Professional Documents
Culture Documents
Purity and Danger Summary
Purity and Danger Summary
ال نستطيع أبدا أن نكتفي من ترديد مقولة لوسيان ملسون":ان االنسان ليست له
طبيعة بل له تاريخ ".أي أن الطبيعة االنسانية كمجموعة من االمكانيات و االستعدادات
ال يمكن لها ان تتحقق و أن تصبح موجودة بالفعل اال بواسطة الثقافة كفضاء زمكاني
عام للتربية و التنشئة .لقد بينت بحوث االنثروبولوجيا و علم االجتماع كيف ان الكثير
من الظواهر المتعلقة باالنسان و التي نتعامل معها على انها موجودة بفعل الطبيعة هي
بالواقع ال تمت للطبيعة بصلة و انما تصارعت أطراف اجتماعية كثيرة لكي تلبسها
لباس الطبيعة ,و انه قد جرى تطبيعها لتبدو و كأنها طبيعة طبيعية( .العتوم)2012 >,
فالثقافة هي اذن سلطة رمزية طاغية كما رأى بورديو ,فهي التي تتولى مهمة
الحمل على االعتقاد و االقناع ,و اقرار رؤية ما دون غيرها ,و هي تمتلك قوة شبه
سحرية و قدرة هائلة على التعبئة ,اذا ما تحقق شرطها االساسي و هو ذلك المتعلق
باالعتراف بها و االعتراف بسلطة من ينطق بها ,الن ذلك هو مايعطي للكلمات قوتها
و يجعلها قادرة على حفظ السالم و استمراره ,فليست سلطة الكالم اال السلطة الموكولة
لمن فوض اليهم امر التكلم و النطق بلسان جهة معينة( .العتوم)2012 >,
يكشف كتاب ماري دوجالس الطهارة والخطر عن :تحليل مفاهيم التلوث
والمحرمات والمفهوم الثقافي للدنس ومعانيه الرمزية .فقد تتبعت نهج إميل دوركهايم
في تعريف األوساخ على أنها ليست اشياء في مكانها (كاتشب جيد في الزجاجة أو على
الطبق ،ولكن ليس على قميصي) .ما تفعله دوجالس هو ربط هذا التمييز بالتمييز بين
الخوف والقذارة (مصلحة طويلة األمد لألنثروبولوجيا البنيوية) >.وترى أن القذارة هي
مسألة ثقافية تحددها هياكل السلطة الفعلية والرمزية .و لها في هذا الكتاب تصورات
جريئة و بصيرة جول بناء الثقافة.
"الطهارة والخطر" هو تحقيق في مفاهيم مختلفة عن األوساخ في ثقافات مختلفة
،مما يدل على الطبيعة العرضية والمحددة اجتماعيا ً لما هو نظيف وما هو غير نظيف.
ال تكاد القذارة ان تكون في حد ذاتها تمثيال ,و تغرق في خوف محدد يمنع
االنعكاس :مع الدنس ندخل في عهد الرعب( >.دوجالس)1966 ,
تجادل دوجالس كذلك أنه ،على عكس المفاهيم السابقة في األنثروبولوجيا ،لم
يختف التمييز بين الخائفين والمدنسين في العصر الحديث ،بل تجلى في مصطلحات
"علمانية '' أخرى من النظيفة وغير النظيفة؛ تصورنا لما يشكل التلوث >.تعتقد دوجالس
ضا أن هذه المفاهيم تحمل شكاًل مشابهًا للنظام االجتماعي المحدد للمجموعة .وما
أي ً
يجعل "القذارة" هو ما يعتبر ً
شاذا ومخال ًفا للحدود الطبيعية .هذا يجعل المعاني الرمزية
للتلوث مرتبطة اجتماعيا وبالتالي نسبية)Cultural Reader, 2017( .
تجادل ماري دوجالس أن جميع الثقافات الحديثة لديها مفاهيم لما هو نقي وغير
نقي ونظيف ومحظور .وكتاب الطهارة و الخطر يمثل حجة أنثروبولوجية حول كيفية
إنشاء هذه المفاهيم .مبينة كيف أن الثقافات المختلفة لها عتبات النظافة الخاصة بها.
وف ًقا لدوجالس ،فإن تطور األنماط الثقافية هو مثال على كيفية قيام علماء
األنثروبولوجيا الغربيين بتأسيس نهج تنازلي تجاه الثقافات األخرى ،والتعبير عن
مركزيتهم األوروبية وتعزيز التمييز بين الثقافات كمراقببين للصحة العامة.
عمل دوجالس في الكتاب واسع النطاق ويتطرق إلى عدد من الثقافات واألمثلة
المختلفة .حجتها األساسية هي أن المشكلة الرئيسية التي تواجهها المجتمعات هي أن
العديد من األحداث يُنظر إليها على أنها غامضة وشاذة وأن هذه المادة يصعب تفسيرها
معرفيًا واجتماعيًا( .ليديا)2017 ,
القذارة هي جريمة ضد النظام المثالي للمجتمع وتعتبر خطرا يؤدي إلى العدوى.
رأت دوجالس أن القذارة هي مادة في غير مكانها وضد التمييز بين البدائيين والحديثين
،والحظت أننا جمي ًعا خاضعون لنفس القواعد( >.ليديا)2017 ,
ما القذارة و ما اسباب االشمئزاز منها و االسراع لتنظيف االشياء؟و قد يبدو من الوهلة
االولى ان االشياء القذرة تبدو قذرة في ذاتها و بذاتها ,فنحن نعرف ان االحذية قذرة حينما
نراها كذلك ,كما نعرف ان ايدينا تحتاج الى غسيل .كما نرى بقايا الطعام على السجاد ,و نرى
البقع على القمصان ,و السؤال الملح هنا هو لماذا نعتبر هذه االشياء قذرة؟ و لماذا نعتبر بقايا
طعام العشاء قذارة اذا ما سقطت على االرض؟ و ان من النظافة ان نضعها في سلة المهمالت
التي توضع بدورها على االرض فقط .ألو بمعنى أفضل و أوضح لماذا تعتبر االحذية قذارة
اذا وضعت على المنضدة و لكنها ال تعد قذارة و هي موضوعة على االرض؟ و اذا فكرنا في
هذه االمثلة فسوف يتضح لنا ان المسألة ليست بقايا الطعام او االتربة في ذاتها هي التي تستثير
االستجابة للقذارة و لكن موقع او مكان بقايا الطعام هو الذي يثير هذه االستجابة.
و يجب التوضيح اننا نجد انفسنا امام التعريف القديم للقذارة من انها اشياء في غير
موضعها ,و هذا مدخل يثير كثيرا من التساؤالت فهو يتضمن حالتين؛ االولى هي مجموعة من
العالقات المنظمة و الثانية عكس هذا النظام .فالقذارة ال يمكن ان تكون واقعة معزولة عن بقية
االشياء أو شيئا ال نظير له ،حيث توجد القذارة فال بد ان يكون هناك نسق معين يحيط بها؛
فالقذارة هي نتاج لحالة من التنظيم و التصنيف الرتيب لالشياء على اعتبار ان التنظيم يستبعد
العناصر الغير مناسبة.
و من وجهة النظر تلك تكون القذارة نسبية فالغبار ليس قذارة في ذاته و لكن القذارة
هي الغبار على السجادة .و كذلك ليس رماد السجائر في ذاته قذارة و لكن القذارة وجوده على
المقاعد؛ فالنظافة و القذارة يتوقفان على نسق تصنيف االشياء و مواقعها داخل هذا النسق .و
تؤكد دوجالس على ذلك قائلة "انها فكرة نسبية فاالحذية ليست قذارة في حد ذاتها و لكنها
قذارة اذا وضعت فوق مائدة الطعام .كما ان الطعام ليس قذارة في حد ذاته و لكن القذارة ان
نترك أواني الطعام في حجرة النوم او حين يلوث الطعام المالبس ،و بالمثل حين نرى أدوات
الحمام داخل حجرة الجلوس فهي قذارة .كذلك حين نضع االشياء داخل البيت و يجب ان
نتركها خارجه او حين تظهر المالبس الداخلية مكان المالبس الخارجية و ما الى ذلك .و
باختصار يمكن القول ان سلوكنا ازاء التلوث ليس اال استجابة ألي فكرة تتعارض مع
التصنيفات الراسخة في الذهن.
فالتصنيفات الالنهائية و النعوت و التعريفات التي تدخل في تسمية االشياء ،و تحويل
الوجود غير المتشكل للخبرات غير المنظمة الى واقع اجتماعي له معنى و كلها أشياء تبدو
متزامنة تصب داخل المغزى االخالقي :و المسألة هذه ليست مجرد القول "بان هذا الشيء هو
هذا الشيء" وان "ذاك الشيء هو ذاك الشيء" ولكن المسألة هي أن ذلك الشيء يوجد في
مكانه الصحيح و المالئم .فالواقع االجتماعي يحدد نفسه من خالل الوجود المطلق و االعتماد
على مجموعة كبيرة من القواعد و االساطير أو المعتقدات الدينية الرسمية.
فالنظافة او القذارة ليست فقط حالة في مكان او موقع محدد ،وال هي مجرد فرض أو
فكرة ادراكية خالصة كما انها ليست مجرد فضالت الطعام التي تعتبر نظيفة حينما تكون في
الطبق و تعتبر قذارة حينما توضع على المائدة ،و لكن النظافة و القذارة هي التي تجعلنا نقول
ان تلك الفضالت يجب ان تكون في الطبق و ليس على المائدة .فهناك اذا بعد اخالقي للواقع
هو الذي يثير السؤال المتعلق بالتصنيف و سوء التصنيف .كما انه يضع سؤاال عن الصواب و
الخطأ؛ فالتنظيم االخالقي له حدود مشتركة مع الواقع االجتماعي و تلك الحدود المشتركة لكل
منها وجود أخالقي وواقعي و حينما نقول ان هذا هو واقع االمور التي تكون بها االشياء ،فاننا
ال نصدر حكما واقعيا على التالؤم االلي للطبيعةو انما نصدر تقييما أخالقيا عن ذلك النظام.
فالنظام االخالقي متغلغل اذا في تنظيم الواقع و ترتيبه لدرجة ان االنشطة المختلفة
كالتصنيف و التنظيم ووضع االشياء في مكانها بصفة عامة تعمل كلها على تقوية البناء و
الواقع االجتماعي و المشاعر االخالقية أيضا؛ فهذا المكون االخالقي الذي يحدد الواقع داخل
التصنيفات المختلفة يصبح واضحا بصفة خاصة حين تكون االشياء في غير موضعها و في
هذه الحالة نكون مضطرين العادة ترتيب بنية االشياء و بالتالي نعمل على تقوية بنية الترتيب
االجتماعي و االخالقي .و من الواضح ان الشعائر الدينية التقليدية لها القدرة على دعم الترتيب
االجتماعي ،و لذا فهي تعتبر جزءا اساسيا من الذخيرة االجتماعية للشعائر و هذا يصدق على
اعمال مثل ترتيب المكتب او تنظيف المعطف او التنظيم بصفة عامة ،فمثل هذه االنشطة
الحياتية تحمل بداخلها معنى شعائرها .فالترتيب االخالقي يدعم نسق التصنيف المعرفي -كما
هو الحال فيما يتعلق بوضع االمور في مواضعها -و يعمل على تجديد ميكانزم الشعائر و هذا
هو ما أدركته دوجالس .و نالحظ في النظرية أيضا ان اي نشاط يتطلب قدرا من الترتيب الذي
غالبا ما يكون شيئا من الشعائر االجتماعية ذلك الن الفعل الذي يستخدم في اعادة تشكيل
الترتيب يعد وسيلة العادة تشكيل المجتمع و تكوينه؛ حيث ان المجتمع في حد ذاته ال يعني
شيئا غير العالقات االجتماعية المنظمة.
أما فيما يتعلق بالطهارة و الخطر فلقد نظرت الى هذه النقطة من خالل اتجاه التقابل
الذي يرى ان النظافة هي حالة من صحة تماثل شعائر التطهير في المجتمعات البدائية و التي
تظهر في الدين و السحر .و يجب ان نالحظ ان ممارستنا تعتمد بقوة وصالبة على الصحة و
هي كلها مرتبطة بالرموز ،فنحن نقتل الجراثيم :بينما تقوم المجتمعات البدائية بابعاد االروتح
الضارة ،ووجهة نظر دوجالس هنا تعني ان التلوث في عصرنا الحديث يسبب الخوف و القلق
لنا كما يخيف السحر و الشعائر االهالي في المجتمعات البدائية .ونالحظ أن االتجاه المعاصر
لتصنيف شعائر التلوث و ربطها بالصحة تعكس استخداماتنا لبعض المفهومات و التصورات>
المتعلقة بالواقع المطلق او الالمحدوج (العلم و الطب) و ذلك لكي نقنن و نبرر الترتيب
االجتماعي( .وشنو و آخرون)2009 ,
و لكن في بعض االحيان توضع هذه القوانين جانبا الظهار الصداقة ,فالسلوك الذي
يؤدي عادة الى التلوث او الالنظافة يكون أحيانا مقصودا من اجل اظهار االحترام – تحت
ظروف محددة يظهر الفرد به موضعيته الدونية .على سبيل المثال :نرى خضوع الزوجة تجاه
زوجها عبر طقوس و اكلها من صحن زوجها بعد أن ينتهي من الطعام في مجتمع الهافيك.
فما هو بالنسبة لشيء قد يكون ملوثا نسبة الخر و العكس.
"فالقداسة و عدم القداسة في النهاية ال يجب أن تكونا متضادين مطلقين"
" مرعلى الحاضرين باناء من فضة خاص يستخدم فقط للعبادة ,و سكب في اليد اليمنى
ليشرب كشراب مقدس مشيرا انها كانت بحالة اله بدال من كونها بشرا >...الشيء االكثر لفتا
للنظر و التعبير االكثر شيوعا في احترام -التلوث هو استخدام روث البقر كاداة للتنظيف .تعبد
نساء الهافيك األبقار يوميا والرجال يعبدونها في بعض المناسبات االحتفالية >...و يقال ان
االبقار الهة ,او اكثر من الف اله يعيشون في اجسادها .االوساخ البسيطة تزال بالماء ,لكن
الدنس يزال بالماء و روث االبقار .روث البقر كروث اي حيوان اخر غير طاهر و يسبب
النجاسة – حتى انه يدنس اله ,ولكنه مقدس لبشر فان .ادنس جزء من البقرة يعتبر نقيا حتى
لكاهن براهيمي ليزيل فيه هذا االخير الدناسة".
و لو توقفنا لبرهة و فكرنا بطريقة تحليلية منطقية فال يمكن ان يخلق هللا االنسان الذي
كرمه عن جميع المخلوقات من نجاسة .الوعاء الذي يحوي و يحتوي الجنين و يغذيه حتى
يخرج للحياة و الذي فيه ينفخ هللا الروح في االجنة حتى تتخلق يوصم بالنجاسة ,و يوصم بان
هللا اختاره كعذاب للمرأة بسبب خطيئتها االولى و انزالها ادم من الجنة .اسرائيليات و خرافات
اجتاحت عقولنا و بتنا نعمل بها و نستنبطها دونما ادراك و ليس هذا فحسب بل توارثناها و
سنقوم بتوريثها الوالدنا .اما ان لنا ان نصحو من هذه الخرافات؟
وفقا لروبرتسون سميث فان الثقافة االنسانية تتوارث و تستمر و تجدد كينونتها
ووجودها عبر الزمن .فأفكار المجتمع القديم تتغلغل في أرواح األجيال المتتالية و تبقى
معتقداتهم و يبقون متمسكين بها .ان شيئا مما زلنا نفعله و نؤمن به متحجرfossil؛ ال معنى له,
في أعمال حياتنا اليومية .و سأعطي مثاال من مجتمعنا :مثل اللعب بالمقص او االحذية
المقلوبة.
ولكن بمراجعة كثير من النصوص – وبمراجعة تأويالتها الفقهية – يختلف األمر ،إذ
نجد أنفسنا أمام نصوص وتمثالت تجعل المرأة في حالة دونية بسبب عدم طهارتها أو فتنتها
الجسدية ،فهي دائمة التأرجح بين حالة الطهر Purityوالالطهر Impurityعلى عكس
الرجل .وهذان المفهومان – كما نعلم – أساسيان في المنظومة الدينية وعالم القداسة .كما أن
المرأة تظل مصدر الفتنة الشيطانية من منظور المعتقدات الدينية الشعبية السائدة.
وقد أوضحت العديد من الدراسات األنثروبولوجية أن دونية وضع األنثى مقارنة بوضع
الذكر تنتشر على نطاق واسع في معظم المجتمعات ،فقد كشف التراث األنثروبولوجي أن
الذكور في ثقافات كثيرة يعتقدون أنهم أعلى مقاما ً ومنزلة من الناحية الروحية من اإلناث ،وأن
اإلناث كائنات خطرة ودنسة وضعيفة ،وأنهن غير جديرات بالثقة ،ونتيجة لذلك تظل األنثى
خاضعة ومستعبدة ،وغالبا ما تقبل األنثى مكرهة المبررات التي يسوغها الذكور للمحافظة
على ذلك الوضع.
وكان السؤال المحوري الذي حاول علماء االجتماع واألنثروبولوجيا اإلجابة عنه هو:
لماذا يُنظر للمرأة في معظم المجتمعات تلك النظرة العنصرية التمييزية؟ وقد بذل العلماء جهدا
مشكورا لسبر أغوار تلك القضية وإجالء أبعادها المختلفة.
كشف البحث األنثروبولوجي أن تلك النظرة للمرأة ككيان دنس ترتبط ارتباطا ً مباشراً
بالظواهر العضوية الطبيعية التي تكابدها كالحمل والوالدة والحيض والنفاس ،وقد الحظت
عالمة األنثروبولوجيا الكبيرة «ماري دوجالس» Mary Douglasبعد فحصها لثقافات
مختلفة أن الحيض يوحي بالموت والدنس والخوف :الخوف خصوصا ً مما يمثله دم الحيض من
توقف الخصوبة أو انتهائها ،من هنا تأتي ضرورة أن تبتعد الحائض عن كل ما يمثل التكاثر أو
االختمار.
إن جسد المرأة إذن هو األكثر خضوعا لمسألة الطهارة ،مقارنة بالرجل ،إذ أن تكوينها
البيولوجي يجعلها في حاالت تدنيس يدعوها إلى التطهر كي تصبح جديرة بممارسة طقوسها
الدينية ،وتعد المرأة مدنسة مؤقتا نظرً ا للدم الذي يسيل منها.
ومن الجدير بالذكر في هذا السياق أن للدم في المعتقد الشعبي في معظم المجتمعات
اإلنسانية بنية رمزية عميقة وثرية ،فقد حثت كثي ٌر من المعتقدات الشعبية على تجنب أماكن
الدم ،وسواء أكان الدم آدميًا أو حيوانيًا ،فهو مصدر لقوى غيبية شريرة ،ويعد الدم اآلدمي ذا
حمولة رمزية أسطورية أكثر من غيره ،فالدم قرين بالحياة والموت ،ورؤيته التدع أح ًدا في
موقف الحياد ،وتعكس األساطير والتمثالت حول الدم في الثقافات اإلنسانية قيمة هذا الدم
الرمزية الخطيرة ،فنالحظ أحيا ًنا أن الدم حين يتعلق األمر بالرجل فهو مرتبط بالشرف
والقرابة األبوية والتضحية وعقد العهود ،أما حين يتم الحديث عن دم النساء فإنه يحيل مباشرة
إلى عالم الدنس.
إن عدم إحاضة المرأة في موعدها الشهري يعد إيذانا بالخصوبة والحياة عبر الحمل
بمولود جديد بالنسبة إلى المرأة المتزوجة ،بينما يكون األمر عكس ذلك في الحالة األخرى ،إذ
أن استمرار حيضها يعني أن الدم السائل عقيم ،وهو دليل على فشل عملية اإلخصاب الطبيعية؛
فهو لذلك يعد دمًا فاس ًدا .وعلى المجتمع أن يعمل على إبعاد المرأة – في تلك الحالة – عن
ممارسة حياتها العادية ،باالختفاء عن األنظار وانتظار طهارتها ،إذ يجب سجنها في مكان بعيد
وإبعادها عن الجماعة كي ال تدنسها ،وال تعود إلى ممارسة نشاطها إال بعد أن تصبح كائ ًنا
اجتماعيًا من جديد.
إن ثمة صالت رمزية وثيقة تنسج بين جسد المرأة وبيئتها ،وتؤثر على العمليات
الطبيعية أو على أعمالها المعتادة ،كما لو كان للجسد الحائض القدرة على االنتشار خارج
حدوده ،لكي يغير أيضا ً ترتيب أمور الحياة« :خالل دورتها – تالحظ األنثروبولوجية> الفرنسية
فيردييه – أن المرأة لكونها غير خصبة ،فإنها تعطل كل عملية تحوّ ل تستدعي اإلخصاب».
وقد كشفت دراسة أنثروبولوجية> للباحث أن الجسد األنثوي – وفقا ً للمعتقد الشعبي
العربي – هو جسد مدنس Profaneوترتبط تلك الدناسة بدخول األنثى مرحلة النضج
والبلوغ ،وما يرتبط بذلك من ظواهر عضوية متعلقة بالدم كالحيض والنفاس >.أما الجسد
األنثوي قبل تلك المرحلة -الطفولة -وبعدها -وهو ما يعرف بسن اليأس -فهو جسد طاهر نقي
برئ .فكأن الدناسة مرتبطة بدم الحيض والنفاس ،فالمعتقد الشعبي ال يرى ذلك عرضا ً طبيعياً،
وإنما يراه مصدراً للنجاسة.
واستناداً إلى ذلك ،فإن ممارسة المرأة – أثناء فترة الحيض -ألنشطة معينة ،وفق
المعتقد الشعبي – في مناطق الدراسة – تؤدي إلى فسادها ،ولذلك ال ينبغي للمرأة الحائض أن
تمارس تلك األنشطة ،بل يجب أن تعزل تماما ً عن فضاءات تلك األنشطة ،فال يجب على
المرأة أن تقترب من صناعة المربى – مثال – ألنها ستسبب عدم تخمرها؛ ألن وجودها
يستدعي مخلوقات «جنية» -شيطانية -تفسد إتمام العملية ،كما عليها أال تجلس في الحديقة أو
حتى تمر عليها؛ ألنها ستعرض المزروعات للتلف والتدمير ،إنها ستفسد كل الخضروات
والفواكه التي تمر بها ،وتترك الحديقة خاوية على عروشها،وال ينبغي للمرأة أن تجلب المياه
من البئر؛ ألن المياه سوف تجف ،أو على األقل ستفسد حيث يمتلئ البئر الديدان .كما تمنع
المرأة من حلب البقرة أو غيرها من الحيوانات؛ ألنها قد تسبب انقطاع اللبن من البقرة.
(عبدالعظيم)2019 ,
التلوث و الخوف:
الخوف من التلوث يماثل الخوف من االنحراف االخالقي فاالحذية ال يجب ان توضع
فوق المنضدة >,و بالمثل يجب تحريم االتصال الجنسي بين الوالدين و االوالد اذ كل من هذين
النمطين من انماط السلوك يتضمن قواعد سلوكية في غير موضعها المناسب ،كما انها تشكل
تهديدا للبناء االخالقي االكبر داخل المكان الذي حدد تلك االنماط السلوكية ،و لالنحراف و
القذارة جانبان أحدهما وظيفي و االخر معياري ،و الطريقة التي نستجيب بها لهما تعتبر أساسا
من أهم أسس الميكاتيزمات االجتماعية التي تعمل على تجديد و اعادة تصنيف الحدود و
القواعد االخالقية .و نالحظ في مبادئنا االخالقية وجود ردود فعل بداخلنا و بداخل االخرين
لخرق القواعد االجتماعية.
"يأتي الدنس من سوائل الجماع ,الحيض ,والدة الطفل ,و من الجثث ,و من دم العدو.
كل ما ذكر يعتبر مثيرا لالشمئزاز و خاصة سوائل الجماع التي تعتبر خطيرة على طفل
رضيع( ".الصفحة )177
االتصال بدم الحيض خطير للرجل ،خاصة ان كان محاربا ،وصوال الى المنع من اعداد
الطعام للرجل في فترة الحيض.
الخاتمةE:
ُنشرت ،الطهارة والخطر ،بقلم ماري دوغالس ،في األصل عام 1966
وهي رسالة عن مفاهيم الطهارة والنجاسة في مجتمعات وثقافات مختلفة .يعتبر على
نطاق واسع من الكالسيكيات في مجال األنثروبولوجيا الثقافية .دوغالس (-1921
، )2007عالمة أنثروبولوجيا بريطانية مهتمة بمقارنة األديان ،ناقشت فكرة أن
األوساخ مقيتة بالنسبة لنا ألنها "مسألة في غير محلها" .و درست القواعد الغذائية
والطقوس الدينية والمحرمات االجتماعية والجنسية في مجموعة متنوعة من الثقافات
البدائية والحديثة على حد سواء إلظهار كيف يعبرون عن معتقدات المجتمع حول نفسه
والنظام الكوني.
وف ًقا لدوغالس ،فإن معتقداتنا حول األوساخ تدور في األساس حول النظام ؛
أنها تنطوي على تصنيف منهجي للمادة .تتجنب المجتمعات أطعمة أو حيوانات أو مواد
معينة ألنها شذوذ -أشياء تقع خارج النظام .تكمن ممارسة نبذ األشياء الشاذة أو
الغامضة وراء القواعد الغذائية القديمة لليهودية باإلضافة إلى العديد من عادات النقاء
للشعوب األصلية في األمريكتين وإفريقيا وأوقيانوسيا.
يشير "خطر" العنوان إلى الشر المتأصل في األشياء غير النقية ،وبالتالي ،
العواقب السيئة التي يعتقد أنها ستنجم عن خرق القانون األخالقي .يمكن أن يؤدي
االقتراب من أشياء أو مواد أو فئات من الناس غير النقية إلى تدنيس الشخص أو
مجتمعه .السحر يتضمن معتقدات حول القوى الروحية التي يمكن أن تتحرر بفعل
اإلنسان .في الواقع ،تركز العديد من المعتقدات البدائية على القوى الموجودة في الكون
والتي ترتبط بالسلوك البشري.
تمت كتابة الطهارة والخطر بأسلوب أكاديمي وموجه قبل كل شيء نحو الزمالء
المتخصصين في هذا المجال .ومع ذلك ،يُشرك الكتاب أيضًا القراء العاديين المهتمين
باألنثروبولوجيا أو الدين المقارن أو فلسفة العلم >.تساعد الطهارة والخطر القارئ على
رؤية العادات العادية في ضوء جديد والتساؤل عن "طقوسنا" اليومية للنظافة ،مع
االستنتاج بأن السعي إلى النقاء هو أمر عالمي.
المراجع:
دوغالس ,ماريPurity and Danger, ,1966 ,دراسة منشورة ,طبعة الكترونية, -
نيويورك :تايلور و فرانسيس جروب
العتوم ,ميسون ,2012 ,حفريات في ذاكرة النساء ،الطبعة االولى ,عمان :مطابع -
الدستور التجارية
عبدالعظيم ,حسني ,2019,الجسد األنثوي> وجدلية الطهارة والدناسة ,دراسة منشورة ,معنى23 , -
نوفمبر> :2020الساعة 10مساءا
وشنو ,هنتر ,وآخرون ,2009 ,التحليل الثقافي ,الطبعة االولى ,مصر :مكتبة االسرة -
Curti, Lidia, (2017), The Intimacy of Strangers, Journal of Global -
.Culture, December 9th 2020, 6:.. P.M
Author, (2017), Great Short Summary of Purity and Danger by -
.Marry Douglas, Cultural Reader, January 1st 2020, 2:00 P.M
-