Professional Documents
Culture Documents
4 6037152472462525756
4 6037152472462525756
بقلم
أيده الله.
1
تكفير القرضاوي بتصويب المجتهد من أهل األديان
بسم الله الرحمن الرحيم ،والحمد لله العلي القدير والصالة والسالم على البشير
النذير وعلى آله وصحبه ومن وااله.
أما بعد :فهذه مقالة موجزة في تكفير القائل بنجاة المجتهد في األديان كالدكتور
القرضاوي(.)1
أردت في أول األمر أن أرقم على كالم القرضاوي مقالة مديدة ،ثم عدلت إلى االكتفاء
بما يوفي الغرض ،فأقول وبالله التوفيق:
اشتمل كالم القرضاوي على ضالالت عديدة ال أنشط لسردها اآلن واالنعطاف عليها
بالرد والتفنيد فاقتضى المقام االقتصار على النقطة التي ذهبت بإسالمه مع اإلشارة
المختصرة ألثرها في الفكر المعاصر ،وبيان هذا ملخص في مقامات مختصرة:
المقام األول :خالصة رأي القرضاوي.
المقام الثاني :تحقيق مذهب الجاحظ.
المقام الثالث :تحقيق مذهب ثمامة بن أشرس شيخ الجاحظ وأن التلميذ تابع شيخه
في الكفر.
المقام الرابع :حكم الشرع في هذا وبيان العلماء له.
المقام الخامس :أثر هذه البدعة الكفرية في الفكر المعاصر.
***
2
تكفير القرضاوي بتصويب المجتهد من أهل األديان
المقام األول :خالصة رأي القرضاوي :أن من بحث في األديان وانتهى به البحث إلى
أن هناك دينا خير وأفضل من دين اإلسالم كالوثنية واإللحادية واليهودية والنصرانية فاعتنقه
فهو معذور ناج في اآلخرة وال يدخل النار؛ ألنه ال يدخل النار إال الجاحد المعاند؛ موافقة
للجاحظ وخالفا ألهل اإلسالم قاطبة.
***
المقام الثاني :تحقيق مذهب الجاحظ في اإلعذار بالجهل في جميع المسائل.
مما تفرد به الجاحظ وثمامة بن أشرس عن طوائف المعتزلة القول بأن المعارف
الضرورية ال استداللية ،واقتضى هذا األصل اشتراط حقيقة العلم في أصل الدين
وفروعه ،وأن الجهل مانع من التكفير باطنا في جميع المسائل ،وأن من استدل فلم يعرف
الحق في أي مسألة فهو معذور ،وال يكفر إال الجاحد .أما الجاهل من أي صنف وفي أي
مسألة فهو معذور الشتراط حقيقة العلم في التكليف بأصل الدين وفروعه.
***
نبذة من كالم الناس من مشايخ االعتزال وغيرهم في تقرير نظرية الجاحظ وثمامة.
( )1قال أبو علي الجبائي (303هـ) عن الجاحظ« :وأغري بشيئين :كون المعارف
ضرورية ،والكالم على الرافضة» .
()2
( )2وقال أبو الحسين الخياط المعتزلي (311هـ)« :والجاحظ يقول بالمعرفة ،ويزعم
( )2طبقات المعتزلة للقاضي عبد الجبار (ص ،)272وطبقات المعتزلة البن المرتضى (ص.)26
3
تكفير القرضاوي بتصويب المجتهد من أهل األديان
أن أحدا ال يعصي الله إال بعد العلم بما نهاه عنه» .
()3
( )3وقال أبو القاسم الكعبي (313هـ) في إكفار المتأولين« :وقال أصحاب المعارف
الذين زعموا أن المعرفة ضرورة :إنه ال يكفر إال من عاند وجحد بعد العلم والمعرفة».
بعني بأصحاب المعارف :الجاحظ وشيخه ثمامة؛ ألن الكعبي قال في ثمامة «ومما
تفرد به :القول في المعرفة إنها ضرورة» ،وقال في الجاحظ« :ومما تفرد به القول بأن
المعرفة طباع. »...
()4
ولما وصل الكعبي إلى مذهب الجاحظ في المخالف قال« :وقال الجاحظ :إن من
خالفه فيها فال يكفر ،وأظن أنه كان ال يضله أيضا» .
()5
( )4وقال الكعبي في اختالف المعتزلة في قول الصبي والمجنون﴿ :إن الله ثالث
ثالثة﴾« :وقال الجاحظ عمرو بن بحر :ليس قول الطفل :إن الله ثالث ثالثة ،ال كذبا وال
كفرا؛ ألن الكاذب عنده العالم بأنه كذلك ،وكذلك الكافر هو العالم بأنه كافر» .
()2
( )5وقال الحاكم الجشمي المعتزلي (434هـ) في الكالم على األخبار« :الخبر ال
يخلو من صدق أو كذب ،سواء علم أو جهل.
وقال الجاحظ :إذا علم أن مخبره كما أخبر فهو صدق ،وإذا علم أنه بخالفه فهو كذب،
4
تكفير القرضاوي بتصويب المجتهد من أهل األديان
أختم تحرير المعتزلة لمقالة الجاحظ بكالم القاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني
(415هـ) فإنه أجاد في تصوير مقالته وأطال في نقدها وكشف لوازمها الباطلة ،نختار
بعض الفقرات من كالمه لطوله قال عبد الجبار« :اعلم أنه كان يقول في المعارف أنه تقع
ضرورة بالطبع عند النظر في األدلة ،ويقول في النظر إنه ربما وقع طبعا واضطرارا ،وربما وقع
اختيارا ،فمتى قويت الدواعي في النظر وقع اضطرارا بالطبع ،وإذا تساو ت وفع اختيارا.
فأما إرادة النظر فإنه مما يقع باختيار كإرادة سائر األفعال.
وهذه الطريقة دعته إلى التسوية بين النظر والمعرفة وبين إدراك المدركات في أن جميع ذلك
يقع بالطبع ،»...ثم أطال الكالم في تحرير مقالته والرد عليها إلى أن قال:
«وأحد ما يعظم به خطأ أبي عثمان في هذا الباب أنه يلزم أن يقول في سائر من كذب بالرسول
صلى الله عليه وعاند :أنه كان عارفا بالله ورسوله مكابرا جاحدا لما يعرفه؛ فلذلك يوجه إليه
الذم ،وهذه كانت طريقة سائر الكفار فيجعلهم بمنزلة المنافقين عنده في هذا الوجه ،ويقول :لو
كان فيهم من ال يعرف لزالت عنه الحجة ،ولما توجه إليه ذم وال عيب ولحل محل الصبي في أن
الذم ال يلحقه؛ ألن عنده إنما يلحق الذم والمدح من عرف الله وعرف أنه يستحق العقاب من
جهته على المعاصي ،والثواب على الطاعات ،ومن لم يعرف ذلك فالتكليف زائل عنه .وهذا
5
تكفير القرضاوي بتصويب المجتهد من أهل األديان
عظيم من الخطأ ،ألن المتعالم من أمر الكفار خالف هذه الصفة التي حمله على اعتقادها هذا
المذهب».
ثم شرع القاضي في ذكر لوازم كثيرة معلومة البطالن ألزم الجاحظ إياها شيخ
االعتزال أبو علي الجبائي ،منها قوله« :وألزمه في سائر الكفار أن ال يخلو حالهم من
وجهين:
إما أن يكونوا عارفين بجميع ما يعرف من التوحيد والعدل والنبوات فتكون الحجة لهم
الزمة ويصح أن يستحقوا الحمد والذم والثواب والعقاب.
أو يكونوا بخالف هذه الصورة فيكونوا معذورين ألن بفقد المعرفة الحجة عنهم زائلة
وال يحسن أن يذم أحد منهم على ما يقدم من قبيح وترك واجب مع كمال عقولهم.
وقد علمنا أن الحال بخالف ذلك؛ ألن الرسول صلى الله عليه كان يذم الكفار على
تكذيبه والشك في حاله إلى غير ذلك مما ظهر في الشرع عنه وعن المجمعين.»...
ومنها قوله« :وألزمه فقال :إذا كنت تعلق التكليف بالمعرفة وتجعلها اضطرارا عند
النظر طبعا»...؛ فصرح أبو علي الجبائي والقاضي الهمذاني :بأن الجاحظ يجعل حقيقة
المعرفة شرطا في التكليف في جميع المطالب وال يكتفي بالتمكن من العلم.
وهو ما بينه القاضي عبد الجبار قبل مخاضة الجاحظ بقوله« :إن التمكن من العلم
بالشيء يقوم مقام العلم به في حسن التكليف معه فال فرق بين أن يكون العاقل عالما بما
وجب عليه أو متمكنا من معرفته في أن الحالين جميعا يلزمه ذلك الفعل».
عودا إلى إلزامات الجبائي للجاحظ ،يقول القاضي عبد الجبار:
«وقد نبهتك بهذه الوجوه على طريقة االلتزام له في سائر ما يلزمه ألن الذي ألزمه يكثر
جدا ومسائله أيضا فكثيرة».
6
تكفير القرضاوي بتصويب المجتهد من أهل األديان
ثم انتقل القاضي إلى ذكر شبهات الجاحظ وما احتج به من القرآن على مذهبه الباطل
في نفي كفر الجهل ،وأن الكافر هو الجاحد ال الجاهل موردا كل آية استدل بها مقرونة برد
الجبائي عليه فيها تفصيال ،ثم قال بعد ذلك« :وإنما أورد أبو عثمان ذلك ألن شيوخنا
رحمهم الله أبطلوا قوله في هذا الباب بما تقرر وثبت من حال النبي صلى الله عليه وأنه كان
يذم الكفار ويقاتلهم وإن كانوا جاهلين؛ فأداه ذلك إلى أن أنكر هذه الحال! وقال :إنما
عاملهم بذلك؛ ألنهم كانوا عارفين وتعلق بالشبه التي ذكرناها.
وقد بين شيوخنا أن الذي بلغ إليه أبو عثمان مكابرة» .
()6
قلت :المحصل من كالم شيخي االعتزال الجبائي وعبد الجبار :أن الجاحظ مكابر
للضرورات الشرعية ومخالف للسنة والسيرة النبوية وإجماع المجمعين قبله وأنه ال اعتبار
لكالمه.
***
7
نبذة من كالم المخالفين للمعتزلة في تحرير الجاحظية:
( )7قال القاضي أبو بكر الباقالني ( 403هـ) في معرفة الله:
«وزعم الجاحظ :أن العلم بذلك يقع اضطرارا في طباع نامية بعد النظر واالستدالل.
وأن من لم يقع له العلم بالتوحيد والنبوة بعد نظره فإنه معذور غير كافر وال ملوم ،وليس
بذي طبع نام» .
()3
8
تكفير القرضاوي بتصويب المجتهد من أهل األديان
9
تكفير القرضاوي بتصويب المجتهد من أهل األديان
عن درك الحق فهو معذور غير آثم .وإن لم ينظر باعتبار أنه لم يعرف وجوب النظر فهو
معذور أيضا .وإن عاند على خالف اعتقاده فهو آثم معذب ،واحتج بأن الله تعالى ال يكلف
نفسا إال وسعها ،وهؤالء الكفار وأهل األهواء من أهل القبلة قد عجزوا عن درك الحق،
والزموا عقائدهم خوفا من الله سبحانه إذا انسد عليهم طريق المعرفة فال يليق بكرم الله
تعالى ورحمته تعذيبهم على ما ال قدرة لهم عليه ولهذا كان اإلثم مرتفعا عن المجتهدين
في األحكام الشرعية» .
()15
11
تكفير القرضاوي بتصويب المجتهد من أهل األديان
ولهذا قالوا :إن االستطاعة قبل الفعل ،حتى ال يكون تكليف العاجز.
فأما حقيقة العلم فهو شرط عند بعض المعتزلة ،وهم الذين قالوا بأن المعارف
ضرورية.
وعند من قال :إن المعارف استداللية ،فوجود سبب العلم كاف عنده لتوجه
الخطاب.»...
وقال في الواجب المخير« :وقالت المعتزلة :إن الكل واجب ،على طريق البدل ،على
معنى أنه ال يجب عليه اإلتيان بالكل ،وال يجوز ترك الكل .وإذا أتى بواحد من الجملة،
يجوز له ترك الباقي ،إذ ما هو المقصود يحصل بالواحد .وهذه المسألة ،بيننا وبينهم ،فرع
لمسألة أخرى ،وهو أن التكليف ينبني على حقيقة العلم عندهم ،دون السبب الموصل إليه،
وإيجاب واحد من األشياء عين تكليف بما ال علم للمكلف به ،ألن الواجب مجهول حالة
التكليف في حق المكلف ،فيكون تكليف ما ليس في الوسع .وعندنا التكليف ينبني على
سبب العلم ،ال على حقيقة العلم ،كما يبتنى على سبب القدرة ال على حقيقة القدرة .وههنا
طريق العلم قائم ،وهو االختيار ،فال يكون تكليف العاجز» .
()12
تنبيه :إنما أخرت كالم السمرقندي مع قدم الطبقة ألهميته في التفريق بين مذهب
الفقهاء وبين مذهب ثمامة والجاحظ في اشتراط حقيقة العلم في التكليف ،واالكتفاء
بسبب العلم (التمكن) عند الفقهاء ،وهذا طبعا في الشرائع ال في أصل الدين.
***
11
المقام الثالث :تحرير مقالة ثمامة شيخ الجاحظ
التلميذ (الجاحظ) على خطى شيخه (ثمامة) في نفي كفر الجهل وإثبات كفر الجحود
فقط ،والنزاع في الحكم األخروي وإال فالجاحظ وشيخه ثمامة ال ينازعان في أن من أظهر
الكفر في الدنيا فهو كافر في أحكام الشرع ،وإنما بدعتهما في نجاة الجاهل المشرك وعدم
التأثيم والتعذيب في األخرى كما سيأتي بيانه.
( )1قال أبو القاسم الكعبي:
«وقال ثمامة ... :وإن الخلق صنفان :صنف عالم بأن الله ربه وأنه محدث مخلوق،
وصنف غير عالم بأنه غير محدث وأن له محدثا أحدثه؛ فالعالم محجوج ،والجاهل
معذور».
ثم نقل عن الجاحظ أنه قال« :إن أهل القبلة صنفان :فصنف عالم بالتوحيد والعدل
والوعيد ،وصنف جاهل بذلك؛ فالجاهل معذور( ،والعالم) محجوج»(.)17
( )2وقال أبو الحسين الخياط المعتزلي عن ثمامة:
«اليهود والنصارى وجميع الكفار عند ثمامة في النار ﴿خالدين فيها أبدا﴾ ،والكفار
عند ثمامة :هم العارفون بما أمروا به ونهوا عنه ،القاصدون إلى الكفر بالله والمعصية له؛
فمن كان كذلك فهو كافر ،فأما من لم يقصد إلى المعصية لله فليس بكافر عنده...
ولكنه كان يزعم أن هذا االسم إنما يلزم القائل به بعد المعرفة ،فأما من قال به وليست
معه معرفة فال حجة عليه ،وال يسميه يهوديا وال نصرانيا وال كافرا ،ولم يكن يقف على واحد
ممن يظهر اليهودية فيقول :هذا ليس بيهودي ،بل كان يحكم على كل من أظهر شيئا من الكفر
12
تكفير القرضاوي بتصويب المجتهد من أهل األديان
بحكم ما أظهره ،ويعتقد بقلبه إن كان قاله بعد المعرفة.
وكان يقول :كما حكم لمن أظهر اإلسالم بأنه مسلم ولمن اعتقد بقلبه إن كان باطنه
كظاهره فهو مؤمن ،وإن كان بخالف ظاهره فليس بمؤمن= فكذلك قلت أنا :من أظهر الكفر
فهو كافر ،وعقدي إن كانت معه المعرفة والقصد ،وإال فليس هذا االسم له الزما»(.)18
( )3ويقول الخياط أيضا« :أما اليهود والنصارى والزنادقة فكفار عنده مشركون
عامدون للمعصية والكفر ،والكفار عنده في النار خالدون ،وإنما قال ثمامة :إن من لم
يعرف فهو معذور عند الله ،وليس هو عنده يهوديا وال نصرانيا وال زنديقا إذا كان جاهال،
ولكنه مع قوله هذا يحكم على جميع من أظهر الكفر أنه كافر في حكم اإلسالم»(.)19
( )4ويقول في تعليل نفي الكفر عن الجاهل المشرك؛ «ألنهم غير عارفين وال قاصدين
لله إلى معصية على العمد لها فزال عنهم بذلك عند ثمامة اسم الكفر ،وزال عنهم الوعيد
الخالصة: بزوال اسم الكفر عنهم؛ ألن الحكم بالوعيد تابع لالسم عند ثمامة»
()21
المحصل من نظرية الجاحظ وشيخه ثمامة هو :أن الوعيد (الخلود في النار) حكم تابع
السم الكافر ،واسم الكافر ال يلزم الجاهل عند الله؛ ألن االسم تابع لقيام وصف الكفر
بالمعين ،ووصف الكفر ال يتحقق إال بشرط الجحود عنده ،فمن بحث واجتهد في طلب
الحق في أصل الدين وفروعه فلم يحصل إال على الكفر والضالل فليس عليه شيء ،ال
هو كافر وال آثم بل هو ناج في اآلخرة .وإن لم يبحث للجهل بوجوب النظر عليه فليس
عليه شيء ،ال هو كافر وال آثم فال يعذب أصال .وإن عاند بعد العلم فهو كافر آثم معذب،
13
تكفير القرضاوي بتصويب المجتهد من أهل األديان
وكل من الجاهل والمعاند كافر في أحكام الشرع في الدنيا وإنما الكالم في العقوبة
األخروية.
احتج شيخا الضاللة (ثمامة والجاحظ) في إعذار الكافر الجاهل سواء كان منتسبا أو
غير منتسب بأن الله تعالى ال يكلف نفسا إال وسعها ،وهؤالء الكفار وأهل األهواء قد
عجزوا عن درك الحق ،والعجز العلمي (الجهل) كالعجز الحسي (عدم القدرة على
الفعل) ،وإذا انسد عليهم طريق المعرفة فال يليق برحمة الله الواسعة تعذيبهم على ما ال
قدرة لهم عليه ولهذا كان اإلثم مرتفعا عن المجتهدين في األحكام الشرعية؛ فانحصرت
شبهتهم في شيئين:
-1قياس أصل الدين على فروعه ،وأن الجهل الذي هو عدم القدرة على العلم كعدم
القدرة على الفعل.
-2أن رحمة الله تسع عفو الجاهل والمجتهد المخطئ في أصل الدين كما وسعت
المخطئ في األحكام الشرعية.
الرد على الشبهتين والحكم على شيخي الضاللة وأنصارهما في المقام اآلتي إن شاء
الله.
***
14
تكفير القرضاوي بتصويب المجتهد من أهل األديان
15
تكفير القرضاوي بتصويب المجتهد من أهل األديان
16
تكفير القرضاوي بتصويب المجتهد من أهل األديان
أو ضاللة اعتقدها ،إال أن يأتيها بعد علم منه بصواب وجهها ،فيركبها عنادا منه لربه فيها؛
ألن ذلك لو كان كذلك ،لم يكن بين فريق الضاللة الذي ضل وهو يحسب أنه هاد ،وفريق
الهدى فرق ،وقد فرق الله بين أسمائهما وأحكامهما في هذه اآلية».
-4وفي آية الكهف ...« :وهذا من أدل الدليل على خطأ قول من زعم أنه ال يكفر بالله
أحد إال من حيث يقصد إلى الكفر بعد العلم بوحدانيته؛ وذلك أن الله تعالى ذكره أخبر عن
هؤالء الذين وصف صفتهم في هذه اآلية ،أن سعيهم الذي سعوا في الدنيا ذهب ضالال،
وقد كانوا يحسبون أنهم يحسنون في صنعهم ذلك ،وأخبر عنهم أنهم هم الذين كفروا بآيات
ربهم؛ ولو كان القول كما قال الذين زعموا أنه ال يكفر بالله أحد إال من حيث يعلم ،لوجب
أن يكن هؤالء القوم في عملهم الذي أخبر الله عنهم أنهم كانوا يحسبون فيه أنهم يحسنون
صنعه ،كانوا مثابين مأجورين عليه ،ولكن القول بخالف ما قالوا ،فأخبر جل ثناؤه عنهم
أنهم بالله كفرة ،وأن أعمالهم حابطة».
-5وقال أبو إسحاق الزجاج (311هـ) في «معاني القرآن وإعرابه» في آية األعراف
﴿ويحسبون أنهم مهتدون﴾« :يدل على أن قوما ينتحلون اإلسالم ويزعمون أن من كان
كافرا وهو ال يعلم إنه كافر فليس بكافر مبطلون ألمر نحلتهم؛ ألن الله جل ثناؤه قد أعلمنا
أنهم يحسبون أنهم مهتدون ،وال اختالف بين أهل اللغة في أن الحسبان ليس تأويله غير ما
يعلم من معنى حسب.
والدليل على أن الله قد سماهم بظنهم كفرة :قوله عز وجل﴿ :وما خلقنا السماء
واألرض وما بينهما باطال ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار﴾؛ فأعلم أنهم
بالظن كافرون ،وأنهم معذبون».
17
تكفير القرضاوي بتصويب المجتهد من أهل األديان
18
تكفير القرضاوي بتصويب المجتهد من أهل األديان
-12وقال اإلمام فخر الدين الرازي (202هـ)« :هو محمول على عمومه؛ فكل من
شرع في باطل فهو يستحق الذم والعذاب ،سواء حسب كونه حقا ،أو لم يحسب ذلك .وهذه
اآلية تدل على أن مجرد الظن والحسبان ال يكفي في صحة الدين ،بل ال بد فيه من الجزم
والقطع واليقين ألنه تعالى عاب الكفار بأنهم يحسبون كونهم مهتدين ،ولوال أن هذا
الحسبان مذموم وإال لما ذمهم بذلك».
-13واإلمام ابن كثير (774هـ) في آية الكهف« :هذه اآلية الكريمة تشمل الحرورية
كما تشمل اليهود والنصارى وغيرهم ،ال أنها نزلت في هؤالء على الخصوص ،وال
هؤالء ،بل هي أعم من هذا؛ فإن هذه اآلية مكية قبل خطاب اليهود والنصارى وقبل وجود
الخوارج بالكلية ،وإنما هي عامة في كل من عبد الله على غير طريقة مرضية يحسب أنه
مصيب فيها ،وأن عمله مقبول ،وهو مخطئ ،وعمله مردود».
-14وعالء الدين الخازن (741هـ)« :وفيه دليل على :أن الكافر الذي يظن أنه في دينه
على الحق ،والجاحد والمعاند في الكفر سواء».
-15وقال اإلمام النقاش« :فيه رد على من يقول :إنه ليس أحد يفارق الحق إال وهو
يعلم أنه ضال ،وإن كفر فعلى وجه العناد ،قال :وفيها أيضا رد على من يزعم أن المعارف
اضطرارية».
-12وقال العليمي الحنبلي (327هـ)« :يدل على أن الكافر المخطئ والمعاند سواء
في استحقاق الذنب».
-17وقال الخطيب الشربيني (377هـ) في آية األعراف« :وفيه دليل على أن الكافر
الذي يظن أنه في دينه على الحق ،والجاحد والمعاند في الكفر سواء».
19
تكفير القرضاوي بتصويب المجتهد من أهل األديان
16وقال ابن عجيبة الحسني (1224هـ)« :وفيه دليل على أن الكافر المخطئ والمعاند
سواء في الذم واستحقاق العذاب؛ إذ ال يعذر بالخطأ في أمر التوحيد».
-13وقال محمد ثناء الله المظهري (1225هـ)« :فيه دليل على أن الجهل ليس بعذر،
وأن الكافر المخطئ والمعاند سواء في استحقاق الذم».
-20وقال أبو الطيب صديق خان (1307هـ)« :وفيه دليل أيضا على :أن الكافر الذي
يظن أنه في دينه على الحق ،والجاحد والمعاند في الكفر سواء...
ودلت أيضا على :أن كل من شرع في باطل فهو مستحق للذم سواء حسب كونه هدى
أو لم يحسب ذلك».
-21والشيخ محمد رشيد رضا (1354هـ)« :وأكثر من ضل من البشر في االعتقاديات
والعمليات يحسبون أنهم مهتدون ،وأقل الكفار الجاحدون للحق كبرا وعنادا كأعداء
الرسل في عصورهم ،وحاسديهم على ما آتاهم الله من فضله فكرمهم به عليهم...
وأما سائر الناس فضالون بالتقليد واتباع الشهوات الشيطانية ،أو بالنظريات واآلراء
الباطلة ،وهم الذين قال تعالى فيهم﴿ :قل هل ننبئكم باألخسرين أعماال الذين ضل سعيهم
في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا﴾ .ولو كان التقليد عذرا مقبوال لكان
أكثر كفار األرض في جميع األزمنة واألمكنة معذورين ناجين كالمؤمنين».
-22وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي (1372هـ)« :وفيه دليل على أن الهداية بفضل
الله ومنه ،وأن الضاللة بخذالنه للعبد ،إذا تولى -بجهله وظلمه -الشيطان ،وتسبب
لنفسه بالضالل ،وأن من حسب أنه مهتد وهو ضال ،أنه ال عذر له ،ألنه متمكن من الهدى،
وإنما أتاه حسبانه من ظلمه بترك الطريق الموصل إلى الهدى».
21
تكفير القرضاوي بتصويب المجتهد من أهل األديان
-23وقال الشيخ الشنقيطي (1333هـ)« :هذه النصوص القرآنية تدل على أن الكافر
ال ينفعه ظنه أنه على هدى؛ ألن األدلة التي جاءت بها الرسل لم تترك في الحق لبسا وال
شبهة ،ولكن الكافر لشدة تعصبه للكفر ال يكاد يفكر في األدلة التي هي كالشمس في رابعة
النهار لجاجا في الباطل ،وعنادا فلذلك كان غير معذور».
قال أبو سلمان أيده الله :تلك تقريرات أهل التفسير ونبذ من كالمهم في داللة الكتاب
على بطالن الشبهة الثمامية الجاحظية القرضاوية ،وأن كفار بني آدم يحسبون أنهم على
الهدى ،سواء في ذلك الكافر األصلي والمنتسب ،وأن حسبانهم ال ينفي عنهم لحوق
الوعيد واستحقاق الذم.
( )2كالم أهل األصول( )21في إبطال الشبهة وبيان فسادها.
نختار من تحريراتهم بعض المقاطع في ردودهم على الشبهة لكثرتها:
-1قال اإلمام العمراني شيخ الشافعية في اليمن (556هـ) في كتاب «االنتصار» في
قوله تعالى﴿ :وإنهم ليصدونهم عن السبيل﴾ وقوله﴿ :ويحسبون أنهم مهتدون﴾« :يعني:
يظنون أنهم على هدى ،وهذا ال يكون إال في الدنيا ،فأما في النار فقد تيقنوا أنهم لم يكونوا
في الدنيا على هدى.
وفي هذا داللة على أن اإلنسان قد يفارق الحق وال يعرف ذلك ،وعلى أن المعرفة
ليست اضطرارا .ومثل هذا قوله تعالى﴿ :ويحسبون أنهم على شيء أال إنهم هم
الكاذبون﴾».
-2وقال اإلمام الغزالي (505هـ) في «المستصفى»« :ذهب الجاحظ إلى أن مخالف
21
تكفير القرضاوي بتصويب المجتهد من أهل األديان
ملة اإلسالم من اليهود والنصارى والدهرية إن كان معاندا على خالف اعتقاده فهو آثم،
وإن نظر فعجز عن درك الحق فهو معذور غير آثم ،وإن لم ينظر من حيث لم يعرف وجوب
النظر فهو أيضا معذور .وإنما اآلثم المعذب هو المعاند فقط؛ ألن الله تعالى ال يكلف
نفسا إال وسعها وهؤالء قد عجزوا عن درك الحق ولزموا عقائدهم خوفا من الله تعالى إذ
استد عليهم طريق المعرفة.
وهذا الذي ذكره ليس بمحال عقال لو ورد الشرع به وهو جائز ،ولو ورد التعبد كذلك
لوقع ،ولكن الواقع خالف هذا فهو باطل بأدلة سمعية ضرورية ،فإنا كما نعرف أن النبي
صلى الله عليه وسلم أمر بالصالة والزكاة ضرورة فيعلم أيضا ضرورة أنه أمر اليهود
والنصارى باإليمان به واتباعه وذمهم على إصرارهم على عقائدهم؛ ولذلك قاتل جميعهم
وكان يكشف عن مؤتزر من بلغ منهم ويقتله ،ويعلم قطعا أن المعاند العارف مما يقل ،وإنما
األكثر المقلدة الذين اعتقدوا دين آبائهم تقليدا ولم يعرفوا معجزة الرسول عليه السالم
وصدقه.
واآليات الدالة في القرآن على هذا ال تحصى ،كقوله تعالى﴿ :ذلك ظن الذين كفروا
فويل للذين كفروا من النار﴾ وقوله تعالى﴿ :وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم﴾
وقوله تعالى﴿ :وإن هم إال يظنون﴾ وقوله﴿ :ويحسبون أنهم على شيء﴾ وقوله تعالى:
﴿في قلوبهم مرض﴾ أي :شك .وعلى الجملة ذم الله تعالى والرسول -عليه السالم -
المكذبين من الكفار مما ال ينحصر في الكتاب والسنة.
وأما قوله :كيف يكلفهم ما ال يطيقون؟
قلنا :نعلم ضرورة أنه كلفهم ،أما أنهم يطيقون أو ال يطيقون فلننظر فيه؛ بل نبه الله تعالى
22
تكفير القرضاوي بتصويب المجتهد من أهل األديان
على أنه أقدرهم عليه بما رزقهم من العقل ونصب من األدلة وبعث من الرسل المؤيدين
بالمعجزات الذين نبهوا العقول وحركوا دواعي النظر حتى لم يبق على الله ألحد حجة بعد
الرسل».
-3وقال اإلمام ابن قدامة (220هـ) في «الروضة»« :أما الذي ذهب إليه الجاحظ:
فباطل يقينا ،وكفر بالله تعالى ،ورد عليه وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم فإنا نعلم قطعا
أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر اليهود والنصارى باإلسالم واتباعه ،وذمهم على
إصرارهم ،وقاتل جميعهم ،وقتل البالغ منهم .ونعلم :أن المعاند العارف مما يقل ،وإنما
األكثر مقلدة ،اعتقدوا دين آبائهم تقليدا ،ولم يعرفوا معجزة الرسول وصدقه .واآليات
الدالة في القرآن على هذا كثيرة ،كقوله تعالى﴿ :ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا
من النار﴾﴿ ،وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين﴾ ﴿وإن هم
إال يظنون﴾ ﴿يحسبون أنهم على شيء﴾ ﴿ويحسبون أنهم مهتدون﴾ ﴿الذين ضل سعيهم
في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ،أولئك الذين كفروا بآيات ربهم
ولقائه﴾ .وفي الجملة :ذم المكذبين لرسول الله مما ال ينحصر في الكتاب والسنة».
-4وقال أبو الحسن اآلمدي (231هـ) في «اإلحكام»« :ووجه االحتجاج بهذه
اآليات :أنه ذمهم على معتقدهم وتوعدهم بالعقاب عليه ،ولو كانوا معذورين فيه لما كان
كذلك.
وأما السنة :فما علم منه عليه السالم علما ال مراء فيه تكليفه للكفار من اليهود
والنصارى بتصديقه ،واعتقاد رسالته ،وذمهم على معتقداتهم ،وقتله لمن ظفر به منهم،
وتعذيبه على ذلك ،مع العلم الضروري بأن كل من قاتله وقتله لم يكن معاندا بعد ظهور
23
تكفير القرضاوي بتصويب المجتهد من أهل األديان
الحق له بدليله ،فإن ذلك مما تحيله العادة ،ولو كانوا معذورين في اعتقاداتهم وقد أتوا بما
كلفوا به لما ساغ ذلك منه.
وأما اإلجماع :فهو أن األمة من السلف قبل ظهور المخالفين اتفقوا أيضا على قتال
الكفار وذمهم ومهاجرتهم على اعتقاداتهم ،ولو كانوا معذورين في ذلك لما ساغ ذلك
من األمة المعصومة عن الخطإ»....
إلى أن قال« :قولهم :إن ذلك يفضي إلى التكليف بما ال يطاق ،ال نسلم ذلك فإن
الوصول إلى معرفة الحق ممكن باألدلة المنصوبة عليه ووجود العقل الهادي ،وغايته
امتناع الوقوع باعتبار أمر خارج ،وذلك ال يمنع من التكليف به وإنما يمتنع من التكليف
بما ال يكون ممكنا في نفسه كما سبق تقريره في موضعه».
-5وقال اآلمدي في «األبكار»« :اتفق المسلمون على أن الكفار إذا كانوا معاندين
بكفرهم بأن كفروا بعد ظهور الحق لهم؛ فهم مخلدون في النار غير معذورين.
وأما إن نظروا وبالغوا في االجتهاد فأداهم النظر واالجتهاد إلى الكفر ،وعجزوا عن
درك الحق ،فمذهب أهل الحق :أنهم أيضا كالمعاندين فيما يرجع إلى الخلود في النار...
ولم يعذر أحدا من الكفار ،ولم يفصل بين المجتهد العاجز وغيره في ذلك ،مع علمنا بأن
المعاند العارف للحق مما يقل ،وأن أكثر الكفار كانوا :إما مجتهدين عاجزين عن إدراك
الحق ،أو مقلدين آلبائهم غير عارفين بوجوب النظر المؤدي إلى معرفة صدق الرسول
صلى الله عليه وسلم وهؤالء هم األكثرون.
ويدل على وعيدهم وذمهم مع ظنهم أنهم على الحق قوله تعالى﴿ :ذلك ظن الذين
كفروا فويل للذين كفروا من النار﴾ وقوله تعالى﴿ :وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم
24
تكفير القرضاوي بتصويب المجتهد من أهل األديان
أرداكم فأصبحتم من الخاسرين﴾ وقوله تعالى﴿ :ويحسبون أنهم على شيء أال إنهم هو
الكاذبون﴾ إلى غير ذلك من اآليات.
فإن قيل :ما ذكرتموه وإن دل على أنهم غير معذورين غير أن عجزهم عن إدراك الحق
بعد النظر والمبالغة في االجتهاد موجب لعذرهم فلو عاقبهم بعد ذلك كان ذلك تكليفا
بما ال يطاق وقد قال تعالى﴿ :ال يكلف الله نفسا إال وسعها﴾.
قلنا :أما التكليف باعتقاد الحق فمعلوم بالضرورة من أقوال الشارع وأفعاله على ما
سبق.
وقولهم :إن ذلك تكليف بما ال يطاق ال نسلم أنه تكليف بما ال يطاق فإن ذلك ممكن
لهم؛ إذ األدلة على الحق منصوبة ظاهرة ،والعقل الذي به المعرفة حاضر عتيد لديهم ،ومع
ذلك فالمعرفة للحق تكون ممكنة ال ممتنعة فالتكليف بها ال يكون تكليفا بما ال يطاق».
-2وقال العالمة ابن التلمساني الفهري (244هـ) في «شرح المعالم»« :وذهب
الجاحظ والعنبري إلى أن كل مجتهد في األصول مصيب.
وليس مرادهما أن االعتقادين على النقيض حق معا ،وال مطابق للحقيقة؛ ألن ذلك
معلوم البطالن بالضرورة ،وإنما أرادا سقوط اإلثم كما في الفروع ،وهو خالف اإلجماع
من علماء الشريعة قاطبة.
ثم العلم الضروري حاصل بأن النبي أمر اليهود والنصارى باإليمان ،وكفرهم على
اإلصرار ،وقاتلهم عليه ،وكان يكشف عن مقتدرهم فيقتل من أنبت منهم من غير تفصيل،
ولو كان فيهم معذورون ،لبحث عنهم؛ صيانة لدم المعصوم؛ كما لو عرف فيهم مسلما ،هذا
مع كثرة اآليات الدالة على وعيد الكفار مطلقا لمن تتبعها».
25
تكفير القرضاوي بتصويب المجتهد من أهل األديان
26
تكفير القرضاوي بتصويب المجتهد من أهل األديان
عليه بالقتل في الدنيا والوعيد بالخلود في النار في األخرى ،ولم يعذر الشارع أحدا من
الكفار ولم يفصل بين المجتهد وغيره.
وثبت اإلجماع من سلف األمة على ذلك؛ فالمخالف محجوج بإجماع األمة من قبله
فال يلتفت إلى قوله.»...
-11نختم كالم علماء األصلين بتقرير األبي (627هـ) في «إكمال اإلكمال»« :أجمعوا
على أن مخالف ملة اإلسالم مخطئ آثم كافر ،اجتهد في تحصيل الهدى أولم يجتهد.
وقال الجاحظ :إن اجتهد فال إثم عليه ،مع أنه مخطئ ،وأحكام الكفر جارية عليه في
الدنيا بخالف المعاند».
تنبيهات في الوجه األول والثاني:
-1ما ذكرته من كالم العلماء في الوجهين يعتبر نسبة قليلة جدا من كالمهم في إبطال
الشبهة ونسف البدعة الكفرية وما ال يدرك كله ال يترك جله.
-2تبين أن الجاحظ وشيخه ثمامة ال ينازعان في أن من أظهر الكفر من أهل القبلة ومن
أهل األديان األخرى :أنه كافر في أحكام الدنيا ،تجري عليه أحكام المرتدين ،سواء اجتهد
أو لم يجتهد ،جهل أو علم.
-3أن خالف الثمامية الجاحظية ألهل اإلسالم قاصر في الوعيد األخروي والكفر
الباطن ليس إال.
-4من قصر مذهب الرجلين في أهل القبلة فقد أخطأ عليهما.
وكذلك من حصر الخالف في الكافر األصلي فقد جانب الصواب؛ ألن الرجلين ال
يفرقان بين جاهل منتسب وغير منتسب لالشتراك في علة اإلعذار التي هي الجهل والعجز
27
تكفير القرضاوي بتصويب المجتهد من أهل األديان
عن العلم.
-5من حسن الحظ أن صاحب الرجلين = القاضي عبد الجبار الهمذاني= صرح بأن
الجاحظ محجوج بإجماع المجمعين قبله كما سبق ،ومن ثم ليست حكاية اإلجماع في
المسألة خاصة بمخالفي المعتزلة!
-2مذهب الجاحظ هو عين مذهب شيخه (ثمامة) في هذه المسألة بالتحديد ،وإن
اختلفا في التأصيل لجزئية كما تقدم.
***
28
تكفير القرضاوي بتصويب المجتهد من أهل األديان
الوجه الثالث :تكفير العلماء للجاحظ وثمامة بهذه النظرية ونصيب القرضاوي منه.
قال أبو سلمان أيده الله:
ينبغي بعد تقرير مقالة الجاحظ وثمامة بتحرير أهل االعتزال وغيرهم ،وبعد بيان
العلماء بطالن المقالة ومخالفتها لألدلة القطعية من الكتاب والسنة وإجماع سلف األمة=
ينبغي ذكر حكم العلماء على الجاحظ ومن قلده من السابقين والالحقين.
أقتصر في هذا الوجه على عالم أو عالمين غالبا في كل مذهب من المذاهب األربعة.
( )1المذهب الحنفي
قال اإلمام أبو إسحاق الصفار البخاري الحنفي (534هـ) في «تخليص األدلة»:
«ويجب إكفار الجاحظ في قوله ":إن المعارف ضرورية" ألنه يؤدي إلى أن ال تكون
المعرفة مأمورا بها وال تاركها مزجورا عن تركها ،وال مثابا على المعرفة ،وال معاقبا على
تركها».
قلت :طبعا ،ثمامة أيضا كافر؛ ألنه شيخ المقالة وأسها.
***
( )2المذهب المالكي
-1قال القاضي أبو بكر الباقالني (403هـ) في «هداية المسترشدين»:
«ويجب تكفير عبيد الله بن الحسن العنبري ،وعمرو بن بحر الجاحظ في قولهما :أن
كل مجتهد مصيب من أهل األديان».
-2نقله القاضي أبو بكر الطرطوشي مقرا له(.)22
29
تكفير القرضاوي بتصويب المجتهد من أهل األديان
تنبيهان:
األول :سبق بيان ابن التلمساني لمراد الجاحظ في أن المجتهد في األديان مصيب
بقوله:
«ليس مراده أن االعتقادين على النقيض حق معا ،وال مطابق للحقيقة؛ ألن ذلك معلوم
البطالن بالضرورة .وإنما أراد سقوط اإلثم كما في الفروع ،وهو خالف اإلجماع من علماء
الشريعة قاطبة»؛ ولهذا قال الكوراني (633هـ)« :قال الجاحظ والعنبري :ال يأثم المجتهد،
أي :مطلقا كافرا كان ،أو مسلما»(.)23
التنبيه الثاني :العنبرية ليست من الجاحظية الثمامية على التحقيق كما بين اإلمام ابن
قتيبة في «مختلف الحديث» ،وفصله الجاحظ الذي هو األصل في نقل العنبرية إلى الناس
حيث قصر مذهب العنبري في المسائل الخالفية بين أهل القبلة وفي االختالف في تأويل
الكتاب والسنة ،قال« :كل ما كان االختالف فيه من قبل تأويل كتاب ،أو تأويل سنة ،فأما
غير ذلك من المقايسات فكان يجعل الحق في واحد»( ،)24لكن لما تصور الباقالني أن
العنبرية موافقة للجاحظية أجراهما مجرى واحدا في التكفير كما سبق.
قال أبو سلمان أيده الله :على غرار فتوى الباقالني أقول :يجب تكفير القرضاوي في
قوله :أن المجتهد في األديان إذا انتهى به البحث إلى دين يخالف اإلسالم كالوثنية
واإللحادية فهو معذور ناج من النار في اآلخرة.
-2ذكر القاضي عياض بن موسى (544هـ) مقالة العنبري ،ثم قال« :وقال نحو هذا
31
تكفير القرضاوي بتصويب المجتهد من أهل األديان
القول :الجاحظ وثمامة في أن كثيرا من العامة والنساء والبله ومقلدة النصارى واليهود
وغيرهم ال حجة لله عليهم؛ إذ لم تكن لهم طباع يمكن معها االستدالل .وقد نحا الغزالي
قريبا من هذا المنحى في كتاب التفرقة .وقائل هذا كله كافر باإلجماع على كفر من لم يكفر
أحدا من النصارى واليهود ،وكل من فارق دين المسلمين ،أو وقف في تكفيرهم ،أو
شك»(.)25
قلت :ما عزاه القاضي عياض إلى "التفرقة بين اإلسالم والزندقة" عزاه أيضا ابن عرفة
إلى كتاب ثان للغزالي قال ابن عرفة« :قاله الغزالي في كتابة "التفرقة بين اإليمان
والزندقة" ،وفي كتاب" الحقائق" .وكالمه في كتاب "االقتصاد" كمذهب أهل
السنة»(.)26
حاول بعض األشعرية بالتفريق بين مقالة الجاحظ وبين رأي الغزالي في التفرقة(.)27
الخالصة:
كل من وافق الجاحظ وثمامة فهو كافر باإلجماع ،سواء كان من المتقدمين أو
المتأخرين ،وإنما األمر في تحقيق موافقة الالحق كالغزالي للسابق ثمامة والجاحظ.
***
31
تكفير القرضاوي بتصويب المجتهد من أهل األديان
32
تكفير القرضاوي بتصويب المجتهد من أهل األديان
إحداهما :أنه لما شاركه أصحاب المعارف في دعواهم أن المعارف ضرورية زعم أن
من لم يضطره الله تعالى إلى معرفته لم يكن مأمورا بالمعرفة وال منهيا عن الكفر ...وزعم
ألجل ذلك أن عوام الدهرية والنصارى والزنادقة يصيرون في اآلخرة ترابا وزعم أن اآلخرة
إنما هي دار ثواب أو عقاب وليس فيها لمن مات طفال وال لمن يعرف الله تعالى بالضرورة
طاعة يستحقون بها ثوابا وال معصية يستحقون عليها عقابا فيصيرون حينئذ ترابا إذ لم يكن
لهم حظ في ثواب وال عقاب»!
ثم ذكر له البدعة الثانية وهي األفعال المتولدة وأن ال فاعل لها ثم قال:
«ومن فضائح ثمامة أيضا أنه كان يقول في دار اإلسالم :أنها دار شرك ،وكان يحرم
السبي؛ ألن المسبي عنده ما عصى ربه إذا لم يعرفه ،وإنما العاصي عنده من عرف ربه
بالضرورة ثم جحده أو عصاه»(.)31
قال أبو سلمان أيده الله :يعني بقوله «أكفرته األمة كلها» األمة المخالفة للمعتزلة.
وال ريب أن تكفير األمة للطائفة الثمامة بنفي كفر الجهل وبكون المعارف ضرورية
ينسحب على الجاحظ ألنه قائل بنفس نظرية شيخه.
نعم ،سبق نفي أبي الحسين الخياط ما نسب إلى ثمامة من أن الكافر الجاهل ومن ال
تكليف عليه يصير في اآلخرة ترابا ،وإنما يقول ثمامة :الكافر الجاهل اجتهد أو لم يجتهد
معذور غير آثم في أحكام اآلخرة ،وإن كانت أحكام الكفار جارية عليه في الدنيا ،وأن الكافر
الحقيقي هو المعاند ال الجاهل.
هذا ،وأصل الكافرين (ثمامة والجاحظ) يقتضي إثابة الكافر المجتهد بالجنة والنعيم؛
33
تكفير القرضاوي بتصويب المجتهد من أهل األديان
ألنه اجتهد في البحث عن الدين فلم يقدر إال ما وقع له فليس بمكلف باعتقاد الحق لعجزه
عن معرفته وإذا لم يكن مكلفا به فال إثم في اعتقاد الباطل فينتفي الوعيد في حقه!
وإذا انتفى الوعيد صار من أهل الوعد في اآلخرة ألنه ال واسطة ،فالمصير إما جنة
ونعيم ،وإما نار وسعير.
-2لعل أبا المعالي تأنق في التعبير عن مقالة الجاحظ وشيخه بقوله« :ومما يداني
مذهب العنبري مذهب أقوام قالوا :المصيب واحد في األصول ،ولكن المخطئ معذور،
ويستحق الثواب؛ ألنه بذل جهده ،فتجرى أحكام الكفرة على الكفرة ويقاتلون في الدنيا
ألمر الشارع بذلك ،ولكن يثابون في اآلخرة إذا لم يكونوا معاندين...
وقال الجاحظ وثمامة :المعارف ضرورية ،وما أمر الرب الخلق بمعرفته وال بالنظر
بل من حصلت له المعرفة وفاقا فهو مأمور بالطاعة فمن عرف وأطاع استحق الثواب ومن
عرف ولم يطع خلد في النار .وأما من جهل الرب فليس مكلفا ،فإن مات جاهال لم يعاقب.
ثم منهم من قال :يصير ترابا ،ومنهم من قال يصير إلى الجنة فعوام الكفرة أحسن حاال
من فسقة العارفين بالله»(.)31
***
( )31انظر :المسودة في أصول الفقه ( ،)635 /2التحبير شرح التحرير ( ،)3322 /6أصول الفقه البن مفلح
(.)1463 /4
34
تكفير القرضاوي بتصويب المجتهد من أهل األديان
35
تكفير القرضاوي بتصويب المجتهد من أهل األديان
وقال أيضا في الكافر المنتسب« :فالمدعي أن مرتكب الكفر :متأوال ،أو مجتهدا ،أو
مخطئا ،أو مقلدا أو جاهال ،معذور ،مخالف للكتاب والسنة واإلجماع بال شك ،مع أنه ال
بد أن ينقض أصله ،فلو طرد أصله كفر بال ريب ،كما لو توقف في تكفير من شك في رسالة
محمد -صلى الله عليه وسلم ،-ونحو ذلك»(.)35
قال أبو سلمان أيده الله:
القرضاوي يمنع من تكفير الملحد المنكر لوجود الله أو المكذب لألنبياء والرسل
أجمعين ،أو العابد لألوثان واألصنام ،ويرى تكفيره بذلك باطال؛ تقليدا لشيخي الضاللة
(ثمامة والجاحظ) ،والظاهر أنهما خير من القرضاوي في هذه القضية كما سنبين في نهاية
المقال إن شاء الله.
***
36
تكفير القرضاوي بتصويب المجتهد من أهل األديان
***
37
تكفير القرضاوي بتصويب المجتهد من أهل األديان
38
تكفير القرضاوي بتصويب المجتهد من أهل األديان
* حاول بعض الملحدين االنفصال عن الجاحظية بأن قال :هناك فرق بين المشرك
المنتسب وغير المنتسب! فالمنتسب الجاهل ينتفي عنه وصف الشرك واسمه وحكمه
النتفاء التكليف من أجل العجز وعدم االستطاعة .وأما المشرك غير المنتسب فال ينتفي
عنه وصف الشرك واسمه وحكمه!
وربي ،محاولة غريق واهم في فرقانه سادر في غلوائه؛ ألن هذه العلة (عدم التكليف
بما فوق الوسع) تشمل المنتسب وغير المنتسب عند أهل العلم ،والعلة يجب طردها في
معلوالتها؛ ولهذا قال اإلمام ابن القيم (751هـ)« :إن عدم التكليف فوق الوسع ال يختص
بالذين آمنوا ،بل هو حكم شامل لجميع الخلق»(.)37
39
تكفير القرضاوي بتصويب المجتهد من أهل األديان
وعليه فكل من المشرك األصلي والمنتسب غير مستطيع بناء على نظرية مقلد
الجاحظ؛ فال يكون أحدهما غير معذور واآلخر معذورا مع االشتراك في علة " ال تكليف
بما فوق الوسع " كما اشترك المكره والمختار في نفي الشرك عنهما حكما واسما ووصفا
لعلة واحدة عند ذاك الملحد وهي االشتراك في العجز وعدم االستطاعة!
فالمكره عنده عاجز عمال ،والجاهل عاجز علما؛ فال يكفران عند مقلد الجاحظ؛
فيلزمه بناء على أصله هذا نفي الكفر عن المشرك األصلي؛ ألن كال من األصلي والمنتسب
عاجز ،وإذا اشتركا في العجز العلمي فال تكليف على عاجز علما أو عمال! بل العجز
العلمي أولى باإلعذار من العجز العملي!
وإليك نص الملحد في تقرير الجاحظية وهو ال يدري« :وبيان ذلك :أن المختار
الجاهل فيه عجز علمي ،والمكره العالم فيه عجز عملي ،فاألول غير مستطيع علما بسبب
الجهل ،والثاني غير مستطيع عمال بسبب اإلكراه ،والعجز العلمي أبلغ من العجز العملي،
فهو أولى باإلعذار».
قلت :علة إعذار المكره على الشرك هي ذاتها علة إعذار الجاهل عند مقلد الجاحظ،
وهي ذاتها علة إعذار المشرك األصلي عند الجاحظ وثمامة؛ ولهذا أجرى الملحد الكافر
األصلي مجرى المنتسب في اإلعذار في كتاب آخر له فنجا هذه المرة من التناقض
وانعدام االنتماء لكنه الكفر واإللحاد في دين الله.
41
تكفير القرضاوي بتصويب المجتهد من أهل األديان
تلك نهاية كل ملحد مخالف لدالالت الكتاب والسنة وإجماع سلف األمة وصريح
االعتبار ...وقد مر حكاية اإلجماع على إكفار القائل بهذا ،وإجماع األمة على تكفير ثمامة
والجاحظ بهذه المقالة؟
* وعلى مذهب مقلد الجاحظ :من اختار عبادة األوثان وهو يحسب االهتداء فهو
أولى بالعذر من الذي أكره على عبادة األوثان؛ ألن المختار غير مكلف النتفاء االستطاعة
(شرط التكليف) ،وال يكلف الله نفسا إال وسعها؛ فالمشرك مسلم موحد ،واالختيار
واإلكراه ليسا ضدين وال نقيضين ،والجهل واإلكراه وصفان لعلة واحدة (انتفاء
االستطاعة) ،وما بين اإلكراه واالختيار من االختالف الصوري إن هو إال اختالف في
التسميات ال في الحقائق واألحكام...
* شبهة ذاك الملحد (مقلد الجاحظ) في التسوية بين فاعل الكفر قصدا واختيارا وبين
المكره على الفعل الكفري صادرة عن قياس المشركين! قياس نظر فيه إلى المعنى العام
والشبه الصوري من غير نظر إلى ما بين الشيئين من الفوارق المؤثرة في األحكام ،مثل
قياس القمار على القرعة ،والميتة على المذكاة ،والربا على البيع ،والسفاح على النكاح...
ومعلوم باالضطرار :أن األلفاظ واألفعال إذا اتفقت صورها واختلفت معانيها
ومقاصدها اختلف حكمها ،وإن اتفقت في المعاني والمقاصد واختلفت في العبارات
والصور اتحد حكمها ،فاالعتبار بالمعنى والمضمون في األفعال واألقوال.
41
تكفير القرضاوي بتصويب المجتهد من أهل األديان
وعلى أي حال فالعالقة بين المكره وبين الجاهل عالقة تضاد وتقابل وتناف وسلب
وإيجاب ونفي وإثبات ،...فالقاصد المختار فاعل حقيقة لغة وشرعا ،والمكره والمخطئ
في القصد غير فاعل حقيقة لغة وشرعا.
أما لغة :فإن العرب الذين نزل القرآن بلسانهم ال تسمي الفاعل فاعال على الحقيقة إال
بقصد منه إلى الفعل ،وإذا انتفى القصد إلى الفعل فليس بفاعل حقيقة وإنما أتى بصورة
الفعل.
قال اإلمام ابن عبد البر في انتقاض الوضوء بمس الذكر« :الشرط في مس الذكر أن ال
يكون دونه حائل وال حجاب ،وأن يمس بقصد وإرادة؛ ألن العرب ال تسمي الفاعل فاعال
إال بقصد منه إلى الفعل ،وهذه الحقيقة في ذلك» ،وقال أيضا« :وال يسمى الفاعل على
الحقيقة فاعال إال بقصد منه إلى الفعل» ،وقال« :وال يسمى الفاعل فاعال حقيقة إال بقصد
منه إلى الفعل ،ومحال أن يتأدى عن المرء ما لم يقصد إلى أدائه وينويه بفعله».
وقال في الفرق بين الناسي والعامد في مس الذكر« :ألن الحديث ورد فيمن مس ذكره
أو مس فرجه ،وال يكون ماسا إال من قصد إلى اللمس ألن الفاعل حقيقة هو من قصد إلى
الفعل وأراده»( ،)38وعليه فالمكره والمخطئ والناسي والمجنون والصبي ليسوا فاعلين
على الحقيقة النتفاء القصد إلى الفعل أو إلى معنى الفعل ،والمختار القاصد وهو الجاهل
بالحكم فاعل حقيقة لوجود القصد إلى الفعل فافترقا ضرورة.
42
تكفير القرضاوي بتصويب المجتهد من أهل األديان
وأما شرعا :فلقوله تعالى﴿ :إال من أكره وقلبه مطمئن باإليمان ولكن من شرح بالكفر
صدرا﴾ ﴿وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم﴾ ﴿.ال يؤاخذكم
الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم﴾ ،وما روي عن النبي صلى الله
عليه وسلم« :إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه»« ،إن الله تجاوز
عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه».
وعلى أي حال :فالحقيقة اللغوية والشرعية تنتفي بانتفاء القصد إلى الفعل أو بانتفاء
القصد إلى المعنى.
قال اإلمام البرماوي (631هـ) في حديث األعمال بالنيات« :أن أفعال العقالء إذا
كانت معتبرة فإنما تكون عن قصد»« ،ألن الحقيقة الشرعية تنتفي بانتفاء ركنها أو شرطها،
فإذا لم يكن العمل بنية فهو صورة عمل ،ال عمل شرعي.)39(»...
وكذا قال عالء الدين المرداوي (665هـ)« :أن أفعال العقالء إذا كانت معتبرة فإنما
تكون عن قصد» «ألن الحقيقة الشرعية تنتفي بانتفاء ركنها أوشرطها ،فإذا لم يكن العمل
بنية فهو صورة عمل ال عمل شرعي.)41(»...
ومثله عند ابن النجار الفتوحي (372هـ)« :ألن أفعال العقالء إذا كانت معتبرة فإنما
تكون عن قصد»« ،ألن الحقيقة الشرعية تنتفي بانتفاء ركنها أو شرطها ،فإذا لم يكن العمل
بنية فهو صورة عمل ال عمل شرعي»(.)41
43
تكفير القرضاوي بتصويب المجتهد من أهل األديان
الخالصة :المكره ومن في معناه بالمساواة أو باألحرى تنتفي عنهم الحقيقة اللغوية
والشرعية النتفاء القصد إلى الفعل ،والقاصد المختار سواء كان جاهال أو عالما تتحقق
فيه الحقيقة اللغوية والشرعية لوجود القصد إلى الفعل ،والتسوية بين المقامين (مقام القصد
والمحصل من نظرية الجاحظ وشيخه ثمامة :أن الوعيد (الخلود في النار) حكم تابع
السم الكافر ،واسم الكافر تابع لقيام وصف الكفر بالمعين ،ووصف الكفر واسمه ال
يتحقق إال بشرط العلم والجحود ،ومن ثم ال يلزم وصف الكفر واسم الكافر الجاهل عند
الله؛ فمن اجتهد في طلب الحق في أصل الدين وفروعه فلم يحصل إال على الكفر
والضالل فليس عليه شيء ال هو كافر وال آثم ،بل هو ناج في اآلخرة.
وإن لم يبحث عن الحق للجهل بوجوب النظر عليه فليس عليه شيء ،ال هو كافر وال
آثم بل هو من الناجين عن النار فال يعذب أصال.
وكل من الجاهل والمعاند كافر في الشرع في أحكام الدنيا وإنما نزاع الرجلين في
التعذيب األخروي ولزوم وصف الكفر واسم الكافر عند الله.
44
تكفير القرضاوي بتصويب المجتهد من أهل األديان
قال أبو سلمان أيده الله :هذه النظرية على هذا التحرير أخف كفرا من ظاهر كالم
القرضاوي الذي اقتضى أن الباحث في األديان إذا انتهى إلى اعتقاد الوثنية واإللحادية
والمجوسية فإنه ليس كافرا وال مشركا عند الله وعند المسلمين؛ ألنه في زعم القرضاوي
أتى بما أمره الشارع من االجتهاد واالستنارة بنور العقل! والمسلمون «أجمعوا على أن
مخالف ملة اإلسالم مخطئ آثم كافر ،اجتهد في تحصيل الهدى أولم يجتهد»!
والقائل بما قال الجاحظ والقرضاوي« :كافر باإلجماع على كفر من لم يكفر أحدا
من النصارى واليهود وكل من فارق دين المسلمين أو وقف في تكفيرهم أو شك».
الخاتمة:
للمقالة الموجزة نتيجتان:
األولى :يوسف القرضاوي كافر ،بل أشد كفرا من الجاحظ وشيخه ثمامة بمقتضى
كالمه ،ومن لم يكفره بعد العلم فهو كافر مثله.
الثانية :تحرير مقالة ثمامة والجاحظ على وجه قد ال تجده مجموعا في موضع،
والقصد استيعاب النظرية الكفرية ليدرك القارئ نسبة وجودها في كالم المعاصرين
المنتسبين إلى السلف كذبا وزورا.
45