Professional Documents
Culture Documents
تفريغ دروس شرح متن أبي شجاع من الدرس الأول حتى الرابع
تفريغ دروس شرح متن أبي شجاع من الدرس الأول حتى الرابع
شرح
أبي زياد حممد بن سعيد البحريي
بسم اهلل الرمحن الرحيم
َ ُ
فاهلل أسأل أن يتقبل مين ،وأن جيعله خالصا لوجهه الكريم ،وأن يرزقنا العلم
اِلافع والعمل الصالح ،وأن حيسن ختامنا ،إنه ويل ذلك وموَله.
أبو زياد
مبادئ علم الفقه
قال مقيده -عفا اهلل عنه:-
أوال :حده.
َ َح
الفقه لغةُ :م حطل ُق الفه َم ،كما يف قول موىس -عليه السالم﴿ :-ﯡ ﯢ ﯣ
ﯤ ﯦ ﯧ﴾ [طه ،]28 ،27:وقول قوم شعيب -عليه السالم﴿ :-ﭴ ﭵ ﭶ
الفهم ادلقيق. َ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ﴾ [هود ،]91:وليس هو
َ ح ُ ح َ ح ح ح ََكمَ َ ح َ ح ح
الع َم َليه َة بَال َفع َل أ حو بالق هوةَ الق َريبَ َة
الَشع هية َ
َ َ واصطلحا :ال َعل ُم باأل
َح َ ه َ هح ح ُ ِّ َ
اتلف َصي َل هيـ َة. المتَ َعلق َة بَ َفع َل العب َد بَأ َد َتلها
ْ
فقونلا« :العلم».
نريد به مطلق اإلدراك؛ ليشمل «إدراك اتلصورات ،وإدراك اتلصديقات» ،ثم
إن لك منهما «إما رضوري ،وإما نظري»؛ وذلك ليشمل املسائل القطعية ،وهو
الكثري يف مسائل الفقه ،والظنية ،وهو القليل.
َْ َ
وقونلا« :باألحَكم».
خرج به العلم باملاهيات؛ فال يسىم فقها يف اَلصطالح ،و "أل" يف قول:
"األحَكم" لالستغراق العريف َل اْلقييق ،ولو محلناها ىلع اَلستغراق اْلقييق ملا
بيق فقيه.
ْ ً َ َ َ ْ ْ ْ ُ ح
حك ٍم ،واْلكم لغة :مصدر «حك َم يـحكم حـكمـا فهو ُ
واألحَكم ْجع
َْ َْ َ َ
حاكم ،وحكيم ،وَمكوم ،وَمكوم به للزم».
َْ
معان ،منها" :المنع ،والقضاء ،والفصل ،والفقه ،والعلم".
ٍ وهل يف اللغة
ٌ َ َ
حك َم فالن فالنا ،أي :منعه ،ومن ذلك قول جرير يف "ديوانه" فيقال:
(ص ،)50ويف "العني" (:)67/3
َ َ َ َ ح َ َ َ ح ُ ُ َ َ َ ُ ح ِّ َ َ ُ َ َ ح ُ ُ َ ح َ ح َ
كموا سفهاءكم ** إَنـي أخاف عليكم أن أغضبـا أب َين حنيفة أح َ
حَُ ُ ََ َ ُ َ ح ُ ُ ََ َ ُ
اءك حم. اءك حم ،يعين به :امنعوا سفه كموا سفه
أح َ
َ ْ َ ْ
واْلكم أيضا "القضاء والفصل".
قال -تعاىل﴿ :-ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ﴾
َ َ
تلقض وتفصل بني اِلاس ،وهذا القضاء يستلزم املنع أيضا. [النساء ،]105:أي:
ْ
وقد يراد باْلكم :الفقه والعلم ،كما قال -تعاىل﴿ :-ﭖ ﭗ ﭘ﴾
[مريم ،]12:أي :الفقه والعلم.
ح َ َ َ َ ُ َ َ ِّ ُ َ ح كم عند األصويلني :خ َط ُ ْ
ب ،أو
ٍ لط ن م
َ ،دَ ا بعَ ال ل
َ ا م ع أَ ب قلع تالم هلل
َ ا اب َ واْل
ح َح
ت َييـ ٍر ،أو َوض ٍع.
ُ
خطاب الَشع املتعلق بأعمال العباد ،من طلب ،أو وعند الفقهاء :ما اقتضاه
تيري ،أو وضع.
َ
فقونلا« :خطاب».
َ َ ًَ َ ً َ َ َ َ
ال" ،مصدر «خاط َب ياطب خطابا وماطبة» ،وهو من باب ىلع وزن "ف ٍ
ع
َ َح
طاب نف ُس اْلدث ،واملراد هو ل
إطالق املصدر وإرادة اسم املفعول؛ ألن ا َ
اْلكم الَشيع َل نفس اْلدث ،واْلكم الَشيع هو نتيجة اْلدث ،فتوجيه
ُ َ ُ َ ُ ه ُ
باط ُ
خ َ اط ُ
ب به ،والم خ َ الم َوجه به والم الالكم ملخاطب يُسىم َخ َطابا ،واْلكم هو
ُ ه ُ
الم َوجه إيله. هو
ُ ح َ َُ َ ح ُ حُ َ َ ٌ َحَ ْ َ
َواْلطاب" :ق حول يفه ُم َمنه م حن َس َمعه شيئا م َفيدا مطلقا" .ذكره يف خمترص
اتلحرير ،ورشع :ما أمر اهلل به ،وما نىه عنه ،وما أخرب به ...إلغ.
َ
فقوهل« :ق ْول».
هح
مرادف لَلف َظ عند بعضهم ،وهو الصوت املشتمل ىلع بعض اْلروف
ُ ُ
اهلجائية ،فاحتز به عن الكتابة ،واإلشارة ،وعقد األصابع ،واِلُ ُصب ،فال تسىم
قوَل.
ََْ ْ
وقوهل« :يفهم منه».
ُ
احتز به َع همن َل يفهم ،اكملجنون ،والصيبَ ،
وم حن يف حكمهما ،فليسوا
داخلني يف الطاب.
َ ْ َ َ
وقوهل« :من سمعه».
يشمل من َس َم َع الطاب وهو حارض ،ومن بلغه الطاب وإن لم يكن
حارضا ،سواء اكن من اإلنس أو من اجلن.
ً َ ًْ
وقوهل« :شيئا مفيدا».
َ َْ
خرج به من سمع قوَل مهمال ،كـ «دي ٍز» مقلوب زيد.
ْ ًَ
وقوهل« :مطلقا».
َ
إفهام السامع أم لم يقصد ،فالطاب هو الالكم اَّلي ُ
املتلكم ٌ
سواء أقصد أي:
ح َ ُح
يف َه ُمَ ،ل الالكم اَّلي أف َه َم.
َ
فقوهل« :خطاب اهلل».
واجل ِّن
َ أيَ :شع اهلل .فخرج به خطاب غريه؛ كخطاب اإلنس لإلنس،
للجن ،واجلن لإلنس ،واإلنس للجن ،واملالئكة لإلنس ،وغري ذلك ،وخرج به
ُ
خطاب أيضا اْلكم عند املناطقة ،وعند أهل اللغة ،ويدخل يف خطاب اهلل:
اِليب ﷺ ،واإلْجاع الصحيح ،والقياس الصحيح ،فهذا لكه من خطاب اهلل،
ِّ ٌ ه
وَّللك يُصدر بعضهم اْلد "خبطاب الشارع" ،واملعىن واحد؛ ألن اِليب ﷺ ُمبَلغ
عن اهلل ،وما أْجعت عليه األمة مستنده إما كتاب ،وإما سنة ،والقياس الصحيح
أصله مبين ىلع ادليلل من الكتاب أو السنة.
َ َ ْ َ ََ
وقونلا« :المتعلق بأعمال العباد».
أي :اَّلي يرتبط بأعمال العباد من حيث إنه مطلوب فعله ،أو مطلوب تركه،
ومن حيث إنه صحيح أو غري صحيح ،فيشمل حينئذ ْجيع األحَكم الَشعية من
حيث تعلقها بفعل العبد ىلع سبيل اثلبوت أو التك.
لعبد
فقالوا :هذه األمور اليت تتعلق بأعمال القلوب َل بد َمن أن تظهر من ا َ
ٌ
أعمـال تتتب عليها.
ﯞ ﯟ ﯠ﴾ [األعراف.]11:
ﭤ ﭥ﴾ [الكهف.]47:
ﮍﮎ﴾ [سبأ.]10:
وقد يكون ال ُ
طلب ىلع سبيل اْلتم واإللزام ،فيكون واجبا يف األمر ُمرما
يف اِليه ،وقد يكون الطلب َل ىلع سبيل اْلتم واإللزام ،فيكون مندوبا يف
األمر مكروها يف اِليه.
ْ ْ
فلك من األمر وانليه نوعن« :ملزم ،وغري ملزمٍ ».
ْ ْ
فاألمر الملزم :الواجب ،وغري الملزم :املندوب.
ْ ْ
وانليه الملزم :املحرم ،وغري الملزم :املكروه.
ْ َ َ
ب».
وخرج بقول« :من طل ٍ
خطاب اهلل املتعلق بفعل العبد من حيث اإلخبار؛ حنو قوِل -تعاىل﴿ :-ﮆ
ﮇ ﮈ﴾ [اَلنفطار ،]12:فهذا خطاب هلل متعلق بأعمال العباد ،لكن أريد منه
اإلخبار عن حفظ أعماهلم ،وأن املالئكة تكتبها هلم ،وليس يف الطاب طلب؛
َ ْ َْ
وَّللك يزيد بعضهم يف اْلد «من حيث إنه مَكف به» ،وهو حشو؛ ألنه خرج
ْ َ َ
ب».
بقول« :من طل ٍ
َ ْ
وقونلا« :أو تـخييـ ٍر».
َ
شئت فعلته ،وإن شئت لم تفعله، يُراد به اإلباحة ،ألن املباح خمري فيه ،إن
وهذا باعتبار ذاته ،وقد يكون حكمه اتلحريم ،أو الكراهة ،أو الوجوب ،أو
اِلدب ،إذا اكن وسيلة إىل حكم من هذه األحَكم األربعة.
ْ
وقونلا« :أو َوض ٍع».
يُراد به اْلكم الوضيع؛ ألنه موضوع بوضع اهلل ِل ،وقد جعله الرب -جل
وعال -أمارة أو عالمة ثلبوت أو انتفاء أو نفوذ أو إلغاء ،اكلصحة ،والفساد،
والسبب ،والَشط ،واملانع.
األول:
املتلكمون من األشاعرة واملاتريدية وغريهم من أهل ابلدع يريدون خبطاب
اهلل "الالكم انلفيس" !! ،فيقولون" :خطاب اهلل" وَل يريدون به "الكم اهلل" عند أهل
السنة واجلماعة ،وإنما يريدون به "املعىن القائم بانلفس املجردة عن األلفاظ
واْلروف واألوامر وانلوايه" ،وقد نصوا عليه يف كتبهم يف مواضع كثرية؛ يقولون:
إن اهلل -جل وعال" :-لم يتَكم الكما مسموع حبرف وصوت" ،فالكم اهلل عندهم
معىن قائم باِلفس!! وحقيقة قوهلم هو قول اجلهم بن صفوان.
والقول بالالكم انلفيس باطل وضلل مبني ،ومالف للكتاب والسنة وإمجاع
السلف ،بل مالف إلمجاع العقلء.
فمن القرءان:
ما يف اِلفس الكما لَكنت اإلشارة دالة عليه كصيغة األمر واِليه عندهم !! ،فلم
يكن حينئذ من امتناع مريم عن الالكم فائدة.
﴿ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ﴾.
قوهل« :فأوىح إيلهم» .لم يكن هذا اَّلي عرب عنه باإلشارة الكما ،وإَل ملا اكن
زكريا -عليه السالم -ممتثال.
ُ
فالقول أو الالكم إذا أطلق لك منهما يف الَشع فال بد من أن يكونا حبرف
َه َه
وصوت ،خالفا ألهل ابلدعة من األشاعرة واملتلكمني ومن لف لف ُه حم.
ُ
أما إذا أريد املعىن اِلفيس فال بد من اتلقييد ،كقوِل -تعاىل﴿ :-ﮝ ﮞ
ومن السنة:
أحاديث َل حتىص يف هذا املقام ،منها قوِل ﷺ فيما رواه ابلخاري وغريه:
َ ً ْ َ َْ َ َ َ َ ََْ ْ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ ْ َ
«أسعد انلاس بشفاعِت يوم القيامة من قال ال إهل إال اَّلل خالصا من قبل نفسه».
وقد انعقد اإلْجاع ىلع أن من لم يقل َل هلإ إَل اهلل حبرف وصوت ولم يتلفظ
بها وهو قادر ىلع اِلطق لم يكن قائال هلا وَل ي ُسىم قائال ولو قاهلا يف نفسه !!،
وهو اكفر إْجااع ليس بمؤمن ،ولو قاهلا يف نفسه َل ي ُسىم قوَل باإلْجاع.
"وأْجع الفقهاء ىلع أن من حلف أَل يتلكم َل حينث حبديث اِلفس ،وإنما
حينث بالالكم".
قلت:
"وأْجع العقالء َل أهل السفه ىلع أن الساكت واألخرس َل ي ُسىم لك منهما
متلكما مع أن لك منهما حيدث نفسه"! وإبطال هذا القول معلوم للك اعقل،
وبطالنه يغين عن إبطاِل ،وما ذهب هؤَلء املتلكمون هذا املذهب إَل لقوهلم
خبلق القرءان ،ذلك أن اهلل عندهم لم يتلكم بالقرءان الكما حبرف وصوت،
ه ُ
فعندهم لم يسمع جربيل الرب -جل وعال -يتلكم بالقرءان.
اثلاين:
اْلكم عند األصويلني غري اْلكم عند الفقهاء ،فاْلكم عند الفقهاء:
مدلول خطاب الشارع أو مقتىض خطاب الشارع ،وعند األصويلني :خطاب اهلل
املتعلق بفعل امللكف من طلب أو تيري أو وضع؛ ذلك أن الفقيه يبحث عن
َ ُّ ُ ُ
مدلول اْلكم من حيث ت َعلقه بالعبد ،فموضوع الفقه هو أفعال العباد من
حيث ما يثبت هلم من أحَكم َشعية ،خبالف األصويل فإنه يبحث عن ادليلل.
مثال ذلك:
سبحانه﴿ :-ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ
ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ﴾ [اتلوبة.]122:
ﯣﯤ﴾ [فاطر.]28:
-5الفقهاء أوىل اِلاس بقول اِليب ﷺ« :العلماء ورثة األنبياء».
َ َ
-6اَّلي َل يتفقه يف ادلين قد شابَه الكفا َر واملنافقني ،كما قال -تعاىل -عن
الكفار﴿ :ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ
ﮚ﴾ [األنفال ،]65:وقد ذم اهلل املنافقني يف آيات كثرية بأنهم َل يفقهون ،من
سادسا :واضعه.
األئمة املجتهدون.
سابعا :امسه.
علم الفقه ،وعلم اْلالل واْلرام.
ثامنا :استمداده.
من الكتاب ،والسنة ،واإلْجاع الصحيح ،والقياس الصحيح.
عاشرا :مسائله.
منها" :انلية رشط يف صحة الصلة ،وتكبرية اإلحرام ركن من أراكنها،
والطهارة رشط لصحة الصلة" إىل غري ذلك مما سيأتيك.
إِسْعَادُ األَرِيبِ
ِب َش ْر ِح َم ْت ِن الغَايَ ِة والتَّ ْق ِريبِ
أو
الروْضُ اليَفَاعُ
َّ
يف شَرْ ِح مَتْنِ َأبِي شُجَاعٍ
يف الفقه الشافعي
شرح
أبي زياد حممد بن سعيد البحريي
بسم اهلل الرمحن الرحيم
قوله« :بسم اهلل الرمحن الرحيم».
َ
بدأ -رمحه اهلل -بالبَ حس َمل َة لعدة أمور:
أوال :أسوة بكتاب اهلل جل وعال.
ثانيا :أسوة بسنة اِليب ﷺ القويلة؛ إذ أخرج مسلم (ح ،)4732وأمحد
ح ح ُ َحُ ح ُ َ ه ه ُ َ ح ََ َه َُ ح َ َ
يهم سهيل بن عم ٍرو (ح ،)13827وغريهما عن أن ٍس أن قريشا صاْلوا اِل َيب ﷺ َف َ
َْ َ ى ْ ْ َف َق َال ه
اِل ُّ
َّل« :اكتب ِمْسِب اَّلل الرْحن الرحيم ...اْلديث».
َ ع ل
َ ﷺ يب َ
ثاثلا :أسوة بسنة اِليب ﷺ الفعلية؛ حيث اكن اِليب ﷺ يفتتح رسائله
حَ
بالبسملة كما عند ابلخاري ( )12/1من حديث َه َرقل.
رابعا :لالستعانة باهلل -جل وعال ،-وذلك ىلع القول بأن ابلاء لالستعانة.
ُ َ َ ه َ ح ُ َ َ ِّ ُ َ الم ْع َىن :بسم اهلل الرمحن الرحيم أَ حكتُ ُ
َ
اسبا
َ نم ارخ أ تم ال ع ف
َ قل ع تالم فقدرنا ،ب ف
ََ
للمقامَ .
َ َ ََْ َْ ً َ ُ ه ْ
واْلَمد لغةَ :خالف اَّل ِّم ،وهو اثلناء باجلميل ،وهو مصدر «ْحد َيمد ْحدا،
َ َْ َ
فهو حامد ،وَممود ،وْحيد».
ورشع :قال ابن القيم يف "بدائع الفوائد" (" :)325/2ذكر ُماسن املحمود مع حبه
وإجالِل وتعظيمه".
َْ
اْلمد هلل»«لِلَّهِ» :الالم فيه لل َملك ،أو لالستحقاق ،أو لالختصاص ،وْجلة «
َل ُمل هلا ابتدائية.
واسم اجلاللة «اَّلل» مشتق ،أصله «إ َاله» ىلع وزن «ف َعال»ُ ،
فحذفت اهلمزة ٍ
ح
ال َ وعوض عنها بأل ،وهو ما نَقله سيبَ َويحه َ
ُ
يل.
َ لَ ن
َ ع َ َ
ه
الالمَ ُ َ َ ُ حَ ح َ َ ََ ح َ َ ح ُُ ْ َ َ َ ْ َ ُّ ْ َ
ائ َوالفراء :أصله «اإلاله» ،حذفوا الهمزة وأدغموا بينما قال الكس
ه حُ َ
األوىل َيف اثلها َنيَ َة فصارتا َلما مشددة.
ح ًّ
وادليلل ىلع كونه ُمشتَقا قوِل –تعاىل﴿ :-ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ﴾
[األنعام ،]3:فلما ورد يف قوِل -تعاىل﴿ :-ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ﴾
َ ُّ
[ا ُّلز حخ ُر َف ]84 :علمنا أنه مشتقَ َ ،تل َعل َق اجلار واملجرور به ،ومعىن كونه مشتقا أنه دال
َْ
ىلع صفة اإلهلية ِل -سبحانه وتعاىل -خالفا ملن زعم أنه جامد؛ قال رؤبة:
َ َ ُّ َ ه ح َ َ ح َح ح ح ه ه َ ُّ ح َ َ
ت َجع َن َم حن تأل َيه ات ال ُمد َه *** سبحن واس ّلِل در الغا َني َ
َ َ
َْ َ ُّ َ حَ ُ ُ َ
واإلهل :هو اَّلي تألهه القلوب وحتبه ،وهو "فعال" بمعىن "مفعول" ،أي" :مألوه"
َ ً ُ َ َ ًَ َََ ََْ َ َ ً
بمعىن" :معبود" ،من «أهل ،يأهل إالهة ،وألوهة ،وألوهية» ،وسمع «أهل» بالكرس بمعىن
َ
حتَ هيـ َر ،وليس هو من هذا ابلاب؛ ألن اهلمزة فيه منقلبة عن واو.
َ ُ ِّ َ َ َ َ ه ُ َ ح ُ ٌ
اتل َع ُّب َد ،كما قال ابن فارس ،وسيم بَذلَك َألنه معبود -جل
ومرد هذه املادة إىل ه
َ َ ََهَ ه ُ َ َ َ
الر ُجلَ :إذا ت َع هبد. جالِل ،-ويقال :تأِل
ُ َ ُ هُ َ
ربه باجلملة اَلسمية؛ لكونها تفيد يف أصلها ثبُوت الوصف ومح َد املؤلف
َ
ََ َ َه ُ َ
اْلمد ىلع اسم اجلاللة «اهلل» ُم َوافقة ملوصوفه اَّلي يُفيد دوا َم اْلمد وثبُوته ،وقد َم
للكتاب ،ومرااعة للمقام؛ ألن املقام مقام محد.
وقد بدأ باْلمد ابتداء إضافيا اقتداء بكتاب اهلل -جل وعال ،-وبسنة اِليب
ﷺ الفعلية والقويلة.
ُ َ فمن السنة الفعلية :افحتتَ ُ
كما عند مسلم اح اِليب ﷺ خ حطبَة اْلاج َة باْلمد، َ
«ح »2045وغريه.
لكن اعلم -بارك اهلل فيك -أنه لم يكن أحد من الصحابة -فيما أعلم-
يلزتم قول سيدنا ،وَّللك َل جندهم يقولون يف اْلديث :حدثنا سيدنا ُممد ﷺ!!،
وىلع ذلك إذا قال القائل أحيانا :قال سيدنا ُممد ﷺ ،لم يكن يف ذلك حرج،
دون أن يلزتمها ،هذا إن اكنت مضافة إىل ما بعده ،كأن يقال" :سيدنا ،سيد
ه
اِلاس ،سيد ودل آدم ،وحنو ذلك" ،أما إذا قاهلا ىلع سبيل اإلطالق ،أو أن يريد
املتلكم بذلك الغلو واإلطراء فإنه حينئذ َل يكون جائزا؛ ألن السيادة املطلقة
هلل ب ح َن ُ َ ِّ ح َ ح
هلل جل وعال ،وقد ورد فما رواه أمحد وغريه من حديث مطر َف ب َن عب َد ا َ
اِل ُّ
يب ت َسيِّ ُد قُ َريحش؟ َف َق َال هيب ﷺ َف َق َال :أَن ح َ ِّ اِل خري َع حن أَبي َه قَا َلَ :ج َ
اء َر ُج ٌل إ َىل ه ِّ ِّ
الش
َ ٍ َ َ َ َ
ُ ََ َ ع َظ ُم َها ف َ َ
َ َ ح َ ح َ َُ َ َح َ ح َ َ
يها َط حوَل؟ فقال َر ُسول َ ﷺ" :السيد اهلل" ،قال :أنت أفضلها َفيها قوَل وأ
َْ ُّ ْ َْ ََ َْ َ َ ْ َ َ
هلل ﷺ" :يلقل أحدكم بقوهل ،وال يستجره الشيطان " فال جيوز أن يقال :اِليب ا َ
هو السيد؛ أو سيدنا ىلع سبيل الغلو واإلطراء.
ح
أما َذك ُر ُه ﷺ يف القرءان ،واألحاديث ،واألذاكر ،واألذان ،واألدعية فهذه َل
جيوز أن يُزاد عليها ،بل نقترص ىلع قولُ :ممد ﷺ ،أو اِليب ﷺ ،أو الرسول ﷺ،
أو حنو ذلك مما ورد فيها دون زيادة.
َ
واجلمع بني تفضيل اِليب ﷺ ىلع سائر األنبياء وبني قوِل ﷺ« :ال تفضلوا
َْ َ ْ َ َ ََ َ ْ ْ َ ََْ َْ َ َْ َ
بني أنبياء اَّلل» متفق عليه ،وقوِل ﷺ« :ما ينبغ لعب ٍد أن يقول أنا خري من
َ ْ َ
يونس بن مَّت».
أيَ :ل تفضلوا بينهم تفضيال يوهم نقصا ألحدهم ،أو يؤدي إيله ،وقيلَ :ل
تفضلوا يف أصل اِلبوةَ ،ل فيما خيتص به لك نيب عن اآلخر ،وقيل :اكن ذلك قبل
علمه أنه سيد ودل آدم ،وقيل :إن هذا منه ﷺ ىلع سبيل اتلواضع والرب بغريه من
األنبياء ،واْلق :أنه حيتمل ذلك لكهَ ،ل سيما إن اكن اتلفضيل يؤدي إىل تنقص
أحدهم ،أو اكن ىلع سبيل الغلو واإلطراء ،كما يفعل بعض الصوفية مع اِليب ﷺ
من قوهلم" :إن اِليب ﷺ يعلم الغيب ،وجييب من داعه ،ويعلم ما يف اللوح
املحفوظ!!" فإن هذا ُمرم منيه عنه وربما أوصل املرء الكفر واإلَشاك باهلل؛
َْ َ َ ْ َ َ َ َ ََ َ ْ َ َ َ َْ ْ َ ْ
ارى اب َن م ْري َم فإنما أنا عبده فقولوا عبدقال ﷺ« :ال تطرون كما أط َرت انلص
اَّلل َو َرسوهل» أخرجه ابلخاري .وما كفر اِلصارى إَل لغلوهم يف عيىس -عليه
السالم -ورفعه فوق مزنتله؛ إذ جعلوه إلها مع اهلل ،وابنا ِل ،فاملبالغة يف اتلفضيل
تؤدي إىل الغلو واإلطراء ،واهلل أعلم.
الم هتصف َ
ني بصفة الطهارة ،حسية اكنت أو فالطاهرين :نعت آلِل ،أي :وآِل ُ
َ َ
ﮐ﴾ [األحزاب.]33:
وقوله« :وصحابته أمجعني».
أي :ومصليا ىلع أصحابه رضوان اهلل عليهم ،وصاحب انلب :هو َم حن رأى
َ َ َ َ ََ َ َ َ ه
ب" ىلع غري قياس، اِليب ﷺ وآمن بَ َه ،ومات ىلع ذلك ،و "صحابة" ْجع لـ "صاح ٍ
َ َ ًَ َ ْ َ َ
وهو يف األصل مصدر «صح َب يصحب صحابة».
وأمجعني :توكيد معنوي لصحابته ،وهو جمرور وجره ايلاء؛ ألنه ملحق جبمع
املذكر السالم.
ح َ وصالة اهلل ىلع الصاْلني من َخلحقه ُح حس ُن َثنَائه َعلَيحه حم ُ
ُ
وح حس ُن َذك َر َه ل ُه حم؛ كذا َ ََ َ
قال يف "العني".
ولم يذكر التسليم بعد الصالة ،وهذا مكروه عند بعض أهل العلم؛ لقوِل -
َ ُ
ولم يذكر املصنف التشهد يف خطبته ،وهو مستحب ملا أخرجه أمحد وأبو
ُّ ْ َ َ ْ َ َ َ داوود التمذي بإسناد صحيح َع حن أَب ُه َريح َر َة َعن ه
اِل ِّ
يب ﷺ قال« :ك خطب ٍة ليس َ َ َ
َ َ َ ُّ َ َ َ ْ َ ْ َ ْ َ
اجلذماء». فيها تشهد فيه َكيلد
اح َب َها ،وأجيب عن ذلك بأنه ربما نطق حَ ح ُ َ ه َ َ َ َ َ َ
أي :المقطوع َة ال َيت َل فائَدة َفيها لَص َ
به دون أن يكتبه.
ي -رمحه اهلل تعاىل:-
قال القاضي أبو شُ َجاعٍ أمحدُ بن احلُ َس ْي ِن بنِ أمحدَ األصْ َف َهانِ ُّ
الظاهر أنه ليس من الكمه ،واألصفهاين املنسوب إىل مدينة أصفهان تقع يف
إيران جنوب طهران.
"سألين" طلب مين "بعض األصدقاء -حفظهم اهلل تعاىل "-إما أن يكونوا
أصحابَه من أهل العلم ،وإما أن يكونوا بعض تالميذه ،وهذه اجلملة خربية
لفظا إنشائية معىن ،وهو داعء باْلفظ والعناية هلم "أن أعمل" أكتب أو أصنف
َه ُ َ
وكثُ َ
ـر معناه "يف" علم "الفقه على مذهب" املذهب اسم "خمتصرا" وهو ما قل لفظه
ُ ْ
َ ًَ َ َ َْ َ
مَكن من «ذه َب يذهب مذهبا» ثم أصبح عالمة ىلع ما خيتاره املجتهد من
أحَكم ،ومن ذلك املذهب الشافيع "اإلمام" املجتهد نارص السنة وقامع ابلدعة أِب
ُ
إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبَيحد َ عبد اهلل ُممد بن
َح ََ ُه َح َ َ
اف "الشافعي -رمحة اهلل عليه
ب بن عب َد من ٍ بن هاشم بن المط َل َ
ابن عب َد ي َزيد َ
ُ ِّ ُ
اإلمام بغزة سنة مخسني ومئة وت َوفـ َي بمرص يوم اجلمعة سنة أربع ورضوانهُ "-و َ َدل
ومئتني "يف غاية" منتىه "االختصار" مقارنة مع ما هو أطول منه "ونهاية اإلجياز" لك
من "اغية اَلختصار ونهاية اإلجياز" مقارب لآلخر يف املعىن ،وإنما عطف "االجياز"
َ ََُ
وفهمه قراءته ىلع "االختصار" للتوكيد ،وقيل :غري ذلك " ِليُ َقرُ َ
ب على املتعلم درسُه"
"ويُسَهُ َل" ويتيرس "على املبتدئ" يف طلب العلم وهو اَّلي َل يقدر ىلع تصور املسائل
اتلديلل عليها "حفظُه" استحضاره عن ظهر قلب مىت استداعه "و" سألوين َ وَل
أيضا "أنْ أُكْثِـرَ فيه" يف هذا املخترص "مِن التقسيمات" ويه جتزئة األحَكم الفقهية
إىل كتب وأبواب ومسائل "وحَصْـرِ" ضبط "اخلِصَال" املسائل اليت حيتاج إيلها
ى
"فأجبته إىل ذلك طالبًا للثواب" الفعل طلب متعد ،ينصب املفعول بنفسه ،وَل
يتعدى بالالم إَل إذا اكن بمعىن "رغب" ،فيكون قوِل" :طابلا للثواب" أي :راغبا
َ
اثلواب"" ،راغبًا" مترضاع للثواب ،ولو جعله ىلع بابه لَكن أفضل ،فيقول" :طابلا
"إىل اهلل -تعاىل -يف" إرشادي إىل "التوفيق للصواب" يف إصابة اْلق ،والصواب ضد
الطأ "إنه على ما يشاء قدير" بل ىلع لك يشء قدير ،أي :كثري القدرة ،فقدير :من
َ ََ َْ
أمثلة املبالغة ،من "قد َره يقدره فهو قادر وقدير" ،أو من "قادر" ىلع خالف.
ُ ح
أما تقييد القد َرةَ بما يشاؤه اهلل فقط فغلط من املؤلف ،وهو مذهب املعزتلة
وبعض أهل ابلدع من األشاعرة ،فاهلل -جل وعال -ىلع لك يشء قدير ،قدير ىلع
ٌ ٌ ُ
هلل شاملة اكملة ،تتعلق باملوجودات
ما يشاؤه وىلع ما َل يشاؤه ،فقدرة ا َ
واملعدومات ،باملمكنات واملستحيل املمكن أو اجلائز ،أما املستحيل َّلاته؛
كخلق هلإ آخر ،واكتاذ الودل ،والصاحبة ،وحنو ذلك ،فهذا َل تتعلق به قدرة اهلل؛
ألنه ليس بيشء؛ وليس داخال يف عموم اِلص ،قال -تعاىل﴿ :-ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ
ُ
ﯓ﴾ [األحقاف ،]33:فهو -سبحانه -ىلع لك يشء قدير ،سواء شاء وقو َعه أو لم
يشأ ،كما يف قوِل -تعاىل﴿ :-ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ﴾
[يونس ،]99:فاهلل قدير ىلع أن يؤمن من يف األرض لكهم ْجيعا؛ وهذا لم يقع ،وقال -
جل وعال﴿ :-ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ
ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ﴾ [األنعام ،]65:واهلل -جل وعال -لم يشأ أن يبعث
ىلع أمة اإلسالم عذابا من فوقها أو من حتت أرجلها ،وهو قادر عليه سبحانه،
َ
وقد شاء بعضه وهو "ويذيق بعضكم بأس بعض" ،فاهلل -جل وعال -قدير ىلع ما
وقع كما أنه قدير ىلع ما لم يقع.
أما قوِل -تعاىل﴿ :-ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ﴾ [الشورى ،]29:فاملقيد
ُ
ْجع ُهم َل قدرته -جل وعال ،-أي :هو ىلع لك يشء قدير -جل باملشيئة يف اآلية ُ
َ
شأنه ،-ومن ذلك أنه قدير ىلع ْجعهم إذا شاء ْجح َع ُه حم ،قال الطّبي:
"وهو ىلع ْجع ما بث فيهما من دابة إذا شاء ْجعه ذو قدرة َل يتعذر عليه،
كما لم يتعذر عليه خلقه وتفريقه ،فكذلك هو القادر ىلع ْجع خلقه حبَش يوم
القيامة بعد تفرق أوصاهلم يف القبور".
"فإذا تبني أن وصف اهلل تعاىل بالقدرة َل يقيد باملشيئة بل يطلق كما أطلقه
َ ََ ََ َْ
اهلل تعاىل ِلفسه ،فإن ذلك َل يعارضه قول اهلل تعاىلَ { :وه َو ىلع مجعه ْم إذا يشاء
َ
قدير} فإن املقيد هنا باملشيئة هو اجلمع َل القدرة ،واجلمع فعل َل يقع إَل
باملشيئة ،وَّللك قيد بها فمعىن اآلية أن اهلل تعاىل قادر ىلع ْجعهم مىت شاء،
وليس بعاجز عنه كما يدعيه من ينكره ويقيده باملشيئة .... ،واْلاصل أن قوِل
َ ََ َ ََ َْ
تعاىلَ { :وه َو ىلع مجعه ْم إذا يشاء قدير}َ .ل يعارض ما قررناه من قبل؛ ألن القيد
باملشيئة ليس اعئدا إىل القدرة ،وإنما يعود إىل اجلمع ،وكذلك َل يعارضه ما ثبت
يف صحيح مسلم يف كتاب "اإليمان" يف "باب آخر أهل اِلار خروجا" من حديث
ابن مسعود -رِض اهلل عنه -قال :قال رسول اهلل ﷺ« :آخر من يدخل اجلنة رجل»
،فذكر اْلديث ،وفيه أن اهلل -تعاىل -قال للرجل« :إين ال أستهزئ منك ،ولكين
ىلع ما أشاء قادر» وذلك ألن القدرة يف هذا اْلديث ذكرت تلقرير أمر واقع
واألمر الواقع َل يكون إَل بعد املشيئة ،وليس املراد بها ذكر الصفة املطلقة اليت
يه وصف اهلل -تعاىل -أزَل وأبدا ،وَّللك عرب عنها باسم الفاعل "قادر" دون
الصفة املشبهة "قدير" وىلع هذا فإذا وقع أمر عظيم يستغربه املرء أو يستبعده،
فقيل ِل يف تقريره" :إن اهلل ىلع ما يشاء قادر" ،فال حرج يف ذلك ،وما زال اِلاس
يعربون بمثل هذا يف مثل ذلك ،فإذا وقع أمر عظيم يستغرب أو يستبعد قالوا:
"قادر ىلع ما يشاء" ،فيجب أن يعرف الفرق بني ذكر القدرة ىلع أنها صفة هلل
تعاىل ،فال تقيد باملشيئة ،وبني ذكرها تلقرير أمر واقع ،فال مانع من تقييدها
باملشيئة؛ ألن الواقع َل يقع إَل باملشيئة ،والقدرة هنا ذكرت إلثبات ذلك الواقع
وتقرير وقوعه ،واهلل سبحانه أعلم".
"فاملهم أنه جيب أن نطلق فنقول :إن اهلل ىلع لك يشء قدير.
فإن قال قائل :عبارة ترد كثريا عند اِلاس (إنه ىلع ما يشاء قدير) هل هذا
جائر؟
قلناَ :ل جيوز إَل مقيدا؛ ألنك إذا قلت" :إنه ىلع ما يشاء قدير" أوهم أن ما َل
يشاء َل يقدر عليه ،وهو قادر ىلع اَّلي يشاء واَّلي َل يشاء.
ََ َْ ُ َ
لكن إذا قيِّد َت املشيئة بيشء معني صح ،كقوِل -تعاىلَ ( :-وه َو ىلع مجعه ْم
إ َذا ي َ َشاء َقدير) ،أي :إذا يشاء َ
ْجع ُهم فهو قادر عليه.
وكذلك يف قصة الرجل اَّلي أدخله اهلل اجلنة آخر ما اكن فقال اهلل ِل" :إين
ىلع ما أشاء قادر"؛ ألنه يتعلق بفعل معني".
وال بد من أن تعلم أن اإلرادة عند أهل السنة نوعن :رشعية وكونية.
«واللطيف» هو اَّلي يعلم دقائق األمور ،وما يف الصدورَ ،ل خيىف عليه يشء
ه
من أحوال عباده ،يعلم ما لطف ودق من لك يشء ،حيسن إىل عباده من حيث َل
فالفقهاء يقدمون الالكم ىلع العبادات؛ ألنها حق اهلل -جل وعال ،-ثم يثنون
باملعامالت لرضوريتها يف يوم املسلم؛ إذ َل خيلو يوم من معاملة؛ اكلطعام،
والَشاب ،وابليع ،والَشاء ،وحنو ذلك ،ثم يثلثون باِلَكح والطالق ألنه يتعلق
بطائفة معينة من املسلمني؛ إذ َل يتلبس بهما إَل ابلالغ القادر املريد لواحد
منهما ،ثم ُّ
أخروا الالكم ىلع اجلنايات تلأخر رتبتها؛ وألنها اغبلا َل تقع إَل بعد
إشباع شهويت ابلطن والفرج ،ثم ذكروا بعدها أحَكم القضاء والشهادات
وادلاعوى وابلينات ألنها تتعلق جبميع األبواب املتقدمة ،ثم أخروا باب العتق مع
كونه من املعامالت تفاؤَل منهم أن يعتق اهلل رقابهم من اِلار.
ثم إنهم قدموا الالكم ىلع الصالة لفضلها ىلع سائر العبادات ،وتلقدمها يف
حديث جربيل املشهور ،ثم إنهم قدموا الطهارة عليها ألنها أوكد َشوطها
َ َ ْ ُّ ُ
أعظمها ،فوجه كونها أعظم قوِل ﷺ« :الطهور شطر اإليمان» أخرجه مسلم ،أي: و
الط ُهور بالضم فعل الطهارة ،اَّلي هو اتلطهري ،ففعلك الطهارة شطر اإليمان ،وما
ُّ
ور بالفتح ،وهو امل ُ
اء الطاهر يف نفسه املطهر لغريه ،كما يف قوِل َتتَ َط هه ُر به هو ه
الط ُه ُ
ومما يدل ىلع فضل الطهارة ىلع غريها ما أخرجه أمحد وابن أِب شيبة وعبد
َ َ َ َ َُ ُ ه الرزاق وأبو داود والتمذي وغريهم َع حن َ ى
اّلِل
ىلع -رىض اهلل عنه -قال :قال رسول َ َ
َ ُّ َ َْ
ﷺ« :مفتاح الصلة الطهور» .فحرص ﷺ مفتاح الصالةَ يف الطهارة فقط ،أيَ :ل
مفتاح للصالة إَل الطهارة ،ولم يذكر بايق الَشوط ،فدل ذلك ىلع أن الطهارة
أفضل من غريها من الَشوط.
ووجه كونه حرصا أن الك من املبتدإ والرب معرفة ،فـ "مفتاح" نكرة
أضيفت إىل معرفة فاكتسبت اتلعريف ،فأفاد العموم ،والرب معرفة ،أي :لك
مفتاح للصالة هو الطهور ،فحرص ْجيع مفاتيح الصالة يف الطهور ،فال مفتاح
َ ه
غريه حينئذ ،وَّللك افتتح املؤلف كتابه بالطهارة ،ذلك أن الَشط ُمقد ٌم ىلع
ُ ِّ
املَشوط طبعا ،فقد َم وضعا.
فإن قلت :ملاذا لم يذكروا ْجيع الَشوط قبل كتاب الصالة اكلطهارة؟
قلت :ألن الطهارة فيها مباحث كثرية ،خبالف بايق الَشوط؛ اكستقبال
َ
القبلة ،وست العورة ،ودخول الوقت فالالكم فيها قليل ،وَّللك ُج َعلت مع أحَكم
الصالة ،ثم إن ْجيع الَشوط يُتسامح فيها -كما سيأتيك -إَل الطهارة ،فتبني
حينئذ أنها أعظم الَشوط.
وهذه اعدة أكرث الفقهاء خالفا لإلمام مالك يف "موطإه"؛ إذ قدم كتاب وقوت
الصالة.
فقال« :كتاب الطهارة».
َه ٌ ًْ َ ً َ ََ َ ْ َ
كتاب :مصدر «كت َب يكتب كتبا وكتابا» ،وهو مصدر سيال ،وليس مشتقا
َ ْ
من املصدر املجرد األول اَّلي هو "الكتب" كما يزعم بعضهم ،وكتاب مصدر
ُّ ُ
أريد به اسم املفعول ،أي :مكتوب ،والَكف مع اتلا َء مع ابلا َء يف لسان العرب تدل
كت َب بنو فلن» أي :اجتمعواُ ،
فس ِّ َ َ َ
يم ٍ اجلمع والضم ،ومنه قوهلم« :ت
َ ىلع اجلمع ،أو
واللكمات فيه ،وجيوز أن يكون مرادا به اسم ُ
الكتاب كتابا َلجتماع اْلروف
َ
املفعول ،أي :مكتوب ،أو اسم الفاعل؛ ألنه جامع بني صفحاته ما ُكت َ
ب. َ
ُ
وجيوز لك يف إعراب "كتاب" ستة أوج ٍه إعرابية« :أربعة للرفع ،وواحد
للنصب ،وواحد للجر».
فالرفع :ىلع أنه «مبتدأ خّب َمذوف ،أو خّب مبتدإ َمذوف ،أو فاعل فعل
َمذوف ،أو نائب فاعل فعل َمذوف».
وانلصب :ىلع أنه مفعول به بعامل ُمذوف.
واجلر :ىلع أنه جمرور حبرف ُمذوف مع فعله ،وهذا وجه يراه الكوفيون ،وهو
اْلرف ُمذوفا َل بد فيه من ذكر الفعل ،ثم هو يكون
َ عمل ضعيف؛ ألن َ
أكرث
َ
حينئذ شاذا !! ،فما ظنك إذا اكن اْلرف ُمذوفا مع الفعل؟
وأحسن هذه األوجه أن يكون خربا ملبتدإ ُمذوف ىلع تقدير مضاف أو
مضافني ،تقديره« :هذا بيان كتاب الطهارة" أي :من حيث يه َل من حيث
َ ُ
أحَكمها ،أو "كتاب بيان أحَكم لفظها ،وهذا األظهر؛ ألنه ذكر الطهارة ،وذكر
الطهارة» ،وأوجه كونه أحسن ذكرتها يف َشح "اْللصة" ،واإلضافة يف قوِل" :كتاب
الطهارة" ىلع معىن "اللم" أو "يف" ،وَل يبعد أن تكون ىلع معىن "من".
َ ِّ ُ َ
جيمع بعض املسائل العلمية ،أو :اسم جلملة من دال والكتاب اصطلحا :اسم
َ َ
تمل ىلع مسائل اغ َبلا.
العلم مش ٍ
ح َ َ َ
والكتاب وابلاب والفصل بمعىن واحد ،ف َإن ْجع بَني اثلهالثة قيل الكتاب:
َ
"اسم جلملة من َد ِّال العلم مشتملة ىلع أب ح َواب وفصول ومسائل َاغ َبلا"َ ،و ح َ
ابلاب" :
َ َ ِّ
اسم جلملة من دال العلم مشتملة ىلع فصول ومسائل اغ َبلا" ،والفصل" :اسم
َ َ َ ِّ
جلملة من دال العلم مشتملة ىلع مسائل اغ َبلا".
املعىن األول أن تقول" :امللئكة مطهرون" أي :أنقياء الظاهر وابلاطن ،وَل يصح
ىلع اثلاين أن تقول" :منظفون!!" ،فالطهارة هلا معان متعددة تعود إىل أصل واحد
وهو "انلقاء" ،كما قال ابن فارس يف "املقاييس" ثم اِلظافة منه.
وتكون الطهارة حسية ومعنوية ،فمن اْلسية قوِل -تعاىل﴿ :-ﯖ ﯗ﴾
ه
املدثر ،]4:يه حسية ىلع الصحيح ،وقول الشاعر: [
ُ ُ ح حَ َ َ ُ َ َح َ َ َ َ ٌ
ارى ن َق هية *** َوأ حو ُج ُه ُه حم َعند ال َم َسافَ َر غ هران َثياب ب َين عو ٍف طه
َ ََ
ان اْل َ َقيق َة ،تشمل لك أنواع الطهارة،
وأل يف قوِل« :الطهارة» جنسية َبلي َ
وجيوز أن تكون عهدية ذهنية ،أي :كتاب الطهارة املعهودة ذهنا عند الفقهاء.
"املجموع" والطهارة اصطلحا :فيها تعاريف كثري ،أشهرها قول انلووي يف
َ حَ ُ َ َ ََ َ َ
(/1ص" :)79رفع حدث ،أو إزالة جنَ ٍس ،أو ما َيف معناهما وىلع صورتَ َهما".
َ َ ُ َ ح
قلت:
قال ذلك ألنه َل يرفع األمر اَلعتباري إَل املاء ،خبالف املنع فقد يرتفع بغري
املاء ويبىق األمر اَلعتباري ،فإذا ارتفع األمر اَلعتباري ارتفع املنع ،من غري
عكس ،فاملنع -كما قال -صفة لألمر اَلعتباري ،وَل يلزم من ارتفاع الوصف
ُ َ
األسباب ارتفاع املوصوف ،وسيأتينا يف باب نواقض الوضوء أن املراد باْلدث هو
اليت ينتيه بها الطهر.
حَ َ َ َ
وانلجس لغة :بفتح اجليم وكرسها ما يُستقذرَ ،وانلجس :القذ ُر ،ويقال هل أيضا:
البث.
ِّ ُ َ ُ ح َح َ ٌ َ حَُ ه َ ه َ
الصالةَ َحيحث َل ُم َرخ َص؛ حنو« :ابل ْول ،والر ْوث». ورشع :مستقذر يمنع َصحة
ُ
وألنه ليس لك مستقذر جنسا خ هص بأنه يمنع من الصالة.
َ
وانلجس ثلثة أنواع:
األول :مغلظ؛ كبول اللكب والزنير وما تودل منهما.
اثلاين :خمفف؛ كبول الصيب اَّلي لم يطعم غري اللنب.
اثلالث :وسط؛ كبول غريه إَل بول اللكب والزنير.
اثلاثلة :إزاتلها من ىلع ابلدن؛ كأن يكون دم حيض أو نفاس ،أو بول ،أو
ت ام َرأَة َسأَل َ ح
َ َ َ َه ح
اغئط ،أو مذي؛ ديلل ذلك ما أخرجه الشيخان من حديث اعئَشة أن
َ ً ْ ََ َ َ َ َحَ ُ َ َ َ ح ُ ح َ ح حَ
يض فأ َم َرها كيحف تغت َسل قال" :خذي ف ْرصة من يب ﷺ عن غس َلها َمن الم َح َ اِل ه
َ
ه
َ َ َ ح َحَ َ َ َ َ ََ َ َ َ ح ََْ َََ َ ْ َََ
مس ٍك فتطهري بها" .قالت" :كيف أتطهر" قال" :تطهري بها" .قالت" :كيف" .قال:
َ ََ ََ َ ْ ََ ْ َ َ َ ْ ََ ْ َ َ
"سبحان اَّلل تطهري" فاجتبذتها إل فقلت" :تتبع بها أث َر ادلم".
َ ح َ ى َ َ ُ ح ُ َ ُ َ ه َ ُ ح ُ َ ح َ ح َ ََ
ت أ حستَح َي أن أ حسأل ىلع قال كنت رجال مذاء وكن وما أخرجه مسلم ع َن َ
َ َ َ َ ََ َ َْ َ َ َ َ ُ ح ح َ َ َ
يب ﷺ ل َ َمَك َن ابحن َت َه فأ َم حرت ال َمقداد بح َن األ حس َو َد ف َسأ ُِل فقال« :يغسل ذك َره ه
اِل ه
َ
ََ
َويت َوضأ».
َ َ ح ح
يد الُد َر ِّي قال ع س أو من اِلعل ملا رواه أمحد والتمذي واللفظ ِل َع حن أَب َ
َ ٍ َ
َ َه ََ َ َ ح ح َ ََ َح َح ََ َ َُ َ َ َ ح ُ َ ِّ َ َحَ َ َ ُ ُ ه
ارهَ فلما رأى َ س ي ن ع ا مهع ض وف ه
َ يلع ن ع لخ ذ َ إ ه
َ َ اب ح ص أَ ب َّل ص ي ﷺ اّلِل
َ بينما رسول
َ ََ ُ َ َ َ َُ َ َ ه ُ َ َ حَ ح ُ َ ح َ ُ ح َ ه َ َ َ َُ َ ح َ
محلك حم َىلع اّلِل ﷺ َصالته قال« :ما ذلَك القوم ألقوا نَعالهم فلما قىض رسول َ
حَ ُ ح َ َ ُ ح َ ُ ََحَ َ َحَ ح َ َ ح َح َ ََحَ حَ َ ََ َ َ َ َ ُ ُ ه
اّلِل
َإلقائَكم نَعالكم» .قالوا رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نَعاِلا .فقال رسول َ
ْ َ َ َ َ َ َ َ ًََ ََ َ ََ ََ ْ َ َ
يل ﷺ أتاين فأخ َ ْ َ
ّبن أن فيهما قذرا» .وقال« :إذا جاء أحدكم إَل ﷺ« :إن جّب
َ َ ْ َْ َ ْ ْ َ ً َ َ َ َ ْ ْ َ َ َ ْ َ ََْْ َْ ْ
المسجد فلينظ ْر فإن َرأى يف نعليه قذ ًرا أ ْو أذى فليمسحه َويلصل فيهما».
وأحسن من قول انلووي أن حند الطهارة من حيث اْلقيقة فنقول :يه
ح َ ُ ح َ ح ح ُ َ َ ِّ َ َ ح
اْل َ َدث َواِله َ
ج َس وما اكن ىلع صورتهما". َ ب ىلع
ارتَفاع المن َع المتت َ
فارتفاع املنع أعم من ارتفاع اْلدث ،وَّللك من أحدث فتوضأ ارتفع حدثه،
ومن أحدث فلم جيد املاء فتيمم ارتفع ما يمنعه من الصالة لكن لم يرتفع حدثه
ىلع املذهب ،فارتفاع املنع أعم مطلقا من ارتفاع اْلدث.
ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ﴾ [املائدة.]41:
ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ﴾
[اتلوبة.]108:
ومقاصدها أربعة:
األول :الوضوء.
اثلاين :الغسل.
اثلالث :اتليمم.
الرابع :إزالة اِلجاسة.
أنواع املِيَاهِ
قوله :املِيَاهُ اليت َيجُوزُ التَّطْهِ ْيرُ بِهَا َس ْبعُ ِم َياهٍَ :ماءُ السماءِ ،ومَاءُ البَ ْح ِر ،ومَاءُ النَّ ْه ِر،
ومَاءُ البِ ْئ ِرَ ،و َماءُ العَ ْي ِنَ ،و َماءُ الثَّ ْل ِج ،ومَاءُ ال َبرَدِ.
وقوهل« :سبع مياه» هكذا بتذكري العدد وفاقا للمفرد يف أكرث النسخ ،وهو شاذ
ىلع غري قياس ،واألفصح أن يقال" :سبعة مياه".
أوال :ماء السماء.
أي :ماء املطر اَّلي نزل من السماء ،ديلل ذلك قوِل -تعاىل﴿ :-ﭷ ﭸ
ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ﴾ [األنفال.]11:
وقول الشاعر:
َ ٌ َ ُ وبيض غ َذ ه
اهن اْل َ ُ
ابلحر ما َل ُح
َ
ليب ولم يَ ح
كن *** َغذاه هن نَينان من َ ٍ َ
َ
وأنشد ابن األعراِب قول بعضهم:
وماء قَ ىو ٌ
مالح ونا َق ُع ُ حن قَ ًّوا واْل َ َم ُ
ام وا َق ُع *** َص هب َ
﴿ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ
ﯪ﴾ [الفرقان.]53:
رابعا وخامسا :ماء ابلرئ وماء العني.
َ َ
يد
مل ا أخرجه اثلالثة وصححه اإلمام أمحد والتمذي من حديث أ َب س َع ٍ
َ حَ ُ َ َ َ ُ َ ه ََََ ه ُ ح ح ُ َ َ َ َ َ حٌ ُ حَ ح ُ ح ِّ َ َ
اْليض ئ بضاعة و َه بَئ يلىق َفيها َ َ َ ب نمَ أ ضوتن أ اّلِل
َ ول سر ا ي يل قَ :ال الد َري ق
َ َ َ َْ َ َ َ هح ُ ََ َ َُ ُ ه َ ُُ ُ ح َ
اء طهور ال ينجسه شء». اّلِل ﷺ« :إن الم
َ ول س ر ال قف ن ـ ت اِلو ب
وْلوم ال َ َ
الك
فعلمنا من ذلك أن ماء بئ بضاعة لم يتغري بهذه األشياء اليت أُل حقيَ ح
ت فيه؛ َ
ألنه لو تغري طعمه ،أو لونه ،أو رحيه بنجاسة لَكن جنسا بإْجاع أهل العلم ،فما
دام أن املاء باق ىلع أصله فهو طهور َل ينجسه يشء.
َ ْ ََ َََ َ ْ َ
وقد "رشب انلب ﷺ من ماء زمزم وتوضأ" .أخرجه أمحد يف املسند بإسناد صحيح عن
ُ
اإلنسان يلُ َ
خرج منه وماء العني كماء ابلئ باإلْجاع؛ ألن ابلئ ما حي َفره
املاء ،والعني تنبع من غري أن يفعل اإلنسان ذلك ،فهما واحد.
واعلم أن املراد باثللج والربد الَّلين حيصل بهما الطهارة ما يذوب منهما
ويسيل فيحصل به غسل األعضاء ،أما إن اكن جامدا َل حيصل به الغسل فإنه َل
َْ ْ اغسلْين م ْن َخ َطايَ َ
ْ ِّ
اي باثللج َوالماء يكون ُم َطهرا ،ديلل ذلك قوِل ﷺ« :اللهم
َوال ْ َ َ
ّبد» ،وقوِل -تعاىل﴿ :-ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ
ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ....اآلية﴾ ومعلوم أن الغسل َل حيصل به إن اكن
ُ ُ
ْج َعا مع املاء ،أو ْجع بني أحدهما
جامدا ،بل َل بد من أن يكون سائال ،إَل إذا َ
وبني املاء ،فتكون الغسلة األوىل باملاء ،ثم اثلانية واثلاثلة يف الوضوء أو ما يزيد
عن تعميم اجلسد يف الغسل باثللج أو بالربد أو بهما.
وأخَّص من قول املؤلف :أن يقال :املاء نوعن ىلع ما نشاهده بأعيننا:
األول :ما يزنل من السماء ،ومنه ماء املطر ،واثللج ،والربد ،وماء َ
الرب َك.
َ
واثلاين :ما ينبع من األرض ،ومنه ماء ابلئ ،وماء العني ،وماء ابلحر ،وماء
اِلهر.
فلألرض ماء كما أن للسماء ماء ،كما قال -تعاىل﴿ :-ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ
ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ﴾ [هود.]44:
وذهب بعض األصحاب إىل أن هذه املياه وغريها نزلت من السماء كما هو
ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ﴾ [املؤمنون]18:
و جيمع املاء الطهور حد واحد وهو :ابلايق ىلع خلقته اليت خلقه اهلل عليها،
ني ،نص عليه اإلماماىل -م هما ََل َصنح َع َة فيه ل حآل َدميِّ َ
َ َ ََ هُ ََ َ َ َََ َ
أو :ما خلق اّلِل -تبارك وتع
َ َ َ َ َ
الشافيع يف األم.
بعد أن ذكر لك أنواع املياه اليت جيوز اتلطهري بها ،أراد أن يتلكم عن أقسام
املياه من حيث وجودها واستعماهلا؛ وَل تعارض بني القسمتني؛ ألن املياه اليت
جيوز اتلطهري بها يه قسم واحد ،أو قسمان من أقسام املياه ،ثم هناك ماء َل جيوز
اتلطهري به ،وبهذا تصري القسمة ثنائية.
فاألول :ما جيوز اتلطهري به ،وهو نواعن« :طاهر مطهر غري مكروه ،وطاهر
مطهر مكروه».
َ َْ َ َ
واثلاين :ما َل جيوز اتلطهري به ،وهو نواعن أيضا« :طاهر غري مطه ٍر ،ونس».
ً
فصارت األقسام أربعة ،ومخسة عند اتلفصيل.
قال« :ثم املياه على أربعة أقسام»:
طَلقُ» أي :املاء اَّلي يرفع
األولَ « :طاهِ ٌر َغ ْيرُ َم ْكرُوهٍ» استعماِل «وهو املاء املُ ْ
َ َ
اْلدث ،ويزيل البث ،فلك ماء يرفع اْلدث ويزيل البث هو املاء املطلق ،أي:
ُ َ َ حُ ُ َ ح َ َ ه
اإلضافة الال َز َمةَ ،وسيم ُمطلقا َألن لفظ الماء َإذا أطلق
َ
املاء العاري عن القيود و َ
َ ح
ان َرصف اَّلهن َإيلح َه ،وهو ما نص عليه الشافيع يف األم.
-تعاىل﴿ :-ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ﴾ [الفرقان،]48: وديلل ذلك القسم قوِل
َ ْ َ َ
واحُتز بقونلاَ " :واإلضافة اللزمة"
عن لك ماء مضاف إىل غريه إضافة غري َلزمة ،أي :ما أضيف إضافة جيوز
َحَ ه
برئ ،وماء عني" فهذا
نهر ،وماء حبر ،وماء ٍ
أن تنفك عن املضاف إيله ،حنو" :ماء ٍ
ٌ
مضاف إضافة َ
غري َلزمة ،ألنه جيوز لك أن تقول" :عندي ماء" وتريد به ماء ماء
نهر أو حبر ،دون إضافته ،خبالف ماء الورد ،فال يُفهم منه ماهيتُه إَل بذكر
َُ
المق هي َد إَل به، املضاف إيله لفظا أو تقديرا ،وكذا لك قيد َلزم َل يُتعقل ماهية
فاإلضافة يف قولك" :ماء َو َر ٍد" َلزمة ،فهذا وحنوه َل يرفع حدثا وَل يزل خبثا ،ويف
قولك" :ماء نهر" غري َلزمة.
أحدهما :مياه ابلحار واألنهار واآلبار املشمسة ،فال يُكره ماؤها؛ ألن
الشمس َل تؤثر فيها ،وألن اتلحرز عنها غري ممكن ،خبالف األواين ،فإن اتلحرز
من تشميس املاء فيها ممكن.
ُح
المن َط َب َعة؛ قال الرافع وغريه :ألن واآلخر :ما اكن مشمسا يف غري األواين
َ الشمس تستخرج من املعدن ُز ُه َ
ومة تعلو املاء ،فترض ابلدن ،وتورث الربص! َ
َ
واستثىن بعض األصحاب آنية اَّلهب والفضة ألنه َل ينفصل منهما زهومة،
فحرصوا علة الكراهة يف الزهومة اليت تنفصل من املع َدن.
واثلاين :أن يكون استعمال املاء ىلع ابلدن ،أما إذا استعمله يف غسل ثوب،
أو إزالة جناسة من وسادة ،أو غري ذلك فال يكون مكروها.
وزاد الرافع وغريه :أن يكون هذا يف ابلالد اْلارة َل ابلاردة وَل املعتدلة،
كنجد واْلجاز ،وايلمن؛ ذلك أن الزهومة تنفصل إَل يف ابلالد اْلارة.
وزاد بعضهم :أن يكون استعمال املاء بعد التشميس وهو ساخن ،أما إذا
َ ِّ
ُسخ َن بالشمس ثم بُ ِّرد فال يُكره استعماِل ىلع املشهور.
ُ
ج حسَ ،وه َو فاملاء املشمس طهور ألنه باق ىلع خلقته ،فهو طاهر يف نفسه لم ُينَ ه
ٍ
ك َرهُُ ح ََ ه ح ُ َ ِّ ٌ َ
َ
مطهر ،أي يرفع اْلدث ويزيل اِلجس بلقاء إطالق اسم املاء عليه ،لكنه ي
استعماِل ألنه يُورث الربص ،فالكراهة هنا -ىلع الصحيح -إرشادية من جهة
الطب ،وليست َشعية.
واتلحقيق:
أن املاء املشمس َل يُكره مطلقا وفاقا للنووي ،وهو املذهب عند اْلنابلة،
وبه قال بعض املالكية ،وهو مذهب الظاهرية ،ولو اكن يورث الربص لَكن ينبيغ
أن يقال حبرمته َل بكراهته ،ىلع أنه قد يقال :إن الكراهة يف قول الشافيع
للتحريم؛ ألن الرضر الواقع به ىلع ابلدن شديد ،لكن الصحيح ما اختاره اِلووي
من أنه َل يُكره املاء املشمس ،ولم يثبت فيه يشء يُعتمد عليه من جهة الَشع؛
فقد ُروي فيه بعض األحاديث املرفوعة واآلثار املوقوفة ،ولكها ما بني ضعيف
وموضوع ،أما من جهة الطب فإن الطب مع تقدمه لم ينطق طبيب واحد من
ُ
لقلت املعارصين -فيما أعلم -بأن املاء املشمس يورث الربص ،ولو ثبت هذا طبيا
بتحريمه ،أما املاء املسخن بغري الشمس فال كراهة فيه باَلتفاق ،واهلل أعلم.
واثلالث :طاهر غري مطهر وهو املاء املستعمل واملتغري بما خالطه من
الطاهرات ،وهذا حيتاج إىل درس اكمل نَشع فيه -إن شاء اهلل تعاىل -يف ادلرس
القادم ،أقول قويل هذا ،وأستغفر اهلل العظيم يل ولكم ،وسبحانك امهلل وحبمدك،
أشهد أَل هلإ إَل أنت ،أستغفرك وأتوب إيلك.