من األخبار التي قد ال يكون ّ‬
‫(((‬

‫فيها‪ .‬وهذا األمر فتح الباب على مصراعيه أمام تسلل ذوي النزعات المغالية‪ ،‬واألغراض‬
‫الخاصة للدخول في اإلسالم متسترين ببعض العناوين والقشور البالية التي سمح لهم بها‬
‫مبدأ التأويل غير المنضبط بأية ضوابط‪ ،‬وهكذا اتخذت الباطن ّية من التأويل سالح ًا ناعم ًا‬
‫لهدم اإلسالم‪ ،‬والتم ّلص من شرائعه وعزائمه‪.‬‬
‫هذا لو أريد من التأويل معناه المصطلح وهو حمل اللفظ على خالف ظاهره‬
‫والمنساق منه عرف ًا‪ ،‬وأ ّما لو أريد من التأويل معنى االجتهاد في فهم النص ومحاولة‬
‫قراءته بطريقة جديدة مغايرة للسائد‪ ،‬مع عدم الخروج عن ضوابط قراءة النص التي‬
‫ألن فهم المتقدمين ليس حجة علينا‪ ،‬وال‬‫يحتملها وعاء اللغة‪ ،‬فال محذور في األمر؛ ّ‬
‫َّ‬
‫ولعل ما تقدّ مت اإلشارة إليه‬ ‫يلزمنا الجمود أو التق ّيد بما قدّ موه من قراءات للنص‪،‬‬
‫أن النصوص الواردة حول المرأة ربما كانت صادرة على نهج القض ّية الخارج ّية‬ ‫من ّ‬
‫وليس على نهج القض ّية الحقيق ّية هو إحدى القراءات التأويلية المستجدة((( والتي ال‬
‫ضير فيها‪.‬‬
‫وبكلمة أخرى‪ :‬إنّنا ال نقصد باعتماد مبدأ األخذ بالظاهر الدعوة إلى التعامل مع‬
‫النصوص على أساس حرفي‪ ،‬والجمود على ظاهر األلفاظ دون العمل على استجالء‬
‫والتعرف على دالالته المتنوعة التي يحتملها الوعاء‬
‫ّ‬ ‫مضامين النص والنفوذ إلى أعماقه‪،‬‬
‫اللغوي وال تصادم المبدأ المذكور‪ .‬وهكذا‪ ،‬فال نقصد من المبدأ المذكور الجمود على‬
‫فإن السلف قدموا قراءتهم وفهمهم الخاص بحسب اجتهاداتهم‪ ،‬وهذا ال‬ ‫فهم السلف‪ّ ،‬‬
‫يشكّل حجة على األجيال الالحقة‪ .‬وإنّما نقصد بذلك استنطاق النص طبق ًا ألساليب‬
‫القراءة التي يحتملها وعاء اللغة بمرونته‪ ،‬بما يجعل النص مرآة لصاحبه وليس لقارئه‪،‬‬
‫أن القراءة من المفترض أن توصلنا إلى أفكار صاحب النص وليس إلى رؤية ذاتنا‬ ‫بمعنى ّ‬
‫وأفكارنا التي نقحمها على النص‪.‬‬

‫(((   وقد عرف عن فقيه العراق في زمانه محمد بن شجاع الثلجي أنه اعتمد التأويل حتى في األخبار‬
‫الصريحة في الجبر والتشبيه إلى حدّ التعسف والخروج عن حدود االستعمال‪ ،‬وقد اعترض الشيخ‬
‫الطوسي على هذا المنهج بأنّه «لو ساغ ذلك لم يكن لنا طريق نقطع على كذب ٍ‬
‫أحد وذلك باطل»‪،‬‬
‫انظر‪ :‬عدة األصول‪ ،‬ج‪ 1‬ص ‪.94‬‬
‫(((   المستجد في هذه القراءة هو تفعيل األخذ بها‪ ،‬أ ّما القراءة ذاتها فلها جذور ممتدة في الفكر الديني‪.‬‬
‫‪41‬‬ ‫المحور األول‪ :‬في المنهج‪ :‬ضوابط ومعايير‬
‫تطور اللغة وحرك ّية استعماالتها‬
‫وفي هذا السياق اللغوي‪ ،‬علينا أن نأخذ في الحسبان ّ‬
‫فرب مصطلح أو تعبير كان في الزمن الغابر ُيستخدم بشكل اعتيادي دون أن‬ ‫واصطالحاتها‪ّ .‬‬
‫يثير حساسية أو يختزن معنًى سلبي ًا‪ ،‬لك ّن ّ‬
‫تطور حركة االجتماع البشري وتأثيرها البالغ على‬
‫اللغة تجعل هذا اللفظ مهجور ًا‪ ،‬ويختزن إيحاءات ذات داللة سلب ّية‪ .‬وهذا ما جرى ‪ -‬فيما‬
‫مما ورد في بعض األحاديث اآلتية‪ ،‬وهو حديث‪« :‬النساء‬ ‫نرجح ‪ -‬مع مصطلح العورة مثالً‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫فإن لفظ العورة لم يكن ‪ -‬على األرجح ‪ -‬ليختزن معنًى سلبي ًا كالذي يتبادر إلى‬ ‫عورة»‪ّ .‬‬
‫يدل أو يوحي بنقطة ضعف معينة يمكن لآلخرين أن ينفذوا‬ ‫الذهن العام اليوم‪ ،‬وإنّما كان ُّ‬
‫أو يتسللوا منها وينالوا مرادهم‪ ،‬كما جاء ذلك في وصف البيوت مما نقله القرآن الكريم عن‬
‫لسان بعض المتخاذلين عن نصرة النبي(ص) في معركة األحزاب‪ ،‬حيث قالوا‪ :‬ﵛﭐﲫ ﲬ‬
‫فإن مقصود هؤالء من كون بيوتهم عورة أنّها مكشوفة للعدو فيمكنه استغاللها‪.‬‬ ‫ﲭﵚ(((‪ّ .‬‬
‫وسيأتي توضيح هذا األمر في محور الحق‪.‬‬
‫واألمر عينه جرى مع مصطلحات وتعبيرات أخرى‪ ،‬ومنها قولهم‪« :‬فالنة كانت تحت‬
‫فالن» في إشارة كنائ ّية إلى أنّها زوجته‪ ،‬وهو ما ورد في الذكر الحكيم في قوله تعالى في شأن‬
‫امرأتي نوح ولوط‪ :‬ﭐﵛﭐﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎﵚ(((‪ .‬فقد يتوهم البعض ّ‬
‫أن‬
‫التعبير بالتحت ّية مسيء للمرأة‪ ،‬مع ّ‬
‫أن األمر ليس كذلك‪ ،‬كما سنب ّين في المحور الثاني‪ ،‬فقرة‬
‫«المرأة في القرآن»‪.‬‬

‫‪--8‬قبح الذم على ما لي�س باالختيار‬


‫ومن األمور التي يجدر بنا لفت النظر إليها‪ ،‬كونها تشكّل ضابط ًا معياري ًا في محاكمة‬
‫النصوص‪ :‬عدم تعقل صدور الذم من الله تعالى أو من النبي(ص) أو من اإلمام‪‬‬
‫على ما ليس باالختيار‪ ،‬فالنص الذي يتضمن ذم ًا لإلنسان ‪ -‬ذكر ًا أو أنثى ‪ -‬على ٍ‬
‫أمر ال‬
‫نص ال يمكن لنا األخذ به وال تق ّبل صدوره عن الله‬‫يخضع الختياره وليس من صنعه‪ ،‬هو ٌّ‬
‫خارج‬
‫ٌ‬ ‫تعالى أو عن مصدر متصل بالوحي بطريقة أو بأخرى؛ ّ‬
‫ألن ذ ّم اإلنسان على ما هو‬
‫ال ونقالً‪ ،‬تمام ًا كما هو الحال في تكليف اإلنسان بغير‬ ‫عن إرادته واختياره أمر قبيح عق ً‬
‫المقدور وما هو فوق طاقته‪.‬‬

‫(((   سورة األحزاب‪ ،‬اآلية ‪.13‬‬


‫(((  سورة التحريم‪ ،‬اآلية ‪.10‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪42‬‬
‫أن بعض النصوص المنسوبة إلى اإلمام علي‪ ‬تطعن‬ ‫وعلى ضوء هذا‪ ،‬فعندما نجد ّ‬
‫مفر‬
‫في المرأة بنقص دينها وإيمانها‪ ،‬وتعلل ذلك بتركها للعبادة أثناء عادتها الشهرية‪ ،‬فال ّ‬
‫من أن نرسم عالمة استفهام كبيرة إزاء هذا النص‪ ،‬لتضمنه أمر ًا ال يمكن فهمه وال تصديق‬
‫صدوره عن علي‪ ‬باب مدينة علم النبي(ص)‪ ،‬وذلك ّ‬
‫ألن الحيض بالنسبة إلى المرأة ليس‬
‫أمر ًا اختياري ًا لها وال من صنعها‪ ،‬وإنما هو أمر تكويني يتصل بأصل خلقتها وتكوينها‪ ،‬فكيف‬
‫تُالم عليه وتُذ ّم بسببه؟!‬
‫والعي‬
‫ُّ‬ ‫عي»‪،‬‬
‫النص المروي عن النبي(ص) وهو قوله‪« :‬النساء ٌّ‬‫الذ ُم من ّ‬ ‫وهكذا لو ُفهم َّ‬
‫العي في المرأة ‪ -‬لو صح أنّها كذلك ‪ -‬ليس‬
‫إن ّ‬ ‫فإن لقائل أن يقول‪ّ :‬‬
‫بمعنى العجز عن البيان‪ّ ،‬‬
‫أمر ًا اختياري ًا لها لتالم أو تذ ّم عليه(((‪.‬‬
‫ومن الطبيعي‪ ،‬أنّه قد يأتي في ذهن البعض أو يرد على خاطره بعض الردود على ما‬
‫أن اإلمام‪ ‬ليس بصدد الذم واإلدانة في تلك النصوص ونظائرها‪ ،‬وإنّما هو‬ ‫قلناه من قبيل‪ّ :‬‬
‫بصدد توصيف الواقع‪ ،‬ولكن هذا الر ّد وغيره سيأتي تقييمه الحق ًا إن شاء الله تعالى‪.‬‬
‫ومن النصوص التي يمكن ذكرها في هذا المجال‪ :‬ما روي عن رسول الله(ص)‪:‬‬
‫«لحصير في ناحية البيت خير من امرأة ال تلد»(((‪ّ ،‬‬
‫فإن عقم المرأة في األعم األغلب وال س ّيما‬ ‫ٌ‬
‫زمن صدور هذا الكالم هو أمر غير اختياري لها‪ ،‬فلماذا هذا التحقير لها؟! وكيف نفهم جعل‬
‫الحصير أكثر نفع ًا وفائدة منها! مع ّ‬
‫أن العاقر التي ال تلد إذا أحسن المجتمع تربيتها وتأهيلها‬
‫ولم ينظر إليها باحتقار‪ ،‬فإنّها ستكون امرأة نافعة ومفيدة‪ ،‬ولن تعقم عن العطاء الفكري وعن‬
‫القيام بالعديد من المهام الرسالية واالجتماعية‪.‬‬
‫ونظير ذلك ما لو صدر ذ ٌم إلنسان بسبب لون بشرته أو بسبب عرقه(((‪ ،‬أو لوجود نقص‬
‫ٍ‬
‫ضعف عقلي لديه‪ ،‬فكل ذلك مما ال يمكن تق ّبل صدور‬ ‫عضوي أو مرض وراثي فيه أو بسبب‬
‫الذم فيه عن الشارع الحكيم والناطقين باسم الدين‪.‬‬

‫(((   بحثنا هذه الرواية في موردين‪ :‬األول‪ :‬كتاب إليك يا ابنتي‪ ،‬ص ‪ ،37‬والثاني‪ :‬في مبحث الستر من دروس‬
‫ال في محور الحق من محاور هذا الكتاب‪.‬‬ ‫بحثنا الفقهي‪ ،‬والرواية صحيحة‪ ،‬وسيأتي بحثها مفص ً‬
‫(((   نسبه إلى رسول الله(ص) الغزالي في إحياء علوم الدين‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪ ،105‬ورواه ابن الجوزي في‬
‫الموضوعات‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.267‬‬
‫ّ‬
‫(((   ولهذا السبب فقد ناقش بعض الفقهاء في الروايات الذامة لألكراد أو الخوز أو غيرهم‪ ،‬انظر حول هذه‬
‫األخبار‪ :‬الكافي‪ ،‬ج‪ 5‬ص‪ ،158‬وعلل الشرائع‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.527‬‬
‫‪43‬‬ ‫المحور األول‪ :‬في المنهج‪ :‬ضوابط ومعايير‬
‫‪--9‬المعطيات الواقع ّية ودورها في قراءة الن�صو�ص‬
‫وثمة ضابط آخر ال بدّ من مراعاته وأخذه بعين االعتبار ليس فيما نحن فيه فحسب‪ ،‬بل‬
‫وفي دراسة سائر النصوص الدينية ذات الصلة بالجانب التكويني أيض ًا‪ ،‬وهو ضرورة عرضها‬
‫على الحقائق العلم ّية والمعطيات الواقعية اليقينية‪ّ .‬‬
‫فإن ما جاء في القرآن الكريم أو جاءت به‬
‫الرسل‪ ،‬ومنهم النبي األكرم(ص)‪ ،‬وكذا ما يصدر عن األئمة ‪- ‬باعتقاد الشيعة اإلمامية‪-‬‬
‫ال يمكن أن يكون معارض ًا للحقائق العلم ّية والوقائع الحس ّية والوجدانية‪ .‬والوجه في ذلك‬
‫واضح وجلي‪ ،‬فالوحي هو كالم الله تعالى‪ ،‬والكون بسننه وقوانينه هو خلق الله تعالى‪ ،‬فال‬
‫ُيعقل حصول التنافي بين قوله وفعله‪ ،‬أو بين وحيه التكويني ووحيه التدويني‪ .‬األمر الذي‬
‫يفرض في صورة حصول ما ظاهره المنافاة‪ ،‬إ ّما تأويل النص الديني إذا كان قطعي الصدور‪،‬‬
‫كالقرآن الكريم‪ ،‬وإ ّما ر ّده إذا كان ظني الصدور كاألخبار‪ ،‬وإذا ساعدت القرائن فيمكن حمله‬
‫على بعض المحامل‪ ،‬ومنها كونه صادر ًا على نهج القضية الخارجية‪.‬‬
‫وعندما نتحدّ ث عن مرجعية الحقائق العلم ّية في محاكمة النصوص‪ ،‬فال بدّ أن نؤكّد‬
‫التسرع في إطالق األحكام بمخالفة األحاديث‬ ‫ّ‬ ‫التروي في هذا المجال‪ ،‬وعدم‬
‫على ضرورة ّ‬
‫أن المعطى العلمي ال يعدو أن يكون مجرد رأي علمي لم يرق إلى درجة‬ ‫للحقائق العلمية‪ ،‬مع ّ‬
‫الحقيقة‪ .‬والذي يفرض علينا التروي في هذا المجال هو حرك ّية العلم وتطور االكتشافات‬
‫العلم ّية التي نعهدها باستمرار‪ ،‬حيث تفاجئنا األخبار العلم ّية كل يوم بما هو جديد‪.‬‬
‫وباإلضافة إلى الحقائق العلم ّية‪ ،‬فقد يكون من الضروري أن يؤخذ بنظر االعتبار‬
‫الواقع وتجاربه المثمرة ومعطياته الموثوقة‪ ،‬فهذا الواقع حتى لو لم يشكّل ضابط ًا يصلح لر ّد‬
‫النصوص‪ ،‬فإنّه ‪ -‬على األقل ‪ -‬يعدُّ مؤشر ًا يساعد على فهمها وتحديد أبعادها‪.‬‬
‫أن عقل المرأة أنقص من عقل الرجل‪ ،‬وثبت‬ ‫على سبيل المثال‪ :‬إذا جاء في النص الديني ّ‬
‫أن المرأة ‪ -‬على مستوى الظاهرة‬ ‫لدينا من خالل التجارب الواقعية والمعطيات الملموسة ّ‬
‫العامة وليس األفراد ‪ -‬فيما لو أتيحت لها فرصة التع ّلم والدراسة وتنمية قدراتها العقل ّية فإنّها‬
‫تقل عن الرجال في التفكير أو التحليل‪ ،‬بل ربما فاقت الرجل في بعض األحيان‪ ،‬فهذا‬ ‫لن ّ‬
‫سيكون مدعاة للتوقف إزاء النص المذكور‪ ،‬واالبتعاد عن التعامل معه على أساس أنّه بصدد‬
‫عندئذ أن يصار إلى حمله ‪ -‬لو صح‬ ‫ٍ‬ ‫بيان القاعدة العامة العابرة للزمان والمكان‪ ،‬بل يتع ّين‬
‫‪ -‬على النظر إلى خصوص المرحلة التاريخية التي صدر فيها‪ ،‬وهي مرحلة ُعرف عنها أنّها‬
‫أبعدت المرأة عن أي نشاط عقلي أو فكري‪ ،‬ما جعل عقل الرجل متقدم ًا على عقلها‪.‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪44‬‬
‫أن «الوفاء من المرأة محال»(((‪ّ ،‬‬
‫فإن أقل ما يقال‬ ‫مثال آخر‪ :‬عندما يرد في بعض األخبار ّ‬
‫فإن المعطيات الملموسة لمعظم الناس‬ ‫بشأن هذه الرواية إنّها مخالفة للواقع والوجدان‪ّ ،‬‬
‫تُبرهن وتُدلل بشكل ال لبس فيه على ّ‬
‫أن النساء الوف ّيات في حياتهن الزوجية أو في حياتهن‬
‫وأن المرأة ال تختلف عن الرجل في مسألة‬‫االجتماعية أو المهن ّية هن أكثر من أن يحصين‪ّ ،‬‬
‫الوفاء أو الخيانة‪ ،‬ولنا عودة تفصيلية إلى نقد هذا الحديث‪.‬‬
‫هذه أهم المعايير والضوابط المنهج ّية التي أردنا التنبيه عليها والتذكير بها‪ ،‬في مستهل‬
‫دراستنا هذه التي نرمي من خاللها إلى وضع التراث المروي عن اإلمام علي‪ ‬في شأن‬
‫ثم محاكمته على ضوئها‪.‬‬ ‫المرأة على طاولة النقد العلمي‪ ،‬ومن ّ‬

‫(((   عيون الحكم والمواعظ‪ ،‬ص‪.244‬‬


‫المحور الثاني‬

‫المر�أة بين مدر�سة الإ�سالم والمدار�س الأخرى‬

‫‪--1‬المر�أة في القر�آن الكريم‪.‬‬


‫‪--2‬المر�أة في حياة الر�سول(�ص) و�أحاديثه‪.‬‬
‫‪--3‬بين الجاهلية والإ�سالم‪.‬‬
‫‪--4‬المر�أة في الح�ضارات والأديان القديمة ولدى الفال�سفة وال�شعراء‪.‬‬
‫المر�أة بين مدر�سة الإ�سالم والمدار�س الأخرى‬
‫ال يسعنا ونحن نتك ّلم عن المرأة من منظار اإلمام علي‪ ‬إال أن نبدأ الحديث‬
‫ونسته ّله ‪ -‬بعد فراغنا من ذكر المعايير المعتمدة في قراءة النص ‪ -‬ببيان موقع المرأة‬
‫ومكانتها في مدرسة اإلسالم‪ ،‬وتحديد ًا من خالل ما جاء في الكتاب الكريم‪ ،‬وصحيح‬
‫السنّة النبوية‪ ،‬وذلك ألنّه ليس بمقدورنا أن نفكّك بين موقف اإلمام علي‪ ‬من المرأة‬ ‫ُّ‬
‫والموقف اإلسالمي العام؛ إذ اإلمام‪ ‬ال يمكن أن يتبنى موقف ًا من المرأة مغاير ًا للموقف‬
‫اإلسالمي الوارد في كتاب الله وسنّة رسول الله(ص)‪ .‬فعلي‪ ‬ناطق باسم اإلسالم‪ ،‬وهو‬
‫يم ّثل مرجع ّية((( دينية أصيلة يتع ّين الرجوع إليها في بناء التصورات اإلسالمية كافة وفي‬
‫معرفة األحكام الشرعية‪.‬‬
‫نتعرف على موقف علي‪ ‬من المرأة أن‬ ‫ولهذا يكون لزام ًا علينا إذا أردنا أن ّ‬
‫نتعرف على موقف القرآن الكريم منها‪ ،‬فعلي‪ ‬ربيب القرآن وال يمكن أن يكون‬ ‫ّ‬
‫لديه رأي مغاير لما جاء في كتاب الله‪ ،‬وهو القائل بحسب ما روي عنه‪« :‬وإِ َّن‬
‫ح ْبتُه»(((‪ ،‬ونراه يستنطق األمة فيقول بحسب الرواية‬ ‫ا ْلكِتَاب َلم ِعي ما َفار ْقتُه م ْذ ص ِ‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬
‫ت فيك ُْم‬ ‫ِ‬
‫وأت ُْر ْك فيك ُُم ال َّث َق َل األَ ْصغ ََر‪َ ،‬قدْ َركَزْ ُ‬ ‫ِ‬
‫«أ َل ْم َأ ْع َم ْل فيك ُْم بِال َّث َق ِل األَ ْك َب ِر‪َ ،‬‬‫عنه‪َ :‬‬
‫وأ ْل َب ْس ُتك ُُم ا ْل َعافِ َي َة ِم ْن َعدْ لِي‪،‬‬ ‫ان‪ ،‬وو َق ْف ُتكُم ع َلى حدُ ِ‬
‫ود ا ْل َح َل ِل وا ْل َح َرامِ‪َ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫يم ِ َ‬ ‫إل َ‬‫َرا َي َة ا ِ‬
‫وف ِم ْن َق ْولِي وفِ ْعلِي»(((‪ .‬وكم كان علي‪ ‬ينادي في األمة رافع ًا‬ ‫و َف َر ْش ُتك ُُم ا ْل َم ْع ُر َ‬
‫الصوت عالي ًا في كل المنعطفات والملمات‪ ،‬داعي ًا إلى األخذ بالقرآن الكريم‪ ،‬وحا ّث ًا‬
‫َّاس‬ ‫على التمسك بآياته المحكمات‪ ،‬يقول‪ ‬فيما روي عنه‪َ « :‬فالله ال َّله َأ ُّي َها الن ُ‬
‫ظكُم ِمن كِتَابِه‪ ،‬واستَودعكُم ِمن ح ُق ِ‬
‫وقه‪َ ،‬فإِ َّن ال َّله ُس ْب َحانَه َل ْم َي ْخ ُل ْقك ُْم‬ ‫ِ‬
‫ْ ْ َ َ ْ ْ ُ‬ ‫است َْح َف َ ْ ْ‬ ‫يما ْ‬ ‫ف َ‬

‫(((   والمرجعية الدينية لإلمام علي‪ ‬ثابتة من خالل األدلة والبراهين المختلفة وعلى رأسها النصوص‬
‫والسنة‪ ،‬وقد أشبع علماء الكالم هذه القضية بحث ًا وتحقيق ًا‪ ،‬وال نجافي الحقيقة في‬
‫الواردة في القرآن ّ‬
‫محل إجماع المدارس اإلسالمية كافة‪.‬‬ ‫إن هذه المرجعية في مستوى معين هي ّ‬ ‫القول‪ّ :‬‬
‫(((   نهج البالغة‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.236‬‬
‫(((   المصدر نفسه‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.155‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪48‬‬
‫ول َع ًمى َقدْ َس َّمى آ َث َارك ُْم‪ ،‬و َعلِ َم َأ ْع َما َلك ُْم‬ ‫َع َبث ًا و َل ْم َيت ُْر ْكك ُْم ُسدً ى‪ ،‬و َل ْم َيدَ ْعك ُْم فِي َج َها َل ٍة َ‬
‫ِ‬ ‫آجا َلك ُْم‪َ ،‬‬
‫َاب ﭐﵛﱢ ﱣ ﱤﵚ(((»(((‪.‬‬ ‫وأ ْنز ََل َع َل ْيك ُُم ا ْلكت َ‬ ‫َب َ‬ ‫و َكت َ‬
‫ت‬ ‫َاب ال َّل ِه َب ْي َن َأ ْظ ُه ِرك ُْم نَاطِ ٌق َل َي ْع َيا لِ َسا ُن ُه‪َ ،‬و َب ْي ٌ‬ ‫ِ‬
‫ويقول في كالم آخر ُيروى عنه‪« :‬وكت ُ‬
‫ون بِ ِه‪َ ،‬و َينْطِ ُق‬ ‫ون بِ ِه َوت َْس َم ُع َ‬‫ون بِ ِه‪َ ،‬و َتنْطِ ُق َ‬ ‫َاب ال َّل ِه ُت ْب ِص ُر َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َل ت ُْهدَ ُم َأ ْركَا ُن ُه‪َ ،‬وع ٌّز َل ت ُْه َز ُم َأ ْع َوا ُن ُه‪ .‬كت ُ‬
‫احبِ ِه َع ِن ال َّل ِه»(((‪.‬‬ ‫ف بِص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف في ال َّله‪َ ،‬و َل ُيخَ ال ُ َ‬
‫ض‪ ،‬و َل يخْ تَلِ ُ ِ‬
‫ض‪َ ،‬و َي ْش َهدُ َب ْع ُض ُه َع َلى َب ْع ٍ َ َ‬ ‫َب ْع ُض ُه بِ َب ْع ٍ‬
‫وهكذا ال يمكن لعلي‪ ‬أن يخالف سنة النبي(ص) طرفة عين أبد ًا أو أن يغفل عنها‪،‬‬
‫ال بها‪ ،‬كيف وهو أقرب الناس إلى رسول الله(ص) وأشدّ هم علقة به‪ ،‬وأكثرهم‬ ‫أو يكون جاه ً‬
‫مالزمة له‪ .‬وهذا أمر يعرفه القاصي والداني‪ ،‬ويعترف به القريب والبعيد‪ ،‬واسمع إليه وهو‬
‫يحدّ ثنا عن العالقة التي كانت تربطه بالرسول محمد(ص) حيث يقول بحسب ما روي‬
‫يص ِة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول ال َّله(ص)‪ ،‬بِا ْل َق َرا َبة ا ْل َق ِري َبة وا ْل َمن ِْز َلة ا ْلخَ ص َ‬ ‫عنه‪« :‬و َقدْ َعلِمتُم م ْو ِض ِعي ِم ْن رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫ْ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وأنَا َو َلدٌ َي ُض ُّمني إِ َلى َصدْ ِره‪ ،‬و َي ْكنُ ُفني في ف َراشه و ُيم ُّسني َج َسدَ ه‪ ،‬و ُيش ُّمني‬ ‫ِ‬ ‫َو َض َعنِي فِي ِح ْج ِره َ‬
‫ول َخ ْط َل ًة فِي فِ ْع ٍل‪ ،‬و َل َقدْ‬ ‫وما َو َجدَ لِي ك َْذ َب ًة فِي َق ْو ٍل َ‬ ‫ِ ِ‬
‫الش ْي َء ُث َّم ُي ْلق ُمنيه‪َ ،‬‬ ‫َان َي ْم َضغُ َّ‬ ‫َع ْر َفه‪ ،‬وك َ‬
‫َارمِ‪،‬‬ ‫ك بِه َط ِر َيق ا ْل َمك ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َان َفطيم ًا َأ ْع َظ َم َم َلك م ْن َم َلئكَته‪َ ،‬ي ْس ُل ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َق َر َن ال َّله بِه(ص)‪ ،‬م ْن َلدُ ْن َأ ْن ك َ‬
‫يل َأ َث َر ُأ ِّمه‪َ ،‬ي ْر َف ُع لِي فِي ك ُِّل‬ ‫اع ا ْل َف ِص ِ‬‫ْت َأ َّتبِ ُعه ا ِّت َب َ‬
‫ومح ِ‬
‫اس َن َأ ْخ َل ِق ا ْل َعا َل ِم َل ْي َله ون ََه َاره‪ ،‬و َل َقدْ ُكن ُ‬ ‫َ َ‬
‫ح َر َاء‪َ ،‬ف َأ َراه َ‬ ‫اور فِي ك ُِّل سن ٍَة بِ ِ‬ ‫يو ٍم ِمن َأ ْخ َل ِقه ع َلم ًا‪ ،‬وي ْأمرنِي بِ ِال ْقتِدَ ِ‬
‫ول‬ ‫َ‬ ‫َان ُي َج ِ ُ‬ ‫اء بِه‪ ،‬و َل َقدْ ك َ‬ ‫َ ُُ‬ ‫َ‬ ‫َْ ْ‬
‫يج َة وأنَاَ‬ ‫وخدِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ت َواحدٌ َي ْو َمئذ في ا ِ‬ ‫ِ‬ ‫َي َراه َغ ْي ِري‪ ،‬و َل ْم َي ْج َم ْع َب ْي ٌ‬
‫إل ْس َلمِ‪َ ،‬غ ْي َر َر ُسول ال َّله(ص) َ َ‬
‫الشي َط ِ ِ‬ ‫يح النُّ ُب َّو ِة‪ ،‬و َل َقدْ َس ِم ْع ُ‬ ‫والر َسا َل ِة َ‬ ‫ِ‬
‫ين َنز ََل‬ ‫ان ح َ‬ ‫ت َر َّن َة َّ ْ‬ ‫وأ ُش ُّم ِر َ‬ ‫ُور ا ْل َو ْح ِي ِّ‬ ‫َثال ُث ُه َما‪َ ،‬أ َرى ن َ‬
‫ان َقدْ َأيِ َس ِم ْن ِع َبا َدتِه‪،‬‬ ‫الش ْي َط ُ‬
‫الر َّن ُة؟ َف َق َال‪َ :‬ه َذا َّ‬ ‫ِ‬
‫ول ال َّله َما َهذه َّ‬ ‫ت‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫ا ْل َو ْح ُي َع َل ْيه(ص)‪َ ،‬ف ُق ْل ُ‬
‫َّك َل َع َلى َخ ْي ٍر»(((‪.‬‬ ‫َّك َل َو ِز ٌير‪ ،‬وإِن َ‬ ‫ت بِنَبِ ٍّي و َلكِن َ‬ ‫َّك َل ْس َ‬‫َّك ت َْس َم ُع َما َأ ْس َم ُع وت ََرى َما َأ َرى‪ ،‬إِ َّل َأن َ‬ ‫إِن َ‬
‫ولهذا فقد كانت سنّة رسول الله(ص) هي الوصية التي أراد اإلمام‪ ‬لألمة أن تتمسك بها‬
‫من بعده‪ ،‬فقد روي عنه‪« :‬أما وصيتي‪ :‬فالله ال تشركوا به شيئ ًا‪ .‬ومحمد صلى الله عليه وآله‬
‫فال تض ّيعوا سنته‪ ،‬أقيموا هذين العمودين‪ ،‬وأوقدوا هذين المصباحين‪ ،‬وخالكم ذم»(((‪.‬‬

‫ سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪.89‬‬ ‫(((‬


‫  نهج البالغة‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.149‬‬ ‫(((‬
‫  المصدر نفسه‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.16‬‬ ‫(((‬
‫  المصدر نفسه‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.157‬‬ ‫(((‬
‫  المصدر نفسه‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.33‬‬ ‫(((‬
‫‪49‬‬ ‫المحور الثاني‪ :‬المرأة بين مدرسة اإلسالم والمدارس األخرى‬
‫وانطالق ًا مما تقدّ م‪ ،‬واستناد ًا إلى هذه العالقة الوطيدة التي جمعت علي ًا‪ ‬بالقرآن‬
‫الكريم وبرسول الله(ص) والتي جعلته ال يفترق عنهما طرفة عين أبد ًا‪ ،‬يتع ّين علينا عرض‬
‫السنة وثوابتها‪ .‬وهذا األمر هو‬‫تراثه‪ ‬المتصل بالمرأة على محكمات الكتاب وصحاح ُّ‬
‫وسنّة نبيه المصطفى‪.‬‬
‫الذي فرض علينا أن نقدّ م صورة مختصرة عن مكانة المرأة في كتاب الله ُ‬
‫تم ُ‬
‫نقل‬ ‫وإجمال الكالم في ذلك‪ ،‬أنّه ومع بعثة النبي(ص) ونزول القرآن الكريم قد ّ‬
‫تم نقلها من سجن الجاهل ّية الجهالء حيث امتهانها وسحق كرامتها‬ ‫المرأة من حال إلى حال‪ّ ،‬‬
‫وهدر طاقتها‪ ،‬إلى فضاء اإلسالم الواسع حيث االعتراف بإنسانيتها وكرامتها وحقوقها‪،‬‬
‫حق الكرامة اإلنسان ّية مع ما‬
‫فالمرأة قد غدت ‪ -‬في منطق اإلسالم ‪ -‬صنو الرجل في نيلها ّ‬
‫ويتفرع عليه من لوازم تشريع ّية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫يستتبع هذا الحق‬
‫إن ما أحدثه اإلسالم على صعيد المرأة م ّثل انقالب ًا على قيم الجاهلية ومفاهيمها‬ ‫ّ‬
‫بأن تغيير األفكار الراسخة والعادات المستحكمة في النفوس‬‫وعاداتها‪ ،‬نقول هذا مع اعترافنا ّ‬
‫ر ّبما احتاج إلى عدّ ة أجيال ليؤتي أكله ويحقق ثماره المرجوة‪ ،‬ومع اعترافنا أيض ًا ّ‬
‫بأن التجربة‬
‫التاريخية التي عاشتها المرأة المسلمة لم تكن مشرقة‪ ،‬ولم ترق إلى مستوى النص الديني‬
‫األصيل‪.‬‬

‫وهذا المقدار من البيان الك ّلي الموجز ‪ -‬على أهميته ‪ -‬ال يكفي‪ ،‬بل ال ّ‬
‫مفر لنا من أن‬
‫أهم الخطوط العامة للصورة اإلسالمية إزاء المرأة ودورها في الحياة‪،‬‬‫نس ّلط الضوء على ّ‬
‫وهذا ما نوضحه في الفقرات التالية‪:‬‬

‫‪--1‬المر�أة في القر�آن‬
‫إن الباحث الموضوعي في النصوص الدينية المتصلة بالمرأة لن يعجزه اكتشاف أنّه مع‬ ‫ّ‬
‫تم التأسيس لمرحلة جديدة من الفكر الديني المتصل بالمرأة‪ ،‬فنصوص‬ ‫القرآن الكريم قد ّ‬
‫القرآن وتعاليمه‪ -‬وبصرف النظر عن مدى التزام المسلمين بفحواها ‪ -‬قد طوت صفحات‬
‫ٍ‬
‫وممتد تحكمه الخرافة في النظرة إلى المرأة ويسوده االمتهان‬ ‫مظلمة ومريرة من تاريخ طويل‬
‫إن القرآن الكريم قد قدّ م صورة‬ ‫في التعامل معها‪ .‬وفي الحد األدنى فإنّنا نستطيع القول‪ّ :‬‬
‫متوازنة عن المرأة‪ ،‬ليس فيها أي تحقير أو ذم لها أو امتهان لكرامتها أو انتقاص من إنسانيتها‪.‬‬
‫وفيما يلي نعرض بشكل موجز لبعض معالم هذه الصورة القرآنية‪:‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪50‬‬
‫�أو ًال‪ :‬المر�أة في ميزان الحقوق والقيم والم�س�ؤوليات‬
‫ال نبالغ بالقول‪ّ :‬‬
‫إن الرؤية القرآنية حول المرأة قد شكّلت نقلة نوع ّية على الصعيد‬
‫الفكري والقيمي والحقوقي‪ ،‬وإليك تفصيل ذلك‪:‬‬

‫‪1 -1‬وحدة النوع والهو ّية‬


‫ّ‬
‫إن المرأة والرجل ‪ -‬في منطق القرآن ‪ -‬ينحدران من أصل واحد‪ ،‬وحقيقة واحدة‪،‬‬
‫وهي حقيقة اإلنسانية‪ ،‬قال تعالى مشير ًا إلى هذه الحقيقة‪ :‬ﵛﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ‬
‫ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘﱙ ﱚ‬
‫وخلق منها زوجها‪( ،‬الزوج‬ ‫ٍ‬
‫نفس واحدة ُ‬ ‫ﱛ ﱜ ﱝ ﱞﵚ(((‪ ،‬فالنوع اإلنساني خلق من‬
‫يطلق على الذكر واألنثى)‪ ،‬والمرأة هي جزء ال يتجزأ من هذا النوع‪ ،‬تمام ًا كما هو الحال في‬
‫ﱣ ﱤ ﱥ* ﱧ ﱨ ﱩ * ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ * ﱰ ﱱ ﱲ‬ ‫ﭐ‬ ‫الرجلﵛ‬
‫ﱳﵚ(((‪ .‬وانحدار الرجل والمرأة من أصل واحد‪ ،‬واشتراكهما في الهوية النوع ّية يستفاد‬
‫‪ -‬أيض ًا ‪ -‬من آيات أخرى‪ ،‬منها‪ :‬قوله تعالى‪ :‬ﵛﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ‬
‫ﱊ ﱋ ﱌﵚ‪.‬‬
‫وهذه المبدأ األساس (المساواة في أصل الخلقة‪ ،‬واالنبثاق من نفس واحدة) يتفرع‬
‫عليه العديد من األسس التشريع ّية والمبادئ األخالق ّية اآلتية‪.‬‬

‫‪2 -2‬دور المرأة والرجل في تكوين الطفل‬


‫نفس واحدة‪ ،‬فهما يشاركان ويساهمان مع ًا ‪-‬بحسب‬ ‫وكما أن الرجل والمرأة ينبثقان من ٍ‬
‫تقدير الله تعالى ‪ -‬في استمرار هذه النفس وبقائها‪ ،‬من خالل ما ُأعدّ لهما في نظام الخلق من‬
‫أن الطفل هو من الرجل‪ّ ،‬‬
‫وأن المرأة مجرد وعاء في‬ ‫دور في تكوين الطفل‪ ،‬فليس صحيح ًا ّ‬ ‫ٍ‬
‫عمل ّية التناسل‪ ،‬فهذه من األفكار الباطلة‪ ،‬ونظيرها في البطالن ما يظنّه البعض من ّ‬
‫أن الولد‬
‫الذكر هو من الرجل بينما األنثى هي من المرأة‪ ،‬والصحيح في هذا المجال ‪ -‬كما يؤكد العلم‬
‫أن الطفل ذكر ًا كان أو أنثى هو وليد الزوجين‪ ،‬الرجل والمرأة مع ًا‪ ،‬وبصماتهما‬
‫الحديث ‪ّ -‬‬

‫(((  سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.1‬‬


‫(((  سورة الشمس‪ ،‬اآليات ‪.10-7‬‬
‫‪51‬‬ ‫المحور الثاني‪ :‬المرأة بين مدرسة اإلسالم والمدارس األخرى‬

‫مع ًا النفسية والجسدية والروح ّية تظهر عليه‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﵛﭐﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫﵚ(((‪،‬‬
‫وقال تعالى في تتمة اآلية األولى المتقدمة من سورة النساء‪ :‬ﵛﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ‬
‫ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑﵚ(((‪ ،‬فتأمل في قوله ﵛﭐﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑﵚ فإنّه صريح في‬
‫أن لكل من الزوج والزوجة دور ًا أساسي ًا في تكوين الطفل(((‪ .‬وفي ضوء هذا المبدأ يتضح‪:‬‬
‫ّ‬
‫أوالً‪ّ :‬‬
‫أن بقاء اإلنسان مرهون ببقاء الذكر واألنثى‪ ،‬وليس ببقاء الذكر فحسب‪ ،‬وعليه‪،‬‬
‫فأي تالعب بهذه المعادلة بما يؤدي إلى استيالد الذكور فحسب كما يحلو لبعض الناس‪،‬‬
‫سوف يؤثر على هذا التوازن ويهدد بقاء النسل واستمراره‪ ،‬فيكون من أبرز مصاديق العدوان‬
‫واإلفساد في األرض‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬أن البقاء المعنوي ألفراد اإلنسان ليس مرهون ًا بوالدة ذكر لهم‪ ،‬فاألب كما‬
‫األم يبقيان ويستمران معنوي ًا بوالدة األنثى كما يبقيان ويستمران بوالدة الذكر‪ّ ،‬‬
‫ألن الذكر‬
‫ُ‬
‫القرآن الكريم‬ ‫واألنثى يحمالن النفس اإلنسانية عينها وال يختلفان في الهو ّية‪ ،‬وقد ندّ د‬
‫أن اإلنسان الذي ال يولد له سوى اإلناث هو إنسان أبتر‪ ،‬قال‬ ‫بالذهن ّية الجاهلية التي ترى ّ‬
‫تعالى‪ :‬ﵛﭐﱶ ﱷ ﱸ* ﱺ ﱻ ﱼ* ﱾ ﱿ ﲀ ﲁﵚ(((‪ .‬فرسول‬
‫يعش له سوى اإلناث‪ ،‬ولم يستمر له نسل إال من خالل الصديقة‬ ‫الله(ص) ومع أنّه لم ْ‬
‫امتن الله عليه في هذه اآليات بأنّه قد أعطاه الكوثر‪،‬‬
‫الطاهرة فاطمة الزهراء‪ ،‬فقد ّ‬
‫ال من هذا النسل الذي امتد من خالل ابنته‬ ‫أي الخير الكثير‪ ،‬وأي خير أعظم برك ًة وفض ً‬
‫السيدة الزهراء‪!‬‬

‫‪3 -3‬االشتراك في مهمة االستخالف‬


‫وقد أكّد القرآن الكريم على ّ‬
‫أن اإلنسان هو خليفة الله تعالى على األرض‪ ،‬دون فرق‬
‫متفرع عن قاعدة وحدة الخلق واالنبثاق من نفس‬
‫في ذلك بين الرجل أو المرأة‪ ،‬وهذا المبدأ ّ‬
‫واحدة‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﵛﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ‬
‫ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜﱝ ﱞﵚ(((‪ ،‬والمقصود بالخليفة‬

‫ سورة الحجرات‪ ،‬اآلية ‪.13‬‬ ‫(((‬


‫ سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.1‬‬ ‫(((‬
‫  انظر حول هذا األمر ما ذكره السيد موسى الصدر‪ ،‬مسيرة اإلمام الصدر‪ ،‬ج ‪11‬ص ‪.488‬‬ ‫(((‬
‫ سورة الكوثر‪ ،‬اآليات ‪.3-1‬‬ ‫(((‬
‫ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.30‬‬ ‫(((‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪52‬‬
‫في هذه اآلية وسواها هو اإلنسان‪ ،‬وأ ّما الرأي((( الذي يذهب إلى ّ‬
‫أن المراد بالخليفة هو آدم‬
‫مهمة ُعهد بها إلى آدم وذريته‬
‫مهمة خالفة الله على األرض‪ ،‬هي ّ‬ ‫ألن ّ‬‫حصر ًا فليس وجيه ًا‪ّ ،‬‬
‫جميع ًا‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﵛﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋﵚ(((‪ ،‬وهذا ما يشهد له‬
‫قوله تعالى‪ :‬ﵛﭐﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ‬
‫ﲻﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀﵚ(((‪ ،‬فالنوع البشري برمته هو الذي ُعهد إليه بحمل األمانة اإللهية‬
‫التي عجزت الجبال والسماوات واألرض عن حملها‪ ،‬ومما يشهد لما نقول هو سياق آية‬
‫أن المالئكة وبعد أن أعلمهم الله تعالى بإرادته جعل‬ ‫االستخالف المتقدمة‪ ،‬حيث وجدنا ّ‬
‫خليفة على األرض‪ ،‬توجهوا بالخطاب إلى الله تعالى على الفور وبلسان المستغرب‪ :‬ﵛﱌ‬
‫أن الذي يسفك‬ ‫ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗﵚ(((‪ ،‬ومعلوم ّ‬
‫الدماء و ُي ْف ِسدُ في األرض ليس آدم‪ ،‬بل هم ذريته من النوع البشري‪.‬‬

‫‪4 -4‬التساوي في التكريم‬
‫وإذا كان النوع البشري بما يحمله من مؤهالت وكماالت هو المؤهل والمعدّ لخالفة‬
‫الله على األرض‪ ،‬فمن الطبيعي أن يشمله التكريم اإللهي بهويته النوع ّية دون تمييز بين الذكر‬
‫واألنثى‪ ،‬فإنسان ّية اإلنسان هي موضع التقدير واالحترام‪ ،‬وليس للخصوصيته الذكور ّية أو‬
‫األنثوية دخل في ذلك‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﵛﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ‬
‫تنص اآلية ‪ -‬هو لبني آدم‬‫ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎﵚ(((‪ ،‬فالتكريم ‪ -‬كما ّ‬
‫أن رزق الطيبات كذلك‪ ،‬واألمر عينه يجري في التفضيل‬ ‫جميع ًا‪ ،‬ذكور ًا كانوا أم إناث ًا‪ ،‬كما ّ‬
‫كثير من المخلوقات‪ ،‬فهو تفضيل للجنس البشري برمته‪.‬‬ ‫على ٍ‬

‫‪5 -5‬التساوي في القيمة الروحية واألخالقية‬


‫أن المرأة تتشارك مع الرجل في‬ ‫ومن رشحات المبدأ المتقدم حول وحدة الخلق‪ّ ،‬‬
‫القابليات واالستعدادات التي تمكّنها من الوصول إلى أعلى المراتب اإليمان ّية والروح ّية‬

‫  راجع حول هذا الرأي‪ :‬تفسير مجمع البيان‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.147‬‬ ‫(((‬
‫ سورة فاطر‪ ،‬اآلية ‪.39‬‬ ‫(((‬
‫ سورة األحزاب‪ ،‬اآلية ‪.72‬‬ ‫(((‬
‫ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.30‬‬ ‫(((‬
‫ سورة اإلسراء‪ ،‬اآلية ‪.70‬‬ ‫(((‬
‫‪53‬‬ ‫المحور الثاني‪ :‬المرأة بين مدرسة اإلسالم والمدارس األخرى‬
‫والمعنو ّية‪ ،‬كما تشاطره األهل ّية والقدرة على تم ّثل القيم األخالق ّية والسلوك ّية‪ ،‬قال ّ‬
‫عز وجل‬
‫في اإلشارة إلى هذه الحقيقة‪ :‬ﵛﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ‬
‫ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ‬
‫ﲡﲢﲣﲤﲥﲦﲧﲨﲩ‬
‫إن هذه اآلية ومن خالل ما تضمنته من تعاقب عطف‬ ‫ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯﵚ(((‪ّ .‬‬
‫أن خصال وصفات‬ ‫النساء على الرجال في األوصاف المذكورة فيها‪ ،‬تريد التأكيد على ّ‬
‫اإلسالم واإليمان والقنوت والصدق والصبر والتصدّ ق والصوم وحفظ الفروج وذكر الله‬
‫يختص به الرجال دون النساء‪ ،‬بل هي قيم وخصال يمكن أن يتصف بها‬ ‫ّ‬ ‫تعالى ليست مما‬
‫الرجال والنساء على حدّ سواء‪ .‬ومآل ذلك إلى تساويهما على مستوى القيمة األخالقية‪،‬‬
‫فالذكر ليس أفضل من األنثى‪ ،‬فهما من جنس واحد‪ ،‬وأحدهما من اآلخر‪ ،‬ﵛﭐﱏ ﱐ‬
‫ﱑﵚ(((‪ .‬ويمتلكان المؤهالت نفسها‪ ،‬فال يكون هو أفضل منها وال تكون هي أفضل منه‪،‬‬
‫نص عليه قوله تعالى‪ :‬ﭐﵛﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ‬ ‫إال بمقدار ما يلتزم أحدهما مبدأ التقوى‪ ،‬كما ّ‬
‫ﱬ ﱭ ﱮ ﱯﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵﵚ(((‪.‬‬

‫‪6 -6‬التساوي في هوى النفس ووساوس الشيطان‬


‫والمبدأ المذكور أعاله‪ ،‬أعني المساواة واالشتراك في أصل الخلقة يترتب عليه أمر‬
‫آخر‪ ،‬وهو تساوي الذكر واألنثى في الغرائز واألهواء‪ ،‬وفي قابليتهما مع ًا للرضوخ لضغط‬
‫الغريزة أو االنسياق مع وساوس الشيطان‪ .‬فقدرة الشيطان على الوسوسة ال تختص بالمرأة‬
‫وال تنحصر بها‪ ،‬فالرجل قد يقع فريسة الشيطان أيض ًا(((‪ ،‬ولهذا وجدنا ّ‬
‫أن القرآن الكريم‪،‬‬
‫وأن الشيطان اتخذها وسيلة إلضالل آدم‪ ،‬فهذه‬ ‫يرفض فكرة كون حواء هي أصل الغواية‪ّ ،‬‬
‫الفكرة ذات أصل توراتي((( وهي مرفوضة قرآني ًا‪ ،‬فالشيطان ‪ -‬وفق ًا لما ّ‬
‫نص عليه القرآن‬
‫الكريم ‪ -‬قد وسوس لالثنين (آدم وحواء) مع ًا‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﵛﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ‬
‫ﲪﲫﲬﲭﲮﲯﲰﲱﲲﲳﲴﲵﲶﲷﲸﲹﲺﲻﲼ‬

‫ سورة األحزاب‪ ،‬اآلية ‪.35‬‬ ‫(((‬


‫ سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.195‬‬ ‫(((‬
‫ سورة الحجرات‪ ،‬اآلية ‪.13‬‬ ‫(((‬
‫ وقد ن ّبه على هذا األمر الشهيد مرتضى مطهري‪ ،‬انظر كتابه نظام حقوق المرأة في اإلسالم‪ ،‬ص ‪.139‬‬ ‫(((‬
‫  كما سوف نبين ذلك في المحور الرابع‪.‬‬ ‫(((‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪54‬‬
‫ﲽﵚ(((‪ ،‬واالثنان مع ًا انساقا مع تلك الوسوسة الشيطانية ووقعا ضحية لها وسقطا في‬
‫حبالها‪ ،‬قال تعالى في مورد آخر‪ :‬ﵛﭐﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽﲾ ﲿ ﳀ ﳁ‬
‫أن الشيطان وسوس‬ ‫ﳂ ﳃﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋﵚ(((‪ ،‬ونقرأ في آية أخرى ّ‬
‫آلدم‪ ،‬دون ذكر لحواء أصالً‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﵛﭐﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ‬
‫إن االختالف في‬‫ﲐ ﲑ ﲒ ﲓﵚ(((‪ ،‬وهذا ليس تنافي ًا أو تناقض ًا بين اآليات القرآنية‪ ،‬بل ّ‬
‫ذلك مر ّده إلى اختالف جهة الحديث‪ ،‬فعندما كان الحديث عن آدم وحواء مع ًا وما جرى‬
‫معهما في الجنة ُذكرت وسوسة الشيطان لالثنين‪ ،‬وعندما كان الحديث منصب ًا على آدم‪‬‬
‫فقط ُذ ِك َرت وسوسة الشيطان له فقط‪ ،‬وهذا ال ينفي أبد ًا أن تكون حواء قد تعرضت لإلغواء‬
‫أيض ًا‪ .‬وربما كان الوجه في إفراد بعض اآليات القرآنية آدم بالخصوص في اإلشارة إلى‬
‫وقوعه ضحية وسوسة الشيطان‪ ،‬هو أهمية الدور الذي اضطلع به آدم‪ ،‬باعتباره أول نبي‬
‫ُيرسله الله إلى البشرية‪.‬‬
‫أن الذكر واألنثى هما على مسافة واحدة من الشيطان ووساوسه‪،‬‬ ‫وفي ضوء ما تقدم من ّ‬
‫نسجل الحق ًا مالحظة نقد ّية على الفهم السائد لرواية «النساء حبائل الشيطان»‪،‬‬
‫فإنّنا سوف ّ‬
‫أن المرأة فقط هي وسيلة الشيطان إلغواء بني اإلنسان‪.‬‬ ‫حيث فهم الكثيرون منها ّ‬

‫‪7 -7‬المساواة في ميزان العدل اإللهي‬


‫عما سبقه‪ ،‬فإذا كان أصل الخلق واحد ًا وكان الذكر‬ ‫وهذا المبدأ ‪ -‬أيض ًا ‪ّ -‬‬
‫متفرع ّ‬
‫واألنثى متساويين في االستعدادات والمؤهالت والقابليات‪ ،‬وكان الشيطان على مسافة‬
‫واحدة منهما‪ ،‬فمن الطبيعي أن يكونا متساويين في محكمة العدل اإللهية‪ ،‬من دون فرق أو‬
‫تفاوت بينهما على أساس الهوية النوعية‪ ،‬وهذا ما أكّد القرآن الكريم عليه‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﵛﭐﱯ‬
‫ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾﵚ(((‪.‬‬
‫فليس للرجل أي امتياز في هذه المحكمة‪ ،‬بل القاعدة التي تحكم الثواب والعقاب هي ّ‬
‫أن‬
‫كل من آمن بالله ورسله وعمل صالح ًا فإن له جنات الفردوس نزالً‪ ،‬بصرف النظر عن جنسه‬
‫وجل‪ :‬ﵛﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍﱎ‬ ‫عز ّ‬ ‫أو لونه أو عرقه‪ ،‬قال ّ‬

‫ سورة األعراف‪ ،‬اآلية ‪.20‬‬ ‫(((‬


‫ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.36‬‬ ‫(((‬
‫ سورة طه‪ ،‬اآلية ‪.120‬‬ ‫(((‬
‫ سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.124‬‬ ‫(((‬
‫‪55‬‬ ‫المحور الثاني‪ :‬المرأة بين مدرسة اإلسالم والمدارس األخرى‬

‫ﱏ ﱐ ﱑﵚ((((((‪ .‬وفي آية أخرى يقول الله تعالى‪ :‬ﵛﭐﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ‬


‫ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱﲲ ﲳ ﲴ ﲵ‬
‫عز ّ‬
‫وجل مشير ًا إلى ذلك‪ :‬ﵛﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ‬ ‫ﲶﵚ(((‪ .‬وقال ّ‬
‫ﲀ ﲁ ﲂﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉﵚ(((‪.‬‬
‫‪8 -8‬المشاركة في المسؤول ّية الرسال ّية واالجتماعية‬
‫ودور المرأة الرسالي ال ّ‬
‫يقل عن دور الرجل‪ ،‬ومسؤوليتها ال تقصر عن مسؤوليته‬
‫في مجال الدعوة إلى الله والقيام بالمهمات اإلصالحية وواجب األمر بالمعروف والنهي‬
‫عن المنكر‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﵛﭐﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅﲆ ﲇ ﲈ ﲉ‬
‫ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒﲓ ﲔ ﲕ ﲖﲗ ﲘ ﲙ‬
‫ﲚ ﲛﵚ(((‪.‬‬
‫‪9 -9‬انخراطهما في االجتماع السياسي‬
‫أقر القرآن مبدأ مشاركة المرأة في البيعة‪ ،‬بما تع ّبر عنه وترمز إليه من انخراط‬
‫وقد ّ‬
‫الشخص في االجتماع السياسي‪ ،‬فالبيعة هي ميثاق تعاقدي بين أفراد المجتمع وبين الحاكم‪،‬‬
‫فهم يبايعونه ويمنحونه تأييدهم ويقرون له بالطاعة ما دام ملتزم ًا النهج الشرعي المستقيم‪،‬‬
‫وهو يتعهد لله أمام األمة بأن يحكم بالعدل وأن ال تأخذه في الله لومة الئم‪ ،‬فالبيعة بهذا‬
‫المعنى لم تكن حكر ًا على الرجال‪ ،‬بل شملت النساء أيض ًا‪ ،‬قال تعالى في اإلشارة إلى بيعة‬
‫الرجال‪ :‬ﵛﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ‬
‫ﱑﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛﵚ(((‪ ،‬وقال تعالى في اإلشارة إلى بيعة‬
‫النساء‪ :‬ﵛﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ‬
‫ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢﱣ ﱤ ﱥ‬
‫ﱦ ﱧﵚ(((‪.‬‬

‫ سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.195‬‬ ‫(((‬


‫  وبهذا المضمون نزلت العديد من اآليات المباركة‪ ،‬الحظ‪ :‬النحل ‪ 97‬وغافر ‪.40‬‬ ‫(((‬
‫ سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪.72‬‬ ‫(((‬
‫ سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪.97‬‬ ‫(((‬
‫ سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪.71‬‬ ‫(((‬
‫ سورة الفتح‪ ،‬اآلية ‪.10‬‬ ‫(((‬
‫ سورة الممتحنة‪ ،‬آية ‪.12‬‬ ‫(((‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪56‬‬
‫‪10 10‬اشتراكهما في الشخصية الحقوقية المستقلة‬
‫أن لها شخص ّية قانون ّية وحقوق ّية مستقلة‪ ،‬األمر الذي‬‫والمرأ ُة ال تختلف عن الرجل في ّ‬
‫يجعل لها الحق في اختيار الزوج المالئم‪ ،‬واختيار األصدقاء والعالقات وما ترغب به من‬
‫التخصصات العلم ّية‪ ..‬وال يحق ال لألب((( وال للزوج وال لألخ أن يمنعوها من ممارسة هذا‬
‫أن لها ذمة مالية مستقلة عن ذمة الرجل‪ ،‬فهي تملك‬ ‫الحق بحرية تامة‪ ،‬ويتفرع على ذلك أيض ًا ّ‬
‫وترث‪ ،‬وله الحق في اكتساب المال من موارده المشروعة في التجارة والزراعة والصناعة‬
‫وغيرها‪ ،‬ال فرق في ذلك بينها وبين الرجل‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﵛﭐﲙ ﲚ ﲛ ﲜﲝ ﲞ‬
‫ﲟ ﲠ ﲡﵚ(((‪ ،‬وقال سبحانه‪:‬ﵛﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ‬
‫ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑﱒ ﱓ ﱔﵚ(((‪ .‬وبموجب الذمة المال ّية المستقلة للمرأة‬
‫ٍ‬
‫تصرف من التصرفات‬ ‫فإن لها الحق في أن تبيع وتشتري وتهب وتتبرع‪ ،‬وال حجر عليها في أي‬ ‫ّ‬
‫المال ّية‪ .‬ومن هنا فقد وقف القرآن الكريم موقف ًا صارم ًا من التعدي على أموال المرأة‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫ﵛﭐﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ‬
‫ﲬ ﲭ ﲮ ﲯﲰ ﲱ ﲲﵚ(((‪ .‬وكذلك فقد نهى عن أكل مهور النساء بغير حق‪،‬‬
‫ن الرجل‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﵛﭐﱁ ﱂ ﱃ‬ ‫أو الضغط عليه ّن ليتنازلن عن المهور لقاء أن يطلقه ّ‬
‫ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ *‬
‫ﱞﵚ(((‪.‬‬ ‫ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜﱝ‬

‫‪11 11‬المساواة في الحقوق والواجبات‬


‫وال يقتصر األمر على ما تقدم من تساويها مع الرجل في الحقوق المالية‪ ،‬فالقرآن الكريم‬
‫أن للنساء ‪ -‬بشكل عام ‪ -‬من الحقوق مثل الذي عليهن‪ ،‬قال‬ ‫ينص بشكل ال لبس فيه على ّ‬ ‫ّ‬

‫  يوجد في موضوع «والية األب» على البنت عدة أقوال لدى الفقهاء‪ :‬منها‪ :‬إن أمر تزويجها يعود إليه‬ ‫(((‬
‫حصر ًا‪ .‬ومنها‪ :‬أنه يتع ّين عليه مع كونه ولي ًاعلى تزويجها أن يأخذ رأيها وال يحق له أن ّ‬
‫يزوجها بمن ال‬
‫ترضى به‪ .‬ومنها‪ :‬أنّه ال والية له على زواجها وإنما األمر إليها كما إذا كانت بالغة رشيدة‪ ،‬فكما ال والية‬
‫له على البالغ الرشيد من أبنائه كذلك ال والية على البالغة الرشيدة من بناته‪ .‬وإن كان يجدر بها أن تأخذ‬
‫رأي والدها بعين االعتبار‪ .‬وهذا القول هو األرجح واألقوى في نظرنا‪.‬‬
‫  سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.32‬‬ ‫(((‬
‫ سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.7‬‬ ‫(((‬
‫ سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.19‬‬ ‫(((‬
‫ سورة النساء‪ ،‬اآليتان ‪.21-20‬‬ ‫(((‬
‫‪57‬‬ ‫المحور الثاني‪ :‬المرأة بين مدرسة اإلسالم والمدارس األخرى‬

‫تعالى‪ :‬ﵛﭐﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌﵚ(((‪ .‬وهذه اآلية المباركة تؤسس لقاعدة تشريع ّية عامة في‬
‫المجال الحقوقي‪ ،‬وال يرفع اليد عنها إال بدليل خاص يدل على االستثناء هنا أو هناك‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬نماذج ن�سائية رائدة‬


‫ومن مظاهر احتفاء القرآن الكريم بالمرأة وتقديره لشخصها وعطاءاتها‪ ،‬هذا الحضور‬
‫المكثف ‪ -‬نسبي ًا ‪ -‬لمجموعة ال بأس بها من النماذج النسائية الرائدة‪ ،‬اللواتي فِ ْق َن الرجال‬
‫ال وإيمان ًا وت ًقى وورع ًا‪ ،‬وهو األمر الذي ال نجد له نظير ًا في‬ ‫في عصرهن علم ًا وعم ً‬
‫ال وعق ً‬
‫أهم هاتيك النساء الالئي خ ّلد القرآن‬ ‫التوراة واإلنجيل كما سنشير إلى ذلك الحق ًا ‪ .‬وإليك ّ‬
‫(((‬

‫أسماءهن ِ‬
‫وذك َْر ُه َّن ومواقفهن‪:‬‬
‫‪1 -1‬زوجة فرعون عاشقة الله‬
‫ومن أبرز هذه األسماء الالمعة التي يطالعنا بها القرآن الكريم‪ :‬زوجة فرعون‪ ،‬آسيا بنت‬
‫مزاحم(((‪ ،‬قال تعالى متحدِّ ث ًا عن هذه المرأة الجليلة‪ :‬ﵛﭐﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ‬
‫ﲮﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳﵚ(((‪.‬‬
‫ما أعظم هذه المرأة وما أرقى إيمانها! فبالرغم من أنّها كانت تعيش في برج عاجي وقصر‬
‫عظيم‪ ،‬حيث المال والجاه والرفاه ّية‪ ،‬وحيث الخدم والراحة والرياش‪ ،‬لك ّن ذلك كله لم ُي ْغ ِرها ولم‬
‫يستهوها‪ ،‬فلم تسقط إرادتها ولم َي ِه ْن عز ُمها‪ ،‬ولم َت ْع ِن لها دنيا فرعون وقصوره شيئ ًا‪ ،‬بل كانت ُ‬
‫روحها‬
‫مع ّلق ًة بالمحل األعلى‪ ،‬وكانت نفسها تح ّلق مع الله تعالى‪ ،‬ولهذا تط ّلعت إليه تعالى طالب ًة منه أن‬
‫ال من القصور‪ ،‬وأن ينجيها من فرعون الطاغية وأعماله القبيحة‪،‬‬ ‫يبني لها بيت ًا عنده((( في الجنة بد ً‬
‫ال أعلى يقدِّ ُمه القرآن الكريم ليس لخصوص النساء المؤمنات‬ ‫وهذا ما ّأهلها لتكون قدوة صالحة ومث ً‬
‫فحسب‪ ،‬بل وللمؤمنين جميع ًا ذكور ًا وإناث ًا‪ .‬إنّها ‪ -‬بحق ‪ -‬مثل أعلى في التضحية وصالبة اإليمان(((‪،‬‬

‫ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.228‬‬ ‫(((‬


‫  انظر الملحق رقم (‪ )2‬في آخر الكتاب‪.‬‬ ‫(((‬
‫  على ما هو مشهور في تحديد اسمها وإن كان القرآن الكريم لم يسمها‪.‬‬ ‫(((‬
‫ سورة التحريم‪ ،‬اآلية ‪.11‬‬ ‫(((‬
‫أن امرأة فرعون لم تقل «ابن لي بيت ًا عندك»‪ ،‬بل قدّ مت‬ ‫المفسرون في هذه اآلية ّ‬
‫ِّ‬ ‫  من لطائف ما الحظه‬ ‫(((‬
‫بأن البيت ليس مهم ًا بالنسبة إليها‪ ،‬كيف وهي‬
‫العندية على البيت‪ ،‬فقالت‪ :‬ﵛﭐﲦ ﲧ ﲨ ﲩﵚ‪ ،‬ما يوحي ّ‬
‫أن البيت هو عند الله تعالى‪.‬‬‫التي تتخلى عن قصور فرعون الفاخرة ألجل الله تعالى‪ ،‬وإنّما المهم لديها ّ‬
‫  ذكر المفسرون‪« :‬أنّها لما عاينت المعجز من عصا موسى‪ ،‬وغلبته السحرة‪ ،‬أسلمت‪ .‬فلما ظهر لفرعون‬ ‫(((‬
‫إيمانها‪ ،‬نهاها فأبت‪ ،‬فأوتد يديها ورجليها بأربعة أوتاد‪ ،‬وألقاها في الشمس‪ .‬ثم أمر أن يلقى عليها=‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪58‬‬
‫وكم كان‬
‫وحجة على كل الذين يضعفون أمام إغراءات الدنيا ويسقطون أمام التحديات والصعاب‪ْ ،‬‬
‫ّ‬
‫حب يوسف‪ ‬واجتاحتها الشهوة‬ ‫البون شاسع ًا بينها وبين زوجة عزيز مصر «زليخا» التي شغفها ّ‬
‫فهمت بيوسف‪ ‬لتنال مبتغاها الرخيص‪ ،‬وخانت بذلك زوجها وعصت ربها!‬ ‫الغرائز ّية‪ّ ،‬‬
‫‪2 -2‬مريم رمز العفة والطهارة‬
‫ٍ‬
‫كبرهان على أهل ّية المرأة‬ ‫ويأتي على رأس النماذج النسائية التي قدمها لنا القرآن الكريم‬
‫في الوصول إلى أعلى درجات القرب الروحي والمعنوي من الله تعالى‪ :‬نموذج القديسة‬
‫أهلتها طهارتها وإيمانها وإخالصها وصدقها لحمل كلمة الله تعالى‬ ‫العفيفة مريم‪ ،‬والتي ّ‬
‫ال أعلى ضربه الله تعالى‬ ‫ومعجزته الكبرى عيسى ابن مريم‪ ،‬وهو ما جعلها قدوة صالحة ومث ً‬
‫للذين آمنوا‪ ،‬رجاالً ونسا ًء‪ ،‬حالها في ذلك حال زوجة فرعون‪ ،‬قال تعالى‪:‬ﵛﭐﲵ ﲶ ﲷ‬
‫ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅﵚ(((‪ .‬لقد‬
‫بلغت السيدة مريم‪ ‬منزلة عظيمة ال يدانيها فيها أكثر الرجال‪ ،‬حتى لقد الحظنا ّ‬
‫أن‬
‫ب من خدمة المالئكة‬ ‫نبي الله زكريا‪ ‬الذي ك ّفله الله تعالى بتربيتها ورعايتها((( كان َي ْع َج ُ‬
‫لمريم ومجيئهم إليها بطعا ٍم من عند الله تعالى‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﵛﭐﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ‬
‫ﳎ ﳏ ﳐﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖﳗ ﳘ ﳙ ﳚ ﳛ ﳜﳝ ﳞ ﳟ ﳠ ﳡ ﳢ ﳣ ﳤﵚ(((‪ .‬وعندما‬
‫إحساس رهيب بعظيم قدرة الله‬ ‫ٌ‬ ‫سمع زكريا منها هذا الجواب‪ ،‬كان من الطبيعي أن يتم َّلكه‬
‫وتوجه إلى‬
‫ّ‬ ‫تعالى‪ ،‬وشدّ ة لطفه وعنايته بالمخلصين من عباده‪ ،‬فاستغل هذه الحالة الروح ّية‬
‫الله تعالى طالب ًا إليه أن يرزقه بولد صالح حيث كان إلى هذا الوقت قد ُح ِر َم الذرية‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪ :‬ﵛﱁ ﱂ ﱃ ﱄﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍﱎ ﱏ ﱐ ﱑﵚ((( واستجاب‬
‫الله تعالى دعاءه ورزقه ولد ًا صالح ًا وهو النبي يحيى‪ ،‬ﵛﭐﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ‬
‫ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱱ ﳄ ﱜ ﳜﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦﵚ(((‪ .‬والحديث‬

‫صخرة عظيمة‪ .‬فلما قرب أجلها ﵛﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫﵚ‪ ،‬فرفعها الله تعالى إلى الجنة‪،‬‬ ‫= ‬
‫فهي فيها تأكل وتشرب‪ ..‬وقيل‪ :‬إنّها أبصرت بيت ًا في الجنة من درة‪ ،‬وانتزع الله روحها‪ ،‬فألقيت الصخرة‬
‫على جسدها‪ ،‬وليس فيه روح‪ ،‬فلم تجد ألم ًا من عذاب فرعون‪ .‬وقيل‪ :‬إنّها كانت تعذب بالشمس‪ ،‬وإذا‬
‫انصرفوا عنها أظلتها المالئكة‪ ،‬وجعلت ترى بيتها في الجنة»‪ ،‬انظر‪ :‬مجمع البيان‪ ،‬ج‪ 10‬ص‪.64‬‬
‫ سورة التحريم‪ ،‬اآلية ‪.12‬‬ ‫(((‬
‫  قال تعالى‪ :‬ﵛﭐﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇﳈ ﵚ [آل عمران ‪.]37‬‬ ‫(((‬
‫ سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.37‬‬ ‫(((‬
‫ سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.38‬‬ ‫(((‬
‫ سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.39‬‬ ‫(((‬
‫‪59‬‬ ‫المحور الثاني‪ :‬المرأة بين مدرسة اإلسالم والمدارس األخرى‬
‫عن «مريم‪ ‬في القرآن» يحتاج إلى كتاب مستقل‪ ،‬يب ّين سيرة حياتها ومعاناتها‪ ،‬ومآثرها‬
‫ومقاماتها الروح ّية والمعنو ّية‪ ،‬فقد نزلت العديد من اآليات القرآنية التي تستعرض قصتها‬
‫أهم محطات حياتها‪ .‬ومن مظاهر أو عالمات االهتمام القرآني بالسيدة مريم‪‬‬ ‫وتتناول ّ‬
‫أن هناك سورة كاملة في القرآن الكريم تحمل اسمها‪.‬‬ ‫ّ‬

‫‪3 -3‬امرأة عمران‪ :‬أ ُّم مريم وجدَّ ة المسيح‬


‫ومريم القديسة‪ ‬ما كان لها أن تكون كذلك‪ ،‬وتصبح قدوة لنساء العالمين لوال أنّها‬
‫نشأت وترعرعت على يدي أ ٍم مؤمنة طاهرة‪ ،‬وهي امرأة عمران التي بلغ ح ّبها لله تعالى أنّها وفي‬
‫فترة حملها نذرت أن يكون ما في بطنها محرر ًا خالص ًا لله تعالى‪ .‬وقد تحقق نذرها‪ ،‬بطريقة لم‬
‫تكن تتوقعها‪ ،‬فقد رزقها الله أنثى‪ ،‬األمر الذي أثار استغرابها في بادئ األمر‪ ،‬ألنّها توقعت أن يكون‬
‫المولود ذكر ًا‪ ،‬على اعتبار ّ‬
‫أن األنثى لم يكن ُيسمح لها في الشريعة اليهودية باالنقطاع إلى الله تعالى‬
‫وسمت مولودتها المباركة بـاسم‬ ‫في المعبد‪ ،‬لكنّها تق ّبلت عطاء الله تعالى ورضيت بما َقدَّ ر وقضى‪ّ ،‬‬
‫«مريم»‪ ،‬وعملت جاهدة على تربيتها وإعدادها خير تربية‪ ،‬وكانت خالل ذلك تستعين بالله تعالى‬
‫وتبتهل إليه بأن يعيذ ابنتها وذريتها من الشيطان الرجيم‪ .‬وذرية مريم ‪ -‬كما هو معلوم ‪ -‬قد انحصرت‬
‫بمولود وحيد وفريد‪ ،‬وال نظير له من بعض الجوانب على وجه األرض‪ ،‬وهو عيسى المسيح‪،‬‬
‫وقد تقبل الله دعاء هذه المرأة الصالحة‪ ،‬فنشأت ابنتها مريم في كنف بيت الله تعالى وبكفالة ورعاية‬
‫نبي الله زكريا‪ ،‬وكانت عين الله ترعاها من خالل ذلك كله‪ ،‬ما جعل من مريم‪ ‬قديسة‬
‫ّ‬
‫سيظل مدى األزمان مقرون ًا باسم أمه‬ ‫وأهلها لحمل كلمة الله تعالى‪ ،‬وهو المسيح‪ ،‬الذي‬ ‫عظيمة ّ‬
‫الصالحة‪ ،‬فهو المسيح ابن مريم‪ ،‬ويكفيه ذلك عز ًا وفخر ًا‪ ،‬ويكفيها ذلك شرف ًا وكرامة‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫ﵛﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ * ﲥ ﲦ ﲧ‬
‫ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ‬
‫ﲽ* ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ‬
‫ﳐﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖﳗ ﳘ ﳙ ﳚ ﳛ ﳜﳝ ﳞ ﳟ ﳠ ﳡ ﳢ ﳣ ﳤﵚﭐ(((‪.‬‬
‫إن المسيح‪ ‬هو ثمرة طيبة المرأتين طاهرتين‪ ،‬وهما‪ :‬جدته المؤمنة الطاهرة زوجة‬ ‫ّ‬
‫عمران‪ ،‬والثانية‪ :‬أ ّمه العفيفة القديسة مريم‪ ،‬فاألولى نذرت لله تعالى‪ ،‬واستجيب دعاؤها ولو‬
‫بعد حين‪ ،‬والثانية حملت وأنجبت ور ّبت ورعت‪.‬‬

‫(((  سورة آل عمران‪ ،‬اآليات ‪.37-35‬‬


‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪60‬‬
‫‪ 4 -4‬ملكة سبأ حكيمة قومها‬
‫إن اسمها بلقيس) هي امرأة أخرى حدّ ثنا عنها القرآن الكريم‪ ،‬بكل‬ ‫وملكة سبأ (قيل‪ّ :‬‬
‫تقدير واحترام بما يؤشر على أنّها كانت في مستوى رفيع من العقل والرشد‪ ،‬وهو األمر الذي‬
‫مكّنها من أن تقود قومها بكل حكمة وحنكة‪ .‬لقد كانت بلقيس ذات ملك عظيم‪ ،‬كما وصفها‬
‫الهدهد لسليمان‪ :‬ﵛﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋﵚ((((((‪،‬‬
‫وحيث إنّها كانت تعيش في عصر نبي الله سليمان‪ ،‬فقد بعث إليها برسالة تدعوها إلى‬
‫تصرفت‬‫كتاب سليمان‪ّ ‬‬ ‫ُ‬ ‫اتباعه واإليمان به‪ ،‬باعتباره نبي ًا من عند الله تعالى‪ .‬ولما وصلها‬
‫بحكمة وحنكة‪ ،‬فجمعت المأل من قومها وقرأت عليهم كتاب سليمان بعد أن وصفته‬
‫ثم طلبت منهم المشورة وإبداء الرأي‪ ،‬رافضة االنفراد باتخاذ قرار خطير‬ ‫بأنّه كتاب كريم‪ّ ،‬‬
‫ومصيري يتع ّلق بها وبقومها‪ :‬ﵛﭐﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ * ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ‬
‫ﲜﲝﲞﲟ*ﲡﲢﲣﲤﲥ*ﲧﲨﲩﲪﲫﲬﲭﲮﲯ‬
‫يفكر قومها‬
‫إن المفاجأة تكمن هنا‪ ،‬فبدل أن َّ‬ ‫ﲰ ﲱ ﲲﵚ(((‪ ،‬فماذا كان جواب قومها؟ ّ‬
‫معها ويشيروا عليها بالرأي الصائب‪ ،‬فإذا بهم يطلبون منها أن تفكر عنهم ﵛﲴ ﲵ ﲶ ﲷ‬
‫ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿﵚ(((‪ ،‬وهذا الموقف الغريب من قومها دفعها‬
‫إلى اتخاذ قرار حكيم في كيف ّية الر ّد على رسالة سليمان‪ ،‬وكان فحوى هذا القرار أن‬
‫تُقدم على اختبار سليمان لتعرف ما إذا كان نبي ًا أو ملك ًا‪ ،‬واالختبار يكون بإرسال هدية خاصة‬
‫ومم ّيزة إليه‪ ،‬فإن كان َم ِلك ًا فمن المرجح أن يقبل الهدية ويرضى بالمساومة‪ ،‬كما هي عادة‬
‫الملوك والزعماء‪ ،‬وأ ّما إذا كان نبي ًا فهو لن يخضع لالبتزاز ولن يقبل المداهنة والتنازل عن‬
‫الرسالة اإللهية التي يحملها‪ ،‬لقاء هدية تُهدى إليه مهما كانت ثمينة‪ ،‬ﵛﭐﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ‬
‫ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋﳌ ﳍ ﳎ * ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖ‬
‫ﳗﵚ(((‪ .‬وقد أصاب حدس تلك المرأة‪ ،‬فلما وصلت هديتها إلى سليمان‪ ‬لم يعجبه‬

‫ سورة النمل‪ ،‬اآلية ‪.23‬‬ ‫(((‬


‫منكرة ومنونة‪ ،‬في سياق يوحي بشيء من االستغراب لدى‬ ‫  لقد جاءت كلمة المرأة في كالم الهدهد ّ‬ ‫(((‬
‫ّ‬
‫الهدهد‪ ،‬ولك ّن هذا االستغراب ليس بالضرورة أن يكون منشؤه أن تولي المرأة للسلطة مرفوض في‬
‫دين الله‪ ،‬فالهدهد ليس مصدر ًا للمعرفة الدينية‪ ،‬ول ّعله إنما ع ّبر بهذا التعبير الموحي باستغرابه‪ ،‬بسبب‬
‫أن هذا األمر‪ ،‬أعني تولي المرأة للملك غير معهود في ذلك الزمان‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ سورة النمل‪ ،‬اآليات ‪.32 - 29‬‬ ‫(((‬
‫ سورة النمل‪ ،‬اآلية ‪.33‬‬ ‫(((‬
‫ سورة النمل‪ ،‬اآليتان ‪.35 - 34‬‬ ‫(((‬
‫‪61‬‬ ‫المحور الثاني‪ :‬المرأة بين مدرسة اإلسالم والمدارس األخرى‬
‫هذا األسلوب في التعامل معه‪ ،‬ورأى ذلك تصرف ًا غير الئق‪ ،‬أو نوع ًا من المماطلة أو التمرد‬
‫المهمة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وتحرك جيش سليمان لتنفيذ‬ ‫ّ‬ ‫عليه‪ ،‬ولذلك اتخذ قرار ًا بإخضاعها وقومها لحكمه‪،‬‬
‫القوة التي أرسلها سليمان لمواجهتها وقومها عرفت أنّه ال ِق َب َل لها في‬
‫فلما رأت بلقيس حجم ّ‬
‫مرة أخرى عن حكمتها ووعيها‪ ،‬إذ بين اتخاذ‬ ‫مواجهته أو التغ ّلب عليه‪ .‬وهنا برهنت بلقيس ّ‬
‫قرار بالمواجهة أو الجنوح إلى السلم‪ ،‬نراها جنحت إلى السلم والطاعة‪ ،‬رافضة المواجهة‬
‫والحرب‪ ،‬ألنّها كانت تعي ّ‬
‫أن الحرب هي خيار انتحاري بالنسبة لها ولقومها‪.‬‬
‫لما جاءت سليمان مس ّلمة‪ ،‬أمر‪ ‬بأن ُينَكِّروا لها عرشها ‪ -‬والذي وصله‬ ‫ثم إنّها ّ‬
‫ّ‬
‫مالمحه الحقيقية‪ ،‬ليختبر ذكاءها ويهيئ األجواء أمام هدايتها‬
‫َ‬ ‫بطريقة إعجازية ‪ -‬و ُي ْخ ُفوا‬
‫وهداية قومها إلى الدين الحق‪ ،‬ﵛﭐﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳﵚ(((‪،‬‬
‫العرش أما َمها قيل لها‪ :‬ﵛﭐﲸ ﲹﲺ ﲻ ﲼ ﲽﵚ(((‪ ،‬وجوابها هذا مؤشر آخر على‬ ‫ُ‬ ‫ولما ُو ِض َع‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫ذكائها وفطنتها‪ ،‬فهي لم تنف بشكل جازم ولم تؤكد أنّه عرشها‪.‬‬
‫أن سليمان‪ ‬ليس مجرد‬ ‫وبعد أن دخلت الصرح ورأت العديد من الدالئل على ّ‬
‫ملك بل هو رسول مسدّ د بالعناية اإللهية أعلنت إسالمها بجرأة تامة‪ ،‬متوجه ًة إلى الله تعالى‬
‫بالقول‪ :‬ﵛﳩ ﳪ ﳫ ﳬ ﳭ ﳮ ﳯ ﳰ ﳱ ﳲﵚ(((‪ ،‬لقد َظ َل َم ْت نفسها فيما سلف‬
‫بالكفر واالبتعاد عن الله تعالى‪ ،‬ثم تابت وأسلمت لله تعالى وحسن إسالمها‪ .‬وقد الحظ‬
‫«أسلمت لسليمان»‪ ،‬وإنّما قالت‪« :‬أسلمت مع‬‫ُ‬ ‫أن بلقيس لم تقل بعد توبتها‪:‬‬ ‫المفسرون هنا ّ‬
‫سليمان لله رب العالمين»‪ ،‬فقد جعلت نفسها في رتبة واحدة مع سليمان‪ ،‬أمام رب العالمين‪،‬‬
‫فهما مع ًا يسلمان لله تعالى وينقادان لحكمه‪ ،‬ال أنّها تنقاد لسليمان الملك وتستسلم له‪ ،‬وقد‬
‫وأتوه طائعين‬
‫قالت هذا الكالم مع أنّها وقومها قد انهزموا بحسب الظاهر أمام جند سليمان ْ‬
‫قوة نفسها وعميق فهمها ودقة نظرها‪.‬‬ ‫مس ّلمين‪ ،‬وهذا مؤشر آخر على ّ‬
‫إن القرآن الكريم عندما يحدثنا عن تجربة بلقيس وقصتها‪ ،‬هذه القصة التي تد ّلل على‬‫ّ‬
‫حكمتها ورجاحة عقلها‪ ،‬فهو يريد القول لنا‪ّ :‬‬
‫إن المرأة إذا توفرت لها الفرصة المناسبة في‬
‫التعليم والتربية‪ ،‬فإنّها قد تفوق الرجال في حكمتها وحنكتها وقدرتها على تدبير األمور‪.‬‬

‫(((  سورة النمل‪ ،‬اآلية ‪.41‬‬


‫(((  سورة النمل‪ ،‬اآلية ‪.42‬‬
‫(((  سورة النمل‪ ،‬اآلية ‪.44‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪62‬‬
‫‪5 -5‬سارة وبشرى المالئكة‬
‫أن لسارة زوجة خليل الله‬ ‫ويستفاد من اآليات القرآنية النازلة في قصة قوم لوط‪ّ ،‬‬
‫إبراهيم‪ ‬مكان ًة رفيعة عند الله تعالى‪ ،‬فقد كانت حاضرة في مجلس المالئكة الذين نزلوا‬
‫إلبالغ إبراهيم‪ ‬وإعالمه بأنّه قد تقرر نزول العذاب في قوم لوط‪ ،‬وقد شاهدت سارة‬
‫في ذلك المجلس المالئكة وسمعت رسالتهم التي حملوها إلى إبراهيم‪ ،‬فتعجبت‬
‫وضحكت‪ ،‬وهنا توجه المالئكة بالبشرى إليها حيث أبلغوها ّ‬
‫بأن الله تعالى سيرزقها بابن‬
‫وهو إسحاق‪ ،‬وسيولد لها من نسله ابن آخر وهو يعقوب‪ ،‬ولما أبدت استغرابها وتعجبها من‬
‫ذلك‪ ،‬على اعتبار أنّها امرأة عجوز وزوجها شيخ طاعن في السن‪ ،‬فأنّى لها أن تحمل وتلد!‬
‫بأن هذا تقدير الله تعالى‪ ،‬وهو مظهر من مظاهر رحمته ولطفه وكرمه بآل‬ ‫أجابها المالئكة ّ‬
‫إبراهيم‪ ،‬هكذا كانت سارة ‪ -‬إذ ًا ‪ -‬جليسة المالئكة ومحدّ ثتهم وكانت ‪ -‬أيض ًا ‪ -‬واحدة‬
‫من أهل البيت الذين شملتهم الرحمة والبركات اإللهية‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﵛﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ‬
‫ﳈﳉﳊ*ﳌﳍﳎﳏﳐﳑﳒﳓﳔ*ﱁﱂﱃﱄ‬
‫ﱅ ﱆ ﱇ ﱈﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ * ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ‬
‫ﱙ ﱚﱛ ﱜﱝ ﱞﵚ(((‪.‬‬

‫‪6 -6‬نبي‪ ‬يأخذ بمشورة ابنته‬


‫وحدثنا القرآن الكريم ‪ -‬أيض ًا ‪ -‬عن امرأة أخرى‪ ،‬وهي ابنة نبي الله شعيب‪ ‬بما‬
‫يكشف ويؤشر على رجاحة عقلها‪ ،‬فقد اقترحت على أبيها النبي‪ ‬استئجار موسى‪‬‬
‫ليكون عون ًا لهم في رعي الغنم‪ ،‬وذلك بسبب ما رأته من شهامته ونبله وشجاعته‪ ،‬وقد‬
‫اكتشفت ذلك إثر موقف نبيل له بادر فيه إلى مساعدتها وأختها على سقي أغنامهما عندما‬
‫رآهما تذودان الغنم وتردانه عن الماء حتى ينتهي سائر الرعاة من سقي مواشيهم‪ ،‬ﭐﵛﭐﲙ‬
‫ﲚ ﲛ ﲜﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣﵚ(((‪ ،‬وقد عمل نبي الله شعيب‪‬‬
‫بمشورة ابنته وأخذ باقتراحها المنطقي هذا‪ ،‬حيث إنّها ّبررت اختيار موسى لهذه المهمة‬
‫والقوة واألمانة صفتان ضروريتان في الكثير من الوظائف والمهام لضمان‬
‫ّ‬ ‫بأنّه قوي وأمين‪.‬‬
‫شعيب‪ ‬هذا الشاب القوي األمين موسى‪ ‬لرعي الغنم‪ :‬ﵛﭐﲥ‬ ‫ٌ‬ ‫سالمة العمل‪ ،‬فاستأجر‬

‫(((  سورة هود‪ ،‬اآليات ‪.73-70‬‬


‫(((  سورة القصص‪ ،‬اآلية ‪.26‬‬
‫‪63‬‬ ‫المحور الثاني‪ :‬المرأة بين مدرسة اإلسالم والمدارس األخرى‬

‫ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷﲸ ﲹ‬
‫ﲺ ﲻ ﲼ ﲽﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄﵚ(((‪.‬‬

‫‪7 -7‬أربع نساء في حياة موسى‪‬‬


‫قصة كليم الله موسى‪ ،‬تبرز أمامنا العديد من النسوة الالتي كان له ّن دور‬ ‫وفي َّ‬
‫إيجابي بارز في حياته منذ سني طفولته األولى وإلى حين زواجه‪ ،‬والنسوة ُه َّن‪:‬‬
‫محل عناية الله تعالى ولطفه‪ ،‬فحملت بكليم‬ ‫ّ‬ ‫المرأة األولى‪ :‬هي أمه‪ ،‬التي كانت‬
‫ولما وضعته أوحى الله إليها أن تقوم بإرضاعه وإذا خافت عليه من جند‬ ‫الله موسى‪ّ ،‬‬
‫فرعون الذين كانوا يقتلون الذكور من بني إسرائيل(((‪ ،‬فما عليها سوى أن تلقي بابنها في‬
‫اليم والله تعالى يتكفل بحمايته وحفظه‪ .‬ورغم صعوبة األمر عليها‪ ،‬استجابت المرأة ألمر‬ ‫ّ‬
‫ربها ووضعت ابنها في تابوت صغير وألقته في اليم‪ ،‬ثق ًة منها بوعد الله وتسليم ًا ألمره‪،‬‬
‫قال تعالى‪ :‬ﭐﵛﭐﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ‬
‫ﱠ ﱡ ﱢﱣ ﱤ ﱥﵚ((( وسرعان ما شعرت أم موسى مع مرور الوقت‪ ،‬بالحنين‬
‫سر طفلها‪ ،‬مع ما‬‫يغمرها وبالشوق يشدّ ها إلى ابنها‪ ،‬وبلغ بها الوجد حد ًا كادت أن تفشي ّ‬
‫يكتنف ذلك من المخاطر التي تتهدد حياته‪ ،‬لك ّن الله تعالى ربط على قلبها‪ ،‬وأمدّ ها بالصبر‬
‫والتماسك‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﵛﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ‬
‫ﲙ ﲚ ﲛﵚ(((‪.‬‬
‫المرأة الثانية‪ :‬هي أخته(((‪ ،‬وهي التي ك ّلفتها أ ّمها بأن تتبع أخاها موسى‪ ‬بعد إلقائه‬
‫في اليم‪ ،‬ولحقت به بطريقة ذك ّية ال تثير الشبهات‪ ،‬وقد سمحت لها هذه المتابعة بمعرفة ما‬
‫أن يد القدرة اإللهية قد قادته إلى بيت فرعون‪ ،‬طاغية زمانه‪ .‬ولما‬‫آل إليه أمر أخيها وكيف ّ‬

‫ سورة القصص‪ ،‬اآلية ‪.27‬‬ ‫(((‬


‫بأن ً‬
‫طفال سيولد‬ ‫وأولها له المع ّبرون ّ‬
‫ألن فرعون رأى رؤيا مزعجة ّ‬ ‫  كما هو مذكور في التواريخ‪ ،‬وذلك ّ‬ ‫(((‬
‫ويكون هالكه وانقضاء ملكه على يديه‪ ،‬فقرر قتل المواليد الذكور‪ ،‬وهذا المعنى أشار له الذكر الحكيم‪،‬‬
‫قال تعالى‪ :‬ﵛﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ‬
‫ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛﵚ [إبراهيم ‪.]6‬‬
‫ سورة القصص‪ ،‬اآلية ‪.7‬‬ ‫(((‬
‫ سورة القصص‪ ،‬اآلية ‪.10‬‬ ‫(((‬
‫  في بعض المصادر أن اسمها كليمة‪ ،‬أو حليمة‪ ،‬انظر‪ :‬مجمع البيان‪ ،‬للطبرسي ج‪ 10‬ص‪.65‬‬ ‫(((‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪64‬‬
‫وأحست ّ‬
‫أن أخاها الرضيع ال يتق ّبل المراضع‪ ،‬اقترحت عليهم أن‬ ‫ّ‬ ‫اقتربت من قصر فرعون‪،‬‬
‫يس ّلموه إلى أهل بيت يكفلونه لهم ويقومون برعايته‪ ،‬فوافقوا على اقتراحها‪ ،‬و ُأعيد موسى‪‬‬
‫بهذه الطريقة إلى أ ّمه‪ ،‬فعاش طفولته في كنفها وحضنها‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﵛﲝ ﲞ ﲟﲠ‬
‫ﲡﲢﲣﲤﲥﲦﲧ*ﲪﲫﲬﲭﲮﲯﲰﲱﲲﲳﲴ‬
‫ﲵﲶﲷﲸﲹ*ﲻﲼﲽﲾﲿ ﳀﳁﳂﳃﳄﳅﳆ‬
‫ﳇ ﳈ ﳉ ال ﳋﵚ(((‪.‬‬
‫قوة‬‫المرأة الثالثة‪ :‬هي زوجة فرعون آسيا بنت مزاحم‪ ،‬والتي تحدثنا فيما سبق عن ّ‬
‫إيمانها وصالبتها في ذات الله‪ ،‬فقد شاركت إلى جانب أم موسى وأخته في رعايته وحفظه‪،‬‬
‫وهذا ما تحدّ ث عنه الكتاب الكريم في قوله تعالى‪ :‬ﵛﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼﱽ‬
‫ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈﵚ(((‪ .‬فهؤالء النسوة الثالث كان له ّن‬
‫سني موسى األولى‪ ،‬رعاية وحفظ ًا وتربية‪.‬‬
‫دور بارز في ّ‬
‫والمرأة الرابعة‪ :‬هي زوجة موسى‪ ،‬وهذه المرأة هي ابنة شعيب النبي‪ ‬المتقدمة‪،‬‬
‫مرة على الماء هي وأختها‪ ،‬وذلك لما هرب من فرعون‪ ،‬وعندما‬ ‫والتي التقاها موسى‪ ‬أول ّ‬
‫الحظ أن البنتين ال تقربا من الماء حتى ينتهي الرجال من سقي أغنامهم‪ ،‬تقدّ م موسى‪‬‬
‫بكل لطف لمساعدتهما في سقي الغنم‪ ،‬وبعد أن رجعت الفتاتان إلى منزلهما وأخبرتا أباهما‬
‫بقصة هذا الرجل الذي ساعدهما في سقي الغنم دون مقابل‪ ،‬أرسل شعيب إحداهما في طلبه‪،‬‬
‫فانطلقت تمشي على استحياء‪ ،‬وطلبت من موسى‪ ‬أن يلبي نداء أبيها‪ ،‬فجاء موسى‪‬‬
‫إلى شعيب‪ ‬وأخبره بقصته وهربه من فرعون‪ ،‬فخفف عنه شعيب‪ ‬وطمأنه‪ ،‬ثم اقترح‬
‫يزوجه إحدى ابنتيه‪ ،‬وقيل‪ :‬إنّها المرأة التي جاءت في طلب موسى‪ ‬وهي تمشي‬ ‫عليه أن ّ‬
‫على استحياء(((‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﵛﭐﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ‬
‫ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦﱧ ﱨ ﱩ ﱪ * ﱬ‬
‫ﱙ ﱚ ﱛﱝ ﱞ ﱟ ﱠ‬
‫ﱭﱮﱯﱰﱱﱲ ﱳﱴﱵﱶﱷﱸﱹﱺ*ﱼﱽﱾﱿﲀ‬
‫ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒﲓ ﲔ ﲕ‬

‫(((  سورة القصص‪ ،‬اآليات ‪.13-11‬‬


‫(((  سورة القصص‪ ،‬اآلية ‪.9‬‬
‫(((   جوامع الجامع‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.739‬‬
‫‪65‬‬ ‫المحور الثاني‪ :‬المرأة بين مدرسة اإلسالم والمدارس األخرى‬

‫ﲖﲗ*ﲙﲚﲛﲜﲞﲟﲠﲡﲢﲣ*ﲥﲦﲧﲨ‬
‫ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ‬
‫ﲽﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄﵚ(((‪.‬‬
‫نساء طالحات‬
‫والنساء فيهن الطالحات‪ ،‬كما فيهن الصالحات‪ ،‬وفيهن الكافرات كما فيه ّن المؤمنات‪،‬‬
‫حاله ّن في ذلك حال الرجال‪ ،‬فهذه طبيعة اإلنسان‪ ،‬فر ّبما اختار الطاعة واإليمان ور ّبما اختار‬
‫أن القرآن الكريم كما حدثنا عن بعض الصالحات المؤمنات‬ ‫الكفر والعصيان‪ ،‬ولهذا نجد ّ‬
‫فخ الشيطان‪ ،‬وانحرفن‬ ‫العاقالت‪ ،‬فإنّه أيض ًا قد حدّ ثنا عن بعض النسوة اللواتي سقطن في ّ‬
‫والخ ُل ِق األبي‪.‬‬
‫وابتعدن عن الفطرة السليمة ُ‬
‫وعلى رأس هؤالء تأتي زوجتا نوح ولوط ‪ ،‬فإذا كانت زوجة فرعون قد شكّلت مثاالً‬
‫أعلى للتقى واإليمان‪ ،‬مع أنّها كانت تعيش في بيت الطغيان واالنحراف والكفر وفي ٍ‬
‫قصر من‬
‫فإن زوجتي نوح ولوط ‪ ‬كانتا على العكس منها‬ ‫قصور الملوك‪ ،‬فلم يؤ ِّثر ذلك على إرادتها‪ّ ،‬‬
‫تمام ًا‪ ،‬فمع كونهما تعيشان مع نبيين جليلين من أنبياء الله تعالى وفي كنفهما‪ ،‬فإنّهما اختارتا‬
‫الكفر على اإليمان والضالل على الهدى والنار على الجنة‪ ،‬فلم ينفعهما قربهما من النبيين‬
‫المذكورين بشيء‪ ،‬فنالتا العذاب والخزي في الدنيا واآلخرة‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﵛﱿ ﲀ ﲁ‬
‫ﲂﲃﲄﲅﲆﲇﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏﲐﲑﲒ‬
‫ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚﵚ(((‪ .‬إنّنا نستوحي من هذه اآلية المباركة قاعدة‬
‫أن األساس عند الله في القرب هو القرب الروحي واإليماني‪،‬‬ ‫عامة في تحديد الوالء‪ ،‬وهي ّ‬
‫وليس القرب المادي‪ّ ،‬‬
‫وأن األساس في القرابة هي قرابة اإليمان والعمل الصالح ال قرابة‬
‫النسب والسبب‪ .‬وبهذا المعيار أصبحت هاتان الزوجتان بعيدتين ومطرودتين عن رحمة الله‬
‫تعالى‪ ،‬ألنّهما خانتا زوجيهما في أمر الرسالة‪ ،‬فكانتا تفشيان أسرار زوجيهما ألعدائهما(((؛‬
‫وبهذا المعيار واستناد ًا إليه أضحى ابن نوح ليس من أهله كما قال تعالى‪ :‬ﭐﵛﱃ ﱄ ﱅ ﱆﱇ‬

‫(((  سورة القصص‪ ،‬اآليات ‪.27-23‬‬


‫(((  سورة التحريم‪ ،‬اآلية ‪.10‬‬
‫(((   وليس المقصود بالخيانة الخيانة الزوجية‪ ،‬ففي عقيدتنا أنّه ما زنت زوجة نبي قط‪ ،‬كما أوضحنا ذلك‬
‫بالدليل القاطع في كتاب بحوث حول السيدة عائشة‪-‬رؤية شيعية معاصرة‪ ،‬فليراجع‪.‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪66‬‬
‫عم رسول الله(ص) وامرأته حمالة الحطب من أهل‬
‫ﱈ ﱉ ﱊ ﱋﵚ ‪ ،‬وغدا «أبو لهب» ّ‬
‫(((‬

‫الجحيم(((‪ ،‬وبهذا المعيار ‪ -‬أيض ًا ‪ -‬أضحى سلمان الفارسي من أهل البيت‪.(((‬‬


‫ال لالنحراف عن خط االستقامة‬ ‫ومن هؤالء النسوة اللواتي ضرب الله به ّن مث ً‬
‫واالنجراف مع الشهوة‪ :‬زوجة عزيز مصر التي ُأولعت بفتاها الذي نشأ في بيتها حتى صار‬
‫المحرم‪ ،‬ولكن هذا‬
‫ّ‬ ‫بمثابة ابن لها ولزوجها‪ ،‬ومع ذلك راودته عن نفسه وطلبت منه الوصال‬
‫وعف عن الحرام رغم كل اإلغراءات واألسباب‬‫ّ‬ ‫الفتى الشاب وهو يوسف الصديق استعصم‬
‫الكثيرة التي أحاطت به والتي لو أنّها أحاطت بغيره ما كان لينجو‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﵛﭐﱁ ﱂ ﱃ‬
‫ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌﱍ ﱎ ﱏ ﱐﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱗ ﱘ ﱙ‬
‫ﱚﵚ(((‪ .‬وعن هذه الظروف الصعبة التي أحاطت بيوسف‪ ‬ومع ذلك لم تسقط‬
‫القراء ‪ -‬مراجعة ما ذكرناه في كتاب‪« :‬مع الشباب في همومهم‬
‫إرادته‪ ،‬يمكنكم ‪ -‬إخوتي ّ‬
‫وتطلعاتهم»‪ ،‬محور‪« :‬الشباب والغريزة الجنسية»‪.‬‬

‫ثالث ًا‪� :‬آيات و�إ�شكاالت‬


‫كانت هذه إطاللة سريعة على الصورة العامة التي قدّ مها لنا القرآن الكريم حول مكانة‬
‫المرأة ودورها في الحياة جنب ًا إلى جنب مع أخيها الرجل في خالفة الله على األرض‪ ،‬وقد‬
‫أتبعنا ذلك بذكر العديد من النماذج النسائية الرائدة التي حدثنا القرآن الكريم عن سيرتهن‬
‫وبعض مواقفهن‪ .‬ولكن في مقابل ذلك‪ ،‬فقد اشتملت بعض اآليات القرآنية على بعض‬
‫المفاهيم أو التشريعات التي وقعت مثار ًا لإلشكال واالعتراض من قبل البعض‪ ،‬حيث‬
‫اعتبرت مؤشر ًا على دون ّية المرأة في الرؤية اإلسالم ّية وتبعيتها للرجل‪ .‬وال بأس أن نشير إلى‬
‫أهم ما قد يطرح على هذا الصعيد من إشكاالت‪ ،‬ونبدأ بذكر بعض ما يتصل بالمفاهيم‪ ،‬ومن‬
‫ثم ما يتصل بالتشريعات‪:‬‬ ‫ّ‬

‫ سورة هود‪ ،‬اآلية ‪.46‬‬ ‫(((‬


‫  كما جاء في قوله تعالى‪ :‬ﭐﵛﭐﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ* ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ * ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ*‬ ‫(((‬
‫ﲊ ﲋ ﲌ* ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒﵚ [المسد ‪.]5-1‬‬
‫  طِ ْبق ًا لما ورد في الحديث النبوي الشريف «سلمان منا أهل البيت ‪ ،»‬انظر‪ :‬المستدرك‪ ،‬للحاكم‬ ‫(((‬
‫النيسابوري ج‪ 3‬ص‪ ،598‬وعيون أخبار الرضا‪ ،‬للشيخ الصدوق ج‪ 2‬ص‪.70‬‬
‫ سورة يوسف‪ ،‬اآلية ‪.23‬‬ ‫(((‬
‫‪67‬‬ ‫المحور الثاني‪ :‬المرأة بين مدرسة اإلسالم والمدارس األخرى‬
‫‪1 -1‬المفاهيم اإلشكال ّية‬
‫أما المفاهيم القرآنية التي يرى البعض أنّها توحي بدون ّية المرأة‪ ،‬فما قد يذكر في هذا‬
‫الصدد هو النماذج التالية‪:‬‬

‫ألف‪ :‬تفضيل الرجل على المرأة‬


‫نص بشكل صريح على تفضيل الرجل على المرأة‪ ،‬وذلك في قوله‬ ‫ّ‬
‫إن القرآن الكريم ّ‬
‫تعالى‪ :‬ﵛﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎﵚ(((‪،‬‬
‫وهذا التفضيل قد يدفع الرجل لالستعالء عليها‪ ،‬وهو ينافي كل كالم عن احترام المرأة‪.‬‬
‫وفي اإلجابة على ذلك نذكر النقاط التالية‪:‬‬
‫إن اآلية المذكورة‪ ،‬وخالف ًا لما ذكره بعض المفسرين((( ال يفهم منها جعل القوامة‬ ‫أوالً‪ّ :‬‬
‫لجنس الرجال على جنس النساء‪ ،‬ليستفاد منها ّ‬
‫أن المرأة ال يشرع لها تولي السلطة التنفيذية‬
‫أو القضائية مع وجود الرجال‪ ،‬وإنّما هي في صدد بيان جعل القوامة داخل األسرة‪ ،‬على‬
‫أن األسرة تحتاج إلى شخص يدير أمورها ويكون رأيه هو الفاصل في نهاية المطاف‬ ‫اعتبار ّ‬
‫في حال اختالف وجهات النظر وبعد التشاور بين أعضائها‪ .‬ويحكى ّ‬
‫أن البشر ّية عرفت‬
‫نوعين من المجتمعات‪ ،‬فهناك المجتمعات األمومية التي جعلت القوامة لألم‪ ،‬وهناك ‪ -‬في‬
‫المقابل ‪ -‬المجتمعات الذكورية التي جعلت القوامة لألب‪ ،‬وهذه هي األغلب‪ ،‬وقد ارتأى‬
‫التشريع اإلسالمي جعل القوامة لألب‪ ،‬ألنه األقدر على هذه المهمة كما سيتضح‪ ،‬وهذه‬
‫يوسع دائرة‬
‫اآلية الشريفة‪ ،‬هي المستند القرآني لهذا التشريع‪ .‬والوجه في رفضنا للقول الذي ّ‬
‫القوامة لخارج دائرة الحياة الزوج ّية‪ ،‬هو عدّ ة قرائن مستوحاة من اآلية المباركة‪:‬‬

‫(((  سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.34‬‬


‫(((  انظر‪ :‬مجمع البيان‪ ،‬للطبرسي ج ‪ 3‬ص ‪ ،7‬والوجيز في تفسير الكتاب العزيز‪ ،‬للواحدي ج ‪ 1‬ص ‪،263‬‬
‫والميزان‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪ ،343‬قال العالمة الطبطبائي‪« :‬قوله‪ :‬ﵛﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄﵚ [النساء ‪]34‬‬
‫غير مقصور على األزواج بأن يختص القوامية بالرجل على زوجته‪ ،‬بل الحكم مجعول لقبيل الرجال‬
‫على قبيل النساء في الجهات العامة التي ترتبط بها حياة القبيلين جميع ًا‪ ،‬فالجهات العامة االجتماعية‬
‫ال اللذين يتوقف عليهما حياة المجتمع وإنما‬‫التي ترتبط بفضل الرجال كجهتي الحكومة والقضاء مث ً‬
‫يقومان بالتعقل‪ ،‬الذي هو في الرجال بالطبع أزيد منه في النساء‪ ،‬وكذا الدفاع الحربي الذي يرتبط‬
‫بالشدة وقوة التعقل كل ذلك مما يقوم به الرجال على النساء‪ .‬وعلى هذا فقوله‪ :‬ﵛﭐﱁ ﱂ ﱃ‬
‫ﱄﵚ ذو إطالق تام»‪ .‬انظر‪ :‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪68‬‬
‫أن الجو العام في اآلية هو جو الحديث عن البيت الزوجي‪ ،‬كما‬ ‫القرينة األولى‪ّ :‬‬
‫تضمن عالج حالة نشوز المرأة‪،‬‬‫ّ‬ ‫يظهر من تتمة اآلية والتفريع الذي جاء فيها‪ ،‬والذي‬
‫«وهو ليس تفريع ًا جزئي ًا ألمر عام وشامل‪ ،‬بل يم ّثل ‪ -‬بحسب الظهور العرفي ‪ -‬تفريع ًا‬
‫ذا داللة على نطاق الحكم في الشمول»((( فالحظ قوله سبحانه‪ :‬ﵛﱐ ﱑ‬
‫ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ‬
‫ﱤ ﱥ ﱦﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬﵚ(((‪.‬‬ ‫ﱡ ﱢﱣ‬
‫ﱞﱟ ﱠ‬

‫أن اآلية ‪ -‬بحسب ظاهرها ‪ -‬ليست ناظرة إلى تنظيم الشؤون العامة في‬ ‫القرينة الثانية‪ّ :‬‬
‫المجتمع وتحديد المؤهل لقيادة األمة‪ ،‬وإنّما هي ناظرة إلى تنظيم عالقة الرجل بالمرأة‪،‬‬
‫لتكون القض ّية في كل جزئياتها التطبيق ّية قض ّية رجل وامرأة‪ ،‬ومن الواضح ّ‬
‫أن الدائرة الوحيدة‬
‫التي تكون فيها العالقة منحصرة بعالقة الرجل والمرأة‪ ،‬هي دائرة العالقة الزوج ّية‪ ،‬وأما في‬
‫السلطة العامة في الحكم أو في القضاء فال تكون العالقة فيها عالقة رجل بامرأة‪ ،‬بل عالقة‬
‫قائد بمجتمع‪ ،‬بذكوره وإناثه(((‪.‬‬
‫أن تبرير القوامة باإلنفاق هو نفسه يعدُّ شاهد ًا على انحصار القوامة‬ ‫القرينة الثالثة‪ّ :‬‬
‫ألن اإلنفاق يصلح تبرير ًا ولو بنحو جزئي لجعل القوامة للرجل في‬ ‫بالبيت الزوجي‪ ،‬وذلك ّ‬
‫أن الرجل ينفق من ماله على األسرة‪ ،‬والمنفق يكون صاحب قرار أو‬ ‫نطاق األسرة‪ ،‬باعتبار ّ‬
‫شريك ًا فيه‪ .‬ولك ّن في القيادة العامة للمجتمع ال معنى لجعل السلطة للرجل ألنّه المنفق‪ ،‬فهنا‬
‫ال يوجد مسؤول ّية إنفاق ّية يك ّلف بها األفراد‪ ،‬ألن اإلنفاق هو من بيت مال المسلمين وليس‬
‫من كيس الرجل‪ ،‬ليكون األكثر ماالً هو القائد‪.‬‬
‫تحمله مسؤول ّية إدارية‪ ،‬وهذه‬
‫أن القوامة ال تعطي صاحبها سلطة استبدادية‪ ،‬وإنّما ّ‬‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫نص القرآن على أهل ّية المرأة‬
‫المسؤولية ال تلغي دور المرأة وال تصادر رأيها وال دورها‪ ،‬وقد ّ‬
‫للمشورة وإعطاء الرأي في أخطر قرار تواجهه الحياة الزوج ّية‪ ،‬وهو قرار الطالق‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫ﭐﵛﭐﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊﵚ(((‪ .‬فباألولى أن يكون لها دور ورأي في‬
‫أن القرآن الكريم لم يستخدم في المقام مصطلح السلطة‬ ‫طريقة إدارة هذه الحياة‪ .‬ونالحظ ّ‬

‫  من وحي القرآن‪ ،‬ج ‪ 7‬ص ‪.230‬‬ ‫(((‬


‫ سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.43‬‬ ‫(((‬
‫  انظر‪ :‬من وحي القرآن‪ ،‬ج ‪ 7‬ص ‪.230‬‬ ‫(((‬
‫ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.233‬‬ ‫(((‬
‫‪69‬‬ ‫المحور الثاني‪ :‬المرأة بين مدرسة اإلسالم والمدارس األخرى‬
‫أن‬‫أو نحوها‪ ،‬وإنما استخدم مصطلح «القوامة»‪ ،‬وهذا اختيار فيه عناية ود ّقة فهو يدل على ّ‬
‫ال تشريفي ًا‬ ‫قوام على المرأة‪ ،‬أي قائم بأمورها ورعايتها‪ ،‬ما يوحي ّ‬
‫أن القوامة ليست عم ً‬ ‫الرجل ّ‬
‫وإنّما هي مهمة وتكليف‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬في مقام تبرير جعل القوامة بيد الرجل ذكرت اآلية سببين‪ :‬أحدهما هو قض ّية‬
‫أن اآلية عندما ذكرت‬ ‫التفضيل‪ ،‬والثاني هو قيام الرجل بأمر اإلنفاق على األسرة‪ .‬ونالحظ ّ‬
‫فضلهم عليه ّن»‪ ،‬وإنّما قالت‪:‬‬
‫السبب األول لبيان قوامة الرجال على النساء لم تقل‪« :‬بما ّ‬
‫يدل على التفضيل المطلق‬ ‫ﵛﭐﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊﵚ(((‪ ،‬وشتان بين التعبيرين‪ ،‬فاألول ُّ‬
‫للرجال على النساء‪ ،‬بينما الثاني وهو الوارد في القرآن ُّ‬
‫يدل على التفضيل المتبادل بينهما‪،‬‬
‫أن البعض األولى والثانية جاءت‬ ‫ٍ‬
‫بعض»‪ ،‬تجد ّ‬ ‫«فضل ال ّله بعضهم على‬
‫فتأمل ملي ًا في قوله‪َّ :‬‬
‫مطلقة‪ ،‬فتكون شاملة للرجال والنساء‪ ،‬ولو أراد بالبعض األولى الرجال وبالثانية النساء‪،‬‬
‫بحيث يكون مقصوده بيان التفضيل المطلق لجنس الرجال على جنس النساء لذكر ذلك‬
‫فضلهم عليه ّن»‪ ،‬وبما أنّه عدل عن ذلك‬ ‫بشكل مباشر وواضح ودون إبهام‪ ،‬فقال‪« :‬بما ّ‬
‫واستخدم تعبير ًا ظاهر ًا في أنّه أراد بيان التفضيل المتبادل والمتقابل بين الرجال والنساء‪،‬‬
‫فض ٌل على المرأة في بعض األمور‪ ،‬والمرأة ‪ -‬في المقابل ‪-‬‬ ‫أن الرجل ُم ّ‬‫فيكون مراده بيان ّ‬
‫فإن الرجل هو‬‫خص مقام إدارة الحياة الزوجية‪ّ ،‬‬
‫مفضلة على الرجل في أمور أخرى‪ .‬وفيما ّ‬ ‫ّ‬
‫األفضل‪ ،‬ربما بسبب غلبة حزمه على عاطفته‪ ،‬وهو ما تحتاجه إدارة األسرة‪ ،‬ومن جهة أخرى‬
‫فإن األسرة بحاجة إلى عاطفة جياشة‪ ،‬وهذا ما توفره لها األم‪ ،‬وهو ما يجعلها أفضل من‬ ‫ّ‬
‫الرجل في هذا الجانب‪ ،‬ومما يؤيد هذا الفهم ّ‬
‫وأن الحديث في اآلية هو عن التفضيل المتبادل‬
‫ما جاء في آية أخرى وهي قوله تعالى‪ :‬ﵛﭐﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗﲘ ﲙ‬
‫ﲚ ﲛ ﲜﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡﵚ(((‪.‬‬
‫ال مطلق ًا‪ ،‬لجنس الرجال على جنس‬ ‫أن التفضيل المذكور ليس تفضي ً‬ ‫والخالصة‪ّ :‬‬
‫النساء‪ ،‬وإنّما هو تفضيل نسبي للرجل فيما يتصل بإدارة شؤون األسرة‪ ،‬ولهذا فليس هو‬
‫تفضيل قيمة وإنما تفضيل دور‪ ،‬فعلى صعيد القيمة األخالقية ال فضل للرجل على المرأة إال‬
‫بالتقوى والعمل الصالح‪ ،‬كما أسلفنا فيما سبق‪.‬‬

‫(((  سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.34‬‬


‫(((  سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.32‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪70‬‬
‫باء‪« :‬تحت عبدين»!‬
‫توه َم البعض أنّها تعكس مفهوم ًا مهين ًا للمرأة ما جاء في قوله‬
‫من التعابير القرآنية التي ّ‬
‫تعالى‪ :‬ﵛﭐﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ‬
‫ﲎﵚ(((‪ ،‬فعبارة‪« :‬تحت عبدين» موحية بدون ّية المرأة‪.‬‬
‫ألن هذا التعبير لم ُيقصد به المعنى الحرفي الموحي‬‫ولكنّنا ال نوافق على هذا الفهم‪ّ ،‬‬
‫وعلو الرجل‪ ،‬وإنّما هو كناية عن وجود علقة خاصة أعطي الزوج فيها‬ ‫ِ‬ ‫بانخفاض المرأة‬
‫قوام ّية معينة على المرأة‪ ،‬وفق ًا للرؤية القرآنية التشريعية القائمة على مبدأ اعتماد النظام‬
‫األبوي في إدارة الحياة األسرية‪ .‬وهذه القوامية ‪ -‬باإلضافة إلى ما هو معروف فقهي ًا‬
‫من كون الطالق بيد الرجل ‪ -‬كافية لتبرير استخدام كلمة «تحت»‪ ،‬فالتحت ّية ال تختزن‬
‫معنى الدون ّية‪ ،‬تمام ًا كما هو الحال في الكثير من االستعماالت‪ ،‬فالله تعالى يحدثنا في‬
‫أن هذا ال يشير‬ ‫العديد من اآليات عن الجنة‪ ،‬فيقول‪ :‬ﵛﳠ ﳡ ﳢ ﳣ ﳤ ﳥﵚ(((‪ ،‬مع ّ‬
‫وال يوحي بدونية األنهار أبد ًا‪ ،‬فاألنهار والمياه هي العنصر األهم في الجنة‪ ،‬وال وجود‬
‫للحياة من دون الماء‪ .‬ويحدثنا القرآن أيض ًا عن نبي الله عيسى‪ ‬أنّه وفور والدته نادى‬
‫أمه من تحتها مسلي ًا ومخفف ًا عنها‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﵛﭐﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ‬
‫إن مناداته لها من تحتها هو دليل على دون ّية المسيح بالنسبة أل ِّمه‬ ‫ﳈ ﳉﵚ(((‪ ،‬فهل ّ‬
‫مريم الصديقة؟! بالطبع ال‪ ،‬فالمقام ليس مقام تفاضل‪ ،‬وإنّما تشير التحت ّية هنا إلى تحديد‬
‫جهة المناداة‪ ،‬فقد كان عيسى‪ ‬مولود ًا للتو‪ ،‬ووضعه الطبيعي في هذه الحالة أن يكون‬
‫تحت أمه‪.‬‬
‫وقد وردت كلمة «تحت» في األحاديث النبو ّية مرار ًا دون أن تختزن معنى الدونية‪،‬‬
‫فقد روي عنه(ص)‪« :‬الجنّة تحت أقدا ِم األمهات»(((‪ ،‬وعنه(ص) أيض ًا‪« :‬الجنّة تحت ظالل‬
‫السيوف»(((‪ .‬وفي هذين االستعمالين ونظائرهما ال توحي كلمة «تحت» بالدونية كما هو‬
‫واضح‪ ،‬وإنّما تشير إلى وجود رابطة معينة تختلف باختالف الموارد‪.‬‬

‫ سورة التحريم‪ ،‬اآلية ‪.10‬‬ ‫(((‬


‫ سورة طه‪ ،‬اآلية ‪.76‬‬ ‫(((‬
‫ سورة مريم‪ ،‬اآلية ‪.24‬‬ ‫(((‬
‫  كنز العمال‪ ،‬ج‪ 16‬ص‪.461‬‬ ‫(((‬
‫  صحيح البخاري‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.208‬‬ ‫(((‬
‫‪71‬‬ ‫المحور الثاني‪ :‬المرأة بين مدرسة اإلسالم والمدارس األخرى‬
‫جيم‪ :‬النساء حرث للرجال!‬
‫ومن اإلشكاالت التي يثيرها البعض في المقام ّ‬
‫أن القرآن الكريم قد ش ّبه المرأة بأنّها‬
‫حرث للرجل‪ ،‬في قوله تعالى‪ :‬ﵛﭐﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵﵚ(((‪ ،‬وهو تشبيه ال‬ ‫ٌ‬
‫يخلو من توهين‪ ،‬ألنّه ينظر إلى المرأة باعتبارها مزرعة للرجل!‬
‫ولكنّنا ال نوافق على هذا الفهم ونعتبره غير سديد‪ ،‬فاآلية الكريمة ال توحي باإلساءة‬
‫للمرأة‪ ،‬بل على العكس من ذلك‪ ،‬فإنّها تلفت األنظار إلى ٍ‬
‫نعمة جليلة ووظيفة عظيمة الفائدة‬
‫وجليلة النفع في المرأة‪ ،‬أال وهي أنّها مه ّيأة تكوين ًا لتكون أساس ًا للتناسل‪ .‬فالحرث وهو مكان‬
‫وش ّبهت المرأة به من هذه الجهة‪ ،‬وهو تشبيه مجازي‪ ،‬فالنطفة‬ ‫الزرع‪ ،‬إنّما ُيراد به هذا المعنى‪ُ ،‬‬
‫ا َّلتي تُلقى في أرحامه ّن لالستيالد هي بمثابة البذر الذي يلقيه الفالح في األرض ليصبح‬
‫أن األرض الطيبة هي المكان الالئق للزرع والغرس‪ّ ،‬‬
‫فإن‬ ‫ثمر ًا طيب ًا أو زرع ًا مفيد ًا‪ .‬وكما ّ‬
‫المرأة هي المهيأة ‪ -‬في تقدير الله ‪ -‬لتكون أم ًا‪ ،‬وليكون رحمها موئ ً‬
‫ال لالستيالد‪ .‬وقدرتها‬
‫ألحد أن يعمل على تجميدها أو تعطيلها‪ ،‬بما في‬‫ٍ‬ ‫يحق‬
‫على االستيالد هي طاقة عظيمة وال ّ‬
‫الشرع بالعزوف عن الزواج واالنقطاع إلى التبتل‬
‫ُ‬ ‫ذلك المرأة نفسها‪ ،‬ومن هنا فال َي ْس َم ُح لها‬
‫والرهبنة‪ .‬وإننا نستوحي من تأكيد اآلية على صفة االستيالد في المرأة‪ ،‬أنّها لم تخلق لمجرد‬
‫قضاء الشهوة العابرة من قبل الرجل‪ ،‬وقد نستطيع في هذا الزمن فهم هذه اآلية جيد ًا‪ ،‬حيث‬
‫تسود فكر ٌة ترمي إلى إبعاد المرأة عن القيام بدور األمومة وعن مجال التناسل‪ ،‬حفاظ ًا على‬
‫أناقتها ولياقتها الجسم ّية‪ ،‬وقد أخذت فكرة الرحم البديلة تنتشر في بعض األوساط‪ّ ،‬‬
‫ولعل‬
‫البعض يذهب به الخيال والشطط إلى اعتماد أسلوب التوالد من خالل الرحم الصناعية‪ ،‬لو‬
‫كان ذلك متيسر ًا‪ ،‬في انحراف ب ّين عن قوانين الطبيعة ومسارها‪ ،‬وهذا االنحراف له عواقب‬
‫وخيمة على اإلنسان عامة وعلى المرأة بشكل خاص‪.‬‬
‫قال بعض المفسرين‪ّ :‬‬
‫إن في اآلية «إشارة رائعة لبيان ضرورة وجود المرأة في المجتمع‬
‫اإلنساني‪ .‬فالمرأة بموجب هذا التعبير ليست وسيلة إلطفاء الشهوة‪ ،‬بل وسيلة لحفظ حياة‬
‫النوع البشري»‪ ،‬إلى أن يقول‪« :‬هذا األمر القرآني يشير إلى ّ‬
‫أن الهدف النهائي من الجماع ليس‬
‫هو االستمتاع باللذة الجنسية‪ ،‬فالمؤمنون يجب أن يستثمروه على طريق تربية أبناء صالحين‪،‬‬
‫وأن يقدموا هذه الخدمة التربو ّية المقدسة ذخيرة ألخراهم‪ .‬وبذلك يؤكد القرآن على رعاية‬

‫(((  سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.223‬‬


‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪72‬‬
‫الدقة في انتخاب الزوجة كي تكون ثمرة الزواج إنجاب أبناء صالحين وتقديم هذه الذخيرة‬
‫االجتماعية اإلنسانية الكبرى»(((‪.‬‬

‫والنبوة‬
‫ّ‬ ‫دال‪ :‬المرأة‬
‫ومن القضايا اإلشكالية المطروحة في المقام‪ ،‬أنّه لماذا كان اختيار األنبياء ‪ ‬بأجمعهم‬
‫ونصت‬
‫من الذكور؟ حيث إنّه وفي كل هذا التاريخ الديني ‪ -‬حسب ما جاء في القرآن الكريم ّ‬
‫أن امرأة واحدة اختيرت لمقام‬‫عليه الكتب السماوية األخرى واألحاديث الشريفة ‪ -‬لم نجد ّ‬
‫النبوة‪ ،‬ويؤ ّيده ما جاء في قوله تعالى‪ :‬ﵛﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈﱉ ﱊ ﱋ ﱌ‬ ‫ّ‬
‫دليال أو مؤشر ًا على ّ‬
‫أن المرأة غير مؤهلة‬ ‫ﱍ ﱎ ﱏ ﱐﵚ((((((‪ ،‬ما قد يرى فيه بعض الناس ً‬
‫لهذا المقام‪ ،‬ويرى فيه آخرون ظلم ًا وتهميش ًا للمرأة من قبل الدين نفسه‪.‬‬
‫ٍ‬
‫نقص ذاتي‬ ‫أن عدم إرسال أو بعثة نبي من جنس النساء ليس مر ّده إلى‬ ‫وتعليقنا على ذلك‪ّ ،‬‬
‫في المرأة يمنعها من الوصول إلى مرتبة عالية من الكمال الروحي كالتي يتط ّلبها مقام النبوة‪ ،‬كيف‬
‫النبوة‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫وقد حدّ ثنا القرآن الكريم عن وصول عدد من النساء إلى مقامات روح ّية عالية مالزمة لمقام ّ‬
‫إليهن‪ ،‬كما هو الحال في « أم موسى»‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫ّ‬ ‫فبعض النسوة قد أوحي‬ ‫ ) أ‬
‫ﵛﭐﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ‬
‫ﱝﱞ ﱠ ﱡ ﱢﱣ ﱤ ﱥﵚ(((‪ ،‬والوحي وإن كان بمعنى اإللهام فإنه‬
‫مرتب ٌة عظيمة ال يبلغها ‪-‬في أعلى مستوياتها‪ -‬إال األنبياء والمرسلون‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫ﵛﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅﵚ(((‪.‬‬
‫ٍ‬
‫درجة كانت المالئكة تنزل لخدمتها وتأتيها برزقها من‬ ‫وبعضه ّن قد وصلت إلى‬‫ ) ب ُ‬
‫تعجب ٍ‬
‫نبي من‬ ‫عند الله تعالى‪ ،‬كما حصل مع السيدة مريم‪ ،‬األمر الذي أثار ّ‬
‫األنبياء‪ ‬وهو زكريا‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﵛﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐﳑ‬
‫ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖﳗ ﳘ ﳙ ﳚ ﳛ ﳜﳝ ﳞ ﳟ ﳠ ﳡ ﳢ ﳣ ﳤﵚ(((‪.‬‬

‫  األمثل في تفسير كتاب الله المنزل‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.123‬‬ ‫(((‬


‫ سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪.43‬‬ ‫(((‬
‫النص في سورة األنبياء أيض ًا‪ ،‬آية ‪ ،7‬ونحوه ما جاء في سورة يوسف ‪.109‬‬‫  ورود هذا ّ‬ ‫(((‬
‫ سورة القصص‪ ،‬اآلية ‪.7‬‬ ‫(((‬
‫ سورة طه‪ ،‬اآلية ‪.13‬‬ ‫(((‬
‫ سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.37‬‬ ‫(((‬
‫‪73‬‬ ‫المحور الثاني‪ :‬المرأة بين مدرسة اإلسالم والمدارس األخرى‬
‫جوهكذا ّ‬
‫فإن مريم‪ ‬نفسها قد وصلت إلى درجة الصديقين‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﭐﵛﲡ ﲢ‬ ‫ )‬
‫ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ‬
‫بالنبوة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ﲸ ﲹ ﲺ ﲻﵚ(((‪ ،‬وهذه الدرجة هي من الدرجات الرفيعة جد ًا واللصيقة‬
‫قال تعالى‪ :‬ﵛﭐﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟﵚ(((‪ ،‬وقال سبحانه‪ :‬ﵛﱭ ﱮ ﱯ‬
‫ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷﱸ ﱹ ﱺ ﱻﵚ(((‪ ،‬وقد‬
‫ورد في الحديث الصحيح عن َأبِي ا ْل َح َس ِن موسى بن جعفر‪َ ‬ق َال‪« :‬إِ َّن َفاطِ َم َة(ع)‬
‫ِصدِّ ي َق ٌة َش ِهيدَ ةٌ»(((‪.‬‬
‫إن عدم إرسال نبي من صنف النساء ليس مر ّده إلى قصور‬ ‫وفي ضوء ذلك يمكن القول‪ّ :‬‬
‫أن المجتمعات البشرية في األزمنة‬ ‫المرأة عن بلوغ هذه الرتبة‪ ،‬بل مر ّده إلى سبب آخر‪ ،‬وهو ّ‬
‫الغابرة كانت مجتمعات ذكور ّية ولم تكن لتتقبل أن يكون النبي‪ ‬من النساء‪ .‬والنسوة‬
‫أن امرأة عمران نذرت ما في بطنها‬ ‫أنفسه ّن ك ّن مقتنعات بذلك‪ ،‬فقد حدّ ثنا القرآن الكريم ّ‬
‫محرر ًا لله تعالى‪ ،‬وكانت تقدّ ر أنّه سيكون ذكر ًا‪ ،‬ألن المرأة ال تصلح ‪ -‬في نظر اليهود‪ -‬لخدمة‬
‫فإن هذه المرأة الطاهرة الجليلة لم تستوعب أن‬ ‫المعبد والقيام بمهمة اإلرشاد الديني‪ ،‬ولهذا ّ‬
‫وتحسر‪ ،‬قائلة‪ :‬ﭐﵛﭐﲨ‬
‫ّ‬ ‫فتوجهت إلى الله تعالى توجه ًا ال يخلو من ذهول‬
‫ّ‬ ‫ترى مولودها أنثى!‬
‫ّ‬
‫فكأن األنثى ليست مؤهلة للقيام بالمهام الدين ّية!‬ ‫ﲩ ﲪ ﲫﵚ(((؟! ﵛﭐﲰ ﲱ ﲲﵚ ‪،‬‬
‫(((‬

‫وأمام ذهن ّية ذكور ّية مستحكمة إلى هذا الحدّ ‪ ،‬كان مقتضى الحكمة اإلله ّية أن تتم‬
‫للحجة على العباد‪.‬‬
‫ّ‬ ‫مراعاة هذا األمر‪ ،‬نزع ًا للذرائع وإقامة‬
‫وهذا غاية ما يستفاد من اآلية المتقدمة‪ ،‬أعني قوله تعالى‪ :‬ﵛﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ‬
‫النبوة‪ ،‬وإنّما تشير إلى‬ ‫ﲑ ﲒﵚ(((‪ ،‬فهي ال ُّ‬
‫تدل على نفي أهل ّية المرأة للوصول إلى مقام ّ‬
‫واقع الحال وما جرت عليه السيرة في األمم الماضية‪ ،‬من إرسال رجال واختيارهم لهذا‬
‫المقام‪ ،‬ولسان اآلية وإن كان يوحي بعدم إرسال نساء لهذه المهمة‪ ،‬ولكنّها لم تب ّين سبب‬

‫ سورة المائدة‪ ،‬اآلية ‪.75‬‬ ‫(((‬


‫ سورة مريم‪ ،‬اآلية ‪.41‬‬ ‫(((‬
‫ سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.69‬‬ ‫(((‬
‫  الكافي‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.458‬‬ ‫(((‬
‫ سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.36‬‬ ‫(((‬
‫ سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.36‬‬ ‫(((‬
‫ سورة األنبياء‪ ،‬اآلية ‪.7‬‬ ‫(((‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪74‬‬
‫أن مر ّده إلى عدم صالح ّية النساء للنهوض بأعباء‬‫اختيار الرجال دون النساء لذلك‪ ،‬وهل ّ‬
‫أن مر ّده إلى عدم تق ّبل المجتمع الذكوري لهذا األمر؟ ولو س ّلمنا ّ‬
‫بأن السبب‬ ‫هذه المهمة‪ ،‬أو ّ‬
‫المهمة‪ ،‬فهل عدم الصالح ّية هذا ناشئ من قصورها‬‫ّ‬ ‫هو في عدم صالح ّية النساء لتولي هذه‬
‫النبوة‪ ،‬أو أنّه نابع من قصورها العرضي بسبب ما تعرضت له‬‫الذاتي المانع من بلوغها مقام ّ‬
‫المهمة وجعلها غير‬
‫ّ‬ ‫من تهميش وإقصاء تاريخيين‪ ،‬األمر الذي أفقدها األهل ّية لتولي هذه‬
‫النبوة؟‬
‫قادرة على بلوغ المقامات الروح ّية والمعرفية التي يتطلبها موقع كموقع ّ‬
‫إن اآلية المباركة ساكتة عن ذلك كله‪ ،‬وال يمكن إسقاط أحد هذه االحتماالت عليها‬ ‫ّ‬
‫أن عدم اختيارها ليس نابع ًا من قصورها الذاتي‬
‫إال بقرينة أو دليل‪ ،‬ونحن نستطيع التأكيد على ّ‬
‫النبوة‪ ،‬ودليلنا على ذلك هو ما أشرنا إليه قبل قليل من وصول بعض النسوة إلى‬
‫عن بلوغ مقام ّ‬
‫النبوة‪.‬‬
‫أعلى المقامات والكماالت الروح ّية المالزمة لمقام ّ‬
‫هاء‪ :‬اإلله الذكر!‬
‫أن هذا الفكر قدّ م اإلله على صورة‬‫سجل البعض على الفكر الديني اعتراض ًا مفاده ّ‬
‫وقد ّ‬
‫وسهل للرجل اإلقدام على استعبادها‪ ،‬يقول‬ ‫الرجل‪ ،‬وهو األمر الذي أتاح اضطهاد المرأة ّ‬
‫صورته‬
‫بعض الربوبيين((( ‪«:‬المشكلة األخرى حول فكرة اإلله في األديان السماوية أنّها ّ‬
‫إن اإلله هو ذكر‪ ،‬وهذا سيجعل النساء منفيات شعوري ًا وال شعوري ًا إلى مقام‬ ‫كرجل‪ ،‬أي ّ‬
‫أقل في المجتمع‪ .‬ومن هنا نجد أن هذا انعكس على هذه المجتمعات بطريقة غير مباشرة‬ ‫ّ‬
‫ومباشرة حيث أصبحت المرأة تخضع للرجل»(((‪.‬‬
‫ثمة رأي يعتد به في المجال‬ ‫ٍ‬ ‫إال ّ‬
‫أن الكالم مستغرب ومرفوض ومجاف للحقيقة‪ ،‬فليس ّ‬
‫أن مجرد طرح‬ ‫ينص على ذكورية اإلله(((‪ ،‬وأعتقد ّ‬ ‫الديني وال سيما على الصعيد اإلسالمي ّ‬

‫(((   الربوبيون‪ :‬هم الذين يؤمنون بوجود الله تعالى‪ ،‬ولكنهم ينكرون النبوة وال يؤمنون باألنبياء‪.‬‬
‫مدونة الربوبي العربي‪ ،‬موقع إلكتروني‪ ،‬من مقال بعنوان «جمال الربوبية» منشور بتاريخ ‪ 26‬آب‪/‬‬
‫(((   انظر‪ّ :‬‬
‫أغسطس ‪2009‬م‪.‬‬
‫«حكي عن داود‬‫يتطرق إلى جنس اإلله‪ ،‬فقد ُ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫ثمة رأي شاذ جدا يرى أن الله تعالى جسم ولكنه لم ّ‬ ‫(((   ّ‬
‫إن معبوده جسم ولحم‬ ‫الجواربي أنّه قال‪ :‬اعفوني عن الفرج واللحية واسألوني عما وراء ذلك‪ ،‬وقال‪ّ :‬‬
‫ودم وله جوارح وأعضاء من يد ورجل ورأس ولسان وعينين وأذنين‪ ،‬ومع ذلك جسم ال كاألجسام‬
‫ولحم ال كاللحوم ودم ال كالدماء وكذلك سائر الصفات وهو ال يشبه شيئ ًا من المخلوقات وال يشبهه‬
‫وحكي عنه أنه قال‪ :‬هو أجوف من أعاله إلى صدره‪ ...‬وإن له وفرة سوداء وله شعر قطط»‪ ،‬انظر‪:‬‬ ‫شيء‪ُ ،‬‬
‫الملل والنحل للشهرستاني ج ‪ 1‬ص ‪.105‬‬
‫‪75‬‬ ‫المحور الثاني‪ :‬المرأة بين مدرسة اإلسالم والمدارس األخرى‬
‫ألن االنقسام إلى الذكور‬‫السؤال عن جنس الله تعالى وأنّه ذكر أو أنثى هو جهل بحقيقته‪ّ ،‬‬
‫واإلناث هو من خصائص المخلوق‪ ،‬وال يشمل الخالق‪ ،‬فمن خصائص الذكر أو األنثى‬
‫أنهما يتزاوجان وينجبان‪ ،‬والله فوق ذلك وهو أسمى من أن يحتاج إلى الزوجة أو الولد‪ ،‬كما‬
‫وصف نفسه في كتابه‪:‬ﵛﭐﱉ ﱊ ﱋ ﱌ* ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒﵚ(((‪ .‬ولو كان ذكر ًا لكان له‬
‫نظير وكفوء‪ ،‬والله تعالى يقول أيض ًا‪ :‬ﭐﵛﭐﱐ ﭐﱑ ﭐﱒﵚ((((((‪ ،‬ولو كان ذكر ًا أو أنثى لكان له‬
‫مثيل‪ .‬فهو تعالى حقيقة مغايرة لما عليه خلقه‪.‬‬
‫ولكن يبقى تساؤل في المقام‪ ،‬وهو أنّه إذا لم يكن الله تعالى ذكر ًا فلماذا وصف نفسه في‬
‫القرآن الكريم بأوصاف الذكر‪ ،‬سواء على صعيد استخدام األسماء أو األفعال أو الضمائر‪،‬‬
‫(((‬
‫فالحظ على سبيل المثال قوله تعالى‪ :‬ﵛﭐﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟﵚ‬
‫فقد استخدمت هذه اآلية في التعبير عن الله تعالى واإلشارة إليه ضمير «هو» ولم تستخدم‬
‫فعبرت عن الله تعالى بأنّه «الحي القيوم»‬
‫ضمير األنثى «هي»‪ ،‬واستخدمت أسماء مذكرة‪ّ ،‬‬
‫ولم تقل‪« :‬الح ّية الق ّيومة» واألسماء المذكرة كثيرة في القرآن‪ ،‬وامتد التذكير إلى األفعال‪،‬‬
‫ال مذكر ًا فقالت‪« :‬تأخذه»‪ ،‬وليس «تأخذها»؟!‬ ‫فاستخدمت اآلية فع ً‬
‫والجواب على ذلك يتضح من خالل ذكر المقدمات التالية‪:‬‬

‫إن الموجودات على نوعين‪:‬‬


‫المقدمة األولى‪ّ :‬‬
‫األول‪ :‬هو ما ينقسم إلى مذكر ومؤنث‪ ،‬كما هو الحال في اإلنسان والحيوان‪،‬‬
‫(المخلوقات المتوالدة)‪ ،‬ولكل من المذكر والمؤنث ضمائر وأسما ُء إشارة وأسما ٌء موصولة‬
‫خاصة بها في لغة العرب‪ ،‬فتقول‪ :‬هذا الغالم هو الذي اصطاد ُث ْعبان ًا‪ ،‬وهذه البنت هي التي‬
‫خافت من األَسد‪ .‬والمذكر في هذه الحالة يسمى المذكر الحقيقي وكذلك المؤنث‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬ما ال ينقسم إلى مذكر ومؤنث‪ ،‬كما في األشياء الجامدة‪ ،‬من قبيل األرض‬
‫والجبال والنجوم وسائر األشياء‪ ،‬والله تعالى من هذا القبيل‪.‬‬

‫ سورة اإلخالص‪ ،‬اآليتان ‪.4-3‬‬ ‫(((‬


‫ سورة الشورى‪ ،‬اآلية ‪.11‬‬ ‫(((‬
‫ ويالحظ في اآلية األخيرة أنّه ولمزيد من المباعدة ورفع التوهم حول شبه الله بخلقه جاءت اآلية‬ ‫(((‬
‫ّ‬
‫فكأن‬ ‫تقل ليس له ٌ‬
‫مثل‪ ،‬وال قالت‪ :‬ليس كالله شيء‪ ،‬وإنّما قالت ليس كمثله‪،‬‬ ‫بالكاف والمثل‪ ،‬فهي لم ْ‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫اآلية تريد اإليحاء بأنّه لو فرض جدال أن لله مثي ً‬
‫ال فليس هناك شيء يشابه هذا المثيل‪.‬‬
‫ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.255‬‬ ‫(((‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪76‬‬
‫المقدمة الثانية‪ :‬ذكر علماء العربية أنّه في الموارد التي يكون الشيء مما ينقسم إلى‬
‫جنسين‪ ،‬وهما الذكور واإلناث‪ ،‬تكون مراعاة التذكير والتأنيث ضرورية والزمة‪ ،‬وأ ّما في‬
‫المواضع التي ال تنقسم إلى مذكر ومؤنث فيتعين إدراجها في مقام التعبير إما تحت المذكر‬
‫أو المؤنث‪ ،‬استناد ًا إلى عدم وجود تعبير محايد في اللغة العربية‪ ،‬فإذا أدرج الشيء تحت‬
‫المذكر وعومل معه معاملة المذكر في الضمائر واإلشارة والموصول من قبيل كتاب أو بيت‬
‫أو عشب‪ ،‬قيل له مذكر مجازي‪ ،‬وإذا أدرج تحت المؤنث وعومل معه معاملة المؤنث في‬
‫ذلك‪ ،‬من قبيل صحيفة ودار ووردة‪ ،‬قيل له‪ :‬مؤنث مجازي‪.‬‬
‫المقدمة الثالثة‪ :‬ويرد سؤال هنا ما هي القاعدة المعتمدة في التأنيث أو التذكير‬
‫ْ‬
‫والتأنيث‬ ‫المجازيين؟ قال بعض النحويين(((‪« :‬ليس هناك قاعدة في معرفة التذكير‬
‫المجازيين‪ ،‬بل المدار في معرفة ذلك على السماع‪ ،‬وذلك بالرجوع إلى كتب اللغة»‪ .‬وعليه‬
‫فالتأنيث في لفظ «الشمس»‪ ،‬حيث يقال‪ :‬هذه الشمس‪ ،‬أو كما ورد في القرآن الكريم‪:‬‬
‫ﵛﭐﱖﱗﱘﱙﵚ((( والتذكير في لفظ القمر‪ ،‬حيث يقال‪ :‬القمر طالع‪ ،‬أو كما جاء في‬
‫القرآن الكريم‪ :‬ﵛﭐﲠ ﲡﵚ(((‪ّ ،‬‬
‫إن التذكير والتأنيث المشار إليهما ال تفسير لهما إال السماع‪،‬‬
‫ونحوهما سائر الموارد‪ ،‬ولم ينطلق ذلك من أي اعتبار قيمي‪ ،‬يقول المتنبي‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫وال التذكير فخـــر للهالل‬ ‫وما التأنيث السـم الشـمس عيب‬

‫وفي ضوء ما تقدّ م يمكن القول‪ّ :‬‬


‫إن تعامل اللغة العربية مع اسم الله تعالى وأوصافه‬
‫تعامل المذكّر مرجعه إلى السماع وال قاعدة قياسية له‪.‬‬
‫وكون المسألة سماع ّية ال يعني أنّها مبتنية على خطأ‪ ،‬وقد جرى القرآن على الخطأ‪،‬‬
‫ألن اللسان العربي العام قد جرى على ذلك‪ ،‬فيصبح السماع‬‫فالسماع ال يوصف بالخطأ؛ ّ‬
‫قاعدة مطردة‪ ،‬والخروج عليه هو المخالف للقاعدة وهو الخطأ‪.‬‬

‫ هو سعيد األفغاني‪ ،‬انظر‪ :‬الموجز في قواعد اللغة‪ .‬موقع إلكتروني‪.‬‬ ‫(((‬
‫ سورة الكهف‪ ،‬اآلية ‪.17‬‬ ‫(((‬
‫  سورة القمر‪ ،‬اآلية ‪.1‬‬ ‫(((‬
‫ من قصيدة للمتنبي في رثاء والدة سيف الدولة الحمداني‪ ،‬وجاء قبل هذا البيت قوله‪:‬‬ ‫(((‬

‫ل ُف َّضلت النسـاء علـى الرجال‬ ‫ولو كان النســـاء كمن فقدنا‬


‫انظر‪ :‬ديوان أبي الطيب المتنبي‪ ،‬ص ‪.223‬‬
‫‪77‬‬ ‫المحور الثاني‪ :‬المرأة بين مدرسة اإلسالم والمدارس األخرى‬
‫ومما يشهد بكون التذكير في اسم الله تعالى ليس منطل ًقا من احتقار األنثى‪ ،‬إنّا وجدنا‬
‫ّ‬
‫العرب قد يؤنثون بعض األلفاظ المتصلة بالله تعالى‪ ،‬فيقولون‪ :‬الذات اإللهية‪ ،‬ويقولون في‬
‫الجمع‪ :‬قالت اآللهة‪ ،‬ونظائر ذلك كثير في لغتهم‪ .‬كما أننا وجدناهم قد أنّثوا بعض أسماء‬
‫الذكور من قبيل «طلحة» و«معاوية» و«حارثة» و«عبيدة» ومسعدة وغيرها‪.‬‬

‫‪2 -2‬التشريعات اإلشكال ّية‬


‫وأما ما يتصل بالتشريعات القرآنية التي قد يرى البعض فيها مؤشر ًا على ّ‬
‫أن اإلسالم لم‬
‫ينصف المرأة‪ ،‬فيمكن أن نذكر النماذج التالية‪:‬‬
‫‪--1‬الحكم بإعطاء األنثى نصف ميراث الذكر‪ ،‬مما جاء في قوله تعالى‪ :‬ﵛﲃ ﲄ ﲅ‬
‫ﲆﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋﵚ(((‪.‬‬
‫مما جاء في قوله تعالى‪ :‬ﵛﭐﱹ‬
‫‪--2‬الحكم بأن شهادة امرأتين تعادل شهادة رجل واحد‪ّ ،‬‬
‫ﱺ ﱻ ﱼﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ‬
‫ﲊ ﲋ ﲌ ﲍﵚ(((‪.‬‬
‫ﵛﭐﱘ‬ ‫مما جاء في قوله تعالى‪:‬‬
‫حق ضرب زوجته في حالة نشوزها‪ّ ،‬‬
‫‪ --3‬إعطاء الزوج ّ‬
‫ﱙﱚﱛﱜﱝ ﱞ ﱟﱡﱢﱣﱤ‬
‫ﱥ ﱦﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬﵚ(((‪.‬‬
‫‪--4‬إلى بعض األحكام األخرى المتصلة بإعطاء الزوج القيمومة على المرأة‪ ،‬وحق إنهاء‬
‫العالقة الزوجية بالطالق‪ ،‬أو غير ذلك من األحكام‪.‬‬
‫وهذه التفاصيل التشريعية المهمة تحتاج إلى دراسات بحث ّية مستقلة‪ ،‬وقد تناولها‬
‫بعض المفكرين بالدرس الفكري والفقهي‪ ،‬وأجابوا على العديد من اإلشكاالت المطروحة‬
‫إزاءها‪ ،‬والمسألة تحتاج إلى مزيد من البحوث على هذا الصعيد‪.‬‬
‫فلدي‬
‫ّ‬ ‫وقد و ّفقني الله تعالى لبحث بعض هذه القضايا والمسائل في مجاالت أخرى‪،‬‬

‫(((  سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.11‬‬


‫(((  سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.282‬‬
‫(((  سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.34‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪78‬‬
‫ولدي ‪ -‬أيض ًا ‪ -‬بحث تفصيلي حول‬
‫ّ‬ ‫بحث مستقل تناولت فيه قضية زواج القاصرات(((‪،‬‬
‫وخ َل ْص ُت فيه إلى ّ‬
‫أن ذلك ليس حق ًا للزوج‪.‬‬ ‫مسألة ضرب الزوجة‪َ ،‬‬
‫وأ ّما موضوع إعطاء الذكر في الميراث ضعف ما تُعطى األنثى‪ ،‬فال يثير مشكلة‬
‫ألن ذلك ليس مر ّده إلى تمييز الرجل وتفضيله على المرأة‪ ،‬وإنّما مرجعه إلى‬ ‫مهمة؛ ّ‬
‫فإن هذا الحكم ال يفهم إال ضمن معرفة‬ ‫تضاعف مسؤوليات الرجل اإلنفاقية‪ .‬ولذا ّ‬
‫نصف‬‫َ‬ ‫ورث المرأ َة‬
‫منظومة المسؤوليات اإلنفاق ّية في التشريع اإلسالمي‪ ،‬فاإلسالم الذي ّ‬
‫ما َي ِرث الرجل‪ ،‬لم يلز ْمها باإلنفاق على زوجها أو أسرتها‪ ،‬بخالف الرجل فهو ملز ٌم‬
‫باإلنفاق على أوالده وعلى زوجته‪ ،‬وملز ٌم بدفع المهر إلى المرأة‪ .‬والنفقة الالزمة هي‬
‫عبارة عن كل ما تحتاجه المرأة من المأكل والمشرب‪ ،‬والملبس والطبابة باإلضافة إلى‬
‫تأمين المسكن الشرعي لها‪..‬‬
‫وأما كون شهادة الرجل معادلة لشهادة امرأتين‪ ،‬فقد أجاب عنها الفقهاء ببعض األجوبة‪،‬‬
‫وسوف يأتي ما ينفع حول هذه المسألة في المحور الخامس‪.‬‬

‫‪--2‬المر�أة في حياة الر�سول(�ص) و�أحاديثه‬


‫أن استحضار الموقف القرآني من المرأة هو من األهم ّية بمكان‪ ،‬وال بدّ من‬‫وكما ّ‬
‫التعرف على‬
‫ّ‬ ‫أخذه بعين االعتبار كمرجع ّية ال غنى عن اعتمادها والرجوع إليها بغية‬
‫موقف أمير المؤمنين‪ ‬من المرأة‪ ،‬ومحاكمة النصوص الواردة عنه في هذا الشأن‪،‬‬
‫فإن الرجوع إلى سيرة النبي(ص) وسنته يكتسب هو اآلخر أهم ّية خاصة في هذا‬ ‫كذلك ّ‬
‫المجال‪ .‬فالنبي(ص) عدل القرآن وترجمان الوحي‪ ،‬وسيرته تم ّثل نبراس ًا ُيستضاء به‪،‬‬
‫واإلمام علي‪ ‬ال يحيد عن سنة رسول الله(ص) طرفة عين أبد ًا‪ ،‬كما أسلفنا في مستهل‬
‫هذا المحور‪.‬‬
‫أن العارف بسنّة النبي(ص)‪ ،‬والمتابع لسيرته سوف لن يخالجه أدنى شك‬ ‫وال ريب ّ‬
‫قدر ال بأس به من المواقف‬ ‫أن المرأة قد احت ّلت مكان ًة الئق ًة في حياته ومسيرته‪ّ .‬‬
‫وثمة ٌ‬ ‫ّ‬
‫نص عليه القرآن‬
‫والنصوص النبو ّية التي تؤكد صدق ما نقول‪ ،‬وهي تتسق وتنسجم مع ما ّ‬
‫ٍ‬
‫تأكيد على مبدأ تكريم المرأة واحترام إنسانيتها‪.‬‬ ‫الكريم من‬
‫وأهم مواقفه وكلماته بشأنها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وفيما يلي إطاللة سريعة على سيرة النبي(ص) مع المرأة‬

‫(((   انظر‪ :‬كتاب تحت المجهر‪ ،‬ص‪ 73‬وما بعدها‪.‬‬


‫‪79‬‬ ‫المحور الثاني‪ :‬المرأة بين مدرسة اإلسالم والمدارس األخرى‬
‫على أن نعود الحق ًا لدراسة بعض النصوص المرو ّية عنه والتي هي مثار إشكال أو استغراب‪،‬‬
‫وسوف نقارب هذه المسألة من خالل مقامين أساسيين‪:‬‬

‫المقام الأ ّول‪ :‬ال�سيرة العمل ّية‬


‫إن الباحث التاريخي والمتأمل في حياة النبي األكرم(ص) والمتابع لسيرته العطرة‬ ‫ّ‬
‫أن المرأة كان لها دور محوري وحضور مميز‪ ،‬ليس في حياة النبي(ص)‬ ‫سيكتشف بسهولة ّ‬
‫األسرية الخاصة فحسب‪ ،‬بل في حياته العامة أيض ًا‪ ،‬أعني فيما يتصل بحركة الرسالة اإلسالم ّية‬
‫تخرجن من‬ ‫منذ انطالقتها‪ ،‬ويكفينا أن نستذكر هنا بعض النماذج النسائ ّية الالمعة اللواتي ّ‬
‫مدرسة الرسول األكرم(ص)‪ ،‬وكان له ّن حضور مم ّيز في انطالقة اإلسالم‪.‬‬
‫ ) أدور المرأة في الحياة اإلسالمية‬
‫أن المرأة المسلمة قد شاركت في بناء الحياة اإلسالم ّية بكافة أبعادها‬ ‫ال يخفى ّ‬
‫ومجاالتها الحيوية‪ ،‬وكان لها حضورها البين في مسيرة اإلسالم األولى‪ ،‬وتَركت بصماتٍ‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫واضح ًة في صفحات تاريخنا المشرق‪ ،‬وذلك على الرغم من ّ‬
‫أن الذهن ّية العربية آنذاك كانت‬
‫ال تزال متأثرة بالرواسب السلب ّية لألفكار والعادات الجاهل ّية المتح ِّيزة ضد المرأة‪ ،‬ويمكننا‬
‫أن نتب ّين حضور المرأة في انطالقة الرسالة اإلسالمية من خالل المجاالت التالية‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬العالمات والمحدثات‬
‫مهمش ًا وتتفشى فيها األم ّية على أوسع نطاق‪،‬‬
‫إن المرأة التي كانت في الجاهل ّية كيان ًا ّ‬
‫ّ‬
‫حب المعرفة‪.‬‬
‫استطاع اإلسالم أن يستنهض همتها ويبعث فيها روح العلم وأن يغرس فيها ّ‬
‫ومن أهم مجاالت المعرفة التي انخرطت فيها هي المعرفة الدينية‪ ،‬فقد جلست المرأة‬
‫‪-‬كما الرجل‪ -‬تحت منبر النبي األكرم(ص) فاستمعت إلى دروسه وكلماته وحفظت‬
‫ثم نقلت ذلك لألجيال الالحقة‪ .‬ويستطيع الباحث أن يجد في‬ ‫خطبه ومواعظه ووصاياه‪ّ ،‬‬
‫(((‬
‫الصحابيات ث ّلة كبيرة من أعالم النساء‪ ،‬فقد كان فيه ّن العالمة واألديبة والمحدثة‬
‫(((‬ ‫(((‬

‫(((   يذكر أرباب السير والتراجم أسما ًء نسائية ذات فقه ودراية‪ ،‬فزينب بنت أم سلمة ربيبة رسول الله(ص)‬
‫يقال‪ :‬إنّها «كانت من أفقه نساء زمانها»‪ ،‬انظر‪ :‬أسد الغابة‪ ،‬ج ‪ 5‬ص ‪.469‬‬
‫(((   أمثال أم حكيم بنت عبد المطلب‪ ،‬فقد وصفها السيد األمين بأنّها « شاعرة المائة األولى»‪ ،‬انظر‪ :‬أعيان‬
‫الشيعة‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪ ،167‬واألمر عينه قيل في أختها أروى بنت عبد المطلب فقد وصفت بأنها «كانت شاعرة‬
‫فصيحة»‪ ،‬انظر‪ :‬المصدر نفسه‪ ،‬وهكذا أختهما صفية‪ ،‬قال السيد األمين‪« :‬كانت أديبة عاقلة شاعرة فصيحة‬
‫وكان لعبد المطلب ست بنات كلهن من أهل األدب والشعر والفصاحة»‪ ،‬انظر‪ :‬أعيان الشيعة‪ ،‬ج ‪ 7‬ص ‪.390‬‬
‫(((   من أمثال‪ :‬أسماء بنت عميس وجويرية بنت الحارث وأسماء بنت أبي بكر‪ ،‬وغيرهن‪ ،‬انظر‪ :‬تهذيب=‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪80‬‬
‫وجل‪ .‬واألسماء على هذا الصعيد ليست‬ ‫عز ّ‬‫والمهاجرة في سبيل الله((( والحافظة لكتابه ّ‬
‫قليلة‪ ،‬بل ربما بلغت المئات‪ ،‬وال سيما أسماء المحدثات(((‪ ،‬الالتي قصده ّن كبار الصحابة‬
‫اهداتِه َّن فيما يتصل بسنّة النبي(ص) وسيرته‪.‬‬
‫لالستماع إلى حديثهن و ُم َش َ‬
‫وعلينا أن ال نغفل في هذا المجال بعض األسماء الالمعة من داخل البيت النبوي‪،‬‬
‫وعلى رأسهن تأتي سيدتنا فاطمة الزهراء‪ ‬والتي لنا إشارة إلى مقامها العلمي ستأتي‬
‫الحق ًا‪ ،‬وهكذا زوجتا رسول الله(ص) «أم سلمة» التي ع ّبر عنها بعض الرجاليين بأنّها «من‬
‫فقهاء الصحابيات»(((‪ ،‬والسيدة عائشة بنت أبي بكر والتي كانت محدّ ثة مكثرة‪ ،‬ولها آراء‬
‫جريئة في الفقه وغيره ر ّدت فيها على بعض كبار الصحابة‪ ،‬رافضة بعض الروايات المنسوبة‬
‫إلى رسول الله(ص)‪ ،‬ومب ّينة وجود خلل فيها أو وقوع الراوي في االشتباه(((‪ ،‬كما سنرى في‬
‫محور الحق من هذا الكتاب‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬المهاجرات‬
‫وقد شاركت المرأة المسلمة في الهجرة‪ ،‬مع ما تعنيه الهجرة من حركة رسال ّية تع ّبر عن‬
‫وعي اإلنسان المهاجر‪ ،‬واستعداده للتضحية والفداء وتحدي الظلم وترك األقارب والتخلي‬
‫عن الدنيا‪ ،‬فرار ًا إلى الله ورسوله‪ .‬فالهجرة لم تكن حكر ًا على الرجال‪ ،‬بل شاركت فيها‬
‫فإن هجرتها لوحدها لم‬ ‫المرأة؛ وإذا كانت هجرة المرأة برفقة زوجها أو أبيها أمر ًا طبيعي ًا‪ّ ،‬‬
‫أن حركة التحرر التي أوجدها‬ ‫تكن أمر ًا مألوف ًا‪ ،‬والدارس للتاريخ اإلسالمي سوف يكتشف ّ‬
‫اإلسالم أ ّثرت في تغيير مفاهيم ذلك المجتمع القبلي وموازينه‪ ،‬ما دفع المرأة إلى أن تتخلى‬
‫عن أهلها وبلدها وتهاجر إلى الله ورسوله(ص) وترفض العودة إليهم‪ .‬وقد نزلت في ذلك‬

‫التهذيب للعسقالني‪ ،‬ج ‪ 12‬ص ‪ .350‬ومن هذه األسماء أيض ًا‪ :‬أم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص‪،‬‬ ‫= ‬
‫انظر‪ :‬مسند أحمد‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪.364‬‬
‫  المهاجرات إلى الحبشة عدد كبير من النساء‪ ،‬فقد بلغن العشرات‪ ،‬وأ ّما المهاجرات إلى المدينة‬ ‫(((‬
‫فعددهن أكبر بطبيعة الحال‪.‬‬
‫  انظر‪ :‬تهذيب التهذيب للعسقالني‪ ،‬ج ‪ 12‬ص ‪.438 - 348‬‬ ‫(((‬
‫  سير أعالم النبالء‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.202‬‬ ‫(((‬
‫‪-‬‬ ‫الصحابة‬ ‫من‬ ‫غيرها‬ ‫كأحاديث‬ ‫‪-‬‬ ‫تحتاج‬ ‫عائشة‬ ‫السيدة‬ ‫فأحاديث‬ ‫التقييم‪،‬‬ ‫  من الطبيعي أننا لسنا هنا بصدد‬ ‫(((‬
‫إلى دراسة موضوع ّية وافية‪ ،‬بعيد ًا عن غلواء العاطفة ببعدها اإليجابي (المحبة) والسلبي (الشنآن)‪،‬‬
‫أهم الدراسات الجادة التي وضعت أحاديث عائشة على مشرحة البحث العلمي هي‬ ‫أن من ّ‬ ‫وأعتقد ّ‬
‫دراسة السيد مرتضى العسكري رحمه الله في كتابه الق ّيم أحاديث أ ّم المؤمنين عائشة‪ .‬وكذلك فإنّ‬
‫بعض مواقفها لم تكن مبررة‪ ،‬كما هو الحال في خروجها على إمام زمانها علي‪ ‬في حرب البصرة‪.‬‬
‫‪81‬‬ ‫المحور الثاني‪ :‬المرأة بين مدرسة اإلسالم والمدارس األخرى‬
‫تنص على رفض إعادة النساء المهاجرات إلى المشركين‪ ،‬على الرغم من ّ‬
‫أن اتفاق‬ ‫آية قرآنية ّ‬
‫ينص على إعادة المهاجر إلى المشركين‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﵛﭐﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ‬ ‫الحديبية كان ّ‬
‫ﲜ ﲝ ﲞﲟ ﲠ ﲡ ﲢﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ‬
‫ﲰ ﲱ ﲲ ﲳﲴ ﲵ ﲶ ﲷﵚ(((‪.‬‬
‫ومن النساء المهاجرات الالتي اخترن اإلسالم على عشيرتهن وأهله ّن‪ :‬أم كلثوم بنت‬
‫المنورة تارك ًة‬
‫ّ‬ ‫عقبة بن أبي معيط‪ ،‬فقد هاجرت وهي شابة في مقتبل العمر(((‪ ،‬إلى المدينة‬
‫أهلها ومرابع صباها في مكة المكرمة‪ ،‬وقد جاء في طلبها واستردادها اثنان من إخوتها لكنّها‬
‫أبت ورفضت العودة معهما(((‪ ،‬واختارت اإلسالم على الجاهلية والنور على الظالم‪.‬‬
‫وال يخفى ّ‬
‫أن المرأة المسلمة قد شاركت في الهجرتين‪ ،‬أعني الهجرة إلى الحبشة(((‪،‬‬
‫المنورة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫والهجرة إلى المدينة‬
‫ثالث ًا‪ :‬المشاركات في الحروب تمريض ًا وقتاالً‬
‫ويحدثنا تاريخ المعارك والغزوات التي خاضها المسلمون في حياة رسول الله(ص)‪،‬‬
‫ّ‬
‫بأن المرأة المسلمة ‪ -‬وبالرغم من عدم تكافؤ القدرات الجسدية بينها وبين الرجل في خوض‬
‫ذاك النوع من الحروب ‪ -‬قد شاركت في تلك الحروب والغزوات مع رسول الله(ص)‬
‫مقاتلة وممرضة‪.‬‬

‫‪1 -1‬نسيبة بنت كعب‬


‫ّ‬
‫ولعل أبرز امرأة مقاتلة ذكر التاريخ اسمها على هذا الصعيد هي الصحابية الجليلة‬

‫ سورة الممتحنة‪ ،‬اآلية ‪.10‬‬ ‫(((‬


‫  قيل‪ :‬إنها كانت «عاتق»‪ ،‬انظر‪ :‬صحيح البخاري‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪ ،173‬والعاتق هي المرأة في مقتبل العمر‪،‬‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬النهاية البن األثير ج ‪ 3‬ص ‪.179‬‬
‫  انظر‪ :‬صحيح مسلم‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪ ،173‬السيرة النبوية البن هشام‪ ،‬تحقيق‪ :‬الدكتور سهيل زكار‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.790‬‬ ‫(((‬
‫  ومن المهاجرات إلى الحبشة‪ :‬رق ّية بنت رسول الله(ص) هاجرت مع زوجها عثمان بن ع ّفان‪ ،‬وأسماء‬ ‫(((‬
‫بنت عميس هاجرت برفقة زوجها جعفر بن أبي طالب‪ ،‬وسهلة بنت سهيل بن عمرو مع زوجها أبي‬
‫حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس‪ ،‬وأم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية برفقة زوجها‬
‫أبي سلمة بن عبد األسد بن هالل بن عبد الله المخزومي‪ ،‬وليلى بنت أبي حثمة برفقة زوجها عامر‬
‫ابن ربيعة‪ ،‬وفاطمة بنت صفوان بن أم ّية مع زوجها عمرو بن سعيد بن العاص‪ ،‬وأمينة بنت خلف برفقة‬
‫زوجها خالد بن سعيد بن العاص‪ ،‬وأم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب مع زوجها عبيد الله بن جحش‪،‬‬
‫إلى غيرهن من النساء الالتي هاجرن برفقة أزواجهن‪ ،‬انظر‪ :‬السيرة النبوية‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.217 - 214‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪82‬‬
‫نسيبة بنت كعب‪ ،‬فقد حضرت العديد من المعارك‪ ،‬وكان لها موقف مشهود في معركة ُأحد‪،‬‬
‫وفر‬
‫حيث إنّها قاتلت ودافعت عن رسول الله(ص) عندما مالت الحرب لصالح المشركين ّ‬
‫الرجال من بين يدي رسول الله(ص)‪ ،‬وأضحى(ص) في موقع الخطر‪ ،‬حتى إنّها ‪ -‬كما‬
‫ٍ‬ ‫وجرحت اثني عشر جرح ًا بين‬ ‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫برمح‬ ‫طعنة‬ ‫يقول الواقدي ‪ -‬قاتلت يومئذ وأبلت بال ًء حسن ًا‪ُ ،‬‬
‫فقلت لها‪ :‬يا خالة‬ ‫ُ‬ ‫«دخلت عليها‬
‫ُ‬ ‫ضربة بسيف‪ .‬فكانت أم سعد بنت سعد بن ربيع تقول‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫أو‬
‫حدّ ثيني خبرك؟ فقالت‪ :‬خرجت أول النهار إلى ُأحد‪ ،‬وأنا أنظر ما يصنع الناس ومعي سقا ٌء‬
‫فيها ما ٌء‪ ،‬فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وس ّلم وهو في أصحابه والدولة والريح‬
‫للمسلمين‪ .‬فلما انهزم المسلمون انحزت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وس ّلم فجعلت‬
‫وأذب عن رسول الله صلى الله عليه وآله وس ّلم بالسيف وأرمي بالقوس‪ ،‬حتى‬ ‫ُّ‬ ‫أباشر القتال‪،‬‬
‫ُ‬
‫غور أجوف فقلت‪:‬‬ ‫فرأيت (والكالم ألم سعيد) على عاتقها جرح ًا له ٌ‬ ‫ُ‬ ‫إلي الجراح‪.‬‬
‫خلصت ّ‬
‫يا أم عمارة َم ْن أصابك بهذا؟ قالت‪ :‬أقبل ابن قميئة وقد و ّلى الناس عن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وآله وس ّلم يصيح‪ :‬دلوني على محمد فال نجوت إن نجا‪ ،‬فاعترض له مصعب بن عمير‬
‫ضربات‪ ،‬ولك ّن عدو‬ ‫ٍ‬ ‫فكنت فيهم‪ ،‬فضربني هذه الضربة‪ ،‬ولقد ضربته على ذلك‬ ‫ُ‬ ‫وأناس معه‪،‬‬
‫الله كان عليه درعان»‪.‬‬
‫«يدك ما أصابها؟ قالت‪ :‬أصيبت يوم اليمامة (من حروب الر ّدة‬ ‫ِ‬ ‫وتتابع أم سعيد في سؤالها‪:‬‬
‫بعد وفاة الرسول(ص) لما َج َع َل ِت األعراب ينهزمون بالناس نادت األنصار‪ :‬أخلصونا فأخلصت‬
‫األنصار‪ ،‬فكنت معهم حتى انتهينا إلى حديقة الموت‪ ،‬فاقتتلنا عليها ساعة حتى ُقتل أبو دجانة‬
‫رجل منهم‪ ،‬فضرب يدي‬ ‫على باب الحديقة‪ ،‬ودخلتها وأنا أريد عدو الله مسيلمة‪ ،‬فيعترض لي ٌ‬
‫فقطعها‪ ،‬فوالله ما كانت لي ناهي ٌة وال عرجت عليها حتى وقفت على الخبيث مقتوالً وابني‬
‫عبد الله بن زيد المازني يمسح سيفه بثيابه‪ .‬فقلت‪َ :‬ق َت ْل َت ُه قال‪ :‬نعم‪ .‬فسجدت شكر ًا لله‪.‬‬
‫ث عن جدته وكانت قد َش ِهدَ ت أحد ًا‬ ‫ويضيف الواقدي‪« :‬وكان ضمرة بن سعيد ُي َحدِّ ُ‬
‫تسقي الماء قالت‪ :‬سمعت النبي صلى الله عليه وآله وس ّلم يقول‪ :‬لمقا ُم نسيبة بنت كعب‬
‫ٍ‬
‫يومئذ أشدّ القتال‪ ،‬وإنّها لحاجز ٌة ثوبها‬ ‫خير من مقام فالن وفالن! وكان يراها تقاتل‬
‫اليوم ٌ‬
‫غسلها فعددت‬ ‫على وسطها حتى ُجرحت ثالثة عشر جرح ًا‪ .‬فلما َح َض َرتْها الوفاة ُ‬
‫كنت فيمن ّ‬
‫جراحها جرح ًا جرح ًا فوجدتها ثالثة عشر جرح ًا‪ .‬وكانت تقول‪ :‬إنّي ألنظر إلى ابن قميئة وهو‬
‫يضربها على عاتقها وكان أعظم جراحها لقد داوته سنة‪ ،‬ثم نادى منادي النبي صلى الله عليه‬
‫وآله وس ّلم‪ :‬إلى حمراء األسد (إحدى الغزوات)! فشدّ ت عليها ثيابها فما استطاعت من نزف‬
‫‪83‬‬ ‫المحور الثاني‪ :‬المرأة بين مدرسة اإلسالم والمدارس األخرى‬
‫الدم‪ .‬ولقد مكثنا ليلنا نكمد الجراح حتى أصبحنا‪ ،‬فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله‬
‫وس ّلم من الحمراء ما وصل إلى بيته حتى أرسل إليها عبد الله بن كعب المازني يسأل عنها‪،‬‬
‫فرجع إليه يخبره بسالمتها َف ُس َّر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك»(((‪.‬‬

‫‪2 -2‬نساء أخريات‬
‫وباإلضافة إلى هذه المرأة المجاهدة فهناك أسماء نسائية أخرى‪ ،‬شاركن في‬
‫مغازي النبي(ص) وحروبه قتاالً أو تمريض ًا ومداواة للجرحى‪ ،‬ومن هؤالء النسوة‬
‫المجاهدات‪ :‬أسماء بنت عميس‪ ،‬فقد «كانت تغزو مع النبي(ص)»‪ ،‬والعبارة نفسها‬
‫نقرأها في سيرة الصحابية أم سليم‪ ،‬وهي أم أنس بن مالك‪ ،‬فقد جاء في تاريخها «وكانت‬
‫أن الربيع بنت معوذ «كانت‬‫تغزو مع رسول الله(ص)»‪ ،‬وتحدثنا كتب السيرة والتراجم ّ‬
‫ربما غزت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتداوي الجرحى وتر ّد القتلى إلى‬
‫أن ليلى الغفارية‬‫المدينة وكانت من المبايعات تحت الشجرة بيعة الرضوان»‪ ،‬وذكروا ّ‬
‫النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مغازيه تداوي الجرحى‪ ،‬وتقوم‬ ‫ّ‬ ‫كانت تخرج مع‬
‫على المرضى»‪ ،‬وكانت رفيدة األنصارية «تداوي الجرحى وتحتسب بنفسها على خدمة‬
‫من به ضيعة من المسلمين»‪ ،‬وكان لها خيمة خاصة في مسجد رسول الله(ص)‪ ،‬معدّ ة‬
‫لمداواة الجرحى(((‪.‬‬

‫رابع ًا‪ :‬اآلمرات بالمعروف والناهيات عن المنكر‬


‫ومن المهام الرسال ّية ذات البعد التنفيذي التي شاركت المرأة فيها‪ ،‬قيامها بوظيفة‬
‫األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬فقد روى الطبراني بإسناده عن يحيى بن أبي سليم‬
‫قال‪« :‬رأيت سمراء بنت نهيك وكانت قد أدركت النبي صلى الله عليه وآله وس ّلم عليها درع‬
‫غليظ وخمار غليظ بيدها سوط تؤدب الناس وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر»(((‪ .‬فهذه‬
‫الصحابية كانت تقوم بهذا الواجب في المجتمع وال تأخذها في الله لومة الئم‪ ،‬والحظ قول‬
‫الراوي عن تلك المرأة‪« :‬ت َُؤ ِّد ُب الناس»‪ ،‬فهو ظاهر بأنّها لم تكن تقتصر في نهيها عن المنكر‬

‫(((   انظر‪ :‬المغازي للواقدي‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.270‬‬


‫(((   انظر‪ :‬بشارة المصطفى للطبري‪ ،‬ص‪ .411‬أسد الغابة‪ ،‬ج‪ 5‬ص‪ .454 ،451 ،591‬االستيعاب البن‬
‫عبد البر‪ ،‬ج‪ 4‬ص‪ .1910‬السيرة النبوية البن هشام‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪ ،718‬تحقيق سهيل زكار‪...‬‬
‫(((   المعجم الكبير‪ ،‬ج ‪ 24‬ص ‪ .311‬ورواه الهيثمي وقال‪« :‬رجاله ثقات»‪ ،‬انظر‪ :‬مجمع الزوائد‪ ،‬ج ‪ 9‬ص ‪.246‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪84‬‬
‫على النساء‪ ،‬بل شمل ذلك جميع الناس ذكور ًا وإناث ًا‪ .‬وطبيعي ّ‬
‫أن مسألة استخدام السوط في‬
‫األمر بالمعروف والنهي عن المنكر تحتاج إلى دراسة فقه ّية ليس هذا مجالها‪.‬‬
‫أجل‪ ،‬لقد كانت المرأة المسلمة تمتلك جرأة النطق بالحق وال تهاب أحد ًا‪ ،‬حتى إنّها‬
‫أن عمر بن الخطاب قال‪« :‬ال تغالوا في مهور‬ ‫كانت تصحح للخليفة وتر ّد عليه‪ ،‬فقد روي ّ‬
‫إن الله يقول‪ :‬ﵛﭐﱇ ﱈ‬ ‫النساء»‪ ،‬فوقفت له امرأة وقالت‪ :‬ليس ذلك لك يا عمر! ّ‬
‫خاصمت عمر فخصمته»(((‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ﱉﵚ((( فقال‪ّ :‬‬
‫إن امرأ ًة‬

‫خامس ًا‪ٌ :‬‬


‫نساء أسلمن قبل أزواجهن‬
‫وبلغ تجاوب المرأة وتفاعلها مع الدين الجديد حد ًا‪ ،‬جعل الكثيرات من النساء‬
‫ينخرطن في اإلسالم قبل أزواجهن‪ .‬ففي «موطأ مالك» روي عن ابن شهاب‪«:‬بلغه ّ‬
‫أن نسا ًء‬
‫ك ّن على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ُي ْس ِل ْمن بأرضه ّن وه ّن غير مهاجرات‬
‫وأزواجهن ‪ -‬حين أس ْلمن ‪ -‬كفار‪ ،‬منهن ابنة الوليد بن المغيرة‪ ،‬وكانت تحت صفوان بن‬
‫أمية‪ ،‬وأسلمت يوم الفتح وهرب زوجها صفوان بن أمية من اإلسالم‪ ،‬فبعث إليه رسول الله‬
‫صلى الله عليه وآله بردائه أمان ًا له»(((‪.‬‬
‫ومن تلك النسوة‪ :‬الصحابية الجليلة أم حكيم بنت الحارث بن هشام المخزومية‬
‫ثم أقنعته بااللتحاق بالنبي(ص)‬
‫زوجة عكرمة بن أبي جهل‪ ،‬فقد أسلمت قبل زوجها ّ‬
‫والدخول في اإلسالم(((‪.‬‬

‫ سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.20‬‬ ‫(((‬


‫  المصنف للصنعاني‪ ،‬ج ‪ 6‬ص ‪.180‬‬ ‫(((‬
‫  موطأ مالك‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪ ،543‬والسنن الكبرى‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪.186‬‬ ‫(((‬
‫  روي في المستدرك‪ ،‬عن عبد الله بن الزبير قال‪ :‬لما كان يوم فتح مكة هرب عكرمة بن أبي جهل‬ ‫(((‬
‫وكانت امرأته أم حكيم بنت الحارث بن هشام امرأة عاقلة أسلمت‪ ،‬ثم سألت رسول الله صلى الله‬
‫عليه وآله األمان لزوجها فأمرها بر ّده‪ ،‬فخرجت في طلبه‪ ،‬وقالت له‪ :‬جئتك من عند أوصل الناس‬
‫وأبر الناس وخير الناس وقد استأمنت لك فآمنك فرجع معها‪ ،‬فلما دنا من مكة قال رسول الله صلى‬ ‫ِّ‬
‫سب‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فإن‬ ‫أباه‪،‬‬ ‫تسبوا‬ ‫فال‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫مهاجر‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫مؤمن‬ ‫جهل‬ ‫أبي‬ ‫بن‬ ‫عكرمة‬ ‫يأتيكم‬ ‫ألصحابه‪:‬‬ ‫وسلم‬ ‫وآله‬ ‫عليه‬ ‫الله‬
‫الميت يؤذي الحي وال يبلغ الميت»‪ ،‬انظر‪ :‬المستدرك للحاكم‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪ .241‬وقد تحدّ ث الفقهاء عن‬
‫باق على الكفر‪ ،‬وقد تناول الشيخ‬ ‫هذا األمر من زاوية بيان حكم المرأة التي تدخل اإلسالم وزوجها ٍ‬
‫الطوسي رحمه الله هذا األمر‪ ،‬انظر‪ :‬الخالف للشيخ الطوسي‪ ،‬ج‪ 4‬ص‪.330‬‬
‫‪85‬‬ ‫المحور الثاني‪ :‬المرأة بين مدرسة اإلسالم والمدارس األخرى‬
‫ومن النساء الالتي أسلمن قبل أزواجهن‪ :‬زينب بنت رسول الله(ص)((( فقد أسلمت‬
‫قبل هجرة النبي(ص)‪ ،‬بينما ّ‬
‫ظل زوجها أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى على الشرك‪،‬‬
‫وقد ُأ ِس َر في معركة بدر الكبرى(((‪.‬‬

‫أسماء خ ّلدها التاريخ‬


‫ٌ‬ ‫ ) ب‬
‫دون في سجالته الذهبية‬
‫فإن التاريخ اإلسالمي قد ّ‬‫باإلضافة إلى األسماء المتقدمة‪ّ ،‬‬
‫أسماء صحابيات أخريات‪ ،‬كان لهن حضور مم ّيز على أكثر من صعيد‪ .‬ونحن نعتز ونفتخر‬
‫بهذه األسماء ونحرص على التنويه بها‪ ،‬وذلك بيان ًا للدور الطليعي الذي نهضت به المرأة‬
‫أن المسألة لم تكن مجرد حاالت شاذة ونادرة‪ ،‬وهذه بعض‬ ‫المسلمة في تاريخنا‪ ،‬وليتضح ّ‬
‫األسماء التي ارتأينا ذكرها‪:‬‬
‫ً‬
‫أول‪ :‬نساء من داخل البيت النبوي‬
‫ومن األهم ّية بمكان أن نستذكر بادئ ذي بدء بعض النماذج النسائية اللواتي ترب ْين‬
‫ِ‬
‫وع ْشن في كنف البيت النبوي الشريف‪:‬‬

‫‪ 1 -1‬أم المؤمنين خديجة‬


‫وتأتي في ّأول القائمة أ ُّم المؤمنين خديجة بنت خويلد‪ ،‬الزوجة األولى واألوفى‬
‫لرسول الله(ص)‪ .‬فخديجة لم تكن امرأة عادية في حياة النبي(ص) بل كانت السند والداعم‬
‫والمواسي لرسول الله(ص)‪َ ،‬و َق َف ْت إلى جانبه في أشدّ اللحظات صعوبة في تاريخ الرسالة‪،‬‬
‫وبذلت مالها وو ّظفت‬
‫ْ‬ ‫كذبه الناس(((‪ ،‬وقدّ مت نفسها‬ ‫آ َمن َْت به حين كفر به الناس وصدّ قته إذ ّ‬
‫وظل النبي(ص) عارف ًا لها هذا الجميل‪ ،‬ومحتفظ ًا‬ ‫كل إمكاناتها وقدراتها في سبيل اإلسالم‪ّ .‬‬
‫لها بمكانة كبيرة في قلبه لم تب ْلغه واحد ٌة من زوجاته‪ ،‬ولم ُين ِْس ِه تقاد ُم األيام وحوادث الزمان‬

‫أن زينب هي ابنة رسول الله(ص) وليست ربيبته كما ذهب إليه بعض العلماء‪ ،‬انظر‪:‬‬ ‫(((   إنّنا نؤكد على ّ‬
‫الملحق في كتاب بحوث حول السيدة عائشة‪-‬رؤية شيعية معاصرة‪.‬‬
‫(((   المستدرك للحاكم‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.236‬‬
‫(((   وتلك كانت شهادة النبي(ص) فيها‪ ،‬فقد روي عن عائشة قالت‪ :‬كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم‬
‫إذا ذكر خديجة أثنى عليها فأحسن الثناء‪ ،‬قالت‪ :‬فغرت يوم ًا‪ ،‬فقلت‪ :‬ما أكثر ما تذكرها حمراء الشدق‬
‫قد أبدلك الله عز وجل بها خير ًا منها! قال‪« :‬ما أبدلني الله عز وجل خير ًا منها‪ ،‬قد آمنت بي إذ كفر‬
‫بي الناس وصدقتني إذ كذبني الناس وواستني بمالها إذ حرمني الناس‪ ،‬ورزقني الله عز وجل ولدها إذ‬
‫حرمني أوالد النساء»‪ ،‬انظر‪ :‬مسند أحمد‪ ،‬ج ‪ 6‬ص ‪.118‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪86‬‬
‫وجت ُه َخ ِديج َة َر ِض َي الل ُه َعنْها‪ ،‬فكان طيفها ال يغيب من باله‬ ‫واقترانه بزوجات أخريات ذكرى َز َ‬
‫وذكراها ال تكاد تفارقه َحتَّى َبعدَ مضي مدة طويلة على َو َفاتِها‪َ ،‬ففي الحديث َع ْن َأن ٍ‬
‫َس َق َال‪:‬‬
‫ِ‬ ‫بالهدي ِة َقال‪« :‬ا ْذهبوا بِها إِ َلى ُف َلن ٍَة‪َ ،‬فإِنَّها كَان ْ ِ‬
‫ِ‬
‫يج َة»(((‪،‬‬
‫َت َصدي َق ًة لخَ د َ‬ ‫َُ‬ ‫َّ‬ ‫النبي(ص) إِذا ُأ َ‬
‫تي‬ ‫َان ُّ‬‫ك َ‬
‫إنّه الوفاء النبوي المنقطع النظير للزوجة الوفية والمخلصة‪.‬‬

‫‪ 2 -2‬فاطمة سيدة نساء العالمين‬


‫تطل علينا كريمته الجليلة وابنة زوجته‬ ‫ومن مدرسة النبي(ص) ومن داخل بيته الطاهر ّ‬
‫خديجة‪ ،‬عنيت بها السيدة فاطمة الزهراء‪ .‬نعم‪ ،‬فاطمة وما أدراك ما فاطمة! إنّها أعظم‬
‫ثمرات «الكوثر»((( الذي ُأعطيه رسول الله(ص)‪ ،‬هي أ ّم أبيها(((‪ ،‬وهي التي فاقت النساء ُخلق ًا‬
‫وهدي ًا ومنطق ًا‪ ،‬فكانت عنوان الطهارة والعفة‪ ،‬ومثال الصدق واالستقامة‪ ،‬العابدة الزاهدة التي‬
‫يزهر نورها ألهل السماوات‪ ،‬العالمة العاملة الرسال ّية التي تفكّر بالجار قبل الدار‪ ،‬والمتفانية‬
‫في خدمة عيال الله ومساعدة الفقراء والمحتاجين‪ .‬لقد بلغت الزهراء‪ ‬منزلة سامية‬
‫كرسها الرسول األكرم(ص) سيد ًة لنساء العالمين أو المؤمنين أو نساء أهل الجنَّة‪ ،‬في‬ ‫حتى ّ‬
‫كلمته الشهيرة‪ ،‬على اختالف الروايات في ذلك(((‪ ،‬مع أنّه ال منافاة بين الروايات‪ ،‬فسيدة‬
‫نساء المؤمنين هي سيدة نساء العالمين‪ ،‬وهي بطبيعة الحال ستكون سيدة نساء أهل الجنة‪.‬‬
‫إن هذا الوسام هو أعلى وسام يمنحه الرسول(ص) المرأة‪ ،‬وتلك الكلمة هي‬ ‫والحق يقال‪ّ :‬‬
‫كلمة يقولها(ص) في حق امرأة‪ ،‬فسيادة نساء العالمين‪ ،‬ليست أمر ًا بسيط ًا أو عادي ًا‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫أعظم‬
‫وال سيما عندما يطلقها النبي(ص) وهو الذي ال يلقي الكالم على عواهنه‪ ،‬وال ينطلق في‬
‫إن‬‫ذلك من موقع عاطفة أو عصب ّية‪ ،‬وال يعطي األلقاب جزاف ًا وال يمنحها لغير أهلها‪ّ ..‬‬

‫  المعجم الكبير للطبراني‪ ،‬ج ‪ 23‬ص ‪.13‬‬ ‫(((‬


‫  الكوثر هو الخير الكثير‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﵛﭐﱶﱷﱸﵚ [الكوثر ‪.]1‬‬ ‫(((‬
‫  في االستيعاب‪ :‬وذكر عن جعفر بن محمد‪ ‬قال‪« :‬كانت كنية فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه‬ ‫(((‬
‫وسلم أم أبيها»‪ ،‬انظر‪ :‬االستيعاب البن عبد البر‪ ،‬ج‪ 4‬ص‪.1899‬‬
‫إلي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‪،‬‬ ‫أسر ّ‬
‫  ففي الخبر عن عائشة‪ ،‬قالت‪« :‬حدثتني فاطمة قالت‪ّ :‬‬ ‫(((‬
‫كل سنة مرة‪ ،‬وإنّه عارضني العام مرتين‪ ،‬وال أراه َّإل قد حضر‬
‫إن جبرائيل كان يعارضني بالقرآن ّ‬
‫فقال‪ّ :‬‬
‫أجلي‪ ،‬وإنك أول أهل بيتي لحاق ًا بي‪ ،‬ونعم السلف أنا لك‪ .‬قالت‪ :‬فبكيت‪ .‬ثم قال‪ :‬أال ترضين أن‬
‫تكوني سيدة نساء هذه األمة أو نساء العالمين! فضحكت»‪ ،‬انظر‪ :‬االستيعاب البن عبد البر‪ ،‬ج‪4‬‬
‫الخدري‪ ،‬قال‪ :‬قال النبي صلى الله عليه‬
‫ّ‬ ‫ص‪ .1894‬وروى عبد الرحمن بن أبي نعم‪ ،‬عن أبي سعيد‬
‫وسلم‪« :‬فاطمة سيدة نساء أهل الجنة إال ما كان من مريم بنت عمران» انظر‪ :‬المصدر نفسه‪..‬‬
‫‪87‬‬ ‫المحور الثاني‪ :‬المرأة بين مدرسة اإلسالم والمدارس األخرى‬
‫تكريس فاطمة‪ ‬س ّيد ًة لنساء العالمين يعني أنّها اختزنت في شخصيتها من عناصر‬
‫ويحمل كافة‬
‫ّ‬ ‫الكمال الروحي واألخالقي ما جعلها قدوة لنساء العالمين‪ ،‬وهذا األمر يحملنا‬
‫المسلمين من أتباع رسول الله(ص) واألوفياء لنهجه مسؤول ّية كبيرة في العمل على اكتشاف‬
‫ثم التعريف بشخصيتها الرسال ّية للعالمين‬ ‫فاطمة‪ ‬ومعالم القدوة في شخصيتها‪ ،‬ومن ّ‬
‫بأن من تكون سيدة نساء العالمين بتعيين رسول الله(ص) ال تكون‬ ‫جميع ًا‪ ،‬ألنّنا على يقين ّ‬
‫ال أعلى ُيحتذى به‬ ‫مجرد امرأة عادية‪ ،‬بل ال بدّ من أن تكون امرأة ملهمة ومع ّلمة ومؤ ِّدبة ومث ً‬
‫مر العصور‪ ،‬والسؤال الذي يطرح نفسه‪ :‬لماذا ال نعرف الكثير عن فاطمة؟ ولماذا يجهل‬ ‫على ّ‬
‫الكثيرون حقيقتها ومعالم شخصيتها؟ ولماذا لم يهتم كتب ُة التاريخ باإلضاءة بما فيه الكفاية‬
‫على مواقفها وكلماتها وخصائص شخصيتها؟ ولماذا يحرص البعض ‪ -‬في المقابل ‪ -‬على‬
‫أن يحوطها بمجموعة من األسرار والغيبيات التي تبعدها عن حياة الناس وواقعهم‪ ،‬ويجعلها‬
‫مجرد أيقونة يقدّ سها بدل أن تكون نموذج ًا ُيحتذى‪ ،‬أو أن يحبسها في أسر المظلومية التي‬
‫تعرضت لها بعد رحيل والدها رسول الله(ص)؟! إننا ال ننكر أن فاطمة امرأة ذات قدسية‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫تعرضت للكثير من المظالم بعد رحيل والدها رسول الله(ص)‪ ،‬بيد أن ذلك‬ ‫خاصة‪ ،‬وأنّها ّ‬
‫كله ال يجب أن يدفعنا الختزال شخصيتها في ذلك‪ ،‬وينسينا سائر مواقفها والصفحات‬
‫المشرقة في كتابها الكبير‪.‬‬
‫أن التعامل الغيبي مع شخصية سيدتنا فاطمة سيشكل عائق ًا‪ ،‬ليس أمام االقتداء‬‫والواقع ّ‬
‫بها فحسب‪ ،‬بل وعائق ًا أمام فهم شخصيتها‪ ،‬وهو ما يعدّ إحدى مظاهر المظلومية التي ال تزال‬
‫تتعرض لها ابنة محمد(ص)‪ ،‬بأن تكون مجهولة إلى هذا الحدّ ‪ ،‬وغائب ًة عن واقع حياتنا إلى‬
‫هذا المستوى‪.‬‬
‫تعرضت له سيدة النساء‪ ،‬فقد وصل إلينا عنها شي ٌء‬ ‫لكن ورغم الحصار الذي ّ‬
‫من عطائها الفكري والرسالي‪ ،‬وهو وإن كان عطا ًء يسير ًا ولكنه عظيم الفائدة‪ ،‬وكفيل بأن‬
‫إن ما وصل من‬ ‫يمأل الخافقين بالهدى والنور‪ ،‬ويأبى الله إال أن يتم نوره ولو كره الكارهون‪ّ .‬‬
‫كلمات وخطب السيدة الزهراء‪ ‬وال سيما خطبتها الشهيرة في مسجد رسول الله(ص)‬
‫وعلى مسمع كبار الصحابة يعدّ ثروة علم ّية في مجال المعرفة الدينية‪ ،‬وبيان فلسفة الفقه‬
‫أن بعض الصحابة كانوا‬ ‫ومقاصد الشريعة اإلسالمية الغراء‪ ،‬ويستفاد من بعض الروايات ّ‬
‫يقصدونها ليستفيدوا من علمها وما سمعته من رسول الله(ص)‪ ،‬فقد روى المحدّ ث اإلمامي‬
‫ابن جرير الطبري بسنده عن ابن مسعود‪ ،‬قال‪ :‬جاء رجل إلى فاطمة‪ ‬فقال‪ :‬يا ابنة‬
‫رسول الله‪ ،‬هل ترك رسول الله (ص) عندك شيئ ًا تطرفينيه؟‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪88‬‬
‫فقالت‪ :‬يا جارية‪ ،‬هاتي تلك الحريرة‪ .‬فطلبتها فلم تجدها!‬
‫فقالت‪ :‬ويحك اطلبيها‪ ،‬فإنّها تعدل عندي حسن ًا وحسين ًا‪.‬‬
‫قممتها في قمامتها‪ ،‬فإذا فيها‪ :‬قال محمد النبي (صلى الله عليه‬ ‫فطلبتها فإذا هي قد ّ‬
‫وآله)‪« :‬ليس من المؤمنين من لم يأمن جاره بوائقه(((‪ ،‬ومن كان يؤمن بالله واليوم اآلخر فال‬
‫يؤذي جاره‪ ،‬ومن كان يؤمن بالله واليوم اآلخر فليقل خير ًا أو يسكت»(((‪.‬‬

‫‪«3 -3‬أم سلمة» الزوجة الملتزمة وص ّية النبي(ص)‬


‫ومن دواعي الغبطة والسرور أيض ًا أن نذكر في هذا المقام اسم زوجة أخرى لرسول‬
‫الله(ص)‪ ،‬وهي أم المؤمنين «أم سلمة»‪ ،‬فقد كانت امرأة جليلة القدر عالمة محدّ ثة وحكيمة‪،‬‬
‫وقد قال لها النبي(ص)‪« :‬إنك لعلى خير»‪ ،‬عندما سألتْه إذا ما كانت من أهل الكساء الذين أنزل‬
‫الله فيهم آية التطهير المباركة(((‪ .‬وقد ظ ّلت «أم سلمة» على العهد‪ ،‬فالتزمت أمر الله تعالى(((‪،‬‬
‫ووص ّية رسول الله(ص) بعد وفاته‪ ،‬فلم تخرج من بيتها‪ ،‬ونصحت السيدة عائشة بعدم الخروج‬
‫إلى حرب البصرة‪ ،‬وذكّرتها بكلمات النبي(ص) وتحذيراته المختلفة لها بهذا الشأن(((‪.‬‬

‫  البوائق بمعنى شره وظلمه‪.‬‬ ‫(((‬


‫  دالئل اإلمامة‪ ،‬ص ‪.66‬‬ ‫(((‬
‫  ففي الخبر عن أبي سعيد الخدري‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله تعالى‪ :‬ﵛﭐﱷ ﱸ ﱹ‬ ‫(((‬
‫ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀﵚ [األحزاب ‪ ]33‬قال‪ :‬جمع رسول الله صلى الله‬
‫عليه وآله وسلم علي ًا‪ ،‬وفاطمة‪ ،‬والحسن‪ ،‬والحسين‪ ،‬ثم أدار عليهم الكساء فقال‪« :‬هؤالء أهل بيتي‪،‬‬
‫اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهير ًا» وأم سلمة على الباب‪ ،‬فقالت‪ :‬يا رسول الله ألست منهم؟‬
‫فقال‪« :‬إنك لعلى خير ‪ -‬أو إلى خير ‪ ،»-‬انظر‪ :‬تاريخ بغداد‪ ،‬ج ‪ 10‬ص‪.277‬‬
‫  قال تعالى خطاب ًا لنساء النبي(ص)‪ :‬ﵛﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭﵚ [األحزاب ‪.]33‬‬ ‫(((‬
‫أن عائشة جاءت إلقناعها بالخروج معها طلب ًا بدم عثمان وقالت لها‪« :‬أنت أول‬‫  فقد روى المؤرخون ّ‬ ‫(((‬
‫مهاجرة في اإلسالم وأنت كبيرة أمهات المؤمنين‪ ،‬وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‬
‫يقسم لنا من بيتك‪ ،..‬وكان جبريل أكثر ما يكون في منزلك وقد خبرت أن القوم استتابوا عثمان بن‬
‫أن بالبصرة مائة ألف سيف يقتل‬‫عفان حتى إذا تاب وثبوا عليه فقتلوه‪ ،‬وقد أخبرني عبد الله بن عامر ّ‬
‫فيها بعضهم بعض ًا‪ ،‬فهل لك أن تسيري بنا إلى البصرة لعل الله تبارك وتعالى أن يصلح هذا األمر على‬
‫أيدينا؟ قال‪ :‬فقالت لها أم سلمة رحمة الله عليها‪ :‬يا بنت أبي بكر! بدم عثمان تطلبين! والله لقد كنت‬
‫من أشدّ الناس عليه‪ ،‬وما كنت تسميه إال نعثالً‪ ،‬فما لك ودم عثمان؟! وعثمان رجل من عبد مناف‬
‫وأنت امرأة من بني تيم بن مرة‪ ،‬ويحك يا عائشة! أعلى علي وابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله‬
‫وسلم تخرجين وقد بايعه المهاجرون واألنصار!؟ ثم جعلت أم سلمة رحمة الله عليها تذكّر عائشة=‬
‫‪89‬‬ ‫المحور الثاني‪ :‬المرأة بين مدرسة اإلسالم والمدارس األخرى‬
‫ثاني ًا‪ :‬نماذج نسائ ّية من البيت اإلسالمي الكبير‬
‫ولو غادرنا البيت النبوي الصغير وانطلقنا إلى الفضاء األرحب‪ ،‬وهو البيت اإلسالمي‬
‫الكبير فسوف تواجهنا ث ّلة مم ّيزة من النساء المجاهدات العفيفات العامالت المضحيات‬
‫اللواتي كان له ّن دور بارز وحضور الفت ومم ّيز في الحياة اإلسالمية‪ ،‬وفي حركة الرسالة‬
‫والدعوة إلى الله تعالى‪ ،‬وفي مسيرة النبي(ص) ودعوته‪ ،‬تضحية وفدا ًء‪ ،‬إخالص ًا ووفا ًء‪.‬‬
‫وإذا كان المقام ال يسعنا للتفصيل في استعراض أسماء عدد كبير من هؤالء النسوة‬
‫الالتي تربين في مدرسة الرسول(ص)‪ ،‬فإننا نقتصر على ذكر البعض منهن‪:‬‬
‫‪1 -1‬السميراء بنت قيس‬
‫وهي امرأة جليلة القدر ذات عزيمة وبصيرة‪ ،‬وكان لها موقف مشهود عقيب معركة‬
‫ُأحد‪ ،‬فقد استشهد ابناها في تلك المعركة دفاع ًا عن رسول الله(ص)‪ ،‬وهما‪ :‬النعمان وسليم‪،‬‬
‫«فلما نُعيا لها قالت‪ :‬ما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله س ّلم؟‬
‫صالح على ما تحبين‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫قالوا‪ :‬خير ًا هو بحمد الله‬
‫قالت‪ :‬أرونيه أنظر إليه! فأشاروا لها إليه فقالت‪ :‬كل مصيبة بعدك يا رسول الله ٌ‬
‫جلل‪.‬‬
‫وخرجت تسوق بابنيها بعير ًا تر ّدهما إلى المدينة‪ ،‬فلقيتها عائشة فقالت‪ :‬ما وراءك؟‬
‫قالت‪ :‬أما رسول الله ‪ -‬بحمد الله ‪ -‬فبخير‪ ،‬لم يمت! واتخذ الله من المؤمنين شهداء‬
‫ﵛﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴﵚ(((‪.‬‬

‫= فضائل علي رضي الله عنه وعبد الله بن الزبير على الباب يسمع ذلك كله‪ ،‬فصاح بأم سلمة وقال‪ :‬يا‬
‫بنت أبي أمية! إننا قد عرفنا عداوتك آلل الزبير‪ ،‬فقالت أم سلمة‪ :‬والله لتوردنها ثم ال تصدرنها أنت‬
‫وال أبوك! أتطمع أن يرضى المهاجرون واألنصار بأبيك الزبير وصاحبه طلحة وعلي بن أبي طالب‬
‫حي وهو ولي كل مؤمن ومؤمنة؟ فقال عبد الله بن الزبير‪ :‬ما سمعنا هذا من رسول الله صلى الله‬
‫عليه وآله وسلم ساعة قط‪ ،‬فقالت أم سلمة رحمة الله عليها‪ :‬إن لم تكن أنت سمعته قد سمعته خالتك‬
‫عائشة وها هي فاسألها! فقد سمعته صلى الله عليه وآله وسلم يقول‪« :‬علي خليفتي عليكم في حياتي‬
‫ومماتي فمن عصاه فقد عصاني»‪ .‬أتشهدين يا عائشة بهذا أم ال؟ فقالت عائشة‪ :‬اللهم نعم! قالت أم‬
‫سلمة رحمة الله عليها‪ :‬فاتقي الله يا عائشة في نفسك واحذري ما ّ‬
‫حذرك الله ورسوله صلى الله عليه‬
‫وآله وسلم‪ ،‬وال تكوني صاحبة كالب الحوأب‪ ،‬وال يغرنك الزبير وطلحة فإنهما ال يغنيان عنك من‬
‫الله شيئ ًا»‪ ،‬انظر‪ :‬الفتوح البن األعثم‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪ .455 - 454‬والمعيار والموازنة ألبي جعفر األسكافي‪،‬‬
‫ص‪ .27‬وشرح نهج البالغة البن أبي الحديد‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪.217‬‬
‫(((  سورة األحزاب‪ ،‬اآلية ‪.25‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪90‬‬
‫قالت‪ :‬من هؤالء معك؟ قالت‪ :‬ابناي‪.(((»..‬‬

‫‪ 2 -2‬سم ّية بنت خياط‪ ،‬شهيدة اإلسالم األولى‬


‫والمرأة الثانية التي نذكرها على هذا الصعيد‪ ،‬هي سم ّية زوجة الصحابي الجليل‬
‫والشهيد ياسر‪ ،‬ووالدة الصحابي عمار بن ياسر‪ .‬لقد كانت سم ّية َأ َم ًة ألبي حذيفة بن‬
‫زوجها سيدُ ها من حليفه ياسر‪ ،‬فولدت له عمار ًا‪ ،‬ومع بزوغ‬ ‫المغيرة المخزومي‪ ،‬وقد ّ‬
‫فجر اإلسالم كانت وزوجها وابنهما عمار من أوائل الذين التحقوا بالدين الجديد‪،‬‬
‫وع ِّذبوا في ذات الله ليرجعوا عن اإلسالم‬ ‫وقدّ موا التضحيات الجسيمة في هذا السبيل‪ُ ،‬‬
‫يمر بهم‪:‬‬
‫أبوا وصبروا‪ ،‬وكان رسول الله(ص) ّ‬ ‫ويتبرأوا من النبي(ص) ومن دينه‪ ،‬ولكنهم ْ‬
‫فإن موعدكم الجنة» ‪ .‬أجل‪ ،‬لقد صبرت هذه‬
‫(((‬
‫ويقول مواسي ًا لهم‪« :‬صبر ًا يا آل ياسر‪ّ ،‬‬
‫مر بها أبو‬
‫المرأة المؤمنة‪ ،‬وتحملت األذى في الله تعالى رافضة الرجوع عن دينها «حتى ّ‬
‫جهل يوم ًا‪ ،‬فطعنها بحربة في قلبها فماتت رحمها الله»‪ ،‬وبذلك كانت «أول شهيدة في‬
‫ال‪ ،‬وصنع من المهمشين‬ ‫أعز من كان في الجاهلية ذلي ً‬
‫اإلسالم»(((‪ .‬وهذا هو اإلسالم‪ ،‬قد ّ‬
‫قوة في وجه الظالمين‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪3 -3‬أسماء بنت عميس الخثعم ّية‬
‫والمرأة الثالثة‪ :‬أسماء بنت عميس‪ ،‬هي صحابية جليلة نجيبة عظيمة الشأن‪ ،‬وكانت‬
‫عارفة عالمة محدّ ثة(((‪ ،‬وفي الخبر عن اإلمام الباقر‪ ‬أنّها إحدى األخوات في الجنة(((‪،‬‬
‫وقد هاجرت أسماء إلى الحبشة بصحبة زوجها جعفر بن أبي طالب‪ ،‬وبعد استشهاد جعفر‬

‫  مغازي الواقدي‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.292‬‬ ‫(((‬


‫  المستدرك للحاكم‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪ ،383‬واالستيعاب البن عبد البر‪ ،‬ج‪ 4‬ص‪.1589‬‬ ‫(((‬
‫  الطبقات الكبرى البن سعد‪ ،‬ج‪ 8‬ص‪.264‬‬ ‫(((‬
‫  قال الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء‪« :‬وأسماء بنت عميس من مشاهير النساء‪ ،‬ومن الآلتي ال ّ‬
‫يشك‬ ‫(((‬
‫في أنها من ذوات الدين والمعرفة‪ ،‬ومن الآلئي التزمن بيت الوحي والنبوة‪ ،‬وهي أم محمد بن أبي بكر‪،‬‬
‫تزوجها موالنا أمير المؤمنين‪ ‬ونالت الشرافة واالحترام بهذا الزواج المقدّ س»‪،‬‬
‫وبعد وفاة أبي بكر ّ‬
‫انظر‪ :‬الفردوس األعلى‪ ،‬ص‪.9‬‬
‫  ففي الخبر عن أبي جعفر‪ ‬قال‪« :‬رحم الله األخوات من أهل الجنة فسماهن‪ :‬أسماء بنت عميس‬ ‫(((‬
‫الخثعمية وكانت تحت جعفر بن أبي طالب‪ ،‬وسلمى بنت عميس الخثعمية وكانت تحت حمزة‪،‬‬
‫وخمس من بني هالل‪ :‬ميمونة بنت الحارث كانت تحت النبي صلى الله عليه وآله وسلم‪ ،‬وأم الفضل‬
‫عند العباس اسمها هند‪ ،‬والغميصاء أم خالد بن الوليد‪ ،‬وعزة كانت في ثقيف الحجاج بن غالظ‪=،‬‬
‫‪91‬‬ ‫المحور الثاني‪ :‬المرأة بين مدرسة اإلسالم والمدارس األخرى‬
‫تزوجها اإلمام‬
‫ثم ّ‬
‫تزوجها أبو بكر‪ ،‬وولدت له محمد بن أبي بكر‪ ،‬ومن ّ‬ ‫في معركة مؤتة ّ‬
‫علي‪ ‬بعد وفاة السيدة الزهراء‪ ،‬فعاش ولدها محمد في حجر اإلمام علي‪‬‬
‫وكان من المخلصين له‪ .‬وكانت أسماء قد حضرت وفاة خديجة‪ ،‬فأوصتها رضي الله عنها‬
‫بابنتها فاطمة‪ ،‬وطلبت إليها أن تحضر زفافها وتلي أمرها‪ّ ،‬‬
‫ألن البنت أحوج ما تكون‬
‫إلى أ ِّمها في تلك الليلة(((‪ ،‬وقد عملت أسماء بالوصية فحضرت زفاف فاطمة‪،‬‬
‫وشاءت المقادير أن تحضر أيض ًا وفاة السيدة الزهراء‪ ،‬فقد أوصتها‪ ‬هي‬
‫األخرى بوص ّية خاصة تتصل بأمر تغسيلها وتكفينها‪ ،‬فعملت أسماء بما أوصتها به(((‪.‬‬

‫‪4 -4‬أم ورقة األنصارية‪ :‬المرأة الشهيدة‬


‫والمرأة الرابعة هي أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث األنصارية‪ ،‬وهي صحابية‬
‫أن رسول الله صلى الله عليه وآله وس ّلم كان يزورها وقد أسماها‬
‫جليلة‪ .‬وجاء في سيرتها ّ‬
‫بالشهيدة‪ ،‬وكانت قد جمعت القرآن الكريم‪ ،‬وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‬
‫حين غزا بدر ًا قالت له‪ :‬تأذن لي فأخرج معك أداوي جرحاكم وأمرض مرضاكم‪َّ ،‬‬
‫لعل الله‬
‫يهدي لي شهادة؟‬
‫إن الله يهدي لك شهادة‪ .‬وقد أمرها رسول الله صلى الله عليه وآله‬ ‫فقال(ص) لها‪ّ :‬‬
‫ال في خالفة عمر بن‬‫وسلم أن تؤ ّم أهل دارها في الصالة‪ ،‬واتخذت لها مؤذن ًا‪ .‬وقد توفيت قت ً‬
‫الخطاب عندما عدا عليها غالم وجارية كانت قد دبرتهما (أي اعتقتهما بعد وفاتها) فقتالها‬
‫ظلم ًا وعدوان ًا‪ ،‬فماتت شهيدة مظلومة كما تو ّقع لها النبي(ص)(((‪.‬‬
‫الفت في حياة‬
‫ٌ‬ ‫حضور‬
‫ٌ‬ ‫إلى غير ذلك من أعالم النساء المسلمات الالتي كان له ّن‬

‫وحميدة ولم يكن لها عقب» انظر‪ :‬الخصال للصدوق‪ ،‬ص‪ .363‬وذكر المحقق التستري ّ‬
‫أن هذا‬ ‫= ‬
‫تعرض لشيء من التحريف‪ ،‬انظر‪ :‬قاموس الرجال‪ ،‬ج‪ 12‬ص‪ ،185‬و‪.214‬‬ ‫الحديث ّ‬
‫  أعيان الشيعة‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.313‬‬ ‫(((‬
‫  ففي الخبر أن فاطمة‪« ‬قالت ألسماء بنت عميس‪ :‬يا أسماء‪ ،‬إني قد استقبحت ما يصنع بالنساء‪،‬‬ ‫(((‬
‫إنّه يطرح على المرأة الثوب فيصفها‪ .‬فقالت أسماء‪ :‬يا بنت رسول الله‪ ،‬أال أريك شيئ ًا رأيته بأرض‬
‫الحبشة! فدعت بجرائد رطبة فحنتها ثم طرحت عليها ثوب ًا‪ ،‬فقالت فاطمة‪ :‬ما أحسن هذا وأجمله!‬
‫علي أحد ًا»‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫وعلي‪ ،‬وال تدخلي ّ‬ ‫ّ‬ ‫مت فاغسليني أنت‬ ‫تُعرف به المرأة من الرجال‪ ،‬فإذا أنا ُ‬
‫االستيعاب البن عبد البر‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪.1897‬‬
‫  المعجم الكبير للطبراني‪ ،‬ج ‪ 25‬ص ‪.134‬‬ ‫(((‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪92‬‬
‫الرسول(ص)‪ ،‬ومساهم ٌة ج ّيدة في النشاطات اإلسالمية ذات الطابع الرسالي واالجتماعي‪،‬‬
‫وكل ذلك كان من بركات الدين اإلسالمي الذي أعتق المرأة وحررها من أسر التقاليد‬
‫الجاهل ّية‪ ،‬وأخرجها من القمقم‪ .‬وهذا األمر ليس هين ًا في حسابات التغيير وحركة االجتماع‬
‫البشري‪ ،‬فالعرب كانوا ال يزالون قريبي عهد بالجاهلية التي امتهنت المرأة وجعلتها على‬
‫الهامش‪ ،‬ومن الطبيعي ّ‬
‫أن تلك العقل ّية المتخلفة والمتجذرة في النفوس قد ال يكون سه ً‬
‫ال أن‬
‫تغادر األذهان في زمن قصير‪.‬‬

‫ال�سنة القول ّية‬


‫المقام الثاني‪ّ :‬‬
‫ونقصد بها كلمات النبي(ص) في المرأة‪ ،‬ولدينا على هذا الصعيد تراث ال بأس به‪ ،‬وهو‬
‫على العموم ‪ -‬وبالرغم من اشتماله على بعض النصوص القابلة للنقاش سند ًا ومضمون ًا وداللة‪-‬‬
‫يكرم المرأة‪ ،‬ويحفظ لها مكانتها واحترامها‪ ،‬وإليك بعض التعاليم النبوية على هذا الصعيد‪:‬‬
‫ّ‬
‫حب النساء‬
‫‪ّ 1 -1‬‬
‫الحب‪،‬‬
‫ّ‬ ‫لقد دعا النبي األكرم(ص) إلى التعامل مع المرأة بكل احترام وإنسانية‪ ،‬انطالق ًا من مبدأ‬
‫فحب اإلنسان ألخيه هو الذي يبني الحياة‬ ‫باعتباره العاطفة األسمى في سلسلة العواطف اإلنسانية‪ُّ .‬‬
‫الحب ‪ -‬الرسالة األساس التي‬ ‫ُّ‬ ‫أن يم ّثل ‪-‬‬ ‫االجتماعية اآلمنة المستقرة‪ ،‬ومن هنا كان من الطبيعي ّ‬
‫يحث النبي(ص) على مح ّبة النساء‪،‬‬ ‫يحملها الدين‪ ،‬ويدعو لها األنبياء‪ ،(((‬ولذا لم يكن مستغرب ًا أن َّ‬
‫حب النساء»(((‪ ،‬وفي‬ ‫أن ذلك من مكارم األخالق‪ ،‬فقد روي عنه(ص)‪« :‬من أخالق األنبياء ّ‬ ‫معتبر ًا ّ‬
‫«ما ُأ ِح ُّب ِم ْن ُد ْن َياك ُْم‬‫ول ال َّله(ص)‪َ :‬‬ ‫البختري َع ْن َأبِي َع ْب ِد ال َّله‪َ ‬ق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬‫ّ‬ ‫ص ْب ِن‬‫صحيح َح ْف ِ‬
‫وحث ‪ -‬فيما روي‬ ‫ّ‬ ‫واجه‪َ ،‬و ُيالطِ ُفه َّن‪،‬‬ ‫يحب ْأز َ‬ ‫َان ّ‬ ‫يب»(((‪ ،‬وقد عرف عنه(ص) أنّه ك َ‬ ‫إِ َّل الن َِّس َاء وال ِّط َ‬
‫عنه ‪ -‬الرجال ودعاهم إلى إعالم زوجاتهم بح ّبهم له ّن وإظهار ذلك له ّن‪ ،‬ففي الحديث َع ْن َأبِي‬
‫الر ُج ِل لِ ْل َم ْر َأ ِة إِنِّي ُأ ِح ُّب ِك َل َي ْذ َه ُب ِم ْن َق ْلبِ َها َأ َبد ًا»(((‪.‬‬ ‫َع ْب ِد ال َّله‪َ ‬ق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫ول ال َّله(ص)‪َ « :‬ق ْو ُل َّ‬

‫  يمكنكم مراجعة كتابنا وهل الدين ّإل الحب؟ ّ‬


‫للتعرف على العالقة بين الحب والدين‪ ،‬ودور الحب في‬ ‫(((‬
‫العالقات اإلنسانية‪ ،‬ودوره ‪-‬أيض ًا ‪ -‬في العالقة مع الله تعالى‪.‬‬
‫  الكافي‪ ،‬ج‪ 5‬ص‪.320‬‬ ‫(((‬
‫  المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ 5‬ص‪.320‬‬ ‫(((‬
‫  المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ 5‬ص‪.570‬‬ ‫(((‬
‫‪93‬‬ ‫المحور الثاني‪ :‬المرأة بين مدرسة اإلسالم والمدارس األخرى‬
‫وعنه(ص)‪« :‬وما زال يوصيني بالمرأة حتى ظننت أنه ال ينبغي طالقها»(((‪ .‬وعنه(ص)‪ِ :‬‬
‫«خ َي ُارك ُْم‬
‫ِخ َي ُارك ُْم لِن ِ َسائِ ِه ْم»(((‪ .‬وفي حديث آخر عنه(ص)‪« :‬خَ ْي ُركُم خَ ْي ُركُم ألهلِه‪ ،‬وأنا خَ ْي ُركُم ألهلي»(((‪.‬‬

‫‪2 -2‬إكرام الزوجة‬
‫ودعا (ص) إلى إكرام الزوجة واحترامها‪ ،‬ففي الحديث المروي عنه‪« :‬ومن اتّخذ زوجة‬
‫فليكرمها»(((‪ ،‬واإلكرام ‪ -‬في حدّ ه األدنى ‪ -‬يفرض على الزوج أن يجتنب إيذاءها ويبتعد عن‬
‫اإلضرار بها‪ ،‬سوا ًء كان اإليذاء مادي ًا أو معنوي ًا‪ ،‬بالقول أو بالفعل‪ ،‬فعنه(ص)‪« :‬أال ّ‬
‫وإن الله‬
‫أضر بامرأة حتى تختلع منه»(((‪ .‬وعنه(ص)‪« :‬إني ألتعجب ممن يضرب‬ ‫ورسوله بريئان ممن ّ‬
‫امرأته وهو بالضرب أولى منها»(((‪.‬‬
‫‪ِ 3 -3‬ح ْف ُظ َأسر ِار الزَّوج ِ‬
‫ات‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬
‫وفي هذا المناخ المفعم بالمحبة واإلنسانية‪ ،‬كان من الطبيعي أن يدعو رسول الله(ص)‬
‫ات‬ ‫أن الزوجات ‪ -‬في المقابل ‪َ -‬منه َّي ٌ‬ ‫األزواج إلى حفظ أسرار زوجاتهم وعدم إفشائها‪ ،‬كما ّ‬
‫الق َي َام ِة‬
‫الله يوم ِ‬
‫َّاس من ِْز َل ًة ِعنْدَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ََْ‬ ‫َعن إفشاء َأ ْس َر ِار َأزواج ِه َّن‪َ ،‬فقد روي عنه(ص)‪« :‬إِ َّن م ْن َأ َش ِّر الن ِ َ‬
‫الر ُج ُل ُي ْف ِضي إِ َلى ْام َر َأتِ ِه َو ُت ْف ِضي إِ َل ْي ِه ُث َّم َين ُْش ُر ِس َّر َها»(((‪.‬‬
‫َّ‬
‫إن الحياة الزوج ّية هي مستودع األسرار‪ ،‬ومن حق البنيان الزوجي على طرفيه األساسيين‬‫ّ‬
‫وإن إقدام أحد الطرفين على إفشاء‬ ‫(الزوج والزوجة) تحصينه وحمايته وحفظ أسراره‪ّ ،‬‬
‫األسرار الزوجية ليس مؤشر ًا على االبتعاد عن األخالق والقيم الدين ّية واإلنسان ّية فحسب‪،‬‬
‫بل ومؤشر على خيانة العشرة الزوجية التي قامت على أساس رباط وثيق‪ ،‬كما وصفها الله‬

‫(((   من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.52‬‬


‫(((   سنن النسائي‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪ ،636‬ورواه الحميري في «قرب اإلسناد» بإسناده عن اإلمام الصادق‪ ‬عن‬
‫أبيه‪ ‬قال‪ :‬قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)‪« :‬اتقوا الله‪ ،‬اتقوا الله في الضعيفين‪ :‬اليتيم‪ ،‬والمرأة‪،‬‬
‫فإن خياركم خياركم ألهله»‪ ،‬انظر‪ :‬قرب اإلسناد‪ ،‬ص‪.92‬‬
‫(((   سنن ابن ماجة‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪ ،626‬وسنن الترمذي‪ ،‬ج ‪ 5‬ص ‪ ،269‬ورواه الصدوق هكذا‪« :‬قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وآله‪« :‬خيركم خيركم لنسائه‪ ،‬وأنا خيركم لنسائي»‪ ،‬انظر‪ :‬من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.443‬‬
‫(((   دعائم اإلسالم‪ ،‬ج‪ 2‬ص ‪.158‬‬
‫(((   ثواب األعمال‪ ،‬ص ‪.287‬‬
‫(((   معارج اليقين في أصول الدين‪ ،‬تأليف‪ :‬الشيخ محمد السبزواري ص ‪.447‬‬
‫(((   صحيح مسلم‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪.157‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪94‬‬
‫تعالى في كتابه الكريم‪ ،‬إذ قال مندد ًا بأكل مهور النساء بغير حق‪:‬ﵛﭐﱔ ﱕ ﱖ ﱗ‬
‫ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜﱝ ﱞﵚ(((‪.‬‬

‫‪4 -4‬حسن ال َّظ ِّن ْ‬


‫بالزو َجات‬
‫َومن التعاليم النبو ّية الق ّيمة على هذا الصعيد‪ :‬نهيه(ص) عن تتبع َعورات النساء‬
‫الله (صلى الله عليه وآله سلم)‪:‬‬ ‫ول ِ‬ ‫ومالحقة ع َثراتِ ِه َّن‪َ ،‬ففي الخبر َع ْن َجابِ ٍر َق َال‪« :‬ن ََهى َر ُس ُ‬
‫الر ُج ُل َأ ْه َل ُه َل ْيالً؛ َيتَخَ َّون ُُه ْم (يتهمهم بالخيانة)‪َ ،‬أ ْو َي ْلت َِم ُس َع َث َراتِ ِه ْم»(((‪.‬‬ ‫َ‬
‫«أ ْن َي ْط ُر َق َّ‬
‫وهذا التوجيه النبوي الشريف‪ ،‬إنّما يرمي إلى تأكيد مبدأ كرامة المرأة واحترام إنسانيتها‪،‬‬
‫والتجاوز عما قد يراه الزوج من بعض زالتها وعثراتها‪.‬‬

‫‪5 -5‬خدمة المرأة‬
‫وقد ح ّثت الوصايا النبوية الرجل على مساعدة زوجته وتلبية حاجاتها‪ ،‬والمبادرة‬
‫إلى خدمتها بكل لطف ومحبة‪ ،‬ففي الخبر عنه(ص)‪« :‬إِ َّن الرج َل إِ َذا س َقى امر َأ َته ِمن ا ْلـم ِ‬
‫اء‬ ‫َْ ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ ُ‬
‫«إن الرجل ليؤجر في رفع اللقمة إلى في امرأته» ‪ .‬وفي الحديث‬
‫(((‬
‫ُأ ِج َر»(((‪ .‬وعنه(ص)‪ّ :‬‬
‫ٍ‬
‫صدقة إلى‬ ‫عنه(ص)‪« :‬من دخل السوق فاشترى تحف ًة فحملها إلى عياله‪ ،‬كان كحامل‬
‫فإن َم ْن ّفرح ابنة فكأنّما أعتق رقب ًة من ولد‬ ‫قوم محاويج‪ ،‬وليبدأ باإلناث قبل الذكور‪ّ ،‬‬
‫إسماعيل‪ ،(((»..‬وعنه (صلى الله عليه وآله)‪« :‬ال يخدم العيال إال صديق أو شهيد أو رجل‬
‫يريد الله به خير الدنيا واآلخرة»(((‪ .‬وعنه(ص)‪«:‬ساووا بين أوالدكم في العط ّية فلو كنت‬
‫ال أحد ًا ّ‬
‫لفضلت النساء»(((‪.‬‬ ‫مفض ً‬

‫ سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.21‬‬ ‫(((‬


‫  صحيح مسلم‪ ،‬ج ‪ 6‬ص ‪ ،56‬وروي هذا المعنى أو قريب منه عن أهل البيت‪ ،‬فقد روى الصدوق‬ ‫(((‬
‫بإسناده عن جابر بن عبد الله األنصاري قال‪« :‬نهى رسول الله صلى الله عليه وآله أن يطرق الرجل‬
‫ال إذا جاء من الغيبة حتى يؤذنهم»‪ ،‬انظر‪ :‬من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪ ،300‬وانظر الكافي‪،‬‬‫أهله لي ً‬
‫ج ‪ 5‬ص ‪.499‬‬
‫  مسند أحمد‪ ،‬ج‪ 4‬ص ‪.128‬‬ ‫(((‬
‫  وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ 22‬ص ‪ ،282‬الحديث ‪1‬من الباب ‪ 2‬من أبواب الخلع والمباراة‪.‬‬ ‫(((‬
‫  األمالي للصدوق‪ ،‬ص‪ ،672‬وثواب األعمال‪ ،‬ص‪.301‬‬ ‫(((‬
‫  معارج اليقين في أصول الدين‪ ،‬الشيخ محمد السبزواري ص‪ ،277‬وبحار األنوار‪ ،‬ج‪ 101‬ص‪ ،132‬نق ً‬
‫ال‬ ‫(((‬
‫عن جامع األخبار‪.‬‬
‫  كنز العمال‪ ،‬ج ‪ 16‬ص ‪.444‬‬ ‫(((‬
‫‪95‬‬ ‫المحور الثاني‪ :‬المرأة بين مدرسة اإلسالم والمدارس األخرى‬
‫ما أجمل وأرقى هذا اإلرشادات النبو ّية! ففي وسط عا َل ٍم ذكوري جرت عاداته وتقاليده‬
‫على تهميش المرأة وعلى أن تقوم هي بخدمة زوجها وابنها وأخيها وسائر الذكور في العائلة‪،‬‬
‫ّ‬
‫ويحث األب على االعتناء‬ ‫وإذا بالنبي(ص) يدعو الزوج ‪ -‬أيض ًا ‪ -‬وير ّغبه في خدمة زوجته‪،‬‬
‫أن في هذا نوع ًا من عبادة‬
‫باإلناث من أوالده‪ ،‬والبدء بهن في تقديم الهدايا‪ ،‬معتبر ًا(ص) ّ‬
‫إن كل عمل‬ ‫ألن عبادة الله ال تنحصر بالصالة والصيام والذكر‪ ،‬بل ّ‬ ‫والتقرب إليه‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫الله تعالى‬
‫يساعد على توثيق عرى العالقات االجتماعية وشدّ أواصر المح ّبة بين أفراد األسرة الواحدة‬
‫ومقرب إليه تعالى‪.‬‬
‫مرضي عند الله ّ‬
‫ٌ‬ ‫هو ٌ‬
‫عمل‬

‫نظرة ملتب�سة‬
‫أجل‪ ،‬هناك صورة ملتبسة يحملها البعض عن عالقة الرسول األكرم(ص) بالمرأة‪،‬‬
‫ومر ّد هذه الصورة‪:‬‬
‫‪--1‬إ ّما إلى فهم خاطئ لبعض عالقاته(ص) مع النساء‪ ،‬من قبيل‪ :‬تعدد زوجاته‪ ،‬أو زواجه من‬
‫زينب بنت جحش‪ ،‬حيث زعم البعض أنّه رآها في وضع ّية معينة‪ ،‬األمر الذي تسبب في‬
‫طالقها من زوجها زيد بن حارثة والذي كان ذات يوم ابن ًا لرسول الله(ص) بالتبني‪ ،‬قبل‬
‫أن يلغي اإلسالم مبدأ التبني‪.‬‬
‫‪--2‬وإ ّما إلى بعض المنقوالت الواردة في السيرة‪ ،‬والتي تعكس صورة قد ال تخلو من‬
‫تشويش‪ ،‬أو ربما تبدو مسيئة للنبي(ص) فيما يتصل بعالقته بالمرأة‪ ،‬وذلك من قبيل‬
‫تزوج من السيدة عائشة وهي ال تزال في سن التاسعة من عمرها‪،‬‬
‫الراوية التي تنقل أنّه ّ‬
‫بينما كان هو في العقد السادس من عمره‪ ،‬وهذا ما راعها وصدمها‪ ،‬بعد أن ُأحضرت‬
‫وسيقت إلى بيت الزوجية بينما كانت تلعب األرجوحة! األمر الذي استغله البعض‬
‫واتخذ منه مادة خصبة للطعن بالنبي(ص) وباإلسالم‪.‬‬
‫وقد وفقني الله لإلجابة على هذه اإلشكاالت واألسئلة في كتاب «بحوث حول السيدة‬
‫توصلت فيه إلى النتائج التالية‪:‬‬
‫عائشة ‪ -‬رؤية شيعية معاصرة»‪ ،‬وقد ّ‬
‫إن تعدد زوجاته(ص) لم يكن له عالقة بما قد ُيت ََّوهم من ولعه بالنساء أو طغيان الغريزة‬‫‪ّ --1‬‬
‫إن لهذا األمر ظروفه التاريخية وأسبابه الرسالية وأهدافه اإلنسانية‬ ‫الجنسية لديه‪ ،‬بل ّ‬
‫واالجتماعية المتعددة‪.‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪96‬‬
‫تزوجه من زينب بنت جحش لم يكن استجابة لرغبة شخصية‪ ،‬بل كان تلبية ألمر‬ ‫‪ّ --2‬‬
‫وأن ّ‬
‫إلهي ُأوحي إليه به‪ ،‬وذلك لحكمة تتصل بإلغاء سنة جاهلية‪ ،‬وهي منع الرجل من‬
‫ممن كانت زوجة ابنه في التبني‪ ،‬واإلسالم عندما منع التبني فقد ألغى سائر‬‫الزواج ّ‬
‫مفاعيله ومنها هذه‪.‬‬
‫أن السيدة عائشة لم تكن عندما ز ّفت إلى بيت النبي(ص) في التاسعة‬ ‫حت ّ‬
‫ورج ُ‬‫‪ --3‬كما ّ‬
‫من عمرها‪ ،‬وإنّما كانت في س ّن الثامنة عشرة ‪ -‬تقريب ًا ‪ -‬على ما تشهد به بعض الدالئل‬
‫والقرائن التاريخية‪ ،‬وأ ّما الرواية الواردة في الزواج بها والبناء عليها في سن التاسعة فهي‬
‫متهافتة ومستنكرة وال يمكن التصديق بها‪ .‬ومن أراد التوسع حول هذه النقاط فليراجع‬
‫ذلك الكتاب‪.‬‬

‫‪--3‬بين الجاهلية والإ�سالم‬


‫وحري بنا ونحن نبحث عن حقيقة الموقف اإلسالمي من المرأة‪ ،‬أن ن ُْج ِري ‪ -‬كما‬
‫جرت العادة في مثل هذه الموارد ‪ -‬مقايس ًة بين حال المرأة في الجاهل ّية وحالها في اإلسالم‪.‬‬
‫فهذه المقايسة ضرور ّية‪ ،‬ال ألنها تمكننا من فهم النقلة النوع ّية التي أحدثها اإلسالم في هذا‬
‫المجال‪ ،‬والخطوة الكبيرة التي خطاها على صعيد إكرام المرأة وإعطائها حقوقها فحسب‪،‬‬
‫بل ألنّها تساعدنا ‪ -‬أيض ًا ‪ -‬على فهم الخطاب الديني الذي وسمه البعض بسمة الذكورية!‬
‫والحال أنّه ليس كذلك في العمق‪ ،‬وإن كان قد يضطر في سياق حركته التغييرية إلى اعتماد‬
‫المرونة والمداراة إلى حدٍّ معين على مستوى األساليب والوسائل المتغ ّيرة‪ ،‬وليس على‬
‫مستوى المبادئ واألصول الثابتة‪ .‬والتمييز بين هذا وذاك يفترض بالعقل االجتهادي أن‬
‫يستنبطه ويكتشفه‪ ،‬بالعمل على رسم الحدود ووضع الفواصل بين الثابت والمتغ ّير‪.‬‬

‫رف�ض المبالغة في ذ ّم الجاهلية‬


‫وإنّي إذ أقوم بإجراء هذه المقايسة ولو بشكل عابر‪ ،‬فلقناعتي بأنّها مقايسة مبررة وتؤكدها‬
‫الشواهد والبراهين‪ ،‬وليست منطلقة من رؤية مسبقة تعمل على «شيطنة» مرحلة الجاهلية‬
‫بلغة خطابية مبالغ فيها‪ ،‬كما جرى على ذلك بعض خطابنا الديني تحقيق ًا لرغبة أيديولوجية‬
‫خاصة تريد اإلعالء من شأن اإلسالم وتعاليمه من خالل المبالغة في تشويه صورة الجاهلية‬
‫ٍ‬
‫مجاف لمنطق القرآن‬ ‫الم َبالِغ في ذ ّم الجاهلية‬ ‫وأهلها‪ .‬وحقيقة األمر‪ّ ،‬‬
‫أن هذا األسلوب ُ‬
‫‪97‬‬ ‫المحور الثاني‪ :‬المرأة بين مدرسة اإلسالم والمدارس األخرى‬

‫الكريم نفسه‪ ،‬إذ يقول‪ :‬ﵛﭐﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬﵚ(((‪.‬‬


‫إن في الجاهلية من نقاط الضعف ومكامن الخلل ومؤشرات التردي األخالقي واالنحطاط‬ ‫ّ‬
‫الحضاري والفكري والتفكك االجتماعي ما يكفي إلدانتها‪ ،‬وال يحتاج األمر إلى أن نضيف‬
‫إن اإلنصاف يقتضي منا أن نعترف أنّه قد كان‬ ‫على ذلك من عندنا ومن بنات أفكارنا شيئ ًا‪ّ .‬‬
‫لدى أهل الجاهلية العديد من النقاط اإليجابية والمضيئة على الصعيد اإلنساني والقيمي‬
‫واألدبي‪ ،‬ويكفينا في هذا المقام أن نستذكر شهادة النبي(ص) بشهامة أهل الجاهلية التي‬
‫وتعاقد على حماية المظلوم ونصرته‪ ،‬وقد قال(ص)‬ ‫ٍ‬ ‫حلف وإبرام ٍ‬
‫اتفاق‬ ‫ٍ‬ ‫دفعتهم إلى إعالن‬
‫عن هذا الحلف‪ ،‬على ما جاء في الرواية ‪« :‬لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلف ًا ما‬
‫أن لي به حمر النعم‪ ،‬ولو ُأدعى به في اإلسالم ألجبت»(((‪.‬‬
‫أحب ّ‬
‫ُ‬

‫موقع المر�أة في النظام الجاهلي‬


‫إن المقايسة المطلوبة في المقام بين حال المرأة في الجاهلية‬ ‫ومع اتضاح ذلك نقول‪ّ :‬‬
‫وحالها في اإلسالم تحتاج إلى متابعة ومثابرة‪ ،‬وإذا كان المقام ال يسعنا لإللمام بهذه القض ّية‬
‫من جميع جوانبها‪ ،‬فإنّنا نكتفي بما ذكره عدد من الباحثين حول نظرة الجاهلي للمرأة‪ ،‬فقد‬
‫« ُعرفت المرأة بالكيد بين الجاهليين‪ ،‬ونظروا إليها نظرتهم إلى الشيطان‪ ،‬وليست هذه النظرة‬
‫العربية إلى المرأة هي نظرة خاصة بالجاهليين‪ ،‬بل هي نظرة عامة نجدها عند غيرهم أيض ًا‪،‬‬
‫بل هي وجهة نظر الرجل بالنسبة إلى المرأة في كل العالم في ذلك الوقت‪ ..‬وعرفت المرأة‬
‫عندهم بالمكر والخديعة‪ ،‬إذ كان في وسعها استدراج الرجل والمكر به‪ ..‬ونظر الرجل إلى‬
‫أن مقاييس الحكم عندها‬ ‫وتصو َر ّ‬
‫ّ‬ ‫أن فيه وهن ًا وضعف ًا وأنّه دون رأيه بكثير‪،‬‬
‫رأي المرأة على ّ‬
‫أن من الحمق األخذ برأي المرأة‪ ،‬فكانوا‬ ‫دون مقاييسه في الدقة والضبط‪ ،‬ولذا رأى العرب ّ‬
‫وخ َط ِله قالوا عنه‪« :‬رأي النساء»‪ ،‬و«رأي نساء»‪ ،‬وقالوا‪:‬‬
‫إذا أرادوا ضرب المثل بضعف رأي َ‬
‫«شاوروه ّن وخالفوه ّن»‪ ،‬لما عرف عن المرأة من تأ ّثر بأحكام العاطفة عندها‪ ،‬حتى ذهب‬
‫وخف عقله‪،‬‬‫ّ‬ ‫البعض إلى عدم وجود رأي للمرأة‪ ،‬ولهذا قالوا‪ :‬يقال للرجل‪« :‬الفند»‪ ،‬إذا خرف‬
‫لهر ٍم أو مرض‪ ،‬وقد يستعمل في غير الكبر وأصله في الكبر‪ ،‬وال يقال للمرأة «مفندة»‪ ،‬ألنّها‬

‫(((  سورة المائدة‪ ،‬اآلية ‪.8‬‬


‫(((   السنن الكبرى للبيهقي‪ ،‬ج ‪ 6‬ص ‪ ،367‬والطبقات الكبرى البن سعد‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪ ،129‬وتاريخ اليعقوبي‪،‬‬
‫ج ‪ 2‬ص ‪ ،17‬والتنبيه واإلشراف للمسعودي‪ ،‬ص ‪ ،180‬والكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.41‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪98‬‬
‫لم تكن في شبيبتها ذات رأي فتفند في كبرها‪ ..‬ويكنِّي العرب عن المرأة بالدمية‪ ،‬والدمية‪:‬‬
‫الصنم‪ ،‬وقيل الصورة المنقوشة‪ ..‬وتشاءموا من بعض النسوة‪ ،‬وقالوا‪« :‬امرأة مشؤومة»‪،‬‬
‫و«عقرى حلقى»‪ ،‬أي عقرها الله وحلقها‪ ،‬بمعنى حلق شعرها أو أصابها بوجع في حلقها‪ ،‬أو‬
‫أنها تعقر قومها وتحلقهم بشؤمها وتستأصلهم»(((‪.‬‬
‫هذا فيما يتصل برؤية الجاهليين ونظرتهم إلى المرأة‪ ،‬وأ ّما عن موقع المرأة في النظام‬
‫االجتماعي والحقوقي‪ ،‬فاألمر ال يخلو من ظلم واستتباع وإهانة‪ ،‬فـ «المرأة للبيت‪ ،‬والرجل‬
‫هو «رب البيت» وسيده والمسؤول عنه‪ ،‬وله الكلمة على شؤونه‪ ،‬وهو القيم الطبيعي‬
‫المسؤول عن تربية أوالده‪ ،‬وهو المسؤول عن إعالة زوجته وأوالده‪ ،‬والزوج تبع لبعلها‪،‬‬
‫وعليها إطاعة أوامره‪ ،‬ما دامت أوامره ال تنافي الخلق والمألوف‪ ،‬وبيتها هو « بيت الزوج ّية»‪،‬‬
‫ولسيادة الرجل على بيته وزوجته قيل له في كثير من اللغات السامية وفي جملتها اللغة العربية‬
‫«بعل»‪ ،‬فالرجل هو بعل المرأة‪ ،‬ومن تلده الزوج يكون للبعل‪ ..‬وللحق المتقدّ م لم تمانع‬
‫شرائع الجاهليين‪ ،‬في وأد البنات‪ ،‬أو قتل األوالد‪ ،‬ولم تعدّ من يقتل ابنه قاتالً‪ ،‬ولم تؤاخذه‬
‫حقهن منع اآلباء من وأد بناتهن‪ ،‬أو قتل أوالده ّن‪ّ ،‬‬
‫ألن‬ ‫على فعله‪ ،‬حتى األمهات لم يكن من ّ‬
‫الحق والقول الفصل فيمن يولد له‪ ،‬وليس المرأته حق االعتراض‬ ‫الزوج هو وحده صاحب ّ‬
‫عليه ومنعه»(((‪.‬‬
‫حرمها اإلسالم هي مؤشر آخر على امتهان الجاهلي‬ ‫وأنواع الزواج الجاهل ّية والتي ّ‬
‫للمرأة‪ ،‬فمن تلك الزيجات ما عرف باسم « نكاح المقت»‪ ،‬وهو أنّه إذا توفي الزوج «فإن ابنه‬
‫أو قريبه يكون أولى بالمرأة من غيره‪ ،‬ومنها بنفسها‪ ،‬إن شاء نكحها وإن شاء عضلها‪ ،‬فمنعها‬
‫يزوجها حتى تموت»(((‪ ،‬ومن تلك األنكحة الغريبة والمسيئة لكرامة المرأة‪،‬‬ ‫من غيره ولم ّ‬
‫طهرت من‬
‫ْ‬ ‫ما عرف بـ « نكاح االستبضاع» وهو على ما يزعمون « أن يقول رجل المرأته إذا‬
‫طمثها‪ :‬أرسلي إلى فالن فاستبضعي منه‪ ،‬لتحملي منه ويعتزلها زوجها‪ ،‬وال يمسها أبد ًا حتى‬
‫أحب‪ ،‬وإنّما‬
‫يتب ّين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه‪ ،‬فإذا حملت أصابها زوجها إذا ّ‬
‫يفعل ذلك رغب ًة في نجابة الولد»(((‪.‬‬

‫  المفصل في تاريخ العرب قبل اإلسالم‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪ ،461-460‬والكالم األخير حول عدم قولهم للمرأة‬ ‫(((‬
‫العجوز مفندة ذكره الزمخشري في أساس البالغة‪ ،‬ص ‪.729‬‬
‫  المفصل في تاريخ العرب قبل اإلسالم‪ ،‬ج ‪ 5‬ص ‪.413‬‬ ‫(((‬
‫  جامع البيان للطبري‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪ .404‬وراجع حول هذا الموضوع‪ :‬المفصل في تاريخ العرب قبل‬ ‫(((‬
‫اإلسالم‪ ،‬ج ‪ 5‬ص ‪.418‬‬
‫  انظر‪ :‬المفصل في تاريخ العرب قبل اإلسالم‪ ،‬ج ‪ 5‬ص ‪ 321‬وما بعدها‪.‬‬ ‫(((‬
‫‪99‬‬ ‫المحور الثاني‪ :‬المرأة بين مدرسة اإلسالم والمدارس األخرى‬
‫إلى غير ذلك من مظاهر امتهان المرأة وهدر كرامتها في العصر الجاهلي‪ ،‬مما نقله لنا‬
‫الرواة والمؤرخون‪.‬‬

‫ال�صورة كما عر�ضها القر�آن‬


‫عما نقله المؤرخون وأهل األخبار حول نظرة الجاهلي للمرأة‬ ‫ثم إنّه لو صرفنا النظر ّ‬
‫ّ‬
‫وكيفية تعامله معها‪ ،‬وال س ّيما أن البعض قد يشكك في صحة بعض تلك المرويات‪ّ ،‬‬
‫فإن‬
‫فيما نقله لنا القرآن الكريم حول ذلك كفاية‪ ،‬وهو كفيل بأن يعكس الصورة الحقيقية‪ .‬وما‬
‫أن حال المرأة في الجاهلية ‪ -‬سواء الجاهلية العربية أو سائر‬ ‫جاء في القرآن ُيظهر بجالء ّ‬
‫الجاهليات ‪ -‬لم يكن على ما يرام‪ ،‬خالف ًا لما عليه الحال مع اإلسالم والذي سعى إلى نقلها‬
‫مهمة‬
‫إلى المستوى الالئق بها‪ ،‬باعتبارها صنو الرجل في نظام الخالفة اإلله ّية وشريكته في ّ‬
‫عمارة األرض‪ ،‬وإليك بعض العناوين التي توضح ذلك وتب ّين صدق ما نقول‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬قد كانت المرأة لدى معظم الشعوب وفي مختلف بالد العالم‪ ،‬وال سيما عند‬
‫شر‪ ،‬ومبعث تشاؤم‪ ،‬وإذا‬‫عرب الجاهلية إنسان ًا منتقص الحقوق مهدور الكرامة‪ ،‬فهي مصدر ّ‬
‫ولد للرجل أنثى‪ ،‬فإنّه يشعر بالعار والخجل‪ ،‬وقد ع ّبر القرآن الكريم عن ذلك أبلغ تعبير‪ ،‬قال‬
‫ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ* ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰﱱ‬ ‫تعالى‪ :‬ﵛ ﭐ‬
‫ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽﵚ(((‪ ،‬ويبلغ العار والشنار باإلنسان الجاهلي‬
‫فيما لو ولدت له أنثى حدّ الجرأة على وأدها (دفنها حية) في جريمة وحشية منقطعة النظير‪،‬‬
‫قال تعالى في التنديد بهذه الجريمة‪ :‬ﵛﱥ ﱦ ﱧ*ﱩ ﱪ ﱫﵚ(((‪.‬‬
‫أن المرأة ملحقة‬‫أن النظرة الجاهل ّية إلى المرأة تقوم على أساس ّ‬ ‫ثاني ًا‪ :‬وقد أسلفنا ّ‬
‫بالرجل‪ ،‬فكأنَّها مل ُك ُه أو شي ٌء من أشيائه‪ ،‬فهو يرثها إذا مات زوجها كما يرث المتاع والعقار‪،‬‬
‫فقد روي عن ابن عباس قال‪«:‬كان الرجل إذا مات أبوه أو حميمه كان أحق بامرأة الميت‪،‬‬
‫إن شاء أمسكها أو يحبسها حتى تفتدي منه بصداقها أو تموت فيذهب بمالها»(((‪ .‬قال‬
‫تعالى‪ :‬ﵛﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ‬
‫ﲪﵚ(((‪ ،‬وفي أسباب النزول ‪ -‬فيما روي عن ابن عباس أيض ًا ‪« :-‬كان الرجل إذا مات‪،‬‬

‫ سورة النحل‪ ،‬اآليتان ‪.59-58‬‬ ‫(((‬


‫ سورة التكوير‪ ،‬اآليتان ‪.9-8‬‬ ‫(((‬
‫  الدر المنثور‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.131‬‬ ‫(((‬
‫ سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.19‬‬ ‫(((‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪100‬‬
‫زوجوها‪ ،‬وإن شاؤوا لم‬ ‫ِ‬
‫تزوجها أو ّ‬
‫ولي نفسها‪ :‬إن شاء بعضهم ّ‬
‫أحق بامرأته من ِّ‬
‫كان أولياؤه ّ‬
‫يزوجوها!»(((‪.‬‬
‫ّ‬
‫ذريع بع ّفة المرأة‬
‫ٌ‬ ‫استخفاف‬
‫ٌ‬ ‫ثالث ًا‪ :‬وعلى الصعيد األخالقي‪ُ ،‬عرف عن الجاهلية‬
‫المعرة‪ ،‬من العمل ‪ -‬أحيان ًا ‪ -‬على‬
‫ّ‬ ‫ِ‬
‫يرعو الجاهلي الذي كان يئدُ المرأة خوف‬ ‫وشرفها‪ ،‬ولم‬
‫تحويلها إلى سلعة رخيصة في سوق االتجار الجنسي‪ ،‬نظير ما يجري اليوم في بلدان تزعم‬
‫التقدم وحفظ حقوق المرأة واحترامها‪ ،‬وكان األمر يصل إلى حدّ إكراه المرأة على البغاء‪،‬‬
‫الخسة‪ :‬ﵛﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾﱿ‬ ‫ّ‬ ‫قال تعالى مندد ًا بهذه‬
‫ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈﵚ(((‪.‬‬
‫تم محو تلك الصورة القاتمة‬‫أجل‪ ،‬إنّه ومع مجيء اإلسالم وبعثة النبي األكرم(ص)‪ّ ،‬‬
‫وطي هذه الصفحة المهينة لإلنسان واإلنسان ّية عموم ًا قبل أن تكون مهينة للمرأة على وجه‬
‫ّ‬
‫التحديد‪ .‬فقد أعاد اإلسالم االعتبار للمرأة في نظام االجتماع البشري‪ ،‬وأعطاها حقوقها بما‬
‫يليق بها كشريك للرجل في حمل األمانة والنهوض بأعباء خالفة الله على األرض‪.‬‬
‫ويجدر بنا التنبيه هنا إلى الحقيقة التالية‪ ،‬وهي ّ‬
‫أن وضع المرأة في الجاهلية العربية لم يكن‬
‫مرت بها معظم الشعوب وال س ّيما الشرق ّية‪،‬‬‫أسوأ حاالً من وضعها في سائر الجاهليات التي ّ‬
‫مروعة ومشاهد مخيفة عن حالة المرأة المزرية لدى هاتيك الشعوب‪.‬‬ ‫صور ّ‬‫ٌ‬ ‫عما قليل‬‫وستأتينا ّ‬

‫مقارنة بين تاريخ المر�أة الم�سلمة وحا�ضرها‬


‫ّ‬
‫إن مقارنة حال المرأة بين الجاهلية واإلسالم‪ ،‬من المؤكد أنها ستظهر لنا النقلة النوع ّية‬
‫التي حصلت للمرأة المسلمة مع مجيء الدين الخاتم‪ ،‬بحيث يمكن القول‪ :‬إنّها شاركت‬
‫إلى جانب الرجل في عملية التأسيس لحركة التغيير التي أحدثها اإلسالم‪ ،‬والفضل في ذلك‬
‫يعود إلى اإلسالم نفسه والذي شكّل حركة دف ٍع قو ّية وثور ّية على صعيد إعطاء المرأة حقوقها‬
‫كإنسان‪ ،‬في عالم كانت تسوده العقل ّية الذكور ّية ومنطق استعباد األنثى‪ .‬لك ّن من الضروري‬
‫اليوم التّوجه إلى عقد مقارنة بين حال المرأة المسلمة في صدر اإلسالم وحالها في العصور‬
‫أن المؤشر لم‬ ‫المتأخرة‪ ،‬وصوالً إلى عصرنا الحالي‪ ،‬وهذه المقارنة س ُت ْظ ِه ُر ‪ -‬مع األسف ‪ّ -‬‬

‫(((   سنن أبي داود ج ‪ 1‬ص ‪.464‬‬


‫(((  سورة النور‪ ،‬اآلية ‪.33‬‬
‫‪101‬‬ ‫المحور الثاني‪ :‬المرأة بين مدرسة اإلسالم والمدارس األخرى‬
‫يكن تصاعدي ًا نحو األفضل‪ ،‬بل كان إلى تراجع في العديد من الجوانب‪ ،‬فالمرأة التي حررها‬
‫قوة دفع كبيرة لتكون حاضرة في شتى ميادين‬‫اإلسالم من آصار الجاهلية وأغاللها‪ ،‬وأعطاها ّ‬
‫الحياة‪ ،‬من المسجد‪ ،‬إلى سوح الجهاد‪ ،‬إلى مدارس العلم‪ ،‬إلى غير ذلك من ميادين الحياة‪،‬‬
‫إذا بها بعد مدّ ة من الزمن تنكفئ ‪ -‬إلى حدٍّ بعيد ‪ -‬عن الحياة االجتماعية‪ ،‬وال تضطلع بالدور‬
‫المطلوب منها على الصعيد الرسالي والعلمي واالجتماعي والتربوي؛ ولهذا لم نجد لها هذا‬
‫الحضور المؤ َّمل والوازن‪ ،‬وال لمسنا شيئ ًا من الفعل التاريخي المرجو!‬
‫قد أتاح اإلسالم للمرأة أن تكون حاضر ًة في شتى ميادين الجهاد وأن تقوم بالعديد‬
‫من المهام الرسال ّية‪ ،‬وسيأتي الحق ًا بيان دورها في التعبئة النفس ّية أثناء الحرب‪ ،‬الحظ‪:‬‬
‫المحور الثالث‪ ،‬فقرة « نساء في مدرسة علي‪ ،»‬ولكن هذا الحضور لم يستمر‪ ،‬بل‬
‫ت وهجه كثير ًا في أوساط المسلمين في العصور المتأخرة‪ ،‬وال يزال في حالة‬ ‫وخ َف َ‬
‫تراجع َ‬
‫تراجع إلى يومنا هذا‪.‬‬
‫أن التردي الذي أصاب المرأة المسلمة قد أصاب الرجل المسلم أيض ًا‪ ،‬فعصر‬ ‫وأعتقد ّ‬
‫مر على العالم العربي واإلسالمي لم يكن حكر ًا على المرأة‪ ،‬بل أصاب‬ ‫االنحطاط الذي ّ‬
‫بشظاياه القاتلة كل المسلمين ذكور ًا وإناث ًا‪ ،‬ولذا عندما نتحدث عن التردي الذي أصاب‬
‫المرأة المسلمة فهذا يبدو طبيعي ًا في سياق االنحطاط العام والشامل‪ ،‬والذي ستكون المرأة‬
‫هي أولى ضحاياه‪ ،‬باعتبارها العنصر األضعف في المعادلة التاريخية‪.‬‬

‫وإذا أردنا أن نذكر شاهد ًا على التراجع الذي شهده وضع المرأة المسلمة ّ‬
‫عما كان عليه في‬
‫صدر اإلسالم‪ ،‬فمن الممكن أن يذكر في هذا المجال حاجة المرأة إلى الزواج‪ ،‬حيث نالحظ‬
‫ّ‬
‫أن االعتبارات االجتماعية التي تك ّبل المرأة اليوم وتمنعها من التعبير عن حاجتها إلى الزواج‬
‫لم تكن موجودة في صدر اإلسالم‪ ،‬حيث كانت الصحابية تفصح عن حاجتها هذه أمام رسول‬
‫الله(ص) دون حرج‪ ،‬ونستطيع أن نجد في الرواية التالية ما يشهد لهذه الحر ّية لدى المرأة في‬
‫التعبير عن حاجتها تلك‪ ،‬من دون أي ُع َق ٍد نفس ّية أو عوائق اجتماعية كالتي رأيناها الحق ًا وال‬
‫نزال نراها إلى يومنا هذا‪ ،‬ففي صحيح محم ِد ب ِن مس ِل ٍم َعن َأبِي جع َف ٍر‪َ ‬ق َال‪« :‬جاء ِ‬
‫ت ْام َر َأ ٌة إِ َلى‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ َّ ْ ُ ْ‬
‫ول ال َّله‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول ال َّله(ص)‪َ :‬م ْن ل َهذه؟ َف َقا َم َر ُج ٌل َف َق َال‪َ :‬أنَا َيا َر ُس َ‬ ‫ت‪ :‬ز َِّو ْجنِي‪َ .‬ف َق َال َر ُس ُ‬ ‫النَّبِ ِّي(ص) َف َقا َل ْ‬
‫ول ال َّله(ص)‬ ‫ز َِّو ْجن ِ َيها‪َ .‬ف َق َال‪َ :‬ما ُت ْعطِ َيها؟ َف َق َال‪َ :‬ما لِي َش ْي ٌء‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬ل‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َأ َعا َد ْت‪َ ،‬ف َأ َعا َد َر ُس ُ‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪102‬‬
‫ول ال َّله(ص) فِي ا ْل َم َّر ِة ال َّثالِ َث ِة‪ :‬أت ُْح ِس ُن ِم َن‬ ‫الر ُج ِل‪ُ ،‬ث َّم َأ َعا َد ْت‪َ ،‬ف َق َال َر ُس ُ‬
‫ا ْلك ََل َم‪َ ،‬ف َل ْم َي ُق ْم َأ َحدٌ َغ ْي ُر َّ‬
‫آن َف َع ِّل ْم َها إِ َّياه»(((‪.‬‬ ‫آن َش ْيئ ًا؟ َق َال‪َ :‬ن َع ْم‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬قدْ ز ََّو ْج ُتك ََها َع َلى َما ت ُْح ِس ُن ِم َن ا ْل ُق ْر ِ‬ ‫ا ْل ُق ْر ِ‬

‫إن المرأة التي كانت تأتي مسجد النبي(ص) وتع ّبر بشكل عفوي عن حاجتها‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫تمض عليها عقو ٌد يسيرة بعد وفاة‬ ‫إلى الزواج دون أن ين ِ‬
‫ْك َر عليها أحدٌ ذلك‪ ،‬لم‬ ‫ُ‬
‫وتحولت إلى عورة ال يسمح لها‬ ‫ٍ‬
‫اجتماعية قاسية‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫بنظرة‬ ‫النبي(ص) حتى ُحوصرت‬
‫ّ‬
‫وص ْرنا نشهدُ أفكار ًا ومساعي تحاول‬ ‫بمثل هذا الحديث‪ ،‬بل بما هو أقل منه جرأة‪ِ ،‬‬
‫منعها من ممارسة حقها في الخروج حتى إلى المساجد‪ ،‬بالرغم من وجود نصوص‬
‫أن عبد الله بن عمر حدّ ث بقول‬ ‫نبوية صريحة تسمح لها بذلك‪ ،‬ينقل المحدثون ّ‬
‫النبي صلى الله عليه وآله سلم‪« :‬ال تمنعوا النساء المساجد بالليل»(((‪ ،‬فقال ابنه‪ :‬بلى‬
‫لنمنعهن‪ ،‬يتخذنه دغالً‪ ،‬فرفع يده فلطمه‪ ،‬فقال‪ :‬أحدّ ثك عن رسول الله صلى‬ ‫ّ‬ ‫والله‬
‫إن أدنى تأمل في داللة هذه الرواية يكشف لنا‬ ‫الله عليه وآله وسلم وتقول هذا!»(((‪ّ .‬‬
‫يؤرخ ويؤشر إلى بداية هذا المسار‬ ‫التحول في نظرة المسلمين تجاه المرأة‪ ،‬كما ّ‬
‫ّ‬ ‫سرعة‬
‫المتشدد في التعامل معها‪.‬‬
‫إن هذه الرواية تصلح شاهد ًا يسمح لنا بالقول‪ّ :‬‬
‫إن بداية التراجع والقوقعة التي أصابت‬ ‫ّ‬
‫المرأة المسلمة قد الحت في األفق مع منتصف القرن الهجري األول وما تاله(((‪ ،‬وتعززت‬
‫هذه النظرة فيما اصطلح على تسميته بالعصر األموي والعصر العباسي‪ .‬وكيف كان ّ‬
‫فإن هذا‬
‫الغياب المتأخر للمرأة عن مسرح الحياة االجتماعية والثقافية والرسالية‪ ،‬ال بدّ أن يخضع‬
‫لدراسة مستقلة تبحث عن أسبابه ونتائجه‪.‬‬

‫عمر ور�أيه في المر�أة‬


‫ويذكرنا الموقف المتقدّ م المنقول عن ابن عبد الله بن عمر بموقف جدّ ه الخليفة عمر‬

‫(((   الكافي‪ ،‬ج ‪ 5‬ص ‪.380‬‬


‫(((   وروي هذا الحديث بصيغة أخرى‪ ،‬وهي‪«:‬ال تمنعوا إماء الله مساجد الله»‪ ،‬انظر‪ :‬صحيح البخاري‪ ،‬ج‬
‫‪ 1‬ص ‪ ،216‬وصحيح مسلم‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.32‬‬
‫(((   مسند أحمد‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪ ،76‬وصحيح أبي خزيمة‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪ ،93‬ومسند الطيالسي‪ ،‬ص ‪.257‬واللفظ لألخير‪.‬‬
‫إن بعض الباحثين يرى ّ‬
‫أن بداية إخضاع المرأة لمالزمة المنزل كانت من انطالقة العصر العباسي‪،‬‬ ‫(((   أجل‪ّ ،‬‬
‫انظر‪ :‬فصول عن المرأة لهادي العلوي‪ ،‬ص ‪.74‬‬
‫‪103‬‬ ‫المحور الثاني‪ :‬المرأة بين مدرسة اإلسالم والمدارس األخرى‬
‫ابن الخطاب‪ ،‬فقد عرف عنه أنّه صاحب نظرة متشددة إزاء المرأة‪ .‬روي أنّه خطب «أم كلثوم»‬
‫ابنة أبي بكر إلى أختها عائشة‪ ،‬فقالت أم كلثوم‪« :‬ال حاجة لي فيه‪ ،‬إنّه َخ ِش ُن العيش‪ ،‬شديدٌ‬
‫على النساء»(((‪ ،‬وخطب امرأة أخرى وهي «أم أبان» بنت عتبة بن ربيعة فكرهته‪ ،‬وقالت‪:‬‬
‫« ُي ْغ ِل ُق بابه‪ ،‬و َي ْمن َُع َخ ْي َره‪ ،‬و َيدْ ُخ ُل عابس ًا ويخرج عابس ًا»(((‪ .‬ومن أوضح النصوص التي‬
‫تعكس رأيه في المرأة كلمته التي وصفها فيها بأنّها مجرد لعبة للرجل‪ ،‬فقد روي أنّه تك ّلم ّ‬
‫مر ًة‬
‫في شيء من األمر‪ ،‬فأخذت امرأته تراجعه في القول فزبرها وقال‪ :‬ما أنت لهذا! إنّما أنت لعبة‬
‫ِ‬
‫جلست كما أنت»(((‪.‬‬ ‫وإل‬ ‫إن كانت لنا ِ‬
‫إليك حاجة‪َّ ،‬‬ ‫في جانب البيت‪ْ ،‬‬
‫وتُروى الكثير من األحاديث عن سيرته المتشدّ دة مع النساء‪ ،‬لدرجة أنّه كان يتشدد‬
‫عليه َّن بما كان النبي(ص) يوسع فيه عليه ّن(((‪ ،‬وكان يضرب النساء اللواتي يبكين موتاهن‪،‬‬
‫فقد ضرب النساء بالسوط عندما بك ْين على زينب بنت رسول الله(ص)‪ ،‬فنهاه النبي(ص)‬
‫عن ذلك وقال‪« :‬دعهن يبكين»(((‪ ،‬وضرب أيض ًا «أم فروة» ابنة أبي بكر ليمنعها وسائر النساء‬
‫بالدرة لركوبها على البعير عند رمي الجمرة(((‪.‬‬‫ّ‬ ‫من البكاء على أبيها(((‪ ،‬وضرب امرأة‬
‫وروي عنه العديد من الروايات في هذا المجال‪ ،‬وهي ‪ -‬على فرض صحتها ‪ -‬تعكس‬

‫(((   تاريخ الطبري‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪ ،270‬وفي الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪.54‬‬
‫(((   تاريخ الطبري ج ‪ 3‬ص ‪ .270‬والكامل في التاريخ ج ‪ 3‬ص ‪.55‬‬
‫(((   قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد‪ ،‬ألبي طالب المكي (ت‬
‫‪386‬هـ) ج ‪ 2‬ص ‪ .422‬وإحياء علوم الدين ألبي حامد الغزالي (ت ‪505‬هـ)‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪ .140‬وفي تاريخ‬
‫المدينة البن ش ّبة‪ :‬أنّه قال المرأته «إنما أنت لعبة يلعب بك‪ ،‬ثم تتركين»‪ ،‬انظر‪ :‬تاريخ المدينة‪ ،‬ج ‪ 3‬ص‬
‫‪ ،818‬وشرح النهج البن أبي الحديد ج ‪ 12‬ص ‪.23‬‬
‫(((   انظر حول ذلك‪ :‬صحيح البخاري‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪ ،69‬وج ‪ 7‬ص ‪ ،93‬ومسند أحمد‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪ ،171‬وصحيح‬
‫مسلم‪ ،‬ج ‪ 7‬ص ‪.115‬‬
‫(((   مسند أحمد‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.335‬‬
‫(((   ففي طبقات ابن سعد بإسناده عن سعيد بن المسيب قال لما توفي أبو بكر أقامت عليه عائشة النوح‬
‫فبلغ عمر فجاء فنهاهن عن النوح على أبي بكر فأبين أن ينتهين فقال لهشام بن الوليد اخرج إلى ابنة أبي‬
‫قحافة فعالها بالدرة ضربات فتفرق النوائح حين سمعن ذلك وقال تردن أن يعذب أبو بكر ببكائكن إن‬
‫«إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه»‪ .‬انظر‪ :‬الطبقات الكبرى‪،‬‬ ‫رسول الله صلى الله عليه وآله سلم قال‪ّ :‬‬
‫ج ‪ 3‬ص ‪ ،209‬وروايته هذه عن النبي(ص) ليست دقيقة وقد صححت له ذلك السيدة عائشة‪.‬‬
‫ال يقود بامرأته على بعير ترمي الجمرة‪ ،‬قال‪ :‬فعالها بالدرة إنكار ًا لركوبها»‪ ،‬انظر‪ :‬المصنف‪،‬‬
‫(((   فقد روي أنّه رأى رج ً‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫البن أبي شيبة ج ‪ 4‬ص ‪ ،314‬هذا مع أن الركوب ليس محرما‪ ،‬وقد رمى النبي(ص) جمرة العقبة راكبا‪،‬كما جاء‬
‫ثم لو كان األمر محرم ًا فلماذا لم يضرب زوجها الذي يقودها‪.‬‬ ‫في الروايات‪ ،‬انظر‪ :‬المصدر نفسه‪ّ ،‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪104‬‬
‫‪«:‬اضربوهن بالعري»(((‪ ،‬وسيأتي ّ‬
‫أن هذا المضمون‬ ‫ّ‬ ‫موقفه المتشدد من المرأة‪ ،‬من ذلك قوله‬
‫مروي عن رسول الله(ص)‪.‬‬
‫وموقف عمر هذا من المرأة ونظرته المتشددة تجاهها‪ ،‬ال نستطيع أن نعتبره مستولد ًا من‬
‫رحم الثقافة اإلسالمية وتعاليم النبي األكرم(ص)‪ ،‬وإنّما هو رأي خاص به‪ ،‬ربما أملته الغيرة‬
‫أن هذا الموقف الذي‬ ‫الذكورية‪ ،‬ولع ّله يعكس نظرة الرجل العربي آنذاك‪ ،‬والوجه في ذلك ّ‬
‫يعتبر المرأة مجرد لعبة للرجل يستمتع بها ثم يدعها ويرميها في زوايا البيت‪ ،‬ال ينسجم مع‬
‫الرؤية القرآنية حول المرأة وال مع تعاليم النبي(ص) في هذا المجال‪ ،‬وتفسير ذلك بأنّه كان‬
‫تدبير ًا ارتأه عمر ال ينافي ما ذكرناه‪.‬‬
‫أن موقف عمر المتشدد من المتعة(((‪ ،‬حيث نهى عنها وهدّ د بالعقوبة على‬ ‫ويبدو لي ّ‬
‫فعلها كان أيض ًا رأي ًا شخصي ًا‪ ،‬وربما سار عليه بتأثير من هذه النزعة العربية المغالية في الغيرة‬
‫على النساء بما يتجاوز المعقول‪.‬‬

‫بين الن�صو�ص والممار�سات‬


‫طي تلك الصفحة الجاهلية المظلمة في التعامل مع‬ ‫تم ّ‬
‫ثم علينا االعتراف هنا بأنّه ّ‬ ‫ّ‬
‫المرأة على مستوى النصوص والتشريعات‪ ،‬لكن الممارسة كانت وال تزال تعتريها الكثير من‬
‫الشوائب‪ ،‬والذهن ّية الذكور ّية ما برحت هي المهيمنة على العقول‪ ،‬وتُذكِّرنا بعض الممارسات‬
‫الوحشية التعنيف ّية التي تمارس اليوم ضد المرأة بعادة وأد البنات في الجاهلية‪ ،‬فالوأد ال زال‬
‫قائم ًا ولكن بطرق وأساليب جديدة‪.‬‬
‫إن اإلسالم إنّما طوى تلك الصفحة المظلمة على مستوى النصوص بشكل حاسم‪،‬‬ ‫ّ‬
‫وعمل جاهد ًا على ط ّيها على مستوى النفوس‪ ،‬وقد حصلت نجاحات كثيرة على هذا الصعيد‪،‬‬
‫يتم بسحر ساحر‪ ،‬وإنّما يحتاج إلى جهود تربوية‬ ‫ّإل ّ‬
‫أن تغيير الذهنيات والعادات الراسخة ال ُّ‬
‫تحرك بالشكل الصحيح والمرسوم‬ ‫وثقافية ودعو ّية مكثفة‪ .‬ولو ّ‬
‫أن مسار المجتمع اإلسالمي ّ‬
‫(((   المحاسن واألضداد للجاحظ‪ ،‬ص ‪.160‬‬
‫(((   أخرج ابن ش ّبة بإسناده عن جابر رضي الله عنه قال‪« :‬لما ولي عمر رضي الله عنه خطب الناس فقال‪ّ :‬‬
‫إن القرآن‬
‫هو القرآن‪ّ ،‬‬
‫وإن الرسول هو الرسول‪ ،‬وإنهما كانتا متعتين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬إحداهما‬
‫وأتم لعمرتكم‪ ،‬واألخرى‬
‫أتم لحجكم ّ‬ ‫متعة الحج واألخرى متعة النساء‪ .‬فافصلوا حجكم عن عمرتكم‪ ،‬فإنه ّ‬
‫متعة النساء‪ ،‬فال أوتى برجل تزوج امرأة إلى أجل إال غيبته في الحجارة»‪ ،‬انظر‪ :‬تاريخ المدينة‪ ،‬ج‪ 2‬ص ‪.720‬‬
‫‪105‬‬ ‫المحور الثاني‪ :‬المرأة بين مدرسة اإلسالم والمدارس األخرى‬
‫أن األمور سارت بشكل‬ ‫له من قبل النبي(ص) لكنّا أمام واقع مختلف وصورة أخرى‪ ،‬بيد ّ‬
‫تراجعي وشهد واقع المرأة انكماش ًا ملحوظ ًا‪ ،‬ولهذا‪ّ ،‬‬
‫فإن بقايا تلك الصورة الجاهل ّية بقيت‬
‫ومستمرة لدى البعض إلى يومنا هذا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫موجودة‬
‫الفهم أو التفسير الخاطئ للنص الديني المتصل بالمرأة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وساعد على هذا االنكماش‬
‫إن العديد من الفتاوى الفقه ّية التي انطلقت من فهم معين للنصوص‬ ‫ولذا ال نبالغ بالقول‪ّ :‬‬
‫الدينية ال تزال تشكّل العائق األكبر أمام اضطالع المرأة المسلمة وقيامها بدورها الريادي في‬
‫إن الفتاوى التي تمنع المرأة من حق العمل‪ ،‬ومن قيادة السيارة‪ ،‬ومن‬ ‫عمل ّية نهوض األمة‪ّ .‬‬
‫لحق من حقوقه‪ ،‬ولو فرضنا‬ ‫الخروج من بيتها دون إذن الزوج حتى لو لم يكن خروجها منافي ًا ٍّ‬
‫أنّه لم يأذن فال يحق لها الخروج أبد ًا‪ ،‬وتمنعها أيض ًا من السفر بدون وجود محرم‪ ،‬أو غير‬
‫إن هذه الفتاوى قد تجعل المرأة حبيسة المنزل‬ ‫ذلك مما يعدّ من أبسط الحقوق البشر ّية‪ّ .‬‬
‫شل نصف المجتمع البشري‬ ‫مدى عمرها‪ ،‬والنتيجة الطبيعية المترتبة على ذلك هي تجميد أو ّ‬
‫وكل ذلك يجري ولألسف باسم الدين‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫دائرة أو حدود ض ّيقة‪ُّ ،‬‬ ‫وإخراجه عن الفاعل ّية إال في‬
‫معني بإعادة وضع هذه الفتاوى على طاولة البحث والنقاش‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫فإن العقل االجتهادي‬ ‫ولهذا‪ّ ،‬‬
‫ودراستها دراسة نقد ّية‪ ،‬كما هو معني بمتابعة ومالحظة سائر الفتاوى الفقه ّية المتص ّلة بالمرأة‪.‬‬

‫الخطاب الديني والو�ص ّية بالمر�أة‬


‫إن مالحظة السياق التاريخي المذكور المتصل بوضع ّية المرأة إبان بعثة النبي(ص)‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫الحط من شأنها والنظر إليها بدون ّية‪ ،‬والتعامل معها بتهميش‪،‬‬ ‫والذي كان طابعه العام هو‬
‫توجه الخطاب القرآني والنبوي إلى‬ ‫سر ّ‬ ‫يفسر لنا ّ‬
‫إن مالحظة ذلك ّ‬ ‫واستلحاقها بالرجل‪ّ ،‬‬
‫ُح ِّذ ُر الرجل من‬
‫الرجل‪ ،‬مستخدم ًا في كثير من األحيان اللغة الوعظية واإلرشادية والتي ت َ‬
‫مغبة إهانة المرأة مادي ًا أو معنوي ًا‪ ،‬وتدعوه إلى أن يتقي الله تعالى فيها‪ ،‬كما تأمره بضرورة‬
‫حمايتها والتعامل معها بإنصاف وعدل‪ ،‬وذلك من قبيل ما ورد في الحديث النبوي‬
‫الشريف(ص)‪« :‬استوصوا بالنساء خير ًا»(((‪ ،‬وفي الحديث عن النبي(ص)‪« :‬اتقوا الله‪ ،‬اتقوا‬
‫فإن خياركم خياركم ألهله»(((‪ ،‬وفي خبر آخر عنه(ص)‪:‬‬ ‫الله في الضعيفين‪ :‬اليتيم‪ ،‬والمرأة‪ّ ،‬‬

‫(((   صحيح البخاري‪ ،‬ج‪ 4‬ص‪ ،103‬وصحيح مسلم‪ ،‬ج‪ 4‬ص‪ ،187‬وعوالي الآللي‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪ ،255‬ونقله في جامع‬
‫أحاديث الشيعة‪ ،‬ج‪ 20‬ص‪246‬عن القطب الراوندي في لب اللباب‪ ،‬وعن تفسير أبي الفتوح الرازي‪.‬‬
‫(((   قرب اإلسناد‪ ،‬ص‪.92‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪106‬‬
‫«ال ت َْض ِربوا إِماء ِ‬
‫الله»(((‪ .‬إلى غير ذلك من الروايات التي تحمل هذا الطابع الوعظي الذي‬ ‫ُ َ َ‬
‫يوصي بالنساء خير ًا‪.‬‬
‫إن التعبير عن المرأة بالضعيفة في الحديث المتقدم‪ ،‬ليس إقرار ًا أو رض ًا بهذا الضعف‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ولكنّها إشارة توصيف ّية إلى واقع ال يستطيع أي تشريع القفز فوقه أو تغييره بطريقة إعجاز ّية‪،‬‬
‫وإنّما يعمل على ترشيده وتغييره شيئ ًا فشيئ ًا‪ ،‬مبتدئ ًا بتغيير الذهن ّية الحاكمة‪ ،‬ونزع الشرع ّية عن‬
‫أي عمل عدواني أو امتهاني بحق المرأة‪.‬‬

‫‪--4‬المر�أة في الح�ضارات والأديان القديمة ولدى الفال�سفة وال�شعراء‬


‫والتعرف على أهم ّية اإلنجازات التي جاء بها اإلسالم على صعيد المرأة وحقوقها‪ ،‬ال‬
‫ّ‬
‫يتوضح فقط من خالل المقارنة والمقايسة مع ما كان عليه حالها في الجاهلية العربية‪ ،‬بل‬
‫يتوضح أيض ًا بعقد مقارنات أخرى‪ ،‬ومن أهمها‪:‬‬
‫ظل اإلسالم مع حالها في ِّ‬
‫ظل الحضارات واألديان األخرى‪ ،‬وال س ّيما‬ ‫‪--1‬مقارنة حالها في ِّ‬
‫الحضارات واألديان الشرقية التي أورثت العرب والمسلمين الكثير من عاداتها‬
‫وتقاليدها‪.‬‬
‫‪ --2‬مقارنة مضامين النص اإلسالمي وال سيما القرآني الذي يتحدّ ث عن المرأة مع مضامين‬
‫النصوص المأثورة عن الفالسفة وأهل الرأي في القرون الغابرة‪.‬‬
‫النص الديني المتصل بالمرأة مع مضامين النصوص األدبية الواردة في‬
‫‪--3‬مقارنة مضامين ّ‬
‫الموضوع عينه‪.‬‬
‫أن هذه المقارنات ج ّيد ٌة ونافعة‪ ،‬ال لكونها تساهم في بيان الخطوات الهامة‬ ‫وأعتقد ّ‬
‫التي خطاها اإلسالم على صعيد النهوض بالمرأة فحسب‪ ،‬بل ألنّها تساعد على تكميل‬
‫تطور الرؤية البشرية إزاء المرأة‪ ،‬األمر الذي يقود إلى تفهم (ال تبرير) بعض‬ ‫الصورة وبيان ّ‬
‫االجتهادات الدين ّية التي حاصرت المرأة ولم ُتن ِْص ْفها‪ّ .‬‬
‫فإن هذه االجتهادات قد تكون متأثرة‬
‫ألن البشر هم في حالة من التالقح المعرفي المستمر‪.‬‬ ‫برؤية فلسفية أو دين ّية أو أدبية معينة‪ّ ،‬‬
‫وفيما يلي إطاللة موجزة على هذه المقارنات‪ ،‬وحيث إننا قد قدمنا صورة كافية عن مكانة‬

‫(((   سنن الدارمي‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪ ،147‬وسنن أبي داود‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.476‬‬
‫‪107‬‬ ‫المحور الثاني‪ :‬المرأة بين مدرسة اإلسالم والمدارس األخرى‬
‫النص اإلسالمي‪ ،‬وعن موقعها في التجربة التاريخية للمسلمين‪ ،‬فيكون العنصر‬ ‫المرأة في ّ‬
‫األهم في هذه المقارنة هو بيان الرأي اآلخر في المسألة‪ ،‬وهذا ما تتكفله العناوين التالية‪:‬‬

‫�أوالً‪ :‬المر�أة في الح�ضارات والأديان القديمة‬


‫وعندما نفتح صفحات التاريخ البشري لنتحرى حال المرأة ومكانتها في الحضارات‬
‫القديمة‪ ،‬سوف نكتشف أنّها ربما نالت شيئ ًا من حقوقها في بعض تلك الحضارات‪ ،‬ونظر‬
‫أن بعض الشعوب اتخذتها إله ًا مما يعكس تقدير ًا لها‪ ،‬بيد أنّها ‪ -‬في‬
‫إليها نظرة تقدير لدرجة ّ‬
‫األعم األغلب ‪ -‬ظ ّلت مضطهدة ومحتقرة‪ ،‬األمر الذي م ّثل صفحة سوداء في هذا التاريخ‪،‬‬
‫وإليك نبذة موجزة عن نظرة أهم الحضارات والديانات المختلفة حول المرأة‪:‬‬

‫ ) أالمرأة عند اإلغريق‬


‫إن وضع المرأة في المجتمع اليوناني بصفة عامة كان سيئ ًا‪« ،‬فأثينا» سجنتها في ركن‬
‫وحرمت عليها الخروج إال وعلى وجهها خمار تعلن بواسطته أنّها «ملك ّية‬
‫مظلم هو الحريم‪ّ ،‬‬
‫وحولتها إلى امرأة‬‫جردتها «أسبرطة» من أنوثتها ّ‬
‫خاصة» للرجل‪ ،‬ينبغي أن ال تمس‪ ،‬بينما ّ‬
‫«مسترجلة»‪ ،‬ال تهمها العواطف أو المشاعر‪ ،‬حتى لو كانت عواطف األم ومشاعرها»(((‪.‬‬
‫ويحدثنا «ول ديوارنت» صاحب قصة الحضارة عن الزواج اليوناني‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫«فهذا الزواج يقطع الصلة بين العروس وأقاربها‪ ،‬فتذهب لتعيش عيشة ال تكاد تختلف عن‬
‫عيشة الخدم في غير بيتها‪ ،‬تعبد فيها آلهة غير آلهتها‪ .‬ولم يكن في مقدورها أن تتعاقد على شيء أو‬
‫أن العمل الذي‬‫تستدين أكثر من مبلغ تافه أو أن ترفع قضايا أمام المحاكم‪ .‬ومن شرائع «صولون» ّ‬
‫يقوم به إنسان تحت تأثير المرأة باطل قانون ًا؛ وإذا مات الزوج لم ترث زوجته شيئ ًا من ماله(((‪.‬‬

‫اليونانيون ووأد األوالد‬


‫ويبدو ّ‬
‫أن عادة وأد البنات التي عرفها المجتمع العربي لم تكن يتيمة في هذا المجال‪ ،‬فقد‬
‫ال من أشكال قتل األوالد‪ ،‬بحجة تحديد النسل‪ ،‬يقول «ول ديورانت»‪:‬‬ ‫عرف اليونانيون شك ً‬

‫(((   انظر‪ :‬موسوعة الفيلسوف والمرأة‪ ،‬أفالطون والمرأة‪ ،‬إمام عبد الفتاح إمام‪ ،‬مكتبة مدبولي الطبعة‬
‫الثانية ‪ ،1996‬ص ‪.13‬‬
‫(((   ول وايريل ديورانت‪ ،‬قصة الحضارة‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪ ،118-117‬دار الجيل النهضة‪ ،‬ترجمة محمد بدران‪،‬‬
‫بيروت‪ -‬تونس‪1408 ،‬هـ‪1988 /‬م‪.‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪108‬‬
‫أهم الظواهر البارزة في ذلك العصر‪ ،‬فلم يكن يعاقب على اإلجهاض‬ ‫«أضحى تحديد النسل من ّ‬
‫مث ً‬
‫ال إذا لجأت إليه المرأة على غير إرادة زوجها‪ ،‬أو بتحريض من أغواها؛ وكان الطفل في كثير‬
‫من األحيان يعرض للجو القاسي‪ ،‬ولم يكن عدد األسر التي تربي أكثر من بنت واحدة في المدن‬
‫اليونانية القديمة يزيد على واحد في المائة من مجموع أسرها‪ .‬وكان الفالسفة يتجاوزون عن‬
‫قتل األطفال بحجة أنّه يخفف من ضغط السكان على موارد الرزق؛ فلما أن لجأت الطبقات‬
‫الدنيا إلى هذه العادة وأسرفت فيها تساوت نسبة الوفيات مع نسبة المواليد»(((‪.‬‬

‫ ) بالمرأة في الهند‬


‫وأ ّما وضع المرأة في الهند‪ ،‬فقد كان مزري ًا على شتى األصعدة‪.‬‬
‫يتحدث ديورانت عن المرأة الهند ّية فيقول‪« :‬في األصقاع الجنوبية كانت رغبات‬
‫الرجل الشهواني تشبعها له من ُك ّن يطلق عليهن «خادمات الله» طائعات في ذلك أمر السماء‪،‬‬
‫وما خادمات الله أو «دفاداس» كما يسمونه ّإل العاهرات؛ وفي كل معبد في ِ‬
‫«تامل»‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬
‫مجموعة من «النساء المقدسات» الالئي يستخدمهن المعبد أول األمر في الرقص والغناء‬
‫أمام األوثان‪ ،‬ثم من الجائز أن ُيستخدمن بعد ذلك في إمتاع الكهنة البراهمة؛ وبعض هؤالء‬
‫النسوة ‪ -‬فيما يظهر ‪ -‬قد قصرن حياتهن على عزلة المعابد وك ُّهانها‪ ،‬وبعضهن اآلخر قد‬
‫وسع من نطاق خدماته بحيث يشمل كل من يدفع أجر ًا لمتعته‪ ،‬على شريطة أن يدفعن لرجال‬ ‫ّ‬
‫الدين جزء ًا من كسبهن عن هذا الطريق‪ ،‬وكان كثير من زانيات المعابد ‪ -‬أو فتيات الرقص ‪-‬‬
‫يقمن بالرقص والغناء في الحفالت العامة واالجتماعات الخاصة‪ ،‬على نحو ما يفعل فتيات‬
‫«الجيشا» في اليابان‪ .‬ويحدّ ثنا نص مقدس أنّه في سنة ‪ 1004‬ميالدية كان في معبد الملك‬
‫الكولي «راجا راجا» في تانجور أربعمائة امرأة من «خادمات الله»؛ وأكسب الزمان هذه‬ ‫ّ‬
‫إن السيدات المحترمات‬‫العادة صبغة الجالل‪ ،‬فلم ير فيها أحد ما يتنافى مع األخالق‪ ،‬حتى ّ‬
‫كن آن ًا بعد آن يهبن ابنة إلى مهنة ال ُعهر في المعابد‪ ،‬بالروح نفسها التي يوهب بها االبن إلى‬
‫«ديبوا» ‪ -‬في أول القرن التاسع عشر ‪ -‬معابد الجنوب بأنها كانت في‬ ‫الكهنوت‪ ،‬ويصف ِ‬
‫بعض الحاالت تتحول إلى بيوت للدعارة وال شيء غير هذا‪ ،‬وكانت عامة الناس تطلق على‬
‫«خادمات الله» ‪ -‬بغض النظر عن مهمتهن في بداية األمر ‪ -‬اسم الزانيات‪ ،‬ويستخدمونهن‬
‫على هذا األساس»‪.‬‬

‫(((   ول وايريل ديورانت‪ ،‬قصة الحضارة‪ ،‬ج ‪ 8‬ص ‪.27‬‬


‫‪109‬‬ ‫المحور الثاني‪ :‬المرأة بين مدرسة اإلسالم والمدارس األخرى‬
‫وأ ّما عن األسرة في بالد الهند فيقول‪« :‬كانت األسرة الهندية من الطراز األبوي الصميم‪،‬‬
‫فالوالد هو السيد الكامل السيادة على الزوجة واألبناء والعبيد‪ ،‬وكانت المرأة مخلوق ًا جمي ً‬
‫ال‬
‫أحط منزلة من الرجل؛ تقول أسطورة هندية‪ّ :‬‬
‫«إن «تواشتري» المبدع اإللهي‪،‬‬ ‫ُي َحب‪ ،‬لكنها ّ‬
‫أن مواد الخلق قد نفدت كلها في صياغة الرجل‪،‬‬ ‫حين أراد في البداية أن يخلق المرأة وجد ّ‬
‫ولم يبق لديه من العناصر الصلبة بقية‪ ،‬فإزاء هذه المشكلة طفق يصوغ المرأة من القصاصات‬
‫والجذاذات التي تناثرت من عمليات الخلق السابقة»‪.‬‬
‫نص التشريع على ّ‬
‫أن‬ ‫ومن مكانة المرأة وموقعها في النظام االجتماعي يكتب‪« :‬ولقد ّ‬
‫المرأة طول حياتها ينبغي أن تكون تحت إشراف الرجل فأبوها أوالً وزوجها ثاني ًا وابنها ثالث ًا‪،‬‬
‫وكانت الزوجة تخاطب زوجها في خشوع قائلة له‪« :‬يا موالي» و«يا سيدي» بل «يا إلهي»‬
‫وجه إليها هو كلمة واحدة‬ ‫وهي تمشي خلفه بمسافة إن مشيا على مرأى من الناس‪ ،‬وق ّلما ُي ِّ‬
‫وينتظر من المرأة أن تبدي إخالصها بخدماتها في كل المواقف‪ ،‬بإعدادها للطعام‪ ،‬وبأكلها‬
‫لما يتبقى بعد أكل زوجها وأوالدها‪ ،‬وبضمها لقدمي زوجها إذا حانت ساعة النوم‪.‬‬
‫وعن شخصيتها الحقوقية يكتب أيض ًا‪ « :‬ثالثة أشخاص في تشريع مانو ال يجوز لهم أن‬
‫يملكوا شيئ ًا‪ :‬الزوجة واالبن والعبد‪ ،‬فكل ما يكسبه هؤالء يصبح ملك ًا لسيد األسرة»‪.‬‬
‫وأما عن حق المرأة في التعليم فيقول‪« :‬ولم يكن نساء الهند يتلقين تعليم ًا‪ .‬إال إن ك َّن‬
‫من سيدات الطبقة الراقية أو زانيات المعبد‪ ،‬فف ُّن القراءة كان في عرفهم ال يليق بامرأة وليس‬
‫تلم بكتب الفيدا‪ ،‬ففي الماهابهاراتا‪« :‬إذا درست المرأة كتب الفيدا كانت هذه‬ ‫من حقها أن ّ‬
‫«أن البراهم يحولون‬ ‫عالمة الفساد في المملكة‪ ،‬ويروي المجسطي عن أيام «شاندراجوبتا»‪ّ :‬‬
‫ألن النساء إن عرفن كيف‬ ‫بين زوجاتهم ‪ -‬ولهم زوجات كثيرات ‪ -‬وبين دراسة الفلسفة؛ ّ‬
‫مس من جنون‪ ،‬أو أب ْي َن بعد‬ ‫ينظرن إلى اللذة واأللم‪ ،‬والحياة والموت‪ ،‬نظرة فلسفية‪ ،‬أصابهن ٌّ‬
‫ذلك أن ي ْظ َل ْلن على خضوعهن»‪.‬‬
‫ومن أسوأ العادات والممارسات الظالمة للمرأة والتي عرفها تاريخ الهنود‪« :‬عادة‬
‫إحراق األرامل على الكومة التي احترق فيها أزواجهن»‪ .‬وكانوا في هذه المناسبات يحرقون‬
‫جسد الزوجة‪ ..‬أو يدفنونها حية‪ ،‬كما كان يحدث بين قبيلة «تلوج» في الجنوب‪ ،‬ويروي لنا‬
‫أن عادة قتل الزوجة بعد موت زوجها كانت شائعة في الهند أيام اإلسكندر‪ .‬ولقد‬ ‫سترابو ّ‬
‫عارضها البراهمة أول األمر‪ ،‬لكنهم عادوا فقبلوها‪ ،‬وأخير ًا خلعوا عليها قداسة دينية تحميها‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪110‬‬
‫من العبث‪ ،‬وذلك بأن جعلوها مرتبطة بأبدية الرابطة الزوجية‪ :‬فالمرأة إذا ما تزوجت رج ً‬
‫ال‬
‫كان عليها أن تظل زوجته إلى األبد»(((‪.‬‬

‫ ) جالمرأة في الصين‬


‫حل عهد كنفوشيوس كاد‬ ‫وعن أحوال المرأة في الصين يقول « ديورانت»‪« :‬فلما أن ّ‬
‫سلطان األب يكون سلطان ًا مطلق ًا في جميع األمور‪ ،‬فكان في وسعه أن يبيع زوجته وأبناءه‬
‫ليكونوا عبيد ًا‪ ،‬وإن لم يفعل هذا ّإل إذا ألجأته إليه الضرورة القصوى؛ وكان يستطيع إذا شاء‬
‫أن يقتل أبناءه‪ ،‬ال يحول بينه وبين هذا إال حكم الرأي العام‪ .‬وكان يتناول طعامه بمفرده ال‬
‫ٍ‬
‫قليلة نادرة‪ ،‬وإذا مات كان ينتظر من‬ ‫ٍ‬
‫أوقات‬ ‫يدعو زوجته وال أبناءه إلى المائدة معه ّإل في‬
‫أرملته أال تتزوج بعده‪ ،‬وكان يطلب إليها في بداية األمر أن تحرق نفسها تكريم ًا له‪.‬‬
‫وكان النساء يعشن في أقسام خاصة من المنزل‪ ،‬وقلما كن يختلطن فيه بالرجال‪ ،‬وكانت‬
‫الحياة االجتماعية كلها مقصورة على الرجال إال إذا كانت النساء من الطبقات التي تسمح‬
‫ألفرادها باالختالط بالرجال كالمغنيات والمحدثات ومن إليهن‪.‬‬
‫وكان الرجل ال يفكر في زوجته ّإل بوصفها أم أبنائه وال يكرمها لجمالها أو لثقافتها بل‬
‫لخصوبتها وجدّ ها وطاعتها؛ يشهد بذلك ما كتبته السيدة «بان هوبان» إحدى بنات الطبقة‬
‫العليا في رسالة ذائعة الصيت بعبارات غاية في التواضع والخضوع تصف فيها المكانة‬
‫الحقيرة للمرأة‪:‬‬
‫نشغل نحن النساء آخر مكان في الجنس البشري‪ ،‬ونحن أضعف قسم من بني اإلنسان‪،‬‬
‫ويجب أن يكون من نصيبنا أحقر األعمال‪ ..‬وما أعدل ما يقوله في حقنا كتاب قوانين الجنسين‬
‫وأصدقه‪« :‬إذا كان للمرأة زوج يرتضيه قلبها وجب أن تبقى معه طيلة حياتها»(((‪.‬‬
‫ ) دالمرأة السومر ّية‬
‫ويتحدّ ث عن المرأة في الحضارة السومرية فيقول‪« :‬وكانت تسمو أحيان ًا إلى منزلة‬
‫أن الرجل هو‬ ‫الملك كما سمت «شوب آد» وتحكم مدينتها حكم ًا رحيم ًا َر ِغد ًا قوي ًا‪ ،‬غير ّ‬
‫السيد المسيطر في األزمات جميعها وكان من حقه في بعض الظروف أن يقتل زوجته أو‬
‫يبيعها أمة وفا ًء لما عليه من الديون‪.‬‬

‫(((   قصة الحضارة‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪.182-174‬‬


‫(((   المصدر نفسه‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪.273 - 272‬‬
‫‪111‬‬ ‫المحور الثاني‪ :‬المرأة بين مدرسة اإلسالم والمدارس األخرى‬
‫وكان الحكم األخالقي على الرجل يختلف عن الحكم األخالقي على المرأة حتى في‬
‫العهد السحيق‪ .‬فزنى الرجل كان ُيعدّ من النزوات التي يمكن الصفح عنها‪ ،‬أما زنى الزوجة‬
‫فكان عقابه اإلعدام‪ ،‬فقد ينتظر منها أن تلد لزوجها وللدولة كثير ًا من األبناء‪ ،‬فإذا كانت عاقر ًا‬
‫جاز طالقها لهذا السبب وحده‪ ،‬أما إذا كرهت أن تقوم بواجبات األمومة‪ ،‬فكانت تقتل غرق ًا»(((‪.‬‬
‫ )ـهالمرأة في مصر القديمة‬
‫أن حال المرأة كان جيد ًا مقارنة بنظيراتها لدى سائر‬ ‫وأ ّما في مصر القديمة فيبدو ّ‬
‫الشعوب‪ ،‬لكن مع ذلك فإننا نجد الكثير من العادات الشائنة‪ ،‬يقول ديورانت‪« :‬لقد كانت‬
‫حكومة مصر شبيهة بحكومة نابليون حتى في مضاجعة الملك ألقاربه‪ ،‬وكثير ًا ما كان الملك‬
‫يتزوج أخته‪ ،‬بل كان يحدث أحيان ًا أن يتزوج ابنته‪ ،‬ليحتفظ بالدم الملكي نقي ًا خالص ًا من‬
‫ّ‬
‫الشوائب‪ .‬وانتقلت عادة الزواج باألخوات من الملوك إلى عامة الشعب حتى لقد وجد في‬
‫السنة‪.‬‬
‫القرن الثاني بعد الميالد أن ثلثي سكان أرسينوئي يسيرون على هذه ُّ‬
‫وكان في مقدور الزوج أن يخرج زوجته من داره دون أن يعوضها بشيء إذا زنت‪ ،‬أما إذا‬
‫طلقها لغير هذا السبب فكان عليه أن يخصص لها جزء ًا كبير ًا من أمالك األسرة‪ .‬وكان مركز‬
‫المرأة عندهم أرقى من مركزها عند كثير من األمم في هذه األيام»(((‪.‬‬

‫ ) والمرأة في بابل‬


‫وأ ّما عن وضع المرأة لدى البابليين فيكتب «ديورانت»‪« :‬وأهم ما يلفت نظر المراقب‬
‫األجنبي في حياة البابليين تلك العادة التي تعرفها من وصف لها في إحدى صفحات‬
‫«هيرودوت» الذائعة الصيت‪« :‬ينبغي لكل امرأة بابلية أن تجلس في هيكل الزهرة مرة‬
‫ال غريب ًا‪ .‬ومنهن كثيرات يترفعن عن االختالط بسائر النساء‪،‬‬ ‫في حياتها‪ ،‬وأن تضاجع رج ً‬
‫لكبريائهن الناشئ من ثرائهن‪ ،‬وهؤالء يأتين في عربات مقفلة ويجلسن في الهيكل ومن‬
‫حولهن عدد كبير من الحاشية والخدم‪ .‬أما الكثرة الغالبة منهم فيتبعن الطريقة اآلتية‪ :‬تجلس‬
‫الكثيرات منهن في هيكل الزهرة وعلى رأسهن تيجان من الحبال‪ ،‬بين الغاديات والرائحات‬
‫الالتي ال ينقطع دخولهن وخروجهن‪ .‬وتخترق جميع النساء ممرات مستقيمة متجهة في‬
‫يمر فيها الغرباء ليختاروا من النساء من يرتضون‪ .‬فإذا جلست امرأة هذه‬ ‫كل الجهات‪ ،‬ثم ّ‬

‫(((   قصة الحضارة‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.33 - 32‬‬


‫(((   المصدر نفسه‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.96-95‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪112‬‬
‫الجلسة كان عليها أال تعود إلى منزلها حتى يلقي أحد الغرباء قطعة من الفضة في حجرها‬
‫ويضاجعها في خارج المعبد‪ .‬وعلى من يلقي القطعة الفضية أن يقول‪ :‬أضرع إلى اإللهة‬
‫بأن اآلشوريين يطلقون على الزهرة اسم «مليتا» ومهما يكن من صغر‬ ‫«ميلتا» أن ترعاك؛ ذلك ّ‬
‫فإن المرأة ال يجوز أن ترفضها‪ ،‬فهذا الرفض يحرمه القانون لما لها في نظرهم‬ ‫القطعة الفضية ّ‬
‫من قداسة‪ .‬وتسير المرأة وراء أول رجل يلقيها إليها‪ ،‬وليس من حقها أن ترفضه أي ًا كان‪ .‬فإذا‬
‫ما ضاجعته وتحللت مما عليها من واجب لإللهة‪ ،‬عادت إلى منزلها‪.‬‬
‫وكان يسمح للبابليين في العادة بقسط كبير من العالقات الجنسية قبل الزواج‪ ،‬ولم يكن‬
‫ُيض ّن على الرجال والنساء أن يتصلوا اتصاالً غير مرخص به «بزيجات تجريبية» تنتهي متى‬
‫شاء أحد الطرفين أن ينهيها‪.‬‬
‫أن شمشتريز حصل على عشرة‬ ‫على أن بعض الزيجات كانت بيع ًا صريح ًا‪ ،‬من ذلك ّ‬
‫شواقل (‪ 50‬رياالً) ثمن ًا البنته‪ .‬وإذا جاز لنا أن نصدق أبا التاريخ ّ‬
‫«فإن من كانت لهم بنات في‬
‫سن الزواج يأتون بهن مرة في كل عام إلى مكان يجتمع فيه حولهن عدد كبير من الرجال‪ ،‬ثم‬
‫دلل عام ويبيعهن جميع ًا واحدة في إثر واحدة‪ ،‬فينادي أجملهن‪ ،‬وبعد أن يقبضن‬ ‫يصفهن ّ‬
‫فيها ثمن ًا عالي ًا ينادي على من تليها في الجمال‪ .‬ولكنه لم يكن يبيعهن إال بشرط أن يتزوجن‬
‫المشترين‪ ..‬وهذه العادة المستحبة لم يعد لها اآلن بقاء»‪.‬‬
‫إن مركز المرأة في بابل كان أقل منه‬ ‫إلى أن يقول‪« :‬وفي وسعنا أن نقول بوجه عام ّ‬
‫أقل من مركزها عند اليونان األقدمين أو عند‬ ‫في مصر وفي روما‪ ،‬ولكنه مع ذلك لم يكن ّ‬
‫األوروبيين في العصور الوسطى‪ .‬وكان ال بدّ لها لكي تؤدي أعمالها الكثيرة ‪ -‬من والدة‬
‫األبناء وتربيتهم‪ ،‬ونقل الماء من النهر أو اآلبار العامة‪ ،‬وطحن الحبوب‪ ،‬والطهو‪ ،‬وغزل‬
‫الخيوط ونسجها‪ ،‬وتنظيف دارها ‪ -‬كان ال بدّ لها لكي تؤدي هذه األعمال أن تكون حرة‬
‫غدوها ورواحها بين الناس ال تكاد تفترق من هذه الناحية عن الرجل في شيء‪ .‬وكان من‬ ‫في ّ‬
‫حقها أن تمتلك الثروة وتستمتع بدخلها‪ ،‬وتتصرف فيها بالبيع والشراء‪ ،‬وأن ترث وت َُو َّرث‪.‬‬
‫إن منهن من ك ّن كاتبات وفي هذا دليل‬ ‫ومن النساء من كانت لهن حوانيت‪ ،‬يتجرن فيها‪ ،‬بل ّ‬
‫على أن البنات كن يتعلمن كالصبيان»(((‪.‬‬

‫(((   قصة الحضارة‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.233 - 229‬‬


‫‪113‬‬ ‫المحور الثاني‪ :‬المرأة بين مدرسة اإلسالم والمدارس األخرى‬
‫ ) زالمرأة في اليابان والشرق‬
‫والنظام األبوي الصارم نجده لدى اليابانيين‪ ،‬فقد كان من حق األب «أن يطرد من‬
‫األسرة زوج ابنته أو زوجة ابنه بينما يحتفظ بحفدته في صحبته‪ ،‬بل كان من حقه أن يقتل ابنه‬
‫أو ابنته إذا اتهم أحدهما بالدعارة أو غيرها من الجرائم الخطيرة‪ ،‬وأن يبيع أبناءه أو بناته في‬
‫سوق النخاسة أو سوق الدعارة وفي مستطاعه أن يطلق زوجته بكلمة واحدة»‪.‬‬
‫إلى أن يقول‪« :‬وأصبح المجتمع يسوده الذكور‪ ،‬وأذعن النساء «للطاعات الثالث»‬
‫‪ -‬الولد والزوج واالبن ‪-‬؛ وأوشك الناس أال يضيعوا جهدهم في تعليم النساء‪ ،‬اللهم ّإل‬
‫تعليمهن آداب األوضاع االجتماعية»‪.‬‬
‫وأ ّما عن األخالق األسرية‪ ،‬فقد «سبق الزوجات أزواجهن في عالم الزنا‪ ،‬بحيث ك ّن‬
‫يبعن العفة بقول جميل يقال»(((‪.‬‬

‫ ) حالمرأة عند اليهود‬


‫التعرف على حال المرأة لدى اليهود ونظرتهم إليها هو األهم في هذا الباب‪،‬‬ ‫وربما كان ّ‬
‫ألن عرب الحجاز وال سيما أهل المدينة وجوارها وكذلك عرب اليمن كانوا متأثرين‬ ‫وذلك ّ‬
‫باليهود بحكم مجاورتهم لهم‪ ،‬وكانوا ينظرون إليهم نظرة إجالل وإكبار وتقدير‪ ،‬ويعتقدون‬
‫أن دينهم هو أفضل دين(((‪ ،‬وربما وصل تأثرهم بهم إلى درجة ّ‬
‫أن المرأة األنصار ّية كانت‬ ‫ّ‬
‫تهوده(((‪ ،‬ولهذا من الطبيعي أن يتأثر العرب ببعض‬
‫يعش لها تنذر إن عاش ولدها أن ّ‬ ‫إذا لم ْ‬
‫األفكار أو الممارسات اليهود ّية إزاء المرأة‪.‬‬
‫أن المرأة كائن تابع للرجل‪ّ ،‬‬
‫وأن لعنة الخطيئة‬ ‫وإذا ألقينا نظرة على التوراة فسوف نجد ّ‬

‫(((   قصة الحضارة‪ ،‬ج ‪ 5‬ص ‪.63 - 62‬‬


‫المفصل في تاريخ العرب قبل اإلسالم‪ ،‬ج ‪ 6‬ص ‪.403‬‬ ‫ّ‬ ‫(((   انظر‪:‬‬
‫(((   فعن ابن عباس قال‪ :‬كانت المرأة تكون مقالت ًا (ال يعيش لها ولد)‪ ،‬فتجعل على نفسها إن عاش لها‬
‫ولد أن تهوده‪ ،‬فلما أجليت بنو النضير كان فيهم من أبناء األنصار‪ ،‬فقالوا‪ :‬ال ندع أبناءنا! فأنزل الله‬
‫تعالى ذكره‪ :‬ﵛﳎ ﳏ ﳐ ﳑﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖ ﳗﵚ [البقرة ‪ ]256‬وفي خبر آخر عن عامر‪ ،‬قال‪ :‬كانت‬
‫المرأة من األنصار تكون مقالت ًا ال يعيش لها ولد‪ ،‬فتنذر إن عاش ولدها أن تجعله مع أهل الكتاب على‬
‫دينهم‪ .‬فجاء اإلسالم وطوائف من أبناء األنصار على دينهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬إنّما جعلناهم على دينهم‪ ،‬ونحن‬
‫أن دينهم أفضل من ديننا‪ ،‬وإذ جاء الله باإلسالم فلنكرهنهم! فنزلت‪ :‬ﵛﳎ ﳏ ﳐ ﳑﵚ‪ ،‬انظر‪:‬‬ ‫نرى ّ‬
‫جامع البيان للطبري‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪.21‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪114‬‬
‫التي ارتكبتها حواء تالحق نسلها‪ ،‬وأنّها غير مؤهلة لخدمة المعبد وأنّها في غالب األحيان‬
‫كثير من الحقوق‪،‬‬‫تمارس الخداع والرذيلة‪ .‬وعلى المستوى الحقوقي‪ ،‬فهي محرومة من ٍ‬
‫وال تتساوى مع الرجل‪ ،‬وأغرب ما في األمر هو الصورة غير الالئقة التي نجد عليها حال‬
‫بنات وزوجات األنبياء‪ ،‬ولطول البحث في ذلك وكثرة النصوص التوارتية المهينة للمرأة‬
‫ارتأينا أن نُرجئ الحديث في ذلك إلى مالحق الكتاب‪ ،‬انظر‪ :‬الملحق رقم (‪.)2‬‬

‫ ) طالمرأة في عصر النهضة‬


‫فإن حال المرأة في أوروبا لم يكن بالمستوى المطلوب‪ ،‬حتى في العصر الذي‬ ‫وأخير ًا ّ‬
‫عرف بـ «عصر النهضة» وإلى ذلك يشير «ديورانت» فيقول‪« :‬على أننا ال ينبغي أن نظن ّ‬
‫أن‬
‫هذه المكانة العليا كانت هي نصيب المرأة العادية في عصر النهضة‪ ،‬فالواقع أنّه لم ينلها‬
‫إال قلة من النساء المحظوظات؛ أما الكثرة الغالبة منهن فكن يخلعن ثياب العرس ليحملن‬
‫أعباء المنزل ومتاعب األسرة حتى يوارين الثرى‪ ،‬وليستمع القارئ إلى برنردينو يحدد الوقت‬
‫المناسب لضرب الزوجة‪:‬‬
‫«وأوصيكم أيها الرجال أال تضربوا زوجاتكم وهن حامالت ّ‬
‫فإن في ذلك أشدّ الخطر‬
‫عليهن‪ .‬ولست أعني بهذا أنّكم يجب أال تضربوهن أبد ًا؛ ولكن الذي أعنيه أن تختاروا الوقت‬
‫المناسب لهذا الضرب‪ ..‬وأنا أعرف رجاالً يهتمون بالدجاجة التي تضع بيضة كل يوم أكثر‬
‫من اهتمامهم بأزواجهم‪ .‬فقد تكسر الدجاجة أحيان ًا وعا ًء أو قدح ًا‪ ،‬ولكن الرجل ال يضربها‬
‫خشية أن يفقد بذلك البيضة التي يحصل عليها منها‪ ،‬إذن فما أشد جنون الكثيرين من الرجال‬
‫أن الواحد‬‫الذين ال يطيقون سماع كلمة من زوجاتهم الالئي يأتين بهذه الثمار الطيبة! ذلك ّ‬
‫منهم إذا سمع من زوجته كلمة يرى أنّها نابية‪ ،‬عمد من فوره إلى عصا وشرع يضربها بها‪ ،‬أما‬
‫الدجاجة التي ال تنقطع عن الوقوقة طوال النهار فإنّه يصبر عليها من أجل بيضتها»(((‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬الفيل�سوف والمر�أة‬


‫قوة التأثير الذي تركته الفلسفة اليونانية من خالل أقطابها‬‫ليس خافي ًا على أحد ّ‬
‫المعروفين‪ ،‬أعني سقراط‪ ،‬وأفالطون‪ ،‬وأرسطو‪ ،‬على عقول المسلمين‪ ،‬بسبب هيمنة هذه‬
‫الفلسفة على عقول الفالسفة المسلمين‪ ،‬فإذا علمنا ّ‬
‫أن فالسفة اليونان كان لهم نظرة دون ّية‬

‫(((   قصة الحضارة‪ ،‬ج ‪ 21‬ص ‪.102-101‬‬


‫‪115‬‬ ‫المحور الثاني‪ :‬المرأة بين مدرسة اإلسالم والمدارس األخرى‬
‫تجاه المرأة‪ ،‬فهذا قد يفسر لنا أحد مناشئ النظرة الدون ّية تجاه المرأة لدى الكثير من المسلمين‬
‫المتأثرين بالفلسفة اليونانية‪.‬‬
‫المستخف بالمرأة‪ ،‬والذي وقفه‬
‫ّ‬ ‫ومن المهم أن ُيبحث عن سبب هذا الموقف السلبي‬
‫الفالسفة‪ ،‬وهذا ما سوف نشير إليه إشارة عابرة في مستهل العنوان الثالث اآلتي «الشاعر‬
‫والمرأة»‪ ،‬ولك ّن ما يعنينا هنا هو التعرف على موقف الفالسفة اليونانيين من المرأة‪ ،‬وتأثير‬
‫ذلك على العقل اإلسالمي‪.‬‬
‫أن المرأة ال تصلح سوى لإلنجاب‪ ،‬وال يمكنها‬ ‫ولو بدأنا مع أرسطو لوجدنا أنّه كان يرى ّ‬
‫أن تشغل أي منصب سياسي أو اجتماعي وحتى قيادة المنزل(((‪ .‬يقول إمام عبد الفتاح‬
‫إمام‪« :‬وتأتي خطورة نظرية أرسطو عن المرأة أنّها ترددت بعد ذلك بكثرة في تراثنا العربي‪،‬‬
‫ربما ألنّها وجدت أرض ًا خصبة مهيأة لتقبلها‪ »..‬تمام ًا كما حدث في التراث الغربي‪ ،‬وفي‬
‫هذا المعنى تقول سوزان بل‪« :‬إن الصورة التي رسمها أرسطو للمرأة بالغة األهم ّية‪ ،‬وذات‬
‫أثر هائل‪ ،‬فقد ترسبت في أعماق الثقافة الغربية‪ ،‬وأصبحت هي الهادي والمرشد عن النساء‬
‫بصورة عامة»(((‪.‬‬
‫وأ ّما سقراط فـ « يحكى أنّه قيل له‪ :‬أي السباع أجسر؟ قال‪ :‬المرأة»‪.‬‬
‫مرت بسقراط امرأة وهي تتشوف‪ ،‬فقالت‪ :‬يا شيخ ما أقبحك؟ فقال‪ :‬لوال‬
‫وحكي أنّه ّ‬
‫قبح صورتي فيك!» ‪.‬‬
‫(((‬
‫لغمني ما بان من ِ‬
‫أنك من المرايا الصدئة َّ‬
‫وحتى أفالطون الذي ربما ُقدّ م باعتباره نصير ًا للمرأة وأحد دعاة المساواة بينها وبين‬
‫الرجل‪ ،‬كما هو شائع في الكتب الفلسفية‪ ،‬ال يبدو ‪ -‬بحسب إمام عبد الفتاح إمام ‪ّ -‬‬
‫أن‬
‫نصوصه تساعد كثير ًا على تدعيم هذه الرؤية أو الفكرة(((‪ ،‬فـ«أفالطون ال يذكر وظيفة واحدة‬
‫يمكن أن تشغلها المرأة إال لجنة اإلشراف على الزواج المؤلفة من مجموعة من النساء‬
‫العجائز‪ ،‬وهي وظيفة كانت تقوم بها عجائز أثينا بالفعل‪ ..‬وفض ً‬
‫ال عن ذلك فالمرأة في قوانين‬
‫أفالطون قاصر وال يحق لها أن ترث»(((‪.‬‬

‫  انظر حول ذلك كتاب‪ :‬أرسطو والمرأة‪ ،‬من تأليف إمام عبد الفتاح إمام‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة‬ ‫(((‬
‫مدبولي‪ ،‬ط ‪ ،1996 ،1‬ص ‪.8‬‬
‫  المصدر نفسه ص ‪.7‬‬ ‫(((‬
‫  شرح نهج البالغة‪ ،‬ج ‪ 18‬ص ‪.198‬‬ ‫(((‬
‫  أفالطون والمرأة‪ ،‬ص ‪.13‬‬ ‫(((‬
‫ أفالطون والمرأة‪ ،‬ص ‪.14‬‬ ‫(((‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪116‬‬
‫وقد تسربت هذه األفكار المنتقصة من مكانة المرأة إلى العالم اإلسالمي بعد عصر‬
‫الترجمة‪ ،‬حيث تأثر معظم الفالسفة المسلمين بالفلسفة اليونانية‪ ،‬وهيمنت على عقولهم‬
‫ردح ًا طويالً‪ ،‬وكان لها سطوة كبيرة في النفوس‪ ،‬وال زلنا إلى اآلن نعاني من تبعاتها على أكثر‬
‫من صعيد‪ ،‬وال سيما ما يتصل بتأثيراتها على علم الكالم وعلم أصول الفقه‪ ،‬ولذا لم يكن‬
‫مستغرب ًا أن تجد الشيخ الرئيس أبا علي بن سينا يذكر في توجيه منع المرأة من أن يكون أمر‬
‫الطالق بيدها‪« :‬إنّها بالحقيقة واهية العقل مبادرة إلى طاعة الهوى والغضب»(((‪ .‬وتتصاعد‬
‫وشرهن‬
‫«فإن كيدهن عظيم‪ّ ،‬‬ ‫هذه اللهجة عند أبي حامد الغزالي فيقول محذر ًا من النساء‪ّ :‬‬
‫فاش‪ ،‬والغالب عليهن سوء الخلق‪ ،‬وركاكة العقل»(((‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫وهكذا وجدنا ّ‬
‫أن الكثير من علماء المسلمين أخذوا يرددون تلك الكلمات المنقولة‬
‫عن فالسفة اليونان في كتبهم ويدعمونها بأقاويل أخرى تنسب إلى بعض الحكماء‪ ،‬الحظ‬
‫على سبيل المثال ما ينقله ابن أبي الحديد المعتزلي من نصوص في هذا المجال‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫«ونظر حكيم إلى امرأة مصلوبة على شجرة‪ ،‬فقال‪ :‬ليت كل شجرة تحمل مثل هذه‬
‫الثمرة!‬

‫ورأى بعضهم مؤدب ًا يع ّلم جاري ًة الكتابة‪ ،‬فقال‪ :‬ال تزد ّ‬


‫الشر شر ًا‪ ،‬إنما تُسقي سهم ًا سم ًا‬
‫لِت ُْر َمى به يوم ًا ما‪.‬‬

‫ورأى بعضهم جارية تحمل نار ًا فقال‪ :‬نار على نار‪ ،‬والحامل ّ‬
‫شر من المحمول‪.‬‬
‫وتزوج بعضهم امرأة نحيفة‪ ،‬فقيل له في ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬اخترت من الشر أق ّله‪.‬‬
‫ّ‬
‫شر قط‪ ،‬فقال له بعضهم‪ :‬اكتب‪ :‬إال المرأة‪.‬‬
‫كتب فيلسوف على بابه‪ :‬ما دخل هذا المنزل ّ‬

‫(((   الشفاء ‪ -‬اإللهيات‪ ،‬المقالة العاشرة‪ ،‬الفصل الرابع‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪ .449‬ويقول في الباب عينه‪« :‬ولما كان‬
‫من حق المرأة أن تصان ألنها مشتركة في شهوتها وداعية جد ًا إلى نفسها وهي مع ذلك أشد انخداع ًا‬
‫وأقل للعقل طاعة واالشتراك فيها يوقع أنفة وعار ًا عظيم ًا وهي من المضار المشهورة واالشتراك في‬
‫الرجل ال يوقع عار ًا بل حسد ًا والحسد غير ملتفت إليه فإنه طاعة للشيطان‪ .‬فبالحري أن يسن عليها في‬
‫بابها التستر والتخدر‪ ،‬فلذلك ينبغي أن ال تكون المرأة من أهل الكسب كالرجل فلذلك يجب أن يسن‬
‫لها أن تكفى من جهة الرجل فيلزم الرجل نفقتها لكن الرجل يجب أن يعوض من ذلك عوض ًا وهو أنه‬
‫يملكها وهي ال تملكه فال يكون لها أن تنكح غيره‪ .‬وأما الرجل فال يحجر عليه في هذا الباب»‪.‬‬
‫(((   إحياء علوم الدين‪ ،‬ج‪ 4‬ص ‪ .139‬وانتقل هذا الكالم بحذافيره إلى المحجة البيضاء في تهذيب اإلحياء‬
‫للفيض الكاشاني‪ ،‬ولم يشمله التهذيب‪ ،‬انظر‪ :‬المحجة البيضاء‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪.100‬‬
‫‪117‬‬ ‫المحور الثاني‪ :‬المرأة بين مدرسة اإلسالم والمدارس األخرى‬
‫ورأى بعضهم امرأة غريقة في الماء‪ ،‬فقال‪ :‬زادت الكدر كدر ًا‪ ،‬والشر بالشر يهلك‪.‬‬
‫وفى كالم الحكماء‪ :‬اعص هواك والنساء‪ ،‬وافعل ما شئت‪.‬‬
‫زوج الله عدوك‪ ،‬لكان‬
‫دعا بعضهم لصاحبه‪ ،‬فقال‪ :‬أمات الله عدوك؟ فقال‪ :‬لو قلت‪ّ :‬‬
‫أبلغ في االنتقام‪.‬‬
‫ومن الكنايات المشهورة عنهن‪« :‬سالح إبليس»(((‪.‬‬

‫فال�سفة الغرب‬
‫وأما الفالسفة الغربيون فلم تكن نظرتهم عن المرأة تختلف كثير ًا عن نظرائهم من‬
‫اليونانيين‪ ،‬بل ّ‬
‫إن الكثيرين منهم تأثروا بفالسفة اليونان وتبنّوا رؤيتهم وأفكارهم التي تنضح‬
‫نصين عدائيين تجاه المرأة الثنين من فالسفة‬
‫بكراهية المرأة‪ ،‬كما اتضح‪ ،‬وأكتفي هنا بنقل ّ‬
‫الغرب المعروفين‪:‬‬
‫النص األول‪ :‬هو لفريدريك نيتشه (‪1900‬م) الذي رأى ّ‬
‫أن المرأة كائن غير قادر على‬
‫وأن في «داخل المرأة كان هناك دوم ًا عبدٌ وطاغية متسترين‪ ،‬لذلك ما تزال المرأة‬ ‫الصداقة‪ّ ،‬‬
‫الحب‪ .‬في حب المرأة هناك ظلم وعماء تجاه‬ ‫ّ‬ ‫غير قادرة على الصداقة‪ ،‬إنّها ال تعرف سوى‬
‫ِ‬
‫كل من ال تح ّبه‪ ..‬ما تزال المرأة غير قادرة على الصداقة‪ ،‬ق َطط ًا ما تزال النساء وعصافير أو في‬
‫أحسن األحوال أبقار ًا»(((‪.‬‬
‫النص الثاني‪ :‬هو للفيلسوف األلماني أرتور شبنهاور (ت ‪1860‬م) والذي رأى ّ‬
‫أن‬ ‫ّ‬
‫«المرأة بحكم طبيعتها يجب أن تطيع»‪ّ .‬‬
‫وأن «الرجال بطبيعتهم غير مبالين ببعضهم البعض‪،‬‬
‫ولك ّن النساء بطبيعتهن متنافسات»(((‪.‬‬
‫أن الموقف من المرأة قد تغ ّير كثير ًا في الغرب‬
‫أجل‪ ،‬ال بدّ من االعتراف بكل تقدير‪ّ ،‬‬
‫المعاصر ومنذ عقود طويلة‪ ،‬وتبد ّلت الصورة كثير ًا‪ ،‬وبدأ التنظير الفلسفي والقانوني لفكرة‬
‫المساواة بين الرجل والمرأة في شتى الحقوق والواجبات‪ ،‬وبصرف النظر عن تحفظنا‬

‫(((   شرح نهج البالغة‪ ،‬ج ‪ 18‬ص ‪.198‬‬


‫(((   هكذا تكلم زرادشت‪ ،‬نيتشه‪ ،‬فريدريك‪ ،‬ترجمة علي مصباح‪ ،‬ط‪ ،1‬منشورات الجمل‪ ،‬بيروت لبنان‪،‬‬
‫ص ‪.118-117‬‬
‫(((   ويكبيديا الموسوعة الحرة‪ ،‬كره النساء أو الميسوجينية‪.‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪118‬‬
‫على الكثير من التفاصيل والمسارات التي أدخلت إليها المرأة دونما ضرورة لذلك‪ ،‬بما‬
‫أن المسار العام التي خطته المرأة في الغرب كان له الكثير‬ ‫أساء إلى كرامتها‪ ،‬فال ريب ّ‬
‫من اإليجابيات‪ ،‬حيث ُرفع الحيف والظلم عنها على أكثر من صعيد وأعطيت الكثير من‬
‫الحقوق التي كانت مهدورة ومصادرة‪ ،‬وقد أثمرت الجهود التي بذلت على صعيد التنظير‬
‫الفكري والتنشئة التربوية والحماية القانونية وو ّفرت مظلة كبيرة للمرأة في الغرب ما مكّنها‬
‫من أن تثبت نفسها وجدارتها‪ ،‬لك ّن بالرغم من ذلك ّ‬
‫فإن األمر ال يزال بحاجة إلى المزيد‬
‫من الخطوات التربوية والتثقيفية‪.‬‬
‫كلمات أو مواقف تنسب إلى جم ٍع من الفالسفة‪ ،‬وهي ‪ -‬في معظمها ‪-‬‬ ‫ٌ‬ ‫كانت هذه‬
‫تكاد تجمع على تخوين المرأة وشيطنتها وعدم ائتمانها‪ ،‬ونحن ال نريد باستعراضها تبرير‬
‫المنطق الذي تتضمنه‪ ،‬أو التخفيف من وطأة أية نظرة سلب ّية تجاه المرأة ترمي إلى سلبها‬
‫حق ًا من حقوقها‪ ،‬وإنّما غرضنا ‪ -‬كما أسلفنا في مستهل هذه الفقرة ‪ -‬بيان الرؤية السائدة‬
‫تاريخي ًا عن المرأة وفي أوساط النخبة من المفكرين والفالسفة واألدباء‪ ،‬األمر الذي يبعث‬
‫على تقدير الموقف الديني الذي جاء به القرآن الكريم‪ .‬فإنّه وال سيما عند مقارنته بتلك‬
‫أسس للتعامل مع المرأة باعتبارها إنسان ًا‪ ،‬لها ما للرجل‬
‫المواقف ُيعدُّ موقف ًا تحرري ًا‪ ،‬فقد ّ‬
‫من حقوق‪ ،‬وعليها ما عليه من واجبات‪ ،‬إال بلحاظ ما يقتضيه االختالف السيكولوجي‬
‫والبيولوجي بين الجنسين‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬ال�شاعر والمر�أة‬


‫وحسه المرهف تجعله عاشق ًا للجمال بكل تجلياته ومظاهره‪ ،‬ولذا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إن طبيعة الشاعر‬
‫ومقربة منه‪ ،‬وأن تكون‬‫ّ‬ ‫كان من الطبيعي أن تكون المرأة باعتبارها رمز الجمال ملهمة له‬
‫رؤيته حولها مختلفة تمام ًا عن رؤية الفيلسوف‪ ،‬فالفيلسوف ينظر إلى األمور نظرة عقلية‬
‫الحس والشهوة الجسد ّية‪،‬‬‫ّ‬ ‫تجريدية‪ ،‬ولعله لذلك لم ير في المرأة سوى كيان مادي يرمز إلى‬
‫أن ذ ّم المرأة لم يقتصر على الفالسفة‪ ،‬بل‬ ‫فإن ما نالحظه في هذا المجال هو ّ‬
‫ولكن مع ذلك ّ‬
‫إن الشعر ليس مرآ ًة لألفكار السائدة‬‫انخرط الشعراء في عمل ّية ذ ّمها ولو بنسبة أقل‪ .‬وحيث ّ‬
‫مولد لألفكار ومعزز لها‪ ،‬بدليل أننا نرى ّ‬
‫أن الكثيرين من‬ ‫فحسب‪ ،‬بل هو في كثير من األحيان ّ‬
‫المؤ ّلفين والواعظين والمتك ّلمين‪ ،‬إذا أرادوا دعم فكرة مع ّينة فإنهم يستشهدون عليها ببيت‬
‫من الشعر‪ ،‬حيث كان للشعر هذه المنزلة كان من األهم ّية بمكان إيالء الرؤ ّية الشعرية عناية‬
‫تغيير في وضع المرأة ال يمكن أن ينجح‬ ‫ٍ‬ ‫خاصة‪ ،‬سواء فيما يتصل بالمرأة أو غيرها‪ ،‬فأي‬
‫‪119‬‬ ‫المحور الثاني‪ :‬المرأة بين مدرسة اإلسالم والمدارس األخرى‬
‫ويصل إلى غاياته المنشودة إال إذا انخرط فيه كافة المثقفين من الفالسفة واألدباء والشعراء‬
‫واإلعالميين والروائيين ورجاالت القانون‪ ،‬فض ً‬
‫ال عن علماء الدين‪.‬‬
‫وما قلناه عن تلك النظرة الدونية المسيطرة على عقول الكثير من الشعراء تجاه المرأة‪،‬‬
‫والملمين بالشعر‪ ،‬ويمكن لكل خبير أو مطلع على التاريخ‬
‫ّ‬ ‫ليس خافي ًا على المهتمين باألدب‬
‫األدبي أن يعثر على العديد من النصوص الشعر ّية في هذا المجال‪ ،‬وال بأس أن نذكر بعض‬
‫تلك النصوص من الشعر العربي‪:‬‬
‫قال ذو الرمة‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫عصبن برأســـه إ ّب ًة وعارا‬ ‫بنات‬
‫شـــب له ٌ‬
‫ّ‬ ‫المرئي‬
‫ُّ‬ ‫إذا‬
‫وقال شاعر آخر‪:‬‬
‫إن تقويم الضلوع انكســـارها‬ ‫أال ّ‬ ‫هي الضلـع العوجاء لسـت تقيمها‬
‫(‪)2‬‬
‫أليس عجيبـ ًا ضعفهـا واقتدارها‬ ‫أيجمعن ضعف ًا واقتدار ًا على الفتى‬
‫وقال أحدهم‪:‬‬
‫الصهر‬‫ثالثـــة أصهار إذا ذكـــر ّ‬ ‫يرجـــى بقاؤها‬
‫لكل أبـــي بنت ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫و َق ْب ٌر يواريها‪ ،‬وخيرهما القبر‬ ‫ٌ‬
‫وبعـــل يصونُها‬ ‫فبيت ُي َغ ِّطيها‪،‬‬
‫ٌ‬
‫وقال بعضهم‪:‬‬

‫ولم َأ ُج ْ‬
‫ب في الليالي حندس ال ُّظلم‬ ‫لوال أميمة لم أجـــزع من العدم‬
‫ذل اليتيمة يجفوهـــا ذوو الرحم‬ ‫َّ‬ ‫وزادني رغبـــ ًة في العيش معرفتي‬
‫فيهتك السـتر من لحـ ٍم على وضم‬ ‫أحاذر الفقـــر يومـــ ًا أن ي ّل َم بها‬
‫(‪)4‬‬
‫والموت أكرم نـزّال على الحرم‬ ‫تهـوى حياتي وأهوى موتها شـفق ًا‬

‫  العين‪ ،‬للخليل بن أحمد ج‪ 8‬ص‪ ،420‬والمرئي بمعنى المرء‪ ،‬قال الزبيدي‪« :‬والنسبة إلى امرئ مرائي‬ ‫(((‬
‫بفتح الراء‪ ،‬ومنه المرائي الشاعر‪ ،‬وأما الذين قالوا مرئي‪ ،‬فكأنّهم أضافوا إلى ٍ‬
‫مرء‪ ،‬فكان قياسه على‬ ‫ّ‬
‫ذلك مرئي‪ ،‬ولكنه نادر»‪ ،‬تاج العروس‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪ ،249‬واإلبة بمعنى الخزي‪ ،‬انظر‪ :‬العين‪ ،‬مصدر سابق‪.‬‬
‫ البداية والنهاية‪ ،‬ج‪ 11‬ص‪ ،334‬رواه عن ابن األعرابي‪ ،‬وعيون األخبار للدينوري‪ ،‬ج‪ 4‬ص‪ ،77‬وشرح‬ ‫(((‬
‫نهج البالغة البن أبي الحديد‪ ،‬ج‪ 18‬ص‪.200‬‬
‫  زهر اآلداب وثمر األلباب للقيرواني‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.529‬‬ ‫(((‬
‫  تاريخ مدينة دمشق‪ ،‬ج‪ 38‬ص‪.135‬‬ ‫(((‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪120‬‬
‫ونقل عن بعض الشعراء قوله‪[ :‬من الطويل]‬
‫جزوع ًا إذا بانت فســـوف تبين‬ ‫تمتع بها ما ســـاعفتك وال تكن‬
‫على قدم األيام ســـوف تخون‬ ‫وخنها وإن كانـــت تفي لك إنّها‬
‫لغيـــرك مـــن طالبها ســـتلين‬ ‫وإن هـــي أعطتك الليـــان فإنها‬
‫فليس لمخضـــوب البنان يمين‬ ‫وإن حلفت أن ليس تنقض عهدها‬
‫فليـــس لعمـــر اللـــه ذاك يقين‬ ‫وإن ســـكبت يوم الفراق دموعها‬

‫وقال ابن بشار‪[ :‬من الطويل]‬


‫ســـراب لمرتاد المناهل حافل‬ ‫رأيـــت مواعيد النســـاء كأنها‬
‫يؤمل يوم ًا أن تليـــن الجنادل‬ ‫ومنتظر الموعود منهن كالذي‬

‫وقال الغنوي‪[ :‬من البسيط]‬


‫فإنّـــه واقـــع ال بـــدّ مفعول‬ ‫إن النســـاء متى ينهين عن خلق‬

‫وقال السمعاني‪[ :‬من الكامل]‬


‫مـا في الرجال على النسـاء أمين‬ ‫ال تأمنن على النســـاء ولو أخ ًا‬
‫ال بـــد أن بنظـــرة ســـيخون‬ ‫إن األميـــن وإن تحفظ جهده‬

‫وقال غيره‪[ :‬من الكامل]‬


‫وال تثـــق بعهودهـــن‬ ‫ال تركنـــن إلى النســـاء‬
‫(‪)1‬‬
‫مع َّل ٌ‬
‫ـــق بفروجهـــن‬ ‫فرضاؤهـــن جميعهـــن‬

‫وقال ابن قتيبة‪« :‬وكان يقال‪ :‬ما نهيت امرأة عن أمر إال أتته»‪ .‬وفي هذا المعنى يقول‬
‫طفيل الغنوي‪:‬‬
‫هـن المرار وبعـض المر مأكول‬
‫ّ‬ ‫إن النساء كأشـــجار نبتن مع ًا‬
‫ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫فإنـــه واجب ال بـــد مفعول‬ ‫إن النســـاء متى ينهين عن خلق‬ ‫ّ‬

‫(((   انظر‪ :‬المستطرف في كل فن مستظرف‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.788‬‬


‫(((   البيان والتبيين للجاحظ‪ ،539 ،‬وعيون األخبار‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪ ،111‬وشرح النهج‪ ،‬ج ‪ 18‬ص ‪.200‬‬
‫‪121‬‬ ‫المحور الثاني‪ :‬المرأة بين مدرسة اإلسالم والمدارس األخرى‬
‫وقال علقمة بن عبدة‪:‬‬
‫بصير بـــأدواء النســـاء طبيب‬
‫ٌ‬ ‫فإن تســـألوني بالنســـاء فإنني‬
‫ْ‬
‫هـــن نصيب‬
‫ّ‬ ‫فليس لـــه من و ّد‬ ‫إذا شاب رأس المرء أو َّ‬
‫قل ماله‬
‫(‪)1‬‬
‫وشرخ الشباب عندهن عجيب‬ ‫يردن ثراء المـــال حيث علمنه‬

‫و ُي َعدُّ أبو العالء المعري من أبرز الشعراء الذين نقدوا المرأة نقد ًا عنيف ًا ال يعرف الهوادة‪،‬‬
‫ف عن مذهبه التشاؤمي في الحياة‪ ،‬تلك الحياة التي‬ ‫ولعل السبب في ذلك يعود إلى ما ُع ِر َ‬‫ّ‬
‫وو َّلدَ في‬
‫قست عليه وتركته رهين المح َب َس ْين(((‪ ،‬األمر الذي جعله «يتمنى الفناء للبشرية‪َ ..‬‬
‫نفسه الكره للمرأة‪ ،‬وهي التي تلد وتزيد في النسل وتكثر في العالم األشقياء»(((‪ ،‬فاستمع إليه‬
‫تجره عليه من متاعب‪:‬‬ ‫يقول وهو يتحدث عن بؤس األب الذي يرزقه الله أنثى‪ ،‬وما ّ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ســـمات‬ ‫تب ّين في وجوه ُم ْق‬ ‫بؤس‬ ‫وإن ُت ْع َط اإلناث ُّ‬
‫فأي‬
‫ِ‬
‫لومات‬ ‫ويلقين الخطوب َم‬ ‫ُيـــردن ُب ُعول ًة و ُيـــر ْدن ُحلي ًا‬

‫ورجع صداها يتردد في كلماته وأشعاره‪ ،‬إذ يدعو صراحة إلى‬ ‫َ‬ ‫ونجد َن َف َس الجاهلية‬
‫دفن المرأة‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫إلحداهن إحـــدى المكرمات‬
‫َّ‬ ‫ودفن ‪ -‬والحوادث فاجعات ‪-‬‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬
‫إذا أمســـينا فـــي المتهضمات‬ ‫ويكـــن عار ًا‬ ‫َيلِـــدْ ن أعاديـــ ًا‬
‫َّ‬
‫وال فـــي غـــارة متغمشـــات‬ ‫حرب‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بدافعات يـــوم‬ ‫ولســـن‬
‫وقـــد واجهننـــا متظ َّلمـــات‬ ‫جئن بشـــر ُظ ْل ٍم‬‫والت ال ُّظلم َ‬ ‫ُأ ُ‬
‫(‪)4‬‬
‫لقينك باألســـاور معلمات‬ ‫غي‬ ‫فـــوارس فتنـــة أعـــام ٍّ‬
‫ويستمر المعري في تائيته هذه بشن هجو ٍم الذع على المرأة‪ ،‬فيصفها بنقصان العقل‪،‬‬
‫وجره‬ ‫ِ‬
‫والكذب ويرى أنّها ال تؤتمن على س ٍّر‪ ،‬وأنّها تسعى بكل ما تملك إلى إغواء الرجل ّ‬
‫إلى شباكها وحبال غ ّيها‪ ،‬يقول في موضع آخر‪:‬‬

‫  البيان والتبيين‪ ،‬ص ‪ .539‬ونزهة األبصار ومحاسن اآلثار‪ ،‬ص ‪.338‬‬ ‫(((‬
‫  وهما محبس العمى ومحبس البيت‪.‬‬ ‫(((‬
‫  أبو العالء المعري‪ ،‬حياته‪ -‬شعره‪ ،‬تأليف سمير الصارم‪ ،‬ص‪.24‬‬ ‫(((‬
‫  ديوان أبي العالء المعري (اللزوميات)‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.174-169‬‬ ‫(((‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪122‬‬
‫بهن ُي َض َّي ُع الشرف التليد‬ ‫غي‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫إن النسـاء حبـال ٍّ‬
‫أال ّ‬
‫(((‬

‫إن المعري قد دافع عن المرأة في موردين‪ ،‬م ّثال ‪ -‬برأي البعض(((‪« -‬انتهاكين‬
‫أجل‪ّ ،‬‬
‫تعرضت لهما النساء‪:‬‬
‫اجتماعيين» ّ‬
‫أحدهما‪ :‬موقفه الرافض للضرائرية‪ ،‬والداعي إلى االكتفاء بزوجة واحدة‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫لهـــن فال تحمـــل أذاة الحرائر‬
‫ّ‬ ‫قرانـــك ما بيـــن النســـاء أذية‬
‫(‪)3‬‬
‫فتكفيك إحدى اآلنسات الغرائر‬ ‫وإن كنت ِغـــر ًا بالزمان وأهله‬

‫وثانيهما‪ :‬رفضه لتزويج الفتاة الشابة من الشيخ المسن‪ ،‬وله في ذلك العديد من‬
‫النصوص في «اللزوميات»(((‪.‬‬
‫إن النصوص الشعرية اآلنفة أكانت لشعراء جاهليين أو مخضرمين أو إسالميين‪ ،‬فهي‬ ‫ّ‬
‫تعكس اتساع الفجوة بين تعاليم القرآن الكريم التي تفيض إنسانية وتزخر احترام ًا وتكريم ًا‬
‫للمرأة وبين ثقافة هؤالء الشعراء وذهنيتهم المشبعة عنصرية وتحيز ًا ضد المرأة واحتقار ًا لها‪.‬‬

‫  ديوان أبي عالء المعري‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.235‬‬ ‫(((‬


‫  فصول عن المرأة لهادي العلوي‪ ،‬ص ‪.80‬‬ ‫(((‬
‫  ديوان أبي العالء المعري‪ ،‬ج‪ 1‬ص ‪.356‬‬ ‫(((‬
‫  انظر‪ :‬المصدر نفسه‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.215‬‬ ‫(((‬
‫المحور الثالث‬

‫المر�أة في حياة الإمام علي ‪‬‬

‫‪--1‬عالقة علي‪ ‬بالمر�أة في �ضوء التحليل النف�سي التربوي‬


‫‪--2‬علي والزهراء ‪.‬‬
‫‪--3‬زينب بنت علي‪.‬‬
‫‪--4‬ن�ساء في مدر�سة علي‪.‬‬
‫‪--5‬علي‪ ‬وال�سيدة عائ�شة‪.‬‬
‫المر�أة في حياة علي‪‬‬

‫التعرف على رأي اإلمام علي‪ ‬في المرأة‪ ،‬أو رأي غيره من الشخصيات‬ ‫ّ‬
‫إن َم ْن يروم ّ‬
‫القياد ّية التي لها حضور بارز في المجال العام‪ ،‬ال يمكنه ‪-‬كما أسلفنا في المحور األول‪-‬‬
‫أن يقتصر على مالحظة ما يستفاد من نصوصه وكلماته فحسب‪ ،‬بل ال بدّ له من مالحظة‬
‫سيرته العمل ّية مع المرأة‪ ،‬وكيف كان يتعامل معها؟ فهل كان يحتقرها ويهينها أم كان يج ّلها‬
‫ويقدرها؟ وما هو دورها في حياته؟‬
‫فإن الحقيقة التي سوف يكتشفها الباحث المنصف‪،‬‬ ‫ومع أخذ هذا األمر بعين االعتبار‪ّ ،‬‬
‫هي ّ‬
‫أن احترام علي‪ ‬للمرأة واعترافه بإنسانيتها وإيمانه بدورها وتقديره لشخصها ومكانتها‬
‫هو أمر ال شك فيه‪ ،‬وهذه الحقيقة تؤكّدها سيرته العمل ّية وحضور المرأة الالفت في حياته‬
‫الخاصة والعامة‪ ،‬وسوف نحاول فيما يأتي تسجيل بعض مواقفه‪ ‬التي نقلها لنا التاريخ‬
‫اإلسالمي مما يعكس هذه الحقيقة بجالء‪.‬‬

‫�أوالً‪ :‬عالقة علي‪ ‬بالمر�أة في �ضوء التحليل النف�سي التربوي‬


‫ولكن وقبل استعراض تلك المواقف‪ ،‬قد يكون من المفيد في مستهل هذا الفصل مقاربة‬
‫هذه المسألة‪ ،‬وهي نظرة اإلمام علي‪ ‬للمرأة‪ ،‬بطريقة مختلفة بعيد ًا عن االعتماد على مبدأ‬
‫إن اإلجابة المبن ّية على ذلك قد ال تكون مقنعة لبعض الناس ممن يريد جواب ًا‬ ‫العصمة‪ ،‬حيث ّ‬
‫ٍ‬
‫تحليل عقالئي ُيبعد القضية عن التع ّبد والغيب ّية‪ .‬وفي هذا المجال يمكننا أن نقدّ م‬ ‫معتمد ًا على‬
‫ال يعتمد على قواعد علم االجتماع وأسس علم النفس التربوي‪ ،‬ليجيبا على التساؤل‬ ‫تحلي ً‬
‫أن لعلي‪ ‬رؤي ًة سلب ّية تجاه المرأة‪ ،‬فمن أين يا ترى جاءته‬ ‫التالي‪ :‬إذا كان صحيح ًا ما يقال من ّ‬
‫وح َم َل هذه األفكار؟ وكيف استولت عليه هذه النظرة القاتمة إزاء المرأة؟‬ ‫هذه الرؤية َ‬
‫وهذا التحليل ينطلق من قاعدة أساس ّية‪ ،‬وهي ّ‬
‫أن اإلنسان ابن بيئته‪ ،‬ويتأثر في أفكاره‬
‫تكون شخصيته ويستمد منها‬ ‫وعواطفه وسلوكه بهذه البيئة‪ ،‬وهناك عدّ ة مصادر أو عناصر ّ‬
‫أفكاره ويستلهم منها سلوكياته‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪126‬‬
‫‪--1‬بيئته ومحيطه العام‪ ،‬فاإلنسان مهما سما ونبغ‪ ،‬فإنّه ال يتخ ّلص من التأثر ببيئته العامة‪،‬‬
‫وهي المجتمع الذي يعيش فيه‪ ،‬فهذا يؤثر فيه فكري ًا وثقافي ًا وسلوكي ًا‪ ،‬وال بدّ أن ّ‬
‫تظل‬
‫بعض رواسب تلك البيئة عالقة في ذهنه‪.‬‬
‫‪--2‬البيئة الخاصة‪ ،‬أعني أسرته الصغيرة‪ ،‬ويأتي األبوان في الدرجة األولى من التأثير على‬
‫شخصية اإلنسان‪ ،‬ومن ثم يأتي إخوته وأعمامه وأخواله‪ ،‬وغيرهم ممن لهم دور في‬
‫تربيته وتنشئته‪.‬‬
‫‪--3‬معلموه وأساتذته وملهموه‪ ،‬وهؤالء لهم دور واضح في تشكيل قناعاته وأفكاره وتحديد‬
‫سلوكياته‪.‬‬
‫بأن هذه المصادر الثالثة‬ ‫والرجوع إلى حياة اإلمام علي‪ ‬يعطينا جواب ًا حاسم ًا ّ‬
‫يقف موقف ًا سلبي ًا من المرأة‪ ،‬فعلي‪ ‬هو ابن‬ ‫لبناء الشخص ّية البشر ّية ما كان لها أن تجع َله ُ‬
‫اإلسالم وربيب القرآن‪ ،‬وقد اشتدّ عوده في رحاب الدين الجديد وفتح عينيه على تعاليمه‬
‫كرمت المرأة واحترمت إنسانيتها‪ ،‬ولم يعرف اإلمام‪ ‬شيئ ًا من التلوث الفكري الذي‬ ‫التي ّ‬
‫أصاب الكثيرين‪ ،‬ولم تدنسه الجاهلية بأنجاسها ولم تلبسه من مدلهمات ثيابها‪ .‬فقد عاش‬
‫في حضن رسول الله(ص) وتر ّبى على يديه ونهل من معينه الروحي واألخالقي منذ سني‬
‫اع ا ْل َف ِص ِ‬
‫يل‬ ‫ْت َأ َّتبِ ُعه ا ِّت َب َ‬
‫طفولته األولى‪ ،‬وكما قال‪ ‬عن عالقته برسول الله(ص)‪« :‬و َل َقدْ ُكن ُ‬
‫ِ‬ ‫َان ُي َج ِ‬
‫او ُر في‬ ‫اء بِه و َل َقدْ ك َ‬ ‫َأ َثر ُأمه‪ ،‬ير َفع لِي فِي ك ُِّل يو ٍم ِمن َأ ْخ َل ِقه ع َلم ًا‪ ،‬وي ْأمرنِي بِ ِال ْقتِدَ ِ‬
‫َ ُُ‬ ‫َ‬ ‫َْ ْ‬ ‫َ ِّ َ ْ ُ‬
‫إلس َلمِ‪َ ،‬غير رس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ول َي َراه َغ ْي ِري‪ ،‬و َل ْم َي ْج َم ْع َب ْي ٌ‬ ‫ك ُِّل سن ٍَة بِ ِ‬
‫ح َر َاء‪َ ،‬ف َأ َراه َ‬
‫ول‬ ‫َْ َ ُ‬ ‫ت َواحدٌ َي ْو َمئذ في ا ِ ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يح النُّ ُب َّوة»(((‪.‬‬ ‫وأ ُش ُّم ِر َ‬
‫والر َسا َلة َ‬
‫ُور ا ْل َو ْح ِي ِّ‬ ‫وأنَا َثال ُث ُه َما‪َ ،‬أ َرى ن َ‬
‫يج َة َ‬ ‫وخد َ‬ ‫ال َّله(ص) َ‬
‫وفي ضوء ذلك‪ ،‬فال يبقى أمامنا بعد استبعاد هذه المناشئ سوى احتمال رابع تفترضه‬
‫أن ثمة عقدة خاصة‬ ‫قواعد علم النفس التربوي في مثل هذه الحاالت‪ ،‬وهذا االحتمال هو ّ‬
‫لدى علي‪ ‬من المرأة دفعته ليقول فيها ما قال‪ ،‬وقد حصلت له هذه العقدة نتيجة تجربة‬
‫مر في‬
‫أن اإلنسان إذا ّ‬ ‫مريرة على المستوى الشخصي‪ .‬إذ من المعلوم لدى علماء النفس ّ‬
‫ال ‪ -‬بتجربة مريرة وصادمة مع شخص معين‪،‬‬ ‫سني عمره األولى ‪ -‬مث ً‬ ‫حياته وال س ّيما في ّ‬
‫فسوف يترك ذلك أثر ًا نفسي ًا سلبي ًا عليه‪ ،‬وقد يحفر ذلك في ذاكرته جرح ًا بليغ ًا‪ ،‬ما يدفعه إلى‬
‫يمت إليه بصلة‪ .‬وهذا األمر يحصل‬ ‫اتخاذ موقف عدائي تجاه الشخص المذكور وكل َم ْن ُّ‬

‫(((   نهج البالغة‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.157‬‬


‫‪127‬‬ ‫المحور الثالث‪ :‬المرأة في حياة اإلمام علي‪‬‬
‫ال ‪ ،-‬قد يخلق ذلك عندها عقدة‬ ‫مع اإلناث والذكور‪ ،‬فالمرأة التي تتعرض لالغتصاب ‪ -‬مث ً‬
‫من جنس الرجال‪ ،‬وهكذا قد يحصل لبعض الرجال عقدة من النساء لتجربة مريرة‪ ،‬كما لو‬
‫أن بعض النساء الالتي َأ َح ْط َن به ك ّن في مستوى من االنحطاط الروحي أو‬ ‫ال ‪ّ -‬‬
‫فرض ‪ -‬مث ً‬
‫ال مشين ًا‪ ،‬فهذا األمر قد يخلق لديه‬ ‫الفكري أو األخالقي‪ ،‬أو ُف ِر َض ّ‬
‫أن إحداهن قد ارتكبت عم ً‬
‫عقدة نفسية من جنس المرأة ويدفعه لردة فعل سلب ّية تجاهها‪ .‬والسؤال‪ :‬هل يمكن أن نفسر ما‬
‫ُيعزى إلى علي‪ ‬من موقف سلبي تجاه المرأة على ضوء هذا االحتمال؟‬
‫أن مثل هذا‬ ‫والجواب على ذلك أنّنا لو تأملنا سيرة علي‪ ‬جيد ًا‪ ،‬فسوف نكتشف ّ‬
‫االحتمال ‪ -‬أيض ًا ‪ -‬غير وارد في سجل حياته‪ ،‬بل القض ّية على العكس تمام ًا‪ُّ ،‬‬
‫فكل النسوة‬
‫الالتي أحطن به‪ ‬ك ّن القمة في الطهارة والعفة والفضيلة‪ ،‬فأ ّمه فاطمة بنت أسد كانت المرأة‬
‫الفاضلة المؤمنة التي ُيضرب المثل بها وبنبلها وإيمانها وأخالقها‪ ،‬وأخواتُه وعماتُه ك ّن من‬
‫وأحب الناس إلى قلبه‬
‫ّ‬ ‫النساء الفاضالت‪ ،‬وأ ّما زوجته السيدة فاطمة فهي سيدة نساء العالمين‬
‫تزوج‬
‫فإن حياة اإلمام علي‪ ‬الشخص ّية مع المرأة كانت حياة مستقرة‪ ،‬فقد ّ‬ ‫وروحه‪ .‬وهكذا ّ‬
‫أكثر من امرأة وعاش معه ّن حيا ًة هانئة‪ ،‬وأنجب منه ّن البنين والبنات‪ ،‬وعمل على تربيتهم‬
‫مفص ٌل عن المرأة في حياة اإلمام‪ ،‬ونذكر بعض‬ ‫ٌ‬
‫حديث َّ‬ ‫كأحسن ما تكون التربية‪ ،‬وسيأتي‬
‫هؤالء النسوة‪.‬‬
‫فال يبقى في تفسير ما يحكى عن وجود عقدة عند علي‪ ‬تجاه المرأة ّإل تجربته‬
‫الخاصة مع السيدة عائشة‪ ،‬وهي تجربة صعبة دون شك‪ ،‬ولكنها متأخرة نسبي ًا‪ ،‬فقد حصلت‬
‫بعد أن اكتملت مداركه ورؤيته للحياة‪ ،‬بحيث ال يمكن أن تشكّل عقدة نفس ّية لديه تجاه المرأة‪.‬‬
‫ّ‬
‫وأجل مكان ًا وأرفع شأن ًا‬ ‫أن علي ًا‪ ‬لمن قرأه وعرفه هو أعظم قدر ًا وأسمى مقام ًا‪،‬‬
‫على ّ‬
‫موقف من امرأة معينة‪ ،‬فيشكّل لديه عقدة نقص من عامة النساء‪ّ .‬إن علي ًا‪‬‬ ‫ٌ‬ ‫من أن يستفزه‬
‫الذي الزم الروح الكل ّية كما وصفه جبران خليل جبران(((‪ ،‬وكان لسان الحق الذي ال ينطق إال‬
‫بالحكمة‪ ،‬كيف له أن يحتقر المرأة وهي ليست سوى أ ّمه وأخته وابنته وزوجته؟! وعلي‪‬‬
‫الذي يمتلك تلك البصيرة الصافية والتي جعلته من أهم «عمالقة الفكر والروح والبيان في‬
‫كل زمان ومكان» كما يقول ميخائيل نعيمة(((‪ ،‬كيف يمتهن المرأة وينال من كرامتها؟!‬

‫(((   اإلمام علي صوت العدالة اإلنسانية‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.952‬‬


‫(((   المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.954‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪128‬‬
‫ولهذا كله‪ ،‬ال يبقى أمامنا سوى رفض ما ُيدَّ عى من وجود موقف سلبي لإلمام علي‪‬‬
‫من المرأة‪ ،‬وهذا سيدفع أيض ًا إلى التشكيك في أن تكون بعض النصوص المنسوبة إليه‬
‫والذامة للمرأة صادر ًة عنه بالفعل‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬علي والزهراء‪‬‬


‫بالعودة إلى حياة اإلمام علي‪ ‬وسيرته وتحديد ًا فيما يتصل بعالقته مع المرأة‪ ،‬فإني‬
‫أي رجل كان ‪ -‬مع زوجته هي أهم‬ ‫أن حياة الرجل ‪َّ -‬‬‫أن أحد ًا يخالفني الرأي في ّ‬
‫ال أعتقد ّ‬
‫فإن الحياة الزوج ّية تم ّثل احتكاك ًا يومي ًا‬
‫مرآة تعكس ‪ -‬إلى حدٍّ كبير ‪ -‬نظرته للمرأة عموم ًا‪ّ ،‬‬
‫ومباشر ًا للرجل بالمرأة‪ ،‬وبالتالي فهي تكشف مصداق ّية الرجل وتفضح زيفه وتختبر نواياه‪،‬‬
‫أن سيرة علي‪ ‬مع زوجته‬ ‫فالواقع والممارسة هما مختبر الشعارات والكلمات‪ ،‬وال ريب ّ‬
‫السيدة الزهراء‪ ‬كانت سيرة عطرة ونموذج ًا رائد ًا يحتذى‪ ،‬فقد كان يج ّلها ويحترمها‬
‫ويقدّ رها أفضل تقدير ويكرمها أفضل تكريم‪ ،‬ويقاسمها العمل في البيت‪ ،‬ولم تبدر منه‬
‫تجاهها كلم ٌة واحد ٌة تؤذي مشاعرها‪ ،‬أو ّ‬
‫تحط من كرامتها‪.‬‬
‫أن الزهراء‪ ‬هي امرأة استثنائية ومم ّيزة في أخالقها ومتسامية في‬ ‫صحيح ّ‬
‫روحانيتها‪ ،‬لك ّن ذلك ال يلغي داللة سيرة علي‪ ‬معها على رؤيته للمرأة عموم ًا‪ ،‬ألنّه لو‬
‫كان لديه نظر ٌة سلب ّية تجاه المرأة فمن الطبيعي أن ينعكس ذلك على فلتات لسانه أو صفحات‬
‫وجهه تجاه المرأة التي هي في مواجهته صبح ًا ومسا ًء‪ ،‬لكننا ال نجد شيئ ًا من ذلك‪ ،‬بل األمر‬
‫على العكس تمام ًا‪ ،‬فقد كانت الزهراء‪ ‬مصدر األنس والراحة لعلي‪ ،‬وقد ع ّبر‪‬‬
‫عن هذا المعنى خير تعبير عندما قال فيما روي عنه‪« :‬فوالله ما أغضبتها وال أكرهتها على‬
‫أنظر إليها‬
‫ْت ُ‬ ‫ت لي أمر ًا‪ ،‬ولقد ُكن ُ‬ ‫ٍ‬
‫أمر حتى قبضها الله عز وجل إليه‪ ،‬وال أغضبتني وال َع َص ْ‬
‫فتنكشف عني الهموم واألحزان»(((‪ .‬فالحظ المقطع األخير من كالمه‪ ‬لتعلم مكانة‬
‫الزهراء‪ ‬عند علي‪.‬‬
‫ولو دخلنا إلى تفاصيل حياته المنزل ّية‪ ،‬لوجدناه يتقاسم مع زوجته مسؤولية البيت‪،‬‬
‫أن العمل في البيت كالكنس واالستسقاء (طلب الماء) أو غير ذلك من‬ ‫فلم يكن يرى ّ‬
‫األعمال منافي ًا لرجوليته‪ ،‬كما ال يزال مركوز ًا في أذهان بعض الرجال في الكثير من البلدان‬

‫(((   انظر‪ :‬كشف الغمة في معرفة األئمة‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.373‬‬


‫‪129‬‬ ‫المحور الثالث‪ :‬المرأة في حياة اإلمام علي‪‬‬
‫والمجتمعات‪ ،‬وقد ورد في الحديث عن أبي عبد الله الصادق‪ ‬بيان هذا األمر‪ ،‬قال‪:‬‬
‫يأكل الخبز والزيت و ُي ْط ِع ُم‬ ‫«كان علي‪َ ‬أ ْشبه النَّاس ُطعم ًة ِ‬
‫وس ْي َر ًة برسول الله(ص)‪ ،‬وكان ُ‬ ‫َْ‬ ‫ََ‬ ‫ٌ‬
‫الناس الخب َز واللحم‪ ،‬قال‪ :‬وكان علي‪ ‬يستقي ويحتطب‪ ،‬وكانت فاطمة‪ ‬تطحن‬ ‫َ‬
‫وتعجن وتخبز وترقع‪.(((»..‬‬
‫ومن أبلغ وأجمل كلمات علي‪ ‬التي تدلل على مكانة الزهراء‪ ‬السامية لديه‪،‬‬
‫والس َل ُم‬
‫ول ال َّله َعنِّي‪َّ ،‬‬ ‫قوله‪ ‬بعد دفنها مخاطب ًا رسول الله(ص)‪« :‬السالم عليك َيا َر ُس َ‬
‫ك‪َ ،‬ق َّل‬ ‫اق بِ َ‬ ‫َار ال َّله َل َها ُس ْر َع َة ال َّل َح ِ‬
‫ك وا ْل ُمخْ ت ِ‬ ‫ك وا ْل َبائِت َِة فِي ال َّث َرى بِ ُب ْق َعتِ َ‬
‫ك وزَائِ َرتِ َ‬ ‫ك َع ِن ا ْبنَتِ َ‬‫َع َل ْي َ‬
‫ين ت ََج ُّل ِدي‪ ،‬إِ َّل َأ َّن لِي فِي الت ََّأ ِّسي‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫ك َص ْب ِري‪ ،‬و َع َفا َع ْن َس ِّيدَ ة ن َساء ا ْل َعا َلم َ‬ ‫ول ال َّله َع ْن َص ِف َّيتِ َ‬ ‫َيا َر ُس َ‬
‫وأ ْخلِس ِ‬ ‫ت ِ‬ ‫وأ ِخ َذ ِ‬
‫ت ا ْل َو ِدي َع ُة ُ‬ ‫ك مو ِضع َتعزٍّ‪َ ..‬ق ِد استُر ِجع ِ‬ ‫ِ‬ ‫بِسنَّتِ َ ِ‬
‫ت الز َّْه َر ُاء َف َما‬ ‫الرهينَ ُة ُ َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ ْ َ‬ ‫ك في ُف ْر َقت َ َ ْ َ َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫وه ٌّم َل َي ْب َر ُح م ْن‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َأ ْق َب َح ا ْلخَ ْض َر َاء وا ْل َغ ْب َر َاء‪َ ،‬يا َر ُس َ‬
‫ول ال َّله أ َّما ُحزْني َف َس ْر َمدٌ ‪ ،‬وأ َّما َل ْيلي َف ُم َس َّهدٌ َ‬
‫يم‪.(((»..‬‬ ‫ِ‬ ‫َق ْلبِي َأو يخْ تَار ال َّله لِي دار َك ا َّلتِي َأن َ ِ‬
‫ْت ف َيها ُمق ٌ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ َ َ‬
‫ولو غضضنا الطرف وصرفنا النظر عن عالقة علي‪ ‬بزوجته السيدة الزهراء‪،‬‬
‫أن لها خصوصي ًة ال تدانيها وال تساميها فيها امرأة‬
‫ولو بلحاظ ما ألمحنا إليه قبل قليل من ّ‬
‫فإن من الممكن أن نستجلي موقفه‬ ‫أخرى ما قد يستدعي نوع ًا خاص ًا من التعاطي معها‪ّ ،‬‬
‫فإن علي ًا‪ ‬قد تزوج بعد وفاة الزهراء‪ ‬بنساء‬ ‫من المرأة من تعامله مع سائر زوجاته‪ّ .‬‬
‫أخريات‪ ،‬ولم َي ُك َّن في مكانة الزهراء‪ ،‬ولم يرق ْين إلى مقامها السامي‪ ،‬ومع ذلك لم‬
‫ينقل عنه أنّه أساء إليهن أو أهانهن‪ .‬بل كان ‪ -‬بحسب ظاهر الحال ‪ -‬يحترمهن جميع ًا من‬ ‫ْ‬
‫ف معهن بما يوحي بدون ّية المرأة أو احتقارها‪.‬‬
‫يتصر ْ‬
‫ّ‬ ‫موقع احترامه إلنسانية المرأة‪ ،‬ولم‬

‫ثالثاً‪ :‬زينب بنت علي‪‬‬


‫ومن أبرز المؤشرات ‪ -‬أيض ًا ‪ -‬التي يمكن من خاللها استجالء موقف اإلنسان ورأيه‬
‫في المرأة‪ :‬كيفية تعامله مع بناته‪ ،‬وعنايته بهن وإعداده له ّن‪ ،‬واهتمامه بأمورهن‪ ،‬وهنا يواجه‬
‫واحدة من بناته‪ ،‬وهي الس ّيدة زينب‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫الباحث والدارس لسيرة علي‪ ‬ويبرز أمامه اسم‬
‫وزينب ليست امرأة عادية‪ ،‬إنّها ‪ -‬بحق ‪ -‬شخص ّية استثنائية متميزة‪ ،‬علم ًا وعمالً‪ ،‬إيمان ًا‬

‫(((   الكافي‪ ،‬ج‪ 8‬ص‪.165‬‬


‫(((   المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.459‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪130‬‬
‫وخ ُل َق ًا ومنطق ًا‪ ،‬وقد استمدّ ت ذلك وورثته من أبيها‬
‫وورع ًا‪ ،‬جهاد ًا وإخالص ًا‪ ،‬شجاع ًة وأدب ًا‪ُ ،‬‬
‫أمير المؤمنين‪ ‬وأ ّمها فاطمة‪ ،‬ما مكّنها من أن تقوم بدور ريادي في تلك المرحلة‬
‫َت‬
‫من تاريخ األمة‪ ،‬وهو إكمال رسالة أخيها الحسين‪ ‬في نهضته المباركة‪ .‬فهي التي َحك ْ‬
‫لألجيال مشاهد الملحمة الحسينية‪ ،‬وهي التي وقفت بكل شجاعة في وجه الطاغية عبيد الله‬
‫بن زياد شامخة الرأس‪ ،‬فقد سألها عندما أدخلت عليه‪« :‬كيف رأيت صنع الله بأخيك وأهل‬
‫ال هؤالء القوم كتب الله عليهم القتل‬ ‫بيتك؟ فقالت زينب رضي الله عنها‪ :‬ما رأيت إال جمي ً‬
‫فبرزوا إلى مضاجعهم‪ ،‬وسيجمع الله بينك وبينهم يا بن زياد‪ ،‬فتحاجون وتخاصمون‪ ،‬فانظر‬
‫لمن الفلج يومئذ! ثكلتك أ ُّمك يا بن مرجانة!»(((‪ ،‬وما كان لزينب‪ ‬أن تصل إلى هذه‬
‫المكانة المميزة والمرموقة لوال رعاية أمير المؤمنين‪ ‬وتربيته لها‪ ،‬باإلضافة إلى رعاية أمها‬
‫السيدة الزهراء‪.‬‬
‫وال نبالغ بالقول‪ :‬إنّنا نرى علي ًا‪ ‬في كل مواقف زينب البطولية‪ ،‬وفي شجاعتها‬
‫ووقوفها بكل عنفوان في وجه يزيد بن معاوية في الشام‪ ،‬مع أنّها كانت أسيرة بين يديه‪.‬‬
‫ونراه‪ ‬أيض ًا في نبض كلماتها مما تعكسه خطبتها العصماء الشهيرة التي ألقتها في مجلس‬
‫يزيد بن معاوية‪ ،‬وكذلك في خطبتها في أهل الكوفة والتي وصفها بعض المؤرخين بالقول‪:‬‬
‫«ورأيت زينب بنت علي‪ ‬فلم أر َخ ِف َر ًة((( َ‬
‫أنطق منها‪ ،‬كأنّما تفرغه عن لسان أبيها‪،‬‬
‫فأومأت إلى الناس أن اسكتوا‪ ،‬فسكنت األنفاس وهدأت األجراس»(((‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬ن�ساء في مدر�سة علي‪‬‬


‫فإن المحطة األكثر داللة(((على حضور المرأة في حياة أمير المؤمنين‪،‬‬ ‫إلى ما تقدّ م‪ّ ،‬‬
‫جلسن تحت منبره‬ ‫ٍ‬
‫لجيل رسالي من النساء اللواتي ْ‬ ‫وإيمانه بدورها‪ ،‬تتم ّثل في تربيته وإعداده‬
‫ٍ‬
‫بأدوار هامة في فترة حكمه‪ .‬فقد كانت المرأة‬ ‫يستمعن إليه ويستق ْين من معينه‪ ،‬وقد ُق ْم َن‬

‫  الفتوح البن األعثم‪ ،‬ج‪ 5‬ص‪.122‬‬ ‫(((‬


‫  الخفرة‪ :‬هي المرأة الحي ّية‪ ،‬انظر‪ :‬معجم مقاييس اللغة البن فارس‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.203‬‬ ‫(((‬
‫  مثير األحزان‪ ،‬ص ‪ ،66‬وبالغات النساء‪ ،‬ص‪.23‬‬ ‫(((‬
‫ِ‬ ‫  والوجه في كونها أكثر داللة هو ّ‬
‫أن الرجل قد يميل إلى بناته بحكم العاطفة فيهتم به ّن و َي ْغل ْبن على‬ ‫(((‬
‫قلبه‪ ،‬األمر الذي قد ال يمكن اتخاذه مقياس ًا لمعرفة حقيقة موقفه من المرأة‪ ،‬بينما موقفه من النساء‬
‫األخريات حيث تنتفي عاطفة األبوة والقرابة يكون أكثر داللة على رأيه في المرأة‪ ،‬وهذا الكالم إنّما‬
‫بغض الطرف عن قناعتنا وعقيدتنا بعصمته‪.‬‬
‫نقوله في اإلمام‪ّ ‬‬
‫‪131‬‬ ‫المحور الثالث‪ :‬المرأة في حياة اإلمام علي‪‬‬
‫تخرج مع علي‪ ‬في معاركه وحروبه‪ ،‬وتشارك في األعمال التمريضية ومداواة الجرحى‪،‬‬
‫كما كانت تخرج مع رسول الله(ص) من قبل للغرض نفسه‪ ،‬وكانت تقوم ‪ -‬أيض ًا ‪ -‬بدور‬
‫آخر‪ ،‬وهو دور التعبئة الروح ّية والنفس ّية للجيش‪ ،‬وذلك من خالل األشعار والخطب‬
‫الحماسية التي كانت تنشدها وتلقيها على مسامع المجاهدين‪ ،‬فتثير حماستهم وشجاعتهم‪،‬‬
‫وتلهب مشاعرهم‪ ،‬وترفع من معنوياتهم‪ .‬وتجدر اإلشارة إلى ّ‬
‫أن هذه المهمة قد قامت بها‬
‫واستمر قيامها بذلك إلى ما بعد بعثة النبي(ص)‪ ،‬فقد خرجت نساء‬
‫ّ‬ ‫المرأة في الجاهلية أيض ًا‪،‬‬
‫المشركين إلى معركة ُأحد و ُك َّن يضربن الدفوف خلف الرجال ويحرضونهم على القتال‪،‬‬
‫أن هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان قالت يومذاك‪:‬‬ ‫وقد روي ّ‬
‫نمشـــي على النمارق‬ ‫نحن بنـــات طارق‬
‫أو تدبـــروا نفـــارق‬ ‫إن تقبلـــوا نعانـــق‬
‫(‪)1‬‬
‫فـــراق غيـــر وامق‬

‫استمرت المرأة بالقيام بهذا الدور‪ ،‬وقد وجدنا ذلك واضح ًا في‬
‫ّ‬ ‫ومع مجيء اإلسالم‬
‫وفعل علي‪ ‬هو ُ‬
‫دليل‬ ‫عما قليل‪ُ ،‬‬
‫بعض معارك اإلمام علي‪ ‬كمعركة صفين‪ ،‬كما سنذكر ّ‬
‫شرع ّية هذا العمل‪ ،‬األمر الذي ينبغي أن يدفع الجيوش اإلسالمية وحركات المقاومة في‬
‫زماننا المعاصر إلى دراسة هذا األمر والتفكير في كيف ّية االستفادة من عنصر النساء على هذا‬
‫أن ذلك قد غدا أكثر سهولة ويسر ًا في هذا الزمن‪،‬‬
‫الصعيد (صعيد التعبئة النفس ّية)‪ ،‬وال س ّيما ّ‬
‫بسبب توفر وسائل االتصال والتواصل الحديثة التي يمكن اإلفادة منها في هذا المجال‪.‬‬
‫إن المرأة كانت حاضرة تحت منبر علي‪ ‬وفي حروبه وسائر‬ ‫وخالصة القول‪ّ :‬‬
‫مشرف ًة ومشهودة لبعض النساء الالتي ترب ْين في‬
‫مواقف ّ‬
‫َ‬ ‫سجل لنا التاريخ‬
‫نشاطاته‪ ،‬وقد ّ‬
‫وننوه ‪ -‬على نحو اإلجمال ‪-‬‬ ‫عما قليل بعض هؤالء النسوة ّ‬
‫مدرسة علي‪ ،‬وسنذكر ّ‬
‫بأدواره ّن الرسال ّية الرائدة‪.‬‬
‫بأن أمير المؤمنين‪ - ‬حتى بصرف‬ ‫وفي ضوء ذلك‪ ،‬يكون من المنطقي االستنتاج ّ‬
‫عما نعتقده فيه ‪ -‬ال يمكن أن يصدر عنه أي كالم أو موقف فيه تحقير للمرأة أو إهانة‬
‫النظر ّ‬
‫مخالف لسيرته العمل ّية مع المرأة‪ ،‬كما هو مخالف‬
‫ٌ‬ ‫لكرامتها أو إساءة إلنسانيتها‪ّ ،‬‬
‫فإن هذا‬

‫(((   انظر‪ :‬الطبقات الكبرى البن سعد‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.40‬‬


‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪132‬‬
‫لخلقه الرفيع وتربيته الخاصة‪ ،‬فهو‪ - ‬كما أسلفنا سابق ًا ‪ -‬ربيب القرآن الكريم وأكثر‬ ‫ُ‬
‫ال بأحكامه‬‫الناس ‪ -‬بعد رسول الله(ص) ‪ -‬فهم ًا لحقائقه ووعي ًا لمضامينه ومفاهيمه وعم ً‬
‫تحط من قدر المرأة‪ ،‬مخالف ًا بذلك‬
‫ّ‬ ‫وتعاليمه‪ ،‬فأنّى له أن يتخذ مواقف أو يتك ّلم بكلمات‬
‫تعاليم القرآن ونصوصه التي تقدّ مت اإلشارة إليها‪.‬‬
‫وتعال معي أيها القارئ الكريم لنتابع ونطالع ‪ -‬مع ًا ‪ -‬جانب ًا من سيرة بعض النساء‬
‫الالتي تربين في مدرسة علي‪ ،‬ون ََه ْل َن من معينه‪ ،‬و َأ َخ ْذ َن عنه الفصاحة والشجاعة‬
‫والحكمة‪ ،‬وسنكتشف في ربوع هذه المدرسة عدد ًا وافر ًا من ذوات الفضل والدين واألدب‬
‫والشجاعة والجرأة في قول الحق ومواجهة الظالمين‪ ،‬ولئن كان التاريخ قد نقل لنا بعض‬
‫قصصهن ومواقفهن على هامش حديثه عن السلطان‪ ،‬فمن المؤكد ّ‬
‫أن الكثيرات منهن لم‬
‫المؤرخين‪ .‬فالمرأة وال سيما المجاهدة والرسالية‬
‫ّ‬ ‫يلق ْين االهتمام الكافي ولم ُيثِ ْرن حفيظة‬
‫هي خارج هموم السلطة التي كُتب التاريخ باسم ملوكها وأمرائها‪ ،‬ولهذا فال غرو أن يخفى‬
‫علينا الكثير من حقائق هذا التاريخ ودروسه ومحطاته المشرقة‪ .‬ومن ذلك التاريخ المهمل‪،‬‬
‫الدور الذي قامت به العديد من الشخصيات النسوية الرائدة‪.‬‬ ‫ُ‬
‫أجل‪ ،‬لقد تناول التاريخ ‪ -‬بشكل عابر ‪ -‬قصص بعض النسوة الالتي كان لهن موقف‬
‫بارز في حضور بعض الخلفاء‪ ،‬كما سنالحظ في النماذج اآلتية اللواتي يجمعه َّن أمر واحد‪،‬‬
‫وهدف‬
‫ُ‬ ‫وهو أنه َّن دخ ْلن على معاوية‪ ،‬نتيجة بعض الظروف التي فرضت عليه ّن ذلك‪،‬‬
‫يسجل منقبة معينة لمعاوية تتصل بذكائه وحلمه وكرمه‬ ‫المؤرخ من نقل قصصه َّن هو أن ِّ‬
‫طي النسيان والكتمان‪ ،‬ولم نعرف عنه ّن وعن مواقفهن‬ ‫وسعة صدره! ولوال ذلك لربما بق ْين َّ‬
‫شيئ ًا! وإليك بعض تلك النسوة‪:‬‬

‫ ) أسودة الهمدانية‬


‫من أبرز النساء التي يمكن ذكرها في هذا المجال هي سودة الهمدانية‪ ،‬وهي امرأة جليلة‬
‫القدر وعظيمة الشأن‪ ،‬تمتلك شجاعة وجرأة خاصة‪ ،‬وال تأخذها في قول الحق الئمة‪ ،‬وهي‬
‫تنتسب إلى قبيلة همدان اليمانية التي ُعرفت بوالئها لإلمام علي‪ .(((‬وسودة هذه من أبرز‬

‫(((   قبيلة همدان اليمانية عرفت بوالئها لإلمام علي‪ ‬وقد عرف من أبطالها‪ :‬مالك األشتر والحارث‬
‫الهمداني وغيرهما‪ ،‬وروي عن أمير المؤمنين‪ ‬قوله‪:‬‬
‫=‬ ‫لقلـت همـدان ادخلوا بسلام»‬ ‫«ولـو كنت ّبواب ًا علـى باب جنة‬
‫‪133‬‬ ‫المحور الثالث‪ :‬المرأة في حياة اإلمام علي‪‬‬
‫النسوة الالتي تربين في مدرسة اإلمام‪ ‬وخالط ح ُّبه لحمها ودمها‪ ،‬وكانت من الوافدات‬
‫الشهيرات على معاوية بن أبي سفيان‪ ،‬وقد قدّ مت مرافعة رائعة في مجلسه ب ّينت فيها مكانة‬
‫السر الذي جعله يتربع على عرش القلوب‪.‬‬
‫علي‪ ‬وعدالته‪ ،‬وأشارت إلى ّ‬
‫يروي ابن طيفور في «بالغات النساء» عن محمد بن عبيد الله‪ :‬استأذنت سودة بنت‬
‫عمارة بن األسك((( الهمدانية على معاوية بن أبي سفيان فأذن لها‪ ،‬فلما دخلت عليه قال‪ :‬هيه‬
‫يا بنت األسك! ألست القائلة يوم صفين‪:‬‬
‫يوم الطعان وملتقـــى األقران‬ ‫شـم ْر كفعـل أبيك يا بـن عمارة‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫لهند وابنهـــا بهوان‬ ‫واقصـــدْ‬ ‫والحســـين وره َطه‬ ‫وانصر علي ًا‬
‫َ‬
‫َع َل ُ‬
‫ـــم الهدى ومنـــار ُة اإليمان‬ ‫إن اإلمـــام أخـــو النبي محمد‬ ‫ّ‬
‫بأبيض صار ٍم وســـنان‬‫َ‬ ‫ِقدَ َمـــ ًا‬ ‫ـــر أمام لوائه‬ ‫ِ‬
‫الحتوف وس ْ‬
‫َ‬ ‫َف ِقه‬
‫ِ‬

‫قالت ‪ :‬إي والله‪ ،‬ما مثلي من رغب عن الحق أو اعتذر بالكذب‪.‬‬


‫قال لها‪ :‬فما حملك على ذلك؟‬
‫حب علي‪ ‬واتباع الحق‪.‬‬
‫قالت‪ّ :‬‬
‫علي شيئ ًا‪.‬‬
‫قال‪ :‬فوالله ما أرى عليك من أثر ٍّ‬
‫قالت‪ :‬أنشدك الله يا أمير المؤمنين وإعادة ما مضى وتذكار ما قد نسي!‬

‫انظر‪ :‬أنساب األشراف‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪ ،322‬والبلدان للهمذاني‪ ،‬ص‪ ،209‬وصبح األعشى ج‪ 13‬ص‪،237‬‬ ‫= ‬
‫وينسب إلى علي‪ ‬أنّه قال للحارث الهمداني‪:‬‬
‫مـــن مؤمـــن أو منافق قبال‬ ‫«يا حار همـــدان من يمت يرني‬
‫بعينـــه واســـمه ومـــا فعال»‬ ‫يعرفنـــي طرفـــه وأعرفـــه‬
‫انظر‪ :‬أوائل المقاالت للمفيد‪ ،‬ص‪ ،74‬ولكن سيأتي عدم صحة نسبة هذين البيتين إليه‪.‬‬
‫(((   هكذا في أكثر المصادر‪ ،‬ولكن في العقد الفريد‪« :‬األشتر»‪ ،‬انظر‪ :‬العقد الفريد‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪ 334‬وما بعدها‪،‬‬
‫وبنا ًء على نسخة العقد الفريد فتكون سودة هي بنت عمارة بن األشتر‪ ،‬ويكون مالك األشتر جدها‪،‬‬
‫«شمر كفعل أبيك يا ابن عمارة»‪ ،‬هو قول تخاطب به أخاها‪ ،‬فهل كان أخوها‬ ‫وإن قولها‪ِّ :‬‬‫وهذا مستبعد‪ّ ،‬‬
‫شاب ًا يوم صفين ويقاتل إلى جانب جدّ ه مالك األشتر؟! وربما يقال‪ :‬إنّه ال استغراب في ذلك‪ ،‬وكيف‬
‫ِ‬
‫أخيك ينسى»‪،‬‬ ‫ال شجاع ًا كما يظهر من قول معاوية اآلتي‪« :‬ما ُ‬
‫مثل مقام‬ ‫كان‪ ،‬فإن أخاها قد كان بط ً‬
‫وتظهر أهم ّية أخيها أيض ًا من قولها‪ :‬كان والله كقول الخنساء‪..‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪134‬‬
‫لقيت من ِ‬
‫قومك وأخيك(((‪.‬‬ ‫لقيت من ٍ‬
‫أحد ما ُ‬ ‫قال‪ :‬هيهات ما مثل مقام أخيك ينسى‪ ،‬وما ُ‬
‫خفي المكان‪ ،‬كان والله كقول الخنساء‪:‬‬
‫قالت‪ :‬صدق فوك‪ ،‬لم يكن أخي ذميم المقام‪ ،‬وال ّ‬
‫علم في رأســـه نار‬
‫كأنّـــه ٌ‬ ‫لتأتـــم الهدا ُة به‬
‫ُّ‬ ‫وإن صخر ًا‬
‫ّ‬
‫قال‪ :‬صدقت‪ ،‬لقد كان كذلك‪.‬‬
‫فقالت‪ :‬مات الرأس وبتر الذنب‪ ،‬وبالله أسأل أمير المؤمنين إعفائي مما استعفيت منه‪.‬‬
‫قال‪ :‬قد فعلت‪ ،‬فما حاجتك؟‬
‫قالت‪ :‬إنّك أصبحت للناس سيد ًا‪ ،‬وألمرهم ُم َت َق ِّلد ًا‪ ،‬والله سائ ُلك من أمرنا وما افترض‬
‫عليك من حقنا‪ ،‬وال يزال َي ْق ِد ُم علينا من ينوء بعزك‪ ،‬ويبطش بسلطانك‪ ،‬فيحصدنا َح ْصدَ‬
‫السنبل‪ ،‬ويدوسنا َد ْو َس البقر‪ ،‬ويسومنا الخسيسة‪ ،‬ويسلبنا الجليلة‪ ،‬هذا بسر بن أرطاة قدم‬ ‫ُّ‬
‫أستعصم الله منه و َأ ْل َج ُأ إليه‬
‫ُ‬ ‫علينا من قبلك‪ ،‬فقتل رجالي‪ ،‬وأخذ مالي‪ ،‬يقول لي‪ :‬فوهي بما‬
‫فيه(((‪ ،‬ولوال الطاعة لكان فينا ِع ٌّز ومنعة‪ ،‬فإ ّما عزلته عنا فشكرناك‪ ،‬وإ ّما ال فعرفناك‪.‬‬
‫قتب أشرس‪َ ،‬فأ ُر ُّدك‬ ‫فقال معاوية‪ :‬أتهدديني بقومك؟! لقد هممت أن َأ ْح ِم َلك على ٍ‬
‫إليه‪ُ ،‬ينَ ِّف ُذ فيك حكمه‪.‬‬
‫فأطرقت تبكي‪ ،‬ثم أنشأت تقول‪:‬‬
‫ُ‬
‫العـــدل مدفونا‬ ‫قبر فأصبح فيه‬
‫ٌ‬ ‫ص ّلى اإلل ُه على ِج ْســـ ٍم ت ََض َّمنَه‬
‫ِ‬
‫واإليمـــان مقرونا‬ ‫بالحق‬
‫ِّ‬ ‫فصار‬ ‫الحق ال يبغي به بدالً‬ ‫قد َحا َل َ‬
‫ـــف َّ‬
‫قال لها‪ :‬ومن ذلك؟‬
‫قالت‪ :‬علي بن أبي طالب‪.‬‬
‫قال‪ :‬وما صنع بك حتى صار عندك كذلك؟‬
‫قالت‪ :‬قدمت عليه في رجل ّ‬
‫وله صدقتنا((( قدم علينا من قبله‪ ،‬فكان بيني وبينه ما بين‬

‫(((   يشير بذلك إلى بسالتهم وقوة بأسهم في مواجهة جيشه‪.‬‬


‫(((   لعل مقصودها أن بسر بن أرطاة يأمرها بالتفوه بكلمات الشتم لعلي‪ ‬وهي تستعيذ بالله وتعتصم به‬
‫من هذا الطلب‪.‬‬
‫(((   تقصد جباية الصدقات‪ ،‬وهي الزكاة‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﵛﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ‬
‫ﲗ ﲘﵚ [التوبة ‪.]60‬‬
‫‪135‬‬ ‫المحور الثالث‪ :‬المرأة في حياة اإلمام علي‪‬‬
‫الغث والسمين‪ ،‬فأتيت علي ًا‪ ‬ألشكو إليه ما صنع‪ ،‬فوجدته قائم ًا يصلي‪ ،‬فلما نظر إلي‬
‫ِّ‬
‫انفتل من صالته(((‪ ،‬ثم قال لي برأفة وتعطف‪ :‬ألك حاجة؟‬
‫فأخبرته الخبر‪ ،‬فبكى!‬
‫خلقك وال بِت َْر ِك‬
‫ثم قال‪ :‬اللهم إنّك أنت الشاهد علي وعليهم‪ ،‬إنّي لم آمرهم بظل ِم ِ‬
‫ْ‬ ‫َّ‬
‫ح ِّقك‪ ،‬ثم َأ ْخ َر َج من جيبه قطعة جلد كهيئة طرف الجواب فكتب فيها‪ :‬بسم الله الرحمن‬
‫الرحيم ﵛﭐﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵﱶ ﱷ ﱸ ﱹﵚ((( بالقسط‪ ،‬ﵛﱽ ﱾ ﱿ‬
‫ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ* ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍﲎ ﲏ ﲐ ﲑ‬
‫فاحتفظ بما في يديك من َع َم ِلنا حتى َي ْق ِد َم عليك من ُ‬
‫يقبضه‬ ‫ْ‬ ‫ﲒﵚ(((‪ ،‬إذا قرأت كتابي‬
‫منك‪ ،‬والسالم‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بطين وال خزمه بخزام‪ ،‬فقرأته!‬ ‫(تقول المرأة) فأخذته منه‪ ،‬والله ما َخت ََمه‬
‫لمظكم((( ابن أبي طالب الجرأة على السلطان فبطيئ ًا ما تفطمون‪.‬‬
‫فقال لها معاوية‪ :‬لقد ّ‬
‫ثم قال‪ :‬اكتبوا لها بر ِّد مالِها والعدل عليها‪.‬‬
‫ِ‬

‫إلي خاص أم لقومي عام؟‬


‫قالت‪ّ :‬‬
‫قال‪ :‬ما أنت وقومك؟!‬
‫إن لم يكن عدالً شام ً‬
‫ال وإال فأنا كسائر قومي‪.‬‬ ‫قالت‪ :‬هي والله إذن الفحشاء واللؤم‪ْ ،‬‬
‫قال‪ :‬اكتبوا لها ولقومها»(((‪.‬‬
‫ ) بأم الخير البارقية‬
‫والمرأة الثانية التي يمكن التنويه باسمها باعتبارها إحدى النساء المتخرجات من‬

‫  إما أنّه‪ ‬كان في صالة مندوبة فقطعها‪ ،‬أو أنّه كان متهيئ ًا للصالة‪ ،‬وانفتل إليها لقضاء حاجتها‪ّ ،‬‬
‫ألن‬ ‫(((‬
‫ذلك يعدّ صالة وعبادة عند علي‪.‬‬
‫ سورة األعراف‪ ،‬اآلية ‪.85‬‬ ‫(((‬
‫ سورة هود‪ ،‬اآليات ‪.86-85‬‬ ‫(((‬
‫التذوق‪ ،‬ولمظ الماء‪ :‬ذاقه بلسانه‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪ .461‬وفي الحديث عن أمير‬ ‫ّ‬ ‫  التلمظ‪:‬‬ ‫(((‬
‫المؤمنين‪« :‬أال ُح ٌّر َيدَ ُع هذه اللماظة ألهلها»‪ ،‬نهج البالغة‪ ،‬ج‪ 4‬ص‪ ،105‬واللماظة‪ :‬بق ّية الطعام‬
‫في الفم‪ ،‬يريد بذلك الدنيا‪ ،‬أي أال يوجد ُح ٌّر يترك هذه الدنيا التي هي كاللماظة‪.‬‬
‫  بالغات النساء‪ ،‬ص‪ ،31‬وتاريخ مدينة دمشق ج‪ 69‬ص‪ ،225‬والفتوح البن األعثم‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪ ،60‬والتذكرة‬ ‫(((‬
‫الحمدونية البن حمدون‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.20‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪136‬‬
‫مدرسة علي‪ ‬هي أم الخير البارقية‪ ،‬وكان لها ‪ -‬أيض ًا ‪ -‬موقف مشهود في مجلس مع‬
‫ِ‬
‫معاوية‪ .‬فقد روى المؤرخون أنّه‪« :‬كتب معاوية إلى واليه بالكوفة‪ :‬أن َأ ْوفدْ ّ‬
‫علي أ َّم الخير بنت‬
‫الحريش بن سراقة البارق ّية رحل ًة محمودة الصحبة غير مذمومة العاقبة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فلما َقد َم ْت على معاوية َأن َْز َلها مع الحرم ثالث ًا‪ ،‬ثم َأذ َن لها في اليوم الرابع َ‬
‫وج َم َع لها‬
‫الناس‪ ،‬فدخلت عليه فقالت‪ :‬السالم عليك يا أمير المؤمنين!‬
‫فقال‪ :‬وعليك السالم وبالرغم ‪ -‬والله ‪ -‬منك دعوتني بهذا االسم‪.‬‬
‫ب عمله‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫فقالت‪ :‬مه يا هذا! ّ‬
‫فإن بديهة السلطان مدحضة((( لما ُيح ُّ‬
‫قال‪ :‬صدقت يا خالة‪ ،‬وكيف ِ‬
‫رأيت مسيرك؟‬
‫دت إلى م ٍ‬
‫لك جزل وعطاء بذل‪ ،‬فأنا في عيش‬ ‫قالت‪ :‬لم أزل في عافية وسالمة حتى ُأوفِ ُ‬
‫َ‬
‫أنيق عند ملك رفيق‪.‬‬
‫وأعنت عليكم!‬
‫ُ‬ ‫ظفرت بكم‬
‫ُ‬ ‫فقال معاوية‪ :‬بحسن نيتي‬
‫قالت‪ :‬مه يا هذا! لك ‪ -‬والله ‪ -‬من َد ْح ِ‬
‫ض المقال ما تُردي عاقبته‪.‬‬
‫قال‪ :‬ليس لهذا أردناك‪.‬‬
‫قالت‪ :‬إنّما َأ ْج ِري في ميدانِك‪ ،‬إذا َأ ْج َر ْي َت شيئ ًا أجريتُه‪ ،‬فاسأل عما بدا لك‪.‬‬
‫قال‪ :‬كيف كان كالمك يوم قتل عمار بن ياسر؟‬
‫زورتُه((( بعد‪ ،‬وإنّما كانت كلمات َن َف َثه َّن لساني‬
‫قالت‪ :‬لم أكن والله رويته قبل‪ ،‬وال ّ‬
‫الصدْ َمة‪ ،‬فإن ِش ْئ َت َأ ْن ُأ ْح ِد َ‬
‫ث لك مقاالً غير ذلك َف َع ْلت‪.‬‬ ‫حين َّ‬
‫قال‪ :‬ال أشاء ذلك‪.‬‬
‫ثم التفت إلى أصحابه فقال‪ :‬أيكم َح ِف َظ كالم أ ّم الخير؟‬
‫قال رجل من القوم‪ :‬أنا أحفظه يا أمير المؤمنين كحفظي سورة الحمد‪.‬‬
‫قال‪ :‬هاته‪.‬‬

‫(((   لعلها تقصد أن مواجهة السلطان تفاجئ المرء فيتكلم بمثل هذا الخطاب الذي يكون على خالف ما يراه‪.‬‬
‫(((   التَّزوير‪ :‬إصالح الكالم وتهيئته انظر‪ :‬لسان العرب‪ ،‬ج‪ 4‬ص‪.337‬‬
‫‪137‬‬ ‫المحور الثالث‪ :‬المرأة في حياة اإلمام علي‪‬‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬كأنّي بها يا أمير المؤمنين وعليها ُب ْر ٌد زبيدي((( كثيف الحاشية‪ ،‬وهي على‬
‫جمل أرمك((( وقد أحيط حولها حواء(((‪ ،‬وبيدها سوط منتشر الضفر‪ ،‬وهي كالفحل يهدر في‬
‫شقشقته(((‪ ،‬تقول‪ :‬ﵛﱁ ﱂ ﱃ ﱄﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊﵚ(((‪ ،‬إن الله قد أوضح‬
‫ونور السبيل‪ ،‬ورفع العلم‪ ،‬فلم يدعكم في عمياء مبهمة‪ ،‬وال سوداء‬ ‫الحق‪ ،‬وأبان الدليل‪ّ ،‬‬
‫مدلهمة‪ ،‬فإلى أين تريدون رحمكم الله ؟ أفرار ًا عن أمير المؤمنين‪ ،‬أم فرار ًا من الزحف‪ ،‬أم‬ ‫ّ‬
‫رغبة عن اإلسالم‪ ،‬أم ارتداد ًا عن الحق؟ أما سمعتم الله عز وجل يقول‪ :‬ﵛﭐﱐ ﱑ ﱒ‬
‫ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗﵚ(((‪.‬‬
‫ف اليقين‪ ،‬وانتشر‬ ‫ثم رفعت رأسها إلى السماء وهي تقول‪ :‬اللهم قد ِعيل الصبر‪َ ،‬‬
‫وض ُع َ‬
‫رب أز ّمة القلوب‪ ،‬فاجمع إليه الكلمة على التقوى‪ ،‬وأ ّلف القلوب على‬ ‫الرعب‪ ،‬وبيدك يا ّ‬
‫الوفي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫والوصي‬
‫ّ‬ ‫الهدى‪ ،‬واردد الحق إلى أهله‪ ،‬ه ّلموا ‪ -‬رحمكم الله! ‪ -‬إلى اإلمام العادل‪،‬‬
‫والصديق األكبر‪ ،‬إنها إح ٌن بدرية‪ ،‬وأحقاد جاهلية‪ ،‬وضغائن ُأحدية‪ ،‬وثب بها معاوية حين‬
‫الغفلة‪ ،‬ليدرك بها ثارات بني عبد شمس‪ .‬ثم قالت‪ :‬ﵛﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ‬
‫ﲦ ﲧ ﲨﵚ(((‪ ،‬صبر ًا‪ ،‬معشر األنصار والمهاجرين‪ ،‬قاتلوا على بصيرة من ربكم‪،‬‬
‫كح ُم ٍر مستنفرة‪ ،‬ال تدري أين ُي ْس َل ُك‬
‫وثبات من دينكم‪ ،‬وكأنّي بكم غد ًا لقد لقيتم أهل الشام ُ‬
‫بها من فجاج األرض‪ ،‬باعوا اآلخرة بالدنيا‪ ،‬واشتروا الضاللة بالهدى‪ ،‬وباعوا البصيرة‬
‫تحل بهم الندامة‪ ،‬فيطلبوا اإلقالة‪ .‬إنّه والله َم ْن ضل‬‫بالعمى‪ ،‬عما قليل َل ُي ْصبِح َّن نادمين‪ ،‬حتى ّ‬
‫عن الحق َو َق َع في الباطل‪ ،‬و َم ْن لم يسكن الجنة نزل النار‪.‬‬
‫إن األكياس استقصروا عمر الدنيا فرفضوها‪ ،‬واستبطأوا مدة اآلخرة فسعوا‬ ‫أيها الناس! ّ‬
‫لها‪ .‬والله أيها الناس! لوال أن تبطل الحقوق‪ ،‬و ُت َع َّط َل الحدود‪ ،‬ويظهر الظالمون وتقوى كلمة‬

‫  قيل‪ :‬زبيدي نسبة إلى زبيد‪ ،‬بلد باليمن‪ ،‬والكثيف‪ :‬الغليظ‪ ،‬والحاشية‪ :‬الجانب‪..‬‬ ‫(((‬
‫  جمل أرمك أي لونه يميل إلى السواد لسان العرب‪ ،‬ج‪ 10‬ص‪.434‬‬ ‫(((‬
‫  أي أحاطتها النساء‪.‬‬ ‫(((‬
‫  الشقشقة هي جلدة حمراء يخرجها البعير من فيه في حالة الهياج‪ ،‬وإذا قالوا للخطيب‪« :‬ذو شقشقة»‬ ‫(((‬
‫فإنّما ُي َش َّب ُه بالفحل‪ ،‬وألمير المؤمنين‪ ‬خطبة عرفت بالخطبة الشقشقية‪ ،‬وسبب التسمية أنّه‪ ‬قال‬
‫في آخرها‪« :‬تلك شقشقة هدرت ثم ّقرت»‪.‬‬
‫ سورة الحج‪ ،‬اآلية ‪.1‬‬ ‫(((‬
‫ سورة محمد‪ ،‬اآلية ‪.31‬‬ ‫(((‬
‫ سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪.12‬‬ ‫(((‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪138‬‬
‫الشيطان لما اخترنا ورود المنايا على خفض((( العيش وطيبه‪ ،‬فإلى أين تريدون رحمكم الله‬
‫ِ‬
‫وخصه‬
‫َّ‬ ‫عن ابن عم رسول الله (ص) وزوج ابنته‪ ،‬وأبي ابن ْيه؟ ُخل َق من طينته‪ّ ،‬‬
‫وتفرع من نبعته‪،‬‬
‫يزل كذلك يؤ ّيده الله‬ ‫بسره‪ ،‬وجعله باب مدينته و َع َل َم المسلمين‪ ،‬وأبان ببغضه المنافقين‪ ،‬فلم ْ‬
‫ِّ‬
‫عز وجل بمعونته‪ ،‬ويمضي على سنن استقامته‪ ،‬ال يعرج لراحة اللذات‪ .‬ها هو مف ّلق الهام‬
‫ومكسر األصنام‪ ،‬إذ ص ّلى والناس مشركون‪ ،‬وأطاع والناس مرتابون‪ ،‬فلم يزل كذلك حتى‬ ‫ّ‬
‫وفرق جمع هوازن‪ ،‬فيا لها من وقائع زرعت في قلوب‬ ‫قتل مبارزي بدر‪ ،‬وأفنى أهل ُأحد‪ّ ،‬‬
‫قوم نفاق ًا ور ّدة وشقاق ًا! قد اجتهدت في القول‪ ،‬وبالغت في النصيحة‪ ،‬وبالله التوفيق وعليكم‬
‫السالم ورحمة الله وبركاته‪.‬‬
‫ُك ما‬‫فقال معاوية‪ :‬والله يا أم الخير‪ ،‬ما أردت بهذا الكالم إال قتلي‪ ،‬والله لو َق َت ْلت ِ‬
‫َح ِر ْج ُت في ذلك‪.‬‬
‫يدي َم ْن ُيسعدني الله‬
‫قالت‪« :‬والله ما يسوؤني يا بن هند! أن يجري الله ذلك على ْ‬
‫بشقائه‪.(((»..‬‬
‫(((‬
‫ ) جأم سنان المذحج ّية‬
‫والنموذج الثالث للمرأة التي تر ّبـت في مدرسة علي‪ ‬هي أم سنان المذحجية‪ ،‬وهي‬
‫أن مروان بن الحكم حبس غالم ًا‬ ‫‪ -‬أيض ًا ‪ -‬من الوافدات على معاوية‪ ،‬والسبب في ذلك ّ‬
‫من بني ليث في جناية جناها بالمدينة‪ ،‬فأتته أم سنان وهي جدّ ة الغالم‪« ،‬فك ّلمته في الغالم‪،‬‬
‫فأغلظ لها مروان‪ ،‬فخرجت إلى معاوية‪ ،‬فدخلت عليه فانتسبت له‪ ،‬فقال‪ :‬مرحب ًا بك يا بنت‬
‫عدوي؟!‬ ‫علي‬ ‫خيثمة‪ ،‬ما َأ ْقدَ م ِك أرضي وقد عهدت ِ‬
‫ّ‬ ‫وتحضين ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُك تشنئين قربي‬ ‫َ‬
‫إن لبني عبد مناف أخالق ًا طاهرة وأعالم ًا ظاهرة ال يجهلون‬
‫قالت‪ :‬يا أمير المؤمنين ّ‬
‫بعد علم‪ ،‬وال يسفهون بعد حلم‪ ،‬وال يتعقبون بعد عفو‪ ،‬فأولى الناس باتباع سنن آبائه ألنت‪.‬‬
‫قال‪ :‬صدقت نحن كذلك فكيف قولك‪:‬‬
‫والليل يصـــدر بالهموم ويور ُد‬ ‫ُب الرقـــاد فمقلتي ما ترقد‬
‫َعز َ‬

‫(((   خفض العيش‪ :‬الظاهر أنّها بمعنى هناءته ودعته‪.‬‬


‫(((   بالغات النساء‪ ،‬ص ‪ ،37‬وتاريخ مدينة دمشق‪ ،‬ج‪ 70‬ص‪ ،236‬وصبح األعشى‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪269‬‬
‫(((   هي بنت خيثمة بن خرشة المذحجية‪.‬‬
‫‪139‬‬ ‫المحور الثالث‪ :‬المرأة في حياة اإلمام علي‪‬‬
‫إن العـــدو آلل أحمـــد يقصدُ‬
‫ّ‬ ‫فشـــمروا‬
‫ّ‬ ‫يا آل مذحج ال مقام‬
‫َ‬
‫وسط السماء من الكواكب أسعدُ‬ ‫علـــي كالهـــال يح ّفه‬
‫ٌّ‬ ‫هـــذا‬
‫وكفى بذاك لمن شـــناه تهد ُد‬ ‫خير الخالئـــق وابن عم محمد‬
‫والنصـــر فوق لوائـــه ما يفقد‬ ‫ما زال مذ عرف الحروب مظفر ًا‬
‫قالت‪ :‬كان ذلك يا أمير المؤمنين وإنّا لنطمع بك خلف ًا‪.‬‬
‫فقال رجل من جلسائه‪ :‬كيف يا أمير المؤمنين وهي القائلة أيض ًا‪:‬‬
‫بالحـــق تُعرف هاديـــ ًا مهديا‬ ‫ّإمـا هلكت أبا الحسـين فلم تزل‬
‫فوق الغصـــون حمام ٌة قمريا‬ ‫فاذهب عليك صالة ربك ما دعت‬
‫أوصـــى إليك بنـــا فكنت وفيا‬ ‫قد كنت بعد محمـــد خلف ًا لنا‬
‫هيهات نمـــدح بعده إنســـيا‬ ‫فاليـــوم ال خلف نأمـــل بعده‬
‫ٌ‬
‫وقول َصدَ َق‪ ،‬ولئن تح ّقق فيك ظنّنا فح ُّظك أوفر‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫لسان نطق‪،‬‬ ‫قالت‪ :‬يا أمير المؤمنين‬
‫والله ما أورثك الشناءة في قلوب المسلمين إال هؤالء‪ ،‬فادحض مقالتهم وأبعدْ منزلتهم‪،‬‬
‫فإنك إن فعلت ازددت بذلك من الله تبارك وتعالى قرب ًا ومن المؤمنين حب ًا‪.‬‬
‫قال‪ :‬وإنّك لتقولين ذلك؟‬
‫قالت‪ :‬يا سبحان الله‪ ،‬والله ما ِم ْث ُل َك من ُم ِد َح بباطل وال ا ْعت ُِذ َر إليك بكذب‪ ،‬وإنك‬
‫أحب إلينا من غيره إذ كان حي ًا‪ ،‬وأنت‬
‫لتعلم ذلك من رأينا وضمير قلوبنا‪ ،‬كان والله علي‪َّ ‬‬
‫أحب إلينا من غيرك إذ كنت باقي ًا‪.‬‬
‫ُّ‬
‫قال‪ :‬ممن؟‬
‫قالت‪ :‬من مروان بن الحكم وسعيد بن العاص‪.‬‬
‫قال‪ :‬وبم استحققت ذلك عليهما؟‬
‫قالت‪ :‬بحسن حلمك وكريم عفوك‪.‬‬
‫قال‪ :‬وإنّهما ليطمعان في ذلك‪.‬‬
‫قالت‪ :‬هما والله لك من الرأي على مثل ما كنت عليه لعثمان رحمه الله‪.‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪140‬‬
‫قال‪ :‬والله لقد َقارب ِ‬
‫ت فما حاجتك؟‬ ‫َْ‬
‫قالت‪ّ :‬‬
‫إن مروان بن الحكم تبن َّك (((بالمدينة تبن َُك من ال يريد البراح منها‪ ،‬ال يحكم‬
‫بعدل وال يقضي بسنّة‪ ،‬يتتبع عثرات المسلمين‪ ،‬ويكشف عورات المؤمنين‪ ،‬حبس ابن ابني‬
‫أمر من الصبر‪ ،‬ثم رجعت إلى‬ ‫فأتيته‪ ،‬فقال‪ :‬كيت وكيت‪ ،‬فألقمتُه أخش َن من الحجر وألعقتُه ّ‬
‫نفسي بالالئمة‪ ،‬فأتيتك يا أمير المؤمنين‪ ،‬لتكون من أمري ناظر ًا وعليه معدي ًا(((‪.‬‬
‫قال‪ :‬صدقت‪ ،‬ال أسألك عن ذنبه وال عن القيام بحجته‪ ،‬اكتبوا لها بإخراجه(((‪.‬‬
‫قالت‪ :‬يا أمير المؤمنين وأنّى لي بالرجعة وقد نفد زادي وك ّلت راحلتي‪ ،‬فأمر لها براحلة‬
‫موطأة وخمسة آالف درهم»(((‪.‬‬
‫انظر أيها القارئ إلى مواقف هذه المرأة الجليلة وشجاعتها في النطق بكلمة الحق‪،‬‬
‫حيث لم تكتف ببيان رأيها الصريح في علي‪ ‬بل أعطت معاوية درس ًا في اختيار البطانة‬
‫المناسبة من أهل النصح والخير‪.‬‬
‫ ) دالدارمية الحجونية‬
‫والنموذج الرابع من تلميذات علي‪ ‬وخريجات مدرسته الالتي وفدن على معاوية‪،‬‬
‫وكان له ّن في مجلسه موقف مشهود نطقن فيه بالحق‪ ،‬تلك المرأة الجليلة المسماة الدارمية‬
‫«حج معاوية سنة من سنيه‪ ،‬فسأل عن امرأة يقال لها‬ ‫ّ‬ ‫الحجون ّية‪ .‬فقد روى المؤرخون أنّه‪:‬‬
‫الدارمية الحجونية‪ ،‬كانت امرأة سوداء كثيرة اللحم‪َ ،‬ف ُأ ْخبِ َر بسالمتها‪ ،‬ف َب َع َث إليها فجيء بها‪.‬‬
‫فقال لها‪ :‬كيف حالك يا ابنة حام؟‬
‫قالت‪ٍ :‬‬
‫بخير‪ ،‬ولست لحا ٍم‪ ،‬إنما أنا امرأة من قريش من بني كنانة ثمت من بني أبيك‪.‬‬
‫قال‪ :‬صدقت هل تعلمين لم بعثت إليك؟‬
‫قالت‪ :‬ال‪ ،‬يا سبحان الله وأنّى لي بعلم ما لم أعلم!‬
‫أحببت علي ًا‪ ‬وأبغضتِني‪ ،‬وعالم واليتِه وعاديتِني؟!‬
‫ِ‬ ‫قال‪ :‬بعثت إليك أن أسألك عالم‬

‫  تبنك فالن بالمكان وفي المكان‪ :‬أقام به وتمكن فيه‪ .‬والبراح ‪ -‬بفتح الباء ‪ :-‬التحول واالنتقال‪.‬‬ ‫(((‬
‫  معدي ًا‪ :‬شاكي ًا ومستنصر ًا‪.‬‬ ‫(((‬
‫  أي إخراج حفيدها من الحبس‪.‬‬ ‫(((‬
‫  بالغات النساء‪ ،‬ص ‪ ،63‬وتاريخ مدينة دمشق‪ ،‬ج ‪ 70‬ص ‪.247‬والفتوح‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪.67‬‬ ‫(((‬
‫‪141‬‬ ‫المحور الثالث‪ :‬المرأة في حياة اإلمام علي‪‬‬
‫قالت‪ :‬أو تعفيني من ذلك؟‬
‫قال‪ :‬ال أعفيك‪ ،‬ولذلك دعوتك‪.‬‬
‫قالت‪ :‬فأ ّما إذ َأ َب ْي َت فإنّي أحببت علي ًا‪ ‬على عدله في الرعية وقسمه بالسوية‪،‬‬
‫وواليت علي ًا‪ ‬على‬
‫ُ‬ ‫و َأ ْب َغ ْضت َُك على قتالك َم ْن هو أولى باألمر منك‪ ،‬و َط َلبِك ما ليس لك‪،‬‬
‫ما عقد له رسول الله (ص) من الوالية وح ّبه المساكين وإعظامه ألهل الدين‪ ،‬وعاديتك على‬
‫سفكك الدماء وش ِّقك العصا‪.‬‬ ‫ِ‬

‫َبر ثديك و َع ُظ َم ْت عجيزتُك‪.‬‬


‫انتفخ َب ْطنُك وك َ‬
‫قال‪ :‬صدقت‪ ،‬فلذلك َ‬
‫قالت‪ :‬يا هذا بهند (أم معاوية) والله ُيضرب المثل ال أنا‪.‬‬
‫ِ‬
‫المرأة ت ََّم خلق‬ ‫قال معاوية‪ :‬يا هذه ال تغضبي فإنّا لم نقل إال خير ًا‪ ،‬إنه إن انتفخ بط ُن‬
‫ولدها‪ ،‬وإذا َك ُب َر ثديها َح ُس َن غذا ُء َو َل ِدها‪ ،‬وإذا َع ُظ َم ْت عجيزتُها َر ُز َن مجلسها‪ ،‬فرجعت‬
‫المرأة‪.‬‬
‫فقال لها‪ :‬هل رأيت علي ًا؟‬
‫قالت‪ :‬إي والله لقد رأيتُه‪.‬‬
‫قال‪ :‬كيف َر َأ ْيتِه؟‬
‫قالت‪ :‬لم ينفخه الملك ولم تص ْقله النعمة‪.‬‬
‫ِ‬
‫سمعت كالمه؟‬ ‫قال‪ :‬فهل‬
‫قالت‪ :‬نعم‪.‬‬
‫قال‪ :‬فكيف َس ِم ْعتِه؟‬
‫قالت‪ :‬كان والله كالمه يجلو القلوب من العمى كما يجلو الزيت صداء الطست‪.‬‬
‫قال‪ :‬صدقت‪ ،‬هل لك من حاجة؟‬
‫قالت‪ :‬وتفعل إذا سألت؟‬
‫قال‪ :‬نعم‪.‬‬
‫قالت‪ :‬تعطيني مئة ناقة حمراء فيها فحلها وراعيها‪.‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪142‬‬
‫قال‪ :‬ماذا تصنعين بها؟‬
‫وأكتسب بها المكارم و ُأ ْص ِل ُح بها بين‬
‫ُ‬ ‫قالت‪ :‬أغذو بألبانها الصغار وأستحيي بها الكبار‬
‫عشائر العرب‪.‬‬
‫قال‪ :‬فإن أنا أعطيتك هذا َأ ُح ُّل منك َّ‬
‫محل علي‪‬؟‬
‫قالت‪ :‬يا سبحان الله أو دونه أو دونه!‬
‫فقال معاوية‪:‬‬
‫يؤم ُل للحلم‬
‫فمـن ذا الذي بعـدي ّ‬ ‫إذا لم َأ ُجـــدْ بالحلم مني عليكم‬
‫حباك على حرب العداوة بالسـلم‬ ‫ٍ‬
‫ماجد‬ ‫خذيهـا هنيئ ًا واذكـري فِ ْع َل‬
‫أما والله لو كان عليا ما أعطاك شيئ ًا‪.‬‬
‫قالت‪ :‬إي والله‪ ،‬وال وبرة واحدة من مال المسلمين يعطني‪ .‬ثم أمر لها بما سألت»(((‪.‬‬
‫مرة الهمدانية‬
‫ )ـهالزرقاء بنت عدي بن ّ‬
‫وثمة امرأة همدانية أخرى (وهي المرأة الخامسة التي نذكرها في هذا المقام)‪ ،‬كان‬
‫مرة الهمدانية‪ ،‬وكانت‬
‫عدي بن ّ‬
‫ّ‬ ‫لها موقف مشهود في مجلس معاوية‪ ،‬وهي الزرقاء بنت‬
‫من النساء الجليالت الالتي تربين في مدرسة علي‪ ‬ورافقته في بعض حروبه‪ ،‬وكانت‬
‫ممن َأ َم َر معاوي ُة ‪ -‬بعد استشهاد أمير المؤمنين‪ - ‬باستدعائها إلى الشام‪ .‬فقد قال بعض‬
‫«س ُم َر معاوي ُة ليل ًة فذكر الزرقاء بنت عدي بن غالب بن قيس‪ ،‬امرأة كانت من أهل‬
‫المؤرخين‪َ :‬‬
‫الكوفة وكانت ممن يعين علي ًا‪ ‬يوم صفين‪.‬‬
‫فقال ألصحابه‪ :‬أ ّيكم يحفظ كالم الزرقاء؟‬
‫فقال القوم‪ :‬كلنا نحفظه يا أمير المؤمنين‪.‬‬
‫علي فيها؟‬
‫قال‪ :‬فما تشيرون ّ‬
‫قالوا‪ :‬نشير عليك بقتلها‪.‬‬
‫علي به‪َ ،‬أ َي ْح ُس ُن بمثلي أن يتحدَّ َ‬
‫ث الناس أنّي قتلت امرأة بعدما‬ ‫قال‪ .‬بئس ما أشرتم ّ‬
‫َم َلك ُ‬
‫ْت وصار األمر لي!‬

‫(((   بالغات النساء‪ ،‬ص ‪ ،72‬صبح األعشى‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪ ،306‬ربيع األبرار‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪.152‬‬
‫‪143‬‬ ‫المحور الثالث‪ :‬المرأة في حياة اإلمام علي‪‬‬
‫ثم دعا كاتبه في الليل‪ ،‬فكتب إلى عامله في الكوفة أن أو ْفد ّ‬
‫إلي الزرقاء ابنة عدي مع ثقة‬
‫واسترها بستر حصيف‪ .‬فلما ورد عليه‬
‫ْ‬ ‫من محرمها وعدّ ة من فرسان قومها‪ ،‬و َم ِّهدْ ها وطا ًء لين ًا‬
‫الكتاب (أي إلى عامله) ركب إليها فأقرأها الكتاب‪.‬‬
‫إلي لم أر ْم‬
‫فقالت‪ :‬أ ّما أنا فغير زائغة عن طاعة‪ ،‬وإن كان أمير المؤمنين جعل المشيئة ّ‬
‫بلدي((( هذا وإن كان حكم األمر فالطاعة له أولى بي(((‪.‬‬
‫فحملها في هودج وجعل غشاءه حبر ًا((( مبطن ًا بعصب اليمن(((‪ ،‬ثم أحسن صحبتها‪.‬‬
‫وفي حديث المقدمي‪ ،‬فحملها في عمار ّية جعل غشاءها خز ًا أدكن مبطن ًا بقوهي(((‪،‬‬
‫ِ‬
‫حالك يا خالة‬ ‫فلما َق ِد َم ْت على معاوية قال لها‪ :‬مرحب ًا وأهالً‪ ،‬خير مقدم َق ِد َمه وافد‪ ،‬كيف‬
‫وكيف ِ‬
‫رأيت مسيرك؟‬
‫ال ممهد ًا‪.‬‬
‫قالت‪ :‬خير مسير‪ ،‬كأني كنت ربيبة بيت أو طف ً‬
‫قال‪ :‬بذلك أمرتُهم‪ ،‬فهل تعلمين لِ َم بعثت إليك؟‬
‫قالت‪ :‬سبحان الله أنّى لي بعلم ما لم ُأ َع َّلم؟ وهل يعلم ما في القلوب إال الله!‬
‫قال‪ :‬بعثت إليك أن أسألك‪ :‬ألست راكب َة الجمل األحمر يوم صفين بين َّ‬
‫الصفين‪،‬‬
‫وتحضين على القتال‪ ،‬فما حملك على ذلك؟‬ ‫ّ‬ ‫توقدين الحرب‬
‫قالت‪ :‬يا أمير المؤمنين إنّه قد مات الرأس و ُبتِ َر الذنب والدهر ذو غير‪ ،‬و َم ْن تفكَّر أبصر‪،‬‬
‫األمر‪.‬‬
‫ث بعدَ ه ُ‬ ‫واألمر َي ْحدُ ُ‬
‫قال لها‪ :‬صدقت فهل تحفظين كالمك يوم صفين؟‬
‫قالت‪ :‬ما أحفظه‪.‬‬
‫ِ‬
‫سمعتك تقولين‪ :‬أيها الناس إنّكم في فتنة‬ ‫ِ‬
‫أبوك لقد‬ ‫قال‪ :‬ولكني والله أحفظه‪ ،‬لله‬

‫  أي لم أبرح ولم أفارق بلدي‪ ،‬وهي الكوفة‪.‬‬ ‫(((‬


‫أحب المصير إليه‪ ،‬وإن كان أمر ًا حتم ًا‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫فأنا‬ ‫إلي‪،‬‬ ‫الخيار‬ ‫جعل‬ ‫  في الفتوح‪« :‬إن كان أمير المؤمنين قد‬ ‫(((‬
‫فالطاعة أولى»‪.‬‬
‫  الحبر‪ :‬ثوب من قطن أو كتان وهو مخطط وكان يصنع في اليمن‪.‬‬ ‫(((‬
‫  العصب‪ :‬صنف من برود اليمن‪.‬‬ ‫(((‬
‫  القوهي‪ :‬نوع من الثياب البيض‪.‬‬ ‫(((‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪144‬‬
‫المحجة‪ ،‬فيا لها من فتنة عمياء‬
‫ّ‬ ‫َغ َش ْتك ُْم((( جالبيب ال ُظ َلم وجارت [وحادت] بكم عن قصد‬
‫إن المصباح ال يضيء في الشمس ّ‬
‫وإن‬ ‫صماء ُيسمع لقائلها وال ُينظر لسائقها(((‪ .‬أ ّيها الناس ّ‬
‫الزف ال يوازن الحجر‪ ،‬وال‬‫ّ‬ ‫وإن البغل ال يسبق الفرس‪ّ ،‬‬
‫وإن‬ ‫الكوكب ال يبصر في القمر‪ّ ،‬‬
‫إن الحق كان‬‫يقطع الحديدَ إال الحديدُ ‪ .‬أال من استرشدنا أرشدناه ومن استخبرنا أخبرناه‪ّ ،‬‬ ‫ُ‬
‫فكأن قد اندمل شعب الشتات‬ ‫ْ‬ ‫يطلب ضا َلته فأصابها‪ ،‬فصبر ًا يا معشر المهاجرين واألنصار‪،‬‬ ‫ُ‬
‫الحق باط َله‪ ،‬فال َي ْع َج َل َّن أحد‪ ،‬فيقول‪ :‬كيف وأنّى‪ ،‬ليقضي الله‬
‫والتأمت كلمة العدل وغلب ُ‬
‫إن خضاب النساء الحناء وخضاب الرجال الدماء‪ ،‬والصبر خير في‬ ‫أمر ًا كان مفعوالً‪ ،‬أال ّ‬
‫ِ‬
‫األمور عواقب‪ ،‬إيه ًا‪ ...‬إلى الحرب قدَ م ًا غير ناكصين فهذا يوم له ما بعده‪.‬‬
‫ْت علي ًا‪ ‬في كل دم سفكه‪.‬‬ ‫ثم قال معاوية‪ :‬والله يا زرقاء لقد َشرك ِ‬
‫َ‬
‫سر‬ ‫فقالت‪ :‬أحسن الله بشارتك يا أمير المؤمنين وأدام سالمتك‪ ،‬مثلك َم ْن َّ‬
‫بشر بخير َو َّ‬
‫جليسه!‬
‫قال لها‪ :‬وقد َس ّرك ذلك؟!‬
‫قالت‪ :‬نعم والله‪ ،‬لقد َس ّرني قولك فأنّى بتصديق الفعل!‬
‫[أعجب] من حبكم له في حياته! اذكري‬
‫ُ‬ ‫أحب‬
‫فقال معاوية‪ :‬والله لوفاؤكم له بعد موته ُّ‬
‫حاجتك‪.‬‬
‫قالت‪ :‬يا أمير المؤمنين إني قد آليت على نفسي أن ال أسال أمير ًا َأ َعن ُْت عليه شيئ ًا أبد ًا‪،‬‬
‫ِ‬
‫وم ْث ُلك أعطى عن غير مسألة‪ ،‬وجاد عن غير طلب‪.‬‬
‫(((‬
‫قال‪ :‬صدقت‪ ،‬فأقطعها ضيعة أغ ّلتها في أول سنة عشرة آالف درهم‪ ،‬و َأ ْح َس َن صفدها‬
‫ور ّدها والذين معها مكرمين»(((‪.‬‬

‫ ) وبكارة الهاللية‬


‫ويبرز أمامنا اسم امرأة أخرى من الوافدات على معاوية (المرأة السادسة)‪ ،‬وهي بكارة‬

‫  بمعنى غطتكم‪.‬‬ ‫(((‬


‫  في تاريخ مدينة دمشق‪« :‬ال يسمع لقائلها وال ُينقاد لسائقها»‪.‬‬ ‫(((‬
‫  الصفد‪ :‬العطاء‪.‬‬ ‫(((‬
‫  تاريخ مدينة دمشق البن عساكر‪ ،‬ج ‪ 69‬ص ‪ ،166‬وبالغات النساء‪ ،‬ص ‪ ،33‬والفتوح البن األعثم‪ ،‬ج‪3‬‬ ‫(((‬
‫ص ‪.88‬‬
‫‪145‬‬ ‫المحور الثالث‪ :‬المرأة في حياة اإلمام علي‪‬‬
‫بقوة منطقها وبشدة تفانيها في الوالء لعلي‪،‬‬ ‫الهاللية‪ ،‬وهي من أعالم النساء المعروفات ّ‬
‫َت معه في معركة صفين بخطبها البليغة التي ألهبت حماسة المقاتلين(((‪ ،‬وقد كان‬ ‫وقد اشترك ْ‬
‫لها موقف مشهود في محضر معاوية‪ .‬فقد روى ابن طيفور في بالغات النساء‪« :‬دخلت بكارة‬
‫ودق عظمها‪ ،‬ومعها خادمان لها وهي متكئة‬‫الهاللية على معاوية بن أبي سفيان بعد أن َك ُب َرت ِسنُّها ّ‬
‫عليهما‪ ،‬وبيدها عكاز‪ ،‬فسلمت على معاوية بالخالفة‪ ،‬فأحسن عليها الر َّد وأذن لها في الجلوس‪،‬‬
‫وكان عنده مروان بن الحكم وعمرو بن العاص‪ ،‬فابتدأ مروان فقال‪ :‬أتعرف هذه يا أمير المؤمنين؟‬
‫قال‪ :‬ومن هي؟‬
‫قال‪ :‬هي التي ت ُِعي ُن علينا يوم صفين‪ ،‬وهي القائلة‪:‬‬
‫سيف ًا حســـام ًا في التراب دفينا‬ ‫يا زيد دونك فاســـتثر من دارنا‬
‫فاليـــوم َأ ْبـــر َز ُه الزمان مصونا‬ ‫ٍ‬
‫عظيمة‬ ‫قد كان مذخـــور ًا ِّ‬
‫لكل‬
‫فقال عمرو بن العاص وهي القائلة يا أمير المؤمنين‪:‬‬
‫هيهـــات ذاك ومـــا أراد بعيدُ‬ ‫أترى ابن هنـــد للخالفة مالك ًا‬
‫أغراك عمرو للشـــقاء وسعيدُ‬ ‫َفسـك في الخالء ضالل ًة‬ ‫َمنَّت َ‬
‫َك ن ُ‬
‫القت علي ًا َأ ْســـ ُعدٌ وســـعود‬ ‫ِ‬
‫بنحوســـها‬ ‫فارجع يا نكد طائر‬
‫فقال سعيد‪ :‬يا أمير المؤمنين وهي القائلة‪:‬‬
‫فـــوق المنابـــر أم ّيـــة خاطبا‬ ‫قد كنت آمل أن أموت وال أرى‬
‫حتى رأيت مـــن الزمان عجائبا‬ ‫أخ َر ُمدَّ تـــي فتطاولت‬
‫فاللـــه ّ‬
‫وسط الجموع آلل أحمد عائبا‬ ‫في كل يوم ال يـــزال خطيبهم‬
‫ثم سكت القوم‪.‬‬
‫فقالت بكارة‪ :‬نبحتني كالبك يا أمير المؤمنين‪ ،‬واعتورتني‪ ،‬فقصر محجني((( وكثر‬
‫عجبي وعشي بصري‪ ،‬وأنا والله قائلة ما قالوا‪ ،‬ال أدفع ذلك بتكذيب‪ ،‬فامض لشأنك‪ ،‬فال‬
‫خير في العيش بعدَ أمير المؤمنين‪.‬‬

‫(((   انظر‪ :‬االنتفاضات الشيعية للسيد هاشم معروف الحسني‪ ،‬ص ‪.338‬‬
‫(((  المحجن‪ :‬عصا في رأسها اعوجاج‪.‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪146‬‬
‫فقال معاوية‪ :‬إنه ال يضعك شيء‪ ،‬فاذكري حاجتك تُقضى‪ ،‬فقضى حوائجها ور ّدها إلى‬
‫بلدها»(((‪.‬‬

‫ ) زأم البراء‬


‫وأم البراء بنت صفوان بن هالل (المرأة السابعة)‪ ،‬هي امرأة أخرى من أعالم النساء‬
‫الخريجات من مدرسة علي‪ ‬ومن الوافدات على معاوية أيض ًا‪ ،‬وربما ُظ َّن أنّها هي بكارة‬
‫إن االسم مختلف‪ ،‬وال ُق َّص ُة كذلك‪ .‬وقد ذكر ابن‬ ‫الهاللية المتقدمة‪ ،‬ولكنه غير واضح‪ ،‬بل ّ‬
‫طيفور صاحب «بالغات النساء» أنّها استأذنت على معاوية فأذن لها‪ ،‬فدخلت في ثالثة دروع‬
‫تسحبها قد كارت على رأسها ك َْو َر ًا كهيئة المنسف(((‪ ،‬فس ّلمت ثم جلست‪ ،‬فقال‪ :‬كيف أنت‬
‫يا بنت صفوان؟‬
‫قالت‪ :‬بخير يا أمير المؤمنين‪.‬‬
‫قال‪ :‬فكيف حالك؟‬
‫قالت‪َ :‬ض ُع ْف ُت بعد َج َلد‪ ،‬وكسلت بعد نشاط‪.‬‬
‫قال‪ :‬سيان بينك اليوم وحين تقولين‪:‬‬
‫عضب المهزة ليـــس بالخوار‬
‫(‪)3‬‬
‫يا عمرو دونـــك صار ما ذا رونق‬
‫للحرب غيـــر معـــرد(‪ )4‬لفرار‬ ‫َأ ْس ِ‬
‫ـــر ْج جوادك مسرع ًا ومشمر ًا‬
‫وا ْف ِ‬
‫ـــر(‪ )5‬العـــدو بصـــارم ٍبتار‬ ‫أجب اإلمـــام و ُد ّب تحت لوائه‬
‫فـــأذب عنـــه عســـاكر الفجار‬
‫ُّ‬ ‫أصبحـــت ليس بعورة‬
‫ُ‬ ‫يا ليتني‬
‫ﵛﳀ ﳁ ﳂ‬ ‫قالت‪ :‬قد كان ذاك يا أمير المؤمنين ومثلك عفا‪ ،‬والله تعالى يقول‪:‬‬
‫ﳃﵚ(((‪.‬‬

‫  بالغات النساء‪ ،‬ص‪.34‬‬ ‫(((‬


‫  كارت‪ُ :‬ل َّفت‪ ،‬والمنسف هو الغربال‪.‬‬ ‫(((‬
‫  العضب‪ :‬القاطع‪ ،‬والخوار‪ :‬الضعيف‪.‬‬ ‫(((‬
‫معرد‪ :‬هارب‪ ،‬وفي تاريخ دمشق‪« :‬ليس مولي ًا لفرار»‪.‬‬ ‫  ّ‬ ‫(((‬
‫ْ‬
‫  فعل أمر من فرى‪ ،‬يفري وهو بمعنى فاقتل‪.‬‬ ‫(((‬
‫ سورة المائدة‪ ،‬اآلية ‪.95‬‬ ‫(((‬
‫‪147‬‬ ‫المحور الثالث‪ :‬المرأة في حياة اإلمام علي‪‬‬
‫ت‪ ،‬ولكنه اخترم((( دونك‪ ،‬فكيف قو ُل ِك حين ُقتِل؟‬
‫قال‪ :‬هيهات‪ ،‬أما إنّه لو عاد َلعدْ ِ‬
‫ُ‬
‫قالت‪ :‬نسيته يا أمير المؤمنين‪.‬‬
‫فقال بعض جلسائه‪ :‬هو والله حين تقول يا أمير المؤمنين‪:‬‬
‫فدحـت(‪ )2‬فليس مصابهـا بالهازل‬ ‫يـــا للرجال ِ‬
‫لع َظ ِم هـــول مصيبة‬
‫خيـــر الخالئق واإلمـــام العادل‬ ‫الشـــمس كاســـفة لفقد إمامنا‬
‫فوق التـــراب لمحت ٍ‬ ‫وم ْن مشى‬
‫َف أو ناعل‬ ‫ُ ْ‬ ‫يا خير َم ْن ركب المطي َ‬
‫(‪)3‬‬

‫فالحق أصبح خاضعـــ ًا للباطل‬ ‫حاشـــا النبي لقد هددت قواءنا‬

‫فقال معاوية‪ :‬قاتلك الله يا بنت صفوان ما تركت لقائل فقال مقاالً‪ ،‬اذكري حاجتك‪.‬‬
‫(((‬
‫قالت‪ :‬هيهات‪ ،‬بعد هذا والله ال سألتك شيئ ًا‪ ،‬ثم قامت فعثرت فقالت َت ُع َس شانئ‬
‫علي‪.(((»..‬‬

‫ ) حأروى بنت الحارث بن عبد المطلب‬


‫ومن النساء الجليالت الالتي نهلنا من معين علي‪ ،‬أروى بنت الحارث بن‬
‫عبد المطلب‪ ،‬وهي المرأة الثامنة في المقام‪ .‬روى ابن طيفور بسنده عن أنس بن مالك قال‪:‬‬
‫دخلت أروى بنت الحارث بن عبد المطلب على معاوية بن أبي سفيان بالموسم(((‪ ،‬وهي‬
‫فلما رآها قال‪ :‬مرحب ًا بك يا ّ‬
‫عمة‪.‬‬ ‫عجوز كبيرة‪ّ ،‬‬
‫يت‬
‫وتسم َ‬
‫ّ‬ ‫وأسأت البن عمك الصحبة‪،‬‬‫َ‬ ‫قالت‪ :‬كيف أنت يا بن أخي لقد َك َف ْر َت بالنعمة‬
‫بغير اسمك‪ ،‬وأخذت غير حقك بغير بالء منك وال من آبائك في اإلسالم‪ ،‬ولقد كفرتم بما‬
‫جاء به محمد(ص) فأتعس الله منكم الجدود‪ ،‬وأصعر منكم الخدود حتى ر ّد الله الحق إلى‬
‫أهله وكانت كلمة الله هي العليا»(((‪.‬‬

‫  بمعنى مات‪ ،‬ويقال‪ :‬اخترمته المن ّية بمعنى أخذته‪.‬‬ ‫(((‬


‫  بمعنى عظمت‪.‬‬ ‫(((‬
‫  المحتفي‪ :‬من يمشي حافي ًا‪ ،‬والناعل البس النعل‪.‬‬ ‫(((‬
‫  الشانئ‪ :‬المبغض‪.‬‬ ‫(((‬
‫  بالغات النساء‪ ،‬ص ‪ ،75‬وذكر قصتها في تاريخ مدينة دمشق‪ ،‬ج ‪ 70‬ص ‪.203‬‬ ‫(((‬
‫  موسم الحج‪.‬‬ ‫(((‬
‫  بالغات النساء‪ ،‬ص‪.27‬‬ ‫(((‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪148‬‬
‫ ) طعكرشة بنت األطش‬
‫والمرأة التاسعة من النسوة الالتي َص ِح ْبن علي ًا‪ ‬وترب ْين في مدرسته‪ ،‬عكرشة بنت‬
‫األطش بن رواحة‪ ،‬فقد ذكر المؤرخون أنّها دخلت «على معاوية وبيدها عكاز في أسفله‬
‫زج((( مسقى‪ ،‬فس ّلمت عليه بالخالفة وجلست‪.‬‬
‫فقال لها معاوية‪ :‬يا عكرشة اآلن صرت أمير المؤمنين؟!‬
‫علي حي‪.‬‬
‫قالت‪ :‬نعم‪ ،‬إذ ال ٌّ‬
‫قال‪ :‬ألست صاحبة الكور المسدول والوسيط المشدود والمتق ِّلدة بحمائل السيف‪،‬‬
‫ﱟ ﱡﱢ ﱣ ﱤ‬ ‫ﱠ‬ ‫وأنت واقفة بين الصفين يوم صفين تقولين‪ :‬ﵛﭐﱛ ﱜ ﱝ ﱞ‬
‫(((‬
‫إن الجنة دار ال يرحل عنها َم ْن َق َطنَها وال َي ْح ُز ُن َم ْن سكنها‪ ،‬فابتاعوها‬
‫ﱥ ﱦﵚ(((‪ّ ،‬‬
‫ف((( إليكم‬‫إن معاوية َد َل َ‬
‫بدار ال يدوم نعيمها‪ ،‬وال تنصرم همومها‪ ،‬كونوا قوم ًا مستبصرين‪ّ .‬‬
‫ف القلوب‪ ،‬ال يفقهون اإليمان وال يدرون ما الحكمة‪ ،‬دعاهم بالدنيا‬ ‫بعجم العرب ُغ ْل ِ‬
‫فأجابوه‪ ،‬واستدعاهم إلى الباطل فل ّبوه‪ .‬فالله الله عباد الله في دين الله‪ ،‬وإياكم والتواكل‪،‬‬
‫وإظهار الباطل‪ .‬هذه‬‫َ‬ ‫السنة‬
‫وذهاب ُّ‬
‫َ‬ ‫نقض عروة اإلسالم وإطفا َء نور اإليمان‬ ‫ّ‬
‫فإن في ذلك َ‬
‫بدر الصغرى والعقبة األخرى‪ ،‬قاتلوا يا معشر األنصار والمهاجرين على بصيرة من دينكم‬
‫واصبروا على عزيمتكم‪.»..‬‬
‫عليك العسكران‪ ،‬يقولون‪ :‬هذه‬ ‫ِ‬ ‫ّازك هذه قد انكفأ‬ ‫بك على عك ِ‬ ‫وأضاف معاوية‪« :‬كأنّي ِ‬
‫أحب الله أن يجعل‬ ‫عكرشة بنت األطش بن رواحة‪ِ ِ ْ ،‬‬
‫فإن كدْ ت لتلفتين عني أهل الشام لوال ما ّ‬
‫لنا هذا األمر‪ ،‬وكان أمر الله قدر ًا مقدور ًا‪ ،‬فما حملك على ذلك؟‬
‫قالت‪ :‬يا أمير المؤمنين يقول الله عز وجل‪ :‬ﵛﭐﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ‬
‫يحب إعادته(((‪.‬‬
‫ّ‬ ‫إن اللبيب إذا ك َِره أمر ًا لم‬
‫ﲧ ﲨﵚ(((‪ّ .‬‬

‫  الزج‪ :‬حديدة توضع في أسفل العصا‪.‬‬ ‫(((‬


‫ سورة المائدة‪ ،‬اآلية ‪.105‬‬ ‫(((‬
‫  ابتاعوها‪ :‬اشتروها‪.‬‬ ‫(((‬
‫ف إليكم‪ :‬زحف إليكم‪.‬‬ ‫  َد َل َ‬ ‫(((‬
‫ سورة المائدة‪ ،‬اآلية ‪.101‬‬ ‫(((‬
‫  تقصد معاوية‪ ،‬فكأنّها تقول‪ :‬أنت تكره هذا الموقف لي فلماذا تعيد ذكره؟!‬ ‫(((‬
‫‪149‬‬ ‫المحور الثالث‪ :‬المرأة في حياة اإلمام علي‪‬‬
‫ِ‬
‫صدقت اذكري حاجتك‪.‬‬ ‫قال‪:‬‬
‫إن الله قد جعل صدقاتنا على فقرائنا ومساكيننا‪ ،‬ور َّد أموا َلنا‬ ‫قالت‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ّ ،‬‬
‫فإن كان ذلك عن‬ ‫فينا إال بح ِّقها‪ .‬وإنّا قد فقدنا ذلك‪ ،‬فما ُينْ َع ُش لنا فقير‪ ،‬وما ُي ْج َب ُر لنا كسير‪ْ ،‬‬
‫رأيك فمثلك من انتبه من الغفلة وراجع التوبة‪ ،‬وإن كان ذلك عن غير رأيك فما مثلك من‬
‫استعان الخونة وال استعان بالظالمين‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بحور تنبثق وثغور تنفتق‪.‬‬ ‫قال معاوية‪ :‬يا هذه إنّه تنوبنا أمور هي أولى بنا منكم‪ ،‬من‬
‫قالت‪ :‬يا سبحان الله‪ ،‬ما فرض الله لنا حق ًا جعل لنا فيه ضرر ًا على غيرنا‪ ،‬ما جعله لنا‪،‬‬
‫وهو عالم الغيوب‪.‬‬
‫قال معاوية‪ :‬هيهات يا أهل العراق َف َّق َهكُم ابن أبي طالب فلن تُطاقوا‪ ،‬ثم َأ َم َر لها بر ّد‬
‫مكرمة»(((‪.‬‬
‫صدقتها وإنصافها‪ ،‬ور َّدها َّ‬
‫ ) يأم الهيثم النخع ّية‬
‫ويجدر بنا هنا أن نذكر امرأة جليلة (المرأة العاشرة)‪ ،‬عرفناها من خالل رثائها ألمير‬
‫تدل ليس على فضلها األدبي‬ ‫ٍ‬
‫بأبيات رائعة من الشعر ّ‬ ‫المؤمنين‪ ‬بعد وفاته‪ ،‬فقد رثته‬
‫فحسب‪ ،‬بل وعلى فهمها ووعيها بمنزلة علي‪ ‬ومكانته السام ّية‪ ،‬قال أبو فرج األصفهاني‪:‬‬
‫وقالت أم الهيثم بنت األسود النخعية ترثي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب‪:‬‬
‫أال تبكـــي أميـــر المؤمنينـــا‬ ‫أال يـــا عين ويحك فاســـعدينا‬
‫وح ّبســـها ومن ركب الســـفينا‬ ‫رزئنـــا خير من ركـــب المطايا‬
‫ومـــن قـــرأ المثانـــي والمئينا‬ ‫ومن لبس النعـــال ومن حذاها‬
‫نرى مولى رســـول اللـــه فينا‬ ‫و ُكنَّـــا قبـــل مقتلـــه بخيـــر‬
‫ويقضـــي بالفرائض مســـتبينا‬ ‫يقيـــم الديـــن ال يرتـــاب فيه‬
‫وينهك(‪ )2‬قطع أيدي الســـارقينا‬ ‫ويدعـــو للجماعة مـــن عصاه‬
‫ولـــم ُيخلـــق مـــن المتجبرينا‬ ‫وليـــس بكاتـــ ٍم ِع ْل ِمـــ ًا لديه‬

‫(((   انظر‪ :‬بالغات النساء‪ ،‬ص‪ ،72‬وتاريخ مدينة دمشق‪ ،‬ج‪ 69‬ص‪.291‬والنص مأخوذ من المصدرين‪.‬‬
‫(((   النهك‪ :‬المبالغة في الشيء‪ ،‬والمراد هنا‪ :‬المبالغة في العقوبة‪.‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪150‬‬

‫على طول الصحابـــة أوجعونا‬ ‫أصحاب مصر‬ ‫ُ‬ ‫َل َع ْم ُر أبي لقـــد‬
‫وليس كـــذاك فعـــل العاكفينا‬ ‫وغرونـــا بأنّهـــم عكـــوف‬ ‫ّ‬
‫بخيـــر النـــاس طـــر ًا أجمعينا‬ ‫أفي شـــهر الصيـــام فجعتمونا‬
‫أبو حســـن وخيـــر الصالحينا‬ ‫ومن بعـــد النبي فخيـــر نفس‬
‫نعام جـــال فـــي بلد ســـنينا‬ ‫كأن النـــاس إذ فقـــدوا عليـــ ًا‬ ‫ّ‬
‫َ‬
‫المـــال فيـــه والبنينـــا‬ ‫َب َذ ْلنَـــا‬ ‫َ‬
‫المـــال فيه‬ ‫ِ‬
‫ولـــو أنـــا ُســـئ ْلنا‬
‫َأ َم َامـــة(‪ )1‬حين فارقـــت القرينا‬ ‫ـــال حزني‬ ‫وأ َط َ‬‫ـــاب ذؤابتي َ‬ ‫َ‬ ‫َأ َش‬
‫فلما استيأســـت رفعـــت رنينا‬ ‫تطـــوف بهـــا لحاجتهـــا إليه‬
‫(‪)2‬‬
‫تجاوبهـــا وقـــد رأت اليقينا‬ ‫ـــر ُة أ َّم كلثـــوم إليهـــا‬ ‫و َع ْب َ‬
‫فـــإن بقيـــة الخلفـــاء فينـــا‬
‫ّ‬ ‫ت معاويـــ ُة بن صخر‬ ‫فال ت َْش َ‬
‫ـــم ْ‬
‫إلى ابـــن نبينـــا وإلـــى أخينا‬ ‫وأجمعنـــا اإلمارة عـــن تراض‬
‫ســـواه الدهـــر آخر مـــا بقينا‬ ‫وال نعطـــي زمـــام األمـــر فينا‬
‫تواصـــوا أن نجيـــب إذا دعينا‬ ‫ـــراتنا(‪ )3‬وذوي حجانـــا‬ ‫وإن ُس َ‬ ‫ّ‬
‫عليهـــن الكمـــاة مســـومينا‬ ‫وج َّر َد‬ ‫ٍ‬
‫(‪)5‬‬
‫بكل ُم َهنَّـــد عضـــب(‪َ )4‬‬

‫خام�ساً‪ :‬الإمام علي‪ ‬وال�سيدة عائ�شة‬


‫التعرف على حقيقة موقف اإلمام علي‪ ‬من المرأة‬ ‫وال يمكن للباحث الساعي إلى ّ‬
‫يمر مرور الكرام على عالقته بإحدى نساء عصره‪ ،‬وهي شخص ّية لها حضورها البارز في‬ ‫أن ّ‬
‫أحداث تلك المرحلة عنيت بها السيدة عائشة‪ ،‬زوجة رسول الله(ص) وابنة الخليفة أبي‬
‫فإن هذه العالقة اتّخذت طابع ًا متوتر ًا في مرحلة زمنية معينة‪ ،‬وشابها الكثير من الفتور‪،‬‬
‫بكر‪ّ .‬‬
‫األمر الذي كان له تداعيات خطيرة على واقع األمة اإلسالمية في ماضيها وحاضرها‪ ،‬وهذا‬
‫ما حدا بالبعض إلى تفسير ما َأ ْس َم ْوه بالموقف السلبي المتشدد لإلمام‪ ‬من المرأة بأنّه كان‬

‫  أمامة هي زوجة اإلمام علي‪ ،‬وهي بنت أبي العاص‪ ،‬وأمها زينب بنت رسول الله(ص)‪.‬‬ ‫(((‬
‫  أم كلثوم هي ابنة علي‪ ،‬واليقين‪ :‬الموت الذي ّ‬
‫حل بأبيها‪.‬‬ ‫(((‬
‫السراة‪ :‬األشراف‪.‬‬
‫  َّ‬ ‫(((‬
‫  العضب هو القاطع‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬ ‫(((‬
‫  مقاتل الطالبيين‪ ،‬ص ‪.28‬‬ ‫(((‬
‫‪151‬‬ ‫المحور الثالث‪ :‬المرأة في حياة اإلمام علي‪‬‬
‫ٍ‬
‫ضروس ضدّ ه‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫لحرب‬ ‫ر ّدة فعل إزاء ما فعلته السيدة عائشة معه‪ ،‬من خروجها عليه وقيادتها‬
‫وهو ما أربك مشروعه وتس ّبب بسقوط آالف الضحايا من المسلمين‪.‬‬
‫نسجل أسباب رفضنا لهذا الكالم‪ ،‬يجدر بنا أن نلقي نظرة عابرة على ما‬ ‫ّ‬ ‫وقبل أن‬
‫سجل المؤرخون أنّه وبعد مبايعة المسلمين‬ ‫حدث بين اإلمام‪ ‬والسيدة عائشة‪ .‬فقد ّ‬
‫وعلى رأسهم صحابة رسول الله(ص) من المهاجرين واألنصار لإلمام علي‪ ‬وتس ّلمه‬
‫فإن هذا األمر أثار حفيظة عائشة وثارت ثائرتها‪ ،‬فهي لم تكن مح ّبة‬ ‫لزمام أمور المسلمين‪ّ ،‬‬
‫لعلي‪ ،‬ألسباب شتى‪ ،‬األمر الذي استغ ّله المناوئون لعلي‪ ،‬وعلى رأسهم طلحة‬
‫والزبير اللذ ْين بايعا علي ًا‪ ‬في بادئ األمر ثم انقلبا عليه ونكثا البيعة‪ ،‬و َع ِمال على إقناع‬
‫بحجة‬‫عائشة لتذهب معهم إلى البصرة في حركة احتجاجية انشقاقية على الحاكم الشرعي‪َّ ،‬‬
‫المطالبة بدم عثمان! مع أنّهما وكذا السيدة عائشة((( كانوا من أشدّ الناقمين على سياسة‬
‫أن المؤشرات المختلفة تب ّين بشكل واضح أنّه لم يكن‬ ‫عثمان‪ ،‬والمحرضين عليه‪ .‬والواقع ّ‬
‫الغرض األساس للمطالبين بدم عثمان هو الثأر من قتلته‪ ،‬فعلي‪ ‬ليس مسؤوالً عن ذلك‪،‬‬
‫ألنّه كان رافض ًا لمحاصرة عثمان من األساس‪ ،‬ودافع عنه بما يستطيع‪ ،‬فالقضية ليست هنا‬
‫بل في محل آخر‪ ،‬وهو الطمع بالسلطة ومنافعها‪ ،‬والخشية من حزم علي‪ ‬وشدّ ته في‬
‫ذات الله‪ ،‬فقد كان الجماعة الذين ناهضوا علي ًا‪ ‬على معرفة تامة بأنّه صاحب مشروع‬
‫إصالحي وأنّه ال تأخذه في الله لومة الئم‪ ،‬وهو‪ ‬قد تو ّعد بإعادة األموال العظيمة التي‬
‫حق إلى بيت المال‪ ،‬وهذا ما يهدد مصالح القوم‪ ،‬فألجل‬ ‫حصل عليها البعض منهم بغير وجه ٍّ‬
‫هذا كانت عملية االنشقاق وكانت الحرب‪ ،‬وكان ال بدّ لعملية االنقالب على اإلمام من‬
‫غطاء معين «يبرر» الخروج على الحاكم الشرعي‪ ،‬وهو حاكم يمتلك صدق ّية وأهل ّية وأسبقية‬

‫(((   أ ّما موقف السيدة عائشة من عثمان فمعروف‪ ،‬وقد كانت تقول‪« :‬اقتلوا نعث ً‬
‫ال فقد كفر»‪ ،‬انظر‪ :‬تاريخ‬
‫أن عائشة‪« :‬خرجت‬ ‫الطبري‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪ 477‬والكامل في التاريخ‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.206‬ويروي ابن أبي الحديد ّ‬
‫بقميص رسول الله (ص) فقالت للناس‪ :‬هذا قميص رسول الله لم يبل‪ ،‬وعثمان قد أبلى سنته»‪ ،‬ثم‬
‫أن عثمان جيفة على‬ ‫تقول‪« :‬اقتلوا نعثالً‪ ،‬قتل الله نعثالً»‪ ،‬ثم لم ترض بذلك حتى قالت‪« :‬أشهد ّ‬
‫الصراط غد ًا»‪ ،‬انظر‪ :‬شرح نهج البالغة‪ ،‬ج‪ 20‬ص‪ ،22‬والعبارة األخيرة منقولة عن الزبير‪ ،‬فقد روي ّ‬
‫أن‬
‫«الزبير كان يقول‪ :‬اقتلوه فقد بدّ ل دينكم‪ ،‬فقالوا‪ :‬إن ابنك يحامي عنه بالباب‪ ،‬فقال ‪ :‬ما أكره أن يقتل‬
‫إن عثمان لجيفة على الصراط غد ًا»‪ ،‬انظر‪ :‬المصدر نفسه ج‪ 9‬ص‪.39‬وأ ّما طلحة‬ ‫عثمان ولو بدئ بابني‪ّ ،‬‬
‫ً‬
‫فلم يكن موقفه أقل سلب ّية من موقف عائشة‪ ،‬فقد ذكر البالذري أنّه‪« :‬ولم يزل عثمان مكرما لطلحة‬
‫حتى ُح ِصر‪ ،‬فكان طلحة أشدّ الناس عليه»‪ ،‬انظر‪ :‬أنساب األشراف‪ ،‬ج‪ 5‬ص‪.506‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪152‬‬
‫أفضل من عائشة لتضفي على هذه الحرب نوع ًا من «المشروعية»‬ ‫ُ‬ ‫ال يشاركه أحد فيها‪ ،‬و َم ْن‬
‫الشكل ّية إلقناع بعض الناس باالنخراط فيها! فعائشة زوجة رسول الله(ص)‪ ،‬وبنت الخليفة‬
‫مفوهة وتتحلى بمهارات أخرى‬ ‫األول أبي بكر‪ ،‬وعالوة على ذلك‪ ،‬فهي امرأة ذك ّية وخطيبة ّ‬
‫أن هذا الخروج‬ ‫الحجة ووضوح األمر في ّ‬ ‫ّ‬ ‫تسمح لها بالتأثير على الجماهير‪ .‬وبالرغم من قيام‬
‫لحرب اإلمام‪ ‬ليس محق ًا وال يملك حد ًا أدنى من الشرع ّية وال المبررات الموضوعية‪،‬‬
‫ووجود العديد من الشواهد والدالئل على ذلك‪ ،‬والتي كان من المفترض أن تدفع بعائشة‬
‫زجها في هذه الحرب‪ ،‬أو خروجها طائع ًة إليها‪ ،‬بيد أنّها ‪ -‬مع‬ ‫نفسها لرفض كل محاوالت ّ‬
‫ذلك ‪ -‬خرجت‪ ،‬ووقعت فيما وقعت فيه‪ ،‬وجرت الحرب التي حصدت آالف األرواح من‬
‫حزن وألم ألمير المؤمنين‪ ،‬وقد‬ ‫ٍ‬ ‫المسلمين! وكل هذه األحداث المريرة كانت مبعث‬
‫أدمت قلبه وجرحت مشاعره‪ ،‬فما أصعب أن يرى علي‪ ‬نفسه مضطر ًا لقتال أصدقاء‬
‫ٍ‬
‫حرب لم يكن لها‬ ‫األمس‪ ،‬وينظر من جهة أخرى فيرى آالف المسلمين يتهاوون صرعى في‬
‫مبرر على اإلطالق من قبل الذين أشعلوا فتيلها‪.‬‬
‫لكن بالرغم من فداحة الخطب‪ ،‬تعال معي لنرى كيف كان موقف علي‪ ‬بعد انتهاء‬
‫تصرف مع السيدة عائشة تحديد ًا؟‬‫الحرب؟ وكيف ّ‬
‫وتمر ٍد عليه جرى مع غيره من الناس لربما‬
‫أن ما جرى معه‪ ‬من تنك ٍّر لحقه ّ‬ ‫أعتقد لو ّ‬
‫تصرف بطريقة أخرى ال تخلو من قسوة أو انتقام‪ ،‬وال س ّيما مع الذين قادوا هذه الحرب‪ ،‬لك ّن‬
‫ّ‬
‫وخل َقه الكريم ال يسمح له إال أن‬
‫نبل علي‪ ‬يأبى له إال أن يتسامى ويتعالى على الجراح‪ُ ،‬‬ ‫َ‬
‫يكون عظيم ًا كما عرفناه وعرفته البشرية في كل حياته ومواقفه‪ ،‬ولهذا لم يسمح لكل آالمه‬
‫أن السيدة عائشة هي عرض رسول الله(ص) وزوجه‪ ،‬فاحترمها‬ ‫وجراحه وال لغضبه أن تنسيه ّ‬
‫وصانها‪ ،‬وحرص كامل الحرص على أن ال يتعرض لها متعرض من جيشه بكلمة تخدش‬
‫مشاعرها‪ ،‬أو بكلمة نابية تنال منها‪ ،‬وعمل‪ ‬على إعادتها إلى بيتها الذي أمرها الله تعالى‬
‫مكرمة‪ ،‬بالرغم من فداحة المصيبة‪ ،‬وعميق الجرح‬ ‫تقر فيه في المدينة المنورة معززة ّ‬
‫(((‬
‫أن ّ‬
‫الذي أصيب به علي‪ ‬وأصيبت به األمة‪ .‬وقد تناولنا هذا الموضوع بشيء من التفصيل في‬
‫كتابنا «بحوث حول السيدة عائشة ‪ -‬رؤية شيعية معاصرة»‪ ،‬فليراجع‪.‬‬

‫(((   قال تعالى‪ :‬ﵛﭐﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭﵚ [األحزاب ‪.]33‬‬


‫‪153‬‬ ‫المحور الثالث‪ :‬المرأة في حياة اإلمام علي‪‬‬
‫أجل من �أن يخ�ضع لردات الفعل!‬‫علي‪ّ � ‬‬
‫وفي ضوء هذا السلوك النبيل ألمير المؤمنين‪ ،‬علينا أن نسجل رفضنا لما قاله‬
‫أن موقف علي‪ ‬من المرأة عموم ًا والذي تعكسه بعض‬ ‫البعض أو حاول اإليحاء به من ّ‬
‫ال وإيمان ًا وأهل ّية‪ ،‬إنّما هو موقف ناتج عن‬
‫النصوص المروية عنه والتي تنتقص من المرأة عق ً‬
‫تجربته المريرة مع السيدة عائشة(((‪« ،‬حيث عارضت حكمه وخالفته‪ ،‬وأ َّلبت عليه الجموع‬
‫ُّ‬
‫تحط من شأنها‬ ‫وج ّيشت الجيوش‪ ،‬ولوال موقفها هذا لم ينظر إلى المرأة هذه النظرة التي‬
‫وقدرها»(((‪.‬‬
‫إننا نرفض هذا المنطق وال يمكننا أن نصدّ قه‪ ،‬وذلك‪:‬‬
‫أن سيرة علي‪ ‬مع عائشة عقيب انتهاء معركة الجمل وما أورثته في‬ ‫أوالً‪ :‬لما تقدّ م من ّ‬
‫وحزن‪ِّ ،‬‬
‫تكذ ُب هذا الزعم‪ ،‬فقد رأينا أنّه لم يأخذه غرور المنتصرين فيلجأ إلى‬ ‫ٍ‬
‫نفسه من ك ََمد ُ‬
‫االنتقام‪ ،‬بل كان الحلم هو رائده والعفو هو قائده‪ ،‬فسامح وتجاوز وصفح‪ ،‬وت ََر َك الحساب‬
‫إلى الله تعالى‪ ،‬كما قال في بعض كلماته(((‪.‬‬
‫أجل وأسمى من أن يحدد موقفه من المرأة بشكل عام على ضوء‬ ‫إن علي ًا‪ ‬هو ُّ‬‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫تجربة مريرة له مع امرأة معينة‪ ،‬وحاشا له‪ ‬أن ُي َقدِّ َم رأي ًا سلبي ًا في المرأة من موقع االرتجال‬
‫ور ّدات الفعل‪ ،‬وهل كان علي‪ ‬بهذا المستوى من الهشاشة واالنفعال بحيث تترك لديه‬
‫تجرب ٌة مريرة مع إحدى النساء انطباع ًا متشائم ًا وموقف ًا سلبي ًا وعقدة خاصة من جنس النساء؟!‬
‫ألن علي ًا‪‬‬
‫إن تقديم علي‪ ‬بهذه الطريقة فيه إهانة له‪ ‬قبل أن يكون فيه إهانة للمرأة‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫ال ينطلق في مواقفه من ردة فعل معينة وال يعطي رأي ًا عام ًا سلبي ًا بالمرأة بسبب تجربة قاسية‬
‫مع امرأة معينة‪ ،‬إنّه أرفع شأن ًا وأجل مقام ًا من ذلك‪ّ ،‬‬
‫وإل ألعطى رأي ًا سلبي ًا بالرجل أيض ًا‪،‬‬
‫المرة مع عدد من الرجال‪ ،‬سوا ًء على خلف ّية إقصائه عن حقه في خالفة رسول‬ ‫نتيجة تجربته ّ‬
‫تمرد بعضهم عليه‪ ،‬أو عدم تجاوبهم مع دعوته المستمرة لهم‬ ‫الله(ص)‪ ،‬أو على خلفية ّ‬
‫‪-‬عقيب معركة صفين‪ -‬للنهوض في مواجهة البغاة والمعتدين‪.‬‬

‫علي في المرأة جاء من خالل بغضه‬ ‫(((   نقل الشيخ محمد جواد مغنية عن بعضهم أنّه قال‪ّ :‬‬
‫«إن رأي ٍّ‬
‫لعائشة‪ ،‬ألنها حاربته»‪ ،‬انظر‪ :‬في ظالل نهج البالغة‪ ،‬ج‪ 4‬ص‪.359‬‬
‫(((   المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ 4‬ص‪.357‬‬
‫(((   نهج البالغة‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.48‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪154‬‬
‫وقد فنّدَ الشيخ مغنية هذا الرأي الذي يحاول اإليحاء ّ‬
‫بأن ّثمة عقدة خاصة لإلمام‪‬‬
‫من المرأة على خلف ّية ما فعلته عائشة معه‪ ،‬وأجاب عليه بعدة إجابات‪:‬‬
‫«إن موقف عائشة من اإلمام‪ ‬ليس بأعظم من موقف طلحة والزبير اللذين بايعا ثم نكثا‬ ‫‪ّ --1‬‬
‫وحرضا عائشة على الخروج‪ ،‬وال بأعظم من موقف معاوية وابن العاص‪ ،‬وال بأعظم من‬ ‫ّ‬
‫موقف الخوارج‪ .‬ولو صح تفسير رأي اإلمام في المرأة بكراهية عائشة لوجب أن يكون‬
‫رأيه في الرجل تمام ًا كرأيه في المرأة‪ ،‬ألن طلحة والزبير ومعاوية وابن العاص ومن ّ‬
‫لف‬
‫لفهم فعلوا ما فعلت عائشة وزيادة‪.‬‬
‫‪--2‬هل بلغ الذهول بعلي ‪ -‬وهو باب مدينة العلم ‪ -‬أن يحكم على النساء‪ ،‬كل النساء‪ ،‬من‬
‫خالل امرأة واحدة تلقب بصاحبة الجمل‪ ،‬ويقيس النوع على الفرد؟! ّ‬
‫إن هذا منطق أهل‬
‫الجهل والغباء ال منطق المعصومين والعلماء‪.‬‬
‫‪--3‬متى كان لعلي ‪ -‬الذي يدور الحق معه كيفما دار ‪ -‬شهوات وميول حتى يستمد منها آراءه‬
‫وينطق بوحيها‪ .‬أحين أكرم عائشة وأطلقها من األسر‪ ،‬أو حين تمكن سيفه من رقبة ابن‬
‫العاص وبسر بن أرطأة فعفا عنهما‪ ،‬أو حين سقى الماء لمعاوية بعد أن منعه منه»(((‪.‬‬

‫(((   في ظالل نهج البالغة‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪.375‬‬


‫المحور الرابع‬

‫ما روي عن ر�سول اهلل(�ص) في ذ ّم المر�أة‬

‫‪--1‬حديث‪� « :‬أكثر �أهل النار من الن�ساء»‬


‫‪--2‬حديث‪« :‬الن�ساء حبائل ال�شيطان»‬
‫‪--3‬حديث‪« :‬لي�س �أ�ض ّر من الن�ساء على الرجال»‬
‫‪--4‬حديث‪ « :‬المر�أة �ضلع �أعوج»‬
‫‪--5‬حديث‪�« :‬شاوروهن وخالفوهن»‬
‫‪--6‬حديث‪« :‬ما �أفلح قوم ولوا �أمرهم امر�أة»‬
‫‪--7‬حديث‪« :‬الن�ساء عورة»‬
‫‪--8‬حديث‪ « :‬تقبل المر�أة وتدبر ب�صورة �شيطان»‬
‫‪--9‬حديث‪« :‬ال تعلموهنّ الكتابة»‬
‫‪--10‬حديث‪« :‬ال�ش�ؤم في المر�أة والدار والدابة»‬
‫‪--11‬حديث‪« :‬لوال حواء لم تخن �أنثى»‬
‫ما ورد عن ر�سول اهلل (�ص) في ذ ّم المر�أة‬
‫خصصنا المحور الرابع لألحاديث المنسوبة إلى الرسول األكرم(ص)‪ ،‬وثمة‬ ‫لقد ّ‬
‫والتعرف على شخصية المرأة من منظار الرسول(ص) هو من‬ ‫ّ‬ ‫أحاديث أخرى تُعزى إليه‬
‫ألن علي ًا‪ ‬هو تلميذ الرسول(ص) وباب مدينة علمه(((‪ ،‬األمر‬ ‫األهمية بمكان في بحثنا؛ ّ‬
‫أن صورة المرأة عند علي‪ ‬ال تتضح وال تكتمل إال بمالحظة رأي أستاذه‬ ‫الذي يعني ّ‬
‫رسول الله(ص) في هذا الشأن‪ ،‬فرأي النبي(ص) في المرأة سوف ُي َم ِّكنُنا من معرفة رأي‬
‫علي‪ ،‬ويعطينا مؤشر ًا معياري ًا لما يمكن أن يقوله علي‪ ‬أو ال يقوله‪.‬‬
‫نتصور ّ‬
‫أن‬ ‫ّ‬ ‫إن رأي علي‪ ‬هو ‪ -‬بطبيعة الحال ‪ -‬رأي الرسول(ص)‪ ،‬وال‬ ‫وبكلمة ثانية‪ّ :‬‬
‫علي ًا‪ ‬يخالف الرسول(ص) في ذلك أو في غيره قيد أنملة‪ ،‬كيف وهو الذي كان يتبعه اتباع‬
‫الفصيل (ابن الناقة) أثر أ ّمه‪ ،‬وال يفارقه طرفة عين أبد ًا‪ ،‬حتى إنّه‪ ‬تصدّ ق بما يملك من مال‬
‫ليتسنى له الخلوة برسول الله(ص) بعد أن نزلت آية كريمة تنهى عن مناجاة النبي(ص) إال‬
‫بعد أن يقدّ م الشخص المناجي صدقة‪ ،‬وعمل علي‪ ‬وحده بهذه اآلية فتصدق بما يملك‪،‬‬
‫ونزلت إثر ذلك آية قرآنية أخرى((( تخ ِّلد هذه الحادثة‪.‬‬
‫وإذا كنّا قد استعرضنا في المحور الثاني من هذا الكتاب جملة من أحاديث النبي(ص)‬
‫وكلماته المؤكِّدة على تكريم المرأة واحترامها وتقديرها‪ ،‬باإلضافة إلى سيرته العطرة‬

‫(((   كما قال رسول الله(ص) فيما روي عنه‪« :‬أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب»‪،‬‬
‫قال الحاكم النيسابوري بعد روايته لهذا الحديث‪« :‬هذا حديث صحيح اإلسناد ولم يخرجاه‪ ،‬يقصد‬
‫البخاري ومسلم»‪ ،‬انظر‪ :‬المستدرك‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪.126‬‬
‫(((   وهي قوله تعالى‪ :‬ﵛﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ‪...‬ﵚ [المجادلة‬
‫أن هذه اآلية لم يعمل بها أحد ّإل اإلمام علي‪ ،‬ففي المستدرك للحاكم بإسناده‬ ‫‪ ،]12‬فقد روي ّ‬
‫«إن في كتاب الله آلية ما عمل بها أحد وال يعمل بها أحد‬ ‫عن علي‪ ‬قال رسول الله(ص)‪ّ :‬‬
‫بعدي‪ :‬آية النجوى‪ :‬ﵛﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ‪...‬ﵚ‪ ،‬قال‪ :‬كنت‬
‫كلما ناجيت النبي (ص) قدمت بين يدي نجواي درهم ًا‪ ،‬ثم نسخت فلم يعمل بها أحد‪ ،‬فنزلت‪:‬‬
‫ﵛﭐﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠﵚ [المجادلة ‪ ،»]13‬انظر المستدرك على الصحيحين‪،‬‬
‫ج‪ 2‬ص‪.482‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪158‬‬
‫والطيبة في التعامل معها‪ ،‬لكنّه وبإزاء ذلك توجد جملة من األحاديث المرو ّية عنه(ص)‬
‫أو المنسوبة إليه وهي على خالف ما تقدم‪ ،‬وال تبتعد في المضمون عن النصوص المروية‬
‫عن أمير المؤمنين‪ ‬بشأنها‪ ،‬مما سيأتي الحديث عنها بشكل مفصل في المحور الالحق‪،‬‬
‫فهي نصوص تلتقي مع تلك في منحاها العام الذاهب إلى ذ ّم المرأة واالستهانة بطاقاتها‬
‫وكفاءتها‪ ،‬األمر الذي يثير إشكاالً في وجه اإلسالم ويدعو إلى االعتقاد ّ‬
‫أن لديه نظرة دون ّية‬
‫تجاه المرأة‪ ،‬هذا فيما لو كانت تلك النصوص صادرة حق ًا عن الرسول(ص)‪ ،‬لبيان القاعدة‬
‫العامة في المرأة‪.‬‬
‫وقبل أن نضع هذه النصوص على مشرحة البحث العلمي‪ّ ،‬‬
‫فإن علينا التنبيه والتذكير‬
‫أهم‬
‫بأن هذه النصوص ال بدّ أن نتعامل معها على أساس الضوابط العامة المتقدمة‪ ،‬ومن ّ‬ ‫ّ‬
‫هذه الضوابط‪ :‬ضرورة إخضاعها إلى معيار التدقيق السندي‪ ،‬والعرض على الكتاب الكريم‪،‬‬
‫ورفض التعامل معها على أساس قاعدة التسامح في أدلة السنن‪ ،‬وضرورة النظر إليها‬
‫بشمول ّية وإحاطة كاملة‪ ،‬واالبتعاد عن النظرة التجزيئية في التعامل معها‪ ،‬وضرورة مالحظة‬
‫البعد التاريخي فيها وما إذا كانت صادرة على نهج القضية الحقيقية أو الخارجية‪ ،‬على حدّ‬
‫أن من الضروري أخذ أمر آخر بعين االعتبار‪ ،‬وهو ما أشرنا إليه قبل‬ ‫تعبير األصوليين‪ ،‬كما ّ‬
‫قليل من مالحظة مكانة المرأة في حياة النبي(ص)‪ ،‬إذ ال يكفي لبناء تصور إسالمي عن‬
‫وغض النظر أو تناسي السيرة الفعل ّية‬
‫السنة القول ّية لرسول الله(ص) فحسب‪ّ ،‬‬
‫المرأة مالحظة ُّ‬
‫له(ص) في تعامله وتعاطيه مع المرأة‪.‬‬
‫فإن من الضروري مالحظة القاعدة العقل ّية المتقدم ذكرها‪ ،‬وهي ّ‬
‫أن الذم ال‬ ‫وهكذا ّ‬
‫ال ‪ -‬ال تذ ّم‪ ،‬لكونها تحيض‪ّ ،‬‬
‫فإن الحيض ليس‬ ‫يكون على ما ليس باالختيار‪ ،‬فالمرأة ‪ -‬مث ً‬
‫ٍ‬
‫وعيب فيها‪.‬‬ ‫أمر ًا اختياري ًا لها‪ ،‬وإنّما هو حالة تكوين ّية ُفطرت عليها‪ ،‬وال ُيعدّ ذلك حالة نقص‬
‫بعد التذكير بهذه المعايير والضوابط‪ ،‬فإنّنا ننتقل إلى استعراض جملة من األحاديث‬
‫المروية عن الرسول(ص) بشأن المرأة‪ ،‬التي ال تخلو من داللة صريحة أو إيحائية على ذ ّمها‪،‬‬
‫ووجود نظرة سلبية تجاهها‪.‬‬

‫‪--1‬حديث «�أكثر �أهل النار من الن�ساء»‬


‫والحديث األول الذي نذكره في المقام هو الحديث القائل‪ّ :‬‬
‫«إن أكثر أهل النار من‬
‫النساء»‪ ،‬ولنا مع هذا الحديث وقفتان‪ :‬األولى‪ :‬وقفة سندية‪ ،‬والثانية‪ :‬وقفة مضمون ّية‪.‬‬
‫‪159‬‬ ‫المحور الرابع‪ :‬ما روي عن رسول الله(ص) في ذ ّم المرأة‬
‫الوقفة ال�سندية‬
‫(السنة والشيعة)‪:‬‬ ‫أقول‪ّ :‬‬
‫إن هذا المضمون مروي من طرق الفريقين ُّ‬
‫السنة‪ ،‬فقد رواه البخاري ومسلم وغيرهما باإلسناد عن ابن عباس قال‪:‬‬ ‫أوالً‪ :‬من طرق ُّ‬
‫يت النار فإذا أكثر أهلها النساء‪ .‬يكفرن! قيل‪ :‬أيكفرن بالله؟ قال‪ :‬يكفرن‬ ‫قال النبي (ص)‪ُ « :‬أ ِر ُ‬
‫رأت منك شيئ ًا قالت‪ :‬ما ُ‬
‫رأيت‬ ‫أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم ْ‬ ‫َ‬ ‫العشير ويكفرن اإلحسان‪ ،‬لو‬
‫منك خير ًا»(((‪.‬‬
‫فرأيت أكثر ِ‬
‫أهلها النساء‪ ،‬وا ّطلعت في الجنّة فرأيت‬ ‫وروي عنه(ص)‪« :‬ا ّطلعت في النار‬
‫ُ َ‬
‫أقل أهلها النساء! فقلت‪ :‬أين النساء؟ فقيل‪َ :‬ش َغ َل ُه َّن األحمران‪ :‬الذهب والزعفران»(((‪.‬‬ ‫ّ‬
‫وانشغال النساء باألحمرين مروي عنه(ص) في رواية أخرى‪ ،‬لكن دون إشارة إلى كون‬
‫أكثر ّية النساء في النار‪ ،‬فعن أبي هريرة عن رسول الله(ص) في اإلشارة إلى النساء‪« :‬أهلكه ّن‬
‫األحمران‪ :‬الذهب والزعفران»(((‪ ،‬والذهب كناية عن الحلي‪ ،‬والزعفران كناية عن الطيب(((‪.‬‬
‫ينصان على المعنى المذكور في‬ ‫ثاني ًا‪ :‬وأ ّما من طرق الشيعة‪ ،‬فقد روى الكليني خبرين ّ‬
‫رواية ابن عباس المتقدمة‪ ،‬والخبران هما‪:‬‬
‫الخبر األول‪ :‬ما رواه عن ُم َح َّمد ْبن َي ْح َيى َع ْن َأ ْح َمدَ ْب ِن ُم َح َّم ٍد َع ْن َع ِل ِّي ْب ِن ا ْل َح َك ِم َع ْن‬
‫ول ال َّله(ص)‬ ‫ب َر ُس ُ‬ ‫ول َخ َط َ‬ ‫َع ِل ِّي ْب ِن َأبِي َح ْم َز َة َع ْن َأبِي َب ِص ٍير َق َال َس ِم ْع ُت َأ َبا َع ْب ِد ال َّله‪َ ‬ي ُق ُ‬
‫اء ت ََصدَّ ْق َن و َل ْو ِم ْن ُحلِ ِّيك َُّن و َل ْو بِت َْم َر ٍة و َل ْو بِ ِش ِّق ت َْم َر ٍة‪َ ،‬فإِ َّن َأ ْك َث َرك َُّن‬‫اشر النِّس ِ‬‫ِ‬
‫الن َِّسا َء َف َق َال‪َ « :‬يا َم َع َ َ‬
‫ت‬ ‫ح َطب جهنَّم‪ ،‬إِ َّنكُن ُتكْثِر َن ال َّلعن و َت ْك ُفر َن ا ْلع ِشير َة (األصح هو العشير وهو الزوج) َف َقا َل ِ‬
‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ ُ َ َ َ‬
‫ات أ َل ْي َس‬ ‫ِ‬
‫ات ا ْل َحام َل ُت ا ْل ُم ْرض َع ُ‬‫ِ‬ ‫ول ال َّله أ َل ْي َس ن َْح ُن األُ َّم َه ُ‬ ‫ا ْم َر َأ ٌة ِم ْن َبنِي ُس َل ْي ٍم َل َها َع ْق ٌل‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫ول ال َّله(ص) َف َق َال‪َ :‬ح ِام َل ٌت‬ ‫ات‪َ ،‬ف َر َّق َل َها َر ُس ُ‬ ‫ات ا ْل ُم ْش ِف َق ُ‬ ‫ات واألَ َخ َو ُ‬ ‫يم ُ‬ ‫ِ‬
‫َات ا ْل ُمق َ‬‫ِمنَّا ا ْل َبن ُ‬
‫ت ُم َص ِّل َي ٌة ِمن ُْه َّن الن ََّار»(((‪.‬‬ ‫ين إِ َلى ُب ُعو َلتِ ِه َّن َما َد َخ َل ْ‬ ‫ِ‬
‫ات َل ْو َل َما َي ْأت َ‬
‫يم ٌ‬ ‫ات مر ِضع ٌ ِ‬
‫ات َرح َ‬ ‫َوالدَ ٌ ُ ْ َ‬
‫ِ‬

‫  صحيح البخاري‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪ ،28‬وصحيح مسلم‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪ ،34‬وانظر‪ :‬مسند أحمد‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.234‬‬ ‫(((‬
‫  قوت القلوب ألبي طالب المكي‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.240‬‬ ‫(((‬
‫ّ‬
‫  المصنف لعبد الرازق الصنعاني‪ ،‬ج‪ 11‬ص‪ ،72‬واالستيعاب‪ ،‬ج‪ 4‬ص‪ ،1886‬وعلق ابن حزم على هذا‬ ‫(((‬
‫حجة فيه»‪ ،‬انظر‪ :‬المحلى‪ ،‬ج‪ 10‬ص‪.83‬‬ ‫الحديث قائالً‪« :‬وهذا مرسل ال ّ‬
‫  ويقال للذهب والزعفران األصفران أيض ًا‪ ،‬وللماء واللبن األبيضان‪ ،‬وللتمر والماء األسودان‪ ،‬وقد‬ ‫(((‬
‫قيل‪« :‬أهلك الرجال األحمران‪ :‬اللحم والخمر‪ ،‬وأهلك النساء األحمران‪ :‬الذهب والزعفران»‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫البخالء للجاحظ‪ ،‬ص‪.147‬‬
‫  الكافي‪ ،‬ج‪ 5‬ص‪.514‬‬ ‫(((‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪160‬‬
‫وب‬ ‫الخبر الثاني‪ :‬ما رواه أيض ًا عن ُم َح َّمد ْبن َي ْح َيى َع ْن َأ ْح َمدَ ْب ِن ُم َح َّم ٍد َع ِن ا ْب ِن َم ْح ُب ٍ‬
‫ول ال َّله(ص) َي ْو َم‬ ‫ب َع ْن َجابِ ٍر ا ْل ُج ْع ِف ِّي َع ْن َأبِي َج ْع َف ٍر‪َ ‬ق َال‪َ :‬خ َر َج َر ُس ُ‬ ‫َع ْن َع ْب ِد ال َّله ْب ِن َغالِ ٍ‬
‫ف َع َلي ِهن ُثم َق َال‪« :‬يا مع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الن َّْح ِر إِ َلى َظ ْه ِر ا ْل َم ِدين َِة َع َلى َج َم ٍل َع ِ‬
‫اش َر‬ ‫َ َ َ‬ ‫اري ا ْلج ْس ِم َف َم َّر بِالن َِّساء َف َو َق َ ْ َّ َّ‬
‫ت إِ َل ْيه‬‫ك َب َك ْي َن‪ُ ،‬ث َّم َق َام ْ‬ ‫َّار َف َل َّما َس ِم ْع َن َذلِ َ‬
‫اجك َُّن َفإِ َّن َأ ْك َث َرك َُّن فِي الن ِ‬ ‫اء تَصدَّ ْقن َ ِ‬
‫وأط ْع َن َأز َْو َ‬ ‫الن َِّس َ َ‬
‫ِ‬
‫ُون ِم ْن َأ ْه ِل‬
‫ار َفنَك َ‬ ‫ار وال َّله َما ن َْح ُن بِ ُك َّف ٍ‬ ‫ول ال َّله(ص) فِي الن ِ‬
‫َّار َم َع ا ْل ُك َّف ِ‬ ‫ت‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫ْام َر َأ ٌة ِمن ُْه َّن َف َقا َل ْ‬
‫اجكُن»(((‪.‬‬ ‫ات بِ َح ِّق َأز َْو ِ‬ ‫ول ال َّله(ص)‪ :‬إِ َّنك َُّن كَافِ َر ٌ‬ ‫َّار! َف َق َال َل َها َر ُس ُ‬ ‫الن ِ‬

‫معتبر سند ًا بخالف األول(((‪ ،‬وعليه‪ ،‬فال يمكن رمي حديث ابن عباس‬
‫ٌ‬ ‫والخبر الثاني‬
‫ألن مضمونه معتضدٌ بما روي صحيح ًا من‬
‫السنة بالوضع أو الضعف‪ّ ،‬‬ ‫المروي من طرق ُّ‬
‫طرق أهل البيت ‪.‬‬

‫الوقفة الثانية‬
‫إن صحة السند في بعض الروايات المتقدمة ال تمنع من تسجيل عدة مالحظات على‬ ‫ّ‬
‫مضمونها‪ ،‬وإليك البيان‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬قال بعض األعالم تعليق ًا على حديث ابن عباس المتقدّ م‪« :‬لم يثبت‪ ،‬والواقع‬
‫أن نسبة وقوع المعاصي من ِقبل الرجال أكثر منه عند النساء‪،‬‬ ‫المشهود في تاريخ البشر هو ّ‬
‫ٍ‬
‫معاص موبقة ال يقوم بها غالب ًا ّإل الرجال كاللواط والسرقة والقتل وغيرها‪ .‬أ ّما النساء‬ ‫فثمة‬
‫فيالزمن المنازل غالب ًا ويقم َن بالوظائف البيتية أو العمل في المزارع والمعامل‪ .‬أضف إلى‬
‫أن المعاناة التي تالقيها المرأة أ ّيام الحمل والوضع بمثابة مطهر لها من الذنوب ولو‬ ‫ذلك ّ‬
‫أن رسول ال ّله(ص) قال‪:‬‬ ‫ماتت في هذا السبيل ماتت شهيدة‪ .‬روى النسائي عن عقبة بن عامر ّ‬
‫«والنفساء في سبيل ال ّله شهيد»(((‪.‬‬
‫إن الروايات اآلنفة تبرر كون أكثر ّية النساء في النار بأنّهن ال يحس ّن معاشرة الزوج‬ ‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫أن هذا األمر لو كان أكثري ًا في النساء‪،‬‬
‫والتعامل معه وأداءه حقه‪ ،‬وال َي ْشك ُْر َن إحسانه‪ ،‬ومعلو ٌم ّ‬
‫فإنّه ال ُي َعدُّ كفر ًا وال شرك ًا‪ ،‬وإنّما هو معصية كبيرة‪ ،‬والمعاصي ‪ -‬كما هو معلوم ‪ -‬ال توجب‬
‫سوى دخول النار وليس الخلود فيها‪ ،‬وعليه فإنّنا نسأل‪ :‬أليس معظم الرجال ‪ -‬أيض ًا ‪ُ -‬ي ِس ْئن‬

‫(((   الكافي‪ ،‬ج ‪ 5‬ص ‪.514‬‬


‫(((   وقد أشار إلى ذلك العالمة المجلسي‪ ،‬انظر‪ :‬مرآة العقول‪ ،‬ج ‪ 20‬ص ‪.320‬‬
‫(((   الحديث النبوي بين الرواية والدراية للشيخ السبحاني‪ ،‬ص‪.250‬‬
‫‪161‬‬ ‫المحور الرابع‪ :‬ما روي عن رسول الله(ص) في ذ ّم المرأة‬
‫التعامل مع زوجاتهم أو يرتكبن الذنوب الكبيرة‪ ،‬فبماذا يفرق الرجل عن المرأة في ذلك؟!‬
‫إن معظم الناس ‪ -‬رجاالً ونسا ًء ‪ -‬يستح ّقون المحاسبة ودخول النار‬
‫فالالزم على هذا أن يقال‪ّ :‬‬
‫وليس النساء فحسب‪ ،‬هذا لو أراد الله تعالى أن يحاسبهم بعدله ولم يشملهم بلطفه ورحمته‪.‬‬
‫نص عليه القرآن الكريم‬ ‫وتساوي الرجال والنساء في ارتكاب المعاصي هو مما ّ‬
‫أن المعصية إنّما تصدر عن الرجل والمرأة بلحاظ‬ ‫في العديد من آياته‪ ،‬التي يستفاد منها ّ‬
‫بشريتهما‪ ،‬ال بلحاظ عنصر الذكورة أو األنوثة فيهما‪ .‬فالحظ ‪ -‬على سبيل المثال ‪ -‬قول‬
‫وجل‪ :‬ﵛﭐﱃ ﱄ ﱅ ﱆﵚ(((‪ ،‬وقوله تعالى‪ :‬ﵛﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ* ﲗ ﲘ‬ ‫عز ّ‬ ‫الحق ّ‬
‫ّ‬
‫ﲙ ﲚﵚ(((‪ ،‬وقوله سبحانه‪ :‬ﵛﭐﲞ ﲟ ﲠ ﲡ* ﲣ ﲤ ﲥﵚ(((‪ ،‬إلى غير ذلك من‬
‫أن اإلنسان بصرف‬ ‫اآليات القرآنية واألحاديث الشريفة التي تؤكد على ما ذكرناه للتو من ّ‬
‫النظر عن جنسه هو الذي يمارس الطغيان والعدوان والظلم‪ ،‬كما أنّه ‪ -‬في المقابل ‪ -‬هو َم ْن‬
‫تصدر عنه الطاعة والعدالة والوفاء‪.‬‬
‫أن ُظ ْل َم الرجال لزوجاتهم وتقصيرهم في حقه ّن هو‬ ‫بل إننا نالحظ من خالل الواقع ّ‬
‫فإن كثير ًا من الرجال يتجاوزن حقوق‬
‫أعظم وأشدّ وأكثر من تعدي النساء في هذا المجال‪ّ ،‬‬
‫النساء ‪ -‬أك ّن زوجات أو بنات أو أخوات ‪ -‬و ُي َعنِّ ْفن َُه َّن ويعتدين عليه ّن بالضرب أو غيره‬
‫سر هذا التركيز القرآني‬
‫من أشكال االعتداء الجسدي أو المعنوي‪ ،‬وهذا ما يجعلنا ندرك ّ‬
‫على توجيه الخطاب في الكثير من اآليات إلى الرجال ونهيهم عن التقصير بحق النساء أو‬
‫ظلمه ّن‪ ،‬أو تأكيده تعالى على ضرورة معاشرتهن بمعروف أو تسريحهن بإحسان‪ ،‬أو نهيه‬
‫للرجال عن اإلضرار بالنساء‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﵛﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ‬
‫وجل‪ :‬ﵛﭐﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺﵚ((( وكذلك‬ ‫عز ّ‬‫ﱊﵚ(((‪ ،‬ونظيره ما جاء في قوله ّ‬
‫نهيه األزواج عن محاوالت الضغط على النساء بهدف أن يتنازلن عن مهورهن‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫ﵛﭐﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ‬
‫ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰﲱ ﲲ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ‬

‫ سورة العصر‪ ،‬اآلية ‪.2‬‬ ‫(((‬


‫ سورة القيامة‪ ،‬اآليتان ‪.6-5‬‬ ‫(((‬
‫ سورة العلق‪ ،‬اآليتان ‪.7-6‬‬ ‫(((‬
‫ سورة الطالق‪ ،‬اآلية ‪.6‬‬ ‫(((‬
‫ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.233‬‬ ‫(((‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪162‬‬
‫إن مر ّد هذا التوجه إلى مخاطبة الرجال بمراعاة حقوق النساء وعدم‬ ‫ﲼ ﲽ ﲾﵚ(((‪ّ ،‬‬
‫إيذائهن أو استضعافهن‪ ،‬مر ّده إلى ّ‬
‫أن واقع الحال وطبيعة األمور وال سيما إبان نزول اآليات‬
‫تجعل الرجل في الموقع األقوى وقد يستغل قوته لالعتداء على المرأة‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬وهذه المالحظة هي األهم في المقام‪ ،‬وخالصتها‪ :‬أنّه قد ورد في بعض أحاديث‬
‫يكذب الحديث المذكور المنقول عن الرسول(ص)‪ ،‬فقد روى‬ ‫األئمة من أهل البيت‪ ‬ما ّ‬
‫الصدوق بسند صحيح عن الفضيل عن أبي عبد الله‪ ‬قال‪ :‬قلت له‪« :‬شيء يقوله الناس‪:‬‬
‫ُ‬
‫الرجل في اآلخرة ألف ًا من‬ ‫يتزوج‬ ‫ّ‬
‫إن أكثر أهل النار يوم القيامة النساء‪ ،‬قال‪ :‬وأنى ذلك!؟ وقد ّ‬
‫نساء الدنيا في قصر من درة واحدة»(((‪.‬‬
‫أن غالب أهل الجنة هم من النساء‪ ،‬فقد روى‬ ‫وقد ُروي عن صادق أهل البيت ‪ ‬أيض ًا ّ‬
‫الصدوق ‪ -‬أيض ًا ‪ -‬بإسناده عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله‪ ‬قال‪« :‬أكثر أهل الجنّة‬
‫من المستضعفين النساء‪ ،‬علم الله عز وجل ضعفهن َف َر ِح َم ُه َّن»(((‪.‬‬
‫ثم ّ‬
‫إن المرأة هي ‪ -‬في األعم األغلب ‪ -‬أ ٌم‪ ،‬وقد ورد في الحديث النبوي الشريف‪:‬‬ ‫ّ‬
‫«الجنّة تحت أقدام األمهات»(((‪.‬‬
‫نرجح ما جاء في هذه األخبار على خبر ابن عباس‪ ،‬فال أقل من أن يكون‬
‫ونحن إن لم ّ‬
‫مفر والحال هذه من التساقط‪ ،‬ويكون المرجع هو قواعد‬ ‫النقل عنه(ص) متعارض ًا‪ ،‬وال ّ‬
‫العدل اإللهي‪.‬‬
‫سجلت في كتابي «هل الجنة للمسلمين وحدهم؟»((( مالحظة رابعة على‬‫رابع ًا‪ :‬وقد ّ‬
‫مر التاريخ ك ّن وال زلن من المستضعفات‬ ‫هذا الحديث‪ ،‬وخالصتها‪ّ :‬‬
‫أن غالب النساء على ّ‬

‫ سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.19‬‬ ‫(((‬


‫  من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪.468‬‬ ‫(((‬
‫  من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪ ،468‬ورواه الطبرسي في مكارم األخالق‪ ،‬ص ‪.235‬‬ ‫(((‬
‫  رواه في مستدرك الوسائل‪ ،‬ج‪ 15‬ص‪ ،180‬الحديث‪ 4‬من الباب ‪ 70‬من أبواب أحكام األوالد‪ ،‬نقلها‬ ‫(((‬
‫أن أحدهم جاء إلى النبي(ص) فقال‪ :‬يا رسول‬ ‫عن كتاب لب اللباب‪ ،‬للقطب الراوندي‪ ،‬وقد روي ّ‬
‫الله أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك‪ ،‬فقال(ص)‪ :‬هل لك أم؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال(ص)‪ :‬فالزمها‪ّ ،‬‬
‫فإن‬
‫الجنة تحت رجليها»‪ ،‬انظر‪ :‬سنن النسائي‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪ ،11‬وفي مجمع الزوائد‪ ،‬ج‪ 8‬ص‪ :138‬فالز ْم رجلها‬
‫فثم الجنة‪.‬‬
‫َّ‬
‫  الحظ كتاب‪ :‬هل الجنة للمسلمين وحدهم؟‪ ،‬ص‪.247‬‬ ‫(((‬
‫‪163‬‬ ‫المحور الرابع‪ :‬ما روي عن رسول الله(ص) في ذ ّم المرأة‬
‫أن الظروف التاريخية والبيئة الخاصة التي َي ِع ْشنَها وهي بيئة تسيطر عليها‬
‫ثقافي ًا‪ ،‬بمعنى ّ‬
‫الذهنية الذكورية قد وضعت النساء في حالة من البؤس والتخ ّلف على الصعيد الثقافي‬
‫والمعرفي‪ ،‬ما جعله ّن ال يمتلكن قدرة كافية على بناء العقيدة السليمة أو االجتهاد وإبداء‬
‫الرأي المستقل‪ ،‬ولهذا نالحظ إلى يومنا هذا ّ‬
‫أن النسبة العالية من األم ّية متفشية في النساء‪،‬‬
‫وهذا ما جعله ّن ‪ -‬في األعم األغلب ‪ -‬مق ِّلدات تابعات‪ ،‬ولذلك فه َّن ‪ -‬بسبب ذلك ‪-‬‬
‫موقنات بصحة ما ه ّن عليه من عقيدة أو سلوك‪ ،‬وغير معاندات للحق لو َع َر ْفنَه‪ ،‬و َم ْن‬
‫كان كذلك فهو ال يستحق العقاب والمؤاخذة‪ ،‬بل تقبح إدانته بسبب قصوره‪ ،‬وقد انتصر‬
‫التشريع اإلسالمي لهؤالء المستضعفين ودعا إلى ضرورة إخراجهم مما هم فيه‪ ،‬ولو اقتضى‬
‫األمر إعالن الجهاد واستخدام أساليب غير تقليد ّية في مواجهة الظالمين الذين يقهرونهم‬
‫ويستضعفونهم‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﵛﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ‬
‫أن‬‫نص على ّ‬ ‫ﱌﵚ(((‪ ،‬وقد ذكرنا للتو حديث الساباطي عن اإلمام الصادق‪ ‬والذي ّ‬
‫النساء ‪ -‬في أكثرهن ‪ -‬مستضعفات‪.‬‬

‫‪--2‬حديث‪« :‬الن�ساء حبائل ال�شيطان»‬


‫ومن جملة األحاديث المرو ّية عن الرسول األكرم(ص)‪ ،‬حديث‪« :‬النساء حبائل‬
‫الشيطان»(((‪ ،‬وفي نقل آخر‪« :‬النسا ُء ِح َبال ُة الشيطان»(((‪.‬‬
‫ولدينا عدة وقفات مع هذا الحديث‪:‬‬

‫�أو ًال‪ :‬في المعنى اللغوي‬


‫قال الشريف الرضي تعليق ًا على الحديث‪« :‬وهذه من أحاسن االستعارات‪ ،‬وذلك أنّه‬
‫َ‬
‫الرجال‪ ،‬فه ّن كالحبائل‬ ‫ُ‬
‫الشيطان‬ ‫عليه الصالة والسالم جعل النساء من أقوى ما يصيد به‬
‫ّ‬
‫مظان الشهوات»(((‪.‬‬ ‫المبثوثة‪ ،‬واألشراك المنصوبة‪ ،‬ألنّهن‬

‫ سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.75‬‬ ‫(((‬


‫ المحاسن واألضداد للجاحظ‪ ،‬ص ‪ ،159‬والمجازات النبوية‪ ،‬ص‪ ،202‬وشرح النهج البن أبي الحديد‪،‬‬ ‫(((‬
‫ج ‪ 18‬ص ‪.200‬‬
‫  من ال يحضره الفقيه للصدوق‪ ،‬ج‪ 4‬ص‪ ،376‬قال الشيخ الصدوق‪« :‬من ألفاظ رسول الله(ص) الموجزة‬ ‫(((‬
‫التي لم يسبق إليها‪.»..‬‬
‫  المجازات النبوية‪ ،‬ص‪.202‬‬ ‫(((‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪164‬‬
‫وقال الطريحي‪« :‬وحبائل الشيطان‪ :‬مصائده‪ ،‬واحدها حبالة‪ ،‬بالكسر‪ .‬وهي ما ُيصاد بها‬
‫من أي شيء كان‪ .‬ومنه الحديث‪« :‬النساء حبالة الشيطان»‪ ،‬ومنه‪« :‬اإلمام مطرود عنه حبائل‬
‫إبليس وجنوده»(((‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬في �سنده‬


‫تصور ديني إزاء المرأة‪،‬‬ ‫والحديث ال يمتلك سند ًا صحيح ًا ّ‬
‫يعول عليه‪ ،‬وال س ّيما في بناء ّ‬
‫أن الحديث قد روي مرس ً‬
‫ال‬ ‫التي تشكّل نصف المجتمع البشري‪ ،‬وإننا ‪ -‬بالتتبع ‪ -‬قد وجدنا ّ‬
‫أو مرفوع ًا في بعض المصادر(((‪ ،‬وفي بعضها اآلخر روي مسند ًا((( ولك ّن سنده غير صحيح‪،‬‬
‫ٍ‬
‫كجزء‬ ‫صرح «األلباني» في سلسلة األحاديث الضعيفة والموضوعة(((‪ ،‬وذكره «الواقدي»‬ ‫كما ّ‬
‫من خطبة النبي(ص) في غزوة تبوك(((‪.‬‬
‫إن هذه المقولة وبصرف النظر‬ ‫ويمكن تصعيد الموقف هنا أكثر‪ ،‬وذلك بالقول‪ّ :‬‬
‫عن عدم امتالكها سند ًا صحيح ًا لم يثبت كونها حديث ًا نبوي ًا‪ ،‬ألننا نالحظ ّ‬
‫أن «الباقالني»‬
‫(ت‪403:‬هـ) و«الجاحظ» وغيرهما قد نسبوها إلى ابن مسعود من خطبة له(((‪ .‬ونقل عن‬
‫«نصر بن الحجاج» قوله مخاطب ًا عتبة وهو يع ّيره على انحراف زوجته‪:‬‬
‫إن النساء حبائل الشيطان»(((‪.‬‬
‫ّ‬ ‫«ال تعتبن يا عتب نفسك ح ّبها‬
‫ونُسب في بعض المصادر إلى السيد المسيح‪ ،‬ففي الدر المنثور‪« :‬وأخرج‬
‫حب‬
‫أن عيسى ابن مريم قال‪« :‬رأس الخطيئة ّ‬ ‫عبد الله في زوائده عن جعفر بن حرفاس ّ‬
‫الدنيا‪ ،‬والخمر مفتاح كل شر‪ ،‬والنساء ِح َبال ُة الشيطان»(((‪.‬‬

‫  مجمع البحرين‪ ،‬ج‪ 5‬ص‪.348‬‬ ‫(((‬


‫  أرسله الصدوق كما عرفت‪ ،‬وأرسله الشريف الرضي في المجازات النبوية‪ ،‬ص‪ ،202‬والكراجكي في‬ ‫(((‬
‫صرح العجلوني‬ ‫كنز الفوائد‪ ،‬ص‪ ،97‬والطبرسي في مجمع البيان‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪ ،252‬وأما عند ُّ‬
‫السنة فقد ّ‬
‫برفعه‪ ،‬انظر‪ :‬كشف الخفاء‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪ ،4‬والحظ‪ :‬نصب الراية للزيلعي‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.45‬‬
‫  مسند الشهاب‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.66‬‬ ‫(((‬
‫  سلسلة األحاديث الضعيفة والموضوعة‪ ،‬ج‪ 5‬ص‪.483‬‬ ‫(((‬
‫  المغازي للواقدي‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪ ،1016‬ودالئل النبوة للبيهقي‪ ،‬ج‪ 5‬ص‪.242‬‬ ‫(((‬
‫  المصنف البن أبي شيبة‪ ،‬ج‪ 8‬ص‪ ،163‬وإعجاز القرآن‪ ،‬ص‪ ،147‬والبيان والتبيين‪ ،‬ص‪ ،241‬وانظر‪:‬‬ ‫(((‬
‫التذكرة الحمدونية‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.133‬‬
‫ً‬
‫  منهاج البراعة في شرح نهج البالغة‪ ،‬ج ‪ 19‬ص ‪ ،160‬نقال عن تذكرة ابن الجوزي‪.‬‬ ‫(((‬
‫  الدر المنثور للسيوطي‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.27‬‬ ‫(((‬
‫‪165‬‬ ‫المحور الرابع‪ :‬ما روي عن رسول الله(ص) في ذ ّم المرأة‬
‫شطر لبعض‬ ‫ٍ‬ ‫إن ورود هذا المقطع في خطبة البن مسعود أو في‬ ‫اللهم إال أن يقال‪ّ :‬‬
‫يضمنون خطبهم جزء ًا‬ ‫فإن الخطباء والشعراء كثير ًا ما ّ‬
‫الشعراء ال يتنافى مع كونه حديث ًا نبوي ًا‪ّ ،‬‬
‫من آية قرآنية أو مقطع ًا من حديث نبوي‪ ،‬دون أن ّ‬
‫يصرحوا باألمر‪ ،‬اكتفا ًء منهم بمعروف ّية ذلك‪،‬‬
‫واعتماد ًا على فطنة السامع‪ ،‬وهذا ما ُي َر َّجح أنّه جرى مع حديث «النساء َحبائل الشيطان»‪،‬‬
‫أن الكالم قد أصبح من األمثال المتداولة على ألسنة الناس على ما‬ ‫صح‪ ،‬وال س ّيما ّ‬
‫فيما لو ّ‬
‫جاء في بعض المؤ ّلفات في األمثال النبو ّية(((‪ ،‬وهكذا ال يتنافى ذلك مع كونه حديث ًا مروي ًا‬
‫عن عيسى ابن مريم‪ ،‬وتك ّلم به النبي الخاتم(ص)‪ ،‬فاألنبياء ‪ ‬ينهلون من معين واحد‪.‬‬
‫سند يمكن التعويل عليه‪.‬‬ ‫ولهذا‪ ،‬فالمالحظة الجديرة باالعتبار هي افتقار الحديث إلى ٍ‬

‫ثالث ًا‪ :‬مع م�ضمون الحديث‬


‫ٌ‬
‫محتمل ألحد معنيين‪:‬‬ ‫ّ‬
‫إن كون المرأة حبالة الشيطان‬
‫ ) أ أن يراد به أنّها من الضعف في اإلرادة اإليمانية‪ ،‬ما يجعلها أداة ط ّيع ًة بيد الشيطان‪،‬‬
‫بحيث يستغ ّلها في مساعيه إلغراء الرجال‪ ،‬وهذا التفسير يواجهه سؤال محوري‬
‫وهو‪ :‬لماذا كانت المرأة كذلك‪ ،‬هل هي الجبلة؟ بمعنى أنّها ُخ ِل َق ْت على هذه الحال‬
‫إن األمر ال عالقة له بالجانب التكويني‪ ،‬وإنّما‬ ‫التي تجعلها ضعيفة أمام الشيطان‪ ،‬أم ّ‬
‫الظروف الخاصة والتربية الخاطئة هما اللتان تدفعان المرأة لتكون كذلك؟ أما األول‪،‬‬
‫ألن ذلك غير اختياري لها‪ ،‬وال ُيالم‬ ‫صح فهو ال يشكّل طعن ًا في المرأة نفسها‪ّ ،‬‬ ‫فإن ّ‬
‫اإلنسان على ما ليس في االختيار‪ ،‬وأ ّما الثاني فهي ال تتحمل لوحدها مسؤوليته‪ّ ،‬‬
‫ألن‬
‫يتحمل المجتمع بأسره مسؤول ّية‬ ‫ّ‬ ‫األمر عندما يكون مرتبط ًا بالتربية والظروف فهذا ما‬
‫تغييره‪ ،‬وهو دون شك قابل للتغيير‪.‬‬
‫فخه‪ ،‬دون‬‫المرأة شبك ًة يصيد بها الرجال ويوقعهم في ّ‬ ‫ِ‬ ‫أن الشيطان يت ِ‬
‫ّخ ُذ من‬ ‫ ) بأن يراد به ّ‬
‫َ‬
‫أن إرادتها اإليمانية ضعيفة بالقياس إلى إرادة الرجل‪ ،‬وهذا المعنى إذا‬ ‫أن يعني ذلك ّ‬
‫ال منها‪ّ ،‬‬
‫ألن الحبالة بهذا‬ ‫كان هو المقصود فهو صحيح‪ ،‬لكنّه ال يشكّل ذم ًا للمرأة أو ني ً‬
‫يصح ذلك أيض ًا بالنسبة للرجال‪ّ ،‬‬
‫فإن الشيطان‬ ‫المعنى ال تختص بالنساء وحده ّن‪ ،‬بل ّ‬
‫فإن إغراء النساء واستمالته ّن نحو فعل‬ ‫يتخذهم ‪ -‬أيض ًا ‪ -‬شبك ًة يصيدُ بها النساء‪ّ ،‬‬

‫(((   انظر‪ :‬األمثال في الحديث النبوي لعبد الله بن حبان (ت ‪ 369‬هـ)‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.161‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪166‬‬
‫المنكر إنما يأتي ‪ -‬في الغالب ‪ -‬من طرف الرجال وبواسطتهم‪ ،‬فالشبكة اإلغرائية‬
‫متبادلة بين الطرفين‪ ،‬وهذا ما يشهد به الواقع الخارجي‪.‬‬

‫رابع ًا‪�« :‬إنّ كيدكن عظيم»‬


‫إن التعبير عن النساء بأنّه ّن حبائل الشيطان ليس مستغرب ًا وال مجافي ًا‬ ‫وربما يقال‪ّ :‬‬
‫فإن مكر النساء وكيده ّن معروف‪ ،‬وقد ُضربت به األمثال‪ ،‬وهو بمجمله كيدٌ‬ ‫للحقيقة‪ّ ،‬‬
‫شيطاني‪ ،‬بمعنى أنّه من تأثيرات الشيطان ووساوسه‪ ،‬وقد وصف القرآن الكريم كيده ّن بأنّه‬
‫ص في نتيجة‬ ‫وخ َل َ‬
‫يتوان البعض عن إجراء مقايسة بين كيد الشيطان وكيد النساء‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫عظيم‪ ،‬ولم‬
‫وأعظم خبث ًا وأقوى تأثير ًا على الرجال من كيد الشيطان‪،‬‬
‫ُ‬ ‫أن كيد النساء أشدّ فتك ًا‬
‫المقايسة إلى ّ‬
‫أن الله تعالى لما وصف كيد الشيطان قال‪ :‬ﵛﭐﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶﵚ(((‪،‬‬ ‫وذلك استناد ًا إلى ّ‬
‫بينما نراه عندما وصف كيد النساء قال‪ :‬ﵛﭐﲷ ﲸ ﲹﵚ(((‪ ،‬وهذا الكيد العظيم ‪ -‬بحسب‬
‫يفسر صدور النهي في الروايات عن إطاعة النساء(((‪.‬‬ ‫ما يرى بعض العلماء ‪ -‬هو الذي ّ‬
‫وتعليق ًا على المقايسة المذكورة قال الشيخ محمد جواد مغنية رحمه الله‪ّ :‬‬
‫«إن كيد النساء‬
‫من كيد الشيطان‪ ،‬فكيده أصل‪ ،‬وكيدهن فرع»‪ .‬وأضاف‪« :‬والمراد بضعف الشيطان في كيده‬
‫أنّه ال سلطان له على عباد ال َّله إال من اتبعه من الغاوين‪ ،‬والمراد بعظمة النساء في كيدهن أنّهن‬
‫أقوى جنود الشيطان وأتباعه‪ ،‬فقد روي عن إبليس أنّه قال‪« :‬النساء فخوخي ومصائدي‪.(((»..‬‬
‫وما ذكره الشيخ مغنية رحمه الله في تفسير اآلية التي تتحدّ ث عن ضعف كيد الشيطان‪،‬‬
‫وأن المراد به نفي سلطان الشيطان على اإلنسان‪ ،‬هو تفسير صحيح ومستقى من القرآن‬ ‫ّ‬
‫الكريم‪ ،‬فإنّه يؤكد على حرية اإلنسان في إرادته واختياراته‪ ،‬وعلى مسؤوليته عن أفعاله‬

‫ سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.76‬‬ ‫(((‬


‫ سورة يوسف‪ ،‬اآلية ‪.28‬‬ ‫(((‬
‫  قال الشيخ محمد تقي المجلسي‪« :‬واألحوط أن ال يطيع الزوجة مطلق ًا إال في الطاعات‪ ،‬بل وال في‬ ‫(((‬
‫ألن لها فيها مكر ًا خفي ًا كالشيطان‪ ،‬ولهذا قال الله تعالى حكاية مقررة‪ :‬ﵛﭐﲷ ﲸ‬‫الطاعات أيض ًا‪ّ ،‬‬
‫ﲹﵚ [يوسف ‪ ،]28‬وقال تعالى‪ :‬ﵛﭐﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶﵚ [النساء ‪ ]76‬ال بمعنى أن يترك الطاعة‬
‫صل في المسجد ينبغي في هذا الوقت أن يصلي في البيت‪ ،‬وبالعكس (أو) إن‬ ‫ال إذا قالت‪ِّ :‬‬‫بقولها‪ ،‬مث ً‬
‫ذهب إلى المسجد ال يذهب بمجرد قولها بل بقول رسول الله (ص)‪ ،‬كما في إطاعة النفس والشيطان‪،‬‬
‫أعاذنا الله وجميع المؤمنين من شر الثالثة»‪ ،‬يقصد بالثالثة‪ :‬المرأة والشيطان والنفس األمارة‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫روضة المتقين في شرح من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.297‬‬
‫  التفسير الكاشف‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪.305‬‬ ‫(((‬
‫‪167‬‬ ‫المحور الرابع‪ :‬ما روي عن رسول الله(ص) في ذ ّم المرأة‬
‫الم َّرة يوم‬
‫وأقواله‪ ،‬وينقل ‪ -‬أي القرآن ‪ -‬عن الشيطان أنّه سوف يواجه العباد بهذه الحقيقة ُ‬
‫القيامة‪ ،‬حيث يقف يوم إحقاق الحق ليتنصل من مسؤوليته عما ارتكبه اإلنسان من منكرات‬
‫أو ذنوب أبعدته عن ساحة القدس اإللهي ويتركه وحيد ًا فريد ًا في مواجهة ما جنته يداه‪،‬‬
‫قال تعالى‪ :‬ﵛﭐﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ‬
‫ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔﲕ ﲖ ﲗ ﲘﵚ(((‪ ،‬فدور‬
‫الشيطان ‪ -‬إذن ‪ -‬يقتصر على التزيين والتحسين‪ ،‬والله تعالى لم يم ّلكه رقابنا وال س ّلطه على‬
‫نفوسنا وال مكّنه من إرادتنا‪ ،‬بحيث يكون لديه قدرة على أن يدفعنا إلى أحضان الرذيلة دون‬
‫ٍ‬
‫اختيار أو رغبة منا‪.‬‬
‫وأما ما ذكره الشيخ رحمه الله تعليق ًا على تفسير عظمة كيد النساء في اآلية األخرى‪،‬‬
‫بأنّه ّن من أعظم جنود الشيطان وأقوى أتباعه‪ ،‬فهذا لنا عليه بعض التحفظات‪ ،‬نب ّينها من خالل‬
‫األمور التالية‪:‬‬
‫إن كالم الشيخ وغيره يوحي ّ‬
‫بأن المكر أو الكيد الخبيث والمبعد عن الله‬ ‫األمر األول‪ّ :‬‬
‫تعالى هو ِسمة تمتاز بها النساء‪ ،‬كأنه ّن منبع هذا الكيد وأداة الشيطان الط ّيعة‪ ،‬وهذا المعنى‬
‫ضرره على البشر ّية أشدَّ‬
‫ُ‬ ‫ليس دقيق ًا‪ ،‬فالرجال ‪ -‬أيض ًا ‪ -‬لهم مكر شيطاني خبيث‪ ،‬وقد يكون‬
‫من مكر النساء وكيده ّن‪ ،‬ولذا فاآلية المذكورة في حديثها عن كيد النساء ‪ -‬بصرف النظر‬
‫عما سيأتي في المالحظة الثانية ‪ -‬حيث وصفته بالعظيم ال تنفي كيد الرجال‪ ،‬أي ليس لها‬
‫إن إثبات شيء لشيء ال ينافي ثبوته‬ ‫مفهوم على حدّ تعبير علماء األصول‪ ،‬وبكلمة أخرى‪ّ :‬‬
‫لغيره‪ ،‬فاآلية المباركة إذ تؤكد عظمة كيد النساء‪ ،‬فهي ال تنفي عظمة كيد الرجال‪ ،‬فض ً‬
‫ال‬
‫ألن السياق كان سياق‬ ‫عن أن تنفيه من أصله‪ ،‬وإنّما ذكرت كيد النساء ووصفته بالعظمة‪ّ ،‬‬
‫الحديث عن النساء وأفعاله ّن‪ ،‬وإال فالرجل ‪ -‬كما قلنا ‪ -‬صاحب كيد عظيم في كثير من‬
‫األحيان‪ ،‬فالكيد العظيم أو المكر الخبيث هو سمة اإلنسان وليس سمة المرأة فحسب‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪ :‬ﵛﭐﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂﵚ(((‪،‬‬
‫وقال تعالى متحدث ًا عن كيد الكافرين‪ :‬ﭐﵛﲃ ﲄ ﲅﵚ(((‪ ،‬وقال تعالى عن لسان يعقوب‬

‫(((  سورة إبراهيم‪ ،‬اآلية ‪.22‬‬


‫(((  سورة إبراهيم‪ ،‬اآلية ‪.46‬‬
‫(((  سورة الطارق‪ ،‬اآلية ‪.15‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪168‬‬
‫النبي‪ ‬في نصيحته البنه يوسف‪ :‬ﵛﭐﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋﱌ‬
‫عز ّ‬
‫وجل عن قوم نوح‪ :‬ﵛﭐﲑ ﲒ ﲓﵚ(((‪.‬‬ ‫ﱍ ﱎ ﱏ ﱐﵚ(((‪ ،‬وقال ّ‬
‫إن وصف النساء بالكيد العظيم إنّما نسبه القرآن‬‫إن لقائل أن يقول‪ّ :‬‬
‫األمر الثاني‪ّ :‬‬
‫الكريم ‪ -‬بحسب الظاهر ‪ -‬إلى عزيز مصر‪ ،‬فهو القائل ذلك‪ ،‬وليس الله تعالى((( وال يوسف‬
‫ألن عزيز مصر ليس‬ ‫الصديق‪ ،‬وعليه فال تصلح هذه الفقرة لالحتجاج بها والبناء عليها‪ّ ،‬‬
‫يقر هذا‬
‫أن القرآن الكريم ّ‬ ‫معصوم ًا وكالمه ال يم ّثل الحقيقة المطلقة‪ ،‬وليس من الواضح ّ‬
‫المعنى أو يمضيه‪.‬‬
‫و ُي َذك ُِّرني االستدالل بهذه اآلية واعتبار مضمونها حقيقة قرآنية ‪ -‬مع ّ‬
‫أن القرآن ينقلها‬
‫عن لسان عزيز مصر دون أن يظهر منه تبنيها وإقرارها ‪ -‬بما جرى على ألسنة البعض من‬
‫أن القرآن يسجلها في مقام الحكاية‬ ‫االستشهاد بآية أخرى ونسبة مضمونها إلى الله تعالى‪ ،‬مع ّ‬
‫ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣﵚ(((‪ّ ،‬‬
‫فإن التأمل‬ ‫عن اآلخرين‪ ،‬واآلية األخرى هي قوله تعالى‪ :‬ﵛ ﭐ‬
‫في سياق هذه اآلية يشهد بأنّها جاءت تتمة لكالم جماعة من اليهود الذين كانوا يعملون‬
‫على خديعة المسلمين ويسعون إلى فتنتهم عن دينهم‪ ،‬فكانوا يتظاهرون باإلسالم أول النهار‬
‫ثم يكفرون آخره‪ ،‬في محاولة لتشكيك المؤمنين بدينهم‪ ،‬وبينما كانوا في الظاهر يدعون‬
‫ٍ‬
‫بمحمد وال‬ ‫السر كانوا يقولون لجماعتهم من اليهود‪ :‬ال تصدِّ قوا‬‫إلى اإلسالم‪ ،‬فإنّهم في ِّ‬
‫عز من قائل‪:‬ﭐ ﵛﱌ‬ ‫تؤمنوا إال لمن تبع دينكم! وقد َف َض َح الله كيدهم وخبثهم هذا‪ ،‬فقال ّ‬
‫ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ*‬
‫ﱞ ﱟﱠﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ‬
‫ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼﱽ ﱾ ﱿﵚ((((((‪.‬‬

‫ سورة يوسف‪ ،‬اآلية ‪.5‬‬ ‫(((‬


‫ سورة نوح‪ ،‬اآلية ‪.22‬‬ ‫(((‬
‫  وهذا ما اعترف به الشيخ مغنية في مورد آخر‪ ،‬انظر‪ :‬التفسير الكاشف‪ ،‬ج‪ 4‬ص‪.485‬‬ ‫(((‬
‫ سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.73‬‬ ‫(((‬
‫ سورة آل عمران‪ ،‬اآليتان ‪.73-72‬‬ ‫(((‬
‫  قال الشيخ مغنية في تفسير هذه اآلية‪« :‬كثير ًا ما ُيساء فهم هذه اآلية‪ ،‬و ُيستشهد بها على أنّها من كالم الله‬ ‫(((‬
‫أن ال َّله سبحانه أراد‬ ‫ٍ‬
‫واحد يتل ّفظ بها (وال ت َْأ َمنُوا) معتقد ًا ّ‬ ‫أكثر من‬
‫سمعت َ‬
‫ُ‬ ‫سبحانه‪ ،‬ال من كالم اليهود‪ ،‬بل‬
‫ّ‬
‫بهذه اآلية أن ال نأتمن إال من كان على ديننا‪ .‬والصحيح أن اآلية بقية من كالم المعاندين الماكرين من‬
‫إن بعض أهل الكتاب قالوا لبعضهم اآلخر‪=:‬‬ ‫أهل الكتاب‪ .‬وقد نقلها الله تعالى حكاية لكالمهم‪ ،‬أي ّ‬
‫‪169‬‬ ‫المحور الرابع‪ :‬ما روي عن رسول الله(ص) في ذ ّم المرأة‬
‫ﵛﭐﲷ ﲸ‬ ‫واالشتباه الذي حصل في فهم هذه اآلية جرى نظيره مع قوله تعالى‪:‬‬
‫ﲹﵚ(((‪.‬‬
‫أقرها القرآن الكريم بالرغم‬
‫بأن آية‪ :‬ﵛﭐﲷ ﲸ ﲹﵚ قد ّ‬ ‫األمر الثالث‪ :‬مع التسليم ّ‬
‫أن الحديث في اآلية هل هو‬‫من كونها صادرة عن عزيز مصر‪ ،‬ولكن يبقى السؤال في المقام‪ّ ،‬‬
‫عن جنس النساء أو عن خصوص النسوة الالتي َق َّط ْع َن أيديهن بسبب وقوعهن أسرى الغريزة‬
‫التي جذبتهن إلى يوسف الصديق؟‬
‫ﵛﭐﲳ ﲴ ﲵ ﲶﲷ‬ ‫إن ضمير المخاطب في اآلية وهي قوله تعالى‪:‬‬ ‫والجواب‪ّ :‬‬
‫ﲸ ﲹﵚ‪ ،‬والذي تكرر مرتين ‪ -‬كما الحظنا ‪ُ ،-‬ي َر ِّج ُح االحتمال الثاني‪ ،‬ألنّه لو كان‬
‫المراد إعطاء قاعدة عامة ومطردة في كل النساء لكان األنسب أن يأتي التعبير في الفقرة الثانية‬
‫«إن كيد النساء عظيم» أو «كان عظيم ًا»‪.‬‬
‫من اآلية على النحو التالي‪ّ :‬‬
‫يتصل بالحديث الذي استشهد به الشيخ رحمه الله‪ ،‬والذي‬ ‫األمر الرابع‪ :‬فيما ِّ‬
‫حديث قد رواه الشيخ‬ ‫ٌ‬ ‫هن فخوخي ومصائدي»‪ ،‬فهو‬ ‫تضمن قول الشيطان‪« :‬النساء ّ‬ ‫ّ‬
‫الطوسي رحمه الله باإلسناد إلى اإلمام الرضا عن أبيه عن جده عن آبائه ‪ ‬وفيه‪ّ :‬‬
‫«أن‬
‫هن فخوخي‬ ‫أقر لعينك؟ قال‪ :‬النساء‪ّ ،‬‬‫يحيى بن زكريا‪ ‬سأل الشيطان‪ :‬أي األشياء ّ‬
‫ت إلى النساء‬ ‫ِ‬
‫دعوات الصالحين ولعناتُهم ص ْر ُ‬ ‫علي‬
‫ُ‬ ‫ت ّ‬ ‫اجت ََم َع ْ‬
‫ومصائدي‪ ،‬فإنّي إذا ْ‬
‫فطابت نفسي بهن»(((‪.‬‬
‫ولك ّن هذا الحديث ضعيف السند‪ .‬وأضف إلى ذلك ّ‬
‫أن ما تقدّ م في التعليق الثالث على‬
‫أن ذلك ليس لخصوص ّية‬ ‫حديث «النساء حبائل الشيطان» يجري بعينه في المقام‪ ،‬وخالصته ّ‬
‫إن الشيطان كما يتخذ المرأة فخ ًا يصيد بها الرجال‪ ،‬فإنّه في الوقت عينه يتخذ‬
‫في المرأة‪ ،‬بل ّ‬
‫الرجل فخ ًا يصيد به النساء‪.‬‬

‫= آمنوا أول النهار‪ ،‬واكفروا في آخره‪ ،‬وقالوا أيض ًا‪ :‬ﵛﭐﱅ ﭐﲼ ﱮ ﱃ ﱋ ﳔﵚ [آل عمران ‪.]73‬‬
‫والمراد من ال تؤمنوا‪ ،‬االطمئنان‪ ،‬ال األمانة وال االعتقاد‪ ،‬وإال تعدّ ت بالباء ال بالالم‪ ،‬والمعنى ّ‬
‫أن‬
‫بعض أهل الكتاب قال لبعض‪ :‬ال تطمئنوا ألحد إال لمن اتبع دينكم‪ ،‬تمام ًا كقوله تعالى‪ :‬ﵛﭐﲸ‬
‫ﲹﵚ [التوبة ‪ ،]61‬أي يطمئن لهم»‪ ،‬انظر‪ :‬التفسير الكاشف‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.87‬‬
‫(((  سورة يوسف‪ ،‬اآلية ‪.28‬‬
‫(((   األمالي‪ ،‬ص‪.340‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪170‬‬
‫‪--3‬حديث‪« :‬لي�س �أ�ض ّر من الن�ساء على الرجال»‪.‬‬
‫السنة بأسانيدهم عن أسامة بن زيد عن‬
‫وهو حديث رواه أصحاب الصحاح من أهل ُّ‬
‫تركت بعدي فتن ًة َّ‬
‫أضر من النساء على الرجال»(((‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫رسول الله(ص) قال‪« :‬ما‬
‫وبصرف النظر عن السند‪ ،‬فقد اعترض عليه الشيخ جعفر السبحاني قائالً‪ّ :‬‬
‫«إن القرآن‬
‫الكريم يذكر األموال واألوالد من أسباب الفتنة‪ ،‬ويقول‪ :‬ﵛﭐﲍ ﲎ ﲏ ﲐ‬
‫ن بقوله‪ :‬ﵛﭐﲄ ﲅ‬ ‫ﲒ ﲓ ﲔ ﲕﵚ(((‪ .‬وال يذكر النساء من أسبابها‪ ،‬وإنّما يصفه ّ‬
‫أقل بكثير من ضرر‬‫ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋﵚ(((‪ .‬فضرر النساء على الرجال ّ‬
‫حب الرئاسة والجاه والمال»(((‪.‬‬
‫ّ‬
‫لدي في المقام وقفتان‪:‬‬
‫أقول‪ّ :‬‬

‫‪--1‬مع ال�شيخ ال�سبحاني‬


‫إن ما ذكره الشيخ السبحاني تعليق ًا على الحديث ال يخلو من تأمل وإشكال من جهتين‪:‬‬
‫ّ‬
‫ث عن ّ‬
‫أن النساء فتنة‪ ،‬وإنّما تحدّ ث‬ ‫أوالً‪ :‬إننا نوافقه الرأي ّ‬
‫بأن القرآن الكريم لم يتحدّ ْ‬
‫عن فتنة األموال واألوالد‪ ،‬ولك َّن هذا القدر ال يشكّل اعتراض ًا على الحديث‪ ،‬إذ سكوت‬
‫السنة‪.‬‬
‫القرآن عن إثبات شيء ال يمنع من إثباته من خالل ُّ‬
‫اللهم إال إذا أضيف إلى كالمه مقدمة أخرى تتميم ًا لالعتراض على الحديث‪ ،‬وهي‬
‫ّ‬
‫أن سياق اآلية المتقدمة حول فتنة األموال واألوالد ال يخلو من إشعار بنفي كون النساء فتنة‪،‬‬
‫وذلك بالتقريب التالي‪:‬‬
‫ﵛﭐﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ‬ ‫‪ّ --1‬‬
‫إن اآلية الرابعة عشرة من سورة التغابن تقول‪:‬‬
‫ﲁﵚ‪ِ ،‬‬
‫و«م ْن» للتبعيض‪ ،‬كما هو معلوم‪ ،‬فليس كل األزواج واألوالد عدو ًا لكم‪.‬‬
‫‪ --2‬ثم جاءت اآلية الالحقة وهي قوله تعالى‪ :‬ﵛﭐﲍ ﲎ ﲏ ﲐﵚ لتؤكّد بشكل‬

‫ صحيح البخاري‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪ ،124‬وصحيح مسلم‪ ،‬ج‪ 8‬ص‪ ،89‬وسنن ابن ماجه‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.1325‬‬ ‫(((‬
‫ سورة التغابن‪ ،‬اآلية ‪.15‬‬ ‫(((‬
‫ سورة التغابن‪ ،‬اآلية ‪.14‬‬ ‫(((‬
‫  الحديث النبوي بين الرواية والدراية‪ ،‬ص‪.251‬‬ ‫(((‬
‫‪171‬‬ ‫المحور الرابع‪ :‬ما روي عن رسول الله(ص) في ذ ّم المرأة‬
‫مطلق ودونما تبعيض أو تفصيل ّ‬
‫أن األوالد واألموال فتنة‪ ،‬ولم تذكر األزواج‪ ،‬ما يوحي‬
‫أنّهم ليسوا فتنة‪.‬‬
‫أن كلمة «أزواجكم» في اآلية ليس المراد بها النساء حصر ًا‪ ،‬بل هي‬
‫وتجدر اإلشارة إلى ّ‬
‫شاملة للزوجين من الجنسين‪.‬‬
‫حب الرئاسة‬ ‫أقل بكثير من ضرر ّ‬ ‫أن ضرر النساء على الرجال هو ّ‬ ‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫إن ما ذكره حول ّ‬
‫فحب الرئاسة إنما ُيبتلى به األقل ّية من‬
‫ّ‬ ‫والجاه والمال عليهم‪ ،‬ليس واضح ًا على إطالقه‪،‬‬
‫حب الرئاسة كثيرة‪،‬‬‫الناس‪ ،‬وال يكون ضرره عام ًا بالنسبة للرجال‪ .‬أجل‪ ،‬قد تكون ضحايا ِّ‬
‫أن كثير ًا من‬
‫حب النساء‪ ،‬وذلك بدليل ّ‬ ‫أهم لدى جنس الرجل من ّ‬
‫حب المال فال يبدو أنّه ّ‬‫وأ ّما ّ‬
‫الرجال ‪ -‬كما نرى ونالحظ ‪ -‬يبددون أموالهم ويصرفونها في سبيل الحصول أو الوصول‬
‫إلى النساء الحسناوات‪.‬‬

‫‪--2‬لي�س في الحديث ذمٌ للن�ساء‬


‫إن الحديث ‪ -‬وبصرف‬ ‫والوقفة الثانية هي حول مضمون الحديث‪ ،‬إذ يمكن القول‪ّ :‬‬
‫عما جاء في التعليق األول ‪ -‬ال يحمل ذ ّم ًا للنساء‪ ،‬وإنّما يشير إلى حقيقة واقع ّية‪ ،‬وهي‬
‫النظر ّ‬
‫الرجل ‪ -‬ر َّبه في عالقاته معها ويمنع نفسه من االنجرار‬‫ُ‬ ‫أن المرأة فتنة للرجل‪ ،‬فإذا لم ِ‬
‫يتق ‪-‬‬ ‫ّ‬
‫مع غرائزه فسيكون ذلك سبب ًا لوقوعه في االنحراف والضرر‪ ،‬سواء األخروي أو الدنيوي‪،‬‬
‫وعليه يكون المراد بفتنة المرأة أنّها ‪-‬بحكم ما تملكه من جاذبية خاصة مغرية ومثيرة‬
‫فخها‪ .‬هذا هو المعنى‬ ‫للرجل‪ -‬مختبر إرادة الرجال وامتحانهم‪ ،‬وقد يسقط الكثيرون في ّ‬
‫المقصود بالحديث‪ ،‬وهذا أمر صحيح وال ضير فيه‪ ،‬وهو ال ينفي ‪ -‬في المقابل ‪ -‬أن يكون‬
‫الرجل ‪-‬أيض ًا‪ -‬فتنة للمرأة‪ ،‬و ُيختبر إيمانها من خالل عالقتها به‪ ،‬ولكن حيث كان الكالم عن‬
‫إن انجذاب الرجل‬ ‫الرجال فاقتضى ذلك اإلشارة إلى الفتنة من جانب النساء‪ .‬أجل‪ ،‬قد يقال‪ّ :‬‬
‫نحو المرأة وافتتانه بها وإن لم يكن في الواقع أشدّ من انجذابها هي نحو الرجل وافتتانها به‪،‬‬
‫ولكنّه ‪-‬أعني انجذاب الرجل نحوها ‪ -‬أكثر بروز ًا وظهور ًا من انجذابها نحوه‪ ،‬وربما كان‬
‫أن الله تعالى قد كسا المرأة حيا ًء ال يقاس حياء الرجل به‪ ،‬فحياؤها‬ ‫السر في ذلك كامن ًا في ّ‬
‫ّ‬
‫هذا هو الذي يمنعها ‪ -‬في كثير من األحيان ‪ -‬من إظهار افتتانها به وإبراز ميلها إليه بشكل‬
‫جلي‪ ،‬وهذا الحياء الذي كساها الله به هو خير لها وللرجل وللمجتمع برمته‪ ،‬وبدونه قد‬ ‫ّ‬
‫قل فيه الحياء‪،‬‬‫نشهد حالة تف ّلت على الصعيد األخالقي‪ ،‬كما هو الحال في زماننا هذا الذي ّ‬
‫وغادرتنا القيم‪ ،‬وأصبحت العفة في الكثير من األوساط حالة تخ ّلف ورجعية!‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪172‬‬
‫‪--4‬حديث‪« :‬المر�أة �ضلع �أعوج»‬
‫روى هذا الحديث أصحاب الصحاح بأسانيدهم عن رسول الله(ص)‪ ،‬وننقله كما جاء‬
‫في صحيح مسلم الذي رواه بإسناده عن أبي هريرة عن رسول الله(ص)‪« :‬استوصوا بالنساء‪،‬‬
‫يمه كسرته‪ ،‬وإن‬ ‫ِ‬ ‫وإن أعوج شيء في الضلع أعاله‪ْ ،‬‬
‫فإن المرأة خلقت من ضلع‪ّ ،‬‬‫ّ‬
‫إن ذهبت تُق ُ‬
‫تركته لم ْ‬
‫يزل أعوج» ‪.‬‬
‫(((‬

‫واستناد ًا إلى هذا الحديث‪ ،‬شاعت في أوساط المسلمين مقولة‪ّ :‬‬


‫«أن المرأة مخلوقة‬
‫من ضلع أعوج»‪ ،‬وغالب ًا ما يتردد هذا الكالم و ُيطرح في سياق التقليل من مكانة المرأة‪،‬‬
‫واالنتقاص من شأنها‪ ،‬وإثبات أنّها ملحقة بالرجل وتابعة له‪ ،‬وذلك بمقتضى أنّها قد ُخلقت‬
‫من ضلعه الصغير‪ ،‬وامتدّ أثر هذه المقولة إلى الشعر واألدب‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫إن تقويـــم الضلوع انكســـارها‬ ‫أال ّ‬ ‫هي الضلع العوجاء لســـت تقيمها‬
‫(‪)2‬‬
‫أليس عجيبـــ ًا ضعفها واقتدارها؟‬ ‫أيجمعن ضعفـــ ًا واقتدار ًا على الفتى‬

‫وفي تفسير هذا الحديث قال بعضهم‪ّ :‬‬


‫«إن المرأة ال تخلو من اعوجاج في أخالقها‬
‫كالضلع‪ ،‬فمن أراد كمالها لم يستطع ذلك إال بطالقها‪ ،‬فالمشروع له‪ :‬الصبر والتغاضي عن‬
‫بعض االعوجاج‪ ،‬مع االستمرار في النصيحة والتوجيه»(((‪.‬‬
‫أقل من أضالع‬‫أن أضالع الرجل ّ‬‫ثم إنّه وامتداد ًا لهذه الفكرة‪ ،‬فقد ساد اعتقاد آخر‪ ،‬وهو ّ‬
‫ّ‬
‫ألن الضلع الذي أخذه الله تعالى من آدم‪ ‬ليخلق منه حواء‪،‬‬ ‫المرأة بضلع واحد‪ ،‬وذلك ّ‬
‫ظل ناقص ًا في آدم وفي الذكور من ذريته‪ ،‬بخالف النساء فأضالعه ّن مكتملة‪ ،‬وهذا المعنى قد‬ ‫ّ‬
‫يتم‬ ‫انعكس على الفقه اإلسالمي‪ ،‬حيث تبنى بعض الفقهاء رأي ًا مفاده‪ّ :‬‬
‫أن الخنثى المشتبه به ّ‬
‫تحديد جنسه من خالل تعداد أضالعه‪ ،‬فإن كانت متساوية في الجهتين كان ذلك دلي ً‬
‫ال على‬
‫دل ذلك على أنّه رجل‪.‬‬ ‫أنّه أنثى‪ ،‬وإن كانت ناقصة من الجانب األيسر ضلع ًا واحد ًا ّ‬

‫(((   صحيح مسلم‪ ،‬ج‪ 4‬ص‪ ،178‬وانظر‪ :‬صحيح البخاري‪ ،‬ج‪ 4‬ص‪ ،103‬وروى الحاكم بإسناده عن أبي‬
‫هريرة ّ‬
‫أن النبي (ص) قال‪« :‬المرأة خلقت من ضلع أعوج‪ ،‬وإنّك إن أقمتها كسرتها‪ ،‬وإن تركتها تعش‬
‫بها وفيها عوج»‪ .‬ثم قال‪« :‬وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه»‪ ،‬انظر‪ :‬المستدرك‪،‬‬
‫للحاكم ج ‪ 4‬ص ‪.174‬‬
‫(((  البداية والنهاية‪ ،‬ج‪ 11‬ص‪ ،334‬رواه عن ابن األعرابي‪ ،‬وعيون األخبار للدينوري‪ ،‬ج‪ 4‬ص‪ ،77‬وشرح‬
‫نهج البالغة البن أبي الحديد‪ ،‬ج‪ 18‬ص‪.200‬‬
‫(((   فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء‪ ،‬ج‪ 4‬ص ‪ ،19‬وهي بتوقيع بعض العلماء ومنهم‪:‬‬
‫عبد العزيز بن عبد الله بن باز‪.‬‬
‫‪173‬‬ ‫المحور الرابع‪ :‬ما روي عن رسول الله(ص) في ذ ّم المرأة‬
‫وهذا ما يبعث على طرح عدّ ة أسئلة‪ ،‬من قبيل‪ :‬هل صحيح ّ‬
‫أن حواء خلقت من ضلع‬
‫عما إذا كان أعوج أو غير أعوج؟‬
‫آدم‪ ‬بصرف النظر ّ‬
‫أن أضالع الرجل ُّ‬
‫أقل من‬ ‫ما هو منشأ هذه الفكرة؟ وهل تملك سند ًا صحيح ًا؟ وهل ّ‬
‫أضالع المرأة‪ ،‬كما يستفاد من بعض األخبار؟‬
‫ما مغزى الحديث عن ّ‬
‫أن المرأة خلقت من ضلع أعوج؟‬
‫يصح تفسير ذلك بأنّه كناية عن ضعف عقلها واعوجاج أخالقها وأنّها ال تقبل‬
‫ّ‬ ‫وهل‬
‫اإلصالح؟‬
‫وتعليق ًا على هذا الموضوع وإجاب ًة على هذه األسئلة‪ ،‬فإننا ّ‬
‫نسجل الوقفتين التاليتين‪:‬‬

‫الوقفة الأولى‪ :‬هل خلقت حواء من �ضلع �آدم؟‬


‫ّ‬
‫إن قضية خلق حواء من ضلع آدم‪ ،‬وبالرغم من شهرتها فإنّها غير تامة‪ ،‬ولم ينهض عليها‬
‫دليل مقنع‪ ،‬وتواجهها عدة اعتراضات‪:‬‬

‫‪1 -1‬عدم ثبوت الرواية‬


‫إن الرواية حول خلق حواء من ضلع آدم غير ثابتة‪ ،‬فثمة رواية أخرى يرويها أبو هريرة‬ ‫ّ‬
‫تنص على أنّها مخلوقة من ضلعه‬ ‫نفسه عن رسول الله(ص) تش ِّب ُه المرأة بالضلع األعوج‪ ،‬وال ّ‬
‫إن ت ُِق ْمها َتك ُْس ْرها‬
‫األعوج‪ ،‬يقول أبو هريرة‪« :‬قال رسول الله «(ص)‪« :‬إنّما المرأة كالضلع ْ‬
‫تستمتع وفيها عوج»(((‪.‬‬
‫ْ‬ ‫وإن تستمتع بها‬
‫رجح بعضهم الحديث الثاني‪ ،‬فقال تعليق ًا عليه‪« :‬الكالم هنا على التمثيل‬‫وقد ّ‬
‫السنة الصحيحة‬
‫توهمه بعضهم‪ ،‬وليس في ُّ‬ ‫والتشبيه‪ ...‬ال ّ‬
‫أن المرأة خلقت من ضلع آدم كما ّ‬
‫شيء من ذلك»(((‪.‬‬
‫ولك ّن بعض علماء السلف ّية ر ّد على الكالم اآلنف مصحح ًا الحديثين مع ًا‪ ،‬فقال‪« :‬ظاهر‬
‫أن المرأة ‪ -‬والمراد بها حواء‪ ‬خلقت من ضلع آدم‪ ،‬وهذا ال‬ ‫الحديث (الحديث األول) ّ‬
‫يخالف الحديث اآلخر الذي فيه تشبيه المرأة بالضلع‪ ،‬بل يستفاد من هذا نكتة التشبيه‪ ،‬وأنّها‬

‫(((   سنن الدارمي‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.148‬‬


‫(((   نُقل هذا الكالم عن الشيخ شعيب األرناؤوط‪.‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪174‬‬
‫أن المرأة خلقت من ضلع أعوج‪ ،‬فال ينكر اعوجاجها‪،‬‬‫عوجاء مثله‪ ،‬لكون أصلها منه‪ .‬والمعنى‪ّ :‬‬
‫فإن أراد الزوج إقامتها على الجادة وعدم اعوجاجها أ ّدى إلى الشقاق والفراق وهو كسرها‪ ،‬وإن‬
‫صبر على سوء حالها وضعف عقلها ونحو ذلك من عوجها دام األمر واستمرت العشرة»(((‪.‬‬
‫ولك ّن هذا التوجيه الذي يحاول تصحيح الخبرين مع ًا ليس تام ًا‪ ،‬إ ْذ ال يبعد وحدة‬
‫الروايتين ‪ -‬بنا ًء على صحتهما ‪ -‬ألنّهما تتحدثان عن مضمون متقارب‪ ،‬والراوي فيهما‬
‫مرجح للرواية األولى على الثانية‪ ،‬هذا إن لم نقل ّ‬
‫إن ما تضمنته الرواية‬ ‫واحد‪ ،‬وعليه فال ِّ‬
‫األولى هو من اشتباهات الرواة الذين نقلوا الرواية بالمعنى‪ ،‬ور ّبما تأثروا بالجو الذي أشاعه‬
‫أن حواء ُخلقت من ضلع آدم‪ ،‬كما سيأتي‪.‬‬ ‫قائم على ّ‬ ‫مسلمة اليهود‪ّ ،‬‬
‫ألن االعتقاد التوراتي ٌ‬
‫‪2 -2‬روايات أهل البيت ‪ ‬تكذب الفكرة‬
‫تكذب فكرة خلق حواء من ضلع آدم وتستنكرها‬ ‫إن روايات األئمة من أهل البيت ‪ِّ ‬‬ ‫ّ‬
‫أشدّ االستنكار‪ ،‬فقد روى الصدوق (رحمه الله) بسنده إلى زرارة‪ :‬قال‪ :‬سئل أبو عبد الله‪‬‬
‫وجل خلق حواء من ضلع آدم‬ ‫عز َّ‬ ‫إن الله َّ‬‫إن أناس ًا عندنا يقولون‪ّ :‬‬
‫عن خلق حواء‪ ،‬وقيل له‪ّ :‬‬
‫األيسر األقصى؟ قال‪ :‬سبحان الله وتعالى عن ذلك علو ًا كبير ًا‪ ،‬أيقول من يقول هذا‪ّ :‬‬
‫إن الله‬
‫تبارك وتعالى لم يكن له من القدرة ما يخلق آلدم زوجته من غير ضلعه‪ ،‬وجعل لمتكلم من‬
‫إن آدم كان ينكح بعضه بعض ًا إذا كانت من ضلعه! ما‬ ‫ال إلى الكالم‪ ،‬يقول‪ّ :‬‬ ‫أهل التشنيع سبي ً‬
‫لهؤالء حكم الله بيننا وبينهم‪.(((»..‬‬
‫وفي حديث آخر رواه العياشي عن عمرو بن أبي المقدام عن أبيه قال‪ :‬سألت‬
‫أبا جعفر‪ ‬من أي شيء خلق الله حواء؟ فقال‪ :‬أي شيء يقولون هذا الخلق؟ قلت‪:‬‬
‫يقولون‪ّ :‬‬
‫إن الله خلقها من ضلع من أضالع آدم‪ ،‬فقال‪ :‬كذبوا‪ ،‬أكان الله يعجزه أن يخلقها‬
‫من غير ضلعه؟ فقلت‪ :‬جعلت فداك يا بن رسول الله (ص)‪ :‬من أي شيء خلقها؟ فقال‪:‬‬
‫إن الله تبارك وتعالى قبض قبضة من‬ ‫أخبرني أبي عن آبائه قال‪ :‬قال رسول الله (ص)‪ّ :‬‬
‫طين فخلطها بيمينه ‪ -‬وكلتا يديه يمين ‪ -‬فخلق منها آدم و َف ُضلت فضلة من الطين فخلق‬
‫منها حواء»(((‪.‬‬

‫(((   اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء‪ ،‬ج‪ 17‬ص‪ ،8‬والفتوى بإمضاء‪ :‬صالح الفوزان‪ ،‬وعبد العزيز آل‬
‫الشيخ‪ ،‬وعبد العزيز بن عبد الله بن باز‪.‬‬
‫(((   من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪ .380‬وعلل الشرائع‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.17‬‬
‫(((   تفسير العياشي‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.216‬‬
‫‪175‬‬ ‫المحور الرابع‪ :‬ما روي عن رسول الله(ص) في ذ ّم المرأة‬
‫وفي حديث ثالث رواه الصدوق بإسناده عن معاوية بن عمار‪ ،‬عن الحسن بن‬
‫عبد الله‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده الحسن بن علي بن أبي طالب‪ ،‬قال‪ :‬جاء نفر من اليهود إلى‬
‫رسول الله(ص) ‪ -‬إلى أن قال(ص) ‪« :-‬خلق الله عز وجل آدم من طين‪ ،‬ومن فضلته وبق ّيته‬
‫ُخلقت حواء»(((‪.‬‬
‫«إن حواء ُخلقت من‬‫واستناد ًا إلى هذه األحاديث قال الشيخ الصدوق (رحمه الله)‪ّ :‬‬
‫فضلة الطينة التي خلق منها آدم‪ ‬وكانت تلك الطينة مبقاة من طينة أضالعه‪ ،‬ال أنّها خلقت‬
‫من ضلعه بعدما أكمل خلقه‪ ،‬فأخذ ضلع من أضالعه اليسرى فخلقت منها‪ ،‬ولو كان كما‬
‫إن آدم كان ينكح بعضه‬‫يقول الجهال لكان لمتكلم من أهل التشنيع طريق إلى أن يقول‪ّ :‬‬
‫بعض ًا‪ .‬وهكذا خلق الله عز وجل النخلة من فضلة طينة آدم‪ ،‬وكذلك الحمام فلو كان‬
‫ذلك كله مأخوذ ًا من جسده بعد إكمال خلقه لما جاز أن ينكح حواء‪ ،‬فيكون قد نكح بعضه‬
‫[بعض ًا]‪ ،‬وال جاز أن يأكل التمر ألنّه كان يكون قد أكل بعضه‪ ،‬وكذلك الحمام‪ ،‬ولذلك قال‬
‫النبي(ص) في النخلة‪« :‬استوصوا بعمتكم خير ًا»(((‪.‬‬
‫والروايات المتقدمة عن أهل البيت ‪ ‬باإلضافة إلى صراحتها في تكذيب فكرة خلق‬
‫حواء من ضلع آدم‪ ،‬فإنّها تتضمن وجهين عقليين لرفض الفكرة المذكورة‪ ،‬والوجهان هما‪:‬‬
‫إن قدرة الله تعالى ال تحدّ ‪ ،‬وهو ليس عاجز ًا عن أن يخلق حواء بطريقة بعيدة‬
‫أحدهما‪ّ :‬‬
‫عن اإلشكال‪ ،‬فما الموجب أن يخلق حواء من ضلع آدم مع قدرته على خلقها بالطريقة عينها‬
‫تمت عمل ّية أخذ الضلع من آدم‪ ،‬هل ُأدخل في حالة سبات أو‬ ‫التي خلق بها آدم؟! ثم كيف ّ‬
‫عمل جراحي إلخراج ضلعه مقدمة لخلق حواء منه! وهذا الوجه قد‬ ‫تخدير‪ ،‬ثم ُأجري له ٌ‬
‫أشار له ‪ -‬أيض ًا ‪ -‬الخبر المتقدم المروي عن اإلمام الباقر‪ ‬وفيه‪« :‬كذبوا أكان الله يعجزه‬
‫أن يخلقها من غير ضلعه!»‪.‬‬
‫ً‬
‫متكأ ألخصام‬ ‫إن حواء لو كانت قد ُخلقت من ضلع آدم فهذا سوف يشكّل‬‫والثاني‪ّ :‬‬
‫إن آدم‪ ‬ينكح بعضه بعض ًا!(((‪ .‬وهذا ما ّ‬
‫يتنزه‬ ‫الدين وأهل التشنيع والتشكيك‪ ،‬ليقولوا‪ّ :‬‬

‫(((   األمالي للشيخ الصدوق‪ ،‬ص ‪ ،260‬وعلل الشرائع‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.516‬‬
‫(((   من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪4‬ص ‪.327‬‬
‫صحت الرواية المذكورة بما تضمنته من استهجان خلق حواء من ضلع آدم لما قد يتسببه‬‫(((   أقول‪ :‬ولو ّ‬
‫ال على حرمة زواج الشخص من البنت المتكونة‬ ‫ذلك من تشنيع على الدين وأهله‪ ،‬فهي قد تصلح دلي ً‬
‫يتم استيالدها بطريقة االستنساخ مثالً‪ ،‬كما تناولنا ذلك في مباحث فقه‬
‫من بعض خالياه والتي قد ّ‬
‫الطب في اإلسالم‪.‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪176‬‬
‫الحكيم عن فعله‪ ،‬درء ًا للشبهة وإكماالً وتتميم ًا للحجة على الخلق‪ ،‬وال ّ‬
‫سيما مع وجود‬
‫خيارات أخرى لخلق حواء ال توقع في هذا المحذور‪.‬‬
‫أن هذين الوجهين يرجعان إلى وجه واحد‪ ،‬وهو أنّه مع قدرة الله تعالى على‬ ‫والواقع ّ‬
‫خلق حواء بطريقة بعيدة عن االعتراض الذي قد يتذرع به أهل التشكيك والتشنيع فال موجب‬
‫لخلقها من ضلع آدم‪ ،‬مع ما يستلزمه ذلك من فتح الباب أمام التشكيك في حكمة الله وقدرته‪.‬‬

‫مناقشة االعتراض‬
‫ور ّبما يلوح في ذهن البعض أن يناقش فيما جاء في الكالم المذكور حتى لو كان‬
‫وارد ًا في الروايات‪ ،‬وخالصة هذه المناقشة أنّه ال قبح وال شناعة في أن يتزوج اإلنسان‬
‫امرأ ًة مخلوقة من بعض أجزاء بدنه‪ ،‬ألنّها بعد نفخ الروح فيها ونشأتها تصبح كائن ًا مستقالً‪،‬‬
‫صح الوجه المذكور‬ ‫ثم لو ّ‬ ‫يصح أن يقال لمن يتزوج بها أنّه «ينكح بعضه بعض ًا»‪َّ .‬‬
‫ّ‬ ‫فال‬
‫لكان الزم ذلك صحة االعتراض الذي يوجهه البعض على الزواج الحاصل بين اإلخوة‬
‫أن هذا الزواج مستهجن عقالئي ًا‬ ‫واألخوات من الجيل األول ألوالد آدم‪ ،‬واالعتراض هو ّ‬
‫ويتم التناسل حينها بين‬
‫وال موجب له مع قدرة الله على خلق أزواج من غير أبناء آدم ّ‬
‫الطرفين من دون أي إشكال‪.‬‬
‫تزوج اإلنسان من‬ ‫أن الغرابة واالستهجان والقبح العقالئي في ّ‬‫والجواب على ذلك‪ّ :‬‬
‫تكونت من لحمه ودمه موجودة وال ينبغي إنكارها‪ ،‬وهذا االستهجان حتى لو ُس ِّلم أنّه‬ ‫امرأة ّ‬
‫أن مراعاته من قبل المشرع الحكيم قد‬ ‫غير مبني على أسس واقعية أو اعتبارات عقلية‪ ،‬بيد ّ‬
‫تكون مطلوبة سد ًا للذرائع وإكماالً للحجة‪ ،‬وال س ّيما مع عدم وجود ضرورة تفرض ذلك‪،‬‬
‫بل وجود خيارات أخرى للتزاوج ينتفي معها عذر أهل التشكيك‪ .‬وأ ّما قياس مقامنا على‬
‫تزوج اإلنسان بعضه بعض ًا الحاصل في زواجه‬ ‫تناسل أوالد آدم فهو قياس مع الفارق‪ّ ،‬‬
‫فإن ّ‬
‫تزوج األخ بأخته‪ ،‬هذا من جهة‪ ،‬ومن‬ ‫يصل في بشاعته وغرابته إلى حدّ ّ‬ ‫من ابنته البيولوجية ال ْ‬
‫فإن البديل عن خلق حواء من ضلع آدم كان متاح ًا ودون أي محذور أو إشكال‪،‬‬ ‫جهة أخرى‪ّ ،‬‬
‫وهو خلقها من الطينة نفسها التي خلق منها آدم‪ّ ،‬‬
‫ألن الخلق كان في بدايته‪ ،‬أ ّما بعد انطالق‬
‫األول من أبناء آدم بعضهم من البعض اآلخر لم يكن له بديل‬ ‫تزوج الجيل ّ‬ ‫عمل ّية التناسل ّ‬
‫فإن ّ‬
‫خال من اإلشكال‪ ،‬إذ الخيار اآلخر المطروح في المقام هو الطريق اإلعجازي‪ ،‬أو غير‬ ‫متاح ٍ‬
‫فيتزوج أحدُ أبناء آدم وهو قابيل من الجن ّية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الطبيعي‪ ،‬كأن يخلق الله تعالى جن ّية وحورية‪،‬‬
‫‪177‬‬ ‫المحور الرابع‪ :‬ما روي عن رسول الله(ص) في ذ ّم المرأة‬
‫ويتزوج اآلخر وهو هابيل من الحور ّية(((‪ ،‬وهذا الخيار ‪ -‬على فرض صحته ‪ -‬ال يخلو من‬
‫يزوج قابيل من الجن ّية؟!‬
‫ص هابيل بالحورية‪ ،‬بينما َّ‬ ‫خص ُ‬
‫غرابة‪ ،‬إذ لسائل أن يسأل‪ :‬لماذا ُي َّ‬
‫إن ابن الحور ّية قد يفتخر على‬ ‫أال يؤسس ذلك لزرع الضغينة والحسد بين األخوين حيث ّ‬
‫أن هذا الرأي (اعتماد تناسل أوالد آدم على فكرة‬ ‫ابن الجنية ويتعالى عليه! هذا ناهيك عن ّ‬
‫الحورية والجن ّية) هو فيما يرى بعض المفسرين((( مخالف لكتاب الله تعالى الظاهر في ّ‬
‫أن‬
‫النسل البشري هو من آدم وحواء فقط‪ ،‬وليس منهما ومن جنس ثالث‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﵛﭐﱁ‬
‫فإن ضمير‬ ‫ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ‪...‬ﵚ(((‪ّ ،‬‬
‫بأن الرجال والنساء‬ ‫التثنية في قوله‪ :‬ﵛﭐﱍ ﱎﵚ راجع إلى آدم وحواء‪ ،‬والفقرة بأكملها تُشعر ّ‬
‫بث منهما ومن غيرهما رجاالً ونسا ًء‪.‬‬‫من بني آدم قد تو ّلدوا من آدم وحواء فقط‪ ،‬وإال لقال ّ‬
‫ﵛﭐﱍ ﱎﵚ‬ ‫ألن فقرة‬ ‫ولكن قد يعترض على االستظهار المذكور بأنّه غير دقيق‪ّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫تعرض‬ ‫«تتحدّ ث عن انطالق التناسل منهما (آدم وحواء) باعتبارهما المصدر األول من دون‬
‫لما حدث بعدهما في خصوصية التزاوج فال ظهور لها من هذه الجهة نفي ًا أو إثباتا» ‪.‬‬
‫ً (((‬

‫إضافة في كالم الصدوق‬


‫إن في كالم الشيخ الصدوق المتقدِّ م إضاف ًة لم ترد في النصوص‪ ،‬وهي إنكار ما قد‬
‫ثم‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫ِ‬ ‫ُيحكى أو يروى عن ّ‬
‫أن النخلة أو الحمامة قد ُخلقتا من جسد آدم‪ ،‬وإال ّ‬
‫لصح ألهل التشكيك‬
‫بالدين أن يقولوا‪ :‬كيف يجوز لإلنسان أن يأكل من الحمام أو التمر مع أنّها مخلوقة من‬
‫فإن الشيخ الصدوق قد حمل ما ورد‬ ‫أن آدم يأكل بعضه بعض ًا؟! ولذا ّ‬‫جسده‪ ،‬أال يعني ذلك ّ‬
‫عمة اإلنسان على أنّها خلقت من فاضل طينة اإلنسان‪،‬‬ ‫في بعض األخبار((( من ّ‬
‫أن النخلة هي ّ‬

‫  ورد ذلك في بعض األخبار‪ ،‬انظر‪ :‬بحار األنوار‪ ،‬ج‪ 11‬ص‪.227‬‬ ‫(((‬
‫  انظر‪ :‬الميزان للطبطبائي‪ ،‬ج‪ 4‬ص‪.147-144‬‬ ‫(((‬
‫ سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.1‬‬ ‫(((‬
‫  من وحي القرآن ج‪ 6‬ص‪.3‬‬ ‫(((‬
‫  ففي الخبر عن علي بن أبي طالب‪ ‬قال‪ :‬قال رسول الله (ص)‪« :‬أكرموا عمتكم النخلة‪ ،‬فإنها‬ ‫(((‬
‫خلقت من الطين الذي خلق منه آدم»‪ ،‬انظر‪ :‬مجمع الزوائد للهيثمي‪ ،‬ج‪ 5‬ص‪ .37‬وهو ضعيف السند‪،‬‬
‫ال قال‪ :‬قال النبي(ص) في النخلة‪:‬‬‫انظر‪ :‬تذكرة الموضوعات للفتني‪ ،‬ص‪ ،152‬وروى الصدوق مرس ً‬
‫ال عن‬‫«استوصوا بعمتكم خير ًا» انظر‪ :‬من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج‪ 4‬ص‪ ،327‬وفي المحاسن روى مرس ً‬
‫أبي عبد الله‪« :‬استوصوا بعمتكم النخلة خير ًا فإنّها خلقت من طينة آدم‪ ،‬أال ترون أنّه ليس شيء‬
‫من الشجر ُيلقح غيرها»‪ ،‬انظر‪ :‬المحاسن للبرقي‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.529‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪178‬‬
‫وكذا ما ورد بشأن الحمام‪ ،‬مع أنّني لم أعثر على خبر ُ‬
‫يدل على ّ‬
‫أن الحمام خلق من فاضل‬
‫طينة آدم‪.‬‬
‫ألن قياس األكل على النكاح ليس في محله‪ ،‬وليس‬‫ولك ّن اعتراضه هذا قابل للمناقشة‪ّ ،‬‬
‫أن االستهجان يسري إلى األكل أيض ًا‪.‬‬
‫من الواضح ّ‬
‫أن ما تضمنته بعض األخبار المتقدمة من ّ‬
‫أن حواء‬ ‫وتجدر اإلشارة ‪ -‬أخير ًا ‪ -‬إلى ّ‬
‫خلقت من فاضل طينة آدم‪ ،‬قد يكون مثار إشكال من جهة أنّه يوحي بدونية المرأة ويرمز إلى‬
‫يهون الخطب ّ‬
‫أن الروايات التي‬ ‫محورية الرجل في عمل ّية الخلق وتبعية المرأة له‪ .‬ولك ْن مما ّ‬
‫اشتملت على هذا المضمون لم تصح سند ًا‪ ،‬فال يمكن بناء تصور إسالمي عن بدء عملية‬
‫الخلق استناد ًا إليها‪ ،‬فيبقى التصور القرآني اآلتي هو األساس في هذا المجال‪.‬‬

‫‪3 -3‬ليس للفكرة أساس قرآني‬


‫واالعتراض الثالث الذي يمكن أن نسجله في المقام‪ ،‬هو أنّه ليس لهذه الفكرة (خلق‬
‫حواء من ضلع آدم) مستند قرآني‪ ،‬وربما حاول البعض االستشهاد لها بقوله تعالى‪ :‬ﵛﭐﱅ‬
‫ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌﵚ(((‪ ،‬وقوله تعالى‪ :‬ﵛﭐ ﱡ ﭐﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱧ ﱋ‬
‫أن المراد بالنفس الواحدة في قوله‪ :‬ﵛﱆ ﱇ ﱈ ﱉﵚ‪ ،‬هي‬ ‫ﱌﵚ(((‪ .‬وذلك بنا ًء على ّ‬
‫وأن ِ«م ْن» في قوله‪ :‬ﵛﱊ ﱋ ﱌﵚ هي للتبعيض‪ ،‬أي وخلق من نفس آدم‪‬‬ ‫آدم‪ّ ،‬‬
‫زوجها وهي حواء‪.‬‬
‫ولك ّن هذا التفسير ليس تام ًا‪ ،‬وذلك ألنّه يتوقف على إثبات أمرين‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫‪ّ --1‬‬
‫أن النفس الواحدة هي آدم‪.‬‬
‫‪ّ --2‬‬
‫أن زوجها هي حواء‪.‬‬
‫وكال األمرين ُّ‬
‫محل نقاش‪.‬‬
‫ّ‬
‫فألن اآلية الكريمة لم تحدد لنا المقصود بالنفس الواحدة وأنّها نفس‬ ‫ّأما األول‪:‬‬
‫آدم‪ ،‬وإنّما د ّلت على ّ‬
‫أن البشر خلقوا من نفس واحدة‪ ،‬والنفس في اللغة تأتي بمعنيين‪:‬‬

‫(((  سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.1‬‬


‫(((  سورة األعراف‪ ،‬اآلية ‪.189‬‬
‫‪179‬‬ ‫المحور الرابع‪ :‬ما روي عن رسول الله(ص) في ذ ّم المرأة‬

‫األول‪ :‬الروح‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﭐﵛﭐﲭ ﲮﵚ(((‪ ،‬والمعنى الثاني هو العين والذات‪ ،‬فيقال‪:‬‬
‫«جاءني فالن نفسه»‪ ،‬أي عينه وذاته(((‪ ،‬ونحوها قولهم‪َ « :‬أ ْه َل َك نفسه»‪َ « ،‬أي َأ ْو َق َع ِاإل ْهالك‬
‫بذاته ك ِّلها وحقيقتِها»(((‪ ،‬والنتيجة ال تختلف على التقديرين‪ ،‬ألنّه إذا ُبني على األخذ بالمعنى‬
‫أن البشر خلقوا من نفس‪ /‬روح واحدة‪ ،‬وإذا أخذ‬ ‫األول فجملة «نفس واحدة»‪ ،‬تكون بمعنى ّ‬
‫أن البشر خلقوا من ذات واحدة‪ ،‬أو أصل واحد‪ ،‬ومن هذا األصل خلق‬ ‫بالثاني فيكون المعنى ّ‬
‫الله زوجها‪ ،‬وعلى التقديرين فاآلية لم تحدد ما هي هذه النفس‪ ،‬هل هي نفس آدم أم حواء‬
‫أم غيرهما؟ وما هي هذه الذات أو األصل‪ ،‬هل هي التراب أم ذات آدم‪ ‬أم غيرهما؟ وقد‬
‫أن المراد بالنفس الواحدة هي التراب‪ ،‬قال الشيخ مغنية‪ّ :‬‬
‫«إن ك ً‬
‫ال‬ ‫ذهب بعض المفسرين إلى ّ‬
‫من النفس الواحدة وزوجها خلقا من أصل واحد‪ ،‬وهذا األصل هو التراب»(((‪ ،‬لقوله تعالى‪:‬‬
‫ﵛﭐﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷﵚ(((‪.‬‬
‫أن النفس الواحدة هي آدم‪ ،‬وبالتالي فزوجها هي‬ ‫وأما الثاني‪ :‬فألنّه حتى لو سلمنا ّ‬
‫ّ‬
‫حواء‪ ،‬ولكن ال ظهور في اآلية يقضي بحمل «من» في قوله تعالى‪ :‬ﭐﵛﱊ ﱋ ﱌﵚ‪ ،‬على‬
‫التبعيض‪ ،‬بل من الممكن أن تكون بيان ّية‪ ،‬ليكون المعنى‪« :‬وخلق من جنسها زوجها»‪ ،‬وهذا‬
‫تعرض لها‬ ‫ما يشهد له السياق القرآني العام‪ّ ،‬‬
‫فإن هذه القض ّية‪ ،‬أعني قض ّية خلق اإلنسان قد ّ‬
‫القرآن الكريم في آيات أخرى‪ ،‬منها‪ :‬قوله تعالى‪ :‬ﵛﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ‬
‫ﲁ ﲂﵚ(((‪ ،‬ومنها قوله سبحانه‪ :‬ﵛﭐﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕﵚ(((‪ .‬وهاتان اآليتان‬
‫تشيران إلى حقيقة الخلق التي أشارت لها سائر اآليات المتقدمة‪ ،‬وهما قد استخدمتا ضمائر‬
‫الجمع «أنفسكم‪ /‬لتسكنوا» ولم تستخدما ضمير المفرد‪ ،‬ليتع ّين نظرهما إلى خلق حواء من‬
‫ضلع آدم‪ ،‬كما هو الرأي المشهور في المسألة‪ ،‬وبنا ًء على هذا يكون المراد من اآلية‪ّ :‬‬
‫«أن‬

‫ سورة األنعام‪ ،‬اآلية ‪.93‬‬ ‫(((‬


‫  الصحاح للجوهري‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪.984‬‬ ‫(((‬
‫  وانسجام ًا مع المعنى الثاني تأتي كلمة النفس بمعنى التأكيد‪ ،‬حيث يقال‪« :‬نفس الشيء‪ :‬عينه يؤكد به‪.‬‬ ‫(((‬
‫يقال‪ :‬رأيت فالن ًا نفسه‪ ،‬وجاءني بنفسه» لسان العرب‪ ،‬ج ‪ 6‬ص ‪.233‬‬
‫  التفسير الكاشف‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.244‬‬ ‫(((‬
‫ سورة الروم‪ ،‬اآلية ‪.20‬‬ ‫(((‬
‫ سورة الروم‪ ،‬اآلية ‪.21‬‬ ‫(((‬
‫ سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪.72‬‬ ‫(((‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪180‬‬
‫الله تعالى خلق لكل إنسان من داخل نوعه زوج ًا ال من بعض أعضاء جسده»(((‪ ،‬وال من‬
‫جنس آخر‪.‬‬
‫واستناد ًا إلى ما تقدّ م‪ ،‬قال السيد الطبطبائي (رحمه الله)‪« :‬فما في بعض التفاسير‬
‫وخ ْل ُقها من بعضها‪ ،‬وفاق ًا لما في بعض‬
‫أن المراد باآلية ك َْو ُن زوج هذه النفس مشتقة منها َ‬
‫ّ‬
‫خلق زوجة آدم من ضلع من أضالعه مما ال دليل عليه من اآلية»(((‪.‬‬
‫أن الله َ‬ ‫األخبار ّ‬

‫‪4 -4‬الفكرة ذات جذور توراتية‬


‫ومما يريب في القض ّية (قض ّية خلق حواء من ضلع آدم) ويثير التساؤل حولها‪ ،‬ويبعث‬
‫على التأمل فيها والتحفظ إزاءها‪ ،‬أنّها ذات جذور إسرائيلية توراتية‪ ،‬ما يجعل من المحتمل‬
‫أن تكون الروايات الواردة في ذلك من صنف اإلسرائيليات التي كثرت في تراثنا‪ ،‬وال سيما‬
‫ما يتصل منه بقض ّية بدء الخلق وقصص األنبياء السابقين‪ .‬فقد ورد في اإلصحاح الثاني من‬
‫سفر التكوين ما يلي‪« :‬فأوقع الرب اإلله سبات ًا على آدم فنام‪ ،‬فأخذ واحدة من أضالعه ومأل‬
‫مكانها لحم ًا‪ ،‬وبنى الرب اإلله الضلع التي أخذها من آدم امرأة‪ ،‬وأحضرها إلى آدم‪ ،‬فقال‬
‫عظم من عظامي ولحم من لحمي‪ ،‬هذه تدعى امرأة ألنها من امرئ ٍ ُأخذت»(((‪.‬‬‫آدم‪ :‬هذه اآلن ٌ‬
‫«أن فكرة خلق حواء من ضلع آدم‪ ‬لها جذور عميقة في‬ ‫ويذكر بعض الباحثين ّ‬
‫ميثولوجيا الفكر اإلنساني تمتد آلالف السنين قبل ظهور اإلسالم‪ ،‬ثم انتقلت الفكرة بعد‬
‫ذلك للعهد القديم في الكتاب المقدس‪ ،‬إذ يعتقد كثير من الباحثين ‪ -‬ومن أبرزهم عالم اآلثار‬
‫أن أصل‬ ‫الكبير صمويل نوح كريمر في كتابيه «من ألواح سومر» و«األساطير السومرية» ‪ّ -‬‬
‫فكرة خلق حواء من ضلع من آدم أو من أحد أجزائه يعود إلى ميثولوجيا بعض الحضارات‬
‫المدونة التي‬
‫ّ‬ ‫الشرقية القديمة‪ .‬ففي إحدى أساطير السومريين‪ ،‬وهي من أقدم األساطير‬
‫لقت من ضلع الرجل‪ ،‬حيث تحكي األسطورة ّ‬
‫أن االبن اإللهي‬ ‫بأن المرأة قد ُخ ِ‬
‫وصلتنا‪ ،‬يذكر ّ‬
‫(آنكي) أبو البشر أصيب بمرض شديد فى أحد أضالعه كاد يقضي عليه‪ ،‬فأسرعت اإللهة‬
‫األم (نن هورساج) ‪ Nin Hursag‬وخلقت له إلهة أنثى من ذلك الضلع باسم (نن تي ‪)Nin Ti‬‬
‫مهمتها عالجه وتمريضه‪ ،‬واسم اإللهة (نن تي) مكون من مقطعين (نن) بمعنى سيدة أو ربة‬

‫(((   من وحي القرآن‪ ،‬ج ‪ 7‬ص ‪ ،25‬الطبعة الثانية‪1998 ،‬م‪ ،‬دار المالك‪.‬‬
‫(((   تفسير الميزان‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪.136‬‬
‫(((   الكتاب المقدس‪ ،‬سفر التكوين‪ :‬اإلصحاح الثاني ‪.23-21‬‬
‫‪181‬‬ ‫المحور الرابع‪ :‬ما روي عن رسول الله(ص) في ذ ّم المرأة‬
‫و(تي) بمعنى الضلع فيكون اسمها سيدة الضلع‪ ،‬وهي التى أحيت (آنكي) بعدما أشرف على‬
‫الموت‪ ،‬ويبدو ‪ -‬كما يرى كثير من الباحثين ‪ّ -‬‬
‫أن اليهود الذين عاشوا فترة من الزمن في بابل‬
‫هي سنوات األسر البابلي قد اقتبسوا تلك الفكرة من السومريين‪ ،‬وهم أصحاب الحضارة‬
‫السابقة على البابليين‪ ،‬وأدخلوا عليها بعض التعديالت التي تالئم معتقداتهم‪ ،‬ثم سطروها‬
‫في كتابهم المقدس»(((‪.‬‬
‫أن فكرة خلق حواء من ضلع آدم‪ ،‬ليست من مسلمات الفكر‬ ‫وفي ضوء ما تقدّ م‪ ،‬يتضح ّ‬
‫الديني في تفسير قضية بدء الخلق وال هي من القضايا اإلجماع ّية‪ ،‬وال يؤيدها القرآن الكريم‪،‬‬
‫أن جمع ًا من علماء الفريقين قد رفضوا‬‫و ُي َر َّجح أنّها ذات جذر أو أصل توراتي‪ ،‬ولذا وجدنا ّ‬
‫إن آدم وحواء خلقا من أصل واحد وطينة واحدة(((‪ ،‬ومن أقدم المفسرين الذين‬ ‫الفكرة وقالوا ّ‬
‫المفسر أبي مسلم األصفهاني(((‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫تبنوا هذا القول‬

‫(((   من مقال للباحث‪ ،‬حسني إبراهيم عبد العظيم‪ ،‬منشور على بعض المواقع اإللكترونية‪.‬‬
‫أن حواء خلقت من ضلع آدم‪ ،‬وال مصدر صحيح لهذه‬ ‫(((   يقول الشيخ محمد جواد مغنية‪« :‬من الشائع ّ‬
‫فإن المراد منه اإلشارة إلى المساواة‬ ‫اإلشاعة‪ .‬والخبر الذي جاء به غير معتمد‪ ،‬وعلى تقدير صحته ّ‬
‫وعدم الفرق بين الرجل والمرأة‪ ،‬وأنّها منه‪ ،‬وهو منها»‪ ،‬انظر‪ :‬التفسير الكاشف‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪ .85‬وقال‬
‫أن المرأة قد ُخلقت‬‫الشهيد مطهري‪« :‬وال تجد في القرآن أثر ًا لما تجده في كتب األديان األخرى من ّ‬
‫وأن حواء قد ُخلقت من أحد أعضاء آدم‪‬؛‬ ‫أن المرأة ناقصة الخلقة ّ‬
‫من مادة أدنى من مادة الرجل‪ ،‬أو ّ‬
‫وعليه‪ ،‬نرى أنّه ال توجد في اإلسالم نظرة احتقار تجاه المرأة في طبيعة خلقها وأصلها» انظر كتابه‪:‬‬
‫نظام حقوق المرأة في اإلسالم‪ ،‬ص ‪ ..138‬وقال الشيخ ناصر مكارم‪« :‬وأ ّما الروايات التي تقول بأنّها‬
‫خلقت من ضلع آدم األيسر‪ ،‬فإنّه كالم خاطئ مأخوذ من بعض الروايات اإلسرائيلية‪ ،‬ومطابق في‬
‫الوقت نفسه لما جاء في الفصل الثاني من كتاب التوراة (سفر التكوين) المحرف‪ ،‬إضافة إلى كونه‬
‫أن أحد أضالع آدم قد أخذ وخلقت منه حواء‪،‬‬ ‫إن تلك الروايات ذكرت ّ‬ ‫مخالف ًا للواقع والعقل‪ ،‬إذ ّ‬
‫فإن الرجال ينقصهم ضلع في جانبهم األيسر‪ ،‬في حين أنّنا نعلم بعدم وجود أي فارق بين عدد‬ ‫ولهذا ّ‬
‫أضلع المرأة والرجل‪ ،‬وهذا االختالف ليس أكثر من خرافة»‪ ،‬انظر‪ :‬األمثل‪ ،‬ج‪ 15‬ص‪ .23‬أقول‪:‬‬
‫مخالفته للواقع مفهومة‪ ،‬لكن ال وجه لدعوى مخالفته للعقل‪.‬‬
‫(((   قال الفخر الرازي‪« :‬وفي كون حواء مخلوقة من آدم قوالن‪:‬‬
‫األول‪ :‬وهو الذي عليه األكثرون أنّه لما خلق الله آدم ألقى عليه النوم‪ ،‬ثم خلق حواء من ضلع من‬
‫أضالعه اليسرى‪ ،‬فلما استيقظ رآها ومال إليها وألفها‪ ،‬ألنّها كانت مخلوقة من جزء من أجزائه‪،‬‬
‫تقيمها كسرتها وإن‬‫ذهبت ُ‬
‫َ‬ ‫«إن المرأة خلقت من ضلع أعوج ْ‬
‫فإن‬ ‫واحتجوا عليه بقول النبي(ص)‪ّ :‬‬
‫تركتها وفيها عوج استمتعت بها»‪.‬‬
‫والقول الثاني‪ :‬وهو اختيار أبي مسلم األصفهاني‪ :‬أن المراد من قوله‪ :‬ﵛﱊ ﱋ ﱌﵚ [النساء ‪]1‬‬
‫أي من جنسها وهو كقوله تعالى‪ :‬ﵛﭐﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕﵚ [النحل ‪ ]72‬وكقوله‪ :‬ﵛﭐﲷ ﲸ‬
‫ﲹ ﲺ ﲻ ﲼﵚ [آل عمران ‪ ]164‬وقوله ‪ :‬ﵛﭐﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠﵚ [التوبة ‪=]128‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪182‬‬
‫منشأ االلتباس‬
‫ّ‬
‫إن الروايات المتقدمة الواردة عن أهل البيت ‪ ‬باإلضافة إلى كونها واضحة الداللة‬
‫على نفي الفكرة الشائعة حول خلق حواء من ضلع آدم‪ ،‬فإنّها في الوقت عينه تصلح‬
‫لتفسير االلتباس الذي حصل في سائر الروايات التي اتكأ عليها البعض للقول إنّها خلقت‬
‫من ضلعه‪ ،‬إذ ال يبعد حصول اشتباه لدى الرواة في فهم المعنى الذي رامه النبي(ص)‪،‬‬
‫أن حواء ُخلقت من طينة آدم‪ ،‬أو من طينة ضلعه‪ ،‬ولك ّن‬ ‫فهو(ص) قد يكون تحدّ ث عن ّ‬
‫أن حواء‬‫تم وصوله إلينا بالصيغة المذكورة‪ ،‬أعني ّ‬
‫هذا المعنى ومن خالل النقل المعنعن ّ‬
‫خلقت من ضلع آدم‪.‬‬
‫وما رجحناه في بيان منشأ االلتباس هو الذي ذكره الشيخ الصدوق‪ ،‬فقد ع ّقب على‬
‫الخبر المتقدم قائالً‪ « :‬وأما قول الله عز وجل‪ :‬ﵛﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ‬
‫عز وجل خلق من طينتها زوجها ّ‬
‫وبث‬ ‫ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑﵚ(((‪ ،‬فإنّه روي أنّه ّ‬
‫«أن حواء خلقت من ضلع آدم األيسر» صحيح‪،‬‬ ‫منهما رجاالً كثير ًا ونسا ًء‪ .‬والخبر الذي روي ّ‬
‫ومعناه‪ :‬من الطينة التي َف ُضلت من ضلعه األيسر»‪َّ .‬‬
‫ثم أردف الشيخ الصدوق قائالً‪« :‬فلذلك‬
‫صارت أضالع الرجل أنقص من أضالع النساء بضلع»(((‪.‬‬
‫ونالحظ ّ‬
‫أن الصدوق جمع في كالمه اآلنف بين أمرين‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫‪--1‬أنّها لم تخلق من ضلع آدم‪ ‬وإنّما من فاضل طينة ضلعه‪.‬‬
‫أن أضالع الرجل ّ‬
‫أقل من أضالع المرأة بضل ٍع واحد‪.‬‬ ‫‪ّ --2‬‬
‫متفرع ًا على األول‪ ،‬وهذا التفريع غير مفهوم‪ ،‬بخالفه‬ ‫وقد َج َع َل رحمه الله َ‬
‫األمر الثاني ّ‬
‫على الرأي اآلخر والذي يفترض أنّها خلقت من الضلع نفسه‪ّ ،‬‬
‫فإن المرأة إذا كانت مخلوقة‬

‫= قال القاضي‪ :‬والقول األول أقوى‪ ،‬لكي يصح قوله‪ :‬ﵛﭐﱆ ﱇ ﱈ ﱉﵚ [النساء ‪ ]1‬إذ لو كانت حواء‬
‫مخلوقة ابتداء لكان الناس مخلوقين من نفسين‪ ،‬ال من نفس واحدة‪ ،‬ويمكن أن ُيجاب عنه بأن كلمة‬
‫«من» البتداء الغاية‪ ،‬فلما كان ابتداء التخليق واإليجاد وقع بآدم‪ ‬صح أن يقال‪ :‬خلقكم من نفس‬
‫واحدة‪ ،‬وأيض ًا فلما ثبت أنّه تعالى قادر على خلق آدم من التراب كان قادر ًا أيض ًا على خلق حواء من‬
‫التراب‪ ،‬وإذا كان األمر كذلك‪ ،‬فأي فائدة في خلقها من ضلع من أضالع آدم؟»‪ ،‬انظر‪ :‬تفسير الفخر‬
‫الرازي‪ ،‬ج‪ 9‬ص‪.161‬‬
‫(((  سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.1‬‬
‫(((   من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪.380‬‬
‫‪183‬‬ ‫المحور الرابع‪ :‬ما روي عن رسول الله(ص) في ذ ّم المرأة‬
‫من ضلع آدم فيكون نقص ضلع من أضالعه مفهوم ًا‪ ،‬ولكن إذا كانت مخلوقة من فاضل طينة‬
‫الضلع‪ ،‬فما المبرر ليكون آدم أنقص منها بضلع؟!‬
‫أن مستند الشيخ الصدوق في هذا الرأي الذي جمع فيه بين هاتين الفكرتين‬ ‫والذي يبدو ّ‬
‫‪-‬مع أنّه ال رابط منطقي ًا بينهما ‪ -‬هو األخبار‪ ،‬فقضية خلق حواء من ضلع آدم إنما نفاها‬
‫بأن أضالع الرجل أنقص من أضالع المرأة‬ ‫لتكذيب األخبار المتقدّ مة لذلك‪ ،‬وأ ّما التزامه ّ‬
‫بضلع واحد فقد آمن بها اعتماد ًا على رواية الخنثى اآلتية في الوقفة الثانية‪ .‬والصدوق (رحمه‬
‫الله) بتبنيه لهذا الرأي الذي يجمع بين األمرين المشار إليهما‪ ،‬ينسجم مع مسلكه األخباري‬
‫الذي يعتمد على مرجع ّية الخبر في بناء التصورات العقدية والتشريعية وغيرها‪.‬‬
‫ونحن نوافقه على مضمون األمر األول‪ ،‬أعني في نفيه أن تكون حواء خلقت من ضلع‬
‫آدم‪ ،‬وذلك لما تقدم في الوقفة األولى وما سيأتي أيض ًا‪ .‬ولكننا نخالفه في األمر الثاني‪،‬‬
‫أعني في نقص أضالع آدم عن أضالع حواء بضلع واحد‪ ،‬وذلك لما سيأتي في الوقفة الثانية‪.‬‬

‫الوقفة الثانية‪ :‬نق�ص �أ�ضالع الرجل عن �أ�ضالع المر�أة!‬


‫ثم إنّه وبصرف النظر عن صواب ّية أو خطأ الفكرة المتقدمة حول خلق حواء من ضلع‬ ‫ّ‬
‫المتفرعة عليها للدرس‪ ،‬وهي فكرة نقص‬
‫ّ‬ ‫فإن علينا ‪ -‬أيض ًا ‪ -‬أن نخضع الفكرة األخرى‬
‫آدم‪ّ ،‬‬
‫أن بطالن األصل (خلق‬ ‫أضالع الرجل عن أضالع المرأة بضلع واحد؛ ألنّه وعلى الرغم من ّ‬
‫يتفرع عليه‪ ،‬ولكن مع ذلك ّ‬
‫فإن هذا الفرع‬ ‫حواء من أضالع آدم) قد يعني حكم ًا بطالن ما ّ‬
‫(نقص أضالع الرجل عن أضالع المرأة) جدير بالبحث والدرس‪ ،‬ألننا قد الحظنا ّ‬
‫أن الشيخ‬
‫تفرع عليها‬
‫الصدوق ‪ -‬ورغم رفضه ألصل فكرة خلق حواء من ضلع آدم‪ - ‬قد تبنى ما ّ‬
‫أن هذا الفرع غدا ً‬
‫متكأ‬ ‫من نقص أضالع آدم عن أضالع زوجته حواء بضلع واحد‪ ،‬ناهيك عن ّ‬
‫ومستند ًا لفتوى شرع ّية‪ ،‬وهي تحديد جنس الخنثى المشكل‪ ،‬من خالل عدّ أضالعه‪ ،‬فإن‬
‫كانت األضالع ناقصة في أحد الجانبين كان رجالً‪ ،‬وأ ّما إذا كانت متساوية كان ذلك أمارة‬
‫على كونها أنثى‪.‬‬
‫والسؤال‪ :‬ما هو المستند لهذا القول حول نقص أضالع الرجل عن أضالع المرأة؟‬
‫إن مستنده األساس هو ما روي عن اإلمام علي‪ ‬في قضية تحديد جنس‬ ‫والجواب‪ّ :‬‬
‫الخنثى‪ ،‬فقد روى الشيخ الطوسي بإسناده إلى ميسرة‪ ،‬قال‪َ :‬ت َقدَّ َم ْت إلى شريح امرأ ٌة فقالت‪:‬‬
‫اص َم ًة‪ ،‬فقال لها‪ :‬وأين َخ ْص ُم ِك؟ فقالت‪ :‬أنت خصمي‪ ،‬فأخلى لها المجلس‪،‬‬ ‫إنّي جئتك م َخ ِ‬
‫ُ‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪184‬‬
‫وقال لها‪ :‬تك ّلمي فقالت‪ :‬إني امرأة لي إحليل ولي فرج! فقال‪ :‬قد كان ألمير المؤمنين‪ ‬في‬
‫ورث من حيث جاء البول‪ ،‬قالت‪ :‬إنّه يجيء منهما جميع ًا‪ ،‬فقال لها‪:‬‬ ‫هذا قضية (أي قضاء)‪ّ ،‬‬
‫من أين سبق البول؟ قالت‪ :‬ليس منهما شيء يسبق البول يجيئان في وقت واحد وينقطعان‬
‫في وقت واحد‪ ،‬فقال لها‪ :‬إنّك لتخبرين بعجب‪ ،‬فقالت‪ :‬أخبرك بما هو أعجب من هذا!‬
‫تزوجني ابن عم لي وأخدمني خادم ًا فوطأتها فأولدتها‪ ،‬وإنّما جئتك لما ولد لي لتفرق بيني‬
‫وبين زوجي‪ ،‬فقام من مجلس القضاء فدخل علي‪ ‬فأخبره بما قالت المرأة‪ ،‬فأمر بها‬
‫فأدخلت وسألها عما قال القاضي فقالت‪ :‬هو الذي أخبرك‪ ،‬قال‪ :‬فأحضر زوجها ابن عمها‪،‬‬
‫فقال له علي أمير المؤمنين‪ :‬هذه امرأتك وابنة عمك؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬قد علمت ما كان؟‬
‫قال‪ :‬نعم قد أخدمتها خادم ًا فوطأتها فأولدتها قال‪ :‬ثم وطأتها بعد ذلك؟ قال نعم‪ :‬قال له‬
‫علي‪ :‬ألنت أجرأ من خاصي األسد‪ ،‬علي بدينار الخصي وكان معدالً وبامرأتين فأتي‬
‫بهم‪ ،‬فقال لهم‪ :‬خذوا هذه المرأة ‪ -‬إن كانت امرأة ‪ -‬فأدخلوها بيت ًا وألبسوها نقاب ًا وجردوها‬
‫من ثيابها وعدوا أضالع جنبيها ففعلوا ثم خرجوا إليه فقالوا له‪ :‬عدد الجنب األيمن اثنا عشر‬
‫ضلع ًا والجنب األيسر أحد عشر ضلع ًا‪ ،‬فقال‪ :‬علي‪ :‬الله أكبر‪ ،‬ايتوني بالحجام فأخذ من‬
‫شعرها وأعطاها ردا ًء وحذا ًء وألحقها بالرجال فقال الزوج‪ :‬يا أمير المؤمنين امرأتي وابنة‬
‫عمي ألحقتها بالرجال ممن أخذت هذه القضية!!؟ قال‪ :‬إنّي َو ِر ْثت َُها من أبي آدم وأمي حواء‪،‬‬
‫أقل من أضالع النساء بضلع؛ وعدة أضالعها أضالع‬ ‫خلقت من ضلع آدم‪ ،‬وأضالع الرجال ُّ‬
‫رجل‪ ،‬وأمر بهم ُفأ ْخ ِر ُجوا»(((‪.‬‬
‫ورواه الشيخ الصدوق بإسناده عن محمد بن قيس عن أبي جعفر‪ ،(((‬وهو مروي‬
‫أيض ًا في مصادر ّ‬
‫السنة‪ ،‬فقد رواه ابن وكيع في أخبار القضاة بسند يتقاطع ويشترك مع السند‬
‫الذي رواه الشيخ الطوسي في عدة أسماء(((‪.‬‬

‫(((   تهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ 9‬ص ‪.354‬‬


‫(((   من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ 44‬ص ‪.328‬‬
‫الله ْبن معاوية‪ ،‬قال‪َ :‬حدَّ َثنِ ْي‪ ‬أبي‪،‬‬
‫(((   قال محمد بن خلف وكيع في أخبار القضاة‪« :‬حدَّ َثنَا علي بن َعبد ِ‬
‫ْ ْ‬ ‫َ‬
‫َعن أبيه معاوية‪َ ،‬عن ميسرة‪َ ،‬عن شريح‪ :‬قال‪ :‬تقدمت‪ ‬إِ َلى‪ ‬شريح امرأة‪ ،‬فقالت‪ :‬إني امرأة لي إحليل‪،‬‬
‫ولي فرج‪ ،‬قال‪ :‬قد كان ألمير المؤمنين في َه َذا قضية‪ ،‬ورث من َح ْي ُث يجيء البول‪ ،‬قالت‪ :‬إنه يجيء‬
‫منهما جميع ًا‪َ ،‬ق َال‪ :‬فانظري من أين يسبق‪ ،‬قالت‪ :‬ليس شيء منهما يسبق صاحبه إنما يجيئان في وقت‪،‬‬
‫أن علي ًا رضي الله عنه قال‪=:‬‬ ‫وينقطعان في وقت‪ .‬قال‪ :‬إنك لتخبريني بعجيب‪ ...،‬وساق الخبر‪ ،‬وفيه ّ‬
‫‪185‬‬ ‫المحور الرابع‪ :‬ما روي عن رسول الله(ص) في ذ ّم المرأة‬
‫وهكذا فقد روى السكوني عن جعفر بن محمد‪ ،‬عن أبيه‪ّ ‬‬
‫«أن علي بن أبي طالب‪‬‬
‫كان يورث الخنثى فيعد أضالعه‪ ،‬فإن كانت أضالعه ناقصة من أضالع النساء بضلع ورث‬
‫ألن الرجل تنقص أضالعه عن ضلع النساء بضلع‪ّ ،‬‬
‫ألن حواء خلقت من ضلع‬ ‫ميراث الرجل‪ّ ،‬‬
‫آدم‪ ‬القصوى اليسرى فنقص من أضالعه ضلع واحد»(((‪.‬‬
‫ولك ّن هذه الفكرة والتي نجد جذورها في التوراة‪ ،‬حيث جاء في النص التوراتي‬
‫المتقدم‪« :‬فأخذ (أي الله) واحدة من أضالعه (أي آدم) ومأل مكانها لحم ًا» ليست تامة‪،‬‬
‫وذلك‪:‬‬
‫إن هذه القض ّية ونظائرها ال ُيعتمد فيها على أخبار اآلحاد حتى لو كانت صحيحة‪،‬‬ ‫أوالً‪ّ :‬‬
‫أئمة‬ ‫السنة ليس نقي السند‪ّ ،‬‬
‫ألن ّ‬ ‫وما ورد في المقام هو آخبار آحاد‪ ،‬وما روي منها من طرق ُّ‬
‫الجرح والتعديل أنكروا الخبر وض ّعفوا سنده‪ ،‬يقول ابن أبي حاتم الرازي بعد نقل الخبر‪:‬‬
‫«حدثنا عبد الرحمن قال‪ :‬سمعت أبي يقول‪ :‬كتبت هذا الحديث ألسمعه من علي بن‬
‫عبد الله‪ ،‬فلما تدبرته فإذا هو ِش ْب ُه الموضوع‪ ،‬فلم أسمعه على العمد»(((‪ .‬وأ ّما عند الشيعة‪،‬‬
‫فسند الشيخ الصدوق إلى أبي جعفر‪ ‬معتبر‪ ،‬وأ ّما سند الشيخ الطوسي فلم تثبت وثاقة‬
‫بعض رجاله‪ ،‬وكذلك خبر السكوني(((‪ ،‬ولكن صحة سند الرواية ال يكفي لالعتماد عليها‬
‫كما عرفت‪.‬‬
‫تضمنه هذا الخبر من نقص أضالع المرأة عن أضالع الرجل بضلع واحد‪،‬‬ ‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫إن ما ّ‬
‫والحس‪ ،‬فقد‬
‫ّ‬ ‫هو كالم ال يعقل صدوره عن أمير المؤمنين‪ّ ،‬‬
‫ألن ذلك مما يكذبه العيان‬
‫أكدّ علم التشريح بشكل قاطع وحاسم على مساواة أضالع المرأة ألضالع الرجل‪ ،‬وهما‬

‫خذوا هذه المرأة‪ ،‬إن كانت امرأة فأدخلوها بيت ًا وألبسوها ثياب ًا‪ ،‬وعدوا أضالع جنبيها‪ .‬ففعلوا‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫= ‬
‫عدد الجنب األيمن أحد عشر‪ ،‬وعدد األيسر اثنا عشر؛ َف َق َال علي‪ :‬الله أكبر‪ .‬فأمر لها برداء وحذاء‬
‫وألحقها بالرجال‪َ .‬ف َق َال زوجها‪ :‬يا أمير المؤمنين زوجتي وابنة عمي‪ ،‬فرقت بيني وبينها‪ ،‬فألحقتها‬
‫إن الله عز وجل خلق‬ ‫بالرجال‪ ،‬عمن أخذت هذه القصة؟ قال‪ :‬إنّي أخذتها َعن أبي آدم (ص)‪ّ .‬‬
‫حواء‪ ،‬ضلع ًا من أضالع آدم‪ ،‬فأضالع الرجال أقل من أضالع الن َِّساء بضلع»‪ .‬انظر‪ :‬أخبار القضاة‪،‬‬
‫ج‪ 2‬ص ‪.197‬‬
‫  من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪4‬ص ‪.327‬‬ ‫(((‬
‫  الجرح والتعديل‪ ،‬ج ‪ 6‬ص ‪.193‬‬ ‫(((‬
‫  أما خبر الشيخ ففي سنده علي بن عبد الله بن معاوية بن ميسرة‪ ،‬ووالده عبد الله‪ ،‬وهذان ال توثيق‬ ‫(((‬
‫لهما‪ ،‬وأ ّما الخبر اآلخر ففي سنده النوفلي وهو ممن لم تثبت وثاقته بنحو يعتد بخبره وال سيما في‬
‫مثل المقام‪.‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪186‬‬
‫للحس‬
‫ّ‬ ‫أن أحد معايير قبول الخبر هو عدم معارضته‬ ‫اثنا عشر ضلع ًا من كل جانب‪ ،‬ومعلوم ّ‬
‫والحقائق العلم ّية‪.‬‬
‫ك ُل األخذ بها من جهة أخرى‪ ،‬وهي‬ ‫إن هذه العالمة (عدّ أضالع الخنثى) ي ْش ِ‬ ‫ثالث ًا‪ّ :‬‬
‫ُ‬
‫كل‬ ‫وجود روايات صحيحة السند تنص على عالمات أخرى لتحديد نوع الخنثى الم ْش ِ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫أن الخنثى ُيختبر بخروج البول‪ ،‬فإن‬ ‫وكيف ّية التعامل معه شرع ًا‪ ،‬حيث تذكر تلك األخبار ّ‬
‫كان البول يخرج من مخرج الرجال فهو ذكر‪ ،‬وإن كان يخرج من مخرج النساء فهو أنثى‪،‬‬
‫فيورث ‪ -‬الخنثى ‪-‬‬ ‫وعند تساوي خروج البول وانقطاعه من فرجي الرجال والنساء‪ّ ،‬‬
‫نصف ميراث الرجل ونصف ميراث النساء(((‪ .‬وتذكر روايات أخرى أنّه ُيلجأ إلى القرعة‬
‫دل على‬ ‫لتحديد طريقة التعامل معه شرع ًا في قض ّية الميراث((( فيكون ذلك معارض ًا لما ّ‬
‫اعتماد عدّ األضالع‪ ،‬ألنّه لو كانت عالمة عدّ األضالع معتبرة ومعتمدة في الشرع فال‬
‫ألن القرعة لكل أمر‬ ‫موجب للتنصيف في ميراث الخنثى‪ ،‬وال موجب ‪ -‬أيض ًا ‪ -‬للقرعة‪ّ ،‬‬
‫مشكل ومجهول(((‪ ،‬وال جهالة مع العالمة المذكورة‪ ،‬أعني عالمة عدّ األضالع‪ ،‬فإنّها‬
‫عالمة تورث اليقين‪ ،‬ألنّها تعتمد على عنصر حسي ال ُيخطئ‪ ،‬فكان الالزم اعتماد هذه‬
‫العالمة بدالً عن سائر العالمات‪ .‬‬

‫‪--5‬حديث‪�« :‬شاوروهن وخالفوهن»‬


‫ومن جملة األحاديث المرو ّية عنه(ص) أنّه قال‪« :‬شاوروه ّن وخالفوه ّن‪ّ ،‬‬
‫فإن في‬
‫خالفه ّن البركة»‪.‬‬

‫ال و َله‬ ‫(((   من قبيل صحيحة ِه َشا ِم ْب ِن سالِ ٍم َع ْن َأبِي َع ْب ِد ال َّله‪َ ‬ق َال‪ُ :‬ق ْل ُت َله‪« :‬ا ْلم ْو ُلو ُد ُيو َلدُ َله ما لِلر َج ِ‬
‫َ ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ث ِم ْن َح ْي ُث َس َب َق َب ْو ُله‪َ ،‬فإِ ْن َخ َر َج ِمن ُْه َما َس َوا ًء َف ِم ْن َح ْي ُث َينْ َب ِع ُث َفإِ ْن كَانَا َس َوا ًء‬ ‫ما لِلنِّس ِ‬
‫اء؟ َق َال‪ُ :‬ي َو َّر ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الر َجال والن َِّساء»‪ ،‬انظر‪ :‬الكافي‪ ،‬ج ‪ 7‬ص ‪ .157‬ومعتبرة إسحاق بن عمار عن جعفر بن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ُو ِّرث م َيراث ِّ‬
‫أن علي ًا‪ ‬كان يقول‪ :‬الخنثى يورث من حيث يبول‪ ،‬فان بال منهما جميع ًا فمن‬ ‫محمد عن أبيه‪ّ ‬‬
‫أيهما سبق البول ورث منه فإن مات ولم يبل فنصف عقل المرأة ونصف عقل الرجل»‪ ،‬انظر‪ :‬تهذيب‬
‫األحكام‪ ،‬ج‪ 9‬ص‪.354‬‬
‫(((   من قبيل صحيح عبد الله بن مسكان قال‪ :‬سئل أبو عبد الله‪ ‬وأنا عنده عن مولود ليس بذكر‬
‫وأنثى ليس له إال دبر كيف يورث؟ قال‪ :‬يجلس االمام ويجلس عنده أناس من المسلمين فيدعون الله‬
‫ويجيل السهام عليه على أي ميراث يورثه ثم قال‪ :‬وأي قضية أعدل من قضية ُيجال عليها بالسهام!!‬
‫يقول الله تعالى‪ :‬ﵛﭐﲆ ﲇ ﲈ ﲉﵚ [الصافات ‪ ،»]141‬انظر‪ :‬تهذيب األحكام‪ ،‬ج‪ 9‬ص‪.375‬‬
‫(((   ففي معتبرة محمد بن حكيم قال‪ :‬سألت أبا الحسن موسى بن جعفر‪ ‬عن شيء؟ فقال لي‪« :‬كل‬
‫مجهول ففيه القرعة»‪ ،‬انظر‪ :‬من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج‪ 3‬ص ‪ ،9‬وتهذيب األحكام‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪.240‬‬
‫‪187‬‬ ‫المحور الرابع‪ :‬ما روي عن رسول الله(ص) في ذ ّم المرأة‬
‫الت�أمل في الحديث �سند ًا وم�ضمون ًا‬
‫وهذا الحديث ال أصل له‪ ،‬وفي أحسن األحوال فإنّه حديث مرسل أو ضعيف وال يعتد به(((‪.‬‬
‫وبصرف النظر عن السند‪ ،‬فلو أنّنا تأملنا في المضمون سنجد أنّه ال يخلو من‬
‫غرابة‪ ،‬ويبعد تصديق صدوره عن النبي(ص)‪ ،‬إذ لنا أن نسأل ما معنى مشاورتهن‬
‫ثم مخالفتهن؟‬
‫أن الدعوة إلى ترك مشاورة النساء لها وجه‪ ،‬لك ّن األمر غير‬ ‫سنفترض ونس ِّل ُم جدالً ّ‬
‫فإن ذلك أفضل وصفة إلثارة‬ ‫ثم مخالفتهن! ّ‬ ‫المفهوم هو الدعوة إلى مشاورتهن ومن ّ‬
‫أن إرشاد ًا أو توجيه ًا يؤدي إلى ذلك ال يمكن أن‬
‫غضبه ّن وخلق مشكلة معه ّن‪ ،‬ومن المعلوم ّ‬

‫(((   هذا الحديث ورد في بعض الكتب االستداللية الفقهية‪ ،‬انظر‪ :‬المبسوط للسرخسي‪ ،‬ج‪ 14‬ص‪،44‬‬
‫وذكره ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البالغة‪ ،‬ج‪ 18‬ص‪ ،199‬وقال الفتني في تذكرة‬
‫الموضوعات‪ ،‬ص‪« :128‬في المقاصد‪« :‬شاوروهن وخالفوهن»‪ ،‬لم أره مرفوع ًا‪ ،‬ولكن روي عن‬
‫فإن في خالفهن البركة»‪ ،‬بل روي عن أنس رفعه‪« :‬ال يفعلن أحدكم أمر ًا حتى‬ ‫عمر «خالفوا النساء ّ‬
‫فإن في خالفها البركة»‪ .‬وفي سنده‬‫يستشير فإن لم يجد من يستشيره فليستشر امرأة ثم ليخالفها‪ّ ،‬‬
‫عيسى ضعيف جد ًا مع أنّه منقطع»‪ ،‬وقال المنّاوي‪« :‬وأما ما اشتهر على األلسنة من خبر‪« :‬شاوروهن‬
‫وخالفوهن» فال أصل له» انظر‪ :‬فيض القدير شرح الجامع الصغير‪ ،‬ج‪ 4‬ص‪ ،347‬وربما يقال‪ّ :‬‬
‫إن‬
‫تسرب إليها من مصادر أخرى‪ ،‬فالمصدر‬ ‫الحديث ال أصل له في المصادر الحديثية الشيعية‪ ،‬ولكنه ّ‬
‫الشيعي الذي رواه هو نزهة األبصار ومحاسن اآلثار‪ ،‬ص ‪ ،333‬لكنه مرسل‪ ،‬ورواه أيض ًا في «مكارم‬
‫ال عن أنس قال‪ :‬قال النبي(ص)‪« :‬ال يفعل ّن أحدكم أمر ًا حتى يستشير‪،‬‬ ‫األخالق» للطبرسي‪ ،‬مرس ً‬
‫فإن في خالفها بركة»‪ ،‬انظر‪ :‬مكارم األخالق‪،‬‬‫فإن لم يجد من يستشير فليستشر امرأته ثم يخالفها‪ّ ،‬‬
‫تم نقل الخبر في بعض الكتب الحديث ّية‬ ‫ص‪ ،239‬وهذا السند لم يعهد في المصادر الشيعية‪ ،‬وقد ّ‬
‫المتأخرة‪ ،‬انظر‪ :‬عوالي الآللي‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪ ،290‬ونقله عنه في بحار األنوار‪ ،‬ج‪ 74‬ص‪ .165‬ولم يذكره‬
‫ال في هداية األمة إلى أحكام األئمة‪ ،‬ج‪ 5‬ص‪،142‬‬ ‫الشيخ الحر في «وسائل الشيعة»‪ ،‬ولك ْن أورده مرس ً‬
‫وهكذا وجدناه مروي ًا على نحو اإلرسال في الفوائد المدنية والشواهد المك ّية للمحدث األخباري‬
‫محمد أمين اإلسترابادي‪ ،‬ص‪ ،387‬وقد سئل السيد السيستاني عن الحديث المذكور‪ ،‬فأجاب‪« :‬لم‬
‫أجد هذا المضمون في حديث معتبر‪ ،‬وعلى كل حال‪ ،‬فلعل المقصود أنّهن ضعيفات في إدراك ما‬
‫يلزم الرجال مالحظته في المجتمع مع تأثرهن الشديد بالعواطف واألحاسيس وغلبة ذلك فيهن‬
‫على التعقل والتدبر‪ ،‬وهذا هو الغالب كما نشاهده»‪ .‬انظر‪ :‬استفتاءات ص‪ .577‬هذا ولك ّن العالمة‬
‫المجلسي قد رواه عن بعض المصادر بصيغة أخرى‪ ،‬عن كتاب اإلمامة والتبصرة لعلي بن بابويه‪ :‬عن‬
‫هارون بن موسى‪ ،‬عن محمد بن علي‪ ،‬عن محمد بن الحسين‪ ،‬عن علي بن أسباط‪ ،‬عن ابن فضال‪،‬‬
‫فإن خالفهن‬ ‫عن الصادق‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن آبائه‪ ،‬عن النبي (ص) قال‪« :‬شاوروا النساء وخالفوهن‪ّ ،‬‬
‫بركة»‪ ،‬انظر‪ :‬بحار األنوار‪ ،‬ج‪ 100‬ص‪ ،262‬وهذا السند من أسانيد الشيعة‪ ،‬كما الكتاب والمؤلف‪.‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪188‬‬
‫مشرع عاقل وحكيم‪ ،‬فكيف بسيد العقالء والحكماء محمد بن عبد الله(ص)؛‬ ‫يصدر عن ِّ‬
‫أن الحق هو في‬‫ثم مخالفته ّن إال افتراض ّ‬ ‫ثمة وجه للدعوة إلى مشاورتهن ومن ّ‬ ‫فال يبقى ّ‬
‫ٍ‬
‫طريق لمن أراد‬ ‫أن النساء ال يهتدين إلى وجه الحق أبد ًا‪ ،‬ولذا َفأ ْس َه ُل‬
‫مخالفتهن‪ ،‬على اعتبار ّ‬
‫ثم مخالفتها‪ .‬ويظهر من بعض أعالم المدرسة‬ ‫الحق هو في استشارة امرأة ومن ّ‬
‫التعرف على ّ‬ ‫ّ‬
‫األخبارية (األمين اإلسترابادي) تبنّي هذا الرأي‪ ،‬حيث قال‪« :‬من جملة نعماء الله تعالى على‬
‫الحق في ّ‬
‫كل مسألة‬ ‫الطائفة المح ّقة‪ :‬أنّه خ ّلى بين الشيطان وبين علماء العا ّمة ليض ّلهم عن ّ‬
‫حق النساء‪ :‬شاوروهن‬ ‫نظرية‪ ،‬ليكون األخذ بخالفهم لنا ضابطة كلية‪ ،‬نظير ذلك ما ورد في ّ‬
‫وخالفوه ّن»(((‪.‬‬
‫أن هذه قاعدة عامة وطريقة كل ّية‬‫فاإلسترابادي ومن خالل التشبيه المذكور يفترض ّ‬
‫ثم ُخ ْذ‬
‫فاستشر امرأة ما ّ‬
‫ْ‬ ‫عمل معين َأ ُت ْق ِد ُم عليه أم ال؟‬
‫ٍ‬ ‫تهدي إلى الحق‪ ،‬فإذا ُكن َْت حائر ًا في‬
‫بخالف ما تشيره عليك!‬
‫ولك ّن هذا المعنى ال يمكن القبول به وال نسبته إلى المشرع الحكيم‪ ،‬ال في المقيس‬
‫(مخالفة المرأة) وال في المقيس عليه (مخالفة العامة)‪ ،‬وتوضيح ذلك‪:‬‬
‫الحق‬ ‫أوالً‪ :‬أ ّما في المقيس عليه‪ّ ،‬‬
‫فألن «األخذ بمخالفة العامة»‪ ،‬لم ينطلق من مبدأ كون ّ‬
‫أن األئمة ‪ ‬قد صدر عنهم بعض‬‫في خالفهم كقاعدة كل ّية ومطردة‪ ،‬وإنّما المقصود بذلك ّ‬
‫األحكام التي ال تم ّثل رأيهم‪ ،‬بل طرحوها انسجام ًا مع رأي المذهب اآلخر‪ ،‬وذلك ألحد‬
‫سببين‪ ،‬وكالهما يصلح تفسير ًا لدعوتهم إلى األخذ بما خالف ُّ‬
‫السنة‪:‬‬
‫السبب األول‪ :‬ظروف التق ّية التي ألجأتهم إلى ذلك‪ .‬وحينئذ فعند التباس األمر وعدم‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‬ ‫معرفة رأيهم ‪ ‬الواقعي‪ ،‬بسبب اختالف الروايات المنقولة عنهم يكون من الطبيعي‬
‫ألن ما وافقها يكون صادر ًا للتق ّية‪.‬‬
‫األخذ بما خالف المدرسة األخرى المتبناة من قبل السلطة‪ّ ،‬‬
‫والسبب الثاني‪ :‬إفتا ُء السائل طبق ًا لمذهبه‪ ،‬حيث إنّهم ‪ ‬بحكم مرجعيتهم اإلسالمية‬
‫العامة كانوا أحيان ًا يفتون الناس على طبق مذاهبهم‪ ،‬فإذا استفتي اإلمام‪ ‬من قبل شخص‬
‫ّبع‬
‫حق في نظره‪ ،‬وإذا استفتاه من يت ُ‬
‫يأخذ برأيه ويؤمن بإمامته أو بفقاهته‪ ،‬فإنّه‪ ‬يفتيه بما هو ٌّ‬
‫لما ن ُِقلت الفتويان عنه‪ ‬التبس األمر في معرفة رأيه‪،‬‬
‫ثم ّ‬‫غيره أجابه‪ ‬بما عند اآلخرين‪ّ ،‬‬ ‫َ‬
‫(((   الفوائد المدنية والشواهد المكية‪ ،‬ص ‪.387‬‬
‫‪189‬‬ ‫المحور الرابع‪ :‬ما روي عن رسول الله(ص) في ذ ّم المرأة‬
‫«إن ما كان موافق ًا للعامة فإنما قلته لهم كي يأخذوا بمذهبهم‪ ،‬وما كان‬
‫فسئل‪ ‬فكان جوابه‪ّ :‬‬
‫منه مخالف ًا لهم فإنما قلته بيان ًا للحقيقة كي يأخذ به المقتدون بنا»(((‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬وأما في المقيس (األخذ بما خالف المرأة)‪ ،‬فألنّنا نسأل كيف نفهم الدعوة إلى‬
‫األخذ بخالف ما أشارت به المرأة؟‬
‫ذكر بعض العلماء ثالثة تفسيرات لذلك‪:‬‬
‫المرجحات‬
‫ّ‬ ‫«أحدها‪ :‬أنّه أراد‪ ‬أنّه إذا َع ِم َي (خفي) وجه المصلحة في أمر عند تساوي‬
‫المرجح‬
‫ّ‬ ‫مرجح في أحدهما أص ً‬
‫ال فاجعلوا‬ ‫كل وجه‪ ،‬أو لم يظهر ّ‬ ‫بين األمرين أو النقيضين من ّ‬
‫وأمارة الصالح أو األصلح هو األخذ بخالف ما تشور به النساء‪ ،‬باعتبار الجنس‪ ،‬فإنّهن من‬
‫المضل الصارف عن الرشاد‪ .‬فالمرأة ضلع أعوج‪ ،‬و«خلقت من ضلع‬ ‫ّ‬ ‫أعظ ِم ُس ُب ِل الشيطان‬
‫أعوج»‪ ،‬فطبعها االعوجاج وهي من فاضل الرجل‪ ،‬فنفسها أقرب إلى األ ّمارة‪ ،‬وإلى موافقة‬
‫المرجحات‬‫ّ‬ ‫حواء‪ .‬فكما جعل الشارع من‬‫الشيطان؛ فما أتى إبليس آلدم‪َّ :‬إل بسبيل مشورة ّ‬
‫المرجحات مخالفة قضاة الجور [وا َّطراح] ما وافقهم‪،‬‬
‫ّ‬ ‫في األخذ بأحد المتعارضين عند عدم‬
‫المرجحات في خالف النساء»‪.‬‬
‫ّ‬ ‫كذلك جعل ميزان الرشد عند عدم‬
‫الثاني‪« :‬شاوروه ّن» [يطمأن ّن] إليكم وتسلموا من كيده ّن ومكره ّن وغروره ّن‬
‫وخدعه ّن‪ ،‬وخالفوهن إذا ظهر لكم الصالح في خالفه ّن؛ فلع َّله تظهر المصلحة في األمر‬
‫بمعرفة [مشورته ّن] وإن خالفتها‪ ،‬فكثير ًا ما تتن ّبه النفس لبرهان ّ‬
‫الحق من إدراك شبهة الباطل»‪.‬‬
‫أنفسه ّن وتتمكَّنوا من االستمتاع به ّن‪ ،‬وال تعملوا َّإل بما قام‬
‫الثالث‪« :‬شاوروه ّن لتطيب ُ‬
‫الدليل على رجحانه‪ ،‬وذلك بمثابة مشورة الرسول (ص)‪ :‬لرع ّيته مع أنه ال يفعل َّإل ٍ‬
‫بأمر إلهي‬
‫جزئي حرك ًة وسكون ًا‪ ،‬والله العالم»(((‪.‬‬
‫ّ‬ ‫في ّ‬
‫كل‬
‫ولنا على هذه الوجوه تعليقان‪:‬‬
‫التعليق األول‪ّ :‬‬
‫إن الدعوة إلى مشاورة النساء ومخالفتهن‪ ،‬قد بررت بتبريرين‪:‬‬
‫الحق والرشد في خالفهن‪ ،‬كما جاء في كالم بعض العلماء‪ ،‬وهذا غير‬
‫أن ّ‬‫التبرير األول‪ّ :‬‬

‫(((   والسبب الثاني قد طرحه بعض الفقهاء كتفسير للروايات الواردة عن األئمة‪ ‬واآلمرة باألخذ بما‬
‫«خالف العامة»‪ ،‬ومن هؤالء الفقهاء السيد عبد الحسين شرف الدين رحمه الله‪ ،‬انظر‪ :‬كتابه‪ :‬أجوبة‬
‫مسائل موسى جار الله‪ ،‬ص‪.75‬‬
‫(((   رسائل آل طوق‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪.77‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪190‬‬
‫ألن قول‬‫مفهوم وال وجه له‪ ،‬وال يمكن التصديق بصدوره عن منبع الوحي الصافي‪ ،‬وذلك ّ‬
‫الحق كما يمكن أن يهتدي له الرجل فباإلمكان أن تهتدي إليه المرأة أيض ًا‪ ،‬واهتداؤها إليه‬
‫ليس نادر ًا أو شاذ ًا‪ .‬إنّه وبصرف النظر عن الموازنة بين عقل المرأة وعقل الرجل‪ّ ،‬‬
‫فإن مما‬
‫أن لدى المرأة من القدرة أو الطاقة العقلية ما يجعلها تهتدي في كثير‬ ‫ال مجال للتشكيك فيه ّ‬
‫من األحيان إلى وجه الصواب‪ ،‬وال سيما إذا عملت على تنمية عقلها وتعميق تجربتها‪ ،‬وقد‬
‫تطرقنا فيما سبق (المحور الثاني) إلى عدة نماذج من النساء الالتي ذكرهن القرآن الكريم‬ ‫ّ‬
‫وقد بلغن مستوى من النضج العقلي بحيث كان الرجال يستشيرونهن في بعض القضايا‪ ،‬كما‬
‫هو الحال في بلقيس ملكة سبأ المرأة الحكيمة والعاقلة التي سادت قومها وقادتهم مدة من‬
‫الزمن‪ ،‬ومن هذه النماذج أيض ًا ابنة شعيب التي أصبحت فيما بعد زوجة لنبي الله موسى‪،‬‬
‫فقد أشارت على والدها باستئجار موسى‪ ‬وعمل والدها النبي‪ ‬بمشورتها‪ ،‬إلى غير‬
‫ذلك من النساء الالتي أشرنا إلى أسمائهن وتحدثنا عن حكمتهن ونضجهن وصواب رأيهن‪،‬‬
‫وهذا ما ُي َصدِّ ُقه العيان والوجدان‪ ،‬وال نتك ّلم عن حاالت شاذة ونادرة‪ ،‬فالمرأة بشكل عام‬
‫في زماننا وبعد أن خرجت من حصار الجهل‪ ،‬وفتح لها باب التعليم وميدان العمل‪ ،‬أثبتت‬
‫جدارتها وكفاءتها ووعيها‪ ،‬وبلغت أعلى المراتب العلم ّية والسياسية والتربو ّية‪..‬‬
‫أن المرأة ٌ‬
‫أهل للمشورة‪،‬‬ ‫وسيأتي في المحور الخامس وتعليق ًا على الحديث الخامس ّ‬
‫وذكرنا في المحور الثاني بعض الشواهد التي تؤكد صالحيتها لذلك‪ ،‬فليراجع‪.‬‬
‫ومن خالل ما تقدّ م يتضح الحال في الحديث الذي ُروي عن عائشة عن رسول‬
‫الله(ص)‪« :‬طاعة النساء ندامة»(((‪ ،‬فإنّه وبصرف النظر عن ضعفه سند ًا(((‪ ،‬مما ال مجال‬
‫لألخذ بمضمونه على نحو اإلطالق والشمول والقاعدة الم ّطردة لكل الحاالت واألزمان‪.‬‬
‫أن في خالفه ّن البركة‪ ،‬وهو ما جاء في الرواية المتقدمة‪ ،‬وهذا التبرير‬ ‫التبرير الثاني‪ّ :‬‬
‫ألن هذه «النصيحة» للرجل بأن يعمد ك َّلما أراد أمر ًا إلى مشاورة زوجته‬
‫كسابقه ليس مفهوم ًا‪ّ ،‬‬

‫(((   رواها القضاعي في مسند الشهاب‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪ ،160‬ورواها في الجامع الصغير‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪ ،129‬وأورد‬
‫عقيبها رواية أخرى وهي‪ « :‬طاعة المرأة ندامة»‪ ،‬انظر‪ :‬الجامع الصغير‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.129‬‬
‫(((   قال ابن الجوزي في الموضوعات‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪ 273‬تعليق ًا على الروايتين‪« :‬هذان حديثان ال يصحان»‪.‬‬
‫ولكن البعض مع اعترافه بضعف حديث عائشة المذكور أنكر على ابن الجوزي عدّ ه في الموضوعات‪،‬‬
‫قال الفتني‪« :‬وإدخال ابن الجوزي حديث عائشة في الموضوعات ليس بجيد»‪ ،‬انظر‪ :‬تذكرة‬
‫الموضوعات‪ ،‬ص‪.129‬‬
‫‪191‬‬ ‫المحور الرابع‪ :‬ما روي عن رسول الله(ص) في ذ ّم المرأة‬
‫‪ -‬مث ً‬
‫ال ‪ -‬ومن ثم يعمل بخالف ما تشير عليه‪ ،‬هي في الحقيقة أفضل وصفة لتدمير العالقات‬
‫الزوجية‪ ،‬وذلك ّ‬
‫ألن من الطبيعي أن تكون ر ّدة فعل المرأة إزاء موقف كهذا هي النفور من‬
‫زوجها وحنقها عليه وتمردها على أوامره‪ ،‬وبالتالي فأي ٍ‬
‫بركة سوف تترتب على مشورتهن‬
‫ومخالفتهن؟!‬
‫قلت وأعاود التأكيد‪ :‬لو كان الحديث قد دعا إلى ترك مشاورة النساء من األساس‪ ،‬لهان‬
‫ُ‬
‫ثم يأمر بالعمل خالف رأيهن‪ ،‬فهذا شيء ال‬
‫األمر رغم ما فيه‪ ،‬ولك ْن أن يدعو إلى مشاورتهن ّ‬
‫يعقل صدوره عن الشارع الحكيم كقاعدة عامة لالهتداء إلى وجه الحق والصواب‪.‬‬
‫إن الوجوه الثالثة التي ذكرها الشيخ القطيفي كلها ضعيفة‪ ،‬وهي تنطلق‬ ‫التعليق الثاني‪ّ :‬‬
‫من النظرة الدون ّية المستحكمة في عقول الكثير من المسلمين تجاه المرأة‪ ،‬وأغرب الوجوه‬
‫بأن المرأة هي سبيل الشيطان ومطيته إلفساد اإلنسان‪،‬‬ ‫يصر ُح فيه ّ‬
‫هو الوجه األول‪ ،‬والذي ِّ‬
‫إن المرأة كائن شرير ال يهتدي إلى الصواب وال تعرف الوفاء والرشد؛‬ ‫وكأنّه يريد القول‪ّ :‬‬
‫وهذا في الحقيقة‪ ،‬لو كان صحيح ًا فال يعدّ عيب ًا فيها‪ ،‬ألنّه خارج عن اختيارها وإرادتها‪ ،‬إنّما‬
‫أن ذلك يعدّ إشكاالً على اإلله الخالق الحكيم!‬ ‫هو َأ ْم ٌر فطرتها عليه يدُ القدرة اإللهية‪ ،‬ما يعني ّ‬
‫حاشاه من اإلشكال ومن فِ ْع ِل خالف الحكمة والعدل‪ ،‬إ ْذ كيف َي ْخ ُل ُق الله سبحانه المرأة بهذا‬
‫ثم يك ِّلفها بما ك ّلف به الرجل من التكاليف‬ ‫الوهن التكويني‪ ،‬ما يجعلها «ضلع ًا أعوج» ومن َّ‬
‫ويحاسبها كحسابه؟!‬

‫‪--6‬حديث‪« :‬ما �أفلح قوم و ّلوا �أمرهم امر�أة»‬


‫روى أصحاب الصحاح بإسنادهم عن أبي بكرة‪ ،‬قال‪« :‬لما بلغ النبي(ص) ّ‬
‫أن فارس‬
‫م ّلكوا ابنة كسرى‪ ،‬قال‪ :‬لن يفلح قوم و ّلوا أمرهم امرأة»(((‪.‬‬
‫وقد اعتمد فقهاء المسلمين على هذا الحديث كمستند أو شاهد على عدم أهل ّية المرأة‬
‫لتولي السلطة‪ ،‬وأنّه ال مشروع ّية لحك ٍم تكون المرأة على رأس سلطته التنفيذية‪.‬‬
‫وعلينا أن نستبعد في البداية تفسير ًا لهذا الحديث قد يرد في أذهان البعض‪ ،‬ومفاده ّ‬
‫أن‬
‫الحديث وار ٌد في قض ّية شخص ّية‪ ،‬أو ما يع ّبر عنه الفقهاء بأنّه «قض ّية في واقعة» فال يصلح‬
‫للتعميم‪ ،‬فيكون خاص ًا بابنة كسرى‪ ،‬والنبي(ص) إنّما تحدّ ث عن عدم فالح قومها بتوليتهم‬

‫(((   صحيح البخاري‪ ،‬ج ‪ 5‬ص ‪ ،135‬وسنن الترمذي‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪ .360‬وسنن النسائي‪ ،‬ج ‪ 8‬ص ‪.227‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪192‬‬
‫لها‪ ،‬استناد ًا إلى ما بلغه في ذلك عن الوحي‪ ،‬وقد أعلمه الله تعالى ذلك‪ ،‬مما يشكّل كرامة له‬
‫ال عل صدقه‪ .‬والوجه في استبعاد هذا التفسير واضح‪ ،‬فهو مخالف للظاهر جد ًا‪ ،‬إذ ّ‬
‫إن‬ ‫ودلي ً‬
‫النبي(ص) وتعليق ًا على حادثة تعيين ابنة كسرى قدّ م بيان ًا عام ًا وبكال ٍم مطلق‪ ،‬ومفاده ّ‬
‫أن أي‬
‫قوم وليتهم امرأة فلن يفلحوا‪.‬‬
‫أهم االعتراضات التي يمكن أن تورد على الرواية‪،‬‬
‫ومع تجاوز هذا التفسير‪ ،‬نأتي إلى ّ‬
‫وهي اعتراضان‪:‬‬

‫عدم الفالح ال يعني عدم الأهلية‬


‫أن لسان الحديث ليس لسان النهي وال‬ ‫االعتراض األول‪ :‬ما ذكره بعض الفقهاء من ّ‬
‫المنع من تولي المرأة للسلطة‪ ،‬وال الحديث عن عدم شرع ّية السلطة التي تلي المرأة أمورها‪،‬‬
‫أثر وضعي مفهوم‬ ‫كما أنه ال يحمل مضمون ًا غيبي ًا تعبدي ًا‪ ،‬وإنّما لسانه هو اإلرشاد إلى ٍ‬
‫أن ما يترتب على تو ّلي المرأة للسلطة هو عدم الفالح‪ ،‬وعدم حصول الغرض‬ ‫وواضح‪ ،‬وهو ّ‬
‫قوة الدولة وتماسك المجتمع فهو من قبيل أن يقال‪« :‬ال يفلح من‬ ‫المنشود‪« ،‬وهو في مقامنا ّ‬
‫يدل على أن التاجر‬‫يدل على فساد البيع قطع ًا‪ ،‬بل ّ‬
‫اتجر ببضاعة الصيف في الشتاء» فإنّه ال ّ‬
‫أن تو ّلي المرأة للسلطة سوف يؤدي‬ ‫ال يربح المقدار المناسب»(((‪ ،‬فغاية ما ّ‬
‫يدل عليه الخبر ّ‬
‫إلى إرباك المجتمع‪ ،‬وعدم وصوله إلى غاياته المنشودة‪ ،‬لكن هذا ال يعني عدم صحة تولي‬
‫المرأة للسلطة‪.‬‬
‫بأن لسان الحديث يحمل في طياته إشارة إلى عدم صحة‬ ‫ولكن يالحظ على كالمه‪ّ ،‬‬
‫ألن عدم فالح المجتمع بتوليها للسلطة يعني عدم التوفيق في اختيار‬ ‫تولي المرأة للسلطة؛ ّ‬
‫المرأة للسلطة‪ ،‬وهذا يوحي بعدم أهليتها لذلك شرع ًا‪ّ ،‬‬
‫فإن الوالية العامة ليست مطلوبة على‬
‫شرعت لغرض إيصال المجتمع إلى قدر‬ ‫ٍ‬
‫نحو تعبدي ولم ت َُش َّرع اعتباط ًا أو جزاف ًا‪ ،‬وإنّما ّ‬
‫من الفالح‪ ،‬روحي ًا وأخالقي ًا واجتماعي ًا وعمراني ًا وأمني ًا واقتصادي ًا‪ ..‬فإذا كان تولي شخص‬
‫للوالية ال يوصل المجتمع إلى غايته المنشودة بل يتسبب في انهيار المجتمع فال يكون توليه‬
‫مشروع ًا‪ .‬وأ ّما القياس على مثال «ال ُيفلح من اتجر ببضاعة الصيف في الشتاء» فهو قياس‬
‫ألن األثر المترتّب في أحد الموردين مغاير لألثر المترتب على اآلخر‪ ،‬فغاية ما‬ ‫مع الفارق؛ ّ‬
‫يترتب على االتجار ببضاعة الصيف في الشتاء هو خسارة الشخص ألمواله‪ ،‬وهي خسارة قد‬

‫(((   أهلية المرأة لتولي السلطة للشيخ محمد مهدي شمس الدين‪ ،‬ص ‪.82‬‬
‫‪193‬‬ ‫المحور الرابع‪ :‬ما روي عن رسول الله(ص) في ذ ّم المرأة‬
‫أن الناس مس ّلطون على أموالهم‪ ،‬ولو قيل بحرمتها ‪-‬إلحاق ًا‬‫يقال بأنّها ال محذور فيها باعتبار ّ‬
‫فإن مفسدتها هي مفسدة جزئية شخص ّية‪ ،‬أما في مقامنا فنحن‬ ‫لها بالتبذير حكم ًا أو موضوع ًا‪ّ -‬‬
‫نتحدث عن والية عامة يراد إعطاؤها لمن يترتب على توليها للسلطة ‪ -‬بحسب الفرض ‪-‬‬
‫انهيار المجتمع برمته‪ ،‬وليس انهيار شخص َم ْن اختيرت لذلك أو شخص َم ْن اختارها لذلك‬
‫فحسب‪ ،‬فكيف يكون توليها والحال هذه مشروع ًا؟! والقياس األقرب إلى ما نحن فيه هو‬
‫قياس المقام على الوالية على القاصرين والتي ُش ِّرعت لمصلحة المو َّلى عليهم واألخذ بهم‬
‫ال ‪ -‬للوالية على ال ُق َّصر سيؤدي إلى‬ ‫إلى طريق الكمال‪ ،‬فلو قيل‪ّ :‬‬
‫إن تصدّ ي المرأة ‪ -‬مث ً‬
‫فسادهم أفال ُيستفاد من ذلك بطالن الوالية؟!‬
‫إن النبي(ص) وإن كان في قوله‪« :‬ما أفلح قوم وليتهم امرأة» يتحدّ ث‬ ‫والخالصة‪ّ :‬‬
‫أن اإلرشادية في مثل المقام ال تنفك عن المولوية وبيان‬ ‫بصفته اإلرشادية ال النبو ّية‪ ،‬بيد ّ‬
‫الحكم الشرعي على نحو المالزمة العرف ّية‪.‬‬

‫البعد التاريخي للحديث‬


‫أن الرواية ال تم ّثل‬
‫االعتراض الثاني‪ :‬وهو االعتراض الوجيه في المقام‪ ،‬وحاصله‪ّ :‬‬
‫قاعدة عامة أو قانون ًا كلي ًا‪ ،‬في مختلف الظروف واألحوال‪ ،‬ألنّها ناظرة إلى طبيعة المرحلة‬
‫التاريخ ّية التي صدر فيها الحديث‪ ،‬وهي مرحلة كانت تتسم بإقصاء المرأة وتهميشها وإبعادها‬
‫عن الحقل العام‪ ،‬ما يجعلها ال تملك تجربة وال كفاءة وال تسمح لها بالتوفر على مؤهالت‬
‫أن نظام‬ ‫قياد ّية من الشجاعة والمعرفة والقدرة على إدارة شؤون الحكم‪ ،‬وأضف إلى ذلك ّ‬
‫الحكم السائد في تلك المرحلة كان نظام ًا يتسم بالفرد ّية في اإلدارة‪ ،‬حيث يكون الفرد هو‬
‫اآلمر والناهي وبيده زمام األمور كلها‪ ،‬وفي نظام كهذا من الطبيعي أن يكون تولي المرأة سبب ًا‬
‫لعدم الفالح(((‪.‬‬
‫إن الحديث ‪ -‬على فرض صحته ‪ -‬ال يملك إطالق ًا لكل األزمنة والظروف‪،‬‬ ‫باختصار‪ّ :‬‬
‫بل هو ناظر إلى ٍ‬
‫زمن ال يؤمن بأهل ّية المرأة وكفاءتها‪ ،‬والذهنية الذكور ّية السائدة فيه قد‬
‫حاصرتها ونظرت إليها باعتبارها مجرد أداة الستمتاع الرجل‪ ،‬و ُأم ًا مرضعة ألوالدها‪..‬‬
‫أ ّما في زماننا هذا فحيث خرجت المرأة من قمقم الجهل وحصار التهميش واستطاعت أن‬

‫(((   انظر‪ :‬قراءة جديدة لفقه المرأة الحقوقي‪ ،‬ندوة حوارية مع السيد فضل الله ص ‪ ،30‬والمالحظة عينها‬
‫أوردها الشيخ شمس الدين‪ ،‬انظر‪ :‬أهلية المرأة لتولي السلطة‪ ،‬ص ‪.83‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪194‬‬
‫تكتسب مهارات قيادية مختلفة‪ ،‬وغدا فيها نظام الحكم نظام ًا قائم ًا على أساس المؤسسات‬
‫والقوانين ومجالس الشورى‪ ،‬وغيرها من آليات الحكم التي ال تسمح للحاكم أن يستبد‬
‫بالسلطة‪ ،‬فال يكون تولي المرأة فيه للسلطة سبب ًا لعدم النجاح؛ وأعتقد ّ‬
‫أن الواقع يشهد لما‬
‫نقول‪ ،‬فالكثير من الدول المعاصرة قد تس ّلمت فيها المرأة الموقع القيادي األول‪ ،‬فكانت‬
‫الحاكم والمسؤول والوزير والنائب إلى غير ذلك من مواقع قيادية وإدارية داخل أجهزة‬
‫الدولة أو خارجها‪ ،‬ونراها ‪ -‬في األعم األغلب ‪ -‬قد نجحت في أداء مهمتها على أفضل‬
‫وجه‪ ،‬وربما فاقت الرجل في كثير من األحيان‪.‬‬
‫إن المسألة ليست خاصة بزمن دون آخر‪ ،‬فالمرأة بطبيعتها ال تصلح‬ ‫ور ّبما يقال‪ّ :‬‬
‫لموقع القيادة‪ ،‬ولن يتسنى لها أن تقود البالد إلى الفالح والنجاح‪ ،‬وذلك «ألن الشأن‬
‫في اإلمارة أن يتفقد متوليها أحوال الرعية‪ ،‬ويتولى شؤونها العامة الالزمة إلصالحها‪،‬‬
‫فيضطر إلى األسفار في الواليات‪ ،‬واالختالط بأفراد األمة وجماعاتها‪ ،‬وإلى قيادة‬
‫الجيش أحيان ًا في الجهاد‪ ،‬وإلى مواجهة األعداء في إبرام عقود ومعاهدات‪ ،‬وإلى عقد‬
‫السلم والحرب‪ ،‬ونحو ذلك مما ال‬ ‫بيعات مع أفراد األمة وجماعاتها‪ ،‬رجاالً ونسا ًء‪ ،‬في ِّ‬
‫ت لحماية عرضها‪ ،‬والحفاظ‬ ‫يتناسب مع أحوال المرأة‪ ،‬وما يتعلق بها من أحكام ُش ِّر َع ْ‬
‫عليها من التبذل الممقوت»(((‪.‬‬
‫ولكن نالحظ على ذلك‪:‬‬
‫إن طريقة الحكم في زماننا ‪ -‬كما قلنا ‪ -‬قد تجاوزت الكثير من طقوس الحكم‬ ‫أوالً‪ّ :‬‬
‫وأساليبه القديمة التي كانت تحتاج إلى جهد كبير واستثنائي ال بدّ أن يضطلع به شخص‬
‫سهل األمور بطريقة كبيرة‪،‬‬
‫الحاكم‪ ،‬فنظام الحكم الحديث الذي يعتمد على المؤسسات قد ّ‬
‫بحيث أصبح دور الرئيس في الكثير من الحاالت هو دور المشرف على إدارة نظام الحكم‪،‬‬
‫ُّ‬
‫ويظل النظام مستقر ًا‪ ،‬وال يحتاج الحاكم أن يكون حاضر ًا‬ ‫ولذا قد َي ْس ُق ُط الحاكم أو يستقيل‬
‫أن بعض الحكام في زماننا يديرون شؤون البالد ويسوسون العباد‬ ‫في الجبهات‪ ،‬وقد رأينا ّ‬
‫وهم مقعدون((( ال يستطيعون الحركة االعتياد ّية‪.‬‬

‫(((   فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلم ّية واإلفتاء‪ ،‬ج ‪ 17‬ص ‪.14‬‬
‫(((   ونموذج الجزائر ماثل أمامنا‪ ،‬حيث ّ‬
‫إن رئيس هذا البلد العربي الكبير وهو عبد العزيز بوتفليقة‪ ،‬رجل‬
‫مقعد وقد ُأعيد انتخابه للمرة الثانية وهو على هذه الحالة‪ ،‬وال يزال رئيسا إلى وقت كتابة هذه السطور‬
‫ً‬
‫في ‪ 1‬أبريل‪/‬نيسان ‪2016‬م‪.‬‬
‫‪195‬‬ ‫المحور الرابع‪ :‬ما روي عن رسول الله(ص) في ذ ّم المرأة‬
‫إن حجاب المرأة وعفتها ونزاهتها ال تمنعها من السفر والتنقل‪ ،‬وال الحضور‬ ‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫لتوقيع االتفاقيات وال المشاركة في االجتماعات الرسم ّية وال في االحتفاالت‪ ،‬وال زيارة‬
‫جبهات الحرب‪..‬ألم تكن المرأة تخرج مع النبي(ص) ومع أمير المؤمنين‪ ‬إلى ساحات‬
‫الوغى ممرض ًة ومشارك ًة في التعبئة الروح ّية والمعنو ّية واإلعالم ّية‪ ،‬بل ومقاتلة في بعض‬
‫ُحدِّ ُثهم بأحاديث‬
‫األحيان‪ ،‬كما أسلفنا في محور سابق؟ ألم تكن تخطب في الرجال وت َ‬
‫النبي(ص) وتعاليمه‪ ،‬كما فعلت سيدتنا الزهراء‪ ‬في خطبتها الشهيرة؟ ألم تكن المرأة‬
‫تسافر من بلد إلى آخر وتنتقل بين المدن والبلدان لمقابلة السالطين‪ ،‬كما حصل مع الوافدات‬
‫على معاوية أو غيره ممن قدَّ ْمنا الحديث عنهن في محور سابق؛ نعم من الطبيعي أن يكون‬
‫خروجها وسفرها آمن ًا وبعيد ًا عن الشبهات‪.‬‬
‫أجل‪ ،‬قد تكون حركة الرجل في تنقالته وأسفاره وغيرها من األنشطة أسهل وأيسر من‬
‫أن هذا في نفسه ال يمنع من تو ِّليها لزمام الحكم ما دام ذلك ال‬
‫حركة المرأة المحجبة‪ ،‬بيد ّ‬
‫يعيقها عن القيام بالمهام الضرورية التي تتطلبها إدارة السلطة‪.‬‬

‫عي وعورة»‬
‫‪--7‬حديث‪« :‬الن�ساء ٌّ‬
‫ومن األحاديث التي علينا إيالؤها أهم ّية خاصة ما روي عنه(ص) من ّ‬
‫أن المرأة‬
‫تنص على هذا المضمون‪ ،‬وهي مروية من‬
‫عي عورة‪ ،‬ونحن هنا أمام عدة روايات ّ‬ ‫ٌّ‬
‫طرق الفريقين‪:‬‬
‫السنة نقرأ حديث ًا عن النبي األكرم(ص) يقول‪« :‬المرأة عورة فإذا خرجت‬
‫ ) أ في مصادر ُّ‬
‫استشرفها الشيطان»(((‪.‬‬
‫ ) بوفي مصادر الشيعة نالحظ وجود عدة روايات أوردها الحر العاملي في «وسائل‬
‫الشيعة» في عدة أبواب‪ ،‬وإليك بعضها‪:‬‬
‫األولى‪ :‬صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله‪« :‬قال رسول الله(ص) النساء‬
‫عي وعورة‪ ،‬فاستروا العورة بالبيوت‪ ،‬واستروا العي بالسكوت»(((‪.‬‬

‫(((   سنن الترمذي‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.319‬‬


‫(((   وسائل الشيعة‪ ،‬ج‪ 20‬ص‪ 4‬الحديث ‪ 14‬الباب ‪ 24‬من مقدمات النكاح‪.‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪196‬‬
‫الثانية‪ :‬رواية فاطمة بنت الحسين‪ ،(((‬عن أبيها‪ ،‬عن جدها علي بن أبي طالب‪،‬‬
‫عي وعورات فداووا ع َّي ُه َّن بالسكوت وعوراتهن بالبيوت»(((‪.‬‬
‫عن النبي(ص) قال‪« :‬النساء ٌّ‬
‫الثالثة‪ :‬ما رواه الكليني عن عدة من أصحابنا‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن عثمان بن‬
‫عيسى‪ ،‬عن سماعة بن مهران‪ ،‬عن أبي عبد الله‪ ‬قال‪« :‬اتقوا الله في الضعيفين يعني‬
‫بذلك اليتيم والنساء وإنما ه ّن عورة»(((‪.‬‬
‫الرابعة‪ :‬ما رواه الكليني ‪ -‬أيض ًا ‪ -‬عن علي بن إبراهيم‪ ،‬عن هارون بن مسلم‪ ،‬عن‬
‫مسعدة بن صدقة‪ ،‬عن أبي عبد الله‪ ‬قال‪ :‬قال أمير المؤمنين‪« :‬ال تبدأوا النساء‬
‫عي وعورة فاستروا ع َّيه َّن‬ ‫بالسالم وال تدعوه َّن إلى الطعام‪ّ ،‬‬
‫فإن النبي(ص) قال‪ :‬النساء ٌّ‬
‫بالسكوت واستروا عوراتهن بالبيوت»(((‪.‬‬
‫والرواية ‪ -‬كما الحظنا ‪ -‬تملك عدّ ة أسانيد وبعضها صحيح ومعتبر‪ ،‬فال مجال‬
‫الستسهال تضعيفها ور ّدها من حيث السند‪ ،‬ولكن يجدر بنا النظر والتأمل في مضمونها‬
‫لنرى مدى انسجامه مع المفاهيم القرآنية‪ ،‬وما إذا كان يمكن صدوره عن المعصوم‪ ،‬على‬
‫عي أو أنّها عورةٌ!‬ ‫اعتبار أنّه مضمون يوحي بدونية المرأة ْ‬
‫إن بالنسبة لتوصيفها بأنّه ٌّ‬
‫أقول‪ :‬يمكن الحديث عن هذه المسألة في النقاط الثالث التالية‪:‬‬
‫النقطة األولى‪ :‬كيف نفهم كون المرأة عي ًا وعورة؟ وهي النقطة األساس في ّ‬
‫محل‬
‫البحث‪.‬‬
‫تدل هذه النصوص على وجوب ستر المرأة لجميع جسدها بما في‬ ‫النقطة الثانية‪ :‬هل ّ‬
‫ذلك الوجه والكفين أو أنّه ال عالقة لها بمسألة الستر؟‬
‫عما ُيقال ّ‬
‫بأن صوت المرأة عورة؟‬ ‫النقطة الثالثة‪ :‬ماذا ّ‬
‫  رواها الشيخ الطوسي عن جماعة عن أبي المفضل عن جعفر بن محمد بن جعفر الحسني عن جده‬ ‫(((‬
‫موسى بن عبد الله‪ ،‬عن أبيه عبد الله بن الحسن وعميه إبراهيم والحسن ابني الحسن عن ُأمهم‬
‫فاطمة بنت الحسين‪.‬‬
‫  وسائل الشيعة‪ ،‬ج‪ 20‬ص‪ 66‬الحديث ‪ ،6‬الباب ‪ 24‬من أبواب مقدمات النكاح‪ .‬المجالس واألخبار‪،‬‬ ‫(((‬
‫ج‪ 2‬ص‪.197‬‬
‫  وسائل الشيعة‪ ،‬ج‪ 20‬ص‪ ،170‬الحديث ‪ ،2‬الباب ‪ 88‬من أبواب مقدمات النكاح‪.‬‬ ‫(((‬
‫  المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ 20‬ص‪ ،234‬الحديث ‪ 1‬الباب ‪ 131‬من أبواب مقدمات النكاح‪.‬‬ ‫(((‬
‫‪197‬‬ ‫المحور الرابع‪ :‬ما روي عن رسول الله(ص) في ذ ّم المرأة‬
‫‪--1‬كيف تكون المر�أ ُة ع ّي ًا وعورة؟‬
‫عما جاء في الرواية‪ ،‬من ّ‬
‫أن «النساء عي وعورة»‪ ،‬فما‬ ‫في النقطة األولى يقع التساؤل ّ‬
‫المراد بالعي؟ وكيف نداوي ع ّيه ّن بالسكوت؟ ثم ما المراد بكون المرأة عورة؟‬
‫وفي الجواب على ذلك نقول‪:‬‬
‫العي هو العجز عن البيان‪ ،‬والمراد بستر عيه ّن بالسكوت‪ :‬إ ّما السعي في‬ ‫ُ‬ ‫أوالً‪:‬‬
‫«إسكاتهن لئال يظهر منهن ما تكرهونه‪ ،‬فالمراد بالسكوت سكوتهن»(((‪ .‬وإ ّما يراد به‪« :‬عدم‬
‫مقابلة كالمه ّن بالجواب والعفو عن سقطات ألفاظهن»(((‪ .‬فالسكوت مطلوب من الرجل ال‬
‫من المرأة‪ ،‬والمعنى الثاني قد احتمله العالمة المجلسي (رحمه الله)‪ ،‬مبرر ًا ذلك بقوله‪« :‬لئال‬
‫يتك ّلفن مما يؤذيهم»(((‪.‬‬
‫أن المستفاد من القرآن الكريم ّ‬
‫أن ملكة‬ ‫نسجل مالحظة أساسية في المقام‪ ،‬وهي ّ‬ ‫ولنا أن ّ‬
‫زود الله تعالى بها الرجل والمرأة مع ًا‪ ،‬فهو سبحانه قد ع ّلم اإلنسان البيان‪ ،‬وليس‬ ‫البيان قد ّ‬
‫الرجل فقط‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﵛﭐﱧ* ﱩ ﱪ* ﱬ ﱭ* ﱯ ﱰﵚ ‪ ،‬وقال تعالى‪:‬‬
‫(((‬

‫ٍ‬
‫وصقل‬ ‫ﵛﭐﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦﵚ(((‪ ،‬ولك ّن هذه الملكة تحتاج إلى تنمية‬
‫لتتجلى ويظهر مكنونها‪ّ ،‬‬
‫وإل بقي اإلنسان عيي ًا وعاجز ًا عن البيان واإلفصاح‪ .‬وعليه فعندما‬
‫عي‪ ،‬فهي ال تتحدث عن صفة ذات ّية تكوينية مالزمة للمرأة‪،‬‬ ‫الروايات المرأ َة بأنّها ٌّ‬
‫ُ‬ ‫تصف‬
‫وإنما هي تتحدث عن صفة عارضة‪ ،‬نتيجة ظروف المرأة التاريخية التي أبعدتها ‪ -‬في األعم‬ ‫ّ‬
‫األغلب ‪ -‬عن التأهيل المعرفي وتنمية المهارات‪ ،‬وعن مراكز الثقافة والتعليم‪ .‬وواقعنا‬
‫المعاصر خير شاهد على ما نقول‪ ،‬فعندما ُفتحت نوافذ المعرفة وأبواب العلم أمام المرأة‬
‫وجدنا أنّها قد انطلقت وأصبحت حاضرة في شتى الميادين وتحديد ًا فيما يتصل باإلفصاح‬
‫الكالمي والحديث الموزون‪ ،‬فرأيناها كاتبة وخطيبة وأديبة وشاعرة وإعالمية‪ ،‬وأحسنت في‬
‫يقل عن الرجل‪ ،‬فالعجز عن البيان ‪ -‬إذن ‪ -‬يتصل بسوء‬ ‫هذه المجاالت اإلبانة والتعبير بما ال ّ‬
‫التربية والتأهيل وهو مرتبط بالظروف التاريخية التي عاشتها المرأة‪.‬‬

‫  مرآة العقول‪ ،‬ج‪ 20‬ص‪.375‬‬ ‫(((‬


‫  الوافي‪ ،‬ج‪ 22‬ص‪.798‬‬ ‫(((‬
‫  مرآة العقول‪ ،‬مصدر سابق‪.‬‬ ‫(((‬
‫ سورة الرحمن‪ ،‬اآليات ‪.4-1‬‬ ‫(((‬
‫ سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪.4‬‬ ‫(((‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪198‬‬
‫ﵛﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ‬ ‫عي» مؤ ّيد بقوله تعالى‪:‬‬ ‫وقد يقال‪ّ :‬‬
‫إن حديث «النساء ٌ‬
‫ﲛ ﲜ ﲝﵚ(((‪.‬‬
‫ولكن يالحظ على ذلك بمالحظتين‪:‬‬
‫عي متأصلة في المرأة‪ ،‬وإنما عن حالة‬ ‫المالحظة األولى‪ّ :‬‬
‫إن اآلية ال تتحدث عن حالة ٍّ‬
‫تنشئة خاصة بما يجعلها ال تُبين الكالم والتعبير‪ ،‬فانظر إلى قوله تعالى‪ :‬ﵛﲖ ﲗ ﲘﵚ‪،‬‬
‫أي ُيعد ويه ّيئ و ُير ّبى في هذه األجواء‪ ،‬وليس المقصود ّ‬
‫أن الله تعالى ِّ‬
‫ينشؤها في الحلية‪ ،‬بل‬
‫المجتمع هو َم ْن يضعها في هذه األجواء‪.‬‬
‫المالحظة الثانية‪ّ :‬‬
‫إن اآلية ناظرة إلى حالة ضعف المرأة عن اإلبانة في حالة الخصام‬
‫وليس عجزها عن البيان مطلق ًا‪ .‬وربما كان النظر إلى حالة الخصام مع الرجل‪ّ ،‬‬
‫فإن المرأة‬
‫قو ّية في مجادلة أقرانها‪ ،‬ولكنها ال تباري الرجل في هذا المضمار‪ ،‬ألنّه ‪ -‬أي الرجل ‪ -‬قد‬
‫يخرج عن أخالقيات الحوار وما تفرضه من النقاش العلمي والتزام الكلمة الطيبة‪ ،‬فيستخدم‬
‫أسلوب الشتم أو نحوه‪ ،‬فانظر على سبيل المثال إلى الحوار الذي جرى بين السيدة زينب‬
‫ويزيد بن معاوية عندما أدخلت عليه سب ّية مع سائر عيال أبي عبد الله الحسين‪ ،‬فقد‬
‫دحضت حجته بمنطقها‪ ،‬ولكنّه لما لجأ إلى أسلوب الشتم‪ ،‬الذت‪ ‬بالصمت(((‪ّ ،‬‬
‫ألن‬
‫حياءها وعفتها ال يسمحان لها بمواصلة الحديث مع شتّام‪.‬‬
‫صادر على نهج القض ّية الخارج ّية وليس الحقيق ّية‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫نرجح ّ‬
‫أن هذا الحديث‬ ‫وهذا ما يجعلنا ّ‬
‫ولك ْن يبقى لقائل أن يقول‪ :‬إذا كانت المرأة ال تم ّثل بحسب استعدادها الذاتي ع ّي ًا‪،‬‬

‫(((  سورة الزخرف‪ ،‬اآلية ‪.18‬‬


‫(((   روي عن فاطمة بنت الحسين‪ ‬أنّها قالت‪« :‬فلما جلسنا بين يدي يزيد ّ‬
‫رق لنا‪ ،‬فقام إليه رجل من‬
‫أهل الشام أحمر فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬هب لي هذه الجارية ‪-‬يعنيني‪ -‬وكنت جارية وضيئة فأرعدت‬
‫أن ذلك ال يكون‪ .‬فقالت عمتي‬ ‫أن ذلك جائز لهم‪ ،‬فأخذت بثياب عمتي زينب‪ ،‬وكانت تعلم ّ‬ ‫وظننت ّ‬
‫ّ‬
‫للشامي‪ :‬كذبت والله ولؤمت‪ ،‬والله ما ذلك لك وال له‪ .‬فغضب يزيد وقال‪ :‬كذبت‪ ،‬إن ذلك لي‪ ،‬ولو‬
‫شئت أن أفعل لفعلت‪ .‬قالت‪ :‬كال والله ما جعل الله لك ذلك إال أن تخرج من ملتنا وتدين بغيرها‪.‬‬
‫فاستطار يزيد غضب ًا وقال‪ :‬إياي تستقبلين بهذا؟! إنّما خرج من الدين أبوك وأخوك‪ .‬قالت زينب‪:‬‬
‫بدين الله ودين أبي ودين أخي اهتديت أنت وجدك وأبوك إن كنت مسلم ًا‪ .‬قال‪ :‬كذبت يا عدوة الله‪.‬‬
‫قالت له‪ :‬أنت أمير‪ ،‬تشتم ظالم ًا وتقهر بسلطانك‪ ،‬فكأنّه استحيا وسكت»‪ ،‬اإلرشاد للشيخ المفيد‪ ،‬ج‪2‬‬
‫ص‪ ،121‬وتاريخ الطبري‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.353‬‬
‫‪199‬‬ ‫المحور الرابع‪ :‬ما روي عن رسول الله(ص) في ذ ّم المرأة‬
‫تتم الدعوة من قبل النبي(ص) وكذلك األئمة ‪ ‬إلى إخراجها من هذه الحالة‪،‬‬‫فلماذا ال ّ‬
‫بدل الدعوة إلى إسكاتها‪ ،‬أو مقابلة كالمها بالسكوت؟!‬
‫إن النبي(ص) واألئمة ‪ ‬قد بذلوا جهود ًا كبيرة ألجل إخراج المرأة من‬ ‫والجواب‪ّ :‬‬
‫مستنقع الجهل وأجواء التهميش واالحتقار‪ ،‬وسعوا في سبيل تعليمها وإعدادها لتكون فقيهة‬
‫وخطيبة ومثقفة‪ ،‬وتكون حاضرة في شتى الميادين التي تحتاجها الرسالة ويمكن للمرأة أن‬
‫ٍ‬
‫بدور ف ّعال‪ ،‬وقد أثمرت تلك الجهود‪ ،‬بظهور عدد ال بأس به من النساء العاقالت‬ ‫تقوم فيها‬
‫ذكرن أسماءهن في المحور الثاني‪ .‬ولو ُقدِّ ر للمسلمين أن‬
‫ْ‬ ‫والخطيبات واألديبات‪ ،‬ممن‬
‫يواصلوا المسيرة التي بدأها النبي(ص) وأرسى قواعدها حيث أطلق المرأة من القمقم الذي‬
‫كانت محاصرة فيه‪ ،‬ل ُكنَّا اآلن أمام مشهد مختلف فيما يتصل بمكانة المرأة في االجتماع‬
‫أن المجتمع اإلسالمي‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬لك ّن ما حصل بعد فترة وجيزة من وفاة رسول الله(ص) ّ‬
‫وبفعل الثقافة المهيمنة عليه أعاد المرأة إلى حصار قاتل لطاقاتها ومعيق لتطورها‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬أ ّما إطالق لفظ العورة على المرأة فكيف ُيفهم؟ ال شك ّ‬
‫أن ذلك ال يراد به ّ‬
‫أن‬
‫جسدها مستقبح ومستقذر‪ ،‬فجمال المرأة وحسنها ال مجال إلنكاره‪ ،‬فما المراد بكونها‬
‫عورة؟‬
‫شق يكون في‬‫إن العورة ‪ -‬لغ ًة ‪ -‬مأخوذ ٌة من العوار‪ ،‬وهو «خرق الثوب أو ٌ‬ ‫والجواب‪ّ :‬‬
‫كل ٍ‬
‫خلل ُيت َّ‬
‫َخ ّوف منه القتل‪ ،‬قال الخليل بن أحمد الفراهيدي‪« :‬والعورة في‬ ‫الثوب»‪ ،‬والعورة ُّ‬
‫يتخوف منه القتل‪ ،‬وقوله عز وجل ﵛﭐﲫ ﲬ ﲭﵚ((( أي‬ ‫الثغور والحروب والمساكن‪ :‬خلل ّ‬
‫ليست بحريزة»(((‪.‬‬
‫وقال الجوهري‪« :‬العورة‪ :‬سوأة اإلنسان‪ ،‬كل ما ُيستحيا منه‪ ،‬والجمع عورات‪...‬‬
‫وال َع ْورة‪ :‬كل خلل يتخوف منه في ثغر أو حرب»(((‪.‬‬
‫والتأمل في كالم اللغويين منضم ًا إلى الفهم العرفي يقودنا إلى استخالص نتيجة‬
‫أن العورة تم ِّثل نقطة الخلل والضعف التي ُيخشى منها‪ ،‬والخلل تارة يكون‬
‫واحدة‪ ،‬وهي ّ‬
‫مادي ًا كما في الثغور أو البيوت‪ ،‬بمعنى وجود نقطة ضعف ُيخشى من أن يستغ َّلها العدو أو‬

‫(((  سورة األحزاب‪ ،‬اآلية ‪.13‬‬


‫(((   العين‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.237‬‬
‫(((   الصحاح‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.760‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪200‬‬
‫السارق فيدخل منها‪ ،‬وأخرى يكون الخلل معنوي ًا‪ ،‬كما في الخلل الموجود في اإلنسان‪ ،‬وهو‬
‫عورة الرجل أو المرأة‪ ،‬فإنّه نقطة ضعف تدفع صاحبها إلى الخجل والحياء من تعريضها‬
‫ّ‬
‫يستغل الثغرات المادية ليدخل منها‬ ‫إلى نظرات اآلخرين التي تالحق اإلنسان‪ .‬فاآلخر تارة‬
‫يعرضها للخطر‪،‬‬‫ليعتدي ويقتل ويسرق‪ ،‬بما يشكّل اعتدا ًء على الفرد أو على األمة بما ّ‬
‫وأخرى يستغل الثغرة المعنو ّية فيسترق النظر ويالحق الناس بسهام العين‪ ،‬بحيث يشكّل‬
‫انتهاك ًا لحرمتهم وخصوصيتهم‪.‬‬
‫أن إطالق لفظ العورة على المرأة إنّما هو بلحاظ أنّه قد يخشى‬ ‫وفي ضوء ذلك‪ ،‬يتضح ّ‬
‫للتحرش‪ ،‬األمر الذي يتط ّلب حمايتها‬‫ّ‬ ‫عليها من أن تلتهمها األنظار غير البريئة أو تتعرض‬
‫وصيانتها بالمقدار الذي يجنِّ ُبها ذلك دون أن يعيق حركتها ويع ِّقدُ حياتها‪ ،‬وبهذا المعنى‬
‫استخدمت «أم البراء» بنت صفوان لفظ العورة في قولها يوم صفين مما نقلناه سابق ًا‪:‬‬
‫فأذب عنه عساكر الفجار‬
‫ُّ‬ ‫يا ليتني أصبحت ليس بعورة‬
‫فهي تصف نفسها بأنّها عورة مع أنّها قد خرجت مع جيش اإلمام‪ ‬إلى صفين‪،‬‬
‫وكانت تخطب في الرجال وتح ّثهم على القتال وتثير عزائمهم‪ ،‬فمقصدها من هذا الوصف‬
‫ّ‬
‫أن أنوثتها ال تسمح لها بحرية الحركة أمام الرجال في ميدان الحرب‪.‬‬
‫فإن إطالق لفظ العورة على المرأة ال يتضمن تنقيص ًا أو ذم ًا لها‪ ،‬بقدر ما‬
‫وبهذا المعنى‪ّ ،‬‬
‫يدعو إلى أهم ّية وضرورة حفظها وحمايتها من خالل س ِّن جملة من التشريعات واتخاذ بعض‬
‫اإلجراءات التي تحقق هذه الغاية‪ ،‬واألمر عينه ينطبق على ما ورد من كون البيوت عورة‪ّ ،‬‬
‫فإن ذلك‬
‫تعرضها لالختراق واالنكشاف أمام اآلخرين‪.‬‬ ‫يقتضي اتخاذ إجراءات الحصانة التي تمنع من ّ‬
‫أجل‪ ،‬ربما أصبح إطالق لفظ العورة اليوم على اإلنسان ‪ -‬ذكر ًا كان أو أنثى ‪ -‬يختزن‬
‫تطور اللغة‪ ،‬كما هو الحال في لفظة «العصابة» ‪ -‬مث ً‬
‫ال ‪-‬‬ ‫معنًى سلبي ًا‪ ،‬ولك ّن هذا ناشئ عن ّ‬
‫التي غدت في زماننا توحي بمعنى سلبي‪ ،‬بينما لم تكن كذلك في الزمن السابق‪ ،‬وقد قال‬
‫النبي(ص) يوم ُأحد‪« :‬اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل اإلسالم ال تُعبدُ في األرض»(((‪.‬‬
‫وأ ّما الدعوة إلى ستر النساء بالبيوت والذي جاء تفريع ًا على وصفه ّن بالعورة‪ ،‬فهو ليس‬
‫فت أحد من الفقهاء به‪ ،‬فلر ّبما كان هو األنسب إلى طبيعة اإلنسان في‬‫إجراء وجوبي ًا ولم ي ِ‬
‫ُ‬ ‫ً‬

‫(((   صحيح مسلم‪ ،‬ج‪ 5‬ص‪ ،156‬تفسير القمي‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪ ،287‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.125‬‬
‫‪201‬‬ ‫المحور الرابع‪ :‬ما روي عن رسول الله(ص) في ذ ّم المرأة‬
‫تلك المرحلة‪ ،‬مع العلم أنّنا قد عرفنا في المحاور السابقة أنّها كانت تخرج وتسافر على‬
‫مرأى ومسمع من النبي(ص) ومن اإلمام علي‪ ‬دون أن يصدر عنهما رادع عن ذلك‪.‬‬
‫باختصار‪ّ :‬‬
‫إن ما يستفاد من حديث‪« :‬النساء عورة»‪:‬‬
‫‪--1‬الحرص على حماية المرأة وعدم خروجها إلى األماكن المشبوهة التي يخشى في حال‬
‫تعرضها لما يسيء لكرامتها أو يخدش حياءها‪.‬‬
‫خروجها إليها من ّ‬
‫‪--2‬ضرورة اتخاذ اإلجراءات الالزمة لحفظ كرامة المرأة والحؤول دون انزالقها إلى ما ال‬
‫يليق بعفتها وحيائها وشرفها‪ ،‬وأعتقد ّ‬
‫أن اإلجراءات القانونية على هذا الصعيد ال بدّ أن‬
‫تترافق مع تعزيز المناعة األخالقية ونشر ثقافة العفة في المجتمع وتربية اإلنسان عليها‪.‬‬

‫‪--2‬العورة ووجوب �ستر الوجه‬


‫وفي النقطة الثانية يقع التساؤل‪ :‬هل ّ‬
‫أن رواية «المرأة عورة» تدل على وجوب ستر‬
‫الوجه والكفين بالنسبة للمرأة؟‬
‫إن الرواية ال داللة فيها على وجوب ستر المرأة لوجهها‬ ‫والجواب ‪ -‬باختصار ‪ّ :-‬‬
‫ِ‬
‫وكفيها‪ ،‬ولذا فهي لم تتحدث عن ستر المرأة بالثياب وإنّما سترها بالبيوت‪ ،‬ولم يفت أحد‬
‫من فقهاء اإلسالم بوجوب حبس المرأة في البيت‪ ،‬بل هذا مقطوع البطالن‪ ،‬لما هو المعلوم‬
‫من سيرة المسلمات في زمن الرسول(ص) من الخروج إلى المسجد أو إلى زيارة األهل‬
‫واألرحام أو إلى غير ذلك من الحاجات‪ ،‬ولذا فمسألة ستر النساء بالبيوت هي مسألة أخالقية‬
‫تربوية‪ .‬وأ ّما المستفاد من الفقرة عموم ًا فهو ضرورة السعي ‪ -‬قدر اإلمكان ‪ -‬لعدم خروج‬
‫المرأة بطريقة مبتذلة‪ ،‬أو ترددها إلى المجالس المكتظة بالرجال دون مبرر‪ ،‬ومما يؤ ّيدُ ما‬
‫أن محط النظر‬ ‫إن جسدها عورة‪ ،‬مما يشير إلى ّ‬‫إن الرواية قالت‪« :‬المرأة عورة» ولم تقل ّ‬
‫نقول ّ‬
‫أن النظر إلى جسدها ممنوع‪ ،‬و ُيطلب‬ ‫إلى حماية المرأة نفسها من أن تخرج بين الرجال‪ ،‬ال ّ‬
‫منها حجب نفسها عن األنظار‪ ،‬والتفصيل في ذلك موكول إلى محله‪.‬‬

‫‪--3‬هل �صوت المر�أة عورة؟‬


‫وماذا عن صوت المرأة وما قد يقال عن كونه عورة‪ ،‬األمر الذي يستفيد منه البعض‬
‫حرمة االستماع إلى صوتها؟‬
‫وفي اإلجابة على ذلك نقول‪:‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪202‬‬
‫نصت على َّ‬
‫أن المرأة عورة ُي َش ُّك في إطالقها وشمولها‬ ‫أوالً‪ّ :‬‬
‫إن الروايات المتقدِّ مة التي ّ‬
‫أن هذه المسألة هي من أبرز وأوضح المسائل االبتالئ ّية التي لو كان‬ ‫لصوت المرأة‪ ،‬وال سيما ّ‬
‫وخفي‪ ،‬بل‬
‫ٍّ‬ ‫الحكم الشرعي فيها هو حرمة االستماع إلى صوت المرأة لما اكتفي فيه بكالم عام‬
‫لنص عليه بكالم واضح وجلي‪ ،‬ولو حصل ذلك لبان واشتهر وكثرت فيه األسئلة واألجوبة‪.‬‬ ‫ّ‬
‫أن النساء المسلمات ك ّن يخاطبن ويتكلمن مع رسول‬ ‫ثاني ًا‪ :‬الواضح من القرآن الكريم ّ‬
‫الله(ص) ومع الصحابة بشكل اعتيادي‪ ،‬ودون نكير أو رادع‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﵛﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ‬
‫ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓﵚ(((‪ ،‬وهكذا نجد ّ‬
‫أن‬
‫أن السيدة مريم‪ ‬كانت تتحدث مع زكريا‪ ‬ومع األحبار من‬ ‫القرآن نقل إلينا كيف ّ‬
‫أن موسى‪ ‬تكلم مع‬ ‫بني إسرائيل عندما أنجبت عيسى‪ ‬وجاءتهم به‪ ،‬ونقل أيض ًا كيف ّ‬
‫ثم بعد ذلك عندما جاءته إحداهما تدعوه إلى‬ ‫ابنتي شعيب عندما التقاهن على الماء‪ ،‬ومن ّ‬
‫أبيها ليشكره على صنيعه‪ ،‬إلى غير ذلك من الموارد القرآنية التي نجد فيها ّ‬
‫أن حديث النساء‬
‫أن قوله تعالى مخاطب ًا نساء النبي(ص)‪ :‬ﵛﭐﱚ ﱛ‬ ‫مع الرجال كان أمر ًا مألوف ًا وعادي ًا‪ ،‬على ّ‬
‫بأن تحدّ ث المرأة مع اآلخرين مفروغ من حليته كما‬‫ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡﵚ((( يوحي ّ‬
‫حلية استماع صوتها أيض ًا‪ ،‬وإنّما النهي متوجه على حرمة التك ّلم بطريقة مريبة توجب إثارة‬
‫وطمع َم ْن كان في قلبه مرض‪.‬‬
‫إن تاريخنا اإلسالمي طافح بالشواهد القطع ّية حول تكلم النساء مع رسول‬‫ثالث ًا‪ّ :‬‬
‫الله(ص) ومع األئمة من أهل البيت ‪ ،‬وقد كانت الكثيرات يأتين النبي(ص) أو اإلمام‪‬‬
‫ويسألنه عن أحكام دينهن‪ ،‬ونحن نعلم من خالل األخبار الواردة في ذلك‪ ،‬والمتواترة‬
‫تواتر ًا معنوي ًا أو إجمالي ًا‪ ،‬ونقطع بحصول هذا األمر بطريقة حساب االحتماالت‪ .‬وهكذا‬
‫كانت السيدة الزهراء‪ ‬تتحدث مع الرجال وتخطب فيهم كما هو معروف في خطبتها‬
‫الشهيرة في مسجد الرسول(ص)‪ ،‬أو في كالمها مع بعض الصحابة الذين جاؤوها إلى بيتها‬
‫أهمها أخذ الحديث عنها(((‪.‬‬
‫ألغراض شتى‪ ،‬ومن ّ‬
‫إن السيرة المتشرعية للمؤمنات كانت وال تزال قائمة على تك ّلم النساء مع الرجال‬
‫رابع ًا‪ّ :‬‬

‫(((  سورة المجادلة‪ ،‬اآلية ‪.1‬‬


‫(((  سورة األحزاب‪ ،‬اآلية ‪.32‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫مر حديث ابن مسعود عن أن رجال جاء إلى فاطمة‪ ‬وطلب منها أن تحدثه بشيء ينتفع به‪،..‬‬ ‫(((   وقد ّ‬
‫انظر‪ :‬دالئل اإلمامة‪ ،‬ص‪.66‬‬
‫‪203‬‬ ‫المحور الرابع‪ :‬ما روي عن رسول الله(ص) في ذ ّم المرأة‬
‫في األسواق وفي غيرها دون أي رادع أو نهي عنها‪ ،‬وهكذا سيرة عامة النساء ‪ -‬بصرف النظر‬
‫عن تدينهن ‪ -‬كانت جارية على ذلك‪ ،‬ولم نجد في النصوص ما يردع عنها‪ ،‬إال إذا تخ ّطت‬
‫الخطوط األخالقية والشرعية‪.‬‬
‫خامس ًا‪ :‬وأ ّما ما اشتهر على ألسنة بعض الفقهاء من ّ‬
‫أن «صوت المرأة عورة»(((‪ .‬فهو من‬
‫المشهورات التي ال أصل لها‪ ،‬ولم يرد ذلك في شيء من الروايات ولو الضعيفة‪.‬‬
‫أن صوت‬ ‫ولنعم ما قاله الشيخ يوسف البحراني تعليق ًا على كالم بعض الفقهاء عن ّ‬
‫أن صوت المرأة عورة‪ ،‬فهي منهية عن‬ ‫أن مرادهم بالنهي هنا هو ّ‬ ‫المرأة عورة‪« :‬والظاهر ّ‬
‫يدل على ما ادعوه من كون صوتها عورة‬ ‫إسماعه األجنبي‪ ،‬وأنت خبير بأنه لم يقم عندنا ما ّ‬
‫وأنّها منهية عن إسماعه األجنبي‪ ،‬بل ظاهر األخبار الدالة على تك ّلم فاطمة‪ ‬مع‬
‫الصحابة في مواضع عديدة وال سيما في المخاصمة في طلب ميراثها واإلتيان بتلك الخطبة‬
‫الطويلة المشهورة‪ ،‬وتك ّلم النساء في مجلس األئمة ‪ ‬هو خالف ما ذكروه»(((‪.‬‬

‫‪ُ « --8‬ت ْق ِبل المر�أة وتدبر ب�صورة �شيطان»‬


‫أن رسول الله(ص)‬ ‫نقلت كتب «الصحاح» حديث ًا باإلسناد عن جابر بن عبد الله األنصاري ّ‬
‫رأى امرأة فأعجبته! فأتى زينب وهي تمعس منيئة فقضى منها حاجته‪ ،‬وقال‪ :‬إن المرأة تقبل‬
‫في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان‪ ،‬فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته فليأت أهله ّ‬
‫فإن‬
‫ذاك ير ُّد مما في نفسه»(((‪.‬‬
‫بيان‪ :‬تمعس‪ ،‬بمعنى تدلك‪ ،‬والمنيئة على وزن ذبيحة وهي الجلد الذي يدبغ(((‪.‬‬
‫ورواه الدارمي باإلسناد عن عبد الله بن مسعود‪ ،‬قال رأى رسول الله (ص) امرأة‬
‫فأعجبته! فاتى سودة وهي تصنع طيب ًا وعندها نساء‪ ،‬فأخلينه فقضى حاجته‪ ،‬ثم قال‪ :‬أ ّيما‬
‫فإن معها َ‬
‫مثل الذي معها»(((‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫رجل رأى امرأة تعجبه فليقم إلى أهله‪ّ ،‬‬

‫  قال العالمة الحلي في المسائل المهنائية‪ ،‬ص‪« :40‬وروي أن صوت المرأة عورة»‪.‬‬ ‫(((‬
‫  الحدائق الناضرة‪ ،‬ج ‪ 8‬ص ‪.141‬‬ ‫(((‬
‫  صحيح مسلم‪ ،‬ج‪ 4‬ص‪ ،129‬ومسند أحمد‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪ ،330‬وسنن الترمذي‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪ ،313‬وشعب‬ ‫(((‬
‫اإليمان للبيهقي‪ ،‬ج‪ 4‬ص‪ .367‬والجامع الصغير للسيوطي‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪ ،323‬وكنز العمال‪ ،‬ج‪ 5‬ص‪،326‬‬
‫وإحياء علوم الدين للغزالي‪ ،‬ج‪ 4‬ص‪.110‬‬
‫  شرح صحيح مسلم للنووي‪ ،‬ج‪ 9‬ص‪.178‬‬ ‫(((‬
‫  سنن الدرامي‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.146‬‬ ‫(((‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪204‬‬
‫وروى ابن أبي شيبة في مصنفه حديث ًا بإسناده عن عبد الله بن حبيب قال‪ :‬خرج‬
‫رسول الله(ص) فلقي امرأة فأعجبته! فرجع إلى أم سلمة وعندها نسوة يدفن (يصنعن) طيب ًا‬
‫قال‪ :‬فعرفن ما في وجهه فأخلينه فقضى حاجته فخرج فقال‪ « :‬من رأى منكم امرأة فأعجبته‬
‫فليأت أهله فليواقعها ّ‬
‫فإن ما معها مثل الذي معها»(((‪ .‬والرواية بحسب نقل الدارمي وابن أبي‬
‫شيبة ليس فيه تشبيه المرأة بالشيطان‪.‬‬
‫والخبر مروي من طرق الشيعة أيض ًا‪ ،‬فقد رواه الكليني بسند ضعيف إلى حماد بن‬
‫عثمان‪ ،‬عن أبي عبد الله‪ ‬قال‪ :‬رأى رسول الله(ص) امرأة فأعجبته! فدخل على أم‬
‫سلمة وكان يومها‪ ،‬فأصاب منها وخرج إلى الناس ورأسه يقطر‪ ،‬فقال‪ :‬أيها الناس إنّما النّظر‬
‫من الشيطان‪ ،‬فمن وجد من ذلك شيئ ًا فليأت أهله»(((‪.‬‬
‫ونالحظ في هذا الحديث األخير أنّه لم ُي َش ِّب ْه المرأة بصورة الشيطان‪ ،‬وإنّما عدّ النظر‬
‫إليه من تسويالت الشيطان‪.‬‬
‫تتم من خالل الوقفتين التاليتين‪:‬‬
‫ودراستنا لهذا الحديث ّ‬
‫‪--1‬الوثوق بالخبر‬
‫ِّك مشكك في صدور الحديث وصحته‪ ،‬وذلك من جهة عدم‬ ‫الوقفة األولى‪ :‬ربما ُي َشك ُ‬
‫الوثوق بسنده‪ ،‬والختالف النقل في عدة أشياء‪ ،‬ومنها اسم الزوجة التي ذهب النبي(ص)‬
‫إن بعضها تقول‪ ،‬هي زينب‪ ،‬وفي نقل آخر هي سودة‪ ،‬وثالث يقول هي أم سلمة‪،‬‬ ‫إليها‪ ،‬حيث ّ‬
‫عما سيأتي في الوقفة الثانية‪.‬‬ ‫هذا ناهيك ّ‬
‫ولكن ال يبعد أن يكون للخبر أصل صحيح‪ ،‬وال سيما أنّه مروي من طرق الفريقين‪،‬‬
‫كما الحظنا‪ .‬أجل‪ ،‬قد حصلت بعض الزيادات عليه نتيجة النقل بالمعنى‪ ،‬أو االعتماد على‬
‫الحافظة التي قد تخون صاحبها أحيان ًا‪ ،‬أو لغير ذلك من األسباب‪ .‬وأ ّما االختالف في اسم‬
‫نرجح أنَّها «أم سلمة» لتالقي رواية الكافي مع‬ ‫الزوجة التي ذهب إليها النبي(ص) ْ‬
‫فإن لم ِّ‬
‫ِ‬
‫إن االختالف في ذلك ال ُي ْسق ُط الرواية عن‬
‫رواية ابن أبي شيبة على اسمها‪ ،‬فيمكن القول‪ّ :‬‬
‫االعتبار‪ ،‬وال يبعد أن يكون منشأ االختالف في اسمها هو اجتهاد الرواة‪ّ ،‬‬
‫ألن من الطبيعي أن‬

‫(((   المصنف‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.407‬‬


‫(((   الكافي‪ ،‬ج ‪ 5‬ص ‪.494‬‬
‫‪205‬‬ ‫المحور الرابع‪ :‬ما روي عن رسول الله(ص) في ذ ّم المرأة‬
‫يصرح باسم الزوجة التي قصدها‪ ،‬وليس من‬ ‫ال عن أن ّ‬‫ال ُيظهر النبي(ص) هذا األمر‪ ،‬فض ً‬
‫شخصوا الحجرة التي دخل إليها‬‫الضروري أن يكون أصحاب النبي(ص) قد شاهدوا أو ّ‬
‫النبي(ص) ليعرفوا بذلك اسم الزوجة التي قصدها لقضاء حاجته‪.‬‬

‫‪--2‬الت�أمل في بع�ض الم�ضامين‬


‫الوقفة الثانية‪ّ :‬‬
‫إن الحديث ‪ -‬في بعض طرقه ‪ -‬يشتمل على ما ال يمكن األخذ به‪ ،‬وهو‬
‫أمران‪ ،‬نذكرهما فيما يلي‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬تشبيه المرأة بصورة الشيطان‪ ،‬كما جاء في رواية أحمد بن حنبل في مسنده‪ ،‬وأنّها‬
‫إذا أقبلت أقبلت بصورة شيطان‪ ،‬وإذا أدبرت أدبرت بصورته‪ ،‬وهذا لو ُح ِم َل على ظاهره فهو‬
‫غير مفهوم وال مقبول‪ ،‬ألنّه ال وجه لتشبيهها بالشيطان‪ ،‬فإن كان ذلك ألنّها بأنوثتها تثير غريزة‬
‫الرجل‪ ،‬فهذا أمر طبيعي وليس شيئ ًا قبيح ًا أو محرم ًا‪ ،‬فالرجل يتأثر بالمرأة‪ ،‬وليس في ذلك‬
‫ما يضير‪ ،‬ولكن شريطة أن ال يسمح لغريزته باالنفالت من عقالها ويندفع إلى ارتكاب ما هو‬
‫ال أو قوالً‪ ،‬وعليه‪ ،‬فال وجه لتشبيه المرأة بصورة الشيطان‪ ،‬إال أن يكون المقصود‬ ‫محرم فع ً‬
‫المتبرجة‪ ،‬فيكون للتشبيه وجه‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫بمجيئها بصورة شيطان هو الحديث عن خصوص المرأة‬
‫تبرجها يلتقي مع ما يرمي إليه الشيطان وما جنّد نفسه ألجله منذ أن ُط ِر َد من الجنة‪،‬‬
‫أن ّ‬‫باعتبار ّ‬
‫وهي مهمة إغواء اإلنسان‪.‬‬
‫ولر ّبما َن َق َل الرواة الحديث بطريقة غير دقيقة‪ ،‬ورواية الكافي ترفع اإلشكال‪ ،‬فقد جاء‬
‫فيها‪« :‬أيها الناس إنّما النظر من الشيطان فمن وجد من ذلك شيئ ًا فليأت أهله»‪ .‬بحيث يكون‬
‫أن النظرة المثيرة والمريبة هي في معرض أن توقع اإلنسان في حبال الشيطان‪ ،‬على‬ ‫المقصود ّ‬
‫طريقة ما قال الشاعر‪:‬‬
‫فكالم فموعدٌ فلقاء‬ ‫نظر ٌة فابتسام ٌة فسالم‬
‫تضمن أن النبي(ص)‬ ‫إن الحديث ‪ -‬بحسب رواية الدارمي وابن أبي شيبة ‪ -‬قد ّ‬ ‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫عندما رأى تلك المرأة قام وذهب إلى زوجته (أي ًا كانت) وعاشرها‪ ،‬وإلى هنا ليس في األمر‬
‫مشكلة فالنبي(ص) بشر‪ ،‬ولديه غريزة كما سائر البشر‪ ،‬وربما كان النبي(ص) قادر ًا على‬
‫وضب ِ‬
‫ط غريزته ولكنّه عندما قام متوجه ًا إلى بيت إحدى زوجاته فلر ّبما أراد‬ ‫تمالك نفسه َ ْ‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪206‬‬
‫أن الحديث ‪ -‬بحسب النقلين‬ ‫بذلك إعطاء أصحابه درس ًا في مثل هذه الحاالت(((‪ ،‬بيد ّ‬
‫صور النبي(ص) وكأنّه لم يستطع تمالك نفسه وأنّه ذهب إلى البيت وقد‬ ‫المشار إليهما ‪ -‬قد ّ‬
‫الح على وجهه وبان عليه أنّه جاء لغرض معاشرة زوجته! لدرجة ّ‬
‫أن النسوة الالتي ك ّن مع‬
‫زوجته قد قرأن ذلك في قسمات وجهه‪ ،‬فقمن وأخلين له المجال لقضاء حاجته! فانظر إلى‬
‫قول الرواي بحسب ما جاء في رواية ابن أبي شيبة‪« :‬فعرفن ما في وجهه فأخلينه»‪ .‬وهذا ما ال‬
‫أن النبي(ص) وصل به الته ّيج (وأعتذر من جالل النبي(ص)‬ ‫ألن ذلك يعني ّ‬
‫يمكننا تصديقه‪ّ ،‬‬
‫من استخدام هذه الكلمة ولو في سياق اإلنكار) إلى حدٍّ بان األمر عليه‪ .‬وهذا أمر نستبعد‬
‫حصوله مع الرسول الكريم الذي امتأل حيا ًء وعفة وحشمة كما امتأل إرادة وورع ًا وتقى‪.‬‬
‫وع ّلق الشيخ السبحاني على الحديث بأنّه‪« :‬يشتمل على شيء ال يصدر عن‬
‫ال عن النبي األعظم (ص) الذي ملئ بالحياء من الفرق إلى القدم‪،‬‬ ‫ُس َّذج الناس‪ ،‬فض ً‬
‫حيث قال ‪« :‬فأخلينه فقضى حاجته»‪ ،‬وهذا رهن أن يبوح النبي(ص) بما في قلبه من‬
‫خ ِلين المجلس له‪ ،‬وهذا شيء ال يليق بالمؤمن‬
‫ويفهمهن حتى ُي ْ‬
‫َّ‬ ‫المالمسة مع سودة‪،‬‬
‫ال عن النبي(ص)(((‪.‬‬‫فض ً‬
‫بأن االحتمال الذي ذكره غير وارد‪ّ ،‬‬
‫ألن الرواية‬ ‫ولكن يمكن المناقشة في كالمه‪ّ ،‬‬
‫‪-‬بحسب نقل ابن أبي شيبة‪ -‬قد أوضحت األمر‪ّ ،‬‬
‫وأن النسوة رأ ْي َن ذلك في وجهه‪ ،‬ال أنّه‬
‫صرح له ّن بذلك‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪ --9‬حديث‪« :‬ال تعلموهنّ الكتابة!»‬


‫ومن األحاديث التي ال بدّ لنا أن نخضعها للبحث والدرس العلمي‪ ،‬الحديث الذي‬
‫تضمن النهي عن تعليم النساء الكتابة وعن تالوة سورة يوسف‪ ،‬فقد روى الشيخ الصدوق‬
‫ّ‬
‫بإسناده عن إسماعيل بن أبي زياد (السكوني) عن جعفر بن محمد عن أبيه ‪ ‬عن آبائه ‪‬‬

‫(((   والحديث يشتمل على «حكمة عملية‪ ،‬وهي أنّه إذا ثارت شهوة الرجل‪ ،‬فعليه أن يعالجها بحالل‪،‬‬
‫وإل فربما ينتهي إلى الوقوع في الحرام‪ ،‬وقد ورد نظير ذلك على لسان اإلمام علي‪ ‬عندما‬ ‫ّ‬
‫«إن أبصار هذه‬
‫فمرت بهم امرأة جميلة فرمقها القوم بأبصارهم‪ ،‬فقال‪ّ :‬‬ ‫كان واقف ًا مع أصحابه ّ‬
‫وان ذلك سبب َه َبابها‪ ،‬فإذا نظر أحدكم إلى امرأة تعجبه فليالمس أهله فإنّما هي‬
‫الفحول طوامح‪ّ ،‬‬
‫امرأة كامرأته»‪.‬‬
‫(((   الحديث النبوي بين الرواية والدراية‪ ،‬ص‪.127‬‬
‫‪207‬‬ ‫المحور الرابع‪ :‬ما روي عن رسول الله(ص) في ذ ّم المرأة‬
‫قال‪ :‬قال رسول الله(ص)‪« :‬ال تنزلوا النساء الغرف‪ ،‬وال تعلموهن الكتابة‪ ،‬وال تع ّلموهن‬
‫سورة يوسف‪ ،‬وع ّلموهن المغزل وسورة النور»(((‪.‬‬
‫ورواه الكليني في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن‬
‫أبي عبد الله قال‪ :‬قال رسول الله(ص)‪« :‬ال تنزلوا النساء بالغرف‪ ،‬وال تعلموهن الكتابة‪،‬‬
‫وع ّلموهن المغزل وسورة النور»‪ .‬لكن مع عدم ذكر فقرة‪« :‬وال تع ّلموه ّن سورة يوسف»(((‪.‬‬
‫والحديث عينه وبالصيغة األخيرة نجده في مصادر أهل السنة‪ ،‬فقد روى الحاكم‬
‫النيسابوري باإلسناد إلى عائشة قالت‪ :‬قال رسول الله(ص)‪« :‬ال تنزلوهن الغرف وال‬
‫تع ّلموهن الكتابة‪ ،‬يعنى النساء وع ّلموهن المغزل وسورة النور»(((‪.‬‬
‫ويبدو ّ‬
‫أن أبا العالء المعري ناظر إلى هذا الحديث عندما قال‪:‬‬
‫َن(‪ )4‬وخ ُّلـــوا كتابـــة وقـــراءة‬ ‫والر ْد‬
‫موهن الغزل والنســـيج َّ‬
‫َّ‬ ‫ع ِّل‬
‫الص تجزي عن يوسف وبراءة‬ ‫فصـــاة الفتـــاة بالحمد واإلخـ‬
‫(‪)5‬‬
‫ســـتر إن غنّت القيـــان وراءه‬ ‫تهتك الســـتر بالجلوس أمام الـ‬

‫بيان و�شرح‬
‫وقبل التعليق على هذا الحديث‪ ،‬من المفيد أن نذكر شرح ًا وتعليق ًا على فقراته من‬
‫قبل بعض األعالم المحدّ ثين‪ ،‬قال الشيخ محمد تقي المجلسي (والد صاحب بحار األنوار‪،‬‬
‫ويعرف بالمجلسي األول)‪« :‬والغرفة البيت الفوقاني‪ ،‬لئال ينظرن إلى الرجال وال ينظروا‬
‫فإن الغالب فيها اإلشراف‪ ،‬ويمكن أن يكون تعبد ًا‪« ،‬وال تع ِّلموه َّن الكتابة» ألنهن إذا‬
‫إليهن‪ّ ،‬‬
‫ُع ّلمن يكتبن بالمطالب إلى من ال يرضى به الزوج واألقرباء ويخاف من االفتتان بخطوطهن‪،‬‬
‫ألن فيها حكاية العشق و ُيخاف افتتانهن»(((‪.‬‬ ‫أو تعبد ًا‪« .‬وال تعلموهن سورة يوسف»‪ّ ،‬‬
‫وقال في موضع آخر‪« « :‬الغرف» جمع غرفة‪ ،‬وهي البيت األعلى‪ ،‬فإنّه من الستر‬

‫  من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪ ،442‬وج‪ 1‬ص‪.375‬‬ ‫(((‬


‫  انظر‪ :‬الكافي‪ ،‬ج‪ 5‬ص‪.516‬‬ ‫(((‬
‫  فقد رواه الحاكم في المستدرك‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪ ،396‬وقال‪ « :‬هذا حديث صحيح اإلسناد ولم يخرجاه»‪.‬‬ ‫(((‬
‫الر ْ‬
‫دن‪ :‬تنضيد المتاع وترتيب البيت‪.‬‬ ‫  َّ‬ ‫(((‬
‫  ديوان أبي العالء المعري‪( ،‬اللزوميات) ج‪ 1‬ص‪.61‬‬ ‫(((‬
‫  روضة المتقين في شرح من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.479‬‬ ‫(((‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪208‬‬
‫أبعد‪ ،‬ويمكن أن ينظر األجانب إليهن‪ ،‬إال أن تكون الجدران مرتفعة‪ ،‬ومعه فمتابعة النص‬
‫أولى‪ ،‬ألنّه يمكن أن يكون له حكمة خف ّية ال نعرفها‪« ،‬وال تعلموهن الكتابة» أي الخط‪ ،‬فإنّه‬
‫أن خطهن من العورة‪ ،‬وكلما ك ّن إلى الستر أقرب كان أولى‬ ‫يمكن أن يكتبن إلى األجانب مع ّ‬
‫فإن فيها حكاية العشق‪« ،‬وعلموهن المغزل» أي الغزل‬ ‫«وال تعلموهن سورة يوسف‪ّ »‬‬
‫أو عمله‪ ،‬والمغزل مثلثة الميم ما يغزل به‪ ،‬وأقل مراتبه التأسي بسيدة نساء العالمين فاطمة‬
‫فإن فيها حد الزنا وآيات الحجاب وما يناسبهن‪ .‬ولعل عدم‬ ‫الزهراء‪« ‬وسورة النور» ّ‬
‫تعليم سورة يوسف وتعليم سورة النور مختصان بالعرب‪ ،‬وبمن يعرف معانيهما»(((‪.‬‬

‫المالحظات على هذا الحديث‬


‫ال عن أنّه غير نقي السند(((‪ ،‬يتضمن ما ال يمكن‬‫ولكن هذا الحديث غريب‪ ،‬فهو فض ً‬
‫األخذ به وال فهمه‪ ،‬إن بالنسبة للنهي عن تعليم النساء الكتابة‪ ،‬أو بالنسبة إلى النهي عن‬
‫تعليمهن سورة يوسف‪ ،‬وإليك توضيح ذلك‪:‬‬
‫إن الدعوة إلى عدم تعليم النساء الكتابة غير مفهومة‪ ،‬ألنّه إذا فهم منها ترك‬ ‫أوالً‪ّ :‬‬
‫أن تعليم القراءة في العادة ال ينفك عن‬ ‫تعليمه ّن كل ّية‪ ،‬أي القراءة والكتابة‪ ،‬على اعتبار ّ‬
‫تعليم الكتابة‪ ،‬فهذا يعني الدعوة إلى تجهيل نصف المجتمع‪ ،‬وهذا أمر ال يمكن القبول‬
‫ألن النصوص القرآن ّية والنبو ّية الحا ّثة‬
‫به أو نسبة مضمونه إلى الشريعة اإلسالمية؛ وذلك ّ‬
‫على التعليم والمؤكدة على اكتساب المعرفة هي أكثر من أن تحصى‪ ،‬وهي ال تقبل التقييد‬
‫والتخصيص بالرجل(((‪ ،‬وقد ورد في بعض األحاديث ذكر المرأة المسلمة إلى جانب الرجل‬

‫(((   روضة المتقين في شرح من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ 8‬ص ‪.376‬‬


‫(((   أما السند في الروايات الشيعية فقد اشتمل على النوفلي وهو ممن ال توثيق له‪ ،‬وإن كان هناك بعض‬
‫المحاوالت لتوثيقه‪ ،‬وقد تطرقنا إلى ذلك في دروسنا في فقه العالقة مع اآلخر المذهبي‪ ،‬وأ ّما الرواية‬
‫السنية فع ّلق عليها ابن الجوزي‪« :‬هذا الحديث ال يصح وقد ذكره أبو عبد الله الحاكم النيسابوري‬
‫في صحيحه‪ ،‬والعجب كيف خفي عليه أمره‪ .‬قال أبو حاتم بن حبان‪ :‬كان محمد بن إبراهيم الشامي‬
‫يضع الحديث على الشاميين ال يحل الرواية عنه إال عند االعتبار‪ .‬روى أحاديث ال أصول لها من كالم‬
‫يحل االحتجاج به»‪ ،‬انظر‪ :‬الموضوعات البن الجوزي‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.269‬‬ ‫رسول الله (ص) ال ُّ‬
‫إن دعوة اإلسالم إلى تع ّلم القراءة والكتابة هي أمر معلوم للجميع‪ ،‬واهتمام النبي(ص) بذلك معروف‬ ‫(((   ّ‬
‫حتى أنّه أمر أسرى المشركين يوم بدر بتعليم المسلمين الكتابة لقاء تحريرهم‪ ،‬روي عن ابن عباس‬
‫قال‪« :‬كان ناس من األسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء‪ ،‬فجعل رسول الله (ص) فداءهم أن يع ِّلموا‬
‫أوالد األنصار الكتابة»‪ ،‬انظر‪ :‬مسند أحمد‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.247‬‬
‫‪209‬‬ ‫المحور الرابع‪ :‬ما روي عن رسول الله(ص) في ذ ّم المرأة‬
‫الحث على طلب العلم‪ ،‬حيث روي عنه(ص)‪« :‬طلب العلم فريضة على كل‬ ‫ّ‬ ‫المسلم في‬
‫أن قيام المرأة بمهمة التمريض والطبابة النسائية هي من الواجبات‬ ‫مسلم ومسلمة»(((‪ .‬على ّ‬
‫الكفائية على نوع النساء‪ ،‬ومن البديهي أنّه ال يمكن القيام بهذا الواجب أو هذه المهمة إال‬
‫إذا كانت المرأة متعلمة وتعرف القراءة والكتابة‪ ،‬وال س ّيما في زماننا حيث غدت ممارسة‬
‫ال عن الطبابة‪ -‬محتاجة إلى دراسة متخصصة‪ ،‬وقد ذكر علماء األصول ّ‬
‫أن‬ ‫التمريض ‪-‬فض ً‬
‫أن طلب العلم هو مما يحكم‬ ‫مقدمة الواجب الذي يتوقف عليها الوجب واجبة‪ .‬ناهيك عن ّ‬
‫العقل بمطلوبيته مقدمة لتحصيل العلم بالمبدأ أو المعاد وغيرهما من الوظائف الدينية التي‬
‫يتوقف االعتقاد بها على طلب العلم والمعرفة‪ ،‬ما يجعل الروايات الناهية عن تعليم المرأة‬
‫منافية لحكم العقل‪ ،‬األمر الذي يحتّم علينا ر ّدها‪.‬‬
‫باختصار‪ّ :‬‬
‫إن تعليم المرأة هو حق من حقوقها التي كفلها اإلسالم‪ ،‬كما كفلتها سائر‬
‫تنص‬
‫الشرائع الدينية والوضعية‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﵛﭐﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜﵚ(((‪ ،‬فاآلية كما نالحظ ّ‬
‫على ّ‬
‫أن التعليم هو لإلنسان وليس لخصوص الرجل‪.‬‬
‫هذا كله لو كان المقصود بالدعوة إلى ترك تعليمه ّن الكتابة هو ترك تعليمهن بالكلية ما‬
‫بأن المقصود بالدعوة المذكورة هو‬‫يجعل النساء في حالة من األم ّية المطلقة‪ ،‬وأ ّما إذا قيل ّ‬
‫أن االنفكاك بين األمرين ممكن‪ ،‬فقد‬ ‫ترك تعليمه ّن الكتابة فقط دون القراءة‪ ،‬وذلك بلحاظ ّ‬
‫ٍ‬
‫يتع ّلم اإلنسان القراءة دون الكتابة‪ ،‬كما كان يحصل في السابق‪ ،‬فلنا أن نتساءل حينئذ عن ّ‬
‫سر‬
‫هذا الحكم المانع من تعليمهن الكتابة بالخصوص؟‬
‫ذكر المجلسي في كالمه المتقدِّ م عدة وجوه أو تفسيرات لذلك‪:‬‬
‫ألن هذا المقام ليس مقام‬‫الوجه األول‪ :‬الحمل على التعبد المحض‪ ،‬وهو وجه بعيد؛ ّ‬
‫تعبد‪ ،‬فليس مفهوم ًا أن يتعبدنا الشارع بمنع المرأة من الكتابة‪ ،‬ومهما اجتهدنا في إيجاد توجيه‬
‫مقبول لذلك فال نجد‪ ،‬فالحاجة إلى تع ّلم النساء الكتابة ال تقل عن حاجة الرجال إلى ذلك‪،‬‬
‫وهذه الحاجة ليست مستجدة‪ ،‬فالكتابة كانت وسيلة العلم األساسية‪ ،‬وال س ّيما في األزمنة‬
‫ثمة وسائل‬‫إن اقتناء الكتب النافعة كان يحتاج إلى االستنساخ‪ ،‬حيث لم يكن ّ‬ ‫الغابرة‪ ،‬إذ ّ‬

‫(((   كنز الفوائد للكراكجي‪ ،‬ص‪ ،239‬ومشكاة األنوار في غرر األخبار للطبرسي‪ ،‬ص‪ ،236‬وعدة الداعي‬
‫ونجاح الساعي البن فهد الحلي‪ ،‬ص‪ ،63‬وعوالي الآللي البن أبي جمهور األحسائي‪ ،‬ج‪ 4‬ص‪.70‬‬
‫(((  سورة العلق‪ ،‬اآلية ‪.5‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪210‬‬
‫أن الكتابة كانت وال تزال الوسيلة األساس لحفظ‬ ‫للطباعة كما هو الحال في أيامنا‪ ،‬كما ّ‬
‫العلم والحديث من النسيان والضياع‪ ،‬ولهذا دعا النبي(ص) إلى كتابة العلم والحديث‪،‬‬
‫فعنه(ص)‪« :‬ق ِّيدوا العلم بالكتاب»(((‪ .‬ومن فوائد الكتابة أنّها تساهم في تنمية الملكات‬
‫والمواهب‪ ،‬والتعبير عن األفكار‪ ،‬وإيصال المعلومات النافعة إلى اآلخرين من خالل‬
‫الرسائل‪ ،‬ومن فوائدها أيض ًا أنّه بواسطتها تُحفظ حقوق اآلخرين من الضياع‪ ،‬كما في كتابة‬
‫الوصايا واإلقرارات‪ ،‬وتوثيق العقود والمعامالت والسجالت إلى غير ذلك من الحاجات‬
‫الملحة التي تفرض تعلم الكتابة‪ ،‬لدرجة أنّه يمكن القول‪ :‬إنّها من الواجبات النظام ّية التي‬
‫يحتاج إليها المجتمع‪ ،‬هذا فيما يتصل بفوائد الكتابة بشكل عام أي للرجل والمرأة‪ ،‬وأ ّما‬
‫فإن معرفتها بالكتابة ستمنحها قدرة على تعليم أطفالها‪ ،‬ولو كانت الكتابة‬ ‫بالنسبة للمرأة ّ‬
‫مبغوضة لما تعلمتها سيدتنا الزهراء‪ ‬فقد كانت‪ ‬عالمة بالكتابة‪ ،‬كما يستفاد من‬
‫أن النبي(ص) كان قد ك ّلف إحدى النساء وهي‬ ‫بعض األحاديث(((‪ .‬ويظهر من بعض المصادر ّ‬
‫«الشفاء بنت عبد الله» بتعليم زوجته حفصة الكتابة(((‪ ،‬وقد اعتبر الحديث النبوي الشريف‬
‫حق الولد ‪ -‬ذكر ًا كان أو أنثى ‪ -‬على والده أن يع ّلمه الكتابة‪ ،‬فعنه(ص)‪« :‬من حق الولد‬ ‫ّ‬
‫أن من ّ‬
‫على والده ثالثة‪ :‬يحسن اسمه ويعلمه الكتابة ويزوجه إذا بلغ»(((‪ .‬وما ورد في بعض الروايات‬
‫من الدعوة إلى تعليم الغالم الكتابة((( فال مفهوم له‪ ،‬بحسب تعبير األصوليين‪ ،‬أي ال يستفاد‬
‫منه نفي تعليم األنثى‪ ،‬وإنما ُذكر الغالم من باب المثال‪ ،‬كما هي العادة في مثل هذه الموارد‪.‬‬
‫أن النساء إذا تع ّلمن الكتابة فسوف يكتبن إلى َم ْن ال يرضى به الزوج‬
‫الوجه الثاني‪ّ :‬‬
‫واألقرباء‪ ،‬و ُيخاف من االفتتان بخطوطهن‪ ،‬وهذا الوجه أشدُّ غرابة من سابقه‪ ،‬وهو يحمل في‬

‫  تحف العقول عن آل الرسول(ص)‪ ،‬ص‪ ،36‬والمجازات النبو ّية‪ ،‬ص‪ ،179‬وهو مروي عن أمير‬ ‫(((‬
‫المؤمنين‪ ،‬انظر‪ :‬شرح مئة كلمة ألمير المؤمنين‪ ‬البن ميثم البحراني‪ ،‬ص‪ ،291‬وروي في مصادر‬
‫السنة عن عمر بن الخطاب‪ ،‬انظر‪ :‬المستدرك‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪ ،106‬لكنه رواه أيض ًا عن رسول الله(ص)‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫ُّ‬
‫المصدر نفسه‪.‬‬
‫  فقد روي «هذا ما كتبت فاطمة بنت محمد (ص)‪ ،‬في مالها إن حدث بها حادث‪ ،‬تصدقت بثمانين أوقية‬ ‫(((‬
‫تنفق عنها‪ ،»..‬انظر‪ :‬بحار األنوار‪ ،‬ج‪ 100‬ص‪ ،184‬ومستدرك الوسائل‪ ،‬ج‪ 14‬ص‪ .55‬وحمله على أنّها‬
‫كتبت ذلك مستعينة ببعض الكتاب خالف الظاهر‪.‬‬
‫علي رسول الله(ص) وأنا عند حفصة‪ ،‬فقال لي‪ :‬أال تعلمين هذه رقية النملة‬
‫  فعن الشفاء قالت‪« :‬دخل ّ‬ ‫(((‬
‫كما علمتها الكتابة»‪ ،‬انظر‪ :‬سنن أبي داود‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪ ،226‬والمستدرك على الصحيحين‪ ،‬ج‪ 4‬ص‪.57‬‬
‫  روضة الواعظين للفتال النيسابوري‪ ،‬ص ‪ ،369‬ومكارم األخالق للطبرسي‪ ،‬ص ‪.220‬‬ ‫(((‬
‫  ففي الحديث الموثق عن يعقوب بن سالم‪ ،‬عن أبي عبد الله‪ ‬قال ‪ :‬الغالم يلعب سبع سنين‪،‬‬ ‫(((‬
‫ويتعلم الكتاب سبع سنين‪ ،‬ويتعلم الحالل والحرام سبع سنين»‪ ،‬انظر‪ :‬الكليني‪ ،‬ج ‪ 6‬ص ‪.47‬‬
‫‪211‬‬ ‫المحور الرابع‪ :‬ما روي عن رسول الله(ص) في ذ ّم المرأة‬
‫ثناياه تخوين ًا للمرأة‪ ،‬بحيث تُجعل في قفص االتهام على الدوام‪ ،‬وتزدحم في وجه هذا الكالم‬
‫العديد من األسئلة التي ال تجد جواب ًا‪ ،‬ومنها‪ :‬أنّه لماذا نفترض أنّها ستكتب لآلخرين؟! أو‬
‫إذا كتبت لهم فلماذا نفترض أنّها ستكتب إلى من ال يرضى الزوج واألقارب بالكتابة إليه؟!‬
‫فلع ّلها تكتب إلى أرحامها أو إخوانها‪ ،‬أو تكتب علم ًا تنتفع به وينتفع به زوجها وأوالدها أو‬
‫ثم من الذي يمنح الزوج أو األقارب حق ًا في منع المرأة من الكتابة؟! وأ ّما‬
‫المجتمع عامة؟! ّ‬
‫الكالم عن االفتتان بخ ّطها فهو من أغرب األمور‪ ،‬فهذا المنطق لو كان يبرر منعها من الكتابة‬
‫سجن دائم حتى ال يفتتن أحد بها! مع‬ ‫ٍ‬ ‫لكان يبرر الدعوة إلى منعها من الكالم أو جعلها في‬
‫أن التشريع سمح لها بالخروج ومزاولة األعمال واألنشطة التي ال تسيء إلى عفتها؟ فإذا‬ ‫ّ‬
‫التزمت المرأة حدود العفة واألخالق ومع ذلك افتتن البعض بها فهذه ليست مشكلتها وإنّما‬
‫هي مشكلته وعليه أن يعمل على تهذيب نفسه وضبطها‪.‬‬
‫أن خ ّطه َّن عورة‪ ،‬وهذا كالم غريب وال وجه له وال دليل عليه‪ ،‬فكيف‬
‫الوجه الثالث‪ّ :‬‬
‫ِ‬
‫الخط أو بمضمونه؟‬ ‫يكون خ ّطها عورة؟! هل لذلك عالقة بشكل‬
‫خط المرأة عن خط‬ ‫إن قيل‪ :‬األمر يتصل بشكله‪ ،‬فهذا مستغرب‪ ،‬إذ ما الذي يم ّيز ُّ‬
‫فإن ما تكتبه المرأة قد ال ت ِ‬
‫ُطلع اآلخرين عليه‪ ،‬أو قد ال‬ ‫ثم بصرف النظر عن ذلك‪ّ ،‬‬ ‫الرجل؟! ّ‬
‫يعرف اآلخرون أنّه من خ ّطها‪ ،‬فلماذا تمنع من تعلم الكتابة؟!‬
‫وإن قيل‪ :‬األمر يتصل بالمضمون‪ ،‬فهذا يعني إصدار حكم مسبق عليها بأنّها ستكتب‬
‫مضمون ًا مثير ًا للرجل‪ ،‬وهذا يمثل تخوين ًا لها ال مبرر له‪ .‬وقد أسلفنا كالم ًا مفص ً‬
‫ال حول‬
‫وصف النساء بالعورة‪ ،‬فليراجع‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬إذا كانت الدعوة إلى تعليم النساء سورة النور مفهومة على اعتبار أنّها تشتمل‬
‫على األحكام المختصة بالنساء والحدود المتصلة به ّن‪ّ ،‬‬
‫فإن الدعوة إلى ترك تعليمه ّن سورة‬
‫يوسف موضع إشكال واستغراب كبير ْين‪ ،‬وذلك‪:‬‬
‫إن األمر بقراءة القرآن الكريم وتالوته بجميع سوره‪ ،‬واستحباب ختمه ولو في بعض‬ ‫‪ّ --1‬‬
‫إن األمر بذلك مطلق وشامل للمرأة والرجل‪ ،‬فما الموجب‬ ‫الشهور والتدبر في آياته‪ّ ،‬‬
‫لمنع المرأة حصر ًا عن تع ّلم هذه السورة؟! إنّه ال موجب لرفع اليد عن تلك األوامر‬
‫لمجرد أخبار ضعيفة وغير موثوقة‪.‬‬
‫تم تبريره باشتمال السورة المذكورة على‬ ‫‪ّ --2‬‬
‫إن منعه ّن من قراءة السورة المذكورة‪ ،‬قد ّ‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪212‬‬
‫«حكاية العشق ويخشى افتتانه ّن بذلك»(((‪ ،‬ولك ّن هذا الوجه لو كان تام ًا في نفسه فهو ال‬
‫يختص بالنساء‪ ،‬ألنّه إذا كانت قراءة تلك السورة ته ّيج النساء وتوجب افتتانهن‪ ،‬فهي تهيج‬
‫أن اهتياج الرجل هو أسرع من اهتياج المرأة‪ ،‬وقد‬ ‫الرجال أيض ًا وتوجب فتنتهم! ومعلوم ّ‬
‫أن المرأة تصبر أكثر من الرجل على‬ ‫ورد في األحاديث((( ما يدل على هذه الحقيقة‪ ،‬وهي ّ‬
‫أن حياءها يمنعها من إظهار شهوتها‪ .‬فالالزم على هذا دعوة‬ ‫والسر في ذلك ّ‬
‫ّ‬ ‫شهوتها‪،‬‬
‫الرجال أيض ًا إلى ترك قراءة سورة يوسف! وعندها يتساءل اإلنسان‪ ،‬لماذا قد ينزل الله‬
‫أن القرآن الكريم هو كتاب هداية‬ ‫سور ًة تتسبب في فتنة عباده وتثير غرائزهم؟! والحال ّ‬
‫وليس كتاب إثارة‪ ،‬وهو كتاب لتزكية النفوس وليس إلثارة الغرائز! ّ‬
‫وإن مثل هذا األمر‬
‫يجر إلى القول بإعداد نسختين من القرآن‪ :‬إحداهما للرجال وتتضمن القرآن كامالً‪،‬‬ ‫قد ّ‬
‫واألخرى خاصة بالنساء‪ ،‬وتكون خالية من سورة يوسف! وهذا كالم ‪ -‬كما ترى‪ -‬في‬
‫منتهى الضعف والسخافة‪.‬‬
‫أن سورة يوسف ‪ -‬كغيرها من السور القرآنية ‪ -‬مليئة بالمعارف والمواعظ‬ ‫والحقيقة َّ‬
‫تحصن الرجال والنساء‪ ،‬وتعطيهم دروس ًا بليغة في أهم ّية تهذيب النفس وتحصينها‬
‫والعبر التي ّ‬
‫بالمناعة الروح ّية مقابل التحديات والصعوبات والوساوس الشيطان ّية واإلغراءات المختلفة‪.‬‬
‫إن تجربة يوسف الصديق مع زوجة العزيز تعطي اإلنسان المؤمن درس ًا بليغ ًا في ّ‬
‫قوة اإلرادة‬ ‫ّ‬
‫واإليمان التي تحمي صاحبها من االنقياد وراء الغريزة الجنسية واالنجرار وراء الشهوة‪،‬‬
‫وتع ّلمه ّ‬
‫أن عاقبة ذلك هي الفضيحة في الدنيا والخزي والعار في الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬وأ ّما النهي عن إنزاله ّن الغرف‪ ،‬وهي البيوت العالية‪ ،‬فقد بررها الشيخ محمد‬
‫تقي المجلسي بقوله‪« :‬لِ َئ ّل َينْ ُظ ْر َن إلى الرجال وال ينظروا إليه ّن‪ّ ،‬‬
‫فإن الغالب فيها ‪ -‬أي في‬
‫الغرف ‪ -‬اإلشراف‪ ،‬ويمكن أن يكون تعبد ًا»‪ ،‬وتعليقنا على ذلك‪ّ ،‬‬
‫أن التعبد ‪ -‬كما أشرنا قبل‬
‫ال في المقام‪ ،‬وأ ّما توجيه النهي عن إسكانهن البيوت العالية بالحيلولة‬ ‫قليل ‪ -‬ليس محتم ً‬
‫دون نظرهن إلى الرجال‪ ،‬فهو توجيه غير مقنع‪ ،‬وذلك لالعتبارات التالية‪:‬‬

‫مما جاء في بعض الروايات الضعيفة‪،‬‬ ‫(((   كما قال المجلسي في كالمه المذكور في المتن‪ ،‬وهذا مأخوذ ّ‬
‫ِ‬ ‫ففي الكافي بسند ضعيف إلى يعقوب بن سالم رفعه‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ق َال َأ ِم ُير ا ْل ُم ْؤمني َن‪َ :‬‬
‫«ل ُت َع ِّل ُموا ن َسا َءك ُْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُّور‪َ ،‬فإِ َّن فِيها ا ْلمو ِ‬
‫ور َة الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اع َظ»‪ ،‬انظر‪:‬‬ ‫َ ََ‬ ‫وه َّن ُس َ‬ ‫اها‪َ ،‬فإِ َّن ف َيها ا ْلف َت َن‪ ،‬و َع ِّل ُم ُ‬
‫وه َّن إِ َّي َ‬
‫ول ُت ْق ِر ُؤ ُ‬
‫ف‪َ ،‬‬
‫وس َ‬
‫ور َة ُي ُ‬
‫ُس َ‬
‫الكافي‪ ،‬ج ‪ 5‬ص ‪.516‬‬
‫(((   المصدر نفسه‪ ،‬ج ‪ 5‬ص ‪.338‬‬
‫‪213‬‬ ‫المحور الرابع‪ :‬ما روي عن رسول الله(ص) في ذ ّم المرأة‬
‫إن نظره ّن إلى الرجال ليس ممنوع ًا وال محرم ًا ما دام أنّه نظر اعتيادي‪ ،‬والقرآن لم ينهه ّن‬
‫‪ّ --1‬‬
‫غض‬ ‫عن النظر إلى الرجال‪ ،‬وال نهى الرجال عن النظر إليه ّن‪ ،‬وإنّما دعا الطرفين إلى ّ‬
‫البصر‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﵛﭐﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ‪ ...‬ﲀ ﲁ‬
‫والغض ليس بمعنى الغمض أو ترك‬ ‫ّ‬ ‫ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ‪...‬ﵚ(((‪،‬‬
‫النظر من أصله‪ ،‬بل هو بمعنى االبتعاد عن تركيز النظر وتحديقه‪ ،‬فإنّه قد يكون مدخ ً‬
‫ال‬
‫محرم‪.‬‬
‫إلى االفتتان واإلثارة‪ ،‬واألمر عينه ينطبق على نظر الرجال إليه ّن‪ ،‬فهو اآلخر غير ّ‬
‫إن الغاية من منعه ّن من سكنى الغرف العالية هي الحؤول دون تواصلهن مع‬ ‫‪--2‬ولو قيل‪ّ :‬‬
‫ال محرم ًا‪ ،‬فجوابه‪ّ :‬‬
‫إن هذه الغاية ال تتحقق بمنع سكناه َّن الغرف أو الشقق‬ ‫الرجال تواص ً‬
‫إن ذلك يقتضي المنع من خروجهن من البيوت رأس ًا؛ ّ‬
‫ألن‬ ‫السكنية العالية فحسب‪ ،‬بل ّ‬
‫ذلك مدعاة للتواصل مع الرجال أكثر من سكناهن في الغرف‪ ،‬وحتى حبسه ّن في البيوت‬
‫ال يكفي بل ال بدّ أن َي ْمن ََع من امتالكه َّن كل أشكال التواصل مع غير المباشر مع الرجال‬
‫من خالل أجهزة االتصال الحديثة كجهاز التلفون أو تقنية األنترنت بكل وسائلها!‬
‫أن الوصول إلى الغاية المذكورة ال يكون بمثل هذه اإلجراءات‪ ،‬بل يكون‬ ‫والواقع ّ‬
‫بالعمل على تحصين المرأة من الداخل‪ ،‬والعمل على بنائها روحي ًا بما يجعلها تمتلك‬
‫أن الغرض المذكور لو كان مطلوب ًا فهو يقتضي منع‬ ‫مناعة أخالقية وروحية عالية‪ .‬على ّ‬
‫ألن التواصل المحرم‬‫الرجال أيض ًا من سكنى األماكن التي تسمح بتواصلهم مع النساء‪ّ ،‬‬
‫ممنوع من الطرفين‪ ،‬فال بدّ من سدّ نوافذه أمامهما مع ًا‪ ،‬وليس أمام المرأة فحسب‪ ،‬فالعفة‬
‫ليست ضريبة على المرأة وحدها‪.‬‬
‫وكأن المطلوب هو حبس المرأة‬‫ّ‬ ‫باختصار‪ّ :‬‬
‫إن من يقرأ هذه التوجيهات والتبريرات يشعر‬
‫ٍ‬
‫وإبعادها عن كافة أشكال التواصل مع الجنس اآلخر‪ ،‬وهذا ما ال يمكن لفقيه أن يلتزم‬
‫بذلك وينسبه إلى اإلسالم‪.‬‬
‫محل تأمل من جهة أخرى‪ ،‬وهي أنّها‬ ‫إن هذه التوجيهات والتفسيرات بأجمعها هي ّ‬ ‫ثم ّ‬
‫‪ّ --3‬‬
‫توجيهات تنطلق من منطلق غير مقبول‪ ،‬وهو وضع المرأة دائم ًا موضع االتهام وفي‬
‫ت سورة يوسف فسوف تفتتن ببعض ما جاء فيها‬ ‫دائرة الشك والريبة‪ ،‬فهي إن َق َر َأ ْ‬
‫ويخشى عليها من الوقوع في الحرام‪ ،‬وإن سكنت الغرف العالية فسوف تنظر إلى‬

‫(((  سورة النور‪ ،‬اآليتان ‪.31-30‬‬


‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪214‬‬
‫إن هذا النوع من التوجيهات االتهامية ال يخلو من‬ ‫الرجال وتحاول التواصل معه ّن! ّ‬
‫إن هذه التوجيهات تنطلق من‬ ‫تخوين للمرأة وإساءة لها‪ ،‬ولسنا نجانب الصواب إذا قلنا‪ّ :‬‬
‫ذهنية خاصة مشبعة ببعض األفكار التي ال نستطيع الموافقة عليها وال نعتقد أنّها تمثل‬
‫الصورة اإلسالمية الصحيحة‪.‬‬
‫ومن هنا ذهب بعض الفقهاء إلى حمل الحديث المذكور حول منع النساء من تع ّلم‬
‫الكتابة‪ ،‬على الواقع التاريخي لبعض االعتبارات التي كانت تتطلبها تلك المرحلة‪ ،‬ففي إجابة‬
‫له على سؤال عن هذا الحديث‪ ،‬أجاب بعض الفقهاء المعاصرين (حفظه الله) قائالً‪« :‬سنده‬
‫تخص الوضع االجتماعي في ذلك الزمان والمكان‪ ،‬والحديث‬ ‫ّ‬ ‫غير معتبر‪ّ ،‬‬
‫ولعل هذه أوامر‬
‫متصل إلى الرسول (ص) وما كان المجتمع آنذاك بحاجة إلى تعلم الكتابة وتعميمه حتى‬
‫للنساء‪ ،‬ولعله كان موجب ًا لبعض المفاسد وهكذا سائر ما ورد فيه»(((‪.‬‬

‫‪«--10‬ال�ش�ؤم في المر�أة والدار والدابة»‬


‫والحديث العاشر الذي نذكره في هذا المجال‪ ،‬هو الحديث الذي يرى في المرأة أنّها‬
‫مصدر الشؤم‪ ،‬وهذا المضمون مروي من طرق الفريقين‪:‬‬
‫‪--1‬أ ّما من طرق الشيعة فقد روى الصدوق بإسناده عن أبي عبد الله‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول‬
‫الله صلى الله عليه وآله‪« :‬الشؤم في ثالثة أشياء‪ :‬في الدابة‪ ،‬والمرأة‪ ،‬والدار‪ .‬فأ ّما المرأة‬
‫عللها وسو ُء خلقها‪ ،‬وأ ّما‬‫فشؤمها غالء مهرها و ُعسر والدتها‪ ،‬وأما الدابة فشؤمها كثر ُة ِ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وخبث جيرانها‪ .‬وقال‪ :‬من بركة المرأة خفة مؤونتها و ُي ْس ُر والدتها‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫الدار فشؤمها ضي ُقها‬
‫وشؤمها ِشدَّ ُة مؤونتها و َت َع ّس ُر والدتها»(((‪.‬‬
‫السنة فقد روى أصحاب الصحاح بإسنادهم عن عبد الله بن عمر قال‪:‬‬ ‫‪--2‬وأ ّما من طرق ُّ‬
‫سمعت النبي (ص) يقول‪« :‬إنّما الشؤم في ثالثة‪ :‬في الفرس والمرأة والدار»(((‪.‬‬

‫(((   استفتاءات‪ ،‬ص‪.577‬‬


‫(((   معاني األخبار‪ ،‬ص‪ .152‬وقد رواه عن أبيه ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬قال‪ :‬حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫عبد الله ابن ميمون عن أبي عبد الله‪ ،‬وهذا السند صحيح‪ .‬وهو مروي عن أبي عبد الله‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬وسنده فيه سهل بن زياد‪ ،‬وخالد بن نجيح‪ ،‬واألول موضع خالف والثاني «لم تثبت وثاقته‬
‫وال حسنه»‪ ،‬انظر‪ :‬معجم رجال الحديث‪ ،‬ج ‪ 8‬ص ‪ ،38‬ورواه الشيخ في تهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ 7‬ص ‪.399‬‬
‫(((   صحيح البخاري‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪ 217‬وصحيح مسلم‪ ،‬ج ‪ 7‬ص ‪ ،34‬وسنن الترمذي‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪ ،208‬وسنن‬
‫النسائي‪ ،‬ج ‪ 6‬ص ‪.220‬‬
‫‪215‬‬ ‫المحور الرابع‪ :‬ما روي عن رسول الله(ص) في ذ ّم المرأة‬
‫وفي دراستنا لهذا الحديث‪ ،‬وما طرح حوله من شروحات وتعليقات‪ ،‬فإنّنا نسجل‬
‫الوقفات التالية‪:‬‬

‫‪--1‬الت�شا�ؤم‪ :‬نظرة عقائدية‬


‫نسجلها على هذا الحديث ّ‬
‫أن التشاؤم عقيدة جاهلية رفضها‬ ‫وأولى المالحظات التي ّ‬
‫اإلسالم لعدّ ة اعتبارات‪ ،‬وقد أشرنا إليها في كتاب «ظواهر ليست من الدين»‪ ،‬ولكن من‬
‫المستحسن أن نذكّر بها هنا مع شيء من االختصار‪:‬‬
‫حجة أو برهان‪ ،‬بل إنّه‬
‫إن التشاؤم اعتقاد غير مبني على علم‪ ،‬وال معتمد على ّ‬ ‫أوالً‪ّ :‬‬
‫مخالف لقانون السنن اإللهية القائم على مبدأ العلية وربط األسباب والمس ّببات‪ ،‬واعتقاد‬
‫كهذا هو بدون شك معيق لتقدّ م اإلنسانية‪.‬‬
‫ومن هنا أنكر القرآن الكريم فكرة التشاؤم في ر ّده على زعم قوم موسى أنّهم تشاءموا‬
‫بموسى‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﵛﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ‬
‫ﱍ ﱎﵚ(((‪ ،‬وزعم قوم صالح أنّهم تشاءموا بصالح‪ :‬ﵛﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡﵚ(((‪ ،‬وزعم‬
‫أهل القرية أنّهم تشاءموا برسلهم‪ :‬ﭐﵛﭐﱳ ﭐﱴ ﭐﱵ ﭐﱶﵚ(((‪ ،‬حيث كان الجواب القرآني على‬
‫الشر لم يأتِكم من قبل الرسل واألنبياء ‪ ،‬وإنّما جاء من ِق َبل أنفسكم وما‬
‫بأن ّ‬ ‫ّ‬
‫كل هؤالء ّ‬
‫تحملونه من عناد وكفر وخبث‪ ،‬ﵛﭐﲁ ﲂ ﲃﵚ(((‪ ،‬ﵛﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔﵚ(((‪.‬‬
‫إن التشاؤم الذي يدفع اإلنسان إلى العدول عن السفر أو تغيير وجهته والرجوع‬ ‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫ثمة ما يثبت التشاؤم‬
‫إلى بيته‪ ،‬هو اعتقاد ينافي مبدأ التوكّل على الله سبحانه‪ ،‬إذ ما دام أنّه ليس ّ‬
‫أو يؤكِّده فال يفترض باإلنسان وال س ّيما المؤمن أن يعتدّ به‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﵛﲟ ﲠ ﲡ ﲢ‬
‫ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴﵚ(((‪ ،‬ومن هنا‬
‫أن «كفارة ال ِّط َيرة التوكل»‪.‬‬
‫يتضح الوجه فيما يأتي من ّ‬

‫ سورة األعراف‪ ،‬اآلية ‪.131‬‬ ‫(((‬


‫ سورة النمل‪ ،‬اآلية ‪.47‬‬ ‫(((‬
‫ سورة يس‪ ،‬اآلية ‪.18‬‬ ‫(((‬
‫ سورة يس‪ ،‬اآلية ‪.19‬‬ ‫(((‬
‫ سورة األعراف‪ ،‬اآلية ‪.131‬‬ ‫(((‬
‫ سورة الحديد‪ ،‬اآلية ‪.22‬‬ ‫(((‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪216‬‬
‫بأن الله هو الفاعل والمؤ ّثر في هذا الكون‪ ،‬ونسبة التأثير‬
‫أن التشاؤم ينافي اإليمان ّ‬
‫كما ّ‬
‫إلى غيره تعالى مع عدم وجود ما يؤكّد ذلك وفق قانون العلية ال يخلو من ِش ْر ٍك‪ ،‬وهذا ما‬
‫أكّدته بعض األحاديث الواردة في هذا المجال‪ ،‬ففي الحديث عن رسول الله(ص)‪« :‬من‬
‫ر ّدته ال ِّط َيرة عن شيء فقد قارف الشرك»(((‪ ،‬وفي رواية أخرى‪« :‬من ر ّدتْه ال ِّط َيرة من حاجة‬
‫فقد أشرك»(((‪ ،‬والوجه في نسبة هؤالء إلى الشرك هو اعتقادهم أنّهم إذا عملوا بما يقتضيه‬
‫الضر ويجلب لهم النفع‪ ،‬وهذا إن ترافق مع اعتقادهم ّ‬
‫بأن‬ ‫ّ‬ ‫التشاؤم‪ّ ،‬‬
‫فإن ذلك يدفع عنهم‬
‫الجلي‪ ،‬وأ ّما إذا‬
‫ّ‬ ‫ذلك حاصل وواقع خارج إرادة الله وبصرف النظر عن تقديره فهو الشرك‬
‫أن هذا إنما يحصل وفق تقدير الله سبحانه‪ ،‬فهذا وإن لم يكن شرك ًا لكنه اعتقاد باطل‬ ‫اعتقدوا ّ‬
‫وال دليل عليه‪ ،‬وهذه الروايات التي تصف ذلك بالشرك إنّما ترشد إلى بطالن هذا االعتقاد‬
‫ومنافاته لمبدأ خلوص التوحيد لله سبحانه‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬ومن جهة أخرى‪ ،‬فإنّه وبإزاء األخبار المتقدمة والتي ُيستفاد منها اعتراف اإلسالم‬
‫بالطيرة‪ ،‬توجد أخبار مروية من طرق الفريقين تنفي واقعية الطيرة‪ ،‬ومن أشهرها ما روي‬
‫أن األرجح ّية في هذا التعارض هو للمجموعة‬ ‫عن رسول الله(ص)‪« :‬ال طيرة»(((‪ ،‬وال شك ّ‬
‫النافية لصدق ّية الطيرة‪ ،‬ألنّها موافقة للكتاب‪ ،‬ومن هنا فقد ذهبت السيدة عائشة إلى تكذيب‬
‫أن المرأة هي مصدر للتشاؤم‪ ،‬كما سنذكر بعد قليل‪.‬‬ ‫رواية أبي هريرة التي تنص على ّ‬

‫‪--2‬ال واقعية للت�شا�ؤم‬


‫ثم لو أننا درسنا المسألة دراسة واقع ّية‪ ،‬فلن نجد ما يؤكّد صدق ّية التشاؤم وواقع ّيته‪،‬‬
‫ّ‬
‫فما أكثر ما يواجه اإلنسان بعض األمور التي يتشاءم بها الناس‪ ،‬وال يبالي بذلك ويسير في‬
‫بمكروه‪ ،‬بل ُيو ّفق في عمله وسفره‪ ،‬وال سيما إذا كان ممن ال‬‫ٍ‬ ‫عمله أو سفره وال ُيصاب‬
‫أن هذا الشيء هو من موجبات التط ّير والتشاؤم عند الناس‪،‬‬ ‫يؤمن بالطيرة أو ال يلتفت إلى َّ‬
‫أن القض ّية ال تعدو أن تكون حالة نفس ّية بحتة يعيشها الشخص بحكم‬ ‫يؤشر إلى ّ‬‫وهذا ما ّ‬
‫اعتقاده بوجود رابط بين ما يواجهه من أسباب التشاؤم‪ ،‬وبين فشله في عمله وسفره‪ ،‬وهذا‬
‫المتجذر في النفس من الطبيعي أن يؤ ّثر على توازن الشخص ما قد يؤ ّدي إلى فشله‬‫ّ‬ ‫االعتقاد‬

‫(((   مجمع الزوائد للهيثمي‪ ،‬ج‪ 5‬ص‪.105‬‬


‫(((   مسند أحمد‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.220‬‬
‫(((   الكافي‪ ،‬ج‪ 8‬ص‪ ،196‬وصحيح البخاري‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪ ،27‬وصحيح مسلم‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪.33‬‬
‫‪217‬‬ ‫المحور الرابع‪ :‬ما روي عن رسول الله(ص) في ذ ّم المرأة‬
‫في عمله أو تجارته أو سفره‪ ،‬وهذا ما ي ِ‬
‫وهم الكثيرين بواقعية التط ّير‪ ،‬في غفلة عن أنّه ال رابط‬ ‫ُ‬
‫ثمة ما يؤكّد صدق ّية هذا الربط أو‬ ‫بين األمرين‪ ،‬وال وجود أل ّية عالقة سبب ّية بينهما‪ ،‬وليس ّ‬
‫وإل لو كان ثمة رابط‬‫واقع ّيته‪ ،‬ال من العقل وال من العلم‪ ،‬وال الواقع يؤكّد ذلك‪ ،‬كما قلنا‪ّ ،‬‬
‫لعمت القضية وشملت كل الناس‪ ،‬مع أنّها ال تواجه ّإل من يعتقد بها‪ ،‬ويسيطر‬ ‫بين األمرين ّ‬
‫عليه هاجس الشؤم‪ ،‬ف ُيصاب بالتوتّر والقلق ويفشل في نشاطه التجاري أو سفره أو زواجه‪..‬‬
‫هونتها‬
‫إن ّ‬
‫المروي عن اإلمام الصادق‪« :‬الطيرة على ما تجعلها‪ْ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫وهذا ما يؤكّده الحديث‬
‫تهونت‪ ،‬وإن شددتها تشدّ دت‪ ،‬وإن لم تجعلها شيئ ًا لم تكن شيئا» ‪.‬‬
‫ً (((‬
‫ّ‬

‫‪--3‬الحديث المذكور بين التكذيب والت�أويل‬


‫في ضوء ما تقدّ م من أدلة وشواهد قرآنية وحديثية وواقعية تؤكّد عدم صحة فكرة‬
‫التشاؤم‪ ،‬فال مفر من ترجيح القول برفض التشاؤم من الناحية اإلسالمية‪ ،‬وأ ّما الروايات‬
‫التي أكّدت على واقعيته فيتع ّين علينا رفضها‪ ،‬وهذا هو الموقف الذي اتخذته السيدة‬
‫كذبت أن يكون حديث «الشؤم في المرأة والدار والدابة» صادر ًا عن رسول‬ ‫عائشة‪ ،‬فقد ّ‬
‫تم اقتطاع الحديث من سياقه‪ ،‬وهذا ما‬ ‫الله(ص) على سبيل بيان الواقع‪ ،‬معتبرة أنّه قد ّ‬
‫ذكره ابن عبد ال ّبر (ت ‪463‬هـ) قال‪« :‬كانت عائشة تنكر حديث الشؤم‪ ،‬وتقول‪ :‬إنّما‬
‫أن أبا هريرة‬ ‫حكاه رسول الله (ص) عن أهل الجاهلية وأقوالهم»‪ ،‬وعندما أخبرت ّ‬
‫يحدّ ث بذلك عن النبي (ص)‪« ،‬فطارت ش ّقة منها في السماء وش ّقة في األرض(((‪،‬‬
‫ولكن‬
‫ّ‬ ‫الفرقان على أبي القاسم َم ْن حدّ ث عنه بهذا!‬ ‫َ‬ ‫ثم قالت‪ :‬كذب والذي َأن َْز َل‬
‫ّ‬
‫رسول الله(ص) كان يقول‪« :‬كان أهل الجاهل ّية يقولون‪ :‬الطيرة في المرأة والدّ ار والدّ ا ّبة»‪،‬‬
‫ثم قرأت عائشة‪ :‬ﵛﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮﲯ‬ ‫ّ‬
‫ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴﵚ» ‪.‬‬
‫((((((‬

‫مرت‬‫وما نسبته عائشة إلى الجاهليين من أنّهم كانوا يتشاءمون بالمرأة صحيح‪ ،‬وقد ّ‬
‫اإلشارة إلى ذلك في المحور الثاني‪ ،‬فقرة «بين الجاهلية واإلسالم»‪ ،‬وأ ّما رأيها حول اقتطاع‬

‫  الكافي‪ ،‬ج‪ 8‬ص‪.198‬‬ ‫(((‬


‫تفرقت وتق َّطعت قطع ًا‪ ،‬من شدّ ة الغضب»‪،‬‬
‫  هذا كناية عن شدة الغضب‪ ،‬قال في النهاية‪« :‬أي كأنها ّ‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬النهاية‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪151‬‬
‫  سورة الحديد‪ ،‬اآلية ‪.22‬‬ ‫(((‬
‫ التمهيد البن عبد البر‪ ،‬ج ‪ 9‬ص ‪.289‬‬ ‫(((‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪218‬‬
‫الحديث من سياقه قد تال ّقاه جمع من علماء الفريقين بالقبول‪ ،‬يقول الشيخ الطوسي في‬
‫بيان أقسام الخبر وما يطرأ عليه‪« :‬إنّهم ‪ -‬أي الصحابة ‪ -‬كانوا يحضرونه(ص) وقد ابتدأ‬
‫أحس‬
‫الحديث‪ ،‬فيلحقه بعضهم فينقلونه بانفراده فيتغير معناه لذلك‪ ،‬ولذلك كان(ص) إذا ّ‬
‫برجل داخل ابتدأ الحديث‪ ،‬ولهذا أنكرت عائشة على من روى عن النبي (ص) أنّه قال‪:‬‬
‫«الشؤم في ثالثة‪ :‬الفرس‪ ،‬والمرأة‪ ،‬والدار»‪ ،‬وذكرت أنّه(ص) كان حاكي ًا لذلك فلم يسمع‬
‫الراوي َّأول كالمه»(((‪.‬‬
‫َ‬
‫الرسول عليه الصالة والسالم وهو‬ ‫وقال الفخر الرازي‪« :‬ر ّبما أدرك (يقصد الراوي)‬
‫يروي متن الخبر ولم يذكر إسناده إلى غيره‪ ،‬فيظن ّ‬
‫أن الخبر من جهته (ص) ولهذا كان عليه‬
‫الصالة والسالم يستأنف الحديث إذا أحس بداخل ليكمل له‪ ،‬ومن ذلك ما روي أنّه عليه‬
‫الصالة والسالم قال‪« :‬الشؤم في ثالثة المرأة والدار والفرس»‪ ،‬فقالت عائشة رضي الله عنها‪:‬‬
‫إنّما قال رسول الله (ص) ذلك حكاية عن غيره»(((‪.‬‬
‫ثمة أقواالً أخرى في المقام لم تقبل ر ّد الحديث‪ ،‬وإنّما اختار بعضها األخذ به‬
‫ولكن ّ‬
‫على ظاهره‪ ،‬ولجأ آخرون إلى التأويل‪ ،‬قال النووي في شرحه على صحيح مسلم‪« :‬واختلف‬
‫العلماء في هذا الحديث‪:‬‬
‫فقال مالك وطائفة‪ :‬هو على ظاهره‪ ،‬وأن الدار قد يجعل الله تعالى سكناها سبب ًا للضرر‬
‫أو الهالك‪ ،‬وكذا اتخاذ المرأة المعينة أو الفرس أو الخادم قد يحصل الهالك عنده بقضاء الله‬
‫تعالى‪ ،‬ومعناه‪ :‬قد يحصل الشؤم في هذه الثالثة‪ ،‬كما صرح به في رواية «إن يكن الشؤم في‬
‫شيء»‪.‬‬
‫وقال الخطابي وكثيرون‪ :‬هو في معنى االستثناء من الطيرة‪ ،‬أي الطيرة منهي عنها إال‬
‫أن يكون له دار يكره سكناها أو امرأة يكره صحبتها أو فرس أو خادم فليفارق الجميع بالبيع‬
‫ونحوه وطالق المرأة‪.‬‬

‫(((   وفي تتمة كالمه قال الشيخ الطوسي‪« :‬وكذلك خ ّطأت ‪ -‬أي عائشة ‪ -‬من روى عنه(ص) أنّه قال‪:‬‬
‫أن كالمه خرج على تاجر قد دلس‪ ،‬وولد زنا قد‬‫و«أن ولد الزنا شر الثالثة»‪ ،‬وذكرت ّ‬
‫ّ‬ ‫«التاجر فاجر»‬
‫سب أمه‪ .‬وعلى هذا الوجه أنكرت وابن عباس جميع ًا ما رواه ابن عمر ّ‬
‫«أن الميت ليعذب ببكاء أهله‬
‫«إن الميت ليعذب ّ‬
‫وأن أهله‬ ‫عليه»‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬فقاال‪َ :‬و َه َل [بمعنى وهم] ابن عمر‪ ،‬وإنّما قال(ص)‪ّ :‬‬
‫يبكون عليه»‪ ،‬انظر‪ :‬عدّ ة األصول‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.95‬‬
‫(((   المحصول للرازي‪ ،‬ج‪ 4‬ص‪.302‬‬
‫‪219‬‬ ‫المحور الرابع‪ :‬ما روي عن رسول الله(ص) في ذ ّم المرأة‬
‫وقال آخرون‪ :‬شؤم الدار ضيقها وسوء جيرانها وأذاهم‪ ،‬وشؤم المرأة عدم والدتها‬
‫وتعرضها للريب‪ ،‬وشؤم الفرس أن ال يغزى عليها‪ ،‬وقيل‪ :‬حرانها وغالء ثمنها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وسالطة لسانها‬
‫فوض إليه‪ .‬وقيل‪ :‬المراد بالشؤم هنا عدم الموافقة»(((‪.‬‬
‫وشؤم الخادم سوء خلقه وقلة تعهده لما ّ‬
‫مما ال يمكن‪ ،‬لما عرفت‬‫إن األخذ بالحديث على ظاهره ّ‬ ‫وتعليقنا على هذه األقوال‪ّ :‬‬
‫مجرد تأويالت ال‬
‫والسنة‪ ،‬وأ ّما سائر التوجيهات المطروحة في المقام فهي ّ‬
‫من منافاته للقرآن ُّ‬
‫أن بعضها مرفوض وال يمكن الموافقة عليه‪ ،‬وهو ما يتصل‬‫ُيساعد عليها ظاهر الحديث‪ ،‬على َّ‬
‫بشؤم المرأة‪ ،‬وهذا ما نوضحه في النقطة التالية‪.‬‬

‫‪�--4‬ش�ؤم المر�أة‬
‫عما تقدّ م من أدلة وشواهد تبعث على االطمئنان برفض مضمون‬
‫ثم وبصرف النظر ّ‬‫ّ‬
‫الحديث‪ ،‬فإننا نتساءل‪ :‬كيف يمكن تفسير شؤم المرأة؟‬
‫لقد ُو ِّجه شؤم المرأة ُبعقمها‪ ،‬وسالطة لسانها(((‪ ،‬ولكن هذا التفسير غريب‪ ،‬ألنّه ٍ‬
‫جار‬
‫في الرجل أيض ًا‪ ،‬فقد يكون عقيم ًا أو سليط اللسان‪ ،‬فلماذا ال يكون مصدر ًا للشؤم أيض ًا؟!‬
‫«ح ّبب‬ ‫ثم كيف تكون المرأة مصدر ًا للتشاؤم والحال ّ‬
‫أن الحديث النبوي الشريف يقول‪ُ :‬‬ ‫ّ‬
‫يحب النبي(ص) من‬
‫ّ‬ ‫قرة عيني في الصالة» ‪ .‬فهل‬
‫(((‬
‫إلي من الدنيا‪ :‬النساء‪ ،‬والطيب‪ ،‬وجعل ّ‬
‫َّ‬
‫هي مصدر للتشاؤم؟!‬
‫واالعتراض عينه يمكن تسجيله على ما ورد في تفسير وتوجيه شؤم الخادم أو الفرس‬
‫أو الدار‪ ،‬فإنّها تفسيرات جارية في أشياء كثيرة‪ ،‬فما الموجب لتخصيص هذه الثالثة بالشؤم؟!‬
‫ولهذا‪ ،‬فإن لم نعتمد التفسير المنقول عن السيدة عائشة‪ ،‬فاألجدر رفض هذا الحديث‬
‫الترهات‪.‬‬ ‫وأمثاله‪ ،‬تنزيه ًا لساحة النبي األكرم(ص) عن ّ‬
‫التفوه بمثل هذه ّ‬

‫(((   شرح صحيح مسلم للنووي‪ ،‬ج‪ 14‬ص‪.222 - 220‬‬


‫(((   وتفسير شؤمها بسالطة لسانها مروي في حديث عن أمير المؤمنين‪« :‬يا علي إن كان الشؤم في شيء‬
‫ففي لسان المرأة»‪ ،‬انظر‪ :‬من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج‪ 4‬ص‪ ،364‬ومستطرفات السرائر ص‪ .216‬ولك ّن‬
‫الحديث ضعيف السند الشتمال السند على عدة مجاهيل‪ ،‬قال السيد الخوئي بشأن سند الصدوق‬
‫إلى وصية أمير المؤمنين‪ ‬التي تضم الفقرة التي هي محل االستدالل‪« :‬والطريق ضعيف بعدة من‬
‫المجاهيل»‪ ،‬انظر‪ :‬معجم رجال الحديث‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪.236‬‬
‫(((   الخصال‪ ،‬ص ‪ ،165‬ومسند أحمد ج ‪ 3‬ص ‪ ،128‬وسنن النسائي‪ ،‬ج ‪ 7‬ص ‪ ،62‬وفي حديث آخر‬
‫أحب من دنياكم إال النساء والطيب»‪ ،‬انظر‪ :‬الكافي‪ ،‬ج ‪ 5‬ص ‪.321‬‬
‫عنه(ص)‪« :‬ما ُّ‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪220‬‬
‫إن ثمة أساس ًا للتفسير المذكور‪ ،‬أعني تفسير الشؤم بلسان المرأة‪،‬‬‫اللهم إال أن يقال‪ّ :‬‬
‫واألساس هو ما ورد في الرواية عنه(ص) على نحو التعليق والفرض‪ ،‬حيث قال ‪ -‬بنا ًء على‬
‫ثمة ما‬
‫فإن هذا النص ليس ّ‬ ‫صحة الرواية ‪« :-‬إن كان الشؤم في شيء ففي لسان المرأة»(((‪ّ ،‬‬
‫يفرض تكذيبه‪ ،‬ألنّه ال يتضمن إقرار ًا بصحة التشاؤم وواقعيته‪ ،‬فالشرطية ال يتوقف صدقها‬
‫على صدق شرطها‪ ،‬ويكون مفاده أنّه لو كان التشاؤم صحيح ًا وواقعي ًا لكان ذلك في لسان‬
‫أن سالطة لسانها سبب لالنزعاج والنفور‬ ‫المرأة‪ ،‬وتخصيص لسان المرأة بالذكر‪ ،‬باعتبار ّ‬
‫لمنافاة ذلك لعفتها وحيائها‪ ،‬على ّ‬
‫أن هناك رواية أخرى أو نق ً‬
‫ال آخر لهذه الرواية ال يرد فيه‬
‫ذكر للمرأة‪ ،‬ووإنما ينسب الشؤم إلى اللسان بشكل عام‪ ،‬حيث ورد فيها‪« :‬إن كان الشؤم في‬
‫شيء ففي اللسان»(((‪.‬‬

‫‪«--11‬لوال حواء لم تخن �أنثى»‬


‫ومن األحاديث التي رويت عن رسول الله(ص) في ذ ّم المرأة وتخوينها‪ ،‬ما رواه‬
‫أصحاب الصحاح بإسنادهم إلى أبي هريرة عنه(ص)‪« :‬لوال بنو إسرائيل لم يخبث الطعام‬
‫ولم يخنز اللحم‪ ،‬ولوال حواء لم تخن أنثى زوجها»(((‪.‬‬
‫ولنا مع هذا الحديث وقفتان‪:‬‬
‫الوقفة األولى‪ :‬هي مع الفقرة األولى من الحديث‪ ،‬أعني قوله‪ « :‬لوال بنو إسرائيل لم‬
‫يخبث الطعام ولم يخنز((( اللحم»‪ ،‬فما المقصود بها؟‬
‫لما نُهوا أن يدّ خروا فخالفوا‪َ ،‬فسد اللحم‪ ،‬واطردت‬ ‫قال ابن الجوزي‪ّ :‬‬
‫«إن بني إسرائيل ّ‬
‫الحال فيه عند كل مدّ خر»(((‪.‬‬
‫تم ادخاره واحتكاره‬ ‫وهذا المعنى غير مفهوم‪ّ ،‬‬
‫فإن فساد اللحم أو الطعام إذا ّ‬
‫ولم يستهلك باألكل‪ ،‬إنما يخضع لقانون علمي‪ّ ،‬‬
‫فإن اللحم من طبيعته الفساد إذا لم‬

‫  من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج‪ 4‬ص‪.364‬‬ ‫(((‬


‫  االختصاص للمفيد‪ ،‬ص‪.249‬‬ ‫(((‬
‫  صحيح البخاري‪ 4 ،‬ص ‪ ،103‬و‪ 126‬وصحيح مسلم‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪ ،179‬ومسند أحمد‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪،304‬‬ ‫(((‬
‫والمستدرك للحاكم‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪.175‬‬
‫  خنز‪ :‬بمعنى نتن وفسد‪.‬‬ ‫(((‬
‫  كشف المشكل من حديث الصحيحين البن الجوزي‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪.504‬‬ ‫(((‬
‫‪221‬‬ ‫المحور الرابع‪ :‬ما روي عن رسول الله(ص) في ذ ّم المرأة‬
‫يستهلك‪ ،‬وليس لذلك عالقة بعدم إنفاقه على الفقراء أو بتعدي اليهود يوم السبت(((‪،‬‬
‫ٍ‬
‫بطريقة سليمة‪ ،‬فإنّه ال يفسد‪ ،‬كما يحصل اليوم من خالل‬ ‫تم حفظ الطعام‬
‫ولهذا إذا ّ‬
‫المبردة‪ ،‬ما يسمح ببقائه صالح ًا لألكل ألشهر طويلة‬
‫ّ‬ ‫حفظ الطعام واللحوم في اآلالت‬
‫وربما لسنوات‪.‬‬
‫الوقفة الثانية‪ :‬وهي وقفة مع الفقرة الثانية‪ ،‬أعني قوله‪ « :‬ولوال حواء لم تخن أنثى‬
‫زوجها»‪ ،‬فكيف نفهم ذلك؟‬
‫شراح الحديث ّ‬
‫أن المقصود بخيانتها «أنّها دعت آدم إلى األكل من تلك الشجرة»(((‪،‬‬ ‫ذكر ّ‬
‫وكانت عاقبة ذلك أنّه «لما خانت حواء زوجها اطردت الحال في بناتها»(((‪.‬‬
‫ولكن هذا المضمون ال يمكننا الموافقة عليه لمخالفته للقرآن الكريم من جهتين‪:‬‬
‫إن ما يذكر حول خيانة حواء آلدم وإغوائها له‪ ،‬هو فكرة توراتية وال‬ ‫الجهة األولى‪ّ :‬‬
‫أصل لها في القرآن الكريم‪ ،‬فقد جاء في اإلصحاح الثالث من سفر التكوين‪« :‬فرأت المرأة‬
‫وأن الشجرة شه ّية للنظر‪ ،‬فأخذت من ثمرها‬ ‫أن الشجرة ج ّيدة لألكل‪ ،‬وأنّها بهجة للعيون ّ‬
‫وأكلت وأعطت رجلها أيض ًا معها فأكل»‪ ،‬إلى أن يتحدث عن معاتبة الله تعالى آلدم حيث‬
‫قال له‪« :‬هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك أن ال تأكل منها؟ فقال آدم‪ :‬المرأة التي جعلتها‬
‫ِ‬
‫فعلت؟! فقالت المرأة‬ ‫معي هي أعطتني الشجرة فأكلت‪ ،‬فقال الرب للمرأة‪ :‬ما هذا الذي‬
‫لقصة الح ّية ال من قريب وال من‬
‫الح ّية غرتني فأكلت»(((‪ .‬أ ّما القرآن الكريم فال وجود فيه ّ‬
‫ينص ‪ -‬كما ذكرنا سابق ًا ‪ -‬بشكل‬‫بعيد‪ ،‬كما أنّه ال وجود فيه لفكرة إغواء حواء آلدم‪ ،‬بل إنّه ّ‬
‫تعرضا لوسوسة الشيطان ومكيدته وأكال من‬ ‫أن آدم وحواء مع ًا قد ّ‬
‫واضح وال لبس فيه على ّ‬
‫الشجرة‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﵛﭐﲥ ﲦ ﲧﵚ(((‪ ،‬وقال في مورد آخر‪ :‬ﵛﲷ ﲸ ﲹ ﲺ‬
‫تعرض آدم‪ ‬لوسوسة‬ ‫أن الله تعالى قد أشار إلى ّ‬ ‫ﲻ ﲼ ﲽﵚ(((‪ ،‬وفي آية أخرى الحظنا ّ‬

‫  كما ذكر بعضهم في بيان وجه فساده‪ ،‬انظر‪ :‬عمدة القاري‪ ،‬ج ‪ 15‬ص ‪.211‬‬ ‫(((‬
‫  عمدة القاري للعيني‪ ،‬ج ‪ 15‬ص ‪.211‬‬ ‫(((‬
‫  كشف المشكل من حديث الصحيحين‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪.504‬‬ ‫(((‬
‫  الكتاب المقدس‪ ،‬سفر التكوين اإلصحاح الثالث‪.‬‬ ‫(((‬
‫ سورة األعراف‪ ،‬اآلية ‪.20‬‬ ‫(((‬
‫ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.36‬‬ ‫(((‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪222‬‬
‫لحواء أصالً‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﭐﵛﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ‬ ‫الشيطان‪ ،‬دون ٍ‬
‫ذكر ّ‬
‫ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓﵚ(((‪ ،‬وقال سبحانه في آية أخرى‪ :‬ﵛﲡ ﲢ ﲣ ﲤﵚ(((‪.‬‬
‫الجهة الثانية‪ :‬ما تضمنته من اطراد الخيانة في جنس حواء‪ ،‬فإننا لو س ّلمنا بصدور خيانة‬
‫معينة من حواء‪ ،‬ولك ّن اطراد الخيانة في ذريتها هو ‪ -‬على ما يبدو ‪ -‬عقوبة لهذه الذرية على‬
‫ذنب لم تقترفه‪ ،‬وإنّما اقترفته حواء‪ ،‬وهذا مخالف لقانون العدل اإللهي‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﵛﭐﳇ ﳈ‬
‫ﳉ ﳊ ﳋﵚ(((‪ ،‬فآثار الذنب ال تسري إلى غير فاعله‪ ،‬قال تعالى في آية أخرى‪ :‬ﵛﭐﳄ ﳅ‬
‫ﳆ ﳇ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔﵚ(((‪.‬‬

‫ سورة طه‪ ،‬اآلية ‪.120‬‬ ‫(((‬


‫ سورة طه‪ ،‬اآلية ‪.121‬‬ ‫(((‬
‫ سورة األنعام‪ ،‬اآلية ‪.164‬‬ ‫(((‬
‫ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.134‬‬ ‫(((‬
‫المحور الخام�س‬

‫ما روي عن علي‪ ‬في ذ ّم المر�أة‬

‫�شر كلها»‬
‫‪--1‬حديث‪« :‬المر�أة ٌّ‬
‫‪--2‬حديث‪« :‬ال تطيعوا الن�ساء‪»..‬‬
‫‪--3‬حديث‪« :‬الن�ساء نواق�ص‪»..‬‬
‫‪--4‬حديث‪« :‬غيرة المر�أة كفر»‬
‫‪--5‬حديث‪�« :‬إياك وم�شاورة الن�ساء»‬
‫‪--6‬حديث‪« :‬ا ْل َم ْر�أَ ُة عَ ْق َربٌ ُح ْل َو ُة اللَّ ْ�س َب ِة»‬
‫‪--7‬حديث‪« :‬جند المر�أة»‬
‫‪--8‬حديث‪« :‬فالنة �أدركها ر�أي الن�ساء»‬
‫‪--9‬حديث �آخر عن �ضعف ر�أي الن�ساء‬
‫‪--10‬حديث‪« :‬عقول الن�ساء في جمالهنّ »‬
‫‪--11‬حديث‪« :‬الوفاء من المر�أة محال»‬
‫ما روي عن علي‪ ‬في ذ ّم المر�أة‬
‫منعطف أساس من دراستنا هذه‪ ،‬ويمكنك القول‪ :‬إنّنا‬‫ٍ‬ ‫وفي هذا المحور‪ ،‬ندخل في‬
‫ندخل في صلب الموضوع الذي ُأعدّ هذا الكتاب من أجل تناوله بالبحث والدراسة‪ ،‬عنيت‬
‫بذلك استعراض النصوص الواردة في المرأة والمنسوبة إلى اإلمام علي‪ ‬وسوف نالحظها‬
‫نص ًا نص ًا‪ ،‬وندرسها سند ًا وداللة ومضمون ًا‪ ،‬لنرى إذا كانت مستجمعة لشرائط الحج ّية‪ ،‬وما‬
‫ّ‬
‫إذا كان يتسنى لنا قبول نسبتها إليه‪ ،‬آخذين بعين االعتبار الضوابط والمعايير المتقدمة في‬
‫المحور األول وما تاله من محاور‪.‬‬

‫�شر كلها»‬
‫‪--1‬حديث‪« :‬المر�أة ٌّ‬
‫الحديث األول الذي نضعه على طاولة البحث والنقد‪ ،‬هو ما روي عنه‪ ‬أنّه قال‪:‬‬
‫وش ُّر ما فيها أنّه ال بدّ ِمنْها»(((‪.‬‬
‫«المرأ ُة َش ٌّر ك ُّلها َ‬

‫م�صدر الحديث و�سنده‬


‫وهذا الحديث ‪ -‬بحسب تتبعنا ‪ -‬لم يروه من المحدِّ ثين والمؤرخين سوى الشريف‬
‫الرضي في نهج البالغة ُم ْر ِس ً‬
‫ال إياه إلى أمير المؤمنين‪ ،‬وقد تردد صداه بعد ذلك في بعض‬
‫المصادر الحديث ّية وغيرها(((‪.‬‬
‫ومن الواضح أنّه ال سند للحديث يمكن الوثوق به واالعتماد عليه‪ ،‬فهو مرسل وال‬
‫يمتلك طريق ًا واضح ًا يتصل بأمير المؤمنين‪ ،‬لينظر فيه ويق ّيم حال رواته‪ ،‬ولهذا ال يمكننا‬
‫تصور إسالمي بشأن المرأة‪.‬‬
‫االستناد إليه في تقديم ّ‬
‫وقد عثرنا على رواية قريبة من هذا المضمون مرو ّية عن المأمون العباسي‪ ،‬فقد نُقل عنه‬

‫(((  نهج البالغة‪ ،‬ج‪ 4‬ص‪.35‬‬


‫(((   ومن أهم تلك المصادر‪ :‬كتاب‪ :‬عيون الحكم والمواعظ للواسطي من أعالم القرن السادس الهجري‪،‬‬
‫ص ‪ .56‬وتفسير مجمع البيان للطبرسي‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪ 252‬وبحار األنوار‪ ،‬ج‪ 100‬ص‪.252‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪226‬‬
‫وشر ما فيهن ّأل غنى عنهن»(((‪ ،‬وربما نسبت الكلمة‬
‫شر ك ّلهن‪ٌّ ،‬‬
‫أنّه قال‪« :‬إنه ّن ‪ -‬أي النساء ‪ّ -‬‬
‫على ألسنة البعض إلى «بعض الحكماء»(((‪.‬‬
‫وفي ضوء هذا التخبط في نسبة الكلمة تارة إلى علي‪ ‬وتارة أخرى إلى المأمون‬
‫ثمة سؤاالً يطرح نفسه‪ ،‬وهو أنّه لو كانت الكلمة‬ ‫العباسي‪ ،‬وثالثة إلى بعض الحكماء‪ّ ،‬‬
‫فإن ّ‬
‫واضحة االنتساب ألمير المؤمنين‪ ‬فكيف تنسب في الوقت نفسه إلى المأمون؟ أال يؤشر‬
‫أن بعضهم رواها‬ ‫ذلك إلى حصول اشتباه معين‪ ،‬في نسبتها إلى علي‪‬؟ وذلك بأن نفترض ّ‬
‫عن «أمير المؤمنين» في إشارة منه إلى المأمون جري ًا على ما هو المألوف والمرسوم في‬
‫كثير من األوساط من إطالق لفظ «أمير المؤمنين» على الخلفاء كافة‪ ،‬وال سيما إذا فرض‬
‫أن المأمون كان مذكور ًا باالسم واللقب قبل ذلك‪ ،‬ثم وعلى طريقة المحدثين في االختصار‬ ‫ّ‬
‫ثم حصل‬ ‫أعاد المؤلف أو الراوي ذكر اللقب فقط قائالً‪ :‬وقال أمير المؤمنين في إشارة إليه؛ ّ‬
‫االشتباه بعد ذلك ممن سمع الرواية أو قرأها‪ ،‬ولم يلتفت إلى السياق‪ ،‬فنسبها إلى أمير المؤمنين‬
‫ممن يع ّبر عنه بأمير المؤمنين‪(((‬؟!‬
‫علي‪ ،‬باعتباره العنوان األبرز والفرد األكمل ّ‬

‫م�ضمون الحديث‬
‫بصحة سند الحديث‪ ،‬والتسليم ‪ -‬أيض ًا ‪ -‬بعدم‬ ‫ّ‬ ‫بصرف النظر عما تقدّ م‪ ،‬والتسليم‬
‫فإن مضمونه ‪ -‬لو ُحمل على ظاهره ‪ -‬مما يصعب‬ ‫حصول اشتباه في نسبته إلى علي‪ّ ،‬‬
‫التصديق بصدوره عنه‪ ،(((‬وتوضيح ذلك في الوقفات التالية‪:‬‬

‫الم�صادمة مع المفاهيم القر�آنية‬


‫شر ك ّلها ال يتنافى مع واقع الحال فحسب‪،‬‬ ‫الوقفة األولى‪ّ :‬‬
‫إن الحكم على المرأة بأنّها ّ‬
‫بل ويتنافى مع التصور القرآني إزاءها‪ ،‬وذلك ّ‬
‫أن المرأة ‪ -‬كما قدّ مها القرآن الكريم ‪ -‬ال‬
‫تختلف عن الرجل في أصل خلقتها‪ ،‬فهما مع ًا مخلوقان من جنس واحد ونفس واحدة‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪ :‬ﵛﭐﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑﵚ(((‪ ،‬وقد وهبها الله‬

‫ شرح نهج البالغة‪ ،‬ج‪ 18‬ص‪.200‬‬ ‫(((‬


‫ انظر‪ :‬فتح الباري‪ ،‬ج‪ 9‬ص‪.118‬‬ ‫(((‬
‫أن هذا اللقب هو مما اختص به اإلمام علي‪ ‬وال ُيطلق على غيره‪.‬‬ ‫  بل ورد في بعض األخبار ّ‬ ‫(((‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫  وقد ناقشه السيد فضل الله رحمه الله نقاشا مفصال‪ ،‬انظر كتاب‪ :‬الزهراء القدوة‪.170 - 168 ،‬‬ ‫(((‬
‫ سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.1‬‬ ‫(((‬
‫‪227‬‬ ‫المحور الخامس‪ :‬ما روي عن علي‪ ‬في ذ ّم المرأة‬

‫تعالى فطرة نقية طيبة كما وهب الرجل‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﵛﭐﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ‬
‫ﲱ ﲲ ﲳﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻﵚ(((‪ ،‬وهي ال تختلف عنه أيض ًا في‬
‫ال وعاطفة وغريزة‪ ،‬كما أعطى الرجل‪ ،‬و َمن ََحها حري َة‬
‫قابلياتها وطاقاتها‪ ،‬فقد أعطاها الله عق ً‬
‫أن الخير والشر قد يصدر من كليهما‪ ،‬وليس من المرأة فحسب‪،‬‬ ‫االختيار كما منحه‪ ،‬ما يعني ّ‬
‫قال تعالى في اإلشارة إلى اإلنسان‪ :‬ﵛﭐﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈﵚ(((‪ ،‬ولذلك فقد أراد‬
‫الله سبحانه للمرأة أن تقوم إلى جنب الرجل بدور خالفته على األرض‪ ،‬وذلك بعمارتها‬
‫شرفها ‪ -‬كما الرجل ‪ -‬بالتكليف والخطاب وإرسال الرسل‪،‬‬ ‫وإحيائها‪ ،‬وهكذا فإنّه تعالى ّ‬
‫وهداها السبيل كما هداه‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﵛﲛ ﲜﵚ(((‪ ،‬وفتح أمامهما مع ًا مجال السمو‬
‫الروحي والتكامل المعرفي‪.‬‬
‫شر ًا فلماذا‬
‫شر ًا كلها؟! وإذا كانت ّ‬ ‫وفي ضوء ما تقدّ م‪ ،‬فإننا نتساءل‪ :‬كيف تكون المرأة ّ‬
‫تكون هي كذلك دون الرجل مع اشتراكهما في الخصائص والقابل ّيات؟‬
‫أن الله تعالى قد خلق إنسان ًا أو كائن ًا هو‬ ‫ٍ‬
‫بفكرة مفادها ّ‬ ‫ثم هل يمكننا اإلذعان والتصديق‬‫ّ‬
‫شر ُك ُّله؟!‬
‫ٌّ‬
‫ّ‬
‫إن هذا ال يمكننا فهمه وال قبوله‪ ،‬لالعتبارات التالية‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬ألنّه ال ينسجم مع معطيات الواقع‪ ،‬فالمرأة أمامنا أم ًا أو أخت ًا أو بنت ًا أو ّ‬


‫عمة أو‬
‫خالة أو غيرهن‪ ،‬ونحن نراها معلمة ومهندسة وطبيبة وعاملة ومربية إلى غير ذلك مما تقوم‬
‫ُج ِّسدُ الشر ال في كيانها وال في ملكاتها وال فيما تقوم‬ ‫به المرأة من أدوار ومهام‪ ،‬وال نرى أنّها ت َ‬
‫به من وظائف وأعمال‪ .‬أجل‪ ،‬قد يصدر عنها عمل الشر‪ ،‬كما يصدر عن الرجل‪ ،‬وربما بنسبة‬
‫أقل منه‪ ،‬ولك ّن هذا ال يصحح وصفها بانّها ّ‬
‫الش ُّر عينه‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬وال ينسجم ‪ -‬أيض ًا ‪ -‬مع الرؤية اإلسالمية القرآنية المشار إليها حول دور اإلنسان‬
‫فإن خالفة الله تعالى على األرض ال ينهض بحملها‬ ‫ال كان أو امرأة ‪ -‬في نظام الخالفة‪ّ ،‬‬ ‫‪-‬رج ً‬
‫شر ًا محض ًا وال يتأتى منه الخير‪ ،‬وإنّما ينهض بحملها من كان يم ِّثل الخير وإن كان‬
‫من كان ّ‬
‫إن العنصر المهم في الخليفة أن‬ ‫الشر وينحرف عن صراط الفطرة‪ّ .‬‬ ‫قد يسقط في متاهات ّ‬

‫(((  سورة الروم‪ ،‬اآلية ‪.30‬‬


‫(((  سورة اإلنسان‪ ،‬اآلية ‪.3‬‬
‫(((  سورة البلد‪ ،‬اآلية ‪.10‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪228‬‬
‫يصلح‬
‫ُ‬ ‫يمتلك إرادة فعل الخير ويكون له حرية االختيار حتى لو سقط في امتحان اإلرادة‪ ،‬وال‬
‫لخالفة الله على األرض َم ْن هو مقهور تكويني ًا على فعل الخير وال يستطيع التمرد وال يتأتى‬
‫توهمت المالئكة ذلك‪ ،‬أعني ضرورة أن يكون الخليفة مما ال يتأتى منه‬ ‫منه العصيان‪ ،‬وإن ّ‬
‫إال فعل الخير‪ ،‬عندما قالوا اعتراض ًا على اختيار اإلنسان لمهمة الخالفة‪ :‬ﵛﭐﱌ ﱍ ﱎ ﱏ‬
‫ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗﵚ(((‪ ،‬ولك ّن الله تعالى قد فنّد وهمهم‪ ،‬ور ّد‬
‫أن الرجل هو خليفة‬ ‫عليهم قائالً‪ :‬ﵛﭐﱚ ﱛ ﱜ ﱝﱞﵚ(((‪ ،‬ومن المعلوم أنّه ال مجال الدعاء ّ‬
‫الله على األرض حصر ًا‪ ،‬بل المرأة هي شريكة الرجل في هذه المهمة العظيمة‪.‬‬
‫شر ك ُّلها ‪ -‬إذا حمل على ما يدل عليه‬ ‫أن الحكم على المرأة بأنّها ٌّ‬ ‫ثالث ًا‪ :‬وأضف إليه ّ‬
‫ظاهره من أنّها كائن ال يتأتى منها إال الشر ‪ -‬فهو ال ينسجم مع الرؤية العقائدية القاضية ّ‬
‫بأن‬
‫ُ‬
‫وأعدل من أن يخلق كائن ًا هو ّ‬
‫شر كله وال يتأتى منه إال الشر‪ ،‬فالله‬ ‫ّ‬
‫وأجل‬ ‫الله تعالى َأ ْحك َُم‬
‫أن مخلوق ًا هو تجسيد ّ‬
‫للشر كيف َي ْح ُس ُن‬ ‫وهو الخير المطلق‪ ،‬كيف يصدر عنه الشر؟! على ّ‬
‫ثم محاسبته يوم الجزاء؟! أال يكون عقابه والحال هذه عقاب ًا على أمر خارج‬ ‫تكلي ُفه ومن ّ‬
‫ثم وقبل ذلك أليس من الغريب ‪ -‬في ضوء‬ ‫عن اختياره أو على أمر يعسر عليه مخالفته؟! ّ‬
‫هذه النظرة تجاه المرأة ‪ -‬أن تتساوى ‪ -‬أي المرأة ‪ -‬مع الرجل في التكاليف وفي المحاسبة‬
‫أن الرجل لم يكن مثاالً للشر كما كانت هي بحسب الفرض!‬ ‫والمؤاخذة‪ ،‬مع ّ‬
‫أجل من أن يتك ّلم بما‬
‫مدرسة القرآن والوحي ومن كان كذلك فهو ّ‬ ‫ِ‬
‫إن علي ًا‪ ‬هو ُ‬
‫ربيب‬ ‫ّ‬
‫كرمها الله تعالى من ضمن تكريمه‬ ‫يخالف المفاهيم القرآنية‪ ،‬فيقدم وصف ًا مهين ًا للمرأة التي ّ‬
‫لإلنسان‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﵛﭐﱾ ﱿ ﲀ ﲁﵚ(((‪.‬‬
‫فإن هذا الخبر المنسوب إلى علي‪ُ ‬م َع َار ٌض‬ ‫رابع ًا‪ :‬ثم إنّه وبصرف النظر ّ‬
‫عما تقدّ م‪ّ ،‬‬
‫أن معظم الخير في النساء‪ ،‬ففي الحديث الموثق عن أبي‬ ‫بما ورد في بعض األخبار من ّ‬
‫أن األرجح ّية في هذا التعارض هي لهذا‬ ‫عبد الله‪« :‬أكثر الخير في النساء»(((‪ ،‬ومعلوم ّ‬
‫الخبر‪ ،‬ال لصحته سند ًا فحسب‪ ،‬بل والنسجامه مع مفاهيم القرآن وواقع الحال‪.‬‬

‫ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.30‬‬ ‫(((‬


‫ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.30‬‬ ‫(((‬
‫ سورة اإلسراء‪ ،‬اآلية ‪.70‬‬ ‫(((‬
‫  من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪ ،385‬وقد نص العالمة محمد تقي المجلسي على وثاقة الخبر‪ ،‬انظر‪:‬‬ ‫(((‬
‫روضة المتقين في شرح من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج‪ 8‬ص‪.94‬‬
‫‪229‬‬ ‫المحور الخامس‪ :‬ما روي عن علي‪ ‬في ذ ّم المرأة‬
‫كيف تكون المر�أة �ش ّر ًا؟‬
‫الوقفة الثانية‪ :‬كيف نفهم كون المرأة شر ًا؟‬
‫شر على الرجل‪:‬‬ ‫أن أحوالها ك َّلها ّ‬
‫قال ابن ميثم البحراني في شرح النهج‪« :‬وأراد‪ّ ‬‬
‫لذتها واستمتاعه بها فالستلزام ذلك البعد عن ال َّله‬
‫أ ّما من جهة مؤونتها فظاهر‪ ،‬وأ ّما من جهة ّ‬
‫الشر شرور وإن كانت َع َرض ّية»(((‪.‬‬
‫تعالى واالشتغال عن طاعته‪ .‬وأسباب ّ‬
‫ٍ‬
‫وتبرير لكون المرأة شر ًا غير وجيه وال مقنع‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫تفسير‬ ‫وما ذكره من‬

‫شر من جهة مؤونتها وإنفاق الرجل عليها فهو غريب! فاألوالد ‪-‬أيض ًا‪-‬‬ ‫ ) أ أ ّما قوله بأنّها ّ‬
‫َي ْل َز ُم على األب اإلنفاق عليهم‪ ،‬وكذا الوالدان يجب على االبن اإلنفاق عليهما في‬
‫شر؟! على ّ‬
‫أن المرأة قد ال تحتاج‬ ‫يصح وصفهم بأنّهم ٌّ‬
‫ّ‬ ‫حال عجزهما وفقرهما‪ ،‬فهل‬
‫إلى نفقة الرجل عليها‪ ،‬كما لو كانت غن ّية أو منتج ًة‪ ،‬فهل ينتفي وصف الشر عنها في‬
‫أن المرأة في كثير من الحاالت هي التي تنفق‬‫هذه الحالة؟! ولقد بتنا في زماننا نشهد ّ‬
‫شر ًا؟!‬
‫على الرجل‪ ،‬فهل يكون الرجل بسبب ذلك ّ‬
‫أن استمتاع الرجل بها وإن كان ُي َح ِّق ُق له لذ ًة حس ّية لكنه‬
‫شر ًا باعتبار ّ‬
‫ ) بوأ ّما تبرير كونها ّ‬
‫ألن االشتغال بالملذات ما‬ ‫يوجب ابتعاده عن الله تعالى فهو تبرير أغرب من سابقه‪ّ ،‬‬
‫إن ذلك بلحاظ‬ ‫دام في حدود ما ّ‬
‫أحل الله تعالى فإنّه ال يوجب ال ُب ْعدَ عنه تعالى‪ ،‬بل ّ‬
‫بعض االعتبارات قد يدخل في نطاق العبادة والطاعة لله(((‪ ،‬واالبتعاد والعزوف عن‬
‫للسنَّة‪ ،‬وقد ال يخلو أحيان ًا من‬ ‫أمر مكروه‪ ،‬لمنافاته ُّ‬
‫األخذ بهذه االستمتاعات هو ٌ‬
‫فإن التعبد لله تعالى يجب أن‬ ‫إشكال شرعي‪ ،‬كما لو انطلق من حالة تعبد لله بذلك‪ّ ،‬‬
‫شرعه الله وأذن به‪ ،‬وإال وقعنا في محذور االبتداع في دين الله‪.‬‬ ‫يكون بما ّ‬

‫ماذا يعني قوله‪« :‬و�شر ما فيها‪»..‬؟‬


‫تكون الحاج ُة إلى‬
‫ُ‬ ‫«وشر ما فيها أنّه ال بدّ منها»؟ وهل‬
‫ّ‬ ‫الوقفة الثالثة‪ :‬كيف نفهم عبارة‬
‫شر ما فيها؟‬
‫المرأة هي ُّ‬

‫(((   شرح نهج البالغة البن ميثم‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.316‬‬


‫(((   لمزيد من التفصيل حول ذلك راجع ما ذكرناه في كتاب‪ :‬مع الشباب في همومهم وتطلعاتهم‪ ،‬ص‪.216‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪230‬‬
‫يقول ابن ميثم البحراني مفسر ًا وشارح ًا هذه الفقرة‪ّ :‬‬
‫«ولما كان وجوب الحاجة إليها في‬
‫ب أن‬‫تحمل الرجل للمرأة ووقوعه في شرورها‪َ ،‬و َج َ‬‫الدنيوي هو السبب في ّ‬
‫ّ‬ ‫طبيعة الوجود‬
‫يكون ذلك االعتبار أقوى الشرور المتعلقة بها‪ّ ،‬‬
‫ألن السبب أقوى من المس ّبب» ‪.‬‬
‫(((‬ ‫َ‬
‫ولك ّن هذا التوجيه غير سديد أيض ًا ألمرين‪:‬‬
‫أن ما ذكره من أسباب لتفسير كون المرأة شر ًا‬
‫ ) أ ابتناؤه على أساس غير متين‪ ،‬فقد عرفت ّ‬
‫غير تام‪ ،‬وعليه‪ ،‬فما عدّ ه منطلق ًا وأساس ًا لتلك األسباب لن يكون تام ًا بطبيعة الحال‪.‬‬
‫إن الحاجة إليها في طبيعة الوجود وعدم اكتمال الحياة بدونها كان يفترض أن يدفع‬ ‫ ) ب ّ‬
‫للحكم بكون وجودها خير ًا أو على األقل يتقدّ م على أسباب ّ‬
‫الشر المذكورة‪ ،‬ويخفف‬
‫من تأثيرها ويحول دون اعتبارها شر ًا مطلق ًا وكلي ًا‪ ،‬أ ّما أن يكون ذلك هو ّ‬
‫شر ما فيها‬
‫فذاك غير مفهوم‪.‬‬

‫محاولة �ضعيفة لتوجيه الرواية‬


‫الوقفة الرابعة‪ :‬وهي وقفة نتناول فيها بالبحث والنظر النقدي محاولة البعض توجيه‬
‫بأن المقصود بها امرأ ًة بعينها‪ ،‬فتكون (أل) التعريف في «المرأة» للعهد ال للجنس‪.‬‬ ‫الرواية‪ّ ،‬‬
‫وفي ضوء هذا التوجيه‪ ،‬فال ترد اإلشكاالت المتقدمة على الرواية‪ ،‬ألنّها مبن ّية على ّ‬
‫أن الالم‬
‫للشر فال محذور في هذا المضمون ال‬ ‫للجنس‪ ،‬أ ّما إذا كان المقصود ّ‬
‫أن امرأة معينة هي رمز َّ‬
‫من ناحية عقد ّية وال غيرها‪ ،‬إذ يمكن أن ينغمس بعض األفراد ‪ -‬رجاالً أو نسا ًء ‪ -‬في ّ‬
‫الشر‬
‫شر في الحياة‪ ،‬ومع ذلك‬ ‫باختيارهم وملء إرادتهم إلى الحدّ الذي يصبح أحدهم عنصر ّ‬
‫ثمة حاجة إليه وال ُيستغنى عنه من بعض الوجوه‪ ،‬فيصح وصفه بأنّه شر كله وإن كان‬ ‫يكون ّ‬
‫ال ُيستغنى عنه‪.‬‬
‫ولك ّن هذا التوجيه يمكن أن يالحظ عليه بأنّه مخالف للظاهر جد ًا‪ّ ،‬‬
‫فإن المستفاد من‬
‫الرواية والمنساق منها أنّها واردة على نحو اإلطالق(((‪ ،‬فالالم للجنس ال للعهد‪ .‬وال يمكن‬
‫‪-‬كما أشرنا في المحور األول ‪ -‬حمل األخبار وقراءتها في ضوء االحتماالت المخالفة‬
‫للظاهر إال مع وجود قرينة تفرض ذلك‪.‬‬
‫ٍ‬
‫استبعاد لصدور اإلهانة لجنس المرأة من‬ ‫ٍ‬
‫رفض أو‬ ‫لك ّن ثمة َم ْن ذكر ّ‬
‫أن ما تقدم من‬

‫(((   شرح نهج البالغة البن ميثم‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.316‬‬


‫(((   كما ذكر ذلك السيد فضل الله رحمه الله‪ ،‬انظر‪ :‬الزهراء القدوة‪ ،‬ص‪.170‬‬
‫‪231‬‬ ‫المحور الخامس‪ :‬ما روي عن علي‪ ‬في ذ ّم المرأة‬
‫شخص ّية كاإلمام علي‪ ،‬هو بنفسه يشكّل قرينة «تدل على أنّه كان يقصد بها امرأة مع ّينة‬
‫شر كلها‪ ،‬وهي أيض ًا ال بدّ منها‪ ،‬ألنّها أم‬
‫خرجت على إمام زمانها‪ ،‬وحاربته‪ ..‬فهذه المرأة ّ‬
‫المؤمنين‪ ،‬ويجب على كل الناس مراعاة جانب االحترام لرسول الله(ص) فيها‪ .‬وال يمكن‬
‫ألحد التخ ّلص من هذا الواجب»(((‪.‬‬
‫ولكن هذا التفسير ليس تام ًا‪:‬‬
‫ ) أ ّإن صاحب هذا التفسير أو التوجيه وكأنه س ّلم صدور الكلمة عن أمير المؤمنين‪‬‬
‫وصار محكوم ًا بضرورة إيجاد توجيه لها‪ ،‬وحيث يصعب إيجاد تفسير ينسجم مع‬
‫مفر من حملها على العهد‪ ،‬وإن كان ذلك خالف الظاهر‬ ‫كون الالم للجنس‪ ،‬فإنّه ال ّ‬
‫أن أصل صدور الرواية عنه‪ ‬هو ّأول‬ ‫في بادئ النظر‪ .‬ولك ّن مالحظتنا عليه هي ّ‬
‫الكالم‪ ،‬فالرواية مرسلة وليست معتبرة سند ًا كما عرفت‪ ،‬ولذا فال نحتاج إلى ّ‬
‫تجشم‬
‫إن اشتمال الرواية الصحيحة السند على ما ال يمكن األخذ به‬ ‫عناء التأويل فيها‪ ،‬بل ّ‬
‫يجعلنا نتوقف عن األخذ بها أو القول بحجيتها‪ ،‬لعدم الوثوق برواية تشتمل على‬
‫مضمون مناف بظاهره للمفاهيم القرآنية‪ ،‬وبالتالي فال بدّ من ر ّد علم الرواية إلى‬
‫صح التعبير ‪ -‬كي‬ ‫أهلها‪ ،‬وال ملزم لنا بالتأويل‪ ،‬إال على نحو االحتياط التأدبي ‪ -‬إذا ّ‬
‫ال تر ّد الرواية‪.‬‬
‫ ) ب ومما ُي ْب ِعدُ كون الحديث ناظر ًا إلى امرأة بعينها‪ ،‬هو أنّه بنا ًء على ذلك يصعب إيجاد‬
‫«وشر ما فيها أنه ال بدّ منها»‪،‬‬
‫ّ‬ ‫تفسير مقنع للفقرة الثانية في الرواية‪ ،‬أعني بذلك فقرة‪:‬‬
‫شر ما‬
‫فإن كون امرأة زوجة لرسول الله(ص)‪ ،‬مما يفرض احترامها ال يجعل ذلك َّ‬ ‫ّ‬
‫فيها‪ ،‬فكيف تكون زوجيتها لرسول الله(ص) هي َش ُّر ما فيها؟! أعوذ بالله تعالى من‬
‫قبح الزلل في القول والعمل‪.‬‬
‫محط النظر هو امرأة‬ ‫ّ‬ ‫إن هذا التوجيه القاضي بحمل (أل) التعريف على العهد‪ّ ،‬‬
‫وأن‬ ‫ ) ج ّ‬
‫بعينها‪ ،‬لو كان مقبوالً في الصيغة المتقدمة للرواية‪ ،‬أعني صيغة‪« :‬المرأة َش ٌّر ُك ُّلها»‪،‬‬
‫فإنّه ال ينسجم مع الصيغة األخرى لهذه الرواية‪ ،‬وهي ما رواه الزمخشري عنه‪:‬‬
‫وش ُّر ما فيهن ِق ّل ُة االستغناء عنهن»(((‪ .‬فإنّه ال مجال هنا إال إلرادة‬
‫«النساء َش ٌّر ُك ُّلهن َ‬
‫جنس المرأة‪ ،‬كما ال يخفى‪.‬‬

‫(((   خلفيات كتاب المأساة‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.540‬‬


‫(((   انظر‪ :‬ربيع األبرار ونصوص األخبار‪ ،‬ج‪ 5‬ص‪ ،247‬والمستطرف في كل فن مستظرف‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.787‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪232‬‬
‫وثمة وجه آخر لترجيح حمل الالم على العهد‪ ،‬وهو يبتني على فكرة اقتطاع الحديث من‬ ‫ّ‬
‫سياقه‪ ،‬وذلك بأن يكون «المقصود بهذا امرأة بعينها معروفة وضعيفة‪ ،‬كما لو كان اإلمام‪‬‬
‫رجل زوجتَه‪ ،‬فقال له اإلمام‪« :‬المرأة شر كلها‪ ،‬وشر‬‫جالس ًا على دكّة القضاء واشتكى إليه ٌ‬
‫بأن الالبدّ ية من حيث إنّه ال يستطيع تركها ّ‬
‫ألن أطفاله‬ ‫ما فيها أنّه ال بدّ منها»‪ .‬فكأنّه‪ ‬يخبره ّ‬
‫سيضيعون‪ .‬فهذه حادثة خاصة فال تنسحب على الجميع‪ ،‬فالسامع تصور ّ‬
‫أن كل امرأة شر‪،‬‬
‫فيكون قد أخذ نصف الواقعة وترك النصف اآلخر»(((‪.‬‬
‫وهذا التوجيه أقل إشكاالً من سابقه كما ال يخفى‪ ،‬والفكرة التي ينطلق منها وهي اقتطاع‬
‫الحديث من سياقه بما يؤدي إلى فهمه بطريقة خاطئة هي فكرة صحيحة‪ ،‬ولها مصاديق‬
‫متعددة في الحديث النبوي الشريف وفي حديث األئمة من أهل البيت ‪ ،‬ومن مصاديقها‬
‫ما أتى في المحور الرابع تعقيب ًا وتعليق ًا على حديث «الشؤم في المرأة»‪.‬‬

‫‪--2‬حديث‪« :‬ال تطيعوا الن�ساء على حال‪»..‬‬


‫والحديث الثاني الذي علينا درسه بعناية ود ّقة هو ما رواه الصدوق بإسناده إلى أمير‬
‫المؤمنين‪ ‬قال‪ :‬شكى رجل من أصحاب أمير المؤمنين‪ ‬نساءه‪ ،‬فقام علي‪ ‬خطيب ًا‪،‬‬
‫فقال‪« :‬معاشر الناس ال تطيعوا النساء على حال‪ ،‬وال تأمنوهن على مال‪ ،‬وال تذروهن يدبرن‬
‫أوردن المهالك وعَدَ ْو َن َأ ْم َر المالك‪ ،‬فإنّا وجدناهن ال‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫أردن‬ ‫أمر العيال‪ ،‬فإنّهن إن ت ُِرك َن وما‬
‫ورع لهن عند حاجتهن‪ ،‬وال صبر لهن عند شهوتهن‪ ،‬البذخ له َّن الزم وإن كبرن‪ ،‬والعجب‬
‫ِ‬
‫به َّن الحق وإن عجزن‪ ،‬ال َي ْشك ُْر َن الكثير إذا ُمن ْع َن القليل‪ ،‬ينسين الخير ويحفظن ّ‬
‫الشر‪،‬‬
‫فيتهافتن بالبهتان ويتمادين بالطغيان ويتصد ّين للشيطان‪َ ،‬فدَ ُاروه َّن على كل حال‪ ،‬و َأ ْح ِسنُوا‬
‫لهن المقال‪ ،‬لع ّلهن يح ِسن ِ‬
‫الف َعال»(((‪.‬‬ ‫ُ ْ َّ‬ ‫ّ‬

‫تقييم �إجمالي لم�ضمون الرواية‬


‫والرواية غير نقية السند(((‪ .‬لكن وبصرف النظر عن سندها‪ ،‬فهل يمكن لنا التصديق‬
‫بصدور مضمونها عن اإلمام علي‪‬؟‬

‫(((   المرأة في اإلسالم‪ ،‬من محاضرات الشيخ الوائلي رحمه الله‪ ،‬ص‪.580‬‬
‫(((  علل الشرائع‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪ ،513‬األمالي‪ ،‬ص‪ ،275‬من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪ ،554‬ورواه عنه في جامع‬
‫أحاديث الشيعة‪ ،‬ج‪ 25‬ص‪ 333‬باب ‪ 45‬من أبواب مباشرة النساء ومعاشرتهن‪.‬‬
‫(((   في سند الرواية ‪ -‬بحسب ما في علل الشرائع واألمالي ‪ -‬أحمد بن أبي عبد الله البرقي‪ ،‬وقد قال =‬
‫‪233‬‬ ‫المحور الخامس‪ :‬ما روي عن علي‪ ‬في ذ ّم المرأة‬
‫ألهم مضامين الرواية وعناوينها العامة‪:‬‬
‫ّ‬ ‫وفي البداية تعالوا مع ًا لنقدِّ َم استعراض ًا سريع ًا‬
‫‪--1‬عدم إطاعة النساء على كل حال‪.‬‬
‫‪--2‬عدم ائتمانهن على مال‪.‬‬
‫‪ --3‬منعهن من تدبير أمر العيال‬
‫‪ --4‬أنه ّن ال ورع لهن عند حاجتهن‪.‬‬
‫‪ --5‬ال صبر له ّن عند شهوتهن‪.‬‬
‫‪ --6‬البذخ لهن الزم وإن كبرن‪.‬‬
‫‪ --7‬ال ُع ُجب بهن الحق وإن عجزن‪.‬‬
‫‪ --8‬ال يشكرن الكثير إذا منعن القليل‪.‬‬
‫‪ --9‬ينسين الخير ويحفظن الشر‪.‬‬
‫‪--10‬يتهافتن بالبهتان‪.‬‬
‫‪--11‬يتمادين بالطغيان‪.‬‬
‫‪ --12‬يتصدين للشيطان‪.‬‬
‫إن التصديق‬‫هذه هي أهم مضامين الرواية‪ ،‬وفي تقييم إجمالي لها يمكننا القول‪ّ :‬‬
‫بصدور هذه المضامين عن اإلمام علي‪ ‬هو بمكان من الصعوبة‪ ،‬بل يكاد يكون األمر أشبه‬
‫بالمستحيل؛ ألنّها مضامين تم ّثل امتهان ًا ب ّين ًا لكرامة المرأة وانتقاص ًا جل ّي ًا من إنسانيتها‪ ،‬وهو‬
‫نص عليه القرآن الكريم من تكريم اإلنسان‪ ،‬ذكر ًا كان أو أنثى‪ ،‬وال‬ ‫األمر الذي يتنافى مع ما ّ‬
‫يعقل صدور ما ينافي القرآن وتعاليمه عن علي‪ ‬وهو العارف بمحكم الكتاب ومجمله‪،‬‬
‫مفصله ومبينه‪ ،‬ناسخه ومنسوخه‪.‬‬

‫النجاشي في ترجمته‪« :‬كان ثقة في نفسه يروي عن الضعفاء واعتمد المراسيل»‪ ،‬وهو يروي عن أبيه‬ ‫= ‬
‫محمد بن خالد البرقي‪ ،‬وذكر النجاشي في ترجمته‪« :‬وكان محمد ضعيف ًا في الحديث»‪ ،‬ولكن الشيخ‬
‫الطوسي وثقه‪ ،‬راجع‪ :‬معجم رجال الحديث‪ ،‬ج‪ 17‬ص‪ ،74-71‬أجل‪ ،‬قد شهد الشيخ آصف محسني‬
‫بوثاقة الرواية‪ ،‬انظر‪ :‬األحاديث المعتبرة في جامع أحاديث الشيعة‪ ،‬ص‪ ،463‬وأما في كتاب من ال‬
‫يحضره الفقيه فهي مرسلة‪.‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪234‬‬
‫إن هذا الحديث هو حديث تخويني اتهامي تحقيري إقصائي للمرأة‪،‬‬‫بكلمة مختصرة‪ّ :‬‬
‫وظاهره التعميم لجنس النساء‪ ،‬وال يتأتى بوجه من الوجوه حمله على امرأة معينة‪ ،‬كما‬
‫احتمل بعضهم في الحديث السابق‪.‬‬

‫جولة تف�صيلية‬
‫أهم مضامين الرواية ‪ -‬إلى جولة‬
‫وتعالوا معي ‪ -‬بعد هذه اإلطاللة اإلجمالية على ّ‬
‫تفصيلية نتوقف فيها عند كل مفردة من مفرداتها‪:‬‬
‫ثمة سؤاالً يطرح‬ ‫أوالً‪ :‬فيما يرتبط بالفقرة األولى‪ « :‬ال تطيعوا النساء على حال»‪ّ ،‬‬
‫فإن ّ‬
‫السر في هذه الدعوة العامة والمطلقة إلى عدم إطاعة النساء‬
‫نفسه إزاءها‪ ،‬وهو أنّه ما الوجه أو ّ‬
‫على كل حال؟‬
‫ّ‬
‫وتحث‬ ‫ألن المرأة قد تأمر بالمعروف وتدعو إلى طاعة الله تعالى‬ ‫إن ذلك غير مفهوم‪ّ ،‬‬‫ّ‬
‫الناس عموم ًا بعدم إطاعتها على‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الرجل أو‬ ‫على فعل الخير وتر ّغب بترك َّ‬
‫الشر‪ ،‬فكيف ُي ْؤ َم ُر‬
‫كل حال؟!‬
‫وإذا قيل‪ّ :‬‬
‫إن دعوته إلى عدم إطاعة المرأة على كل حال مق ّيد ٌة بما إذا لم تأمر بطاعة‬
‫الله تعالى‪ ،‬وإال كانت إطاعتها إطاع ًة لله تعالى‪ ،‬فيكون مقصوده النهي عن إطاعتهن فيما إذا‬
‫أمرن بمعصية الله تعالى‪.‬‬
‫والجواب على ذلك‪ :‬أنّه لو كان مقصوده‪ ‬هذا المعنى فال يبقى للمرأة خصوصية‪،‬‬
‫فالرجل أيض ًا كذلك‪ ،‬أي ال تجب إطاعته إذا أمر بمعصية الله‪ ،‬ألنّه ‪ -‬وكما جاء في الحديث‬
‫أن ظاهر الحديث ذكر‬ ‫عن علي‪ ‬نفسه ‪« -‬ال طاعة لمخلوق في معصية الخالق»(((‪ ،‬مع ّ‬
‫بحث حول هذه النقطة تعليق ًا على بعض‬‫ٍ‬ ‫بعض اإلرشادات الخاصة بالنساء‪ ،‬وسيأتي مزيد‬
‫الروايات الالحقة‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬وأ ّما الفقرة الثانية‪« :‬وال تأمنوه َّن على مال»‪ ،‬فهي أكثر غرابة‪ ،‬ألنّها تتضمن تخوين ًا‬
‫للمرأة‪ ،‬ودعو ًة إلى عدم ائتمانها على المال‪ ،‬وهو أمر غير مفهوم وال وجه له‪ ،‬سوا ًء في النطاق‬
‫ألن حال المرأة في أمر المال كحال الرجل تمام ًا‪ ،‬فكما يمكن‬ ‫الزوجي أو في النطاق العام‪ّ ،‬‬
‫ائتمان الرجل الصالح الموثوق على المال‪ ،‬كذلك يمكن ائتمان المرأة الصالحة الموثوقة‬

‫(((   نهج البالغة‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪.42‬‬


‫‪235‬‬ ‫المحور الخامس‪ :‬ما روي عن علي‪ ‬في ذ ّم المرأة‬
‫عليه‪ ،‬وكما ال يؤتمن الرجل الخائن‪ ،‬كذلك ال تؤتمن المرأة الخائنة وغير الموثوقة‪ .‬أما‬
‫أن األصل في المرأة‬ ‫تخصيص المرأة بعدم االئتمان بقول مطلق‪ ،‬فليس له مبرر؛ إال أن ُيدَّ عى ّ‬
‫التفوه به أو نسبته إلى اإلمام علي‪ ،‬ألنّه مما ُيك َِّذ ُبه العيان‪،‬‬
‫هو الخيانة! وهذا ما ال يمكننا ّ‬
‫تقل أمانة عن الرجل سواء في الماضي أو في الحاضر‪ ،‬وقد الحظنا‬
‫(((‬ ‫حيث نرى المرأة ال ّ‬
‫يفرق بينها وبين الرجل عندما امتدح أداء األمانة‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﵛﭐﱮ ﱯ‬ ‫ّ‬
‫أن القرآن الكريم لم ّ‬
‫فإن هذا الخطاب شامل للذكر واألنثى‪ ،‬كغيره من الخطابات‬ ‫ﱰ ﱱ ﱲﵚ(((‪ّ .‬‬
‫القرآنية‪.‬‬
‫تقل غرابة عن سابقتيها‪،‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬أ ّما الفقرة الثالثة «وال تذروهن ُيدَ ِّب ْر َن أمر العيال» فهي ال ُّ‬
‫ِ‬
‫ألن منع النساء من تدبير أمر العيال هو إقصاء له َّن عن َأ ْب َر ِز دور أنيط بهن و َأ ْش َرف مهمة‬ ‫ّ‬
‫مر التاريخ‪ ،‬وهي مهمة تدبير أمر العيال‪ ،‬ولذا فعزل المرأة عن تدبير أمر‬ ‫اضطلعن بها على ّ‬
‫العيال هو أمر غير مفهوم‪ ،‬فإذا لم تشارك المرأة في هذا األمر فمن ذا الذي يشارك فيه؟! أليس‬
‫المجال الطبيعي ‪ -‬وإن لم يكن الوحيد ‪ -‬للمرأة هو تدبير أمر العيال؟! وال نجد في اإلسالم‬
‫ما يمنع المرأة من تدبير أمر العيال وتربية األطفال‪ ،‬بل إنّه قد ح ّثها على ذلك وعدّ ه من ّ‬
‫أهم‬
‫مسؤولياتها‪ ،‬ففي الحديث عن رسول الله(ص)‪« :‬أال ك ّلكم راع وك ّلكم مسؤول عن رعيته‬
‫فاإلمام الذي على الناس را ٍع وهو مسؤول عن رعيته‪ ،‬والرجل را ٍع على أهل بيته وهو مسؤول‬
‫عن رعيته‪ ،‬والمرأة راعي ٌة على أهل بيت زوجها وولده وهي مسؤولة عنهم»(((‪.‬‬
‫إن نظره‪ ‬هو إلى منعهن من االنفراد واالستقالل بتدبير أمر العيال بعيد ًا عن‬ ‫قد يقال‪ّ :‬‬
‫رأي األب والولي‪ ،‬وهذا ما يستفاد من تتمة كالمه الوارد مورد التعليل‪ ،‬حيث قال‪ « :‬فإنّهن‬
‫إن ت ُِر ْك َن وما َأ َر ْد َن َأ ْو َر ْدن المهالك َوعَدَ ْو َن َأ ْم َر المالك»‪.‬‬
‫جو االتهام ال يزال قائم ًا‪،‬‬ ‫ف وطأة اإلشكال‪ ،‬بيد ّ‬
‫أن َّ‬ ‫ّإل ّ‬
‫أن هذا الدفاع وأن كان قد ُي َخ ِّف ُ‬
‫وكأن المرأة ال تؤتمن لوحدها على تدبير أمر العيال‪ ،‬مع أننا نجد الكثيرات من النساء ُيدَ ّب ْر َن‬ ‫ّ‬
‫َأ ْم َر العيال على أحسن حال في غياب أزواجهن حتى لو طالت الغيبة ألشهر أو سنوات‪،‬‬
‫وهكذا في حال موت األزواج‪.‬‬

‫ون ِعنْدَ َها‬


‫َّاس َي َض ُع َ‬ ‫ط َق َال‪ُ « :‬ق ْل ُت َألبِي َع ْب ِد ال َّله‪ :‬ا ْم َر َأ ٌة بِا ْل َم ِدين َِة ك َ‬
‫َان الن ُ‬
‫ص ب ِن ُقر ٍ‬
‫(((   ففي خبر َح ْف ِ ْ ْ‬
‫يث و َأدتِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫الر ْزق! َف َق َال‪ :‬إن ََّها َصدَ َقت ا ْل َحد َ َّ‬ ‫ا ْل َج َو ِار َي َفت ُْصل ُح ُه َّن‪ ،‬و ُق ْلنَا‪َ :‬ما َر َأ ْينَا م ْث َل َما ُص َّ‬
‫ب َع َل ْي َها م َن ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الر ْز َق»‪ ،‬انظر‪ :‬الكافي ج ‪ 5‬ص ‪.133‬‬ ‫ب ِّ‬ ‫األَ َما َن َة و َذل َك َي ْجل ُ‬
‫(((  سورة المؤمنون‪ ،‬اآلية ‪.8‬‬
‫(((   صحيح البخاري‪ ،‬ج‪ 8‬ص‪.105‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪236‬‬
‫تنصان على أنّه «ال ورع له ّن عند‬ ‫رابع ًا‪ :‬وأ ّما الفقرتان الرابعة والخامسة واللتان ّ‬
‫ٍ‬
‫فإن مضمونهما مجاف للواقع والحقيقة‪ ،‬فليس‬ ‫حاجتهن‪ ،‬وال صبر له ّن عند شهواتهن» ّ‬
‫كل النساء كذلك‪ ،‬بل حاله َّن في هذا األمر حال الرجال‪ ،‬منهن العفيفة التق ّية‪ ،‬ومنهن التي‬
‫تنساق مع شهوتها وتبتعد عن خط طاعة الله تعالى‪ ،‬فلغة التعميم في هذه الفقرة ‪ -‬كغيرها من‬
‫فقرات هذا الحديث ‪ -‬ليست مفهومة‪ ،‬هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى‪ ،‬فإنا نالحظ ّ‬
‫أن القرآن‬
‫يفر ْق في موضوع االلتزام األخالقي بين الرجل والمرأة‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬ ‫الكريم‪ ،‬لم ُي َف ِّص ْل أو ّ‬
‫ﵛﭐﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ‬
‫ﲜﲝﲞﲟﲠﲡﲢﲣ‬
‫ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯﵚ(((‪.‬‬
‫خامس ًا‪ :‬وأ ّما المضمون الذي اشتملت عليه الفقرتان السادسة والسابعة وهو‪ّ :‬‬
‫«أن‬
‫ب بِ ِه َّن الحق وإن عجزن»‪ ،‬والبذخ هو الفخر والتطاول‬ ‫البذخ له ّن الزم وإن كبرن‪ ،‬وال ُع ُج َ‬
‫والك ْبر(((‪ ،‬فهو غير م ّط ِرد فيهن‪ ،‬وال هو غالبي‪ ،‬وال هو من خصائصهن التكوين ّية‪ ،‬بل ّ‬
‫إن‬ ‫ِ‬
‫األمر تابع للتربية والتنشئة‪ ،‬فالمرأة عندما تنشأ في مناخ يغرس فيها حالة الزهو والبذخ وتنمو‬
‫همها‬
‫في أجواء التفاخر بالزينة والتنافس بالمظاهر‪ ،‬فمن الطبيعي أن يصبح ذلك هو أكبر ّ‬
‫ويغدو بحكم الطبيعة الثانية لها‪ ،‬كما قال تعالى‪ :‬ﵛﭐﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ‬
‫ﲝﵚ(((‪ .‬والنتيجة الطبيع ّية هي شعورها بالزهو والعجب والفخر‪ ،‬وأ ّما لو ُر ِّبيت على مكارم‬
‫ئت على االهتمام باألدب والعلم وتهذيب النفس فسوف‬ ‫األخالق ومحامد الصفات ون ُِّش ْ‬
‫تتغير اهتماماتها وتتبدل رغباتها‪.‬‬
‫سادس ًا‪ :‬واألمر عينه ينطبق على الفقرتين الثامنة والتاسعة وهما‪« :‬ال َي ْشك ُْر َن الكثير إذا‬
‫الشر»‪ ،‬فقد تضمنتا اتهام ًا ال ُي َصدِّ ُقه الواقع إال على‬ ‫ِ‬
‫ُمن ْع َن القليل‪َ ،‬ين َْس ْي َن الخير‪ ،‬و َي ْح َف ْظ َن ّ‬
‫صح ثبوت ذلك في‬ ‫ثم إنّه لو ّ‬‫أن المرأة ال تفترق في ذلك عن الرجل‪ّ ،‬‬ ‫نحو جزئي ونادر‪ ،‬على ّ‬
‫المرأة دون سواها فهو ليس مما تقتضيه طبيعتها وال هي مفطورة عليه في أصل خلقتها‪ ،‬وإنّما‬
‫مر ّده إلى سوء التربية‪ ،‬وهو ما تشترك أو تتساوى فيه مع الرجل‪.‬‬
‫سابع ًا‪ :‬وعلى هذا يمكنك قياس سائر فقرات الرواية‪ ،‬وهي قوله‪« :‬يتهافتن بالبهتان‬

‫(((  سورة األحزاب‪ ،‬اآلية ‪.35‬‬


‫(((   انظر‪ :‬لسان العرب‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪ ،7‬مجمع البحرين‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.429‬‬
‫(((  سورة الزخرف‪ ،‬اآلية ‪.18‬‬
‫‪237‬‬ ‫المحور الخامس‪ :‬ما روي عن علي‪ ‬في ذ ّم المرأة‬
‫ويتمادين بالطغيان‪ ،‬ويتصدين للشيطان»‪ ،‬وتصدِّ يهن للشيطان هو بمعنى إقبالهن وإشرافهن‬
‫أن هذه األمور ليست مطردة وال غالبية في النساء‪ ،‬وال ينحصر‬ ‫عليه‪ ،‬وتعليقنا على ذلك هو ّ‬
‫ذلك به َّن‪ ،‬وال هو من طبيعته َّن‪ ،‬فالبهتان والطغيان واالنقياد للشيطان أمور ال تختص بها‬
‫النساء‪ ،‬بل َت ْع ُر ُض لإلنسان ذكر ًا أو أنثى‪.‬‬

‫مقاربة الإ�شكال بطريقة �أخرى‬


‫ويمكن مقاربة اإلشكال بطريقة أخرى‪ ،‬وهي أنّنا نتساءل‪ :‬هل هذه الخصال التي ذكرتها‬
‫الرواية هي خصال مكتسبة للمرأة‪ ،‬أم أنّها جزء من طبيعتها التكوينية‪ ،‬وهي مفطورة على‬
‫ذلك؟‬
‫ال يسعنا القول‪ّ :‬‬
‫إن المرأة ‪ -‬دون الرجل ‪ -‬مفطورة على هذه الصفات‪:‬‬
‫يفرق بين الرجل والمرأة في أصل الخلقة والتكوين‬ ‫ألن الله سبحانه وتعالى لم ّ‬‫أوالً‪ّ :‬‬
‫والخصائص الفطر ّية‪ ،‬فكالهما مفطوران على خصال الخير‪ ،‬وقد أوضح الله لهما السبيل‪،‬‬
‫وأنار لهما الطريق‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﵛﲛ ﲜﵚ(((‪ ،‬والشيطان قد أعدّ نفسه للوسوسة لكليهما‬
‫وليس لخصوص المرأة‪ ،‬مع أنّه في الواقع ال سلطان له عليهما‪ ،‬وإنّما هو قادر على التزيين‬
‫والوسوسة فقط‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﵛﭐﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔﲕ‬
‫ﲖ ﲗ ﲘ ﲙﲚ ﲛ ﲜﵚ(((‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬ألنّه لو كانت المرأة مفطورة على هذه الصفات‪ ،‬فإن كان ذلك يفقدها اختيارها‬
‫ويسلبها إرادتها فسوف يكون ذ ّمها وعقابها ‪ -‬والحال هذه ‪ -‬على عدم استقامتها‪ ،‬ذم ًا أو‬
‫عقاب ًا على ما ليس باالختيار وهو قبيح عق ً‬
‫ال ونقالً‪ ،‬ألنّه من أجلى مصاديق الظلم‪ ،‬وإن كان‬
‫ذلك ال يفقدها االختيار لكنه يجعلها مه ّيأة للفساد واالنحراف أكثر من الرجل‪ ،‬فهذا أيض ًا‬
‫ال ينسجم مع عدل الله تعالى‪ ،‬ألنّه لو كان األمر كذلك لكان من المفترض أن ينعكس ذلك‬
‫على مستويين‪:‬‬
‫الموجهة إليها‪ ،‬فالتشريع ال بدّ أن يراعي ضعفها التكويني‪ ،‬فيخفف عنها‬
‫َّ‬ ‫‪--1‬على التكاليف‬
‫رأفة بحالها‪ ،‬مع أنّه قد ك ّلفها بما ك ّلف به الرجل إال في بعض الموارد الخاصة التي‬

‫(((  سورة البلد‪ ،‬اآلية ‪.10‬‬


‫(((  سورة ابراهيم‪ ،‬اآلية ‪.22‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪238‬‬
‫تقتضيها طبيعتها األنثوية الخاصة والتي راكمت عليها تكاليف إضافية لم ُي َك َّل ْ‬
‫ف بها‬
‫الرجل‪ ،‬كما هو الحال في أحكام الستر وأحكام الدماء الثالثة (الحيض واالستحاضة‬
‫والنفاس)‪.‬‬
‫مما ُيراعى حال الرجل‪ ،‬وهذا ما‬ ‫‪--2‬وعلى الحساب األخروي‪ ،‬بأن ُي َرا َعى حالها وضعفها أكثر ّ‬
‫ثمة اعتقاد شائع يذهب إلى ّ‬
‫أن معظم النساء يوم القيامة ُه َّن من أهل النار‪،‬‬ ‫ال دليل عليه‪ ،‬بل ّ‬
‫إن معظم أهل النار ُه َّن من النساء‪ ،‬ولكننا فندنا هذا االعتقاد في كتاب «هل‬ ‫أو بعبارة أخرى‪ّ :‬‬
‫مر الحديث عن ذلك في المحور السابق‪.‬‬
‫الجنة للمسلمين وحدهم؟» فليراجع‪ ،‬وقد ّ‬
‫شك ّ‬
‫أن‬ ‫ولو قال قائل‪ّ :‬‬
‫إن اإلمام‪ ‬يتحدّ ث على سبيل الموجبة الجزئ ّية ال الكل ّية‪ ،‬وال ّ‬
‫بعض النساء ه ّن كما وصفهن‪ ‬في هذا الحديث‪.‬‬
‫إن لسان الرواية هو لسان التعميم‪ ،‬فـ «النساء» جمع مح ّلى بالالم‪ ،‬وهو‬
‫لقلنا رد ًا عليه‪ّ :‬‬
‫أن الجزئية المشار إليها لو كانت مرادة له‪ّ ‬‬
‫فإن‬ ‫يفيد العموم‪ ،‬كما قال علماء األصول‪ ،‬على ّ‬
‫يتوجه حينها عن السبب في تخصيص النساء بهذه األوصاف مع أنّها عامة في الرجل‬
‫السؤال ّ‬
‫والمرأة؟!‪.‬‬

‫صحة الرواية‪-‬‬
‫ثمة وجه قريب في تفسير هذه الرواية‪ ،‬وهو أن اإلمام‪- ‬بنا ًء على ّ‬ ‫أجل‪ّ ،‬‬
‫ر ّبما كان ناظر ًا إلى حال المرأة في زمانه‪ ،‬وهو ما تؤشر إليه وتشهد به عبارته‪ « :‬فإنّا‬
‫وجدناهن‪ ،»..‬فهو لم يقل ‪ -‬مث ً‬
‫ال ‪« -‬فإنّه ّن»‪ ،‬بل قال‪« :‬فإنّا وجدناهن» وهو تعبير يستخدمه‬
‫م ْن يتحدّ ث ويت َك َّلم من موقع تجربته في الحياة وخبرته بواقع المرأة وحالها في زمانه‪ ،‬وقد‬
‫وجدها ‪ -‬في األعم األغلب ‪ -‬متصفة بهذه األوصاف‪ ،‬ما سمح له بهذا التعميم‪ .‬وعليه‪ ،‬فهذه‬
‫األوصاف ليست بالضرورة أن تكون مخلوقة مع المرأة‪ ،‬وإنّما اكتسبتها من البيئة المحيطة‬
‫بها والظروف التي عاشتها والتنشئة الخاصة التي تر ّبت عليها‪ ،‬واإلطار الخاص الذي وضعها‬
‫أن الرجل عاش الظروف عينها التي عاشتها المرأة الكتسب تلك‬ ‫المجتمع الذكوري فيه‪ ،‬ولو ّ‬
‫الصفات نفسها‪.‬‬
‫أن هذا النقد الالذع ‪ -‬على فرض صدوره من اإلمام‬‫وقصارى القول‪ :‬إنّنا على يقين ّ‬
‫علي‪ - ‬لم يكن منطلق ًا من موقف سلبي عنصري أو عقدة شخص ّية ضد المرأة وإنّما هو‬
‫‪239‬‬ ‫المحور الخامس‪ :‬ما روي عن علي‪ ‬في ذ ّم المرأة‬
‫ناظر إلى واقع تاريخي له ظروفه وأسبابه‪ ،‬ولذا نراه في خطب أخرى قد انتقد الرجل ‪-‬أيض ًا‪-‬‬
‫انتقاد ًا الذع ًا‪ ،‬بسبب ما كان عليه حاله من بعض الجهات‪.‬‬

‫‪--3‬حديث‪« :‬الن�ساء نواق�ص‪»..‬‬


‫الحديث الثالث الذي يفترض بنا إخضاعه للدراسة النقدية هو ما روي عنه‪ ‬من‬
‫خطبة قالها بعد حرب الجمل‪ ،‬وقد وصفها الشريف الرضي بأنّها في «ذ ِّم النساء»‪ ،‬وقد قال‬
‫إن النساء نواقص اإليمان‪ ،‬نواقص العقول‪ ،‬نواقص الحظوظ‪ ،‬فأ ّما‬ ‫فيها‪« :‬معاشر الناس‪ّ ..‬‬
‫نقصان إيمانهن فقعودهن عن الصالة والصيام في أيام حيضهن‪ ،‬وأ ّما نقصان حظوظهن‬
‫فمواريثهن على األنصاف من مواريث الرجال‪ ،‬وأ ّما نقصان عقولهن فشهادة امرأتين كشهادة‬
‫الرجل الواحد‪ ،‬فاتقوا شرار النساء وكونوا من خيارهن على حذر وال تطيعوهن في المعروف‬
‫حتى ال يطمعن في المنكر»(((‪.‬‬
‫البعض سند ًا أو دلي ً‬
‫ال على إدانة علي‪ ‬للمرأة‪ ،‬وذ ِّمها كما‬ ‫ُ‬ ‫ّخ َذ منها‬
‫وهذه الخطبة قد ات َ‬
‫يهتم بآراء النساء»(((‪.‬‬ ‫ّ‬
‫و«أن اإلسالم ال ُ‬ ‫ع ّبر الشريف الرضي‪،‬‬
‫إن من الصعب التصديق بصدور هذه المضامين التي اشتملت‬ ‫وفي المقابل‪ ،‬قد يقال‪ّ :‬‬
‫عليها عن أمير المؤمنين‪ ،‬وتحقيق ًا للحال وبيان ًا للموقف من هذه الرواية فإنّنا نتوقف‬
‫عندها وقفتين أساسيتين‪:‬‬

‫الوقفة الأولى‪ :‬مع �سند الرواية‬


‫إن الرواية غير تامة السند‪ ،‬ومن المعلوم (كما ذكرنا في المحور األول) أنّه ال يمكننا بنا ُء‬ ‫ّ‬
‫صحيح السند ومقبول‬ ‫َ‬ ‫تصو ٍر إسالمي عام إزاء جنس النساء‪ ،‬اعتماد ًا على خبر واحد لو كان‬‫ّ‬
‫وضعيف السند‪ ،‬فقد رواه الشريف‬ ‫َ‬ ‫مستغرب المضمون‬
‫َ‬ ‫المضمون‪ ،‬فكيف إذا كان خبر ًا‬
‫الرضي مرسالً‪ ،‬ورواه الطبري اإلمامي في المسترشد بسند ال يصح لإلرسال وغيره‪.‬‬
‫أن‬‫يبعث على مزيد من التشكيك في صدور الحديث عن أمير المؤمنين‪ّ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫وم َّما‬

‫(((  نهج البالغة‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪ ،130‬ورواه الشريف في كتابه خصائص األئمة‪ ،‬ص ‪ ،100‬ورواه محمد بن جرير‬
‫الطبري اإلمامي في كتابه المسترشد‪ .‬وروى الشعبي‪ ،‬عن شريح بن هاني قال‪ :‬خطب علي بن أبي‬
‫طالب‪ ‬بعدما افتتحت مصر‪ ،‬ثم قال‪ :‬وإني مخرج إليكم كتاب ًا‪ ..‬انظر المسترشد‪ ،‬ص ‪.418‬‬
‫(((   مختصر مفيد‪ ،‬ج ‪ 6‬ص ‪.194‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪240‬‬
‫صرح به الشريف الرضي هو أنّه‪ ‬قال ذلك في خطبة له بعد حرب الجمل‪ ،‬بينما‬‫الذي ّ‬
‫يظهر من الطبري أن هذا المقطع هو جزء من كتاب له‪ ‬كتبه بعد سقوط مصر في يد عمرو‬
‫ابن العاص ومقتل محمد بن أبي بكر!‬
‫إن ذلك ال يعدُّ في نفسه شاهد ًا على عدم صدوره عنه‪ ،‬إذ لر ّبما‬
‫اللهم إال أن يقال‪ّ :‬‬
‫قال‪ ‬هذا الكالم مرتين(((‪.‬‬

‫الوقفة الثانية‪ :‬مع م�ضمون الرواية‬


‫ثم إنّه وبصرف النظر عن ضعف السند‪ّ ،‬‬
‫فإن المضامين التي اشتملت عليها الرواية‬ ‫ّ‬
‫هي موضع تأمل وإشكال كبيرين مما يجعل من الصعب حصول الوثوق بصدورها عن أمير‬
‫المؤمنين‪.‬‬
‫أن الرواية ‪ -‬لو سلم بصدورها عنه ‪ -‬فال‬‫ولكن وقبل تفصيل ذلك‪ ،‬تجدر اإلشارة إلى ّ‬
‫يحتمل فيها النظر إلى خصوص امرأة بعينها‪ ،‬كما قيل ذلك في رواية «المرأة شر كلها»‪ ،‬فالكالم‬
‫هنا هو عن «النساء» عامة‪ ،‬وال يقبل الحمل على امرأة بعينها(((‪ ،‬والتعليالت المذكورة في‬
‫إن مناسبة هذا الكالم حيث قاله بعد انصرافه من حرب الجمل‬ ‫الرواية تؤكد التعميم‪ .‬أجل‪ّ ،‬‬
‫عدّ ها البعض إيماءة إلى أنه‪ ‬ناظر فيه إلى السيدة عائشة‪ ،‬قال ابن أبي الحديد المعتزلي في‬
‫شرحه‪« :‬وهذا الفصل كله رمز إلى عائشة»(((‪.‬‬

‫(((   مصادر نهج البالغة‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪ ،409‬وج ‪ 2‬ص ‪.83‬‬


‫أن بعض األعالم وهو الشيخ جوادي اآلملي قال في سياق كالم‬ ‫وجدت ّ‬
‫ُ‬ ‫(((   ولكنني بعد كتابة هذا الكالم‬
‫أن ذ َم البصرة والكوفة ال يعود إلى جوهر هاتين المنطقتين‪ ،‬فإذا ُذمت‬
‫له تعليق ًا على هذا الخبر‪« :‬فكما ّ‬
‫ألن تلك المرأة وقفت في مقابل علي بن أبي طالب‪ ،‬كما ّ‬
‫أن هناك‬ ‫المرأة بعد قضية الحرب فهو ّ‬
‫رجاالً كثيرين وقفوا في مقابل اإلمام‪ ،‬فإذا ورد ذ ٌم لطلحة والزبير وغيرهم من الذين أداروا تلك الحرب‬
‫في مقابل ولي الله فطبيعي أن تتعرض عائشة التي وقفت في مقابل اإلمام وغيرها من األشخاص الذين‬
‫ساهموا في هذه الحادثة الصعبة إلى الذم‪ ،»..‬انظر‪ :‬جمال المرأة وجاللها‪ ،‬للشيخ اآلملي‪ ،‬دار الهادي‬
‫بيروت‪ ،‬الطبعة السادسة ‪2009‬م‪ ،‬ص‪.320‬‬
‫ولك ّن هذا الكالم ال يمكننا الموافقة عليه‪ ،‬وال يصح قياس ما جاء في هذا الخبر بما ورد في ذم البلدان‬
‫وال بما ورد في ذم طلحة والزبير‪ ،‬أما ما ورد في ذم بعض البلدان فهو على فرض صحته ال يأبى الحمل‬
‫على المرحلية أو القضية الخارجية‪ ،‬وأما ذم جنس المرأة ألجل امرأة بعينها فهذا أمر ال مبرر له على‬
‫اإلطالق‪ ،‬ولماذا‪ ‬لم يذم المرأة باسمها كما ذ ّم طلحة والزبير باسميهما ‪-‬ولم يذم جنس الرجال‪-‬‬
‫بسبب موقفهما منه‪.‬‬
‫(((   شرح نهج البالغة‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪.214‬‬
‫‪241‬‬ ‫المحور الخامس‪ :‬ما روي عن علي‪ ‬في ذ ّم المرأة‬
‫بالعودة إلى دراسة المضمون‪ ،‬فإنّنا نتوقف عند فقرات الرواية واحد ًة تلو األخرى‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬نقصان اإليمان‬
‫ُ‬
‫الحديث‬ ‫وجه‬
‫والفقرة األولى في الحديث هي قوله‪« :‬النساء نواقص اإليمان»‪ ،‬وقد َّ‬
‫َ‬
‫نقصان إيمانهن بـ «قعودهن عن الصالة والصيام في أيام حيضهن»‪.‬‬
‫ولك ّن هذا التوجيه تعترضه مالحظة أساسية وهي أنّه إذا كان ترك المرأة للصالة والصوم‬
‫أثناء العادة الشهرية قد جاءها من قبل التشريع نفسه‪ ،‬وبأمر الله تعالى الذي فرض عليها ذلك‬
‫وألزمها به‪ ،‬فكيف يعدّ ذلك نقص ًا في إيمانها ودينها! مع أنّه لو أمرها بالصالة والصوم ألتت‬
‫بهما وكانت عبادتها تامة ومساوية لعبادة الرجل‪ ،‬إنّه وبسبب نهي الله تعالى للحائض عن‬
‫الصالة والصيام غدا قيامها بذلك معصية تبعدُ ها عنه سبحانه‪.‬‬
‫ولكن في مقابل هذا االعتراض‪ ،‬قد تطرح عدة دفاعات عن التوجيه المذكور في‬
‫كالمه‪ ‬بشأن نقص إيمان المرأة‪:‬‬
‫الدفاع األول‪ :‬الحائض في حالة مستقذرة ال تؤهلها للعبادة‬
‫الدفاع األول‪ّ :‬‬
‫إن المرأة في حال العادة الشهر ّية تكون بحالة مستقذرة ال تؤهلها للعبادة‬
‫«ولما كان الصوم والصالة من كمال‬ ‫والوقوف بين يدي الله تعالى‪ ،‬قال ابن ميثم البحراني‪ّ :‬‬
‫ومتممات الرياضة كان قعوده ّن عن االرتياض بالصوم والصالة في تلك األ ّيام‬ ‫ّ‬ ‫اإليمان‬
‫نقصان ًا إليمانه ّن‪ ،‬وإنّما رفعت الشريعة التكليف عنه ّن بالعبادتين المذكورتين لكونه ّن في‬
‫يتأهل صاحبها للوقوف بين يدي الملك الج ّبار»(((‪.‬‬‫حال مستقذرة ال ّ‬
‫ولك َّن هذا الدفاع ال يمكننا الموافقة عليه‪ ،‬ال لعدم الدليل عليه فحسب‪ ،‬بل ألنّه غير‬
‫فإن العادة الشهرية ال توجب قذارة المرأة نفسها عند الله تعالى‪ ،‬ألنّها ‪ -‬أي العادة‬ ‫دقيق‪ّ ،‬‬
‫الشهر ّية ‪ -‬تم ّثل حالة اعتياد ّية ّ‬
‫تمر بها المرأة السليمة والسو ّية فيخرج منها د ٌم مع ّين في دورتها‬
‫الشهرية كإفرازات طبيعية لحركة الرحم‪ ،‬وحالة كهذه هي من صنع الله تعالى وتقديره‪ ،‬فال‬
‫التقرب‬
‫معنى لتسببها بقذارة المرأة عند الله تعالى‪ ،‬أو طردها عن بابه أو منعها عن محاولة ّ‬
‫المعنوي منه‪ ،‬وإال لشكّل ذلك اعتراض ًا على عدل الله تعالى‪ ،‬إذ كيف تكون المرأة الحائض‬
‫عز وجل‬ ‫أن أمر الحيض ليس بيدها‪ ،‬وإنّما هو ّ‬ ‫أو النفساء مكروهة ومنبوذة عنده تعالى‪ ،‬مع ّ‬

‫(((   شرح نهج البالغة‪ ،‬ج‪ 2‬ص ‪.223‬‬


‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪242‬‬
‫َم ْن خلقها على هذه الحالة‪ ،‬فكأنّها تُعاقب أو تالم أو تنبذ وتذم على ٍ‬
‫أمر ليس بيدها‪ ،‬والحال‬
‫ال ‪ -‬مؤاخذته على ما يقع تحت اختياره‪.‬‬‫تصح ‪ -‬عق ً‬ ‫ّ‬
‫أن اإلنسان إنّما ّ‬
‫والدم نفسه وإن كان شيئ ًا مستقذر ًا لكنه استقذار عرفي مر ّده إلى اعتبارات بشرية تتصل‬
‫بمزاج اإلنسان‪ ،‬وهو ال يمنع من كون صاحبه في حالة من القرب المعنوي من الله تعالى‪،‬‬
‫أن الشهيد قد يغطيه الدم ور ّبما تتمزق أوصال جسده‪ ،‬أو تتحلل جثته‪ ،‬لك ّن ذلك ال‬ ‫أال ترى ّ‬
‫أن البعض قد يشمئز من األشخاص‬ ‫ثم ألسنا نرى ّ‬
‫أقرب الناس إلى الله تعالى‪ّ ،‬‬
‫َ‬ ‫يمنع من كونه‬
‫أن الواحد من هؤالء المشوهين قد يكون من‬ ‫المشوهين جسدي ًا ال من موقع احتقار‪ ،‬مع ّ‬
‫ٍ‬
‫بأمراض في جسده حتى‬ ‫خاصة أولياء الله الصالحين‪ ،‬وهذا نبي الله أيوب‪ ‬قد ابتاله الله‬
‫اشمأز منه أقرب الناس إليه واستقذروه على ما روي(((‪ ،‬فت ُِرك وحيد ًا فريد ًا‪ ،‬ولكنّه رغم ذلك‬
‫كان في مستوى من القرب المعنوي إلى الله ال يدانيه فيه أحد‪.‬‬
‫نص عليه القرآن الكريم في‬ ‫ولكن قد يقال‪ّ :‬‬
‫إن قذارة المرأة في حالة الحيض هي مما ّ‬
‫قوله تعالى‪ :‬ﵛﲐ ﲑ ﲒ ﲓﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ‬
‫ﲟﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭﵚ(((‪ ،‬وعليه فال مجال‬
‫للتشكيك في المسألة‪.‬‬
‫وتعليقنا على ذلك‪ :‬إنّه ال داللة في اآلية المباركة على قذارة المرأة الحائض روحي ًا‬
‫ألن مفادها هو الدعوة إلى اجتناب مقاربة النساء في حالة الحيض‪ ،‬وواضح‬ ‫ومعنوي ًا؛ وذلك ّ‬
‫نصت اآلية نفسها عليها‪،‬‬
‫أن تحريم المعاشرة الجنسية مع الحائض له حكمة واضحة وجل ّية ّ‬ ‫ّ‬
‫أن «المحيض أذى»‪ ،‬واألذى سواء كان بلحاظ المرأة الحائض نفسها أو بلحاظ الذي‬ ‫وهي ّ‬
‫يقاربها في تلك الحال فإنّه ال يعني القذارة‪ ،‬كما سنشير بعد قليل‪.‬‬
‫ومما يشهد لعدم استقذار المرأة نفسها في حال الحيض‪ ،‬أنّه ال يحرم على الرجل‬
‫ال عما عداها من‬ ‫سوى خصوص المعاشرة الجنس ّية معها دون سائر أنحاء االستمتاع‪ ،‬فض ً‬
‫يعزز ما نقوله ويزيده وضوح ًا هو مالحظة‬ ‫أشكال االختالط بها والتواصل معها‪ .‬ومما ِّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫أن اآلية المباركة نزلت إلبطال ُسنَّة جاهلية‪ ،‬حيث كان‬ ‫أسباب النزول‪ ،‬فإنّها تؤكّد على ّ‬
‫المشركون «ال يساكنون حائض ًا في بيت‪ ،‬وال يؤاكلونه ّن في إناء‪ ،‬وال يشاربونهن‪َ ،‬ف َع َّر َفهم‬

‫(((   انظر‪ :‬تفسير القمي‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.240 - 239‬‬


‫(((  سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.222‬‬
‫‪243‬‬ ‫المحور الخامس‪ :‬ما روي عن علي‪ ‬في ذ ّم المرأة‬
‫أن الذي عليهم في أيام حيض نسائهم أن يجتنبوا ُج َما َع ُه َّن فقط دون ما عدا‬‫الله بهذه اآلية ّ‬
‫أن هذه التصرفات التي تم ّثل ن ْبذ ًا‬ ‫ذلك‪ ،‬من مضاجعتهن ومؤاكلتهن ومشاربتهن»(((‪ ،‬ويبدو ّ‬
‫للمرأة الحائض وتع ِّبر عن استقذارها قد ورثها بعض العرب من مجاورة اليهود‪ ،‬ونزلت‬
‫«أن اليهود كانوا ُي ْخ ِر ُجون الحائض من البيت‬ ‫اآلية الكريمة ر ّد ًا عليهم‪ ،‬فقد روي عن أنس‪ّ :‬‬
‫وال يؤاكلونها وال يجامعونها في بيت‪ ،‬فسئل النبي (ص)‪ ،‬فأنزل الله تعالى‪ :‬ﵛﲐ‬
‫تنص على نجاسة الحائض‬ ‫ﲑﲒﵚ»((((((‪ ،‬وسيأتينا الحق ًا((( بعض نصوص التوراة التي ّ‬
‫ونجاسة كل ما تجلس عليه أو تالمسه‪.‬‬
‫وما نقوله في الحائض يجري بعينه في الجنب‪ّ ،‬‬
‫فإن الجنابة ال توجب قذارة اإلنسان‬
‫أن أبا هريرة كان جنب ًا‬
‫الجنب في روحه ونفسه‪ ،‬كما يشهد بذلك ما ورد في الحديث من ّ‬
‫ثم جاء إلى‬ ‫فلقي النبي(ص) في بعض طرق المدينة فذهب إلى بيته مستخفي ًا‪ ،‬فاغتسل ّ‬
‫النبي(ص)‪ ،‬فسأله النبي(ص) أين كنت؟ قال‪ :‬كنت جنب ًا فكرهت أن أجالسك وأنا على غير‬
‫طهارة! فقال(ص)‪« :‬سبحان الله إن المؤمن ال ينجس»(((‪ .‬وقوله(ص)‪« :‬المؤمن ال ينجس»‬
‫مطلق‪ ،‬فيشمل الحائض وإن كان مورده الجنب‪.‬‬

‫األذى والقذر‬
‫ولكن قد يقال‪ّ :‬‬
‫إن في اآلية المباركة تعبيرين يدالن على قذارة المرأة في حال الحيض‪،‬‬
‫والتعبيران هما‪:‬‬
‫التعبير األول‪ :‬هو قوله تعالى في وصف المحيض‪ :‬ﵛﲕ ﲖﵚ وقد ُف ّسر األذى‬
‫بالقذر‪ ،‬ويؤيد هذا التفسير قوله تعالى‪ :‬ﭐﵛﭐﲸﲹ ﲺ ﲻ ﲼﵚ(((‪ ،‬فقد ُف ِّسر األذى في هذه اآلية‬
‫أن األذى اسم يقع على النجاسات‪ ،‬قول النبي (ص)‪:‬‬ ‫ّ‬
‫«ويدل على ّ‬ ‫بال ُق َّمل(((‪ ،‬قال الجصاص‪:‬‬

‫  جامع البيان للطبري‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.715‬‬ ‫(((‬


‫ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.222‬‬ ‫(((‬
‫  أحكام القرآن للجصاص‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.409‬‬ ‫(((‬
‫  الحظ الملحق رقم (‪.)2‬‬ ‫(((‬
‫ صحيح البخاري‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪ ،75‬وصحيح مسلم‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.194‬‬ ‫(((‬
‫ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.196‬‬ ‫(((‬
‫  أحكام القرآن‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪ ،408‬وهو مستفاد من بعض األخبار‪ ،‬انظر‪ :‬الكافي‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪.358‬‬ ‫(((‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪244‬‬
‫«إذا أصاب نعل أحدكم أذى فليمسحها باألرض ول ُي َص ِّل فيها‪ ،‬فإنّه لها طهور» ‪ّ ،‬‬
‫فسمى‬ ‫(((‬

‫النجاسة أذى»(((‪.‬‬
‫ولكن يالحظ عليه‪:‬‬
‫إن األذى بحسب المفهوم اللغوي والمتبادر العرفي هو غير القذر‪ .‬أجل‪ّ ،‬‬
‫إن القذر‬ ‫أوالً‪ّ :‬‬
‫ال ‪ -‬مؤذي ٌة بسبب ّ‬
‫تقذر النفس منها‪ ،‬ولكن ال‬ ‫ً‬
‫منشأ لألذى‪ ،‬فرائحة النفايات ‪ -‬مث ً‬ ‫قد يكون‬
‫أن اآلية المباركة التي وصفت‬‫موجب لحصر األذى بما يبعث على التقذر‪ .‬ويشهد لذلك ّ‬
‫المحيض باألذى نكّرت لفظ األذى‪ ،‬والتنكير يفيد اإلطالق‪ ،‬فالحيض هو كل ما ُيتأذى منه‪،‬‬
‫سواء تأ ّذت منه المرأة‪ ،‬بسبب مزاجها الخاص في فترة العادة‪ ،‬أو بسبب ّ‬
‫أن العالقة معها في‬
‫هذه األثناء توجب لها بعض الضرر‪ ،‬كما ثبت ذلك من خالل العلم الحديث‪ ،‬أو تأذى منه‬
‫الرجل إيذا ًء مادي ًا في حال مقاربة المرأة في هذه الحالة‪ ،‬أو معنوي ًا بسبب نفوره النفسي من‬
‫المقاربة في تلك الحال‪.‬‬
‫القمل باألذى‪ ،‬فهو من باب تسمية الشيء بما يؤول إليه ويتس ّبب به‪ ،‬حيث‬ ‫وأما تسمية ّ‬
‫القمل يتسبب باألذى‪ ،‬وكذلك تسمية القذارة التي َت ْع َل ُق ِ‬
‫بالر ْج ِل باألذى إنّما هو من جهة‬ ‫إن َّ‬‫ّ‬
‫أنّها تبعث على األذى‪.‬‬
‫يدل على قذارة المرأة‬‫أن المقصود باألذى هو القذر حصر ًا‪ ،‬فهذا ال ّ‬
‫ثاني ًا‪ :‬لو س ّلمنا ّ‬
‫نفسها‪ ،‬فالوصف هو للدم ال لصاحبته‪ ،‬قال العالمة البالغي‪« :‬وال بدّ في قوله‪ :‬ﵛﲔ ﲕ‬
‫فإن الحيض بمعناه المصدري ليس قذر ًا يجتنبه الرجال‪،‬‬ ‫ﲖﵚ((( من نحو من االستخدام‪ّ ،‬‬
‫وإنّما القذر واألذى هو الدم‪ .‬ويحسن هذا االستخدام بشدّ ة المالبسة واالستغناء به عن‬
‫التصريح باسم دم الحيض المستقذر»(((‪.‬‬
‫التطهر والطهارة أكثر من مرة‪ ،‬وهي‪« :‬حتى يطهرن»‪،‬‬
‫ّ‬ ‫التعبير الثاني‪ :‬استخدام اآلية للفظ‬
‫أن الحائض هي كائن نجس وقذر ويحتاج إلى‬ ‫ب المتطهرين»‪ ،‬ما يعني ّ‬ ‫ِ‬
‫تطهرن»‪ ،‬و« ُيح ُّ‬
‫و«فإذا ّ‬

‫فلينظر‪ ،‬فإن رأى‬


‫ْ‬ ‫  ورد الحديث في المصادر الحديثية على الشكل التالي‪« :‬إذا جاء أحدكم إلى المسجد‬ ‫(((‬
‫في نعليه قذر ًا أو أذى فليمسحه وليصل فيهما»‪ ،‬سنن أبي داود‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.154‬‬
‫  أحكام القرآن‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.408‬‬ ‫(((‬
‫  سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.222‬‬ ‫(((‬
‫  آالء الرحمن‪ ،‬ج‪ 1‬ص ‪.198‬‬ ‫(((‬
‫‪245‬‬ ‫المحور الخامس‪ :‬ما روي عن علي‪ ‬في ذ ّم المرأة‬
‫الطهارة‪ ،‬فنجاسة وقذارة الدم تتسببان بقذارة ونجاسة صاحبة الدم‪ ،‬ولهذا ُأمرت الحائض‬
‫بالطهارة‪ .‬والقذارة المعنوية المتأتية عن حالة الحيض هي أشدّ من القذارة المادية المنحصرة‬
‫في خصوص الدم‪.‬‬
‫إن النجاسة الماد ّية للدم مس ّلمة‪ ،‬وهي نجاسة ال تنحصر بدم الحيض‪،‬‬ ‫ويالحظ عليه‪ّ :‬‬
‫تعم كل دم‪ ،‬وهي توجب تطهير ما المس هذا الدم من أجزاء البدن أو الثياب‪ ،‬ومن‬ ‫بل ّ‬
‫أن لألمر اعتبارات صح ّية‪ ،‬تتصل باحتمال اشتمال الدم وال سيما دم الحيض على‬ ‫المرجح ّ‬
‫بعض الجراثيم‪ ،‬هذا ناهيك عن أنّه سبب لالستقذار العرفي‪ ،‬ور ّبما انبعاث الروائح الكريهة‪،‬‬
‫ولذا فتطهير الجسد من دم الحيض وكذا الثياب هو أمر مفهوم جد ًا‪ ،‬بل هو مدعاة لتقدير‬
‫هذا الموقف الشرعي‪ ،‬ألنّه يؤكد حرص اإلسالم على نظافة اإلنسان والعناية بصحته‪ .‬وأ ّما‬
‫األمر بتطهير الجسد بأجمعه وهو ما ُيعرف بال ُغ ْسل والذي هو واجب شرعي وال مفر منه‬
‫حتى بعد َغ ْسل الحائض لألماكن الخاصة التي المسها دم الحيض‪ ،‬فهو ‪ -‬أي ال ُغ ْسل ‪ -‬كما‬
‫أنّه ال يكشف عن نجاسة البدن ‪ -‬في األماكن التي لم يالمسها الدم ‪ -‬نجاسة ماد ّية‪ ،‬فإنّه ال‬
‫أن المرأة الحائض هي في حالة نجاسة واستقذار معنوي يجعلها منبوذة عند‬ ‫يدل أيض ًا على ّ‬‫ُّ‬
‫بالتطهر والغسل هو تكليف شرعي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الله أو غير مؤهلة لالتصال الروحي به‪ ،‬وإنّما األمر‬
‫وقد تكون الحكمة فيه أنّه وبعد هذه الدورة الشهرية وما يرافقها من تعب وإرهاق وتقلبات‬
‫فإن ال ُغ ْسل سوف يساعد على راحتها‪ ،‬ويهيئها للخروج من حالة‬ ‫مزاج ّية ونفس ّية لدى المرأة‪ّ ،‬‬
‫إلى أخرى جسدي ًا ونفسي ًا‪ .‬ور ّبما يرمز الغسل ‪ -‬أيض ًا ‪ -‬إلى أدب شرعي خاص‪ ،‬مفاده ّ‬
‫أن‬
‫على اإلنسان أن يكون أثناء لقاء الله على حالة خاصة من الطهارة الروح ّية التي يوفرها الغسل‬
‫ويريد الله لعباده أن يكونوا عليها أثناء تواصلهم معه‪ ،‬وهذا ال يختص بالحائض بل يجري‬
‫إن ذلك يشمل المحدث بالحدث األصغر‪،‬‬ ‫في الجنب وكل محدث بالحدث األكبر‪ ،‬بل ّ‬
‫مس آيات القرآن الكريم‪ .‬فالمحدث‬ ‫فإنّه مأمور أيض ًا بالوضوء مقدمة للصالة‪ ،‬أو من أجل ّ‬
‫باألصغر ليس في حالة قذارة مادية‪ ،‬وهذا واضح‪ ،‬وال في حالة قذارة معنوية تمنعه وتحجبه‬
‫عن التواصل مع الله تعالى‪ ،‬ولذا جاز له الدعاء وتالوة القرآن واالستغفار وهو في حالته‬
‫إن الطهارة الوضوئية قد تجعله أكثر لياقة لالتصال بالله تعالى‪ ،‬وقد ألزمه الله‬‫تلك‪ .‬أجل‪ّ ،‬‬
‫تعالى أن يكون على هذه الحالة من اللياقة أثناء الصالة والطواف دون غيرهما من العبادات‪.‬‬
‫إن العبد إنّما يمتثل حكم ًا شرعي ًا عندما يغتسل أو يتوضأ استعداد ًا‬
‫وقصارى القول‪ّ :‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪246‬‬
‫للعبادة‪ ،‬وهذا الحكم الشرعي ليس مرده إلى قذارة العبد الروح ّية أو المعنوية بما يحجبه‬
‫عن لقاء الله تعالى ويجعله ممنوع ًا من التواصل معه‪ ،‬وغير مؤهل لدخول ساحة القرب‬
‫أن العبد سيغدو أكثر لياقة واستعداد ًا للقاء الله‬
‫المعنوي‪ ،‬بل ر ّبما كان السر في ذلك كامن ًا في ّ‬
‫واالتصال به‪ .‬والله العالم‪.‬‬
‫الدفاع الثاني‪ :‬نقص اإليمان مرجعه إلى نقص ذاتي‬
‫أن سقوط التكليف لنو ٍع من‬ ‫قال المجلسي‪« :‬وقعودهن وإن كان بأمر الله تعالى إال ّ‬
‫النقص فيه ّن‪ ،‬وكذا الحال في الشهادة والميراث»(((‪ .‬فالمجلسي في كالمه هذا ال يريد‬
‫إن الحائض هي في حالة قذارة تمنعها من القرب المعنوي من الله تعالى‪ ،‬وال يزعم‬ ‫القول‪ّ :‬‬
‫أن نقص اإليمان يتحقق بمجرد تركها للصالة والصيام‪ّ ،‬‬
‫فإن تركها للعبادة هو بأمر الله‬ ‫أيض ًا ّ‬
‫تعالى‪ ،‬فال يصلح مجرد الترك ‪ -‬مع كونها مأمورة شرع ًا به ‪ -‬لتفسير وتوجيه نقص اإليمان‪،‬‬
‫إن نقص إيمانها المتمثل بتركها للعبادة كاشف أو باألحرى منطلق من‬ ‫وإنّما يريد القول‪ّ :‬‬
‫شيء أعمق وهو ضعفها أو نقصها الذاتي المتأصل فيها «بحيث يكون القعود عن الصالة أثر ًا‬
‫من آثاره وكاشف ًا عن كواشفه كشف المعلول عن علته»‪ ،‬كما ذكر بعض العلماء رحمه الله(((‪.‬‬
‫ويالحظ عليه‪:‬‬
‫إن هذا التفسير خالف ظاهر النص‪ ،‬ومعلوم ّ‬
‫أن الظاهر هو الميزان في التفهيم والتفاهم‬ ‫ ) أ ّ‬
‫ب‬ ‫تتم محاكمة النصوص‪ ،‬والظاهر من كالمه‪ّ ‬‬
‫أن نقص اإليمان ُمس َّب ٌ‬ ‫وعلى ضوئه ُّ‬
‫عن ترك الصالة والصيام‪ ،‬وليس مسبب ًا عن علة أخرى وراء ذلك‪ ،‬بحيث يكون ترك‬
‫الصالة والصيام مجرد عنوان مشير إليها‪.‬‬
‫فإن إرجاع النقص إلى صفة تكوين ّية ال يمكن جعله تفسير ًا مقبوالً‬ ‫ ) ب لو سلمنا بما قيل‪ّ ،‬‬
‫ألن النقص الناشئ عن صفة تكوينية ال تُالم المرأة عليه وال تُذم‪،‬‬ ‫لنقصان إيمان المرأة؛ ّ‬
‫إن رمي أحد‬ ‫أن الحديث ‪ -‬في رميها بالنقص ‪ -‬وارد مورد الذم‪ ،‬وبكلمة ثانية‪ّ :‬‬ ‫مع ّ‬
‫بالنقص ولومه عليه إنّما يجوز أو يستساغ إذا كان قادر ًا على تخطي هذا النقص نحو‬
‫عندئذ لرميه بالنقص وال لومه عليه!‬‫ٍ‬ ‫الكمال‪ ،‬وأ ّما مع كون نقصه ذاتي ًا وتكويني ًا فال مبرر‬
‫إن نقص إيمانها إذا كان ناشئ ًا من صفة تكوينية متأصلة فيها‪ ،‬فمن‬
‫على أنّه يمكن القول‪ّ :‬‬

‫(((   بحار األنوار‪ ،‬ج‪ 32‬ص‪248‬‬


‫(((   ما وراء الفقه‪ ،‬ج ‪ 9‬ص ‪.219‬‬
‫‪247‬‬ ‫المحور الخامس‪ :‬ما روي عن علي‪ ‬في ذ ّم المرأة‬
‫المفترض بهذا السبب التكويني أن ال يتخ ّلف عن التأثير‪ ،‬أي ال بدّ أن يكون مانع ًا من عروج‬
‫المرأة واتصالها الروحي بالله أثناء العادة مطلق ًا‪ ،‬وبكل أشكال التواصل‪ ،‬مع ّ‬
‫أن األمر ليس‬
‫ثمة ما يمنع المرأة من العروج والتواصل‬ ‫يدل على أنّه ليس ّ‬‫كذلك‪ ،‬فقد ورد في الشريعة ما ّ‬
‫الروحي المذكور‪ ،‬بغير واسطة الصالة والصوم‪ ،‬وقد ذكروا أنّه يستحب لها الذكر والتسبيح‬
‫والدعاء(((‪ ،‬فلو لم تكن مؤهل ًة للتواصل الروحي مع الخالق فال معنى لدعوتها لفعل ذلك‬
‫على نحو االستحباب‪..‬‬
‫إن سألت‪ :‬إذا كانت الحائض مؤهلة للعروج الروحي وليست ممنوعة منه‪ ،‬فكيف‬
‫تفسرون سقوط الصالة والصيام عنها وعن النفساء؟‬
‫ِّ‬
‫قلت‪ :‬ربما يكون مر ّد سقوط الصالة والصوم عن المرأة الحائض إلى نوع من التخفيف‬
‫ألن الحيض يترافق مع تغيرات في الحالة المزاجية‬ ‫الشرعي عنها رأفة بها ومراعاة لحالها؛ ّ‬
‫لدى المرأة وتصاحبه بعض اآلالم واألوجاع‪ ،‬وقد ع ّبر عنه القرآن الكريم تعبير ًا مختصر ًا‬
‫خفف الله تعالى عن الحائض‪ ،‬وهو‬ ‫وداالً فقال‪ :‬ﵛﲕ ﲖﵚ‪ ،‬وعليه يكون من الطبيعي أن ي ِ‬
‫ُ‬
‫تخفيف ُأريد لها االلتزام به‪ ،‬ألنّه هد ّية من الله تعالى‪ ،‬وهدية الله ال تر ّد‪ ،‬نظير هديته في‬
‫ٌ‬
‫ٍ‬
‫عزيمة ال رخصة‪.‬‬ ‫تخفيف‬
‫ُ‬ ‫التخفيف على المسافر‪ ،‬بترك الصيام وقصر الصالة‪ ،‬فهو‬
‫قوة العاطفة‬
‫الدفاع الثالث‪ :‬نقص اإليمان مرده إلى ّ‬
‫قو ِة عاطفتها‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫ونقص عقلها‪ ،‬قال‬ ‫نقص اإليمان لدى المرأة إلى ّ‬ ‫بعض الفقهاء َ‬ ‫و ُي ْر ِج ُع ُ‬
‫رحمه الله‪« :‬إذا كانت الروح هي بيت العقل‪ ،‬والنفس هي بيت العواطف استطعنا أن نقول‪:‬‬
‫أقل روحي ًا من نوع الرجل ‪-‬بالمعنى‬‫إن نوع المرأة ‪ -‬وليس جميع األفراد على اإلطالق ‪ّ -‬‬ ‫ّ‬
‫أن معنى قوة العاطفة هو زيادة االهتمام‬‫نفسه‪ -‬وأعلى نفسي ًا‪ ،‬أي أقوى عاطفي ًا‪ ،‬وإذا فهمنا ّ‬
‫بالدنيا ومالها وجمالها وحمل هموم عوارضها وبالئها‪ ،‬إذن نجد من المنطقي أنّه يجب أن‬
‫أقل إيمان ًا من الرجل‪ ،‬لوضوح أنه كلما ازداد اهتمام الفرد بالدنيا كان ذلك‬ ‫تكون المرأة َّ‬
‫عالمة على نقصان إيمانه‪ ،‬حتى ما إذا كانت الدنيا أقصى همه ومبلغ علمه‪ ،‬كان ال إيمان له‬
‫تقريب ًا أو تحقيق ًا‪ ،‬وهذا أمر ال يختلف فيه الجنسان»(((‪.‬‬

‫(((   قال السيد الخوئي رحمه الله‪« :‬يستحب لها الوضوء في وقت كل صالة واجبة‪ ،‬والجلوس في مكان‬
‫طاهر مستقبلة القبلة‪ ،‬ذاكرة الله تعالى‪ ،‬واألولى اختيار التسبيحات األربع»‪ ،‬انظر‪ :‬منهاج الصالحين‪،‬‬
‫ج‪ 1‬ص‪.64‬‬
‫(((   ما وراء الفقه‪ ،‬ج‪ 9‬ص‪.219‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪248‬‬
‫أن هذا الكالم ‪ -‬مضاف ًا إلى كونه خالف الظاهر من قول اإلمام‪ - ‬غير تام في‬ ‫بيد ّ‬
‫قوة العاطفة ليس من الواضح أنّها تنعكس ضعف ًا في اإليمان وتقلل من إقبال العبد‬ ‫نفسه؛ ّ‬
‫ألن ّ‬
‫قوة العواطف‬ ‫على الله تعالى‪ ،‬وتزيد في إقباله على الدنيا‪ ،‬بل ربما كان األمر بالعكس‪ّ ،‬‬
‫فإن ّ‬
‫ال للقضايا الروح ّية‪ ،‬وأكثر تجاوب ًا معها‪ ،‬بخالف األشخاص الذين‬ ‫تجعل اإلنسان أشدّ مي ً‬
‫فإن ذلك ‪ -‬في بعض مستوياته ‪ -‬قد يؤثر سلب ًا على روحيتهم‪.‬‬ ‫تتحكّم بهم األفكار العقلية‪ّ ،‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬نقصان الحظوظ‬


‫بأن مواريثهن على األنصاف من‬ ‫وبرره الحديث ّ‬‫الفقرة الثانية‪« :‬نقصان الحظوظ»‪ّ ،‬‬
‫مواريث الرجال‪ ،‬وهو بذلك يشير إلى قوله تعالى‪ :‬ﵛﭐﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇﲈ ﲉ‬
‫ﲊ ﲋﵚ(((‪ ،‬وتعليقنا على هذه الفقرة أنّها لو كانت ترمي إلى ذ ّم المرأة بسبب ذلك‬
‫ألن نقصان حظوظهن جاء من قبل التشريع‬ ‫كما يوحي به سياق الحديث فهو غير مفهوم؛ ّ‬
‫المشرع نفسه‪ ،‬وهذا ما سوف يشكّل سبب ًا‬
‫ِّ‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬فيرجع اإلشكال في المآل إلى حكمة‬
‫إضافي ًا للتشكيك في صدور الحديث عن أمير المؤمنين‪ .‬وأ ّما لو كانت الفقرة المذكورة‬
‫وأن نصيب المرأة في الميراث على النصف من‬ ‫ال ترمي سوى إلى توصيف واقع الحال ّ‬
‫نصيب الرجل دون أن تذ َّمها على ذلك‪ ،‬فعندها تخرج هذه الفقرة عن دائرة التشكيك في‬
‫شك في انتسابه‬‫ألن المضمون الذي تحمله هو مضمون قرآني وال ّ‬ ‫صدورها عن اإلمام‪ّ ،‬‬
‫إلى التشريع اإلسالمي‪ .‬أجل‪ ،‬يبقى أنّه كيف نفهم هذا التشريع نفسه والذي يعطي الرجل‬
‫ضعف األنثى في الميراث؟ أليس في ذلك ُظ ٌ‬
‫لم للمرأة؟‬
‫أن شبهة ظلم المرأة إنّما نشأت من النظرة‬ ‫والجواب على ذلك كما أشرنا سابق ًا‪ ،‬هو ّ‬
‫التجزيئية إلى مسألة الميراث‪ ،‬وأ ّما لو نظرنا إلى األمور نظرة شمول ّية ووضعنا مسألة ميراث‬
‫فإن اإلشكال المذكور‬ ‫المرأة في سياق المنظومة المال ّية العامة توزيع ًا وإنفاق ًا ومسؤوليات‪ّ ،‬‬
‫ألن المرأة وإن ُأعطيت في الميراث نصف ما ُيعطى الرجل‪ ،‬بيد أنّها لم تك ّلف‬ ‫سوف يندفع؛ ّ‬
‫مسؤولية اإلنفاق بالقدر الذي يتحمله الرجل‪ ،‬فالرجل مسؤول عن اإلنفاق على زوجته‬
‫وتأمين احتياجاتها في المسكن والمأكل والمشرب والملبس‪ ..‬حتى لو كانت الزوجة غن ّية‬
‫أن الرجل مسؤول عن‬ ‫ومكتفية‪ ،‬أ ّما هي فال تلزم شرع ًا باإلنفاق عليه حتى لو كان فقير ًا‪ ،‬كما ّ‬
‫اإلنفاق على أوالده ذكور ًا وإناث ًا في مأكلهم ومشربهم وملبسهم ومسكنهم وكل ما ينوبهم‪،‬‬

‫(((  سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.11‬‬


‫‪249‬‬ ‫المحور الخامس‪ :‬ما روي عن علي‪ ‬في ذ ّم المرأة‬
‫فإن الرجل مك ّل ٌ‬
‫ف بدفع المهر لزوجته بينما ال ُيرتِّب‬ ‫وال تك َّلف هي بشيء من ذلك‪ ،‬وكذلك ّ‬
‫أن التشريع لم يظلم المرأة‬ ‫الزواج أي أعباء مالية على المرأة‪ .‬وفي ضوء ما تقدم يتضح ّ‬
‫إطالق ًا‪ ،‬بل إنّها في المآل قد تكون أفضل حاالً من الرجل في مجال توزيع التركة‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬نقصان العقل‬


‫الفقرة الثالثة‪« :‬نقصان العقول» وقد برره الحديث المذكور بالقول‪« :‬وأ ّما نقصان‬
‫عقوله ّن فشهادة امرأتين كشهادة الرجل الواحد»‪.‬‬
‫وتحقيق الكالم في هذه الفقرة يفرض علينا الحديث في نقطتين‪:‬‬
‫األولى‪ :‬التوقف عند فكرة نقصان عقل المرأة‪ ،‬فهل ّ‬
‫أن المعطيات والوقائع تساعد على‬
‫صحة ذلك؟‬
‫يصح االستشهاد على ضعف عقل المرأة ّ‬
‫بأن شهادتها تساوي نصف شهادة‬ ‫الثانية‪ :‬هل ُ‬
‫الرجل؟‬
‫النقطة األولى‪ :‬كيف نفهم ضعف عقل المرأة؟‬
‫وتواجهنا عدّ ة أسئلة على هذا الصعيد‪ ،‬ومن أهمها‪:‬‬
‫‪--1‬ما هو المؤشر الذي يثبت ضعف عقل المرأة؟‬
‫‪--2‬ما المعيار الذي يمكن في ضوئه معرفة ضعف عقلها؟ هل المسألة هي من القضايا الغيب ّية‬
‫التي تُتلقى من الوحي أم ّ‬
‫إن المعطيات الواقعية لها دورها األساس في معرفة ذلك؟‬
‫ضعف في عقلها الفطري أم في عقلها المكتسب؟‬
‫ٌ‬ ‫‪--3‬كيف نفهم ضعف عقلها؟ فهل هو‬
‫صح ‪ -‬عن ضعف عقلها صادر عنه على سبيل القاعدة العامة‬ ‫إن حديث اإلمام ‪ -‬لو ّ‬ ‫‪--4‬هل ّ‬
‫العابرة للزمان والمكان‪ ،‬أم إنّه ناظر إلى واقع المرأة التاريخي والظروف التي أحاطت‬
‫بها وأبقتها في مستنقع الجهل واألم ّية ولم تمكّنها من تنمية عقلها؟‬
‫ونبدأ باإلجابة على هذه األسئلة تباع ًا‪:‬‬
‫ّأما السؤال األول‪ ،‬فقد أحال الكثيرون في اإلجابة عليه على الواقع‪ ،‬باعتبار ّ‬
‫أن الملحوظ‬
‫أن عقل النساء ال يرقى إلى عقل الرجال‪ ،‬وقد أوضح السيد المرتضى (رحمه الله)‬ ‫خارج ًا ّ‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪250‬‬
‫أندر عقوالً من الرجال‪ّ ،‬‬
‫وأن النجابة‬ ‫أن النساء ُ‬ ‫هذا األمر قائالً‪« :‬وأما نقصان العقل‪ ،‬فمعلو ٌم ّ‬
‫والليانة (اللياقة) إنما يوجدان فيه ّن في النادر الشاذ‪ ،‬وعقالء النساء وذوات الحزم والفطنة‬
‫منهن معدودات‪ ،‬و َم ْن بهذه الصفة ِم َن الرجال ال يحصى كثرة‪ .‬ويمكن ‪ -‬أيض ًا ‪ -‬أن يقال‬
‫في نقصان الدين مثل هذا الوجه‪ ،‬فإنّه لما كان األغلب عليهن ضعف الدين وقلة البصيرة‬
‫فيه‪ ،‬نسب إليهن ذلك على األكثر األغلب‪ .‬وال يطعن على هذا الوجه َم ْن علمناه على غاية‬
‫العقل في الدين والكمال فيما يعود إليه‪ ،‬مثل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله‬
‫وعليها‪ ،‬وخديجة بنت خويلد‪ ،‬ومريم بنت عمران‪ّ .‬‬
‫ألن كالمنا على األغلب األكثر‪ ،‬و َم ْن‬
‫عرفناه بالفضل في الدين من النساء قليل العدد َع ِس ُر الوجود»(((‪.‬‬
‫ولك ّن هذا المؤشر الذي يحيلنا على الواقع الخارجي ال يصلح شاهد ًا حاسم ًا في‬
‫أن ندرة النساء ذوات العقل والحكمة‬ ‫المسألة‪ ،‬بل قد يكون يكون شاهد ًا معاكس ًا‪ ،‬على اعتبار ّ‬
‫مر التاريخ‪ ،‬ما جعلها بعيدة كل‬ ‫يمكن إرجاعها إلى حالة التهميش التي عاشتها المرأة على ّ‬
‫البعد عن مصادر المعرفة‪ ،‬ومستغرقة بالصغائر وهوامش األمور‪ ،‬وتخ ِّطط للوصول إلى‬
‫القوة‬
‫أن اإلنسان القديم كان يعتمد ّ‬ ‫مرادها بالكيد والمكر‪ ،‬وربما كان منشأ ذلك التهميش هو ّ‬
‫أن ضعف المرأة أمام قوة الرجل الجسد ّية جعلها‬ ‫لقهر اآلخرين والسيطرة عليهم‪ ،‬ومعلوم ّ‬
‫ثم أكّد سيطرته بوضع القوانين وصياغة األفكار ودخل ذلك في‬ ‫تابعة له ومقهورة إلرادته‪ّ ،‬‬
‫فكرس مظلوم ّية المرأة على امتداد التاريخ(((‪ ،‬ومما يشهد ‪ -‬بشكل قاطع ‪ -‬لما ذكرناه‬‫العادات ّ‬
‫أن هذا الواقع التاريخي ال يصلح إلعطاء قاعدة عامة في هذا المجال أننا رأينا الصورة‬ ‫من ّ‬
‫قد اختلفت وتبد ّلت جذري ًا عندما أتيحت الفرصة وفتحت األبواب أمام المرأة للدخول إلى‬
‫ميادين المعرفة والعلم‪ ،‬فقد برعت في شتى المجاالت العلم ّية‪ ،‬وأثبتت جدراتها على أكثر‬
‫من صعيد‪ ،‬ونافست الرجال حتى فيما كان ُيعدّ حقوالً تخصص ّية ال تدخلها اإلناث وإنّما هي‬
‫حكر على الرجال‪.‬‬
‫واما السؤال الثاني‪ ،‬فقد أجاب بعض العلماء عليه قائالً‪« :‬م ْن قال‪ :‬إنّه ال يوجد اختالف‬
‫ّ‬
‫في حقيقة وجوهر عقل المرأة عن جوهر وحقيقة عقل الرجل‪ّ .‬‬
‫فإن معرفة هذا األمر غير‬
‫متيسرة لنا‪ ،‬فال بدّ أن نرجع فيها إلى الله ورسوله‪ ،‬وأهل بيته الطاهرين؟!»(((‪.‬‬

‫(((   رسائل الشريف المرتضى‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪.123‬‬


‫(((   انظر‪ :‬موسوعة اإلمام الصدر‪ ،‬ج ‪11‬ص ‪.487‬‬
‫(((   مختصر مفيد‪ ،‬ج‪ 10‬ص‪.123‬‬
‫‪251‬‬ ‫المحور الخامس‪ :‬ما روي عن علي‪ ‬في ذ ّم المرأة‬
‫إن أمر العقل ليس غيبي ًا ليكون المرجع في معرفته إلى‬ ‫وتعليق ًا على ذلك يمكننا القول‪ّ :‬‬
‫خصوص الوحي وما يرد عن المعصومين حوله‪ ،‬ولذا يمكن اختبار العقل ومعرفة درجته‪،‬‬
‫أن باإلمكان أن‬ ‫شدّ ة وضعف ًا‪ ،‬من خالل التجربة‪ .‬إننا قد ال ندرك كنه العقل وحقيقته‪ ،‬بيد ّ‬
‫نعرفه من خالل آثاره‪ ،‬ولذا ترانا نم ّيز العاقل من المجنون‪ ،‬كما أننا نصنّف العقالء إلى َم ْن‬
‫هو حا ّد الذكاء و َم ْن هو عادي في ذكائه‪ ،‬و َم ْن هو ضعيف الذكاء‪ ،‬وقد ع ّلمتنا معطيات الحياة‬
‫أن عقلها ليس بأضعف من‬ ‫وتجاربها ودخول المرأة في معترك األعمال الفكر ّية والعقل ّية ّ‬
‫عقل الرجل بشكل عام وشامل‪ ،‬نعم قد يبرع الرجل في بعض المجاالت أكثر من المرأة‪،‬‬
‫بينما تبرع المرأة في مجاالت أخرى‪ ،‬وما زالت التجارب تنبئنا كل يوم بجديد على هذا‬
‫الصعيد‪ ،‬ولذا فالمسألة تبقى مفتوحة ومرهونة لما تثبته التجارب في قادم األيام‪.‬‬
‫ثمة معطيات علم ّية تُنسب إلى أهل الخبرة واالختصاص‪ ،‬وهي تتحدث عن ّ‬
‫أن‬ ‫أجل‪ّ ،‬‬
‫ثمة فوارق بينهما في الوزن والحجم‪،‬‬ ‫أقل من دماغ الرجل بحدود ‪ ،10%‬كما ّ‬
‫أن ّ‬ ‫دماغ المرأة ّ‬
‫وهذا األمر يعني حكم ًا ّ‬
‫أن خاليا دماغ الرجل هي أكثر بكثير (يحكى عن ماليين الخاليا) من‬
‫خاليا دماغ المرأة‪ ،‬وهذا سينعكس بطبيعة الحال على عمل الدماغ وفاعليته‪.‬‬
‫وهذا الكالم ال بدّ من متابعته بدقة وعناية‪ ،‬فقد يكشف لنا الكثير من الغموض في‬
‫ثمة ما يؤكد ّ‬
‫أن هذا االختالف في حجم الدماغ يدعم‬ ‫المقام‪ ،‬ولكن بالرغم من ذلك فليس ّ‬
‫تفوق الرجل عقلي ًا‪.‬‬
‫فكرة ّ‬
‫وأما السؤال الثالث‪ :‬ففي مقام اإلجابة عليه‪ ،‬فقد أرجع بعض العلماء ضعف عقلها إلى‬
‫ّ‬
‫العاملين أو السببين المذكورين مع ًا‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫السبب األول‪ :‬ما اصطلح عليه بأنّه «سبب من داخل‪ ،‬وهو نقصان استعداد أمزجته ّن‪،‬‬
‫تصرف العقل كما يقبله مزاج الرجل»‪ ،‬واستشهد على ذلك بقوله‬ ‫وقصوره ّن عن قبول ّ‬
‫القوة الذاكرة‬
‫تعالى‪ :‬ﵛﭐﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍﵚ(((‪« ،‬فإنّه ن ّبه على ضعف ّ‬
‫فيه ّن‪ ،‬ولذلك جعل شهادة امرأتين بشهادة رجل واحد»‪.‬‬
‫السبب الثاني‪ :‬ما اصطلح عليه بأنّه «سبب عارض من خارج‪ ،‬وهو ق َّلة معاشرته ّن ألهل‬
‫والتصرفات‪ ،‬وق َّلة رياضته ّن لقواه ّن الحيوان ّية»(((‪.‬‬
‫ّ‬ ‫العقل‬

‫(((  سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.282‬‬


‫(((   شرح نهج البالغة‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.224‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪252‬‬
‫عارض من خارج وال دخل للمرأة فيه‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫سبب‬
‫إن السبب الثاني ‪ -‬هو باعترافه ‪ٌ -‬‬ ‫أقول‪ّ :‬‬
‫ويمكن رفعه من خالل انخراط المرأة في المجال المعرفي والسماح لها بمشاورة ذوي العقول‬
‫واالستفادة من أفكارهم وتجاربهم‪ ،‬ولذا فالمهم هو النظر في السبب األول‪ .‬والحقيقة ّ‬
‫أن ما‬
‫ثمة ما يؤكّد‬
‫نقص أو قصور ذاتي في عقل المرأة هو مجرد ادعاء وليس ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ذكره رحمه الله من‬
‫نرجح القول ّ‬
‫بأن عقلها ال‬ ‫إن المعطيات الواقعية المشار إليها تجعلنا ّ‬ ‫ذلك بشكل حاسم‪ ،‬بل ّ‬
‫يختلف اختالف ًا جوهري ًا عن عقل الرجل‪ ،‬فالعقل الفطري أو ما يسمى ّ‬
‫القوة العاقلة هو في‬
‫المرأة والرجل على حدٍّ سواء‪ ،‬فهما من نفس واحدة‪ ،‬وهما سيان في الخطاب والتكليف‬
‫اإللهي‪ ،‬ولو كان عقلها أنقص من عقله لكان الالزم أن يختلف تكليفها عن تكليفه‪ .‬وإنّما‬
‫القوة‪ّ ،‬‬
‫فإن هذه الطاقة‬ ‫الفرق بينهما في العقل المكتسب‪ ،‬وفي التجارب العلمية التي تنمي تلك ّ‬
‫التي أودعها الله فينا قابلة للتنمية والصقل من خالل الحراك العلمي والمعرفي‪ ،‬كما يؤشر إليه‬
‫توفرت له‬
‫قوله تعالى‪ :‬ﵛﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛﵚ ‪ .‬والرجل قد ّ‬
‫(((‬

‫تنمي‬
‫القوة العاقلة المودعة لديه‪ .‬وأ ّما المرأة فلو تسنّى لها أن ّ‬ ‫مر التاريخ فرصة كبيرة لتنمية ّ‬
‫على ّ‬
‫رجح أن يكون نظر‬ ‫عقلها وملكاتها لفاقت الرجل أو ساوته علم ًا وفقه ًا وأدب ًا وعطا ًء‪ .‬ومن هنا ف ُي ّ‬
‫صحت الرواية ‪ -‬إلى ضعف عقلها المكتسب‪ ،‬وليس عقلها الفطري‪.‬‬ ‫اإلمام‪ - ‬لو ّ‬
‫وأن حديثه‪ ‬عن‬ ‫ومن خالل ذلك يتضح الجواب على السؤال الرابع واألخير‪ّ ،‬‬
‫ضعف إلى عقلها ليس صادر ًا عنه على سبيل القاعدة العامة العابرة للزمان والمكان‪ ،‬وإنما‬
‫هو ناظر إلى واقع المرأة التاريخي والظروف التي أحاطت بها وأبقتها في مستنقع الجهل‬
‫واألم ّية ولم تمكّنها من تنمية عقلها‪.‬‬
‫النقطة الثانية‪ :‬ما هي عالقة العقل بالشهادة؟‬
‫وأما فيما يتصل بما استشهدت به الرواية لتأكيد ضعف عقل المرأة من ّ‬
‫أن شهادتها‬
‫فإن المالحظة األول ّية التي يمكن تسجيلها على هذا السبب‬ ‫تساوي نصف شهادة الرجل‪ّ ،‬‬
‫أن الشهادة أمر حسي وال ترتبط بالعقل ارتباط ًا أساسي ًا ووثيق ًا إال بالمقدار الذي ُيخرج‬
‫هي ّ‬
‫الشاهد عن كونه مجنون ًا أو ال يعي ما يقول وال يم ّيز األمور‪ ،‬وتوفر هذا المقدار من سالمة‬
‫العقل تشترك فيه المرأة مع الرجل‪ ،‬كما يشتركان في سالمة الحواس‪ ،‬ومع كون الشهادة ال‬
‫ترتبط بالعقل‪ ،‬فكيف يمكن إرجاع نقصان العقل لدى النساء إلى أمر يتصل بالشهادة؟!‬

‫(((  سورة العنكبوت‪ ،‬اآلية ‪.43‬‬


‫‪253‬‬ ‫المحور الخامس‪ :‬ما روي عن علي‪ ‬في ذ ّم المرأة‬
‫إن «الشهادة ال ترتبط بقض ّية العقل‪ّ ،‬‬
‫ألن قض ّية الشهادة هي قض ّية سالمة في‬ ‫باختصار‪ّ :‬‬
‫الحس فيما يراه اإلنسان أو يسمعه‪ ،‬وأمانة في النقل»(((‪ ،‬ولذا عندما تصدق الشهادة فإنّما‬ ‫ّ‬
‫فإن ذلك ال يكشف‬ ‫ب في شهادته ّ‬ ‫ِ‬
‫يصدق اإلنسان في قوله ال في تفكيره وعقله‪ ،‬وإذا لم ُيص ْ‬
‫عن ق ِّلة عقله بمقدار ما يكشف عن عدم وثاقته وأمانته في النقل‪ .‬وهذه المالحظة ‪ -‬بطبيعة‬
‫الحال ‪ -‬إنّما ترمي إلى التشكيك في صدور هذا الحديث عن أمير المؤمنين‪ ،‬ألنّه ال‬
‫يمكن أن يتك َّل َم بكال ٍم غير منطقي‪.‬‬
‫ولك ّن هذا الكالم المطروح في هذه المالحظة قد واجه سي ً‬
‫ال من االعتراضات والردود‪:‬‬

‫الر ّد األول‪ :‬طغيان العاطفة يؤثر على سالمة الحواس‬


‫أن ذلك «إنّما يصح في مورد ال تطغى فيه على العقل‬ ‫واالعتراض األول هو ّ‬
‫المؤثرات التي تمنعه من ضبط الوقائع وحفظها سليمة عن النقص‪ ،‬أو عن الزيادات‬
‫والطوارئ التي ربما تخلط بعض األمور ببعضها اآلخر‪ّ ،‬‬
‫فإن بين سالمة الحواس في‬
‫ضبط األمور‪ ،‬وبين أداء الشهادة مرحلة تحتاج إلى مراقبة يؤمن معها عدم ضياع شيء أو‬
‫عدم اختالط األمور ببعضها»(((‪.‬‬
‫ويالحظ عليه‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬س ّلمنا ّ‬
‫بأن لدى المرأة مؤ ّثرات تطغى على عقلها تمنعها من ضبط األمور وتؤثر‬
‫أن المشكلة لدى المرأة ليست في‬ ‫على سالمة الحواس عندها دون الرجل‪ ،‬لك ّن هذا يعني ّ‬
‫يتم‬
‫فلم ال ُّ‬
‫عقلها وال في حواسها وإنّما في تلك المؤثرات التي تؤ ّدي إلى تشتت الحواس‪َ ،‬‬
‫تبرير ضعف العقل بتلك المؤثرات مباشرة‪ ،‬ال بكون شهادتها تعادل نصف شهادة الرجل‪ ،‬أما‬
‫عما قليل‪.‬‬
‫قوله تعالى‪ :‬ﵛﭐﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍﵚ فسنعود إليه ّ‬
‫(((‬

‫ثاني ًا‪ :‬ما هي طبيعة هذه المؤثرات التي تفقد المرأة التركيز وتجعل عقلها أو ذهنها‬
‫مشتت ًا‪ ،‬وتمنعها من ضبط الوقائع وحفظها سليمة عن النقص وعن الزيادة والتي توجب خلط‬
‫األمور بعضها بالبعض؟ هل هي مؤثرات ذاتية تكوين ّية أم إنّها مؤثرات عارضة وتتصل بالبيئة‬

‫(((   كما قال سماحة السيد فضل الله رحمه الله‪.‬‬


‫(((   مختصر مفيد‪ ،‬ج ‪ 10‬ص ‪.120‬‬
‫(((  سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.282‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪254‬‬
‫والظروف المحيطة بالمرأة والتي تزيد من الضغوط عليها؟ وهل ّ‬
‫إن هذه المؤثرات خاصة‬
‫بالمرأة دون الرجل‪ ،‬أو على األقل تكون المرأة أسرع تجاوب ًا معها أكثر من الرجل؟‬
‫لم يحدّ د لنا صاحب الرد المذكور شيئ ًا من ذلك‪ ،‬لننظر فيه ونتحرى ما إذا كان صحيح ًا‬
‫أم ال‪.‬‬
‫قوة‬
‫ولكن ما ُيطرح في العادة من هذه المؤثرات ‪ -‬ور ّبما يكون نظره إليه ‪ -‬هو ّ‬
‫قوة الجانب‬
‫اإلحساسات العاطفية لدى المرأة وغلبتها على الجانب العقلي‪ ،‬ونحن ال ننكر ّ‬
‫العاطفي لدى المرأة‪ .‬وهذا من ألطاف الله تعالى ليس بالمرأة فحسب‪ ،‬بل باإلنسانية جمعاء‪،‬‬
‫فعاطفة المرأة تنشر نفحات الحب في الحياة وتمنح األسرة معاني العطف والرحمة والرفق‪،‬‬
‫قوة العاطفة لدى المرأة تفقدها التركيز أم تضعف تركيزها أم ال تؤثر على‬ ‫لكننا نسأل‪ :‬هل ّ‬
‫إن ّ‬
‫تركيزها إطالق ًا؟‬
‫والجواب‪ :‬لو أنّها أفقدتها التركيز فالالزم هو المنع من قبول شهادتها مطلق ًا‪ ،‬ال جعل‬
‫شهادة امرأتين بمستوى شهادة رجل واحد‪ .‬وأ ّما إذا كانت تضعف تركيزها‪ ،‬فإنّنا نسأل ثانية‪:‬‬
‫أن ضعف التركيز مطر ٌد في‬ ‫هل ذلك م َّط ِر ٌد في كل الوقائع وفي كل النساء؟ ليس من الواضح ّ‬
‫كافة النساء وال في غالبيتهن‪ ،‬والواقع أمامنا يشهد بما نقول‪ .‬وعليه‪ ،‬فالالزم هو التفصيل بين‬
‫إن لدى الرجل من المؤثرات التي تضعف تركيزه في ٍ‬
‫كثير‬ ‫الحاالت والنساء‪ ،‬ثم لقائل أن يقول‪ّ :‬‬
‫من الحاالت بما ال ّ‬
‫يقل عن المرأة‪ ،‬ومن هذه المؤثرات كثرة اهتماماته وانشغاالته‪ ،‬هذه األسئلة‬
‫نطرحها بصرف النظر عن اآلية القرآنية الواردة في شهادة المرأة والتي سيأتي الحديث عنها‪.‬‬

‫الر ّد الثاني‪ :‬لزوم قبول شهادة الصبيان!‬


‫وأورد على تلك المالحظة بإيراد آخر‪ ،‬وهو أنّه «لو كان األمر مرتبط ًا بسالمة الحواس‪،‬‬
‫وباألمانة في النقل وحسب‪ ،‬لكان الالزم قبول شهادة الصبيان المم ّيزين في س ّن الخامسة‬
‫وأقل من ذلك‪ ،‬فكيف إذا كان الصبي في سن الثانية عشرة‪ ،‬والثالثة عشرة‪ ،‬أو‬ ‫والسادسة ّ‬
‫الرابعة عشرة إذا تأكدنا من سالمة الحواس لديه‪ ،‬وعدم الكذب في النقل؟! بل ربما يمكن‬
‫قبول شهادة حتى المجانين في بعض الحاالت والفروض إذا كانوا سليمي الحواس‪ .‬فهل‬
‫يقبل هذا البعض بذلك؟! وقد يتطور األمر لقبول شهادة الببغاء‪ ،‬التي تحكي األقوال كما‬
‫هي!! فهل يرضى ذلك هذا البعض؟!»(((‪.‬‬

‫(((   مختصر مفيد‪ ،‬ج ‪ 10‬ص ‪.120‬‬


‫‪255‬‬ ‫المحور الخامس‪ :‬ما روي عن علي‪ ‬في ذ ّم المرأة‬
‫بأن صاحب المالحظة لم ِ‬
‫ينف الحاجة إلى مستوى‬ ‫ويمكننا التعليق على ذلك‪ّ :‬‬
‫معين من الوعي والتركيز لدى الشاهد‪ ،‬بحيث يكون تحليه بذلك سبب ًا في عدم‬ ‫ٍ‬
‫تشتت نظره وحواسه‪ ،‬وهذا المستوى من الوعي والتركيز موجود لدى المرأة كما هو‬
‫موجود لدى الرجل‪ ،‬ولكنّه ‪-‬أعني صاحب المالحظة‪ -‬رمى إلى القول ّ‬
‫بأن الشهادة‬
‫مر ‪ -‬اتصاالً وثيق ًا بسالمة الحواس‪ ،‬وحيث إنّه ال يبدو ّ‬
‫أن‬ ‫حيث كانت تتصل ‪ -‬كما ّ‬
‫يصح تبرير ضعف العقل لديها بضعف‬ ‫ّ‬ ‫حواس المرأة أضعف من حواس الرجل‪ ،‬فال‬
‫النقض بالطفل الصغير‪ ،‬فض ً‬
‫ال عن المجنون والببغاء؛‬ ‫ُ‬ ‫الحواس؟! وعلى هذا فال يرد‬
‫ألن الطفل ‪ -‬في العادة ‪ -‬ال يمتلك تركيز ًا أو فهم ًا كافيين يؤهالنه للشهادة ويسمحان‬
‫ّ‬
‫اعتماد شهادته أو األخذ بقوله في إدانة اآلخرين أو في إثبات الحقوق‪ ،‬نعم لو كان‬
‫قد بلغ سنّ ًا معينة اكتمل فيها عقله ووعيه بما يسمح له بالتركيز‪ ،‬كما لو بلغ َّ‬
‫سن الثالثة‬
‫فإن رفض شهادته والحال هذه ليس واضح ًا على إطالقه‪ ،‬بل‬ ‫عشرة أو الرابعة عشرة ّ‬
‫ثمة قول فقهي بقبول شهادته ولو في بعض المجاالت‪ ،‬ووردت بعض الروايات الدالة‬
‫على قبول شهادته(((‪.‬‬
‫إن ثمة ترابط ًا مطرد ًا بين ضعف الحواس‬ ‫وفي المحصلة فلسنا نوافق على القول‪ّ :‬‬
‫أن اإلنسان كلما كان أكثر تعق ً‬
‫ال كلما كانت شهادته‬ ‫وضعف العقل‪ ،‬وإال لكان معنى ذلك ّ‬
‫أن األمر ليس كذلك‪ ،‬بل ربما كانت شدَّ ُة العقل ‪ -‬أحيان ًا ‪ -‬مدعاة ومبعث ًا ّ‬
‫لشك‬ ‫أكثر دقة‪ ،‬مع ّ‬
‫المرء في دقة مبصراته ومسموعاته وملموساته وسائر محسوساته‪.‬‬

‫(((   قال الشهيد الثاني‪« :‬اختلف األصحاب في شهادة الصبي‪ ،‬بعد االتفاق على عدم قبول شهادة غير‬
‫المميز‪ .‬ونقل جماعة منهم الشيخ فخر الدين االتفاق على عدم قبول شهادة من دون العشر‪ ،‬والخالف‬
‫فيمن زاد عن ذلك‪ .‬فالمشهور بينهم عدم قبول شهادته مطلق ًا إال في الجراح والقتل‪ .‬أما عدم القبول‬
‫في غيرهما فلعموم قوله تعالى‪ :‬ﵛﭐﱹ ﱺ ﱻ ﱼﵚ [البقرة ‪ ،]282‬ولفظ الرجال ال يقع‬
‫وألن الصبي ال يقبل قوله على نفسه‪ ،‬فأولى أن ال يقبل [قوله] على غيره بالشهادة‪.‬‬‫ّ‬ ‫على الصبيان‬
‫وأما استثناء الجراح والقتل فلحسنة جميل قال‪ :‬قلت ألبي عبد الله‪« :‬تجوز شهادة الصبيان‪،‬‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬في القتل يؤخذ بأول كالمه‪ ،‬وال يؤخذ بالثاني منه»‪ .‬ورواية محمد بن حمران عنه‪ ‬وقد‬
‫سأله عن شهادة الصبي‪ ،‬قال‪« :‬فقال‪ :‬ال‪ ،‬إال في القتل يؤخذ بأول كالمه‪ ،‬وال يؤخذ بالثاني»‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫الكافي‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪ ،389‬وتهذيب األحكام‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪ .251‬ولفظ الروايتين تضمن القتل‪ ،‬فيمكن أن يدخل‬
‫فيه الجراح بطريق أولى‪ ،‬ومن ثم ذكر األكثر الجراح‪ .‬ومنهم من اقتصر على الجراح‪ ،‬انظر‪ :‬مسالك‬
‫األفهام‪ ،‬ج ‪ 14‬ص ‪ .155‬وتحقيق الكالم في ذلك موكول إلى محله‪.‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪256‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬فال نجد ّ‬
‫أن التجارب الواقع ّية والدراسات اإلحصائ ّية((( المتصلة‬
‫بشهادة المرأة مقارنة بشهادة الرجل تظهر أو تؤيد دعوى ّ‬
‫أن شهادة المرأة أقل إصابة للواقع‬
‫وأكثر عرض ًة للخطأ من شهادة الرجل‪.‬‬

‫الر ّد الثالث‪ :‬القرآن يشهد لضعف عقل المرأة‬


‫ﵛﭐﲈ ﲉ‬ ‫«إن الشهادة في القرآن الكريم قد ع ّللت بتعليل واضح‪ ،‬هو قوله تعالى‪:‬‬
‫ّ‬
‫ﲊ ﲋ ﲌ ﲍﵚ(((‪ ،‬فالقرآن قد ّقرر هذا الضالل والخطأ في جانب المرأة‬
‫دون الرجل‪ ،‬والذي ّ‬
‫يضل ويحتاج إلى التذكير هو عقل اإلنسان‪ ،‬وليس الحواس»(((‪.‬‬
‫أن يكون الحديث المتقدّ م المروي عن أمير المؤمنين‪ ‬والذي هو محل‬ ‫وال يبعد ّ‬
‫البحث ناظر ًا إلى هذه اآلية الكريمة‪ ،‬والتي ّبررت الحاجة إلى شهادة امرأتين بكون المرأة قد‬
‫ضم امرأة أخرى إليها لتذكّرها‪ ،‬والضالل ‪ -‬كما قالوا ‪ -‬بمعنى النسيان‪،‬‬
‫تضل‪ ،‬فتحتاج إلى ّ‬ ‫ّ‬
‫وفي ضوء ما قررته هذه اآلية يكون تبرير اإلمام علي‪ ‬لنقصان عقل المرأة بنقصان شهادتها‬
‫أن النسيان هو ضعف في الذاكرة‪ ،‬وهذه‬ ‫‪ -‬بالمقارنة مع شهادة الرجل ‪ -‬مفهوم ًا‪ ،‬على اعتبار ّ‬
‫من أمراض العقل ال الحواس‪ ،‬فالحواس قد تكون سليمة ولكن ضعف الذاكرة يؤثر على‬
‫سالمة الشهادة وصوابيتها‪ ،‬وعلى تركيز الحواس وإصابتها‪.‬‬
‫أن غير واحد من المفسرين((( ذكروا‬ ‫وتعليق ًا على هذا الرد نقول‪ :‬إنّه وعلى الرغم من ّ‬
‫ٍ‬
‫تفسير سيأتي)‪،‬‬ ‫أن الضالل في اآلية هو بمعنى النسيان‪ ،‬بيد أنّه تفسير غير دقيق (إال على‬ ‫ّ‬
‫فالضالل والنسيان مفهومان مختلفان بحسب المدلول اللغوي والعرفي‪ ،‬فالضالل بمعنى‬
‫ُ‬
‫العدول عن‬ ‫«الض َل ُل ‪:‬‬
‫التيه عن طريق الحق فهو يقابل الهداية‪ ،‬قال الراغب األصفهاني‪َّ :‬‬
‫طريق المستقيم‪ ،‬ويضا ّده الهداية‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﵛﭐﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪﲫ ﲬ ﲭ‬ ‫ال َّ‬
‫ٍ‬
‫عدول عن المنهج‪ ،‬عمد ًا كان أو سهو ًا»(((‪.‬‬ ‫الضل َُل ّ‬
‫لكل‬ ‫ﲮ ﲯﵚ(((‪ ،‬ويقال‪َّ :‬‬

‫  وهذا النوع من الدراسات معتمد عقالئي ًا وهو مؤشر جيد على معرفة األمور االجتماعية والعلمية‬ ‫(((‬
‫وغيرها‪.‬‬
‫ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.282‬‬ ‫(((‬
‫  مختصر مفيد‪ ،‬ج ‪ 10‬ص ‪.120‬‬ ‫(((‬
‫  انظر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز‪ ،‬للواحدي ج ‪ 1‬ص ‪ ،195‬تفسير ش ّبر‪ ،‬ص ‪.84‬‬ ‫(((‬
‫ سورة اإلسراء‪ ،‬اآلية ‪.15‬‬ ‫(((‬
‫  المفردات للراغب‪ ،‬ص ‪.509‬‬ ‫(((‬
‫‪257‬‬ ‫المحور الخامس‪ :‬ما روي عن علي‪ ‬في ذ ّم المرأة‬
‫أن الضالل يستخدم بمعنى العدول عن المنهج عمد ًا‬ ‫وفي ضوء ما ذكره الراغب من ّ‬
‫يتوجه السؤال‪ :‬هل الضالل في اآلية هو بمعنى العدول عمد ًا واختيار ًا عن‬
‫كان أو سهو ًا‪ّ ،‬‬
‫جادة الحق‪ ،‬أو هو بمعنى العدول سهو ًا عن ذلك؟‬
‫فعلى األول‪ ،‬يكون الضالل بمعنى االنحراف المتعمد‪ ،‬وهو ما يذ ّم عليه اإلنسان‪،‬‬
‫أن إحداهما‬‫ألنّه فعل اختياري له‪ ،‬وعلى هذا االحتمال‪ ،‬فال يكون المراد بقوله‪ « :‬فتذكّر» ّ‬
‫تلفت نظر األخرى وتن ّبهها من سهوها‪ ،‬وإنّما يراد به تنبيهها بمعنى وعظها وإرشادها لترتدع‬
‫عن غ ّيها‪ ،‬نظير قوله تعالى‪ :‬ﵛﭐﲶ ﲷ ﲸ ﲹﵚ (((‪ ،‬وقوله تعالى‪ :‬ﵛﭐﲭ ﲮ ﲯ ﲰ‬
‫ﲱﵚ(((‪ .‬وبنا ًء على هذا الوجه ال تعود قض ّية الحاجة إلى امرأتين في الشهادة متصلة بالعقل‪،‬‬
‫إن «الذي يحتاج إلى تذكير هو عقل المرأة وليس حواسها»‪ ،‬فالضالل بهذا المعنى ال‬ ‫ليقال ّ‬
‫عالقة مباشرة له بالعقل‪ ،‬وإنما سوء اختيار اإلنسان وسيطرة الغريزة على إرادته‪.‬‬
‫وأ ّما على الثاني‪ ،‬وهو أن ُيراد بالضالل هو العدول سهو ًا عن المنهج والصواب‪ ،‬فهذا‬
‫يؤشر إلى ضعف في العقل‪ ،‬ولك ّن األمر ليس واضح ًا‪ّ ،‬‬
‫فإن الضالل بهذا المعنى‬ ‫قد يقال‪ :‬إنّه ّ‬
‫وإن كان ناشئ ًا عن تشتت األنظار والغفلة والنسيان‪( ،‬النسيان هنا منشأ الضالل وليس هو‬
‫نفسه)‪ ،‬لك ّن هذا ال يعني ضعف ًا أو نقص ًا في العقل‪ ،‬فالعقل موجود ولك ْن ّ‬
‫ثمة ما يشتّت‬
‫األنظار ويمنع الحواس من التركيز‪.‬‬
‫األول منهما‪ ،‬وذلك استناد ًا إلى‬ ‫رجح ّ‬ ‫وأمام هذين االحتمالين في تفسير الضالل فقد ُي ّ‬
‫أن اآلية أضافت مسألة التعدد إلى المرأة ال إلى‬ ‫قرينة من داخل اآلية نفسها‪ ،‬والقرينة هي ّ‬
‫الشهادة‪ ،‬فقالت‪ :‬ﵛﲋ ﲌ ﲍﵚ‪ ،‬وهذا التعبير أكثر انسجام ًا مع المعنى األول‬
‫ضم المرأة الثانية‪،‬‬‫للضالل‪ ،‬إذ لو كان الضالل بمعناه الثاني هو المراد أو هو مبرر الحاجة إلى ّ‬
‫تقوي الشهادة األولى وتخ ّفف‬ ‫يتم التعبير عن ذلك بالقول‪ّ :‬‬
‫إن الشهادة الثانية ّ‬ ‫لكان األنسب أن ّ‬
‫من نسبة الخطأ فيها وتضعف من احتمال السهو‪ ،‬ال أن يقال‪ّ :‬‬
‫إن المرأة الثانية تذكّر وتن ّبه المرأة‬
‫ال بتشتت الفكر لديها فهذا سيجعل‬ ‫األولى‪ ،‬إذ عندما يكون السهو في المرأة غير إرادي ومتص ً‬
‫مما هي‬ ‫تقوي جانب اإلصابة‪ ،‬أكثر ّ‬ ‫إصابة شهادتها للواقع ضعيفة‪ ،‬فتحتاج إلى شهادة أخرى ّ‬
‫بحاجة إلى من يذكرها‪ ،‬بينما اآلية المباركة بررت الحاجة إلى المرأة الثانية بأنّها ‪ -‬المرأة الثانية‬
‫تخفيف‬
‫ُ‬ ‫يتم‬
‫ألن الضالل (بمعنى االنحراف االختياري)‪ ،‬إنّما ُّ‬ ‫‪ -‬تذكّر األولى‪ .‬وهذا مفهوم ّ‬

‫(((  سورة األعلى‪ ،‬اآلية ‪.9‬‬


‫(((  سورة ق‪ ،‬اآلية ‪.45‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪258‬‬
‫أن المرأة الثانية قد تذكّر األولى وتع ُظها وال تتواطأ معها على الشهادة زور ًا‪ ،‬إذ‬
‫وطأته من خالل ّ‬
‫شهادة اثنتين زور ًا هي دون شك أضعف احتماالً من شهادة امرأة واحدة كذلك‪.‬‬
‫ضم المرأة الثانية هو سهو األولى‪ ،‬فالسهو‬
‫وأضف إلى ذلك أنّه إذا كان مبرر الحاجة إلى ّ‬
‫ْ‬
‫مالزم لالثنتين‪ ،‬فكيف تذكر الساهي َة ساهي ٌة؟! أما على االحتمال األول فالتذكير مفهوم‪.‬‬
‫وفي المقابل قد يرجح (الضالل السهوي‪ ،‬أو النسيان) وذلك استناد ًا إلى‪:‬‬
‫أوالً‪ّ :‬‬
‫إن التذكير يختزن معنى النسيان‪ ،‬فيكون ذلك قرينة على تفسير الضالل بمعنى‬
‫النسيان‪ ،‬فقوله «تذكر» هو القرينة على حمل الضالل على النسيان‪.‬‬
‫ولكن يرد عليه‪ :‬أنّه لماذا ال نجعل قوله « أن تضل» قرينة على تفسير التذكير بمعنى‬
‫الوعظ؟ فذاك ليس أولى من هذا‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬إنّه بنا ًء على الوجه األول (تفسير الضالل بمعنى االنحراف عمد ًا)‪ ،‬فال نجد‬
‫تفسير ًا مقنع ًا لتخصيص المرأة فقط بالحاجة إلى واعظ ومذكر؟ أال يحتاج الرجل ‪-‬أيض ًا‪-‬‬
‫ثم لماذا تكون‬‫الحق أكثر من الرجل؟ ّ‬‫معرضة لالنحراف عن جا ّدة ّ‬ ‫إلى واعظ؟ فهل المرأة ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المرأة هي التي تَع ُظ األخرى‪َ ،‬‬
‫فلم ال يذكرها الرجل؟! ول َم ُيفترض أن يكون المذكِّر والواعظ‬
‫أن ظاهر‬‫فإن من الممكن أن يقوم بهذا الدور شخص لم يشهد الواقعة رأس ًا؟ والحال ّ‬ ‫شاهد ًا؟ ّ‬
‫أن المذكِّرة هي شاهدة في القض ّية كالمذكَّرة‪ ،‬فالشاهدة تذكِّر شاهدة مثلها‪.‬‬‫اآلية المباركة ّ‬
‫ولعل هذا هو الذي دفع العلماء إلى هذا االحتمال‪ ،‬وترجيح االحتمال اآلخر في المسألة‬ ‫ّ‬
‫أن الضالل بمعنى النسيان‪.‬‬‫وهو ّ‬
‫وتعليق ًا عل ذلك نقول‪ :‬أ ّما تخصيص المرأة بالحاجة إلى واعظ‪ ،‬فربما كان الوجه فيه هو‬
‫ّ‬
‫أن المرأة في مجال الشهادة وهو مقام المخاصمة والنزاع((( قد ال تملك اإلرادة الصلبة التي‬
‫فضم‬
‫ُّ‬ ‫يملكها الرجل‪ ،‬فتؤخذ باألجواء العاطفية وترضخ للكثير من التأثيرات والضغوطات‪،‬‬
‫أخرى إليها يخفف من وطأة هذه التأثيرات‪ .‬وأ ّما السبب في كون المذكّر للمرأة هي امرأة‬
‫أخرى وليس الرجل‪ ،‬فهذا السؤال وارد على االحتمال اآلخر أيض ًا‪ ،‬وهو كون الضالل بمعنى‬
‫العدول سهو ًا عن الجادة‪ ،‬وربما كان السبب في ذلك ‪ -‬على االحتمالين ‪ -‬هو ّ‬
‫أن المرأة‬

‫تحمل‬
‫تحملها‪ ،‬واآلية تتحدث عن ّ‬ ‫إن المخاصمة تكون في حالة أداء الشهادة ال في حالة ّ‬ ‫(((   قد تقول‪ّ :‬‬
‫ّ‬
‫الشهادة‪ .‬ولكن الجواب هو أن تحمل الشهادة إنّما يظهر أثره عندما ُيطلب الشاهد إلى أداء الشهادة‬
‫إلثبات الحقوق‪ ،‬وهذا مقام نزاع كما هو واضح‪.‬‬
‫‪259‬‬ ‫المحور الخامس‪ :‬ما روي عن علي‪ ‬في ذ ّم المرأة‬
‫أقرب إلى المرأة معايشة ومخالطة‪ ،‬ما يسمح لها باالطالع على الكثير مما تخفيه األخرى أو‬
‫تفكر فيه‪ ،‬فتكون هي األليق بوعظها وتذكيرها‪ ،‬ومنه يتضح الوجه في كون الواعظ شاهد ًا‪،‬‬
‫فإن غير الشاهد حيث تخفى عليه القض ّية لن يكون لوعظه األثر الذي يتركه الشاهد المطلع‬ ‫ّ‬
‫على تفاصيل القض ّية ومالبساتها‪.‬‬
‫ثم إنّه وبنا ًء على تفسير الضالل بالمعنى الثاني الذي يلتقي مع النسيان في المنشأ لجهة‬
‫ّ‬
‫أمر ذاتي أم هو أمر‬ ‫فإن لنا أن نسأل‪ :‬هل ّ‬
‫إن النسيان لدى المرأة ٌ‬ ‫أن النسيان هو سبب الضالل‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫عرضي طارئ وخاضع لبعض الظروف التي قد تعيشها المرأة؟ وبعبارة أخرى‪ :‬هل الضالل‬
‫هنا بمعنى النسيان القهري الخارج عن اختيار اإلنسان‪ ،‬أم هو بمعنى النسيان المكتسب‬
‫والذي يعيشه اإلنسان نتيجة لكونه محاط ًا بظروف معينة؟‬
‫إن اآلية ناظرة إلى المعنى الثاني من النسيان‪ ،‬أعني النسيان المكتسب‪،‬‬ ‫ر ّبما يقال‪ّ :‬‬
‫والمرجح‬
‫ّ‬ ‫وهو نسيان قد يرتفع إذا تغ ّيرت الظروف الثقاف ّية واالجتماع ّية التي تعيشها المرأة‪،‬‬
‫بأن ذاكرة المرأة ال تختلف عن ذاكرة الرجل‪ ،‬وضبطها لألمور‬ ‫للمعنى الثاني هو معرفتنا ّ‬
‫ال يقل عن ضبطه إال في حاالت طارئة واستثنائ ّية‪ .‬وعليه فاآلية المباركة ناظرة إلى الواقع‬
‫الخارجي‪ ،‬وموضوعها هو المرأة إبان نزول اآلية‪ ،‬حيث قد فرض عليها المجتمع أن تكون‬
‫‪-‬في األعم األغلب‪ -‬على هامش الحياة‪ ،‬وكان التهميش هو القدر المفروض عليها‪ ،‬وليست‬
‫إن هذا الواقع الخارجي‬ ‫اآلية صادرة على سبيل التعميم لجنس المرأة‪ ،‬ويمكنك القول‪ّ :‬‬
‫المحتف بنزول اآلية المباركة‪ ،‬هو بمثابة القيد الذي يمنع من انعقاد اإلطالق فيها‪.‬‬
‫ّ‬
‫إن اآلية القرآنية ال مجال لحملها على البعد الخارجي‬ ‫وفي المقابل فقد يقال‪ّ :‬‬
‫والتاريخي‪ ،‬فالقرآن الكريم وخالف ًا ُّ‬
‫للسنة ال مجال للتعامل معه بهذه الطريقة‪ ،‬فهو كتاب‬
‫يؤصل القواعد العامة العابرة لألزمنة واألمكنة‪ .‬وهذا بحث في غاية األهمية ولكنه خارج‬
‫عن نطاق هذه الدراسة‪ ،‬وال بدّ أن ُيعنى علم األصول بدرسه‪ .‬وبصرف النظر عن ذلك‬
‫ألن «المرأة ‪ -‬غالب ًا ‪ -‬مستغرقة في حياتها‬
‫إن اآلية تتحدث عن طبيعة المرأة ّ‬ ‫فر ّبما يقال‪ّ :‬‬
‫العائل ّية والمنزل ّية وشوؤنها الخاصة‪ ،‬وق ّلما تُعايش األحداث والمنازعات واالتفاقات على‬
‫ٍ‬
‫حس لجميع‬ ‫نحو تكون قادرة على ضبط وقائعها ووعيها‪ ،‬بحيث تكون شهادتها فيها عن‬
‫تفاصيلها وخصوصياتها‪ ،‬ولو عايشت المرأة حدث ًا على هذا النحو‪ّ ،‬‬
‫فإن اهتمامات حياتها‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪260‬‬
‫اليومية ومشاغلها األساسية في منزلها وأسرتها وعالقاتها الخاصة إضافة إلى مزاجها‬
‫الخاص‪ ،‬تؤثر ‪ -‬بالتأكيد ‪ -‬على ذاكرتها ووعيها للوقائع والتفاصيل في موضوع الشهادة»(((‪.‬‬
‫ولكن هذا الكالم غير مقنع ّ‬
‫فإن استغراق المرأة في حياتها المنزل ّية والعائلية وشؤونها‬
‫يوجه المرأة في هذا االتجاه‪ ،‬فهو‬‫الخاصة‪ ..‬هو أمر خاضع للتنشئة الخاصة واإلعداد الذي ِّ‬
‫أمر طارئ وتفرضه التربية‪ ،‬وليس من طبيعة المرأة أن تكون كذلك‪.‬‬
‫وخالصة القول‪ :‬إنّه وعلى االحتمالين المذكورين للضالل فليس ثمة ما يؤ ّيد كون‬
‫الضالل مرتبط ًا بضعف العقل‪.‬‬
‫رابع ًا‪« :‬فاتقوا شرار النساء وكونوا من خيارهن على حذر»‬
‫تعليق ًا على هذه الفقرة نقول‪ :‬إنّنا في الوقت الذي نتفهم فيه الدعوة إلى اتقاء شرار النساء‪،‬‬
‫الشر هو من صنع اإلنسان‪ ،‬والشرير ال بدّ من اجتنابه ذكر ًا‬‫أن الشر ليس صناعة أنثوية‪ ،‬وإنّما َّ‬ ‫مع ّ‬
‫أن ما يستوقفنا في هذه الفقرة هو هذه الدعوة إلى الحذر من خيار النساء(((‪،‬‬ ‫كان أو أنثى‪ ،‬بيد ّ‬
‫تخوين للمرأة وما تتركه من أثر نفسي على المتلقي‪ ،‬وهو أثر يدفعه‬ ‫ٍ‬ ‫مع ما تحمله في ثناياها من‬
‫ويشجعه على عدم ائتمانهن على شيء‪ ،‬ويح ّثه على الحذر منه ّن والتوجس‬ ‫ّ‬ ‫إلى الريبة بالنساء‬
‫وكأن األصل في المرأة هو االنحراف واالبتعاد عن خط االستقامة‪ ،‬لذا فهي‬ ‫ّ‬ ‫مما يصدر عنه ّن‪،‬‬
‫متهمة دائم ًا وموضع شك! والسؤال‪ :‬هل يمكن أن يدعو علي‪ ‬إلى االسترابة بالمرأة حتى‬
‫مع كونها خ ّيرة؟! أو يدعو إلى التوجس الدائم منها‪ ،‬أم ًا كانت أو زوجة أو أخت ًا أو غيرها؟! مع‬
‫أن هذه الدعوة سوف تنتقص من المرأة الخ ّيرة وتؤذي مشاعرها‪ ،‬وتدفع الرجال إلى التشكيك‬ ‫ّ‬
‫أن‬ ‫الدائم بالنساء‪ ،‬األمر الذي سيخلق توتر ًا دائم ًا بين الجنسين ويؤسس للعداوة بينهما‪ ،‬مع ّ‬
‫اإلسالم ‪ -‬كما هو المعلوم ‪ -‬يريد خلق الثقة بين أبناء المجتمع رجاالً ونسا ًء‪ ،‬وهو يهتم‬
‫بترميم العالقات االجتماعية وإبعادها عن الضغائن والشكوك والظنون والوساوس؟!‬
‫ال دعا أوالده الذكور ‪ -‬مث ً‬
‫ال ‪ -‬إلى الحذر من أخواتهم اإلناث أال يكون قد‬ ‫أرأيت لو ّ‬
‫أن رج ً‬

‫أن الشيخ شمس‬ ‫(((   أهل ّية المرأة لتولي السلطة‪ ،‬للشيخ محمد مهدي شمس الدين‪ ،‬ص‪ ،20‬والغريب ّ‬
‫يصر في كتابه هذا على أهلية المرأة لتولي قيادة األمة وإدارة الدولة‪ ،‬فلو كانت المرأة ‪ -‬كما‬
‫الدين ّ‬
‫يصفها في كالمه المذكور في المتن ‪ -‬مستغرقة في حياتها الخاصة وشؤونها المنزلية وال تعايش‬
‫األحداث والمنازعات واالتفاقات ما يجعلها غير قادرة على ضبط وقائعها ووعي تفاصيلها فكيف لها‬
‫أن تقود العباد وتدير أمر البالد وتتولى شؤون السلطة؟!!‬
‫(((   استدل بعضهم بهذه الفقرة للفتوى التي تقول بعدم صالح ّية المرأة للتقليد‪ ،‬على اعتبار ّ‬
‫«أن الحذر‬
‫من خيارهن ينافي أخذ الفتوى منهن وتقليدهن»‪ .‬انظر‪ :‬الدر النضيد في االجتهاد واالحتياط والتقليد‬
‫للنكرودي‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.434‬‬
‫‪261‬‬ ‫المحور الخامس‪ :‬ما روي عن علي‪ ‬في ذ ّم المرأة‬
‫أسهم بشكل أو بآخر في نزع الثقة فيما بين األبناء‪ ،‬ويعدّ ‪ -‬بنظر العقالء ‪ -‬سفيه ًا‪ ،‬إذ المفروض‬
‫باألب أن ُي َح ِّب َب أوالده بعضهم بالبعض اآلخر‪ ،‬ويدعوهم إلى الثقة ببعضهم البعض‪ .‬واألمر عينه‬
‫وج َه دعوة ألوالده من الزوجة األولى أن‬‫ينطبق على الرجل الذي لديه أوالد من زوجتين مثالً‪ ،‬فإذا َّ‬
‫يحذروا أوالد الزوجة الثانية‪ ،‬أال يعدّ بذلك مجانب ًا للحكمة والرشد‪ ،‬ألنّه قد زرع بذور الفتنة بينهم؟!‬
‫ولهذا‪ ،‬ال نتعقل صدور دعوة عامة عن ربيب بيت الوحي ومصدر الحكمة المتعالية‬
‫ّ‬
‫تحث الرجال على الحذر من النساء‪ ،‬ألنّها دعوة تزلزل جدار الثقة‬ ‫علي بن أبي طالب‪‬‬
‫يدق إسفين ًا في البنيان االجتماعي‪.‬‬
‫بالمرأة وتؤسس للريب والشك فيها‪ ،‬ما ّ‬

‫خامس ًا‪« :‬وال تطيعوهن في المعروف حتى ال يطمعن في المنكر»‬


‫وهذه الفقرة ال مجال لالعتراض السندي عليها‪ ،‬ألنّها واردة في رواية أخرى صحيحة‬
‫السند‪ ،‬وهي ما رواه الشيخ محمد بن يعقوب الكليني‪ ،‬عن عدة من أصحابنا‪ ،‬عن أحمد بن‬
‫محمد‪ ،‬عن ابن محبوب عن عبد الله بن سنان‪ ،‬عن أبي عبد الله‪ ‬قال‪« :‬ذكر رسول الله‬
‫صلى الله عليه وآله النساء فقال‪ :‬اعصوهن في المعروف قبل أن َي ْأ ُم ْر َنك َْم بالمنكر‪ّ ،‬‬
‫وتعوذوا بالله‬
‫من شرارهن وكونوا من خيارهن على حذر»(((‪ ،‬ولكن يمكن أن نتوقف إزاء مضمونها من جهتين‪:‬‬
‫أحق أن يتبع‬ ‫الجهة األولى‪ :‬كيف نفهم النهي عن إطاعتهن في المعروف‪ ،‬مع ّ‬
‫أن الحق ّ‬
‫أي ًا كان الناطق به‪ ،‬ولو نطق به الضالون والمنحرفون ؟!‬
‫وقد أجاب الشيخ محمد عبده على ذلك‪ ،‬فقال‪« :‬ال يريد (أي اإلمام) أن ُيترك المعروف‬
‫السنة الصالحة خصوص ًا إن كان المعروف‬ ‫فإن في ترك المعروف مخالفة ُّ‬ ‫لمجرد أمرهن به‪ّ ،‬‬
‫فعلت‬
‫َ‬ ‫من الواجبات‪ ،‬بل يريد أن ال يكون فعل المعروف صادر ًا عن مجرد طاعتهن‪ ،‬فإذا‬
‫معروف ًا فافع ْله ألنّه معروف‪ ،‬وال تفعله امتثاالً ألمر المرأة»‪.‬‬
‫ثم أردف الشيخ عبده قائالً‪« :‬ولقد قال اإلمام قوالً صدَّ قته التجارب في األحقاب‬ ‫ّ‬
‫سموها ما استوت به‬
‫ّ‬ ‫المتطاولة‪ ،‬وال استثناء مما قال إال بعض ًا منهن ُوهبن فطر ًة تفوق في‬
‫سلطان من التربية طبا َعهن على خالف ما ُغ ِر َز فيها ّ‬
‫وحولها إلى‬ ‫ٌ‬ ‫الفطن أو تقاربت‪ ،‬أو َأ َخ َذ‬
‫غير ما وجهتها ِ‬
‫الجبِ َّلة إليه»(((‪.‬‬

‫«تعوذوا بالله من طالحات نسائكم‪،‬‬ ‫(((   ونحوها مرفوعة مطلب بن زياد عن أبي عبد الله‪ ‬قال‪ّ :‬‬
‫تطيعوهن في المعروف فيأ ُم ْرنكم بالمنكر»‪ ،‬انظر‪ :‬الكافي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫خيارهن على حذر وال‬
‫ّ‬ ‫وكونوا من‬
‫ج‪ 5‬ص‪.517‬‬
‫(((   نهج البالغة‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.130‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪262‬‬
‫أن ما قدّ مه الشيخ محمد عبده في تفسير دعوة اإلمام‪ ‬إلى عدم إطاعة‬ ‫ومن الطبيعي ّ‬
‫النساء في المعروف ليس من قبيل المعالجة النفس ّية للموقف‪ ،‬بأن يوطن الرجل نفسه على‬
‫أنّه إنّما يفعل هذا المعروف امتثاالً ألمر الله وليس استجابة ألمر المرأة‪ ،‬فهذا المقدار ال‬
‫يحقق الغرض من دعوة اإلمام‪ ‬إلى ترك إطاعتهن بالمعروف‪ ،‬والغرض هو أن «ال يطمعن‬
‫بالمنكر»‪ ،‬فيحتاج الموقف إلى أن ُيظهر الرجل للمرأة أنّه إنّما يفعل ذلك امتثاالً ألمر الله ال‬
‫ألمرها‪ ،‬وبذلك يقطع طمعها في المزيد أو في فعل المنكر‪ .‬وإظهار ذلك للمرأة إ ّما أن يكون‬
‫إظهار ًا قولي ًا‪ ،‬بأن يوضح لها بأنّه إذا فعل هذا الشيء فإنما يفعله لوجه الله وليس استجابة‬
‫ألمرها أو تلبية لرغبتها‪ ،‬أو إظهار ًا فعلي ًا‪ ،‬بأن يفعل المعروف بطريقة تخالف ما طلبته منه‬
‫ال ‪ -‬فليتصدق بكيلو‬ ‫بنحو من أنحاء المخالفة‪ .‬فلو طلبت إليه أن يتصدق بكيلو من الموز ‪ -‬مث ً‬
‫من التفاح‪ ،‬ولو طلبت إليه التصدق في النهار فليتصدق في الليل‪ ،‬قال العالمة المجلسي في‬
‫أن‪« :‬يخالفها في النوع الذي تأمره به إلى النوع اآلخر من المعروف‪ ،‬أو‬ ‫تفسير المخالفة هو ّ‬
‫يخالفها في األمر المندوب‪ ،‬لقطع طمعها‪ ،‬فيصير المندوب لذلك ترك األولى» ‪.‬‬
‫(((‬

‫أقول‪ :‬لنا عدّ ة تعليقات على ما ذكره العلمان‪ :‬المجلسي وعبده‪:‬‬


‫إن ما ذكراه ال يرفع اإلشكال بشكل مطلق‪ ،‬فالمرأة قد تكون في موقع‬ ‫التعليق األول‪ّ :‬‬
‫يفرض على الرجل إظهار اإلطاعة لها وجوب ًا أو استحباب ًا‪ ،‬في خصوص ما أمرته به وطلبته‬
‫منه‪ ،‬كما لو كانت المرأة أم ًا أو مربية أو معلمة أو في موقع وظيفي أو إداري يسمح لها بإصدار‬
‫األوامر للرجل‪ ،‬كما لو كان الرجل خادم ًا أو أجير ًا عندها‪ ،‬فهنا هل يكون الرجل مدعو ًا‬
‫إلظهار عدم إطاعتها فيما تأمر به؟! فلو أمرت األم ولدها بالصالة فهل يكون مدعو ًا إلظهار‬
‫التفوه‬
‫ّ‬ ‫عدم االستجابة ألمرها‪ ،‬وإن كان هو سوف يص ِّلي في خلواته؟! هذا ما ال ُيحتمل‬
‫وبر بها‪ ،‬وهذا ما أمر به الشارع‬
‫ألن إظهار االستجابة لطلبات األم هو نوع إحسان إليها ٍّ‬ ‫به‪ّ ،‬‬
‫الحكيم‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﵛﭐﲰ ﲱﵚ(((‪ .‬وهكذا لو أمرت المرأ ُة خاد َمها بشيء فهل يكون‬
‫مدعو ًا إلظهار عدم إطاعتها‪ ،‬أو أمرت المرأ ُة المسؤول ُة الموظفين الذين يقعون تحت إدارتها‬
‫بشيء معين‪ ،‬فهل يكون هؤالء الرجال مدعويين إلى إظهار مخالفتها؟!‬
‫ّ‬
‫إن الدعوة إلى عدم االستجابة ألوامر المرأة على إطالقها قد تؤدي في بعض األحيان‬
‫إلى اختالل النظام‪ ،‬وأ ّما حمل كالمه‪ ‬على خصوص الزوجات فهو خالف الظاهر‪ ،‬ومع‬
‫التسليم به فهو ال يدفع كافة اإلشكاالت‪.‬‬

‫(((   مرآة العقول‪ ،‬ج ‪ 20‬ص ‪.333‬‬


‫(((  سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.83‬‬
‫‪263‬‬ ‫المحور الخامس‪ :‬ما روي عن علي‪ ‬في ذ ّم المرأة‬
‫ثم إننا نتساءل‪ :‬أليس األمر بالمعروف من مسؤولية المرأة كما هو من‬
‫التعليق الثاني‪ّ :‬‬
‫يدل عليه قوله تعالى‪:‬ﭐﵛﭐﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲇ‬ ‫مسؤولية الرجل أيض ًا‪ ،‬كما ّ‬
‫ﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏﲐﲑﲒﲔﲕ‬
‫ﲖ ﲗﲘ ﲙ ﲚ ﲛﵚ(((‪ .‬وعليه‪ ،‬إذا كان على المرأة أن تأمر بالمعروف‪ ،‬أفال يعني ذلك لزوم‬
‫لكل آمر بالمعروف ٍ‬
‫وناه عن المنكر‪ ،‬فكيف‬ ‫االستجابة لها واالستماع إلى كالمها كما ُيستجاب ِّ‬
‫التمرد عليها؟! وفي ضوء ذلك‪ ،‬تكون الفقرة المذكورة منافية‬
‫ينسجم ذلك مع الدعوة إلى إظهار ّ‬
‫ألن األئمة من أئمة أهل البيت‪ ‬قالوا‪« :‬كل‬‫للقرآن الكريم‪ ،‬ما يفرض علينا طرحها ور ّدها‪ّ ،‬‬
‫والسنة‪ ،‬وكل حديث ال يوافق كتاب الله تعالى فهو زخرف»(((‪.‬‬
‫شيء مردود إلى الكتاب ُّ‬
‫«إن إعطاءها حق األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬إنما هو في حدود‬ ‫وربما يقال‪ّ :‬‬
‫فلعل ذلك يختص‬ ‫قدراتها وطاقاتها‪ ،‬وذلك ال يعني ثبوت هذا األمر لها في حق الرجل أيض ًا‪ّ ،‬‬
‫فإن من القريب جد ًا أن يختص ذلك بالرجال‬ ‫بالنساء أمثالها‪ ..‬ولو س ّلم شمول ذلك للرجال‪ّ ،‬‬
‫المحارم كاألخ‪ ،‬والزوج‪ ،‬والولد‪ ..‬والخال‪ ،‬والعم‪ ،‬وأبناء األخ‪ ،‬واألخت‪ ،‬و َم ْن كان َم ْح َرم ًا‬
‫لها من الرضاعة‪ ،‬وأمثال هؤالء»(((‪.‬‬
‫والجواب‪ّ :‬‬
‫إن هذه االحتماالت مخالفة لظهور اآلية‪ ،‬فإنّها مطلقة وال موجب لتقييدها‬
‫إن في اآلية قرينة على ّ‬
‫أن‬ ‫بمثل هذه التقييدات التي ال دليل عليها وال شاهد يعضدها‪ ،‬بل ّ‬
‫أمر المرأة بالمعروف ونهيها عن المنكر ال ينحصر بالنساء‪ ،‬وكذلك الحال في الرجل‪،‬‬
‫متفرعة على قوله‬
‫أن الدعوة إلى األمر بالمعروف والنهي عن المنكر جاءت ّ‬ ‫والقرينة هي ّ‬
‫تعالى‪ :‬ﵛﭐﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅﵚ‪ ،‬والذي يعطي إيحا ًء بالمسؤولية المتبادلة‬
‫بين المؤمنين والمؤمنات‪ ،‬كما بين المؤمنين أنفسهم والمؤمنات أنفسهن‪.‬‬
‫والمالحظة عينها نسجلها إزاء ما روي عنه‪ ‬في بعض األخبار الضعيفة‪« :‬ثالث‬
‫مهلكات‪ :‬طاعة النساء‪ ،‬وطاعة الغضب‪ ،‬وطاعة الشهوة»(((‪ّ .‬إل إذا كان المقصود في هذا‬
‫الخبر هو طاعتهن في المعصية كما يشهد به السياق‪.‬‬

‫ سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪.71‬‬ ‫(((‬


‫المزور‪.‬‬
‫ّ‬ ‫المموه‬
‫ّ‬ ‫  الكافي‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪ ،69‬والمحاسن للبرقي‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪ ،221‬والزخرف هو الشيء‬ ‫(((‬
‫  مختصر مفيد‪ ،‬ج ‪ 6‬ص ‪.188‬‬ ‫(((‬
‫  انظر‪ :‬عيون الحكم والمواعظ‪ ،‬ص ‪ ،212‬وعنه «طاعة النساء شيمة الحمقى» انظر‪ :‬المصدر نفسه ص‬ ‫(((‬
‫‪ ،317‬وفي خبر آخر‪« :‬طاعة النساء غاية الجهل»‪ ،‬المصدر نفسه ص ‪.317‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪264‬‬
‫صح التوجيه المذكور للشيخ محمد عبده في رواية «النهج»‪ ،‬فإنّه‬ ‫التعليق الثالث‪ :‬لئن ّ‬
‫يصح فيما جاء في رواية «الكافي» المروية عن النبي(ص) في هذا المجال‪ ،‬حيث إنّه(ص)‬ ‫ال ّ‬
‫‪-‬على ما جاء في تلك الرواية ‪ -‬قد أمر بعصيانه ّن في المعروف‪ ،‬ولم يدع إلى ترك إطاعتهن فيه‬
‫وحسب‪ ،‬ليقال‪ :‬إنّه(ص) لم ُي ِر ْد ت َْر َك المعروف مطلق ًا‪ ،‬بل أراد ترك المعروف امتثاالً ألمرهن‪.‬‬
‫أن المضمون المذكور في الروايتين مضمون يصعب تصديق صدوره‬ ‫الجهة الثانية‪ّ :‬‬
‫فإن الدعوة إلى عدم إطاعة المرأة في‬ ‫عن المعصوم‪ ،‬لما قلناه تعليق ًا على الفقرة السابقة‪ّ ،‬‬
‫المعروف‪ ،‬احتياط ًا وحذر ًا من أن تطمع في طلب المنكر‪ ،‬هو أمر يثير الريبة في المرأة إذ إنّه‬
‫أن هذا األمر‬‫أن إطاعة أمرها في المعروف ستجعلها تتجرأ على طلب المنكر‪ ،‬مع ّ‬ ‫َي ْفت َِر ُض ّ‬
‫ليس صفة عامة في المرأة؟!‬
‫وبكلمة أخرى‪ّ :‬‬
‫إن األثر الذي تتركه هذه الرواية ونظائرها في النفس هو التأسيس لحالة‬
‫وحذر من المرأة وتوجس دائم منها‪ ،‬وهذا سيدعو الرجل إلى جعلها في دائرة الشك‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ريبة‬
‫واالتهام‪ ،‬وهو ما سيربك العالقات االجتماعية ويوتر العالقات الزوجية واألسرية في الوقت‬
‫الذي هي أحوج ما تكون إلى دعوات تُساعد على تعزيز الثقة وشدّ األواصر بين أبنائها‪.‬‬

‫‪--4‬حديث‪« :‬غيرة المر�أة كفر»‬


‫ومن األحاديث المشهورة عنه‪ ‬والمتداولة على األلسن أنّه َق َال‪َ « :‬غ ْي َر ُة ا ْل َم ْر َأ ِة ُك ْف ٌر‬
‫ان»(((‪.‬‬ ‫الر ُج ِل إِ َ‬
‫يم ٌ‬ ‫و َغ ْي َر ُة َّ‬
‫ولنا ثالث وقفات مع هذه الرواية‪ ،‬نستجلي من خاللها الموقف منها‪:‬‬

‫الوقفة الأولى‪ :‬وقفة مع �سند الرواية‬


‫إن الحديث المذكور كما هو ب ّي ٌن ضعيف السند‪ ،‬بسبب اإلرسال‪ ،‬ولم نعثر عليه‬ ‫ّ‬
‫مذكور ًا في المصادر الحديثية األخرى سواء الشيعية منها أو السنية‪ ،‬وإنّما ّ‬
‫تفرد بنقله الشريف‬
‫ثم وجدناه بعد ذلك قد دخل إلى الكتب المتأخرة ككتاب «ربيع‬ ‫الرضي في «نهج البالغة»‪ّ ،‬‬
‫األبرار ونصوص األخبار»((( للزمخشري‪ ،‬وكتاب «غرر الحكم ودرر الكلم» لآلمدي‪ ،‬لكن‬

‫(((  نهج البالغة‪ ،‬ج‪ 4‬ص‪.29‬‬


‫(((   ربيع األبرار ونصوص األخبار‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.346‬‬
‫‪265‬‬ ‫المحور الخامس‪ :‬ما روي عن علي‪ ‬في ذ ّم المرأة‬
‫مع شيء يسير من االختالف‪ ،‬ففي «غرر الحكم» جاء على النحو التالي‪« :‬غيرة الرجل إيمان‪،‬‬
‫وغيرة المرأة عدوان»(((‪.‬‬

‫الوقفة الثانية‪ :‬وقفة مع فقه الرواية‬


‫فإن لسائل أن يسأل‪ :‬لماذا كانت غيرة الرجل إيمان ًا‪،‬‬
‫إنّه وبصرف النظر عن سند الرواية ّ‬
‫ثم ما المراد بالكفر؟ هل هو الكفر العقدي أو الكفر العملي؟‬ ‫بينما كانت غيرة المرأة كفر ًا؟ ّ‬
‫فلدينا سؤاالن ال بدّ من اإلجابة عليهما‪.‬‬
‫السؤال األول‪ :‬لماذا عُدَّ ت غيرة المرأة كفر ًا بينما غيرة الرجل إيمان؟‬
‫أن غيرة الرجل إنّما تكون فعل إيمان‪ ،‬باعتبار أنّها تدفعه إلى المحافظة على‬‫والجواب‪ّ :‬‬
‫يتحرش بها أحد بما يخدش‬ ‫يتعرض لها أهل السوء بفعل أو بقول‪ ،‬أو ّ‬
‫زوجته وحمايتها من أن ّ‬
‫كرامتها وعفتها‪ ،‬كما أنها ‪ -‬أعني غيرة الرجل ‪ -‬تدفعه أيض ًا إلى صونها من االنزالق إلى‬
‫فإن غيرة المؤمن ال تقتصر على زوجته‪ ،‬بل إنّها تمتدّ إلى بناته أو‬‫الحرام‪ .‬وبهذا المعنى ّ‬
‫فإن هؤالء ه ّن عرضه‪ ،‬ويجدر به حمايتهن من‬ ‫أخواته وسائر قريباته وكل النساء المؤمنات‪ّ ،‬‬
‫فإن الغيرة ال تدفع المؤمن‬‫الوقوع في الحرام ما استطاع إلى ذلك سبيالً‪ .‬وعالو ًة على ذلك‪ّ ،‬‬
‫إلى تحصين الغير فحسب‪ ،‬بل تدفعه إلى تحصين نفسه من االنزالق إلى ما يكون ارتكابه‬
‫منافي ًا للعفة والحشمة‪ ،‬ومن هنا ورد عن اإلمام علي‪« :‬ما زنى غيور قط»(((‪ ،‬أي ّ‬
‫إن الغيور‬
‫ال يرضى لنفسه ما يأباه لغيره‪.‬‬
‫هذا ولك ّن غيرة الرجل إنّما تكون إيمان ًا إذا لم تتعد الحدود المعقولة والمعتادة‪ ،‬فبعض‬
‫الرجال قد تدفعه غيرته إلى منع زوجته من الخروج من بيتها في مطلق الظروف واألحوال‪،‬‬
‫فيتركها حبيسة البيت‪ ،‬وال يسمح لها بزيارة أحد حتى األرحام واألقارب‪ ،‬وربما منعهم‬
‫‪ -‬أيض ًا ‪ -‬من زيارتها‪ ،‬وهذه الغيرة الشديدة والتي تتجاوز الحدود قد ينتج عنها خالف‬
‫تحصن المرأة فإنها قد تدفعها ‪ -‬كردة ٍ‬
‫فعل على تشدد الزوج ‪ -‬إلى‬ ‫ّ‬ ‫المقصود‪ ،‬فبدل أن‬

‫(((   غرر الحكم ودرر الكلم المفهرس‪ ،‬ترتيب عبد الحسن دهيني ص‪ ،270‬وذكره في عيون الحكم‬
‫وصرح بذلك في‬ ‫ّ‬ ‫والمواعظ‪ ،‬ص‪ ،347‬وكتاب العيون هذا معتمد على كتاب الغرر كما ال يخفى‪،‬‬
‫مقدمة كتابه‪ ،‬وقد اعترف السيد عبد الزهراء الكعبي بعدم العثور على مصدر آخر للرواية غير ما جاء‬
‫في النهج والغرر‪.‬‬
‫(((   نهج البالغة‪ ،‬ج‪ 4‬ص‪.73‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪266‬‬
‫ارتكاب المحذور‪ ،‬ومن هنا ورد في رسالة أمير المؤمنين‪ ‬إلى ابنه اإلمام الحسن‪:‬‬
‫الس َق ِم وا ْل َب ِري َئ َة إِ َلى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اك وال َّتغَا ُي َر فِي َغ ْي ِر َم ْو ِض ِع ا ْل َغ ْي َر ِة‪َ ،‬فإِ َّن َذلِ َ‬
‫يح َة من ُْه َّن إِ َلى َّ‬
‫الصح َ‬
‫ك َيدْ ُعو َّ‬ ‫«إ َّي َ‬
‫ب»(((‪ ،‬هذا كله في غيرة الرجل‪.‬‬ ‫الر َي ِ‬
‫وأ ّما غيرة المرأة فإنّما تكون فعل كفر‪ ،‬باعتبار أنّها تدفعها للسخط من زوجها بسبب‬
‫قصرت في حقه‪ ،‬وغالب ًا ما تدفعها الغيرة إلى‬ ‫تزوجه من امرأة أخرى‪ ،‬والنقمة عليه‪ ،‬وربما ّ‬
‫شتم الزوجة األخرى والتهجم عليها والنيل منها أو الكيد لها‪ ،‬فهذه الغيرة هي التي يرفضها‬
‫اإلمام علي‪ - ‬بنا ًء على صحة الرواية ‪ -‬وما يرفضه علي‪ ‬هو ما يرفضه اإلسالم‪ .‬وأما‬
‫إذا كانت غيرتها منطلقة من حرصها على أن ال يقع زوجها أو ابنها أو أخوها في الحرام‪ ،‬أو‬
‫فعل القبيح‪ ،‬فهذه الغيرة هي فعل إيمان وال تفترق عن غيرة الرجل في شيء‪ ،‬وليست هي‬
‫محط نظر اإلمام‪ .‬وسيأتي مزيد توضيح لهذا األمر في الوقفة الثالثة‪.‬‬
‫السؤال الثاني‪ :‬كيف نفهم الحكم على غيرة المرأة بالكفر‪ ،‬مع ّ‬
‫أن غيرة المرأة بالمعنى‬
‫المذكور ال تعدو كونها معصية لله تعالى؟!‬
‫والجواب هو بأحد وجهين‪:‬‬
‫إن الكفر هنا ال يراد به الكفر العقدي المخرج عن الملة وإنما الكفر‬‫الوجه األول‪ّ :‬‬
‫العملي‪ ،‬المتمثل بالتمرد على الله تعالى وعصيان أوامره‪ ،‬ويؤيد ذلك قرينتان‪:‬‬
‫إحداهما‪ :‬خارجية‪ ،‬وهي ما جاء في رواية اآلمدي « وغيرة المرأة عدوان»‪ ،‬حيث‬
‫نالحظ استبدال لفظ «كفر» بلفظ آخر‪ ،‬وهو «عدوان»‪ ،‬والعدوان معصية لله تعالى‪.‬‬
‫أن اإلمام‪ - ‬على فرض صدور الرواية ‪ -‬لم يحكم بتكفير‬ ‫والثانية‪ :‬داخلية‪ ،‬وهي ّ‬
‫المرأة نفسها بسبب الغيرة‪ ،‬وإنما حكم على غيرتها بالكفر‪ ،‬ومن الواضح ّ‬
‫أن تكفير القول‬
‫أو الفعل ال يالزم تكفير صاحبه إال في حال التفات الشخص إلى لوازم ما يقول أو يفعل‪،‬‬
‫والتزامه باللوازم‪ ،‬بما يكون مرجعه إلى تكذيب الرسول(ص) أو الرد عليه‪.‬‬
‫إن علي ًا‪ ‬عندما حكم بكون غيرة المرأة كفر ًا فهو ناظر إلى نوع‬
‫الوجه الثاني‪ :‬أن يقال ّ‬
‫ينص‬
‫من الغيرة‪ ،‬وهي التي تدفع المرأة الغيراء إلى االعتراض على حكم الله تعالى الذي ّ‬
‫فإن هذا االعتراض قد ينتهي بها ‪ -‬ال سمح الله ‪ -‬إلى الكفر‪،‬‬ ‫على حل ّية تعدد الزوجات‪ّ .‬‬

‫(((   الكافي‪ ،‬ج ‪ 5‬ص ‪ ،637‬ونهج البالغة‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪.56‬‬


‫‪267‬‬ ‫المحور الخامس‪ :‬ما روي عن علي‪ ‬في ذ ّم المرأة‬
‫تضمن اعتراض ًا على الله تعالى واتهام ًا له بالظلم وعدم العدل‪ ،‬ونحن نسمع بعض‬
‫ّ‬ ‫إذا ما‬
‫الكلمات المعترضة على عدل الله تصدر من بعض النساء‪ ،‬حيث إنّها تصف الحكم الشرعي‬
‫الذي يسمح للرجل بالتعدد بأنه حكم ظالم‪ ،‬وتقولها بصراحة‪ّ :‬‬
‫إن اإلسالم ظلم المرأة من‬
‫خالل ذلك!‬

‫الوقفة الثالثة‪ :‬درا�سة الم�ضمون‬


‫صح سندها؟‬
‫هل يمكن القبول بمضمون الرواية فيما لو ّ‬
‫ّ‬
‫إن مضمون الرواية يواجهه إشكاالن‪:‬‬
‫اإلشكال األول‪ :‬كيف تكون الغيرة كفر ًا مع أنّها ‪ -‬سواء كانت لدى الرجل أو المرأة ‪-‬‬
‫اإلنسان على ٍ‬
‫صفة‬ ‫َ‬ ‫من حيث المبدأ صفة كمال وعنصر خير لصاحبها؟! والله تعالى ال َي ْفطِ ُر‬
‫شر على إطالقها‪ ،‬بل ّ‬
‫إن كل ما فطرنا الله‬ ‫مصدر ٍّ‬
‫َ‬ ‫كريهة وقبيحة وال َي ْخ ُل ُق فيه غريز ًة تكون‬
‫يلوث صفاء‬ ‫عليه وزودنا به من غرائز هو مصدر خير لنا‪ ،‬ولك ّن اإلنسان نفسه وبسوء اختياره ّ‬
‫الفطرة أو يتمادى في استخدام الغريزة في غير محلها‪ ،‬بما يبعده عن ّ‬
‫خط الهداية ومسار‬
‫الكمال الروحي وصراط األخالق النبيلة‪.‬‬
‫ولهذا ال يسعنا أن نفهم غيرة المرأة على أنّها شر بالمطلق‪ ،‬إذ قد ت َُو ِّظ ُ‬
‫ف المرأ ُة غيرتَها‬
‫أن المرأة كانت تغار على زوجها بمعنى أنّها تخشى عليه‬ ‫خط رضوان الله‪ ،‬كما لو فرض ّ‬ ‫في ِّ‬
‫من الوقوع في العالقة الجنس ّية المحرمة‪ ،‬لكون ذلك موجب ًا لسخط الله تعالى عليه‪ّ ،‬‬
‫فإن‬
‫غيرتها هذه هي لله تعالى ال لذاتها‪ ،‬ولذا فإنّها تؤجر عليها وال تأثم‪.‬‬
‫أن غيرة المرأة حتى في صورة إقدام زوجها على الزواج بأخرى زواج ًا محلالً‪،‬‬ ‫على ّ‬
‫ليست أمر ًا محرم ًا ما لم تتجاوز ‪ -‬أي المرأة ‪ -‬بسببها الحدود الشرع ّية‪ ،‬فلو ظ ّلت الغيرة‬
‫ضرتها أو َتنَاولها بمكروه أو سوء أو غيبة أو‬ ‫ِ‬
‫حبيسة نفسها ولم تفجرها باالعتداء على ّ‬
‫تسج ْل اعتراض ًا على إرادة الله‬ ‫حق زوجها ولم ْ‬
‫تنل منه ولم ّ‬ ‫تقصر في ِّ‬
‫سخرية أو سباب‪ ،‬ولم ّ‬
‫وتشريعه‪ ،‬فال يمكن والحال هذه الحكم بحرمة الغيرة‪.‬‬
‫أمر أودعه الله تعالى فيها وفطرها عليه‪ ،‬فتكون‬ ‫اإلشكال الثاني‪ّ :‬‬
‫إن الغيرة في ذاتها هي ٌ‬
‫أمر ًا ال إرادي ًا يفرض نفسه على المرأة أو الرجل دون اختيار منهما‪ ،‬ولهذا ال يمكن أن تكون‬
‫يتوجه إلى اإلنسان فيما يقع تحت إرادته‪.‬‬ ‫بنفسها مورد ًا للنهي والتكليف‪ّ ،‬‬
‫فإن التكليف إنّما ّ‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪268‬‬
‫أجل‪ ،‬يمكن أن تقع الغيرة مورد ًا للتكليف بلحاظ تعبيراتها التي تظهر من خاللها وتتجسد‬
‫فيها من قول أو فعل‪ ،‬وحالها في ذلك حال سائر الصفات النفسية‪ ،‬كالغضب‪ ،‬أو الحسد‪ ،‬أو‬
‫حديث النفس بشأن الخالق‪ ،‬أو غيرها؛ ويشهد لذلك ما ورد في حديث الرفع المروي عن‬
‫رسول الله(ص)‪« :‬رفع عن أمتي الخطأ والنسيان‪ ..‬والوسوسة في التفكير في الخلق‪ ،‬ما لم‬
‫ينطق بشفة»(((‪.‬‬
‫إن الرواية ‪-‬على فرض صحتها‪-‬‬ ‫إن ما تقدّ م في هذين اإلشكالين يحتّم علينا القول‪ّ :‬‬
‫ّ‬
‫ناظر ٌة إلى نو ٍع خاص من الغيرة‪ ،‬وهي الغيرة التي تدفع المرأة إلى إظهار غيرتها بقول أو ٍ‬
‫فعل‬
‫ال عن كونها كفر ًا‪.‬‬
‫متجاوزة حد ًا من حدود الله تعالى‪ ،‬وأ ّما بدون ذلك فال يحكم بحرمتها فض ً‬
‫أجل‪ ،‬من الضروري والمهم في آن أن ُيعمل على توجيه المرأة الغيراء وإرشادها إلى ضرورة‬
‫السعي في مجاهدة نفسها وتهذيبها كي ال تندفع مع غيرتها وتقع فيما يس ِ‬
‫خ ُط الله تعالى‪.‬‬ ‫ُْ‬

‫‪--5‬حديث «�إياك وم�شاورة الن�ساء»‬


‫او َر َة‬ ‫اك و ُم َش َ‬ ‫ومن األحاديث المرو ّية عنه‪ ‬هو ما جاء في وصيته البنه الحسن‪« :‬وإِ َّي َ‬
‫ِ‬ ‫ف َع َل ْي ِه َّن ِم ْن َأ ْب َص ِ‬ ‫النِّس ِ‬
‫اه َّن‪،‬‬ ‫ار ِه َّن بِح َجابِ َك إِ َّي ُ‬ ‫اء‪َ ،‬فإِ َّن َر ْأ َي ُه َّن إِ َلى َأ ْف ٍن و َع ْز َم ُه َّن إِ َلى َو ْه ٍن‪ ،‬وا ْك ُف ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وج ُه َّن بأ َشدَّ ‪ ،‬م ْن إ ْد َخال َك َم ْن َل ُيو َث ُق به َع َل ْيه َّن‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َفإِ َّن شدَّ َة ا ْلح َجاب َأ ْب َقى َع َل ْيه َّن‪ ،‬و َل ْي َس ُخ ُر ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫او َز َن ْف َس َها‪َ ،‬فإِ َّن ا ْل َم ْر َأ َة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول ت َُم ِّلك ا ْل َم ْر َأ َة م ْن َأ ْم ِر َها َما َج َ‬
‫اس َت َط ْع َت َأ َّل َي ْع ِر ْف َن َغ ْي َر َك َفا ْف َع ْل‪َ ،‬‬ ‫وإِن ْ‬
‫ول ُت ْط ِم ْع َها فِي َأ ْن ت َْش َف َع لِ َغ ْي ِر َها»(((‪.‬‬ ‫ول َت ْعدُ بِك ََرا َمتِ َها َن ْف َس َها َ‬‫َر ْي َحا َن ٌة و َل ْي َس ْت بِ َق ْه َر َمان ٍَة‪َ ،‬‬
‫بيان‪ :‬قال الجوهري‪« :‬األفن» بالتحريك‪ :‬ضعف الرأي‪.‬‬
‫ويستوقفنا في هذا النص عدّ ة أمور‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬النهي عن مشاورة النساء‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬الدعوة إلى حبسهن في البيوت‪.‬‬
‫مما جاوز نفسها شيئ ًا‪.‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬التأكيد على ّ‬
‫أن المرأة ال تملك ّ‬
‫وتعليقنا على هذه الرواية نب ِّينُ ُه من خالل الوقفتين التاليتين‪:‬‬

‫(((   انظر‪ :‬التوحيد للصدوق‪ ،‬ص‪ ،353‬والخصال‪ ،‬ص‪ ،417‬ومن ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.59‬‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫(((   نهج البالغة‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪ ،56‬وهي مروية في الكافي‪ ،‬ج ‪ 5‬ص ‪ ،338‬إلى قوله‪« :‬وإِن ْ‬
‫اس َت َط ْع َت أل َي ْعرف َن‬
‫ْ‬
‫َغ ْي َر َك َفا ْف َع ْل»‪.‬‬
‫‪269‬‬ ‫المحور الخامس‪ :‬ما روي عن علي‪ ‬في ذ ّم المرأة‬
‫الوقفة األولى‪ّ :‬‬
‫إن الرواية ضعيفة السند‪ ،‬فهي في «النهج» مرسلة‪ ،‬وفي «الكافي» وإن‬
‫كانت مسندة لك ّن سندها ليس صحيح ًا(((‪.‬‬
‫إن هذه الوص ّية ألمير المؤمنين‪ ‬معروفة ومشهورة وقد وردت‬ ‫ولكن قد يقال‪ّ :‬‬
‫في مصادر أخرى(((‪ ،‬فال داعي للتشكيك بها سند ًا‪ .‬ناهيك عن ّ‬
‫أن هذه الوصية ‪ -‬في غالب‬
‫فقراتها ‪ -‬تمتاز بمضمون رفيع ما يؤ ّيد صدورها عن علي‪.‬‬
‫ٍ‬
‫وإشكاالت يمكن‬ ‫ثمة أسئل ًة‬ ‫إن الرواية مع التسليم بصحة سندها‪ّ ،‬‬ ‫الوقفة الثانية‪ّ :‬‬
‫فإن ّ‬
‫تسجيلها إزاء ما تضمنته‪ ،‬األمر الذي يثير الشك في صدورها عن أمير المؤمنين‪ ‬بداعي‬
‫بيان القاعدة العامة في المرأة‪ ،‬وإليك بيان ذلك‪:‬‬

‫هل ت�صلح المر�أة للم�شورة؟‬


‫أوالً‪ّ :‬‬
‫إن ما جاء في الرواية حول النهي عن مشاورة النساء‪ ،‬مخالف لمطلقات القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬كقوله تعالى‪ :‬ﵛﭐﲎ ﲏ ﲐﵚ(((‪ ،‬وال دليل يقتضي تقييد إطالق اآلية وحملها‬
‫على خصوص الرجال‪.‬‬
‫نص على أهل ّية المرأة للمشورة‬ ‫هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى‪ّ ،‬‬
‫فإن القرآن الكريم قد ّ‬
‫في أمر خطير‪ ،‬وهو وضع حدٍّ للحياة الزوجية‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﵛﭐﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ‬
‫ﳇ ﳈ ﳉ ﳊﵚ(((‪ ،‬فباألولى أن تستشار فيما دون ذلك من القضايا‪.‬‬
‫إن الدليل على تقييد مطلقات الشورى موجود‪ ،‬وهو الرواية نفسها‪،‬‬ ‫وربما يقال‪ّ :‬‬
‫وم ْن‬ ‫«م ِن ْاس َت َبدَّ بِ َر ْأيِه َه َل َ‬
‫ك‪َ ،‬‬ ‫باإلضافة إلى ما روي عن أمير المؤمنين‪ ‬أيض ًا من قوله‪َ :‬‬
‫أن الرجال هم أهل المشورة‪.‬‬ ‫دل على ّ‬ ‫الر َج َال َش َارك ََها فِي ُع ُقولِ َها»(((‪ ،‬حيث ّ‬
‫َش َاو َر ِّ‬
‫والجواب‪ :‬أ ّما الرواية المبحوث عنها فال تصلح لتقييد المطلقات حتى على فرض‬

‫  وقد اعترف العالمة المجلسي بضعفها‪ ،‬انظر‪ :‬مرآة العقول‪ ،‬ج ‪ 20‬ص ‪.30‬‬ ‫(((‬
‫  انظر‪ :‬تحف العقول عن آل الرسول(ص)‪ ،‬ص ‪ .86‬وأوردها الشريف الرضي في خصائص األئمة‪،‬‬ ‫(((‬
‫ص ‪ ،118‬ورواها الكراجكي في كنز الفوائد‪ ،‬ص ‪ ،117‬وروى الواسطي بعض المقاطع منها في كتابه‬
‫عيون الحكم والمواعظ‪ ،‬ص‪ ،526‬وكذا الطبرسي في مكارم األخالق‪ ،‬ص‪.218‬‬
‫ سورة الشورى‪ ،‬اآلية ‪.38‬‬ ‫(((‬
‫ سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.233‬‬ ‫(((‬
‫  نهج البالغة‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪.41‬‬ ‫(((‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪270‬‬
‫صحتها سند ًا‪ ،‬وذلك لما سيأتي من احتمال أنّها صادرة على نهج القضية الخارجية‪ ،‬وأما‬
‫ما جاء في كالمه اآلخر وهو قوله‪« :‬ومن شاور الرجال‪ »..‬فهو ‪ -‬على فرض صحته سند ًا ‪-‬‬
‫ال ينافي المطلقات‪ّ ،‬‬
‫ألن «الرجل» في مثل هذا الكالم ونظائره وارد على سبيل المثال‪ ،‬فال‬
‫ال واحد ًا خير‬
‫مفهوم له‪ ،‬فيكون نظير قوله(ص) لعلي‪ ‬يوم خيبر‪« :‬لئن يهدى الله بك رج ً‬
‫لك من أن يكون لك حمر النعم»(((‪.‬‬
‫بأن «رأيهن إلى وهن وعزمه ّن إلى أفن»‪ ،‬ليس‬ ‫أن تعليله‪ ‬للنهي عن مشاورتهن ّ‬ ‫على ّ‬
‫مطرد ًا وال غالبي ًا‪ ،‬فالمرأة أمام أعيننا‪ ،‬ونحن نعاين تجربتها في مجالي العلم والعمل‪ ،‬فنراها‬
‫قد دخلت الكثير من المجالس النياب ّية والتنفيذية والقضائ ّية في الكثير من دول العالم‪ ،‬ونراها‬
‫‪ -‬في األعم األغلب ‪ -‬تصدر آرا ًء صائبة وتقدّ م أفكار ًا مفيدة ونافعة‪ .‬ولذا ال يبعد أن يكون‬
‫كالمه ناظر ًا إلى المرأة في زمانه‪ ،‬واإلمام‪ ‬عندما يتحدّ ث فليس بالضرورة أن يكون صادر ًا‬
‫في تقييماته من موقع العلم الخاص الموروث عن رسول الله(ص) عن الله تعالى‪ - ،‬كما‬
‫ثبت في محله ‪ -‬وإنّما قد يتحدّ ث من موقع حصيلة معرف ّية معتمدة على مالحظة حال المرأة‬
‫أن كالمه ‪ -‬والحال هذه ‪ -‬ظرفي‪ ،‬وليس وارد ًا لتأسيس القاعدة العابرة‬ ‫في زمانه‪ ،‬ما يعني ّ‬
‫للزمان والمكان‪.‬‬
‫إن الباحث في التاريخ اإلسالمي ال يخفى عليه ّ‬
‫أن المرأة في تلك الحقبة الزمانية‬ ‫ّ‬
‫ال ومهمش ًا وبعيد ًا كل البعد عن خوض‬
‫قد أحاطت بها ظروف خاصة‪ ،‬جعلتها إنسان ًا جاه ً‬
‫التجارب في الشؤون العامة‪ ،‬ولذا كان من الطبيعي أن ال يعتدّ برأيها في ذلك‪ ،‬لكن إذا‬
‫اختلفت الظروف وتوفرت لها اإلمكانات وخرجت من حصارات التجهيل والتهميش‬
‫والالمباالة‪ ،‬فإنّها ستكون قادرة على التفكير وإعطاء الرأي الصائب(((‪.‬‬
‫ولنا شاهد على ذلك من خالل سيرة اإلمام علي‪ ‬نفسه‪ ،‬فخالل فترة زمانية قصيرة‬
‫استطاع علي‪ ‬أن ير ِّبي جي ً‬
‫ال من النساء الجليالت ذوات الرأي الصائب والشجاعة الفائقة‪،‬‬

‫(((   صحيح البخاري‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪.207‬‬


‫(((   وقد تن ّبه إلى هذا المعنى الشيخ محمد جواد مغنية‪ ،‬حيث قال‪« :‬فأي إنسان جمع في مشورته بين‬
‫الوعي واإلخالص يصح األخذ بها واالعتماد عليها رج ً‬
‫ال كان أم امرأة‪ ،‬ومتى انتفى هذان سقطت‬
‫المشورة عن االعتبار وإن كان المشير رجالً‪ ،‬أما نهي النبي وعلي عن مشورة النساء فيحمل على‬
‫مشورة الجاهلية‪ ،‬وكان أكثر النساء آنذاك في معزل عن العلم وتجارب الحياة‪ ،‬وال ذنب للمرأة في‬
‫قصر الرجل في تربيتها مع العلم بأنها من طينة الرجل‪ ،‬وطبيعتهما واحدة‪ ،‬ويشتركان في‬‫ذلك إذا ّ‬
‫المسؤولية على قدم المساواة»‪ ،‬انظر‪ :‬في ظالل نهج البالغة‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪.531‬‬
‫‪271‬‬ ‫المحور الخامس‪ :‬ما روي عن علي‪ ‬في ذ ّم المرأة‬
‫َأ ُك ّن من بناته وأهل بيته أو غيرهن من النسوة الالتي تع ّلمن في مدرسته وجلسن تحت منبره‪،‬‬
‫محور سابق‪ ،‬وما فعله‪ ‬يشكّل خطوة هامة كان من المفترض أن‬ ‫ٍ‬ ‫وقد ذكرنا أسماءهن في‬
‫تغيير شامل على صعيد مكانة المرأة ودورها في‬‫ٍ‬ ‫يتم استكمالها والبناء عليها‪ ،‬بهدف إيجاد‬
‫َّ‬
‫فظل الجو العام الحاكم على تلك‬ ‫الحياة‪ ،‬ولك ّن ما حصل بعد ذلك لم يكن على ما يرام‪َّ ،‬‬
‫المرحلة هو بقاء المرأة على الهامش حبيسة البيت ورهينة الجهل‪ ،‬كما أشرنا إلى ذلك سابق ًا‪.‬‬
‫النص الذي نحن بصدده‬ ‫أن يكون ّ‬ ‫ولهذا كله يتع ّين علينا القول‪ :‬إنّه من غير البعيد ّ‬
‫ناظر ًا إلى المرحلة الزمانية التي عاشها اإلمام‪ ‬كما يشهد به تعليله المشار إليه‪ ،‬وربما كان‬
‫نظره‪ ‬إلى مشورة المرأة في قضايا الحرب بقرينة أنّه‪ ‬أوصى ابنه اإلمام الحسن‪‬‬
‫أن المرأة ‪ -‬في األغلب ‪ -‬تضعف أو‬ ‫بهذه الوصية عند منصرفه من صفين(((‪ .‬ومن المعلوم ّ‬
‫ٍ‬
‫وتخريب‬ ‫تتردد في إصدار قرارات الحرب وما يترتّب عليها من قتل وتهجير وأسر للناس‬
‫للديار‪ ،‬وإن كنا قد الحظنا بعض النسوة في عصرنا هذا قد أقدمنا على إصدار مثل هذه‬
‫أن هذا يبقى نادر ًا في صنف النساء‪.‬‬ ‫القرارات‪ ،‬إال ّ‬
‫ومما يشهد لما قلناه من أنّه‪ - ‬على فرض صدور الرواية عنه ‪ -‬ال يريد التعميم‪ ،‬هو‬
‫أنّنا قد الحظنا وجود رواية أخرى لهذه الوصية وقد استثنى فيها اإلمام‪ ‬النساء المجربات‪:‬‬
‫«إياك ومشاورة النساء ّإل من ُج ِّربت بكمال عقل»(((‪.‬‬

‫الدعوة �إلى حب�س الن�ساء!‬


‫ثاني ًا‪ :‬واألمر اآلخر المثير للشك‪ ،‬والباعث على االستغراب هو الدعوة إلى حبس‬
‫المرأة وحجبها عن الناس بحيث يكون من المستحسن أن ال تتعرف على غير زوجها‪،‬‬
‫والوجه في ذلك ما توحي به إشارات النص وتلميحاته هو ضعف إيمانها‪ ،‬ما يجعلها تسقط‬
‫ِ‬ ‫ف َع َل ْي ِه َّن ِم ْن َأ ْب َص ِ‬
‫ار ِه َّن بِح َجابِ َك إِ َّي ُ‬
‫اه َّن‪َ ،‬فإِ َّن‬ ‫فتأمل مجدد ًا في قوله‪« :‬وا ْك ُف ْ‬ ‫ْ‬ ‫أمام أي اهتزاز‪،‬‬
‫وج ُه َّن بِ َأ َشدَّ ِم ْن إِ ْد َخالِ َك َم ْن َل ُيو َث ُق بِه َع َل ْي ِه َّن‪ ،‬وإِ ِن‬ ‫ِشدَّ َة ا ْل ِح َج ِ‬
‫اب َأ ْب َقى َع َل ْي ِه َّن‪ ،‬و َل ْي َس ُخ ُر ُ‬
‫يكف بصر المرأة ويحول دون نظرها‬ ‫اس َت َط ْع َت َأ َّل َي ْع ِر ْف َن َغ ْي َر َك َفا ْف َع ْل»‪ ،‬فهو يأمر الرجل بأن ّ‬ ‫ْ‬
‫إلى غيره من خالل حجبها عن الغير ومنع اختالطها به أو دخوله عليها‪ ،‬أو خروجها إليه‪،‬‬
‫أن األثر النفسي الذي تتركه‬ ‫وكل ذلك هدفه اإلبقاء عليها وصونها وحفظ عفتها‪ ،‬أال ترى ّ‬

‫(((   كما ذكر الشريف الرضي في مستهل الوصية‪ ،‬انظر‪ :‬نهج البالغة‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.37‬‬
‫(((   كنز الفوائد للكراجكي‪ ،‬ص ‪ ،177‬وكنز العمال‪ ،‬ج ‪ 16‬ص ‪.183‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪272‬‬
‫هذه الدعوة على الرجل ‪ -‬فيما لو أراد العمل بها ‪ -‬هو جعل زوجته أو ابنته أو أخته تحت‬
‫المراقبة أو وضعها في قفص االتهام فال يأمن جانبها وال يثق بها! ناهيك عن أنّها دعوة إلى‬
‫عزل المرأة عن الحياة االجتماعية العامة وإبقائها حبيسة البيوت‪ ،‬مع ما يعنيه ذلك من إبقائها‬
‫رهينة الجهل والتخ ّلف‪ ،‬إذ كيف تنمو ملكات المرأة وتتفجر طاقاتها المودعة فيها وتكتسب‬
‫التجارب النافعة والمهارات المفيدة في الحياة ما دامت حبيسة بيتها وممنوعة من أن تخالط‬
‫اآلخرين وال ترى غير زوجها أو أبيها أو ابنها؟!‬
‫وج ُه َّن بِ َأ َشدَّ ِم ْن إِ ْد َخالِ َك َم ْن َل ُيو َث ُق بِه َع َل ْي ِه َّن»‪،‬‬
‫ودعونا نتأمل في فقرة‪« :‬و َل ْي َس ُخ ُر ُ‬
‫«أن إدخال من ال‬ ‫حيث أرشد إلى المفسدة المترتبة على إدخال من ال يوثق به عليه ّن معتبر ًا ّ‬
‫مساو لخروجه ّن في المفسدة أو أشدّ ‪ ..‬وإنّما كان أشدّ في بعض الصور‬ ‫ٍ‬ ‫يوثق به عليه ّن إ ّما‬
‫ألن دخول من ال ُيوثق به عليه ّن َأ ْم َك ُن لخلوته به ّن والحديث معه ّن فيما ُيراد من الفساد»(((‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ولسنا نتوقف أو نشكِّك في مفاسد إدخال من ال يؤتمن وال يوثق به على النساء‪ ،‬ولكنّنا‬
‫نتوقف في مساواة مفسدة خروجه ّن لمفسدة دخول من ال يوثق به عليهن‪ ،‬وهذا هو محل‬
‫تأم ِّلنا المتقدِّ م ونستبعد صدوره عنه‪ ‬على نحو مطلق‪ ،‬اللهم إال إذا كان مقصوده‪ ‬هو‬
‫الخروج إلى األماكن المشبوهة ومواضع التهمة أو الخروج بصحبة من ال يوثق به بقرينة‬
‫المقابلة بين الدخول والخروج في الفقرة‪.‬‬
‫مختصة بالزوجة‪ ،‬بل هي‬
‫ّ‬ ‫أن هذه الوصايا فيما يبدو ليست‬ ‫ومما يزيد في الطين ب ّلة‪ّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫زوجات أو غيره ّن‪ ،‬كما يفهم من إطالق قوله‪« :‬إياك‬ ‫ٍ‬
‫أخوات أو‬ ‫عامة لكل النساء‪ٍ ،‬‬
‫بنات أو‬
‫ومشاورة النساء»‪ ،‬ويفهم ذلك أيض ًا من تعليالت أو تبريرات هذه الوصايا‪ ،‬كتعليل عدم‬
‫بأن «رأيهن إلى أفن» وتعليله لحجبه ّن بأنّه «أبقى له ّن»‪ .‬أجل ربما كانت فقرة‬ ‫مشاورته ّن ّ‬
‫ِ‬
‫«وإِن ْ‬
‫اس َت َط ْع َت َأ َّل َي ْع ِر ْف َن َغ ْي َر َك َفا ْف َع ْل» أكثر التصاق ًا بالزوجات‪ ،‬ولكن يمكن فهمها حتى في‬
‫إطار التعميم المشار إليه‪ ،‬وهذا التعميم يزيد األمر إشكاالً وتعقيد ًا‪.‬‬
‫ولذلك ال نستطيع أن نصدّ ق بصدور هذه التعليمات عن علي‪ ‬على سبيل القاعدة‬
‫العامة والمطردة في كل زمان ومكان وبلحاظ كل النساء‪ ،‬وإنّما يمكن فهمها ‪ -‬لو ثبت‬
‫صدورها عنه ‪ -‬في نطاق خاص‪ ،‬وهو أن يكون الخروج محفوف ًا بالشبهات أو إلى مواضع‬
‫التهمة والريبة كما أسلفنا‪ .‬ومما يشهد لعدم اإلطالق في كالمه هو مالحظة سيرة اإلمام‪‬‬
‫(((   شرح نهج البالغة البن ميثم البحراني‪ ،‬ج ‪ 5‬ص ‪.66‬‬
‫‪273‬‬ ‫المحور الخامس‪ :‬ما روي عن علي‪ ‬في ذ ّم المرأة‬
‫نفسه‪ ،‬فقد كانت المرأة حاضرة في حياته الخاصة والعامة‪ ،‬وقد َج َل َس ْت تحت منبره واستمعت‬
‫إلى خطبه وأحاديثه‪ ،‬كما أنّه‪ ‬أخرجها معه في معاركه‪ ،‬لتقوم بدور الخطيبة في الرجال‪،‬‬
‫ومحرض ًة ومستنهضة للهمم في عمل تعبوي جهادي بالغ األهمية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫مشجع ًة‬
‫يدع إلى عزل النساء أو حجبه ّن وإخراجه ّن من الحضور‬
‫أن القرآن الكريم لم ُ‬ ‫على ّ‬
‫والمشاركة في األنشطة العامة‪ ،‬وإنّما أمره ّن ‪-‬في حديثه عن حدود العالقة مع الرجل‪ -‬أن‬
‫والغض ال‬
‫ّ‬ ‫(((‬
‫يغضضن من أبصارهن‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﵛﭐﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄﵚ‬
‫يعني الغمض‪ ،‬وإنما يعني عدم تركيز النظر‪.‬‬

‫خير للن�ساء �أن ال يرين الرجال!‬


‫إن مضمون هذه الفقرة تؤ ّيده نصوص أخرى ومن أشهرها ما روي عن‬ ‫وقد يقال‪ّ :‬‬
‫سيدتنا الزهراء‪ ‬في هذا المجال‪ ،‬وال بأس أن ننقل الحديث بسياقه الكامل ثم نع ّلق‬
‫ال عن أمير المؤمنين‪« :‬قال‪ :‬كنا عند رسول‬ ‫عليه‪ ،‬روى األربلي في كشف الغمة مرس ً‬
‫تفرقنا‪َ ،‬ف َر ِج ْع ُت‬ ‫الله (ص) فقال‪ :‬أخبروني أي شيء خير للنساء؟ فعيينا بذلك كلنا حتى ّ‬
‫إلى فاطمة‪ ‬فأخبرتُها بالذي قال لنا رسول الله (ص) وليس أحدٌ ِمنّا َع ِل َمه وال َع َر َفه‪،‬‬
‫فرج ْع ُت إلى رسول‬ ‫فقالت‪ :‬ولكنّي أعر ُفه‪ :‬خير للنساء أن ال َير ْين الرجال وال يراه ّن الرجال‪ِ ،‬‬
‫َ‬ ‫ٌ‬
‫َ‬
‫فقلت‪ :‬يا رسول الله َسأ ْل َتنَا أي شيء خير للنساء؟ خير لهن أن ال َي َر ْين الرجال‬ ‫ُ‬ ‫الله (ص)‬
‫ب ذلك‬ ‫فقلت‪ :‬فاطمة‪َ ،‬فأ ْع َج َ‬
‫ُ‬ ‫وال يراه ّن الرجال‪ ،‬فقال‪َ :‬م ْن َأ ْخ َب َر َك فلم ْ‬
‫تعلمه وأنت عندي؟‬
‫إن فاطمة بضعة مني»(((‪.‬‬ ‫رسول الله(ص) وقال‪ّ :‬‬
‫ولنا عدّ ة تعليقات على هذا الحديث‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬ضعف السند باإلرسال كما هو واضح(((‪ ،‬على أنّنا لم نجدْ هذا الخبر في المصادر‬
‫الحديث ّية من الدرجة األولى‪.‬‬

‫(((  سورة النور‪ ،‬اآلية ‪.31‬‬


‫(((   كشف الغمة في معرفة األئمة‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪ ،94‬وعنه وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ 20‬ص ‪ ،67‬الحديث ‪ 7‬من الباب‬
‫‪ 24‬من أبواب مقدمات النكاح‪ ،‬وبحار األنوار‪ ،‬ج ‪ 43‬ص ‪ .45‬ورواه الطبرسي مختصر ًا في مكارم‬
‫األخالق‪ ،‬ص ‪ ،233‬وعنه وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ 20‬ص ‪ ،232‬الباب ‪ 129‬من أبواب مقدمات النكاح وآدابه‪.‬‬
‫(((   واعترف الفقهاء بضعفه وعدم إمكان التعويل عليه‪ ،‬انظر‪ :‬شرح العروة الوثقى من تقريرات السيد‬
‫الخوئي رحمه الله‪( ،‬موسوعة السيد الخوئي) ج ‪ 32‬ص ‪.39‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪274‬‬
‫تضمنت جهل اإلمام علي‪ ‬بالجواب عن السؤال الذي طرحه‬ ‫ّ‬ ‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫إن الرواية‬
‫النبي(ص) على أصحابه‪ ،‬وهذا أمر ليس مقبوالً وفق المباني الكالمية للشيعة اإلمامية‪.‬‬
‫بأن اإلمام‪ ‬تجاهل عن اإلجابة بغرض إظهار فضيلة للسيدة‬ ‫ومحاولة إعطاء تفسير لذلك ّ‬
‫الزهراء‪ ،‬هي محاولة فاشلة‪ ،‬وال يساعد عليها سياق الخبر‪ ،‬فإنّه ظاهر في حصول‬
‫جهل حقيقي لإلمام‪ ‬بهذا الحكم!‬
‫صحة الحديث وتجاوز ما جاء في المالحظتين السابقتين‪ ،‬فهل يحمل‬
‫ثم إنّه وبنا ًء على ّ‬
‫ّ‬
‫ما جاء فيه على معناها الحرفي؟‬
‫ذكر بعض األعالم رحمه الله‪« :‬أننا ال نفهم من هذا الحديث مجرد عدم الرؤية بالمعنى‬
‫الحرفي للكلمة‪ ،‬بل نفهم منه الكناية عن عدم االختالط‪ ،‬ألنّها لم تكن في مجال الحديث‬
‫عن الحكم الشرعي‪ ..‬بل كانت في مقام إعطاء الفكرة العميقة التي تعالج مسألة االختالط‬
‫بين الرجل والمرأة‪ ،‬باعتبار أن االختالط يمكن أن يؤ ّثر سلب ًا على طهارة روحية المرأة تجاه‬
‫عالقتها بالرجل‪ ،‬أو طهارة روحية الرجل تجاه عالقته بالمرأة‪ ..‬إنّها تعالج مسألة االحتياط‬
‫من خالل ما تريده من طهارة روح ّية في المستوى األعلى من الطهارة للمرأة والرجل‪ ،‬ولك ّن‬
‫هذا المستوى العالي من الطهارة رغم أنّه يم ّثل قيمة إسالمية أخالقية كبرى من حيث الغايات‬
‫الكبرى للكمال اإلسالمي لكنه ال يم ّثل تكليف ًا شرعي ًا إسالمي ًا‪.(((»..‬‬

‫تنظيم حاالت االختالط‬


‫وفي ضوء ما تقدّ م‪ ،‬وتعليق ًا على الحديث اآلنف الذكر المنسوب للسيدة الزهراء‪،‬‬
‫نسجل رأي ًا متحفظ ًا حول مسألة الدعوة العامة إلى خروج المرأة إلى ميدان‬‫فإنّه يجمل بنا أن ّ‬
‫العمل والمشاركة في كافة األنشطة السياسية واالجتماعية واالقتصادية‪ ..‬دون وضع ضوابط‬
‫لهذا الخروج؛ ألنّه ومع تأكيدنا على مشروع ّية ذلك‪ ،‬بل وأهميته وكونه حق ًا للمرأة‪ّ ،‬‬
‫فإن‬
‫الواجب الديني واألخالقي يحتّم علينا التأكيد على ضرورة إدارة المسألة بطريقة تنسجم‬
‫مع الرؤية اإلسالمية الحريصة‪ ،‬ليس على حفظ ع ّفة المرأة وكرامتها فحسب‪ ،‬بل وحماية‬
‫المناعة األخالق ّية في المجتمع بلحاظ كل أفراده‪ ،‬ذكور ًا وإناث ًا‪ ،‬صغار ًا وكبار ًا‪ ،‬بما ّ‬
‫يحصنه‬
‫من االنفالت الغرائزي خارج حدود العالقة الزوج ّية‪ ،‬ولذا يكون من الضروري العمل على‬
‫تفعيل األخذ بالضوابط األخالقية وااللتزام بالحدود الشرعية التي تن ّظم حاالت االختالط‬

‫(((   الزهراء القدوة‪ ،‬ص ‪.226‬‬


‫‪275‬‬ ‫المحور الخامس‪ :‬ما روي عن علي‪ ‬في ذ ّم المرأة‬
‫أن من األهم ّية بمكان‪ ،‬العمل في مؤسساتنا وإداراتنا على وضع الضوابط‬ ‫بين الجنسين‪ .‬كما ّ‬
‫اإلدار ّية وتهيئة األمور والمقدمات اللوجست ّية التي تساهم في تحقيق تلك األهداف‪،‬‬
‫فيفترض بالمؤسسات اإلسالمية حكوم ّية كانت أو أهل ّية أن تراعي الضوابط األخالقية في‬
‫عمليات التوظيف‪ ،‬وأن تعمل على تهيئة األجواء المناسبة والشروط المالئمة التي تجنِّب‬
‫تحول أماكن‬
‫أماكن العمل حاالت االختالط المشبوه‪ ،‬وأن تُصدر المقررات التي تمنع من ّ‬
‫العمل المختلطة إلى أماكن لإلثارة الجنسية والتف ّلت األخالقي‪ ،‬وأن تضع قيود ًا تحدُّ أو ُ‬
‫تمنع‬
‫التبرج الفاقعة والتي تالمس حدّ التعري‪.‬‬ ‫ِ‬
‫من حاالت ّ‬

‫ال تملك مما جاوز نف�سها �شيئاً!‬


‫ثالث ًا‪ :‬واألمر الثالث الذي يبعث على التشكيك في صدور الرواية عن معدن العلم‬
‫والحكمة علي بن أبي طالب‪ ‬على سبيل القاعدة العامة والعابرة لكل زمان ومكان‪،‬‬
‫مما جاوز نفسها شيئ ًا‪ .‬قال ابن ميثم في شرح الفقرة‬ ‫ِ‬ ‫هو تأكيده‪ ‬على ّ‬
‫أن المرأة ال ت َْمل ُك ّ‬
‫المذكورة‪« :‬نهاه أن ُي َم ِّل َك المرأ َة من أمرها ما خرج عن حدّ نفسها من مأكول أو ملبوس‬
‫ونحوه‪ ،‬وما جاوز ذلك‪ ،‬كالشفاعات‪ ،‬ون ّبه على عدم صلوحها بضمير [بقياس] صغراه‪:‬‬
‫ال ل َّل ّذة‬
‫فإن المرأة ريحانة وليست بقهرمانة‪ .‬واستعار لفظ الريحانة باعتبار كونها مح ً‬‫قوله‪ّ :‬‬
‫ألن شأن نساء العرب استعمال الطيب‬ ‫ولعل تخصيص الريحانة باالستعارة ّ‬ ‫واالستمتاع بها‪ّ .‬‬
‫كثير ًا‪ ،‬وكنّى بكونها غير قهرمانة عن كونها لم تُخلق لتكون حاكمة متسلطة بل من شأنها أن‬
‫وكل من كان كذلك فال ينبغي أن يجاوزوه أمر نفسه‬ ‫تكون محكوم ًا عليها‪ ،‬وتقدير الكبرى‪ّ :‬‬
‫التصرف في أمر غيره»(((‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ويمكَّن من‬
‫أن هذه الفقرة تشكك في أهل ّية المرأة لتولي الكثير من المهام في الشأن‬ ‫والخالصة‪ّ :‬‬
‫أي أمر من األمور‪ .‬وهذا‬ ‫خارج نفسها َّ‬
‫َ‬ ‫العام أو الخاص‪ ،‬وتؤكِّد على أنّها ال تصلح لت َُم َّل َك‬
‫يتم وضعه في نطاق خاص‪ ،‬فإنّه قد ُيفهم منه أنّه يم ّثل دعوة إلى إخراج المرأة‬ ‫المعنى إذا لم ْ‬
‫وإبعادها عن المشاركة في الحياة االجتماعية والسياسية واألسرية‪ .‬ولذلك فإنّنا نرجح‬
‫أنّه لم يصدر عنه‪ ‬على سبيل تأسيس القاعدة العامة‪ ،‬ولم ُيقصد به بيان عدم صالحية‬
‫المرأة للمشاركة في الحياة االجتماعية والسياسية وغيرهما‪ّ ،‬‬
‫وإل لكان منافي ًا للواقع الذي‬
‫يشهد بأهلية المرأة وجدارتها العمل ّية للقيام بالكثير من المسؤوليات واألعمال في الحقل‬

‫(((   شرح نهج البالغة‪ ،‬ج ‪ 5‬ص ‪.66‬‬


‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪276‬‬
‫االجتماعي العام‪ ،‬كما أنّه مخالف للقرآن الكريم الذي أكدّ على صالحية المرأة وأهليتها‬
‫للقيام بواجب األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬كما أسلفنا فيما سبق‪.‬‬
‫(((‬
‫‪--6‬حديث‪« :‬ا ْل َم ْر�أَ ُة َع ْق َربٌ ُح ْل َو ُة اللَّ ْ�س َب ِة»‬
‫وهذه كلمة أخرى تُنسب إلى أمير المؤمنين‪ ،‬وهي ت َِص ُ‬
‫ف المرأة بكونها عقرب ًا‪،‬‬
‫للتعرف على مدلولها ومدى إمكان القبول بصدورها‬ ‫ّ‬ ‫فال بدّ من التوقف عندها ودراستها‬
‫عنه‪ .‬ولن نتوقف عند السند كثير ًا؛ ّ‬
‫ألن الرواية مرسلة‪ ،‬كأكثر روايات النهج‪ ،‬وإنّما يهمنا‬
‫النظر في مضمونها‪ ،‬وهذا ما سوف نتناوله من خالل عدة وقفات‪:‬‬

‫‪ 1 -1‬وقفة لغوية‬
‫يالحظ أنّه في «النهج» المطبوع وردت الكلمة هكذا «الل ْب َسة»‪ ،‬وعلى هذا األساس‬
‫شرحها الشيخ محمد عبده‪ ،‬فقال‪« :‬ال ِّل ْب َسة ‪ -‬بالكسر ‪ -‬حالة من حاالت ال ُّل ْب ِ‬
‫س ‪ -‬بالضم ‪،-‬‬
‫ست فالنة‪ ،‬أي عاشرتها زمن ًا طويالً‪ .‬والعقرب ال تحلو لبستها‪ .‬أ ّما المرأة فهي هي في‬‫يقال‪َ :‬لبِ ُ‬
‫اإليذاء‪ ،‬لكنّها حلوة اللبسة»(((‪ ،‬وقد ذهب الشيخ مغنية إلى هذا الرأي‪ ،‬فقال‪« :‬وهذا القول‬
‫أقرب إلى اآلية ‪ 187‬من سورة البقرة‪ :‬ﵛﭐﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎﵚ «(((‪.‬‬
‫ولك ّن الرأي اآلخر هو قراءتها كالتالي‪« :‬اللسبة»‪ ،‬بتقديم السين على الباء‪ ،‬وهذا ما‬
‫وصححه آخرون(((‪ ،‬وهو ما جاء في «شرح النهج» البن أبي الحديد وغيره(((‪ ،‬والمراد‬‫ّ‬ ‫رجحه‬
‫ّ‬
‫بـ «اللسبة» هي اللسعة‪ ،‬يقال‪ :‬لسبته العقرب‪ ،‬أي لسعته(((‪ ،‬وفي «مجمع البيان» رواها هكذا‪:‬‬
‫«عقرب حلوة اللسعة»(((‪.‬‬

‫  نهج البالغة‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪ .88‬ونسبه الزمخشري إليه‪ ،‬انظر‪ :‬ربيع األبرار‪ ،‬ج ‪ 5‬ص ‪.252‬‬ ‫(((‬
‫  نهج البالغة‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪.15‬‬ ‫(((‬
‫  في ظالل نهج البالغة‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪.252‬‬ ‫(((‬
‫  وقد عدّ بعضهم قراءة «اللبسة» من جملة اشتباهات الشيخ محمد عبده‪ ،‬ومثل هذا االشتباه هو من‬ ‫(((‬
‫جملة مؤاخذات الشيخ صبحي الصالح عليه‪ ،‬انظر‪ :‬نهج البالغة‪ ،‬بتعليق وتحقيق الشيخ صبحي‬
‫الصالح ص ‪ 23‬من المقدمة‪.‬‬
‫  شرح نهج البالغة البن أبي الحديد‪ ،‬ج ‪ 18‬ص ‪ ،198‬ونحوه ما جاء في شرح النهج للبحراني‪ ،‬ج ‪ 5‬ص‬ ‫(((‬
‫‪ ،272‬وبحار األنوار‪ ،‬ج‪ 100‬ص ‪ ،228‬ومستدرك الوسائل‪ ،‬ج ‪ 14‬ص ‪.159‬‬
‫  شرح نهج البالغة البن أبي الحديد‪ ،‬ج ‪ 18‬ص‪.198‬‬ ‫(((‬
‫  مجمع البيان‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.252‬‬ ‫(((‬
‫‪277‬‬ ‫المحور الخامس‪ :‬ما روي عن علي‪ ‬في ذ ّم المرأة‬
‫وص َ‬
‫ف‪ ‬المرأة بالعقرب؟‬ ‫‪2 -2‬لماذا َ‬
‫شراح النهج وجوه ًا عدّ ة تبرير ًا لهذا التوصيف‪:‬‬
‫قدّ م ّ‬
‫أن اإلمام‪ ‬إنّما استعار لفظ‬ ‫أوالً‪ :‬ما ذكره ابن ميثم البحراني رحمه الله‪ ،‬حيث رأى ّ‬
‫أن من شأنها األذى‪ ،‬لك ّن أذاها مشوب بما فيها من ّ‬
‫اللذة‬ ‫العقرب في وصف المرأة «باعتبار ّ‬
‫ب المشوب ّ‬
‫بلذته في زيادة حكَّته»(((‪.‬‬ ‫الج َر ِ‬
‫يحس به‪ ،‬وهو كأذى َ‬
‫بها‪ ،‬فال ّ‬
‫ثاني ًا‪ :‬وأ ّما الشارح اآلخر لنهج البالغة وهو المحقق حبيب الله الخوئي رحمه الله‪ ،‬فلم‬
‫ِ‬
‫يبتعد عن هذا الجو‪ ،‬موضح ًا س َّر استخدام لفظ العقرب في وصف المرأة‪ّ .‬‬
‫والسر ‪-‬بنظره‪ -‬هو‬
‫سمها في جسد اإلنسان‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫تبث العقرب ّ‬ ‫سم العشق في قلب الرجل‪ ،‬كما ّ‬ ‫تبث ّ‬ ‫أن المرأة ُّ‬ ‫ّ‬
‫إن تماس الرجل بها خصوص ًا في عنفوان الشباب وطغيان‬ ‫«ش ّبهت المرأة بالعقرب حيث ّ‬
‫الروحية والجسم ّية‪ ،‬وتنفذ المرأة بجاذبتها وفتانتها‬
‫القوى الشهو ّية ُم َع ِّر ٌض لآلفات والباليا ّ‬
‫أضر منه وأوجع وآلم منه‬‫سم ّ‬ ‫وأي ّ‬‫سم العشق‪ّ ،‬‬ ‫الرجل وتنفث على قلبه وروحه ّ‬ ‫في وجود ّ‬
‫بسم الحيات والعقارب معدودين في‬ ‫وجدت المقتولين والمعتاهين ّ‬‫َ‬ ‫أحصيت‬
‫َ‬ ‫وأنقع‪ ،‬وإذا‬
‫بسم فتنة المرأة غير محصور جد ًا‪ ،‬وكفى لك‬‫كل عصر ومصر‪ ،‬ولك ّن المقتولين روح ًا ومعنى ّ‬ ‫ّ‬
‫كل لسان في أشعارهم ‪ -‬والشعر شعور األ ّمة‬ ‫كل زمان ومن أهل ّ‬‫بذلك ما ترنّم به الشعراء في ّ‬
‫ال وجرح ًا للقلب والكبد‪ ،‬فبلغ شكواهم‬ ‫والشعب‪ -‬من التأثر بلقاء المرأة الحسناء حتى قت ً‬
‫السم الناقع حلو ولذيذ»(((‪.‬‬
‫أن هذا ّ‬ ‫عنان السماء ومأل صريخهم أرجاء الفضاء‪ ،‬وقد أشار‪ّ ‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬وأ ّما الشيخ محمد جواد مغنية رحمه الله فطرح وجه ًا آخر في المقام‪ ،‬وهو‬
‫أنه‪ ‬إنما ش ّبهها «بالعقرب ألنّها تسرع إلى الغضب على الرجل‪ ،‬وتجحد معروفه ألمر‬
‫تافه‪ ،‬وقد تؤذيه بكلمة موجعة وحركة نابية بال سبب موجب ومعقول‪ ،‬فأوصاه اإلمام‪ ‬بأن‬
‫أخف وخير من العقرب التي ال‬ ‫ّ‬ ‫يصبر عليها‪ ،‬ويتحملها على عالتها‪ ،‬ألنّها مهما تكن فهي‬
‫يمكن معها العيش بحال»‪ ،‬وختم (رحمه الله)‪« :‬أقول هذا تعبير ًا عن فهمي ال تفسير ًا لقول‬
‫اإلمام‪.(((»‬‬
‫نسجل تعليق ًا على هذه الكلمات‪ ،‬وخالصته‪ّ :‬‬
‫إن التوصيف‬ ‫ويمكن لنا في المقام أن ِّ‬

‫(((   شرح نهج البالغة‪ ،‬ج ‪ 5‬ص ‪.252‬‬


‫(((   منهاج البراعة في شرح نهج البالغة‪ ،‬ج ‪ 21‬ص ‪.99‬‬
‫(((   في ظالل نهج البالغة‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪.252‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪278‬‬
‫المذكور ليس ناظر ًا إلى الطبيعة اإلنسانية في المرأة‪ ،‬فالمرأة ‪ -‬بحسب الطبيعة ‪ -‬إنسان‬
‫كما الرجل دون فرق جوهري بينهما في ذلك‪ ،‬ومن طبيعة اإلنسان أنّه مفطور على الخير‪،‬‬
‫ذكر ًا كان أو أنثى‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﵛﭐﲷﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ* ﳂ‬
‫ال ونوازع‪ ،‬ومن جملتها‬‫إن لدى النفس اإلنسانية ميو ً‬ ‫ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈﵚ(((‪ .‬أجل‪ّ ،‬‬
‫الميل أو النزوع إلى إيذاء اآلخرين في بعض الحاالت‪ ،‬على نحو الميل االقتضائي‪،‬‬
‫يفسر‬
‫وذلك إ ّما بسبب سوء التربية‪ ،‬أو لغلبة األهواء والمطامع‪ ،‬أو لغير ذلك‪ ،‬وهذا ما ّ‬
‫وقوع اإلنسان في الحسد والظلم والبغي والعدوان‪ ،‬منذ بدء الخليقة وإلى يومنا هذا‪،‬‬
‫يرث الله األرض ومن عليها‪ ..‬ومن هنا احتاجت هذه النفس إلى‬ ‫وسيظل كذلك إلى أن َ‬
‫سر إرسال الرسل واألنبياء‪ ،‬والمرأة في الميل المذكور هي صنو‬ ‫تربية وتهذيب‪ ،‬وهذا ّ‬
‫إن بعض أنحاء اإليذاء والظلم والعدوان الصادرة عن‬ ‫الرجل وال تزيد عنه بشيء‪ ،‬بل ّ‬
‫الرجل ال تقوم المرأة ‪ -‬عموم ًا ‪ -‬بارتكابها وال ُت ْق ِد ُم عليها‪ ،‬لر ّقتها وغلبة العاطفة عليها‪،‬‬
‫أن كبار المجرمين في العالم وأخطرهم هم ‪ -‬في األعم األغلب ‪ -‬من جنس‬ ‫ولهذا وجدنا ّ‬
‫الرجال‪ ،‬وعلى هذا األساس فإذا تحولت ‪ -‬أعني المرأة ‪ -‬إلى عقرب تلدغ وتلسع‪ ،‬فهذا‬
‫أن الله تعالى جعلها كذلك‪ ،‬وإنّما مر ُّده إلى سوء التربية التي لم تعمل على‬ ‫ليس مر ّده إلى ّ‬
‫تهذيب شخصيتها‪ ،‬كما ينبغي ويلزم‪.‬‬
‫يصح‬
‫ّ‬ ‫يصح إطالق الوصف المذكور (عقرب) على الرجل‪ ،‬كما‬ ‫ّ‬ ‫وبنا ًء على ما تقدم‬
‫إطالقه على المرأة‪ ،‬فالرجل ‪ -‬أيض ًا ‪ -‬قد يغري المرأة ويوقعها في حباله‪ ،‬ويلسعها ّ‬
‫بسمه‪،‬‬
‫فيكون كالعقرب بالنسبة إليها‪.‬‬
‫إن اإلمام‪ ‬ال يريد تخصيص المرأة حصر ًا بهذا الوصف‪ ،‬وتنزيه‬ ‫بكلمة مختصرة‪ّ :‬‬
‫الرجل عن ذلك‪ ،‬كال‪ ،‬فهما سيان في صدور اإليذاء عنهما في بعض األحيان‪ ،‬لكن حيث‬
‫أن المرأة ليست كذلك في كل‬ ‫تم وصفها بذلك‪ ،‬على ّ‬ ‫إن المقام كان للحديث عن المرأة ّ‬
‫الحاالت ومن جميع الجهات‪ ،‬وإنّما ذلك أمر طارئ وعارض‪ ،‬وأ ّما األصل واألساس فهو‬
‫أنّها كائن لطيف مفعم بمشاعر الحب والرقة‪ ،‬وكما قال علي‪ - ‬فيما روي عنه ‪« :-‬المرأة‬
‫ريحانة وليست قهرمانة»(((‪.‬‬

‫(((  سورة اإلنسان‪ ،‬اآليتان ‪.3-2‬‬


‫(((   نهج البالغة‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.57‬‬
‫‪279‬‬ ‫المحور الخامس‪ :‬ما روي عن علي‪ ‬في ذ ّم المرأة‬
‫‪--7‬حديث «جند المر�أة»‬
‫يم ِة‬
‫اع ا ْل َب ِه َ‬
‫ِ‬
‫ومن كالم له‪ ‬في ذم أهل البصرة بعد وقعة الجمل‪ُ « :‬كنْت ُْم ُجنْدَ ا ْل َم ْر َأة و َأ ْت َب َ‬
‫َر َغا َف َأ َج ْبت ُْم و ُع ِق َر َف َه َر ْبت ُْم‪.(((»..‬‬
‫والمرأة في هذه الكلمة المروية عنه‪ُ ‬يراد بها السيدة عائشة‪ ،‬وأما البهيمة فهي الجمل‬
‫الذي ركبت عليه أثناء خروجها إلى حرب البصرة‪ ،‬وهي الحرب التي اصطلح على تسميتها‬
‫بحرب الجمل‪ ،‬بسبب ركوب عائشة عليه والتفاف جمع من أهل البصرة حوله أثناء المعركة‪،‬‬
‫تنته تلك المعركة وتضع الحرب أوزارها إال بسقوط الجمل أرض ًا‪ .‬ومعنى «رغا» ارتفع‬ ‫ولم ِ‬
‫«والر َغاء كغراب صوت ذوات الخف‪ .‬وقد رغا البعير يرغو رغاء‬ ‫ُّ‬ ‫صوته عالي ًا‪ ،‬قال الطريحي‪:‬‬
‫ضج‪ ،‬ورغت الناقة صوتت‪ ،‬فهي راغية»(((‪.‬‬ ‫ّ‬
‫والسؤال‪ :‬هل يستفاد من هذه الكلمة ذ ّم المرأة؟‬
‫شراح النهج أنّه فهم منها الذ ّم‪ ،‬قال ابن ميثم البحراني‪« :‬جند المرأة‪،‬‬ ‫يظهر من بعض ّ‬
‫ولما كانت أقوال النساء وآراؤه ّن أمور ًا مذمومة‬ ‫وأراد عائشة‪ ،‬فإنّهم جعلوها عقد نظامهم‪ّ ،‬‬
‫بين العرب وسائر العقالء لضعف آرائه ّن ونقصان عقوله ّن‪ ...‬وكان مع ذلك مستشيره ّن‬
‫أضعف رأي ًا منه ّن‪ ،‬كما هو شأن التابع بالنسبة إلى متبوعه‪ ،‬ال َج َر َم َح ُس َن توبيخه لهم‬
‫َ‬ ‫وبايعه ّن‬
‫ُ‬
‫بكونهم جند ًا وأعوان ًا»(((‪.‬‬
‫بأن وصف أهل البصرة بأنّهم جند المرأة ال يوحي بالذم‬ ‫ولكن يمكن التعليق على ذلك ّ‬
‫والتعيير للمرأة نفسها‪ ،‬بقدر ما يوحي بذ ّمهم على اتباعها فيما ال ينبغي االتباع‪ ،‬فالذم على‬
‫اتباعها ليس مطلق ًا‪ ،‬بل هو ناظر إلى صورة خاصة وهي صورة الحرب‪ ،‬كما يتضح من كلمة‬
‫إن الرجل ال ينبغي له أن يكون جندي ًا تابع ًا للمرأة في الحرب‪ ،‬وذلك‬
‫«جند»‪ ،‬فهو يريد القول‪ّ :‬‬
‫ألن المرأة وبحسب طبيعة الحرب في ذلك الزمان ال يصلح لها أن تقود الرجال في الحرب‪،‬‬ ‫ّ‬
‫تقر في‬
‫بنص الكتاب بأن ّ‬
‫فما بالك بما إذا كانت هذه المرأة هي زوجة النبي(ص) المأمورة ّ‬
‫بيتها وال تغادره(((‪ّ ،‬‬
‫فإن المرأة في كالمه تكنية عن عائشة‪.‬‬

‫  نهج البالغة‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.44‬ورواه الطوسي في األمالي‪ ،‬ص ‪ ،702‬واالحتجاج للطبرسي‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.250‬‬ ‫(((‬
‫  انظر‪ :‬مجمع البحرين‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.192‬‬ ‫(((‬
‫  شرح نهج البالغة البن ميثم البحراني‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.290‬‬ ‫(((‬
‫  قال تعالى خطاب ًا لنساء النبي(ص)‪ :‬ﵛﭐﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭﵚ [األحزاب ‪.]33‬‬ ‫(((‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪280‬‬
‫ثم لو أشعرت كلمته‪ ‬بالذم فهو ال يقصد جنس المرأة فالالم للعهد‪ ،‬وليس للجنس‪.‬‬
‫ّ‬
‫أن عبارة «أتباع البهيمة» تم ّثل ذم ًا واضح ًا ألهل البصرة‪ ،‬ألنّهم استماتوا‬
‫شك ّ‬
‫أجل‪ ،‬ال ّ‬
‫أن كرامة إنسان واحد عند الله تعالى هي أغلى من‬ ‫في الدفاع عن الجمل وحمايته‪ ،‬والحال ّ‬
‫كل الحيوانات‪.‬‬
‫أن توصيفهم بـ «جند المرأة» ال يم ّثل ذم ًا لهم بخالف توصيفهم‬ ‫ومما يؤ ّيد ما قلناه من ّ‬
‫بـ «أتباع البهيمة»‪ ،‬أنّه‪ ‬لم يعقب على قض ّية كونهم جند ًا للمرأة بغير تلك العبارة‪ ،‬بخالف‬
‫«ر َغا َف َأ َج ْبت ُْم و ُع ِق َر َف َه َر ْبت ُْم»‪ ،‬أي إنّه عندما كان‬
‫وصفهم بأتباع البهيمة‪ ،‬فقد ع ّقب عليه بالقول‪َ :‬‬
‫الجمل الذي كانت تركبه السيد عائشة حي ًا وي ْط ِل ُق صوته‪ ،‬كنتم متحمسين للحرب‪ ،‬ولما ُعقرِ‬
‫ُ‬
‫بالسيوف وسقط إلى األرض و ّليتم هاربين‪.‬‬

‫‪ «--8‬فالنة �أدركها ر�أي الن�ساء»‬


‫ولإلمام‪ ‬كلمة أخرى قالها في السيدة عائشة‪ ،‬وهي ال تخلو من داللة أو إشارة‬
‫اع ِعنْدَ َذلِ َك‪َ ،‬أ ْن‬ ‫إلى صنف النساء‪ ،‬فقد روي أنّه‪ ‬خاطب أهل البصرة قائالً‪َ « :‬ف َم ِن ْ‬
‫اس َت َط َ‬
‫يل‬‫وج َّل َف ْل َي ْف َع ْل‪َ ،‬فإِ ْن َأ َط ْعت ُُمونِي‪َ ،‬فإِنِّي َح ِام ُلك ُْم إِ ْن َشا َء ال َّله َع َلى َسبِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َي ْعتَق َل َن ْف َسه َع َلى ال َّله َع َّز َ‬
‫اء‪ِ ،‬‬ ‫َان َذا م َش َّق ٍة َش ِديدَ ٍة وم َذا َق ٍة م ِرير ٍة‪ ،‬و َأما ُف َل َن ُة َف َأدركَها ر ْأي النِّس ِ‬ ‫ِ‬
‫وض ْغ ٌن َغ َل‬ ‫َْ َ َ ُ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ا ْل َجنَّة‪ ،‬وإِ ْن ك َ َ‬
‫فِي َصدْ ِر َها ك َِم ْر َج ِل ا ْل َق ْي ِن‪ ،‬و َل ْو ُد ِع َي ْت لِ َتن ََال ِم ْن َغ ْي ِري َما َأت ْ‬
‫َت إِ َل َّي َل ْم َت ْف َع ْل‪ ،‬و َل َها َب ْعدُ ُح ْر َمت َُها‬
‫ِ‬
‫اب َع َلى ال َّله َت َعا َلى»(((‪.‬‬ ‫األُو َلى وا ْلح َس ُ‬
‫وفي التعليق على هذه الكلمة‪ ،‬لنا عدة وقفات‪:‬‬
‫‪1 -1‬وقفة بيانية‬
‫إن اسم اإلشارة «ذلك» في مستهل كالمه يشير به‪ ‬إلى ما سيأتي في قادم األيام من‬ ‫ّ‬
‫«يعتقل َن ْف َسه على الله»‪ ،‬أي يحبسها ويضبطها على طاعته تعالى‬ ‫ُ‬ ‫الفتن واالضطرابات‪ ،‬وقوله‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫و«الض ْغ ُن»‪ :‬الحقد‪ .‬و«الم ْر َج ُل»‪ :‬قدْ ٌر كبيرة‪ .‬و«ال َق ْين»‪:‬‬ ‫خط رضوانه‪،‬‬‫يحركها ّإل في ّ‬
‫ِّ‬ ‫وال ّ‬
‫(((‬ ‫ِ‬
‫أن غليان صدرها هو كغليان قدْ ٍر من حديد ‪.‬‬ ‫الحداد‪ ،‬فيكون المراد ّ‬

‫(((   نهج البالغة‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.48‬‬


‫(((   انظر‪ :‬شرح نهج البالغة البن أبي الحديد‪ ،‬ج ‪ 9‬ص ‪ ،189‬وقال البيهقي في شرح هذه الفقرة‪ « :‬كمرجل‬
‫ٍ‬
‫محترف قين ًا‪ ،‬قال الشاعر ‪:‬‬ ‫يسمى ّ‬
‫كل‬ ‫القين‪ّ ،‬‬
‫=‬ ‫ ‬ ‫قين يقينها‬
‫ولي كبدٌ مجروحة قد بدا بها صدوع الهوى لو كان ٌ‬
‫‪281‬‬ ‫المحور الخامس‪ :‬ما روي عن علي‪ ‬في ذ ّم المرأة‬
‫‪2 -2‬ما المراد برأي النساء؟‬
‫أن قوله‪« :‬أدركها رأي النساء» فيه تقدير محذوف وهو كلمة‬ ‫شراح «النهج» ّ‬
‫ذكر ّ‬
‫أن عائشة ‪ -‬في خروجها إلى حربه‪ - ‬قد «أدركها ضعف رأي‬ ‫«ضعف»‪ ،‬فيكون المقصود ّ‬
‫ِ‬
‫خروجها للحرب ضدَّ ه بأنّه ناتج عن ضعف رأي‬ ‫ب‬
‫يفسر َس َب َ‬
‫النساء» ‪ ،‬وبنا ًء عليه‪ ،‬فهو‪ِّ ‬‬
‫(((‬

‫ٍ‬
‫حكمة وبصيرة‪ ،‬هذا مضاف ًا إلى سبب آخر دفعها إلى‬ ‫النساء‪ّ ،‬‬
‫ألن هذا الخروج ال ُيع ِّب ُر عن‬
‫حربه‪ ،‬وهو الضغن الذي غال في صدرها‪.‬‬
‫يدل على ضعف‬ ‫بأن خروج عائشة إلى هذه الحرب ال ّ‬ ‫ولكن يمكن التعليق على ذلك‪ّ ،‬‬
‫ألن امرأة لديها هذه ال ُقدْ َرة واالستطاعة‬ ‫إن ذلك على العكس ّ‬
‫أدل‪ّ ،‬‬ ‫ٍ‬
‫رأي أو قلة عقل لديها‪ ،‬بل ّ‬
‫ثم قيادتهم‬
‫على تجميع الناس وتحشيدهم حولها وفيهم بعض الصحابة المعروفين‪ ،‬ومن ّ‬
‫يصح وصفها بأنّها ضعيفة رأي أو‬ ‫في حرب ضروس في وجه شخصية كاإلمام علي‪ ،‬ال ّ‬
‫تقر‬
‫نص الكتاب بأن ّ‬ ‫تحرك عقلها بما هي مأمورة به في ّ‬
‫عقل‪ ،‬نعم‪ ،‬يمكن القول مثالً‪ :‬إنّها لم ّ‬
‫في بيتها وال تخرج منه إلى مثل هذه المواقع‪.‬‬
‫ثمة احتمال آخر في تفسير «رأي النساء» في كالمه‪ ،‬وهو‬ ‫ولهذا يمكن أن يكون ّ‬
‫أن عائشة كانت تحمل في قلبها‬ ‫الرأي المنطلق من الغيرة‪ ،‬التي ُعرفت بها النساء‪ ،‬ومعلوم ّ‬
‫الشيء الكثير على علي‪ ‬وزوجته السيدة فاطمة الزهراء‪ ،‬حتى روي أنّها كانت تغار‬
‫وتنزعج من دخول علي‪ ‬على رسول الله(ص) مما تحدّ ث المؤرخون عنه وذكروا أسبابه‬
‫أن حركة عائشة‬ ‫بشكل مفصل(((‪ .‬والموجب لهذا االحتمال ‪ -‬باإلضافة إلى ما ذكرناه من ّ‬
‫وقيادتها لجيش من رجال المسلمين ال تع ّبر عن ضعف عقلها ورأيها‪ ،‬وال س ّيما أنّها معروفة‬

‫= وفى كتاب الصحاح للجوهري‪« :‬قنت الشيء أقينه قين ًا لممته»‪ ،‬واستشهد بهذا البيت‪ ،‬وأضاف‪« :‬فمن‬
‫الصنّاع‪ ،‬ومن ذهب إلى ّ‬
‫أن القين هو‬ ‫أن القين هو المحترف‪ ،‬أراد به بوطقة الصانع ومرجل ّ‬ ‫ذهب إلى ّ‬
‫الحدّ اد فحسب‪ ،‬أراد به الحفرة التى يذاب فيها الحديد»‪ ،‬انظر‪ :‬البيهقي‪ ،‬علي بن زيد (ت‪565 :‬هـ)‪،‬‬
‫معارج نهج البالغة‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد تقي دانش بزوه‪ ،‬مكتبة آية الله المرعشي النجفي‪ ،‬ط‪ ،1‬قم‪ -‬إيران‪،‬‬
‫‪1409‬هـ‪ ،‬ص‪.259‬‬
‫(((   شرح نهج البالغة البن أبي الحديد‪ ،‬ج ‪ 9‬ص ‪ ،192‬منهاج البراعة في شرح نهج البالغة‪ ،‬ج ‪ 9‬ص ‪،268‬‬
‫أن ذلك مروي‪ ،‬قال‪« :‬وروي‪ :‬فأدركها ضعف رأي النساء» انظر‪ :‬منهاج‬ ‫بل ذكر القطب الراوندي ّ‬
‫البراعة في شرح نهج البالغة‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.101‬‬
‫(((   انظر على سبيل المثال ما ذكره ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البالغة البن أبي الحديد‪ ،‬ج‪9‬‬
‫ال عن شيخه أبي يعقوب يوسف بن إسماعيل اللمعاني من تحليل ألسباب حنق السيدة‬ ‫ص‪ ،192‬نق ً‬
‫عائشة على اإلمام علي‪ ‬وزوجته وأوالده‪.‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪282‬‬
‫أن اإلمام‪ ‬لم يحدِّ د في كالمه ما هو «رأي النساء» الذي أدركها‪َ ،‬ف َي ْحت َِم ُل‬
‫بذكائها ‪ -‬هو ّ‬
‫أن مقصوده بذلك الغيرة التي كانت تعتمل في صدرها‪ ،‬ويكون كالمه بعد ذلك‬ ‫ما قلناه من ّ‬
‫عن الضغن هو من قبيل تفصيل بعد إجمال‪ ،‬وتخصيص بعد تعميم‪ ،‬أو من قبيل ذكر المعلول‬
‫عقيب علته‪ّ ،‬‬
‫فإن الضغن ينتج عن الغيرة والحسد‪.‬‬
‫وثمة شاهد آخر سياقي يؤكد ما نقول‪ ،‬وهو تعبير اإلمام‪« :‬أدركها رأي النساء»‪ّ ،‬‬
‫فإن‬ ‫ّ‬
‫رأي النساء لو كان المقصود به الرأي الناتج عن ضعف عقلها فهو مما ال ينفك عن المرأة‪،‬‬
‫مما هو ظاهر في عروضه عليها‪ ،‬وهذا يوحي ّ‬
‫بأن المرأة‬ ‫فال وجه للتعبير عنه بفعل «أدركها» ّ‬
‫ر ّبما أدركها رأي النساء ور ّبما لم يدركها‪ .‬وأ ّما لو كان المقصود به الرأي الناتج عن العوامل‬
‫فإن التعبير عن ذلك بـ «أدركها» له وجه‪ّ ،‬‬
‫ألن هذه‬ ‫والمؤثرات النفسية كالحسد والغيرة‪ّ ،‬‬
‫المؤثرات النفسية قد ال تظهر على الدوام‪ ،‬بل تحتاج إلى محفزات وظروف‪.‬‬

‫‪--9‬حديث �آخر عن �ضعف ر�أي الن�ساء‬


‫«ل‬ ‫ومن وصية له‪ ‬موجهة إلى جيشه قبل لقاء أهل الشام في معركة صفين‪ ،‬قال‪َ :‬‬
‫يجوا الن َِّسا َء بِ َأ ًذى‪ ،‬وإِ ْن َشت َْم َن َأ ْع َر َ‬ ‫ِ‬
‫وس َب ْب َن ُأ َم َرا َءك ُْم‪،‬‬
‫اضك ُْم َ‬ ‫ول ت َِه ُ‬
‫وه ْم َحتَّى َي ْبدَ ؤوك ُْم‪َ ..‬‬ ‫ُت َقات ُل ُ‬
‫َات‪ ،‬وإِ ْن‬ ‫َف َعن ُْه َّن وإِن َُّه َّن َل ُم ْش ِرك ٌ‬ ‫ول‪ ،‬إِ ْن ُكنَّا َلن ُْؤ َم ُر بِا ْلك ِّ‬ ‫س وا ْل ُع ُق ِ‬ ‫َفإِن َُّه َّن َض ِعي َف ُ‬
‫ات ا ْل ُق َوى واألَ ْن ُف ِ‬
‫اه ِل َّي ِة‪ ،‬بِا ْل َف ْه ِر َأ ِو ا ْل ِه َر َاو ِة‪َ ،‬ف ُي َع َّي ُر بِ َها و َع ِق ُبه ِم ْن َب ْع ِده»(((‪.‬‬
‫َان الرج ُل َلي َتنَاو ُل ا ْلمر َأ َة فِي ا ْلج ِ‬
‫َ‬ ‫َْ‬ ‫ك َ َّ ُ َ َ‬
‫بيان‪ :‬قوله‪« :‬وال تهيجوا النساء بأذى»‪ ،‬أي ال تحركوهن‪ .‬والفهر‪ :‬الحجر‪ ،‬والهراوة‪:‬‬
‫العصا»(((‪.‬‬
‫ُسج ُل عدة مالحظات سريعة‪:‬‬
‫وتعليق ًا على هذا الوصية‪ ،‬ن ِّ‬
‫أوالً‪ :‬الرواية لم تتوفر على ٍ‬
‫سند صحيح ُيعتمد عليه في بناء التصورات والمفاهيم‬
‫اإلسالمية‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬فيما يتصل بضعف عقول النساء‪ ،‬قد ّ‬


‫تم التعليق عليه سابق ًا تعقيب ًا على الحديث‬

‫(((   نهج البالغة‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪ .15‬وقد استشهد الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء رحمه الله بهذه الفقرة التي‬
‫عللت ضرب النساء بأنّه موجب للعار حتى لدى أهل الجاهلية للتشكيك في حدوث قضية ضرب‬
‫الزهراء‪ ‬ولطمها على خدها فيما جرى بعد وفاة النبي(ص)‪ ،‬انظر‪ :‬كتابه جنّة المأوى‪ ،‬ص ‪.81‬‬
‫(((   شرح نهج البالغة البن أبي الحديد‪ ،‬ج ‪ 15‬ص ‪.104‬‬
‫‪283‬‬ ‫المحور الخامس‪ :‬ما روي عن علي‪ ‬في ذ ّم المرأة‬
‫الثاني‪ ،‬وقلنا إنّه على فرض ثبوت صدوره عنه‪ ‬فال يبعد كونه ناظر ًا إلى مرحلته الزمانية‬
‫تلك‪ ،‬حيث كانت المرأة ُم ْب َعدَ ًة عن أجواء المعرفة والثقافة‪ ،‬األمر الذي أضعف عقلها‬
‫وتجربتها‪.‬‬
‫إن هذه الرواية قد رواها الطبري في تاريخه‪ ،‬وليس في روايته توصيف النساء‬ ‫ثالث ًا‪ّ :‬‬
‫ول»‪ ،‬بل اقتصر على وصف‪« :‬فإنه ّن ضعاف»(((‪،‬‬ ‫س وا ْل ُع ُق ِ‬ ‫«ض ِعي َف ُ‬
‫ات ا ْل ُق َوى واألَ ْن ُف ِ‬ ‫بأنّهن‪َ ،‬‬
‫إن وصف الضعف هذا جاء في سياق النهي عن إهاجة النساء في حالة الحرب‪،‬‬ ‫وحيث ّ‬
‫فيرجح أن يكون المقصود به هو ضعفهن في الجانب العاطفي أو في الجانب العسكري‬ ‫َّ‬
‫والقتالي‪ ،‬بحسب موازين الحرب آنذاك‪ ،‬فما دامت المرأة ضعيفة وال تستطيع المواجهة‬
‫والقتال في ذاك النوع من المعارك‪ ،‬فال ينبغي للرجل بل قد ال يجوز له أن يهيجها‪.‬‬

‫‪--10‬حديث‪« :‬عقول الن�ساء في جمالهن»‬


‫ومن األحاديث المرو ّية عن أمير المؤمنين‪ ‬بشأن المرأة‪ ،‬والتي قد ت ُْش ِع ُر بالذم‪ ،‬ما‬
‫رواه الشيخ الصدوق بإسناده عن اإلمام الصادق جعفر بن محمد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده‪،‬‬
‫قال‪ :‬قال علي بن أبي طالب‪« :‬عقول النساء في جمالهن‪ ،‬وجمال الرجال في عقولهم»(((‪.‬‬
‫نغض الطرف عن ضعف السند لوضوح ذلك(((‪،‬‬ ‫وفي التعليق على هذا الخبر سوف ّ‬
‫تضمنه هذا الحديث؟‬
‫وننطلق إلى دراسة المضمون‪ ،‬فكيف نفهم ما ّ‬

‫(((   تاريخ الطبري‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪.544‬‬


‫(((   معاني األخبار‪ ،‬ص‪ ،234‬واألمالي‪ ،‬ص‪.298‬‬
‫(((   أقول‪ :‬رواه الصدوق عن محمد بن عمر بن محمد بن سلمة بن البراء الحافظ البغدادي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني‬
‫أحمد بن عبيد الله الثقفي أبو العباس قال‪ :‬حدثنا عيسى بن محمد الكاتب‪ ،‬قال‪ :‬حدثني المدائني‪ ،‬عن‬
‫غياث بن إبراهيم‪ ،‬عن جعفر بن محمد‪»..‬‬
‫أ ّما محمد بن عمر بن محمد بن سلمة بن البراء الحافظ البغدادي فهو من مشايخ الصدوق‪ ،‬قال السيد‬
‫أن الرجل من األكابر األجالء‪ ،‬وهو في أعلى درجات الحسن»‪ ،‬انظر‪ :‬معجم‬ ‫الخوئي‪« :‬ال شك في ّ‬
‫رجال الحديث‪ ،‬ج ‪ 18‬ص ‪.71‬‬
‫وأ ّما أحمد بن عبيد الله (عبد الله) الثقفي فال ترجمة له في الرجال‪ ،‬انظر‪ :‬مستدركات علم الرجال للشيخ‬
‫النمازي‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪ ،354‬وذكره في أعيان الشيعة في عداد ُكتَّاب الشيعة‪ ،‬انظر‪ :‬أعيان الشيعة‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.183‬‬
‫وأ ّما عيسى بن محمد الكاتب فهو مجهول‪ ،‬قال الشيخ النمازي‪« :‬لم يذكروه‪ .‬روى أحمد بن عبيد الله‬
‫الثقفي»‪ ،‬انظر‪ :‬مستدركات علم الرجال‪ ،‬ج‪ 6‬ص ‪.173‬‬
‫السنة في مشايخ عيسى بن=‬ ‫ُّ‬ ‫أهل‬ ‫عند‬ ‫ة‬ ‫ي‬
‫ّ‬ ‫الرجال‬ ‫وأ ّما المدائني فهو مجهول أيض ًا‪ ،‬وما ُذكر في الكتب‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪284‬‬
‫ذكر الحر العاملي في بيان وتفسير هذا الحديث ستة وجوه محتملة‪ ،‬نذكرها تباع ًا ونعلق‬
‫ٍ‬
‫واحد منها‪:‬‬ ‫على كل‬
‫الوجه األول‪« :‬أن يراد أنّه ينبغي أن ُيكتفى بجمالهن وال يراد منهن العقول‪ ،‬لندرتها‬
‫إن الجمال ُيغني عنها‪ ،‬وهو‬‫فيهن‪ ،‬فكأنّه قال‪ :‬عقول النساء موجودة في جمالهن‪ ،‬حيث ّ‬
‫ِع َو ٌض منها‪ ،‬وال يراد منهن ما يراد من العقالء من التدبير والرأي»(((‪.‬‬
‫أن النساء ال عقل‬ ‫ولك ّن هذا الوجه مما ال يسعنا الموافقة عليه‪ ،‬ال البتنائه على فكرة ّ‬
‫له ّن‪ ،‬أو أنّه ّن ناقصات عقل إال ما ندر‪ ،‬وهو األمر الذي ال يتسنى لنا الموافقة عليه لما تقدّ م‬
‫أن المطلوب تجاه‬ ‫سابق ًا في التعليق على الحديث الثالث‪ .‬ال لذلك فحسب‪ ،‬بل وألنّه يؤكّد ّ‬
‫النساء هو العناية بجمالهن فقط و ُيكتفى بذلك عن النظر إلى عقوله ّن‪ ،‬وذلك ألنّه ال يراد‬
‫منه ّن العقل والتدبير‪ ،‬وهذا يشكّل دعوة لصرف اهتمامهن إلى قضايا الزينة والجمال وترك‬
‫العناية بتنمية العقول‪ ،‬وهذا أمر غريب ويصعب نسبته إلى اإلسالم‪ ،‬وأئمته وعلى رأسهم‬
‫فإن ذلك ‪ -‬باختصار ‪ -‬يم ّثل دعوة إلى تكريس المرأة باعتبارها جسد ًا بحت ًا‪،‬‬
‫اإلمام علي‪ّ .‬‬
‫وأن قيمتها في جمالها‪ ،‬فمن لم يهبها الله تعالى جماالً فال وزن وال قيمة لها‪ ،‬وهذا مغاير‬ ‫ّ‬
‫وأن األجدر بالرجل أن‬ ‫للقيمة الحقيقية التي يؤكد عليها اإلسالم وهي قيمة األخالق والعفة‪ّ ،‬‬
‫ال يتزوج المرأة لجمالها ومالها بل لدينها وهو ما ورد في العديد من األحاديث(((‪.‬‬

‫= محمد الكاتب أنّه روى عن أبيه‪ ،‬انظر‪ :‬تاريخ بغداد‪ ،‬ج‪ 13‬ص‪ ،25‬والعباس بن مصعب‪ ،‬انظر‪ :‬تاريخ‬
‫بغداد‪ ،‬ج‪ 14‬ص‪ ،394‬وتهذيب الكمال للمزي‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪ ،125‬وأبو الهذيل محمد بن الهذيل‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫تاريخ بغداد‪ ،‬ج‪ 4‬ص‪.137‬‬
‫وأ ّما غياث بن إبراهيم‪ ،‬فإن كان هو التميمي األسدي البصري فهو ثقة‪ ،‬كما ذكر النجاشي‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫معجم رجال الحديث‪ ،‬ج‪ 14‬ص‪ ،253‬ولكن من المحتمل أن يراد به غياث بن إبراهيم الفقيه الذي‬
‫عرف بالزيادة في حديث «ال سبق إال في ثالث»‪ ،‬قال الشهيد الثاني‪« :‬غياث بن إبراهيم‪ .‬دخل على‬
‫المهدي ابن المنصور‪ ،‬وكان يعجبه الحمام الطيارة الواردة من األماكن البعيدة‪ .‬فروى حديث ًا «عن‬
‫النبي ‪( -‬ص) ‪ -‬قال ‪ :‬ال سبق إال في خف‪ ،‬أو حافر‪ ،‬أو نصل‪ ،‬أو جناح‪ .‬فأمر له بعشرة آالف درهم‪.‬‬
‫فلما خرج‪ ،‬قال المهدي‪ :‬أشهد أن قفاه قفا كذاب على رسول الله(ص)‪ .‬ما قال رسول الله(ص)‪:‬‬
‫جناح‪ ،‬ولكن هذا‪ ،‬أراد أن يتقرب إلينا‪ ،‬وأمر بذبحها‪ ،‬وقال‪ :‬أنا حملته على ذلك»‪ ،‬انظر‪ :‬الرعاية في‬
‫علم الدراية‪ ،‬ص‪.155‬‬
‫(((   الفوائد الطوسية‪ ،‬ص‪ ،275‬وقد أشار العالمة المجلسي إلى هذا االحتمال‪ ،‬واستظهره‪ ،‬انظر‪ :‬بحار‬
‫األنوار‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.82‬‬
‫(((   انظر‪ :‬وسائل الشيعة‪ ،‬ج‪ 20‬ص‪ ،49‬الباب ‪ 14‬من أبواب مقدمات النكاح‪.‬‬
‫‪285‬‬ ‫المحور الخامس‪ :‬ما روي عن علي‪ ‬في ذ ّم المرأة‬
‫أن عقلهن الزم لجمالهن غالب ًا‪ ،‬فالتي هي أجمل ُ‬
‫أعقل من غيرها‪،‬‬ ‫الوجه الثاني‪« :‬أن يراد ّ‬
‫وإذا كبرت وذهب جمالها ذهب عقلها‪ ،‬وقد قيل‪ :‬من حسن َخ ْلقه حسن ُخ ُل ُقه‪ ،‬والجمال‬
‫والخ ُلق»(((‪.‬‬
‫والخ ْلق ُ‬
‫يطلق على الحسن َ‬
‫وهذا أغرب من سابقه‪ّ ،‬‬
‫فإن تبعية العقل للجمال‪ ،‬ال دليل عليه‪ ،‬وال واقعية له‪ ،‬إال إذا‬
‫أن المجتمع يحتقر المرأة غير الجميلة وال يعطيها الفرصة الالزمة لتنمية عقلها‬ ‫كان المقصود ّ‬
‫أن له بعض التحقق الخارجي في بعض المجتمعات‪ ،‬لكن ال‬ ‫ومهاراتها‪ .‬وهذا إن ُف ِر َض ّ‬
‫رص التعليم ال بدّ من توفيرها‬ ‫ٍ‬
‫بحال من األحوال‪ ،‬إذ ُف ُ‬ ‫يقره‬
‫المشرع الحكيم أو ّ‬‫ّ‬ ‫يمكن أن يقبله‬
‫لكافة النساء ال للجميالت فحسب‪.‬‬
‫همتهن في‬
‫إن ّ‬‫أن عقولهن مصروفة في جمالهن‪ ،‬أي ّ‬ ‫الوجه الثالث‪« :‬أن يكون المراد ّ‬
‫التجمل وكسب الجمال باألدوية واألغذية والمحسنات من الدهن والصبغ والطيب‪ ،‬وجمال‬
‫التجمل بل في كسب العقل وتكميله وتحصيل‬ ‫ّ‬ ‫فهمة الرجال ليست في‬
‫الرجال في عقولهم‪ّ ،‬‬
‫العلم‪ّ ،‬‬
‫فإن العقل ورد بمعنى العلم‪ ،‬ألنه مصدر بمعنى التعقل‪ ،‬ولذلك يقال‪ :‬العلم والجهل‪،‬‬
‫والعقل والجهل‪ ،‬والعقل والجنون فمقابلته بالجهل قرينة على إرادة معنى العلم منه»‪.‬‬
‫وهذا االحتمال قريب إلى ظاهر الرواية‪ ،‬وهو قريب من الواقع في حدود معينة‪ّ ،‬‬
‫فإن‬
‫تهتم بجمالها اهتمام ًا بالغ ًا أكثر من الرجل‪ ،‬ولكن ال إلى الحدّ الذي يلغي دور العقل‬
‫المرأة ّ‬
‫أن هذا األمر مرتبط بالترب ّية والتنشئة الخاصة‪.‬‬‫لحساب الجمال‪ ،‬على ّ‬
‫ألن جمالهن ظاهر للناس‬ ‫الوجه الرابع‪« :‬أن يراد‪ :‬عقول النساء مخف ّية في جمالهن‪ّ ،‬‬
‫منظور للعقالء‪ ،‬وعقولهن لضعفها وندورها ال تظهر بالنسبة إلى الجمال‪ ،‬فكأنّه َست ََرها‬
‫و َغ َّطاها وأخفاها‪ ،‬والقول في عقول الرجال وجمالهم بالعكس»(((‪.‬‬
‫وتعليقنا على هذا الوجه ‪ -‬باإلضافة إلى ما عرفته من عدم دقة الكالم عن ضعف عقول‬
‫أن اختفاء عقول النساء أمام جمالهن وإن كان أمر ًا يصدّ قه الواقع إلى حدٍّ كبير‪،‬‬
‫النساء ‪ -‬هو ّ‬
‫ّإل ّ‬
‫أن المسألة تتصل بثقافة المجتمع وتربيته‪ ،‬وهو أمر قابل للتغيير والتبدل‪.‬‬
‫أن ذات الجمال منهن‬‫الوجه الخامس‪« :‬أن يراد عقول النساء كائنة في جمالهن‪ ،‬بمعنى ّ‬
‫تميل النفوس إليها وتقبل القلوب عليها وترضى الناس عقلها‪ ،‬وإن كان ضعيف ًا‪ّ ،‬‬
‫فإن زيادة‬

‫(((   الفوائد الطوسية‪ ،‬ص‪ ،257‬وهذا االحتمال أشار إليه المجلسي أيض ًا‪ ،‬انظر‪ :‬بحار األنوار‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.82‬‬
‫(((   الفوائد الطوسية‪ ،‬ص ‪.275‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪286‬‬
‫الجمال تجبره‪ ،‬وغير ذات الجمال ال تميل إليها النفوس وإن كان عقلها أحسن من عقل‬
‫ويقويه وعدمه يخفيه‬ ‫فكأن َ‬
‫عقل كل واحدة منهن كائ ٌن في جمالها‪ ،‬فالجمال يبديه ّ‬ ‫ّ‬ ‫الجميلة‪،‬‬
‫ويوهيه وإن كان قربا بالنسبة إلى ما دونه» ‪.‬‬
‫(((‬ ‫(((‬

‫وهذا الوجه قريب إلى الواقع وإن كان ذلك غير مبرر‪ ،‬والحديث ليس بصدد التبرير‬
‫واإلقرار بهذا الواقع وإنّما هو بصدد التوصيف‪.‬‬
‫الوجه السادس‪« :‬أن يكون استفهام ًا إنكاري ًا في الفقرتين‪ ،‬كأنّه قال‪ :‬أتظنون ّ‬
‫أن عقول النساء‬
‫في جمالهن‪ ،‬فأنتم تميلون إلى الجميلة وال تسألون عن عقلها‪ ،‬ليس األمر كذلك‪ ،‬بل العقل‬
‫ينفك عن الجمال‪ ،‬فيوجد منهما بدون اآلخر‪ ،‬فينبغي أن ال تكتفوا فيهن بالجمال بدون العقل‬ ‫ّ‬
‫بل يكون الغرض األهم عندكم العقل ويكون الجمال مقصود ًا لكم بالتبعية ال باألصالة»(((‪.‬‬
‫يتضمن معنًى صحيح ًا‪.‬‬
‫وهذا االحتمال خالف الظاهر‪ ،‬وإن كان ّ‬

‫‪--11‬حديث‪« :‬الوفاء من المر�أة محال»‬


‫ومن أغرب األحاديث المرو ّية عن اإلمام علي‪ ‬بشأن المرأة وأشدّ ها نكارة هو‬
‫الحديث القائل‪« :‬الوفاء من المرأة محال»‪ ،‬وقد نسب تارة إلى أمير المؤمنين‪ (((‬وأخرى‬
‫إلى اإلمام الصادق‪.(((‬‬
‫وقد نُسب إليه بيتان من الشعر يحمالن المضمون نفسه‪ ،‬وهما مذكوران في بعض‬
‫الدواوين الشعرية المنسوبة إليه‪ ،‬والبيتان هما‪:‬‬
‫ـن سـواء‬
‫وعهوده َّ‬
‫ُ‬ ‫الصبـا‬
‫ريـح َّ‬ ‫لهـــن وفاء‬
‫َّ‬ ‫ـــن فما‬
‫ذكر ُه َّ‬
‫دع َ‬‫ْ‬
‫(‪)6‬‬
‫وقلوبهن مـــن الوفاء خالء‬
‫َّ‬ ‫ثم ال يجبرنه‬
‫يكســـرن قلبك َّ‬

‫(((   هكذا وردت في المصدر‪.‬‬


‫(((   الفوائد الطوسية‪ ،‬ص ‪.275‬‬
‫(((   المصدر نفسه‪.‬‬
‫(((   عيون الحكم والمواعظ‪ ،‬ص‪.244‬‬
‫(((   الخصال‪ ،‬ص‪ ،269‬ومن ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج‪ 4‬ص‪ .58‬ورواه الماطيري في نزهة األبصار ومحاسن‬
‫اآلثار‪ ،‬ص ‪332‬‬
‫(((   ورد هذان البيتان في ديوان اإلمام علي‪ ،‬من جمع الدكتور أحمد أحمد شتيوي ص‪ ،27‬وكذلك ديوان اإلمام‬
‫علي‪ ،‬الذي اعتنى به عبد الرحمن المصطاوي وطبع من قبل دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ص‪ ،14‬وشجرة‬
‫طوبى للحائري‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪ ،424‬ولم نجدهما في الديوان المطبوع في بيروت من قبل مؤسسة األعلمي‪.‬‬
‫‪287‬‬ ‫المحور الخامس‪ :‬ما روي عن علي‪ ‬في ذ ّم المرأة‬
‫وتعليقنا على هذا الحديث وعلى الشعر المذكور‪ ،‬نب ّينه من خالل النقاط التالية‪:‬‬
‫إن الحديث ضعيف السند‪ ،‬بسبب اإلرسال والرفع‪ ،‬سواء ما روي عن اإلمام‬ ‫أوالً‪ّ :‬‬
‫علي‪ ‬أو ما روي عن حفيده اإلمام الصادق‪ ،‬فال يصلح لالحتجاج أو االعتماد عليه‬
‫في بناء تصور إسالمي حول المرأة‪ .‬واألمر عينه ينطبق على الشعر المتقدّ م‪ ،‬فلم تصح روايته‬
‫عن اإلمام‪ ،‬ولمزيد من االطالع على حال الديوان المذكور ونسبته إلى علي‪ ،‬راجع‬
‫الملحق رقم (‪ )1‬في آخر الكتاب‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫إن اتهام المرأة بعدم الوفاء سواء فيما يتصل بحياتها الزوجية الخاصة وعالقتها‬
‫بزوجها‪ ،‬أو فيما يتصل بحياتها االجتماعية العامة‪ ،‬هو أمر ال يمكننا الموافقة عليه‪ ،‬وذلك‬
‫لالعتبارات التالية‪:‬‬
‫يفرق بين الرجل والمرأة في أمر الخيانة واألمانة‪ ،‬كما في‬ ‫‪--1‬مخالفته لكتاب الله‪ ،‬فإنّه لم ّ‬
‫غير ذلك من السلوكيات‪ ،‬فالرجل قد يكون وفي ًا مؤتمن ًا‪ ،‬وقد يكون خائن ًا وغشاش ًا‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪ :‬ﵛﭐﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ‬
‫ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡﵚ(((‪ ،‬والمرأة أيض ًا قد تكون خائنة‪ ،‬كما في امرأتي نوح ولوط‬
‫اللتين خانتا زوجيهما في أمر الرسالة مما ع ّبر عنه تعالى بقوله‪ :‬ﵛﭐﱿ ﲀ ﲁ ﲂ‬
‫ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ‬
‫ﲒ ﲓ ﲔ ﲕﵚ(((‪ ،‬وقد تكون وف ّية وأمينة وحافظة لزوجها في ظهر الغيب‪ ،‬كما‬
‫قال تعالى‪ :‬ﵛﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖﵚ(((‪ ،‬وقال سبحانه مشير ًا‬
‫إلى تساوي الرجال والنساء في الصدق والوفاء واإليمان‪ :‬ﵛﭐﲒ ﲓ ﲔ‬
‫ﲕﲖﲗﲘﲙﲚﲛﲜﲝ‬
‫ﲞﲟﲠﲡﲢﲣﲤﲥ‬
‫ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯﵚ(((‪ .‬وعليه فال‬
‫بدّ من رفض هذا الحديث وكذا الشعر المذكور لمخالفتهما لكتاب الله تعالى‪.‬‬
‫‪--2‬ومخالفته للعديد من األخبار التي تؤكد على ّ‬
‫أن المؤمن ال ُيجبل على الخيانة‪ ،‬ففي الخبر‬

‫ سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.75‬‬ ‫(((‬


‫ سورة التحريم‪ ،‬اآلية ‪.10‬‬ ‫(((‬
‫ سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.35‬‬ ‫(((‬
‫ سورة األحزاب‪ ،‬اآلية ‪.35‬‬ ‫(((‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪288‬‬
‫عن أبي عبد الله‪ُ « :‬يجبل المؤمن على كل طبيعة ّإل الخيانة والكذب»(((‪ ،‬والمؤمن‬
‫يعم المرأة ويشملها‪ ،‬فظاهر الحديث ّ‬
‫أن‬ ‫في مثل هذه األحاديث ال يختص بالرجل‪ ،‬بل ُّ‬
‫اإليمان والخيانة ال يجتمعان‪ .‬وعليه‪ ،‬فإذا كان الوفا ُء من المرأة محاالً فهذا يعني أنّها‬
‫أن حال المرأة كحال الرجل‬ ‫مجبولة على الخيانة‪ ،‬ومن كان كذلك ال يكون مؤمن ًا‪ ،‬مع ّ‬
‫في اإليمان والكفر‪.‬‬
‫‪--3‬ومخالفته للواقع المحسوس‪ ،‬فالمرأة في سيرتها التاريخية وفي حياتها المعاصرة نراها في‬
‫الكثير من الحاالت‪ ،‬وفي العديد من النماذج التي ال تعدّ وال تحصى وف ّية أمينة بما ال ّ‬
‫يقل‬
‫عن الرجل في شيء‪ ،‬وقد ضرب المثل بوفاء بعض النسوة‪ ،‬فقيل‪« :‬أوفى من فالنة»(((‪.‬‬
‫‪--4‬هذا ناهيك عن ّ‬
‫أن المرأة إذا كانت مجبولة على الخيانة وعدم الوفاء‪ ،‬فهذا األمر خارج‬
‫أن ما جاء في هذا الحديث ينافي‬‫عن اختيارها وإرادتها فكيف تُالم عليه؟! والحقيقة ّ‬
‫العدالة اإللهية‪.‬‬
‫ولهذه األسباب يلزمنا ر ّد هذا الحديث وعدم االعتناء به‪.‬‬

‫وفي الختام‬
‫إن األحاديث المتقدمة والمنسوبة إلى اإلمام علي‪ ،‬تحتاج إلى الكثير من التدقيق‬ ‫ّ‬
‫والعناية والتأمل في أسانيدها ومتونها قبل التسرع بنسبة مضمونها إليه‪ .‬وقد اتضح من‬
‫أن قراءة تلك النصوص ودراستها وفق ًا لقواعد قراءة النص‬ ‫خالل الصفحات المتقدمة‪ّ ،‬‬
‫الديني أفضت إلى نتائج هامة على هذا الصعيد‪ ،‬وعلى رأسها‪ :‬التحفظ على نسبة العديد‬
‫شك حتى‬ ‫من المقوالت إليه‪ ،‬إذ ال يمكننا التصديق بصدور بعض المضامين عنه‪ ،‬فهو دون ٍ‬
‫بصرف النظر عن االعتقاد بعصمته‪ ،‬إنسان حكيم خبير فكيف يصدر عنه ذ ٌم عام لجنس المرأة‬
‫وبطريقة قاسية والذعة على ما جاء في بعض الروايات المنسوبة إليه‪ ،‬كما أنّه عالم بكتاب‬
‫الله تعالى وأقرب الناس إلى رسول الله(ص)‪ ،‬فال يعقل أن يتك ّلم بما ال ينسجم مع المفاهيم‬
‫القرآنية وال تعاليم النبي األكرم(ص)؟!‬

‫(((   االختصاص للمفيد‪ ،‬ص ‪.231‬‬


‫(((   قيل في المثل‪« :‬أوفى من مكيهة»‪ ،‬وهي امرأة من بني قيس بن ثعلبة‪ ،‬و ُذكر لهذا المثل قصة‪ ،‬وقيل‪ :‬أوفى‬
‫من أم جميل»‪ ،‬وهي من رهط ابن أبي بردة من دوس‪ ،‬و ُذكر لذلك قصة أيض ًا‪ ،‬راجع حول ذلك كتاب‪:‬‬
‫ال كام ً‬
‫ال بعنوان «محاسن‬ ‫المحاسن واألضداد للجاحظ‪ ،‬ص ‪ ،42‬و‪ .43‬وفي كتابه هذا عقد الجاحظ فص ً‬
‫ال عن «غدر النساء»‪.‬‬‫وفاء النساء»‪ ،‬انظر‪ :‬المصدر نفسه ص ‪ 143‬وما بعدها‪ ،‬ثم عقد بعد ذلك فص ً‬
‫‪289‬‬ ‫المحور الخامس‪ :‬ما روي عن علي‪ ‬في ذ ّم المرأة‬
‫ولكن قد يتساءل البعض‪ُّ :‬‬
‫أكل هذه األحاديث المتقدّ مة على كثرتها وشيوع نقلها‬
‫في المصادر التاريخية والحديثية مكذوبة على لسان علي‪‬؟! وحتى لو فرضنا ضعف‬
‫أسانيدها‪ ،‬أفال يحصل االطمئنان والوثوق بصدور بعضها عنه‪ ‬بسبب تظافرها‬
‫وكثرتها وشهرتها؟‬
‫والجواب على ذلك‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬إننا ال نريد الجزم بوضع هذه األخبار بأجمعها‪ ،‬بل يكفينا عدم ثبوت صحتها‪،‬‬
‫وأ ّما دعوى الجزم أو االطمئنان بصدور بعضها‪ ‬فهي غير تامة؛ ّ‬
‫ألن هذه األخبار ال تحمل‬
‫مضمون ًا واحد ًا ليتسنى لنا ادعاء حصول اليقين أو االطمئنان بالقدر المتيقن والمتفق عليه‬
‫ٍ‬
‫واحد منها على األقل فهي ال تجدي نفع ًا‪.‬‬ ‫فيما بينها‪ ،‬وأ ّما دعوى العلم اإلجمالي بصدور‬
‫إن الوضع في هذا المجال ليس مستبعد ًا وال عزيز ًا‪ ،‬فقد وضع على لسان‬ ‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫ّ‬
‫وتحط من شأنها‪ ،‬مما هو مخالف لكتاب الله تعالى‪،‬‬ ‫الرسول(ص) عدة أحاديث تذ ّم المرأة‬
‫وسيوافيك بعض هذه األحاديث المنسوبة إلى أشرف الخلق محمد(ص) والتي تفوح منها‬
‫رائحة اللغة الجاهلية المقيتة‪.‬‬
‫إن بعض األحاديث المذكورة حتى على فرض أننا لم ننكر إمكانية صدورها‬ ‫ثالث ًا‪ّ :‬‬
‫أن الكالم في جهة الصدور‪ ،‬وأقصد بجهة الصدور أنّها هل ترمي إلى التأسيس‬ ‫عنه‪ ،‬بيد ّ‬
‫للقاعدة اإلسالمية العامة التي تحكم النظرة إلى المرأة بشكل شامل وعابر لكل األزمنة‬
‫واألجيال‪ ،‬أو أنّها بصدد التوصيف لما كان عليه حال المرأة في زمانه‪ ،‬مما يجعل من تلك‬
‫األحاديث ذات ٍ‬
‫بعد تاريخي ومحكومة لهذا البعد؟ وقد رجحنا االحتمال الثاني في التعليق‬
‫على العديد من الروايات والكلمات السابقة‪.‬‬
‫بأن صورة المرأة عند اإلمام علي‪ ‬ليست كما يتخيلها‬ ‫وقصارى القول‪ :‬إنّنا على ٍ‬
‫يقين ّ‬
‫أو يرسمها البعض صور ًة قاتم ًة سوداوية‪ ،‬بل هي الصورة عينها التي قدّ مها القرآن الكريم‬
‫فعلي‪ ‬ال ُيعقل أن يخالف كتاب الله أو يبتعد عنه قيد أنملة‪ ،‬والقرآن الكريم‬‫ٌّ‬ ‫عن المرأة‪،‬‬
‫كرم المرأة وأكد على تساويها مع الرجل في القيمة اإلنسانية التي أهلتهما مع ًا لخالفة الله‬
‫ّ‬
‫على األرض‪ ،‬وقد كان علي‪ ‬على استعداد لخوض حرب مع أعدائه‪ ،‬حفاظ ًا على كرامة‬
‫نص‬‫امرأة تقع ضمن مسؤوليته‪ ،‬وال فرق عنده أكانت هذه المرأة مسلمة أم معاهدة‪ ،‬كما ّ‬
‫على ذلك في خطبة الجهاد المعروفة‪ ،‬فقد كان يتألم من تقاعس أصحابه عن القيام لمواجهة‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪290‬‬
‫أهل الشام‪ ،‬الذين كانوا يغيرون على بعض النواحي التابعة لحكمه وواليته‪ ،‬فقال‪« :‬و َل َقدْ‬
‫اهدَ ِة‪َ ،‬ف َينْت َِز ُع ِح ْج َل َها‬
‫َان يدْ ُخ ُل ع َلى ا ْلمر َأ ِة ا ْلمسلِم ِة واألُ ْخرى ا ْلمع ِ‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫الر ُج َل من ُْه ْم ك َ َ‬
‫ِ‬
‫َب َلغَني َأ َّن َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين‪َ ،‬ما‬ ‫ور ُع َث َها‪َ ،‬ما ت َْمتَن ُع منْه إِ َّل بِال ْست ْر َجا ِع وال ْست ْر َحامِ‪ُ ،‬ث َّم ان َْص َر ُفوا َواف ِر َ‬ ‫و ُق ُل َب َها و َق َلئدَ َها ُ‬
‫َان بِه‬ ‫ات ِم ْن َب ْع ِد َه َذا َأ َسف ًا‪َ ،‬ما ك َ‬ ‫ول ُأ ِر َيق َل ُه ْم َد ٌم‪َ ،‬ف َل ْو َأ َّن ْام َر ًأ ُم ْسلِم ًا َم َ‬
‫ال ِمن ُْه ْم َك ْل ٌم َ‬
‫ن ََال َر ُج ً‬
‫َان بِه ِعن ِْدي َج ِدير ًا»(((‪.‬‬ ‫َم ُلوم ًا َب ْل ك َ‬

‫(((   نهج البالغة‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪ .68‬والكافي‪ ،‬ج‪ 5‬ص‪ ،5‬ووقعة صفين لنصر بن مزاحم‪ ،‬ص‪ ،204‬وربيع األبرار‬
‫للزمخشري‪ ،‬ج‪ 5‬ص‪ .252‬بيان‪ :‬المرأة «المعاهدة» هي الداخلة في عهد الذمة‪ِ .‬‬
‫و«حجلها» هو خلخالها‪.‬‬
‫و« ُق ْلبها»‪ :‬سوارها‪ُ .‬‬
‫و«ر ُع َثها»‪ :‬أقراطها‪ ،‬و«االسترجاع» هو قول «إنا لله وإنا إليه راجعون»‪ ،‬وقال الشيخ‬
‫محمد عبده‪ :‬االسترجاع‪ :‬ترديد الصوت بالبكاء‪ .‬و«االسترحام» أن تناشده الرحم‪« ،‬وافرين» بمعنى‬
‫منتصرين لم ينقص عددهم‪ ،‬و«الكلم» بالفتح الجرح‪ ،‬انظر‪ :‬تعليقه على نهج البالغة‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.69‬‬
‫المحور ال�ساد�س‬

‫�أفكار جاهلية بلبو�س �إ�سالمي‬

‫‪«--1‬دفن البنات من المكرمات»‬


‫‪«--2‬للمر�أة �ستران‪ :‬القبر والزوج»‬
‫‪ «--3‬نعم ال�صهر القبر»‬
‫‪«--4‬للن�ساء ع�شر عورات»‬
‫‪«--5‬الح�صير خير من المر�أة العقيم»‬
‫‪--6‬حديث‪� « :‬أجيعوا الن�ساء و�أعروهنّ »‬
‫�أفكار جاهلية بلبو�س �إ�سالمي‬
‫وثمة أحاديث أخرى تُعزى إلى الرسول األكرم(ص)‪ ،‬وهي أحاديث ال يمكن التصديق‬
‫بصدورها عنه‪ ،‬بل يقطع المرء بأنّها مكذوبة عليه‪ ،‬ألنّها تحمل مضامين منافية للقرآن الكريم‪،‬‬
‫وقد اعترف علماء الحديث والمحققون بوضع بعضها‪ ،‬وألجل ذلك عقدنا لها محور ًا‬
‫يتم إدراجها في سياق واحد مع سائر األخبار المتقدمة‪،‬‬ ‫خاص ًا‪ ،‬ولم نجدْ من المناسب أن ّ‬
‫سواء المعتبرة منها أو الضعيفة التي ال دليل على وضعها حتى لو كانت محل نقاش في بعض‬
‫أن‬ ‫فإن األخبار المتقدمة في المحاور السابقة حتى لو كانت ضعيفة‪ ،‬فقد َع َر ْف َت ّ‬
‫الجوانب‪ّ .‬‬
‫لها بعض التوجيهات أو المحامل‪ ،‬كما أنّها القت قبوالً في بعض األوساط اإلسالمية‪ ،‬أ ّما‬
‫األخبار التي سوف نُدرجها في هذا المحور‪ ،‬فهي ذات مضامين واضحة البطالن ولم تلق‬
‫قبوالً من أحد‪.‬‬
‫ثمة تساؤالً يفرض نفسه علينا هنا وهو عن سبب‬ ‫وقبل أن نستعرض هذه األخبار‪ّ ،‬‬
‫فإن ّ‬
‫الوضع وهدفه؟‬
‫أن هناك أسباب ًا عامة ومعروفة((( لوضع الحديث‪ ،‬وهي شاملة لموردنا‪.‬‬ ‫من الطبيعي‪ّ ،‬‬
‫سبب خاص للوضع في مقامنا‪ ،‬وهو ّ‬
‫أن الذهن ّية الجاهل ّية كانت مستحكمة‬ ‫ولك ْن ربما ُيذكر ٌ‬
‫يتحمل أن يرى للمرأة هذه المكانة التي جاء بها اإلسالم‪ ،‬حيث‬ ‫ْ‬ ‫في أذهان البعض ممن لم‬
‫رفض وأد المرأة ورفض اعتبارها عنوان ًا للعار‪ ،‬بل دعا إلى تكريمها وأعلى من شأنها‪ ،‬األمر‬
‫الذي لم يستسغه البعض فاندفع إلى وضع بعض األحاديث بدافع الغيرة على العرض‪ ،‬أو‬
‫ر ّبما بدافع الحرص على المرأة! وهذا ليس مستغرب ًا‪ ،‬فالبعض قد وضع بعض األحاديث‬
‫في فضائل السور القرآنية قربة إلى الله تعالى! وذلك لما رأى الناس قد ابتعدت عن االهتمام‬
‫بالقرآن الكريم وانشغلت بقراءة كتب التاريخ والمغازي(((‪.‬‬

‫تطرقت في كتاب أصول االجتهاد الكالمي‪ ،‬ص‪ 350‬وما بعدها إلى جملة من أهداف الوضع في‬ ‫(((   ّ‬
‫األحاديث العقائدية وهي نافعة في المقام‪.‬‬
‫(((   فقد ذكروا أنّه قيل ألبي عصمة وهو نوح بن أبي مريم‪ :‬من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضائل‬
‫القرآن سورة سورة؟! فقال‪ :‬إنّي رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي‬
‫محمد بن إسحاق‪ ،‬فوضعت هذه األحاديث حسب َة»! انظر‪ :‬مقدمة ابن الصالح في علوم الحديث‪ ،‬ص‪.81‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪294‬‬
‫وحصول الوضع على لسان رسول الله(ص) بشأن المرأة‪ ،‬يجعلنا ال نستغرب‬
‫وال نستبعد أن توضع أحاديث على لسان أمير المؤمنين‪ ‬تحمل مضمون ًا ذام ًا‬
‫لجنس النساء‪ ،‬فر ّبما كانت بعض األحاديث المنسوبة إلى أمير المؤمنين‪ ‬موضوعة‬
‫على لسانه‪.‬‬
‫أهم الروايات التي تندرج في عداد الموضوعات حول المرأة‪:‬‬
‫نستعرض َّ‬
‫ُ‬ ‫وفيما يلي‬

‫‪« --1‬دفن البنات من المكرمات»‬


‫وهذا الحديث مروي عن ابن عباس رضي الله عنه‪ ،‬ومناسبة هذا الكالم على ما‬
‫يزعمون ّ‬
‫أن النبي (ص) ُع ِّزي بابنته رقية((( فقال‪« :‬الحمد لله دفن البنات من المكرمات»(((‪.‬‬
‫وقيل في شرحه وتوجيهه‪« :‬أي من الخصال التي ُيك ِْر ُم الل ُه تعالى بها آباءهن‪ ،‬ونعم‬
‫الصهر القبر‪ ،‬ألنّها عورة ولضعفها باألنوثة‪ ،‬وعدم استقاللها‪ ،‬وكثرة مؤونتها وأثقالها‪ ،‬وقد‬
‫تجر العار وتجلب العدو إلى الدار»(((‪.‬‬
‫ّ‬
‫وقد نظم بعضهم هذا المضمون الجاهلي فقال‪:‬‬
‫ودفنها ُيروى مـــن المكرمات‬ ‫القبر أخفـــى ســـترة للبنات‬
‫(‪)4‬‬
‫قد وضع النعش بجنب البنات‬ ‫أما رأيـــت الباري ع ّز اســـمه‬

‫والبيت الثاني يشير فيه هذا الشاعر إلى مجموعة الكواكب المسماة عند العرب ببنات‬
‫نعش(((‪ ،‬وهذه التسمية كما هو واضح هي من اصطالحات العرب على خلفية أسطورية وال‬

‫  ذهب بعضهم إلى أنّه ليس للنبي(ص) بنت ّإل السيدة الزهراء‪ ‬وأ ّما رق ّية وزينب وأم كلثوم فه ّن‬ ‫(((‬
‫ربائبه‪ ،‬ولكن هذا القول ضعيف‪ ،‬انظر‪ :‬الملحق في كتاب «أم المؤمنين عائشة رؤية شيعية جديدة»‪.‬‬
‫  رواه الطبراني في األوسط بإسناده عن عكرمة عن ابن عباس قال «لما ُع ِّزي رسول الله (ص) على‬ ‫(((‬
‫ابنته رقية امرأة عثمان بن عفان قال‪ :‬الحمد لله دفن البنات من المكرمات» ثم ع ّلق الطبراني‪« :‬لم ُي ْر َو‬
‫هذا الحديث عن رسول الله (ص) إال بهذا االسناد‪ ،‬تفرد به‪ :‬عبد الله بن ذكوان الدمشقي» انظر‪:‬‬
‫المعجم األوسط‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪ ،372‬ورواه في المعجم الكبير أيض ًا‪ ،‬ج‪ 11‬ص‪ ،291‬ورواه ابن عبد البر‬
‫في االستيعاب‪ ،‬ج‪ 4‬ص‪.1843‬‬
‫  فيض القدير في شرح الجامع الصغير‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪.712‬‬ ‫(((‬
‫  السيرة الحلبية‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪ ،436‬وفي كشف الخفاء‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪ 407‬هو للباخرزي أبي الحسن علي بن‬ ‫(((‬
‫الحسن‪.‬‬
‫  هناك مجموعتان كوكبيتان في السماء‪ ،‬إحداهما تسمى «بنات نعش الكبرى»‪ ،‬أو مجموعة الدب=‬ ‫(((‬
‫‪295‬‬ ‫المحور السادس‪ :‬أفكار جاهلية بلبوس إسالمي‬
‫عالقة بالله تعالى كما ّتوهم الشاعر‪ ،‬فالتسمية المذكورة لم ت َِر ْد في القرآن الكريم وال في‬
‫السنة النبو ّية لتنسب إلى الله سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫ُّ‬
‫جمع من األعالم‪ ،‬بل عدّ من‬ ‫ٌ‬ ‫صرح بذلك‬ ‫والحديث من جهة السند ضعيف‪ ،‬كما ّ‬
‫ألن هذا المضمون جاهلي‬ ‫األخبار الموضوعة على لسانه(ص)(((‪ ،‬والوضع غير مستبعد‪ّ ،‬‬
‫(((‬ ‫بامتياز‪ ،‬وقد حارب اإلسالم هذه الفكرة ودعا إلى مواجهتها معتبر ًا ّ‬
‫أن البنات حسنات‬
‫أن موتهن هو المكرمة‪ ،‬في الحديث عن أبي عبد الله‪ ‬قال‪ :‬قال رسول‬ ‫ومكرمات‪ ،‬ال ّ‬
‫الله(ص)‪« :‬نعم الولد البنات م ْلطِ ٍ‬
‫فات ُم َج ِهزّات مؤنسات مباركات ُم َف ِّليات»(((‪ .‬والنصوص‬ ‫ُ‬
‫بهذا المضمون مستفضية بل ر ّبما بلغت حدّ التواتر ‪.‬‬
‫(((‬

‫وحاول البعض تأويله فقال‪« :‬حاشاه(ص) أن يقول ذلك كراهة للبنات‪ ،‬بل خرج‬
‫مخرج التعزية للنفس»(((‪.‬‬
‫ال ومخالف ًا‬
‫يعزي نفسه بكالم يحمل مضمون ًا باط ً‬ ‫ولكنه تأويل بارد‪ ،‬ألنه(ص) ال ّ‬
‫لمنطوق القرآن الكريم‪ ،‬وإنّما يعزي نفسه بذكر الله تعالى والرضا بقضائه وقدره‪.‬‬

‫بالدب هي‬
‫ِّ‬ ‫= األكبر‪ ،‬والثانية تسمى «بنات نعش الصغرى»‪ ،‬أو مجموعة الدب األصغر‪ ،‬و ُذكر ّ‬
‫أن تسميتها‬
‫تسمية مستوحاة من أساطير يونانية‪ ،‬وأ ّما تسميتها ببنات نعش فترجع إلى قصة رجل عربي اسمه نعش‪،‬‬
‫وقد قتل على يد رجل اسمه سهيل‪ ،‬وكان لنعش سبع بنات حملت أربعة منهن نعش أبيهن بعد مقتله‬
‫ومشت ثالثة منهن خلف النعش وقد تعاهدن على أن ال يدفن أباهن حتى يأخذن بثأره‪ ،‬من سهيل‪،‬‬
‫نعش سيرهن خلف سهيل إلدراكه واستمر‬ ‫ٍ‬ ‫لك ّن األخير هرب إلى منطقة بعيدة‪ ،‬وقد واصلت بنات‬
‫فإن ثمة مجموعة كوكبية تقع في‬ ‫ال دون جدوى‪ ،‬وهذه القصة تحاكي ما يجري في السماء ّ‬ ‫السير طوي ً‬
‫الشمال هي على شكل نعش وحوله ثالث نجوم‪ ،‬بينما يقع في الجنوب الشرقي من السماء نجم يسمى‬
‫بسهيل‪ ،‬ويبدو للناظر ّ‬
‫كأن تلك المجموعة تالحق سهي ً‬
‫ال دون أن تدركه‪.‬‬
‫(((   فقد رواه ابن الجوزي في الموضوعات من طريقين وحكم بضعفهما ثم قال‪« :‬بطل االحتجاج به‪.‬‬
‫وسمعت شيخنا عبد الوهاب بن المبارك األنماطي يحلف بالله عز وجل أنه ما قال رسول الله(ص)‬
‫من هذا شيئ ًا قط»‪ ،‬انظر‪ :‬الموضوعات البن الجوزي‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪ ،237‬وقال العجلوني‪« :‬رواه‬
‫الصغاني وحكم عليه بالوضع»‪ ،‬انظر‪ :‬كشف الخفاء‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪ ،407‬وأشار إلى وضعه في بحار‬
‫األنوار‪ ،‬ج‪ 20‬ص‪.415‬‬
‫(((   ورد في الحديث عن اإلمام الصادق‪« :‬البنات حسنات‪ ،‬والبنون نعمة‪ ،‬فإنّما يثاب على الحسنات و ُيسأل‬
‫عن النعمة»‪ ،‬انظر‪ :‬الكافي‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪ ،6‬وثواب األعمال‪ ،‬ص‪ ،201‬ومن ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.481‬‬
‫(((   الكافي‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪.5‬‬
‫(((   انظر‪ :‬وسائل الشيعة‪ ،‬ج‪ 21‬ص‪ 362‬وما بعدها‪ ،‬األبواب‪ 4‬و‪ 5‬و‪ 6‬و‪ 7‬من أبواب أحكام األوالد‪.‬‬
‫(((   انظر‪ :‬فيض القدير شرح الجامع الصغير‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.712‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪296‬‬
‫والذي َي ْج َر ُأ على أن يضع على لسانه(ص) حديث ًا كهذا مخالف ًا لكتاب الله تعالى‪ ،‬فإنّه‬
‫لن يتورع عن أن يضع على لسان علي‪ ‬أحاديث في ذم المرأة‪.‬‬
‫وللحديث المذكور نظائر سنشير إليها تباع ًا‪.‬‬

‫‪«--2‬للمر�أة �ستران‪ :‬القبر والزوج»‬


‫ونسب إليه(ص) أنّه قال‪« :‬للمرأة ستران»‪ ،‬قيل‪ :‬وما هما؟ قال‪« :‬الزوج والقبر»‪ ،‬قيل‪:‬‬
‫فأ ّيهما أستر (أفضل)؟ قال‪« :‬القبر»(((‪.‬‬
‫وهو حديث مكذوب على لسان النبي(ص) باعتراف علماء الحديث وأهل‬
‫االختصاص(((‪.‬‬

‫‪ «--3‬نعم ال�صهر القبر»‬


‫وهذا «حديث» آخر يعكس هذه الذهن ّية الجاهل ّية التي محاها اإلسالم‪ ،‬وهو ‪ -‬لألسف‬
‫الشديد ‪ -‬قد نُسب إلى النبي(ص) في بعض المصادر(((‪ ،‬وقد نظم عبيد الله بن عبد الله بن‬
‫طاهر هذا المعنى فقال‪:‬‬
‫الصهر‬‫ثالثـــة أصهار إذا ذكـــر ّ‬ ‫يرجـــى بقاؤها‬
‫لكل أبـــي بنت ّ‬
‫(‪)4‬‬
‫و َق ْب ٌر يواريها‪ ،‬وخيرهما القبر‬ ‫ٌ‬
‫وبعـــل يصونُها‬ ‫فبيت ُي َغ ِّطيها‪،‬‬
‫ٌ‬

‫  انظر‪ :‬مجمع الزوائد‪ ،‬ج‪ 4‬ص‪ ،312‬والمعجم األوسط للطبراني‪ ،‬ج‪ 8‬ص‪ ،152‬ورواه في المعجم‬ ‫(((‬
‫الصغير‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.111‬‬
‫وصرح بوضعه الفتني في تذكرة الموضوعات‪ ،‬ص‪ 218‬وإن ع ّقب ذلك بالقول‪« :‬له شاهد»‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ ‬ ‫(((‬
‫وقال ابن الجوزي‪« :‬هذا حديث موضوع على رسول الله (ص)‪ ،‬والمتهم به خالد‪ ،‬وهو خالد بن‬
‫يزيد بن أبي أسد القشيري‪ .‬قال ابن عدي‪ :‬أحاديثه كلها ال يتابع عليها ال متن ًا وال إسناد ًا»‪ .‬انظر‪:‬‬
‫الموضوعات‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.237‬‬
‫قائال‪ « :‬لكن قال بعض العلماء‪ :‬لم أظفر‬ ‫ثم ع ّقب ً‬ ‫  أشار العجلوني إلى أنه مروي عن النبي (ص) ّ‬ ‫(((‬
‫ً‬
‫به بعد التفتيش‪ ،‬وإنما ذكر صاحب الفردوس مما لم يسنده ابنه عن ابن عباس مرفوعا بلفظ‪« :‬نعم‬
‫الكفؤ القبر للجارية»‪ ،‬ورواه ابن السمعاني عن ابن عباس من قوله بلفظ‪« :‬نعم األختان القبر»‪،‬‬
‫واألختان‪ :‬جمع ختن وهو زوج المرأة‪ ،‬وفي الحديث‪« :‬علي ختن رسول الله(ص)»‪ ،‬والطبراني عنه‬ ‫ْ‬
‫أيض ًا مرفوع ًا‪« :‬للمرأة ستران القبر والزوج»‪ ،‬قيل‪ :‬فأيهما أفضل؟ قال‪ :‬القبر»‪ ،‬انظر‪ :‬كشف الخفاء‬
‫للعجلوني‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.407‬‬
‫  زهر اآلداب وثمر األلباب للقيرواني‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.529‬‬ ‫(((‬
‫‪297‬‬ ‫المحور السادس‪ :‬أفكار جاهلية بلبوس إسالمي‬
‫قال الفتني‪« :‬قال بعض العلماء إنّه لم يظفر به بعد التفتيش»(((‪.‬‬
‫وقال آخر‪« :‬أ ّما خبر‪« :‬الصهر‪ :‬القبر» فال أصل له»(((‪.‬‬
‫ال عن أمير المؤمنين‪ ،(((‬ولكن ال يعتدّ به‪ ،‬إلرساله ولم نجده في‬ ‫وقد ُروي مرس ً‬
‫أي مصدر آخر من مصادر الشيعة اإلمام ّية‪ ،‬وقد روي هذا المعنى عن بعض األعراب‪ ،‬وهو‬
‫ألصق بفكرهم وأقرب لسلوكهم‪ ،‬فقد قيل‪« :‬مات لبعض ملوك كندة ابنة‪ ،‬فوضع بين يديه‬
‫َبدْ َر ًة من المال‪ ،‬وقال‪َ :‬م ْن بالغ في تعزيته فهي له‪ ،‬فدخل عليه أعرابي‪ ،‬وقال‪ :‬عظم الله أجر‬
‫الصهر القبر‪ ،‬فقال ‪ :‬قد أبلغت وأوجزت ثم‬
‫ُ‬ ‫وستِ َرت العورة‪ ،‬ونِ ْع َم‬ ‫الملك ك ُِف َ‬
‫يت المؤونة ُ‬
‫دفعها له»(((‪.‬‬

‫‪« --4‬للن�ساء ع�شر عورات»‬


‫ونسب إلى اإلمام علي‪ ‬أنّه قال‪ :‬قال رسول الله(ص)‪« :‬للنساء عشر عورات‪ ،‬فإذا‬
‫ُز ِّو َج ْت المرأة َست ََر الزوج عورة‪ ،‬فإذا ماتت ستر القبر عشر عورات»(((‪.‬‬
‫«أن ابن عباس تُو ِّفيت له ابنة وأتاه الناس يعزونه‪ ،‬فقال لهم‪ :‬عورة سترها الله‪،‬‬
‫وروي ّ‬
‫ومؤونة كفاها الله‪ ،‬وأجر ساقه الله»‪ ،‬فاجتهد المهاجرون أن يزيدوا فيها حرف ًا فما قدروا‬
‫عليه»(((‪.‬‬
‫إن اإلنسان يشتم منها‬ ‫وهذا كسائر األحاديث المتقدمة في غاية درجات الضعف‪ ،‬بل ّ‬
‫رائحة الجاهلية‪ ،‬فال يستبعد أن تكون هذه الكلمات من بقايا ومخلفات الجاهليين وذهنيتهم‬
‫التي كانت تتقبل وأد المرأة وال تجد في ذلك غضاضة‪ ،‬وقد نُسبت إلى ابن عباس كذب ًا وزور ًا‪.‬‬

‫  تذكرة الموضوعات‪ ،‬ص ‪ ،218‬وكشف الخفاء للعجلوني‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.407‬‬ ‫(((‬
‫  فيض القدير‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪.712‬‬ ‫(((‬
‫  عيون الحكم والمواعظ‪ ،‬ص ‪.494‬‬ ‫(((‬
‫  المستطرف في كل فن مستظرف‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.858‬‬ ‫(((‬
‫ً‬
‫  انظر‪ :‬كنز العمال للمتقي الهندي‪ ،‬ج‪ 16‬ص‪ ،554‬قال في تذكرة الموضوعات‪ ،‬ص‪ 218‬تعليقا على‬ ‫(((‬
‫حديث «للمرأة ستران‪« :»..‬هو ضعيف جد ًا‪ ،‬ومثله ما روي مرفوع ًا‪« :‬للنساء عشر عورات‪ ،‬فإذا‬
‫تزوجت ستر الزوج عورة‪ ،‬فإذا ماتت ستر القبر تسع عورات»‪ ،‬والحديث مروي عن علي‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫فيض القدير‪ ،‬ج‪ 5‬ص‪ ،371‬وكشف الخفاء‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪ ،407‬و ج‪ 2‬ص‪ ،74‬وقد روي الحديث في بعض‬
‫مصادر الشيعة عن الحسن‪ ‬عن أبيه علي‪ ‬عن رسول الله(ص) انظر‪ :‬كشف الغمة‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.204‬‬
‫  كشف الخفاء‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.407‬‬ ‫(((‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪298‬‬
‫خير من المر�أة العقيم»‬
‫‪«--5‬الح�صير ٌ‬
‫وروى بعضهم عن رسول الله(ص)أنّه قال‪« :‬الحصير في ناحية البيت خير من امرأة ال‬
‫تلد»‪.‬‬
‫ولنا مع هذا الحديث وقفتان‪:‬‬

‫الوقفة الأولى‪ :‬مع �سند الحديث‬


‫نسجل مالحظتين‪:‬‬
‫بعد التأمل في المصادر التي نقلت هذه الرواية فإننا ّ‬
‫أوالً‪ّ :‬‬
‫إن الرواية لم يثبت كونها حديث ًا نبوي ًا‪ ،‬وذلك ّ‬
‫ألن بعض المصادر التي نقلتها‬
‫تزوجه من امرأة ثم اكتشافه‬
‫ذكرت أنّها موقوفة على عمر بن الخطاب‪ ،‬وأنّه قال ذلك بمناسبة ّ‬
‫بعد ذلك أنّها كانت عقيم ًا(((‪.‬‬
‫السنة‬
‫ثمة مصادر أخرى نسبت الحديث إلى النبي(ص) وذلك من طرق ّ‬ ‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫(((‬

‫والشيعة((( على حدٍّ سواء‪ ،‬وقد روى الفريقان أنّها من جملة وصايا النبي(ص) لعلي‪،‬‬
‫فإن الالفت أيض ًا ّ‬
‫أن سنده في‬ ‫وباإلضافة إلى وحدة مضمون الحديث من طريق الفريقين‪ّ ،‬‬
‫كتب الشيعة ينتهي إلى األسماء نفسها التي رواه بها أهل السنّة(((‪ ،‬األمر الذي يعني ّ‬
‫أن أصل‬

‫(((   انظر‪ :‬سنن أبي داود‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪ ،232‬تاريخ بغداد‪ ،‬ج‪ 12‬ص‪ ،373‬وكنز العمال للمتقي الهندي‪ ،‬ج‪16‬‬
‫تزوج امرأة من أهل‬
‫أن عمر بن الخطاب ّ‬ ‫ص‪ ،487‬وكشف الخفاء‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪ ،361‬ومناسبة هذا الكالم ّ‬
‫مكة شريفة‪ ،‬فجاءه رجل يهنئه بها‪ ،‬فقال‪ :‬ما أشرفها من امرأة ال تلد‪ ،‬وقد طعنت في السن‪ .‬فقال عمر‪:‬‬
‫«لوال الولد لم أتزوج‪ ،‬حصير في بيت خير من امرأة ال تلد»‪ .‬انظر‪ :‬العمر والشيب البن أبي الدنيا‪،‬‬
‫ص‪ ،78‬وتاريخ بغداد‪ ،‬ج‪ 12‬ص‪.373‬‬
‫(((   نسبها إلى النبي(ص) الغزالي في إحياء علوم الدين‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪ ،105‬ورواها ابن الجوزي في‬
‫الموضوعات‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.267‬‬
‫(((   ورواه الصدوق في األمالي‪ ،‬ص ‪ ،663‬وعلل الشرائع‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪ ،515‬ومن ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ 3‬ص‬
‫‪ ،551‬ورواه المفيد في االختصاص‪ ،‬ص ‪.132‬‬
‫(((   فالشيخ الصدوق رواه عن محمد بن إبراهيم بن إسحاق (رضي الله عنه)‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو سعيد الحسن‬
‫ابن علي العدوي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يوسف بن يحيى األصبهاني أبو يعقوب‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو علي إسماعيل‬
‫ابن حاتم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو جعفر أحمد بن صالح بن سعيد المكي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عمرو بن حفص‪ ،‬عن‬
‫إسحاق بن نجيح‪ ،‬عن خصيف‪ ،‬عن مجاهد‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري»‪ ،‬األمالي‪ ،‬ص‪ .663‬وهذا اإلسناد‬
‫ليس من أسانيد الشيعة كما ال يخفى‪ .‬وهو يلتقي بالسند الذي ذكره ابن الجوزي في األسماء الثالثة‬
‫األخيرة‪ ،‬وهم‪ :‬خصيف ومجاهد وأبو سعيد الخدري‪ ،‬الموضوعات‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪ ،2268‬وخصيف ضعيف=‬
‫‪299‬‬ ‫المحور السادس‪ :‬أفكار جاهلية بلبوس إسالمي‬
‫وتسرب إلى بعض المصادر الشيعية(((‪ .‬وإذا علمنا ّ‬
‫أن أهل‬ ‫ّ‬ ‫السنة‪،‬‬
‫الحديث هو من مصادر ُّ‬
‫السنة قد اتهموا بعض رواة الحديث بالكذب ووضع األخبار‬ ‫الجرح والتعديل من أهل ُّ‬
‫ونسبتها إلى الثقات((( فهذا يعني سقوط الرواية وعدم االعتناء بها‪.‬‬

‫الوقفة الثانية‪ :‬مع م�ضمون الحديث‬


‫أ ّما مضمون الحديث فإنّه مرفوض كما أشرنا سابق ًا‪ ،‬وذلك للمالحظتين التاليتين‪:‬‬
‫إن عقم المرأة ‪ -‬في األعم األغلب ‪ -‬وال س ّيما زمن صدور هذا الكالم هو أمر‬ ‫أوالً‪ّ :‬‬
‫غير اختياري لها وال هو من فعلها‪ ،‬فلماذا هذا التحقير والذ ّم لها‪ ،‬على أمر ال دخل لها فيه؟!‬
‫لدرجة أن ُيجعل الحصير أكثر نفع ًا وفائدة منها! وأين هذا التشبيه من تكريم اإلسالم لإلنسان‬
‫نص عليه الذكر الحكيم‪ ،‬في قوله تعالى‪ :‬ﵛﭐﱾ ﱿ ﲀ ﲁﵚ(((‪.‬‬ ‫مما ّ‬
‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫إن العقيم التي ال تلد إذا أحسنا تربيتها وإعدادها بعناية‪ ،‬وأحطناها برعاية ولم‬
‫ينظر إليها المجتمع نظرة احتقار نظرتَه الظالمة إلى أكثر ذوي العاهات‪ ،‬فإنّها قد تنجح في‬
‫مجاالت العطاء الفكري والرسالي والعلمي‪ ..‬أكثر مما تنتج الولود المشغولة بأوالدها حم ً‬
‫ال‬
‫ورضاع ًة وتربي ًة‪ .‬وأ ّما إذا حاصرها المجتمع بنظرات االزدراء واالحتقار‪ ،‬فإنها ستعقم عن‬
‫العطاء الفكري وعن القيام بالعديد من المهام الرسالية واالجتماعية‪ ،‬وتتحول إلى كتلة من‬
‫تصب جام غضبها على ظالميها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫العقد النفس ّية التي‬
‫واستناد ًا إلى ما تقدّ م ّ‬
‫فإن بعض الفقهاء ألمح إلى وضع الحديث‪ ،‬قال الشهيد الثاني في‬
‫المسالك‪« :‬وعلى هذه الوصية تفوح رائحة الوضع‪ ،‬وقد صرح به بعض النقاد»(((‪.‬‬

‫يعول عليه كما يقول علماء الجرح والتعديل‪ ،‬ففي ضعفاء العقيلي‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪« :،32‬حدثنا عبد الله‬ ‫وال ّ‬ ‫= ‬
‫ابن أحمد قال‪ :‬وسألت أبي عن خصيف فقال‪ :‬ليس هو بقوي في الحديث‪ ،‬قال‪ :‬وسمعته مرة أخرى‬
‫يقول‪ :‬خصيف ليس بذاك‪ ،‬وسمعت أبي يقول‪ :‬خصيف شديد االضطراب في المسند»‪.‬‬
‫فإن بعض أصحابنا طعن‬ ‫  قال الشيخ يوسف البحراني‪« :‬وال يبعد أن يكون الخبر المذكور عامي ًا‪ ،‬ولهذا ّ‬ ‫(((‬
‫فيه»‪ ،‬انظر‪ :‬الحدائق الناضرة‪ ،‬ج‪ 23‬ص‪.146‬‬
‫أن أحد رجال السند وهو عبد الله بن‬ ‫  نقل ابن الجوزي في الموضوعات‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪ 267‬عن ابن حبان ّ‬ ‫(((‬
‫وهب النسوي هو شيخ دجال يضع الحديث على الثقات‪.‬‬
‫ سورة اإلسراء‪ ،‬اآلية ‪.70‬‬ ‫(((‬
‫  مسالك اإلفهام‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪ ،39‬ونقل بعض الفقهاء كالمه دون اعتراض‪ ،‬انظر‪ :‬مفاتيح الشرائع‪ ،‬ج‪2‬‬ ‫(((‬
‫ص‪ ،278‬والوافي‪ ،‬ج‪ 22‬ص‪.734‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪300‬‬
‫وقال الفيض الكاشاني في الوافي ‪ -‬بعد نقل الخبر وشرح بعض فقراته ‪« :-‬وال يخفى‬
‫ما في هذه الوصايا و ُب ْعدُ مناسبتها لجاللة َقدْ ِر المخا َطب بها‪ ،‬ولذلك قال بعض علمائنا‪ :‬إنّها‬
‫يشم منها رائحة الوضع»(((‪ .‬ومقصوده بالمخاطب بها أمير المؤمنين‪.‬‬ ‫مما ّ‬

‫‪--6‬حديث‪� « :‬أجيعوا الن�ساء و�أعروهنّ »‬


‫عدي في «الكامل»‬‫ومن األحاديث الغريبة التي تلوح عليها عالمات الوضع ما رواه ابن ّ‬
‫بإسناده عن رسول الله(ص) قال‪« :‬أجيعوا النساء جوع ًا غير مضر وأعروهن عري ًا غير مبرح‪،‬‬
‫شر له َن من‬ ‫ألنّهن إذا ِ‬
‫أحب إليهن من الخروج‪ ،‬وليس شيء ٌّ‬ ‫َ‬ ‫سم َن واكتسين فليس شيء‬
‫أحب إليهن من البيوت‬‫َ‬ ‫الخروج‪ ،‬وإنّهن إذا أصابه ّن طرف من العري والجوع فليس شيء‬
‫وليس شيء خير ًا له َن من البيوت»(((‪.‬‬
‫تضمن دعوتين‪:‬‬
‫وهذا الحديث َ‬
‫الدعوة األولى‪ :‬تجويع النساء‪.‬‬
‫والدعوة الثانية‪ :‬هي تعرية النساء‪.‬‬
‫وال بدّ من البحث فيهما‪:‬‬

‫�أو ًال‪ :‬تجويع الن�ساء‬


‫أما الدعوة إلى تجويع النساء فقد وردت في هذا الحديث‪ ،‬ولم نجده في حديث آخر‪،‬‬
‫أجل نقل هذا المعنى عن بعض الشعراء وهو عقيل بن علفة كما سيأتي‪.‬‬
‫ولنا على هذا الحديث مالحظتان‪:‬‬
‫المالحظة األولى‪ :‬إنّه ال اعتبار به من الناحية السند ّية‪ ،‬بل احتمل بعضهم وضعه‪،‬‬
‫وأجمع أهل الخبرة في هذا الباب على عدم صحته‪ ،‬قال الفتني‪« :‬ال يصح»(((‪ .‬وقال ابن‬
‫الجوزي بعد أن نقل سند((( الحديث‪« :‬وفي الطريق عبيد الله العتكي‪ .‬قال البخاري ‪ :‬عنده‬

‫  الوافي‪ ،‬ج ‪ ،22‬ص‪.734‬‬ ‫(((‬


‫عدي الجرجاني‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪.333‬‬ ‫  الكامل لعبد الله بن ّ‬ ‫(((‬
‫  تذكرة الموضوعات‪ ،‬ص ‪.129‬‬ ‫(((‬
‫  والسند هو «أنبأنا محمد بن عبد الملك أنبأنا إسماعيل بن أبي الفضل أنبأنا حمزة حدثنا ابن عدي=‬ ‫(((‬
‫‪301‬‬ ‫المحور السادس‪ :‬أفكار جاهلية بلبوس إسالمي‬
‫يتفرد عن الثقات بالمقلوبات‪ ،‬وقال ابن عدي‪ :‬سعدان مجهول‬ ‫مناكير‪ ،‬وقال ابن حبان ‪ّ :‬‬
‫وشيخنا محمد بن داود يكذب»(((‪ ،‬وقال الذهبي تعليق ًا على بعض أحاديث محمد بن داود‪:‬‬
‫لعل هذه األحاديث من وضع محمد بن داود‪ ،‬وال يدرى من شيخه وال من شيخ شيخه»(((‪،‬‬ ‫« ّ‬
‫وقال ابن حجر مثل هذا الكالم(((‪.‬‬
‫فإن مضمونه مما ال‬ ‫المالحظة الثانية‪ :‬إنّه وبصرف النظر عن سقوط الحديث سند ًا‪ّ ،‬‬
‫يمكن الوثوق بصدوره عن رسول الله(ص)‪ ،‬بل يكاد الفقيه يشرف على القطع بوضعه‬
‫ألن تجويع النساء إنّما يكون عائق ًا له ّن عن الخروج إذا أ ّدى إلى وهنه ّن‬
‫على لسانه‪ ،‬وذلك ّ‬
‫وضعفهن وهزالهن‪ ،‬األمر الذي يعيقه ّن عن الحركة الطبيعية التي تسمح له ّن بالخروج‬
‫أضر به ّن‪ ،‬وهذا المقدار من التجويع غير‬ ‫أن الجوع قد بلغ مبلغ ًا ّ‬ ‫من بيوته ّن‪ ،‬وهذا يعني ّ‬
‫جائز شرع ًا‪ ،‬وقد نهى الله تعالى عن اإلضرار بالزوجات‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﭐﵛﭐﲦ ﭐﲧ ﭐﲨ ﭐﲩ‬
‫أن‬‫ﲪ ﭐﲫﲬ ﭐﲭ ﭐﲮ ﭐﲯ ﭐﲰ ﭐﲱ ﭐﲳ ﭐﲴ ﭐﲵ ﭐﲶ ﭐﲷ ﭐﲸ ﭐﲹ ﭐﲺﵚ(((‪ ،‬كما ّ‬
‫تأمين الغذاء المناسب للزوجة أو لألوالد ذكور ًا وإناث ًا هو واجب على الزوج واألب‪ ،‬كما‬
‫هو معروف ومجمع عليه بين الفقهاء‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬تعرية الن�ساء‬


‫عدي ‪ -‬في أحاديث‬
‫أما الدعوة إلى تعرية النساء‪ ،‬فقد وردت ‪ -‬باإلضافة إلى حديث ابن ّ‬
‫أخرى‪ ،‬أو بطريق آخر‪ ،‬فعن أنس ّ‬
‫أن النبي (ص) قال‪« :‬استعينوا على النساء بالعري»(((‪.‬‬
‫والحديث بهذه الصيغة مروي في مصادر الشيعة‪ ،‬ففي كتاب «الجعفريات»‪ ،‬باإلسناد‬

‫حدثنا محمد بن داود بن دينار أنبأنا أحمد بن يونس حدثنا سعدان بن عبدة أنبأنا عبيد الله ابن‬ ‫= ‬
‫عبد الله العتكي أنبأنا أنس بن مالك قال قال رسول الله (ص)‪« :‬أجيعوا النساء‪ ،»..‬الموضوعات‬
‫ج ‪ 2‬ص ‪.632‬‬
‫  الموضوعات‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.632‬‬ ‫(((‬
‫  ميزان االعتدال‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪.10‬‬ ‫(((‬
‫  لسان الميزان‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪.106‬‬ ‫(((‬
‫  سورة البقرة ‪.233‬‬ ‫(((‬
‫  المعجم األوسط للطبراني‪ ،‬ج ‪ 8‬ص ‪ ،165‬وقال بعد نقله‪« :‬لم يرو هذا الحديث عن قتادة إال سعيد‪ ،‬وال‬ ‫(((‬
‫تفرد به زكريا بن يحيى الخزاز»‪.‬‬
‫عن سعيد إال إسماعيل‪ّ ،‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪302‬‬
‫احبِ ُ‬
‫سوه َّن‬ ‫عن الصادق‪ ‬عن آبائه عن علي‪ ‬قال‪َ :‬‬
‫قال رسول الله (ص)‪« :‬النِّسا ُء َع ْو َر ٌة ْ‬
‫ِ‬
‫واستَعينُوا َع َل ْي ِه َّن بِا ْل ّ‬
‫عري»(((‪.‬‬ ‫في ا ْل ُبيوت ْ‬
‫وهذا الحديث مروي عن عمر بن الخطاب قال‪« :‬استعينوا على النساء بالعري‪ّ ،‬‬
‫إن‬
‫إحداهن إذا كثرت ثيابها وحسنت زينتها أعجبها الخروج»(((‪.‬‬
‫وثمة صيغة أخرى أو حديث آخر قريب منه‪ ،‬وهو ما روي عن مسلمة بن مخلد قال‪:‬‬ ‫ّ‬
‫قال(ص)‪ « :‬أعروا النساء يلزمن الحجال» ‪.‬‬
‫(((‬

‫وهذه الصيغة نسبت إلى عمر أيض ًا‪ ،‬فقد أرسل أبو طالب المكي والغزالي إلى عمر بن‬
‫الخطاب قال‪« :‬أعروا النساء يلزمن الحجال»(((‪ ،‬وفي نقل أبي طالب‪« :‬كان عمر يقول‪.»..‬‬
‫وروي أنّه قيل لعقيل بن علفة(((‪« :‬قد عنست بناتك‪ ،‬أفما تخشى عليهن الفساد؟ قال‪:‬‬
‫كال إني خ ّلفت عنده ّن الحافظ ْين‪ ،‬قيل‪ :‬وما هما؟ قال «الجوع والعري‪ُ ،‬أ ِجي ُع ُه ّن فال يأشرن‪،‬‬
‫وأعريهن فال يظهرن»(((‪.‬‬
‫وهذا الدعوة ال يمكن التعويل عليها‪ ،‬ونوضح ذلك من خالل الوقفتين التاليتين‪:‬‬
‫ضعيف وال يعتدّ به‪ ،‬سواء ما روي من‬
‫ٌ‬ ‫إن سند الحديث وبكل طرقه‬ ‫الوقفة األولى‪ّ :‬‬
‫عدي قد عرفت حالها‬
‫السنة فرواية ابن ّ‬
‫السنة أو ما روي من طرق الشيعة‪ ،‬أ ّما من طرق ُّ‬
‫طرق ُّ‬

‫  الجعفريات‪ ،‬ص ‪ ،94‬وعنه مستدرك الوسائل‪ ،‬ج ‪ ،14‬ص ‪ ،182‬الباب ‪ 21‬من أبواب مقدمات النكاح‬ ‫(((‬
‫الحديث ‪ ،1‬ورواه الراوندي في النوادر‪ ،‬ص ‪ ،197‬وعنه بحار األنوار‪ ،‬ج ‪ 100‬ص ‪ .250‬وال يخفى ّ‬
‫أن‬
‫روايات النوادر مأخوذة من الجعفريات‪.‬‬
‫  المصنف البن أبي شيبة‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪.467‬‬ ‫(((‬
‫  مجمع الزوائد للهيثمي‪ ،‬ج ‪ 5‬ص ‪ ،138‬والجامع الصغير للسيوطي‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪ .174‬ورواه الزمخشري‬ ‫(((‬
‫في ربيع األبرار ونصوص األخبار‪ ،‬ج ‪ 5‬ص ‪.237‬‬
‫  قوت القلوب‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪ ،422‬وإحياء علوم الدين‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪.142‬‬ ‫(((‬
‫  عقيل بن علفة من شعراء الدولة األموية وكان حي ًا في زمن عمر بن عبد العزيز‪ ،‬انظر‪ :‬األعالم‬ ‫(((‬
‫للزركلي‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪ ،242‬وعرف عنه شدّ ة غيرته‪ ،‬روي أنّه حمل ابنة له وأنشأ يقول‪:‬‬

‫ألف وعبـــدان وذود عشـــر‬ ‫إلـــي المهر‬


‫ّ‬ ‫إني وإن ســـيق‬
‫إلـــي القبر»‬
‫ّ‬ ‫أحـــب أصهـــاري‬
‫ُّ‬
‫انظر‪ :‬األمالي للمرتضى‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.40‬‬
‫(((   المحاسن واألضداد للجاحظ‪ ،‬ص ‪.159‬‬
‫‪303‬‬ ‫المحور السادس‪ :‬أفكار جاهلية بلبوس إسالمي‬
‫فيما تقدّ م‪ ،‬وأ ّما حديث أنس «استعينوا على النساء بالعري»‪ ،‬فهو ضعيف كما قال الهيثمي‬
‫في مجمع الزوائد(((‪.‬‬
‫وأ ّما حديث‪ « :‬أعروا النساء يلزمن الحجال»‪ ،‬فقال الفتني‪« :‬ال أصل له» ونقل عن‬
‫الصغاني أنّه موضوع(((‪ .‬وقال ابن الجوزي‪« :‬أما حديث مسلمة فقال أبو حاتم الرازي‪:‬‬
‫شعيب بن يحيى ليس بمعروف‪ ،‬وقال إبراهيم الحربي‪ :‬ليس لهذا الحديث أصل»(((‪.‬‬
‫أما ما روي من طرق الشيعة‪ ،‬فهو ضعيف أيض ًا وال يمكن التعويل عليها في إثبات‬
‫الحكم الشرعي‪ ،‬أو في بناء تصور إسالمي عام بشأن المرأة(((‪.‬‬
‫أن هذا الحديث حول تعرية النساء بكل صيغه المتقدمة لم يرد في المصادر الحديثية‬‫على ّ‬
‫المعول لدى الفريقين‪ ،‬ولو كان الحديث معروف االنتساب‬ ‫ّ‬ ‫من الدرجة األولى التي عليها‬
‫إلى النبي(ص) لما خلت منه تلك المصادر‪ ،‬مع كونه يتحدّ ث عن قضية ابتالئ ّية وحساسة‪،‬‬
‫وهكذا فإنّه لو كان واضح االنتساب إلى النبي(ص) لما نسب إلى عمر بن الخطاب(((‪ ،‬بل‬
‫أن نسبة الكالم المذكور إلى‬‫لذكر في عداد روايات عمر التي رواها عن النبي(ص)‪ .‬ويبدو ّ‬ ‫ُ‬
‫أن الجاحظ نسبه إلى عمر‬ ‫عمر كانت معروفة أكثر من نسبته إلى النبي(ص)‪ ،‬ولذا وجدنا ّ‬
‫ابن الخطاب في سياق يوحي بنفي كونه حديث ًا نبوي ًا‪ ،‬فقد نقل الجاحظ كالم عقيل بن علفة‬
‫المتقدّ م وع ّلق عليه‪« :‬فوافق إحدى كلمتيه (وهي الداعية إلى تجويع النساء) قول النبي(ص)‬
‫«الصوم وجاء((( السيئة»‪ ،‬واألخرى (الداعية إلى تعريته ّن)‪ :‬قول عمر بن الخطاب رضي‬
‫أن عمر «كان‬‫مر في كالم أبي طالب المكي ّ‬
‫الله عنه ‪« :‬استعينوا عليه ّن بالعري» ‪ ،‬وقد ّ‬
‫(((‬

‫يقول‪ :‬أعروا النساء‪ ،»..‬مما يوحي ّ‬


‫بأن الحديث معروف بنسبته إلى عمر‪ ،‬وهكذا فقد نسبه‬

‫  انظر‪ :‬مجمع الزوائد للهيثمي‪ ،‬ج ‪ 5‬ص ‪.138‬‬ ‫(((‬


‫  تذكرة الموضوعات للفتني‪ ،‬ص ‪.129‬‬ ‫(((‬
‫  الموضوعات‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.283‬‬ ‫(((‬
‫  اختلف الرأي في كتاب «الجعفريات» أو «األشعثيات»‪ ،‬واألقرب هو عدم إمكان التعويل عليه‪،‬‬ ‫(((‬
‫وتحقيق ذلك موكول إلى محله‪.‬‬
‫  وقد نسب إليه بصيغة‪« :‬استعينوا على النساء بالعري»‪ ،‬وصيغة‪« :‬أعروا النساء يلزمن الحجال»‪.‬‬ ‫(((‬
‫  الوجاء هو الخصاء‪ ،‬ويقصد به ّ‬
‫أن الصوم يضعف الغريزة الجنسية‪.‬‬ ‫(((‬
‫بالعري‪،‬‬
‫ّ‬ ‫  المحاسن واألضداد للجاحظ‪ ،‬ص ‪ ،195‬ورواه في مورد آخر بصيغة أخرى‪ ،‬وهي‪« :‬اضربوه ّن‬ ‫(((‬
‫ّ‬
‫فإن النساء يخرجن إلى األعراس‪ ،‬ويقمن المناحات ويظهرن في األعياد ومتى كثر خروجه ّن لم يعدْ بدٌ‬
‫أن يرين من هو شكله ّن‪ ،»..‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.160‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪304‬‬
‫احتمال في المقام‪ ،‬وهو أن يكون الحديث باألساس هو قول‬‫ٌ‬ ‫كثيرون إلى عمر(((‪ ،‬وعليه فيرد‬
‫ً‬
‫خطأ إلى‬ ‫ثم نُسب‬
‫لعمر (وهو المعروف بتشدده على النساء كما أسلفنا في محور سابق)‪ّ ،‬‬
‫ال أيض ًا‪ ،‬وهو أن يكون كالم ًا للنبي(ص) وردده عمر بن‬
‫النبي(ص)‪ ،‬والعكس وإن كان محتم ً‬
‫أن المعروف في مثل هذا الحاالت ّ‬
‫أن الصحابي إذا كان سمع‬ ‫الخطاب‪ ،‬لك ّن ما يبعد ذلك ّ‬
‫كالم ًا عن النبي(ص) فإنّه يرويه عنه‪ ،‬وينسبه المحدثون إلى النبي(ص)‪.‬‬
‫نسجل مالحظتنا على هذا‬
‫ّ‬ ‫الوقفة الثانية‪ :‬فيما يتصل بمضمون الحديث‪ ،‬وقبل أن‬
‫المضمون ال بدّ أن نسأل ما المقصود بتعرية النساء؟‬
‫يخطر في بال البعض عندما يقرأ حديث‪« :‬استعينوا على النساء بالعري» أن يكون‬
‫المقصود به هو إرشاد الزوج وال س ّيما في حاالت البرود الجنسي إلى تعلي ٍم خاص عند‬
‫فإن ذلك أدعى إلشباع الغريزة‬‫معاشرة زوجته‪ ،‬وهو التعري التام هو وزوجته في تلك الحالة‪ّ ،‬‬
‫وإطفاء الشهوة‪ ،‬وبلوغ منتهى اللذة لكليهما‪ ،‬وهو وجه معقول في حدِّ نفسه في تفسير الفقرة‬
‫أن سائر صيغ الحديث اشتملت على تتمة ال تساعد على هذا التفسير‪ ،‬فرواية‪:‬‬ ‫المذكورة‪ ،‬بيد ّ‬
‫أن الهدف من التعرية هو الحؤول دون‬ ‫«أعروا النساء يلزمن الحجال» واضحة الداللة في ّ‬
‫ِ‬
‫فسرت التعرية تفسير ًا يبعد هذا‬
‫عدي المتقدمة فقد ّ‬
‫خروجه ّن من البيوت‪ ،‬وكذلك رواية ابن ّ‬
‫االحتمال‪.‬‬
‫وبنا ًء على هذا التفسير المنسجم مع تلك التتمة فإننا نسأل‪ :‬كيف نفهم الدعوة إلى‬
‫والقر‪ ،‬وللتستر من أنظار‬
‫ّ‬ ‫الحر‬
‫أن المرأة بحاجة إلى اللباس للوقاية من ّ‬ ‫تعريته ّن‪ ،‬والحال ّ‬
‫اآلخرين حتى لو كانوا من أرحامها كما أنّه ّن بحاجة إليه للزينة ولو في بيوتهن وأمام‬
‫أزواجهن؟!‬
‫ربما يكون الوجه األقرب في فهم الحديث هو ما ذكره المناوي حيث قال‪(« :‬استعينوا‬
‫على النساء) الالتي في مؤونتكم بزوجية أو قرابة أو ملك (بالعري) أي استعينوا على تسترهن‬
‫في البيوت وعدم تطرق القالة في ِ‬
‫حقه ّن بعدم التوسعة عليهن في اللباس واالقتصار على ما‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫يقيه ّن الحر والبرد على الوجه الالئق‪ ،‬وعلل ذلك بقوله (فإن إحداهن إذا كثرت ثيابها) أي‬
‫زادت على قدر الحاجة كعادة أمثالها بالمعروف (وأحسنت زينتها) أي ما تتزين به (أعجبها)‬
‫أي َح ُسن في نفسها (الخروج) أي إلى الشوارع والمجامع للمباهاة بحسن ز ّيها ولباسها‪،‬‬

‫(((   مجمع األمثال للميداني‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.430‬وعيون األخبار البن قتيبة‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪ ،77‬وشرح نهج البالغة‬
‫البن أبي الحديد‪ ،‬ج ‪ 12‬ص ‪.116‬‬
‫‪305‬‬ ‫المحور السادس‪ :‬أفكار جاهلية بلبوس إسالمي‬
‫فترى الرجال منها ذلك‪ ،‬وتنشأ عنه الفتن ما ال يخفى على أهل الفطن‪ ،‬فبإغرائهن(هكذا‪،‬‬
‫ولعل الصحيح‪ :‬فبتعريته ّن) تنحسم هذه المفاسد والشرور التي ال يمكن تداركها بعد‬
‫وقوعها وإذا كان هذا في زمانه فما بالك به اآلن؟!»(((‪.‬‬
‫ولك ّن ما يواجه هذا التفسير هو مالحظتان‪:‬‬
‫إن التضييق عليه ّن في اللباس‪ ،‬هو خالف العشرة بالمعروف‪،‬‬ ‫المالحظة األولى‪ّ :‬‬
‫المأمور بها في قوله تعالى‪ :‬ﵛﲱ ﲲﵚ(((‪ ،‬وذلك ّ‬
‫أن اللباس بالنسبة للمرأة هو‬
‫أمر ال يمكنها االستغناء عنه بحسب رغبتها وميلها إلى التجمل‪ ،‬كما ّ‬
‫أن الرجل مأمور بتأمين‬
‫نصت عليه اآلية الشريفة‪ :‬ﵛﭐﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ‬ ‫الكسوة الالئقة للزوجة‪ ،‬طبق ًا لما ّ‬
‫ﲫﵚ(((‪ .‬والدعوة إلى التعرية تنافي األمر بكسوته ّن بالمعروف‪.‬‬
‫إن هذا األمر لن يمنع النساء من أن يخرجن من بيوته ّن‪ ،‬إذ يكفي‬ ‫المالحظة الثانية‪ّ :‬‬
‫المرأة إذا أرادت الخروج‪ ،‬أن تجد حد ًا أدنى من اللباس الذي يحقق الستر الشرعي‪ ،‬إن كانت‬
‫تراعي حدود الله في ذلك‪ ،‬وإال فستكون في سعة من أمرها‪ ،‬وتتدبر مسألة اللباس بطريقة‬
‫ثم‬
‫أو بأخرى‪ ،‬أال نرى الكثيرات يرتدين عباءة بسيطة ويضعن النقاب أو غطاء الوجه‪ ،‬ومن ّ‬
‫يخرجن إلى األسواق أو غيرها من األماكن العامة‪ .‬ما يعني ّ‬
‫أن المرأة حتى لو لم تمتلك الثياب‬
‫إن ذلك قد يزيد من خروجها‪ ،‬وذلك‬ ‫فإن ذلك لن يمنعها من الخروج من بيتها‪ ،‬بل ّ‬ ‫الفاخرة‪ّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫في حال وضعها لغطاء الوجه مثالً‪ ،‬حيث إنّها عندئذ لن تكون معروفة للناظرين ما يعطيها‬
‫متسع ًا للخروج وحتى التردد إلى األماكن غير المناسبة لها‪ .‬األمر الذي يدفعنا إلى القول‪:‬‬
‫ّ‬
‫إن قض ّية خروج المرأة من بيتها‪ ،‬ال تعالج بهذه الطريقة أعني بتعريتها‪ ،‬والذي هو أشبه ما‬
‫يكون بوضعها في سجن مؤبد‪ ،‬وإنّما تعالج بطريقة أخرى‪ ،‬وهي العمل على تحصين المرأة‬
‫من الداخل وتربيتها على األخالق الفاضلة وعلى مخافة الله تعالى‪ ،‬هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة‬
‫فإن باإلمكان اتخاذ جملة من اإلجراءات التي تحدُّ من اختالط المرأة بالرجل في غير‬‫أخرى ّ‬
‫موارد الضرورة والحاجة‪ ،‬وتمنع من االحتكاك المشبوه بين الجنسين‪ ،‬وذلك من قبيل المنع‬
‫من خروجها متبرجة أو متزينة أو المنع من خروجها إلى األماكن المشبوهة‪ ،‬أو نحو ذلك من‬
‫الخطوات التي تحافظ على األمن األخالقي في المجتمع‪.‬‬

‫(((   فيض القدير‪ ،‬شرح الجامع الصغير‪ ،‬ج‪ 1‬ص ‪.632‬‬


‫(((   سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.19‬‬
‫(((  سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.233‬‬
‫المالحق‬
‫الملحق رقم (‪)1‬‬
‫كلمة حول الديوان المن�سوب للإمام علي‪‬‬
‫أن األمر الذي استوجب أن ال يكون النبي(ص)‬ ‫هل كان اإلمام علي‪ ‬شاعر ًا؟ وهل ّ‬
‫شاعر ًا يسري أو ينطبق عليه؟ وإذا كان‪ ‬شاعر ًا فهل ّ‬
‫أن الديوان المنسوب إليه والمتدوال بين‬
‫الناس صحيح أم ال؟ هذه األسئلة نحاول اإلجابة عليها باختصار من خالل الوقفتين التاليتين‪:‬‬

‫‪�--1‬شاعرية علي‪‬‬
‫نخصصها للحديث عن شاعر ّية اإلمام‪ ،‬وذلك من خالل النقاط التالية‪:‬‬
‫وهذه الوقفة ّ‬
‫علي‪ ‬ملك ًة شعر ّية وأدبية من المستوى الرفيع‪ ،‬وهذا أمر ال‬ ‫أول‪ :‬ال ريب ّ‬
‫أن لإلمام ٍّ‬ ‫ً‬
‫شك فيه فهو ‪ -‬كما يعرف القاصي والداني وتنبئ عن ذلك نصوصه النثرية المبثوثة في «نهج‬ ‫ّ‬
‫البالغة» وغيره ‪ -‬قد امتلك ناصية البالغة والنت له لغة الضاد بقوالبها ومعانيها‪ ،‬وهو مؤسس‬
‫بنيانها ومشيد أركانها‪ .‬يقول فؤاد أفرام البستاني‪« :‬ليس علي شاعر ًا ومصور ًا فحسب‪ ،‬بل هو‬
‫حكيم أيض ًا‪ ،‬وحكيم قبل كل شيء‪ ،‬حكيم في جميع مواعظه وخطبه»(((‪.‬‬
‫وهذه الملكة ربما ظهرت أو تج ّلت في بعض القصائد أو األبيات الشعرية التي قالها‪‬‬
‫أن علي ًا‪ ‬إذا ما نظم الشعر فهو لم ينظم تر ًفا‪ ،‬وال لهو ًا‬‫في مناسبات مع ّينة‪ ،‬أجل‪ ،‬إننا نجزم ّ‬
‫أن شعره‪ ‬كان‬ ‫وال مجون ًا وال عبث ًا‪ ،‬وال نظم الشعر ألجل الشعر أو ليقال إنّه شاعر‪ ،‬بل نقدّ ر ّ‬
‫ٍ‬
‫ألغراض أخالق ّية وتربو ّية واجتماع ّية وحماس ّية أو غير ذلك من المعاني الرسال ّية الهادفة‪.‬‬
‫وقد تحدّ ث الكثيرون عن شاعر ّية اإلمام‪ ،‬ففي «أنساب األشراف» للبالذري‪ ،‬نقل عن‬
‫علي‪ ‬أشعر الثالثة»(((‪.‬‬
‫الشعبي قوله‪« :‬وكان أبو بكر يقول الشعر‪ ،‬وكان عمر يقول الشعر‪ ،‬وكان ٌّ‬

‫(((   الروائع‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.27‬‬


‫(((   أنساب األشراف‪ ،‬ج‪ 2‬ص ‪ .152‬ونُقل نحو ذلك عن سعيد بن المسيب وغيره‪ ،‬انظر‪ :‬أعيان الشيعة‪،‬‬
‫ج‪ 1‬ص ‪.549‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪308‬‬
‫وعليه‪ ،‬فتشكيك البعض في شاعر ّية اإلمام أو نفيهم إلنشاده الشعر هو في غير محله‪،‬‬
‫ومن النافين والمشككين أبو عثمان المازني الذي قال‪« :‬لم يصح عندنا أن علي ًا تكلم من‬
‫الشعر بشيء إال هذين البيتين‪:‬‬
‫فال وربك ما بـــروا وما ظفروا‬ ‫تلكم قريش تمنانـــي لتقتلني‬
‫(‪)1‬‬
‫بذات روقيـن ال يعفو لها أثر»‬ ‫فإن هلكت فرهـــن ذمتي لهم‬

‫ثاني ًا‪ :‬باإلضافة إلى نظمه للشعر‪ ،‬فقد كان علي‪ ‬ناقد ًا بصير ًا للشعراء‪ ،‬عليم ًا بمذاهب‬
‫الش َع َر ِاء َف َق َال‪« :‬إِ َّن ا ْل َق ْو َم َل ْم َي ْج ُروا فِي َح ْل َب ٍة‬
‫الشعر وأغراضه وأنواعه‪ ،‬فقد ُس ِئ َل‪َ :‬م ْن َأ ْش َع ُر ُّ‬
‫يل» (يريد امرأ القيس)(((‪.‬‬ ‫الض ِّل ُ‬
‫ك ِّ‬ ‫ول ُبدَّ َفا ْل َملِ ُ‬ ‫ف ا ْلغَا َي ُة ِعنْدَ َق َص َبتِ َها‪َ ،‬فإِ ْن ك َ‬
‫َان َ‬ ‫ُت ْع َر ُ‬
‫يقول عباس محمود الع ّقاد تعليق ًا على كالم اإلمام هذا‪« :‬وهذا فيما نعتقد أول تقسيم‬
‫لمقاييس الشعر على حسب «المدارس» واألغراض الشعرية بين العرب‪ ،‬فال تكون المقابلة‬
‫إال بين أشباه وأمثال‪ ،‬وال يكون التعميم بالتفضيل إال على التغليب»(((‪.‬‬
‫يصح أن يكون شاعر ًا‪ ،‬وأنه معصوم عن‬
‫أن علي ًا‪ ‬ال ُّ‬
‫وربما تحدّ ث البعض عن ّ‬
‫ّ‬ ‫ثالث ًا‪:‬‬
‫نظم الشعر‪ ،‬كما هو الحال في النبي محمد(ص)‪.‬‬
‫ولكن هذا الكالم غير صحيح‪ ،‬والحكمة التي منعت كون النبي(ص) شاعر ًا‪ ،‬ال ت ّطرد‬
‫ألن الذي منع أو حال دون كون النبي(ص)‬ ‫في اإلمام علي‪ ‬أو في غيره من األئمة ‪‬؛ ّ‬

‫(((   الفائق في غريب الحديث‪ ،‬ج‪ 2‬ص ‪ ،66‬والنهاية في غريب الحديث واألثر‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪ ،279‬قال األخير‪:‬‬
‫«الروقان ‪ :‬تثنية الروق وهو القرن‪ ،‬وأراد بها هاهنا الحرب الشديدة‪ .‬وقيل الداهية‪ .‬ويروى بذات‬
‫ودقين‪ ،‬وهي الحرب الشديدة أيض ًا»‪.‬‬
‫(((   نهج البالغة‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪ .104‬قال الشيخ محمد عبده في بيان كالم اإلمام‪« :‬الحلبة بالفتح‪ :‬القطعة‬
‫من الخيل تجتمع للسباق‪ ،‬ع ّبر بها عن الطريقة الواحدة‪ .‬والقصبة ما ينصبه طلبة السباق حتى إذا سبق‬
‫سابق أخذه ليعلم أنه السابق بال نزاع‪ .‬وكانوا يجعلون هذا من قصب‪ ،‬أي لم يكن كالمهم في مقصد‬
‫واحد‪ ،‬بل ذهب بعضهم مذهب الترغيب‪ ،‬وآخر مذهب الترهيب‪ ،‬وثالث مذهب الغزل والتشبيب‪،‬‬
‫والض ّليل من الضالل‪ ،‬ألنه كان فاسق ًا»‪ .‬انظر تعليقته على نهج البالغة‪ ،‬ويقول الشيخ مغنية في شرح‬
‫الكالم المذكور لإلمام‪« :‬يقول اإلمام‪ :‬إن من شرط التفاضل بين شاعرين أن ينظما في موضوع‬
‫واحد تمام ًا كفرسي الرهان يجريان في ميدان واحد‪ ،‬أما إذا نظم أحدهما في معنى‪ ،‬والثاني في معنى‬
‫آخر‪ ،‬فيصعب التفاضل بينهما‪ ..‬وإذا لم ننظر إلى هذا الشرط بعين االعتبار فامرؤ القيس هو المقدم‪.‬‬
‫هذا هو المعنى المفهوم من كالم اإلمام»‪ ،‬انظر‪ :‬في ظالل نهج البالغة‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪.475‬‬
‫(((   عبقرية اإلمام علي‪ ،‬ص ‪.176‬‬
‫‪309‬‬ ‫المالحق‬
‫يتعرض ألدنى تشكيك في نسبه‬ ‫شاعر ًا‪ ،‬هو الحرص اإللهي على حماية القرآن الكريم من أن ّ‬
‫الوحياني‪ ،‬واتهامه(ص) بأنّه مما فاضت به قريحة النبي الشعرية! فألجل هذا لم ينب ِغ له(ص)‬
‫شاعرا‪ ،‬كما قال تعالى‪ :‬ﵛﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆﵚ(((‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أن يكون‬
‫ألن‬‫فعدم االنبغاء هذا لم ينطلق من موقع كون الشاعر ّية صفة مذمومة في حدّ نفسها‪ ،‬بل ّ‬
‫شاعر ّية النبي(ص) لو كانت ستفتح باب ًا من التشكيك ‪-‬لدى بعض الناس‪ -‬في أن تكون‬
‫مرجعية القرآن هي الوحي اإللهي‪ .‬وهذا ما حصل فعالً‪ ،‬فمع عدم كون النبي(ص) شاعر ًا‬
‫ال عن احترافه‪ ،‬كما يعرف القاصي والداني‪ ،‬فقد رماه بعض‬ ‫ولم يعرف عنه نظم الشعر فض ً‬
‫ال عنهم‪ :‬ﵛﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻﵚ(((‪،‬‬ ‫المشركين بأنّه شاعر‪ ،‬قال تعالى نق ً‬
‫في اتهام تضليلي مخادع ال يبتعد كثير ًا عن اتهاماتهم األخرى الباطلة له‪ ،‬كاتهامه بالسحر‬
‫والكهانة‪.‬‬

‫أن هذه الحكمة التي منعت كونه(ص) شاعر ًا ال تجري وال ّ‬


‫تطرد‬ ‫ولكن من الواضح ّ‬
‫ثمة ما يمنع من أن ينظم اإلمام‪ ‬الشعر في سياق دعوته ومهمته الرسال ّية‪،‬‬
‫في غيره‪ ،‬فليس ّ‬
‫بل قد ُروي الشعر عن غير واحد من األئمة ‪ ،‬كما هو مذكور في سيرتهم‪ ،‬ومنهم اإلمام‬
‫علي‪.‬‬
‫أن وصف‬ ‫شاعرا‪ ،‬وهي ّ‬
‫ً‬ ‫إن ثمة حكمة أخرى منعت من كون النبي(ص)‬ ‫ربما ُيقال‪ّ :‬‬
‫الشاعر ال يليق بالرسول أو غيره من الحكماء وذوي المكارم والفضل‪ ،‬وذلك بسبب ما كان‬
‫عليه حال الشعراء من االنحطاط‪ ،‬كما يؤشر عليه قوله تعالى‪ :‬ﵛﭐﲧ ﲨ ﲩ* ﲫ‬
‫ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ* ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷﵚ(((‪ ،‬وهذه الحكمة تشمل أمير‬
‫المؤمنين‪ ‬كما تشمل سائر األئمة‪.‬‬
‫إن الشعر كملكة بيانية يمكن من خاللها التعبير عن األفكار‬ ‫والجواب على ذلك‪ّ :‬‬
‫والمشاعر بأسلوب فني رائع لم يذمه القرآن وال يعقل أن يكون مذمو ًما‪ ،‬وإنما ذ ّم الشعراء‬
‫الذين يستخدمون الشعر ألغراض غير نبيلة‪ ،‬أ ّما لو كان الشعر هاد ًفا فال يكون مذمو ًما‪ ،‬وهذا‬
‫ما تشهد به تتمة اآليات القرآنية حيث إنها بعد أن ذ ّمت الشعراء الذين يعيشون في الخيال‬

‫(((  سورة يس‪ ،‬اآلية ‪.69‬‬


‫(((  سورة األنبياء‪ ،‬اآلية ‪.5‬‬
‫(((  سورة الشعراء‪ ،‬اآليات ‪.226-224‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪310‬‬
‫قائلة‪ :‬ﵛﭐﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ‬ ‫واألوهام ويقولون ما ال يفعلون‪ ،‬نجدها استدركت‬
‫ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌﵚ ‪ ،‬ومن هنا نجد ّ‬
‫أن‬ ‫(((‬

‫النبي(ص) قد اتخذ شاعر ًا خاص ًا وهو حسان بن ثابت‪ ،‬وكان يدافع عن اإلسالم ورسول‬
‫الله(ص) بلسانه في شتّى المواطن والمناسبات‪ ،‬حتى قال رسول الله(ص) فيه‪ّ :‬‬
‫«إن الله‬
‫يؤيد حسان بروح القدس ما نافح عن رسول الله»‪ ،‬وهكذا فقد ورد عنه(ص)‪ّ :‬‬
‫«إن من الشعر‬
‫لحكمة»‪ ،‬وامتداح شعر الحكمة هو امتداح للشعراء الذين ينطقون بالحكمة وينظمونها‪.‬‬

‫‪--2‬الديوان المن�سوب �إلى الإمام علي‪‬‬


‫نخصصها للحديث عن الشعر المنسوب إلى اإلمام علي (ع)‪ ،‬وذلك من‬
‫وهذه الوقفة ِّ‬
‫خالل النقاط التالية‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬ال يخفى أن هناك عدة دواوين شعرية منسوبة إلى اإلمام علي‪ ،‬وقد أنهاها‬
‫السيد محسن األمين إلى تسعة(((‪ .‬وذكر العالمة المتتبع آقا بزرك الطهراني ّ‬
‫أن الذين قاموا‬
‫بعمل ما حول ديوان اإلمام علي‪ ‬بلغ سبعة عشر شخص ًا‪ ،‬فمنهم من جمع الديوان ومنهم‬ ‫ٍ‬
‫ولعل ّأول من جمع ديوان ًا شعري ًا لإلمام علي‪ ‬هو عبد العزيز بن يحيى‬‫ّ‬ ‫من شرحه(((‪،‬‬
‫وممن قام بهذه المهمة ‪ -‬أيض ًا ‪ -‬السيد محسن األمين العاملي‪ ،‬فقد‬
‫الجلودي (ت ‪330‬هـ)‪ّ .‬‬
‫اعتمد في جمعه «على الرواية الصحيحة» بنظره(((‪.‬‬
‫وقد اطلعت على خمسة دواوين تجمع شعر اإلمام‪ ‬هي‪:‬‬
‫‪«--1‬ديوان اإلمام علي‪ُ »‬طبع في مصر سنة ‪ 2008‬م‪ ،‬من جمع وتعليق الدكتور أحمد‬
‫أحمد شتيوي‪.‬‬
‫‪--2‬ديوان يحمل االسم عينه‪ ،‬طبع في بيروت من قبل مؤسسة األعلمي‪ ،‬وهو على ما ذكر‬
‫على غالفه من جمع وضبط الشيخ حسين األعلمي‪.‬‬
‫‪--3‬ديوان يحمل االسم عينه أيض ًا‪ ،‬طبع في بيروت من قبل دار المعرفة‪ ،‬بتحقيق عبد الرحمن‬
‫المصطاوي‪.‬‬

‫ سورة الشعراء‪ ،‬اآلية ‪.227‬‬ ‫(((‬


‫  أعيان الشيعة‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.549‬‬ ‫(((‬
‫  الذريعة إلى تصانيف الشيعة‪ ،‬ج ‪ 9‬ق ‪ 1‬ص ‪.101‬‬ ‫(((‬
‫  أعيان الشيعة‪ ،‬مصدر سابق‪.‬‬ ‫(((‬
‫‪311‬‬ ‫المالحق‬
‫‪--4‬ديوان اإلمام علي أمير المؤمنين وس ّيد البلغاء والمتكلمين‪ ،‬جمع وترتيب‪ :‬عبد العزيز‬
‫الكرم‪ ،‬طبع المكتبة الشعبية‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪--5‬ديوان يحمل اسم «روائع الحكم في أشعار اإلمام علي بن أبي طالب»‪ ،‬تقديم وضبط‬
‫وشرح عبود أحمد الخزرجي‪.‬‬
‫والدواوين الخمسة المذكورة وإن كان يوجد بينها مشتركات بنسبة عالية وربما اعتمد‬
‫بعضها على البعض اآلخر‪ ،‬لك ْن بينها اختالف ملحوظ‪ ،‬فبعضها تتضمن أشعار ًا ال توجد في‬
‫البعض اآلخر‪.‬‬
‫إن موقف علماء الشيعة من هذا الديوان يغلب عليه التحفظ‪ ،‬فليس هناك من جزم‬ ‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫بصحة الديوان‪ ،‬أو انتساب كل ما فيه إلى أمير المؤمنين‪ ،‬وكل من تحدث عنه أو نقل منه‪ ،‬ع ّبر‬
‫إن الشيخ الحر العاملي رفض االعتماد‬ ‫عنه قائالً‪« :‬الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين»(((‪ ،‬بل ّ‬
‫عليه في كتابه «وسائل الشيعة» معتبر ًا أنّه من الكتب التي «لم يعرف مؤلفه»(((‪ ،‬وعليه يكون اعتماد‬
‫المحدّ ث النوري عليه في «مستدرك الوسائل»((( خروج ًا عن حقيقة االستدراك‪ .‬والغريب ّ‬
‫أن‬
‫بأن الديوان «منسوب إلى علي بن أبي طالب القيرواني»(((‪.‬‬ ‫السيد إعجاز حسين ينقل قوالً ّ‬
‫ٍ‬
‫دراسة تحقيقية‬ ‫إن الدواوين المطبوعة والمنسوبة لإلمام علي‪ ‬تحتاج إلى‬ ‫ثالث ًا‪ّ :‬‬
‫تهدف إلى توثيقها وإثبات صحة انتسابها إليه‪ ،‬ومما يؤكد الحاجة القصوى إلى دراستها‬
‫باإلضافة إلى ما ألمحنا إليه‪:‬‬
‫‪--1‬كثرة تداول الشعر المنسوب إليه‪ ،‬وال سيما في أيامنا حيث يتّم نشر بعض األشعار عبر‬
‫وسائل التواصل االجتماعي‪ ،‬مع نسبتها إليه وإرسالها إرسال المسلمات‪ ،‬هذا ناهيك عن‬
‫أن دور النشر تتهافت على طباعة أي كتاب ينسب إلى اإلمام علي‪ ‬أو يحمل اسمه‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ألنّه ينتشر و ُيشترى بسرعة‪ ،‬وتتم إعادة طبعه مرات ومرات‪.‬‬
‫تعرض له هذا الشعر‪ ،‬بحيث إنّك تجد في المطبوع من شعره المنسوب إليه‬
‫‪--2‬العبث الذي ّ‬
‫  بحار األنوار‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.22‬‬ ‫(((‬
‫ أمل اآلمل‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.264‬‬ ‫(((‬
‫ مستدرك الوسائل‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪ ،119‬وج‪ ،3‬ص‪.75‬‬ ‫(((‬
‫ حسين‪ ،‬السيد إعجاز (‪1286‬هـ)‪ ،‬كشف الحجب واألستار‪ ،‬مكتبة آية الله المرعشي النجفي‪ ،‬ط‪،2‬‬ ‫(((‬
‫قم ‪ -‬إيران‪1409 ،‬هـ‪ ،‬ص‪.215‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪312‬‬
‫اختالفات كثيرة‪ ،‬فال يكاد يتفق ديوان مع آخر في عدد األشعار أو القصائد‪ ،‬واألمر ال‬
‫يخضع لمعيار علمي دقيق بقدر ما يخضع لمزاج الناشر أو استنسابية الباحث المحقق‬
‫أو لهواه المذهبي‪.‬‬
‫وهذه الدراسة التحقيقية كفيلة بكشف الكثير من اإلبهام الذي يكتنف هذا الديوان‪،‬‬
‫وهي كفيلة أيض ًا باإلجابة على أسئلة مهمة في هذا المجال‪ ،‬ومن أهمها‪:‬‬
‫نفسر هذا التشابه بين الديوان المنسوب إلى اإلمام علي‪ ‬والديوان المنسوب‬
‫‪--1‬كيف ّ‬
‫إلى الشافعي؟!‬
‫أن الديوان هو لعلي بن‬‫‪--2‬هل يصح ما نقله السيد إعجاز حسين عن بعض العلماء من ّ‬
‫أبي طالب القيرواني؟((( وقد الحظنا أن بعض العلماء((( نسب القصيدة التي مطلعها‪:‬‬
‫«النساء من جهة التمثال أكفاء‪ ...‬أبوهم آدم واألم حواء» إلى القيرواني المذكور مع أنّها‬
‫من قصائد الديوان‪.‬‬
‫رابع ًا‪ّ :‬‬
‫إن الدراسة التحقيقية في شعر اإلمام (ع) والتي تسمح بغربلة هذا الشعر والتثبت‬
‫النسبي من صحته تحتاج إلى عملين‪:‬‬
‫تحري مظان تلك األبيات الشعرية المنسوبة إليه‪ ‬ومتابعتها في‬ ‫العمل األول‪ّ :‬‬
‫المصادر التاريخية والحديث ّية واألدب ّية وغيرها‪ ،‬وبحدود تتبعي لم أجد دراسة كهذه‪ ،‬فاألبيات‬
‫المنسوبة إليه في الدواوين المطبوعة قد أرسلت إرساالً دون ذكر مصدر يمكن التعويل عليه‪.‬‬
‫العمل الثاني‪ :‬قراءة هذه النصوص الشعر ّية وفحصها من خالل االعتماد على ضابط‬
‫معياري يأخذ بنظر االعتبار األساسين التاليين‪:‬‬
‫لغة علي‪ ،‬وبصمته البيانية المعروفة بجاذبيتها وسحرها البالغي المميز‪.‬‬ ‫ ) أ‬
‫ ) بعصر علي‪ ،‬وما تم ّيز به من خصائص أدبية وشعرية(((‪.‬‬
‫هذا فيما يتصل بالجانب الفني من الشعر المنسوب إليه‪ ،‬وأ ّما فيما يتصل بالمضمون‬

‫(((  وهو معروف بتعبير الرؤيا‪ ،‬وله كتاب بذلك‪ .‬وثمة شخص آخر اسمه مكي بن أبي طالب ولديه أيض ًا‬
‫كتاب في تعبير الرؤيا‪.‬‬
‫(((  الفتوحات المكية‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪ ،532‬وج‪ ،4‬ص‪.502‬‬
‫(((   حول هذا المعيار راجع ما ذكرناه في كتاب‪ :‬أصول االجتهاد الكالمي‪.‬‬
‫‪313‬‬ ‫المالحق‬
‫والسنة ومحاكمته على ضوء ذلك‪ ،‬كما نحاكم سائر‬
‫الديني‪ ،‬فالالزم عرضه على الكتاب ُّ‬
‫األخبار المروية عنه وفق ًا لهذا الضابط‪.‬‬
‫أن بعض األبيات الشعرية التي‬ ‫خامس ًا‪ :‬إن الدراسة التحقيقية قد تنتهي بالفعل إلى ّ‬
‫تتضمنها تلك الدواوين‪ ،‬إ ّما أنّها ليست لعلي‪ ‬وإنّما هي لشعراء آخرين ومثبتة في دواوينهم‬
‫المعروفة االنتساب إليهم‪ ،‬وإ ّما أنّها ال تملك جاذبية بالغ ّية وال قوة شعر ّية تسمح بنسبة ذلك‬
‫إلى اإلمام علي‪ ‬المعروف ببالغته وفصاحته‪ ،‬أو أننا ال نجد فيها َن َفس علي‪ ‬وبصمته‬
‫الخاصة‪ .‬وإ ّما أنّها ال تنتمي إلى عصر علي‪ ‬وما تم ّيز به من أسلوب بياني وخصائص‬
‫تعبيرية وأدبية‪ ،‬وهذا ما انتهى إليه بعض النقاد‪ ،‬ومنهم األديب ع ّباس محمود العقاد‪ ،‬حيث‬
‫عشر من األبيات تصح‬ ‫يقول‪« :‬ن ََح ُلوه ديوان ًا من الشعر فيه عشرات من القصائد‪ ،‬وليس بينها ٌ‬
‫عما ذكره العقاد‪ ،‬فقال ‪ -‬أي‬ ‫نسبتها إليه» ‪ .‬ولم يبتعد البستاني في تقييمه لهذا الديوان ّ‬
‫(((‬

‫البستاني ‪« :‬ن ُِسب إليه ديوان يحتوي على نحو ‪ 1500‬بيت من الزهد واالبتهاالت ِ‬
‫والحكم‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫وهو باإلجمال ضعيف الصنعة»‪ ،‬وبعد أن رفض القول الذي ذهب إليه البعض من نسبة‬
‫رجح أن يكون الديوان من نظم‬ ‫الديوان إلى الشريف الرضي أو أخيه الشريف المرتضى ّ‬
‫أدباء مختلفين في أوقات متباينة من الذين شغفوا بأقوال علي وحكمه فنظمها بعضهم شعر ًا‬
‫فإن السيد محسن‬ ‫وجرى غيرهم على أسلوبها حتى اجتمع هذا القدر من األبيات»(((‪ ،‬وهكذا ّ‬
‫األمين (رحمه الله)‪ ،‬قد أكّد على اشتمال الديوان المنسوب إليه‪‬على «ما علم أنّه ليس‬
‫له‪ ...‬وما ُيظن أنّه ليس له»‪ .‬وقد ذكر السيد رحمه الله بعض النماذج من األبيات الشعر ّية‬
‫التي نُسبت ألمير المؤمنين‪ ‬وهي ليست له قط ًعا‪ ،‬وإنما هي لشعراء آخرين و ُأدرجت في‬
‫الديوان المطبوع(((‪ ،‬وهكذا ّ‬
‫فإن بعض األبيات المنسوبة إليه ال يمكننا الموافقة عليها‪ ،‬ألنّها‬
‫مرا في ثنايا هذا‬‫تحمل مضمون ًا مخالف ًا للكتاب الكريم‪ ،‬كما هو الحال في البيتين اللذين ّ‬
‫الكتاب وهما‪:‬‬
‫وعهوده َّن ســـواء‬
‫ُ‬ ‫الصبا‬‫ريح َّ‬ ‫لهـــن وفاء‬
‫َّ‬ ‫ـــن فما‬
‫ذكره َّ‬
‫ُ‬ ‫دع‬
‫ْ‬
‫(‪)4‬‬
‫وقلوبهن مـــن الوفاء خالء‬
‫َّ‬ ‫ثـــم ال يجبرنْه‬
‫َّ‬ ‫يكســـرن قلبك‬

‫  عبقرية اإلمام علي‪ ،‬ص ‪.175‬‬ ‫(((‬


‫  الروائع‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪ .22‬وقد ذكر عدّ ة أسباب دفعته إلى نفي نسبة الديوان إلى اإلمام علي‪ ،‬فلتراجع‪.‬‬ ‫(((‬
‫  أعيان الشيعة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.55‬‬ ‫(((‬
‫  ورد هذان البيتان في ديوان اإلمام علي‪ ،‬للدكتور أحمد أحمد شتيوي ص‪ ،27‬وكذلك الديوان الذي‬ ‫(((‬
‫اعتنى بطبعه عبد الرحمن المصطاوي‪ ،‬والمطبوع من قبل دار المعرفة في بيروت‪ ،‬ص ‪ ،14‬وشجرة‬
‫طوبى للحائري‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪ ،424‬ولم نجدهما في الديوان المطبوع في بيروت من قبل مؤسسة األعلمي‪.‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪314‬‬
‫ومن أمثلة األشعار التي ال يمكن الموافقة على نسبتها إليه‪:‬‬
‫من مؤمن أو منافق قبال‬ ‫يمت يراني‬
‫من ْ‬‫يا حار همدان ْ‬
‫إلى آخر أبيات هذه القصيدة التي أوردها في الديوان‪ ،‬وذكر من جملة أبياتها قوله‪:‬‬
‫كم ثم أعجوبـــة له حمال‬ ‫قول علي لحـــارث عجب‬

‫أن كل األبيات ليست له‪ ،‬كما‬ ‫أن هذا البيت يدل على ّ‬
‫ولم يتفطن جامع الديوان إلى ّ‬
‫ذكر السيد محسن األمين(((‪ ،‬وإنما هي للسيد الحميري كما يظهر مما جاء في أمالي الشيخ‬
‫ونص عليه ابن شهرآشوب المازندراني في المناقب(((‪.‬‬
‫المفيد(((‪ ،‬وأمالي الشيخ الطوسي(((‪ّ ،‬‬
‫واضحا من البيت األخير أن السيد الحميري ن ّظم مضمون كالم اإلمام علي‪.‬‬
‫ً‬ ‫أجل‪ ،‬يبدو‬

‫ أعيان الشيعة‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪.370‬‬ ‫(((‬


‫ األمالي‪ ،‬ص‪.7‬‬ ‫(((‬
‫ المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.627‬‬ ‫(((‬
‫ مناقب آل أبي طالب‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.34‬‬ ‫(((‬
‫الملحق رقم (‪)2‬‬
‫المر�أة في التوراة‬
‫المرأة في شريعة التوراة ونصوصها كائن تابع للرجل‪ ،‬محرومة من ٍ‬
‫كثير من الحقوق‪،‬‬
‫وتالحقها لعنة الخطيئة التي ارتكبتها حواء‪ ،‬وهي غير مؤهلة لخدمة المعبد‪ ،‬وغالب األدوار‬
‫التي تؤديها أو التي نجدها حاضرة فيها هي أدوار الخداع والرذيلة‪ ،‬وأغرب ما في األمر هو‬
‫الصورة غير الالئقة التي نجد عليها حال بنات وزوجات األنبياء‪ ،‬وفيما يلي إطاللة على‬
‫أهم مالمح المرأة في التوراة‪:‬‬

‫‪--1‬عقوبة حواء لأكلها من ال�شجرة‬


‫وأول ما يواجهنا في هذا المجال هو لعنة الخطيئة التي وقعت فيها حواء‪ ،‬فأغوت آدم‪،‬‬‫ّ‬
‫ما تسبب بنزول العقوبة اإللهية عليها‪.‬‬
‫جاء في سفر التكوين‪« :‬فقال الرب اإلله للح ّية‪ :‬ألنك فعلت هذا ملعونة أنت من جميع‬
‫البهائم ومن جميع وحوش‪ ‬البرية على بطنك تسعين وتراب ًا تأكلين كل أيام حياتك‪ ،‬وأضع‬
‫عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها هو يسحق رأسك وأنت تسحقين عقبه‪ ،‬وقال‬
‫للمرأة تكثير ًا أك ّثر أتعاب حبلك بالوجع تلدين أوالد ًا‪ ،‬وإلى َر ُج ِلك‪ ‬يكون اشتياقك وهو‬
‫يسود عليك‪ ،‬وقال آلدم ألنك سمعت لقول امرأتك وأكلت من الشجرة التي أوصيتك قائ ً‬
‫ال‬
‫ال تأكل منها ملعونة األرض بسببك بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك»(((‪.‬‬
‫والمالحظة التي نسجلها في المقام‪ ،‬هي أنّه وبالرغم من ّ‬
‫أن الح ّية وبحسب التوراة هي‬
‫تنصب على الحية‬‫ُّ‬ ‫التي خدعت حواء‪ ،‬وحواء بدورها أغرت آدم‪ ،‬لكننا نرى ّ‬
‫أن العقوبات‬
‫قصة الح ّية هي خرافة‪،‬‬ ‫وعلى حواء دون آدم‪ ،‬وهذا خالف العدل! وأ ّما في القرآن الكريم ّ‬
‫فإن ّ‬
‫والذي قام باإلغواء هو الشيطان وهو لم يغو حواء وحدها بل وسوس آلدم وحواء مع ًا‪ ،‬كما‬
‫أسلفنا في ثنايا الكتاب‪.‬‬

‫(((   سفر التكوين‪ ،‬اإلصحاح الثالث‪.17-14 ،‬‬


‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪316‬‬
‫‪--2‬العقوبة تنزل على المر�أة دائم ًا‬
‫وتظل العقوبة تالحق المرأة‪ ،‬دون الرجل مع اشتراكهما في الخطأ أو الخطيئة‪ ،‬فقد‬ ‫ّ‬
‫نزلت العقوبة على مريم بالرغم من أنّها وهارون مع ًا قد تناوال موسى والمرأة التي ّ‬
‫تزوجها‪،‬‬
‫ّ‬
‫وكأن عقدة الخطيئة تالحق المرأة‪.‬‬
‫جاء في سفر العدد‪« :‬وتك ّلمت مريم وهارون على موسى بسبب المرأة الكوش ّية التي‬
‫فلما ارتفعت‬ ‫غضب الرب عليهما ومضى‪ّ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫اتخذها ألنه كان قد اتخذ امرأة كوشية‪ ..‬فحمي‬
‫السحابة عن الخيمة إذا مريم برصاء كالثلج فالتفت هارون إلى مريم وإذا هي برصاء‪ ،‬فقال‬
‫هارون لموسى أسألك يا سيدي ال تجعل علينا الخط ّية التي َح ِم ْقنا وأخطأنا بها»(((‪.‬‬

‫‪--3‬نموذج �آخر‪ :‬الرب يعاقب داود بانتهاك عر�ض ن�سائه‬


‫وتبقى المرأة هي الضحية‪ ،‬فطبق ًا للتوراة فقد زنى داود بجارته (حاشاه)‪ ،‬فقرر الله‬
‫ِ‬
‫الر ُّب‪ :‬ها َأن ََذا ُأق ُ‬
‫يم َع َل ْي َك‬ ‫تعالى معاقبته في أهل بيته جاء في صموئيل الثاني‪« :‬هك ََذا َق َال َّ‬
‫جع َم َع نِ َس ِائ َك فِي َع ْي ِن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الشر ِمن بيتِ َك‪ ،‬و ُ ِ‬
‫آخ ُذ ن َسا َء َك َأ َما َم َع ْينَ ْي َك َو ُأ ْعط ِيه َّن ل َق ِريبِ َك‪َ ،‬ف َي ْض َط ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ َّ ْ َ ْ‬
‫هذ ِه َّ‬
‫الش ْم ِ‬
‫س»(((‪.‬‬ ‫ِ‬

‫وتطبيق ًا لهذه العقوبة ماذا جرى؟ تعال نقرأ ما جاء في صموئيل الثاني نفسه‪« :‬وجرى‬
‫بعد ذلك أنه كان ألبشالوم بن داود أخت جميلة اسمها ثامار فأح ّبها أمنون بن داود‪ ،‬وأحصر‬
‫أمنون للسقم من أجل ثامار أخته‪ ،‬ألنّها كانت عذراء وعسر في عيني أمنون أن يفعل لها شيئ ًا‪،‬‬
‫فذهبت ثامار إلى بيت أمنون أخيها وهو مضطجع وأخذت العجين وعجنت وعملت كعك ًا‬
‫أمامه وخبزت الكعك‪ ،‬وأخذت المقالة وسكبت أمامه فأبى أن يأكل وقال أمنون‪ :‬اخرجوا‬
‫كل إنسان عني‪ ،‬فخرج كل إنسان عنه‪ ،‬ثم قال أمنون لثامار‪ :‬ايتي بالطعام إلى المخدع‪ ،‬فآكل‬
‫من يدك فأخذت ثامار الكعك الذي عملته وأتت به أمنون أخاها إلى المخدع‪ ،‬وقدمت له‬
‫ليأكل فأمسكها وقال لها تعالي اضطجعي معي يا أختي‪ ،‬فقالت له ال يا أخي ال تذلني ألنّه‬
‫ال يفعل هكذا في إسرائيل ال تعمل هذه القباحة‪ ،‬أ ّما أنا فأين أذهب بعاري وأما أنت فتكون‬
‫كواحد من السفهاء في إسرائيل واآلن ك ّل ْم الملك ألنه ال يمنعني منك‪ ،‬فلم يشأ أن يسمع‬
‫لصوتها بل تمكن منها وقهرها واضطجع معها»(((‪.‬‬

‫(((   سفر العدد‪ ،‬اإلصحاح الثاني عشر‪.11 - 1 ،‬‬


‫(((   صموئيل الثاني‪ ،‬اإلصحاح الثاني عشر‪.11 ،‬‬
‫(((   صموئيل الثاني‪ ،‬اإلصحاح الثالث عشر‪.14-1 ،‬‬
‫‪317‬‬ ‫المالحق‬
‫‪--4‬احتقار المر�أة في �أيام دورتها ال�شهرية‬
‫ومن أبرز مظاهر احتقار المرأة لدى اليهود هو كيفية التعامل معها أثناء دورتها الشهرية‪،‬‬
‫تمسه‪ ،‬األمر الذي يجعلها منبوذة‬
‫كل ما تجلس عليه وما ّ‬ ‫وتنجس َ‬ ‫ّ‬ ‫حيث إنّها تكون نجسة‬
‫ومحتقرة على ٍ‬
‫أمر ال ذنب لها فيه‪.‬‬
‫جاء في سفر الالويين‪« :‬وإذا كانت امرأة لها سيل وكان سيلها دم ًا في لحمها فسبعة‬
‫مسها يكون نجس ًا الى المساء‪ ،‬وكل ما تضطجع عليه في‬ ‫أيام تكون في طمثها وكل من ّ‬
‫مس فراشها يغسل ثيابه‬ ‫طمثها يكون نجس ًا وكل ما تجلس عليه يكون نجس ًا‪ ،‬وكل من ّ‬
‫مس متاع ًا تجلس عليه يغسل ثيابه‬‫ويستحم بماء ويكون نجس ًا إلى المساء‪ ،‬وكل من ّ‬
‫ويستحم بماء ويكون نجس ًا إلى المساء‪ ،‬وإن كان على الفراش أو على المتاع الذي هي‬
‫جالسة عليه عندما يمسه يكون نجس ًا إلى المساء‪ ،‬وإن اضطجع معها رجل فكان طمثها‬
‫عليه يكون نجس ًا سبعة أيام وكل فراش يضطجع عليه يكون نجس ًا‪ .‬وإذا كانت امرأة يسيل‬
‫سيل دمها أيام ًا كثيرة في غير وقت طمثها أو إذا سال بعد طمثها فتكون كل أيام سيالن‬
‫نجاستها كما في أيام طمثها إنّها نجسة(((‪.‬‬
‫وأما في اإلسالم ّ‬
‫فإن الحائض ال ينجس شيء من جسدها أو ثيابها فض ً‬
‫ال عما جلست‬
‫مر ذلك في محور سابق‪.‬‬
‫مسه دم الحيض‪ ،‬كما ّ‬
‫عليه أو مسته‪ ،‬إال ما ّ‬
‫‪ --5‬التمييز بين الذكر والأنثى في حالة الوالدة‬
‫وثمة نوع من التمييز بين الذكر واألنثى لدى اليهود يبدأ منذ أيام الوالدة األولى‪ ،‬فمدة‬ ‫ّ‬
‫عما لو ولدت أنثى‪ ،‬وهذا أمر‬ ‫أقل بمستوى النصف ّ‬ ‫نجاسة األم بعد والدتها للذكر هي ّ‬
‫مستغرب حق ًا!‬
‫جاء في سفر الالويين‪« :‬وك ّلم الرب موسى قائالً‪ :‬ك َِل ْم بني إسرائيل قائالً‪ :‬إذا حبلت‬
‫امرأة وولدت ذكر ًا تكون نجسة سبعة أيام كما في أيام طمث ع ًلتها تكون نجسة‪ ،‬وفي اليوم‬
‫الثامن يختن لحم غرلته‪ ،‬ثم تقيم ثالثة وثالثين يوم ًا في دم تطهيرها‪ ،‬كل شيء مقدَ س ال ّ‬
‫تمس‬
‫س ال تجيء حتى تكمل أيام تطهيرها‪ .‬وإن ولدت أنثى تكون نجسة أسبوعين كما‬ ‫الم ْق ِد ِ‬
‫وإلى َ‬
‫في طمثها ثم تقيم ستة وستين يوم ًا في دم تطهيرها»(((‪.‬‬

‫(((   سفر الخروج‪ ،‬اإلصحاح الخامس عشر‪.25 - 19 ،‬‬


‫(((   سفر الالويين‪ ،‬اإلصحاح الثاني عشر‪.5-1 ،‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪318‬‬
‫‪--6‬المر�أة ال َّنف�ساء مخطئة وعليها كفارة‬
‫وال تكتفي التوراة بالحكم بنجاسة النفساء‪ ،‬بل تأمرها أن تدفع «كفارة خطيئة» تعطيها‬
‫لكهنة المعبد! وال ندري ما خطيئة هذه المرأة التي تتحمل مرارة الحمل وآالم المخاض حتى‬
‫تلد نسمة ؟!‬
‫جاء في سفر الالويين‪« :‬ومتى كملت أيام تطهيرها ألجل ابن أو ابنة تأتي بخروف حولي‬
‫محرقة وفرخ حمامة أو يمامة ذبيحة خطي ًة إلى باب خيمة االجتماع الى الكاهن‪ ،‬فيقدّ مهما‬
‫ِ‬
‫ويكفر عنها فتطهر من ينبوع دمها‪ .‬هذه شريعة التي تلد ذكر ًا أو أنثى‪ ،‬وإن لم تنل‬ ‫أمام الرب‬
‫يدها كفاية لشاة تأخذ يمامتين أو فرخي حمام الواحد محرقة واآلخر ذبيحة خط ّية فيكفر عنها‬
‫الكاهن فتطهر»(((‪.‬‬

‫‪--7‬حرمان المر�أة من الإرث �إن كان هنالك �إخوة‬


‫وتحرم المرأة بحسب شريعة التوراة من اإلرث إذا كان لها أخوة من الميت‪ ،‬في تشريع‬
‫ظالم للمرأة ويعكس هيمنة النزعة الذكور ّية على التشريع اليهودي‪.‬‬
‫مت بنات َص ْل ُف َحاد((( فتعطيهن‬
‫بحق تك َل ْ‬ ‫الر ُّب موسى قائالً‪ٍ :‬‬
‫جاء في سفر العدد‪« :‬فك ّلم َ‬
‫نصيب بين إخوة أبيهن وتنقل نصيب أبيهن إليهن‪ ،‬و ُتك َِل ُم بني إسرائيل قائالً‪ :‬أ ّيما رجل‬
‫ٍ‬ ‫ُم ْل َك‬
‫مات وليس له ابن تنقلون ملكه الى ابنته‪ ،‬وإن لم تكن له ابنة تعطوا ملكه إلخوته‪ ،‬وإن لم يكن‬
‫له إخوة‪ ،‬تعطوا ملكه إلخوة أبيه»(((‪.‬‬

‫‪�--8‬إلزام الأخ �أن يتز ّوج زوجة �أخيه الميت‬


‫يتزوج بزوجة أخيه الميت‪ ،‬جاء في سفر التثنية‪:‬‬ ‫وتُلزم التوراة الرجل بأن ّ‬
‫«إذا سكن إخوة مع ًا ومات واحد منهم وليس له ابن فال ت َِص ِر امرا ُة الميت الى خارج‬
‫لرجل أجنبي‪ ،‬أخو زوجها يدخل عليها ويتخذها لنفسه زوجة ويقوم لها بواجب أخي الزوج‪،‬‬

‫(((   سفر الالويين‪ ،‬اإلصحاح الثاني عشر‪.8-6 ،‬‬


‫(((   جاء في مقدمة هذا اإلصحاح‪« :‬صلفحاد بن حافر بن جلعاد بن ماكير بن منسي من عشائر منسي بن‬
‫يوسف‪ ،‬وهذه أسماء بناته محلة ونوعة وحجلة وملكة وترصة»‪ ،‬انظر‪ :‬سفر العدد‪ ،‬اإلصحاح السابع‬
‫والعشرون‪.1 ،‬‬
‫(((   المصدر نفسه‪ ،‬اإلصحاح نفسه‪.10 - 6 ،‬‬
‫‪319‬‬ ‫المالحق‬
‫يرض الرجل‬‫والبكر الذي تلده يقوم باسم أخيه الميت لئال يمحى اسمه من إسرائيل‪ ،‬وإن لم َ‬
‫أن يأخذ امرأة أخيه تصعد امرأة أخيه الى الباب إلى الشيوخ‪ ،‬وتقول قد أبى أخو زوجي أن‬
‫يقيم ألخيه اسم ًا في إسرائيل لم يشأ أن يقوم لي بواجب أخي الزوج‪ ،‬فيدعوه شيوخ مدينته‬
‫أصر وقال‪ :‬ال أرضى أن أتخذها‪ ،‬تتقدم امرأة أخيه إليه أمام أعين الشيوخ‬
‫ويتكلمون معه فإن ّ‬
‫وتخلع نعله من رجله وتبصق في وجهه وت ًُص ِرح وتقول هكذا يفعل بالرجل الذي ال يبني‬
‫بيت أخيه‪ ،‬فيدعى اسمه في إسرائيل بيت مخلوع النعل»(((‪.‬‬
‫وهذا التشريع ال يخلو من ظل ٍم بحق كل من الرجل والمرأة‪ ،‬أ ّما بحق الرجل فألنّه ملز ٌم‬
‫يتعرض إلهانة قاسية‪ ،‬وأ ّما‬
‫أصر على الرفض فإنّه ّ‬ ‫بالزواج من امرأة قد ال يرغب بها‪ ،‬وإذا ّ‬
‫المرأة فيبدو أنّها مضطرة وملزمة بطلب الزواج من أخي زوجها مع أنّها قد ال تكون راغبة فيه‬
‫وال يكون مناسب ًا لها لسبب من األسباب‪.‬‬

‫‪--9‬قطع يد المر�أة بغير حق!‬


‫ومن جملة األحكام الجائرة بحق المرأة‪ :‬الحكم بقطع يدها فيما لو أرادت تخليص‬
‫معتد فيما لو المست يدها عورة المعتدي! مع ّ‬
‫أن المالمسة قد تحصل صدفة‬ ‫زوجها من يد ٍ‬
‫أو قد ال تجد المرأة سبي ً‬
‫ال لرد المعتدي إال بإمساكه في عورته‪.‬‬
‫جاء في سفر التثنية‪« :‬إذا تخاصم رجالن بعضهما بعض ًا رجل وأخوه‪ ،‬وتقدّ مت امرأة‬
‫ص َر ُج َلها من يد ضاربه ومدت يدها وأمسكت بعورته‪ ،‬فاقطع يديها وال‬ ‫أحدهما لكي ت َ ِ‬
‫ُخل َ‬
‫تشفق عينك»(((‪.‬‬

‫‪--10‬زوجات الأنبياء‪ ‬وبناتهم في التوراة‬


‫وثمة صورة مهينة وغير الئقة عن المرأة في التوراة‪ ،‬حيث نجدها في كثير من األحيان‬‫ّ‬
‫ماكرة مخادعة أو أنّها تمارس الرذيلة والعياذ بالله‪ ،‬والغريب أن هذا الواقع لم يستثن حتى‬
‫بيوت األنبياء‪:‬‬
‫ ) أرفقة زوجة إسحاق ماكرة مخادعة‬
‫تعرض لنا التوراة ِ‬
‫«ر ْفقة» زوجة إسحاق‪ ،‬على أنّها امرأة مخادعة ماكرة تخدع زوجها‬

‫(((   سفر التثنية‪ ،‬اإلصحاح الخامس والعشرون‪.10-5 ،‬‬


‫(((   المصدر نفسه‪ ،‬اإلصحاح نفسه‪.12-11 ،‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪320‬‬
‫ليبارك ابنها األصغر عيسو وترشد ابنها يعقوب على طرق الخداع والكذب على أبيه النبي‪‬‬
‫ما قد يؤدي إلى حرمان أخيه البكر عيسو من البركة(((‪.‬‬

‫ ) بسارة زوجة إبراهيم ظالمة‬


‫وسارة زوجة إبراهيم‪ ‬أبي األنبياء تقدمها التوراة على أنّها امرأة ظالمة تضطهد‬
‫جاريتها‪ ،‬وهي هاجر(((‪ ،‬وكذلك تدعو إبراهيم لطرد هذه الجارية وابنها إسماعيل‪ّ ،‬‬
‫ألن ابن‬
‫الجارية ال يرث مع ابنها إسحاق‪ ،‬فإذا كانت زوجة أبي االنبياء ظالمة ومعتدية فما بالك بسائر‬
‫النساء!‬

‫ ) جنساء سليمان األلف أضللنه!‬


‫ونجد في بيت سليمان النبي‪ ‬ألف امرأة «سبع مئة من السيدات وثالث مئة من‬
‫السراري»‪ ،‬وهؤالء النسوة قد أضللن سليمان‪ ،‬وأملن قلبه!‬
‫جاء في الملوك األول‪« :‬وكانت له سبع مئة من النساء السيدات وثالث مئة من‬
‫السراري فأمالت نساؤه قلبه‪ ،‬وكان في زمان شيخوخة سليمان أن نساءه أملن قلبه وراء آلهة‬
‫أخرى ولم يكن قلبه كام ً‬
‫ال مع الرب إلهه كقلب داود أبيه‪ ،‬فذهب سليمان وراء عشتروت إلهة‬
‫الصيدونيين وملكوم رجس العمونيين‪ ،‬وعمل سليمان الشر في عيني الرب ولم يتبع الرب‬
‫تمام ًا كداود أبيه»(((‪.‬‬

‫ ) دبنات لوط منحرفات وشاذات‬


‫والصورة األشد بشاعة وفظاعة هي قصة بنتي لوط النبي‪ ‬اللتين سقتا أباهما الخمر‬
‫واضطجعتا معه وحبلتا منه‪ ،‬وأنجبتا منه‪ ،‬ومن هذا النسل ولد األنبياء ‪ ،‬ومنهم روح الله‬
‫المسيح عيسى ابن مريم ‪!‬‬
‫جاء في سفر التكوين‪« :‬وصعد لوط من ُصوغر وسكن في الجبل وابنتاه معه‪ ،‬ألنّه خاف‬
‫أن يسكن في ُصوغر فسكن في المغارة هو وابنتاه‪ ،‬وقالت البكر للصغيرة‪ :‬أبونا قد شاخ‬
‫وليس في األرض رجل ليدخل علينا كعادة كل األرض‪ ،‬هلم نسقي أبانا خمر ًا ونضطجع‬

‫(((   سفر التكوين‪ ،‬اإلصحاح السابع والعشرون‪.35-5 ،‬‬


‫(((   سفر التكوين‪ ،‬اإلصحاح السادس عشر‪.6-4 ،‬‬
‫(((   سفر الملوك األول‪ ،‬اإلصحاح الحادي عشر‪.6 - 3 ،‬‬
‫‪321‬‬ ‫المالحق‬
‫معه فنحيي من أبينا نسالً‪ ،‬فسقتا أباهما خمر ًا في تلك الليلة ودخلت البكر واضطجعت مع‬
‫أبيها ولم يعلم باضطجاعها وال بقيامها‪ ،‬وحدث في الغد أن البكر قالت للصغيرة‪ :‬إني قد‬
‫اضطجعت البارحة مع أبي‪ ،‬نسقيه خمر ًا الليلة أيض ًا فادخلي اضطجعي معه‪ ،‬فنحيي من أبينا‬
‫نسالً‪ ،‬فسقتا أباهما خمر ًا في تلك الليلة أيض ًا‪ ،‬وقامت الصغيرة واضطجعت معه ولم يعلم‬
‫باضطجاعها وال بقيامها‪ ،‬فحبلت ابنتا لوط من أبيهما‪ ،‬فولدت البكر ابن ًا ودعت اسمه موآب‬
‫وهو أبو الموآبيين إلى اليوم‪ ،‬والصغيرة أيض ًا ولدت ابن ًا ودعت اسمه ابن عمي وهو أبو بني‬
‫عمون إلى اليوم»(((‪.‬‬
‫قصة غاية في الفظاعة‪ ،‬فاالنحراف والرذيلة وزنا المحارم يزحف إلى بيوت‬ ‫إنّها ّ‬
‫األنبياء‪ ،‬حاشاهم من تلك الرذائل التي يندى لها الجبين ويتعفف عنها أراذل الناس فض ً‬
‫ال‬
‫عن كرامهم‪.‬‬

‫‪--11‬و�صف المر�أة بالخيانة‬


‫وتماشي ًا مع هذه النظرة الدونية المحتقرة للمرأة نالحظ أنّه إذا أريد ذكر مثال عن الخيانة‬
‫فتذكر المرأة الخائنة لزوجها‪ ،‬والمرأة قد تخون زوجها فهذا أمر ال شك فيه‪ ،‬ولك ّن الرجل قد‬
‫يخون ‪ -‬أيض ًا ‪ -‬فلماذا ذكر المرأة تحديد ًا في مورد الخيانة؟!‬
‫جاء في إرميا‪« :‬حق ًا إنّه كما تخون المرأة قرينها هكذا خنتموني يا بيت إسرائيل يقول‬
‫الرب»((( ‪ ‬‬

‫‪--12‬الكهنة ال يتزوجون المطلقات والأرامل‬


‫ٍ‬
‫وكمؤشر على دون ّية المرأة األرملة أو المطلقة‪ّ ،‬‬
‫فإن كهنة المعبد ال يتزوجون منه ّن‪ ،‬جاء‬
‫في سفر حزقيال بشأن الكهنة‪:‬‬
‫«وال يأخذون أرملة وال مطلقة زوجة بل يتخذون عذارى من نسل بيت إسرائيل أو‬
‫أرملة التي كانت أرملة كاهن»(((‪ .‬وهذا التمييز غير مبرر وفيه إهانة لألرملة والمطلقة‪.‬‬

‫(((   سفر التكوين‪ ،‬اإلصحاح التاسع عشر‪.38 - 30 ،‬‬


‫(((   سفر إرميا‪ ،‬اإلصحاح الثالث‪.20 ،‬‬
‫(((   سفر حزقيال‪ ،‬اإلصحاح الرابع واألربعون‪.22 ،‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪322‬‬
‫‪--13‬المر�أة �أمرُّ من الموت‬
‫بحق المرأة‪ ،‬هذا النص الذي يؤكّد أنّه ال وجود‬ ‫ّ‬
‫ولعل من أخطر النصوص التورات ّية ّ‬
‫المرأة صالحة ولو بنسبة واحد في األلف‪ ،‬بما يشكّل إهانة للنساء وحكم ًا قاسي ًا عليه ّن‪.‬‬
‫أمر من الموت المرأة التي هي شباك وقلبها‬ ‫جاء في سفر الجامعة‪« :‬فوجدت َّ‬
‫انظر‪ .‬هذا‬
‫أشراك ويداها قيود‪ ،‬الصالح قدام الله ينجو منها‪ ،‬أما الخاطئ فيؤخذ بها‪ْ .‬‬
‫وجدته‪ ،‬قال الجامعة (الجامعة هو ابن داود الملك)‪ .‬واحدة فواحدة ألجد النتيجة التي‬
‫ال واحد ًا بين ألف وجدت أ ّما امرأة فبين كل أولئك‬
‫لم تزل نفسي تطلبها فلم أجدها‪ ،‬رج ً‬
‫لم أجد»(((‪.‬‬

‫‪--14‬المر�أة و�سيلة للتدفئة‬


‫وتبرز مهمة أخرى للمرأة في التوراة وهي مهمة التدفئة‪ ،‬وتتقدم هذه الوسيلة على النار‪،‬‬
‫ففي سفر الملوك األول‪« :‬وشاخ الملك داود تقدم في األيام وكانوا يدثرونه بالثياب فلم يدفأ‬
‫فقال له عبيده ليفتشوا لسيدنا الملك على فتاة عذراء فلتقف أمام الملك ولتكن له حاضنة‬
‫ولتضطجع في حضنك فيدفأ سيدنا الملك‪ ،‬ففتشوا على فتاة جميلة في جميع تخوم إسرائيل‬
‫فوجدوا أبيشج الشونم ّية فجاؤوا بها الى الملك»(((‪.‬‬
‫تلك كانت عينة من نصوص التوراة التي تنتهك حقوق المرأة‪ ،‬وتضطهدها وتستخف‬
‫بها‪ ،‬وما كان منها مما يرتبط بالشريعة أو يتصل باألنبياء‪ ‬فهو مما ال يسعنا تصديق نسبته‬
‫تعرض التوراة للتالعب والتحريف‪ ،‬قال تعالى في محكم‬ ‫ال على ّ‬‫إلى الله تعالى مما يعد دلي ً‬
‫كتابه‪ :‬ﵛﭐﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ‬
‫ﲒ ﲓ ﲕ ﲖ ﲗﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟﲠ ﲡ‬
‫ﲢ ﲣ ﲤ ﲥﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯﲰ ﲱ ﲲ ﲳ‬
‫ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈﳉ‬
‫ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎﵚ(((‪.‬‬

‫(((   سفر الجامعة‪ ،‬اإلصحاح السابع‪.28-26 ،‬‬


‫(((   سفر الملوك األول‪ ،‬اإلصحاح األول‪.3-1 ،‬‬
‫(((  سورة المائدة‪ ،‬اآلية ‪.41‬‬
‫‪323‬‬ ‫المالحق‬
‫‪--15‬المر�أة في الم�سيحية‬
‫والمرأة في المسيحية هي بالتأكيد أفضل حاالً‪ ،‬مما عليه في اليهودية‪ ،‬ولكننا مع ذلك‬
‫أن العديد من النصوص في اإلنجيل ال تنصف المرأة بل تسيء إليها‪ ،‬وسأكتفي بذكر‬ ‫نجد ّ‬
‫نصين في هذا المجال‪:‬‬

‫‪1 -1‬تبعية المرأة للرجل‬


‫التبعية واضحة من رسالة بولس األولى إلى أهل كورنثوس فقد جاء في اإلصحاح‬
‫الحادي عشر‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الر ُج ُل‪َ .‬و َر ْأ ُس‬ ‫يح‪َ .‬و َأ َّما َر ْأ ُس ا ْل َم ْر َأة َف ُه َو َّ‬‫« ُأ ِريدُ َأ ْن َت ْع َل ُموا َأ َّن َر ْأ َس ك ُِّل َر ُج ٍل ُه َو ا ْل َمس ُ‬
‫يح ُه َو الل ُه‪ .‬ك ُُّل َر ُج ٍل ُي َص ِّلي َأ ْو َي َتنَ َّب ُأ َو َل ُه َع َلى َر ْأ ِس ِه َش ْي ٌء َي ِشي ُن َر ْأ َس ُه‪َ .‬و َأ َّما ك ُُّل ا ْم َر َأ ٍة‬ ‫ا ْل َم ِس ِ‬
‫احدٌ بِ َع ْينِ ِه‪( .‬أي إن‬ ‫تُص ِّلي َأو َت َتنَبأ ور ْأسها َغير م َغ ًّطى َفت َِشين ر ْأسها ألَنَّها وا ْلمح ُلو َق َة َشيء و ِ‬
‫ْ ٌ َ‬ ‫َ َ َ ْ‬ ‫ُ َ َ َ‬ ‫ْ َّ َ َ ُ َ ْ ُ ُ‬ ‫َ‬
‫ص َش َع ُر َها‪َ .‬وإ ْنِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َت َل َت َت َغ َّطى َف ْل ُي َق َّ‬ ‫المرأة تتنبأ وتصلي بشرط أن تغ ّطي رأسها) إذ ا ْل َم ْرأ ُة إ ْن كَان ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ور َة‬ ‫الر ُج َل َل َينْ َبغي َأ ْن ُي َغ ِّط َي َر ْأ َس ُه لك َْونه ُص َ‬ ‫ُح َل َق َف ْل َت َت َغ َّط‪َ .‬فإِ َّن َّ‬
‫ص َأ ْو ت ْ‬‫َان َقبِيح ًا بِا ْل َم ْر َأة َأ ْن ُت َق َّ‬
‫ك َ‬
‫ِ‬
‫الله َو َم ْجدَ ُه‪َ .‬و َأ َّما ا ْل َم ْر َأ ُة َف ِه َي َم ْجدُ َّ‬
‫ِ (((‬
‫الر ُجل» ‪.‬‬

‫‪2 -2‬صمت المرأة في الكنيسة‬


‫وفي الرسالة نفسها لبولس نقرأ في اإلصحاح الرابع عشر‪:‬‬
‫س ألَ َّن ُه َل ْي َس َم ْأ ُذون ًا َل ُه َّن َأ ْن َي َت َك َّل ْم َن َب ْل َي ْخ َض ْع َن ك ََما َي ُق ُ‬
‫ول‬ ‫اؤك ُْم فِي ا ْل َكن َِائ ِ‬ ‫«لِت َْص ُم ْت نِ َس ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وس َأ ْيض ًا‪َ .‬و َلك ْن إِ ْن ُك َّن ُي ِر ْد َن َأ ْن َي َت َع َّل ْم َن َش ْيئ ًا َف ْل َي ْس َأ ْل َن ِر َجا َل ُه َّن في ا ْل َب ْيت‪ ،‬ألَ َّن ُه َقبِ ٌ‬
‫يح‬ ‫النَّا ُم ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يسة‪َ .‬أ ْم منْك ُْم َخ َر َج ْت كَل َم ُة الله؟ َأ ْم إِ َل ْيك ُْم َو ْحدَ ك ُُم ا ْنت ََه ْت؟»(((‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بِالن َِّساء َأ ْن َت َت َك َّل َم في كَن َ‬

‫(((   الرسالة األولى إلى أهل كورنثوس‪ ،‬اإلصحاح الحادي عشر‪.7-3 ،‬‬
‫(((   المصدر نفسه اإلصحاح الرابع عشر‪.36-34 ،‬‬
‫فهر�س الم�صادر والمراجع‬
‫‪--1‬القرآن الكريم‬
‫‪--2‬الكتاب المقدس‪ ( ،‬العهد القديم والجديد)‪.‬‬
‫‪--3‬اآلمدي‪ ،‬عبد الواحد بن محمد التميمي (ت‪550 :‬هـ)‪ ،‬غرر الحكم ودرر الكلم‪ ،‬ترتيب وتدقيق‪:‬‬
‫عبد الحسن دهيني‪ ،‬دار الهادي‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪1413 ،‬هـ‪1992 /‬م‪.‬‬
‫‪--4‬اآلملي‪ ،‬الشيخ جوادي‪ ،‬جمال المرأة وجاللها‪ ،‬دار الهادي بيروت ‪ ،‬الطبعة السادسة ‪2009‬م‪.‬‬
‫‪--5‬ابن أبي الحديد المعتزلي (ت‪656 :‬هـ )‪ ،‬شرح نهج البالغة‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد أبو الفضل إبراهيم‪،‬‬
‫المؤسسة الجامعية للدراسات اإلسالمية‪.‬‬
‫‪--6‬ابن أبي الدنيا‪( ،‬ت‪281 :‬هـ)‪ ،‬العمر والشيب‪ ،‬تحقيق‪ :‬دكتور نجم عبدالله خلف‪ ،‬مكتبة الرشد‪،‬‬
‫الرياض‪ ،‬الطبعة األولى‪1412 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--7‬ابن أبي شيبة‪ ،‬إبراهيم بن عثمان الكوفي العبسي (ت‪235:‬هـ)‪ ،‬المصنف‪ ،‬تعليق وتحقيق‪ :‬سعيد‬
‫اللحام ‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة األولى‪1989 ،‬م‪.‬‬
‫‪--8‬ابن األثير‪( ،‬بن أبي الكرم)‪ ،‬محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد المعروف بالشيباني‬
‫(ت‪630 :‬هـ)‪ ،‬الكامل في التاريخ‪ ،‬دار صادر للطباعة والنشر‪ -‬بيروت‪1386 ،‬هـ‪1966 /‬م‪.‬‬
‫‪--9‬ابن األثير‪ ،‬نفسه‪ ،‬أسد الغابة في معرفة الصحابة‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪.‬‬
‫‪- -10‬ابن األثير‪ ،‬المبارك بن محمد المعروف بـ «ابن األثير» (ت‪606 :‬هـ)‪ ،‬النهاية في غريب الحديث‬
‫واألثر‪ ،‬إسماعيليان‪ -‬باألوفست عن طبعة بيروت‪ ،‬قم‪ ،‬إيران‪ ،‬الطبعة العاشرة‪1364 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪- -11‬ابن األعثم‪ ،‬أحمد بن أعثم الكوفي (ت‪314 :‬هـ)‪ ،‬الفتوح‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي شيري‪ ،‬دار األضواء‪،‬‬
‫للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪1411 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪- -12‬ابن الجوزي‪ ،‬عبد الرحمن بن علي (ت‪597 :‬هـ)‪ ،‬كشف المشكل من حديث الصحيحين‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬عبد الرحمن محمد عثمان‪ ،‬المكتبة السلفية‪ ،‬المدينة المنورة‪ ،‬الطبعة األولى‪1966 ،‬م‪.‬‬
‫‪- -13‬ابن الجوزي‪( ،‬ت‪597 :‬هـ)‪ ،‬الموضوعات‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الرحمن محمد عثمان‪ ،‬المكتبة‬
‫السلفية‪ ،‬المدينة المنورة‪ ،‬الطبعة األولى‪1386 ،‬هـ‪1966 /‬م‪.‬‬
‫‪- -14‬ابن حزم‪ ،‬علي بن أحمد بن سعيد (ت‪456 :‬هـ)‪ ،‬المحلى‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت لبنان‪..‬‬
‫محمد بن علي (ت‪562 :‬هـ)‪ ،‬التذكرة الحمدونية‪ ،‬تحقيق‪:‬‬ ‫محمد بن الحسن بن ّ‬ ‫‪- -15‬ابن حمدون‪ّ ،‬‬
‫إحسان عباس وبكر عباس‪ ،‬دار صادر للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪1996 ،‬م‪.‬‬
‫‪- -16‬ابن حنبل‪ ،‬اإلمام أحمد‪( ،‬ت‪241 :‬هـ)‪ ،‬مسند أحمد‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪- -17‬ابن حيان‪ ،‬عبد الله بن محمد بن جعفر المعروف بأبي الشيخ األصبهاني (ت‪369 :‬هـ)‪ ،‬كتاب‬
‫‪325‬‬ ‫فهرس المصادر والمراجع‬
‫األمثال في الحديث النبوي‪ ،‬تحقيق‪ :‬الدكتور عبد العلي عبد الحميد‪ ،‬مطبوعات الدار السلفية‪،‬‬
‫بومباي‪ -‬الهند‪ ،‬الطبعة األولى‪1982 ،‬م‪.‬‬
‫‪- -18‬ابن خ ّلكان‪ ،‬أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر (ت‪681 :‬هـ)‪ ،‬وفيات األعيان وأنباء أبناء‬
‫الزمان‪ ،‬تحقيق‪ :‬إحسان عباس‪ ،‬دار الثقافة‪ -‬لبنان‪ .‬ال‪.‬ط‪ ،‬ال‪ .‬ت‪.‬‬
‫‪- -19‬ابن سعد‪ ،‬محمد بن سعد‪( ،‬ت‪230 :‬هـ)‪ ،‬الطبقات الكبرى‪ ،‬دار صادر‪ -‬بيروت‪.‬‬
‫‪- -20‬ابن سينا‪ ،‬الحسين بن عبد الله ( ت ‪ 428‬هـ)‪ ،‬الشفاء ‪ -‬اإللهيات‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد يوسف موسى‪،‬‬
‫وسليمان دنيا‪ ،‬وسعيد زيدان‪ ،‬مكتبة آية الله المرعشي النجفي‪ ،‬الطبعة الرابعة‪ ،‬قم – إيران‪،‬‬
‫‪1404‬هـ‪ ،‬باألوفست عن الطبعة المصرية ‪1960‬م‪.‬‬
‫‪- -21‬ابن شهرآشوب‪ ،‬محمد بن علي المازندراني (ت‪588:‬هـ)‪ ،‬مناقب آل أبي طالب‪ ،‬تحقيق‪ :‬السيد‬
‫هاشم الرسولي المحالتي‪ ،‬انتشارات عالمة‪ ،‬قم ‪ -‬إيران‪.‬‬
‫‪- -22‬ابن طيفور‪ ،‬أحمد بن طاهر (ت‪208 :‬هـ)‪ ،‬بالغات النساء‪ ،‬انتشارات الشريف الرضي‪ ،‬قم‪-‬‬
‫إيران‪ ،‬ال‪ .‬ط‪ ،‬ال‪ .‬ت‪.‬‬
‫‪- -23‬ابن عبد البر‪ ،‬يوسف بن عبد الله المعروف بـ «ابن عبد البر» (ت‪463 :‬هـ)‪ ،‬التمهيد‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫مصطفى بن أحمد العلوي ‪ -‬محمد عبد الكبير البكري‪ ،‬وزارة عموم األوقاف والشؤون‬
‫اإلسالمية‪ ،‬المغرب‪1387 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪- -24‬ابن عبد البر‪ ،‬نفسه‪ ،‬االستيعاب‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي محمد البجاوي‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪1412 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪- -25‬ابن عساكر‪ ،‬علي بن الحسن بن هبة الله (ت‪571 :‬هـ)‪ ،‬تاريخ مدينة دمشق‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي شيري‪،‬‬
‫دار الفكر‪ -‬بيروت‪1995 ،‬م‪.‬‬
‫‪- -26‬ابن فارس‪ ،‬أحمد بن فارس (ت‪395 :‬هـ)‪ ،‬معجم مقاييس اللغة‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد السالم محمد‬
‫هارون‪ ،‬مكتب اإلعالم اإلسالمي‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1404 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪- -27‬ابن كثير‪ ،‬إسماعيل بن كثير الدمشقي (ت‪774 :‬هـ)‪ ،‬البداية والنهاية‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي شيري‪ ،‬دار‬
‫إحياء التراث العربي‪ -‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪1988 ،‬م‪.‬‬
‫‪- -28‬ابن ماجة‪ ،‬محمد بن يزيد القزويني (ت‪275 :‬هـ)‪ ،‬سنن ابن ماجة‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد فؤاد عبد‬
‫الباقي‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪- -29‬ابن منظور‪ ،‬محمد بن مكرم اإلفريقي المصري (ت‪711 :‬هـ)‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬نشر أدب الحوزة‪،‬‬
‫قم‪ -‬إيران‪1405 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪- -30‬ابن هشام‪ ،‬محمد بن إسحاق (ت‪151 :‬هـ) السيرة النبوية‪ ،‬تحقيق الدكتور سهيل زكار‪ ،‬دار الفكر‬
‫للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪1412 ،‬هـ‪1992 /‬م‪.‬‬
‫‪- -31‬األبشهي‪ ،‬محمد بن أحمد (‪850-790‬هـ)‪ ،‬المستطرف في كل فن مستظرف‪ ،‬دار ومكتبة‬
‫الهالل‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪.‬‬
‫‪- -32‬أبو داود‪ ،‬سليمان بن األشعث السجستاني (ت‪275 :‬هـ)‪ ،‬سنن أبي داود‪ ،‬تحقيق‪ :‬سعيد محمد‬
‫اللحام‪ ،‬دار الفكر‪1410 ،‬هـ‪1990/‬م‪.‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪326‬‬
‫‪- -33‬األحسائي‪ ،‬ابن أبي جمهور‪( ،‬توفي حدود سنة‪880‬هـ )‪ ،‬عوالي الآللي‪ ،‬تحقيق‪ :‬الشيخ مجتبى‬
‫العراقي‪ ،‬مكتبة آية الله المرعشي‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪ ،‬الطبعة األولى‪1403 ،‬هـ‪1983 /‬م‪.‬‬
‫‪- -34‬أركون‪ ،‬محمد‪ ،‬قضايا في نقد العقل الديني ‪ -‬كيف نفهم اإلسالم اليوم؟ ترجمة وتعليق‪ :‬هاشم‬
‫صالح‪ ،‬دار الطليعة‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة الرابعة‪2009 ،‬م‪.‬‬
‫الغمة في معرفة األئمة‪ ،‬دار‬
‫‪- -35‬اإلربلي‪ ،‬علي بن عيسى بن أبي الفتح‪( ،‬ت‪693 :‬هـ)‪ ،‬كشف ّ‬
‫األضواء‪ ،‬بيروت‪ -‬الطبعة الثانية‪1985 ،‬م‪.‬‬
‫‪- -36‬اإلسترابادي‪ ،‬محمد أمين (ت‪1033 :‬هـ)‪ ،‬الفوائد المدنية والشواهد‪ ،‬تحقيق‪ :‬الشيخ رحمة الله‬
‫الرحمتي اآلراكي‪ ،‬مؤسسة النشر اإلسالمي‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪ ،‬الطبعة األولى‪1983 ،‬م‪.‬‬
‫‪- -37‬األصفهاني‪ ،‬الحسين بن محمد‪ ،‬المعروف بالراغب األصفهاني (ت‪502 :‬هـ)‪ ،‬المفردات في‬
‫غريب القرآن‪ ،‬دفتر نشر الكتاب‪ ،‬إيران‪1404 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪- -38‬األصفهاني‪ ،‬علي بن الحسين بن محمد المرواني‪ ،‬المعروف بأبي الفرج األصفهاني (‪356‬هـ)‪،‬‬
‫مقاتل الطالبيين‪ ،‬تحقيق‪ :‬كاظم المظفر‪ ،‬مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية‪1385 ،‬هـ‪1965 /‬م‪.‬‬
‫‪- -39‬األلباني‪ ،‬محمد ناصر الدين (ت‪1999 :‬م)‪ ،‬سلسلة األحاديث الضعيفة والموضوعة‪ ،‬مكتبة‬
‫المعارف للنشر والتوزيع‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة األولى‪1996 ،‬م‪.‬‬
‫‪- -40‬إمام‪ ،‬عبد الفتاح إمام‪ ،‬أفالطون والمرأة‪( ،‬موسوعة الفيلسوف والمرأة) مكتبة مدبولي‪ ،‬مصر ‪-‬‬
‫القاهرة‪ ،‬الطبعة الثانية‪1996 ،‬م‪.‬‬
‫‪- -41‬إمام‪ ،‬نفسه‪ ،‬أرسطو والمرأة‪ ،‬مدبولي‪ ،‬مصر ‪ -‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األولى‪1996 ،‬م‪.‬‬
‫‪- -42‬األمين‪ ،‬السيد محسن‪ ،‬أعيان الشيعة‪ ،‬دار المعارف للمطبوعات‪ ،‬بيروت‪1983 ،‬م‪.‬‬
‫‪- -43‬الباقالني‪ ،‬أبو بكر بن محمد بن الطيب (ت‪403 :‬هـ)‪ ،‬إعجاز القرآن‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد صقر‪ ،‬دار‬
‫المعارف‪ ،‬القاهرة‪ -‬مصر‪ ،‬الطبعة الثالثة‪.‬‬
‫‪- -44‬البحراني‪ ،‬ميثم بن علي بن ميثم (ت‪679 :‬هـ)‪ ،‬شرح نهج البالغة‪ ،‬مكتب اإلعالم اإلسالمي‪،‬‬
‫قم‪ -‬إيران‪449 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪- -45‬البحراني‪ ،‬نفسه‪ ،‬شرح مائة كلمة ألمير المؤمنين‪ ،‬تحقيق‪ :‬السيد جالل الدين الحسيني‪،‬‬
‫مركز النشر اإلسالمي التابع لجامعة المدرسين‪ ،‬قم ‪ -‬إيران‪.‬‬
‫‪- -46‬البحراني‪ ،‬يوسف بن أحمد الدرازي (ت‪1186 :‬هـ) الحدائق الناضرة في فقه العترة الطاهرة‪،‬‬
‫مؤسسة النشر اإلسالمي‪ -‬قم‪1363 ،‬هـ‪ .‬ش‪.‬‬
‫‪- -47‬البخاري‪ ،‬محمد بن اسماعيل (ت‪256 :‬هـ)‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬دار الفكر‪ -‬بيروت‪ ،‬الطبعة‬
‫الثامنة‪1981 ،‬م‪.‬‬
‫‪- -48‬البرقي‪ ،‬أحمد بن محمد بن خالد (ت‪ ،274 :‬أو ‪280‬هـ)‪ ،‬المحاسن‪ ،‬تحقيق‪ :‬السيد جالل الدين‬
‫الحسيني‪ ،‬دار الكتب اإلسالمية‪ ،‬طهران ‪ -‬إيران‪1370 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪- -49‬البروجردي‪ ،‬السيد حسين الطبطبائي (ت‪1383 :‬هـ)‪ ،‬جامع أحاديث الشيعة‪ ،‬المطبعة العلمية‪،‬‬
‫قم‪ -‬إيران‪1399 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪327‬‬ ‫فهرس المصادر والمراجع‬
‫‪- -50‬البروجردي‪ ،‬الشيخ مرتضى‪ ،‬شرح العروة الوثقى‪ /‬الزكاة‪( ،‬موسوعة السيد الخوئي الفقهية)‬
‫تقرير ًا ألبحاث السيد الخوئي (رحمه الله)‪ ،‬مؤسسة إحياء آثار اإلمام الخوئي‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪1426 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪- -51‬البستاني‪ ،‬فؤاد أفرام‪ ،‬الروائع‪ ( ،‬سلسلة أبحاث في األدب ومنتخبات من أشهر أعالمه)‪ ،‬دار‬
‫المشرق (المطبعة الكاثلوكية)‪ ،‬بيروت ‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة السادسة‪1968 ،‬م‪.‬‬
‫‪- -52‬البغدادي‪ ،‬الحافظ أبو بكر أحمد بن علي المعروف بالخطيب البغدادي( ت‪463 :‬هـ)‪ ،‬تاريخ‬
‫بغداد أو مدينة السالم‪ ،‬تحقيق‪ :‬مصطفى عبد القادر عطا‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ -‬بيروت‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪1997 ،‬م‪.‬‬
‫‪- -53‬البغدادي (ت‪322 :‬هـ)‪ ،‬مجموعة نفيسة‪ ،‬مكتبة آية الله المرعشي النجفي‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1406 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪- -54‬البالذري‪ ،‬أحمد بن يحيي بن جابر (ت‪279 :‬هـ)‪ ،‬أنساب األشراف‪ ،‬تحقيق‪ :‬الشيخ محمد باقر‬
‫المحمودي‪ ،‬مؤسسة األعلمي للمطبوعات‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪1394 ،‬هـ‪1974 /‬م‪.‬‬
‫‪- -55‬البالغي‪ ،‬الشيخ محمد جواد (ت‪1352 :‬هـ)‪ ،‬آالء الرحمن في تفسير القرآن‪ ،‬مطبعة العرفان‪،‬‬
‫صيدا ‪ -‬لبنان‪1933 ،‬م‪.‬‬
‫‪- -56‬البيهقي‪ ،‬أحمد بن الحسين بن علي (ت‪458:‬هـ)‪ ،‬السنن الكبرى‪ ،‬دار الفكر‪ -‬بيروت‪.‬‬
‫‪- -57‬البيهقي‪ ،‬نفسه‪ ،‬شعب اإليمان‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد بن السعيد بسيوني‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪-‬‬
‫لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪1410 ،‬هـ‪1990 /‬م‪.‬‬
‫‪- -58‬البيهقي‪ ،‬علي بن زيد (ت‪565 :‬هـ)‪ ،‬معارج نهج البالغة‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد تقي دانش‪ ،‬مكتبة آية‬
‫الله المرعشي النجفي‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪ ،‬الطبعة األولى‪1409 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪- -59‬البهسودي‪ ،‬السيد محمد سرور الواعظ الحسيني‪ ،‬مصباح األصول‪ ،‬تقرير ًا ألبحاث السيد‬
‫الخوئي‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة الداوري‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪ ،‬الطبعة الخامسة‪1417 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪- -60‬الترمذي‪ ،‬محمد بن عيسى (ت‪279 :‬هـ)‪ ،‬الجامع الصحيح المعروف بسنن الترمذي‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫عبد الوهاب عبد اللطيف‪ ،‬دار الفكر‪ -‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثانية‪1403 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪- -61‬التستري‪ ،‬الشيخ محمد تقي ( ت‪ 1415 :‬هـ)‪ ،‬قاموس الرجال‪ ،‬تحقيق ونشر‪ :‬مؤسسة النشر‬
‫اإلسالمي‪ ،‬قم ‪ -‬إيران‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1429 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪- -62‬التوحيدي‪ ،‬محمد علي التبريزي‪ ،‬مصباح الفقاهة‪ ،‬تقرير ًا ألبحاث السيد الخوئي رحمه الله‪،‬‬
‫إسماعيليان‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1417 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪- -63‬الثقفي‪ ،‬إبراهيم بن محمد بن سعيد بن هالل (ت‪283 :‬هـ)‪ ،‬الغارات‪ ،‬تحقيق‪ :‬السيد جالل الدين‬
‫المحدث‪ ،‬إيران‪.‬‬
‫‪- -64‬الجاحظ‪ ،‬عمرو بن بحر بن محبوب (ت‪255 :‬هـ)‪ ،‬المحاسن واألضداد‪ ،‬تحقيق‪ :‬فوزي عطوي‪،‬‬
‫دار صعب‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪1966 ،‬م‪.‬‬
‫‪- -65‬الجاحظ‪ ،‬نفسه‪ ،‬البيان والتبيين‪ ،‬المكتبة التجارية الكبرى لصاحبها مصطفى محمد‪ ،‬القاهرة ‪-‬‬
‫مصر‪ ،‬الطبعة األولى‪1926 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪- -66‬الجاحظ‪ ،‬نفسه‪ ،‬البخالء‪ ،‬قدّ م له وشرحه‪ :‬الدكتور عباس عبد الساتر‪ ،‬دار ومكتبة الهالل‪،‬‬
‫بيروت‪2004 ،‬م‪.‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪328‬‬
‫‪- -67‬الجبعي‪ ،‬زين الدين بن علي‪ ،‬المعروف بالشهيد الثاني (ت‪965 :‬هـ)‪ ،‬الرعاية في علم الدراية‪،‬‬
‫مكتبة آية الله المرعشي النجفي‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪ ،‬الطبعة الثانية‪1408 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪- -68‬الجبعي‪ ،‬نفسه‪ ،‬مسالك األفهام إلى تنقيح شرائع اإلسالم‪ ،‬مؤسسة المعارف اإلسالمية‪ ،‬قم‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪1413 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪- -69‬جرداق‪ ،‬جورج‪( ،‬ت‪2104 :‬هـ)‪ ،‬علي صوت العدالة اإلنسانية‪ ،‬منشورات ذوي القربى‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪ ،‬قم ‪ -‬إيران ‪1423‬هـ‪.‬‬
‫‪- -70‬الجصاص‪ ،‬أحمد بن علي الرازي (ت‪370 :‬هـ)‪ ،‬أحكام القرآن‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪-‬‬
‫لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪1994 ،‬م‪.‬‬
‫‪- -71‬الجوهري‪ ،‬إسماعيل بن حماد‪ ،‬الصحاح أو تاج اللغة وصحاج العربية‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد بن‬
‫عبد الغفور ع ّطار‪ ،‬دار العلم للماليين‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الرابعة‪1407 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪- -72‬الحائري‪ ،‬الشيخ محمد مهدي (ت‪1369 :‬هـ)‪ ،‬شجرة طوبى‪ ،‬منشورات المكتبة الحيدرية‪،‬‬
‫النجف األشرف‪ ،‬الطبعة الخامسة‪1385 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪- -73‬الحر العاملي‪ ،‬الشيخ محمد بن الحسن (ت‪1104 :‬هـ)‪ ،‬أمل اآلمل‪ ،‬تحقيق‪ :‬السيد أحمد‬
‫الحسيني‪ ،‬النجف األشرف‪ ،‬مطبعة اآلداب‪1385 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪- -74‬الحر العاملي‪ ،‬نفسه‪ ،‬تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة المعروف اختصار ًا‬
‫بـ«وسائل الشيعة» مؤسسة آل البيت إلحياء التراث‪ ،‬قم ‪ -‬إيران‪ ،‬الطبعة الثانية‪1414 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪- -75‬الحر العاملي‪ ،‬نفسه‪ ،‬هداية األمة إلى أحكام األئمة‪ ،‬مكتبة الحضرة الرضوية (آستان قدس‬
‫رضوي)‪ ،‬مشهد‪ -‬إيران‪.‬‬
‫‪- -76‬الحر العاملي‪ ،‬نفسه‪ ،‬الفوائد الطوسية‪ ،‬تحقيق‪ :‬السيد مهدي الالزوردي والشيخ محمد درودي‪،‬‬
‫المطبعة العلمية‪ ،‬قم‪1403 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪- -77‬الحراني‪ ،‬الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة ( القرن الرابع)‪ ،‬تحف العقول عن آل الرسول(ص)‪،‬‬
‫تحقيق‪ ،‬علي أكبرالغفاري‪ ،‬مؤسسة النشر اإلسالمي‪ ،‬قم إيران ‪ ،‬الطبعة الثانية‪1404 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪- -78‬الحسني‪ ،‬السيد هاشم معروف‪ ،‬االنتفاضات الشيعية عبر التاريخ‪ ،‬دار التعارف‪ ،‬بيروت‪1990 ،‬م‪.‬‬
‫‪- -79‬حسين‪ ،‬السيد إعجاز (‪1286‬هـ)‪ ،‬كشف الحجب واألستار‪ ،‬مكتبة آية الله المرعشي النجفي‪،‬‬
‫ط‪ ،2‬قم‪-‬إيران‪1409 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪- -80‬الحلبي‪ ،‬علي بن برهان الدين الشافعي (ت‪1044 :‬هـ)‪ ،‬السيرة الحلبية‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫‪1400‬هـ‪.‬‬
‫‪- -81‬الحلي‪ ،‬محمد بن أحمد بن إدريس العجلي (ت‪598 :‬هـ)‪ ،‬مستطرفات السرائر‪ ،‬مؤسسة النشر‬
‫اإلسالمي التابعة لجماعة المدرسين‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪ ،‬الطبعة الثانية‪1411 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪- -82‬الحلي‪ ،‬أحمد بن فهد (ت‪841 :‬هـ)‪ ،‬عدة الداعي ونجاح الساعي‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد الموحدي‬
‫القمي‪ ،‬مكتبة وجداني‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪.‬‬
‫‪- -83‬الحلي‪ ،‬الحسن بن يوسف المطهر‪ ،‬المعروف بالعالمة الحلي (ت‪726 :‬هـ)‪ ،‬أجوبة المسائل‬
‫المهنائية‪ ،‬مطبعة الخيام‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1401 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪329‬‬ ‫فهرس المصادر والمراجع‬
‫‪- -84‬الحلي‪ ،‬ابن نما (ت‪645 :‬هـ)‪ ،‬مثير األحزان‪ ،‬المطبعة الحيدرية‪ ،‬النجف‪1369 ،‬هـ‪1950 /‬م‪.‬‬
‫‪- -85‬الحميري‪ ،‬الشيخ عبد الله بن جعفر‪( ،‬القرن الثالث هجري)‪ ،‬قرب اإلسناد‪ ،‬تحقيق‪ :‬مؤسسة آل‬
‫البيت‪ ،‬الطبعة األولى‪1413 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪- -86‬الخشن‪ ،‬حسين أحمد‪ ،‬هل الجنة للمسلمين وحدهم؟ المركز اإلسالمي الثقافي‪ -‬مجمع‬
‫اإلمامين الحسنين (ع)‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪2004 ،‬م‪.‬‬
‫‪- -87‬الخشن‪ ،‬نفسه‪ ،‬أصول االجتهاد الكالمي‪ ،‬المركز اإلسالمي الثقافي‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪.2015 ،‬‬
‫‪- -88‬الخشن‪ ،‬نفسه‪ ،‬الشريعة تواكب الحياة‪ ،‬دار الهادي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪2004 ،‬م‪.‬‬
‫‪- -89‬الخشن‪ ،‬نفسه‪ ،‬وهل الدين ّإل الحب؟ المركز اإلسالمي الثقافي‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫‪1436‬هـ‪2014 /‬م‪.‬‬
‫‪- -90‬الخشن‪ ،‬نفسه‪ ،‬بحوث حول السيدة العائشة‪-‬رؤية شيعية معاصرة‪ ،‬دار الروافد‪ ،‬ط ‪ ،1‬بيروت‪-‬‬
‫لبنان‪1438 ،‬هـ‪2016/‬م‪.‬‬
‫‪- -91‬الخشن‪ ،‬نفسه‪ ،‬تحت المجهر ‪-‬قراءة نقدية في مفاهيم وسلوكيات ومعتقدات‪ -‬المركز‬
‫اإلسالمي الثقافي‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪1434 ،‬هـ‪2013 /‬م‪.‬‬
‫‪- -92‬الخشن‪ ،‬نفسه‪ ،‬إليك يا ابنتي‪ ،‬المركز اإلسالمي الثقافي‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫‪1434‬هـ‪2013 /‬م‪.‬‬
‫‪- -93‬الخشن‪ ،‬نفسه‪ ،‬مع الشباب في همومهم وتطلعاتهم‪ ،‬المركز الثقافي اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪2016 ،‬م‪.‬‬
‫‪- -94‬الخوئي‪ ،‬السيد أبو القاسم الموسوي‪ ،‬معجم رجال الحديث‪ ،‬الطبعة الخامسة‪1413 ،‬هـ‪/‬‬
‫‪1992‬م‪.‬‬
‫‪- -95‬الخوئي‪ ،‬نفسه‪ ،‬منهاج الصالحين‪ ،‬مدينة العلم‪ ،‬قم‪-‬إيران‪ ،‬الطبعة الثامنة والعشرون‪1410 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪- -96‬الخوئي‪ ،‬الميرزا حبيب الله الهاشمي (ت‪1324 :‬هـ)‪ ،‬منهاج البراعة في شرح نهج البالغة‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬السيد إبراهيم الميانجي‪ ،‬بنياد فرهنك اإلمام المهدي‪ ،‬طهران‪ -‬إيران‪ ،‬الطبعة الرابعة‪.‬‬
‫‪- -97‬الخصيبي‪ ،‬الحسين بن حمدان (ت‪334 :‬هـ)‪ ،‬الهداية الكبرى‪ ،‬مؤسسة البالغ للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة الرابعة‪1991 ،‬م‪.‬‬
‫‪- -98‬الدارمي‪ ،‬عبدالله بن عبد الرحمن التميمي السمرقندي (ت‪255 :‬هـ)‪ ،‬سنن الدارمي‪ ،‬مطبعة‬
‫االعتدال‪ -‬دمشق‪1349 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪- -99‬الدويش‪ ،‬الشيخ أحمد بن عبد الرزاق‪ ،‬فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء‪ ،‬المملكة‬
‫العربية السعودية‪ -‬الرياض‪.‬‬
‫‪--100‬الدينوري‪ ،‬عبد الله بن مسلم بن قتيبة (ت‪376 :‬هـ)‪ ،‬عيون األخبار‪ ،‬شرح وتعليق‪ :‬الدكتور‬
‫يوسف علي طويل‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة الثالثة‪2003 ،‬م‪.‬‬
‫‪--101‬ديورانت‪ ،‬ول وايريل‪ ،‬قصة الحضارة‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬ترجمة محمد بدران‪ ،‬بيروت‪ -‬تونس‪،‬‬
‫‪1408‬هـ‪.1988 /‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪330‬‬
‫‪--102‬الذهبي‪ ،‬محمد بن أحمد بن عثمان (ت‪748 :‬هـ)‪ ،‬سير أعالم النبالء‪ ،‬تحقيق‪ :‬حسين األسد‪،‬‬
‫مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة التاسعة‪1989 ،‬م‪.‬‬
‫‪--103‬الرازي‪ ،‬محمد بن عمر التيمي المعروف بالفخر الرازي (ت‪606 :‬هـ)‪ ،‬المحصول في علم‬
‫األصول‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة الثانية‪1412 ،‬هـ‪1992 /‬م‪.‬‬
‫‪--104‬الرازي‪ ،‬نفسه‪ ،‬التفسير الكبير‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت ‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة الثالثة‪.‬‬
‫‪--105‬الرازي‪ ،‬ابن أبي حاتم (ت‪327 :‬هـ)‪ ،‬الجرح والتعديل‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪1372 ،‬هـ‪1952 /‬م‪.‬‬
‫‪--106‬الزبيدي‪ ،‬محمد مرتضى الحسيني الواسطي‪ ،‬تاج العروس من جواهر القاموس‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي‬
‫شيري‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪1420 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--107‬الزمخشري‪ ،‬محمود بن عمر (ت‪538 :‬هـ)‪ ،‬ربيع األبرار ونصوص األخيار‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد األمير‬
‫مهنا‪ ،‬مؤسسة األعلمي للمطبوعات‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪1412 ،‬هـ‪1992 /‬م‪.‬‬
‫‪--108‬الزمخشري‪ ،‬نفسه‪ ،‬الفائق في غريب الحديث‪ ،‬وضع حواشيه‪ :‬إبراهيم شمس الدين‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪ ،‬الدار العلمية‪ ،‬بيروت ‪ -‬لبنان‪1996 ،‬م‪.‬‬
‫‪--109‬الزيعلي‪( ،‬ت‪792 :‬هـ)‪ ،‬نصب الراية‪ ،‬تحقيق‪ :‬أيمن صالح شعبان‪ ،‬دار الحديث‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪1415 ،‬هـ‪1995 /‬م‪.‬‬
‫‪--110‬السبحاني‪ ،‬جعفر‪ ،‬الحديث النبوي بين الرواية والدراية‪ ،‬مؤسسة اإلمام الصادق‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪1419 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--111‬السبزواري‪ ،‬الشيخ محمد (القرن السابع الهجري)‪ ،‬معارج اليقين في أصول الدين‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫عالء آل جعفر‪ ،‬مؤسسة آل البيت إلحياء التراث‪ ،‬قم ‪ -‬إيران‪ ،‬الطبعة األولى‪1410 ،‬هـ‪1993 /‬م‪.‬‬
‫‪--112‬السيستاني‪ ،‬استفتاءات المرجع الديني السيد علي السيستاني (حفظه الله)‪ ،‬المدرج ضمن مكتبة‬
‫آل البيت (ع) اإللكترونية‪.‬‬
‫‪--113‬السيوطي‪ ،‬جالل الدين عبد الرحمن بن أبي بكر (ت‪911 :‬هـ)‪ ،‬الدر المنثور في التفسير بالمأثور‪،‬‬
‫دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪.‬‬
‫‪--114‬شبر‪ ،‬السيد عبد الله (ت‪1242 :‬هـ)‪ ،‬تفسير القرآن الكريم المعروف بتفسير ش ّبر‪ ،‬قام بطبعه‬
‫ونشره السيد مرتضى الرضوي‪ ،‬مراجعة الدكتور حامد حفني داوود‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1966 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--115‬شتيوي‪ ،‬الدكتور أحمد ‪ ،‬ديوان اإلمام علي‪ ،‬دار الغد الجديد‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪1429‬هـ‪.‬‬
‫‪--116‬شرف الدين‪ ،‬السيد عبد الحسين (ت‪1377 :‬هـ)‪ ،‬أجوبة موسى مسائل جار الله السيد‬
‫عبد الحسين شرف الدين‪ ،‬مطبعة العرفان‪ ،‬صيدا‪ ،‬الطبعة الثانية‪1953 ،‬هـ‪1373 /‬هـ‪.‬‬
‫‪--117‬الشريف الرضي‪ ،‬محمد بن الحسين (ت‪406:‬هـ)‪ ،‬نهج البالغة‪ ،‬تعليق وشرح‪ :‬الشيخ محمد‬
‫عبده‪ ،‬دار الذخائر‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪ ،‬الطبعة األولى‪1410 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--118‬الشريف الرضي‪ ،‬نفسه‪ ،‬خصائص األئمة‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد هادي األميني‪ ،‬مجمع البحوث‬
‫اإلسالمية التابع للحضرة الرضوية المقدسة‪ ،‬مشهد ‪ -‬إيران‪1406 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪331‬‬ ‫فهرس المصادر والمراجع‬
‫‪--119‬الشريف الرضي‪ ،‬نفسه‪ ،‬المجازات النبوية‪ ،‬تحقيق‪ :‬طه محمد الزيني‪ ،‬مكتبة بصيرتي‪ ،‬قم ‪-‬‬
‫إيران‪.‬‬
‫‪--120‬الشريف المرتضى‪ ،‬علي بن الحسين بن موسى (ت‪436 :‬هـ)‪ ،‬رسائل الشريف المرتضى‪،‬‬
‫منشورات دار القرآن الكريم‪ ،‬منشورات دار القرآن الكريم‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1405 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--121‬شمس الدين‪ ،‬الشيخ محمد مهدي‪ ،‬أهلية المرأة لتولي السلطة‪ ،‬مؤسسة المنار‪ ،‬بيروت ‪ -‬لبنان‪.‬‬
‫‪--122‬الشهرستاني‪ ،‬محمد بن عبد الكريم بن أبي بكر أحمد ( ‪ ،) 548 - 479‬الملل والنحل‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫محمد سيد گيالني‪ ،‬دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت ‪ -‬لبنان‪.‬‬
‫‪--123‬الشيرازي‪ ،‬الشيخ ناصر مكارم‪ ،‬األمثل في تفسير كتاب الله المنزل‪ ،‬قم ‪ -‬إيران‪.‬‬
‫‪--124‬الصارم‪ ،‬سمير‪ ،‬أبو العالء المعري‪ ،‬حياته‪ ،‬شعره‪ ،‬دار كرم‪ ،‬سوريا‪ -‬دمشق‪.‬‬
‫‪--125‬الصالح‪ ،‬الشيخ صبحي‪ ،‬تحقيق وضبط نصوص نهج البالغة‪ ،‬بيروت ‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫‪1967‬م‪.‬‬
‫‪--126‬الصدر‪ ،‬السيد حسن (ت‪1351 :‬هـ)‪ ،‬نهاية الدراية‪ ،‬تحقيق‪ :‬ماجد الغرباوي‪ ،‬نشر المشعر‪ ،‬قم‪-‬‬
‫إيران‪ ،‬الطبعة األولى‪.‬‬
‫‪--127‬الصدر‪ ،‬السيد محمد محمد صادق‪ ،‬ما وراء الفقه‪ ،‬دار المحبين للطباعة والنشر‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪،‬‬
‫الطبعة الثالثة‪2007 ،‬م‪.‬‬
‫‪--128‬الصدر‪ ،‬السيد موسى‪ ،‬مسيرة اإلمام الصدر‪ ،‬إعداد وتوثيق‪ :‬يعقوب ظاهر‪ ،‬دار بالل للطباعة‬
‫والنشر‪ ،‬بيروت ‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة الثانية‪2014 ،‬م‪.‬‬
‫‪--129‬الصدوق‪ ،‬محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي (ت‪381 :‬هـ)‪ ،‬ثواب األعمال‪ ،‬تحقيق‬
‫محمد مهدي حسن الخرسان‪ ،‬منشورات الشريف الرضي‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪ ،‬الطبعة‬‫وتقديم‪ :‬السيد ّ‬
‫الثانية‪1368 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--130‬الصدوق‪ ،‬نفسه‪ ،‬الخصال‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي أكبر الغفاري‪ ،‬جماعة المدرسين‪ -‬قم‪1403 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--131‬الصدوق‪ ،‬نفسه‪ ،‬عيون أخبار الرضا‪ ،‬مؤسسة األعلمي‪ -‬بيروت‪1404 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--132‬الصدوق‪ ،‬نفسه‪ ،‬علل الشرائع‪ ،‬المكتبة الحيدرية ‪ -‬النجف األشرف‪1966 ،‬م‪.‬‬
‫‪--133‬الصدوق‪ ،‬نفسه‪ ،‬التوحيد‪ ،‬تحقيق‪ :‬السيد هاشم الحسيني الطهراني‪ ،‬مؤسسة النشر اإلسالمي‪،‬‬
‫قم‪ -‬إيران‪1387 ،‬هـ‪.‬ش‪.‬‬
‫‪--134‬الصدوق‪ ،‬نفسه‪ ،‬من ال يحضره الفقيه‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي أكبر الغفاري‪ ،‬جماعة المدرسين‪ -‬قم‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪1404 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--135‬الصدوق‪ ،‬نفسه‪ ،‬األمالي‪ ،‬مؤسسة البعثة‪ ،‬الطبعة أألولى‪1417 ،‬هـ‪.‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪332‬‬
‫‪--136‬الصدوق‪ ،‬نفسه‪ ،‬معاني األخبار‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي أكبر الغفاري‪ ،‬مؤسسة النشر اإلسالمي التابعة‬
‫لجماعة المدرسين‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1379 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--137‬صفوت‪ ،‬أحمد زكي‪ ،‬ترجمة علي بن أبي طالب‪ ،‬مطبعة دار العلوم‪ ،‬مصر‪1932 ،‬م‪.‬‬
‫‪--138‬الصنعاني‪ ،‬عبد الرزاق بن همام (ت‪211 :‬هـ)‪ ،‬تفسير الصنعاني‪ ،‬مكتبة الرشد للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫السعودية ‪ -‬الرياض‪ ،‬الطبعة األولى‪1410 ،‬هـ‪1989 /‬م‪.‬‬
‫‪--139‬الطباطبائي‪ ،‬السيد محمد حسين الطباطبائي (ت‪1412 :‬هـ)‪ ،‬تفسير الميزان‪ ،‬منشورات جامعة‬
‫المدرسين‪ ،‬قم ‪ -‬إيران‪.‬‬
‫‪--140‬الطبراني‪ ،‬سليمان بن أحمد (ت‪360 :‬هـ)‪ ،‬المعجم الكبير‪ ،‬تحقيق‪ :‬حمدي عبد المجيد‪ ،‬دار‬
‫إحياء التراث العربي‪ ،‬مكتبة ابن تيمية ‪ -‬القاهرة‪.‬‬
‫‪--141‬الطبراني‪ ،‬نفسه‪ ،‬المعجم األوسط‪ ،‬تحقيق‪ :‬قسم التحقيق بدار الحرمين‪ ،‬دار الحرمين للطباعة‬
‫والنشر والتوزيع‪ ،‬مصر‪ -‬القاهرة‪1995 ،‬م‪.‬‬
‫‪--142‬الطبراني‪ ،‬نفسه‪ ،‬المعجم الصغير‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت ‪ -‬لبنان‪.‬‬
‫‪--143‬الطبرسي‪ ،‬أحمد بن علي (ت‪560 :‬هـ)‪ ،‬االحتجاج‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد باقر الخرسان‪ ،‬دار النعمان‪-‬‬
‫النجف األشرف‪1966 ،‬م‪.‬‬
‫‪--144‬الطبرسي‪ ،‬الفضل بن الحسن (ت‪548 :‬هـ)‪ ،‬مجمع البيان في تفسير القرآن‪ ،‬مؤسسة األعلمي‬
‫للمطبوعات‪ ،‬بيروت ‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪1415 ،‬هـ‪2008 /‬م‪.‬‬
‫‪--145‬الطبرسي‪ ،‬نفسه‪ ،‬جوامع الجامع‪ ،‬مؤسسة النشر اإلسالمي التابعة لجماعة المدرسين‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪1420 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--146‬الطبرسي‪ ،‬نفسه‪ ،‬مكارم األخالق‪ ،‬منشورات الشريف الرضي‪ ،‬قم‪ ،‬الطبعة السادسة‪1392 ،‬هـ‪/‬‬
‫‪1972‬م‪.‬‬
‫‪--147‬الطبرسي‪ ،‬علي بن الحسن ( توفي في أوائل القرن السابع الهجري)‪ ،‬مشكاة األنوار في غرر‬
‫األخبار‪ ،‬تحقيق‪ :‬مهدي هوشمان‪ ،‬دار الحديث‪ ،‬الطبعة األولى‪1418 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--148‬الطبري المامطيري‪ ،‬أبو الحسن مهدي‪ ،‬نزهة األبصار ومحاسن اآلثار‪ ،‬تحقيق العالمة محمد‬
‫باقر المحمودي‪ ،‬المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب اإلسالمية‪ ،‬ط ‪1430 ،1‬هـ‪2009/‬م‪.‬‬
‫‪--149‬الطبري‪ ،‬محمد بن جرير (ت‪310 :‬هـ)‪ ،‬جامع البيان‪ ،‬المعروف بتفسير الطبري‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬
‫بيروت‪ -‬لبنان‪1415 ،‬هـ‪1995 /‬م‪.‬‬
‫‪--150‬الطبري‪ ،‬نفسه‪ ،‬تاريخ الطبري‪ ،‬نخبة من العلماء األجالء‪ ،‬مؤسسة األعلمي للمطبوعات‪،‬‬
‫بيروت‪ -‬لبنان‪.‬‬
‫‪--151‬الطبري‪ ،‬محمد بن جرير بن رستم اإلمامي المعروف بالطبري الصغير (من أعالم القرن الرابع‬
‫الهجري)‪ ،‬دالئل اإلمامة‪ ،‬تحقيق‪ :‬قسم الدراسات اإلسالمية مؤسسة البعثة‪ ،‬قم‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫‪1413‬هـ‪.‬‬
‫‪--152‬الطبري‪ ،‬نفسه‪ ،‬المسترشد‪ ،‬تحقيق‪ :‬الشيخ أحمد المحمودي‪ ،‬مؤسسة الثقافة اإلسالمية‪ ،‬قم‪-‬‬
‫إيران‪ ،‬الطبعة األولى‪1415 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪333‬‬ ‫فهرس المصادر والمراجع‬
‫‪--153‬الطبري‪ ،‬محمد بن علي (القرن السادس هجري)‪ ،‬بشارة المصطفى‪ ،‬تحقيق‪ :‬جواد القيومي‬
‫األصفهاني‪ ،‬مؤسسة النشر اإلسالمي‪ ،‬الطبعة األولى‪1420 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--154‬الطريحي‪ ،‬فخر الدين (ت‪1087 :‬هـ)‪ ،‬مجمع البحرين‪ ،‬ترتيب‪ :‬محمود عادل‪ ،‬مكتب نشر الثقافة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬إيران‪ ،‬الطبعة الثانية‪1408 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--155‬الطهراني‪ ،‬محمد محسن بن علي بن محمد‪ ،‬المعروف بآغا بزرك ( ت ‪1389‬هـ) الذريعة إلى‬
‫تصانيف الشيعة‪ ،‬دار األضواء‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1403 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--156‬الطوسي‪ ،‬محمد بن الحسن (ت‪)460:‬هـ‪ ،‬المبسوط‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد تقي الكشفي‪ ،‬المكتبة‬
‫المرتضوية‪ ،‬طهران‪1387 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--157‬الطوسي‪ ،‬نفسه‪ ،‬عدة األصول‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد رضا األنصاري القمي‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪1417 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--158‬الطوسي‪ ،‬نفسه‪ ،‬األمالي‪ ،‬مؤسسة البعثة‪ ،‬قم ـ إيران‪ ،‬الطبعة األولى‪1414 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--159‬العجلوني‪ ،‬إسماعيل بن محمد (ت‪1162 :‬هـ)‪ ،‬كشف الخفاء ومزيل اإللباس‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1408 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--160‬العسقالني‪ ،‬أحمد بن علي بن محمد بن حجر (ت‪852 :‬هـ)‪ ،‬فتح الباري في شرح صحيح‬
‫البخاري‪ ،‬دار المعرفة للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت ‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة الثانية‪.‬‬
‫‪--161‬العسقالني‪ ،‬نفسه‪ ،‬تهذيب التهذيب‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت ‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪1984 ،‬م‪.‬‬
‫‪--162‬العسكري‪ ،‬السيد مرتضى‪ ،‬أحاديث أم المؤمنين عائشة‪ ،‬التوحيد للنشر‪ ،‬الطبعة الخامسة‪،‬‬
‫‪1414‬هـ‪1994 /‬م‬
‫‪--163‬العقاد‪ ،‬عباس محمود‪ ،‬عبقرية اإلمام علي‪ ،‬دار الهالل‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫‪--164‬العلوي‪ ،‬هادي‪ ،‬فصول عن المرأة‪ ،‬دار الكنوز األدبية‪ ،‬بيروت ‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪1966 ،‬م‪.‬‬
‫‪--165‬العياشي‪ ،‬محمد بن مسعود السمرقندي (ت‪320 :‬هـ)‪ ،‬تفسير العياشي‪ ،‬تحقيق‪ :‬هاشم الرسولي‬
‫المحالتي‪ ،‬المكتبة العلمية اإلسالمية‪ ،‬طهران‪.‬‬
‫‪--166‬العيني‪ ،‬محمود بن أحمد (ت‪855 :‬هـ)‪ ،‬عمدة القاري‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت ‪ -‬لبنان‪.‬‬
‫‪--167‬الغزالي‪ ،‬أبو حامد محمد بن محمد (ت‪505 :‬هـ)‪ ،‬إحياء علوم الدين‪ ،‬دار الكتاب العربي ‪،‬‬
‫بيروت ‪ -‬لبنان‪.‬‬
‫‪--168‬الفتني‪ ،‬محمد طاهر بن علي الهندي (ت‪986:‬هـ)‪ ،‬تذكرة الموضوعات‪.‬‬
‫‪--169‬الفراهيدي‪ ،‬الخليل بن أحمد (ت‪175 :‬هـ)‪ ،‬كتاب العين‪ ،‬مؤسسة دار الهجرة‪ ،‬إيران‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية‪1409 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--170‬فضل الله‪ ،‬السيد محمد حسين (ت‪2010 :‬م)‪ ،‬من وحي القرآن‪ ،‬دار المالك‪ ،‬الطبعة الثانية ‪،‬‬
‫‪1998‬م‪.‬‬
‫‪--171‬فضل الله‪ ،‬نفسه‪ ،‬قراءة جديدة لفقه المرأة الحقوقي (ندوة حوارية)‪ ،‬دار الثقلين للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪1996 ،‬م‪.‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪334‬‬
‫‪--172‬فضل الله‪ ،‬نفسه‪ ،‬الزهراء القدوة‪ ،‬إعداد‪ :‬الشيخ حسين الخشن‪ ،‬دار المالك‪ ،‬بيروت ‪ -‬لبنان‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪2001 ،‬م‪.‬‬
‫‪--173‬القضاعي‪ ،‬القاضي محمد بن سالمة (ت‪404 :‬هـ)‪ ،‬مسند الشهاب‪ ،‬تحقيق‪ :‬حمدي عبد المجيد‬
‫السلفي‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪.‬‬
‫‪--174‬القطيفي‪ ،‬أحمد بن صالح آل طوق (توفي بعد عام ‪1245‬هـ)‪ ،‬رسائل آل طوق‪ ،‬تحقيق ونشر‪:‬‬
‫شركة دار المصطفى إلحياء التراث‪ ،‬الطبعة األولى‪2001 ،‬م‪.‬‬
‫‪--175‬القلقشندي‪ ،‬أحمد بن علي (ت‪821 :‬هـ)‪ ،‬صبح األعشى في صناعة اإلنشا‪ ،‬تحقيق ‪ :‬محمد‬
‫حسين شمس الدين‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت ‪ -‬لبنان‪.‬‬
‫‪--176‬القمي‪ ،‬علي بن إبراهيم القمي‪ ،‬تفسير القمي‪ ،‬تصحيح‪ :‬السيد طيب الجزائري‪ ،‬مؤسسة دار‬
‫الكتاب للطباعة والنشر‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1404 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--177‬القيرواني‪ ،‬إبراهيم بن علي الحصري (ت‪453 :‬هـ)‪ ،‬زهر اآلداب وتمر األلباب‪ ،‬تحقيق‪ :‬الدكتور‬
‫زكي مبارك‪ ،‬دار الجيل للنشر والتوزيع والطباعة‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة الرابعة‪1972 ،‬م‪.‬‬
‫‪--178‬الكاشاني‪ ،‬محمد محسن بن مرتضى‪ ،‬المعروف بالفيض الكاشاني (ت‪1091:‬هـ)‪ ،‬الوافي‪،‬‬
‫مكتبة أمير المؤمنين (ع)‪ -‬أصفهان‪1406 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--179‬الكاشاني‪ ،‬نفسه‪ ،‬مفاتيح الشرائع‪ ،‬تحقيق‪ :‬السيد مهدي الرجائي‪ ،‬مجمع الذخائر اإلسالمية‪،‬‬
‫قم‪1401 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--180‬الكاشاني‪ ،‬نفسه‪ ،‬المحجة البيضاء في تهذيب اإلحياء‪ ،‬تصحيح وتعليق‪ :‬علي أكبر الغفاري‪،‬‬
‫مركز النشر اإلسالمي التابع لجامعة المدرسين‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪.‬‬
‫‪--181‬كاشف الغطاء‪ ،‬الشيخ محمد حسين (ت‪1373 :‬هـ)‪ ،‬الفردوس األعلى‪ ،‬تحقيق‪ :‬السيد محمد‬
‫علي القاضي الطباطبائي‪ ،‬مكتبة فيروز آبادي‪ ،‬قم‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1402 ،‬هـ‪1982 /‬م‪.‬‬
‫‪--182‬كاشف الغطاء‪ ،‬نفسه‪ ،‬جنة المأوى‪ ،‬دار األضواء‪ ،‬بيروت ‪ -‬لبنان‪1988 ،‬م‪.‬‬
‫‪--183‬الكراجكي‪ ،‬أبي الفتح محمد بن علي (ت‪449 :‬هـ)‪ ،‬كنز الفوائد‪ ،‬مكتبة المصطفوي‪ ،‬قم‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية‪1369 ،‬هـ‪ .‬ش‪.‬‬
‫‪--184‬الكليني‪ ،‬محمد بن يعقوب (ت‪329 :‬هـ)‪ ،‬الكافي‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي أكبر الغفاري‪ ،‬دار الكتب‬
‫اإلسالمية‪ ،‬إيران‪1388 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--185‬اللنكرودي‪ ،‬محمد حسن المرتضوي (معاصر)‪ ،‬الدر النضيد في االجتهاد واالحتياط والتقليد‪،‬‬
‫مؤسسة األنصاريان‪ ،‬المطبعة العلمية‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪ ،‬الطبعة األولى‪1412 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--186‬مالك‪ ،‬اإلمام مالك بن أنس (ت‪179 :‬هـ)‪ ،‬المو ّطأ‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬دار إحياء‬
‫التراث العربي‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪1985 ،‬م‪.‬‬
‫‪--187‬المتقي الهندي‪ ،‬عالء الدين علي المتقي بن حسام الدين الهندي‪975 888-( ،‬هـ)‪ ،‬كنز العمال‬
‫في سنن األقوال واألفعال‪ ،‬تحقيق‪ :‬بكري ح ّياني وصفوة السقا‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‬
‫الخامسة‪1405،‬هـ‪1985 /‬م‪.‬‬
‫‪--188‬المتنبي‪ ،‬أحمد بن الحسين ( ت ‪354‬هـ)‪ ،‬ديوان أبي الطيب المتنبي‪ ،‬تصحيح وتحقيق‪:‬‬
‫عزام‪ ،‬دار الزهراء للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت ‪ -‬لبنان‪1978 ،‬م‪.‬‬ ‫عبد الوهاب ّ‬
‫‪335‬‬ ‫فهرس المصادر والمراجع‬
‫‪--189‬المجلسي‪ ،‬محمد باقر (ت‪1111 :‬هـ)‪ ،‬بحار األنوار‪ ،‬مؤسسة الوفاء ‪ -‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثانية‪،‬‬
‫‪1983‬م‪.‬‬
‫‪--190‬المجلسي‪ ،‬نفسه‪ ،‬مرآة العقول‪ ،‬دار الكتب اإلسالمية ‪ -‬طهران‪.‬‬
‫‪--191‬المجلسي‪ ،‬محمد تقي (ت‪1070 :‬هـ)‪ ،‬روضة المتقين في شرح من ال يحضره الفقيه‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫السيد حسين الموسوي الكرماني والشيخ علي بناه االشتهاردي‪ ،‬بنياد فرهنك إسالمي‪ ،‬إيران‪.‬‬
‫‪--192‬محسني‪ ،‬الشيخ آصف‪ ،‬األحاديث المعتبرة في جامع أحاديث الشيعة‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،‬قم ‪-‬‬
‫إيران‪1409 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--193‬المدني‪ ،‬السيد علي خان‪( ،‬ت‪1120 :‬هـ) رياض السالكين في شرح صحيفة سيد العابدين‪،‬‬
‫تحقيق السيد محسن الحسيني األميني‪ ،‬مؤسسة النشر اإلسالمي‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪ ،‬الطبعة الرابعة‪،‬‬
‫‪1415‬هـ‪.‬‬
‫‪--194‬مرتضى‪ ،‬جعفر‪ ،‬مختصر مفيد‪ ،‬المركز اإلسالمي للدراسات‪ ،‬الطبعة األولى‪1424 ،‬هـ‪2003 /‬م‪.‬‬
‫المزي‪ ،‬يوسف‪ ،‬تهذيب الكمال في أسماء الرجال‪ ،‬تحقيق‪ :‬الدكتور بشار عواد معروف‪ ،‬مؤسسة‬ ‫‪ّ --195‬‬
‫الرسالة‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة الرابعة‪1406 ،‬هـ‪1985 /‬م‪.‬‬
‫‪--196‬المصري‪ ،‬القاضي نعمان بن محمد بن منصور‪ ،‬دعائم اإلسالم‪ ،‬تحقيق‪ :‬آصف بن علي أصغر‬
‫فيضي‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬مصر‪1383 ،‬هـ‪1963 /‬م‪.‬‬
‫‪--197‬مطهري‪ ،‬الشهيد مرتضى‪ ،‬نظام حقوق المرأة في اإلسالم‪ ،‬دار الكتب اإلسالمية‪ ،‬ط‪ ،1‬قم‪-‬‬
‫إيران‪2005 ،‬مـ‪.‬‬
‫‪--198‬المعري‪ ،‬أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي (ت‪449 :‬هـ)‪ ،‬ديوان أبي العالء المعري‬
‫(اللزوميات)‪ ،‬قدم له‪ :‬بكري الشيخ أمين‪ ،‬وشاركه غريد الشيخ‪ ،‬منشورات األعلمي‬
‫للمطبوعات‪ ،‬بيروت ‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪1999 ،‬م‪.‬‬
‫‪--199‬مغنية‪ ،‬محمد جواد (ت‪1400 :‬هـ)‪ ،‬التفسير الكاشف‪ ،‬دار العلم للماليين‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‬
‫الرابعة‪1990 ،‬م‪.‬‬
‫‪--200‬مغنية‪ ،‬نفسه‪ ،‬في ظالل نهج البالغة‪ ،‬انتشارات كلمة الحق‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪ ،‬الطبعة األولى‪1427 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--201‬المفيد‪ ،‬الشيخ محمد بن النعمان العكبري البغدادي (ت‪413 :‬هـ)‪ ،‬أوائل المقاالت‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫الشيخ إبراهيم األنصاري‪ ،‬دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت ‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة الثانية‪،‬‬
‫‪1993‬م‪.‬‬
‫‪--202‬المفيد‪ ،‬نفسه‪ ،‬اإلرشاد في معرفة حجج الله على العباد‪ ،‬تحقيق‪ :‬مؤسسة آل البيت(ع) إلحياء‬
‫التراث‪ ،‬المؤتمر العالمي أللفية الشيخ المفيد‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪ ،‬الطبعة األولى‪1413 ،‬هـ‪1993 /‬م‪.‬‬
‫‪--203‬المفيد‪ ،‬نفسه‪ ،‬األمالي‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي أكبر الغفاري‪ ،‬جماعة المدرسين‪ ،‬قم ‪ -‬إيران‪.‬‬
‫‪--204‬المفيد‪ ،‬نفسه‪ ،‬االختصاص‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي أكبر الغفاري‪ -‬السيد محمود الزرندي‪ ،‬دار المفيد‬
‫للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت ‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة الثانية‪1414 ،‬هـ‪1993 /‬م‪.‬‬
‫‪--205‬المكي‪ ،‬أبي طالب المكي (ت ‪386 :‬هـ)‪ ،‬قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق‬
‫المريد إلى مقام التوحيد‪ ،‬تحقيق‪ :‬باسل عيون السود‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪1417 ،‬هـ‪1997 /‬م‪.‬‬
‫المرأة في النص الديني‬ ‫‪336‬‬
‫‪--206‬مكي‪ ،‬السيد علي حسين‪ ،‬بحوث في فقه الرجال‪ ،‬تقرير ًا لدروس سماحة آية الله السيد علي‬
‫الفاني‪ ،‬مؤسسة العروة الوثقى‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪1414 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--207‬المناوي‪ ،‬محمد عبد الرؤوف‪( ،‬ت‪1031 :‬هـ)‪ ،‬فيض القدير في شرح الجامع الصغير‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫أحمد عبد السالم‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪1415 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--208‬النسائي‪ ،‬أحمد بن شعيب (ت‪303 :‬هـ)‪ ،‬السنن‪ ،‬دار الفكر‪ -‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪1930 ،‬م‪.‬‬
‫‪--209‬النمازي‪ ،‬الشيخ علي الشاهرودي (ت‪1405 :‬هـ)‪ ،‬مستدركات علم الرجال‪ ،‬طهران‪ -‬إيران‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪1412 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--210‬النوري‪ ،‬الميرزا حسين (ت‪1320 :‬هـ)‪ ،‬مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل‪ ،‬مؤسسة آل البيت‬
‫إلحياء التراث‪ ،‬قم‪ ،‬الطبعة األولى‪1408 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--211‬النووي‪ ،‬محيي الدين بن شرف (ت‪676 :‬هـ)‪ ،‬شرح مسلم‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت لبنان‪،‬‬
‫‪1987‬م‪.‬‬
‫‪--212‬نيتشه‪ ،‬فريدريك‪ ،‬هكذا تك ّلم زرادشت‪ ،‬ترجمة‪ :‬علي مصباح‪ ،‬منشورات الجمل‪ ،‬بيروت لبنان‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪.‬‬
‫‪--213‬النيسابوري‪ ،‬مسلم بن الحجاج (ت‪261 :‬هـ)‪ ،‬صحيح مسلم‪ ،‬دار الفكر‪ -‬بيروت‪.‬‬
‫‪--214‬النيسابوري‪ ،‬محمد بن عبد الله الحاكم (ت‪405 :‬هـ)‪ ،‬المستدرك على الصحيحين‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫يوسف عبد الرحمن المرعشلي‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان ال‪.‬ط‪.‬‬
‫‪--215‬النيسابوري‪ ،‬محمد بن الفتّال (ت‪508 :‬هـ)‪ ،‬روضة الواعظين‪ ،‬منشورات الشريف الرضي‪ ،‬قم‪-‬‬
‫إيران‪.‬‬
‫‪--216‬الهمذاني‪ ،‬أحمد بن محمد (ت‪340 :‬هـ)‪ ،‬البلدان‪ ،‬تحقيق‪ :‬يوسف الهادي‪ ،‬عالم الكتب للطباعة‬
‫والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪1996 ،‬م‪.‬‬
‫‪--217‬الهيثمي‪ ،‬علي بن أبي بكر‪( ،‬ت‪807 :‬هـ)‪ ،‬مجمع الزوائد‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت‪1988 ،‬م‪.‬‬
‫‪--218‬الوائلي‪ ،‬الشيخ أحمد‪( ،‬ت‪1424 :‬هـ)‪ ،‬المرأة في اإلسالم (من محاضرات الشيخ أحمد‬
‫الوائلي)‪ ،‬إعداد‪ :‬مصطفى مرهون‪ ،‬شركة دار المصطفى إلحياء التراث‪ ،‬بيروت ‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪1431 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--219‬الواسطي‪ ،‬علي بن محمد الليثي (القرن السادس الهجري)‪ ،‬عيون الحكم والمواعظ‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫السيد حسين الحسني البيرجندي‪ ،‬دار الحديث ‪ -‬قم‪ ،‬الطبعة األولى‪1418 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--220‬الواقدي‪ ،‬محمد بن عمر بن واقد (ت‪207 :‬هـ)‪ ،‬المغازي‪ ،‬تحقيق‪ :‬الدكتور مرسدن جونس‪،‬‬
‫دانش إسالمي‪ ،‬إيران‪1405 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--221‬الواحدي‪ ،‬أبو الحسن النيسابوري (ت‪468 :‬هـ)‪ ،‬الوجيز في تفسير الكتاب العزيز المعروف‬
‫بتفسير الواحدي‪ ،‬تحقيق‪ :‬صفوان عدنان داوودي‪ ،‬دار القلم والدار الشامية‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫‪1415‬هـ‪.‬‬
‫‪--222‬وكيع‪ ،‬محمد بن خلف بن حيان (ت‪306 :‬هـ)‪ ،‬أخبار القضاة‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬بيروت ‪ -‬لبنان‪.‬‬
‫الحرة‪ ،‬موقع على األنترنت‪.‬‬
‫‪--223‬ويكيبيديا‪ /‬الموسوعة ّ‬

You might also like