Professional Documents
Culture Documents
المرأة في النص الديني PDF
المرأة في النص الديني PDF
الم�س�ؤوليات والأ�سئلة
وبالنظر إلى الواقع المأساوي المشار إليه للمرأة المسلمة ،وال سيما التي تعيش في
المجتمعات والدول اإلسالمية ،فإنّنا معنيون -وانطالق ًا من مسؤوليتنا الدين ّية وانتمائنا
الرسالي وواجبنا األخالقي -بالعمل الدؤوب والجاد والسعي الهادف إلى تغيير هذا
الواقع ،بما يؤدي إلى رفع مستوى المرأة ،لتأخذ مكانتها الالئقة في عمارة الحياة عمران ًا
مادي ًا ومعنوي ًا ،وتقوم بدورها التوأم مع الرجل في خالفة الله على األرض .وعندما أقول:
إن النساء يجب أن ينخرطن في هذه المهمة قبل إنّنا معنيون فلست أقصد الرجال فحسب ،بل ّ
أن الحقوق حقوقهن والمعاناة تقع عليهن قبل أن تقع على الرجال وعلى الرجال ،وال سيما ّ
المجتمع بر ّمته.
إن السؤال هو البداية الطبيعية لإلحساس بالمشكلة والدافع الرئيس للتفكير وحيث ّ
في إيجاد الحلول والعالجات لها ،كان من الطبيعي أن نبدأ بطرح األسئلة المتصلة بمعرفة
األسباب الكامنة وراء تردي حال المرأة المسلمة وتخ ّلفها.
فلماذا ال تزال تعيش على الهامش وفي ّ
ظل الرجل؟
يتم وأدها في كل يوم بأشكال شتى وأنواع مختلفة ومتعددة من الوأد((( الجسدي
ولماذا ّ
أو المعنوي؟!
أن بعض القضايا يتجذر االعتقاد بها في ((( نقول هذا الكالم ال على سبيل الجزم والكلية ،ألننا نالحظ ّ
الوسط الجماهيري العام وتصبح لها هالة وسطوة أكبر من حجمها العلمي والحقيقي ،بحيث إنّه ال ُيتق َبل
يتم تخوين صاحبه ورميه بالتخلف أو وصمه بالعنصرية أو ما إلى ذلك. فيها الرأي اآلخر بأريحية ،بل قد ّ
ٌ
((( الوأد هو دفن المرأة ح ّية ،وهذا فعل مورس في الجاهلية ،قال تعالى :ﵛﭐﱥ ﱦ ﱧ* ﱩ ﱪ
ﱫﵚ [التكوير .]9-8
المرأة في النص الديني 12
مجرد عورة ،ويجب سترها بما يوازي حبسها؟
ولماذا ال زلنا ننظر إليها باعتبارها ّ
يتم تعطيل هذه الطاقة اإلنسانية وتجهيلها؟!
ولماذا ّ
هل السبب يكمن في الذهن ّية الجاهل ّية التي ال تزال تحكم عقول الكثيرين من المسلمين
حتى لو كانوا من حملة الشهادات الجامع ّية ،أو من «رجال الدين» ،أم ّ
أن السبب كامن في
ّ
محل آخر؟!
ثم ما هو منشأ هذه الذهن ّية يا ترى؟ وهل هي عص ّية على اإلصالح والتغيير؟
ّ
وما هو دور الظروف االجتماعية والسياسية والثقافية في تشكيل الذهن ّية المشار إليها؟
صحة ما يقوله البعض من ّ
أن السبب في تردي وضع المرأة المسلمة والمجتمع وما ّ
اإلسالمي برمته يكمن في تعاليم الدين اإلسالمي؟!
إنّها أسئلة مشروعة ومطروحة ليس فقط في األروقة العلم ّية ،بل غدت تُطرح عالن ّية
على ألسنة الكثيرين من الشباب المسلم عبر وسائل اإلعالم أو التواصل االجتماعي .وليس
يحل المشكلة بل ألن ذلك ال ّ
وغض الطرف عنهاّ ، من المنطقي في شيء تجاهل هذه األسئلة ّ
متسرعة عليها ،فاألمر يحتاج إلى
ِّ يزيدها تفاقم ًا .واألسوأ من ذلك هو محاولة تقديم أجوبة
تحرص على عدم الوقوع تحت تأثير سطوة المشهور والفهم السائد، ُ دراسة متأنّية وجريئة،
وعدم الوقوع -أيض ًا -تحت تأثير التهويل اآلتي من الخارج.
((( سنذكر في بعض محاور هذا الكتاب جملة من الروايات المكذوبة على لسان الرسول(ص) وهي
ّ
وتحط من شأنها. تمتهن المرأة
السنّة.
ُّ أو الكتاب من والثابتة، الصحيحة النصوص بذلك ((( ونقصد
17 تمهيد
تدفعنا للقول :إنّه ليس من اإلنصاف في شيء تحميل الدين وزر هذا الواقع األليم الذي
تعاني منه المرأة ،أو رمي التهمة على عاتق النص الديني وإدخاله في عداد العوامل المسببة
إن المشكلة -في عمقها -هي في قارئ هذا النص ،والذي لم يشتغل لهذا التردي ،بل ّ
بما فيه الكفاية على غربلة التراث المشار إليه غربل ًة دقيقة تميز صحيحه من سقيمه ،وتسبر
أن قارئ النص قد تحكّمت فيه ذهن ّية وتتعرف على ثابته ومتغيره .والسر في ذلك ّ
ّ أغواره
خاصة متش ِّبعة بخلف ّية تاريخية مستندة إلى جملة من العادات البالية والتقاليد المتحجرة،
والتي أضفى عليها البعض -وألسباب شتى -طابع ًا ديني ًا مقدس ًا ،وهذا ما جعلنا أمام قراءة
ومشوهة للكثير من النصوص ،ونتج عنها تقديم «رؤية دينية» متزمتة حول المرأة ّ مجتزأة
ودورها في الحياة.
شك يمتلك أن النص الديني ليس لغز ًا وال أحجية عص ّية على الفهم ،ولكنّه دون ّ
صحيح ّ
إن لم يجتهد في ولوج أعماق ًا ودالالت مختلفة ومقاصد كل ّية وأبعاد ًا متنوعة .وقارئ النص ْ
هذه األعماق ،ويعمل على استهداء تلك المقاصد ويبذل قصارى جهده للتمييز بين تلك
األبعاد ،ليعرف ما هو ديني منها وما هو عادي( ،أي داخل في نطاق العادات والتقاليد)،
متحرك ومتغ ّير ،إنّه وبدون ذلك سوف يحمل ّ وليتحرى ما هو ثابت من مضامين النص وما هو
مشوهة عن الدين هي أقرب إلى ذهن ّية قارئ النص منها إلى الحقيقة الدينية.أو يختزن صورة ّ
أن مهمة تربية األسرة لم تعد أمر ًا بسيط ًا في عالمنا المعاصر وما
المجاالت األخرى؟ على ّ
يكتنفه من تطورات وتعقيدات ،بل تحتاج -باإلضافة إلى المؤهالت الخاصة -إلى إعداد
ظل ثقافة تدعو إلى حبس واف وتأهيل مناسب وتدريب مالئم ،األمر الذي لن يتحقق في ِّ ٍ
أن على المصلح الديني حق التعليم ودخول الجامعات ..وأعتقد ّ المرأة وحرمانها من ِّ
واالجتماعي وكل من يسعى إلى تغيير واقع المرأة إلى األحسن ،أن يأخذ هذا اإلرث الثقيل
المرة ،وهذا سوف يمكّنه من اختيار األسلوب بعين االعتبار ،وأن ال يقفز على هذه الحقيقة ّ
المالئم لتغيير هذا الواقع.
وعلينا أن نأخذ بعين االعتبار أيض ًا ّ
أن النزعة الذكور ّية المشار إليها قد تالقت مع نزعة
أنثو ّية مقابلة ،دفعت المرأة إلى لعب دور الضعيف في حاالت االشتباك بينها وبين الرجل.
((( كالذي كتبه الشهيد مرتضى المطهري في الجانب الفكري ،وكذلك ما كتبه السيد محمد حسين فضل
الله في النطاق الفقهي والفكري وما كتبه الشيخ محمد مهدي شمس الدين في الجانب الفقهي ،وما
كتبه آخرون أيض ًا.
23 تمهيد
مفر لهذه األمة من ركوبها لتعبر بها إلى آفاق المستقبل بأمان ،في ظل
هي سفينة النجاة التي ال ّ
عمق الفجوة بين الفقه اإلسالمي وواقع الحياة المعاصرة. جمود فقهي كبير ّ
لقد كنت أمنّي النفس بدراسة تلك النصوص المنسوبة ألمير المؤمنين بشأن المرأة
التعرف على حقيقة موقف اإلمام علي من المرأة ،وقد وفق الله تعالىدراسة وافية ،بغية ّ
لتحقيق هذه األمنية ،فكان هذا الكتاب الذي درسنا فيه النصوص المروية عن اإلمام علي
بشأن المرأة وأضفنا إلى ذلك النصوص المروية عن النبي األكرم(ص) في المجال عينه حتى
جل النصوص ضم بين دفتيه ّ
غدا أقرب ما يكون إلى العمل الموسوعي في بابه ،بحيث ّ
المروية عن النبي(ص) وعن أمير المؤمنين بشأن المرأة.
وإذا فاتتنا بعض النصوص وزاغ عنها البصر ،ولم يتسن لنا متابعتها بالبحث والدرس،
فهذا أمر طبيعي ،فلسنا محصنين ضد السهو والغفلة ،والعصمة ألهلها ،لكني أعتقد ّ
أن ما
س ُيذكر في ثنايا هذا الكتاب يقدّ م معالم رؤية منهج ّية تصلح للبناء عليها في محاكمة سائر
النصوص .وحسبنا أنّنا أثرنا هذه القضية ور ّبما خطونا خطوة إضافية في هذا الطريق.
والله من وراء القصد.
حسين أحمد الخشن
27رمضان 1436هـ
المحور الأول
((( كراهية النساء (الميسوجينية) :موقف عنصري ضد جنس النساء ،يدفع باتجاه اضطهاده ّن وممارسة
التمييز ضده ّن.
المرأة في النص الديني 28
لها مبرر ًا ،فهي -في واقع األمر -تم ّثل نوع ًا من اإلرهاب الفكري المعيق للدراسة
الموضوعية لألحداث والظواهر ،هذه الدراسة التي تعدُّ شرط ًا ضروري ًا لتقدم المجتمعات
وتطورها ،هذا التطور الذي نعتقد أنه َمدي ٌن لتالقح األفكار وتنوعها ،ومما يؤسف له ّ
أن
الكثيرين يستخدمون أساليب التشنيع والتهويل على الغير ألهداف غير نظيفة وال عالقة لها
بالعلم ،من قبيل الشعار التهويلي الذي يستغله الصهاينة ويشهرونه في وجه كل من يعارض
سياستهم التوسع ّية العدوان ّية ،عنيت به شعار معاداة السام ّية ،واألسلوب عينه يستخدمه
البعض في الفضاء الديني عندما يعمدون إلى التشهير باآلخرين ويرفعون في وجههم سالح
التكفير والتضليل والتفسيق والتبديع.
ولهذا ،فإنّنا نعتقد أنّه َلخطأ فادح أن نقع -في دراسة هذه المسألة وأمثالها -
ضحايا الخطاب التهويلي الذي يتهمنا باإلساءة إلى المرأة ومصادرة دورها وحقوقها،
أو يرمينا بالتخ ّلف والرجع ّية ،ما يدفعنا إلى تغيير مواقفنا ،وتبديل أفكارنا مسايرة لهذا
الخطاب وتماهي ًا معه وانسجام ًا مع األفكار السائدة والمستوردة التي يفرضها علينا
اآلخر القوي الذي ينطلق في خطابه وأفكاره من رؤية فلسف ّية ليس في قاموسها شيء
اسمه «عالم الغيب» أو «يوم المعاد» ،كما أنّه يعتمد على مرجع ّية تشريع ّية ال تأخذ الدين
-كثير ًا -بعين االعتبار .ومن هنا ،كان من الطبيعي أن يدعو إلى إعطاء المرأة الحر ّية
الكاملة لتفعل ما تريد وتمارس ما يحلو لها ،وأن يدعو إلى المساواة بين الرجل والمرأة
في كل شيء .وهذه العناوين أو المبادئ ،وإن كنا قد نوافق على مجملها ،ونعتقد ّ
أن
مساحة اللقاء كبيرة بينها وبين فكرنا اإلسالمي األصيل ،بيد أننا نختلف معها في بعض
الجوانب ،ونختلف -وهذا هو األهم -مع األساس الفلسفي الذي تنطلق منه .كما أنّنا
فإن حري ًة مطلقة ودون ضوابط أو قيود ال نوافق ال نقبل بالتفسير الغربي لمفهوم الحريةّ ،
على إعطائها للرجل ،ومن الطبيعي أن ال نوافق على إعطائها للمرأة أيض ًا .كما أنّنا ننطلق
أن حريتنا هي في طول في تصورنا حول مفهوم الحرية من قاعدة التوحيد التي تعني ّ
عبوديتنا لله تعالى.
أن البعض من أبناء أمتنا قد انهزموا نفسي ًا وروحي ًا أمام الهالة أو السطوة التي
وال يخفى ّ
فرضتها الحضارة الماد ّية وما حققته من إنجازات على أكثر من صعيد ،حتى فقدوا الثقة
ال عليهم ،وأنّه لن يتسنى لهذه بأن تراثهم وتاريخهم يم ّثالن عبئ ًا ثقي ً
بذاتهم وبدينهم ،وشعروا ّ
29 المحور األول :في المنهج :ضوابط ومعايير
األمة النهوض من كبوتها وتخبطها إال بعد قيامها بقطيعة تامة((( مع تراثها .ولكننا إذ نرفض
هذه الفكرة ،ونعتقد أنّها تع ّبر عن روح انهزام ّية ،فإننا في الوقت نفسه نؤكّد على ّ
أن من الخطأ
-أيض ًا -أن نتعامل مع تراثنا بقداسة مطلقة وكل ّية ،دون التمييز بين ثوابته ومتغيراته ،بين
مبادئه ووسائله.
وعند هذا األمر األخير ،أعني الخلط بين الوسائل والمبادئ ،وبين الثابت والمتغ ّير،
أن الكثير من األفكار والرؤى السائدة في مجتمعاتنا اإلسالمية حول المرأة، فإنّي أؤكد على ّ
وهكذا الكثير من أشكال وأساليب التعامل معها تدخل في دائرة العادات والتقاليد ،وليست
هي من الدين وقيمه ومبادئه في شيء ،وما أكثر العادات التي ألبسناها لبوس الدين! وما أكثر
الوسائل المتغ ّيرة التي منحناها سمة المبادئ الثابتة!
--2نقد ال�سند
والضابط الثاني الذي يفترض أن نتحاكم إليه قبل تكوين رؤية متكاملة حول موقف
اإلمام علي من المرأة وتحميله تبعات هذا الرؤية هو ضرورة التو ّثق من انتساب تلك
المرويات إليه .فالنصوص المنسوبة إلى علي بشأن المرأة سواء أكانت مروية في
«نهج البالغة» أو غيره من المصادر ،ال بدّ أن تخضع لمعايير البحث العلمي التي تخضع لها
سائر النصوص الروائية .وأمانة البحث العلمي تفرض علينا القيام بعملية ٍ
نقد لهذه النصوص ّ
أن غالبية هذه النصوص ضعيفة السند. على صعيدي السند والمتن مع ًا ،وسنكتشف فيما يأتي ّ
ونحن في الوقت الذي نرفض فيه بشكل جازم وحاسم ما يزعمه البعض((( ،من ّ
أن
خطب علي وكلماته ورسائله ووصاياه ومواعظه المذكورة في «نهج البالغة» ،هي
بأجمعها أو معظمها نصوص منحولة أو موضوعة عليه من قبل الشريف الرضي (جامع
وقد فنّد جمع من األعالم هذه الدعوى :انظر :أعيان الشيعة ،ج 1ص ،540وذكر األستاذ أحمد زكي (((
صفوت وجوه ًا ستة للشك في نهج البالغة وفنّدها جميع ًا بأسلوب علمي رصين ،انظر كتابه :ترجمة
علي بن أبي طالب ،طبعة مطبعة دار العلوم ،مصر1932 ،م.
فضل بعضهم شعره على المتنبي ،انظر :أعيان الشيعة ،ج 9ص .217 حتى ّ (((
كما يصرح الشريف الرضي نفسه ،انظر :نهج البالغة ،ج 1ص .11 (((
وهذا ما أجمع عليه كتاب سيرته ومترجمو حياته ،انظر على سبيل المثال :أعيان الشيعة ،ج 9ص 217 (((
وما بعدها.
31 المحور األول :في المنهج :ضوابط ومعايير
أن كل ما في «النهج» هو صادر قطع ًا عن اإلمام، أن ذلك ال يعني -بحالّ - ّإل ّ
بحيث نجعله في مرتبة ما فوق النقد السندي ،واالستدالل بنصوصه قبل التأكد من صحة
السند أو الوثوق بالصدور ولو من طريق آخر .فروايات «النهج» تخضع لما تخضع له سائر
الروايات من ضرورة التدقيق في أسانيدها ،ومالحظة مضمونها ولغتها ومدى انسجامها مع
ْ
تستوحش من المناقشة لغة صاحب النهج وهو اإلمام علي سيد الفصحاء والبلغاء((( .وال
السند ّية في األحاديث ،بما في ذلك أحاديث «نهج البالغة»((( ،فهذا ليس بدعة في القول أو
ومؤس ٌس
َ إن األخذ بهذا المعيار معروف لدى مشهور علماء المسلمين ض ّلة في الفكر ،بل ّ
بتعرض على قواعد علم ّية متينة تفرض ذلك وتحتّم المصير إليه .إنّه وفي ّ
ظل معرفتنا اليقين ّية ّ
مفر من اعتماد هذا الضابط العقالئي ،سعي ًا إلى تراثنا إلى العبث وامتداد يد الوضع إليه ،فال ّ
غربلة هذا التراث قدر المستطاع وتمييز غ ّثه من سمينه وصحيحه من ضعيفه.
ولكن تجدر اإلشارة إلى نقطة مهمة في المقام ،وهي أنّه إذا وجدنا سبي ً
ال إلى قراءة هذه
النصوص قراءة تاريخ ّية ،فال ضرورة تحتّم علينا ر ّدها وطرحها .وأقصد بالقراءة التاريخية
وضع هذه الروايات في سياق المرحلة الزمن ّية التي صدرت فيها ،مع ما يكتنف تلك المرحلة
من ظروف اجتماعية وعادات خاصة وضعت المرأة في ح ّيز معين .ولذا ،فإنّي ال أجد
نفسي تطاوعني على االكتفاء بالمناقشة السندية وحدها إن وجدت متسع ًا للقراءة التاريخية،
وسيأتي الحديث عن هذا األمر في الضابط السادس اآلتي.
((( انظر :ما ذكره السيد علي الفاني رحمه الله في كتابه بحوث في فقه الرجال ،ص ،113حيث خلص إلى
ما يقرب مما ذكرناه.
أن الكثير من الفقهاء يحاذرون التصريح بضعف الخبر الوارد في نهج ((( في الوقت الذي الحظنا ّ
ِ ْ
فإن البعض اآلخر لم ُيخف رأيه في المسألة ،كالسيد الخوئي ،والذي يقول بشكل صريح: البالغةّ ،
«إن االعتماد على نهج البالغة واالستدالل به إلثبات حكم من األحكام الشرع ّية مشكل جدّ ًا» .انظر:ّ
موسوعة السيد الخوئي الفقهية ،الزكاة ج 24ص .192وقد ر ّد بعض الروايات مع كونها واردة في نهج
البالغة ،انظر :الموسوعة المذكورة ج 11ص ،102وقد يصرح بسبب الر ّد وهو اإلرسال ،انظر :مصباح
صحح عهد األشتر المروي في «النهج» ال الفقاهة ،ج 35ص ،561أجل نجده في بعض الموارد قد ّ
لصحة سنده ،بل اعتماد ًا على قوة مضمونه ما يبعث على الوثوق بصدوره عنه ،قال« :والعهد وإن
أن آثار الصدق منه الئحة ،كما ال يخفى للناظر إليه» ،انظر :مصباح الفقاهة( ،ضمن ال إال ّ
نقل مرس ً
أن للعهد سند ًا صحيح ًا كما ذكرنا في محل موسوعة السيد الخوئي) ج 35ص .416ولكن الصحيح ّ
آخر ،بصرف النظر عن المعيار الذي ذكره السيد رحمه الله ،وإن كان معيار ًا صحيح ًا في نفسه ،كما أنّ
للكثير من روايات النهج أسانيد مذكورة في مصادر الحديث.
المرأة في النص الديني 32
إن إخضاع « نهج البالغة» لمعيار التدقيق السندي لن يبقي منه شيئ ًا ولن وربما يقالّ :
تسلم رواية من رواياته؛ ألنّها بأجمعها -وطبق ًا لهذا المعيار -مراسيل((( وال تمتلك أسانيد
أن «الشريف الرضي» من أصلها لينظر فيها أو يبحث عن مدى وثاقة رجالها .ومر ّد ذلك إلى ّ
رحمه الله قد ارتأى حذف أسانيد كتابه -ربما -روم ًا لالختصار ،أو لوثوقه بصدورها عن
علي ،أو اتكاالً على وجودها في مصادر الحديث والتاريخ.
والجواب :إنّه وببركة الجهود التحقيق ّية التي بذلها بعض المحققين (السيد عبد الزهراء
تم إثبات وجود أسانيد أو مصادر أخرى ،لمعظم روايات «النهج» ،أكان ذلك الحسيني) ،فقد ّ
في مصادر الحديث األخرى ،أو في الكتب التاريخ ّية أو غيرها .وهو األمر الذي أخرج الكثير
أن الكثير من الروايات المبثوثة في «النهج» يمكن منها عن حدّ اإلرسال إلى اإلسناد .على ّ
ألن لعلي بصم ًة
الوثوق بصدورها عنه ،ال لوجودها في مصادر أخرى فحسب ،بل ّ
شك ّ
أن هذه بيان ّية خاصة تجعل كالمه متميز ًا عن كالم اآلخرين وال يشتبه بكالم غيره ،وال ّ
البصمة متوفرة في الكثير من نصوص «النهج»(((.
((( الخبر المرسل هو الذي يرويه عن المعصوم من لم يدركه أو لم يسمعه منه ،سواء رواه بدون واسطة
أو بوجود سقط في سلسلة السند واحد ًا كان أو أكثر ،انظر :نهاية الدراية ،للسيد حسن الصدر (ت:
1351هـ) ص ،189تحقيق :ماجد الغرباوي ،نشر المشعر ،ط ،1قم -إيران.
مفصال عن هذا المعيار وإمكانية االعتماد عليه ومحاذير ذلك في كتاب أصول االجتهاد ً ((( تكلمنا
الكالمي ،ص 366وما بعدها.
((( قاعدة التسامح في أدلة السنن هي قاعدة مشهورة وفحواها :أنّه ال حاجة لألسانيد الصحيحة في أخبار
وعممها بعضهم إلى ما هو أوسع من ذلك، السنن (المستحبات) وألحق بها بعضهم المكروهاتّ ،
األمر الذي كان له تداعيات غير محمودة في العديد من المجاالت كما أوضحنا ذلك في كتاب أصول
االجتهاد الكالمي ،ص 342وما بعدها.
33 المحور األول :في المنهج :ضوابط ومعايير
في نصوص «النهج» -قد يرى البعض فيه -أيض ًا -عذر ًا للشريف الرضي نفسه في حذفه
(((
أن غرض الشريف الرضي ألسانيد خطب «النهج» ورسائله وكلماته القصار ،على أساس ّ
ليهتم بذكر األسانيد ويعتني بها.
َّ لم يكن متجه ًا إلى تأليف كتاب ُم َعدٍّ لذكر روايات األحكام
أن غرض الشريف الرضي لم يكن متجه ًا إلى تأليف كتاب معدٍّ لذكر أقول :صحيح ّ
روايات األحكام ،وإنّما هدف في كتابه إلى جم ِع قدر كبير من نصوص علي ذات الطابع
البالغي المميز الذي يظهر تفوق علي وفرادته في هذا المجال ،لكن هذا ال يعني أبد ًا ّ
أن
«نهج البالغة» ال ربط له باألحكام الشرعية ،وبالتالي ليستنتج من ذلك أنّه ال داعي للتشدد
السندي في رواياته ،فهذا الكالم مرفوض لعدة اعتبارات ،أهمها:
ّ --1
إن الكثير من نصوص «النهج» تتضمن مفاهيم عقد ّية ،وهذه ال ُيكتفى في إثباتها باالعتماد
ال عن األخبار المرسلة أو الضعيفة، على أخبار اآلحاد حتى لو كانت صحيحة السند ،فض ً
أن الكثير من النصوص العقد ّية التي وال مجال للتسامح في أسانيدها؛ هذا مع العلم ّ
اشتمل عليها «النهج» ،تشتمل على مضامين عالية ومنسجمة مع البراهين العقلية ،ويمكن
الوثوق واالطمئنان بصدورها عن باب مدينة علم الرسول(ص) بهذا االعتبار.
إن الكثير منها يتضمن مفاهيم إسالمية عامة متصلة بالحياة واإلنسان ،ومن ذلك ما نحن ّ --2
فيه ،أعني النصوص المتصلة بالنظرة إلى المرأة ودورها في الحياة ..وهذه المفاهيم ال
تمت في نفسها -فإنّها مجال -أيض ًا -للتسامح في أدلتها؛ ّ
ألن قاعدة التسامح -لو ّ
واردة في مجال المستحبات ،وربما ألحق بها المكروهات ،وأما تعميمها إلى المفاهيم
إن هذا التساهل في أدلة المفاهيم اإلسالمية العامة ساهم في فال وجه له إطالق ًا ،بل ّ
إن المفاهيمتقديم صورة مشوهة عن اإلسالم وموقفه ورؤيته في كثير من القضاياّ .
القوة ،دور المرأة وموقعها في الحياة وسواهااإلسالمية من قبيل :الزهد ،الحرية ،العزةّ ،
يتم إثباتها وبلورة الموقف اإلسالمي منها استناد ًا إلى أخبار
من المفاهيم ،ال يمكن أن ّ
أن أمثال هذه المفاهيم تعكس صورة اإلسالم العامة ضعيفة السند أو مراسيل ،وال سيما ّ
ويتفاعل معها الناس ،ولها تأثير بالغ في نفوسهم أكثر مما تعكسه بعض األحكام الشرعية
الجزئ ّية والتفصيلية التي يرفض الفقهاء التسامح في أدلتها.
((( قال السيد األمين رحمه الله« :ولم يكن قصده -أي الشريف الرضي -من جمعه أن تؤخذ منه األحكام
ومسائل الحالل والحرام ليذكرأسانيده ،وإنّما قصد جمع مختارات كال ٍم له ٌ
حظ في الفصاحة والبالغة
والمضامين العالية لينتفع قراؤه بذلك» ،انظر :أعيان الشيعة ،ج 1ص.540
المرأة في النص الديني 34
إن دعوى ندرة النّصوص التشريع ّية في «نهج البالغة» هي دعوى غير صحيحة ،وال ّ --3
ٍ
يفوه بها َم ْن لديه إلمام كاف بنصوص «النهج» أو َسبر أغواره .فالنصوص التي يستفاد
منها في المجال التشريعي بشكل أو بآخر هي نصوص وفيرة جد ًا في «النهج» ،سواء
ما يتصل منها باألصول والقواعد الفقهية أو ما يتصل بمقاصد التشريع وفلسفته ،أو
ما له ربط باألحكام التشريع ّية المتعارفة كالصالة والصوم والحج والزكاة .ولعل أهم
ما يشتمل عليه «النهج» على الصعيد التشريعي ،هو النصوص التي تس ّلط الضوء على
قضايا السلطة وأسس اإلدارة السياسية والقضائية والمالية ،وضوابط عمل المسؤولين
أن هذا األمر بحاجة إلى دراسة مستقلةوالموظفين في الدولة اإلسالمية؛ وإنّي أعتقد ّ
تعمل على استالل النصوص ذات البعد التشريعي في «نهج البالغة» وتبويبها وتنظيمها
ووضعها أمام الباحثين والمهتمين.
أن قاعدة «التسامح في أدلة السنن» هي قاعدة غير تامة في --4هذا كله بصرف النظر عن ّ
نفسها حتى في مجال السنن والمستحبات ،كما برهن على ذلك جمع من العلماء
المحققين((( .وأ ّما الروايات التي استدل بها لقاعدة التسامح والتي عرفت بروايات «من
بلغ»((( ،فال يستفاد منها سوى حسن االنقياد لله ،وأنّه تعالى عند حسن ظن عبده به ،وال
يخ ّيب ظنه ورجاءه.
أن قاعدة التسامح في أدلة ((( يقول السيد الخوئي (رحمه الله) بعد تعرضه لروايات القاعدة« :فتحصل ّ
السنن مما ال أساس لها» ،انظر مصباح األصول ،ج 2ص .320
ِ ِ
ثواب م َن الله على عمل ،ف َعم َل «م ْن َب َل َغ ُه
ٌ نص الحديث ،فعن أبي جعفرَ : ((( والتسمية مأخوذة من ّ
ُ
ذلك العمل التماس ذلك الثواب أوتيه وإن لم يكن الحديث كما بلغه» ،الكافي ،ج 2ص.87
((( روى هذا الحديث علماء الفريقين ،ففي مسند أحمد بإسناده إلى أبي سعيد قال :قال رسول الله صلى=
35 المحور األول :في المنهج :ضوابط ومعايير
أن القرآن الكريم يقدّ م صورة عن المرأة ومكانتها وحقوقها ّ
أقل ما وسيأتينا الحق ًاّ ،
يمكن أن يقال في وصفها بأنّها صورة متوازنة ،وهذه الصورة هي األساس في بناء تصورنا
اإلسالمي .ومن وحي هذه الصورة القرآنية وفي هديها ،علينا أن نتعامل مع كل التراث
الخبري المروي عن رسول الله(ص) أو عن أمير المؤمنين أو غيره من األئمة بشأن
المرأة ،كما في غير ذلك من المجاالت .فكل هذا التراث ال بدّ من عرضه على كتاب الله
تعالى ،فما وافق الكتاب وكان منسجم ًا مع مفاهيمه أخذنا به ،وما لم يوافقه وكان فيه ما يشي
الحط من كرامتها فهو مرفوض ،وال يمكننا أن نثق بصدوره ّ بذ ّم جنس المرأة أو تحقيرها أو
شراح القرآن
عن النبي(ص) أو عن أمير المؤمنين أو سائر األئمة من أهل البيت .فهم ّ
أجل وأسمى من أن يتك ّلموا أو يتحدثوا بما يخالف مفاهيمه وتعاليمه ،كما ومفسروه ،وهم ّ
أكدت على ذلك العديد من كلماتهم ومواقفهم ،وجرى عليه عملهم وسار عليه نهجهم ،ففي
«إن على ّ
كل َح ٍّق حقيقة وعلى الحديث عن أبي عبد الله :قال :قال رسول الله(ص)ّ :
صواب نور ًا ،فما وافق كتاب الله فخذوه ،وما خالف كتاب الله فدعوه» .
((( ٍ كلّ
وسوف نذكر في ثنايا الصفحات اآلتية بعض الروايات المنسوبة إلى رسول الله(ص)
أو إلى أمير المؤمنين والتي تتنافى مع نص الكتاب أو مع روحه ومفاهيمه.
النص القرآني حول المرأة يشكّل مرجع ّية أساس ّية ال يستغنى عنها في بناء
أن ّ والحقيقة ّ
السنة في معظمها هي -فيما أرجح- تصور إسالمي حقوقي إزاء قضايا المرأةّ ،
فإن نصوص ُّ
نصوص تزخر بالبعد التاريخي الخاضع للزمان والمكان ،وهذا ما سوف نتناوله بالحديث
في النقطة السادسة اآلتية.
= الله عليه وآله وسلم« :إنّي تارك فيكم الثقلين :أحدهما أكبر من اآلخر كتاب الله حبل ممدود من
السماء إلى األرض ،وعترتي أهل بيتي وإنّهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض» ،مسند أحمد ،ج3
ص ،14والحظ كنز العمال ،ج 1ص ،172والحظ كتاب الكافي ،ج 2ص.415
((( وسائل الشيعة ،ج 27ص ،109الحديث 10الباب 9من أبواب صفات القاضي.
المرأة في النص الديني 36
خص المرأة ،ثم وبعد تنظيمها وتبويبها ،يصار إلى توثيقها النصوص المروية عنه فيما ّ
وفحص أسانيدها ،ثم يصار إلى إجراء موازنة بينها ،بغية الخروج بتقييم عام لها ،ومن َث َّم
استخالص النتائج المستفادة منها.
وال يكفي في هذا المجال الرجوع إلى النصوص المنطوقة أو المكتوبة من الكلمات
والخطب والوصايا المروية عنه ،بل من الضروري أن نأخذ في الحسبان أيض ًا سيرته العمل ّية
وتعاطيه أو تعامله اليومي مع المرأة .فحضور المرأة في حياة علي سواء كان ذلك داخل
إن هذا كله ال بدّ أن يشكّل بيته وأسرته أو خارج ذلك ،ومشاركتها في مسيرته ومعاركهّ ،
يصح بحال من ّ مستند ًا أساسي ًا في تكوين صورة متكاملة عن موقفه من النساء ،وال
األحوال تكوين هذه الصورة بطريقة مجتزئة ،وذلك باالستناد إلى بعض النصوص والروايات
أو بعض المواقف واألحداث مع إغفال البق ّية ،فالنظرة التجزيئية ال تسمح بتكوين صورة
صحيحة وواقعية عن نظرة علي إلى المرأة ،وموقفه منها ،بل إنّها ستجعلنا أمام صورة
مشوهة وغير دقيقة.
ويجدر بنا تفعيل العمل بهذا المعيار ،واألخذ به في التعاطي مع كل تراثنا الروائي،
وال سيما الذي يراد االستناد إليه في بناء المفاهيم والتصورات واألحكام .وهذا يفرض علينا
بكل النصوص والخصوصيات المتصلة بالموضوع المبحوث عنه ،وكل ما يضيء نلم ِّ
أن ّ
التصور وأخذ الفكرة باالستناد إلى ذلك.
ّ يتم بناء
ثم ّعلى القضية من جميع جوانبها ،ومن ّ
وهذا المعيار ليس خاص ًا بقراءة النص الديني ،بل هو معيار عام يعتمده كافة العقالء
التعرف على آراء الحكماء واألدباء ،وغيرهم من الشخصيات ّ ويسيرون على ضوئه في
إن العقالء وفي الموارد التي تصدر فيها عن أحد الشخصيات السياسية وذوي الرأي بينهمّ .
أو األدبية أو الفلسفية كلمات عديدة ومواقف شتى ،فهم يجمعون كل الكلمات ذات الصلة،
ويتحرون عن جميع المواقف واألفعال ،ويدرسون الظروف التي صدرت فيها األقوال، ّ
والمالبسات المحيطة بتلك األفعال .وبعد ذلك ،يصار إلى تكوين صورة كاملة واستخالص
رأي نهائي عن موقف تلك الشخص ّية .وال ينحصر أخذهم بهذا المعيار في التعرف على
آراء األفراد ومواقفهم ،بل وكذا الجماعات واألمم والشعوب الغابرةّ .
فإن المنهج المعتمد
فيتم تحشيد
في دراسة أحوالهم وأوضاعهم وعاداتهم ومعتقداتهم يعتمد المعيار المذكورّ ،
القرائن والشواهد الكتب ّية أو الشفو ّية أو األثرية أو الطب ّية (علم التشريح) أو غيرها لتكوين
الصورة المطلوبة.
37 المحور األول :في المنهج :ضوابط ومعايير
--6الن�ص الديني بين المرحل ّية والدائم ّية
والضابط المنهجي السادس الذي ال بدّ من مالحظته ووضعه في الحسبان عند دراسة
ال أو بعض ًا -بصدد الحديثالنصوص المذكورة واستنطاقها ،هو مالحظة ما إذا كانت -ك ً
يختص بزمان دون آخر ،أو بيئة دون أخرى ،ما يسمح ّ عن جنس المرأة وطبيعتها مما ال
في مثل ذلك بإصدار حكم عابر لألزمنة ،وصادر -على حدّ تعبير األصوليين -على نهج
القض ّية الحقيقية ،أو أنّها بصدد إعطاء حكم ظرفي وصادر على نهج القضية الخارجية؛
وبكالم آخر :هل تلك النصوص ناظرة إلى جنس المرأة على نحو العموم والشمول ،أو
إلى واقع المرأة في زمانه وما أحاط بها من ظروف جعلتها على هامش الحياة الثقاف ّية
واألدب ّية والسياس ّية والعلم ّية؟
عما ينبغي أن يكون؟ وبكلمة ثالثة :هل ّ
إن اإلمام يتحدث عما هو كائن أو ّ
إن حمل النصوص الدين ّية على المرحل ّية أو التاريخانية -مع أنّه ليس غريب ًا عن ّ
يتحول إلى منحى مستساغ في الوسط ّ الفكر األصولي وله جذوره في كلمات الفقهاء -لم
الحوزوي ،بحيث ُيتل ّقى بالقبول ،بل ال يزال اتجاه ًا خجوالً ويؤخذ به على استحياء ،ألنّه
ينافي ما استقر في األذهان من أصالة ثبات الشريعة.
إن حمل كالم النبي(ص) أو اإلمام على النظر إلى واقع المرأة في زمانه قد تقولّ :
أن ثمة فارق ًا جوهري ًا بين كلمات المعصوم يجعل كالمه ككالم غيره من الحكماء ،مع ّ
وكلمات الحكماء ،فالحكماء وإن كانوا قد يستشرفون المستقبل ،لكنهم يق ّيمون األمور
بحسب اجتهاداتهم وتجاربهم ويتأثرون بمحيطهم وظروفهم التاريخية ،ولذا فقد تأتي
اجتهاداتهم وتحليالتهم مصيبة وقد تكون خاطئة ،بينما المعصومون مسددون وال يصدرون
ض للخطأ ،فالمعصوم متصل بوحي السماء ولو بطريقة غير مباشرة، معر ٍ
عن تحليل واجتهاد َّ
كما أنّه ملهم ومسدد ،وما يطرحه ليس آرا ًء شخصية أو اجتهادات استحسان ّية يمكن أن يتب ّين
خطؤها بمرور الزمان.
أن المعصوم ال يجتهد فيخطئّ ،إل ونقول في الجواب على ذلك :إننا نعترف ون ّقر ّ
أن ذلك ال يلغي أن يكون في بعض األحيان بصدد تقييم الواقع الخارجي كما قلنا ،فيكون ّ
حكمه وتقييمه صادر ًا على نهج القضية الخارجية ال الحقيقية ،هذا من جهة ،ومن جهة أخرى
المرأة في النص الديني 38
فإن ثمة وجه ًا مقبوالً يرى إمكانية حمل كالم النبي(ص) أو اإلمام في بعض المجاالت
ّ
على الخبروية دون الوقوع بمحذور االلتزام بخطأ المعصوم.(((
وسوف يوافيك -فيما يأتي من محاور الكتاب -اشتمال النصوص المرو ّية عن اإلمام
محط نظره إلى واقع المرأة في ظروفها َّ علي على العديد من القرائن التي تشهد ّ
بأن
ووضعيتها التاريخية ،وليس إلى بيان القاعدة المطردة والعابرة للزمان والمكان ،وال بأس أن
نشير هنا إلى بعض هذه القرائن:
لهنّ ،»..
فإن هذا التعبير ) أ قوله في بعض النصوص اآلتية« :فإنّا وجدناهن ال ورع ّ
يشي أنّه كان يتحدث عن حصيلة تجربته مع النساء .ومعلو ٌم ّ
أن التقييم المنطلق
يظل محكوم ًا بسقف الواقع االجتماعي وقدرته على تربية من الخبرة االجتماعية ُّ
المرأة والنهوض بوضعها ،وهو ليس بالضرورة أن يعكس حال المرأة في كل عصر
ومصر ،فض ً
ال عن أن يع ّبر ذلك عن طبيعة متأصلة في المرأة.
) بوفي خطبة الجهاد المعروفة نجده يؤنّب أصحابه مش ّبه ًا عقولهم بعقول النساء،
مستخدم ًا تعبير ًا ذا داللة فيقول« :يا أشباه الرجال وال رجال ،حلوم األطفال ،وعقول
ربات الحجال»((( ،وربات الحجال ه ّن النساء ،كما ال يخفى ،والحجال جمع حجلة،
وهي بيت العروس ،وهي ُق َّب ٌة تُز ّين بالستور والثياب للعروس .ومن المعلوم ّ
أن عالقة
النساء بالحجال وارتباطهن بها ،تتصل بالتنشئة والواقع االجتماعي الذي أحاط بهن
وجعل ذلك وكأنه مفروض عليه ّن ،فه ّن لم ُي ْخ َل ْق َن ليك ّن ربات حجال فحسب ،وإن
دور الشراكة مع
إن للمرأة َ كان ذلك بعض شؤونه ّن ولديهن ميل ونزوع إليه .بل ّ
الرجل في خالفة الله على األرض بكل ما للخالفة من متطلبات .وال يخفى ّ
أن المرأة
همها منحصر ًا بالزينة ،فمن
التي تُر ّبى لتكون من ربات الحجال ،وتُعدُّ وتُه ّيأ ليكون ُّ
يظل نظير عقل األطفال كما وصفها اإلمام. الطبيعي أن ال ينمى عقلها الثقافي ،بل ُّ
أن المتأمل في كلماته سيظفر بالكثير من القرائن المشابهة والتي تشهد وال شك ّ
لما قلناه .وسيأتي الحق ًا اإلشارة إلى هذه القرائن.
((( بحثنا هذا األمر في دروسنا حول أبعاد الشخص ّية النبوية والمعصومة ،ويمكن مراجعة ذلك أيض ًا في
كتابنا :الشريعة تواكب الحياة ،ص 102وما بعدها.
((( نهج البالغة ،ج 1ص ،70والكافي ،ج 5ص ،6وانظر :معاني األخبار ،للصدوق ص ،310والغارات،
للثقفي ج 2ص ،477واإلرشاد ،للمفيد ج 1ص .279
39 المحور األول :في المنهج :ضوابط ومعايير
--7ت�أويل الن�ص وفق قواعد اللغة
والضابط السابع الذي يجدر بنا التذكير به ،والتنبيه على أهم ّية رعايته في المقام ،هو
ضرورة اعتماد الظاهر كمبدأ ال محيص عنه في عملية قراءة النصوص واستنطاقها؛ فإن كان
الظاهر مما يمكن األخذ به ،وال يصادم حقيقة عقلية أو علم ّية فيتع ّين األخذ به وال موجب
ٍ
لر ّده أو تأويله ،وإال فلو كان مضمونه مصادم ًا لحقيقة مما ذكر فال ّ
مفر من ر ّده ،وال موجب
ال لألخذ به وال لتأويله.
ونحن نؤكد -هنا -على اعتماد هذا الضابط ،وذلك في مقابل ما قد يقوله لنا البعض
ال -من أنّه ليس من المستحسن اإلقدام على ر ّد النصوص -وربما أقدم على ممارسته فع ً
المرو ّية عن المعصومين ،ومنها النصوص الواردة عن اإلمام علي في شأن المرأة
والتي قد يصعب التصديق بها واألخذ بظواهرها .بل األولى واألجدى -بنظر هذا البعض -
هو اللجوء إلى تأويلها وحملها على خالف الظاهر الذي تراءى لنا.
الخ َب ِر َّية((( ،لعدة أسباب:
ولكننا نتح ّفظ على هذا المنهج في التعامل مع النصوص َ
إن في التأويل خروج ًا عن قواعد قراءة النص ،والتي تعتمد الظهور أساس ًا في أوالًّ :
عمل ّية التفهيم والتفاهم؛ وهو -أقصد التأويل -يم ِّثل في واقع األمر نوع ًا من أنواع الر ِّد
بلي عنقه للنص ،إذ ال فرق بين ر ّد النص ورفضه من أصله ،أو ر ّد المعنى المتبادر منه ،وذلك ّ
وصرفه عن ظاهره.
إن اإلفراط في التأويل وال سيما في نصوص اإلمام علي المعروفة بسحرها ثاني ًاّ :
الس َم ُة التي نعهدها ونلمسها ونتذوقها في
البياني الخاص قد يفقدها قيمتها البالغية ،وهي ِّ
ويتحمله
ّ معظم خطبه وكلماته ورسائله ووصاياه ،ولهذا فأي «تأويل» يراعي قواعد اللغة
ال مرفوض ًا.
وإل كان تأوي ًوعاؤها ويحافظ على بالغة الكالم فهو مقبولّ ،
إن التغاضي والتسامح مع التأويل الذي ال تحتمله قواعد اللغة حتى لو كان ثالث ًاّ :
الدافع إليه حسن ًا قد ّ
جرا إلى ما ال تحمد عقباه ،من العبث في النصوص الدين ّية والتالعب في
موجب لر ّد شيء من األخبار حتى لو
ٌ تفسيرها والتك ّلف في تأويلها ،األمر الذي ال يبقى معه
((( أ ّما النصوص القرآنية فإن كان ظاهرها مصادم ًا مع حقيقة علمية أو عقلية ،فال ّ
مفر من التزام التأويل
فيها ،للقطع بصدورها فال مجال لر ّدها ،والواقع أنّه ال وجود لنصوص قرآنية مصادمة لحقائق العلم
وقطعيات حكم العقل.
المرأة في النص الديني 40
ثمة مبرر أو موجب للتأويل كانت كاذبة ،ناهيك عن غيرها من األخبار التي قد ال يكون ّ
(((
فيها .وهذا األمر فتح الباب على مصراعيه أمام تسلل ذوي النزعات المغالية ،واألغراض
الخاصة للدخول في اإلسالم متسترين ببعض العناوين والقشور البالية التي سمح لهم بها
مبدأ التأويل غير المنضبط بأية ضوابط ،وهكذا اتخذت الباطن ّية من التأويل سالح ًا ناعم ًا
لهدم اإلسالم ،والتم ّلص من شرائعه وعزائمه.
هذا لو أريد من التأويل معناه المصطلح وهو حمل اللفظ على خالف ظاهره
والمنساق منه عرف ًا ،وأ ّما لو أريد من التأويل معنى االجتهاد في فهم النص ومحاولة
قراءته بطريقة جديدة مغايرة للسائد ،مع عدم الخروج عن ضوابط قراءة النص التي
ألن فهم المتقدمين ليس حجة علينا ،واليحتملها وعاء اللغة ،فال محذور في األمر؛ ّ
َّ
ولعل ما تقدّ مت اإلشارة إليه يلزمنا الجمود أو التق ّيد بما قدّ موه من قراءات للنص،
أن النصوص الواردة حول المرأة ربما كانت صادرة على نهج القض ّية الخارج ّية من ّ
وليس على نهج القض ّية الحقيق ّية هو إحدى القراءات التأويلية المستجدة((( والتي ال
ضير فيها.
وبكلمة أخرى :إنّنا ال نقصد باعتماد مبدأ األخذ بالظاهر الدعوة إلى التعامل مع
النصوص على أساس حرفي ،والجمود على ظاهر األلفاظ دون العمل على استجالء
والتعرف على دالالته المتنوعة التي يحتملها الوعاء
ّ مضامين النص والنفوذ إلى أعماقه،
اللغوي وال تصادم المبدأ المذكور .وهكذا ،فال نقصد من المبدأ المذكور الجمود على
فإن السلف قدموا قراءتهم وفهمهم الخاص بحسب اجتهاداتهم ،وهذا ال فهم السلفّ ،
يشكّل حجة على األجيال الالحقة .وإنّما نقصد بذلك استنطاق النص طبق ًا ألساليب
القراءة التي يحتملها وعاء اللغة بمرونته ،بما يجعل النص مرآة لصاحبه وليس لقارئه،
أن القراءة من المفترض أن توصلنا إلى أفكار صاحب النص وليس إلى رؤية ذاتنا بمعنى ّ
وأفكارنا التي نقحمها على النص.
((( وقد عرف عن فقيه العراق في زمانه محمد بن شجاع الثلجي أنه اعتمد التأويل حتى في األخبار
الصريحة في الجبر والتشبيه إلى حدّ التعسف والخروج عن حدود االستعمال ،وقد اعترض الشيخ
الطوسي على هذا المنهج بأنّه «لو ساغ ذلك لم يكن لنا طريق نقطع على كذب ٍ
أحد وذلك باطل»،
انظر :عدة األصول ،ج 1ص .94
((( المستجد في هذه القراءة هو تفعيل األخذ بها ،أ ّما القراءة ذاتها فلها جذور ممتدة في الفكر الديني.
41 المحور األول :في المنهج :ضوابط ومعايير
تطور اللغة وحرك ّية استعماالتها
وفي هذا السياق اللغوي ،علينا أن نأخذ في الحسبان ّ
فرب مصطلح أو تعبير كان في الزمن الغابر ُيستخدم بشكل اعتيادي دون أن واصطالحاتهاّ .
يثير حساسية أو يختزن معنًى سلبي ًا ،لك ّن ّ
تطور حركة االجتماع البشري وتأثيرها البالغ على
اللغة تجعل هذا اللفظ مهجور ًا ،ويختزن إيحاءات ذات داللة سلب ّية .وهذا ما جرى -فيما
مما ورد في بعض األحاديث اآلتية ،وهو حديث« :النساء نرجح -مع مصطلح العورة مثالًّ ، ّ
فإن لفظ العورة لم يكن -على األرجح -ليختزن معنًى سلبي ًا كالذي يتبادر إلى عورة»ّ .
يدل أو يوحي بنقطة ضعف معينة يمكن لآلخرين أن ينفذوا الذهن العام اليوم ،وإنّما كان ُّ
أو يتسللوا منها وينالوا مرادهم ،كما جاء ذلك في وصف البيوت مما نقله القرآن الكريم عن
لسان بعض المتخاذلين عن نصرة النبي(ص) في معركة األحزاب ،حيث قالوا :ﵛﭐﲫ ﲬ
فإن مقصود هؤالء من كون بيوتهم عورة أنّها مكشوفة للعدو فيمكنه استغاللها. ﲭﵚ(((ّ .
وسيأتي توضيح هذا األمر في محور الحق.
واألمر عينه جرى مع مصطلحات وتعبيرات أخرى ،ومنها قولهم« :فالنة كانت تحت
فالن» في إشارة كنائ ّية إلى أنّها زوجته ،وهو ما ورد في الذكر الحكيم في قوله تعالى في شأن
امرأتي نوح ولوط :ﭐﵛﭐﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎﵚ((( .فقد يتوهم البعض ّ
أن
التعبير بالتحت ّية مسيء للمرأة ،مع ّ
أن األمر ليس كذلك ،كما سنب ّين في المحور الثاني ،فقرة
«المرأة في القرآن».
((( بحثنا هذه الرواية في موردين :األول :كتاب إليك يا ابنتي ،ص ،37والثاني :في مبحث الستر من دروس
ال في محور الحق من محاور هذا الكتاب. بحثنا الفقهي ،والرواية صحيحة ،وسيأتي بحثها مفص ً
((( نسبه إلى رسول الله(ص) الغزالي في إحياء علوم الدين ،ج 4ص ،105ورواه ابن الجوزي في
الموضوعات ،ج 2ص .267
ّ
((( ولهذا السبب فقد ناقش بعض الفقهاء في الروايات الذامة لألكراد أو الخوز أو غيرهم ،انظر حول هذه
األخبار :الكافي ،ج 5ص ،158وعلل الشرائع ،ج 2ص.527
43 المحور األول :في المنهج :ضوابط ومعايير
--9المعطيات الواقع ّية ودورها في قراءة الن�صو�ص
وثمة ضابط آخر ال بدّ من مراعاته وأخذه بعين االعتبار ليس فيما نحن فيه فحسب ،بل
وفي دراسة سائر النصوص الدينية ذات الصلة بالجانب التكويني أيض ًا ،وهو ضرورة عرضها
على الحقائق العلم ّية والمعطيات الواقعية اليقينيةّ .
فإن ما جاء في القرآن الكريم أو جاءت به
الرسل ،ومنهم النبي األكرم(ص) ،وكذا ما يصدر عن األئمة - باعتقاد الشيعة اإلمامية-
ال يمكن أن يكون معارض ًا للحقائق العلم ّية والوقائع الحس ّية والوجدانية .والوجه في ذلك
واضح وجلي ،فالوحي هو كالم الله تعالى ،والكون بسننه وقوانينه هو خلق الله تعالى ،فال
ُيعقل حصول التنافي بين قوله وفعله ،أو بين وحيه التكويني ووحيه التدويني .األمر الذي
يفرض في صورة حصول ما ظاهره المنافاة ،إ ّما تأويل النص الديني إذا كان قطعي الصدور،
كالقرآن الكريم ،وإ ّما ر ّده إذا كان ظني الصدور كاألخبار ،وإذا ساعدت القرائن فيمكن حمله
على بعض المحامل ،ومنها كونه صادر ًا على نهج القضية الخارجية.
وعندما نتحدّ ث عن مرجعية الحقائق العلم ّية في محاكمة النصوص ،فال بدّ أن نؤكّد
التسرع في إطالق األحكام بمخالفة األحاديث ّ التروي في هذا المجال ،وعدم
على ضرورة ّ
أن المعطى العلمي ال يعدو أن يكون مجرد رأي علمي لم يرق إلى درجة للحقائق العلمية ،مع ّ
الحقيقة .والذي يفرض علينا التروي في هذا المجال هو حرك ّية العلم وتطور االكتشافات
العلم ّية التي نعهدها باستمرار ،حيث تفاجئنا األخبار العلم ّية كل يوم بما هو جديد.
وباإلضافة إلى الحقائق العلم ّية ،فقد يكون من الضروري أن يؤخذ بنظر االعتبار
الواقع وتجاربه المثمرة ومعطياته الموثوقة ،فهذا الواقع حتى لو لم يشكّل ضابط ًا يصلح لر ّد
النصوص ،فإنّه -على األقل -يعدُّ مؤشر ًا يساعد على فهمها وتحديد أبعادها.
أن عقل المرأة أنقص من عقل الرجل ،وثبت على سبيل المثال :إذا جاء في النص الديني ّ
أن المرأة -على مستوى الظاهرة لدينا من خالل التجارب الواقعية والمعطيات الملموسة ّ
العامة وليس األفراد -فيما لو أتيحت لها فرصة التع ّلم والدراسة وتنمية قدراتها العقل ّية فإنّها
تقل عن الرجال في التفكير أو التحليل ،بل ربما فاقت الرجل في بعض األحيان ،فهذا لن ّ
سيكون مدعاة للتوقف إزاء النص المذكور ،واالبتعاد عن التعامل معه على أساس أنّه بصدد
عندئذ أن يصار إلى حمله -لو صح ٍ بيان القاعدة العامة العابرة للزمان والمكان ،بل يتع ّين
-على النظر إلى خصوص المرحلة التاريخية التي صدر فيها ،وهي مرحلة ُعرف عنها أنّها
أبعدت المرأة عن أي نشاط عقلي أو فكري ،ما جعل عقل الرجل متقدم ًا على عقلها.
المرأة في النص الديني 44
أن «الوفاء من المرأة محال»(((ّ ،
فإن أقل ما يقال مثال آخر :عندما يرد في بعض األخبار ّ
فإن المعطيات الملموسة لمعظم الناس بشأن هذه الرواية إنّها مخالفة للواقع والوجدانّ ،
تُبرهن وتُدلل بشكل ال لبس فيه على ّ
أن النساء الوف ّيات في حياتهن الزوجية أو في حياتهن
وأن المرأة ال تختلف عن الرجل في مسألةاالجتماعية أو المهن ّية هن أكثر من أن يحصينّ ،
الوفاء أو الخيانة ،ولنا عودة تفصيلية إلى نقد هذا الحديث.
هذه أهم المعايير والضوابط المنهج ّية التي أردنا التنبيه عليها والتذكير بها ،في مستهل
دراستنا هذه التي نرمي من خاللها إلى وضع التراث المروي عن اإلمام علي في شأن
ثم محاكمته على ضوئها. المرأة على طاولة النقد العلمي ،ومن ّ
((( والمرجعية الدينية لإلمام علي ثابتة من خالل األدلة والبراهين المختلفة وعلى رأسها النصوص
والسنة ،وقد أشبع علماء الكالم هذه القضية بحث ًا وتحقيق ًا ،وال نجافي الحقيقة في
الواردة في القرآن ّ
محل إجماع المدارس اإلسالمية كافة. إن هذه المرجعية في مستوى معين هي ّ القولّ :
((( نهج البالغة ،ج 1ص .236
((( المصدر نفسه ،ج 1ص .155
المرأة في النص الديني 48
ول َع ًمى َقدْ َس َّمى آ َث َارك ُْم ،و َعلِ َم َأ ْع َما َلك ُْم َع َبث ًا و َل ْم َيت ُْر ْكك ُْم ُسدً ى ،و َل ْم َيدَ ْعك ُْم فِي َج َها َل ٍة َ
ِ آجا َلك ُْمَ ،
َاب ﭐﵛﱢ ﱣ ﱤﵚ(((»(((. وأ ْنز ََل َع َل ْيك ُُم ا ْلكت َ َب َ و َكت َ
ت َاب ال َّل ِه َب ْي َن َأ ْظ ُه ِرك ُْم نَاطِ ٌق َل َي ْع َيا لِ َسا ُن ُهَ ،و َب ْي ٌ ِ
ويقول في كالم آخر ُيروى عنه« :وكت ُ
ون بِ ِهَ ،و َينْطِ ُق ون بِ ِه َوت َْس َم ُع َون بِ ِهَ ،و َتنْطِ ُق َ َاب ال َّل ِه ُت ْب ِص ُر َ ِ ِ
َل ت ُْهدَ ُم َأ ْركَا ُن ُهَ ،وع ٌّز َل ت ُْه َز ُم َأ ْع َوا ُن ُه .كت ُ
احبِ ِه َع ِن ال َّل ِه»(((. ف بِص ِ ِ ِ
ف في ال َّلهَ ،و َل ُيخَ ال ُ َ
ض ،و َل يخْ تَلِ ُ ِ
ضَ ،و َي ْش َهدُ َب ْع ُض ُه َع َلى َب ْع ٍ َ َ َب ْع ُض ُه بِ َب ْع ٍ
وهكذا ال يمكن لعلي أن يخالف سنة النبي(ص) طرفة عين أبد ًا أو أن يغفل عنها،
ال بها ،كيف وهو أقرب الناس إلى رسول الله(ص) وأشدّ هم علقة به ،وأكثرهم أو يكون جاه ً
مالزمة له .وهذا أمر يعرفه القاصي والداني ،ويعترف به القريب والبعيد ،واسمع إليه وهو
يحدّ ثنا عن العالقة التي كانت تربطه بالرسول محمد(ص) حيث يقول بحسب ما روي
يص ِة، ِ ِ ِ ِ
ول ال َّله(ص) ،بِا ْل َق َرا َبة ا ْل َق ِري َبة وا ْل َمن ِْز َلة ا ْلخَ ص َ عنه« :و َقدْ َعلِمتُم م ْو ِض ِعي ِم ْن رس ِ
َ ُ ْ ْ َ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
وأنَا َو َلدٌ َي ُض ُّمني إِ َلى َصدْ ِره ،و َي ْكنُ ُفني في ف َراشه و ُيم ُّسني َج َسدَ ه ،و ُيش ُّمني ِ َو َض َعنِي فِي ِح ْج ِره َ
ول َخ ْط َل ًة فِي فِ ْع ٍل ،و َل َقدْ وما َو َجدَ لِي ك َْذ َب ًة فِي َق ْو ٍل َ ِ ِ
الش ْي َء ُث َّم ُي ْلق ُمنيهَ ، َان َي ْم َضغُ َّ َع ْر َفه ،وك َ
َارمِ، ك بِه َط ِر َيق ا ْل َمك ِ ِ ِ ِ ٍ
َان َفطيم ًا َأ ْع َظ َم َم َلك م ْن َم َلئكَتهَ ،ي ْس ُل ُ ِ ِ
َق َر َن ال َّله بِه(ص) ،م ْن َلدُ ْن َأ ْن ك َ
يل َأ َث َر ُأ ِّمهَ ،ي ْر َف ُع لِي فِي ك ُِّل اع ا ْل َف ِص ِْت َأ َّتبِ ُعه ا ِّت َب َ
ومح ِ
اس َن َأ ْخ َل ِق ا ْل َعا َل ِم َل ْي َله ون ََه َاره ،و َل َقدْ ُكن ُ َ َ
ح َر َاءَ ،ف َأ َراه َ اور فِي ك ُِّل سن ٍَة بِ ِ يو ٍم ِمن َأ ْخ َل ِقه ع َلم ًا ،وي ْأمرنِي بِ ِال ْقتِدَ ِ
ول َ َان ُي َج ِ ُ اء بِه ،و َل َقدْ ك َ َ ُُ َ َْ ْ
يج َة وأنَاَ وخدِ ِ ِ ٍ ِ
ت َواحدٌ َي ْو َمئذ في ا ِ ِ َي َراه َغ ْي ِري ،و َل ْم َي ْج َم ْع َب ْي ٌ
إل ْس َلمَِ ،غ ْي َر َر ُسول ال َّله(ص) َ َ
الشي َط ِ ِ يح النُّ ُب َّو ِة ،و َل َقدْ َس ِم ْع ُ والر َسا َل ِة َ ِ
ين َنز ََل ان ح َ ت َر َّن َة َّ ْ وأ ُش ُّم ِر َ ُور ا ْل َو ْح ِي ِّ َثال ُث ُه َماَ ،أ َرى ن َ
ان َقدْ َأيِ َس ِم ْن ِع َبا َدتِه، الش ْي َط ُ
الر َّن ُة؟ َف َق َالَ :ه َذا َّ ِ
ول ال َّله َما َهذه َّ تَ :يا َر ُس َ ا ْل َو ْح ُي َع َل ْيه(ص)َ ،ف ُق ْل ُ
َّك َل َع َلى َخ ْي ٍر»(((. َّك َل َو ِز ٌير ،وإِن َ ت بِنَبِ ٍّي و َلكِن َ َّك َل ْس ََّك ت َْس َم ُع َما َأ ْس َم ُع وت ََرى َما َأ َرى ،إِ َّل َأن َ إِن َ
ولهذا فقد كانت سنّة رسول الله(ص) هي الوصية التي أراد اإلمام لألمة أن تتمسك بها
من بعده ،فقد روي عنه« :أما وصيتي :فالله ال تشركوا به شيئ ًا .ومحمد صلى الله عليه وآله
فال تض ّيعوا سنته ،أقيموا هذين العمودين ،وأوقدوا هذين المصباحين ،وخالكم ذم»(((.
وهذا المقدار من البيان الك ّلي الموجز -على أهميته -ال يكفي ،بل ال ّ
مفر لنا من أن
أهم الخطوط العامة للصورة اإلسالمية إزاء المرأة ودورها في الحياة،نس ّلط الضوء على ّ
وهذا ما نوضحه في الفقرات التالية:
--1المر�أة في القر�آن
إن الباحث الموضوعي في النصوص الدينية المتصلة بالمرأة لن يعجزه اكتشاف أنّه مع ّ
تم التأسيس لمرحلة جديدة من الفكر الديني المتصل بالمرأة ،فنصوص القرآن الكريم قد ّ
القرآن وتعاليمه -وبصرف النظر عن مدى التزام المسلمين بفحواها -قد طوت صفحات
ٍ
وممتد تحكمه الخرافة في النظرة إلى المرأة ويسوده االمتهان مظلمة ومريرة من تاريخ طويل
إن القرآن الكريم قد قدّ م صورة في التعامل معها .وفي الحد األدنى فإنّنا نستطيع القولّ :
متوازنة عن المرأة ،ليس فيها أي تحقير أو ذم لها أو امتهان لكرامتها أو انتقاص من إنسانيتها.
وفيما يلي نعرض بشكل موجز لبعض معالم هذه الصورة القرآنية:
المرأة في النص الديني 50
�أو ًال :المر�أة في ميزان الحقوق والقيم والم�س�ؤوليات
ال نبالغ بالقولّ :
إن الرؤية القرآنية حول المرأة قد شكّلت نقلة نوع ّية على الصعيد
الفكري والقيمي والحقوقي ،وإليك تفصيل ذلك:
مع ًا النفسية والجسدية والروح ّية تظهر عليه ،قال تعالى :ﵛﭐﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫﵚ(((،
وقال تعالى في تتمة اآلية األولى المتقدمة من سورة النساء :ﵛﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ
ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑﵚ((( ،فتأمل في قوله ﵛﭐﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑﵚ فإنّه صريح في
أن لكل من الزوج والزوجة دور ًا أساسي ًا في تكوين الطفل((( .وفي ضوء هذا المبدأ يتضح:
ّ
أوالًّ :
أن بقاء اإلنسان مرهون ببقاء الذكر واألنثى ،وليس ببقاء الذكر فحسب ،وعليه،
فأي تالعب بهذه المعادلة بما يؤدي إلى استيالد الذكور فحسب كما يحلو لبعض الناس،
سوف يؤثر على هذا التوازن ويهدد بقاء النسل واستمراره ،فيكون من أبرز مصاديق العدوان
واإلفساد في األرض.
ثاني ًا :أن البقاء المعنوي ألفراد اإلنسان ليس مرهون ًا بوالدة ذكر لهم ،فاألب كما
األم يبقيان ويستمران معنوي ًا بوالدة األنثى كما يبقيان ويستمران بوالدة الذكرّ ،
ألن الذكر
ُ
القرآن الكريم واألنثى يحمالن النفس اإلنسانية عينها وال يختلفان في الهو ّية ،وقد ندّ د
أن اإلنسان الذي ال يولد له سوى اإلناث هو إنسان أبتر ،قال بالذهن ّية الجاهلية التي ترى ّ
تعالى :ﵛﭐﱶ ﱷ ﱸ* ﱺ ﱻ ﱼ* ﱾ ﱿ ﲀ ﲁﵚ((( .فرسول
يعش له سوى اإلناث ،ولم يستمر له نسل إال من خالل الصديقة الله(ص) ومع أنّه لم ْ
امتن الله عليه في هذه اآليات بأنّه قد أعطاه الكوثر،
الطاهرة فاطمة الزهراء ،فقد ّ
ال من هذا النسل الذي امتد من خالل ابنته أي الخير الكثير ،وأي خير أعظم برك ًة وفض ً
السيدة الزهراء!
4 -4التساوي في التكريم
وإذا كان النوع البشري بما يحمله من مؤهالت وكماالت هو المؤهل والمعدّ لخالفة
الله على األرض ،فمن الطبيعي أن يشمله التكريم اإللهي بهويته النوع ّية دون تمييز بين الذكر
واألنثى ،فإنسان ّية اإلنسان هي موضع التقدير واالحترام ،وليس للخصوصيته الذكور ّية أو
األنثوية دخل في ذلك ،قال تعالى :ﵛﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ
تنص اآلية -هو لبني آدمﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎﵚ((( ،فالتكريم -كما ّ
أن رزق الطيبات كذلك ،واألمر عينه يجري في التفضيل جميع ًا ،ذكور ًا كانوا أم إناث ًا ،كما ّ
كثير من المخلوقات ،فهو تفضيل للجنس البشري برمته. على ٍ
راجع حول هذا الرأي :تفسير مجمع البيان ،ج 1ص .147 (((
سورة فاطر ،اآلية .39 (((
سورة األحزاب ،اآلية .72 (((
سورة البقرة ،اآلية .30 (((
سورة اإلسراء ،اآلية .70 (((
53 المحور الثاني :المرأة بين مدرسة اإلسالم والمدارس األخرى
والمعنو ّية ،كما تشاطره األهل ّية والقدرة على تم ّثل القيم األخالق ّية والسلوك ّية ،قال ّ
عز وجل
في اإلشارة إلى هذه الحقيقة :ﵛﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ
ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ
ﲡﲢﲣﲤﲥﲦﲧﲨﲩ
إن هذه اآلية ومن خالل ما تضمنته من تعاقب عطف ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯﵚ(((ّ .
أن خصال وصفات النساء على الرجال في األوصاف المذكورة فيها ،تريد التأكيد على ّ
اإلسالم واإليمان والقنوت والصدق والصبر والتصدّ ق والصوم وحفظ الفروج وذكر الله
يختص به الرجال دون النساء ،بل هي قيم وخصال يمكن أن يتصف بها ّ تعالى ليست مما
الرجال والنساء على حدّ سواء .ومآل ذلك إلى تساويهما على مستوى القيمة األخالقية،
فالذكر ليس أفضل من األنثى ،فهما من جنس واحد ،وأحدهما من اآلخر ،ﵛﭐﱏ ﱐ
ﱑﵚ((( .ويمتلكان المؤهالت نفسها ،فال يكون هو أفضل منها وال تكون هي أفضل منه،
نص عليه قوله تعالى :ﭐﵛﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ إال بمقدار ما يلتزم أحدهما مبدأ التقوى ،كما ّ
ﱬ ﱭ ﱮ ﱯﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵﵚ(((.
يوجد في موضوع «والية األب» على البنت عدة أقوال لدى الفقهاء :منها :إن أمر تزويجها يعود إليه (((
حصر ًا .ومنها :أنه يتع ّين عليه مع كونه ولي ًاعلى تزويجها أن يأخذ رأيها وال يحق له أن ّ
يزوجها بمن ال
ترضى به .ومنها :أنّه ال والية له على زواجها وإنما األمر إليها كما إذا كانت بالغة رشيدة ،فكما ال والية
له على البالغ الرشيد من أبنائه كذلك ال والية على البالغة الرشيدة من بناته .وإن كان يجدر بها أن تأخذ
رأي والدها بعين االعتبار .وهذا القول هو األرجح واألقوى في نظرنا.
سورة النساء ،اآلية .32 (((
سورة النساء ،اآلية .7 (((
سورة النساء ،اآلية .19 (((
سورة النساء ،اآليتان .21-20 (((
57 المحور الثاني :المرأة بين مدرسة اإلسالم والمدارس األخرى
تعالى :ﵛﭐﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌﵚ((( .وهذه اآلية المباركة تؤسس لقاعدة تشريع ّية عامة في
المجال الحقوقي ،وال يرفع اليد عنها إال بدليل خاص يدل على االستثناء هنا أو هناك.
أسماءهن ِ
وذك َْر ُه َّن ومواقفهن:
1 -1زوجة فرعون عاشقة الله
ومن أبرز هذه األسماء الالمعة التي يطالعنا بها القرآن الكريم :زوجة فرعون ،آسيا بنت
مزاحم((( ،قال تعالى متحدِّ ث ًا عن هذه المرأة الجليلة :ﵛﭐﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ
ﲮﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳﵚ(((.
ما أعظم هذه المرأة وما أرقى إيمانها! فبالرغم من أنّها كانت تعيش في برج عاجي وقصر
عظيم ،حيث المال والجاه والرفاه ّية ،وحيث الخدم والراحة والرياش ،لك ّن ذلك كله لم ُي ْغ ِرها ولم
يستهوها ،فلم تسقط إرادتها ولم َي ِه ْن عز ُمها ،ولم َت ْع ِن لها دنيا فرعون وقصوره شيئ ًا ،بل كانت ُ
روحها
مع ّلق ًة بالمحل األعلى ،وكانت نفسها تح ّلق مع الله تعالى ،ولهذا تط ّلعت إليه تعالى طالب ًة منه أن
ال من القصور ،وأن ينجيها من فرعون الطاغية وأعماله القبيحة، يبني لها بيت ًا عنده((( في الجنة بد ً
ال أعلى يقدِّ ُمه القرآن الكريم ليس لخصوص النساء المؤمنات وهذا ما ّأهلها لتكون قدوة صالحة ومث ً
فحسب ،بل وللمؤمنين جميع ًا ذكور ًا وإناث ًا .إنّها -بحق -مثل أعلى في التضحية وصالبة اإليمان(((،
صخرة عظيمة .فلما قرب أجلها ﵛﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫﵚ ،فرفعها الله تعالى إلى الجنة، =
فهي فيها تأكل وتشرب ..وقيل :إنّها أبصرت بيت ًا في الجنة من درة ،وانتزع الله روحها ،فألقيت الصخرة
على جسدها ،وليس فيه روح ،فلم تجد ألم ًا من عذاب فرعون .وقيل :إنّها كانت تعذب بالشمس ،وإذا
انصرفوا عنها أظلتها المالئكة ،وجعلت ترى بيتها في الجنة» ،انظر :مجمع البيان ،ج 10ص.64
سورة التحريم ،اآلية .12 (((
قال تعالى :ﵛﭐﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇﳈ ﵚ [آل عمران .]37 (((
سورة آل عمران ،اآلية .37 (((
سورة آل عمران ،اآلية .38 (((
سورة آل عمران ،اآلية .39 (((
59 المحور الثاني :المرأة بين مدرسة اإلسالم والمدارس األخرى
عن «مريم في القرآن» يحتاج إلى كتاب مستقل ،يب ّين سيرة حياتها ومعاناتها ،ومآثرها
ومقاماتها الروح ّية والمعنو ّية ،فقد نزلت العديد من اآليات القرآنية التي تستعرض قصتها
أهم محطات حياتها .ومن مظاهر أو عالمات االهتمام القرآني بالسيدة مريم وتتناول ّ
أن هناك سورة كاملة في القرآن الكريم تحمل اسمها. ّ
ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷﲸ ﲹ
ﲺ ﲻ ﲼ ﲽﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄﵚ(((.
ﲖﲗ*ﲙﲚﲛﲜﲞﲟﲠﲡﲢﲣ*ﲥﲦﲧﲨ
ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ
ﲽﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄﵚ(((.
نساء طالحات
والنساء فيهن الطالحات ،كما فيهن الصالحات ،وفيهن الكافرات كما فيه ّن المؤمنات،
حاله ّن في ذلك حال الرجال ،فهذه طبيعة اإلنسان ،فر ّبما اختار الطاعة واإليمان ور ّبما اختار
أن القرآن الكريم كما حدثنا عن بعض الصالحات المؤمنات الكفر والعصيان ،ولهذا نجد ّ
فخ الشيطان ،وانحرفن العاقالت ،فإنّه أيض ًا قد حدّ ثنا عن بعض النسوة اللواتي سقطن في ّ
والخ ُل ِق األبي.
وابتعدن عن الفطرة السليمة ُ
وعلى رأس هؤالء تأتي زوجتا نوح ولوط ،فإذا كانت زوجة فرعون قد شكّلت مثاالً
أعلى للتقى واإليمان ،مع أنّها كانت تعيش في بيت الطغيان واالنحراف والكفر وفي ٍ
قصر من
فإن زوجتي نوح ولوط كانتا على العكس منها قصور الملوك ،فلم يؤ ِّثر ذلك على إرادتهاّ ،
تمام ًا ،فمع كونهما تعيشان مع نبيين جليلين من أنبياء الله تعالى وفي كنفهما ،فإنّهما اختارتا
الكفر على اإليمان والضالل على الهدى والنار على الجنة ،فلم ينفعهما قربهما من النبيين
المذكورين بشيء ،فنالتا العذاب والخزي في الدنيا واآلخرة ،قال تعالى :ﵛﱿ ﲀ ﲁ
ﲂﲃﲄﲅﲆﲇﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏﲐﲑﲒ
ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚﵚ((( .إنّنا نستوحي من هذه اآلية المباركة قاعدة
أن األساس عند الله في القرب هو القرب الروحي واإليماني، عامة في تحديد الوالء ،وهي ّ
وليس القرب الماديّ ،
وأن األساس في القرابة هي قرابة اإليمان والعمل الصالح ال قرابة
النسب والسبب .وبهذا المعيار أصبحت هاتان الزوجتان بعيدتين ومطرودتين عن رحمة الله
تعالى ،ألنّهما خانتا زوجيهما في أمر الرسالة ،فكانتا تفشيان أسرار زوجيهما ألعدائهما(((؛
وبهذا المعيار واستناد ًا إليه أضحى ابن نوح ليس من أهله كما قال تعالى :ﭐﵛﱃ ﱄ ﱅ ﱆﱇ
أن اآلية -بحسب ظاهرها -ليست ناظرة إلى تنظيم الشؤون العامة في القرينة الثانيةّ :
المجتمع وتحديد المؤهل لقيادة األمة ،وإنّما هي ناظرة إلى تنظيم عالقة الرجل بالمرأة،
لتكون القض ّية في كل جزئياتها التطبيق ّية قض ّية رجل وامرأة ،ومن الواضح ّ
أن الدائرة الوحيدة
التي تكون فيها العالقة منحصرة بعالقة الرجل والمرأة ،هي دائرة العالقة الزوج ّية ،وأما في
السلطة العامة في الحكم أو في القضاء فال تكون العالقة فيها عالقة رجل بامرأة ،بل عالقة
قائد بمجتمع ،بذكوره وإناثه(((.
أن تبرير القوامة باإلنفاق هو نفسه يعدُّ شاهد ًا على انحصار القوامة القرينة الثالثةّ :
ألن اإلنفاق يصلح تبرير ًا ولو بنحو جزئي لجعل القوامة للرجل في بالبيت الزوجي ،وذلك ّ
أن الرجل ينفق من ماله على األسرة ،والمنفق يكون صاحب قرار أو نطاق األسرة ،باعتبار ّ
شريك ًا فيه .ولك ّن في القيادة العامة للمجتمع ال معنى لجعل السلطة للرجل ألنّه المنفق ،فهنا
ال يوجد مسؤول ّية إنفاق ّية يك ّلف بها األفراد ،ألن اإلنفاق هو من بيت مال المسلمين وليس
من كيس الرجل ،ليكون األكثر ماالً هو القائد.
تحمله مسؤول ّية إدارية ،وهذه
أن القوامة ال تعطي صاحبها سلطة استبدادية ،وإنّما ّثاني ًاّ :
نص القرآن على أهل ّية المرأة
المسؤولية ال تلغي دور المرأة وال تصادر رأيها وال دورها ،وقد ّ
للمشورة وإعطاء الرأي في أخطر قرار تواجهه الحياة الزوج ّية ،وهو قرار الطالق ،قال تعالى:
ﭐﵛﭐﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊﵚ((( .فباألولى أن يكون لها دور ورأي في
أن القرآن الكريم لم يستخدم في المقام مصطلح السلطة طريقة إدارة هذه الحياة .ونالحظ ّ
والنبوة
ّ دال :المرأة
ومن القضايا اإلشكالية المطروحة في المقام ،أنّه لماذا كان اختيار األنبياء بأجمعهم
ونصت
من الذكور؟ حيث إنّه وفي كل هذا التاريخ الديني -حسب ما جاء في القرآن الكريم ّ
أن امرأة واحدة اختيرت لمقامعليه الكتب السماوية األخرى واألحاديث الشريفة -لم نجد ّ
النبوة ،ويؤ ّيده ما جاء في قوله تعالى :ﵛﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ّ
دليال أو مؤشر ًا على ّ
أن المرأة غير مؤهلة ﱍ ﱎ ﱏ ﱐﵚ(((((( ،ما قد يرى فيه بعض الناس ً
لهذا المقام ،ويرى فيه آخرون ظلم ًا وتهميش ًا للمرأة من قبل الدين نفسه.
ٍ
نقص ذاتي أن عدم إرسال أو بعثة نبي من جنس النساء ليس مر ّده إلى وتعليقنا على ذلكّ ،
في المرأة يمنعها من الوصول إلى مرتبة عالية من الكمال الروحي كالتي يتط ّلبها مقام النبوة ،كيف
النبوة: ٍ
وقد حدّ ثنا القرآن الكريم عن وصول عدد من النساء إلى مقامات روح ّية عالية مالزمة لمقام ّ
إليهن ،كما هو الحال في « أم موسى» ،قال تعالى:
ّ فبعض النسوة قد أوحي ) أ
ﵛﭐﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ
ﱝﱞ ﱠ ﱡ ﱢﱣ ﱤ ﱥﵚ((( ،والوحي وإن كان بمعنى اإللهام فإنه
مرتب ٌة عظيمة ال يبلغها -في أعلى مستوياتها -إال األنبياء والمرسلون ،قال تعالى:
ﵛﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅﵚ(((.
ٍ
درجة كانت المالئكة تنزل لخدمتها وتأتيها برزقها من وبعضه ّن قد وصلت إلى ) ب ُ
تعجب ٍ
نبي من عند الله تعالى ،كما حصل مع السيدة مريم ،األمر الذي أثار ّ
األنبياء وهو زكريا ،قال تعالى :ﵛﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐﳑ
ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖﳗ ﳘ ﳙ ﳚ ﳛ ﳜﳝ ﳞ ﳟ ﳠ ﳡ ﳢ ﳣ ﳤﵚ(((.
وأمام ذهن ّية ذكور ّية مستحكمة إلى هذا الحدّ ،كان مقتضى الحكمة اإلله ّية أن تتم
للحجة على العباد.
ّ مراعاة هذا األمر ،نزع ًا للذرائع وإقامة
وهذا غاية ما يستفاد من اآلية المتقدمة ،أعني قوله تعالى :ﵛﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ
النبوة ،وإنّما تشير إلى ﲑ ﲒﵚ((( ،فهي ال ُّ
تدل على نفي أهل ّية المرأة للوصول إلى مقام ّ
واقع الحال وما جرت عليه السيرة في األمم الماضية ،من إرسال رجال واختيارهم لهذا
المقام ،ولسان اآلية وإن كان يوحي بعدم إرسال نساء لهذه المهمة ،ولكنّها لم تب ّين سبب
((( الربوبيون :هم الذين يؤمنون بوجود الله تعالى ،ولكنهم ينكرون النبوة وال يؤمنون باألنبياء.
مدونة الربوبي العربي ،موقع إلكتروني ،من مقال بعنوان «جمال الربوبية» منشور بتاريخ 26آب/
((( انظرّ :
أغسطس 2009م.
«حكي عن داوديتطرق إلى جنس اإلله ،فقد ُ ّ ً
ثمة رأي شاذ جدا يرى أن الله تعالى جسم ولكنه لم ّ ((( ّ
إن معبوده جسم ولحم الجواربي أنّه قال :اعفوني عن الفرج واللحية واسألوني عما وراء ذلك ،وقالّ :
ودم وله جوارح وأعضاء من يد ورجل ورأس ولسان وعينين وأذنين ،ومع ذلك جسم ال كاألجسام
ولحم ال كاللحوم ودم ال كالدماء وكذلك سائر الصفات وهو ال يشبه شيئ ًا من المخلوقات وال يشبهه
وحكي عنه أنه قال :هو أجوف من أعاله إلى صدره ...وإن له وفرة سوداء وله شعر قطط» ،انظر: شيءُ ،
الملل والنحل للشهرستاني ج 1ص .105
75 المحور الثاني :المرأة بين مدرسة اإلسالم والمدارس األخرى
ألن االنقسام إلى الذكورالسؤال عن جنس الله تعالى وأنّه ذكر أو أنثى هو جهل بحقيقتهّ ،
واإلناث هو من خصائص المخلوق ،وال يشمل الخالق ،فمن خصائص الذكر أو األنثى
أنهما يتزاوجان وينجبان ،والله فوق ذلك وهو أسمى من أن يحتاج إلى الزوجة أو الولد ،كما
وصف نفسه في كتابه:ﵛﭐﱉ ﱊ ﱋ ﱌ* ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒﵚ((( .ولو كان ذكر ًا لكان له
نظير وكفوء ،والله تعالى يقول أيض ًا :ﭐﵛﭐﱐ ﭐﱑ ﭐﱒﵚ(((((( ،ولو كان ذكر ًا أو أنثى لكان له
مثيل .فهو تعالى حقيقة مغايرة لما عليه خلقه.
ولكن يبقى تساؤل في المقام ،وهو أنّه إذا لم يكن الله تعالى ذكر ًا فلماذا وصف نفسه في
القرآن الكريم بأوصاف الذكر ،سواء على صعيد استخدام األسماء أو األفعال أو الضمائر،
(((
فالحظ على سبيل المثال قوله تعالى :ﵛﭐﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟﵚ
فقد استخدمت هذه اآلية في التعبير عن الله تعالى واإلشارة إليه ضمير «هو» ولم تستخدم
فعبرت عن الله تعالى بأنّه «الحي القيوم»
ضمير األنثى «هي» ،واستخدمت أسماء مذكرةّ ،
ولم تقل« :الح ّية الق ّيومة» واألسماء المذكرة كثيرة في القرآن ،وامتد التذكير إلى األفعال،
ال مذكر ًا فقالت« :تأخذه» ،وليس «تأخذها»؟! فاستخدمت اآلية فع ً
والجواب على ذلك يتضح من خالل ذكر المقدمات التالية:
هو سعيد األفغاني ،انظر :الموجز في قواعد اللغة .موقع إلكتروني. (((
سورة الكهف ،اآلية .17 (((
سورة القمر ،اآلية .1 (((
من قصيدة للمتنبي في رثاء والدة سيف الدولة الحمداني ،وجاء قبل هذا البيت قوله: (((
((( يذكر أرباب السير والتراجم أسما ًء نسائية ذات فقه ودراية ،فزينب بنت أم سلمة ربيبة رسول الله(ص)
يقال :إنّها «كانت من أفقه نساء زمانها» ،انظر :أسد الغابة ،ج 5ص .469
((( أمثال أم حكيم بنت عبد المطلب ،فقد وصفها السيد األمين بأنّها « شاعرة المائة األولى» ،انظر :أعيان
الشيعة ،ج 1ص ،167واألمر عينه قيل في أختها أروى بنت عبد المطلب فقد وصفت بأنها «كانت شاعرة
فصيحة» ،انظر :المصدر نفسه ،وهكذا أختهما صفية ،قال السيد األمين« :كانت أديبة عاقلة شاعرة فصيحة
وكان لعبد المطلب ست بنات كلهن من أهل األدب والشعر والفصاحة» ،انظر :أعيان الشيعة ،ج 7ص .390
((( من أمثال :أسماء بنت عميس وجويرية بنت الحارث وأسماء بنت أبي بكر ،وغيرهن ،انظر :تهذيب=
المرأة في النص الديني 80
وجل .واألسماء على هذا الصعيد ليست عز ّوالمهاجرة في سبيل الله((( والحافظة لكتابه ّ
قليلة ،بل ربما بلغت المئات ،وال سيما أسماء المحدثات((( ،الالتي قصده ّن كبار الصحابة
اهداتِه َّن فيما يتصل بسنّة النبي(ص) وسيرته.
لالستماع إلى حديثهن و ُم َش َ
وعلينا أن ال نغفل في هذا المجال بعض األسماء الالمعة من داخل البيت النبوي،
وعلى رأسهن تأتي سيدتنا فاطمة الزهراء والتي لنا إشارة إلى مقامها العلمي ستأتي
الحق ًا ،وهكذا زوجتا رسول الله(ص) «أم سلمة» التي ع ّبر عنها بعض الرجاليين بأنّها «من
فقهاء الصحابيات»((( ،والسيدة عائشة بنت أبي بكر والتي كانت محدّ ثة مكثرة ،ولها آراء
جريئة في الفقه وغيره ر ّدت فيها على بعض كبار الصحابة ،رافضة بعض الروايات المنسوبة
إلى رسول الله(ص) ،ومب ّينة وجود خلل فيها أو وقوع الراوي في االشتباه((( ،كما سنرى في
محور الحق من هذا الكتاب.
ثاني ًا :المهاجرات
وقد شاركت المرأة المسلمة في الهجرة ،مع ما تعنيه الهجرة من حركة رسال ّية تع ّبر عن
وعي اإلنسان المهاجر ،واستعداده للتضحية والفداء وتحدي الظلم وترك األقارب والتخلي
عن الدنيا ،فرار ًا إلى الله ورسوله .فالهجرة لم تكن حكر ًا على الرجال ،بل شاركت فيها
فإن هجرتها لوحدها لم المرأة؛ وإذا كانت هجرة المرأة برفقة زوجها أو أبيها أمر ًا طبيعي ًاّ ،
أن حركة التحرر التي أوجدها تكن أمر ًا مألوف ًا ،والدارس للتاريخ اإلسالمي سوف يكتشف ّ
اإلسالم أ ّثرت في تغيير مفاهيم ذلك المجتمع القبلي وموازينه ،ما دفع المرأة إلى أن تتخلى
عن أهلها وبلدها وتهاجر إلى الله ورسوله(ص) وترفض العودة إليهم .وقد نزلت في ذلك
التهذيب للعسقالني ،ج 12ص .350ومن هذه األسماء أيض ًا :أم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص، =
انظر :مسند أحمد ،ج 6ص.364
المهاجرات إلى الحبشة عدد كبير من النساء ،فقد بلغن العشرات ،وأ ّما المهاجرات إلى المدينة (((
فعددهن أكبر بطبيعة الحال.
انظر :تهذيب التهذيب للعسقالني ،ج 12ص .438 - 348 (((
سير أعالم النبالء ،ج 2ص .202 (((
- الصحابة من غيرها كأحاديث - تحتاج عائشة السيدة فأحاديث التقييم، من الطبيعي أننا لسنا هنا بصدد (((
إلى دراسة موضوع ّية وافية ،بعيد ًا عن غلواء العاطفة ببعدها اإليجابي (المحبة) والسلبي (الشنآن)،
أهم الدراسات الجادة التي وضعت أحاديث عائشة على مشرحة البحث العلمي هي أن من ّ وأعتقد ّ
دراسة السيد مرتضى العسكري رحمه الله في كتابه الق ّيم أحاديث أ ّم المؤمنين عائشة .وكذلك فإنّ
بعض مواقفها لم تكن مبررة ،كما هو الحال في خروجها على إمام زمانها علي في حرب البصرة.
81 المحور الثاني :المرأة بين مدرسة اإلسالم والمدارس األخرى
تنص على رفض إعادة النساء المهاجرات إلى المشركين ،على الرغم من ّ
أن اتفاق آية قرآنية ّ
ينص على إعادة المهاجر إلى المشركين ،قال تعالى :ﵛﭐﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ الحديبية كان ّ
ﲜ ﲝ ﲞﲟ ﲠ ﲡ ﲢﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ
ﲰ ﲱ ﲲ ﲳﲴ ﲵ ﲶ ﲷﵚ(((.
ومن النساء المهاجرات الالتي اخترن اإلسالم على عشيرتهن وأهله ّن :أم كلثوم بنت
المنورة تارك ًة
ّ عقبة بن أبي معيط ،فقد هاجرت وهي شابة في مقتبل العمر((( ،إلى المدينة
أهلها ومرابع صباها في مكة المكرمة ،وقد جاء في طلبها واستردادها اثنان من إخوتها لكنّها
أبت ورفضت العودة معهما((( ،واختارت اإلسالم على الجاهلية والنور على الظالم.
وال يخفى ّ
أن المرأة المسلمة قد شاركت في الهجرتين ،أعني الهجرة إلى الحبشة(((،
المنورة.
ّ والهجرة إلى المدينة
ثالث ًا :المشاركات في الحروب تمريض ًا وقتاالً
ويحدثنا تاريخ المعارك والغزوات التي خاضها المسلمون في حياة رسول الله(ص)،
ّ
بأن المرأة المسلمة -وبالرغم من عدم تكافؤ القدرات الجسدية بينها وبين الرجل في خوض
ذاك النوع من الحروب -قد شاركت في تلك الحروب والغزوات مع رسول الله(ص)
مقاتلة وممرضة.
2 -2نساء أخريات
وباإلضافة إلى هذه المرأة المجاهدة فهناك أسماء نسائية أخرى ،شاركن في
مغازي النبي(ص) وحروبه قتاالً أو تمريض ًا ومداواة للجرحى ،ومن هؤالء النسوة
المجاهدات :أسماء بنت عميس ،فقد «كانت تغزو مع النبي(ص)» ،والعبارة نفسها
نقرأها في سيرة الصحابية أم سليم ،وهي أم أنس بن مالك ،فقد جاء في تاريخها «وكانت
أن الربيع بنت معوذ «كانتتغزو مع رسول الله(ص)» ،وتحدثنا كتب السيرة والتراجم ّ
ربما غزت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتداوي الجرحى وتر ّد القتلى إلى
أن ليلى الغفاريةالمدينة وكانت من المبايعات تحت الشجرة بيعة الرضوان» ،وذكروا ّ
النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مغازيه تداوي الجرحى ،وتقوم ّ كانت تخرج مع
على المرضى» ،وكانت رفيدة األنصارية «تداوي الجرحى وتحتسب بنفسها على خدمة
من به ضيعة من المسلمين» ،وكان لها خيمة خاصة في مسجد رسول الله(ص) ،معدّ ة
لمداواة الجرحى(((.
أن زينب هي ابنة رسول الله(ص) وليست ربيبته كما ذهب إليه بعض العلماء ،انظر: ((( إنّنا نؤكد على ّ
الملحق في كتاب بحوث حول السيدة عائشة-رؤية شيعية معاصرة.
((( المستدرك للحاكم ،ج 3ص.236
((( وتلك كانت شهادة النبي(ص) فيها ،فقد روي عن عائشة قالت :كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم
إذا ذكر خديجة أثنى عليها فأحسن الثناء ،قالت :فغرت يوم ًا ،فقلت :ما أكثر ما تذكرها حمراء الشدق
قد أبدلك الله عز وجل بها خير ًا منها! قال« :ما أبدلني الله عز وجل خير ًا منها ،قد آمنت بي إذ كفر
بي الناس وصدقتني إذ كذبني الناس وواستني بمالها إذ حرمني الناس ،ورزقني الله عز وجل ولدها إذ
حرمني أوالد النساء» ،انظر :مسند أحمد ،ج 6ص .118
المرأة في النص الديني 86
وجت ُه َخ ِديج َة َر ِض َي الل ُه َعنْها ،فكان طيفها ال يغيب من باله واقترانه بزوجات أخريات ذكرى َز َ
وذكراها ال تكاد تفارقه َحتَّى َبعدَ مضي مدة طويلة على َو َفاتِهاَ ،ففي الحديث َع ْن َأن ٍ
َس َق َال:
ِ بالهدي ِة َقال« :ا ْذهبوا بِها إِ َلى ُف َلن ٍَةَ ،فإِنَّها كَان ْ ِ
ِ
يج َة»(((،
َت َصدي َق ًة لخَ د َ َُ َّ النبي(ص) إِذا ُأ َ
تي َان ُّك َ
إنّه الوفاء النبوي المنقطع النظير للزوجة الوفية والمخلصة.
= فضائل علي رضي الله عنه وعبد الله بن الزبير على الباب يسمع ذلك كله ،فصاح بأم سلمة وقال :يا
بنت أبي أمية! إننا قد عرفنا عداوتك آلل الزبير ،فقالت أم سلمة :والله لتوردنها ثم ال تصدرنها أنت
وال أبوك! أتطمع أن يرضى المهاجرون واألنصار بأبيك الزبير وصاحبه طلحة وعلي بن أبي طالب
حي وهو ولي كل مؤمن ومؤمنة؟ فقال عبد الله بن الزبير :ما سمعنا هذا من رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم ساعة قط ،فقالت أم سلمة رحمة الله عليها :إن لم تكن أنت سمعته قد سمعته خالتك
عائشة وها هي فاسألها! فقد سمعته صلى الله عليه وآله وسلم يقول« :علي خليفتي عليكم في حياتي
ومماتي فمن عصاه فقد عصاني» .أتشهدين يا عائشة بهذا أم ال؟ فقالت عائشة :اللهم نعم! قالت أم
سلمة رحمة الله عليها :فاتقي الله يا عائشة في نفسك واحذري ما ّ
حذرك الله ورسوله صلى الله عليه
وآله وسلم ،وال تكوني صاحبة كالب الحوأب ،وال يغرنك الزبير وطلحة فإنهما ال يغنيان عنك من
الله شيئ ًا» ،انظر :الفتوح البن األعثم ،ج 2ص .455 - 454والمعيار والموازنة ألبي جعفر األسكافي،
ص .27وشرح نهج البالغة البن أبي الحديد ،ج 6ص.217
((( سورة األحزاب ،اآلية .25
المرأة في النص الديني 90
قالت :من هؤالء معك؟ قالت :ابناي.(((»..
وحميدة ولم يكن لها عقب» انظر :الخصال للصدوق ،ص .363وذكر المحقق التستري ّ
أن هذا =
تعرض لشيء من التحريف ،انظر :قاموس الرجال ،ج 12ص ،185و.214 الحديث ّ
أعيان الشيعة ،ج 1ص .313 (((
ففي الخبر أن فاطمة« قالت ألسماء بنت عميس :يا أسماء ،إني قد استقبحت ما يصنع بالنساء، (((
إنّه يطرح على المرأة الثوب فيصفها .فقالت أسماء :يا بنت رسول الله ،أال أريك شيئ ًا رأيته بأرض
الحبشة! فدعت بجرائد رطبة فحنتها ثم طرحت عليها ثوب ًا ،فقالت فاطمة :ما أحسن هذا وأجمله!
علي أحد ًا» ،انظر:
وعلي ،وال تدخلي ّ ّ مت فاغسليني أنت تُعرف به المرأة من الرجال ،فإذا أنا ُ
االستيعاب البن عبد البر ،ج 4ص .1897
المعجم الكبير للطبراني ،ج 25ص .134 (((
المرأة في النص الديني 92
الرسول(ص) ،ومساهم ٌة ج ّيدة في النشاطات اإلسالمية ذات الطابع الرسالي واالجتماعي،
وكل ذلك كان من بركات الدين اإلسالمي الذي أعتق المرأة وحررها من أسر التقاليد
الجاهل ّية ،وأخرجها من القمقم .وهذا األمر ليس هين ًا في حسابات التغيير وحركة االجتماع
البشري ،فالعرب كانوا ال يزالون قريبي عهد بالجاهلية التي امتهنت المرأة وجعلتها على
الهامش ،ومن الطبيعي ّ
أن تلك العقل ّية المتخلفة والمتجذرة في النفوس قد ال يكون سه ً
ال أن
تغادر األذهان في زمن قصير.
2 -2إكرام الزوجة
ودعا (ص) إلى إكرام الزوجة واحترامها ،ففي الحديث المروي عنه« :ومن اتّخذ زوجة
فليكرمها»((( ،واإلكرام -في حدّ ه األدنى -يفرض على الزوج أن يجتنب إيذاءها ويبتعد عن
اإلضرار بها ،سوا ًء كان اإليذاء مادي ًا أو معنوي ًا ،بالقول أو بالفعل ،فعنه(ص)« :أال ّ
وإن الله
أضر بامرأة حتى تختلع منه»((( .وعنه(ص)« :إني ألتعجب ممن يضرب ورسوله بريئان ممن ّ
امرأته وهو بالضرب أولى منها»(((.
ِ 3 -3ح ْف ُظ َأسر ِار الزَّوج ِ
ات َ ْ َ
وفي هذا المناخ المفعم بالمحبة واإلنسانية ،كان من الطبيعي أن يدعو رسول الله(ص)
ات أن الزوجات -في المقابل َ -منه َّي ٌ األزواج إلى حفظ أسرار زوجاتهم وعدم إفشائها ،كما ّ
الق َي َام ِة
الله يوم ِ
َّاس من ِْز َل ًة ِعنْدَ ِ ِ ِ ِ
ََْ َعن إفشاء َأ ْس َر ِار َأزواج ِه َّنَ ،فقد روي عنه(ص)« :إِ َّن م ْن َأ َش ِّر الن ِ َ
الر ُج ُل ُي ْف ِضي إِ َلى ْام َر َأتِ ِه َو ُت ْف ِضي إِ َل ْي ِه ُث َّم َين ُْش ُر ِس َّر َها»(((.
َّ
إن الحياة الزوج ّية هي مستودع األسرار ،ومن حق البنيان الزوجي على طرفيه األساسيينّ
وإن إقدام أحد الطرفين على إفشاء (الزوج والزوجة) تحصينه وحمايته وحفظ أسرارهّ ،
األسرار الزوجية ليس مؤشر ًا على االبتعاد عن األخالق والقيم الدين ّية واإلنسان ّية فحسب،
بل ومؤشر على خيانة العشرة الزوجية التي قامت على أساس رباط وثيق ،كما وصفها الله
5 -5خدمة المرأة
وقد ح ّثت الوصايا النبوية الرجل على مساعدة زوجته وتلبية حاجاتها ،والمبادرة
إلى خدمتها بكل لطف ومحبة ،ففي الخبر عنه(ص)« :إِ َّن الرج َل إِ َذا س َقى امر َأ َته ِمن ا ْلـم ِ
اء َْ ُ َ َ َ َّ ُ
«إن الرجل ليؤجر في رفع اللقمة إلى في امرأته» .وفي الحديث
(((
ُأ ِج َر»((( .وعنه(ص)ّ :
ٍ
صدقة إلى عنه(ص)« :من دخل السوق فاشترى تحف ًة فحملها إلى عياله ،كان كحامل
فإن َم ْن ّفرح ابنة فكأنّما أعتق رقب ًة من ولد قوم محاويج ،وليبدأ باإلناث قبل الذكورّ ،
إسماعيل ،(((»..وعنه (صلى الله عليه وآله)« :ال يخدم العيال إال صديق أو شهيد أو رجل
يريد الله به خير الدنيا واآلخرة»((( .وعنه(ص)«:ساووا بين أوالدكم في العط ّية فلو كنت
ال أحد ًا ّ
لفضلت النساء»(((. مفض ً
نظرة ملتب�سة
أجل ،هناك صورة ملتبسة يحملها البعض عن عالقة الرسول األكرم(ص) بالمرأة،
ومر ّد هذه الصورة:
--1إ ّما إلى فهم خاطئ لبعض عالقاته(ص) مع النساء ،من قبيل :تعدد زوجاته ،أو زواجه من
زينب بنت جحش ،حيث زعم البعض أنّه رآها في وضع ّية معينة ،األمر الذي تسبب في
طالقها من زوجها زيد بن حارثة والذي كان ذات يوم ابن ًا لرسول الله(ص) بالتبني ،قبل
أن يلغي اإلسالم مبدأ التبني.
--2وإ ّما إلى بعض المنقوالت الواردة في السيرة ،والتي تعكس صورة قد ال تخلو من
تشويش ،أو ربما تبدو مسيئة للنبي(ص) فيما يتصل بعالقته بالمرأة ،وذلك من قبيل
تزوج من السيدة عائشة وهي ال تزال في سن التاسعة من عمرها،
الراوية التي تنقل أنّه ّ
بينما كان هو في العقد السادس من عمره ،وهذا ما راعها وصدمها ،بعد أن ُأحضرت
وسيقت إلى بيت الزوجية بينما كانت تلعب األرجوحة! األمر الذي استغله البعض
واتخذ منه مادة خصبة للطعن بالنبي(ص) وباإلسالم.
وقد وفقني الله لإلجابة على هذه اإلشكاالت واألسئلة في كتاب «بحوث حول السيدة
توصلت فيه إلى النتائج التالية:
عائشة -رؤية شيعية معاصرة» ،وقد ّ
إن تعدد زوجاته(ص) لم يكن له عالقة بما قد ُيت ََّوهم من ولعه بالنساء أو طغيان الغريزةّ --1
إن لهذا األمر ظروفه التاريخية وأسبابه الرسالية وأهدافه اإلنسانية الجنسية لديه ،بل ّ
واالجتماعية المتعددة.
المرأة في النص الديني 96
تزوجه من زينب بنت جحش لم يكن استجابة لرغبة شخصية ،بل كان تلبية ألمر ّ --2
وأن ّ
إلهي ُأوحي إليه به ،وذلك لحكمة تتصل بإلغاء سنة جاهلية ،وهي منع الرجل من
ممن كانت زوجة ابنه في التبني ،واإلسالم عندما منع التبني فقد ألغى سائرالزواج ّ
مفاعيله ومنها هذه.
أن السيدة عائشة لم تكن عندما ز ّفت إلى بيت النبي(ص) في التاسعة حت ّ
ورج ُ --3كما ّ
من عمرها ،وإنّما كانت في س ّن الثامنة عشرة -تقريب ًا -على ما تشهد به بعض الدالئل
والقرائن التاريخية ،وأ ّما الرواية الواردة في الزواج بها والبناء عليها في سن التاسعة فهي
متهافتة ومستنكرة وال يمكن التصديق بها .ومن أراد التوسع حول هذه النقاط فليراجع
ذلك الكتاب.
المفصل في تاريخ العرب قبل اإلسالم ،ج 4ص ،461-460والكالم األخير حول عدم قولهم للمرأة (((
العجوز مفندة ذكره الزمخشري في أساس البالغة ،ص .729
المفصل في تاريخ العرب قبل اإلسالم ،ج 5ص .413 (((
جامع البيان للطبري ،ج 4ص .404وراجع حول هذا الموضوع :المفصل في تاريخ العرب قبل (((
اإلسالم ،ج 5ص .418
انظر :المفصل في تاريخ العرب قبل اإلسالم ،ج 5ص 321وما بعدها. (((
99 المحور الثاني :المرأة بين مدرسة اإلسالم والمدارس األخرى
إلى غير ذلك من مظاهر امتهان المرأة وهدر كرامتها في العصر الجاهلي ،مما نقله لنا
الرواة والمؤرخون.
وإذا أردنا أن نذكر شاهد ًا على التراجع الذي شهده وضع المرأة المسلمة ّ
عما كان عليه في
صدر اإلسالم ،فمن الممكن أن يذكر في هذا المجال حاجة المرأة إلى الزواج ،حيث نالحظ
ّ
أن االعتبارات االجتماعية التي تك ّبل المرأة اليوم وتمنعها من التعبير عن حاجتها إلى الزواج
لم تكن موجودة في صدر اإلسالم ،حيث كانت الصحابية تفصح عن حاجتها هذه أمام رسول
الله(ص) دون حرج ،ونستطيع أن نجد في الرواية التالية ما يشهد لهذه الحر ّية لدى المرأة في
التعبير عن حاجتها تلك ،من دون أي ُع َق ٍد نفس ّية أو عوائق اجتماعية كالتي رأيناها الحق ًا وال
نزال نراها إلى يومنا هذا ،ففي صحيح محم ِد ب ِن مس ِل ٍم َعن َأبِي جع َف ٍرَ ق َال« :جاء ِ
ت ْام َر َأ ٌة إِ َلى َ َ َ ْ ْ ُ َ َّ ْ ُ ْ
ول ال َّله ِ ِ
ول ال َّله(ص)َ :م ْن ل َهذه؟ َف َقا َم َر ُج ٌل َف َق َالَ :أنَا َيا َر ُس َ ت :ز َِّو ْجنِيَ .ف َق َال َر ُس ُ النَّبِ ِّي(ص) َف َقا َل ْ
ول ال َّله(ص) ز َِّو ْجن ِ َيهاَ .ف َق َالَ :ما ُت ْعطِ َيها؟ َف َق َالَ :ما لِي َش ْي ٌءَ ،ف َق َالَ :لَ ،ق َالَ :ف َأ َعا َد ْتَ ،ف َأ َعا َد َر ُس ُ
المرأة في النص الديني 102
ول ال َّله(ص) فِي ا ْل َم َّر ِة ال َّثالِ َث ِة :أت ُْح ِس ُن ِم َن الر ُج ِلُ ،ث َّم َأ َعا َد ْتَ ،ف َق َال َر ُس ُ
ا ْلك ََل َمَ ،ف َل ْم َي ُق ْم َأ َحدٌ َغ ْي ُر َّ
آن َف َع ِّل ْم َها إِ َّياه»(((. آن َش ْيئ ًا؟ َق َالَ :ن َع ْمَ ،ف َق َالَ :قدْ ز ََّو ْج ُتك ََها َع َلى َما ت ُْح ِس ُن ِم َن ا ْل ُق ْر ِ ا ْل ُق ْر ِ
إن المرأة التي كانت تأتي مسجد النبي(ص) وتع ّبر بشكل عفوي عن حاجتها ّ
ِ
تمض عليها عقو ٌد يسيرة بعد وفاة إلى الزواج دون أن ين ِ
ْك َر عليها أحدٌ ذلك ،لم ُ
وتحولت إلى عورة ال يسمح لها ٍ
اجتماعية قاسية، ٍ
بنظرة النبي(ص) حتى ُحوصرت
ّ
وص ْرنا نشهدُ أفكار ًا ومساعي تحاول بمثل هذا الحديث ،بل بما هو أقل منه جرأةِ ،
منعها من ممارسة حقها في الخروج حتى إلى المساجد ،بالرغم من وجود نصوص
أن عبد الله بن عمر حدّ ث بقول نبوية صريحة تسمح لها بذلك ،ينقل المحدثون ّ
النبي صلى الله عليه وآله سلم« :ال تمنعوا النساء المساجد بالليل»((( ،فقال ابنه :بلى
لنمنعهن ،يتخذنه دغالً ،فرفع يده فلطمه ،فقال :أحدّ ثك عن رسول الله صلى ّ والله
إن أدنى تأمل في داللة هذه الرواية يكشف لنا الله عليه وآله وسلم وتقول هذا!»(((ّ .
يؤرخ ويؤشر إلى بداية هذا المسار التحول في نظرة المسلمين تجاه المرأة ،كما ّ
ّ سرعة
المتشدد في التعامل معها.
إن هذه الرواية تصلح شاهد ًا يسمح لنا بالقولّ :
إن بداية التراجع والقوقعة التي أصابت ّ
المرأة المسلمة قد الحت في األفق مع منتصف القرن الهجري األول وما تاله((( ،وتعززت
هذه النظرة فيما اصطلح على تسميته بالعصر األموي والعصر العباسي .وكيف كان ّ
فإن هذا
الغياب المتأخر للمرأة عن مسرح الحياة االجتماعية والثقافية والرسالية ،ال بدّ أن يخضع
لدراسة مستقلة تبحث عن أسبابه ونتائجه.
((( تاريخ الطبري ،ج 3ص ،270وفي الكامل في التاريخ ،ج 3ص .54
((( تاريخ الطبري ج 3ص .270والكامل في التاريخ ج 3ص .55
((( قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد ،ألبي طالب المكي (ت
386هـ) ج 2ص .422وإحياء علوم الدين ألبي حامد الغزالي (ت 505هـ) ،ج 4ص .140وفي تاريخ
المدينة البن ش ّبة :أنّه قال المرأته «إنما أنت لعبة يلعب بك ،ثم تتركين» ،انظر :تاريخ المدينة ،ج 3ص
،818وشرح النهج البن أبي الحديد ج 12ص .23
((( انظر حول ذلك :صحيح البخاري ،ج 4ص ،69وج 7ص ،93ومسند أحمد ،ج 1ص ،171وصحيح
مسلم ،ج 7ص .115
((( مسند أحمد ،ج 1ص .335
((( ففي طبقات ابن سعد بإسناده عن سعيد بن المسيب قال لما توفي أبو بكر أقامت عليه عائشة النوح
فبلغ عمر فجاء فنهاهن عن النوح على أبي بكر فأبين أن ينتهين فقال لهشام بن الوليد اخرج إلى ابنة أبي
قحافة فعالها بالدرة ضربات فتفرق النوائح حين سمعن ذلك وقال تردن أن يعذب أبو بكر ببكائكن إن
«إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه» .انظر :الطبقات الكبرى، رسول الله صلى الله عليه وآله سلم قالّ :
ج 3ص ،209وروايته هذه عن النبي(ص) ليست دقيقة وقد صححت له ذلك السيدة عائشة.
ال يقود بامرأته على بعير ترمي الجمرة ،قال :فعالها بالدرة إنكار ًا لركوبها» ،انظر :المصنف،
((( فقد روي أنّه رأى رج ً
ً ً ّ
البن أبي شيبة ج 4ص ،314هذا مع أن الركوب ليس محرما ،وقد رمى النبي(ص) جمرة العقبة راكبا،كما جاء
ثم لو كان األمر محرم ًا فلماذا لم يضرب زوجها الذي يقودها. في الروايات ،انظر :المصدر نفسهّ ،
المرأة في النص الديني 104
«:اضربوهن بالعري»((( ،وسيأتي ّ
أن هذا المضمون ّ موقفه المتشدد من المرأة ،من ذلك قوله
مروي عن رسول الله(ص).
وموقف عمر هذا من المرأة ونظرته المتشددة تجاهها ،ال نستطيع أن نعتبره مستولد ًا من
رحم الثقافة اإلسالمية وتعاليم النبي األكرم(ص) ،وإنّما هو رأي خاص به ،ربما أملته الغيرة
أن هذا الموقف الذي الذكورية ،ولع ّله يعكس نظرة الرجل العربي آنذاك ،والوجه في ذلك ّ
يعتبر المرأة مجرد لعبة للرجل يستمتع بها ثم يدعها ويرميها في زوايا البيت ،ال ينسجم مع
الرؤية القرآنية حول المرأة وال مع تعاليم النبي(ص) في هذا المجال ،وتفسير ذلك بأنّه كان
تدبير ًا ارتأه عمر ال ينافي ما ذكرناه.
أن موقف عمر المتشدد من المتعة((( ،حيث نهى عنها وهدّ د بالعقوبة على ويبدو لي ّ
فعلها كان أيض ًا رأي ًا شخصي ًا ،وربما سار عليه بتأثير من هذه النزعة العربية المغالية في الغيرة
على النساء بما يتجاوز المعقول.
((( صحيح البخاري ،ج 4ص ،103وصحيح مسلم ،ج 4ص ،187وعوالي الآللي ،ج 1ص ،255ونقله في جامع
أحاديث الشيعة ،ج 20ص246عن القطب الراوندي في لب اللباب ،وعن تفسير أبي الفتوح الرازي.
((( قرب اإلسناد ،ص.92
المرأة في النص الديني 106
«ال ت َْض ِربوا إِماء ِ
الله»((( .إلى غير ذلك من الروايات التي تحمل هذا الطابع الوعظي الذي ُ َ َ
يوصي بالنساء خير ًا.
إن التعبير عن المرأة بالضعيفة في الحديث المتقدم ،ليس إقرار ًا أو رض ًا بهذا الضعف، ّ
ولكنّها إشارة توصيف ّية إلى واقع ال يستطيع أي تشريع القفز فوقه أو تغييره بطريقة إعجاز ّية،
وإنّما يعمل على ترشيده وتغييره شيئ ًا فشيئ ًا ،مبتدئ ًا بتغيير الذهن ّية الحاكمة ،ونزع الشرع ّية عن
أي عمل عدواني أو امتهاني بحق المرأة.
((( سنن الدارمي ،ج 2ص ،147وسنن أبي داود ،ج 1ص.476
107 المحور الثاني :المرأة بين مدرسة اإلسالم والمدارس األخرى
النص اإلسالمي ،وعن موقعها في التجربة التاريخية للمسلمين ،فيكون العنصر المرأة في ّ
األهم في هذه المقارنة هو بيان الرأي اآلخر في المسألة ،وهذا ما تتكفله العناوين التالية:
((( انظر :موسوعة الفيلسوف والمرأة ،أفالطون والمرأة ،إمام عبد الفتاح إمام ،مكتبة مدبولي الطبعة
الثانية ،1996ص .13
((( ول وايريل ديورانت ،قصة الحضارة ،ج 7ص ،118-117دار الجيل النهضة ،ترجمة محمد بدران،
بيروت -تونس1408 ،هـ1988 /م.
المرأة في النص الديني 108
أهم الظواهر البارزة في ذلك العصر ،فلم يكن يعاقب على اإلجهاض «أضحى تحديد النسل من ّ
مث ً
ال إذا لجأت إليه المرأة على غير إرادة زوجها ،أو بتحريض من أغواها؛ وكان الطفل في كثير
من األحيان يعرض للجو القاسي ،ولم يكن عدد األسر التي تربي أكثر من بنت واحدة في المدن
اليونانية القديمة يزيد على واحد في المائة من مجموع أسرها .وكان الفالسفة يتجاوزون عن
قتل األطفال بحجة أنّه يخفف من ضغط السكان على موارد الرزق؛ فلما أن لجأت الطبقات
الدنيا إلى هذه العادة وأسرفت فيها تساوت نسبة الوفيات مع نسبة المواليد»(((.
انظر حول ذلك كتاب :أرسطو والمرأة ،من تأليف إمام عبد الفتاح إمام ،القاهرة ،الناشر :مكتبة (((
مدبولي ،ط ،1996 ،1ص .8
المصدر نفسه ص .7 (((
شرح نهج البالغة ،ج 18ص .198 (((
أفالطون والمرأة ،ص .13 (((
أفالطون والمرأة ،ص .14 (((
المرأة في النص الديني 116
وقد تسربت هذه األفكار المنتقصة من مكانة المرأة إلى العالم اإلسالمي بعد عصر
الترجمة ،حيث تأثر معظم الفالسفة المسلمين بالفلسفة اليونانية ،وهيمنت على عقولهم
ردح ًا طويالً ،وكان لها سطوة كبيرة في النفوس ،وال زلنا إلى اآلن نعاني من تبعاتها على أكثر
من صعيد ،وال سيما ما يتصل بتأثيراتها على علم الكالم وعلم أصول الفقه ،ولذا لم يكن
مستغرب ًا أن تجد الشيخ الرئيس أبا علي بن سينا يذكر في توجيه منع المرأة من أن يكون أمر
الطالق بيدها« :إنّها بالحقيقة واهية العقل مبادرة إلى طاعة الهوى والغضب»((( .وتتصاعد
وشرهن
«فإن كيدهن عظيمّ ، هذه اللهجة عند أبي حامد الغزالي فيقول محذر ًا من النساءّ :
فاش ،والغالب عليهن سوء الخلق ،وركاكة العقل»(((. ٍ
وهكذا وجدنا ّ
أن الكثير من علماء المسلمين أخذوا يرددون تلك الكلمات المنقولة
عن فالسفة اليونان في كتبهم ويدعمونها بأقاويل أخرى تنسب إلى بعض الحكماء ،الحظ
على سبيل المثال ما ينقله ابن أبي الحديد المعتزلي من نصوص في هذا المجال ،يقول:
«ونظر حكيم إلى امرأة مصلوبة على شجرة ،فقال :ليت كل شجرة تحمل مثل هذه
الثمرة!
ورأى بعضهم جارية تحمل نار ًا فقال :نار على نار ،والحامل ّ
شر من المحمول.
وتزوج بعضهم امرأة نحيفة ،فقيل له في ذلك ،فقال :اخترت من الشر أق ّله.
ّ
شر قط ،فقال له بعضهم :اكتب :إال المرأة.
كتب فيلسوف على بابه :ما دخل هذا المنزل ّ
((( الشفاء -اإللهيات ،المقالة العاشرة ،الفصل الرابع ،ج 2ص .449ويقول في الباب عينه« :ولما كان
من حق المرأة أن تصان ألنها مشتركة في شهوتها وداعية جد ًا إلى نفسها وهي مع ذلك أشد انخداع ًا
وأقل للعقل طاعة واالشتراك فيها يوقع أنفة وعار ًا عظيم ًا وهي من المضار المشهورة واالشتراك في
الرجل ال يوقع عار ًا بل حسد ًا والحسد غير ملتفت إليه فإنه طاعة للشيطان .فبالحري أن يسن عليها في
بابها التستر والتخدر ،فلذلك ينبغي أن ال تكون المرأة من أهل الكسب كالرجل فلذلك يجب أن يسن
لها أن تكفى من جهة الرجل فيلزم الرجل نفقتها لكن الرجل يجب أن يعوض من ذلك عوض ًا وهو أنه
يملكها وهي ال تملكه فال يكون لها أن تنكح غيره .وأما الرجل فال يحجر عليه في هذا الباب».
((( إحياء علوم الدين ،ج 4ص .139وانتقل هذا الكالم بحذافيره إلى المحجة البيضاء في تهذيب اإلحياء
للفيض الكاشاني ،ولم يشمله التهذيب ،انظر :المحجة البيضاء ،ج 3ص .100
117 المحور الثاني :المرأة بين مدرسة اإلسالم والمدارس األخرى
ورأى بعضهم امرأة غريقة في الماء ،فقال :زادت الكدر كدر ًا ،والشر بالشر يهلك.
وفى كالم الحكماء :اعص هواك والنساء ،وافعل ما شئت.
زوج الله عدوك ،لكان
دعا بعضهم لصاحبه ،فقال :أمات الله عدوك؟ فقال :لو قلتّ :
أبلغ في االنتقام.
ومن الكنايات المشهورة عنهن« :سالح إبليس»(((.
فال�سفة الغرب
وأما الفالسفة الغربيون فلم تكن نظرتهم عن المرأة تختلف كثير ًا عن نظرائهم من
اليونانيين ،بل ّ
إن الكثيرين منهم تأثروا بفالسفة اليونان وتبنّوا رؤيتهم وأفكارهم التي تنضح
نصين عدائيين تجاه المرأة الثنين من فالسفة
بكراهية المرأة ،كما اتضح ،وأكتفي هنا بنقل ّ
الغرب المعروفين:
النص األول :هو لفريدريك نيتشه (1900م) الذي رأى ّ
أن المرأة كائن غير قادر على
وأن في «داخل المرأة كان هناك دوم ًا عبدٌ وطاغية متسترين ،لذلك ما تزال المرأة الصداقةّ ،
الحب .في حب المرأة هناك ظلم وعماء تجاه ّ غير قادرة على الصداقة ،إنّها ال تعرف سوى
ِ
كل من ال تح ّبه ..ما تزال المرأة غير قادرة على الصداقة ،ق َطط ًا ما تزال النساء وعصافير أو في
أحسن األحوال أبقار ًا»(((.
النص الثاني :هو للفيلسوف األلماني أرتور شبنهاور (ت 1860م) والذي رأى ّ
أن ّ
«المرأة بحكم طبيعتها يجب أن تطيع»ّ .
وأن «الرجال بطبيعتهم غير مبالين ببعضهم البعض،
ولك ّن النساء بطبيعتهن متنافسات»(((.
أن الموقف من المرأة قد تغ ّير كثير ًا في الغرب
أجل ،ال بدّ من االعتراف بكل تقديرّ ،
المعاصر ومنذ عقود طويلة ،وتبد ّلت الصورة كثير ًا ،وبدأ التنظير الفلسفي والقانوني لفكرة
المساواة بين الرجل والمرأة في شتى الحقوق والواجبات ،وبصرف النظر عن تحفظنا
ولم َأ ُج ْ
ب في الليالي حندس ال ُّظلم لوال أميمة لم أجـــزع من العدم
ذل اليتيمة يجفوهـــا ذوو الرحم َّ وزادني رغبـــ ًة في العيش معرفتي
فيهتك السـتر من لحـ ٍم على وضم أحاذر الفقـــر يومـــ ًا أن ي ّل َم بها
()4
والموت أكرم نـزّال على الحرم تهـوى حياتي وأهوى موتها شـفق ًا
العين ،للخليل بن أحمد ج 8ص ،420والمرئي بمعنى المرء ،قال الزبيدي« :والنسبة إلى امرئ مرائي (((
بفتح الراء ،ومنه المرائي الشاعر ،وأما الذين قالوا مرئي ،فكأنّهم أضافوا إلى ٍ
مرء ،فكان قياسه على ّ
ذلك مرئي ،ولكنه نادر» ،تاج العروس ،ج 1ص ،249واإلبة بمعنى الخزي ،انظر :العين ،مصدر سابق.
البداية والنهاية ،ج 11ص ،334رواه عن ابن األعرابي ،وعيون األخبار للدينوري ،ج 4ص ،77وشرح (((
نهج البالغة البن أبي الحديد ،ج 18ص.200
زهر اآلداب وثمر األلباب للقيرواني ،ج 2ص .529 (((
تاريخ مدينة دمشق ،ج 38ص.135 (((
المرأة في النص الديني 120
ونقل عن بعض الشعراء قوله[ :من الطويل]
جزوع ًا إذا بانت فســـوف تبين تمتع بها ما ســـاعفتك وال تكن
على قدم األيام ســـوف تخون وخنها وإن كانـــت تفي لك إنّها
لغيـــرك مـــن طالبها ســـتلين وإن هـــي أعطتك الليـــان فإنها
فليس لمخضـــوب البنان يمين وإن حلفت أن ليس تنقض عهدها
فليـــس لعمـــر اللـــه ذاك يقين وإن ســـكبت يوم الفراق دموعها
وقال ابن قتيبة« :وكان يقال :ما نهيت امرأة عن أمر إال أتته» .وفي هذا المعنى يقول
طفيل الغنوي:
هـن المرار وبعـض المر مأكول
ّ إن النساء كأشـــجار نبتن مع ًا
ّ
()2
فإنـــه واجب ال بـــد مفعول إن النســـاء متى ينهين عن خلق ّ
و ُي َعدُّ أبو العالء المعري من أبرز الشعراء الذين نقدوا المرأة نقد ًا عنيف ًا ال يعرف الهوادة،
ف عن مذهبه التشاؤمي في الحياة ،تلك الحياة التي ولعل السبب في ذلك يعود إلى ما ُع ِر َّ
وو َّلدَ في
قست عليه وتركته رهين المح َب َس ْين((( ،األمر الذي جعله «يتمنى الفناء للبشريةَ ..
نفسه الكره للمرأة ،وهي التي تلد وتزيد في النسل وتكثر في العالم األشقياء»((( ،فاستمع إليه
تجره عليه من متاعب: يقول وهو يتحدث عن بؤس األب الذي يرزقه الله أنثى ،وما ّ
ِ ٍ
ســـمات تب ّين في وجوه ُم ْق بؤس وإن ُت ْع َط اإلناث ُّ
فأي
ِ
لومات ويلقين الخطوب َم ُيـــردن ُب ُعول ًة و ُيـــر ْدن ُحلي ًا
ورجع صداها يتردد في كلماته وأشعاره ،إذ يدعو صراحة إلى َ ونجد َن َف َس الجاهلية
دفن المرأة ،فيقول:
إلحداهن إحـــدى المكرمات
َّ ودفن -والحوادث فاجعات - ٌ
ِ
إذا أمســـينا فـــي المتهضمات ويكـــن عار ًا َيلِـــدْ ن أعاديـــ ًا
َّ
وال فـــي غـــارة متغمشـــات حرب ٍ ٍ
بدافعات يـــوم ولســـن
وقـــد واجهننـــا متظ َّلمـــات جئن بشـــر ُظ ْل ٍموالت ال ُّظلم َ ُأ ُ
()4
لقينك باألســـاور معلمات غي فـــوارس فتنـــة أعـــام ٍّ
ويستمر المعري في تائيته هذه بشن هجو ٍم الذع على المرأة ،فيصفها بنقصان العقل،
وجره ِ
والكذب ويرى أنّها ال تؤتمن على س ٍّر ،وأنّها تسعى بكل ما تملك إلى إغواء الرجل ّ
إلى شباكها وحبال غ ّيها ،يقول في موضع آخر:
البيان والتبيين ،ص .539ونزهة األبصار ومحاسن اآلثار ،ص .338 (((
وهما محبس العمى ومحبس البيت. (((
أبو العالء المعري ،حياته -شعره ،تأليف سمير الصارم ،ص.24 (((
ديوان أبي العالء المعري (اللزوميات) ،ج 1ص.174-169 (((
المرأة في النص الديني 122
بهن ُي َض َّي ُع الشرف التليد غي ِ
َّ إن النسـاء حبـال ٍّ
أال ّ
(((
إن المعري قد دافع عن المرأة في موردين ،م ّثال -برأي البعض(((« -انتهاكين
أجلّ ،
تعرضت لهما النساء:
اجتماعيين» ّ
أحدهما :موقفه الرافض للضرائرية ،والداعي إلى االكتفاء بزوجة واحدة ،حيث يقول:
لهـــن فال تحمـــل أذاة الحرائر
ّ قرانـــك ما بيـــن النســـاء أذية
()3
فتكفيك إحدى اآلنسات الغرائر وإن كنت ِغـــر ًا بالزمان وأهله
وثانيهما :رفضه لتزويج الفتاة الشابة من الشيخ المسن ،وله في ذلك العديد من
النصوص في «اللزوميات»(((.
إن النصوص الشعرية اآلنفة أكانت لشعراء جاهليين أو مخضرمين أو إسالميين ،فهي ّ
تعكس اتساع الفجوة بين تعاليم القرآن الكريم التي تفيض إنسانية وتزخر احترام ًا وتكريم ًا
للمرأة وبين ثقافة هؤالء الشعراء وذهنيتهم المشبعة عنصرية وتحيز ًا ضد المرأة واحتقار ًا لها.
التعرف على رأي اإلمام علي في المرأة ،أو رأي غيره من الشخصيات ّ
إن َم ْن يروم ّ
القياد ّية التي لها حضور بارز في المجال العام ،ال يمكنه -كما أسلفنا في المحور األول-
أن يقتصر على مالحظة ما يستفاد من نصوصه وكلماته فحسب ،بل ال بدّ له من مالحظة
سيرته العمل ّية مع المرأة ،وكيف كان يتعامل معها؟ فهل كان يحتقرها ويهينها أم كان يج ّلها
ويقدرها؟ وما هو دورها في حياته؟
فإن الحقيقة التي سوف يكتشفها الباحث المنصف، ومع أخذ هذا األمر بعين االعتبارّ ،
هي ّ
أن احترام علي للمرأة واعترافه بإنسانيتها وإيمانه بدورها وتقديره لشخصها ومكانتها
هو أمر ال شك فيه ،وهذه الحقيقة تؤكّدها سيرته العمل ّية وحضور المرأة الالفت في حياته
الخاصة والعامة ،وسوف نحاول فيما يأتي تسجيل بعض مواقفه التي نقلها لنا التاريخ
اإلسالمي مما يعكس هذه الحقيقة بجالء.
استمرت المرأة بالقيام بهذا الدور ،وقد وجدنا ذلك واضح ًا في
ّ ومع مجيء اإلسالم
وفعل علي هو ُ
دليل عما قليلُ ،
بعض معارك اإلمام علي كمعركة صفين ،كما سنذكر ّ
شرع ّية هذا العمل ،األمر الذي ينبغي أن يدفع الجيوش اإلسالمية وحركات المقاومة في
زماننا المعاصر إلى دراسة هذا األمر والتفكير في كيف ّية االستفادة من عنصر النساء على هذا
أن ذلك قد غدا أكثر سهولة ويسر ًا في هذا الزمن،
الصعيد (صعيد التعبئة النفس ّية) ،وال س ّيما ّ
بسبب توفر وسائل االتصال والتواصل الحديثة التي يمكن اإلفادة منها في هذا المجال.
إن المرأة كانت حاضرة تحت منبر علي وفي حروبه وسائر وخالصة القولّ :
مشرف ًة ومشهودة لبعض النساء الالتي ترب ْين في
مواقف ّ
َ سجل لنا التاريخ
نشاطاته ،وقد ّ
وننوه -على نحو اإلجمال - عما قليل بعض هؤالء النسوة ّ
مدرسة علي ،وسنذكر ّ
بأدواره ّن الرسال ّية الرائدة.
بأن أمير المؤمنين - حتى بصرف وفي ضوء ذلك ،يكون من المنطقي االستنتاج ّ
عما نعتقده فيه -ال يمكن أن يصدر عنه أي كالم أو موقف فيه تحقير للمرأة أو إهانة
النظر ّ
مخالف لسيرته العمل ّية مع المرأة ،كما هو مخالف
ٌ لكرامتها أو إساءة إلنسانيتهاّ ،
فإن هذا
((( قبيلة همدان اليمانية عرفت بوالئها لإلمام علي وقد عرف من أبطالها :مالك األشتر والحارث
الهمداني وغيرهما ،وروي عن أمير المؤمنين قوله:
= لقلـت همـدان ادخلوا بسلام» «ولـو كنت ّبواب ًا علـى باب جنة
133 المحور الثالث :المرأة في حياة اإلمام علي
النسوة الالتي تربين في مدرسة اإلمام وخالط ح ُّبه لحمها ودمها ،وكانت من الوافدات
الشهيرات على معاوية بن أبي سفيان ،وقد قدّ مت مرافعة رائعة في مجلسه ب ّينت فيها مكانة
السر الذي جعله يتربع على عرش القلوب.
علي وعدالته ،وأشارت إلى ّ
يروي ابن طيفور في «بالغات النساء» عن محمد بن عبيد الله :استأذنت سودة بنت
عمارة بن األسك((( الهمدانية على معاوية بن أبي سفيان فأذن لها ،فلما دخلت عليه قال :هيه
يا بنت األسك! ألست القائلة يوم صفين:
يوم الطعان وملتقـــى األقران شـم ْر كفعـل أبيك يا بـن عمارة
ّ
ٍ
لهند وابنهـــا بهوان واقصـــدْ والحســـين وره َطه وانصر علي ًا
َ
َع َل ُ
ـــم الهدى ومنـــار ُة اإليمان إن اإلمـــام أخـــو النبي محمد ّ
بأبيض صار ٍم وســـنانَ ِقدَ َمـــ ًا ـــر أمام لوائه ِ
الحتوف وس ْ
َ َف ِقه
ِ
انظر :أنساب األشراف ،ج 2ص ،322والبلدان للهمذاني ،ص ،209وصبح األعشى ج 13ص،237 =
وينسب إلى علي أنّه قال للحارث الهمداني:
مـــن مؤمـــن أو منافق قبال «يا حار همـــدان من يمت يرني
بعينـــه واســـمه ومـــا فعال» يعرفنـــي طرفـــه وأعرفـــه
انظر :أوائل المقاالت للمفيد ،ص ،74ولكن سيأتي عدم صحة نسبة هذين البيتين إليه.
((( هكذا في أكثر المصادر ،ولكن في العقد الفريد« :األشتر» ،انظر :العقد الفريد ،ج 1ص 334وما بعدها،
وبنا ًء على نسخة العقد الفريد فتكون سودة هي بنت عمارة بن األشتر ،ويكون مالك األشتر جدها،
«شمر كفعل أبيك يا ابن عمارة» ،هو قول تخاطب به أخاها ،فهل كان أخوها وإن قولهاِّ :وهذا مستبعدّ ،
شاب ًا يوم صفين ويقاتل إلى جانب جدّ ه مالك األشتر؟! وربما يقال :إنّه ال استغراب في ذلك ،وكيف
ِ
أخيك ينسى»، ال شجاع ًا كما يظهر من قول معاوية اآلتي« :ما ُ
مثل مقام كان ،فإن أخاها قد كان بط ً
وتظهر أهم ّية أخيها أيض ًا من قولها :كان والله كقول الخنساء..
المرأة في النص الديني 134
لقيت من ِ
قومك وأخيك(((. لقيت من ٍ
أحد ما ُ قال :هيهات ما مثل مقام أخيك ينسى ،وما ُ
خفي المكان ،كان والله كقول الخنساء:
قالت :صدق فوك ،لم يكن أخي ذميم المقام ،وال ّ
علم في رأســـه نار
كأنّـــه ٌ لتأتـــم الهدا ُة به
ُّ وإن صخر ًا
ّ
قال :صدقت ،لقد كان كذلك.
فقالت :مات الرأس وبتر الذنب ،وبالله أسأل أمير المؤمنين إعفائي مما استعفيت منه.
قال :قد فعلت ،فما حاجتك؟
قالت :إنّك أصبحت للناس سيد ًا ،وألمرهم ُم َت َق ِّلد ًا ،والله سائ ُلك من أمرنا وما افترض
عليك من حقنا ،وال يزال َي ْق ِد ُم علينا من ينوء بعزك ،ويبطش بسلطانك ،فيحصدنا َح ْصدَ
السنبل ،ويدوسنا َد ْو َس البقر ،ويسومنا الخسيسة ،ويسلبنا الجليلة ،هذا بسر بن أرطاة قدم ُّ
أستعصم الله منه و َأ ْل َج ُأ إليه
ُ علينا من قبلك ،فقتل رجالي ،وأخذ مالي ،يقول لي :فوهي بما
فيه((( ،ولوال الطاعة لكان فينا ِع ٌّز ومنعة ،فإ ّما عزلته عنا فشكرناك ،وإ ّما ال فعرفناك.
قتب أشرسَ ،فأ ُر ُّدك فقال معاوية :أتهدديني بقومك؟! لقد هممت أن َأ ْح ِم َلك على ٍ
إليهُ ،ينَ ِّف ُذ فيك حكمه.
فأطرقت تبكي ،ثم أنشأت تقول:
ُ
العـــدل مدفونا قبر فأصبح فيه
ٌ ص ّلى اإلل ُه على ِج ْســـ ٍم ت ََض َّمنَه
ِ
واإليمـــان مقرونا بالحق
ِّ فصار الحق ال يبغي به بدالً قد َحا َل َ
ـــف َّ
قال لها :ومن ذلك؟
قالت :علي بن أبي طالب.
قال :وما صنع بك حتى صار عندك كذلك؟
قالت :قدمت عليه في رجل ّ
وله صدقتنا((( قدم علينا من قبله ،فكان بيني وبينه ما بين
إما أنّه كان في صالة مندوبة فقطعها ،أو أنّه كان متهيئ ًا للصالة ،وانفتل إليها لقضاء حاجتهاّ ،
ألن (((
ذلك يعدّ صالة وعبادة عند علي.
سورة األعراف ،اآلية .85 (((
سورة هود ،اآليات .86-85 (((
التذوق ،ولمظ الماء :ذاقه بلسانه ،لسان العرب ،ج 7ص .461وفي الحديث عن أمير ّ التلمظ: (((
المؤمنين« :أال ُح ٌّر َيدَ ُع هذه اللماظة ألهلها» ،نهج البالغة ،ج 4ص ،105واللماظة :بق ّية الطعام
في الفم ،يريد بذلك الدنيا ،أي أال يوجد ُح ٌّر يترك هذه الدنيا التي هي كاللماظة.
بالغات النساء ،ص ،31وتاريخ مدينة دمشق ج 69ص ،225والفتوح البن األعثم ،ج 3ص ،60والتذكرة (((
الحمدونية البن حمدون ،ج 2ص.20
المرأة في النص الديني 136
مدرسة علي هي أم الخير البارقية ،وكان لها -أيض ًا -موقف مشهود في مجلس مع
ِ
معاوية .فقد روى المؤرخون أنّه« :كتب معاوية إلى واليه بالكوفة :أن َأ ْوفدْ ّ
علي أ َّم الخير بنت
الحريش بن سراقة البارق ّية رحل ًة محمودة الصحبة غير مذمومة العاقبة.
ِ ِ
فلما َقد َم ْت على معاوية َأن َْز َلها مع الحرم ثالث ًا ،ثم َأذ َن لها في اليوم الرابع َ
وج َم َع لها
الناس ،فدخلت عليه فقالت :السالم عليك يا أمير المؤمنين!
فقال :وعليك السالم وبالرغم -والله -منك دعوتني بهذا االسم.
ب عمله. ِ فقالت :مه يا هذا! ّ
فإن بديهة السلطان مدحضة((( لما ُيح ُّ
قال :صدقت يا خالة ،وكيف ِ
رأيت مسيرك؟
دت إلى م ٍ
لك جزل وعطاء بذل ،فأنا في عيش قالت :لم أزل في عافية وسالمة حتى ُأوفِ ُ
َ
أنيق عند ملك رفيق.
وأعنت عليكم!
ُ ظفرت بكم
ُ فقال معاوية :بحسن نيتي
قالت :مه يا هذا! لك -والله -من َد ْح ِ
ض المقال ما تُردي عاقبته.
قال :ليس لهذا أردناك.
قالت :إنّما َأ ْج ِري في ميدانِك ،إذا َأ ْج َر ْي َت شيئ ًا أجريتُه ،فاسأل عما بدا لك.
قال :كيف كان كالمك يوم قتل عمار بن ياسر؟
زورتُه((( بعد ،وإنّما كانت كلمات َن َف َثه َّن لساني
قالت :لم أكن والله رويته قبل ،وال ّ
الصدْ َمة ،فإن ِش ْئ َت َأ ْن ُأ ْح ِد َ
ث لك مقاالً غير ذلك َف َع ْلت. حين َّ
قال :ال أشاء ذلك.
ثم التفت إلى أصحابه فقال :أيكم َح ِف َظ كالم أ ّم الخير؟
قال رجل من القوم :أنا أحفظه يا أمير المؤمنين كحفظي سورة الحمد.
قال :هاته.
((( لعلها تقصد أن مواجهة السلطان تفاجئ المرء فيتكلم بمثل هذا الخطاب الذي يكون على خالف ما يراه.
((( التَّزوير :إصالح الكالم وتهيئته انظر :لسان العرب ،ج 4ص.337
137 المحور الثالث :المرأة في حياة اإلمام علي
قال :نعم ،كأنّي بها يا أمير المؤمنين وعليها ُب ْر ٌد زبيدي((( كثيف الحاشية ،وهي على
جمل أرمك((( وقد أحيط حولها حواء((( ،وبيدها سوط منتشر الضفر ،وهي كالفحل يهدر في
شقشقته((( ،تقول :ﵛﱁ ﱂ ﱃ ﱄﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊﵚ((( ،إن الله قد أوضح
ونور السبيل ،ورفع العلم ،فلم يدعكم في عمياء مبهمة ،وال سوداء الحق ،وأبان الدليلّ ،
مدلهمة ،فإلى أين تريدون رحمكم الله ؟ أفرار ًا عن أمير المؤمنين ،أم فرار ًا من الزحف ،أم ّ
رغبة عن اإلسالم ،أم ارتداد ًا عن الحق؟ أما سمعتم الله عز وجل يقول :ﵛﭐﱐ ﱑ ﱒ
ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗﵚ(((.
ف اليقين ،وانتشر ثم رفعت رأسها إلى السماء وهي تقول :اللهم قد ِعيل الصبرَ ،
وض ُع َ
رب أز ّمة القلوب ،فاجمع إليه الكلمة على التقوى ،وأ ّلف القلوب على الرعب ،وبيدك يا ّ
الوفي،
ّ والوصي
ّ الهدى ،واردد الحق إلى أهله ،ه ّلموا -رحمكم الله! -إلى اإلمام العادل،
والصديق األكبر ،إنها إح ٌن بدرية ،وأحقاد جاهلية ،وضغائن ُأحدية ،وثب بها معاوية حين
الغفلة ،ليدرك بها ثارات بني عبد شمس .ثم قالت :ﵛﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ
ﲦ ﲧ ﲨﵚ((( ،صبر ًا ،معشر األنصار والمهاجرين ،قاتلوا على بصيرة من ربكم،
كح ُم ٍر مستنفرة ،ال تدري أين ُي ْس َل ُك
وثبات من دينكم ،وكأنّي بكم غد ًا لقد لقيتم أهل الشام ُ
بها من فجاج األرض ،باعوا اآلخرة بالدنيا ،واشتروا الضاللة بالهدى ،وباعوا البصيرة
تحل بهم الندامة ،فيطلبوا اإلقالة .إنّه والله َم ْن ضلبالعمى ،عما قليل َل ُي ْصبِح َّن نادمين ،حتى ّ
عن الحق َو َق َع في الباطل ،و َم ْن لم يسكن الجنة نزل النار.
إن األكياس استقصروا عمر الدنيا فرفضوها ،واستبطأوا مدة اآلخرة فسعوا أيها الناس! ّ
لها .والله أيها الناس! لوال أن تبطل الحقوق ،و ُت َع َّط َل الحدود ،ويظهر الظالمون وتقوى كلمة
قيل :زبيدي نسبة إلى زبيد ،بلد باليمن ،والكثيف :الغليظ ،والحاشية :الجانب.. (((
جمل أرمك أي لونه يميل إلى السواد لسان العرب ،ج 10ص.434 (((
أي أحاطتها النساء. (((
الشقشقة هي جلدة حمراء يخرجها البعير من فيه في حالة الهياج ،وإذا قالوا للخطيب« :ذو شقشقة» (((
فإنّما ُي َش َّب ُه بالفحل ،وألمير المؤمنين خطبة عرفت بالخطبة الشقشقية ،وسبب التسمية أنّه قال
في آخرها« :تلك شقشقة هدرت ثم ّقرت».
سورة الحج ،اآلية .1 (((
سورة محمد ،اآلية .31 (((
سورة التوبة ،اآلية .12 (((
المرأة في النص الديني 138
الشيطان لما اخترنا ورود المنايا على خفض((( العيش وطيبه ،فإلى أين تريدون رحمكم الله
ِ
وخصه
َّ عن ابن عم رسول الله (ص) وزوج ابنته ،وأبي ابن ْيه؟ ُخل َق من طينتهّ ،
وتفرع من نبعته،
يزل كذلك يؤ ّيده الله بسره ،وجعله باب مدينته و َع َل َم المسلمين ،وأبان ببغضه المنافقين ،فلم ْ
ِّ
عز وجل بمعونته ،ويمضي على سنن استقامته ،ال يعرج لراحة اللذات .ها هو مف ّلق الهام
ومكسر األصنام ،إذ ص ّلى والناس مشركون ،وأطاع والناس مرتابون ،فلم يزل كذلك حتى ّ
وفرق جمع هوازن ،فيا لها من وقائع زرعت في قلوب قتل مبارزي بدر ،وأفنى أهل ُأحدّ ،
قوم نفاق ًا ور ّدة وشقاق ًا! قد اجتهدت في القول ،وبالغت في النصيحة ،وبالله التوفيق وعليكم
السالم ورحمة الله وبركاته.
ُك مافقال معاوية :والله يا أم الخير ،ما أردت بهذا الكالم إال قتلي ،والله لو َق َت ْلت ِ
َح ِر ْج ُت في ذلك.
يدي َم ْن ُيسعدني الله
قالت« :والله ما يسوؤني يا بن هند! أن يجري الله ذلك على ْ
بشقائه.(((»..
(((
) جأم سنان المذحج ّية
والنموذج الثالث للمرأة التي تر ّبـت في مدرسة علي هي أم سنان المذحجية ،وهي
أن مروان بن الحكم حبس غالم ًا -أيض ًا -من الوافدات على معاوية ،والسبب في ذلك ّ
من بني ليث في جناية جناها بالمدينة ،فأتته أم سنان وهي جدّ ة الغالم« ،فك ّلمته في الغالم،
فأغلظ لها مروان ،فخرجت إلى معاوية ،فدخلت عليه فانتسبت له ،فقال :مرحب ًا بك يا بنت
عدوي؟! علي خيثمة ،ما َأ ْقدَ م ِك أرضي وقد عهدت ِ
ّ وتحضين ّ ّ ُك تشنئين قربي َ
إن لبني عبد مناف أخالق ًا طاهرة وأعالم ًا ظاهرة ال يجهلون
قالت :يا أمير المؤمنين ّ
بعد علم ،وال يسفهون بعد حلم ،وال يتعقبون بعد عفو ،فأولى الناس باتباع سنن آبائه ألنت.
قال :صدقت نحن كذلك فكيف قولك:
والليل يصـــدر بالهموم ويور ُد ُب الرقـــاد فمقلتي ما ترقد
َعز َ
تبنك فالن بالمكان وفي المكان :أقام به وتمكن فيه .والبراح -بفتح الباء :-التحول واالنتقال. (((
معدي ًا :شاكي ًا ومستنصر ًا. (((
أي إخراج حفيدها من الحبس. (((
بالغات النساء ،ص ،63وتاريخ مدينة دمشق ،ج 70ص .247والفتوح ،ج 3ص .67 (((
141 المحور الثالث :المرأة في حياة اإلمام علي
قالت :أو تعفيني من ذلك؟
قال :ال أعفيك ،ولذلك دعوتك.
قالت :فأ ّما إذ َأ َب ْي َت فإنّي أحببت علي ًا على عدله في الرعية وقسمه بالسوية،
وواليت علي ًا على
ُ و َأ ْب َغ ْضت َُك على قتالك َم ْن هو أولى باألمر منك ،و َط َلبِك ما ليس لك،
ما عقد له رسول الله (ص) من الوالية وح ّبه المساكين وإعظامه ألهل الدين ،وعاديتك على
سفكك الدماء وش ِّقك العصا. ِ
((( بالغات النساء ،ص ،72صبح األعشى ،ج 1ص ،306ربيع األبرار ،ج 3ص .152
143 المحور الثالث :المرأة في حياة اإلمام علي
ثم دعا كاتبه في الليل ،فكتب إلى عامله في الكوفة أن أو ْفد ّ
إلي الزرقاء ابنة عدي مع ثقة
واسترها بستر حصيف .فلما ورد عليه
ْ من محرمها وعدّ ة من فرسان قومها ،و َم ِّهدْ ها وطا ًء لين ًا
الكتاب (أي إلى عامله) ركب إليها فأقرأها الكتاب.
إلي لم أر ْم
فقالت :أ ّما أنا فغير زائغة عن طاعة ،وإن كان أمير المؤمنين جعل المشيئة ّ
بلدي((( هذا وإن كان حكم األمر فالطاعة له أولى بي(((.
فحملها في هودج وجعل غشاءه حبر ًا((( مبطن ًا بعصب اليمن((( ،ثم أحسن صحبتها.
وفي حديث المقدمي ،فحملها في عمار ّية جعل غشاءها خز ًا أدكن مبطن ًا بقوهي(((،
ِ
حالك يا خالة فلما َق ِد َم ْت على معاوية قال لها :مرحب ًا وأهالً ،خير مقدم َق ِد َمه وافد ،كيف
وكيف ِ
رأيت مسيرك؟
ال ممهد ًا.
قالت :خير مسير ،كأني كنت ربيبة بيت أو طف ً
قال :بذلك أمرتُهم ،فهل تعلمين لِ َم بعثت إليك؟
قالت :سبحان الله أنّى لي بعلم ما لم ُأ َع َّلم؟ وهل يعلم ما في القلوب إال الله!
قال :بعثت إليك أن أسألك :ألست راكب َة الجمل األحمر يوم صفين بين َّ
الصفين،
وتحضين على القتال ،فما حملك على ذلك؟ ّ توقدين الحرب
قالت :يا أمير المؤمنين إنّه قد مات الرأس و ُبتِ َر الذنب والدهر ذو غير ،و َم ْن تفكَّر أبصر،
األمر.
ث بعدَ ه ُ واألمر َي ْحدُ ُ
قال لها :صدقت فهل تحفظين كالمك يوم صفين؟
قالت :ما أحفظه.
ِ
سمعتك تقولين :أيها الناس إنّكم في فتنة ِ
أبوك لقد قال :ولكني والله أحفظه ،لله
((( انظر :االنتفاضات الشيعية للسيد هاشم معروف الحسني ،ص .338
((( المحجن :عصا في رأسها اعوجاج.
المرأة في النص الديني 146
فقال معاوية :إنه ال يضعك شيء ،فاذكري حاجتك تُقضى ،فقضى حوائجها ور ّدها إلى
بلدها»(((.
فقال معاوية :قاتلك الله يا بنت صفوان ما تركت لقائل فقال مقاالً ،اذكري حاجتك.
(((
قالت :هيهات ،بعد هذا والله ال سألتك شيئ ًا ،ثم قامت فعثرت فقالت َت ُع َس شانئ
علي.(((»..
((( انظر :بالغات النساء ،ص ،72وتاريخ مدينة دمشق ،ج 69ص.291والنص مأخوذ من المصدرين.
((( النهك :المبالغة في الشيء ،والمراد هنا :المبالغة في العقوبة.
المرأة في النص الديني 150
على طول الصحابـــة أوجعونا أصحاب مصر ُ َل َع ْم ُر أبي لقـــد
وليس كـــذاك فعـــل العاكفينا وغرونـــا بأنّهـــم عكـــوف ّ
بخيـــر النـــاس طـــر ًا أجمعينا أفي شـــهر الصيـــام فجعتمونا
أبو حســـن وخيـــر الصالحينا ومن بعـــد النبي فخيـــر نفس
نعام جـــال فـــي بلد ســـنينا كأن النـــاس إذ فقـــدوا عليـــ ًا ّ
َ
المـــال فيـــه والبنينـــا َب َذ ْلنَـــا َ
المـــال فيه ِ
ولـــو أنـــا ُســـئ ْلنا
َأ َم َامـــة( )1حين فارقـــت القرينا ـــال حزني وأ َط َـــاب ذؤابتي َ َ َأ َش
فلما استيأســـت رفعـــت رنينا تطـــوف بهـــا لحاجتهـــا إليه
()2
تجاوبهـــا وقـــد رأت اليقينا ـــر ُة أ َّم كلثـــوم إليهـــا و َع ْب َ
فـــإن بقيـــة الخلفـــاء فينـــا
ّ ت معاويـــ ُة بن صخر فال ت َْش َ
ـــم ْ
إلى ابـــن نبينـــا وإلـــى أخينا وأجمعنـــا اإلمارة عـــن تراض
ســـواه الدهـــر آخر مـــا بقينا وال نعطـــي زمـــام األمـــر فينا
تواصـــوا أن نجيـــب إذا دعينا ـــراتنا( )3وذوي حجانـــا وإن ُس َ ّ
عليهـــن الكمـــاة مســـومينا وج َّر َد ٍ
()5
بكل ُم َهنَّـــد عضـــب(َ )4
أمامة هي زوجة اإلمام علي ،وهي بنت أبي العاص ،وأمها زينب بنت رسول الله(ص). (((
أم كلثوم هي ابنة علي ،واليقين :الموت الذي ّ
حل بأبيها. (((
السراة :األشراف.
َّ (((
العضب هو القاطع ،كما تقدم. (((
مقاتل الطالبيين ،ص .28 (((
151 المحور الثالث :المرأة في حياة اإلمام علي
ٍ
ضروس ضدّ ه، ٍ
لحرب ر ّدة فعل إزاء ما فعلته السيدة عائشة معه ،من خروجها عليه وقيادتها
وهو ما أربك مشروعه وتس ّبب بسقوط آالف الضحايا من المسلمين.
نسجل أسباب رفضنا لهذا الكالم ،يجدر بنا أن نلقي نظرة عابرة على ما ّ وقبل أن
سجل المؤرخون أنّه وبعد مبايعة المسلمين حدث بين اإلمام والسيدة عائشة .فقد ّ
وعلى رأسهم صحابة رسول الله(ص) من المهاجرين واألنصار لإلمام علي وتس ّلمه
فإن هذا األمر أثار حفيظة عائشة وثارت ثائرتها ،فهي لم تكن مح ّبة لزمام أمور المسلمينّ ،
لعلي ،ألسباب شتى ،األمر الذي استغ ّله المناوئون لعلي ،وعلى رأسهم طلحة
والزبير اللذ ْين بايعا علي ًا في بادئ األمر ثم انقلبا عليه ونكثا البيعة ،و َع ِمال على إقناع
بحجةعائشة لتذهب معهم إلى البصرة في حركة احتجاجية انشقاقية على الحاكم الشرعيَّ ،
المطالبة بدم عثمان! مع أنّهما وكذا السيدة عائشة((( كانوا من أشدّ الناقمين على سياسة
أن المؤشرات المختلفة تب ّين بشكل واضح أنّه لم يكن عثمان ،والمحرضين عليه .والواقع ّ
الغرض األساس للمطالبين بدم عثمان هو الثأر من قتلته ،فعلي ليس مسؤوالً عن ذلك،
ألنّه كان رافض ًا لمحاصرة عثمان من األساس ،ودافع عنه بما يستطيع ،فالقضية ليست هنا
بل في محل آخر ،وهو الطمع بالسلطة ومنافعها ،والخشية من حزم علي وشدّ ته في
ذات الله ،فقد كان الجماعة الذين ناهضوا علي ًا على معرفة تامة بأنّه صاحب مشروع
إصالحي وأنّه ال تأخذه في الله لومة الئم ،وهو قد تو ّعد بإعادة األموال العظيمة التي
حق إلى بيت المال ،وهذا ما يهدد مصالح القوم ،فألجل حصل عليها البعض منهم بغير وجه ٍّ
هذا كانت عملية االنشقاق وكانت الحرب ،وكان ال بدّ لعملية االنقالب على اإلمام من
غطاء معين «يبرر» الخروج على الحاكم الشرعي ،وهو حاكم يمتلك صدق ّية وأهل ّية وأسبقية
((( أ ّما موقف السيدة عائشة من عثمان فمعروف ،وقد كانت تقول« :اقتلوا نعث ً
ال فقد كفر» ،انظر :تاريخ
أن عائشة« :خرجت الطبري ،ج 3ص 477والكامل في التاريخ ،ج 3ص.206ويروي ابن أبي الحديد ّ
بقميص رسول الله (ص) فقالت للناس :هذا قميص رسول الله لم يبل ،وعثمان قد أبلى سنته» ،ثم
أن عثمان جيفة على تقول« :اقتلوا نعثالً ،قتل الله نعثالً» ،ثم لم ترض بذلك حتى قالت« :أشهد ّ
الصراط غد ًا» ،انظر :شرح نهج البالغة ،ج 20ص ،22والعبارة األخيرة منقولة عن الزبير ،فقد روي ّ
أن
«الزبير كان يقول :اقتلوه فقد بدّ ل دينكم ،فقالوا :إن ابنك يحامي عنه بالباب ،فقال :ما أكره أن يقتل
إن عثمان لجيفة على الصراط غد ًا» ،انظر :المصدر نفسه ج 9ص.39وأ ّما طلحة عثمان ولو بدئ بابنيّ ،
ً
فلم يكن موقفه أقل سلب ّية من موقف عائشة ،فقد ذكر البالذري أنّه« :ولم يزل عثمان مكرما لطلحة
حتى ُح ِصر ،فكان طلحة أشدّ الناس عليه» ،انظر :أنساب األشراف ،ج 5ص.506
المرأة في النص الديني 152
أفضل من عائشة لتضفي على هذه الحرب نوع ًا من «المشروعية» ُ ال يشاركه أحد فيها ،و َم ْن
الشكل ّية إلقناع بعض الناس باالنخراط فيها! فعائشة زوجة رسول الله(ص) ،وبنت الخليفة
مفوهة وتتحلى بمهارات أخرى األول أبي بكر ،وعالوة على ذلك ،فهي امرأة ذك ّية وخطيبة ّ
أن هذا الخروج الحجة ووضوح األمر في ّ ّ تسمح لها بالتأثير على الجماهير .وبالرغم من قيام
لحرب اإلمام ليس محق ًا وال يملك حد ًا أدنى من الشرع ّية وال المبررات الموضوعية،
ووجود العديد من الشواهد والدالئل على ذلك ،والتي كان من المفترض أن تدفع بعائشة
زجها في هذه الحرب ،أو خروجها طائع ًة إليها ،بيد أنّها -مع نفسها لرفض كل محاوالت ّ
ذلك -خرجت ،ووقعت فيما وقعت فيه ،وجرت الحرب التي حصدت آالف األرواح من
حزن وألم ألمير المؤمنين ،وقد ٍ المسلمين! وكل هذه األحداث المريرة كانت مبعث
أدمت قلبه وجرحت مشاعره ،فما أصعب أن يرى علي نفسه مضطر ًا لقتال أصدقاء
ٍ
حرب لم يكن لها األمس ،وينظر من جهة أخرى فيرى آالف المسلمين يتهاوون صرعى في
مبرر على اإلطالق من قبل الذين أشعلوا فتيلها.
لكن بالرغم من فداحة الخطب ،تعال معي لنرى كيف كان موقف علي بعد انتهاء
تصرف مع السيدة عائشة تحديد ًا؟الحرب؟ وكيف ّ
وتمر ٍد عليه جرى مع غيره من الناس لربما
أن ما جرى معه من تنك ٍّر لحقه ّ أعتقد لو ّ
تصرف بطريقة أخرى ال تخلو من قسوة أو انتقام ،وال س ّيما مع الذين قادوا هذه الحرب ،لك ّن
ّ
وخل َقه الكريم ال يسمح له إال أن
نبل علي يأبى له إال أن يتسامى ويتعالى على الجراحُ ، َ
يكون عظيم ًا كما عرفناه وعرفته البشرية في كل حياته ومواقفه ،ولهذا لم يسمح لكل آالمه
أن السيدة عائشة هي عرض رسول الله(ص) وزوجه ،فاحترمها وجراحه وال لغضبه أن تنسيه ّ
وصانها ،وحرص كامل الحرص على أن ال يتعرض لها متعرض من جيشه بكلمة تخدش
مشاعرها ،أو بكلمة نابية تنال منها ،وعمل على إعادتها إلى بيتها الذي أمرها الله تعالى
مكرمة ،بالرغم من فداحة المصيبة ،وعميق الجرح تقر فيه في المدينة المنورة معززة ّ
(((
أن ّ
الذي أصيب به علي وأصيبت به األمة .وقد تناولنا هذا الموضوع بشيء من التفصيل في
كتابنا «بحوث حول السيدة عائشة -رؤية شيعية معاصرة» ،فليراجع.
علي في المرأة جاء من خالل بغضه ((( نقل الشيخ محمد جواد مغنية عن بعضهم أنّه قالّ :
«إن رأي ٍّ
لعائشة ،ألنها حاربته» ،انظر :في ظالل نهج البالغة ،ج 4ص.359
((( المصدر نفسه ،ج 4ص.357
((( نهج البالغة ،ج 2ص.48
المرأة في النص الديني 154
وقد فنّدَ الشيخ مغنية هذا الرأي الذي يحاول اإليحاء ّ
بأن ّثمة عقدة خاصة لإلمام
من المرأة على خلف ّية ما فعلته عائشة معه ،وأجاب عليه بعدة إجابات:
«إن موقف عائشة من اإلمام ليس بأعظم من موقف طلحة والزبير اللذين بايعا ثم نكثا ّ --1
وحرضا عائشة على الخروج ،وال بأعظم من موقف معاوية وابن العاص ،وال بأعظم من ّ
موقف الخوارج .ولو صح تفسير رأي اإلمام في المرأة بكراهية عائشة لوجب أن يكون
رأيه في الرجل تمام ًا كرأيه في المرأة ،ألن طلحة والزبير ومعاوية وابن العاص ومن ّ
لف
لفهم فعلوا ما فعلت عائشة وزيادة.
--2هل بلغ الذهول بعلي -وهو باب مدينة العلم -أن يحكم على النساء ،كل النساء ،من
خالل امرأة واحدة تلقب بصاحبة الجمل ،ويقيس النوع على الفرد؟! ّ
إن هذا منطق أهل
الجهل والغباء ال منطق المعصومين والعلماء.
--3متى كان لعلي -الذي يدور الحق معه كيفما دار -شهوات وميول حتى يستمد منها آراءه
وينطق بوحيها .أحين أكرم عائشة وأطلقها من األسر ،أو حين تمكن سيفه من رقبة ابن
العاص وبسر بن أرطأة فعفا عنهما ،أو حين سقى الماء لمعاوية بعد أن منعه منه»(((.
((( كما قال رسول الله(ص) فيما روي عنه« :أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب»،
قال الحاكم النيسابوري بعد روايته لهذا الحديث« :هذا حديث صحيح اإلسناد ولم يخرجاه ،يقصد
البخاري ومسلم» ،انظر :المستدرك ،ج 3ص .126
((( وهي قوله تعالى :ﵛﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ...ﵚ [المجادلة
أن هذه اآلية لم يعمل بها أحد ّإل اإلمام علي ،ففي المستدرك للحاكم بإسناده ،]12فقد روي ّ
«إن في كتاب الله آلية ما عمل بها أحد وال يعمل بها أحد عن علي قال رسول الله(ص)ّ :
بعدي :آية النجوى :ﵛﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ...ﵚ ،قال :كنت
كلما ناجيت النبي (ص) قدمت بين يدي نجواي درهم ًا ،ثم نسخت فلم يعمل بها أحد ،فنزلت:
ﵛﭐﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠﵚ [المجادلة ،»]13انظر المستدرك على الصحيحين،
ج 2ص.482
المرأة في النص الديني 158
والطيبة في التعامل معها ،لكنّه وبإزاء ذلك توجد جملة من األحاديث المرو ّية عنه(ص)
أو المنسوبة إليه وهي على خالف ما تقدم ،وال تبتعد في المضمون عن النصوص المروية
عن أمير المؤمنين بشأنها ،مما سيأتي الحديث عنها بشكل مفصل في المحور الالحق،
فهي نصوص تلتقي مع تلك في منحاها العام الذاهب إلى ذ ّم المرأة واالستهانة بطاقاتها
وكفاءتها ،األمر الذي يثير إشكاالً في وجه اإلسالم ويدعو إلى االعتقاد ّ
أن لديه نظرة دون ّية
تجاه المرأة ،هذا فيما لو كانت تلك النصوص صادرة حق ًا عن الرسول(ص) ،لبيان القاعدة
العامة في المرأة.
وقبل أن نضع هذه النصوص على مشرحة البحث العلميّ ،
فإن علينا التنبيه والتذكير
أهم
بأن هذه النصوص ال بدّ أن نتعامل معها على أساس الضوابط العامة المتقدمة ،ومن ّ ّ
هذه الضوابط :ضرورة إخضاعها إلى معيار التدقيق السندي ،والعرض على الكتاب الكريم،
ورفض التعامل معها على أساس قاعدة التسامح في أدلة السنن ،وضرورة النظر إليها
بشمول ّية وإحاطة كاملة ،واالبتعاد عن النظرة التجزيئية في التعامل معها ،وضرورة مالحظة
البعد التاريخي فيها وما إذا كانت صادرة على نهج القضية الحقيقية أو الخارجية ،على حدّ
أن من الضروري أخذ أمر آخر بعين االعتبار ،وهو ما أشرنا إليه قبل تعبير األصوليين ،كما ّ
قليل من مالحظة مكانة المرأة في حياة النبي(ص) ،إذ ال يكفي لبناء تصور إسالمي عن
وغض النظر أو تناسي السيرة الفعل ّية
السنة القول ّية لرسول الله(ص) فحسبّ ،
المرأة مالحظة ُّ
له(ص) في تعامله وتعاطيه مع المرأة.
فإن من الضروري مالحظة القاعدة العقل ّية المتقدم ذكرها ،وهي ّ
أن الذم ال وهكذا ّ
ال -ال تذ ّم ،لكونها تحيضّ ،
فإن الحيض ليس يكون على ما ليس باالختيار ،فالمرأة -مث ً
ٍ
وعيب فيها. أمر ًا اختياري ًا لها ،وإنّما هو حالة تكوين ّية ُفطرت عليها ،وال ُيعدّ ذلك حالة نقص
بعد التذكير بهذه المعايير والضوابط ،فإنّنا ننتقل إلى استعراض جملة من األحاديث
المروية عن الرسول(ص) بشأن المرأة ،التي ال تخلو من داللة صريحة أو إيحائية على ذ ّمها،
ووجود نظرة سلبية تجاهها.
صحيح البخاري ،ج 2ص ،28وصحيح مسلم ،ج 3ص ،34وانظر :مسند أحمد ،ج 1ص.234 (((
قوت القلوب ألبي طالب المكي ،ج 2ص.240 (((
ّ
المصنف لعبد الرازق الصنعاني ،ج 11ص ،72واالستيعاب ،ج 4ص ،1886وعلق ابن حزم على هذا (((
حجة فيه» ،انظر :المحلى ،ج 10ص.83 الحديث قائالً« :وهذا مرسل ال ّ
ويقال للذهب والزعفران األصفران أيض ًا ،وللماء واللبن األبيضان ،وللتمر والماء األسودان ،وقد (((
قيل« :أهلك الرجال األحمران :اللحم والخمر ،وأهلك النساء األحمران :الذهب والزعفران» ،انظر:
البخالء للجاحظ ،ص.147
الكافي ،ج 5ص.514 (((
المرأة في النص الديني 160
وب الخبر الثاني :ما رواه أيض ًا عن ُم َح َّمد ْبن َي ْح َيى َع ْن َأ ْح َمدَ ْب ِن ُم َح َّم ٍد َع ِن ا ْب ِن َم ْح ُب ٍ
ول ال َّله(ص) َي ْو َم ب َع ْن َجابِ ٍر ا ْل ُج ْع ِف ِّي َع ْن َأبِي َج ْع َف ٍرَ ق َالَ :خ َر َج َر ُس ُ َع ْن َع ْب ِد ال َّله ْب ِن َغالِ ٍ
ف َع َلي ِهن ُثم َق َال« :يا مع ِ ِ ِ الن َّْح ِر إِ َلى َظ ْه ِر ا ْل َم ِدين َِة َع َلى َج َم ٍل َع ِ
اش َر َ َ َ اري ا ْلج ْس ِم َف َم َّر بِالن َِّساء َف َو َق َ ْ َّ َّ
ت إِ َل ْيهك َب َك ْي َنُ ،ث َّم َق َام ْ َّار َف َل َّما َس ِم ْع َن َذلِ َ
اجك َُّن َفإِ َّن َأ ْك َث َرك َُّن فِي الن ِ اء تَصدَّ ْقن َ ِ
وأط ْع َن َأز َْو َ الن َِّس َ َ
ِ
ُون ِم ْن َأ ْه ِل
ار َفنَك َ ار وال َّله َما ن َْح ُن بِ ُك َّف ٍ ول ال َّله(ص) فِي الن ِ
َّار َم َع ا ْل ُك َّف ِ تَ :يا َر ُس َ ْام َر َأ ٌة ِمن ُْه َّن َف َقا َل ْ
اجكُن»(((. ات بِ َح ِّق َأز َْو ِ ول ال َّله(ص) :إِ َّنك َُّن كَافِ َر ٌ َّار! َف َق َال َل َها َر ُس ُ الن ِ
معتبر سند ًا بخالف األول((( ،وعليه ،فال يمكن رمي حديث ابن عباس
ٌ والخبر الثاني
ألن مضمونه معتضدٌ بما روي صحيح ًا من
السنة بالوضع أو الضعفّ ، المروي من طرق ُّ
طرق أهل البيت .
الوقفة الثانية
إن صحة السند في بعض الروايات المتقدمة ال تمنع من تسجيل عدة مالحظات على ّ
مضمونها ،وإليك البيان:
أوالً :قال بعض األعالم تعليق ًا على حديث ابن عباس المتقدّ م« :لم يثبت ،والواقع
أن نسبة وقوع المعاصي من ِقبل الرجال أكثر منه عند النساء، المشهود في تاريخ البشر هو ّ
ٍ
معاص موبقة ال يقوم بها غالب ًا ّإل الرجال كاللواط والسرقة والقتل وغيرها .أ ّما النساء فثمة
فيالزمن المنازل غالب ًا ويقم َن بالوظائف البيتية أو العمل في المزارع والمعامل .أضف إلى
أن المعاناة التي تالقيها المرأة أ ّيام الحمل والوضع بمثابة مطهر لها من الذنوب ولو ذلك ّ
أن رسول ال ّله(ص) قال: ماتت في هذا السبيل ماتت شهيدة .روى النسائي عن عقبة بن عامر ّ
«والنفساء في سبيل ال ّله شهيد»(((.
إن الروايات اآلنفة تبرر كون أكثر ّية النساء في النار بأنّهن ال يحس ّن معاشرة الزوج ثاني ًاّ :
أن هذا األمر لو كان أكثري ًا في النساء،
والتعامل معه وأداءه حقه ،وال َي ْشك ُْر َن إحسانه ،ومعلو ٌم ّ
فإنّه ال ُي َعدُّ كفر ًا وال شرك ًا ،وإنّما هو معصية كبيرة ،والمعاصي -كما هو معلوم -ال توجب
سوى دخول النار وليس الخلود فيها ،وعليه فإنّنا نسأل :أليس معظم الرجال -أيض ًا ُ -ي ِس ْئن
((( انظر :األمثال في الحديث النبوي لعبد الله بن حبان (ت 369هـ) ،ج 1ص .161
المرأة في النص الديني 166
المنكر إنما يأتي -في الغالب -من طرف الرجال وبواسطتهم ،فالشبكة اإلغرائية
متبادلة بين الطرفين ،وهذا ما يشهد به الواقع الخارجي.
= آمنوا أول النهار ،واكفروا في آخره ،وقالوا أيض ًا :ﵛﭐﱅ ﭐﲼ ﱮ ﱃ ﱋ ﳔﵚ [آل عمران .]73
والمراد من ال تؤمنوا ،االطمئنان ،ال األمانة وال االعتقاد ،وإال تعدّ ت بالباء ال بالالم ،والمعنى ّ
أن
بعض أهل الكتاب قال لبعض :ال تطمئنوا ألحد إال لمن اتبع دينكم ،تمام ًا كقوله تعالى :ﵛﭐﲸ
ﲹﵚ [التوبة ،]61أي يطمئن لهم» ،انظر :التفسير الكاشف ،ج 2ص.87
((( سورة يوسف ،اآلية .28
((( األمالي ،ص.340
المرأة في النص الديني 170
--3حديث« :لي�س �أ�ض ّر من الن�ساء على الرجال».
السنة بأسانيدهم عن أسامة بن زيد عن
وهو حديث رواه أصحاب الصحاح من أهل ُّ
تركت بعدي فتن ًة َّ
أضر من النساء على الرجال»(((. ُ رسول الله(ص) قال« :ما
وبصرف النظر عن السند ،فقد اعترض عليه الشيخ جعفر السبحاني قائالًّ :
«إن القرآن
الكريم يذكر األموال واألوالد من أسباب الفتنة ،ويقول :ﵛﭐﲍ ﲎ ﲏ ﲐ
ن بقوله :ﵛﭐﲄ ﲅ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕﵚ((( .وال يذكر النساء من أسبابها ،وإنّما يصفه ّ
أقل بكثير من ضررﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋﵚ((( .فضرر النساء على الرجال ّ
حب الرئاسة والجاه والمال»(((.
ّ
لدي في المقام وقفتان:
أقولّ :
صحيح البخاري ،ج 6ص ،124وصحيح مسلم ،ج 8ص ،89وسنن ابن ماجه ،ج 2ص.1325 (((
سورة التغابن ،اآلية .15 (((
سورة التغابن ،اآلية .14 (((
الحديث النبوي بين الرواية والدراية ،ص.251 (((
171 المحور الرابع :ما روي عن رسول الله(ص) في ذ ّم المرأة
مطلق ودونما تبعيض أو تفصيل ّ
أن األوالد واألموال فتنة ،ولم تذكر األزواج ،ما يوحي
أنّهم ليسوا فتنة.
أن كلمة «أزواجكم» في اآلية ليس المراد بها النساء حصر ًا ،بل هي
وتجدر اإلشارة إلى ّ
شاملة للزوجين من الجنسين.
حب الرئاسة أقل بكثير من ضرر ّ أن ضرر النساء على الرجال هو ّ ثاني ًاّ :
إن ما ذكره حول ّ
فحب الرئاسة إنما ُيبتلى به األقل ّية من
ّ والجاه والمال عليهم ،ليس واضح ًا على إطالقه،
حب الرئاسة كثيرة،الناس ،وال يكون ضرره عام ًا بالنسبة للرجال .أجل ،قد تكون ضحايا ِّ
أن كثير ًا من
حب النساء ،وذلك بدليل ّ أهم لدى جنس الرجل من ّ
حب المال فال يبدو أنّه ّوأ ّما ّ
الرجال -كما نرى ونالحظ -يبددون أموالهم ويصرفونها في سبيل الحصول أو الوصول
إلى النساء الحسناوات.
((( صحيح مسلم ،ج 4ص ،178وانظر :صحيح البخاري ،ج 4ص ،103وروى الحاكم بإسناده عن أبي
هريرة ّ
أن النبي (ص) قال« :المرأة خلقت من ضلع أعوج ،وإنّك إن أقمتها كسرتها ،وإن تركتها تعش
بها وفيها عوج» .ثم قال« :وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه» ،انظر :المستدرك،
للحاكم ج 4ص .174
((( البداية والنهاية ،ج 11ص ،334رواه عن ابن األعرابي ،وعيون األخبار للدينوري ،ج 4ص ،77وشرح
نهج البالغة البن أبي الحديد ،ج 18ص.200
((( فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء ،ج 4ص ،19وهي بتوقيع بعض العلماء ومنهم:
عبد العزيز بن عبد الله بن باز.
173 المحور الرابع :ما روي عن رسول الله(ص) في ذ ّم المرأة
وهذا ما يبعث على طرح عدّ ة أسئلة ،من قبيل :هل صحيح ّ
أن حواء خلقت من ضلع
عما إذا كان أعوج أو غير أعوج؟
آدم بصرف النظر ّ
أن أضالع الرجل ُّ
أقل من ما هو منشأ هذه الفكرة؟ وهل تملك سند ًا صحيح ًا؟ وهل ّ
أضالع المرأة ،كما يستفاد من بعض األخبار؟
ما مغزى الحديث عن ّ
أن المرأة خلقت من ضلع أعوج؟
يصح تفسير ذلك بأنّه كناية عن ضعف عقلها واعوجاج أخالقها وأنّها ال تقبل
ّ وهل
اإلصالح؟
وتعليق ًا على هذا الموضوع وإجاب ًة على هذه األسئلة ،فإننا ّ
نسجل الوقفتين التاليتين:
((( اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء ،ج 17ص ،8والفتوى بإمضاء :صالح الفوزان ،وعبد العزيز آل
الشيخ ،وعبد العزيز بن عبد الله بن باز.
((( من ال يحضره الفقيه ،ج 3ص .380وعلل الشرائع ،ج 1ص.17
((( تفسير العياشي ،ج 1ص .216
175 المحور الرابع :ما روي عن رسول الله(ص) في ذ ّم المرأة
وفي حديث ثالث رواه الصدوق بإسناده عن معاوية بن عمار ،عن الحسن بن
عبد الله ،عن أبيه ،عن جده الحسن بن علي بن أبي طالب ،قال :جاء نفر من اليهود إلى
رسول الله(ص) -إلى أن قال(ص) « :-خلق الله عز وجل آدم من طين ،ومن فضلته وبق ّيته
ُخلقت حواء»(((.
«إن حواء ُخلقت منواستناد ًا إلى هذه األحاديث قال الشيخ الصدوق (رحمه الله)ّ :
فضلة الطينة التي خلق منها آدم وكانت تلك الطينة مبقاة من طينة أضالعه ،ال أنّها خلقت
من ضلعه بعدما أكمل خلقه ،فأخذ ضلع من أضالعه اليسرى فخلقت منها ،ولو كان كما
إن آدم كان ينكح بعضهيقول الجهال لكان لمتكلم من أهل التشنيع طريق إلى أن يقولّ :
بعض ًا .وهكذا خلق الله عز وجل النخلة من فضلة طينة آدم ،وكذلك الحمام فلو كان
ذلك كله مأخوذ ًا من جسده بعد إكمال خلقه لما جاز أن ينكح حواء ،فيكون قد نكح بعضه
[بعض ًا] ،وال جاز أن يأكل التمر ألنّه كان يكون قد أكل بعضه ،وكذلك الحمام ،ولذلك قال
النبي(ص) في النخلة« :استوصوا بعمتكم خير ًا»(((.
والروايات المتقدمة عن أهل البيت باإلضافة إلى صراحتها في تكذيب فكرة خلق
حواء من ضلع آدم ،فإنّها تتضمن وجهين عقليين لرفض الفكرة المذكورة ،والوجهان هما:
إن قدرة الله تعالى ال تحدّ ،وهو ليس عاجز ًا عن أن يخلق حواء بطريقة بعيدة
أحدهماّ :
عن اإلشكال ،فما الموجب أن يخلق حواء من ضلع آدم مع قدرته على خلقها بالطريقة عينها
تمت عمل ّية أخذ الضلع من آدم ،هل ُأدخل في حالة سبات أو التي خلق بها آدم؟! ثم كيف ّ
عمل جراحي إلخراج ضلعه مقدمة لخلق حواء منه! وهذا الوجه قد تخدير ،ثم ُأجري له ٌ
أشار له -أيض ًا -الخبر المتقدم المروي عن اإلمام الباقر وفيه« :كذبوا أكان الله يعجزه
أن يخلقها من غير ضلعه!».
ً
متكأ ألخصام إن حواء لو كانت قد ُخلقت من ضلع آدم فهذا سوف يشكّلوالثانيّ :
إن آدم ينكح بعضه بعض ًا!((( .وهذا ما ّ
يتنزه الدين وأهل التشنيع والتشكيك ،ليقولواّ :
((( األمالي للشيخ الصدوق ،ص ،260وعلل الشرائع ،ج 2ص .516
((( من ال يحضره الفقيه ،ج 4ص .327
صحت الرواية المذكورة بما تضمنته من استهجان خلق حواء من ضلع آدم لما قد يتسببه((( أقول :ولو ّ
ال على حرمة زواج الشخص من البنت المتكونة ذلك من تشنيع على الدين وأهله ،فهي قد تصلح دلي ً
يتم استيالدها بطريقة االستنساخ مثالً ،كما تناولنا ذلك في مباحث فقه
من بعض خالياه والتي قد ّ
الطب في اإلسالم.
المرأة في النص الديني 176
الحكيم عن فعله ،درء ًا للشبهة وإكماالً وتتميم ًا للحجة على الخلق ،وال ّ
سيما مع وجود
خيارات أخرى لخلق حواء ال توقع في هذا المحذور.
أن هذين الوجهين يرجعان إلى وجه واحد ،وهو أنّه مع قدرة الله تعالى على والواقع ّ
خلق حواء بطريقة بعيدة عن االعتراض الذي قد يتذرع به أهل التشكيك والتشنيع فال موجب
لخلقها من ضلع آدم ،مع ما يستلزمه ذلك من فتح الباب أمام التشكيك في حكمة الله وقدرته.
مناقشة االعتراض
ور ّبما يلوح في ذهن البعض أن يناقش فيما جاء في الكالم المذكور حتى لو كان
وارد ًا في الروايات ،وخالصة هذه المناقشة أنّه ال قبح وال شناعة في أن يتزوج اإلنسان
امرأ ًة مخلوقة من بعض أجزاء بدنه ،ألنّها بعد نفخ الروح فيها ونشأتها تصبح كائن ًا مستقالً،
صح الوجه المذكور ثم لو ّ يصح أن يقال لمن يتزوج بها أنّه «ينكح بعضه بعض ًا»َّ .
ّ فال
لكان الزم ذلك صحة االعتراض الذي يوجهه البعض على الزواج الحاصل بين اإلخوة
أن هذا الزواج مستهجن عقالئي ًا واألخوات من الجيل األول ألوالد آدم ،واالعتراض هو ّ
ويتم التناسل حينها بين
وال موجب له مع قدرة الله على خلق أزواج من غير أبناء آدم ّ
الطرفين من دون أي إشكال.
تزوج اإلنسان من أن الغرابة واالستهجان والقبح العقالئي في ّوالجواب على ذلكّ :
تكونت من لحمه ودمه موجودة وال ينبغي إنكارها ،وهذا االستهجان حتى لو ُس ِّلم أنّه امرأة ّ
أن مراعاته من قبل المشرع الحكيم قد غير مبني على أسس واقعية أو اعتبارات عقلية ،بيد ّ
تكون مطلوبة سد ًا للذرائع وإكماالً للحجة ،وال س ّيما مع عدم وجود ضرورة تفرض ذلك،
بل وجود خيارات أخرى للتزاوج ينتفي معها عذر أهل التشكيك .وأ ّما قياس مقامنا على
تزوج اإلنسان بعضه بعض ًا الحاصل في زواجه تناسل أوالد آدم فهو قياس مع الفارقّ ،
فإن ّ
تزوج األخ بأخته ،هذا من جهة ،ومن يصل في بشاعته وغرابته إلى حدّ ّ من ابنته البيولوجية ال ْ
فإن البديل عن خلق حواء من ضلع آدم كان متاح ًا ودون أي محذور أو إشكال، جهة أخرىّ ،
وهو خلقها من الطينة نفسها التي خلق منها آدمّ ،
ألن الخلق كان في بدايته ،أ ّما بعد انطالق
األول من أبناء آدم بعضهم من البعض اآلخر لم يكن له بديل تزوج الجيل ّ عمل ّية التناسل ّ
فإن ّ
خال من اإلشكال ،إذ الخيار اآلخر المطروح في المقام هو الطريق اإلعجازي ،أو غير متاح ٍ
فيتزوج أحدُ أبناء آدم وهو قابيل من الجن ّية،
ّ الطبيعي ،كأن يخلق الله تعالى جن ّية وحورية،
177 المحور الرابع :ما روي عن رسول الله(ص) في ذ ّم المرأة
ويتزوج اآلخر وهو هابيل من الحور ّية((( ،وهذا الخيار -على فرض صحته -ال يخلو من
يزوج قابيل من الجن ّية؟!
ص هابيل بالحورية ،بينما َّ خص ُ
غرابة ،إذ لسائل أن يسأل :لماذا ُي َّ
إن ابن الحور ّية قد يفتخر على أال يؤسس ذلك لزرع الضغينة والحسد بين األخوين حيث ّ
أن هذا الرأي (اعتماد تناسل أوالد آدم على فكرة ابن الجنية ويتعالى عليه! هذا ناهيك عن ّ
الحورية والجن ّية) هو فيما يرى بعض المفسرين((( مخالف لكتاب الله تعالى الظاهر في ّ
أن
النسل البشري هو من آدم وحواء فقط ،وليس منهما ومن جنس ثالث ،قال تعالى :ﵛﭐﱁ
فإن ضمير ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ...ﵚ(((ّ ،
بأن الرجال والنساء التثنية في قوله :ﵛﭐﱍ ﱎﵚ راجع إلى آدم وحواء ،والفقرة بأكملها تُشعر ّ
بث منهما ومن غيرهما رجاالً ونسا ًء.من بني آدم قد تو ّلدوا من آدم وحواء فقط ،وإال لقال ّ
ﵛﭐﱍ ﱎﵚ ألن فقرة ولكن قد يعترض على االستظهار المذكور بأنّه غير دقيقّ ،
ٍ
تعرض «تتحدّ ث عن انطالق التناسل منهما (آدم وحواء) باعتبارهما المصدر األول من دون
لما حدث بعدهما في خصوصية التزاوج فال ظهور لها من هذه الجهة نفي ًا أو إثباتا» .
ً (((
ورد ذلك في بعض األخبار ،انظر :بحار األنوار ،ج 11ص.227 (((
انظر :الميزان للطبطبائي ،ج 4ص.147-144 (((
سورة النساء ،اآلية .1 (((
من وحي القرآن ج 6ص.3 (((
ففي الخبر عن علي بن أبي طالب قال :قال رسول الله (ص)« :أكرموا عمتكم النخلة ،فإنها (((
خلقت من الطين الذي خلق منه آدم» ،انظر :مجمع الزوائد للهيثمي ،ج 5ص .37وهو ضعيف السند،
ال قال :قال النبي(ص) في النخلة:انظر :تذكرة الموضوعات للفتني ،ص ،152وروى الصدوق مرس ً
ال عن«استوصوا بعمتكم خير ًا» انظر :من ال يحضره الفقيه ،ج 4ص ،327وفي المحاسن روى مرس ً
أبي عبد الله« :استوصوا بعمتكم النخلة خير ًا فإنّها خلقت من طينة آدم ،أال ترون أنّه ليس شيء
من الشجر ُيلقح غيرها» ،انظر :المحاسن للبرقي ،ج 2ص.529
المرأة في النص الديني 178
وكذا ما ورد بشأن الحمام ،مع أنّني لم أعثر على خبر ُ
يدل على ّ
أن الحمام خلق من فاضل
طينة آدم.
ألن قياس األكل على النكاح ليس في محله ،وليسولك ّن اعتراضه هذا قابل للمناقشةّ ،
أن االستهجان يسري إلى األكل أيض ًا.
من الواضح ّ
أن ما تضمنته بعض األخبار المتقدمة من ّ
أن حواء وتجدر اإلشارة -أخير ًا -إلى ّ
خلقت من فاضل طينة آدم ،قد يكون مثار إشكال من جهة أنّه يوحي بدونية المرأة ويرمز إلى
يهون الخطب ّ
أن الروايات التي محورية الرجل في عمل ّية الخلق وتبعية المرأة له .ولك ْن مما ّ
اشتملت على هذا المضمون لم تصح سند ًا ،فال يمكن بناء تصور إسالمي عن بدء عملية
الخلق استناد ًا إليها ،فيبقى التصور القرآني اآلتي هو األساس في هذا المجال.
األول :الروح ،قال تعالى :ﭐﵛﭐﲭ ﲮﵚ((( ،والمعنى الثاني هو العين والذات ،فيقال:
«جاءني فالن نفسه» ،أي عينه وذاته((( ،ونحوها قولهمَ « :أ ْه َل َك نفسه»َ « ،أي َأ ْو َق َع ِاإل ْهالك
بذاته ك ِّلها وحقيقتِها»((( ،والنتيجة ال تختلف على التقديرين ،ألنّه إذا ُبني على األخذ بالمعنى
أن البشر خلقوا من نفس /روح واحدة ،وإذا أخذ األول فجملة «نفس واحدة» ،تكون بمعنى ّ
أن البشر خلقوا من ذات واحدة ،أو أصل واحد ،ومن هذا األصل خلق بالثاني فيكون المعنى ّ
الله زوجها ،وعلى التقديرين فاآلية لم تحدد ما هي هذه النفس ،هل هي نفس آدم أم حواء
أم غيرهما؟ وما هي هذه الذات أو األصل ،هل هي التراب أم ذات آدم أم غيرهما؟ وقد
أن المراد بالنفس الواحدة هي التراب ،قال الشيخ مغنيةّ :
«إن ك ً
ال ذهب بعض المفسرين إلى ّ
من النفس الواحدة وزوجها خلقا من أصل واحد ،وهذا األصل هو التراب»((( ،لقوله تعالى:
ﵛﭐﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷﵚ(((.
أن النفس الواحدة هي آدم ،وبالتالي فزوجها هي وأما الثاني :فألنّه حتى لو سلمنا ّ
ّ
حواء ،ولكن ال ظهور في اآلية يقضي بحمل «من» في قوله تعالى :ﭐﵛﱊ ﱋ ﱌﵚ ،على
التبعيض ،بل من الممكن أن تكون بيان ّية ،ليكون المعنى« :وخلق من جنسها زوجها» ،وهذا
تعرض لها ما يشهد له السياق القرآني العامّ ،
فإن هذه القض ّية ،أعني قض ّية خلق اإلنسان قد ّ
القرآن الكريم في آيات أخرى ،منها :قوله تعالى :ﵛﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ
ﲁ ﲂﵚ((( ،ومنها قوله سبحانه :ﵛﭐﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕﵚ((( .وهاتان اآليتان
تشيران إلى حقيقة الخلق التي أشارت لها سائر اآليات المتقدمة ،وهما قد استخدمتا ضمائر
الجمع «أنفسكم /لتسكنوا» ولم تستخدما ضمير المفرد ،ليتع ّين نظرهما إلى خلق حواء من
ضلع آدم ،كما هو الرأي المشهور في المسألة ،وبنا ًء على هذا يكون المراد من اآليةّ :
«أن
((( من وحي القرآن ،ج 7ص ،25الطبعة الثانية1998 ،م ،دار المالك.
((( تفسير الميزان ،ج 4ص .136
((( الكتاب المقدس ،سفر التكوين :اإلصحاح الثاني .23-21
181 المحور الرابع :ما روي عن رسول الله(ص) في ذ ّم المرأة
و(تي) بمعنى الضلع فيكون اسمها سيدة الضلع ،وهي التى أحيت (آنكي) بعدما أشرف على
الموت ،ويبدو -كما يرى كثير من الباحثين ّ -
أن اليهود الذين عاشوا فترة من الزمن في بابل
هي سنوات األسر البابلي قد اقتبسوا تلك الفكرة من السومريين ،وهم أصحاب الحضارة
السابقة على البابليين ،وأدخلوا عليها بعض التعديالت التي تالئم معتقداتهم ،ثم سطروها
في كتابهم المقدس»(((.
أن فكرة خلق حواء من ضلع آدم ،ليست من مسلمات الفكر وفي ضوء ما تقدّ م ،يتضح ّ
الديني في تفسير قضية بدء الخلق وال هي من القضايا اإلجماع ّية ،وال يؤيدها القرآن الكريم،
أن جمع ًا من علماء الفريقين قد رفضواو ُي َر َّجح أنّها ذات جذر أو أصل توراتي ،ولذا وجدنا ّ
إن آدم وحواء خلقا من أصل واحد وطينة واحدة((( ،ومن أقدم المفسرين الذين الفكرة وقالوا ّ
المفسر أبي مسلم األصفهاني(((.
ِّ تبنوا هذا القول
((( من مقال للباحث ،حسني إبراهيم عبد العظيم ،منشور على بعض المواقع اإللكترونية.
أن حواء خلقت من ضلع آدم ،وال مصدر صحيح لهذه ((( يقول الشيخ محمد جواد مغنية« :من الشائع ّ
فإن المراد منه اإلشارة إلى المساواة اإلشاعة .والخبر الذي جاء به غير معتمد ،وعلى تقدير صحته ّ
وعدم الفرق بين الرجل والمرأة ،وأنّها منه ،وهو منها» ،انظر :التفسير الكاشف ،ج 1ص .85وقال
أن المرأة قد ُخلقتالشهيد مطهري« :وال تجد في القرآن أثر ًا لما تجده في كتب األديان األخرى من ّ
وأن حواء قد ُخلقت من أحد أعضاء آدم؛ أن المرأة ناقصة الخلقة ّ
من مادة أدنى من مادة الرجل ،أو ّ
وعليه ،نرى أنّه ال توجد في اإلسالم نظرة احتقار تجاه المرأة في طبيعة خلقها وأصلها» انظر كتابه:
نظام حقوق المرأة في اإلسالم ،ص ..138وقال الشيخ ناصر مكارم« :وأ ّما الروايات التي تقول بأنّها
خلقت من ضلع آدم األيسر ،فإنّه كالم خاطئ مأخوذ من بعض الروايات اإلسرائيلية ،ومطابق في
الوقت نفسه لما جاء في الفصل الثاني من كتاب التوراة (سفر التكوين) المحرف ،إضافة إلى كونه
أن أحد أضالع آدم قد أخذ وخلقت منه حواء، إن تلك الروايات ذكرت ّ مخالف ًا للواقع والعقل ،إذ ّ
فإن الرجال ينقصهم ضلع في جانبهم األيسر ،في حين أنّنا نعلم بعدم وجود أي فارق بين عدد ولهذا ّ
أضلع المرأة والرجل ،وهذا االختالف ليس أكثر من خرافة» ،انظر :األمثل ،ج 15ص .23أقول:
مخالفته للواقع مفهومة ،لكن ال وجه لدعوى مخالفته للعقل.
((( قال الفخر الرازي« :وفي كون حواء مخلوقة من آدم قوالن:
األول :وهو الذي عليه األكثرون أنّه لما خلق الله آدم ألقى عليه النوم ،ثم خلق حواء من ضلع من
أضالعه اليسرى ،فلما استيقظ رآها ومال إليها وألفها ،ألنّها كانت مخلوقة من جزء من أجزائه،
تقيمها كسرتها وإنذهبت ُ
َ «إن المرأة خلقت من ضلع أعوج ْ
فإن واحتجوا عليه بقول النبي(ص)ّ :
تركتها وفيها عوج استمتعت بها».
والقول الثاني :وهو اختيار أبي مسلم األصفهاني :أن المراد من قوله :ﵛﱊ ﱋ ﱌﵚ [النساء ]1
أي من جنسها وهو كقوله تعالى :ﵛﭐﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕﵚ [النحل ]72وكقوله :ﵛﭐﲷ ﲸ
ﲹ ﲺ ﲻ ﲼﵚ [آل عمران ]164وقوله :ﵛﭐﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠﵚ [التوبة =]128
المرأة في النص الديني 182
منشأ االلتباس
ّ
إن الروايات المتقدمة الواردة عن أهل البيت باإلضافة إلى كونها واضحة الداللة
على نفي الفكرة الشائعة حول خلق حواء من ضلع آدم ،فإنّها في الوقت عينه تصلح
لتفسير االلتباس الذي حصل في سائر الروايات التي اتكأ عليها البعض للقول إنّها خلقت
من ضلعه ،إذ ال يبعد حصول اشتباه لدى الرواة في فهم المعنى الذي رامه النبي(ص)،
أن حواء ُخلقت من طينة آدم ،أو من طينة ضلعه ،ولك ّن فهو(ص) قد يكون تحدّ ث عن ّ
أن حواءتم وصوله إلينا بالصيغة المذكورة ،أعني ّ
هذا المعنى ومن خالل النقل المعنعن ّ
خلقت من ضلع آدم.
وما رجحناه في بيان منشأ االلتباس هو الذي ذكره الشيخ الصدوق ،فقد ع ّقب على
الخبر المتقدم قائالً « :وأما قول الله عز وجل :ﵛﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ
عز وجل خلق من طينتها زوجها ّ
وبث ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑﵚ((( ،فإنّه روي أنّه ّ
«أن حواء خلقت من ضلع آدم األيسر» صحيح، منهما رجاالً كثير ًا ونسا ًء .والخبر الذي روي ّ
ومعناه :من الطينة التي َف ُضلت من ضلعه األيسر»َّ .
ثم أردف الشيخ الصدوق قائالً« :فلذلك
صارت أضالع الرجل أنقص من أضالع النساء بضلع»(((.
ونالحظ ّ
أن الصدوق جمع في كالمه اآلنف بين أمرين ،وهما:
--1أنّها لم تخلق من ضلع آدم وإنّما من فاضل طينة ضلعه.
أن أضالع الرجل ّ
أقل من أضالع المرأة بضل ٍع واحد. ّ --2
متفرع ًا على األول ،وهذا التفريع غير مفهوم ،بخالفه وقد َج َع َل رحمه الله َ
األمر الثاني ّ
على الرأي اآلخر والذي يفترض أنّها خلقت من الضلع نفسهّ ،
فإن المرأة إذا كانت مخلوقة
= قال القاضي :والقول األول أقوى ،لكي يصح قوله :ﵛﭐﱆ ﱇ ﱈ ﱉﵚ [النساء ]1إذ لو كانت حواء
مخلوقة ابتداء لكان الناس مخلوقين من نفسين ،ال من نفس واحدة ،ويمكن أن ُيجاب عنه بأن كلمة
«من» البتداء الغاية ،فلما كان ابتداء التخليق واإليجاد وقع بآدم صح أن يقال :خلقكم من نفس
واحدة ،وأيض ًا فلما ثبت أنّه تعالى قادر على خلق آدم من التراب كان قادر ًا أيض ًا على خلق حواء من
التراب ،وإذا كان األمر كذلك ،فأي فائدة في خلقها من ضلع من أضالع آدم؟» ،انظر :تفسير الفخر
الرازي ،ج 9ص.161
((( سورة النساء ،اآلية .1
((( من ال يحضره الفقيه ،ج 3ص .380
183 المحور الرابع :ما روي عن رسول الله(ص) في ذ ّم المرأة
من ضلع آدم فيكون نقص ضلع من أضالعه مفهوم ًا ،ولكن إذا كانت مخلوقة من فاضل طينة
الضلع ،فما المبرر ليكون آدم أنقص منها بضلع؟!
أن مستند الشيخ الصدوق في هذا الرأي الذي جمع فيه بين هاتين الفكرتين والذي يبدو ّ
-مع أنّه ال رابط منطقي ًا بينهما -هو األخبار ،فقضية خلق حواء من ضلع آدم إنما نفاها
بأن أضالع الرجل أنقص من أضالع المرأة لتكذيب األخبار المتقدّ مة لذلك ،وأ ّما التزامه ّ
بضلع واحد فقد آمن بها اعتماد ًا على رواية الخنثى اآلتية في الوقفة الثانية .والصدوق (رحمه
الله) بتبنيه لهذا الرأي الذي يجمع بين األمرين المشار إليهما ،ينسجم مع مسلكه األخباري
الذي يعتمد على مرجع ّية الخبر في بناء التصورات العقدية والتشريعية وغيرها.
ونحن نوافقه على مضمون األمر األول ،أعني في نفيه أن تكون حواء خلقت من ضلع
آدم ،وذلك لما تقدم في الوقفة األولى وما سيأتي أيض ًا .ولكننا نخالفه في األمر الثاني،
أعني في نقص أضالع آدم عن أضالع حواء بضلع واحد ،وذلك لما سيأتي في الوقفة الثانية.
خذوا هذه المرأة ،إن كانت امرأة فأدخلوها بيت ًا وألبسوها ثياب ًا ،وعدوا أضالع جنبيها .ففعلوا ،فقال: =
عدد الجنب األيمن أحد عشر ،وعدد األيسر اثنا عشر؛ َف َق َال علي :الله أكبر .فأمر لها برداء وحذاء
وألحقها بالرجالَ .ف َق َال زوجها :يا أمير المؤمنين زوجتي وابنة عمي ،فرقت بيني وبينها ،فألحقتها
إن الله عز وجل خلق بالرجال ،عمن أخذت هذه القصة؟ قال :إنّي أخذتها َعن أبي آدم (ص)ّ .
حواء ،ضلع ًا من أضالع آدم ،فأضالع الرجال أقل من أضالع الن َِّساء بضلع» .انظر :أخبار القضاة،
ج 2ص .197
من ال يحضره الفقيه ،ج 4ص .327 (((
الجرح والتعديل ،ج 6ص .193 (((
أما خبر الشيخ ففي سنده علي بن عبد الله بن معاوية بن ميسرة ،ووالده عبد الله ،وهذان ال توثيق (((
لهما ،وأ ّما الخبر اآلخر ففي سنده النوفلي وهو ممن لم تثبت وثاقته بنحو يعتد بخبره وال سيما في
مثل المقام.
المرأة في النص الديني 186
للحس
ّ أن أحد معايير قبول الخبر هو عدم معارضته اثنا عشر ضلع ًا من كل جانب ،ومعلوم ّ
والحقائق العلم ّية.
ك ُل األخذ بها من جهة أخرى ،وهي إن هذه العالمة (عدّ أضالع الخنثى) ي ْش ِ ثالث ًاّ :
ُ
كل وجود روايات صحيحة السند تنص على عالمات أخرى لتحديد نوع الخنثى الم ْش ِ
ُ ّ
أن الخنثى ُيختبر بخروج البول ،فإن وكيف ّية التعامل معه شرع ًا ،حيث تذكر تلك األخبار ّ
كان البول يخرج من مخرج الرجال فهو ذكر ،وإن كان يخرج من مخرج النساء فهو أنثى،
فيورث -الخنثى - وعند تساوي خروج البول وانقطاعه من فرجي الرجال والنساءّ ،
نصف ميراث الرجل ونصف ميراث النساء((( .وتذكر روايات أخرى أنّه ُيلجأ إلى القرعة
دل على لتحديد طريقة التعامل معه شرع ًا في قض ّية الميراث((( فيكون ذلك معارض ًا لما ّ
اعتماد عدّ األضالع ،ألنّه لو كانت عالمة عدّ األضالع معتبرة ومعتمدة في الشرع فال
ألن القرعة لكل أمر موجب للتنصيف في ميراث الخنثى ،وال موجب -أيض ًا -للقرعةّ ،
مشكل ومجهول((( ،وال جهالة مع العالمة المذكورة ،أعني عالمة عدّ األضالع ،فإنّها
عالمة تورث اليقين ،ألنّها تعتمد على عنصر حسي ال ُيخطئ ،فكان الالزم اعتماد هذه
العالمة بدالً عن سائر العالمات .
ال و َله ((( من قبيل صحيحة ِه َشا ِم ْب ِن سالِ ٍم َع ْن َأبِي َع ْب ِد ال َّلهَ ق َالُ :ق ْل ُت َله« :ا ْلم ْو ُلو ُد ُيو َلدُ َله ما لِلر َج ِ
َ ِّ َ َ
ث ِم ْن َح ْي ُث َس َب َق َب ْو ُلهَ ،فإِ ْن َخ َر َج ِمن ُْه َما َس َوا ًء َف ِم ْن َح ْي ُث َينْ َب ِع ُث َفإِ ْن كَانَا َس َوا ًء ما لِلنِّس ِ
اء؟ َق َالُ :ي َو َّر ُ َ َ
الر َجال والن َِّساء» ،انظر :الكافي ،ج 7ص .157ومعتبرة إسحاق بن عمار عن جعفر بن ِ ِ َ ِ َ
ُو ِّرث م َيراث ِّ
أن علي ًا كان يقول :الخنثى يورث من حيث يبول ،فان بال منهما جميع ًا فمن محمد عن أبيهّ
أيهما سبق البول ورث منه فإن مات ولم يبل فنصف عقل المرأة ونصف عقل الرجل» ،انظر :تهذيب
األحكام ،ج 9ص.354
((( من قبيل صحيح عبد الله بن مسكان قال :سئل أبو عبد الله وأنا عنده عن مولود ليس بذكر
وأنثى ليس له إال دبر كيف يورث؟ قال :يجلس االمام ويجلس عنده أناس من المسلمين فيدعون الله
ويجيل السهام عليه على أي ميراث يورثه ثم قال :وأي قضية أعدل من قضية ُيجال عليها بالسهام!!
يقول الله تعالى :ﵛﭐﲆ ﲇ ﲈ ﲉﵚ [الصافات ،»]141انظر :تهذيب األحكام ،ج 9ص.375
((( ففي معتبرة محمد بن حكيم قال :سألت أبا الحسن موسى بن جعفر عن شيء؟ فقال لي« :كل
مجهول ففيه القرعة» ،انظر :من ال يحضره الفقيه ،ج 3ص ،9وتهذيب األحكام ،ج 6ص.240
187 المحور الرابع :ما روي عن رسول الله(ص) في ذ ّم المرأة
الت�أمل في الحديث �سند ًا وم�ضمون ًا
وهذا الحديث ال أصل له ،وفي أحسن األحوال فإنّه حديث مرسل أو ضعيف وال يعتد به(((.
وبصرف النظر عن السند ،فلو أنّنا تأملنا في المضمون سنجد أنّه ال يخلو من
غرابة ،ويبعد تصديق صدوره عن النبي(ص) ،إذ لنا أن نسأل ما معنى مشاورتهن
ثم مخالفتهن؟
أن الدعوة إلى ترك مشاورة النساء لها وجه ،لك ّن األمر غير سنفترض ونس ِّل ُم جدالً ّ
فإن ذلك أفضل وصفة إلثارة ثم مخالفتهن! ّ المفهوم هو الدعوة إلى مشاورتهن ومن ّ
أن إرشاد ًا أو توجيه ًا يؤدي إلى ذلك ال يمكن أن
غضبه ّن وخلق مشكلة معه ّن ،ومن المعلوم ّ
((( هذا الحديث ورد في بعض الكتب االستداللية الفقهية ،انظر :المبسوط للسرخسي ،ج 14ص،44
وذكره ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البالغة ،ج 18ص ،199وقال الفتني في تذكرة
الموضوعات ،ص« :128في المقاصد« :شاوروهن وخالفوهن» ،لم أره مرفوع ًا ،ولكن روي عن
فإن في خالفهن البركة» ،بل روي عن أنس رفعه« :ال يفعلن أحدكم أمر ًا حتى عمر «خالفوا النساء ّ
فإن في خالفها البركة» .وفي سندهيستشير فإن لم يجد من يستشيره فليستشر امرأة ثم ليخالفهاّ ،
عيسى ضعيف جد ًا مع أنّه منقطع» ،وقال المنّاوي« :وأما ما اشتهر على األلسنة من خبر« :شاوروهن
وخالفوهن» فال أصل له» انظر :فيض القدير شرح الجامع الصغير ،ج 4ص ،347وربما يقالّ :
إن
تسرب إليها من مصادر أخرى ،فالمصدر الحديث ال أصل له في المصادر الحديثية الشيعية ،ولكنه ّ
الشيعي الذي رواه هو نزهة األبصار ومحاسن اآلثار ،ص ،333لكنه مرسل ،ورواه أيض ًا في «مكارم
ال عن أنس قال :قال النبي(ص)« :ال يفعل ّن أحدكم أمر ًا حتى يستشير، األخالق» للطبرسي ،مرس ً
فإن في خالفها بركة» ،انظر :مكارم األخالق،فإن لم يجد من يستشير فليستشر امرأته ثم يخالفهاّ ،
تم نقل الخبر في بعض الكتب الحديث ّية ص ،239وهذا السند لم يعهد في المصادر الشيعية ،وقد ّ
المتأخرة ،انظر :عوالي الآللي ،ج 1ص ،290ونقله عنه في بحار األنوار ،ج 74ص .165ولم يذكره
ال في هداية األمة إلى أحكام األئمة ،ج 5ص،142 الشيخ الحر في «وسائل الشيعة» ،ولك ْن أورده مرس ً
وهكذا وجدناه مروي ًا على نحو اإلرسال في الفوائد المدنية والشواهد المك ّية للمحدث األخباري
محمد أمين اإلسترابادي ،ص ،387وقد سئل السيد السيستاني عن الحديث المذكور ،فأجاب« :لم
أجد هذا المضمون في حديث معتبر ،وعلى كل حال ،فلعل المقصود أنّهن ضعيفات في إدراك ما
يلزم الرجال مالحظته في المجتمع مع تأثرهن الشديد بالعواطف واألحاسيس وغلبة ذلك فيهن
على التعقل والتدبر ،وهذا هو الغالب كما نشاهده» .انظر :استفتاءات ص .577هذا ولك ّن العالمة
المجلسي قد رواه عن بعض المصادر بصيغة أخرى ،عن كتاب اإلمامة والتبصرة لعلي بن بابويه :عن
هارون بن موسى ،عن محمد بن علي ،عن محمد بن الحسين ،عن علي بن أسباط ،عن ابن فضال،
فإن خالفهن عن الصادق ،عن أبيه ،عن آبائه ،عن النبي (ص) قال« :شاوروا النساء وخالفوهنّ ،
بركة» ،انظر :بحار األنوار ،ج 100ص ،262وهذا السند من أسانيد الشيعة ،كما الكتاب والمؤلف.
المرأة في النص الديني 188
مشرع عاقل وحكيم ،فكيف بسيد العقالء والحكماء محمد بن عبد الله(ص)؛ يصدر عن ِّ
أن الحق هو فيثم مخالفته ّن إال افتراض ّ ثمة وجه للدعوة إلى مشاورتهن ومن ّ فال يبقى ّ
ٍ
طريق لمن أراد أن النساء ال يهتدين إلى وجه الحق أبد ًا ،ولذا َفأ ْس َه ُل
مخالفتهن ،على اعتبار ّ
ثم مخالفتها .ويظهر من بعض أعالم المدرسة الحق هو في استشارة امرأة ومن ّ
التعرف على ّ ّ
األخبارية (األمين اإلسترابادي) تبنّي هذا الرأي ،حيث قال« :من جملة نعماء الله تعالى على
الحق في ّ
كل مسألة الطائفة المح ّقة :أنّه خ ّلى بين الشيطان وبين علماء العا ّمة ليض ّلهم عن ّ
حق النساء :شاوروهن نظرية ،ليكون األخذ بخالفهم لنا ضابطة كلية ،نظير ذلك ما ورد في ّ
وخالفوه ّن»(((.
أن هذه قاعدة عامة وطريقة كل ّيةفاإلسترابادي ومن خالل التشبيه المذكور يفترض ّ
ثم ُخ ْذ
فاستشر امرأة ما ّ
ْ عمل معين َأ ُت ْق ِد ُم عليه أم ال؟
ٍ تهدي إلى الحق ،فإذا ُكن َْت حائر ًا في
بخالف ما تشيره عليك!
ولك ّن هذا المعنى ال يمكن القبول به وال نسبته إلى المشرع الحكيم ،ال في المقيس
(مخالفة المرأة) وال في المقيس عليه (مخالفة العامة) ،وتوضيح ذلك:
الحق أوالً :أ ّما في المقيس عليهّ ،
فألن «األخذ بمخالفة العامة» ،لم ينطلق من مبدأ كون ّ
أن األئمة قد صدر عنهم بعضفي خالفهم كقاعدة كل ّية ومطردة ،وإنّما المقصود بذلك ّ
األحكام التي ال تم ّثل رأيهم ،بل طرحوها انسجام ًا مع رأي المذهب اآلخر ،وذلك ألحد
سببين ،وكالهما يصلح تفسير ًا لدعوتهم إلى األخذ بما خالف ُّ
السنة:
السبب األول :ظروف التق ّية التي ألجأتهم إلى ذلك .وحينئذ فعند التباس األمر وعدم
ٍ
حينئذ معرفة رأيهم الواقعي ،بسبب اختالف الروايات المنقولة عنهم يكون من الطبيعي
ألن ما وافقها يكون صادر ًا للتق ّية.
األخذ بما خالف المدرسة األخرى المتبناة من قبل السلطةّ ،
والسبب الثاني :إفتا ُء السائل طبق ًا لمذهبه ،حيث إنّهم بحكم مرجعيتهم اإلسالمية
العامة كانوا أحيان ًا يفتون الناس على طبق مذاهبهم ،فإذا استفتي اإلمام من قبل شخص
ّبع
حق في نظره ،وإذا استفتاه من يت ُ
يأخذ برأيه ويؤمن بإمامته أو بفقاهته ،فإنّه يفتيه بما هو ٌّ
لما ن ُِقلت الفتويان عنه التبس األمر في معرفة رأيه،
ثم ّغيره أجابه بما عند اآلخرينّ ، َ
((( الفوائد المدنية والشواهد المكية ،ص .387
189 المحور الرابع :ما روي عن رسول الله(ص) في ذ ّم المرأة
«إن ما كان موافق ًا للعامة فإنما قلته لهم كي يأخذوا بمذهبهم ،وما كان
فسئل فكان جوابهّ :
منه مخالف ًا لهم فإنما قلته بيان ًا للحقيقة كي يأخذ به المقتدون بنا»(((.
ثاني ًا :وأما في المقيس (األخذ بما خالف المرأة) ،فألنّنا نسأل كيف نفهم الدعوة إلى
األخذ بخالف ما أشارت به المرأة؟
ذكر بعض العلماء ثالثة تفسيرات لذلك:
المرجحات
ّ «أحدها :أنّه أراد أنّه إذا َع ِم َي (خفي) وجه المصلحة في أمر عند تساوي
المرجح
ّ مرجح في أحدهما أص ً
ال فاجعلوا كل وجه ،أو لم يظهر ّ بين األمرين أو النقيضين من ّ
وأمارة الصالح أو األصلح هو األخذ بخالف ما تشور به النساء ،باعتبار الجنس ،فإنّهن من
المضل الصارف عن الرشاد .فالمرأة ضلع أعوج ،و«خلقت من ضلع ّ أعظ ِم ُس ُب ِل الشيطان
أعوج» ،فطبعها االعوجاج وهي من فاضل الرجل ،فنفسها أقرب إلى األ ّمارة ،وإلى موافقة
المرجحاتّ حواء .فكما جعل الشارع منالشيطان؛ فما أتى إبليس آلدمَّ :إل بسبيل مشورة ّ
المرجحات مخالفة قضاة الجور [وا َّطراح] ما وافقهم،
ّ في األخذ بأحد المتعارضين عند عدم
المرجحات في خالف النساء».
ّ كذلك جعل ميزان الرشد عند عدم
الثاني« :شاوروه ّن» [يطمأن ّن] إليكم وتسلموا من كيده ّن ومكره ّن وغروره ّن
وخدعه ّن ،وخالفوهن إذا ظهر لكم الصالح في خالفه ّن؛ فلع َّله تظهر المصلحة في األمر
بمعرفة [مشورته ّن] وإن خالفتها ،فكثير ًا ما تتن ّبه النفس لبرهان ّ
الحق من إدراك شبهة الباطل».
أنفسه ّن وتتمكَّنوا من االستمتاع به ّن ،وال تعملوا َّإل بما قام
الثالث« :شاوروه ّن لتطيب ُ
الدليل على رجحانه ،وذلك بمثابة مشورة الرسول (ص) :لرع ّيته مع أنه ال يفعل َّإل ٍ
بأمر إلهي
جزئي حرك ًة وسكون ًا ،والله العالم»(((.
ّ في ّ
كل
ولنا على هذه الوجوه تعليقان:
التعليق األولّ :
إن الدعوة إلى مشاورة النساء ومخالفتهن ،قد بررت بتبريرين:
الحق والرشد في خالفهن ،كما جاء في كالم بعض العلماء ،وهذا غير
أن ّالتبرير األولّ :
((( والسبب الثاني قد طرحه بعض الفقهاء كتفسير للروايات الواردة عن األئمة واآلمرة باألخذ بما
«خالف العامة» ،ومن هؤالء الفقهاء السيد عبد الحسين شرف الدين رحمه الله ،انظر :كتابه :أجوبة
مسائل موسى جار الله ،ص.75
((( رسائل آل طوق ،ج 3ص .77
المرأة في النص الديني 190
ألن قولمفهوم وال وجه له ،وال يمكن التصديق بصدوره عن منبع الوحي الصافي ،وذلك ّ
الحق كما يمكن أن يهتدي له الرجل فباإلمكان أن تهتدي إليه المرأة أيض ًا ،واهتداؤها إليه
ليس نادر ًا أو شاذ ًا .إنّه وبصرف النظر عن الموازنة بين عقل المرأة وعقل الرجلّ ،
فإن مما
أن لدى المرأة من القدرة أو الطاقة العقلية ما يجعلها تهتدي في كثير ال مجال للتشكيك فيه ّ
من األحيان إلى وجه الصواب ،وال سيما إذا عملت على تنمية عقلها وتعميق تجربتها ،وقد
تطرقنا فيما سبق (المحور الثاني) إلى عدة نماذج من النساء الالتي ذكرهن القرآن الكريم ّ
وقد بلغن مستوى من النضج العقلي بحيث كان الرجال يستشيرونهن في بعض القضايا ،كما
هو الحال في بلقيس ملكة سبأ المرأة الحكيمة والعاقلة التي سادت قومها وقادتهم مدة من
الزمن ،ومن هذه النماذج أيض ًا ابنة شعيب التي أصبحت فيما بعد زوجة لنبي الله موسى،
فقد أشارت على والدها باستئجار موسى وعمل والدها النبي بمشورتها ،إلى غير
ذلك من النساء الالتي أشرنا إلى أسمائهن وتحدثنا عن حكمتهن ونضجهن وصواب رأيهن،
وهذا ما ُي َصدِّ ُقه العيان والوجدان ،وال نتك ّلم عن حاالت شاذة ونادرة ،فالمرأة بشكل عام
في زماننا وبعد أن خرجت من حصار الجهل ،وفتح لها باب التعليم وميدان العمل ،أثبتت
جدارتها وكفاءتها ووعيها ،وبلغت أعلى المراتب العلم ّية والسياسية والتربو ّية..
أن المرأة ٌ
أهل للمشورة، وسيأتي في المحور الخامس وتعليق ًا على الحديث الخامس ّ
وذكرنا في المحور الثاني بعض الشواهد التي تؤكد صالحيتها لذلك ،فليراجع.
ومن خالل ما تقدّ م يتضح الحال في الحديث الذي ُروي عن عائشة عن رسول
الله(ص)« :طاعة النساء ندامة»((( ،فإنّه وبصرف النظر عن ضعفه سند ًا((( ،مما ال مجال
لألخذ بمضمونه على نحو اإلطالق والشمول والقاعدة الم ّطردة لكل الحاالت واألزمان.
أن في خالفه ّن البركة ،وهو ما جاء في الرواية المتقدمة ،وهذا التبرير التبرير الثانيّ :
ألن هذه «النصيحة» للرجل بأن يعمد ك َّلما أراد أمر ًا إلى مشاورة زوجته
كسابقه ليس مفهوم ًاّ ،
((( رواها القضاعي في مسند الشهاب ،ج 1ص ،160ورواها في الجامع الصغير ،ج 2ص ،129وأورد
عقيبها رواية أخرى وهي « :طاعة المرأة ندامة» ،انظر :الجامع الصغير ،ج 2ص .129
((( قال ابن الجوزي في الموضوعات ،ج 2ص 273تعليق ًا على الروايتين« :هذان حديثان ال يصحان».
ولكن البعض مع اعترافه بضعف حديث عائشة المذكور أنكر على ابن الجوزي عدّ ه في الموضوعات،
قال الفتني« :وإدخال ابن الجوزي حديث عائشة في الموضوعات ليس بجيد» ،انظر :تذكرة
الموضوعات ،ص.129
191 المحور الرابع :ما روي عن رسول الله(ص) في ذ ّم المرأة
-مث ً
ال -ومن ثم يعمل بخالف ما تشير عليه ،هي في الحقيقة أفضل وصفة لتدمير العالقات
الزوجية ،وذلك ّ
ألن من الطبيعي أن تكون ر ّدة فعل المرأة إزاء موقف كهذا هي النفور من
زوجها وحنقها عليه وتمردها على أوامره ،وبالتالي فأي ٍ
بركة سوف تترتب على مشورتهن
ومخالفتهن؟!
قلت وأعاود التأكيد :لو كان الحديث قد دعا إلى ترك مشاورة النساء من األساس ،لهان
ُ
ثم يأمر بالعمل خالف رأيهن ،فهذا شيء ال
األمر رغم ما فيه ،ولك ْن أن يدعو إلى مشاورتهن ّ
يعقل صدوره عن الشارع الحكيم كقاعدة عامة لالهتداء إلى وجه الحق والصواب.
إن الوجوه الثالثة التي ذكرها الشيخ القطيفي كلها ضعيفة ،وهي تنطلق التعليق الثانيّ :
من النظرة الدون ّية المستحكمة في عقول الكثير من المسلمين تجاه المرأة ،وأغرب الوجوه
بأن المرأة هي سبيل الشيطان ومطيته إلفساد اإلنسان، يصر ُح فيه ّ
هو الوجه األول ،والذي ِّ
إن المرأة كائن شرير ال يهتدي إلى الصواب وال تعرف الوفاء والرشد؛ وكأنّه يريد القولّ :
وهذا في الحقيقة ،لو كان صحيح ًا فال يعدّ عيب ًا فيها ،ألنّه خارج عن اختيارها وإرادتها ،إنّما
أن ذلك يعدّ إشكاالً على اإلله الخالق الحكيم! هو َأ ْم ٌر فطرتها عليه يدُ القدرة اإللهية ،ما يعني ّ
حاشاه من اإلشكال ومن فِ ْع ِل خالف الحكمة والعدل ،إ ْذ كيف َي ْخ ُل ُق الله سبحانه المرأة بهذا
ثم يك ِّلفها بما ك ّلف به الرجل من التكاليف الوهن التكويني ،ما يجعلها «ضلع ًا أعوج» ومن َّ
ويحاسبها كحسابه؟!
((( صحيح البخاري ،ج 5ص ،135وسنن الترمذي ،ج 3ص .360وسنن النسائي ،ج 8ص .227
المرأة في النص الديني 192
لها ،استناد ًا إلى ما بلغه في ذلك عن الوحي ،وقد أعلمه الله تعالى ذلك ،مما يشكّل كرامة له
ال عل صدقه .والوجه في استبعاد هذا التفسير واضح ،فهو مخالف للظاهر جد ًا ،إذ ّ
إن ودلي ً
النبي(ص) وتعليق ًا على حادثة تعيين ابنة كسرى قدّ م بيان ًا عام ًا وبكال ٍم مطلق ،ومفاده ّ
أن أي
قوم وليتهم امرأة فلن يفلحوا.
أهم االعتراضات التي يمكن أن تورد على الرواية،
ومع تجاوز هذا التفسير ،نأتي إلى ّ
وهي اعتراضان:
((( أهلية المرأة لتولي السلطة للشيخ محمد مهدي شمس الدين ،ص .82
193 المحور الرابع :ما روي عن رسول الله(ص) في ذ ّم المرأة
أن الناس مس ّلطون على أموالهم ،ولو قيل بحرمتها -إلحاق ًايقال بأنّها ال محذور فيها باعتبار ّ
فإن مفسدتها هي مفسدة جزئية شخص ّية ،أما في مقامنا فنحن لها بالتبذير حكم ًا أو موضوع ًاّ -
نتحدث عن والية عامة يراد إعطاؤها لمن يترتب على توليها للسلطة -بحسب الفرض -
انهيار المجتمع برمته ،وليس انهيار شخص َم ْن اختيرت لذلك أو شخص َم ْن اختارها لذلك
فحسب ،فكيف يكون توليها والحال هذه مشروع ًا؟! والقياس األقرب إلى ما نحن فيه هو
قياس المقام على الوالية على القاصرين والتي ُش ِّرعت لمصلحة المو َّلى عليهم واألخذ بهم
ال -للوالية على ال ُق َّصر سيؤدي إلى إلى طريق الكمال ،فلو قيلّ :
إن تصدّ ي المرأة -مث ً
فسادهم أفال ُيستفاد من ذلك بطالن الوالية؟!
إن النبي(ص) وإن كان في قوله« :ما أفلح قوم وليتهم امرأة» يتحدّ ث والخالصةّ :
أن اإلرشادية في مثل المقام ال تنفك عن المولوية وبيان بصفته اإلرشادية ال النبو ّية ،بيد ّ
الحكم الشرعي على نحو المالزمة العرف ّية.
((( انظر :قراءة جديدة لفقه المرأة الحقوقي ،ندوة حوارية مع السيد فضل الله ص ،30والمالحظة عينها
أوردها الشيخ شمس الدين ،انظر :أهلية المرأة لتولي السلطة ،ص .83
المرأة في النص الديني 194
تكتسب مهارات قيادية مختلفة ،وغدا فيها نظام الحكم نظام ًا قائم ًا على أساس المؤسسات
والقوانين ومجالس الشورى ،وغيرها من آليات الحكم التي ال تسمح للحاكم أن يستبد
بالسلطة ،فال يكون تولي المرأة فيه للسلطة سبب ًا لعدم النجاح؛ وأعتقد ّ
أن الواقع يشهد لما
نقول ،فالكثير من الدول المعاصرة قد تس ّلمت فيها المرأة الموقع القيادي األول ،فكانت
الحاكم والمسؤول والوزير والنائب إلى غير ذلك من مواقع قيادية وإدارية داخل أجهزة
الدولة أو خارجها ،ونراها -في األعم األغلب -قد نجحت في أداء مهمتها على أفضل
وجه ،وربما فاقت الرجل في كثير من األحيان.
إن المسألة ليست خاصة بزمن دون آخر ،فالمرأة بطبيعتها ال تصلح ور ّبما يقالّ :
لموقع القيادة ،ولن يتسنى لها أن تقود البالد إلى الفالح والنجاح ،وذلك «ألن الشأن
في اإلمارة أن يتفقد متوليها أحوال الرعية ،ويتولى شؤونها العامة الالزمة إلصالحها،
فيضطر إلى األسفار في الواليات ،واالختالط بأفراد األمة وجماعاتها ،وإلى قيادة
الجيش أحيان ًا في الجهاد ،وإلى مواجهة األعداء في إبرام عقود ومعاهدات ،وإلى عقد
السلم والحرب ،ونحو ذلك مما ال بيعات مع أفراد األمة وجماعاتها ،رجاالً ونسا ًء ،في ِّ
ت لحماية عرضها ،والحفاظ يتناسب مع أحوال المرأة ،وما يتعلق بها من أحكام ُش ِّر َع ْ
عليها من التبذل الممقوت»(((.
ولكن نالحظ على ذلك:
إن طريقة الحكم في زماننا -كما قلنا -قد تجاوزت الكثير من طقوس الحكم أوالًّ :
وأساليبه القديمة التي كانت تحتاج إلى جهد كبير واستثنائي ال بدّ أن يضطلع به شخص
سهل األمور بطريقة كبيرة،
الحاكم ،فنظام الحكم الحديث الذي يعتمد على المؤسسات قد ّ
بحيث أصبح دور الرئيس في الكثير من الحاالت هو دور المشرف على إدارة نظام الحكم،
ُّ
ويظل النظام مستقر ًا ،وال يحتاج الحاكم أن يكون حاضر ًا ولذا قد َي ْس ُق ُط الحاكم أو يستقيل
أن بعض الحكام في زماننا يديرون شؤون البالد ويسوسون العباد في الجبهات ،وقد رأينا ّ
وهم مقعدون((( ال يستطيعون الحركة االعتياد ّية.
((( فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلم ّية واإلفتاء ،ج 17ص .14
((( ونموذج الجزائر ماثل أمامنا ،حيث ّ
إن رئيس هذا البلد العربي الكبير وهو عبد العزيز بوتفليقة ،رجل
مقعد وقد ُأعيد انتخابه للمرة الثانية وهو على هذه الحالة ،وال يزال رئيسا إلى وقت كتابة هذه السطور
ً
في 1أبريل/نيسان 2016م.
195 المحور الرابع :ما روي عن رسول الله(ص) في ذ ّم المرأة
إن حجاب المرأة وعفتها ونزاهتها ال تمنعها من السفر والتنقل ،وال الحضور ثاني ًاّ :
لتوقيع االتفاقيات وال المشاركة في االجتماعات الرسم ّية وال في االحتفاالت ،وال زيارة
جبهات الحرب..ألم تكن المرأة تخرج مع النبي(ص) ومع أمير المؤمنين إلى ساحات
الوغى ممرض ًة ومشارك ًة في التعبئة الروح ّية والمعنو ّية واإلعالم ّية ،بل ومقاتلة في بعض
ُحدِّ ُثهم بأحاديث
األحيان ،كما أسلفنا في محور سابق؟ ألم تكن تخطب في الرجال وت َ
النبي(ص) وتعاليمه ،كما فعلت سيدتنا الزهراء في خطبتها الشهيرة؟ ألم تكن المرأة
تسافر من بلد إلى آخر وتنتقل بين المدن والبلدان لمقابلة السالطين ،كما حصل مع الوافدات
على معاوية أو غيره ممن قدَّ ْمنا الحديث عنهن في محور سابق؛ نعم من الطبيعي أن يكون
خروجها وسفرها آمن ًا وبعيد ًا عن الشبهات.
أجل ،قد تكون حركة الرجل في تنقالته وأسفاره وغيرها من األنشطة أسهل وأيسر من
أن هذا في نفسه ال يمنع من تو ِّليها لزمام الحكم ما دام ذلك ال
حركة المرأة المحجبة ،بيد ّ
يعيقها عن القيام بالمهام الضرورية التي تتطلبها إدارة السلطة.
عي وعورة»
--7حديث« :الن�ساء ٌّ
ومن األحاديث التي علينا إيالؤها أهم ّية خاصة ما روي عنه(ص) من ّ
أن المرأة
تنص على هذا المضمون ،وهي مروية من
عي عورة ،ونحن هنا أمام عدة روايات ّ ٌّ
طرق الفريقين:
السنة نقرأ حديث ًا عن النبي األكرم(ص) يقول« :المرأة عورة فإذا خرجت
) أ في مصادر ُّ
استشرفها الشيطان»(((.
) بوفي مصادر الشيعة نالحظ وجود عدة روايات أوردها الحر العاملي في «وسائل
الشيعة» في عدة أبواب ،وإليك بعضها:
األولى :صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله« :قال رسول الله(ص) النساء
عي وعورة ،فاستروا العورة بالبيوت ،واستروا العي بالسكوت»(((.
ٍ
وصقل ﵛﭐﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦﵚ((( ،ولك ّن هذه الملكة تحتاج إلى تنمية
لتتجلى ويظهر مكنونهاّ ،
وإل بقي اإلنسان عيي ًا وعاجز ًا عن البيان واإلفصاح .وعليه فعندما
عي ،فهي ال تتحدث عن صفة ذات ّية تكوينية مالزمة للمرأة، الروايات المرأ َة بأنّها ٌّ
ُ تصف
وإنما هي تتحدث عن صفة عارضة ،نتيجة ظروف المرأة التاريخية التي أبعدتها -في األعم ّ
األغلب -عن التأهيل المعرفي وتنمية المهارات ،وعن مراكز الثقافة والتعليم .وواقعنا
المعاصر خير شاهد على ما نقول ،فعندما ُفتحت نوافذ المعرفة وأبواب العلم أمام المرأة
وجدنا أنّها قد انطلقت وأصبحت حاضرة في شتى الميادين وتحديد ًا فيما يتصل باإلفصاح
الكالمي والحديث الموزون ،فرأيناها كاتبة وخطيبة وأديبة وشاعرة وإعالمية ،وأحسنت في
يقل عن الرجل ،فالعجز عن البيان -إذن -يتصل بسوء هذه المجاالت اإلبانة والتعبير بما ال ّ
التربية والتأهيل وهو مرتبط بالظروف التاريخية التي عاشتها المرأة.
((( صحيح مسلم ،ج 5ص ،156تفسير القمي ،ج 1ص ،287الكامل في التاريخ ،ج 2ص.125
201 المحور الرابع :ما روي عن رسول الله(ص) في ذ ّم المرأة
تلك المرحلة ،مع العلم أنّنا قد عرفنا في المحاور السابقة أنّها كانت تخرج وتسافر على
مرأى ومسمع من النبي(ص) ومن اإلمام علي دون أن يصدر عنهما رادع عن ذلك.
باختصارّ :
إن ما يستفاد من حديث« :النساء عورة»:
--1الحرص على حماية المرأة وعدم خروجها إلى األماكن المشبوهة التي يخشى في حال
تعرضها لما يسيء لكرامتها أو يخدش حياءها.
خروجها إليها من ّ
--2ضرورة اتخاذ اإلجراءات الالزمة لحفظ كرامة المرأة والحؤول دون انزالقها إلى ما ال
يليق بعفتها وحيائها وشرفها ،وأعتقد ّ
أن اإلجراءات القانونية على هذا الصعيد ال بدّ أن
تترافق مع تعزيز المناعة األخالقية ونشر ثقافة العفة في المجتمع وتربية اإلنسان عليها.
قال العالمة الحلي في المسائل المهنائية ،ص« :40وروي أن صوت المرأة عورة». (((
الحدائق الناضرة ،ج 8ص .141 (((
صحيح مسلم ،ج 4ص ،129ومسند أحمد ،ج 3ص ،330وسنن الترمذي ،ج 2ص ،313وشعب (((
اإليمان للبيهقي ،ج 4ص .367والجامع الصغير للسيوطي ،ج 1ص ،323وكنز العمال ،ج 5ص،326
وإحياء علوم الدين للغزالي ،ج 4ص.110
شرح صحيح مسلم للنووي ،ج 9ص.178 (((
سنن الدرامي ،ج 2ص.146 (((
المرأة في النص الديني 204
وروى ابن أبي شيبة في مصنفه حديث ًا بإسناده عن عبد الله بن حبيب قال :خرج
رسول الله(ص) فلقي امرأة فأعجبته! فرجع إلى أم سلمة وعندها نسوة يدفن (يصنعن) طيب ًا
قال :فعرفن ما في وجهه فأخلينه فقضى حاجته فخرج فقال « :من رأى منكم امرأة فأعجبته
فليأت أهله فليواقعها ّ
فإن ما معها مثل الذي معها»((( .والرواية بحسب نقل الدارمي وابن أبي
شيبة ليس فيه تشبيه المرأة بالشيطان.
والخبر مروي من طرق الشيعة أيض ًا ،فقد رواه الكليني بسند ضعيف إلى حماد بن
عثمان ،عن أبي عبد الله قال :رأى رسول الله(ص) امرأة فأعجبته! فدخل على أم
سلمة وكان يومها ،فأصاب منها وخرج إلى الناس ورأسه يقطر ،فقال :أيها الناس إنّما النّظر
من الشيطان ،فمن وجد من ذلك شيئ ًا فليأت أهله»(((.
ونالحظ في هذا الحديث األخير أنّه لم ُي َش ِّب ْه المرأة بصورة الشيطان ،وإنّما عدّ النظر
إليه من تسويالت الشيطان.
تتم من خالل الوقفتين التاليتين:
ودراستنا لهذا الحديث ّ
--1الوثوق بالخبر
ِّك مشكك في صدور الحديث وصحته ،وذلك من جهة عدم الوقفة األولى :ربما ُي َشك ُ
الوثوق بسنده ،والختالف النقل في عدة أشياء ،ومنها اسم الزوجة التي ذهب النبي(ص)
إن بعضها تقول ،هي زينب ،وفي نقل آخر هي سودة ،وثالث يقول هي أم سلمة، إليها ،حيث ّ
عما سيأتي في الوقفة الثانية. هذا ناهيك ّ
ولكن ال يبعد أن يكون للخبر أصل صحيح ،وال سيما أنّه مروي من طرق الفريقين،
كما الحظنا .أجل ،قد حصلت بعض الزيادات عليه نتيجة النقل بالمعنى ،أو االعتماد على
الحافظة التي قد تخون صاحبها أحيان ًا ،أو لغير ذلك من األسباب .وأ ّما االختالف في اسم
نرجح أنَّها «أم سلمة» لتالقي رواية الكافي مع الزوجة التي ذهب إليها النبي(ص) ْ
فإن لم ِّ
ِ
إن االختالف في ذلك ال ُي ْسق ُط الرواية عن
رواية ابن أبي شيبة على اسمها ،فيمكن القولّ :
االعتبار ،وال يبعد أن يكون منشأ االختالف في اسمها هو اجتهاد الرواةّ ،
ألن من الطبيعي أن
((( والحديث يشتمل على «حكمة عملية ،وهي أنّه إذا ثارت شهوة الرجل ،فعليه أن يعالجها بحالل،
وإل فربما ينتهي إلى الوقوع في الحرام ،وقد ورد نظير ذلك على لسان اإلمام علي عندما ّ
«إن أبصار هذه
فمرت بهم امرأة جميلة فرمقها القوم بأبصارهم ،فقالّ : كان واقف ًا مع أصحابه ّ
وان ذلك سبب َه َبابها ،فإذا نظر أحدكم إلى امرأة تعجبه فليالمس أهله فإنّما هي
الفحول طوامحّ ،
امرأة كامرأته».
((( الحديث النبوي بين الرواية والدراية ،ص.127
207 المحور الرابع :ما روي عن رسول الله(ص) في ذ ّم المرأة
قال :قال رسول الله(ص)« :ال تنزلوا النساء الغرف ،وال تعلموهن الكتابة ،وال تع ّلموهن
سورة يوسف ،وع ّلموهن المغزل وسورة النور»(((.
ورواه الكليني في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن
أبي عبد الله قال :قال رسول الله(ص)« :ال تنزلوا النساء بالغرف ،وال تعلموهن الكتابة،
وع ّلموهن المغزل وسورة النور» .لكن مع عدم ذكر فقرة« :وال تع ّلموه ّن سورة يوسف»(((.
والحديث عينه وبالصيغة األخيرة نجده في مصادر أهل السنة ،فقد روى الحاكم
النيسابوري باإلسناد إلى عائشة قالت :قال رسول الله(ص)« :ال تنزلوهن الغرف وال
تع ّلموهن الكتابة ،يعنى النساء وع ّلموهن المغزل وسورة النور»(((.
ويبدو ّ
أن أبا العالء المعري ناظر إلى هذا الحديث عندما قال:
َن( )4وخ ُّلـــوا كتابـــة وقـــراءة والر ْد
موهن الغزل والنســـيج َّ
َّ ع ِّل
الص تجزي عن يوسف وبراءة فصـــاة الفتـــاة بالحمد واإلخـ
()5
ســـتر إن غنّت القيـــان وراءه تهتك الســـتر بالجلوس أمام الـ
بيان و�شرح
وقبل التعليق على هذا الحديث ،من المفيد أن نذكر شرح ًا وتعليق ًا على فقراته من
قبل بعض األعالم المحدّ ثين ،قال الشيخ محمد تقي المجلسي (والد صاحب بحار األنوار،
ويعرف بالمجلسي األول)« :والغرفة البيت الفوقاني ،لئال ينظرن إلى الرجال وال ينظروا
فإن الغالب فيها اإلشراف ،ويمكن أن يكون تعبد ًا« ،وال تع ِّلموه َّن الكتابة» ألنهن إذا
إليهنّ ،
ُع ّلمن يكتبن بالمطالب إلى من ال يرضى به الزوج واألقرباء ويخاف من االفتتان بخطوطهن،
ألن فيها حكاية العشق و ُيخاف افتتانهن»(((. أو تعبد ًا« .وال تعلموهن سورة يوسف»ّ ،
وقال في موضع آخر« « :الغرف» جمع غرفة ،وهي البيت األعلى ،فإنّه من الستر
((( كنز الفوائد للكراكجي ،ص ،239ومشكاة األنوار في غرر األخبار للطبرسي ،ص ،236وعدة الداعي
ونجاح الساعي البن فهد الحلي ،ص ،63وعوالي الآللي البن أبي جمهور األحسائي ،ج 4ص.70
((( سورة العلق ،اآلية .5
المرأة في النص الديني 210
أن الكتابة كانت وال تزال الوسيلة األساس لحفظ للطباعة كما هو الحال في أيامنا ،كما ّ
العلم والحديث من النسيان والضياع ،ولهذا دعا النبي(ص) إلى كتابة العلم والحديث،
فعنه(ص)« :ق ِّيدوا العلم بالكتاب»((( .ومن فوائد الكتابة أنّها تساهم في تنمية الملكات
والمواهب ،والتعبير عن األفكار ،وإيصال المعلومات النافعة إلى اآلخرين من خالل
الرسائل ،ومن فوائدها أيض ًا أنّه بواسطتها تُحفظ حقوق اآلخرين من الضياع ،كما في كتابة
الوصايا واإلقرارات ،وتوثيق العقود والمعامالت والسجالت إلى غير ذلك من الحاجات
الملحة التي تفرض تعلم الكتابة ،لدرجة أنّه يمكن القول :إنّها من الواجبات النظام ّية التي
يحتاج إليها المجتمع ،هذا فيما يتصل بفوائد الكتابة بشكل عام أي للرجل والمرأة ،وأ ّما
فإن معرفتها بالكتابة ستمنحها قدرة على تعليم أطفالها ،ولو كانت الكتابة بالنسبة للمرأة ّ
مبغوضة لما تعلمتها سيدتنا الزهراء فقد كانت عالمة بالكتابة ،كما يستفاد من
أن النبي(ص) كان قد ك ّلف إحدى النساء وهي بعض األحاديث((( .ويظهر من بعض المصادر ّ
«الشفاء بنت عبد الله» بتعليم زوجته حفصة الكتابة((( ،وقد اعتبر الحديث النبوي الشريف
حق الولد -ذكر ًا كان أو أنثى -على والده أن يع ّلمه الكتابة ،فعنه(ص)« :من حق الولد ّ
أن من ّ
على والده ثالثة :يحسن اسمه ويعلمه الكتابة ويزوجه إذا بلغ»((( .وما ورد في بعض الروايات
من الدعوة إلى تعليم الغالم الكتابة((( فال مفهوم له ،بحسب تعبير األصوليين ،أي ال يستفاد
منه نفي تعليم األنثى ،وإنما ُذكر الغالم من باب المثال ،كما هي العادة في مثل هذه الموارد.
أن النساء إذا تع ّلمن الكتابة فسوف يكتبن إلى َم ْن ال يرضى به الزوج
الوجه الثانيّ :
واألقرباء ،و ُيخاف من االفتتان بخطوطهن ،وهذا الوجه أشدُّ غرابة من سابقه ،وهو يحمل في
تحف العقول عن آل الرسول(ص) ،ص ،36والمجازات النبو ّية ،ص ،179وهو مروي عن أمير (((
المؤمنين ،انظر :شرح مئة كلمة ألمير المؤمنين البن ميثم البحراني ،ص ،291وروي في مصادر
السنة عن عمر بن الخطاب ،انظر :المستدرك ،ج 1ص ،106لكنه رواه أيض ًا عن رسول الله(ص) ،انظر:
ُّ
المصدر نفسه.
فقد روي «هذا ما كتبت فاطمة بنت محمد (ص) ،في مالها إن حدث بها حادث ،تصدقت بثمانين أوقية (((
تنفق عنها ،»..انظر :بحار األنوار ،ج 100ص ،184ومستدرك الوسائل ،ج 14ص .55وحمله على أنّها
كتبت ذلك مستعينة ببعض الكتاب خالف الظاهر.
علي رسول الله(ص) وأنا عند حفصة ،فقال لي :أال تعلمين هذه رقية النملة
فعن الشفاء قالت« :دخل ّ (((
كما علمتها الكتابة» ،انظر :سنن أبي داود ،ج 2ص ،226والمستدرك على الصحيحين ،ج 4ص.57
روضة الواعظين للفتال النيسابوري ،ص ،369ومكارم األخالق للطبرسي ،ص .220 (((
ففي الحديث الموثق عن يعقوب بن سالم ،عن أبي عبد الله قال :الغالم يلعب سبع سنين، (((
ويتعلم الكتاب سبع سنين ،ويتعلم الحالل والحرام سبع سنين» ،انظر :الكليني ،ج 6ص .47
211 المحور الرابع :ما روي عن رسول الله(ص) في ذ ّم المرأة
ثناياه تخوين ًا للمرأة ،بحيث تُجعل في قفص االتهام على الدوام ،وتزدحم في وجه هذا الكالم
العديد من األسئلة التي ال تجد جواب ًا ،ومنها :أنّه لماذا نفترض أنّها ستكتب لآلخرين؟! أو
إذا كتبت لهم فلماذا نفترض أنّها ستكتب إلى من ال يرضى الزوج واألقارب بالكتابة إليه؟!
فلع ّلها تكتب إلى أرحامها أو إخوانها ،أو تكتب علم ًا تنتفع به وينتفع به زوجها وأوالدها أو
ثم من الذي يمنح الزوج أو األقارب حق ًا في منع المرأة من الكتابة؟! وأ ّما
المجتمع عامة؟! ّ
الكالم عن االفتتان بخ ّطها فهو من أغرب األمور ،فهذا المنطق لو كان يبرر منعها من الكتابة
سجن دائم حتى ال يفتتن أحد بها! مع ٍ لكان يبرر الدعوة إلى منعها من الكالم أو جعلها في
أن التشريع سمح لها بالخروج ومزاولة األعمال واألنشطة التي ال تسيء إلى عفتها؟ فإذا ّ
التزمت المرأة حدود العفة واألخالق ومع ذلك افتتن البعض بها فهذه ليست مشكلتها وإنّما
هي مشكلته وعليه أن يعمل على تهذيب نفسه وضبطها.
أن خ ّطه َّن عورة ،وهذا كالم غريب وال وجه له وال دليل عليه ،فكيف
الوجه الثالثّ :
ِ
الخط أو بمضمونه؟ يكون خ ّطها عورة؟! هل لذلك عالقة بشكل
خط المرأة عن خط إن قيل :األمر يتصل بشكله ،فهذا مستغرب ،إذ ما الذي يم ّيز ُّ
فإن ما تكتبه المرأة قد ال ت ِ
ُطلع اآلخرين عليه ،أو قد ال ثم بصرف النظر عن ذلكّ ، الرجل؟! ّ
يعرف اآلخرون أنّه من خ ّطها ،فلماذا تمنع من تعلم الكتابة؟!
وإن قيل :األمر يتصل بالمضمون ،فهذا يعني إصدار حكم مسبق عليها بأنّها ستكتب
مضمون ًا مثير ًا للرجل ،وهذا يمثل تخوين ًا لها ال مبرر له .وقد أسلفنا كالم ًا مفص ً
ال حول
وصف النساء بالعورة ،فليراجع.
ثاني ًا :إذا كانت الدعوة إلى تعليم النساء سورة النور مفهومة على اعتبار أنّها تشتمل
على األحكام المختصة بالنساء والحدود المتصلة به ّنّ ،
فإن الدعوة إلى ترك تعليمه ّن سورة
يوسف موضع إشكال واستغراب كبير ْين ،وذلك:
إن األمر بقراءة القرآن الكريم وتالوته بجميع سوره ،واستحباب ختمه ولو في بعض ّ --1
إن األمر بذلك مطلق وشامل للمرأة والرجل ،فما الموجب الشهور والتدبر في آياتهّ ،
لمنع المرأة حصر ًا عن تع ّلم هذه السورة؟! إنّه ال موجب لرفع اليد عن تلك األوامر
لمجرد أخبار ضعيفة وغير موثوقة.
تم تبريره باشتمال السورة المذكورة على ّ --2
إن منعه ّن من قراءة السورة المذكورة ،قد ّ
المرأة في النص الديني 212
«حكاية العشق ويخشى افتتانه ّن بذلك»((( ،ولك ّن هذا الوجه لو كان تام ًا في نفسه فهو ال
يختص بالنساء ،ألنّه إذا كانت قراءة تلك السورة ته ّيج النساء وتوجب افتتانهن ،فهي تهيج
أن اهتياج الرجل هو أسرع من اهتياج المرأة ،وقد الرجال أيض ًا وتوجب فتنتهم! ومعلوم ّ
أن المرأة تصبر أكثر من الرجل على ورد في األحاديث((( ما يدل على هذه الحقيقة ،وهي ّ
أن حياءها يمنعها من إظهار شهوتها .فالالزم على هذا دعوة والسر في ذلك ّ
ّ شهوتها،
الرجال أيض ًا إلى ترك قراءة سورة يوسف! وعندها يتساءل اإلنسان ،لماذا قد ينزل الله
أن القرآن الكريم هو كتاب هداية سور ًة تتسبب في فتنة عباده وتثير غرائزهم؟! والحال ّ
وليس كتاب إثارة ،وهو كتاب لتزكية النفوس وليس إلثارة الغرائز! ّ
وإن مثل هذا األمر
يجر إلى القول بإعداد نسختين من القرآن :إحداهما للرجال وتتضمن القرآن كامالً، قد ّ
واألخرى خاصة بالنساء ،وتكون خالية من سورة يوسف! وهذا كالم -كما ترى -في
منتهى الضعف والسخافة.
أن سورة يوسف -كغيرها من السور القرآنية -مليئة بالمعارف والمواعظ والحقيقة َّ
تحصن الرجال والنساء ،وتعطيهم دروس ًا بليغة في أهم ّية تهذيب النفس وتحصينها
والعبر التي ّ
بالمناعة الروح ّية مقابل التحديات والصعوبات والوساوس الشيطان ّية واإلغراءات المختلفة.
إن تجربة يوسف الصديق مع زوجة العزيز تعطي اإلنسان المؤمن درس ًا بليغ ًا في ّ
قوة اإلرادة ّ
واإليمان التي تحمي صاحبها من االنقياد وراء الغريزة الجنسية واالنجرار وراء الشهوة،
وتع ّلمه ّ
أن عاقبة ذلك هي الفضيحة في الدنيا والخزي والعار في الدنيا واآلخرة.
ثالث ًا :وأ ّما النهي عن إنزاله ّن الغرف ،وهي البيوت العالية ،فقد بررها الشيخ محمد
تقي المجلسي بقوله« :لِ َئ ّل َينْ ُظ ْر َن إلى الرجال وال ينظروا إليه ّنّ ،
فإن الغالب فيها -أي في
الغرف -اإلشراف ،ويمكن أن يكون تعبد ًا» ،وتعليقنا على ذلكّ ،
أن التعبد -كما أشرنا قبل
ال في المقام ،وأ ّما توجيه النهي عن إسكانهن البيوت العالية بالحيلولة قليل -ليس محتم ً
دون نظرهن إلى الرجال ،فهو توجيه غير مقنع ،وذلك لالعتبارات التالية:
مما جاء في بعض الروايات الضعيفة، ((( كما قال المجلسي في كالمه المذكور في المتن ،وهذا مأخوذ ّ
ِ ففي الكافي بسند ضعيف إلى يعقوب بن سالم رفعهَ ،ق َالَ :ق َال َأ ِم ُير ا ْل ُم ْؤمني َنَ :
«ل ُت َع ِّل ُموا ن َسا َءك ُْم ِ ِ
ُّورَ ،فإِ َّن فِيها ا ْلمو ِ
ور َة الن ِ ِ ِ
اع َظ» ،انظر: َ ََ وه َّن ُس َ اهاَ ،فإِ َّن ف َيها ا ْلف َت َن ،و َع ِّل ُم ُ
وه َّن إِ َّي َ
ول ُت ْق ِر ُؤ ُ
فَ ،
وس َ
ور َة ُي ُ
ُس َ
الكافي ،ج 5ص .516
((( المصدر نفسه ،ج 5ص .338
213 المحور الرابع :ما روي عن رسول الله(ص) في ذ ّم المرأة
إن نظره ّن إلى الرجال ليس ممنوع ًا وال محرم ًا ما دام أنّه نظر اعتيادي ،والقرآن لم ينهه ّن
ّ --1
غض عن النظر إلى الرجال ،وال نهى الرجال عن النظر إليه ّن ،وإنّما دعا الطرفين إلى ّ
البصر ،قال تعالى :ﵛﭐﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ...ﲀ ﲁ
والغض ليس بمعنى الغمض أو ترك ّ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ...ﵚ(((،
النظر من أصله ،بل هو بمعنى االبتعاد عن تركيز النظر وتحديقه ،فإنّه قد يكون مدخ ً
ال
محرم.
إلى االفتتان واإلثارة ،واألمر عينه ينطبق على نظر الرجال إليه ّن ،فهو اآلخر غير ّ
إن الغاية من منعه ّن من سكنى الغرف العالية هي الحؤول دون تواصلهن مع --2ولو قيلّ :
ال محرم ًا ،فجوابهّ :
إن هذه الغاية ال تتحقق بمنع سكناه َّن الغرف أو الشقق الرجال تواص ً
إن ذلك يقتضي المنع من خروجهن من البيوت رأس ًا؛ ّ
ألن السكنية العالية فحسب ،بل ّ
ذلك مدعاة للتواصل مع الرجال أكثر من سكناهن في الغرف ،وحتى حبسه ّن في البيوت
ال يكفي بل ال بدّ أن َي ْمن ََع من امتالكه َّن كل أشكال التواصل مع غير المباشر مع الرجال
من خالل أجهزة االتصال الحديثة كجهاز التلفون أو تقنية األنترنت بكل وسائلها!
أن الوصول إلى الغاية المذكورة ال يكون بمثل هذه اإلجراءات ،بل يكون والواقع ّ
بالعمل على تحصين المرأة من الداخل ،والعمل على بنائها روحي ًا بما يجعلها تمتلك
أن الغرض المذكور لو كان مطلوب ًا فهو يقتضي منع مناعة أخالقية وروحية عالية .على ّ
ألن التواصل المحرمالرجال أيض ًا من سكنى األماكن التي تسمح بتواصلهم مع النساءّ ،
ممنوع من الطرفين ،فال بدّ من سدّ نوافذه أمامهما مع ًا ،وليس أمام المرأة فحسب ،فالعفة
ليست ضريبة على المرأة وحدها.
وكأن المطلوب هو حبس المرأةّ باختصارّ :
إن من يقرأ هذه التوجيهات والتبريرات يشعر
ٍ
وإبعادها عن كافة أشكال التواصل مع الجنس اآلخر ،وهذا ما ال يمكن لفقيه أن يلتزم
بذلك وينسبه إلى اإلسالم.
محل تأمل من جهة أخرى ،وهي أنّها إن هذه التوجيهات والتفسيرات بأجمعها هي ّ ثم ّ
ّ --3
توجيهات تنطلق من منطلق غير مقبول ،وهو وضع المرأة دائم ًا موضع االتهام وفي
ت سورة يوسف فسوف تفتتن ببعض ما جاء فيها دائرة الشك والريبة ،فهي إن َق َر َأ ْ
ويخشى عليها من الوقوع في الحرام ،وإن سكنت الغرف العالية فسوف تنظر إلى
مرتوما نسبته عائشة إلى الجاهليين من أنّهم كانوا يتشاءمون بالمرأة صحيح ،وقد ّ
اإلشارة إلى ذلك في المحور الثاني ،فقرة «بين الجاهلية واإلسالم» ،وأ ّما رأيها حول اقتطاع
((( وفي تتمة كالمه قال الشيخ الطوسي« :وكذلك خ ّطأت -أي عائشة -من روى عنه(ص) أنّه قال:
أن كالمه خرج على تاجر قد دلس ،وولد زنا قدو«أن ولد الزنا شر الثالثة» ،وذكرت ّ
ّ «التاجر فاجر»
سب أمه .وعلى هذا الوجه أنكرت وابن عباس جميع ًا ما رواه ابن عمر ّ
«أن الميت ليعذب ببكاء أهله
«إن الميت ليعذب ّ
وأن أهله عليه» ،وغير ذلك ،فقاالَ :و َه َل [بمعنى وهم] ابن عمر ،وإنّما قال(ص)ّ :
يبكون عليه» ،انظر :عدّ ة األصول ،ج 1ص.95
((( المحصول للرازي ،ج 4ص.302
219 المحور الرابع :ما روي عن رسول الله(ص) في ذ ّم المرأة
وقال آخرون :شؤم الدار ضيقها وسوء جيرانها وأذاهم ،وشؤم المرأة عدم والدتها
وتعرضها للريب ،وشؤم الفرس أن ال يغزى عليها ،وقيل :حرانها وغالء ثمنها،
ّ وسالطة لسانها
فوض إليه .وقيل :المراد بالشؤم هنا عدم الموافقة»(((.
وشؤم الخادم سوء خلقه وقلة تعهده لما ّ
مما ال يمكن ،لما عرفتإن األخذ بالحديث على ظاهره ّ وتعليقنا على هذه األقوالّ :
مجرد تأويالت ال
والسنة ،وأ ّما سائر التوجيهات المطروحة في المقام فهي ّ
من منافاته للقرآن ُّ
أن بعضها مرفوض وال يمكن الموافقة عليه ،وهو ما يتصلُيساعد عليها ظاهر الحديث ،على َّ
بشؤم المرأة ،وهذا ما نوضحه في النقطة التالية.
�--4ش�ؤم المر�أة
عما تقدّ م من أدلة وشواهد تبعث على االطمئنان برفض مضمون
ثم وبصرف النظر ّّ
الحديث ،فإننا نتساءل :كيف يمكن تفسير شؤم المرأة؟
لقد ُو ِّجه شؤم المرأة ُبعقمها ،وسالطة لسانها((( ،ولكن هذا التفسير غريب ،ألنّه ٍ
جار
في الرجل أيض ًا ،فقد يكون عقيم ًا أو سليط اللسان ،فلماذا ال يكون مصدر ًا للشؤم أيض ًا؟!
«ح ّبب ثم كيف تكون المرأة مصدر ًا للتشاؤم والحال ّ
أن الحديث النبوي الشريف يقولُ : ّ
يحب النبي(ص) من
ّ قرة عيني في الصالة» .فهل
(((
إلي من الدنيا :النساء ،والطيب ،وجعل ّ
َّ
هي مصدر للتشاؤم؟!
واالعتراض عينه يمكن تسجيله على ما ورد في تفسير وتوجيه شؤم الخادم أو الفرس
أو الدار ،فإنّها تفسيرات جارية في أشياء كثيرة ،فما الموجب لتخصيص هذه الثالثة بالشؤم؟!
ولهذا ،فإن لم نعتمد التفسير المنقول عن السيدة عائشة ،فاألجدر رفض هذا الحديث
الترهات. وأمثاله ،تنزيه ًا لساحة النبي األكرم(ص) عن ّ
التفوه بمثل هذه ّ
كما ذكر بعضهم في بيان وجه فساده ،انظر :عمدة القاري ،ج 15ص .211 (((
عمدة القاري للعيني ،ج 15ص .211 (((
كشف المشكل من حديث الصحيحين ،ج 3ص .504 (((
الكتاب المقدس ،سفر التكوين اإلصحاح الثالث. (((
سورة األعراف ،اآلية .20 (((
سورة البقرة ،اآلية .36 (((
المرأة في النص الديني 222
لحواء أصالً ،قال تعالى :ﭐﵛﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ الشيطان ،دون ٍ
ذكر ّ
ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓﵚ((( ،وقال سبحانه في آية أخرى :ﵛﲡ ﲢ ﲣ ﲤﵚ(((.
الجهة الثانية :ما تضمنته من اطراد الخيانة في جنس حواء ،فإننا لو س ّلمنا بصدور خيانة
معينة من حواء ،ولك ّن اطراد الخيانة في ذريتها هو -على ما يبدو -عقوبة لهذه الذرية على
ذنب لم تقترفه ،وإنّما اقترفته حواء ،وهذا مخالف لقانون العدل اإللهي ،قال تعالى :ﵛﭐﳇ ﳈ
ﳉ ﳊ ﳋﵚ((( ،فآثار الذنب ال تسري إلى غير فاعله ،قال تعالى في آية أخرى :ﵛﭐﳄ ﳅ
ﳆ ﳇ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔﵚ(((.
�شر كلها»
--1حديث« :المر�أة ٌّ
--2حديث« :ال تطيعوا الن�ساء»..
--3حديث« :الن�ساء نواق�ص»..
--4حديث« :غيرة المر�أة كفر»
--5حديث�« :إياك وم�شاورة الن�ساء»
--6حديث« :ا ْل َم ْر�أَ ُة عَ ْق َربٌ ُح ْل َو ُة اللَّ ْ�س َب ِة»
--7حديث« :جند المر�أة»
--8حديث« :فالنة �أدركها ر�أي الن�ساء»
--9حديث �آخر عن �ضعف ر�أي الن�ساء
--10حديث« :عقول الن�ساء في جمالهنّ »
--11حديث« :الوفاء من المر�أة محال»
ما روي عن علي في ذ ّم المر�أة
منعطف أساس من دراستنا هذه ،ويمكنك القول :إنّناٍ وفي هذا المحور ،ندخل في
ندخل في صلب الموضوع الذي ُأعدّ هذا الكتاب من أجل تناوله بالبحث والدراسة ،عنيت
بذلك استعراض النصوص الواردة في المرأة والمنسوبة إلى اإلمام علي وسوف نالحظها
نص ًا نص ًا ،وندرسها سند ًا وداللة ومضمون ًا ،لنرى إذا كانت مستجمعة لشرائط الحج ّية ،وما
ّ
إذا كان يتسنى لنا قبول نسبتها إليه ،آخذين بعين االعتبار الضوابط والمعايير المتقدمة في
المحور األول وما تاله من محاور.
�شر كلها»
--1حديث« :المر�أة ٌّ
الحديث األول الذي نضعه على طاولة البحث والنقد ،هو ما روي عنه أنّه قال:
وش ُّر ما فيها أنّه ال بدّ ِمنْها»(((.
«المرأ ُة َش ٌّر ك ُّلها َ
م�ضمون الحديث
بصحة سند الحديث ،والتسليم -أيض ًا -بعدم ّ بصرف النظر عما تقدّ م ،والتسليم
فإن مضمونه -لو ُحمل على ظاهره -مما يصعب حصول اشتباه في نسبته إلى عليّ ،
التصديق بصدوره عنه ،(((وتوضيح ذلك في الوقفات التالية:
تعالى فطرة نقية طيبة كما وهب الرجل ،قال تعالى :ﵛﭐﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ
ﲱ ﲲ ﲳﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻﵚ((( ،وهي ال تختلف عنه أيض ًا في
ال وعاطفة وغريزة ،كما أعطى الرجل ،و َمن ََحها حري َة
قابلياتها وطاقاتها ،فقد أعطاها الله عق ً
أن الخير والشر قد يصدر من كليهما ،وليس من المرأة فحسب، االختيار كما منحه ،ما يعني ّ
قال تعالى في اإلشارة إلى اإلنسان :ﵛﭐﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈﵚ((( ،ولذلك فقد أراد
الله سبحانه للمرأة أن تقوم إلى جنب الرجل بدور خالفته على األرض ،وذلك بعمارتها
شرفها -كما الرجل -بالتكليف والخطاب وإرسال الرسل، وإحيائها ،وهكذا فإنّه تعالى ّ
وهداها السبيل كما هداه ،قال تعالى :ﵛﲛ ﲜﵚ((( ،وفتح أمامهما مع ًا مجال السمو
الروحي والتكامل المعرفي.
شر ًا فلماذا
شر ًا كلها؟! وإذا كانت ّ وفي ضوء ما تقدّ م ،فإننا نتساءل :كيف تكون المرأة ّ
تكون هي كذلك دون الرجل مع اشتراكهما في الخصائص والقابل ّيات؟
أن الله تعالى قد خلق إنسان ًا أو كائن ًا هو ٍ
بفكرة مفادها ّ ثم هل يمكننا اإلذعان والتصديقّ
شر ُك ُّله؟!
ٌّ
ّ
إن هذا ال يمكننا فهمه وال قبوله ،لالعتبارات التالية:
شر من جهة مؤونتها وإنفاق الرجل عليها فهو غريب! فاألوالد -أيض ًا- ) أ أ ّما قوله بأنّها ّ
َي ْل َز ُم على األب اإلنفاق عليهم ،وكذا الوالدان يجب على االبن اإلنفاق عليهما في
شر؟! على ّ
أن المرأة قد ال تحتاج يصح وصفهم بأنّهم ٌّ
ّ حال عجزهما وفقرهما ،فهل
إلى نفقة الرجل عليها ،كما لو كانت غن ّية أو منتج ًة ،فهل ينتفي وصف الشر عنها في
أن المرأة في كثير من الحاالت هي التي تنفقهذه الحالة؟! ولقد بتنا في زماننا نشهد ّ
شر ًا؟!
على الرجل ،فهل يكون الرجل بسبب ذلك ّ
أن استمتاع الرجل بها وإن كان ُي َح ِّق ُق له لذ ًة حس ّية لكنه
شر ًا باعتبار ّ
) بوأ ّما تبرير كونها ّ
ألن االشتغال بالملذات ما يوجب ابتعاده عن الله تعالى فهو تبرير أغرب من سابقهّ ،
إن ذلك بلحاظ دام في حدود ما ّ
أحل الله تعالى فإنّه ال يوجب ال ُب ْعدَ عنه تعالى ،بل ّ
بعض االعتبارات قد يدخل في نطاق العبادة والطاعة لله((( ،واالبتعاد والعزوف عن
للسنَّة ،وقد ال يخلو أحيان ًا من أمر مكروه ،لمنافاته ُّ
األخذ بهذه االستمتاعات هو ٌ
فإن التعبد لله تعالى يجب أن إشكال شرعي ،كما لو انطلق من حالة تعبد لله بذلكّ ،
شرعه الله وأذن به ،وإال وقعنا في محذور االبتداع في دين الله. يكون بما ّ
((( المرأة في اإلسالم ،من محاضرات الشيخ الوائلي رحمه الله ،ص.580
((( علل الشرائع ،ج 2ص ،513األمالي ،ص ،275من ال يحضره الفقيه ،ج 3ص ،554ورواه عنه في جامع
أحاديث الشيعة ،ج 25ص 333باب 45من أبواب مباشرة النساء ومعاشرتهن.
((( في سند الرواية -بحسب ما في علل الشرائع واألمالي -أحمد بن أبي عبد الله البرقي ،وقد قال =
233 المحور الخامس :ما روي عن علي في ذ ّم المرأة
ألهم مضامين الرواية وعناوينها العامة:
ّ وفي البداية تعالوا مع ًا لنقدِّ َم استعراض ًا سريع ًا
--1عدم إطاعة النساء على كل حال.
--2عدم ائتمانهن على مال.
--3منعهن من تدبير أمر العيال
--4أنه ّن ال ورع لهن عند حاجتهن.
--5ال صبر له ّن عند شهوتهن.
--6البذخ لهن الزم وإن كبرن.
--7ال ُع ُجب بهن الحق وإن عجزن.
--8ال يشكرن الكثير إذا منعن القليل.
--9ينسين الخير ويحفظن الشر.
--10يتهافتن بالبهتان.
--11يتمادين بالطغيان.
--12يتصدين للشيطان.
إن التصديقهذه هي أهم مضامين الرواية ،وفي تقييم إجمالي لها يمكننا القولّ :
بصدور هذه المضامين عن اإلمام علي هو بمكان من الصعوبة ،بل يكاد يكون األمر أشبه
بالمستحيل؛ ألنّها مضامين تم ّثل امتهان ًا ب ّين ًا لكرامة المرأة وانتقاص ًا جل ّي ًا من إنسانيتها ،وهو
نص عليه القرآن الكريم من تكريم اإلنسان ،ذكر ًا كان أو أنثى ،وال األمر الذي يتنافى مع ما ّ
يعقل صدور ما ينافي القرآن وتعاليمه عن علي وهو العارف بمحكم الكتاب ومجمله،
مفصله ومبينه ،ناسخه ومنسوخه.
النجاشي في ترجمته« :كان ثقة في نفسه يروي عن الضعفاء واعتمد المراسيل» ،وهو يروي عن أبيه =
محمد بن خالد البرقي ،وذكر النجاشي في ترجمته« :وكان محمد ضعيف ًا في الحديث» ،ولكن الشيخ
الطوسي وثقه ،راجع :معجم رجال الحديث ،ج 17ص ،74-71أجل ،قد شهد الشيخ آصف محسني
بوثاقة الرواية ،انظر :األحاديث المعتبرة في جامع أحاديث الشيعة ،ص ،463وأما في كتاب من ال
يحضره الفقيه فهي مرسلة.
المرأة في النص الديني 234
إن هذا الحديث هو حديث تخويني اتهامي تحقيري إقصائي للمرأة،بكلمة مختصرةّ :
وظاهره التعميم لجنس النساء ،وال يتأتى بوجه من الوجوه حمله على امرأة معينة ،كما
احتمل بعضهم في الحديث السابق.
جولة تف�صيلية
أهم مضامين الرواية -إلى جولة
وتعالوا معي -بعد هذه اإلطاللة اإلجمالية على ّ
تفصيلية نتوقف فيها عند كل مفردة من مفرداتها:
ثمة سؤاالً يطرح أوالً :فيما يرتبط بالفقرة األولى « :ال تطيعوا النساء على حال»ّ ،
فإن ّ
السر في هذه الدعوة العامة والمطلقة إلى عدم إطاعة النساء
نفسه إزاءها ،وهو أنّه ما الوجه أو ّ
على كل حال؟
ّ
وتحث ألن المرأة قد تأمر بالمعروف وتدعو إلى طاعة الله تعالى إن ذلك غير مفهومّ ،ّ
الناس عموم ًا بعدم إطاعتها على
ُ ُ
الرجل أو على فعل الخير وتر ّغب بترك َّ
الشر ،فكيف ُي ْؤ َم ُر
كل حال؟!
وإذا قيلّ :
إن دعوته إلى عدم إطاعة المرأة على كل حال مق ّيد ٌة بما إذا لم تأمر بطاعة
الله تعالى ،وإال كانت إطاعتها إطاع ًة لله تعالى ،فيكون مقصوده النهي عن إطاعتهن فيما إذا
أمرن بمعصية الله تعالى.
والجواب على ذلك :أنّه لو كان مقصوده هذا المعنى فال يبقى للمرأة خصوصية،
فالرجل أيض ًا كذلك ،أي ال تجب إطاعته إذا أمر بمعصية الله ،ألنّه -وكما جاء في الحديث
أن ظاهر الحديث ذكر عن علي نفسه « -ال طاعة لمخلوق في معصية الخالق»((( ،مع ّ
بحث حول هذه النقطة تعليق ًا على بعضٍ بعض اإلرشادات الخاصة بالنساء ،وسيأتي مزيد
الروايات الالحقة.
ثاني ًا :وأ ّما الفقرة الثانية« :وال تأمنوه َّن على مال» ،فهي أكثر غرابة ،ألنّها تتضمن تخوين ًا
للمرأة ،ودعو ًة إلى عدم ائتمانها على المال ،وهو أمر غير مفهوم وال وجه له ،سوا ًء في النطاق
ألن حال المرأة في أمر المال كحال الرجل تمام ًا ،فكما يمكن الزوجي أو في النطاق العامّ ،
ائتمان الرجل الصالح الموثوق على المال ،كذلك يمكن ائتمان المرأة الصالحة الموثوقة
صحة الرواية-
ثمة وجه قريب في تفسير هذه الرواية ،وهو أن اإلمام- بنا ًء على ّ أجلّ ،
ر ّبما كان ناظر ًا إلى حال المرأة في زمانه ،وهو ما تؤشر إليه وتشهد به عبارته « :فإنّا
وجدناهن ،»..فهو لم يقل -مث ً
ال « -فإنّه ّن» ،بل قال« :فإنّا وجدناهن» وهو تعبير يستخدمه
م ْن يتحدّ ث ويت َك َّلم من موقع تجربته في الحياة وخبرته بواقع المرأة وحالها في زمانه ،وقد
وجدها -في األعم األغلب -متصفة بهذه األوصاف ،ما سمح له بهذا التعميم .وعليه ،فهذه
األوصاف ليست بالضرورة أن تكون مخلوقة مع المرأة ،وإنّما اكتسبتها من البيئة المحيطة
بها والظروف التي عاشتها والتنشئة الخاصة التي تر ّبت عليها ،واإلطار الخاص الذي وضعها
أن الرجل عاش الظروف عينها التي عاشتها المرأة الكتسب تلك المجتمع الذكوري فيه ،ولو ّ
الصفات نفسها.
أن هذا النقد الالذع -على فرض صدوره من اإلماموقصارى القول :إنّنا على يقين ّ
علي - لم يكن منطلق ًا من موقف سلبي عنصري أو عقدة شخص ّية ضد المرأة وإنّما هو
239 المحور الخامس :ما روي عن علي في ذ ّم المرأة
ناظر إلى واقع تاريخي له ظروفه وأسبابه ،ولذا نراه في خطب أخرى قد انتقد الرجل -أيض ًا-
انتقاد ًا الذع ًا ،بسبب ما كان عليه حاله من بعض الجهات.
((( نهج البالغة ،ج 1ص ،130ورواه الشريف في كتابه خصائص األئمة ،ص ،100ورواه محمد بن جرير
الطبري اإلمامي في كتابه المسترشد .وروى الشعبي ،عن شريح بن هاني قال :خطب علي بن أبي
طالب بعدما افتتحت مصر ،ثم قال :وإني مخرج إليكم كتاب ًا ..انظر المسترشد ،ص .418
((( مختصر مفيد ،ج 6ص .194
المرأة في النص الديني 240
صرح به الشريف الرضي هو أنّه قال ذلك في خطبة له بعد حرب الجمل ،بينماالذي ّ
يظهر من الطبري أن هذا المقطع هو جزء من كتاب له كتبه بعد سقوط مصر في يد عمرو
ابن العاص ومقتل محمد بن أبي بكر!
إن ذلك ال يعدُّ في نفسه شاهد ًا على عدم صدوره عنه ،إذ لر ّبما
اللهم إال أن يقالّ :
قال هذا الكالم مرتين(((.
األذى والقذر
ولكن قد يقالّ :
إن في اآلية المباركة تعبيرين يدالن على قذارة المرأة في حال الحيض،
والتعبيران هما:
التعبير األول :هو قوله تعالى في وصف المحيض :ﵛﲕ ﲖﵚ وقد ُف ّسر األذى
بالقذر ،ويؤيد هذا التفسير قوله تعالى :ﭐﵛﭐﲸﲹ ﲺ ﲻ ﲼﵚ((( ،فقد ُف ِّسر األذى في هذه اآلية
أن األذى اسم يقع على النجاسات ،قول النبي (ص): ّ
«ويدل على ّ بال ُق َّمل((( ،قال الجصاص:
النجاسة أذى»(((.
ولكن يالحظ عليه:
إن األذى بحسب المفهوم اللغوي والمتبادر العرفي هو غير القذر .أجلّ ،
إن القذر أوالًّ :
ال -مؤذي ٌة بسبب ّ
تقذر النفس منها ،ولكن ال ً
منشأ لألذى ،فرائحة النفايات -مث ً قد يكون
أن اآلية المباركة التي وصفتموجب لحصر األذى بما يبعث على التقذر .ويشهد لذلك ّ
المحيض باألذى نكّرت لفظ األذى ،والتنكير يفيد اإلطالق ،فالحيض هو كل ما ُيتأذى منه،
سواء تأ ّذت منه المرأة ،بسبب مزاجها الخاص في فترة العادة ،أو بسبب ّ
أن العالقة معها في
هذه األثناء توجب لها بعض الضرر ،كما ثبت ذلك من خالل العلم الحديث ،أو تأذى منه
الرجل إيذا ًء مادي ًا في حال مقاربة المرأة في هذه الحالة ،أو معنوي ًا بسبب نفوره النفسي من
المقاربة في تلك الحال.
القمل باألذى ،فهو من باب تسمية الشيء بما يؤول إليه ويتس ّبب به ،حيث وأما تسمية ّ
القمل يتسبب باألذى ،وكذلك تسمية القذارة التي َت ْع َل ُق ِ
بالر ْج ِل باألذى إنّما هو من جهة إن َّّ
أنّها تبعث على األذى.
يدل على قذارة المرأةأن المقصود باألذى هو القذر حصر ًا ،فهذا ال ّ
ثاني ًا :لو س ّلمنا ّ
نفسها ،فالوصف هو للدم ال لصاحبته ،قال العالمة البالغي« :وال بدّ في قوله :ﵛﲔ ﲕ
فإن الحيض بمعناه المصدري ليس قذر ًا يجتنبه الرجال، ﲖﵚ((( من نحو من االستخدامّ ،
وإنّما القذر واألذى هو الدم .ويحسن هذا االستخدام بشدّ ة المالبسة واالستغناء به عن
التصريح باسم دم الحيض المستقذر»(((.
التطهر والطهارة أكثر من مرة ،وهي« :حتى يطهرن»،
ّ التعبير الثاني :استخدام اآلية للفظ
أن الحائض هي كائن نجس وقذر ويحتاج إلى ب المتطهرين» ،ما يعني ّ ِ
تطهرن» ،و« ُيح ُّ
و«فإذا ّ
((( قال السيد الخوئي رحمه الله« :يستحب لها الوضوء في وقت كل صالة واجبة ،والجلوس في مكان
طاهر مستقبلة القبلة ،ذاكرة الله تعالى ،واألولى اختيار التسبيحات األربع» ،انظر :منهاج الصالحين،
ج 1ص.64
((( ما وراء الفقه ،ج 9ص.219
المرأة في النص الديني 248
أن هذا الكالم -مضاف ًا إلى كونه خالف الظاهر من قول اإلمام - غير تام في بيد ّ
قوة العاطفة ليس من الواضح أنّها تنعكس ضعف ًا في اإليمان وتقلل من إقبال العبد نفسه؛ ّ
ألن ّ
قوة العواطف على الله تعالى ،وتزيد في إقباله على الدنيا ،بل ربما كان األمر بالعكسّ ،
فإن ّ
ال للقضايا الروح ّية ،وأكثر تجاوب ًا معها ،بخالف األشخاص الذين تجعل اإلنسان أشدّ مي ً
فإن ذلك -في بعض مستوياته -قد يؤثر سلب ًا على روحيتهم. تتحكّم بهم األفكار العقليةّ ،
تنمي
القوة العاقلة المودعة لديه .وأ ّما المرأة فلو تسنّى لها أن ّ مر التاريخ فرصة كبيرة لتنمية ّ
على ّ
رجح أن يكون نظر عقلها وملكاتها لفاقت الرجل أو ساوته علم ًا وفقه ًا وأدب ًا وعطا ًء .ومن هنا ف ُي ّ
صحت الرواية -إلى ضعف عقلها المكتسب ،وليس عقلها الفطري. اإلمام - لو ّ
وأن حديثه عن ومن خالل ذلك يتضح الجواب على السؤال الرابع واألخيرّ ،
ضعف إلى عقلها ليس صادر ًا عنه على سبيل القاعدة العامة العابرة للزمان والمكان ،وإنما
هو ناظر إلى واقع المرأة التاريخي والظروف التي أحاطت بها وأبقتها في مستنقع الجهل
واألم ّية ولم تمكّنها من تنمية عقلها.
النقطة الثانية :ما هي عالقة العقل بالشهادة؟
وأما فيما يتصل بما استشهدت به الرواية لتأكيد ضعف عقل المرأة من ّ
أن شهادتها
فإن المالحظة األول ّية التي يمكن تسجيلها على هذا السبب تساوي نصف شهادة الرجلّ ،
أن الشهادة أمر حسي وال ترتبط بالعقل ارتباط ًا أساسي ًا ووثيق ًا إال بالمقدار الذي ُيخرج
هي ّ
الشاهد عن كونه مجنون ًا أو ال يعي ما يقول وال يم ّيز األمور ،وتوفر هذا المقدار من سالمة
العقل تشترك فيه المرأة مع الرجل ،كما يشتركان في سالمة الحواس ،ومع كون الشهادة ال
ترتبط بالعقل ،فكيف يمكن إرجاع نقصان العقل لدى النساء إلى أمر يتصل بالشهادة؟!
ثاني ًا :ما هي طبيعة هذه المؤثرات التي تفقد المرأة التركيز وتجعل عقلها أو ذهنها
مشتت ًا ،وتمنعها من ضبط الوقائع وحفظها سليمة عن النقص وعن الزيادة والتي توجب خلط
األمور بعضها بالبعض؟ هل هي مؤثرات ذاتية تكوين ّية أم إنّها مؤثرات عارضة وتتصل بالبيئة
((( قال الشهيد الثاني« :اختلف األصحاب في شهادة الصبي ،بعد االتفاق على عدم قبول شهادة غير
المميز .ونقل جماعة منهم الشيخ فخر الدين االتفاق على عدم قبول شهادة من دون العشر ،والخالف
فيمن زاد عن ذلك .فالمشهور بينهم عدم قبول شهادته مطلق ًا إال في الجراح والقتل .أما عدم القبول
في غيرهما فلعموم قوله تعالى :ﵛﭐﱹ ﱺ ﱻ ﱼﵚ [البقرة ،]282ولفظ الرجال ال يقع
وألن الصبي ال يقبل قوله على نفسه ،فأولى أن ال يقبل [قوله] على غيره بالشهادة.ّ على الصبيان
وأما استثناء الجراح والقتل فلحسنة جميل قال :قلت ألبي عبد الله« :تجوز شهادة الصبيان،
قال :نعم ،في القتل يؤخذ بأول كالمه ،وال يؤخذ بالثاني منه» .ورواية محمد بن حمران عنه وقد
سأله عن شهادة الصبي ،قال« :فقال :ال ،إال في القتل يؤخذ بأول كالمه ،وال يؤخذ بالثاني» ،انظر:
الكافي ،ج 7ص ،389وتهذيب األحكام ،ج 6ص .251ولفظ الروايتين تضمن القتل ،فيمكن أن يدخل
فيه الجراح بطريق أولى ،ومن ثم ذكر األكثر الجراح .ومنهم من اقتصر على الجراح ،انظر :مسالك
األفهام ،ج 14ص .155وتحقيق الكالم في ذلك موكول إلى محله.
المرأة في النص الديني 256
ومن جهة أخرى ،فال نجد ّ
أن التجارب الواقع ّية والدراسات اإلحصائ ّية((( المتصلة
بشهادة المرأة مقارنة بشهادة الرجل تظهر أو تؤيد دعوى ّ
أن شهادة المرأة أقل إصابة للواقع
وأكثر عرض ًة للخطأ من شهادة الرجل.
وهذا النوع من الدراسات معتمد عقالئي ًا وهو مؤشر جيد على معرفة األمور االجتماعية والعلمية (((
وغيرها.
سورة البقرة ،اآلية .282 (((
مختصر مفيد ،ج 10ص .120 (((
انظر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ،للواحدي ج 1ص ،195تفسير ش ّبر ،ص .84 (((
سورة اإلسراء ،اآلية .15 (((
المفردات للراغب ،ص .509 (((
257 المحور الخامس :ما روي عن علي في ذ ّم المرأة
أن الضالل يستخدم بمعنى العدول عن المنهج عمد ًا وفي ضوء ما ذكره الراغب من ّ
يتوجه السؤال :هل الضالل في اآلية هو بمعنى العدول عمد ًا واختيار ًا عن
كان أو سهو ًاّ ،
جادة الحق ،أو هو بمعنى العدول سهو ًا عن ذلك؟
فعلى األول ،يكون الضالل بمعنى االنحراف المتعمد ،وهو ما يذ ّم عليه اإلنسان،
أن إحداهماألنّه فعل اختياري له ،وعلى هذا االحتمال ،فال يكون المراد بقوله « :فتذكّر» ّ
تلفت نظر األخرى وتن ّبهها من سهوها ،وإنّما يراد به تنبيهها بمعنى وعظها وإرشادها لترتدع
عن غ ّيها ،نظير قوله تعالى :ﵛﭐﲶ ﲷ ﲸ ﲹﵚ ((( ،وقوله تعالى :ﵛﭐﲭ ﲮ ﲯ ﲰ
ﲱﵚ((( .وبنا ًء على هذا الوجه ال تعود قض ّية الحاجة إلى امرأتين في الشهادة متصلة بالعقل،
إن «الذي يحتاج إلى تذكير هو عقل المرأة وليس حواسها» ،فالضالل بهذا المعنى ال ليقال ّ
عالقة مباشرة له بالعقل ،وإنما سوء اختيار اإلنسان وسيطرة الغريزة على إرادته.
وأ ّما على الثاني ،وهو أن ُيراد بالضالل هو العدول سهو ًا عن المنهج والصواب ،فهذا
يؤشر إلى ضعف في العقل ،ولك ّن األمر ليس واضح ًاّ ،
فإن الضالل بهذا المعنى قد يقال :إنّه ّ
وإن كان ناشئ ًا عن تشتت األنظار والغفلة والنسيان( ،النسيان هنا منشأ الضالل وليس هو
نفسه) ،لك ّن هذا ال يعني ضعف ًا أو نقص ًا في العقل ،فالعقل موجود ولك ْن ّ
ثمة ما يشتّت
األنظار ويمنع الحواس من التركيز.
األول منهما ،وذلك استناد ًا إلى رجح ّ وأمام هذين االحتمالين في تفسير الضالل فقد ُي ّ
أن اآلية أضافت مسألة التعدد إلى المرأة ال إلى قرينة من داخل اآلية نفسها ،والقرينة هي ّ
الشهادة ،فقالت :ﵛﲋ ﲌ ﲍﵚ ،وهذا التعبير أكثر انسجام ًا مع المعنى األول
ضم المرأة الثانية،للضالل ،إذ لو كان الضالل بمعناه الثاني هو المراد أو هو مبرر الحاجة إلى ّ
تقوي الشهادة األولى وتخ ّفف يتم التعبير عن ذلك بالقولّ :
إن الشهادة الثانية ّ لكان األنسب أن ّ
من نسبة الخطأ فيها وتضعف من احتمال السهو ،ال أن يقالّ :
إن المرأة الثانية تذكّر وتن ّبه المرأة
ال بتشتت الفكر لديها فهذا سيجعل األولى ،إذ عندما يكون السهو في المرأة غير إرادي ومتص ً
مما هي تقوي جانب اإلصابة ،أكثر ّ إصابة شهادتها للواقع ضعيفة ،فتحتاج إلى شهادة أخرى ّ
بحاجة إلى من يذكرها ،بينما اآلية المباركة بررت الحاجة إلى المرأة الثانية بأنّها -المرأة الثانية
تخفيف
ُ يتم
ألن الضالل (بمعنى االنحراف االختياري) ،إنّما ُّ -تذكّر األولى .وهذا مفهوم ّ
تحمل
تحملها ،واآلية تتحدث عن ّ إن المخاصمة تكون في حالة أداء الشهادة ال في حالة ّ ((( قد تقولّ :
ّ
الشهادة .ولكن الجواب هو أن تحمل الشهادة إنّما يظهر أثره عندما ُيطلب الشاهد إلى أداء الشهادة
إلثبات الحقوق ،وهذا مقام نزاع كما هو واضح.
259 المحور الخامس :ما روي عن علي في ذ ّم المرأة
أقرب إلى المرأة معايشة ومخالطة ،ما يسمح لها باالطالع على الكثير مما تخفيه األخرى أو
تفكر فيه ،فتكون هي األليق بوعظها وتذكيرها ،ومنه يتضح الوجه في كون الواعظ شاهد ًا،
فإن غير الشاهد حيث تخفى عليه القض ّية لن يكون لوعظه األثر الذي يتركه الشاهد المطلع ّ
على تفاصيل القض ّية ومالبساتها.
ثم إنّه وبنا ًء على تفسير الضالل بالمعنى الثاني الذي يلتقي مع النسيان في المنشأ لجهة
ّ
أمر ذاتي أم هو أمر فإن لنا أن نسأل :هل ّ
إن النسيان لدى المرأة ٌ أن النسيان هو سبب الضاللّ ، ّ
عرضي طارئ وخاضع لبعض الظروف التي قد تعيشها المرأة؟ وبعبارة أخرى :هل الضالل
هنا بمعنى النسيان القهري الخارج عن اختيار اإلنسان ،أم هو بمعنى النسيان المكتسب
والذي يعيشه اإلنسان نتيجة لكونه محاط ًا بظروف معينة؟
إن اآلية ناظرة إلى المعنى الثاني من النسيان ،أعني النسيان المكتسب، ر ّبما يقالّ :
والمرجح
ّ وهو نسيان قد يرتفع إذا تغ ّيرت الظروف الثقاف ّية واالجتماع ّية التي تعيشها المرأة،
بأن ذاكرة المرأة ال تختلف عن ذاكرة الرجل ،وضبطها لألمور للمعنى الثاني هو معرفتنا ّ
ال يقل عن ضبطه إال في حاالت طارئة واستثنائ ّية .وعليه فاآلية المباركة ناظرة إلى الواقع
الخارجي ،وموضوعها هو المرأة إبان نزول اآلية ،حيث قد فرض عليها المجتمع أن تكون
-في األعم األغلب -على هامش الحياة ،وكان التهميش هو القدر المفروض عليها ،وليست
إن هذا الواقع الخارجي اآلية صادرة على سبيل التعميم لجنس المرأة ،ويمكنك القولّ :
المحتف بنزول اآلية المباركة ،هو بمثابة القيد الذي يمنع من انعقاد اإلطالق فيها.
ّ
إن اآلية القرآنية ال مجال لحملها على البعد الخارجي وفي المقابل فقد يقالّ :
والتاريخي ،فالقرآن الكريم وخالف ًا ُّ
للسنة ال مجال للتعامل معه بهذه الطريقة ،فهو كتاب
يؤصل القواعد العامة العابرة لألزمنة واألمكنة .وهذا بحث في غاية األهمية ولكنه خارج
عن نطاق هذه الدراسة ،وال بدّ أن ُيعنى علم األصول بدرسه .وبصرف النظر عن ذلك
ألن «المرأة -غالب ًا -مستغرقة في حياتها
إن اآلية تتحدث عن طبيعة المرأة ّ فر ّبما يقالّ :
العائل ّية والمنزل ّية وشوؤنها الخاصة ،وق ّلما تُعايش األحداث والمنازعات واالتفاقات على
ٍ
حس لجميع نحو تكون قادرة على ضبط وقائعها ووعيها ،بحيث تكون شهادتها فيها عن
تفاصيلها وخصوصياتها ،ولو عايشت المرأة حدث ًا على هذا النحوّ ،
فإن اهتمامات حياتها
المرأة في النص الديني 260
اليومية ومشاغلها األساسية في منزلها وأسرتها وعالقاتها الخاصة إضافة إلى مزاجها
الخاص ،تؤثر -بالتأكيد -على ذاكرتها ووعيها للوقائع والتفاصيل في موضوع الشهادة»(((.
ولكن هذا الكالم غير مقنع ّ
فإن استغراق المرأة في حياتها المنزل ّية والعائلية وشؤونها
يوجه المرأة في هذا االتجاه ،فهوالخاصة ..هو أمر خاضع للتنشئة الخاصة واإلعداد الذي ِّ
أمر طارئ وتفرضه التربية ،وليس من طبيعة المرأة أن تكون كذلك.
وخالصة القول :إنّه وعلى االحتمالين المذكورين للضالل فليس ثمة ما يؤ ّيد كون
الضالل مرتبط ًا بضعف العقل.
رابع ًا« :فاتقوا شرار النساء وكونوا من خيارهن على حذر»
تعليق ًا على هذه الفقرة نقول :إنّنا في الوقت الذي نتفهم فيه الدعوة إلى اتقاء شرار النساء،
الشر هو من صنع اإلنسان ،والشرير ال بدّ من اجتنابه ذكر ًاأن الشر ليس صناعة أنثوية ،وإنّما َّ مع ّ
أن ما يستوقفنا في هذه الفقرة هو هذه الدعوة إلى الحذر من خيار النساء(((، كان أو أنثى ،بيد ّ
تخوين للمرأة وما تتركه من أثر نفسي على المتلقي ،وهو أثر يدفعه ٍ مع ما تحمله في ثناياها من
ويشجعه على عدم ائتمانهن على شيء ،ويح ّثه على الحذر منه ّن والتوجس ّ إلى الريبة بالنساء
وكأن األصل في المرأة هو االنحراف واالبتعاد عن خط االستقامة ،لذا فهي ّ مما يصدر عنه ّن،
متهمة دائم ًا وموضع شك! والسؤال :هل يمكن أن يدعو علي إلى االسترابة بالمرأة حتى
مع كونها خ ّيرة؟! أو يدعو إلى التوجس الدائم منها ،أم ًا كانت أو زوجة أو أخت ًا أو غيرها؟! مع
أن هذه الدعوة سوف تنتقص من المرأة الخ ّيرة وتؤذي مشاعرها ،وتدفع الرجال إلى التشكيك ّ
أن الدائم بالنساء ،األمر الذي سيخلق توتر ًا دائم ًا بين الجنسين ويؤسس للعداوة بينهما ،مع ّ
اإلسالم -كما هو المعلوم -يريد خلق الثقة بين أبناء المجتمع رجاالً ونسا ًء ،وهو يهتم
بترميم العالقات االجتماعية وإبعادها عن الضغائن والشكوك والظنون والوساوس؟!
ال دعا أوالده الذكور -مث ً
ال -إلى الحذر من أخواتهم اإلناث أال يكون قد أرأيت لو ّ
أن رج ً
أن الشيخ شمس ((( أهل ّية المرأة لتولي السلطة ،للشيخ محمد مهدي شمس الدين ،ص ،20والغريب ّ
يصر في كتابه هذا على أهلية المرأة لتولي قيادة األمة وإدارة الدولة ،فلو كانت المرأة -كما
الدين ّ
يصفها في كالمه المذكور في المتن -مستغرقة في حياتها الخاصة وشؤونها المنزلية وال تعايش
األحداث والمنازعات واالتفاقات ما يجعلها غير قادرة على ضبط وقائعها ووعي تفاصيلها فكيف لها
أن تقود العباد وتدير أمر البالد وتتولى شؤون السلطة؟!!
((( استدل بعضهم بهذه الفقرة للفتوى التي تقول بعدم صالح ّية المرأة للتقليد ،على اعتبار ّ
«أن الحذر
من خيارهن ينافي أخذ الفتوى منهن وتقليدهن» .انظر :الدر النضيد في االجتهاد واالحتياط والتقليد
للنكرودي ،ج 1ص .434
261 المحور الخامس :ما روي عن علي في ذ ّم المرأة
أسهم بشكل أو بآخر في نزع الثقة فيما بين األبناء ،ويعدّ -بنظر العقالء -سفيه ًا ،إذ المفروض
باألب أن ُي َح ِّب َب أوالده بعضهم بالبعض اآلخر ،ويدعوهم إلى الثقة ببعضهم البعض .واألمر عينه
وج َه دعوة ألوالده من الزوجة األولى أنينطبق على الرجل الذي لديه أوالد من زوجتين مثالً ،فإذا َّ
يحذروا أوالد الزوجة الثانية ،أال يعدّ بذلك مجانب ًا للحكمة والرشد ،ألنّه قد زرع بذور الفتنة بينهم؟!
ولهذا ،ال نتعقل صدور دعوة عامة عن ربيب بيت الوحي ومصدر الحكمة المتعالية
ّ
تحث الرجال على الحذر من النساء ،ألنّها دعوة تزلزل جدار الثقة علي بن أبي طالب
يدق إسفين ًا في البنيان االجتماعي.
بالمرأة وتؤسس للريب والشك فيها ،ما ّ
«تعوذوا بالله من طالحات نسائكم، ((( ونحوها مرفوعة مطلب بن زياد عن أبي عبد الله قالّ :
تطيعوهن في المعروف فيأ ُم ْرنكم بالمنكر» ،انظر :الكافي،
ّ خيارهن على حذر وال
ّ وكونوا من
ج 5ص.517
((( نهج البالغة ،ج 1ص .130
المرأة في النص الديني 262
أن ما قدّ مه الشيخ محمد عبده في تفسير دعوة اإلمام إلى عدم إطاعة ومن الطبيعي ّ
النساء في المعروف ليس من قبيل المعالجة النفس ّية للموقف ،بأن يوطن الرجل نفسه على
أنّه إنّما يفعل هذا المعروف امتثاالً ألمر الله وليس استجابة ألمر المرأة ،فهذا المقدار ال
يحقق الغرض من دعوة اإلمام إلى ترك إطاعتهن بالمعروف ،والغرض هو أن «ال يطمعن
بالمنكر» ،فيحتاج الموقف إلى أن ُيظهر الرجل للمرأة أنّه إنّما يفعل ذلك امتثاالً ألمر الله ال
ألمرها ،وبذلك يقطع طمعها في المزيد أو في فعل المنكر .وإظهار ذلك للمرأة إ ّما أن يكون
إظهار ًا قولي ًا ،بأن يوضح لها بأنّه إذا فعل هذا الشيء فإنما يفعله لوجه الله وليس استجابة
ألمرها أو تلبية لرغبتها ،أو إظهار ًا فعلي ًا ،بأن يفعل المعروف بطريقة تخالف ما طلبته منه
ال -فليتصدق بكيلو بنحو من أنحاء المخالفة .فلو طلبت إليه أن يتصدق بكيلو من الموز -مث ً
من التفاح ،ولو طلبت إليه التصدق في النهار فليتصدق في الليل ،قال العالمة المجلسي في
أن« :يخالفها في النوع الذي تأمره به إلى النوع اآلخر من المعروف ،أو تفسير المخالفة هو ّ
يخالفها في األمر المندوب ،لقطع طمعها ،فيصير المندوب لذلك ترك األولى» .
(((
((( غرر الحكم ودرر الكلم المفهرس ،ترتيب عبد الحسن دهيني ص ،270وذكره في عيون الحكم
وصرح بذلك في ّ والمواعظ ،ص ،347وكتاب العيون هذا معتمد على كتاب الغرر كما ال يخفى،
مقدمة كتابه ،وقد اعترف السيد عبد الزهراء الكعبي بعدم العثور على مصدر آخر للرواية غير ما جاء
في النهج والغرر.
((( نهج البالغة ،ج 4ص.73
المرأة في النص الديني 266
ارتكاب المحذور ،ومن هنا ورد في رسالة أمير المؤمنين إلى ابنه اإلمام الحسن:
الس َق ِم وا ْل َب ِري َئ َة إِ َلى ِ ِ اك وال َّتغَا ُي َر فِي َغ ْي ِر َم ْو ِض ِع ا ْل َغ ْي َر ِةَ ،فإِ َّن َذلِ َ
يح َة من ُْه َّن إِ َلى َّ
الصح َ
ك َيدْ ُعو َّ «إ َّي َ
ب»((( ،هذا كله في غيرة الرجل. الر َي ِ
وأ ّما غيرة المرأة فإنّما تكون فعل كفر ،باعتبار أنّها تدفعها للسخط من زوجها بسبب
قصرت في حقه ،وغالب ًا ما تدفعها الغيرة إلى تزوجه من امرأة أخرى ،والنقمة عليه ،وربما ّ
شتم الزوجة األخرى والتهجم عليها والنيل منها أو الكيد لها ،فهذه الغيرة هي التي يرفضها
اإلمام علي - بنا ًء على صحة الرواية -وما يرفضه علي هو ما يرفضه اإلسالم .وأما
إذا كانت غيرتها منطلقة من حرصها على أن ال يقع زوجها أو ابنها أو أخوها في الحرام ،أو
فعل القبيح ،فهذه الغيرة هي فعل إيمان وال تفترق عن غيرة الرجل في شيء ،وليست هي
محط نظر اإلمام .وسيأتي مزيد توضيح لهذا األمر في الوقفة الثالثة.
السؤال الثاني :كيف نفهم الحكم على غيرة المرأة بالكفر ،مع ّ
أن غيرة المرأة بالمعنى
المذكور ال تعدو كونها معصية لله تعالى؟!
والجواب هو بأحد وجهين:
إن الكفر هنا ال يراد به الكفر العقدي المخرج عن الملة وإنما الكفرالوجه األولّ :
العملي ،المتمثل بالتمرد على الله تعالى وعصيان أوامره ،ويؤيد ذلك قرينتان:
إحداهما :خارجية ،وهي ما جاء في رواية اآلمدي « وغيرة المرأة عدوان» ،حيث
نالحظ استبدال لفظ «كفر» بلفظ آخر ،وهو «عدوان» ،والعدوان معصية لله تعالى.
أن اإلمام - على فرض صدور الرواية -لم يحكم بتكفير والثانية :داخلية ،وهي ّ
المرأة نفسها بسبب الغيرة ،وإنما حكم على غيرتها بالكفر ،ومن الواضح ّ
أن تكفير القول
أو الفعل ال يالزم تكفير صاحبه إال في حال التفات الشخص إلى لوازم ما يقول أو يفعل،
والتزامه باللوازم ،بما يكون مرجعه إلى تكذيب الرسول(ص) أو الرد عليه.
إن علي ًا عندما حكم بكون غيرة المرأة كفر ًا فهو ناظر إلى نوع
الوجه الثاني :أن يقال ّ
ينص
من الغيرة ،وهي التي تدفع المرأة الغيراء إلى االعتراض على حكم الله تعالى الذي ّ
فإن هذا االعتراض قد ينتهي بها -ال سمح الله -إلى الكفر، على حل ّية تعدد الزوجاتّ .
((( انظر :التوحيد للصدوق ،ص ،353والخصال ،ص ،417ومن ال يحضره الفقيه ،ج 1ص.59
ِ
ِ َّ َ ((( نهج البالغة ،ج 3ص ،56وهي مروية في الكافي ،ج 5ص ،338إلى قوله« :وإِن ْ
اس َت َط ْع َت أل َي ْعرف َن
ْ
َغ ْي َر َك َفا ْف َع ْل».
269 المحور الخامس :ما روي عن علي في ذ ّم المرأة
الوقفة األولىّ :
إن الرواية ضعيفة السند ،فهي في «النهج» مرسلة ،وفي «الكافي» وإن
كانت مسندة لك ّن سندها ليس صحيح ًا(((.
إن هذه الوص ّية ألمير المؤمنين معروفة ومشهورة وقد وردت ولكن قد يقالّ :
في مصادر أخرى((( ،فال داعي للتشكيك بها سند ًا .ناهيك عن ّ
أن هذه الوصية -في غالب
فقراتها -تمتاز بمضمون رفيع ما يؤ ّيد صدورها عن علي.
ٍ
وإشكاالت يمكن ثمة أسئل ًة إن الرواية مع التسليم بصحة سندهاّ ، الوقفة الثانيةّ :
فإن ّ
تسجيلها إزاء ما تضمنته ،األمر الذي يثير الشك في صدورها عن أمير المؤمنين بداعي
بيان القاعدة العامة في المرأة ،وإليك بيان ذلك:
وقد اعترف العالمة المجلسي بضعفها ،انظر :مرآة العقول ،ج 20ص .30 (((
انظر :تحف العقول عن آل الرسول(ص) ،ص .86وأوردها الشريف الرضي في خصائص األئمة، (((
ص ،118ورواها الكراجكي في كنز الفوائد ،ص ،117وروى الواسطي بعض المقاطع منها في كتابه
عيون الحكم والمواعظ ،ص ،526وكذا الطبرسي في مكارم األخالق ،ص.218
سورة الشورى ،اآلية .38 (((
سورة البقرة ،اآلية .233 (((
نهج البالغة ،ج 4ص .41 (((
المرأة في النص الديني 270
صحتها سند ًا ،وذلك لما سيأتي من احتمال أنّها صادرة على نهج القضية الخارجية ،وأما
ما جاء في كالمه اآلخر وهو قوله« :ومن شاور الرجال »..فهو -على فرض صحته سند ًا -
ال ينافي المطلقاتّ ،
ألن «الرجل» في مثل هذا الكالم ونظائره وارد على سبيل المثال ،فال
ال واحد ًا خير
مفهوم له ،فيكون نظير قوله(ص) لعلي يوم خيبر« :لئن يهدى الله بك رج ً
لك من أن يكون لك حمر النعم»(((.
بأن «رأيهن إلى وهن وعزمه ّن إلى أفن» ،ليس أن تعليله للنهي عن مشاورتهن ّ على ّ
مطرد ًا وال غالبي ًا ،فالمرأة أمام أعيننا ،ونحن نعاين تجربتها في مجالي العلم والعمل ،فنراها
قد دخلت الكثير من المجالس النياب ّية والتنفيذية والقضائ ّية في الكثير من دول العالم ،ونراها
-في األعم األغلب -تصدر آرا ًء صائبة وتقدّ م أفكار ًا مفيدة ونافعة .ولذا ال يبعد أن يكون
كالمه ناظر ًا إلى المرأة في زمانه ،واإلمام عندما يتحدّ ث فليس بالضرورة أن يكون صادر ًا
في تقييماته من موقع العلم الخاص الموروث عن رسول الله(ص) عن الله تعالى - ،كما
ثبت في محله -وإنّما قد يتحدّ ث من موقع حصيلة معرف ّية معتمدة على مالحظة حال المرأة
أن كالمه -والحال هذه -ظرفي ،وليس وارد ًا لتأسيس القاعدة العابرة في زمانه ،ما يعني ّ
للزمان والمكان.
إن الباحث في التاريخ اإلسالمي ال يخفى عليه ّ
أن المرأة في تلك الحقبة الزمانية ّ
ال ومهمش ًا وبعيد ًا كل البعد عن خوض
قد أحاطت بها ظروف خاصة ،جعلتها إنسان ًا جاه ً
التجارب في الشؤون العامة ،ولذا كان من الطبيعي أن ال يعتدّ برأيها في ذلك ،لكن إذا
اختلفت الظروف وتوفرت لها اإلمكانات وخرجت من حصارات التجهيل والتهميش
والالمباالة ،فإنّها ستكون قادرة على التفكير وإعطاء الرأي الصائب(((.
ولنا شاهد على ذلك من خالل سيرة اإلمام علي نفسه ،فخالل فترة زمانية قصيرة
استطاع علي أن ير ِّبي جي ً
ال من النساء الجليالت ذوات الرأي الصائب والشجاعة الفائقة،
((( كما ذكر الشريف الرضي في مستهل الوصية ،انظر :نهج البالغة ،ج 3ص.37
((( كنز الفوائد للكراجكي ،ص ،177وكنز العمال ،ج 16ص .183
المرأة في النص الديني 272
هذه الدعوة على الرجل -فيما لو أراد العمل بها -هو جعل زوجته أو ابنته أو أخته تحت
المراقبة أو وضعها في قفص االتهام فال يأمن جانبها وال يثق بها! ناهيك عن أنّها دعوة إلى
عزل المرأة عن الحياة االجتماعية العامة وإبقائها حبيسة البيوت ،مع ما يعنيه ذلك من إبقائها
رهينة الجهل والتخ ّلف ،إذ كيف تنمو ملكات المرأة وتتفجر طاقاتها المودعة فيها وتكتسب
التجارب النافعة والمهارات المفيدة في الحياة ما دامت حبيسة بيتها وممنوعة من أن تخالط
اآلخرين وال ترى غير زوجها أو أبيها أو ابنها؟!
وج ُه َّن بِ َأ َشدَّ ِم ْن إِ ْد َخالِ َك َم ْن َل ُيو َث ُق بِه َع َل ْي ِه َّن»،
ودعونا نتأمل في فقرة« :و َل ْي َس ُخ ُر ُ
«أن إدخال من ال حيث أرشد إلى المفسدة المترتبة على إدخال من ال يوثق به عليه ّن معتبر ًا ّ
مساو لخروجه ّن في المفسدة أو أشدّ ..وإنّما كان أشدّ في بعض الصور ٍ يوثق به عليه ّن إ ّما
ألن دخول من ال ُيوثق به عليه ّن َأ ْم َك ُن لخلوته به ّن والحديث معه ّن فيما ُيراد من الفساد»(((. ّ
ولسنا نتوقف أو نشكِّك في مفاسد إدخال من ال يؤتمن وال يوثق به على النساء ،ولكنّنا
نتوقف في مساواة مفسدة خروجه ّن لمفسدة دخول من ال يوثق به عليهن ،وهذا هو محل
تأم ِّلنا المتقدِّ م ونستبعد صدوره عنه على نحو مطلق ،اللهم إال إذا كان مقصوده هو
الخروج إلى األماكن المشبوهة ومواضع التهمة أو الخروج بصحبة من ال يوثق به بقرينة
المقابلة بين الدخول والخروج في الفقرة.
مختصة بالزوجة ،بل هي
ّ أن هذه الوصايا فيما يبدو ليست ومما يزيد في الطين ب ّلةّ ،
ٍ
زوجات أو غيره ّن ،كما يفهم من إطالق قوله« :إياك ٍ
أخوات أو عامة لكل النساءٍ ،
بنات أو
ومشاورة النساء» ،ويفهم ذلك أيض ًا من تعليالت أو تبريرات هذه الوصايا ،كتعليل عدم
بأن «رأيهن إلى أفن» وتعليله لحجبه ّن بأنّه «أبقى له ّن» .أجل ربما كانت فقرة مشاورته ّن ّ
ِ
«وإِن ْ
اس َت َط ْع َت َأ َّل َي ْع ِر ْف َن َغ ْي َر َك َفا ْف َع ْل» أكثر التصاق ًا بالزوجات ،ولكن يمكن فهمها حتى في
إطار التعميم المشار إليه ،وهذا التعميم يزيد األمر إشكاالً وتعقيد ًا.
ولذلك ال نستطيع أن نصدّ ق بصدور هذه التعليمات عن علي على سبيل القاعدة
العامة والمطردة في كل زمان ومكان وبلحاظ كل النساء ،وإنّما يمكن فهمها -لو ثبت
صدورها عنه -في نطاق خاص ،وهو أن يكون الخروج محفوف ًا بالشبهات أو إلى مواضع
التهمة والريبة كما أسلفنا .ومما يشهد لعدم اإلطالق في كالمه هو مالحظة سيرة اإلمام
((( شرح نهج البالغة البن ميثم البحراني ،ج 5ص .66
273 المحور الخامس :ما روي عن علي في ذ ّم المرأة
نفسه ،فقد كانت المرأة حاضرة في حياته الخاصة والعامة ،وقد َج َل َس ْت تحت منبره واستمعت
إلى خطبه وأحاديثه ،كما أنّه أخرجها معه في معاركه ،لتقوم بدور الخطيبة في الرجال،
ومحرض ًة ومستنهضة للهمم في عمل تعبوي جهادي بالغ األهمية. ّ مشجع ًة
يدع إلى عزل النساء أو حجبه ّن وإخراجه ّن من الحضور
أن القرآن الكريم لم ُ على ّ
والمشاركة في األنشطة العامة ،وإنّما أمره ّن -في حديثه عن حدود العالقة مع الرجل -أن
والغض ال
ّ (((
يغضضن من أبصارهن ،قال تعالى :ﵛﭐﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄﵚ
يعني الغمض ،وإنما يعني عدم تركيز النظر.
1 -1وقفة لغوية
يالحظ أنّه في «النهج» المطبوع وردت الكلمة هكذا «الل ْب َسة» ،وعلى هذا األساس
شرحها الشيخ محمد عبده ،فقال« :ال ِّل ْب َسة -بالكسر -حالة من حاالت ال ُّل ْب ِ
س -بالضم ،-
ست فالنة ،أي عاشرتها زمن ًا طويالً .والعقرب ال تحلو لبستها .أ ّما المرأة فهي هي فييقالَ :لبِ ُ
اإليذاء ،لكنّها حلوة اللبسة»((( ،وقد ذهب الشيخ مغنية إلى هذا الرأي ،فقال« :وهذا القول
أقرب إلى اآلية 187من سورة البقرة :ﵛﭐﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎﵚ «(((.
ولك ّن الرأي اآلخر هو قراءتها كالتالي« :اللسبة» ،بتقديم السين على الباء ،وهذا ما
وصححه آخرون((( ،وهو ما جاء في «شرح النهج» البن أبي الحديد وغيره((( ،والمرادّ رجحه
ّ
بـ «اللسبة» هي اللسعة ،يقال :لسبته العقرب ،أي لسعته((( ،وفي «مجمع البيان» رواها هكذا:
«عقرب حلوة اللسعة»(((.
نهج البالغة ،ج 4ص .88ونسبه الزمخشري إليه ،انظر :ربيع األبرار ،ج 5ص .252 (((
نهج البالغة ،ج 4ص .15 (((
في ظالل نهج البالغة ،ج 4ص .252 (((
وقد عدّ بعضهم قراءة «اللبسة» من جملة اشتباهات الشيخ محمد عبده ،ومثل هذا االشتباه هو من (((
جملة مؤاخذات الشيخ صبحي الصالح عليه ،انظر :نهج البالغة ،بتعليق وتحقيق الشيخ صبحي
الصالح ص 23من المقدمة.
شرح نهج البالغة البن أبي الحديد ،ج 18ص ،198ونحوه ما جاء في شرح النهج للبحراني ،ج 5ص (((
،272وبحار األنوار ،ج 100ص ،228ومستدرك الوسائل ،ج 14ص .159
شرح نهج البالغة البن أبي الحديد ،ج 18ص.198 (((
مجمع البيان ،ج 2ص .252 (((
277 المحور الخامس :ما روي عن علي في ذ ّم المرأة
وص َ
ف المرأة بالعقرب؟ 2 -2لماذا َ
شراح النهج وجوه ًا عدّ ة تبرير ًا لهذا التوصيف:
قدّ م ّ
أن اإلمام إنّما استعار لفظ أوالً :ما ذكره ابن ميثم البحراني رحمه الله ،حيث رأى ّ
أن من شأنها األذى ،لك ّن أذاها مشوب بما فيها من ّ
اللذة العقرب في وصف المرأة «باعتبار ّ
ب المشوب ّ
بلذته في زيادة حكَّته»(((. الج َر ِ
يحس به ،وهو كأذى َ
بها ،فال ّ
ثاني ًا :وأ ّما الشارح اآلخر لنهج البالغة وهو المحقق حبيب الله الخوئي رحمه الله ،فلم
ِ
يبتعد عن هذا الجو ،موضح ًا س َّر استخدام لفظ العقرب في وصف المرأةّ .
والسر -بنظره -هو
سمها في جسد اإلنسان ،قال: تبث العقرب ّ سم العشق في قلب الرجل ،كما ّ تبث ّ أن المرأة ُّ ّ
إن تماس الرجل بها خصوص ًا في عنفوان الشباب وطغيان «ش ّبهت المرأة بالعقرب حيث ّ
الروحية والجسم ّية ،وتنفذ المرأة بجاذبتها وفتانتها
القوى الشهو ّية ُم َع ِّر ٌض لآلفات والباليا ّ
أضر منه وأوجع وآلم منهسم ّ وأي ّسم العشقّ ، الرجل وتنفث على قلبه وروحه ّ في وجود ّ
بسم الحيات والعقارب معدودين في وجدت المقتولين والمعتاهين َّ أحصيت
َ وأنقع ،وإذا
بسم فتنة المرأة غير محصور جد ًا ،وكفى لككل عصر ومصر ،ولك ّن المقتولين روح ًا ومعنى ّ ّ
كل لسان في أشعارهم -والشعر شعور األ ّمة كل زمان ومن أهل ّبذلك ما ترنّم به الشعراء في ّ
ال وجرح ًا للقلب والكبد ،فبلغ شكواهم والشعب -من التأثر بلقاء المرأة الحسناء حتى قت ً
السم الناقع حلو ولذيذ»(((.
أن هذا ّ عنان السماء ومأل صريخهم أرجاء الفضاء ،وقد أشارّ
ثالث ًا :وأ ّما الشيخ محمد جواد مغنية رحمه الله فطرح وجه ًا آخر في المقام ،وهو
أنه إنما ش ّبهها «بالعقرب ألنّها تسرع إلى الغضب على الرجل ،وتجحد معروفه ألمر
تافه ،وقد تؤذيه بكلمة موجعة وحركة نابية بال سبب موجب ومعقول ،فأوصاه اإلمام بأن
أخف وخير من العقرب التي ال ّ يصبر عليها ،ويتحملها على عالتها ،ألنّها مهما تكن فهي
يمكن معها العيش بحال» ،وختم (رحمه الله)« :أقول هذا تعبير ًا عن فهمي ال تفسير ًا لقول
اإلمام.(((»
نسجل تعليق ًا على هذه الكلمات ،وخالصتهّ :
إن التوصيف ويمكن لنا في المقام أن ِّ
نهج البالغة ،ج 1ص .44ورواه الطوسي في األمالي ،ص ،702واالحتجاج للطبرسي ،ج 1ص .250 (((
انظر :مجمع البحرين ،ج 1ص .192 (((
شرح نهج البالغة البن ميثم البحراني ،ج 1ص.290 (((
قال تعالى خطاب ًا لنساء النبي(ص) :ﵛﭐﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭﵚ [األحزاب .]33 (((
المرأة في النص الديني 280
ثم لو أشعرت كلمته بالذم فهو ال يقصد جنس المرأة فالالم للعهد ،وليس للجنس.
ّ
أن عبارة «أتباع البهيمة» تم ّثل ذم ًا واضح ًا ألهل البصرة ،ألنّهم استماتوا
شك ّ
أجل ،ال ّ
أن كرامة إنسان واحد عند الله تعالى هي أغلى من في الدفاع عن الجمل وحمايته ،والحال ّ
كل الحيوانات.
أن توصيفهم بـ «جند المرأة» ال يم ّثل ذم ًا لهم بخالف توصيفهم ومما يؤ ّيد ما قلناه من ّ
بـ «أتباع البهيمة» ،أنّه لم يعقب على قض ّية كونهم جند ًا للمرأة بغير تلك العبارة ،بخالف
«ر َغا َف َأ َج ْبت ُْم و ُع ِق َر َف َه َر ْبت ُْم» ،أي إنّه عندما كان
وصفهم بأتباع البهيمة ،فقد ع ّقب عليه بالقولَ :
الجمل الذي كانت تركبه السيد عائشة حي ًا وي ْط ِل ُق صوته ،كنتم متحمسين للحرب ،ولما ُعقرِ
ُ
بالسيوف وسقط إلى األرض و ّليتم هاربين.
ٍ
حكمة وبصيرة ،هذا مضاف ًا إلى سبب آخر دفعها إلى النساءّ ،
ألن هذا الخروج ال ُيع ِّب ُر عن
حربه ،وهو الضغن الذي غال في صدرها.
يدل على ضعف بأن خروج عائشة إلى هذه الحرب ال ّ ولكن يمكن التعليق على ذلكّ ،
ألن امرأة لديها هذه ال ُقدْ َرة واالستطاعة إن ذلك على العكس ّ
أدلّ ، ٍ
رأي أو قلة عقل لديها ،بل ّ
ثم قيادتهم
على تجميع الناس وتحشيدهم حولها وفيهم بعض الصحابة المعروفين ،ومن ّ
يصح وصفها بأنّها ضعيفة رأي أو في حرب ضروس في وجه شخصية كاإلمام علي ،ال ّ
تقر
نص الكتاب بأن ّ تحرك عقلها بما هي مأمورة به في ّ
عقل ،نعم ،يمكن القول مثالً :إنّها لم ّ
في بيتها وال تخرج منه إلى مثل هذه المواقع.
ثمة احتمال آخر في تفسير «رأي النساء» في كالمه ،وهو ولهذا يمكن أن يكون ّ
أن عائشة كانت تحمل في قلبها الرأي المنطلق من الغيرة ،التي ُعرفت بها النساء ،ومعلوم ّ
الشيء الكثير على علي وزوجته السيدة فاطمة الزهراء ،حتى روي أنّها كانت تغار
وتنزعج من دخول علي على رسول الله(ص) مما تحدّ ث المؤرخون عنه وذكروا أسبابه
أن حركة عائشة بشكل مفصل((( .والموجب لهذا االحتمال -باإلضافة إلى ما ذكرناه من ّ
وقيادتها لجيش من رجال المسلمين ال تع ّبر عن ضعف عقلها ورأيها ،وال س ّيما أنّها معروفة
= وفى كتاب الصحاح للجوهري« :قنت الشيء أقينه قين ًا لممته» ،واستشهد بهذا البيت ،وأضاف« :فمن
الصنّاع ،ومن ذهب إلى ّ
أن القين هو أن القين هو المحترف ،أراد به بوطقة الصانع ومرجل ّ ذهب إلى ّ
الحدّ اد فحسب ،أراد به الحفرة التى يذاب فيها الحديد» ،انظر :البيهقي ،علي بن زيد (ت565 :هـ)،
معارج نهج البالغة ،تحقيق :محمد تقي دانش بزوه ،مكتبة آية الله المرعشي النجفي ،ط ،1قم -إيران،
1409هـ ،ص.259
((( شرح نهج البالغة البن أبي الحديد ،ج 9ص ،192منهاج البراعة في شرح نهج البالغة ،ج 9ص ،268
أن ذلك مروي ،قال« :وروي :فأدركها ضعف رأي النساء» انظر :منهاج بل ذكر القطب الراوندي ّ
البراعة في شرح نهج البالغة ،ج 2ص .101
((( انظر على سبيل المثال ما ذكره ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البالغة البن أبي الحديد ،ج9
ال عن شيخه أبي يعقوب يوسف بن إسماعيل اللمعاني من تحليل ألسباب حنق السيدة ص ،192نق ً
عائشة على اإلمام علي وزوجته وأوالده.
المرأة في النص الديني 282
أن اإلمام لم يحدِّ د في كالمه ما هو «رأي النساء» الذي أدركهاَ ،ف َي ْحت َِم ُل
بذكائها -هو ّ
أن مقصوده بذلك الغيرة التي كانت تعتمل في صدرها ،ويكون كالمه بعد ذلك ما قلناه من ّ
عن الضغن هو من قبيل تفصيل بعد إجمال ،وتخصيص بعد تعميم ،أو من قبيل ذكر المعلول
عقيب علتهّ ،
فإن الضغن ينتج عن الغيرة والحسد.
وثمة شاهد آخر سياقي يؤكد ما نقول ،وهو تعبير اإلمام« :أدركها رأي النساء»ّ ،
فإن ّ
رأي النساء لو كان المقصود به الرأي الناتج عن ضعف عقلها فهو مما ال ينفك عن المرأة،
مما هو ظاهر في عروضه عليها ،وهذا يوحي ّ
بأن المرأة فال وجه للتعبير عنه بفعل «أدركها» ّ
ر ّبما أدركها رأي النساء ور ّبما لم يدركها .وأ ّما لو كان المقصود به الرأي الناتج عن العوامل
فإن التعبير عن ذلك بـ «أدركها» له وجهّ ،
ألن هذه والمؤثرات النفسية كالحسد والغيرةّ ،
المؤثرات النفسية قد ال تظهر على الدوام ،بل تحتاج إلى محفزات وظروف.
((( نهج البالغة ،ج 3ص .15وقد استشهد الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء رحمه الله بهذه الفقرة التي
عللت ضرب النساء بأنّه موجب للعار حتى لدى أهل الجاهلية للتشكيك في حدوث قضية ضرب
الزهراء ولطمها على خدها فيما جرى بعد وفاة النبي(ص) ،انظر :كتابه جنّة المأوى ،ص .81
((( شرح نهج البالغة البن أبي الحديد ،ج 15ص .104
283 المحور الخامس :ما روي عن علي في ذ ّم المرأة
الثاني ،وقلنا إنّه على فرض ثبوت صدوره عنه فال يبعد كونه ناظر ًا إلى مرحلته الزمانية
تلك ،حيث كانت المرأة ُم ْب َعدَ ًة عن أجواء المعرفة والثقافة ،األمر الذي أضعف عقلها
وتجربتها.
إن هذه الرواية قد رواها الطبري في تاريخه ،وليس في روايته توصيف النساء ثالث ًاّ :
ول» ،بل اقتصر على وصف« :فإنه ّن ضعاف»(((، س وا ْل ُع ُق ِ «ض ِعي َف ُ
ات ا ْل ُق َوى واألَ ْن ُف ِ بأنّهنَ ،
إن وصف الضعف هذا جاء في سياق النهي عن إهاجة النساء في حالة الحرب، وحيث ّ
فيرجح أن يكون المقصود به هو ضعفهن في الجانب العاطفي أو في الجانب العسكري َّ
والقتالي ،بحسب موازين الحرب آنذاك ،فما دامت المرأة ضعيفة وال تستطيع المواجهة
والقتال في ذاك النوع من المعارك ،فال ينبغي للرجل بل قد ال يجوز له أن يهيجها.
= محمد الكاتب أنّه روى عن أبيه ،انظر :تاريخ بغداد ،ج 13ص ،25والعباس بن مصعب ،انظر :تاريخ
بغداد ،ج 14ص ،394وتهذيب الكمال للمزي ،ج 7ص ،125وأبو الهذيل محمد بن الهذيل ،انظر:
تاريخ بغداد ،ج 4ص.137
وأ ّما غياث بن إبراهيم ،فإن كان هو التميمي األسدي البصري فهو ثقة ،كما ذكر النجاشي ،انظر:
معجم رجال الحديث ،ج 14ص ،253ولكن من المحتمل أن يراد به غياث بن إبراهيم الفقيه الذي
عرف بالزيادة في حديث «ال سبق إال في ثالث» ،قال الشهيد الثاني« :غياث بن إبراهيم .دخل على
المهدي ابن المنصور ،وكان يعجبه الحمام الطيارة الواردة من األماكن البعيدة .فروى حديث ًا «عن
النبي ( -ص) -قال :ال سبق إال في خف ،أو حافر ،أو نصل ،أو جناح .فأمر له بعشرة آالف درهم.
فلما خرج ،قال المهدي :أشهد أن قفاه قفا كذاب على رسول الله(ص) .ما قال رسول الله(ص):
جناح ،ولكن هذا ،أراد أن يتقرب إلينا ،وأمر بذبحها ،وقال :أنا حملته على ذلك» ،انظر :الرعاية في
علم الدراية ،ص.155
((( الفوائد الطوسية ،ص ،275وقد أشار العالمة المجلسي إلى هذا االحتمال ،واستظهره ،انظر :بحار
األنوار ،ج 1ص.82
((( انظر :وسائل الشيعة ،ج 20ص ،49الباب 14من أبواب مقدمات النكاح.
285 المحور الخامس :ما روي عن علي في ذ ّم المرأة
أن عقلهن الزم لجمالهن غالب ًا ،فالتي هي أجمل ُ
أعقل من غيرها، الوجه الثاني« :أن يراد ّ
وإذا كبرت وذهب جمالها ذهب عقلها ،وقد قيل :من حسن َخ ْلقه حسن ُخ ُل ُقه ،والجمال
والخ ُلق»(((.
والخ ْلق ُ
يطلق على الحسن َ
وهذا أغرب من سابقهّ ،
فإن تبعية العقل للجمال ،ال دليل عليه ،وال واقعية له ،إال إذا
أن المجتمع يحتقر المرأة غير الجميلة وال يعطيها الفرصة الالزمة لتنمية عقلها كان المقصود ّ
أن له بعض التحقق الخارجي في بعض المجتمعات ،لكن ال ومهاراتها .وهذا إن ُف ِر َض ّ
رص التعليم ال بدّ من توفيرها ٍ
بحال من األحوال ،إذ ُف ُ يقره
المشرع الحكيم أو ّّ يمكن أن يقبله
لكافة النساء ال للجميالت فحسب.
همتهن في
إن ّأن عقولهن مصروفة في جمالهن ،أي ّ الوجه الثالث« :أن يكون المراد ّ
التجمل وكسب الجمال باألدوية واألغذية والمحسنات من الدهن والصبغ والطيب ،وجمال
التجمل بل في كسب العقل وتكميله وتحصيل ّ فهمة الرجال ليست في
الرجال في عقولهمّ ،
العلمّ ،
فإن العقل ورد بمعنى العلم ،ألنه مصدر بمعنى التعقل ،ولذلك يقال :العلم والجهل،
والعقل والجهل ،والعقل والجنون فمقابلته بالجهل قرينة على إرادة معنى العلم منه».
وهذا االحتمال قريب إلى ظاهر الرواية ،وهو قريب من الواقع في حدود معينةّ ،
فإن
تهتم بجمالها اهتمام ًا بالغ ًا أكثر من الرجل ،ولكن ال إلى الحدّ الذي يلغي دور العقل
المرأة ّ
أن هذا األمر مرتبط بالترب ّية والتنشئة الخاصة.لحساب الجمال ،على ّ
ألن جمالهن ظاهر للناس الوجه الرابع« :أن يراد :عقول النساء مخف ّية في جمالهنّ ،
منظور للعقالء ،وعقولهن لضعفها وندورها ال تظهر بالنسبة إلى الجمال ،فكأنّه َست ََرها
و َغ َّطاها وأخفاها ،والقول في عقول الرجال وجمالهم بالعكس»(((.
وتعليقنا على هذا الوجه -باإلضافة إلى ما عرفته من عدم دقة الكالم عن ضعف عقول
أن اختفاء عقول النساء أمام جمالهن وإن كان أمر ًا يصدّ قه الواقع إلى حدٍّ كبير،
النساء -هو ّ
ّإل ّ
أن المسألة تتصل بثقافة المجتمع وتربيته ،وهو أمر قابل للتغيير والتبدل.
أن ذات الجمال منهنالوجه الخامس« :أن يراد عقول النساء كائنة في جمالهن ،بمعنى ّ
تميل النفوس إليها وتقبل القلوب عليها وترضى الناس عقلها ،وإن كان ضعيف ًاّ ،
فإن زيادة
((( الفوائد الطوسية ،ص ،257وهذا االحتمال أشار إليه المجلسي أيض ًا ،انظر :بحار األنوار ،ج 1ص.82
((( الفوائد الطوسية ،ص .275
المرأة في النص الديني 286
الجمال تجبره ،وغير ذات الجمال ال تميل إليها النفوس وإن كان عقلها أحسن من عقل
ويقويه وعدمه يخفيه فكأن َ
عقل كل واحدة منهن كائ ٌن في جمالها ،فالجمال يبديه ّ ّ الجميلة،
ويوهيه وإن كان قربا بالنسبة إلى ما دونه» .
((( (((
وهذا الوجه قريب إلى الواقع وإن كان ذلك غير مبرر ،والحديث ليس بصدد التبرير
واإلقرار بهذا الواقع وإنّما هو بصدد التوصيف.
الوجه السادس« :أن يكون استفهام ًا إنكاري ًا في الفقرتين ،كأنّه قال :أتظنون ّ
أن عقول النساء
في جمالهن ،فأنتم تميلون إلى الجميلة وال تسألون عن عقلها ،ليس األمر كذلك ،بل العقل
ينفك عن الجمال ،فيوجد منهما بدون اآلخر ،فينبغي أن ال تكتفوا فيهن بالجمال بدون العقل ّ
بل يكون الغرض األهم عندكم العقل ويكون الجمال مقصود ًا لكم بالتبعية ال باألصالة»(((.
يتضمن معنًى صحيح ًا.
وهذا االحتمال خالف الظاهر ،وإن كان ّ
وفي الختام
إن األحاديث المتقدمة والمنسوبة إلى اإلمام علي ،تحتاج إلى الكثير من التدقيق ّ
والعناية والتأمل في أسانيدها ومتونها قبل التسرع بنسبة مضمونها إليه .وقد اتضح من
أن قراءة تلك النصوص ودراستها وفق ًا لقواعد قراءة النص خالل الصفحات المتقدمةّ ،
الديني أفضت إلى نتائج هامة على هذا الصعيد ،وعلى رأسها :التحفظ على نسبة العديد
شك حتى من المقوالت إليه ،إذ ال يمكننا التصديق بصدور بعض المضامين عنه ،فهو دون ٍ
بصرف النظر عن االعتقاد بعصمته ،إنسان حكيم خبير فكيف يصدر عنه ذ ٌم عام لجنس المرأة
وبطريقة قاسية والذعة على ما جاء في بعض الروايات المنسوبة إليه ،كما أنّه عالم بكتاب
الله تعالى وأقرب الناس إلى رسول الله(ص) ،فال يعقل أن يتك ّلم بما ال ينسجم مع المفاهيم
القرآنية وال تعاليم النبي األكرم(ص)؟!
((( نهج البالغة ،ج 1ص .68والكافي ،ج 5ص ،5ووقعة صفين لنصر بن مزاحم ،ص ،204وربيع األبرار
للزمخشري ،ج 5ص .252بيان :المرأة «المعاهدة» هي الداخلة في عهد الذمةِ .
و«حجلها» هو خلخالها.
و« ُق ْلبها» :سوارهاُ .
و«ر ُع َثها» :أقراطها ،و«االسترجاع» هو قول «إنا لله وإنا إليه راجعون» ،وقال الشيخ
محمد عبده :االسترجاع :ترديد الصوت بالبكاء .و«االسترحام» أن تناشده الرحم« ،وافرين» بمعنى
منتصرين لم ينقص عددهم ،و«الكلم» بالفتح الجرح ،انظر :تعليقه على نهج البالغة ،ج 1ص.69
المحور ال�ساد�س
تطرقت في كتاب أصول االجتهاد الكالمي ،ص 350وما بعدها إلى جملة من أهداف الوضع في ((( ّ
األحاديث العقائدية وهي نافعة في المقام.
((( فقد ذكروا أنّه قيل ألبي عصمة وهو نوح بن أبي مريم :من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضائل
القرآن سورة سورة؟! فقال :إنّي رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي
محمد بن إسحاق ،فوضعت هذه األحاديث حسب َة»! انظر :مقدمة ابن الصالح في علوم الحديث ،ص.81
المرأة في النص الديني 294
وحصول الوضع على لسان رسول الله(ص) بشأن المرأة ،يجعلنا ال نستغرب
وال نستبعد أن توضع أحاديث على لسان أمير المؤمنين تحمل مضمون ًا ذام ًا
لجنس النساء ،فر ّبما كانت بعض األحاديث المنسوبة إلى أمير المؤمنين موضوعة
على لسانه.
أهم الروايات التي تندرج في عداد الموضوعات حول المرأة:
نستعرض َّ
ُ وفيما يلي
والبيت الثاني يشير فيه هذا الشاعر إلى مجموعة الكواكب المسماة عند العرب ببنات
نعش((( ،وهذه التسمية كما هو واضح هي من اصطالحات العرب على خلفية أسطورية وال
ذهب بعضهم إلى أنّه ليس للنبي(ص) بنت ّإل السيدة الزهراء وأ ّما رق ّية وزينب وأم كلثوم فه ّن (((
ربائبه ،ولكن هذا القول ضعيف ،انظر :الملحق في كتاب «أم المؤمنين عائشة رؤية شيعية جديدة».
رواه الطبراني في األوسط بإسناده عن عكرمة عن ابن عباس قال «لما ُع ِّزي رسول الله (ص) على (((
ابنته رقية امرأة عثمان بن عفان قال :الحمد لله دفن البنات من المكرمات» ثم ع ّلق الطبراني« :لم ُي ْر َو
هذا الحديث عن رسول الله (ص) إال بهذا االسناد ،تفرد به :عبد الله بن ذكوان الدمشقي» انظر:
المعجم األوسط ،ج 2ص ،372ورواه في المعجم الكبير أيض ًا ،ج 11ص ،291ورواه ابن عبد البر
في االستيعاب ،ج 4ص.1843
فيض القدير في شرح الجامع الصغير ،ج 3ص .712 (((
السيرة الحلبية ،ج 2ص ،436وفي كشف الخفاء ،ج 1ص 407هو للباخرزي أبي الحسن علي بن (((
الحسن.
هناك مجموعتان كوكبيتان في السماء ،إحداهما تسمى «بنات نعش الكبرى» ،أو مجموعة الدب= (((
295 المحور السادس :أفكار جاهلية بلبوس إسالمي
عالقة بالله تعالى كما ّتوهم الشاعر ،فالتسمية المذكورة لم ت َِر ْد في القرآن الكريم وال في
السنة النبو ّية لتنسب إلى الله سبحانه وتعالى.
ُّ
جمع من األعالم ،بل عدّ من ٌ صرح بذلك والحديث من جهة السند ضعيف ،كما ّ
ألن هذا المضمون جاهلي األخبار الموضوعة على لسانه(ص)((( ،والوضع غير مستبعدّ ،
((( بامتياز ،وقد حارب اإلسالم هذه الفكرة ودعا إلى مواجهتها معتبر ًا ّ
أن البنات حسنات
أن موتهن هو المكرمة ،في الحديث عن أبي عبد الله قال :قال رسول ومكرمات ،ال ّ
الله(ص)« :نعم الولد البنات م ْلطِ ٍ
فات ُم َج ِهزّات مؤنسات مباركات ُم َف ِّليات»((( .والنصوص ُ
بهذا المضمون مستفضية بل ر ّبما بلغت حدّ التواتر .
(((
وحاول البعض تأويله فقال« :حاشاه(ص) أن يقول ذلك كراهة للبنات ،بل خرج
مخرج التعزية للنفس»(((.
ال ومخالف ًا
يعزي نفسه بكالم يحمل مضمون ًا باط ً ولكنه تأويل بارد ،ألنه(ص) ال ّ
لمنطوق القرآن الكريم ،وإنّما يعزي نفسه بذكر الله تعالى والرضا بقضائه وقدره.
بالدب هي
ِّ = األكبر ،والثانية تسمى «بنات نعش الصغرى» ،أو مجموعة الدب األصغر ،و ُذكر ّ
أن تسميتها
تسمية مستوحاة من أساطير يونانية ،وأ ّما تسميتها ببنات نعش فترجع إلى قصة رجل عربي اسمه نعش،
وقد قتل على يد رجل اسمه سهيل ،وكان لنعش سبع بنات حملت أربعة منهن نعش أبيهن بعد مقتله
ومشت ثالثة منهن خلف النعش وقد تعاهدن على أن ال يدفن أباهن حتى يأخذن بثأره ،من سهيل،
نعش سيرهن خلف سهيل إلدراكه واستمر ٍ لك ّن األخير هرب إلى منطقة بعيدة ،وقد واصلت بنات
فإن ثمة مجموعة كوكبية تقع في ال دون جدوى ،وهذه القصة تحاكي ما يجري في السماء ّ السير طوي ً
الشمال هي على شكل نعش وحوله ثالث نجوم ،بينما يقع في الجنوب الشرقي من السماء نجم يسمى
بسهيل ،ويبدو للناظر ّ
كأن تلك المجموعة تالحق سهي ً
ال دون أن تدركه.
((( فقد رواه ابن الجوزي في الموضوعات من طريقين وحكم بضعفهما ثم قال« :بطل االحتجاج به.
وسمعت شيخنا عبد الوهاب بن المبارك األنماطي يحلف بالله عز وجل أنه ما قال رسول الله(ص)
من هذا شيئ ًا قط» ،انظر :الموضوعات البن الجوزي ،ج 3ص ،237وقال العجلوني« :رواه
الصغاني وحكم عليه بالوضع» ،انظر :كشف الخفاء ،ج 1ص ،407وأشار إلى وضعه في بحار
األنوار ،ج 20ص.415
((( ورد في الحديث عن اإلمام الصادق« :البنات حسنات ،والبنون نعمة ،فإنّما يثاب على الحسنات و ُيسأل
عن النعمة» ،انظر :الكافي ،ج 6ص ،6وثواب األعمال ،ص ،201ومن ال يحضره الفقيه ،ج 3ص.481
((( الكافي ،ج 6ص.5
((( انظر :وسائل الشيعة ،ج 21ص 362وما بعدها ،األبواب 4و 5و 6و 7من أبواب أحكام األوالد.
((( انظر :فيض القدير شرح الجامع الصغير ،ج 3ص.712
المرأة في النص الديني 296
والذي َي ْج َر ُأ على أن يضع على لسانه(ص) حديث ًا كهذا مخالف ًا لكتاب الله تعالى ،فإنّه
لن يتورع عن أن يضع على لسان علي أحاديث في ذم المرأة.
وللحديث المذكور نظائر سنشير إليها تباع ًا.
انظر :مجمع الزوائد ،ج 4ص ،312والمعجم األوسط للطبراني ،ج 8ص ،152ورواه في المعجم (((
الصغير ،ج 2ص.111
وصرح بوضعه الفتني في تذكرة الموضوعات ،ص 218وإن ع ّقب ذلك بالقول« :له شاهد». ّ (((
وقال ابن الجوزي« :هذا حديث موضوع على رسول الله (ص) ،والمتهم به خالد ،وهو خالد بن
يزيد بن أبي أسد القشيري .قال ابن عدي :أحاديثه كلها ال يتابع عليها ال متن ًا وال إسناد ًا» .انظر:
الموضوعات ،ج 3ص.237
قائال « :لكن قال بعض العلماء :لم أظفر ثم ع ّقب ً أشار العجلوني إلى أنه مروي عن النبي (ص) ّ (((
ً
به بعد التفتيش ،وإنما ذكر صاحب الفردوس مما لم يسنده ابنه عن ابن عباس مرفوعا بلفظ« :نعم
الكفؤ القبر للجارية» ،ورواه ابن السمعاني عن ابن عباس من قوله بلفظ« :نعم األختان القبر»،
واألختان :جمع ختن وهو زوج المرأة ،وفي الحديث« :علي ختن رسول الله(ص)» ،والطبراني عنه ْ
أيض ًا مرفوع ًا« :للمرأة ستران القبر والزوج» ،قيل :فأيهما أفضل؟ قال :القبر» ،انظر :كشف الخفاء
للعجلوني ،ج 1ص.407
زهر اآلداب وثمر األلباب للقيرواني ،ج 2ص .529 (((
297 المحور السادس :أفكار جاهلية بلبوس إسالمي
قال الفتني« :قال بعض العلماء إنّه لم يظفر به بعد التفتيش»(((.
وقال آخر« :أ ّما خبر« :الصهر :القبر» فال أصل له»(((.
ال عن أمير المؤمنين ،(((ولكن ال يعتدّ به ،إلرساله ولم نجده في وقد ُروي مرس ً
أي مصدر آخر من مصادر الشيعة اإلمام ّية ،وقد روي هذا المعنى عن بعض األعراب ،وهو
ألصق بفكرهم وأقرب لسلوكهم ،فقد قيل« :مات لبعض ملوك كندة ابنة ،فوضع بين يديه
َبدْ َر ًة من المال ،وقالَ :م ْن بالغ في تعزيته فهي له ،فدخل عليه أعرابي ،وقال :عظم الله أجر
الصهر القبر ،فقال :قد أبلغت وأوجزت ثم
ُ وستِ َرت العورة ،ونِ ْع َم الملك ك ُِف َ
يت المؤونة ُ
دفعها له»(((.
تذكرة الموضوعات ،ص ،218وكشف الخفاء للعجلوني ،ج 1ص .407 (((
فيض القدير ،ج 3ص .712 (((
عيون الحكم والمواعظ ،ص .494 (((
المستطرف في كل فن مستظرف ،ج 2ص .858 (((
ً
انظر :كنز العمال للمتقي الهندي ،ج 16ص ،554قال في تذكرة الموضوعات ،ص 218تعليقا على (((
حديث «للمرأة ستران« :»..هو ضعيف جد ًا ،ومثله ما روي مرفوع ًا« :للنساء عشر عورات ،فإذا
تزوجت ستر الزوج عورة ،فإذا ماتت ستر القبر تسع عورات» ،والحديث مروي عن علي ،انظر:
فيض القدير ،ج 5ص ،371وكشف الخفاء ،ج 1ص ،407و ج 2ص ،74وقد روي الحديث في بعض
مصادر الشيعة عن الحسن عن أبيه علي عن رسول الله(ص) انظر :كشف الغمة ،ج 2ص.204
كشف الخفاء ،ج 1ص.407 (((
المرأة في النص الديني 298
خير من المر�أة العقيم»
«--5الح�صير ٌ
وروى بعضهم عن رسول الله(ص)أنّه قال« :الحصير في ناحية البيت خير من امرأة ال
تلد».
ولنا مع هذا الحديث وقفتان:
والشيعة((( على حدٍّ سواء ،وقد روى الفريقان أنّها من جملة وصايا النبي(ص) لعلي،
فإن الالفت أيض ًا ّ
أن سنده في وباإلضافة إلى وحدة مضمون الحديث من طريق الفريقينّ ،
كتب الشيعة ينتهي إلى األسماء نفسها التي رواه بها أهل السنّة((( ،األمر الذي يعني ّ
أن أصل
((( انظر :سنن أبي داود ،ج 2ص ،232تاريخ بغداد ،ج 12ص ،373وكنز العمال للمتقي الهندي ،ج16
تزوج امرأة من أهل
أن عمر بن الخطاب ّ ص ،487وكشف الخفاء ،ج 1ص ،361ومناسبة هذا الكالم ّ
مكة شريفة ،فجاءه رجل يهنئه بها ،فقال :ما أشرفها من امرأة ال تلد ،وقد طعنت في السن .فقال عمر:
«لوال الولد لم أتزوج ،حصير في بيت خير من امرأة ال تلد» .انظر :العمر والشيب البن أبي الدنيا،
ص ،78وتاريخ بغداد ،ج 12ص.373
((( نسبها إلى النبي(ص) الغزالي في إحياء علوم الدين ،ج 4ص ،105ورواها ابن الجوزي في
الموضوعات ،ج 2ص .267
((( ورواه الصدوق في األمالي ،ص ،663وعلل الشرائع ،ج 2ص ،515ومن ال يحضره الفقيه ،ج 3ص
،551ورواه المفيد في االختصاص ،ص .132
((( فالشيخ الصدوق رواه عن محمد بن إبراهيم بن إسحاق (رضي الله عنه) ،قال :حدثنا أبو سعيد الحسن
ابن علي العدوي ،قال :حدثنا يوسف بن يحيى األصبهاني أبو يعقوب ،قال :حدثني أبو علي إسماعيل
ابن حاتم ،قال :حدثنا أبو جعفر أحمد بن صالح بن سعيد المكي ،قال :حدثنا عمرو بن حفص ،عن
إسحاق بن نجيح ،عن خصيف ،عن مجاهد ،عن أبي سعيد الخدري» ،األمالي ،ص .663وهذا اإلسناد
ليس من أسانيد الشيعة كما ال يخفى .وهو يلتقي بالسند الذي ذكره ابن الجوزي في األسماء الثالثة
األخيرة ،وهم :خصيف ومجاهد وأبو سعيد الخدري ،الموضوعات ،ج 2ص ،2268وخصيف ضعيف=
299 المحور السادس :أفكار جاهلية بلبوس إسالمي
وتسرب إلى بعض المصادر الشيعية((( .وإذا علمنا ّ
أن أهل ّ السنة،
الحديث هو من مصادر ُّ
السنة قد اتهموا بعض رواة الحديث بالكذب ووضع األخبار الجرح والتعديل من أهل ُّ
ونسبتها إلى الثقات((( فهذا يعني سقوط الرواية وعدم االعتناء بها.
يعول عليه كما يقول علماء الجرح والتعديل ،ففي ضعفاء العقيلي ،ج 2ص« :،32حدثنا عبد الله وال ّ =
ابن أحمد قال :وسألت أبي عن خصيف فقال :ليس هو بقوي في الحديث ،قال :وسمعته مرة أخرى
يقول :خصيف ليس بذاك ،وسمعت أبي يقول :خصيف شديد االضطراب في المسند».
فإن بعض أصحابنا طعن قال الشيخ يوسف البحراني« :وال يبعد أن يكون الخبر المذكور عامي ًا ،ولهذا ّ (((
فيه» ،انظر :الحدائق الناضرة ،ج 23ص.146
أن أحد رجال السند وهو عبد الله بن نقل ابن الجوزي في الموضوعات ،ج 2ص 267عن ابن حبان ّ (((
وهب النسوي هو شيخ دجال يضع الحديث على الثقات.
سورة اإلسراء ،اآلية .70 (((
مسالك اإلفهام ،ج 7ص ،39ونقل بعض الفقهاء كالمه دون اعتراض ،انظر :مفاتيح الشرائع ،ج2 (((
ص ،278والوافي ،ج 22ص.734
المرأة في النص الديني 300
وقال الفيض الكاشاني في الوافي -بعد نقل الخبر وشرح بعض فقراته « :-وال يخفى
ما في هذه الوصايا و ُب ْعدُ مناسبتها لجاللة َقدْ ِر المخا َطب بها ،ولذلك قال بعض علمائنا :إنّها
يشم منها رائحة الوضع»((( .ومقصوده بالمخاطب بها أمير المؤمنين. مما ّ
حدثنا محمد بن داود بن دينار أنبأنا أحمد بن يونس حدثنا سعدان بن عبدة أنبأنا عبيد الله ابن =
عبد الله العتكي أنبأنا أنس بن مالك قال قال رسول الله (ص)« :أجيعوا النساء ،»..الموضوعات
ج 2ص .632
الموضوعات ،ج 2ص .632 (((
ميزان االعتدال ،ج 3ص .10 (((
لسان الميزان ،ج 4ص .106 (((
سورة البقرة .233 (((
المعجم األوسط للطبراني ،ج 8ص ،165وقال بعد نقله« :لم يرو هذا الحديث عن قتادة إال سعيد ،وال (((
تفرد به زكريا بن يحيى الخزاز».
عن سعيد إال إسماعيلّ ،
المرأة في النص الديني 302
احبِ ُ
سوه َّن عن الصادق عن آبائه عن علي قالَ :
قال رسول الله (ص)« :النِّسا ُء َع ْو َر ٌة ْ
ِ
واستَعينُوا َع َل ْي ِه َّن بِا ْل ّ
عري»(((. في ا ْل ُبيوت ْ
وهذا الحديث مروي عن عمر بن الخطاب قال« :استعينوا على النساء بالعريّ ،
إن
إحداهن إذا كثرت ثيابها وحسنت زينتها أعجبها الخروج»(((.
وثمة صيغة أخرى أو حديث آخر قريب منه ،وهو ما روي عن مسلمة بن مخلد قال: ّ
قال(ص) « :أعروا النساء يلزمن الحجال» .
(((
وهذه الصيغة نسبت إلى عمر أيض ًا ،فقد أرسل أبو طالب المكي والغزالي إلى عمر بن
الخطاب قال« :أعروا النساء يلزمن الحجال»((( ،وفي نقل أبي طالب« :كان عمر يقول.»..
وروي أنّه قيل لعقيل بن علفة(((« :قد عنست بناتك ،أفما تخشى عليهن الفساد؟ قال:
كال إني خ ّلفت عنده ّن الحافظ ْين ،قيل :وما هما؟ قال «الجوع والعريُ ،أ ِجي ُع ُه ّن فال يأشرن،
وأعريهن فال يظهرن»(((.
وهذا الدعوة ال يمكن التعويل عليها ،ونوضح ذلك من خالل الوقفتين التاليتين:
ضعيف وال يعتدّ به ،سواء ما روي من
ٌ إن سند الحديث وبكل طرقه الوقفة األولىّ :
عدي قد عرفت حالها
السنة فرواية ابن ّ
السنة أو ما روي من طرق الشيعة ،أ ّما من طرق ُّ
طرق ُّ
الجعفريات ،ص ،94وعنه مستدرك الوسائل ،ج ،14ص ،182الباب 21من أبواب مقدمات النكاح (((
الحديث ،1ورواه الراوندي في النوادر ،ص ،197وعنه بحار األنوار ،ج 100ص .250وال يخفى ّ
أن
روايات النوادر مأخوذة من الجعفريات.
المصنف البن أبي شيبة ،ج 3ص .467 (((
مجمع الزوائد للهيثمي ،ج 5ص ،138والجامع الصغير للسيوطي ،ج 1ص .174ورواه الزمخشري (((
في ربيع األبرار ونصوص األخبار ،ج 5ص .237
قوت القلوب ،ج 2ص ،422وإحياء علوم الدين ،ج 4ص .142 (((
عقيل بن علفة من شعراء الدولة األموية وكان حي ًا في زمن عمر بن عبد العزيز ،انظر :األعالم (((
للزركلي ،ج 4ص ،242وعرف عنه شدّ ة غيرته ،روي أنّه حمل ابنة له وأنشأ يقول:
((( مجمع األمثال للميداني ،ج 2ص .430وعيون األخبار البن قتيبة ،ج 4ص ،77وشرح نهج البالغة
البن أبي الحديد ،ج 12ص .116
305 المحور السادس :أفكار جاهلية بلبوس إسالمي
فترى الرجال منها ذلك ،وتنشأ عنه الفتن ما ال يخفى على أهل الفطن ،فبإغرائهن(هكذا،
ولعل الصحيح :فبتعريته ّن) تنحسم هذه المفاسد والشرور التي ال يمكن تداركها بعد
وقوعها وإذا كان هذا في زمانه فما بالك به اآلن؟!»(((.
ولك ّن ما يواجه هذا التفسير هو مالحظتان:
إن التضييق عليه ّن في اللباس ،هو خالف العشرة بالمعروف، المالحظة األولىّ :
المأمور بها في قوله تعالى :ﵛﲱ ﲲﵚ((( ،وذلك ّ
أن اللباس بالنسبة للمرأة هو
أمر ال يمكنها االستغناء عنه بحسب رغبتها وميلها إلى التجمل ،كما ّ
أن الرجل مأمور بتأمين
نصت عليه اآلية الشريفة :ﵛﭐﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ الكسوة الالئقة للزوجة ،طبق ًا لما ّ
ﲫﵚ((( .والدعوة إلى التعرية تنافي األمر بكسوته ّن بالمعروف.
إن هذا األمر لن يمنع النساء من أن يخرجن من بيوته ّن ،إذ يكفي المالحظة الثانيةّ :
المرأة إذا أرادت الخروج ،أن تجد حد ًا أدنى من اللباس الذي يحقق الستر الشرعي ،إن كانت
تراعي حدود الله في ذلك ،وإال فستكون في سعة من أمرها ،وتتدبر مسألة اللباس بطريقة
ثم
أو بأخرى ،أال نرى الكثيرات يرتدين عباءة بسيطة ويضعن النقاب أو غطاء الوجه ،ومن ّ
يخرجن إلى األسواق أو غيرها من األماكن العامة .ما يعني ّ
أن المرأة حتى لو لم تمتلك الثياب
إن ذلك قد يزيد من خروجها ،وذلك فإن ذلك لن يمنعها من الخروج من بيتها ،بل ّ الفاخرةّ ،
ٍ
في حال وضعها لغطاء الوجه مثالً ،حيث إنّها عندئذ لن تكون معروفة للناظرين ما يعطيها
متسع ًا للخروج وحتى التردد إلى األماكن غير المناسبة لها .األمر الذي يدفعنا إلى القول:
ّ
إن قض ّية خروج المرأة من بيتها ،ال تعالج بهذه الطريقة أعني بتعريتها ،والذي هو أشبه ما
يكون بوضعها في سجن مؤبد ،وإنّما تعالج بطريقة أخرى ،وهي العمل على تحصين المرأة
من الداخل وتربيتها على األخالق الفاضلة وعلى مخافة الله تعالى ،هذا من جهة ،ومن جهة
فإن باإلمكان اتخاذ جملة من اإلجراءات التي تحدُّ من اختالط المرأة بالرجل في غيرأخرى ّ
موارد الضرورة والحاجة ،وتمنع من االحتكاك المشبوه بين الجنسين ،وذلك من قبيل المنع
من خروجها متبرجة أو متزينة أو المنع من خروجها إلى األماكن المشبوهة ،أو نحو ذلك من
الخطوات التي تحافظ على األمن األخالقي في المجتمع.
�--1شاعرية علي
نخصصها للحديث عن شاعر ّية اإلمام ،وذلك من خالل النقاط التالية:
وهذه الوقفة ّ
علي ملك ًة شعر ّية وأدبية من المستوى الرفيع ،وهذا أمر ال أول :ال ريب ّ
أن لإلمام ٍّ ً
شك فيه فهو -كما يعرف القاصي والداني وتنبئ عن ذلك نصوصه النثرية المبثوثة في «نهج ّ
البالغة» وغيره -قد امتلك ناصية البالغة والنت له لغة الضاد بقوالبها ومعانيها ،وهو مؤسس
بنيانها ومشيد أركانها .يقول فؤاد أفرام البستاني« :ليس علي شاعر ًا ومصور ًا فحسب ،بل هو
حكيم أيض ًا ،وحكيم قبل كل شيء ،حكيم في جميع مواعظه وخطبه»(((.
وهذه الملكة ربما ظهرت أو تج ّلت في بعض القصائد أو األبيات الشعرية التي قالها
أن علي ًا إذا ما نظم الشعر فهو لم ينظم تر ًفا ،وال لهو ًافي مناسبات مع ّينة ،أجل ،إننا نجزم ّ
أن شعره كان وال مجون ًا وال عبث ًا ،وال نظم الشعر ألجل الشعر أو ليقال إنّه شاعر ،بل نقدّ ر ّ
ٍ
ألغراض أخالق ّية وتربو ّية واجتماع ّية وحماس ّية أو غير ذلك من المعاني الرسال ّية الهادفة.
وقد تحدّ ث الكثيرون عن شاعر ّية اإلمام ،ففي «أنساب األشراف» للبالذري ،نقل عن
علي أشعر الثالثة»(((.
الشعبي قوله« :وكان أبو بكر يقول الشعر ،وكان عمر يقول الشعر ،وكان ٌّ
ثاني ًا :باإلضافة إلى نظمه للشعر ،فقد كان علي ناقد ًا بصير ًا للشعراء ،عليم ًا بمذاهب
الش َع َر ِاء َف َق َال« :إِ َّن ا ْل َق ْو َم َل ْم َي ْج ُروا فِي َح ْل َب ٍة
الشعر وأغراضه وأنواعه ،فقد ُس ِئ َلَ :م ْن َأ ْش َع ُر ُّ
يل» (يريد امرأ القيس)(((. الض ِّل ُ
ك ِّ ول ُبدَّ َفا ْل َملِ ُ ف ا ْلغَا َي ُة ِعنْدَ َق َص َبتِ َهاَ ،فإِ ْن ك َ
َان َ ُت ْع َر ُ
يقول عباس محمود الع ّقاد تعليق ًا على كالم اإلمام هذا« :وهذا فيما نعتقد أول تقسيم
لمقاييس الشعر على حسب «المدارس» واألغراض الشعرية بين العرب ،فال تكون المقابلة
إال بين أشباه وأمثال ،وال يكون التعميم بالتفضيل إال على التغليب»(((.
يصح أن يكون شاعر ًا ،وأنه معصوم عن
أن علي ًا ال ُّ
وربما تحدّ ث البعض عن ّ
ّ ثالث ًا:
نظم الشعر ،كما هو الحال في النبي محمد(ص).
ولكن هذا الكالم غير صحيح ،والحكمة التي منعت كون النبي(ص) شاعر ًا ،ال ت ّطرد
ألن الذي منع أو حال دون كون النبي(ص) في اإلمام علي أو في غيره من األئمة ؛ ّ
((( الفائق في غريب الحديث ،ج 2ص ،66والنهاية في غريب الحديث واألثر ،ج 2ص ،279قال األخير:
«الروقان :تثنية الروق وهو القرن ،وأراد بها هاهنا الحرب الشديدة .وقيل الداهية .ويروى بذات
ودقين ،وهي الحرب الشديدة أيض ًا».
((( نهج البالغة ،ج 4ص .104قال الشيخ محمد عبده في بيان كالم اإلمام« :الحلبة بالفتح :القطعة
من الخيل تجتمع للسباق ،ع ّبر بها عن الطريقة الواحدة .والقصبة ما ينصبه طلبة السباق حتى إذا سبق
سابق أخذه ليعلم أنه السابق بال نزاع .وكانوا يجعلون هذا من قصب ،أي لم يكن كالمهم في مقصد
واحد ،بل ذهب بعضهم مذهب الترغيب ،وآخر مذهب الترهيب ،وثالث مذهب الغزل والتشبيب،
والض ّليل من الضالل ،ألنه كان فاسق ًا» .انظر تعليقته على نهج البالغة ،ويقول الشيخ مغنية في شرح
الكالم المذكور لإلمام« :يقول اإلمام :إن من شرط التفاضل بين شاعرين أن ينظما في موضوع
واحد تمام ًا كفرسي الرهان يجريان في ميدان واحد ،أما إذا نظم أحدهما في معنى ،والثاني في معنى
آخر ،فيصعب التفاضل بينهما ..وإذا لم ننظر إلى هذا الشرط بعين االعتبار فامرؤ القيس هو المقدم.
هذا هو المعنى المفهوم من كالم اإلمام» ،انظر :في ظالل نهج البالغة ،ج 4ص .475
((( عبقرية اإلمام علي ،ص .176
309 المالحق
يتعرض ألدنى تشكيك في نسبه شاعر ًا ،هو الحرص اإللهي على حماية القرآن الكريم من أن ّ
الوحياني ،واتهامه(ص) بأنّه مما فاضت به قريحة النبي الشعرية! فألجل هذا لم ينب ِغ له(ص)
شاعرا ،كما قال تعالى :ﵛﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆﵚ(((، ً أن يكون
ألنفعدم االنبغاء هذا لم ينطلق من موقع كون الشاعر ّية صفة مذمومة في حدّ نفسها ،بل ّ
شاعر ّية النبي(ص) لو كانت ستفتح باب ًا من التشكيك -لدى بعض الناس -في أن تكون
مرجعية القرآن هي الوحي اإللهي .وهذا ما حصل فعالً ،فمع عدم كون النبي(ص) شاعر ًا
ال عن احترافه ،كما يعرف القاصي والداني ،فقد رماه بعض ولم يعرف عنه نظم الشعر فض ً
ال عنهم :ﵛﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻﵚ(((، المشركين بأنّه شاعر ،قال تعالى نق ً
في اتهام تضليلي مخادع ال يبتعد كثير ًا عن اتهاماتهم األخرى الباطلة له ،كاتهامه بالسحر
والكهانة.
النبي(ص) قد اتخذ شاعر ًا خاص ًا وهو حسان بن ثابت ،وكان يدافع عن اإلسالم ورسول
الله(ص) بلسانه في شتّى المواطن والمناسبات ،حتى قال رسول الله(ص) فيهّ :
«إن الله
يؤيد حسان بروح القدس ما نافح عن رسول الله» ،وهكذا فقد ورد عنه(ص)ّ :
«إن من الشعر
لحكمة» ،وامتداح شعر الحكمة هو امتداح للشعراء الذين ينطقون بالحكمة وينظمونها.
((( وهو معروف بتعبير الرؤيا ،وله كتاب بذلك .وثمة شخص آخر اسمه مكي بن أبي طالب ولديه أيض ًا
كتاب في تعبير الرؤيا.
((( الفتوحات المكية ،ج ،3ص ،532وج ،4ص.502
((( حول هذا المعيار راجع ما ذكرناه في كتاب :أصول االجتهاد الكالمي.
313 المالحق
والسنة ومحاكمته على ضوء ذلك ،كما نحاكم سائر
الديني ،فالالزم عرضه على الكتاب ُّ
األخبار المروية عنه وفق ًا لهذا الضابط.
أن بعض األبيات الشعرية التي خامس ًا :إن الدراسة التحقيقية قد تنتهي بالفعل إلى ّ
تتضمنها تلك الدواوين ،إ ّما أنّها ليست لعلي وإنّما هي لشعراء آخرين ومثبتة في دواوينهم
المعروفة االنتساب إليهم ،وإ ّما أنّها ال تملك جاذبية بالغ ّية وال قوة شعر ّية تسمح بنسبة ذلك
إلى اإلمام علي المعروف ببالغته وفصاحته ،أو أننا ال نجد فيها َن َفس علي وبصمته
الخاصة .وإ ّما أنّها ال تنتمي إلى عصر علي وما تم ّيز به من أسلوب بياني وخصائص
تعبيرية وأدبية ،وهذا ما انتهى إليه بعض النقاد ،ومنهم األديب ع ّباس محمود العقاد ،حيث
عشر من األبيات تصح يقول« :ن ََح ُلوه ديوان ًا من الشعر فيه عشرات من القصائد ،وليس بينها ٌ
عما ذكره العقاد ،فقال -أي نسبتها إليه» .ولم يبتعد البستاني في تقييمه لهذا الديوان ّ
(((
البستاني « :ن ُِسب إليه ديوان يحتوي على نحو 1500بيت من الزهد واالبتهاالت ِ
والحكم، -
وهو باإلجمال ضعيف الصنعة» ،وبعد أن رفض القول الذي ذهب إليه البعض من نسبة
رجح أن يكون الديوان من نظم الديوان إلى الشريف الرضي أو أخيه الشريف المرتضى ّ
أدباء مختلفين في أوقات متباينة من الذين شغفوا بأقوال علي وحكمه فنظمها بعضهم شعر ًا
فإن السيد محسن وجرى غيرهم على أسلوبها حتى اجتمع هذا القدر من األبيات»((( ،وهكذا ّ
األمين (رحمه الله) ،قد أكّد على اشتمال الديوان المنسوب إليهعلى «ما علم أنّه ليس
له ...وما ُيظن أنّه ليس له» .وقد ذكر السيد رحمه الله بعض النماذج من األبيات الشعر ّية
التي نُسبت ألمير المؤمنين وهي ليست له قط ًعا ،وإنما هي لشعراء آخرين و ُأدرجت في
الديوان المطبوع((( ،وهكذا ّ
فإن بعض األبيات المنسوبة إليه ال يمكننا الموافقة عليها ،ألنّها
مرا في ثنايا هذاتحمل مضمون ًا مخالف ًا للكتاب الكريم ،كما هو الحال في البيتين اللذين ّ
الكتاب وهما:
وعهوده َّن ســـواء
ُ الصباريح َّ لهـــن وفاء
َّ ـــن فما
ذكره َّ
ُ دع
ْ
()4
وقلوبهن مـــن الوفاء خالء
َّ ثـــم ال يجبرنْه
َّ يكســـرن قلبك
أن كل األبيات ليست له ،كما أن هذا البيت يدل على ّ
ولم يتفطن جامع الديوان إلى ّ
ذكر السيد محسن األمين((( ،وإنما هي للسيد الحميري كما يظهر مما جاء في أمالي الشيخ
ونص عليه ابن شهرآشوب المازندراني في المناقب(((.
المفيد((( ،وأمالي الشيخ الطوسي(((ّ ،
واضحا من البيت األخير أن السيد الحميري ن ّظم مضمون كالم اإلمام علي.
ً أجل ،يبدو
وتطبيق ًا لهذه العقوبة ماذا جرى؟ تعال نقرأ ما جاء في صموئيل الثاني نفسه« :وجرى
بعد ذلك أنه كان ألبشالوم بن داود أخت جميلة اسمها ثامار فأح ّبها أمنون بن داود ،وأحصر
أمنون للسقم من أجل ثامار أخته ،ألنّها كانت عذراء وعسر في عيني أمنون أن يفعل لها شيئ ًا،
فذهبت ثامار إلى بيت أمنون أخيها وهو مضطجع وأخذت العجين وعجنت وعملت كعك ًا
أمامه وخبزت الكعك ،وأخذت المقالة وسكبت أمامه فأبى أن يأكل وقال أمنون :اخرجوا
كل إنسان عني ،فخرج كل إنسان عنه ،ثم قال أمنون لثامار :ايتي بالطعام إلى المخدع ،فآكل
من يدك فأخذت ثامار الكعك الذي عملته وأتت به أمنون أخاها إلى المخدع ،وقدمت له
ليأكل فأمسكها وقال لها تعالي اضطجعي معي يا أختي ،فقالت له ال يا أخي ال تذلني ألنّه
ال يفعل هكذا في إسرائيل ال تعمل هذه القباحة ،أ ّما أنا فأين أذهب بعاري وأما أنت فتكون
كواحد من السفهاء في إسرائيل واآلن ك ّل ْم الملك ألنه ال يمنعني منك ،فلم يشأ أن يسمع
لصوتها بل تمكن منها وقهرها واضطجع معها»(((.
((( الرسالة األولى إلى أهل كورنثوس ،اإلصحاح الحادي عشر.7-3 ،
((( المصدر نفسه اإلصحاح الرابع عشر.36-34 ،
فهر�س الم�صادر والمراجع
--1القرآن الكريم
--2الكتاب المقدس ( ،العهد القديم والجديد).
--3اآلمدي ،عبد الواحد بن محمد التميمي (ت550 :هـ) ،غرر الحكم ودرر الكلم ،ترتيب وتدقيق:
عبد الحسن دهيني ،دار الهادي ،بيروت -لبنان ،الطبعة األولى1413 ،هـ1992 /م.
--4اآلملي ،الشيخ جوادي ،جمال المرأة وجاللها ،دار الهادي بيروت ،الطبعة السادسة 2009م.
--5ابن أبي الحديد المعتزلي (ت656 :هـ ) ،شرح نهج البالغة ،تحقيق :محمد أبو الفضل إبراهيم،
المؤسسة الجامعية للدراسات اإلسالمية.
--6ابن أبي الدنيا( ،ت281 :هـ) ،العمر والشيب ،تحقيق :دكتور نجم عبدالله خلف ،مكتبة الرشد،
الرياض ،الطبعة األولى1412 ،هـ.
--7ابن أبي شيبة ،إبراهيم بن عثمان الكوفي العبسي (ت235:هـ) ،المصنف ،تعليق وتحقيق :سعيد
اللحام ،دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ،الطبعة األولى1989 ،م.
--8ابن األثير( ،بن أبي الكرم) ،محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد المعروف بالشيباني
(ت630 :هـ) ،الكامل في التاريخ ،دار صادر للطباعة والنشر -بيروت1386 ،هـ1966 /م.
--9ابن األثير ،نفسه ،أسد الغابة في معرفة الصحابة ،دار الكتاب العربي ،بيروت -لبنان.
- -10ابن األثير ،المبارك بن محمد المعروف بـ «ابن األثير» (ت606 :هـ) ،النهاية في غريب الحديث
واألثر ،إسماعيليان -باألوفست عن طبعة بيروت ،قم ،إيران ،الطبعة العاشرة1364 ،هـ.
- -11ابن األعثم ،أحمد بن أعثم الكوفي (ت314 :هـ) ،الفتوح ،تحقيق :علي شيري ،دار األضواء،
للطباعة والنشر والتوزيع ،بيروت -لبنان ،الطبعة األولى1411 ،هـ.
- -12ابن الجوزي ،عبد الرحمن بن علي (ت597 :هـ) ،كشف المشكل من حديث الصحيحين،
تحقيق :عبد الرحمن محمد عثمان ،المكتبة السلفية ،المدينة المنورة ،الطبعة األولى1966 ،م.
- -13ابن الجوزي( ،ت597 :هـ) ،الموضوعات ،تحقيق :عبد الرحمن محمد عثمان ،المكتبة
السلفية ،المدينة المنورة ،الطبعة األولى1386 ،هـ1966 /م.
- -14ابن حزم ،علي بن أحمد بن سعيد (ت456 :هـ) ،المحلى ،دار الفكر ،بيروت لبنان..
محمد بن علي (ت562 :هـ) ،التذكرة الحمدونية ،تحقيق: محمد بن الحسن بن ّ - -15ابن حمدونّ ،
إحسان عباس وبكر عباس ،دار صادر للطباعة والنشر ،بيروت -لبنان ،الطبعة األولى1996 ،م.
- -16ابن حنبل ،اإلمام أحمد( ،ت241 :هـ) ،مسند أحمد ،دار صادر ،بيروت.
- -17ابن حيان ،عبد الله بن محمد بن جعفر المعروف بأبي الشيخ األصبهاني (ت369 :هـ) ،كتاب
325 فهرس المصادر والمراجع
األمثال في الحديث النبوي ،تحقيق :الدكتور عبد العلي عبد الحميد ،مطبوعات الدار السلفية،
بومباي -الهند ،الطبعة األولى1982 ،م.
- -18ابن خ ّلكان ،أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر (ت681 :هـ) ،وفيات األعيان وأنباء أبناء
الزمان ،تحقيق :إحسان عباس ،دار الثقافة -لبنان .ال.ط ،ال .ت.
- -19ابن سعد ،محمد بن سعد( ،ت230 :هـ) ،الطبقات الكبرى ،دار صادر -بيروت.
- -20ابن سينا ،الحسين بن عبد الله ( ت 428هـ) ،الشفاء -اإللهيات ،تحقيق :محمد يوسف موسى،
وسليمان دنيا ،وسعيد زيدان ،مكتبة آية الله المرعشي النجفي ،الطبعة الرابعة ،قم – إيران،
1404هـ ،باألوفست عن الطبعة المصرية 1960م.
- -21ابن شهرآشوب ،محمد بن علي المازندراني (ت588:هـ) ،مناقب آل أبي طالب ،تحقيق :السيد
هاشم الرسولي المحالتي ،انتشارات عالمة ،قم -إيران.
- -22ابن طيفور ،أحمد بن طاهر (ت208 :هـ) ،بالغات النساء ،انتشارات الشريف الرضي ،قم-
إيران ،ال .ط ،ال .ت.
- -23ابن عبد البر ،يوسف بن عبد الله المعروف بـ «ابن عبد البر» (ت463 :هـ) ،التمهيد ،تحقيق:
مصطفى بن أحمد العلوي -محمد عبد الكبير البكري ،وزارة عموم األوقاف والشؤون
اإلسالمية ،المغرب1387 ،هـ.
- -24ابن عبد البر ،نفسه ،االستيعاب ،تحقيق :علي محمد البجاوي ،دار الجيل ،بيروت -لبنان،
الطبعة األولى1412 ،هـ.
- -25ابن عساكر ،علي بن الحسن بن هبة الله (ت571 :هـ) ،تاريخ مدينة دمشق ،تحقيق :علي شيري،
دار الفكر -بيروت1995 ،م.
- -26ابن فارس ،أحمد بن فارس (ت395 :هـ) ،معجم مقاييس اللغة ،تحقيق :عبد السالم محمد
هارون ،مكتب اإلعالم اإلسالمي ،قم -إيران1404 ،هـ.
- -27ابن كثير ،إسماعيل بن كثير الدمشقي (ت774 :هـ) ،البداية والنهاية ،تحقيق :علي شيري ،دار
إحياء التراث العربي -بيروت -لبنان ،الطبعة األولى1988 ،م.
- -28ابن ماجة ،محمد بن يزيد القزويني (ت275 :هـ) ،سنن ابن ماجة ،تحقيق :محمد فؤاد عبد
الباقي ،دار الفكر ،بيروت.
- -29ابن منظور ،محمد بن مكرم اإلفريقي المصري (ت711 :هـ) ،لسان العرب ،نشر أدب الحوزة،
قم -إيران1405 ،هـ.
- -30ابن هشام ،محمد بن إسحاق (ت151 :هـ) السيرة النبوية ،تحقيق الدكتور سهيل زكار ،دار الفكر
للطباعة والنشر والتوزيع ،بيروت -لبنان ،الطبعة األولى1412 ،هـ1992 /م.
- -31األبشهي ،محمد بن أحمد (850-790هـ) ،المستطرف في كل فن مستظرف ،دار ومكتبة
الهالل ،بيروت -لبنان.
- -32أبو داود ،سليمان بن األشعث السجستاني (ت275 :هـ) ،سنن أبي داود ،تحقيق :سعيد محمد
اللحام ،دار الفكر1410 ،هـ1990/م.
المرأة في النص الديني 326
- -33األحسائي ،ابن أبي جمهور( ،توفي حدود سنة880هـ ) ،عوالي الآللي ،تحقيق :الشيخ مجتبى
العراقي ،مكتبة آية الله المرعشي ،قم -إيران ،الطبعة األولى1403 ،هـ1983 /م.
- -34أركون ،محمد ،قضايا في نقد العقل الديني -كيف نفهم اإلسالم اليوم؟ ترجمة وتعليق :هاشم
صالح ،دار الطليعة ،بيروت -لبنان ،الطبعة الرابعة2009 ،م.
الغمة في معرفة األئمة ،دار
- -35اإلربلي ،علي بن عيسى بن أبي الفتح( ،ت693 :هـ) ،كشف ّ
األضواء ،بيروت -الطبعة الثانية1985 ،م.
- -36اإلسترابادي ،محمد أمين (ت1033 :هـ) ،الفوائد المدنية والشواهد ،تحقيق :الشيخ رحمة الله
الرحمتي اآلراكي ،مؤسسة النشر اإلسالمي ،قم -إيران ،الطبعة األولى1983 ،م.
- -37األصفهاني ،الحسين بن محمد ،المعروف بالراغب األصفهاني (ت502 :هـ) ،المفردات في
غريب القرآن ،دفتر نشر الكتاب ،إيران1404 ،هـ.
- -38األصفهاني ،علي بن الحسين بن محمد المرواني ،المعروف بأبي الفرج األصفهاني (356هـ)،
مقاتل الطالبيين ،تحقيق :كاظم المظفر ،مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر ،قم -إيران ،الطبعة
الثانية1385 ،هـ1965 /م.
- -39األلباني ،محمد ناصر الدين (ت1999 :م) ،سلسلة األحاديث الضعيفة والموضوعة ،مكتبة
المعارف للنشر والتوزيع ،الرياض ،الطبعة األولى1996 ،م.
- -40إمام ،عبد الفتاح إمام ،أفالطون والمرأة( ،موسوعة الفيلسوف والمرأة) مكتبة مدبولي ،مصر -
القاهرة ،الطبعة الثانية1996 ،م.
- -41إمام ،نفسه ،أرسطو والمرأة ،مدبولي ،مصر -القاهرة ،الطبعة األولى1996 ،م.
- -42األمين ،السيد محسن ،أعيان الشيعة ،دار المعارف للمطبوعات ،بيروت1983 ،م.
- -43الباقالني ،أبو بكر بن محمد بن الطيب (ت403 :هـ) ،إعجاز القرآن ،تحقيق :أحمد صقر ،دار
المعارف ،القاهرة -مصر ،الطبعة الثالثة.
- -44البحراني ،ميثم بن علي بن ميثم (ت679 :هـ) ،شرح نهج البالغة ،مكتب اإلعالم اإلسالمي،
قم -إيران449 ،هـ.
- -45البحراني ،نفسه ،شرح مائة كلمة ألمير المؤمنين ،تحقيق :السيد جالل الدين الحسيني،
مركز النشر اإلسالمي التابع لجامعة المدرسين ،قم -إيران.
- -46البحراني ،يوسف بن أحمد الدرازي (ت1186 :هـ) الحدائق الناضرة في فقه العترة الطاهرة،
مؤسسة النشر اإلسالمي -قم1363 ،هـ .ش.
- -47البخاري ،محمد بن اسماعيل (ت256 :هـ) ،صحيح البخاري ،دار الفكر -بيروت ،الطبعة
الثامنة1981 ،م.
- -48البرقي ،أحمد بن محمد بن خالد (ت ،274 :أو 280هـ) ،المحاسن ،تحقيق :السيد جالل الدين
الحسيني ،دار الكتب اإلسالمية ،طهران -إيران1370 ،هـ.
- -49البروجردي ،السيد حسين الطبطبائي (ت1383 :هـ) ،جامع أحاديث الشيعة ،المطبعة العلمية،
قم -إيران1399 ،هـ.
327 فهرس المصادر والمراجع
- -50البروجردي ،الشيخ مرتضى ،شرح العروة الوثقى /الزكاة( ،موسوعة السيد الخوئي الفقهية)
تقرير ًا ألبحاث السيد الخوئي (رحمه الله) ،مؤسسة إحياء آثار اإلمام الخوئي ،قم -إيران،
الطبعة الثانية1426 ،هـ.
- -51البستاني ،فؤاد أفرام ،الروائع ( ،سلسلة أبحاث في األدب ومنتخبات من أشهر أعالمه) ،دار
المشرق (المطبعة الكاثلوكية) ،بيروت -لبنان ،الطبعة السادسة1968 ،م.
- -52البغدادي ،الحافظ أبو بكر أحمد بن علي المعروف بالخطيب البغدادي( ت463 :هـ) ،تاريخ
بغداد أو مدينة السالم ،تحقيق :مصطفى عبد القادر عطا ،دار الكتب العلمية -بيروت ،الطبعة
األولى1997 ،م.
- -53البغدادي (ت322 :هـ) ،مجموعة نفيسة ،مكتبة آية الله المرعشي النجفي ،قم -إيران1406 ،هـ.
- -54البالذري ،أحمد بن يحيي بن جابر (ت279 :هـ) ،أنساب األشراف ،تحقيق :الشيخ محمد باقر
المحمودي ،مؤسسة األعلمي للمطبوعات ،بيروت -لبنان ،الطبعة األولى1394 ،هـ1974 /م.
- -55البالغي ،الشيخ محمد جواد (ت1352 :هـ) ،آالء الرحمن في تفسير القرآن ،مطبعة العرفان،
صيدا -لبنان1933 ،م.
- -56البيهقي ،أحمد بن الحسين بن علي (ت458:هـ) ،السنن الكبرى ،دار الفكر -بيروت.
- -57البيهقي ،نفسه ،شعب اإليمان ،تحقيق :محمد بن السعيد بسيوني ،دار الكتب العلمية ،بيروت-
لبنان ،الطبعة األولى1410 ،هـ1990 /م.
- -58البيهقي ،علي بن زيد (ت565 :هـ) ،معارج نهج البالغة ،تحقيق :محمد تقي دانش ،مكتبة آية
الله المرعشي النجفي ،قم -إيران ،الطبعة األولى1409 ،هـ.
- -59البهسودي ،السيد محمد سرور الواعظ الحسيني ،مصباح األصول ،تقرير ًا ألبحاث السيد
الخوئي ،الناشر :مكتبة الداوري ،قم -إيران ،الطبعة الخامسة1417 ،هـ.
- -60الترمذي ،محمد بن عيسى (ت279 :هـ) ،الجامع الصحيح المعروف بسنن الترمذي ،تحقيق:
عبد الوهاب عبد اللطيف ،دار الفكر -بيروت ،الطبعة الثانية1403 ،هـ.
- -61التستري ،الشيخ محمد تقي ( ت 1415 :هـ) ،قاموس الرجال ،تحقيق ونشر :مؤسسة النشر
اإلسالمي ،قم -إيران ،الطبعة الثالثة1429 ،هـ.
- -62التوحيدي ،محمد علي التبريزي ،مصباح الفقاهة ،تقرير ًا ألبحاث السيد الخوئي رحمه الله،
إسماعيليان ،قم -إيران1417 ،هـ.
- -63الثقفي ،إبراهيم بن محمد بن سعيد بن هالل (ت283 :هـ) ،الغارات ،تحقيق :السيد جالل الدين
المحدث ،إيران.
- -64الجاحظ ،عمرو بن بحر بن محبوب (ت255 :هـ) ،المحاسن واألضداد ،تحقيق :فوزي عطوي،
دار صعب ،بيروت ،الطبعة األولى1966 ،م.
- -65الجاحظ ،نفسه ،البيان والتبيين ،المكتبة التجارية الكبرى لصاحبها مصطفى محمد ،القاهرة -
مصر ،الطبعة األولى1926 ،هـ.
- -66الجاحظ ،نفسه ،البخالء ،قدّ م له وشرحه :الدكتور عباس عبد الساتر ،دار ومكتبة الهالل،
بيروت2004 ،م.
المرأة في النص الديني 328
- -67الجبعي ،زين الدين بن علي ،المعروف بالشهيد الثاني (ت965 :هـ) ،الرعاية في علم الدراية،
مكتبة آية الله المرعشي النجفي ،قم -إيران ،الطبعة الثانية1408 ،هـ.
- -68الجبعي ،نفسه ،مسالك األفهام إلى تنقيح شرائع اإلسالم ،مؤسسة المعارف اإلسالمية ،قم،
الطبعة األولى1413 ،هـ.
- -69جرداق ،جورج( ،ت2104 :هـ) ،علي صوت العدالة اإلنسانية ،منشورات ذوي القربى ،الطبعة
األولى ،قم -إيران 1423هـ.
- -70الجصاص ،أحمد بن علي الرازي (ت370 :هـ) ،أحكام القرآن ،دار الكتب العلمية ،بيروت-
لبنان ،الطبعة األولى1994 ،م.
- -71الجوهري ،إسماعيل بن حماد ،الصحاح أو تاج اللغة وصحاج العربية ،تحقيق :أحمد بن
عبد الغفور ع ّطار ،دار العلم للماليين ،بيروت ،الطبعة الرابعة1407 ،هـ.
- -72الحائري ،الشيخ محمد مهدي (ت1369 :هـ) ،شجرة طوبى ،منشورات المكتبة الحيدرية،
النجف األشرف ،الطبعة الخامسة1385 ،هـ.
- -73الحر العاملي ،الشيخ محمد بن الحسن (ت1104 :هـ) ،أمل اآلمل ،تحقيق :السيد أحمد
الحسيني ،النجف األشرف ،مطبعة اآلداب1385 ،هـ.
- -74الحر العاملي ،نفسه ،تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة المعروف اختصار ًا
بـ«وسائل الشيعة» مؤسسة آل البيت إلحياء التراث ،قم -إيران ،الطبعة الثانية1414 ،هـ.
- -75الحر العاملي ،نفسه ،هداية األمة إلى أحكام األئمة ،مكتبة الحضرة الرضوية (آستان قدس
رضوي) ،مشهد -إيران.
- -76الحر العاملي ،نفسه ،الفوائد الطوسية ،تحقيق :السيد مهدي الالزوردي والشيخ محمد درودي،
المطبعة العلمية ،قم1403 ،هـ.
- -77الحراني ،الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة ( القرن الرابع) ،تحف العقول عن آل الرسول(ص)،
تحقيق ،علي أكبرالغفاري ،مؤسسة النشر اإلسالمي ،قم إيران ،الطبعة الثانية1404 ،هـ.
- -78الحسني ،السيد هاشم معروف ،االنتفاضات الشيعية عبر التاريخ ،دار التعارف ،بيروت1990 ،م.
- -79حسين ،السيد إعجاز (1286هـ) ،كشف الحجب واألستار ،مكتبة آية الله المرعشي النجفي،
ط ،2قم-إيران1409 ،هـ.
- -80الحلبي ،علي بن برهان الدين الشافعي (ت1044 :هـ) ،السيرة الحلبية ،دار المعرفة ،بيروت،
1400هـ.
- -81الحلي ،محمد بن أحمد بن إدريس العجلي (ت598 :هـ) ،مستطرفات السرائر ،مؤسسة النشر
اإلسالمي التابعة لجماعة المدرسين ،قم -إيران ،الطبعة الثانية1411 ،هـ.
- -82الحلي ،أحمد بن فهد (ت841 :هـ) ،عدة الداعي ونجاح الساعي ،تحقيق :أحمد الموحدي
القمي ،مكتبة وجداني ،قم -إيران.
- -83الحلي ،الحسن بن يوسف المطهر ،المعروف بالعالمة الحلي (ت726 :هـ) ،أجوبة المسائل
المهنائية ،مطبعة الخيام ،قم -إيران1401 ،هـ.
329 فهرس المصادر والمراجع
- -84الحلي ،ابن نما (ت645 :هـ) ،مثير األحزان ،المطبعة الحيدرية ،النجف1369 ،هـ1950 /م.
- -85الحميري ،الشيخ عبد الله بن جعفر( ،القرن الثالث هجري) ،قرب اإلسناد ،تحقيق :مؤسسة آل
البيت ،الطبعة األولى1413 ،هـ.
- -86الخشن ،حسين أحمد ،هل الجنة للمسلمين وحدهم؟ المركز اإلسالمي الثقافي -مجمع
اإلمامين الحسنين (ع) ،بيروت ،الطبعة األولى2004 ،م.
- -87الخشن ،نفسه ،أصول االجتهاد الكالمي ،المركز اإلسالمي الثقافي ،بيروت -لبنان ،الطبعة
األولى.2015 ،
- -88الخشن ،نفسه ،الشريعة تواكب الحياة ،دار الهادي ،بيروت ،الطبعة األولى2004 ،م.
- -89الخشن ،نفسه ،وهل الدين ّإل الحب؟ المركز اإلسالمي الثقافي ،بيروت -لبنان ،الطبعة األولى،
1436هـ2014 /م.
- -90الخشن ،نفسه ،بحوث حول السيدة العائشة-رؤية شيعية معاصرة ،دار الروافد ،ط ،1بيروت-
لبنان1438 ،هـ2016/م.
- -91الخشن ،نفسه ،تحت المجهر -قراءة نقدية في مفاهيم وسلوكيات ومعتقدات -المركز
اإلسالمي الثقافي ،بيروت -لبنان ،الطبعة األولى1434 ،هـ2013 /م.
- -92الخشن ،نفسه ،إليك يا ابنتي ،المركز اإلسالمي الثقافي ،بيروت -لبنان ،الطبعة األولى،
1434هـ2013 /م.
- -93الخشن ،نفسه ،مع الشباب في همومهم وتطلعاتهم ،المركز الثقافي اإلسالمي ،بيروت -لبنان،
الطبعة األولى2016 ،م.
- -94الخوئي ،السيد أبو القاسم الموسوي ،معجم رجال الحديث ،الطبعة الخامسة1413 ،هـ/
1992م.
- -95الخوئي ،نفسه ،منهاج الصالحين ،مدينة العلم ،قم-إيران ،الطبعة الثامنة والعشرون1410 ،هـ.
- -96الخوئي ،الميرزا حبيب الله الهاشمي (ت1324 :هـ) ،منهاج البراعة في شرح نهج البالغة،
تحقيق :السيد إبراهيم الميانجي ،بنياد فرهنك اإلمام المهدي ،طهران -إيران ،الطبعة الرابعة.
- -97الخصيبي ،الحسين بن حمدان (ت334 :هـ) ،الهداية الكبرى ،مؤسسة البالغ للطباعة والنشر
والتوزيع ،بيروت -لبنان ،الطبعة الرابعة1991 ،م.
- -98الدارمي ،عبدالله بن عبد الرحمن التميمي السمرقندي (ت255 :هـ) ،سنن الدارمي ،مطبعة
االعتدال -دمشق1349 ،هـ.
- -99الدويش ،الشيخ أحمد بن عبد الرزاق ،فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء ،المملكة
العربية السعودية -الرياض.
--100الدينوري ،عبد الله بن مسلم بن قتيبة (ت376 :هـ) ،عيون األخبار ،شرح وتعليق :الدكتور
يوسف علي طويل ،دار الكتب العلمية ،بيروت -لبنان ،الطبعة الثالثة2003 ،م.
--101ديورانت ،ول وايريل ،قصة الحضارة ،دار الجيل ،ترجمة محمد بدران ،بيروت -تونس،
1408هـ.1988 /
المرأة في النص الديني 330
--102الذهبي ،محمد بن أحمد بن عثمان (ت748 :هـ) ،سير أعالم النبالء ،تحقيق :حسين األسد،
مؤسسة الرسالة ،بيروت ،الطبعة التاسعة1989 ،م.
--103الرازي ،محمد بن عمر التيمي المعروف بالفخر الرازي (ت606 :هـ) ،المحصول في علم
األصول ،مؤسسة الرسالة ،بيروت -لبنان ،الطبعة الثانية1412 ،هـ1992 /م.
--104الرازي ،نفسه ،التفسير الكبير ،دار إحياء التراث العربي ،بيروت -لبنان ،الطبعة الثالثة.
--105الرازي ،ابن أبي حاتم (ت327 :هـ) ،الجرح والتعديل ،دار إحياء التراث العربي ،بيروت ،الطبعة
األولى1372 ،هـ1952 /م.
--106الزبيدي ،محمد مرتضى الحسيني الواسطي ،تاج العروس من جواهر القاموس ،تحقيق :علي
شيري ،دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ،بيروت -لبنان ،الطبعة األولى1420 ،هـ.
--107الزمخشري ،محمود بن عمر (ت538 :هـ) ،ربيع األبرار ونصوص األخيار ،تحقيق :عبد األمير
مهنا ،مؤسسة األعلمي للمطبوعات ،بيروت ،الطبعة األولى1412 ،هـ1992 /م.
--108الزمخشري ،نفسه ،الفائق في غريب الحديث ،وضع حواشيه :إبراهيم شمس الدين ،الطبعة
األولى ،الدار العلمية ،بيروت -لبنان1996 ،م.
--109الزيعلي( ،ت792 :هـ) ،نصب الراية ،تحقيق :أيمن صالح شعبان ،دار الحديث ،القاهرة ،الطبعة
األولى1415 ،هـ1995 /م.
--110السبحاني ،جعفر ،الحديث النبوي بين الرواية والدراية ،مؤسسة اإلمام الصادق ،قم -إيران،
الطبعة األولى1419 ،هـ.
--111السبزواري ،الشيخ محمد (القرن السابع الهجري) ،معارج اليقين في أصول الدين ،تحقيق:
عالء آل جعفر ،مؤسسة آل البيت إلحياء التراث ،قم -إيران ،الطبعة األولى1410 ،هـ1993 /م.
--112السيستاني ،استفتاءات المرجع الديني السيد علي السيستاني (حفظه الله) ،المدرج ضمن مكتبة
آل البيت (ع) اإللكترونية.
--113السيوطي ،جالل الدين عبد الرحمن بن أبي بكر (ت911 :هـ) ،الدر المنثور في التفسير بالمأثور،
دار المعرفة ،بيروت -لبنان.
--114شبر ،السيد عبد الله (ت1242 :هـ) ،تفسير القرآن الكريم المعروف بتفسير ش ّبر ،قام بطبعه
ونشره السيد مرتضى الرضوي ،مراجعة الدكتور حامد حفني داوود ،الطبعة الثالثة1966 ،هـ.
--115شتيوي ،الدكتور أحمد ،ديوان اإلمام علي ،دار الغد الجديد ،الطبعة األولى ،القاهرة،
1429هـ.
--116شرف الدين ،السيد عبد الحسين (ت1377 :هـ) ،أجوبة موسى مسائل جار الله السيد
عبد الحسين شرف الدين ،مطبعة العرفان ،صيدا ،الطبعة الثانية1953 ،هـ1373 /هـ.
--117الشريف الرضي ،محمد بن الحسين (ت406:هـ) ،نهج البالغة ،تعليق وشرح :الشيخ محمد
عبده ،دار الذخائر ،قم -إيران ،الطبعة األولى1410 ،هـ.
--118الشريف الرضي ،نفسه ،خصائص األئمة ،تحقيق :محمد هادي األميني ،مجمع البحوث
اإلسالمية التابع للحضرة الرضوية المقدسة ،مشهد -إيران1406 ،هـ.
331 فهرس المصادر والمراجع
--119الشريف الرضي ،نفسه ،المجازات النبوية ،تحقيق :طه محمد الزيني ،مكتبة بصيرتي ،قم -
إيران.
--120الشريف المرتضى ،علي بن الحسين بن موسى (ت436 :هـ) ،رسائل الشريف المرتضى،
منشورات دار القرآن الكريم ،منشورات دار القرآن الكريم ،قم -إيران1405 ،هـ.
--121شمس الدين ،الشيخ محمد مهدي ،أهلية المرأة لتولي السلطة ،مؤسسة المنار ،بيروت -لبنان.
--122الشهرستاني ،محمد بن عبد الكريم بن أبي بكر أحمد ( ،) 548 - 479الملل والنحل ،تحقيق:
محمد سيد گيالني ،دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع ،بيروت -لبنان.
--123الشيرازي ،الشيخ ناصر مكارم ،األمثل في تفسير كتاب الله المنزل ،قم -إيران.
--124الصارم ،سمير ،أبو العالء المعري ،حياته ،شعره ،دار كرم ،سوريا -دمشق.
--125الصالح ،الشيخ صبحي ،تحقيق وضبط نصوص نهج البالغة ،بيروت -لبنان ،الطبعة األولى،
1967م.
--126الصدر ،السيد حسن (ت1351 :هـ) ،نهاية الدراية ،تحقيق :ماجد الغرباوي ،نشر المشعر ،قم-
إيران ،الطبعة األولى.
--127الصدر ،السيد محمد محمد صادق ،ما وراء الفقه ،دار المحبين للطباعة والنشر ،قم -إيران،
الطبعة الثالثة2007 ،م.
--128الصدر ،السيد موسى ،مسيرة اإلمام الصدر ،إعداد وتوثيق :يعقوب ظاهر ،دار بالل للطباعة
والنشر ،بيروت -لبنان ،الطبعة الثانية2014 ،م.
--129الصدوق ،محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي (ت381 :هـ) ،ثواب األعمال ،تحقيق
محمد مهدي حسن الخرسان ،منشورات الشريف الرضي ،قم -إيران ،الطبعةوتقديم :السيد ّ
الثانية1368 ،هـ.
--130الصدوق ،نفسه ،الخصال ،تحقيق :علي أكبر الغفاري ،جماعة المدرسين -قم1403 ،هـ.
--131الصدوق ،نفسه ،عيون أخبار الرضا ،مؤسسة األعلمي -بيروت1404 ،هـ.
--132الصدوق ،نفسه ،علل الشرائع ،المكتبة الحيدرية -النجف األشرف1966 ،م.
--133الصدوق ،نفسه ،التوحيد ،تحقيق :السيد هاشم الحسيني الطهراني ،مؤسسة النشر اإلسالمي،
قم -إيران1387 ،هـ.ش.
--134الصدوق ،نفسه ،من ال يحضره الفقيه ،تحقيق :علي أكبر الغفاري ،جماعة المدرسين -قم،
الطبعة الثانية1404 ،هـ.
--135الصدوق ،نفسه ،األمالي ،مؤسسة البعثة ،الطبعة أألولى1417 ،هـ.
المرأة في النص الديني 332
--136الصدوق ،نفسه ،معاني األخبار ،تحقيق :علي أكبر الغفاري ،مؤسسة النشر اإلسالمي التابعة
لجماعة المدرسين ،قم -إيران1379 ،هـ.
--137صفوت ،أحمد زكي ،ترجمة علي بن أبي طالب ،مطبعة دار العلوم ،مصر1932 ،م.
--138الصنعاني ،عبد الرزاق بن همام (ت211 :هـ) ،تفسير الصنعاني ،مكتبة الرشد للنشر والتوزيع،
السعودية -الرياض ،الطبعة األولى1410 ،هـ1989 /م.
--139الطباطبائي ،السيد محمد حسين الطباطبائي (ت1412 :هـ) ،تفسير الميزان ،منشورات جامعة
المدرسين ،قم -إيران.
--140الطبراني ،سليمان بن أحمد (ت360 :هـ) ،المعجم الكبير ،تحقيق :حمدي عبد المجيد ،دار
إحياء التراث العربي ،مكتبة ابن تيمية -القاهرة.
--141الطبراني ،نفسه ،المعجم األوسط ،تحقيق :قسم التحقيق بدار الحرمين ،دار الحرمين للطباعة
والنشر والتوزيع ،مصر -القاهرة1995 ،م.
--142الطبراني ،نفسه ،المعجم الصغير ،دار الكتب العلمية ،بيروت -لبنان.
--143الطبرسي ،أحمد بن علي (ت560 :هـ) ،االحتجاج ،تحقيق :محمد باقر الخرسان ،دار النعمان-
النجف األشرف1966 ،م.
--144الطبرسي ،الفضل بن الحسن (ت548 :هـ) ،مجمع البيان في تفسير القرآن ،مؤسسة األعلمي
للمطبوعات ،بيروت -لبنان ،الطبعة األولى1415 ،هـ2008 /م.
--145الطبرسي ،نفسه ،جوامع الجامع ،مؤسسة النشر اإلسالمي التابعة لجماعة المدرسين ،الطبعة
األولى1420 ،هـ.
--146الطبرسي ،نفسه ،مكارم األخالق ،منشورات الشريف الرضي ،قم ،الطبعة السادسة1392 ،هـ/
1972م.
--147الطبرسي ،علي بن الحسن ( توفي في أوائل القرن السابع الهجري) ،مشكاة األنوار في غرر
األخبار ،تحقيق :مهدي هوشمان ،دار الحديث ،الطبعة األولى1418 ،هـ.
--148الطبري المامطيري ،أبو الحسن مهدي ،نزهة األبصار ومحاسن اآلثار ،تحقيق العالمة محمد
باقر المحمودي ،المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب اإلسالمية ،ط 1430 ،1هـ2009/م.
--149الطبري ،محمد بن جرير (ت310 :هـ) ،جامع البيان ،المعروف بتفسير الطبري ،دار الفكر،
بيروت -لبنان1415 ،هـ1995 /م.
--150الطبري ،نفسه ،تاريخ الطبري ،نخبة من العلماء األجالء ،مؤسسة األعلمي للمطبوعات،
بيروت -لبنان.
--151الطبري ،محمد بن جرير بن رستم اإلمامي المعروف بالطبري الصغير (من أعالم القرن الرابع
الهجري) ،دالئل اإلمامة ،تحقيق :قسم الدراسات اإلسالمية مؤسسة البعثة ،قم ،الطبعة األولى،
1413هـ.
--152الطبري ،نفسه ،المسترشد ،تحقيق :الشيخ أحمد المحمودي ،مؤسسة الثقافة اإلسالمية ،قم-
إيران ،الطبعة األولى1415 ،هـ.
333 فهرس المصادر والمراجع
--153الطبري ،محمد بن علي (القرن السادس هجري) ،بشارة المصطفى ،تحقيق :جواد القيومي
األصفهاني ،مؤسسة النشر اإلسالمي ،الطبعة األولى1420 ،هـ.
--154الطريحي ،فخر الدين (ت1087 :هـ) ،مجمع البحرين ،ترتيب :محمود عادل ،مكتب نشر الثقافة
اإلسالمية ،إيران ،الطبعة الثانية1408 ،هـ.
--155الطهراني ،محمد محسن بن علي بن محمد ،المعروف بآغا بزرك ( ت 1389هـ) الذريعة إلى
تصانيف الشيعة ،دار األضواء ،بيروت -لبنان ،الطبعة الثالثة1403 ،هـ.
--156الطوسي ،محمد بن الحسن (ت)460:هـ ،المبسوط ،تحقيق :محمد تقي الكشفي ،المكتبة
المرتضوية ،طهران1387 ،هـ.
--157الطوسي ،نفسه ،عدة األصول ،تحقيق :محمد رضا األنصاري القمي ،قم -إيران ،الطبعة
األولى1417 ،هـ.
--158الطوسي ،نفسه ،األمالي ،مؤسسة البعثة ،قم ـ إيران ،الطبعة األولى1414 ،هـ.
--159العجلوني ،إسماعيل بن محمد (ت1162 :هـ) ،كشف الخفاء ومزيل اإللباس ،دار الكتب
العلمية ،بيروت -لبنان ،الطبعة الثالثة1408 ،هـ.
--160العسقالني ،أحمد بن علي بن محمد بن حجر (ت852 :هـ) ،فتح الباري في شرح صحيح
البخاري ،دار المعرفة للطباعة والنشر ،بيروت -لبنان ،الطبعة الثانية.
--161العسقالني ،نفسه ،تهذيب التهذيب ،دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ،بيروت -لبنان ،الطبعة
األولى1984 ،م.
--162العسكري ،السيد مرتضى ،أحاديث أم المؤمنين عائشة ،التوحيد للنشر ،الطبعة الخامسة،
1414هـ1994 /م
--163العقاد ،عباس محمود ،عبقرية اإلمام علي ،دار الهالل ،مصر.
--164العلوي ،هادي ،فصول عن المرأة ،دار الكنوز األدبية ،بيروت -لبنان ،الطبعة األولى1966 ،م.
--165العياشي ،محمد بن مسعود السمرقندي (ت320 :هـ) ،تفسير العياشي ،تحقيق :هاشم الرسولي
المحالتي ،المكتبة العلمية اإلسالمية ،طهران.
--166العيني ،محمود بن أحمد (ت855 :هـ) ،عمدة القاري ،دار إحياء التراث العربي ،بيروت -لبنان.
--167الغزالي ،أبو حامد محمد بن محمد (ت505 :هـ) ،إحياء علوم الدين ،دار الكتاب العربي ،
بيروت -لبنان.
--168الفتني ،محمد طاهر بن علي الهندي (ت986:هـ) ،تذكرة الموضوعات.
--169الفراهيدي ،الخليل بن أحمد (ت175 :هـ) ،كتاب العين ،مؤسسة دار الهجرة ،إيران ،الطبعة
الثانية1409 ،هـ.
--170فضل الله ،السيد محمد حسين (ت2010 :م) ،من وحي القرآن ،دار المالك ،الطبعة الثانية ،
1998م.
--171فضل الله ،نفسه ،قراءة جديدة لفقه المرأة الحقوقي (ندوة حوارية) ،دار الثقلين للطباعة والنشر
والتوزيع ،بيروت -لبنان ،الطبعة األولى1996 ،م.
المرأة في النص الديني 334
--172فضل الله ،نفسه ،الزهراء القدوة ،إعداد :الشيخ حسين الخشن ،دار المالك ،بيروت -لبنان،
الطبعة الثانية2001 ،م.
--173القضاعي ،القاضي محمد بن سالمة (ت404 :هـ) ،مسند الشهاب ،تحقيق :حمدي عبد المجيد
السلفي ،مؤسسة الرسالة ،بيروت ،الطبعة األولى.
--174القطيفي ،أحمد بن صالح آل طوق (توفي بعد عام 1245هـ) ،رسائل آل طوق ،تحقيق ونشر:
شركة دار المصطفى إلحياء التراث ،الطبعة األولى2001 ،م.
--175القلقشندي ،أحمد بن علي (ت821 :هـ) ،صبح األعشى في صناعة اإلنشا ،تحقيق :محمد
حسين شمس الدين ،دار الكتب العلمية -بيروت -لبنان.
--176القمي ،علي بن إبراهيم القمي ،تفسير القمي ،تصحيح :السيد طيب الجزائري ،مؤسسة دار
الكتاب للطباعة والنشر ،الطبعة الثالثة1404 ،هـ.
--177القيرواني ،إبراهيم بن علي الحصري (ت453 :هـ) ،زهر اآلداب وتمر األلباب ،تحقيق :الدكتور
زكي مبارك ،دار الجيل للنشر والتوزيع والطباعة ،بيروت -لبنان ،الطبعة الرابعة1972 ،م.
--178الكاشاني ،محمد محسن بن مرتضى ،المعروف بالفيض الكاشاني (ت1091:هـ) ،الوافي،
مكتبة أمير المؤمنين (ع) -أصفهان1406 ،هـ.
--179الكاشاني ،نفسه ،مفاتيح الشرائع ،تحقيق :السيد مهدي الرجائي ،مجمع الذخائر اإلسالمية،
قم1401 ،هـ.
--180الكاشاني ،نفسه ،المحجة البيضاء في تهذيب اإلحياء ،تصحيح وتعليق :علي أكبر الغفاري،
مركز النشر اإلسالمي التابع لجامعة المدرسين ،قم -إيران.
--181كاشف الغطاء ،الشيخ محمد حسين (ت1373 :هـ) ،الفردوس األعلى ،تحقيق :السيد محمد
علي القاضي الطباطبائي ،مكتبة فيروز آبادي ،قم ،الطبعة الثالثة1402 ،هـ1982 /م.
--182كاشف الغطاء ،نفسه ،جنة المأوى ،دار األضواء ،بيروت -لبنان1988 ،م.
--183الكراجكي ،أبي الفتح محمد بن علي (ت449 :هـ) ،كنز الفوائد ،مكتبة المصطفوي ،قم ،الطبعة
الثانية1369 ،هـ .ش.
--184الكليني ،محمد بن يعقوب (ت329 :هـ) ،الكافي ،تحقيق :علي أكبر الغفاري ،دار الكتب
اإلسالمية ،إيران1388 ،هـ.
--185اللنكرودي ،محمد حسن المرتضوي (معاصر) ،الدر النضيد في االجتهاد واالحتياط والتقليد،
مؤسسة األنصاريان ،المطبعة العلمية ،قم -إيران ،الطبعة األولى1412 ،هـ.
--186مالك ،اإلمام مالك بن أنس (ت179 :هـ) ،المو ّطأ ،تحقيق :محمد فؤاد عبد الباقي ،دار إحياء
التراث العربي ،بيروت -لبنان1985 ،م.
--187المتقي الهندي ،عالء الدين علي المتقي بن حسام الدين الهندي975 888-( ،هـ) ،كنز العمال
في سنن األقوال واألفعال ،تحقيق :بكري ح ّياني وصفوة السقا ،مؤسسة الرسالة ،بيروت ،الطبعة
الخامسة1405،هـ1985 /م.
--188المتنبي ،أحمد بن الحسين ( ت 354هـ) ،ديوان أبي الطيب المتنبي ،تصحيح وتحقيق:
عزام ،دار الزهراء للطباعة والنشر ،بيروت -لبنان1978 ،م. عبد الوهاب ّ
335 فهرس المصادر والمراجع
--189المجلسي ،محمد باقر (ت1111 :هـ) ،بحار األنوار ،مؤسسة الوفاء -بيروت ،الطبعة الثانية،
1983م.
--190المجلسي ،نفسه ،مرآة العقول ،دار الكتب اإلسالمية -طهران.
--191المجلسي ،محمد تقي (ت1070 :هـ) ،روضة المتقين في شرح من ال يحضره الفقيه ،تحقيق:
السيد حسين الموسوي الكرماني والشيخ علي بناه االشتهاردي ،بنياد فرهنك إسالمي ،إيران.
--192محسني ،الشيخ آصف ،األحاديث المعتبرة في جامع أحاديث الشيعة ،الطبعة األولى ،قم -
إيران1409 ،هـ.
--193المدني ،السيد علي خان( ،ت1120 :هـ) رياض السالكين في شرح صحيفة سيد العابدين،
تحقيق السيد محسن الحسيني األميني ،مؤسسة النشر اإلسالمي ،قم -إيران ،الطبعة الرابعة،
1415هـ.
--194مرتضى ،جعفر ،مختصر مفيد ،المركز اإلسالمي للدراسات ،الطبعة األولى1424 ،هـ2003 /م.
المزي ،يوسف ،تهذيب الكمال في أسماء الرجال ،تحقيق :الدكتور بشار عواد معروف ،مؤسسة ّ --195
الرسالة ،بيروت -لبنان ،الطبعة الرابعة1406 ،هـ1985 /م.
--196المصري ،القاضي نعمان بن محمد بن منصور ،دعائم اإلسالم ،تحقيق :آصف بن علي أصغر
فيضي ،دار المعارف ،مصر1383 ،هـ1963 /م.
--197مطهري ،الشهيد مرتضى ،نظام حقوق المرأة في اإلسالم ،دار الكتب اإلسالمية ،ط ،1قم-
إيران2005 ،مـ.
--198المعري ،أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي (ت449 :هـ) ،ديوان أبي العالء المعري
(اللزوميات) ،قدم له :بكري الشيخ أمين ،وشاركه غريد الشيخ ،منشورات األعلمي
للمطبوعات ،بيروت -لبنان ،الطبعة األولى1999 ،م.
--199مغنية ،محمد جواد (ت1400 :هـ) ،التفسير الكاشف ،دار العلم للماليين ،بيروت ،الطبعة
الرابعة1990 ،م.
--200مغنية ،نفسه ،في ظالل نهج البالغة ،انتشارات كلمة الحق ،قم -إيران ،الطبعة األولى1427 ،هـ.
--201المفيد ،الشيخ محمد بن النعمان العكبري البغدادي (ت413 :هـ) ،أوائل المقاالت ،تحقيق:
الشيخ إبراهيم األنصاري ،دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع ،بيروت -لبنان ،الطبعة الثانية،
1993م.
--202المفيد ،نفسه ،اإلرشاد في معرفة حجج الله على العباد ،تحقيق :مؤسسة آل البيت(ع) إلحياء
التراث ،المؤتمر العالمي أللفية الشيخ المفيد ،قم -إيران ،الطبعة األولى1413 ،هـ1993 /م.
--203المفيد ،نفسه ،األمالي ،تحقيق :علي أكبر الغفاري ،جماعة المدرسين ،قم -إيران.
--204المفيد ،نفسه ،االختصاص ،تحقيق :علي أكبر الغفاري -السيد محمود الزرندي ،دار المفيد
للطباعة والنشر ،بيروت -لبنان ،الطبعة الثانية1414 ،هـ1993 /م.
--205المكي ،أبي طالب المكي (ت 386 :هـ) ،قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق
المريد إلى مقام التوحيد ،تحقيق :باسل عيون السود ،دار الكتب العلمية ،بيروت -لبنان ،الطبعة
األولى1417 ،هـ1997 /م.
المرأة في النص الديني 336
--206مكي ،السيد علي حسين ،بحوث في فقه الرجال ،تقرير ًا لدروس سماحة آية الله السيد علي
الفاني ،مؤسسة العروة الوثقى ،الطبعة الثانية ،بيروت -لبنان1414 ،هـ.
--207المناوي ،محمد عبد الرؤوف( ،ت1031 :هـ) ،فيض القدير في شرح الجامع الصغير ،تحقيق:
أحمد عبد السالم ،دار الكتب العلمية -بيروت ،الطبعة األولى1415 ،هـ.
--208النسائي ،أحمد بن شعيب (ت303 :هـ) ،السنن ،دار الفكر -بيروت ،الطبعة األولى1930 ،م.
--209النمازي ،الشيخ علي الشاهرودي (ت1405 :هـ) ،مستدركات علم الرجال ،طهران -إيران،
الطبعة األولى1412 ،هـ.
--210النوري ،الميرزا حسين (ت1320 :هـ) ،مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل ،مؤسسة آل البيت
إلحياء التراث ،قم ،الطبعة األولى1408 ،هـ.
--211النووي ،محيي الدين بن شرف (ت676 :هـ) ،شرح مسلم ،دار الكتاب العربي ،بيروت لبنان،
1987م.
--212نيتشه ،فريدريك ،هكذا تك ّلم زرادشت ،ترجمة :علي مصباح ،منشورات الجمل ،بيروت لبنان،
الطبعة األولى.
--213النيسابوري ،مسلم بن الحجاج (ت261 :هـ) ،صحيح مسلم ،دار الفكر -بيروت.
--214النيسابوري ،محمد بن عبد الله الحاكم (ت405 :هـ) ،المستدرك على الصحيحين ،تحقيق:
يوسف عبد الرحمن المرعشلي ،دار المعرفة ،بيروت -لبنان ال.ط.
--215النيسابوري ،محمد بن الفتّال (ت508 :هـ) ،روضة الواعظين ،منشورات الشريف الرضي ،قم-
إيران.
--216الهمذاني ،أحمد بن محمد (ت340 :هـ) ،البلدان ،تحقيق :يوسف الهادي ،عالم الكتب للطباعة
والنشر والتوزيع ،بيروت -لبنان ،الطبعة األولى1996 ،م.
--217الهيثمي ،علي بن أبي بكر( ،ت807 :هـ) ،مجمع الزوائد ،دار الكتب العلمية -بيروت1988 ،م.
--218الوائلي ،الشيخ أحمد( ،ت1424 :هـ) ،المرأة في اإلسالم (من محاضرات الشيخ أحمد
الوائلي) ،إعداد :مصطفى مرهون ،شركة دار المصطفى إلحياء التراث ،بيروت -لبنان ،الطبعة
األولى1431 ،هـ.
--219الواسطي ،علي بن محمد الليثي (القرن السادس الهجري) ،عيون الحكم والمواعظ ،تحقيق:
السيد حسين الحسني البيرجندي ،دار الحديث -قم ،الطبعة األولى1418 ،هـ.
--220الواقدي ،محمد بن عمر بن واقد (ت207 :هـ) ،المغازي ،تحقيق :الدكتور مرسدن جونس،
دانش إسالمي ،إيران1405 ،هـ.
--221الواحدي ،أبو الحسن النيسابوري (ت468 :هـ) ،الوجيز في تفسير الكتاب العزيز المعروف
بتفسير الواحدي ،تحقيق :صفوان عدنان داوودي ،دار القلم والدار الشامية ،الطبعة األولى،
1415هـ.
--222وكيع ،محمد بن خلف بن حيان (ت306 :هـ) ،أخبار القضاة ،عالم الكتب ،بيروت -لبنان.
الحرة ،موقع على األنترنت.
--223ويكيبيديا /الموسوعة ّ