Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 13

‫اخالقيات مهنة الهندسة‬

‫بحث عن ‪/‬‬

‫(األخالق في االسالم)‬

‫اعداد‪/‬‬

‫‪ /1‬مؤمن لطيف نايف _ فرقة رابعة _ ‪16021‬‬


‫‪ /2‬أنس خليل العامر _ فرقة رابعة _ ‪16026‬‬

‫اشراف‪/‬‬

‫أ‪.‬د‪/‬محمد‪ -‬عبد المنعم‬


‫تعريف األخالق‪:‬‬
‫يُعرف ال ُخلق في اللغة العربية بالطبع والسجية ألنّ صاحبها قد قُ ِّدر عليه‪ ،‬وفي مقولة أخرى هي ال ِّدين والمروءة‪ ،‬قال العالّم ة‬
‫ابن فارس‪(:‬الخاء والالم والقاف أصالن‪ :‬أحدهما تقدير الشيء‪ ،‬واآلخ ر مالمس ة الش يء)‪ .‬واألخالق في االص طالح هي هيئ ة‬
‫راسخة في النفس‪ ،‬يصدر عنها العديد من األفعال بشكل سهل ومُيسّر‪ ،‬دون الحاجة للتروي أو التفك ير‪ ،‬فمن الممكن أن يص ُدر‬
‫عن هذه الهيئة أفعال مذمومة أو محمودة‪.‬‬
‫األخالق اإلسالمية تعتبر األخالق اإلس المية من س مات المؤم نين الص الحين‪ ،‬حيث تس اعدهم على تجنب الوق وع في العيب‪،‬‬
‫واللوم‪ ،‬والنقد‪ ،‬وال تجعل صاحبها يميل إلى الخطيئة أو اإلجرام‪ ،‬ألنّ األخالق ُتعتبر من الهدي النب وي‪ ،‬وال وحي اإللهي‪ ،‬وهي‬
‫ك لَ َعلَى ُخلُ ٍق عَظِ ٍيم)‪ .‬تعتبر مكارم األخالق بناء ش يّده أنبي اء هللا‬
‫وتعالى‪(:‬وإِ َّن َ‬
‫َ‬ ‫ُخلق الرسول صلى هللا عليه وسلّم‪ ،‬قال هللا سبحانه‬
‫عليهم السالم‪ ،‬وقد بُعث رسول هللا صلى هللا عليه وسلّم حتى يُتمم ذلك البناء‪ ،‬من أجل أن يكتمل صرح مكارم األخالق‪ ،‬كما أنّ‬
‫ت ألُتم َم مك ارم‬
‫امتالك اإلنسان لألخالق دون امتالكه للدين هو أمر ال فائ دة من ه‪ ،‬ق ال الن بي ص لى هللا علي ه وس لّم‪( :‬إ َّنم ا ُبع ِْث ُ‬
‫األخالق)‬
‫ِ‬

‫أقسام األخالق‪:‬‬
‫يوجد العديد من أقسام لألخالق‪ ،‬وذلك تبعا ً لعدة أمور‪ ،‬هي كما يلي‪ :‬األخالق من حيث المصدر تنقسم األخالق من مصدرها‬
‫فيك َخلَّ َتي ِ‬
‫ْن‬ ‫إلى قسمين‪ ،‬هما‪ :‬األخالق الغريزية‪ :‬األخالق التي فُ طر عليها اإلنسان‪ ،‬والدليل على ذلك الحديث النبوي‪( :‬إنَّ َ‬
‫ك عليهما ‪ .‬قال‪ : ‬الحم ُد ِ‬
‫هلل‬ ‫هللا‪ ! ‬أنا أَ َت َخلَّ ُق بهما أَ ِم هللاُ َج َبلَنِي عليهما ؟ قال‪َ :‬ب ِل هللاُ جبل َ‬
‫ُي ِح ُّبهُما هللاُ الح ِْل ُم واألناةُ ‪ .‬قال‪ : ‬يا رسو َل ِ‬
‫ْن ُي ِحبُّهما هللاُ ورسولُه)‪ .‬األخالق المُكتسبة‪ :‬األخالق التي يحصُل عليها اإلنسان عن طريق التعود‬
‫الذي َج َبلَنِي على َخلَّ َتي ِ‬
‫والتعلّم‪ ،‬والدليل على ذلك من الس ّنة‪ ،‬قول الرسول صلى هللا عليه وسلّم‪( :‬إ َّنما العل ُم بال َّتعلَّ ِم) األخالق من حيث المعامالت تنقسم‬
‫األخالق اإلسالمية بمن ُتمارس معه إلى ثالثة أقسام‪ ،‬هي‪ :‬ال ُخلق مع هللا عز وجلّ‪ :‬يُقصد في هذا النوع من األخالق األسس‬
‫والقواعد التي تح ُك م عالقة اإلنسان بربه‪ ،‬باإلضافة إلى اآلداب التي يتحلى بها اإلنسان‪ ،‬وممارساته الباطنة والظاهرة‪ .‬ال ُخلق‬
‫مع النفس‪ :‬هو ما يلتزم به اإلنسان مع نفسه من األخالق واآلداب‪ .‬ال ُخلق مع ْ‬
‫الخلق‪ :‬هو األمر الذي يلتزم به اإلنسان من‬
‫ّ‬
‫وتتمثل هذه القيم في ال ُخلق‬ ‫أخالق وسلوكيات مع اآلخرين‪ ،‬وهي القواعد األخالقية التي تضبط عالقة اإلنسان مع من حوله‪،‬‬
‫مع الوالدين‪ ،‬وال ُخلق مع األنبياء‪ ،‬وال ُخلق مع الك ّفار‪ ،‬وال ُخلق مع المؤمنين‪.‬‬

‫االخالق في احكام الدين ‪:‬‬


‫الحمد هلل الذي اختص هذه األمة بشريعة محكمة مباركة ال يأتيها الباط ل من بين ي ديها وال من خلفه ا‪ ،‬ش ريعة رباني ة س ماوية‬
‫ثابتة ال تتبدل وال تتغير‪ ،‬شريعة دائمة مرنة عامة تتسع لحاجات البشر في كل زمان ومكان مهما تعددت ومهما تنوعت وكيفما‬
‫{و َمنْ أَحْ َسنُ م َِن هَّللا ِ ُح ْكمًا لِّ َق ْو ٍم يُو ِق ُن َ‬
‫ون}‪[ ‬المائدة‪.]50 :‬‬ ‫تطورت‪ ،‬شريعة سامية راقية غنية بالمحاسن ووجوه اإلعجاز‪َ  ،‬‬
‫إن النظام اإلسالمي ك ٌل متكامل ونسيج متشابك يشد بعضه بعضا ً ويعتمد بعضه على بعض‪ ،‬نظام متناسق تتحد معانيه وتص ب‬
‫جميعها في سعادة البشرية ورعاي ة مص الحها‪ ،‬فال ُت درك حكم ه وال ُتفهم غايات ه إال باإلحاط ة بك ل جوانب ه‪ ،‬والنظ ر إلى ك ل‬
‫أجزائه‪ ،‬لذا كان خاتم األديان وأيس رها وأش ملها‪ ،‬ف دائرة التش ريع ال تنفص ل عن دائ رة األخالق وال االقتص اد وال االجتم اع‪،‬‬
‫وبقدر تواصل هذه الدوائر وتداخلها وتحققها في المجتمع تتحقق سعادته ونهضته‪ ،‬كما حدث في القرون األولى لإلسالم‪.‬‬
‫فتكام ل قواع ده القانوني ة م ع العقي دة وم ع مب ادئ األخالق والقيم واآلداب من أهم أس باب تعزي ز مكان ة التش ريع في نف وس‬
‫المخ اطبين ب ه‪ ،‬وتمكين قواع ده عن دهم على نح و ي دعوهم إلى احترام ه‪ ،‬ويقل ل من جس ارتهم على مخالفت ه والتحاي ل علي ه‬
‫والتهرب من أحكامه‪.‬‬
‫يقول الدكتور صوفي حسن أبو ط الب رحم ه هللا‪« :‬إن الع ودة إلى تط بيق الش ريعة اإلس المية ليس مج رد ح نين ع اطفي إلى‬
‫الماضي القريب من جانب الشعوب اإلسالمية‪ ،‬وليس تعصبا ً لفكر قانوني معين من جانب رج ال الق انون المتحمس ين له ا‪ ،‬ب ل‬
‫هو في المقام األول استرداد للذات اإلسالمية والذات العربي ة ل دى الش عوب العربي ة واإلس المية‪ ،‬ذل ك أن الش ريعة اإلس المية‬
‫بمعناها الشامل ‪ -‬عقيدة وأخالق وتنظيم اجتماعي وسياس ي واقتص ادي وق انوني ‪ -‬تع د من أهم مقوم ات الشخص ية اإلس المية‬
‫وأهم عناصر الوحدة القانونية بين الشعوب العربية واإلسالمية‪.‬‬
‫يضاف إلى ذلك أن الق انون ليس مج رد أداة لخدم ة سياس ات التنمي ة والتط ور‪ ،‬كم ا أن ه ليس مج رد وس يلة لالنض باط داخ ل‬
‫المجتمع‪ ،‬بل هو قبل كل شيء مرآة تعكس حضارة المجتمع وقيمه‪ ،‬والشريعة اإلسالمية هي الق ادرة وح دها على تحقي ق ذل ك‬
‫باعتبارها التراث القومي لألمة‪ ،‬ألنه ا تنظيم ش امل ألم ور ال دين وال دنيا‪ ،‬كم ا أن اح ترام الق انون رهين بم دى اس تجابته لقيم‬
‫المجتمع األخالقية والروحية والمادية على سواء‪ ،‬والشريعة اإلسالمية هي أصلح النظم في هذا الصدد»[‪.]1‬‬
‫وهذا التكامل مع الدين والقيم األخالقية من ثالثة أوجه‪:‬‬
‫األول‪ :‬تأثير العقي دة والعب ادات واألخالق في مقاوم ة االنح راف والوقاي ة من الجريم ة‪ :‬فهي من أش د عوام ل إيق اظ الض مير‬
‫اإلنساني وتحقيق الرقابة الذاتية للنفس على السلوك‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬حماية التشريع للقيم األخالقي ة واآلداب اإلنس انية بنص وص فعال ة‪ :‬إذ توج ه العقوب ات في الش ريعة قِب ل ك ل م ا يمس‬
‫األخالق الفاضلة‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬تأثير القيم واألخالق في وسائل االقتضاء وأدوات الخصومة‪ :‬فالقواعد التشريعية ال تمنع التنازع والتخاص م‪ ،‬فه ذا مم ا‬
‫ينافي الطبيعة البشرية والغرائز اإلنسانية‪ ،‬بل إنها تراعي تلك الطبيعة والغرائز وتهذبها وتنظمها بالوسائل واألدوات األخالقية‬
‫الشرعية‪.‬‬
‫الوجه األول‪ :‬تأثير العقيدة والعبادات واألخالق في مقاومة االنحراف والوقاية من الجريمة‪:‬‬
‫فالقانون الوضعي يحكم السلوك الخارجي لإلنسان فقط‪ ،‬أما التشريع اإلسالمي فهو يخاطب كل أنواع النش اط اإلنس اني‪ ،‬س واء‬
‫كان متمثالً في السلوك الظاهري‪ ،‬أو كان متعلقا ً بالنوايا والمقاص د واألفك ار‪ - ‬غ ير أن العق اب ال دنيوي يقتص ر على م ا ك ان‬
‫متعلقا ً بالسلوك الظاهري‪ ،‬والعقاب األخروي يشمل نوعي النشاط اإلنساني‪.‬‬
‫يقول اللواء الدكتور محمد نيازي حتات ة رحم ه هللا‪« :‬العقوب ة وح دها ال تكفي في الش ريعة اإلس المية لمكافح ة اإلج رام‪ ،‬إنم ا‬
‫يُكافح اإلجرام في الشريعة اإلسالمية نظامها المتكامل في صيانة األخالق والحض على الفضائل‪ ،‬وتنظيم العالقات االجتماعية‬
‫تنظيما ً شامالً ‪ ،‬وإيقاظ الضمير اإلنساني بتعاليم الدين‪ ،‬وتطهير النفس البشرية باإليمان‪ ،‬والدعوة إلى المساواة واأللف ة والتكام ل‬
‫والعدل واإلحسان والمروءة وإيثار الذات والجهاد في سبيل الحق‪ ،‬والجهاد ضد الظلم والفساد والطغيان والباطل وتكليف الكافة‬
‫باألمر بالمعروف والنهي عن المنكر»[‪.]2‬‬
‫فتكامل قواعد التشريع اإلسالمي م ع العقي دة واألخالق والقيم واآلداب يُمث ل ض مانة كب يرة من ض مانات من ع وق وع الجريم ة‬
‫ابتداءً‪ ،‬واالتجاهات المعاصرة للسياسة الجنائية تتجه‪ - ‬كما تشير المؤتمرات المتعاقبة لألمم المتحدة بشأن منع الجريمة ومعاملة‬
‫المجرمين‪  - ‬إلى أهمية اتخاذ التدابير المانعة لوقوعها وسن النصوص التي تكفل وقاية المجتمع منها‪.‬‬
‫ففي جرائم الزنا واالغتصاب واالعتداء على العرض‪ - ‬على سبيل المثال‪ - ‬قدمت الش ريعة من الت دابير الديني ة واألخالقي ة م ا‬
‫يكفل تهيئة مناخ المجتمع لتقليل هذه الجرائم إلى أقل نسبة ممكنة‪ ،‬ابتدا ًء من اإلمعان في الزج ر عن ارتكابه ا‪ ،‬وتعظيم جزائه ا‬
‫األخروي والدنيوي‪ ،‬ومروراً بسد ذرائعها وقطع دوافعها بتحريم كل ما أسكر وذهب بالعق ل‪ ،‬واألم ر بغض البص ر والحج اب‬
‫والستر وعدم الخضوع بالقول واالستئذان عند دخول األماكن المغلقة‪ ،‬والنهي عن االختالط والتعري وعن كل ما يثير الش هوة‬
‫أو يشيع الفاحشة‪ ،‬بل وقطع أوشاج إشاعتها بالكلية بإنزال أشد العقاب على من اتهم غيره بها بغير بينة وال برهان شرعي [‪،]3‬‬
‫وانتها ًء بإيجاد بدائل شرعية لصرف الشهوة كالحث على الزواج‪ ،‬والتبكير فيه‪ ،‬واإلعانة عليه‪ ،‬والحض على الص بر والص يام‬
‫لمن لم يستطع الزواج‪ ،‬بل وتعظيم ثواب هذه البدائل‪.‬‬
‫وفي جرائم السرقات واالعتداء على المال نلحظ تكامالً من نوع آخر؛ دينيا ً اقتصاديا ً أخالقيا ً تش ريعياً‪ ،‬ففض الً عن الزج ر عن‬
‫ارتكابها‪ ،‬وتعظيم جزائها األخ روي وال دنيوي‪ ،‬وس د األب واب المُفض ية إليه ا ب النهي عن الطم ع والحث على القناع ة‪ ،‬أم رت‬
‫الشريعة بالتكافل االجتماعي‪ ،‬وجعلت للفقراء والمساكين والمحتاجين والغارمين‪( ‬المدينون المعسرون)‪ ‬حقا ً في أم وال األغني اء‬
‫بالزكاة والصدقات‪ ،‬وحقا ً في أموال الدول ة وموارده ا بكف التهم واألداء عنهم‪ ،‬وأل زمت المس تطيعين بالنفق ة على الض عفاء من‬
‫ذويهم‪ - ‬س واء ك انوا زوج ات أو ص غاراً أو آب اء أو أمه ات أو أج داداً‪ - ‬وأم رت بالع دل في العطي ة بين األبن اء‪ ،‬والع دل في‬
‫المواريث بين الورثة‪ ،‬بل وزعت أنصبة الميراث بما يكفل إشباع كل وارث بحسب حاجته االجتماعية‪.‬‬
‫وهكذا في كل جريمة من الجرائم لها في الش رع من الت دابير الديني ة واألخالقي ة واالقتص ادية م ا يمن ع وقوعه ا أو يُقل ل منه ا‬
‫وس بل‬
‫ويحصرها في أضيق نطاق‪ ،‬فالنظر إلى الحدود مجردة عن غاياتها ومقاصدها‪ ،‬منزوعة من سياق تدابيرها االحترازي ة ُ‬
‫ُ‬
‫والش به‪ ،‬فينبغي على‬ ‫الوقاية منها‪ ،‬وبعيداً عن الجانب العقدي والعامل اإليماني في التشريع؛ ال شك أن ه يُث ير ال ريب والظن ون‬
‫من أراد أن يفهم التشريع اإلسالمي وحدوده أن يُدقق في نظامه المتكامل الشامل الذي يصون الفرد وهو يصون المجتمع ككل‪،‬‬
‫والذي يوفر له أسباب الوقاية من الجريمة قبل أن يأخذه بالعقوبة‪.‬‬
‫فهذا التكامل الديني األخالقي التشريعي مُؤد بال ريب إلى تهذيب النفس البش رية‪ ،‬ومدافع ة نوازعه ا عن االنج ذاب إلى الش ر‪،‬‬
‫وتربية الفرد على القيم واآلداب وترويض نفس ه على األخالق الحس نة الطيب ة‪ ،‬كح ال ال ذي يُع اقب ابن ه ليحمل ه على الس لوك‬
‫القويم ويغرس في نفسه حب الفضيلة‪ ،‬ويمنعه من التردي في حمأة الرذيلة‪ ،‬ويحول بينه وبين أي انح راف‪ ،‬وه ذا مم ا ال ش ك‬
‫في ه ي ؤدي إلى تحص ين المجتم ع من ش ر الجريم ة‪ ،‬فاإليم ان الحقيقي واألخالق الحمي دة‪ - ‬وبم ا لهم ا من ارتب اط وثي ق‬
‫ببعضهما‪ - ‬يشكالن أساسا ً متينا ً في تشكيل اإلنسان وتوجيه سلوكه‪ ،‬ويمثالن سياجا ً يحصنه من مجرد التفكير في ارتكابها‪.‬‬
‫يقول األستاذ سيد قطب رحم ه هللا‪« :‬اإلس الم ال يُقيم بن اءه على العقوب ة‪ ،‬ب ل على الوقاي ة من األس باب الدافع ة إلى الجريم ة‪،‬‬
‫وعلى تهذيب النفوس‪ ،‬وتطهير الضمائر‪ ،‬وعلى الحساسية التي يثيرها في القلوب‪ ،‬فتتح رج من اإلق دام على جريم ة تقط ع م ا‬
‫بين فاعلها وبين الجماعة المسلمة من وشيجة‪ ،‬وال يعاقب إال المتبجحين بالجريمة‪ ،‬الذين يرتكبونها بطريق ة فاض حة مس تهترة‪،‬‬
‫أو الذين يرغبون في التطهر بإقامة الحد عليهم»[‪.]4‬‬
‫الوجه الثاني‪  :‬حماية التشريع للقيم األخالقية واآلداب اإلنسانية بأكثر النصوص فاعلية‪:‬‬
‫فالشريعة تحمي القيم األخالقية واإلنسانية بنصوص أكثر فاعلية من التقنينات الوضعية‪ ،‬إذ توجه العقوبات الشرعية قِبل كل ما‬
‫يمس األخالق الفاضلة دون أن يتوقف ذلك على رضا المجني عليه أو تخلف ضرر ما عن الجريمة‪ ،‬ألن غرض حمايتها يعل و‬
‫على غ رض رعاي ة مص الح المج ني علي ه‪ ،‬باعتب ار أن الغ رض األول يتعل ق بالمص الح المش تركة والنظ ام الع ام للمجتم ع‪،‬‬
‫والتراضي بين الجاني والمجني عليه ال يجعل الفاسد صالحا ً وال يُحل ما حُرم‪.‬‬
‫ألجل ذلك تعاقب الشريعة على الردة وشرب الخمر والفحش والزنا والفجور والشذوذ بغض النظر عن رضا طرفي الجريم ة‪،‬‬
‫وال سلطان للحاكم في العفو عن هذه الجرائم‪ ،‬ألن التساهل في شأنها يؤدي إلى تحل ل األخالق‪ ،‬وفس اد المجتم ع واختالل أمن ه‬
‫ونظامه‪.‬‬
‫ونحن نرى أن كثيراً من الدول اتجهت إلى تحريم الخمر تحريما ً تاما ً أو جزئيا ً سواء فيم ا يتعل ق بص نعها أو بيعه ا أو نقله ا أو‬
‫شربها‪ ،‬لِما استبان لها من ش تى األض رار البالغ ة المترتب ة على تعاطيه ا‪ ،‬وأُنش ئت في كث ير من ال دول جمعي ات ومؤسس ات‬
‫لمقاومة شيوع الخمور وإدمانها‪ ،‬بل ال يكاد توجد دولة في الوقت الحاضر ال توجد فيها مثل هذه الجمعي ات والمؤسس ات‪ ،‬وق د‬
‫عق د في الم دة من‪ 29 ‬نوفم بر وح تى‪ 5 ‬ديس مبر‪1975 ‬م «الم ؤتمر ال دولي للمُس كرات واالعتم اد على العق اقير» نظم ه‬
‫«المجلس الدولي للمسكرات ومكافحة اإلدمان» بلوزان بسويسرا و«المنظمة الدولية العربية للدفاع االجتم اعي» بالتع اون م ع‬
‫وزارة الصحة بدولة البحرين‪ ،‬واشتركت فيه منظمة الصحة العالمية‪ ،‬وأسهم فيه علماء وخبراء من الواليات المتحدة األمريكية‬
‫والمملكة المتحدة وسويسرا وألمانيا الغربية وعشرات الدول‪ ،‬وقد أوصى المؤتمر في مجال الوقاية العامة الشاملة بما يلي‪:‬‬
‫أوالً‪  :‬االستفادة من تطبيق الشريعة اإلسالمية وكيفية عالجها لمشكلة تعاطي المسكرات والمخدرات‪.‬‬
‫ثانيا ً‪ :‬االهتمام باألسرة لتنشئـة أفرادها التنشئة الصالحة لوقاية المجتمع من مشاكل تعاطي المسكرات والمخـدرات‪.‬‬
‫ثالثا ً‪ :‬توفير الضمان والرعاية االجتماعية ألسر المدمنين والعمل على حماية أفرادها‪.‬‬
‫رابعا ً‪  :‬تضمين المناهج الدولية في كافة مراحلها التوعية الفعالة الناجحة عن تعاطي المسكرات والمخ درات ونش ر ال وعي بين‬
‫فئات الشعب لتحصينهم ضد ذلك التعاطي وإعطاء الشباب عناية خاصة وقاية لهم وحفاظا ً على طاقاتهم ومستقبلهم‪.‬‬
‫خامسا ً‪  :‬تجنيد وسائل اإلعالم لتبصير الناس بالمضار المؤكدة للمسكرات والمخدرات‪.‬‬
‫سادسا ً‪  :‬مناشدة الدول التي تسمح بتعاطي المسكرات باتخاذ اإلجراءات الالزمة للوص ول إلى من ع ذل ك التع اطي أو الح د من ه‬
‫واالجتهاد في هذا السبيل وفقا ً لظروف كل بلد‪.‬‬
‫سابعا ً‪ :‬إلزام المصانع المنتجة للمسكرات بوضع عبارة بارزة بأن‪« :‬محتويات هذه العب وة ق د ت دمر ص حتك»‪ ،‬وذل ك باللغ ات‬
‫المناسبة أسو ًة بما يحدث مع الشركات المنتجة للسجائر‪ ،‬كما يجب منع الدعاية للمنتجات الكحولية منع ا ً بات ا ً في أي من وس ائل‬
‫اإلعالم من صحافة وإذاعة وتلفزيون وسينما وغير ذلك‪.‬‬
‫والغاية الحقيقية من ردع الجاني بالعقوبة ليست هي إيالم الجاني بقدر ما هي زجره وإبعاده عن طريق الجريمة‪ ،‬لذا فالش ريعة‬
‫تفتح له أبواب العودة حتى ولو ارتكب جريمته‪ ،‬فهي ليست جامدة كالقوانين الوضعية التي ال تراعي أحوال من انص لح ح الهم‬
‫ال‬ ‫ة‪ ،‬ق‬ ‫واس تقامت حي اتهم‪ ،‬فأفس دتهم الس جون بع د ص الح‪ ،‬وأتلفتهم مخالط ة المج رمين بع د توب‬
‫ِيه ْم‪َ  ‬وأَرْ ُجلُهُم‪ ‬مِّنْ ‪ِ  ‬خ‬‫ُص لَّبُوا‪ ‬أَ ْو‪ُ  ‬ت َق َّط َع‪ ‬أَ ْي د ِ‬ ‫ُون‪ ‬هَّللا َ‪َ  ‬و َرسُولَ ُه‪َ  ‬و َيسْ َع ْو َن‪ ‬فِي‪ ‬األَرْ ِ‬
‫ض‪َ  ‬ف َساداً‪ ‬أَن‪ُ  ‬ي َق َّتلُوا‪ ‬أَ ْو‪ ‬ي َ‬ ‫ارب َ‬ ‫تعالى‪{ :‬إ َّن َما‪َ  ‬ج َزا ُء‪ ‬الَّذ َ‬
‫ِين‪ ‬ي َُح ِ‬
‫ِين‪َ  ‬تابُوا‪ ‬مِن‪َ  ‬قب ِْل‪ ‬أَن‪َ  ‬ت ْق ِدرُوا‪َ  ‬علَي ِْه ْم‪َ  ‬فا‬ ‫ي‪ ‬فِي‪ ‬ال ُّد ْن َيا‪َ  ‬ولَ ُه ْم‪ ‬فِي‪ ‬اآلخ َِر ِة‪َ  ‬ع َذابٌ ‪َ  ‬عظِ ي ٌم‪ 33 ‬إاَّل ‪ ‬الَّذ َ‬ ‫ض‪َ  ‬ذلِ َ‬
‫ك‪ ‬لَ ُه ْم‪ ‬خ ِْز ٌ‬ ‫الفٍ ‪ ‬أَ ْو‪ ‬يُن َف ْوا‪ ‬م َِن‪ ‬األَرْ ِ‬
‫عْ لَمُوا‪ ‬أَنَّ ‪ ‬هَّللا َ‪َ  ‬غفُو ٌر‪ ‬رَّ حِي ٌم‪[ }34 ‬المائدة‪ ،]34 ،٣٣ :‬وهذا ال يختص بحد الحرابة فقط‪ ،‬بل ه و في ك ل ح د من ح دود هللا ت اب‬
‫مُقترفه قبل قدرة السلطان عليه كما ذهب إليه شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه هللا وغيره من الفقهاء‪.‬‬
‫وليس ذلك فحسب‪ ،‬بل حتى بعد ضبط الن اس للجريم ة وإحك ام قبض تهم على الج اني ن رى الش رع يحض هم أن يس تروا علي ه‬
‫ويتعافوا جريمته فيما بينهم قبل بلوغها السلطان‪ ،‬فعن عبد هللا بن عمرو بن العاص رض ي هللا عنهم ا أن رس ول هللا‪ ‬ص لى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ‬قال‪َ « :‬ت َعا َفوُ ا ْال ُح ُدو َد فِي َما َب ْي َن ُك ْم‪َ ،‬ف َما َبلَ َغنِى مِنْ َح ٍّد َف َق ْد َو َج َ‬
‫ب»[‪ ،]5‬وذلك إمعان ا ً في فتح ب اب التوب ة للج اني‪ ،‬اللهم‬
‫إال أن يُعرف ويُشتهر بأذاه وفساده‪ ،‬فال عفو وال كرامة‪ ،‬كما ذهب إليه اإلمام مالك رحم ه هللا وغ يره من الفقه اء‪ ،‬ألن مثل ه ال‬
‫يرتدع إال بسيف العقوبة والستر عليه يطغيه ويطمعه في إيذاء الناس وانتهاك الحرمات‪.‬‬
‫فإذا ما تاب المجرم وأناب وارتدع عن غيه وإفساده‪ ،‬فرد الحقوق ألصحابها‪ - ‬إن قدر على ذلك ‪ -‬واستشعر نكارة ما فعل فع اد‬
‫إلى طريق االستقامة قبل أن تأخذه يد السلطة‪ ،‬فقد س قط جرم ه وعقوبت ه مع ا ً بق وة الش رع‪ ،‬ولم تع د للس لطة علي ه من س بيل‪،‬‬
‫فاإلسالم لم يُشجع على التوبة فقط‪ ،‬بل يُقدرها ويُثمنها في الدنيا قبل اآلخرة‪.‬‬
‫فإذا لم تفلح العقيدة ولم تفلح القيم األخالقية في ردع الجاني‪ ،‬وجب إنزال العقوبة ب ه على نح و م ا قررت ه الش ريعة بك ل حس م‬
‫وحزم لترده إلى طريق الجادة‪ ،‬أو ترد من سولت نفسه فأوشك على أن يحذو حذوه إلى صوابه‪.‬‬
‫يقول األستاذ سيد قطب رحمه هللا‪«  :‬على أن اإلسالم ال يُشدد في العقوبة هذا التشديد إال بعد تحقيق الضمانات الوقائي ة المانع ة‬
‫من وقوع الفعل‪ ،‬ومن توقي ع العقوب ة إال في الح االت الثابت ة ال تي ال ش بهة فيه ا‪ ،‬فاإلس الم منهج حي اة متكام ل‪ ،‬ال يق وم على‬
‫العقوبة إنما يقوم على توفير أسباب الحياة النظيفة‪ ،‬ثم يعاقب بعد ذلك من يدع األخذ بهذه األسباب الميسرة ويتم رغ في الوح ل‬
‫طائعا ً غير مضطر»[‪.]6‬‬
‫وال تقتصر حماية الشريعة للقيم األخالقية واإلنسانية في المجال الجن ائي المتعل ق بالع دوان على النفس والع رض فحس ب‪ ،‬ب ل‬
‫حتى في مجاالت المعامالت المدنية والتجارية واألحوال الشخص ية فاألحك ام فيه ا مبناه ا على رعاي ة القيم واألخالق العام ة‪،‬‬
‫فم دار المع امالت المدني ة في الش ريعة على األمان ة والص دق والع دل‪ ،‬فحس ن الني ة ش رط مف ترض في ك ل معامل ة‪ ،‬وتنفي ذ‬
‫االلتزامات يتوقف على بذل اإلنسان المعت اد عمل ه بأمان ة وعناي ة‪ ،‬وص حة العق ود مرهون ة بع دم مخالفته ا القواع د واألحك ام‬
‫الش رعية أو اآلداب العام ة أو أن تك ون مش وبة بعي وب الغش أو الت دليس أو الغبن أو اإلك راه أو الغل ط أو العي وب الخفي ة‪،‬‬
‫واستعمال اإلنسان حقه مرهون بأال يتعسف في استعماله وأال يُسبب لغيره ضرراً أكبر من المصلحة العائدة من ورائه‪.‬‬
‫ومدار األحوال الشخصية على المودة وصلة الرحم والعدل واإلحسان والعطف‪ ،‬فالقواع د القانوني ة في الش ريعة مت أثرة بش كل‬
‫كبير جداً باألخالق والقيم وتبدو أكثر ما تبدو في عالقات األسرة ابت دا ًء بش روط ال زواج‪ ،‬وواجب ات ال زوجين ك ل منهم ا قِب ل‬
‫اآلخر‪ ،‬وواجب اإلنفاق على األقارب‪ ،‬وتوزيع الميراث‪ ،‬وغير ذلك من أحكام ال يجوز االتفاق على مخالفتها‪.‬‬
‫فتكامل القواعد التش ريعية م ع القيم واألخالق ال يق ف عن د السياس ة التدبيري ة الوقائي ة والحماي ة الموض وعية فحس ب‪ ،‬ب ل إن‬
‫التكام ل بين التش ريع والقيم واألخالق يس تمر في ك ل وقت تخ اطب القواع د في ه المس لمين‪ ،‬ح تى وهم يتقاض ون حق وقهم‬
‫ويتن ازعون في خص وماتهم‪ ،‬فهي ُت راعي الغرائ ز البش رية والطب ائع اإلنس انية ال تي ال من اص له ا عن االختالف والتن ازع‬
‫والتخاصم‪ ،‬لكنها في الوقت ذاته تضبط هذا التنازع والتخاصم‪ ،‬وإن ذلك ليبرُز بكل وض وح في إج راءات التقاض ي والقواع د‬
‫واألحك ام الش رعية في إثب ات ال دعاوى‪ ،‬فتحُث على الش هادة ب ل وتعتبره ا من التك اليف الش رعية إذا ق ام مقتض اها‪ ،‬يق ول‬
‫ش َهدَا َء‪ ‬هَّلِل ِ‪َ  ‬ولَ ْو‪َ  ‬علَى‪ ‬أَنفُ ِس ُك ْم}‪[ ‬النس اء‪،]135 :‬‬ ‫تع الى‪َ { :‬وأَقِي ُم وا‪َّ  ‬‬
‫الش َها َد َة‪ ‬هَّلِل ِ}‪[ ‬الطالق‪،]٢ :‬ويق ول‪ُ { :‬كو ُن وا‪َ  ‬ق وَّ ام َ‬
‫ِين‪ِ  ‬ب ْالق ِْس طِ ‪ُ  ‬‬
‫ويقول‪َ { :‬وال‪َ  ‬ت ْك ُتمُوا‪ ‬ال َّش َها َد َة‪َ  ‬و َمن‪َ  ‬ي ْك ُت ْم َها‪َ  ‬فإ َّن ُه‪ ‬آ ِث ٌم‪َ  ‬ق ْل ُب ُه}‪[ ‬البقرة‪ ،]283 :‬لكنه ال يُعتبر منه ا إال م ا ك ان بالع دل‪ ،‬فالعدال ة ش رط‬
‫أساس ي في الش هادة‪ ،‬وهي عدال ة م أمور به ا وب التحري عنه ا‪ ،‬ق ال تع الى‪َ {  :‬وأَ ْش ِه ُدوا‪َ  ‬ذ َويْ ‪َ  ‬ع ْد ٍل‪ ‬مِّن ُك ْم}‪[ ‬الطالق‪،]٢ :‬‬
‫ض ْو َن‪ ‬م َِن‪ُّ  ‬‬
‫الش َهدَا ِء}‪[ ‬البق رة‪ ،]٢٨٢ :‬وانتهاكه ا واإلخالل به ا ال يُع رض للعقوب ة الدنيوي ة فق ط‪ ،‬ب ل والديني ة‬ ‫وقال‪ِ { :‬ممَّن‪َ  ‬ترْ َ‬
‫األخروية أيضاً‪ ،‬وهي عقوبة مغلظة في رتبة عقوبات أكبر الكبائر‪ ،‬فعن أبي بك رة رض ي هللا عن ه ق ال‪ :‬ق ال الن بي‪ ‬ص لى هللا‬
‫وق ْال َوالِ َدي ِ‬
‫ْن»‪ ،‬وك ان ُم َّتكئ ا ً‬ ‫هلل َو ُعقُ ُ‬ ‫عليه وسلم ‪« :‬أَاَل أ ُ َن ِّب ُئ ُك ْم ِبأ َ ْك َب ِر ْال َك َبائ ِِر؟»‪( ‬ثالثاً‪ ،‬قُلنا‪ :‬بلى يا رسول هللا‪ ،‬قال‪« :‬اإْل ِ ْش َرا ُ‬
‫ك ِبا ِ‬
‫يسكت[‪.]7‬‬‫ُ‬ ‫لت‪ :‬ال‬ ‫ور»‪ ،‬فما زال يكررها حتى قُ ُ‬ ‫ور‪ ،‬أَاَل َو َش َها َدةُ ُّ‬
‫الز ِ‬ ‫الز ِ‬ ‫فجلس وقال‪« :‬أَاَل َو َق ْو ُل ُّ‬
‫بل التكامل التشريعي الديني األخالقي يتجلى بشكل أوضح له أثره البالغ في وسيلة إثبات دينية محض ة هي «اليمين»‪ ،‬فأس اس‬
‫مشروعيتها إشهاد هللا تعالى على صدق المُقر والمدعى عليه‪ ،‬وعقوبتها دينية أخروية محضة‪ ،‬قال النبي ‪ ‬صلى هللا عليه وسلم ‪:‬‬
‫هللا َوه َُو َعلَ ْي ِه َغضْ َبانُ »[‪.]8‬‬ ‫ِين َوه َُو فِي َها َفا ِج ٌر لِ َي ْق َتطِ َع ِب َها َما َل امْ ِر ٍ‬
‫ئ مُسْ ل ٍِم لَق َِي َ‬ ‫ف َعلَى َيم ٍ‬
‫« َمنْ َحلَ َ‬
‫وهذا الجانب األخالقي في القواعد التشريعية هو من أخص ما ميز الش ريعة اإلس المية‪ ،‬وب رغم أن المش رع الوض عي لطالم ا‬
‫تنكر لهذه الخصيصة وقيمتها وحاول االنفكاك عنها‪ ،‬لكنه اآلن وفي عنفوان مذهبه المادي يتطلع إلى هذه القيمة ويحاول بش تى‬
‫الطرق تأسيس قواعده الوضعية على أساس أخالقي‪ ،‬ويستنكر كل محاولة تبتعد بالقوانين عن األُسس األخالقية‪.‬‬
‫وقد حدث هذا التحول حين تبين للمُفكرين والفالس فة أن القواع د المُج ردة ع اجزة عن ض بط س لوكيات األف راد‪ ،‬وأن الوس ائل‬
‫المادية ال تكفي للوصول للحقوق وال إثباتها‪ ،‬في حين بقيت العقائد صامد ًة أمام هذا التحدي لقيامها على أُسس أخالقي ة‪ ،‬فض بط‬
‫الحقوق بين الناس مرتبط بسلوكياتهم غير المُنفكة عن نواياهم وبواطنهم‪ ،‬وهي ج وانب تعج ز الق وانين عن الوص ول إليه ا إال‬
‫بشق األنفس‪ ،‬فحُسن النية وسوؤها‪ ،‬والخطأ واإلهمال والعزم على الفعل «العمدي ة»‪ ،‬كله ا من أهم الرك ائز ال تي ينب ني عليه ا‬
‫اختالف القاعدة القانونية التي تخاطب السلوك الواحد‪ ،‬وهي أمور ال ش ك تعج ز الوس ائل المادي ة عن ض بطها وكش فها‪ ،‬ل ذلك‬
‫كانت غاية القوانين الكبرى هي تحقيق االستقرار الظاهر للمجتمع وإن فسدت أخالقه‪ ،‬فغايته في الحقيقة ليس ت اإلص الح‪ ،‬ولم‬
‫تكن يوما ً كذلك‪ ،‬عبثا ً لطالما قالوا لنا إن من مقاصد القوانين إصالح المجتم ع‪ ،‬لكن ه ذا مم ا أثبت العق ل وأثبتت التجرب ة ع بر‬
‫عشرات السنين استحالته‪ ،‬ألن اإلصالح عملية ال ُتوجه في األصل إال إلى األخالق‪ ،‬والقوانين مُنفكة الصلة بها‪.‬‬
‫أما الشريعة اإلسالمية فإن جُل قواع دها تقريب ا ً موجه ة إلى األخالق‪ ،‬في الش كل والموض وع واألدوات والوس ائل على النح و‬
‫الذي بيناه سلفا ً‪ ،‬ويزيد على هذا أن الجانب التعبدي فيها ال يُمكن فصله عن الجانب الوق ائي واإلص الحي‪ ،‬في تج انس وتكام ل‬
‫مُؤد وال بُد لتهذيب النفس اإلنسانية وضبط سلوكياتها نحو األفراد والدولة‪ .‬‬

‫خصائص األخالق اإلسالمية‪:‬‬


‫أوال‪ :‬ربانية المصدر‪ :‬األخالق اإلسالمية مصدرها كتاب هللا وسنة نبيه ﷺ‪ ،‬وال مدخل فيها لآلراء البشرية‪،‬‬
‫أو النظم الوضعية‪ ،‬أو األفكار الفلسفية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الشمول والتكامل‪ :‬األخالق اإلسالمية شاملة ومتكاملة‪ ،‬وذلك ألنها تراعي اإلنسان والمجتمع الذي يعيش فيه‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬صالحة لكل زمان ومكان‪ :‬لما كانت األخالق اإلسالمية ربانية المصدر‪ ،‬كانت صالحة لجميع الناس في كل زمان ومكان‪،‬‬
‫فال يطرأ عليها أي تغيير أو تبديل‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬اإلقناع العقلي والوجداني‪ :‬تشريعات اإلسالم توافق العقول الصحيحة‪ ،‬وتتوائم مع الفطر السليمة‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬المسؤولية‪ :‬األخالق اإلسالمية تجعل اإلنسان مسؤوال عما يصدر منه في كل جوانب الحياة‪ ،‬سواء مسؤولية شخصية‬
‫أو جماعية‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬العبرة بالظاهر والباطن معا‪ :‬أخالقنا اإلسالمية ال تحكم على الظاهر من األعمال فقط؛ بل يمتد الحكم ليشمل النوايا‬
‫والمقاصد‪.‬‬
‫سابعا‪ :‬الرقابة الدينية‪ :‬الرقابة تعني مراقبة المسلم هلل سبحانه في جميع األمور وعليه فإن الرقابة في أخالقنا اإلسالمية تختلف‬
‫عن مصادر األخالق األخرى حيث تكون الرقابة خارجية تتمثل في السلطة واألفراد‪.‬‬
‫ثامنا‪ :‬االرتباط بالجزاء الدنيوي واألخروي‪ :‬أخالق اإلسالم ترتبط بالجزاء سواء في الدنيا أو اآلخرة لذا وجد الوعد والوعيد‪.‬‬

‫تميز األخالق في اإلسالم بخصائص انفردت بها عن اليهودية أو المسيحية أو كليهما‪ ،‬وهي الخصائص التي جعلتها صالحة‬
‫‪.‬لكل األفراد وكل الطبقات وكل األجناس‪ ،‬وكل البيئات‪ ،‬وكل األزمان‪ ،‬وكل األحوال‬

‫أخالق معللة مفهوم‬

‫أولى هذه الخصائص أنها برئت من الطابع التعبدي التحكمي الذي عرفت به اليهودية‪ ،‬والذي ظنه بعض الباحثين في األخالق‬
‫الزما ذاتيا ألسلوب الدعوة األخالقية في األديان جميعا‪ ،‬وجهل هؤالء أن اإلسالم على عكس ذلك تماما‪ .‬إنما يعتمد دائما على‬
‫الحكم المعقولة‪ ،‬والعلل المقبولة‪ ،‬مخاطبا العقل القويم‪ ،‬والوجدان السليم‪ ،‬مبينا المصالح من وراء ما يأمر به‪ ،‬والمفاسد من‬
‫‪.‬جراء ما ينهى عنه‪ ،‬مفصال تارة‪ ،‬ومجمال تارة‬

‫اقرأ في التعليل التفصيلي‪( :‬وأقم الصالة‪ ،‬إن الصالة تنهى عن الفحشاء والمنكر)‪( ،‬كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من‬
‫‪.‬قبلكم لعلكم تتقون)‪( ،‬وال تستوي الحسنة وال السيئة‪ ،‬ادفع بالتي هي أحسن‪ ،‬فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم)‬

‫‪.‬وفي التعليل اإلجمالي‪( :‬فاسعوا إلى ذكر هللا‪ ،‬وذروا البيع‪ ،‬ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون)‪( ،‬أو لحم خنزير فإنه رجس)‬

‫أخالق عالمية‬

‫واألخالق في اإلسالم إنسانية عالمية‪ ،‬ال تبيح لجنس ما تحرمه على آخر‪ ،‬العرب والعجم فيها سواء‪ ،‬بل المسلمون وغيرهم‬
‫أمام أخالقها سواسية‪ ،‬الربا حرام مع المسلم والكافر‪ ،‬والسرقة حرام لمال المسلم والكافر‪ ،‬والزنا حرم بالمسلمة وغير المسلمة‪،‬‬
‫‪:‬والعدل واجب مع المسلم وغير المسلم‪ ،‬والعدوان حرام على المسلم وغير المسلم‪ .‬وفي هذا يقول القرآن‬

‫)ال يجرمنكم شنآن قوم على أال تعدلوا‪ ،‬اعدلوا هو أقرب للتقوى(‬

‫وبهذا تنزهت األخالق اإلسالمية عن النزعة العنصرية القومية التي اتسمت بها األخالق اليهودية‪ ،‬واألخالق القبلية والبدائية‬
‫‪.‬على وجه العموم‬

‫مالءمة الفطرة‬

‫جاء اإلسالم في مجال األخالق بما يالئم الفطرة والطبيعة البشرية ويكملها‪ ،‬ال بما يصادرها ويصدمها فما كان هللا ليخلق‬
‫‪.‬اإلنسان على طبيعة ثم يكلفه أن يقهرها ويقتلها‪ ،‬أو يبطل أثرها ويجمدها‬

‫ومن هنا اعترف اإلسالم بالكائن اإلنساني‪ ،‬كما خلقه هللا‪ ،‬بدوافعه النفسية‪ ،‬وميوله الفطرية‪ ،‬وكل ما صنعه أنه هذبها وسما بها‪،‬‬
‫ووضع لها الحدود التي تصان بها مصلحة المجتمع‪ ،‬ومصلحة الفرد ذاته‪ .‬ولهذا أباحت الشريعة التمتع بالطيبات والزينة‪،‬‬
‫‪.‬وشرعت الملكية الخاصة‪ ،‬ولم تنظر للغرائز على أنها رجس من الشيطان‬

‫‪.‬رغب اإلسالم في النظافة والزينة‪ ،‬وجعلهما من مقدمات الصالة وشروطها (خذوا زينتكم عند كل مسجد)‬

‫‪.‬أنكر القرآن بشدة على الذين يحرمون (زينة هللا التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق)‬

‫‪".‬فإذا كانت المسيحية ترى أن الغنى ال يدخل ملكوت السموات‪ ،‬فاإلسالم يقول‪" :‬نعم المال الصالح للرجل الصالح‬
‫وإذا كانت المسيحية قد أنشأت نظام الرهبانية العاتي بما فيه من قسوة على الجسد‪ ،‬ومصادرة للنوازع الفطرية‪ ،‬فاإلسالم ينهى‬
‫عن التبتل‪ ،‬ويحض على الزواج‪ ،‬ويرى أن الدنيا متاع‪ ،‬وخير متاعها المرأة الصالحة‪ ،‬بل يعتبر السعي على العيال‪ ،‬والقيام‬
‫‪.‬على شؤونهم ضربا من الجهاد في سبيل هللا‬

‫ولكن اإلسالم في كل ما أباحه ـ مراعيا الطبيعة البشرية ـ قد وضح له الضوابط والحدود التي تقف عند حد االعتدال‪ ،‬وال‬
‫‪.‬يستحيل باإلفراط والغلو إلى انطالق حيواني ذميم‬

‫مراعاة الواقع‬

‫ومن خصائص األخالق اإلسالمية‪ :‬أنها أخالق واقعية‪ ،‬ال تصدر أوامرها ونواهيها ألناس يعيشون في أبراج عاجية‪ ،‬أو‬
‫يحلقون في أجواء المثالية المجنحة‪ ،‬إنما تخاطب بشرا يمشون على األرض‪ ،‬لهم دوافع وشهوات‪ ،‬ولهم مطامع وأمال‪ ،‬ولهم‬
‫‪.‬مصالح وحاجات‪ ،‬ولهم من دوافع الجسد ما ينزع بهم إلى األرض‪ ،‬كما لهم من أشواق الروح ما يرتفع بهم إلى السماء‬

‫لم يكلف القرآن اإلنسان أن يحب أعداءه‪ ،‬وأن يبارك العنيه ـ كما أمر اإلنجيل ـ فهذا شيء ال تطيقه النفس البشرية ـ إال شذوذا‬
‫ـ وإنما أمر القرآن المؤمنين أن يعدلوا مع أعدائهم‪ ،‬وال تحملهم عداوتهم وبغضهم على االعتداء عليهم (وال يجرمنكم شنآن قوم‬
‫على أال تعدلوا‪ ،‬اعدلوا هو أقرب للتقوى)‪ ،‬وهذا هو المقدور للبشر‪ ،‬وأنه مع ذلك لقمة ال يرتقي إليها إال المؤمنون ولم يقل‬
‫القرآن ما قال اإلنجيل‪" :‬من ضربك على خدك األيمن فأدر له خدك األيسر‪ ،‬ومن سرق قميصك‪ ،‬فأعطه إزارك" فهذا ال‬
‫يستطيعه ـ كما يشهد الواقع ـ كل الناس‪ ،‬وال في كل األحوال‪ .‬بل قال القرآن‪( :‬وجزاء سيئة سيئة مثلها‪ ،‬فمن عفا وأصلح‪،‬‬
‫فأجره على هللا وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به‪ ،‬ولئن صبرتم لهو خير للصابرين) فأقر مبدأ العدل‪ ،‬ثم فتح الباب‬
‫للمتطلعين إلى السمو والكمال‪ ،‬ليعفوا ويصفحوا‪ .‬الشيء الذي يحرمه اإلسالم هو العدوان‪( :‬وال تعتدوا إن هللا ال يحب‬
‫‪.‬المعتدين) وبذلك وفق اإلسالم بين عدل التوراة وسماحة اإلنجيل‪ ،‬وهذه هي الواقعية المالية المتوازنة‬

‫لم يقل القرآن ما قال اإلنجيل‪" :‬إذا أعثرتك عينك فاقلعها‪ ،‬وألقها عنك‪ ،‬فإنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك من أن يلقى بدنك‬
‫كله من جهنم"‪ ،‬بل أمر المؤمنين والمؤمنات أن يغضوا من أبصارهم‪ ،‬كما أمرهم بالتوبة مما قد يبدر منهم‪ ،‬فقال‪( :‬وتوبوا إلى‬
‫هللا جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون)‪ ،‬وعفا الرسول عن نظرة الفجاءة‪ ،‬وقال‪" :‬ال تتبع النظرة النظرة فإنما لك األولى‪،‬‬
‫وليست لك اآلخرة‬

‫ومن واقعية األخالق اإلسالمية أنها لم تفترض في المؤمنين المتقين أن يكونوا مالئكة أولى أجنحة‪ ،‬ال تسول لهم أنفسهم سوءا‬
‫يوما‪ ،‬وال يتورطون في أوحال الرذيلة أبدا‪ ،‬كال إن اإلنسان خلق على طبيعة مزدوجة‪ ،‬جمعت بين طين وحمإ مسنون‪ ،‬وبين‬
‫نفخة من روح هللا‪ .‬فليس بمستنكر أن يذنب‪ ،‬ثم يتوب‪ .‬إنما المنكر أن يتمادى في الذنوب ويستمرئ الرذيلة والعصيان‪ .‬لقد‬
‫أذنب آدم ـ أبو البشر ـ وتاب فتاب هللا عليه‪ ،‬فال غرابة أن يكون بنوه مثله‪ ،‬لهذا جعل القرآن من أصناف المتقين‪( :‬والذين إذا‬
‫فعلوا فاحشة‪ ،‬أو ظلموا أنفسهم ذكروا هللا‪ ،‬فاستغفروا لذنوبهم‪ ،‬ومن يغفر الذنوب إال هللا؟‪ ،‬ولم يصروا على ما فعلوا وهم‬
‫يعلمون)‬

‫كما فرق القرآن بين كبائر اإلثم وفواحشه‪ ،‬وبين صغائر السيئات ولمم الذنوب التي قلما يسلم منها أحد‪ ،‬فهي في دائرة‬
‫المسامحة والغفران ما اجتنبت الموبقات‪( :‬إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم‪ ،‬وندخلكم مدخال كريما)‬

‫‪:‬اإليجابية‬

‫ومن واقعية األخالق اإلسالمية أنها قدرت للضرورات قدرها‪ ،‬وراعت األعذار والظروف المخففة‪ ،‬ولم تتزمت تزمت‬
‫المثاليين المتطرفين الذين يقبلون أي استثناء‪ .‬ولهذا بعد أن ذكر القرآن محرمات األطعمة‪ ،‬عقب عليها بقوله‪( :‬فمن اضطر‬
‫غير باغ وال عاد فال إثم عليه إن هللا غفورا رحيم)‬
‫ومن خصائص األخالق في اإلسالم‪ :‬أنها أخالق إيجابية‪ ،‬فهي ال ترضى من المتحلي بها مسايرة الركب‪ ،‬أو المشي مع التيار‪،‬‬
‫أو العجز واالستسالم لألحداث توجه قياده كالريشة في مهب الريح‪ .‬إنما تحث على القوة والكفاح‪ ،‬ومواصلة السعي في ثقة‬
‫‪.‬وأمل‪ ،‬وتقاوم العجز واليأس‪ ،‬والتماوت والكسل‪ ،‬وكل أسباب الضعف‪ .‬وفي القرآن الكريم‪( :‬خذ الكتاب بقوة)‬

‫وفى الحديث‪" :‬احرص على ما ينفعك واستعن باهلل وال تعجز‪ ،‬وال تقل‪ :‬لو أنى فعلت كذا لكان كذا‪ ،‬ولكن قل‪ :‬قدر هللا وما شاء‬
‫‪".‬فعل‪ ،‬فإن "لو" تفتح عمل الشيطان‬

‫ويوصي الرسول بالعمل لعمارة الحياة حتى آخر لحظة في عمر الدنيا‪ ،‬ولو لم ينتفع بثمرة العمل أحد‪ ،‬ولكن احترام لقيمة‬
‫‪".‬العمل في ذاته‪" ،‬إن قامت الساعة وفى يد أحدكم فسيلة يريد أن يغرسها‪ ،‬فإن استطاع أال تقوم حتى يغرسها فليغرسها‬

‫يرفض اإلسالم اإلتكالية المنهزمة التي نراها في قول أصحاب موسى له‪( :‬فاذهب أنت وربك فقاتال‪ ،‬إنا ههنا قاعدون)‪ ،‬ولكن‬
‫‪".‬يريد اإليجابية الفعالة التي تتمثل في قول أصحاب محمد‪" :‬اذهب أنت وربك فقاتال‪ ،‬إنا معكما مقاتلون‬

‫لم يكتف اإلسالم من المسلم أن يكون مستقيما في نفسه‪ ،‬حتى يعمل على استقامة غيره‪ ،‬ولم يقبل المرء في عداد الفضالء‬
‫الصالحين إذا صلح هو‪ ،‬ولم يأبه لفساد المجتمع من حوله‪ ،‬بل فرض على كل مسلم ـ بقدر كفايته واستطاعته ـ الدعوة إلى‬
‫‪،‬الخير واألمر بالمعروف‪ ،‬والنهي عن المنكر‪ ،‬والتواصي بالحق‪ ،‬والتواصي بالصبر والمرحمة‪ ،‬والنصيحة في الدين‬

‫واالهتمام بأمر المسلمين‪( :‬كنتم خير أمة أخرجت للناس‪ ،‬تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر‪ ،‬وتؤمنون باهلل)‪( ،‬والعصر‪،‬‬
‫إن اإلنسان لفي خسر‪ ،‬إال الذين آمنوا وعملوا الصالحات‪ ،‬وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)‪" ،‬الدين النصيحة"‪" ،‬من لم يهتم‬
‫‪".‬بأمر المسلمين فليس منهم‬

‫بهذا رفض اإلسالم السلبية أمام الفساد االجتماعي والسياسي‪ ،‬والتحلل الخلقي والديني‪ ،‬وطلب إلى المسلم أن يغير المنكر بيده‪،‬‬
‫‪.‬فإن لم يستطع فبلسانه‪ ،‬فإن لم يستطع فبقلبه‪ ،‬وذلك أضعف اإليمان‬

‫‪.‬والتغيير بالقلب ليس سلبيا كما يظن‪ ،‬ولكنه تعبئة نفسية وشعورية ضد الفساد‪ ،‬ال بد أن تتجسد يوما في عمل ملموس‬

‫الشمول‬

‫ومن خصائص األخالق اإلسالمية أنها أخالق شاملة مستوعبة‪ ،‬فإذا ظن بعض الناس أن األخالق في األديان تنحصر في أداء‬
‫الشعائر التعبدية ونحو ذلك‪ ،‬فهذا إن صح في أخالق دين ما‪ ،‬ال يصح أن يوصف به قانون األخالق في اإلسالم‪ .‬فإن هذا‬
‫القانون لم يدع للنشاط اإلنساني من ناحيتيه‪ :‬الفردية واالجتماعية مجاال حيويا‪ ،‬أو فكريا‪ ،‬أو أدبيا‪ ،‬أو روحيا‪ ،‬إال رسم له منهجا‬
‫للسلوك وفق قاعدة معينة‪ ،‬بل تخطى عالقة اإلنسان بنفسه عالقته ببني جنسه‪ ،‬فشمل عالقته بالكون في جملته وتفصيله‪،‬‬
‫ووضع لذلك كله ما شاء هللا من اآلداب الراقية‪ ،‬والتعاليم السامية‪ ،‬وهكذا جمع ما فرقه الناس باسم الدين‪ ،‬وباسم الفلسفة‪ ،‬ثم‬
‫‪.‬كان له عليهما المزيد‬

‫من أخالق اإلسالم ما يتعلق بذات الفرد‬

‫"جسما‪" :‬إن لبدنك عليك حقا‬

‫‪:‬له حاجاته وضروراته )كلوا واشربوا وال تسرفوا(‬

‫وعقال‪ :‬له مواهبه وآفاقه‪( :‬قل انظروا ماذا في السموات واألرض)‪( ،‬إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا هلل مثنى وفرادى ثم‬
‫تفكروا)‬

‫ونفسا‪ :‬لها مشاعرها ودوافعها وأشواقها‪( :‬قد أفلح من زكاها‪ ،‬وقد خاب من دساها)‪( ،‬وفي أنفسكم أفال تبصرون‬
‫ومن أخالق اإلسالم ما يتعلق بالمجتمع‬

‫‪:‬في آدابه ومجامالته‬

‫)وال تصعر خدك للناس وال تمش في األرض مرحا( ‪)،‬ال تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها(‬

‫وفي اقتصاده ومعامالته‪( :‬ويل للمطففين‪ ،‬الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون‪ ،‬وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون)‪( ،‬اتقوا هللا‬
‫‪".‬وذروا ما بقي من الربا‪ ،‬إن كنتم مؤمنين)‪" ،‬من غش فليس منا‬

‫وفى سياسته وحكمه‪( :‬إن هللا يأمركم أن تؤدوا األمانات إلى أهلها‪ ،‬وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)‪" ،‬الدين النصيحة‪.‬‬
‫‪ .‬هلل ولرسوله ولكتابه وألئمة المسلمين وعامتهم‬

‫فال انفصال في شرعة اإلسالم بين السياسة واألخالق‪ ،‬وال بين االقتصاد واألخالق‪ ،‬كما تنادي بذلك بعض االتجاهات الحديثة‬
‫‪.‬في العالم الغربي‬

‫"ومن أخالق اإلسالم ما يتعلق بغير العقالء من الحيوان والطير‪" :‬في كل كبد رطبة أجر"‪" ،‬دخلت امرأة النار في هرة حبستها‬

‫ومنها‪ :‬ما يتعلق بالكون والحياة‪( :‬وسخر لكم ما في السموات وما في األرض جميعا منه إن في ذلك آليات لقوم يتفكرون)‬

‫أو لم ينظروا في ملكوت السموات واألرض وما خلق هللا من شيء‬

‫وقبل ذلك كله ما يتعلق بحق الخالق العظيم سبحانه وتعالى‪ ،‬الذي ال يعبد غيره وال يستعان سواه‪( :‬إياك نعبد وإياك نستعين)‬

‫التوازن‬

‫ومن خصائص األخالق اإلسالمية‪ :‬التوازن الذي يجمح بين الشيء ومقابله في اتساق وتناسق‪ ،‬بال غلو وال تفريط‬

‫من ذلك‪ :‬التوازن بين حق الجسم وحق الروح‪ ،‬فال حرمان للجسم يصل إلى حد التعذيب‪ ،‬كما في البرهمية الهندية‪ ،‬والمانوية‬
‫الفارسية‪ ،‬والرواقية اليونانية‪ ،‬والرهبانية المسيحية ونحوها‪ .‬وال إغفال ألمر الروح‪ ،‬كما في اليهودية إلى حد كبير‪ ،‬ثم في‬
‫المذاهب المادية التي لم تعترف للروح بوجود‪ ،‬فضال عن أن يكون لها حق‪ .‬ولهذا قال الرسول لبعض أصحابه الذين عزم‬
‫أحدهم أن يقوم الليل فال ينام أبدا‪ ،‬وعزم الثاني أن يصوم النهار فال يفطر أبدا‪ ،‬وعزم الثالث أن يعتزل النساء فال يتزوج أبدا‪:‬‬
‫""إنما أنا أعلمكم باهلل‪ ،‬وأخشاكم له‪ ،‬ولكني أقوم وأنام‪ ،‬وأصوم وأفطر‪ ،‬وأتزوج النساء‪ ،‬فمن رغب عن سنتي فليس مني‬

‫ومن ذلك‪ :‬التوازن بين الدنيا واآلخرة‪ ،‬فإذا كانت اليهودية تجعل أكبر همها هذا العالم األرضي الحاضر‪ ،‬والمسيحية تحصر‬
‫كل توجيهها في ملكوت السماء حيث العالم اآلخر‪ ،‬فاإلسالم يزاوج بين النظرتين‪ ،‬ويمزج بين الحياتين‪ ،‬فهذه مزرعة لتلك‪،‬‬
‫وهللا قد استخلف الناس في األرض‪ ،‬واستعمرهم فيها‪ ،‬فال ينبغي أن يخربوها أو يعطلوها‪ ،‬والسعيد من فاز‬

‫بحسنة الدنيا وحسنة اآلخرة‪( :‬ربنا آتنا في الدنيا حسنة‪ ،‬وفى اآلخرة حسنة)‪( ،‬وابتغ فيما أتاك هللا الدار اآلخرة‪ ،‬وال تنس‬
‫‪.‬نصيبك من الدنيا)‬

‫ومن ذلك التوازن بين الحقوق والواجبات‪ ،‬فال تدليل للفرد بكثرة الحقوق وإطالق العنان له باسم الحرية‪ ،‬فيسترخي ويطغى‬
‫‪.‬وينحرف ويفسد‪ ..‬وال إرهاق له بكثرة الواجبات واألعباء‪ ،‬وان ناء بها ظهره‪ ،‬وخارت قواه‪ ،‬ال باسم المجتمع‪ ،‬وال باسم غيره‬

‫ومن ذلك‪ :‬التوازن بين الواقعية والمثالية‪ ،‬فمع االعتراف بالواقع الذي يعيشه أكثر الناس‪ ،‬يدع المجال مفتوحا ـ مع الترغيب‬
‫‪:‬والتشويق ـ ألصحاب السبق والهمم‪ ،‬للسمو واالرتفاع والمسارعة في الخيرات‪ ،‬فإن درجات الناس تختلف‬
‫فمنهم ظالم لنفسه‪ ،‬ومنهم مقتصد‪ ،‬ومنهم سابق بالخيرات بإذن هللا (والسابقون السابقون‪ ،‬أولئك المقربون(‬

‫إن الناظر إلى توازن األخالق اإلسالمية‪ ،‬وتناسقها المعجز‪ ،‬يأخذه العجب كيف اجتمعت فيها الفضائل المتقابلة‪ ،‬التي يحسب‬
‫الكثيرون أن التقاءها ضرب من المحال‪ .‬ولهذا يتعذر على الباحث أن ينسبها إلى لون أو مذهب من األلوان أو المذاهب‬
‫األخالقية‪ ،‬التي عرفها الناس قديما وحديثا‪ :‬أهي أخالق قوة أم أخالق محبة؟ هل هي أخالق زهد أم أخالق حياة؟ أهي أخالق‬
‫روحية أم أخالق مادية؟ أهي أخالق ربانية أم أخالق إنسانية؟ أهي أخالق عقلية أم أخالق دينية؟ أهي أخالق مثالية أم واقعية‪،‬‬
‫أهي أخالق فردية أم اجتماعية؟‬

‫والحق أنها ليست واحدة من هؤالء‪ ،‬ولكنها كل أولئك جميعا‪ ،‬ألن فيها قدرا من كل نوع من هذه األنواع‪ ،‬هو خير ما فيها‪ ،‬مع‬
‫‪.‬تنزهها عن مساوئه وتطرفاته‪ .‬فالحق الذي ال ريب فيه أنها‪ :‬أخالق متكاملة متوازنة‪ :‬ألنها أخالق إسالمية‬
‫‪:‬المصادر‬

‫[‪ ]1‬تطبيق الشريعة اإلسالمية في البالد العربية‪.)265( ‬‬


‫[‪  ]2‬الدفاع االجتماعي بين الشريعة اإلسالمية والقانون الوضعي‪.)226( ‬‬
‫[‪ ]3‬يقول األستاذ سيد قطب رحمه هللا في تفسيره‪« :)4/2491( ‬والجماعة المسلمة ال تخسر بالسكوت عن تهمة غ ير محقق ة كم ا تخس ر‬
‫بش يوع االته ام وال ترخص في ه‪ ،‬وع دم التح رج من اإلذاع ة ب ه‪ ،‬وتح ريض الكث يرين من المُتح رجين على ارتك اب الفعل ة ال تي ك انوا‬
‫يستقذرونها‪ ،‬ويظنونها ممنوعة في الجماعة أو نادرة‪ ،‬وذلك فوق اآلالم الفظيعة التي تصيب الحرائر الشريفات واألحرار الش رفاء‪ ،‬وف وق‬
‫اآلثار التي تترتب عليها في حياة الناس وطمأنينة البيوت»‪.‬‬
‫[‪ ]4‬في ظالل القرآن‪.)4/2490( ‬‬
‫[‪ ]5‬حسن لشواهده‪ :‬أخرجه أبو داود في سننه‪/4376( ‬الحدود)‪ ،‬والنسائي في سننه‪/4885( ‬قط ع الس ارق)‪ ،‬وعب د ال رزاق في مص نفه‪( ‬‬
‫‪ ،)10/229‬والح اكم في مس تدركه‪ ،)4/424( ‬وال بيهقي في الك برى‪ ،)8/331( ‬والط براني في األوس ط‪ ،)6/210( ‬وال دارقطني في‬
‫سننه‪ )118 /4( ‬جميعهم من حديث عبد هللا بن عمرو بن العاص رضي هللا عنهما‪.‬‬
‫[‪ ]6‬في ظالل القرآن‪.)4/2489( ‬‬
‫[‪ ]7‬أخرجـه اإلمام البخاري في صحيحه‪/5976 ( ‬األدب)‪ ،‬واإلمام مسلم في صحيحه‪/87( ‬اإليمان)‪ ‬كالهم ا من ح ديث أبي بك رة رض ي‬
‫هللا عنه‪ .‬‬
‫[‪ ]8‬أخرجه اإلمام البخاري في صحيحه‪/2417 ،2416( ‬الخصومات)‪ ،‬واإلم ام مس لم في ص حيحه‪/138( ‬اإليم ان)‪ ‬كالهم ا من ح ديث‬
‫عبد هللا بن مسعود رضي هللا عنه‪ .‬‬

You might also like