Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 6

‫‪‬‬

‫بحث عن‬
‫‪‬‬ ‫تابعنا‬
‫اإلثنين‪ ,‬نوفمبر ‪ 2020 23‬‬
‫‪‬‬ ‫الرئيسية‬
‫‪‬‬ ‫من نحن‬
‫‪‬‬ ‫اتصل بنا‬
‫‪‬‬ ‫تسجيل الدخول‬
‫‪‬‬ ‫التسجيل‬
‫‪‬‬ ‫صفحة الكتاب‬
‫‪‬‬
‫الرئيسية‪/‬مقاالت*‪/‬الجسد األنثوي وجدلية الطهارة والدناسة – د‪.‬حسني إبراهيم عبدالعظيم‪ ‬‬
‫مقاالت‬

‫الجسد األنثوي وجدلية الطهارة والدناسة –‬


‫د‪.‬حسني إبراهيم عبدالعظيم‬
‫د‪.‬حسني إبراهيم عبد العظيم‪ 2‬مايو‪2019 ،‬‬

‫دقائق ‪ 7‬‬
‫‪FacebookTwitter‬‬
‫يمثل الجسد اإلنساني واحدًا من الموضوعات* الحديثة في علم االجتم**اع‪ ،‬وق**د ب**دأت دراس**ات الجس**د تتخ**ذ منزل**ة‬
‫مرموقة ومتنامية في علم االجتماع – وفي غيره من العلوم االجتماعية واإلنسانية – منذ ثمانينات القرن الماض**ي‪،‬‬
‫وق**د أدى ذل**ك االهتم**ام بالجس**د إلى ظه**ور ف**رع جدي**د من ف**روع علم االجتم**اع يس**مى علم اجتم**اع الجس**د أو‬
‫‪ Sociology of the Body.‬سوسيولوجيا الجسد‬

‫فالمالحظ أن االهتمام السوسيولوجي بالجسد يعد أمراً حديثا ً نس**بياً‪ ،‬فح**تى ح**دود الس**تينات من الق**رن الماض**ي لم‬
‫يكن الجسد كموضوع* معرفة سوسيولوجية يحظى بمكانة «الموضوع المحوري أو األساسي» ب**ل على العكس من‬
‫ذل**ك ك**ان حض**وره‪ ،‬ال يتج**اوز مس**توى الحض**ور المض**مر االفتراض**ي‪ ،‬أو مس**توى مح**ور ض**من المح**اور‬
‫كان الجسد مادة ‪» Jean M. Berthelot‬المدروسة‪ ،‬أو كما يقول عالم االجتماع الفرنسي «جون ميشيل بيرتلو‬
‫‪ Le Corps est un objet sociologique eclipse.‬سوسيولوجية خافتة‬

‫والحق أن ثمة أسبابًا عديدة إلقصاء الجسد عن التحليل السوسيولوجي لعل من أهمها – وأطرفها في ذات الوقت –‬
‫ما يمكن أن نطلق عليه «النشأة الذكورية لعلم االجتماع» فتأسيس علم االجتماع كان مشروعا ً اجتماعيا ً – معرفي *اً‪،‬‬
‫كما كان مشروعا ً أنجزه «رجال»‪ .‬فربما كان للمخاطر التي تواجهها المرأة أثناء الحمل‪ ،‬عدد النساء الالئي ي ُم ْتـن‬
‫أثناء الوالدة‪ ،‬نسب وفيات المواليد الكبيرة التي ميزت الثورة الصناعية أن تتضح عبر اهتمام أكبر بالجسد لو ك**ان‬
‫‪.‬اآلباء المؤسسون لعلم االجتماع – ماركس وسيمل‪ ،‬وفيبر ودوركايم – نسا ًء‬

‫وقد تأخر االهتمام بالجسد في الفضاء األكاديمي العربي كثيرًا‪ ،‬نظ ًرا لتلك التصورات العميقة الكامنة في الوج**دان‬
‫الشعبي والديني بارتباط الجسد بالشهوانية والخطيئة واالنحطاط‪ ،‬خاص**ة عن**دما يتم مقارنت**ه بمفه**وم ال**روح حيث‬
‫الطهر والسمو والنقاء‪ ،‬فكل المقاربات الش**عبية – والفقهي**ة أيض**ا – تُعلي من قيم**ة ال**روح كمس**تودع للقيم العلي**ا‪،‬‬
‫‪.‬وتحط من قيمة الجسد بوصفه مصد ًرا للشهوات والرذائل‬

‫وإذا كان األمر كذلك بالنسبة للجسد بوجه عام‪ ،‬فإن تلك النظرة تتجلى في أوضح صورها فيما يتعلق بجسد الم**رأة‬
‫‪.‬باعتباره مصدر الغواية والشهوانية‪ ،‬وطريق الرجل لسوء السلوك وسوء الخاتمة أيضا‬

‫وثمة تصورات عديدة عن الجسد األنثوي في الوعي الشعبي العربي – وفي معظم المجتمعات التقليدية – أحد ه**ذه‬
‫التصورات وأوسعها انتشا ًرا – وأكثرها قسوة بطبيعة الحال – هو االعتقاد بأن الجسـد األنثوي جسد مدنس‪ ،‬يعيش‬
‫‪.‬بمنأى عن عالم القداسة والطهر والسمو‬

‫والحقيقة أن ذلك التصور يحمل في طياته ظل ًما وهض ًما بالغين للمرأة‪ ،‬فالمنظور السوس**يولوجي يؤك**د أن القداس**ة‬
‫والدناسة ال جنس لهما‪ ،‬أي أنهما ليستا سمة (حصرية) ألحد الجنسين‪ ،‬بل هم**ا في الواق**ع مج**رد تص**نيفات ثقافي**ة‬
‫‪.‬ترتبط بالسياق التاريخي واالجتماعي لكل مجتمع‬
‫ولكن بمراجعة كثير من النصوص – وبمراجعة تأويالتها الفقهية – يختل**ف األم**ر‪ ،‬إذ نج**د أنفس**نا أم**ام نص**وص‬
‫وتمثالت تجع**ل الم**رأة في حال**ة دوني**ة بس**بب ع**دم طهارته**ا أو فتنته**ا الجس**دية‪ ،‬فهي دائم**ة الت**أرجح بين حال**ة‬
‫على عكس الرجل‪ .‬وهذان المفهومان – كما نعلم – أساسيان في المنظومة ‪ Impurity‬والالطهر‪Purity  ‬الطهر‬
‫‪.‬الدينية وعالم القداسة‪ .‬كما أن المرأة تظل مصدر الفتنة الشيطانية من منظور المعتقدات الدينية الشعبية السائدة‬

‫وقد أوضحت العديد من الدراسات األنثروبولوجية أن دونية وضع األنثى مقارنة بوضع ال**ذكر تنتش**ر على نط**اق‬
‫واسع في معظم المجتمعات‪ ،‬فقد كش**ف ال**تراث األن**ثروبولوجي أن ال**ذكور في ثقاف**ات كث**يرة يعتق**دون أنهم أعلى‬
‫مقاما ً ومنزلة من الناحية الروحية من اإلناث‪ ،‬وأن اإلناث كائن*ات خط*رة ودنس**ة وض**عيفة‪ ،‬وأنهن غ*ير ج*ديرات‬
‫بالثقة‪ ،‬ونتيجة لذلك تظل األنثى خاضعة ومستعبدة‪ ،‬وغالبا ما تقبل األنثى مكرهة المبررات ال*تي يس*وغها ال*ذكور‬
‫‪.‬للمحافظة على ذلك الوضع‬

‫وكان السؤال المحوري الذي حاول علماء االجتماع واألنثروبولوجيا اإلجابة عنه هو‪ :‬لماذا يُنظر للمرأة في معظم‬
‫المجتمعات تلك النظرة العنصرية التمييزية؟ وق**د ب**ذل العلم**اء جه**دا مش**كورا لس**بر أغ**وار تل**ك القض**ية وإجالء‬
‫‪.‬أبعادها المختلفة‬

‫كشف البحث األنثروبولوجي أن تلك النظرة للمرأة ككيان دنس ترتبط ارتباطا ً مباشراً بالظواهر العضوية الطبيعية‬
‫»التي تكابدها كالحمل والوالدة والحيض والنفاس‪ ،‬وقد الحظت عالم**ة األنثروبولوجي**ا الكب**يرة «م**اري دوجالس‬
‫بعد فحصها لثقافات مختلفة أن الحيض يوحي بالموت والدنس والخوف‪ :‬الخوف خصوصا ً مما ‪Mary Douglas‬‬
‫يمثله دم الحيض من توقف الخصوبة أو انتهائها‪ ،‬من هنا تأتي ضرورة أن تبتعد الحائض عن كل ما يمث**ل التك**اثر‬
‫‪.‬أو االختمار‬

‫إن جسد المرأة إذن هو األكثر خض**وعا لمس**ألة الطه**ارة‪ ،‬مقارن**ة بالرج**ل‪ ،‬إذ أن تكوينه**ا ال**بيولوجي يجعله**ا في‬
‫حاالت تدنيس يدعوها إلى التطهر كي تصبح جديرة بممارسة طقوسها الدينية‪ ،‬وتعد المرأة مدنسة مؤقتا نظرًا للدم‬
‫‪.‬الذي يسيل منها‬

‫ومن الجدير بالذكر في هذا السياق أن للدم في المعتقد الشعبي في معظم المجتمع*ات اإلنس*انية بني*ة رمزي*ة عميق*ة‬
‫وثرية‪ ،‬فقد حثت كث*ي ٌر من المعتق*دات الش*عبية على تجنب أم*اكن ال*دم‪ ،‬وس*واء أك*ان ال*دم آدميً*ا أو حيوانيً*ا‪ ،‬فه*و‬
‫مصدر لقوى غيبية شريرة‪ ،‬ويع**د ال**دم اآلدمي ذا حمول**ة رمزي**ة أس**طورية أك**ثر من غ**يره‪ ،‬فال**دم ق**رين بالحي**اة‬
‫والموت‪ ،‬ورؤيته التدع أحدًا في موقف الحياد‪ ،‬وتعكس األساطير والتمثالت حول الدم في الثقافات اإلنس*انية قيم*ة‬
‫هذا الدم الرمزية الخطيرة‪ ،‬فنالحظ أحيانًا أن الدم حين يتعلق األمر بالرجل فهو مرتبط بالش**رف والقراب**ة األبوي**ة‬
‫‪.‬والتضحية وعقد العهود‪ ،‬أما حين يتم الحديث عن دم النساء فإنه يحيل مباشرة إلى عالم الدنس‬
‫إن عدم إحاضة المرأة في موعدها الشهري يعد إي**ذانا بالخص**وبة والحي**اة ع**بر الحم**ل بمول**ود جدي**د بالنس**بة إلى‬
‫المرأة المتزوجة‪ ،‬بينما يكون األمر عكس ذلك في الحالة األخ**رى‪ ،‬إذ أن اس**تمرار حيض**ها يع**ني أن ال**دم الس**ائل‬
‫عقيم‪ ،‬وهو دليل على فشل عملية اإلخصاب الطبيعية؛ فهو لذلك يعد د ًما فاسدًا‪ .‬وعلى المجتمع أن يعمل على إبع**اد‬
‫المرأة – في تلك الحالة – عن ممارسة حياتها العادية‪ ،‬باالختف*اء عن األنظ*ار وانتظ*ار طهارته*ا‪ ،‬إذ يجب س*جنها‬
‫في مكان بعيد وإبعادها عن الجماعة كي ال تدنسها‪ ،‬وال تعود إلى ممارسة نشاطها إال بعد أن تصبح كائنًا اجتماعيًا‬
‫‪.‬من جديد‬

‫إن ثم**ة ص**الت رمزي**ة وثيق**ة تنس**ج بين جس**د الم**رأة وبيئته**ا‪ ،‬وت**ؤثر على العملي**ات الطبيعي**ة أو على أعماله**ا‬
‫المعتادة‪ ،‬كما لو كان للجسد الحائض القدرة على االنتش**ار خ**ارج ح**دوده‪ ،‬لكي يغ**ير أيض*ا ً ت**رتيب أم**ور الحي**اة‪:‬‬
‫«خالل دورتها – تالحظ األنثروبولوجية الفرنسية فيردييه – أن المرأة لكونها غير خصبة‪ ،‬فإنها تعطل كل عملي**ة‬
‫‪».‬تح ّول تستدعي اإلخصاب‬

‫وقد كشفت دراسة أنثروبولوجية للب**احث أن الجس**د األنث**وي – وفق*ا ً للمعتق**د الش**عبي الع**ربي – ه**و جس**د م**دنس‬
‫وترتبط تلك الدناسة بدخول األنثى مرحلة النضج والبلوغ‪ ،‬وما يرتبط بذلك من ظواهر عضوية متعلقة ‪Profane‬‬
‫بالدم كالحيض والنفاس‪ .‬أما الجسد األنثوي قبل تلك المرحلة ‪-‬الطفولة‪ -‬وبعدها‪ -‬وهو ما يع**رف بس**ن الي**أس‪ -‬فه**و‬
‫جسد طاهر نقي برئ‪ .‬فكأن الدناسة مرتبطة بدم الحيض والنفاس‪ ،‬فالمعتقد الش**عبي ال ي**رى ذل**ك عرض*ا ً طبيعي*اً‪،‬‬
‫‪.‬وإنما يراه مصدراً للنجاسة‬

‫واستناداً إلى ذلك‪ ،‬فإن ممارسة المرأة – أثناء ف*ترة الحيض‪ -‬ألنش*طة معين*ة‪ ،‬وف*ق المعتق**د الش**عبي – في من*اطق‬
‫الدراسة – تؤدي إلى فسادها‪ ،‬ولذلك ال ينبغي للمرأة الحائض أن تمارس تل**ك األنش**طة‪ ،‬ب**ل يجب أن تع**زل تمام*ا ً‬
‫عن فض*اءات تل*ك األنش*طة‪ ،‬فال يجب على الم**رأة أن تق**ترب من ص**ناعة الم**ربى – مثال – ألنه*ا ستس*بب ع**دم‬
‫تخمرها؛ ألن وجودها يستدعي مخلوقات «جنية» ‪-‬شيطانية‪ -‬تفسد إتمام العملية‪ ،‬كم**ا عليه**ا أال تجلس في الحديق**ة‬
‫أو حتى تمر عليها؛ ألنها ستعرض المزروعات للتلف والتدمير‪ ،‬إنها ستفسد ك**ل الخض**روات والفواك**ه ال**تي تم**ر‬
‫بها‪ ،‬وتترك الحديقة خاوية على عروشها‪،‬وال ينبغي للمرأة أن تجلب المي*اه من الب*ئر؛ ألن المي*اه س*وف تج*ف‪ ،‬أو‬
‫على األقل ستفسد حيث يمتلئ البئر الديدان‪ .‬كما تمن**ع الم**رأة من حلب البق**رة أو غيره**ا من الحيوان**ات؛ ألنه**ا ق**د‬
‫‪.‬تسبب انقطاع اللبن من البقرة‬

‫إن القراءة المتعمقة لمجموعة «المحرمات» السابقة تكشف عن وجود أفكار راسخة في الوعي الشعبي تدور حول‬
‫دناسة الجسد األنثوي‪ ،‬وامتداد تأثيره إلى ما يحيط به‪ ،‬حيث يفس*د ك*ل م*ا يالمس*ه‪ ،‬ول*ه الق*درة على تغي*ير طب*ائع‬
‫‪.‬األشياء‬
‫والحقيقة أن تلك الصورة النمطية للجسد األنث**وي – كجس*د م*دنس – ال تقتص**ر على المجتمع*ات العربي**ة بطبيع*ة‬
‫الحال‪ ،‬وإنما تنتشر في كل الثقافات التقليدية‪ ،‬بل إنها كانت سائدة في المجتمعات الغربية حتى القرن الثامن عش**ر‪،‬‬
‫‪.‬وبدايات القرن التاسع عشر‬

‫وقد حاول الباحثون في السوسيولوجيا واألنثروبولوجيا تفسير تلك األفكار المتعلقة بدناسة الجسد األنثوي‪ ،‬والبحث‬
‫عن مصادرها التاريخية والفكرية‪ ،‬وكشفت معظم الدراسات أن هذه األفكار ترتد في ج**انب كب**ير منه**ا إلى تع**اليم‬
‫‪«.‬تـوراتـيـة» قديمة تعود بدورها إلى «ميثولوجيا» وأفكار بعض الحضارات القديمة التي عاصرها بنو إسرائيل‬

‫وه*و أح*د أعالم سوس*يولوجيا الجس*د – أن بعض اإلش*كاليات –‪» (Bryan Turner )  ‬يعتقد «ب**راين ت**يرنر‬
‫المعاصرة للجسد األنثوي تمثل ميراثا ً للخط**اب ال*ديني الق*ديم المتعل*ق بالجس*د‪ ،‬خاص**ة م**ا ورد في العه**د الق**ديم‪،‬‬
‫وبعض مرويات العهد الجديد من تحامل شديد على المرأة‪ ،‬ووصف الجسد اإلنساني – وخاصة ‪ ‬الجسد األنث**وي –‬
‫‪.‬بأنه رمز للخطيئة والشر والضعف مما أدى إلى سقوط آدم وخروجه من الجنة‬

‫ومن الجدير بالذكر في هذا اإلطار أن كل األفكار المتعلقة بدناسة ‪ ‬المرأة في الفكر اإلس**المي ق**د تس**ربت إلي**ه من‬
‫نصوص العهد القديم‪ ،‬وال أساس لها في اإلسالم‪ .‬فالقرآن الك**ريم – وه**و النص المهيمن في الفك**ر اإلس**المي – لم‬
‫يقر مطلقا ً فكرة دناس*ة الم**رأة أو دونيته*ا‪ ،‬ويص**ف الحيض بأن*ه «أذى» أي مس*ألة عض*وية ق*د ينتج عنه*ا بعض‬
‫األضرار الصحية‪ ،‬أما الجسد اإلنساني بصفة عامة – سواء أكان ذكراً أم أنثى – فهو وفق التصور الق**رآني جس**د‬
‫طاهر نقي‪ ،‬ألن به نفحة من روح هللا تعالى‪ ،‬فقد ورد في القرآن الكريم «وإذ ق**ال رب**ك للمالئك**ة إني خ**الق بش**راً‬
‫من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين» سورة ص(‪)72 –71‬‬

‫لقد ذكرت في صدر المقال أن معظم الدراسات كش*فت عن أن األفك*ار المتعلق*ة بدوني*ة الم*رأة ودناس*تها ترت*د في‬
‫جانب كبير منها إلى تعاليم «تـوراتـيـة» تعود بدورها إلى «الميثولوجيا» الموجودة في بعض الحض**ارات القديم**ة‬
‫التي عاصرها بنو إسرائيل‪  .‬فنالحظ أن الديانات الفارسية – الزرادشتية والمانوية والمزدكي**ة – رغم أنه**ا لم تل**ق‬
‫بتهمة الخطيئة األولى على المرأة‪ ،‬أال أنها اعتبرتها كائنًا غير مقدس‪ ،‬عليها أن تربط عصابة على فمها وأنفها كي‬
‫ال تدنس أنفاسها النار المقدسة‪ ،‬أما الديانات الهندية – الفيدية والبراهمية والبوذية – فقـد اعتقدت أن المب**دع اإللهي‬
‫حين خلق المرأة خلقها من قصاصات وجذاذات المواد الصلبة التي زادت لدي*ه بع*د عملي*ة خل*ق الرج*ل‪ .‬وأوجبت‬
‫‪.‬على الزوجة أن تخدم سيدها (زوجها) كما لو كان إلها‪ ،‬و ُحرمت المرأة من دراسة كتب الحكمة والفلسفة والدين‬

‫أما وضع المرأة في الحضارة المصرية القديمة فقد كان مختلفًا عن غيرها من الحضارات األخرى‪ ،‬فقد ك**انت له**ا‬
‫منزلة خاصة رفيعة في المجتمع‪ ،‬تختلف عن منزلتها في باقي المجتمعات القديمة‪ ،‬فكانت تملك وترث‪ ،‬وتنزل إلى‬
‫األسواق لتمارس التجارة‪ ،‬ولم يكن غريبًا والحال**ة هك**ذا أن نج**د في النق**وش التاريخي**ة أس**ماء كث**يرة لنس**اء مث**ل‬
‫كليوباترا ونفرتي*تي* وحتشبس*وت‪ ،‬وأن نج*د رمس*يس الث*الث يتب**اهى ب*المرأة في مملكت**ه (فهي ت*ذهب حيث تش*اء‬
‫مكشوفة األذنين فال يتعرض لها أحد) كما لم يكن غريبًا أن يعلق ماكس ميللر على ذلك قائال‪(:‬ليس ثمة شعب ق**ديم‬
‫‪.‬أو حديث رفع منزلة المرأة مثلما رفعها سكان وادي النيل)‬

‫ونلفت االنتباه في هذا الصدد إلى أن ثمة مصد ًرا آخر أسهم بقوة في تهميش دور المرأة وانتقاص مكانتها وقيمته**ا‪،‬‬
‫هذا المصدر هو (المعلم األول) أرسطو‪ .،‬وخطورة أرسطو تكمن في أنه نظـًر ووض*ع األس*اس الفلس*في المته*ان‬
‫‪.‬المرأة والتقليل من شأنها‪ ،‬وكلنا يعرف مدى التأثير الذي تركه أرسطو على الفكر اإلنساني‬

‫لقد زعم أرسطو أن المرأة من الرجل كالعبد من الس**يد‪ ،‬وك**البربري من اليون**اني‪ ،‬والم**رأة رج**ل ن**اقص‪ ،‬تُ**ركت‬
‫واقفة على درجة دنيا من سلم التطور‪ ،‬وال**ذكر متف**وق بالطبيع**ة‪ ،‬والم**رأة دون*ه بالطبيع*ة‪ ،‬الرج**ل ح*اكم والم**رأة‬
‫محكوم**ة‪ ،‬وه**ذا المب**دأ ينطب**ق على جمي**ع الجنس البش**ري‪ ،‬إن الم**رأة ض**عيفة اإلرادة‪ ،‬وب**ذلك فهي ع**اجزة عن‬
‫االستقالل في المرتبة والخلق‪ ،‬وأفضل مكان لها هو حياة بيتي**ة هادئ**ة‪ ،‬تك**ون له**ا الس**يادة المنزلي**ة بينم**ا يحكمه**ا‬
‫الرجل في شئونها الخارجية‪ ،‬يجب أال تتساوى النساء مع الرج**ال كم**ا في جمهوري**ة أفالط**ون‪ ،‬وال ب**د من زي**ادة‬
‫الفوارق بينهما‪ .‬ال شيء أشد جاذبية من االختالف‪ ،‬ليست شجاعة المرأة متماثلة مع شجاعة الرج**ل‪ ،‬كم**ا اف**ترض‬
‫‪.‬سقراط‪ ،‬شجاعة الرجل في القيادة وشجاعة المرأة في الطاعة‪ ،‬أو كما يقول الشاعر صمت المرأة مجد لها‬

‫وال يكتفي أرس**طو به**ذا الق**در من االنتق**اص من الم**رأة‪ ،‬ب**ل يض**يف إليه**ا ع**دم ق**درتها على ممارس**ة الفض**ائل*‬
‫األخالقية المختلفة على نحو ما يفعل الرجل‪ ،‬وعدم قدرتها على شغل أي منصب اجتماعي أو ثقافي‪ ،‬أو حتى قيادة‬
‫المنزل‪ ،‬إن مهمتها تقتصر فقط على اإلنجاب‪ ،‬ب*ل إنه*ا مس*ئولة مس*ئولية كامل*ة عن إنج*اب األن*ثى‪ ،‬والرج*ل ه*و‬
‫‪.‬المسئول عن إنجاب الذكور‪ ،‬وهي فكرة كانت وربما ما زالت شائعة جدا في مجتمعنا العربي‬

You might also like