Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 55

‫إِسْعَادُ األَرِيبِ‬

‫ِب َش ْر ِح َم ْت ِن الغَايَ ِة والتَّ ْق ِريبِ‬


‫أو‬
‫الروْضُ اليَفَاعُ‬
‫َّ‬
‫يف شَرْ ِح مَتْنِ َأبِي شُجَاع‬
‫يف الفقه الشافعي‬
‫تفريغ ادلروس من األول حىت الرابع‬

‫شرح‬
‫أبي زياد حممد بن سعيد البحريي‬
‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬

‫ُم َقـ ِّد َمـةٌ‬


‫اْل َ حم ُد هّلِل هاَّلي َه َدانَا هلذا َو َما ُك هنا ِلَ حهتَد َي ل َ حو ََل أَ حن َه َدانَا ه ُ‬
‫اّلِل‪َ ،‬و َص هَّل اهللُ‬ ‫ح‬
‫َ َ‬ ‫َ َ َ‬
‫ْجع َ‬ ‫َ ح َ حَ‬ ‫َ ِّ َ ُ َ ه‬ ‫َ ه‬
‫ني‪.‬‬ ‫آِل َوصح َب َه أ َ‬‫َوسل َم ىلع ن َبينا ُمم ٍد‪ ،‬وىلع َ َ‬
‫أما بعد‪،‬‬
‫َ ح ٌ َ ٌ‬
‫َشح ل َطيف ىلع منت الغاية واتلقريب‪ ،‬نافع إن شاء اهلل‪.‬‬ ‫فهذا‬

‫َ ُ‬
‫فاهلل أسأل أن يتقبل مين‪ ،‬وأن جيعله خالصا لوجهه الكريم‪ ،‬وأن يرزقنا العلم‬
‫اِلافع والعمل الصالح‪ ،‬وأن حيسن ختامنا‪ ،‬إنه ويل ذلك وموَله‪.‬‬
‫أبو زياد‬
‫مبادئ علم الفقه‬
‫قال مقيده ‪-‬عفا اهلل عنه‪:-‬‬

‫َ َ َ ْ ً َ ْ َ َ َْ‬ ‫َ ْ َ َ َ َْ‬ ‫َْ َ‬


‫حدا وموضوع خذن فثمره‬ ‫إن المبادي فاعرفن عشـره‬
‫ْ َ َ ْ ً َْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ ْ ْ‬ ‫ْ َ َ‬
‫اسم َونسبة َوفضل اعتمد‬ ‫حكم مسائل ف َوضع استمد‬

‫أوال‪ :‬حده‪.‬‬
‫َ َح‬
‫الفقه لغة‪ُ :‬م حطل ُق الفه َم‪ ،‬كما يف قول موىس ‪-‬عليه السالم‪﴿ :-‬ﯡ ﯢ ﯣ‬
‫ﯤ ﯦ ﯧ﴾ [طه‪ ،]28 ،27:‬وقول قوم شعيب ‪-‬عليه السالم‪﴿ :-‬ﭴ ﭵ ﭶ‬
‫الفهم ادلقيق‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ﴾ [هود‪ ،]91:‬وليس هو‬
‫َ‬ ‫ح‬ ‫ُ‬ ‫ح‬ ‫َ‬ ‫ح‬ ‫ح‬ ‫ح ََكمَ َ ح‬ ‫َ ح‬ ‫ح‬
‫الع َم َليه َة بَال َفع َل أ حو بالق هوةَ الق َريبَ َة‬
‫الَشع هية َ‬
‫َ َ‬ ‫واصطلحا‪ :‬ال َعل ُم باأل‬
‫َح َ ه َ هح‬ ‫ح‬ ‫ُ ِّ َ‬
‫اتلف َصي َل هيـ َة‪.‬‬ ‫المتَ َعلق َة بَ َفع َل العب َد بَأ َد َتلها‬
‫ْ‬
‫فقونلا‪« :‬العلم»‪.‬‬
‫نريد به مطلق اإلدراك؛ ليشمل «إدراك اتلصورات‪ ،‬وإدراك اتلصديقات»‪ ،‬ثم‬
‫إن لك منهما «إما رضوري‪ ،‬وإما نظري»؛ وذلك ليشمل املسائل القطعية‪ ،‬وهو‬
‫الكثري يف مسائل الفقه‪ ،‬والظنية‪ ،‬وهو القليل‪.‬‬
‫َْ َ‬
‫وقونلا‪« :‬باألحَكم»‪.‬‬
‫خرج به العلم باملاهيات؛ فال يسىم فقها يف اَلصطالح‪ ،‬و "أل" يف قول‪:‬‬
‫"األحَكم" لالستغراق العريف َل اْلقييق‪ ،‬ولو محلناها ىلع اَلستغراق اْلقييق ملا‬
‫بيق فقيه‪.‬‬
‫ْ ً‬ ‫َ َ َ ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ُ ح‬
‫حك ٍم‪ ،‬واْلكم لغة‪ :‬مصدر «حك َم يـحكم حـكمـا فهو‬ ‫ُ‬
‫واألحَكم ْجع‬
‫َْ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حاكم‪ ،‬وحكيم‪ ،‬وَمكوم‪ ،‬وَمكوم به للزم»‪.‬‬

‫َْ‬
‫معان‪ ،‬منها‪" :‬المنع‪ ،‬والقضاء‪ ،‬والفصل‪ ،‬والفقه‪ ،‬والعلم"‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫وهل يف اللغة‬
‫ٌ‬ ‫َ َ‬
‫حك َم فالن فالنا‪ ،‬أي‪ :‬منعه‪ ،‬ومن ذلك قول جرير يف "ديوانه"‬ ‫فيقال‪:‬‬
‫(ص‪ ،)50‬ويف "العني" (‪:)67/3‬‬
‫َ‬ ‫َ َ َ ح َ َ َ ح ُ ُ َ َ َ ُ ح ِّ َ َ ُ َ َ ح ُ ُ َ ح َ ح َ‬
‫كموا سفهاءكم ** إَنـي أخاف عليكم أن أغضبـا‬ ‫أب َين حنيفة أح َ‬

‫حَُ ُ ََ َ ُ‬ ‫َ ح ُ ُ ََ َ ُ‬
‫اءك حم‪.‬‬ ‫اءك حم‪ ،‬يعين به‪ :‬امنعوا سفه‬ ‫كموا سفه‬
‫أح َ‬

‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫واْلكم أيضا "القضاء والفصل"‪.‬‬
‫قال ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ﴾‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫تلقض وتفصل بني اِلاس‪ ،‬وهذا القضاء يستلزم املنع أيضا‪.‬‬ ‫[النساء‪ ،]105:‬أي‪:‬‬

‫ْ‬
‫وقد يراد باْلكم‪ :‬الفقه والعلم‪ ،‬كما قال ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬ﭖ ﭗ ﭘ﴾‬
‫[مريم‪ ،]12:‬أي‪ :‬الفقه والعلم‪.‬‬
‫ح َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ َ ِّ ُ َ ح‬ ‫كم عند األصويلني‪ :‬خ َط ُ‬ ‫ْ‬
‫ب‪ ،‬أو‬
‫ٍ‬ ‫ل‬‫ط‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫‪،‬‬‫د‬‫َ‬ ‫ا‬ ‫ب‬‫ع‬‫َ‬ ‫ال‬ ‫ل‬
‫َ‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫أ‬‫َ‬ ‫ب‬ ‫ق‬‫ل‬‫ع‬ ‫ت‬‫الم‬ ‫هلل‬
‫َ‬ ‫ا‬ ‫اب‬ ‫َ‬ ‫واْل‬
‫ح‬ ‫َح‬
‫ت َييـ ٍر‪ ،‬أو َوض ٍع‪.‬‬
‫ُ‬
‫خطاب الَشع املتعلق بأعمال العباد‪ ،‬من طلب‪ ،‬أو‬ ‫وعند الفقهاء‪ :‬ما اقتضاه‬
‫تيري‪ ،‬أو وضع‪.‬‬
‫َ‬
‫فقونلا‪« :‬خطاب»‪.‬‬
‫َ َ ًَ‬ ‫َ ً‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ال"‪ ،‬مصدر «خاط َب ياطب خطابا وماطبة»‪ ،‬وهو من باب‬ ‫ىلع وزن "ف ٍ‬
‫ع‬
‫َ َح‬
‫طاب نف ُس اْلدث‪ ،‬واملراد هو‬ ‫ل‬
‫إطالق املصدر وإرادة اسم املفعول؛ ألن ا َ‬
‫اْلكم الَشيع َل نفس اْلدث‪ ،‬واْلكم الَشيع هو نتيجة اْلدث‪ ،‬فتوجيه‬
‫ُ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ ه ُ‬
‫ب‬‫اط ُ‬
‫خ َ‬ ‫اط ُ‬
‫ب به‪ ،‬والم‬ ‫خ َ‬ ‫الم َوجه به والم‬ ‫الالكم ملخاطب يُسىم َخ َطابا‪ ،‬واْلكم هو‬
‫ُ ه ُ‬
‫الم َوجه إيله‪.‬‬ ‫هو‬
‫ُ ح َ‬ ‫َُ َ ح ُ‬ ‫حُ َ‬ ‫َ ٌ َحَ‬ ‫ْ َ‬
‫َواْلطاب‪" :‬ق حول يفه ُم َمنه م حن َس َمعه شيئا م َفيدا مطلقا"‪ .‬ذكره يف خمترص‬
‫اتلحرير‪ ،‬ورشع‪ :‬ما أمر اهلل به‪ ،‬وما نىه عنه‪ ،‬وما أخرب به‪ ...‬إلغ‪.‬‬
‫َ‬
‫فقوهل‪« :‬ق ْول»‪.‬‬
‫هح‬
‫مرادف لَلف َظ عند بعضهم‪ ،‬وهو الصوت املشتمل ىلع بعض اْلروف‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اهلجائية‪ ،‬فاحتز به عن الكتابة‪ ،‬واإلشارة‪ ،‬وعقد األصابع‪ ،‬واِلُ ُصب‪ ،‬فال تسىم‬
‫قوَل‪.‬‬
‫ََْ ْ‬
‫وقوهل‪« :‬يفهم منه»‪.‬‬
‫ُ‬
‫احتز به َع همن َل يفهم‪ ،‬اكملجنون‪ ،‬والصيب‪َ ،‬‬
‫وم حن يف حكمهما‪ ،‬فليسوا‬
‫داخلني يف الطاب‪.‬‬
‫َ ْ َ َ‬
‫وقوهل‪« :‬من سمعه»‪.‬‬
‫يشمل من َس َم َع الطاب وهو حارض‪ ،‬ومن بلغه الطاب وإن لم يكن‬
‫حارضا‪ ،‬سواء اكن من اإلنس أو من اجلن‪.‬‬
‫ً‬ ‫َ ًْ‬
‫وقوهل‪« :‬شيئا مفيدا»‪.‬‬
‫َ َْ‬
‫خرج به من سمع قوَل مهمال‪ ،‬كـ «دي ٍز» مقلوب زيد‪.‬‬
‫ْ ًَ‬
‫وقوهل‪« :‬مطلقا»‪.‬‬
‫َ‬
‫إفهام السامع أم لم يقصد‪ ،‬فالطاب هو الالكم اَّلي‬ ‫ُ‬
‫املتلكم‬ ‫ٌ‬
‫سواء أقصد‬ ‫أي‪:‬‬
‫ح‬ ‫َ‬ ‫ُح‬
‫يف َه ُم‪َ ،‬ل الالكم اَّلي أف َه َم‪.‬‬
‫َ‬
‫فقوهل‪« :‬خطاب اهلل»‪.‬‬
‫واجل ِّن‬
‫َ‬ ‫أي‪َ :‬شع اهلل‪ .‬فخرج به خطاب غريه؛ كخطاب اإلنس لإلنس‪،‬‬
‫للجن‪ ،‬واجلن لإلنس‪ ،‬واإلنس للجن‪ ،‬واملالئكة لإلنس‪ ،‬وغري ذلك‪ ،‬وخرج به‬
‫ُ‬
‫خطاب‬ ‫أيضا اْلكم عند املناطقة‪ ،‬وعند أهل اللغة‪ ،‬ويدخل يف خطاب اهلل‪:‬‬
‫اِليب ﷺ‪ ،‬واإلْجاع الصحيح‪ ،‬والقياس الصحيح‪ ،‬فهذا لكه من خطاب اهلل‪،‬‬
‫ِّ ٌ‬ ‫ه‬
‫وَّللك يُصدر بعضهم اْلد "خبطاب الشارع"‪ ،‬واملعىن واحد؛ ألن اِليب ﷺ ُمبَلغ‬
‫عن اهلل‪ ،‬وما أْجعت عليه األمة مستنده إما كتاب‪ ،‬وإما سنة‪ ،‬والقياس الصحيح‬
‫أصله مبين ىلع ادليلل من الكتاب أو السنة‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ََ‬
‫وقونلا‪« :‬المتعلق بأعمال العباد»‪.‬‬
‫أي‪ :‬اَّلي يرتبط بأعمال العباد من حيث إنه مطلوب فعله‪ ،‬أو مطلوب تركه‪،‬‬
‫ومن حيث إنه صحيح أو غري صحيح‪ ،‬فيشمل حينئذ ْجيع األحَكم الَشعية من‬
‫حيث تعلقها بفعل العبد ىلع سبيل اثلبوت أو التك‪.‬‬

‫ويراد بالفعل أو العمل اصطلحا‪ :‬لك ما يصدر عن العبد‪ ،‬كقول اللسان‪،‬‬


‫واتل ح‬
‫ـرك املقصود‪ ،‬والعزم ىلع الفعل‪.‬‬ ‫وعمل اجلوارح‪ ،‬ه‬
‫ََ‬ ‫ََ‬
‫فخرج بقول‪« :‬المتعلق بعمل العبد»‪.‬‬
‫ما يتعلق باَلعتقاد؛ ألن ُمله كتب العقائد‪ ،‬وَل ي ُسىم حكما عند‬
‫األصويلني‪ ،‬وَل عند أكرث الفقهاء‪ ،‬وي ُسىم حكما يف الَشع‪ ،‬بل هو أصل األحَكم‪.‬‬
‫َ‬
‫وقد اعُتض عليهم‪ :‬بأن هذه األعمال اليت تتعلق بعمل العبد تشتمل ىلع‬
‫بعض أعمال القلوب‪ ،‬فاِلية مثال يتناوهلا الفقهاء ويه من أعمال القلوب‪،‬‬
‫ومعلوم أنها َشط أو ركن‪ ،‬وتعلقت بعمل العبد‪ ،‬وُملها القلب‪ ،‬كذلك‬
‫اإلخالص‪ ،‬وحتريم اْلسد‪ ،‬واْلقد‪ ،‬وغري ذلك من أعمال القلوب‪.‬‬

‫لعبد‬
‫فقالوا‪ :‬هذه األمور اليت تتعلق بأعمال القلوب َل بد َمن أن تظهر من ا َ‬
‫ٌ‬
‫أعمـال تتتب عليها‪.‬‬

‫والصحيح ما ذكرته‪" :‬خطاب اهلل املتعلق بأعمال العباد" أو "بأفعال العباد"‪،‬‬


‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ليشمل عمل اجلوارح وعمل القلب‪ ،‬وقول القلب‪ ،‬وقول اللسان‪ ،‬وقول اللسان‬
‫َ ٌ‬
‫ع َمل يف اللغة ويف اصطالح األصويلني والفقهاء‪ ،‬أما يف اإليمان فالعمل عملن‪:‬‬
‫عمل القلب واجلوارح‪ ،‬وَل يقال لقول اللسان عمل‪.‬‬
‫ح‬ ‫َ‬
‫وبعضهم يعّب‪ :‬بَ َفع َل امللكف‪ ،‬وقد بينت ما ىلع هذه اللكمة من مؤاخذة يف‬
‫"الَشح الكبري ىلع نظم الورقات"‪ ،‬غري أن لفظ العبد هو الوارد َشاع‪ ،‬وإذا أريد‬
‫َ‬ ‫ُ َه‬
‫بالملك َف‪َ :‬م حن اكن يف مقابلة من لم يُؤمر أو يُنـه فال حجر يف اَلصطالحات‪،‬‬
‫لكن يرد عليه أن بعض األحَكم الَشعية قد تتعلق بالطفل الصغري‪ ،‬وبعضها قد‬
‫يتعلق باملجنون‪ ،‬وليسا هما بملكفني‪ ،‬فظهر أن لفظ العبد أصح‪.‬‬
‫ََ‬ ‫َ‬
‫فخرج بقول‪« :‬خطاب اهلل المتعلق بأفعال العباد»‪:‬‬
‫‪ -1‬خطاب اهلل املتعلق بذاته؛ ألنه لم يتعلق بأعمال العباد‪ ،‬حنو قوِل ‪-‬تعاىل‪:-‬‬

‫﴿ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ﴾ [آل عمران‪ ،]18:‬فال ي ُسىم ُحكما عند األصويلني‪،‬‬


‫لكنه حكم يف الَشع‪.‬‬

‫‪ -2‬خطاب اهلل املتعلق بصفاته؛ كقوِل ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ﴾‬


‫[ابلقرة‪.]255:‬‬

‫‪ -3‬خطاب اهلل املتعلق بفعله‪ ،‬كقوِل ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ﴾‬


‫الز َمر‪.]62:‬‬
‫[ ُّ‬

‫‪ -4‬خطاب اهلل املتعلق بذوات العباد َل بأفعاهلم‪ ،‬كقوِل ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬ﯝ‬

‫ﯞ ﯟ ﯠ﴾ [األعراف‪.]11:‬‬

‫‪ -5‬خطاب اهلل املتعلق باجلمادات؛ حنو قوِل ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬

‫ﭤ ﭥ﴾ [الكهف‪.]47:‬‬

‫‪ -6‬خطاب اهلل املتعلق باْليوانات؛ حنو قوِل ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬ﮊ ﮋ ﮌ‬

‫ﮍﮎ﴾ [سبأ‪.]10:‬‬

‫فهذا لكه خرج ألنه َل يتعلق بأفعال العباد‪.‬‬


‫ْ َ َ‬
‫ب»‪.‬‬
‫وقوهل‪« :‬من طل ٍ‬
‫يدخل فيه األمر واِليه؛ إذ الكهما طلب‪.‬‬
‫فاألمر‪ :‬طلب الفعل‪ ،‬اكألمر بإقامة الصالة‪ ،‬وانليه‪ :‬طلب التك‪ ،‬كتك الزنا‪.‬‬

‫وقد يكون ال ُ‬
‫طلب ىلع سبيل اْلتم واإللزام‪ ،‬فيكون واجبا يف األمر ُمرما‬
‫يف اِليه‪ ،‬وقد يكون الطلب َل ىلع سبيل اْلتم واإللزام‪ ،‬فيكون مندوبا يف‬
‫األمر مكروها يف اِليه‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫فلك من األمر وانليه نوعن‪« :‬ملزم‪ ،‬وغري ملزمٍ »‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫فاألمر الملزم‪ :‬الواجب‪ ،‬وغري الملزم‪ :‬املندوب‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫وانليه الملزم‪ :‬املحرم‪ ،‬وغري الملزم‪ :‬املكروه‪.‬‬

‫فتصري األحَكم أربعة‪« :‬الوجوب‪ ،‬واْلرام‪ ،‬وانلدب‪ ،‬والكراهة»‪.‬‬

‫ْ َ َ‬
‫ب»‪.‬‬
‫وخرج بقول‪« :‬من طل ٍ‬
‫خطاب اهلل املتعلق بفعل العبد من حيث اإلخبار؛ حنو قوِل ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬ﮆ‬

‫ﮇ ﮈ﴾ [اَلنفطار‪ ،]12:‬فهذا خطاب هلل متعلق بأعمال العباد‪ ،‬لكن أريد منه‬
‫اإلخبار عن حفظ أعماهلم‪ ،‬وأن املالئكة تكتبها هلم‪ ،‬وليس يف الطاب طلب؛‬
‫َ‬ ‫ْ َْ‬
‫وَّللك يزيد بعضهم يف اْلد «من حيث إنه مَكف به»‪ ،‬وهو حشو؛ ألنه خرج‬
‫ْ َ َ‬
‫ب»‪.‬‬
‫بقول‪« :‬من طل ٍ‬
‫َ ْ‬
‫وقونلا‪« :‬أو تـخييـ ٍر»‪.‬‬
‫َ‬
‫شئت فعلته‪ ،‬وإن شئت لم تفعله‪،‬‬ ‫يُراد به اإلباحة‪ ،‬ألن املباح خمري فيه‪ ،‬إن‬
‫وهذا باعتبار ذاته‪ ،‬وقد يكون حكمه اتلحريم‪ ،‬أو الكراهة‪ ،‬أو الوجوب‪ ،‬أو‬
‫اِلدب‪ ،‬إذا اكن وسيلة إىل حكم من هذه األحَكم األربعة‪.‬‬
‫ْ‬
‫وقونلا‪« :‬أو َوض ٍع»‪.‬‬
‫يُراد به اْلكم الوضيع؛ ألنه موضوع بوضع اهلل ِل‪ ،‬وقد جعله الرب ‪-‬جل‬
‫وعال‪ -‬أمارة أو عالمة ثلبوت أو انتفاء أو نفوذ أو إلغاء‪ ،‬اكلصحة‪ ،‬والفساد‪،‬‬
‫والسبب‪ ،‬والَشط‪ ،‬واملانع‪.‬‬

‫وههنا تنبيهان ال بد منهما‪:‬‬

‫األول‪:‬‬
‫املتلكمون من األشاعرة واملاتريدية وغريهم من أهل ابلدع يريدون خبطاب‬
‫اهلل "الالكم انلفيس" !!‪ ،‬فيقولون‪" :‬خطاب اهلل" وَل يريدون به "الكم اهلل" عند أهل‬
‫السنة واجلماعة‪ ،‬وإنما يريدون به "املعىن القائم بانلفس املجردة عن األلفاظ‬
‫واْلروف واألوامر وانلوايه"‪ ،‬وقد نصوا عليه يف كتبهم يف مواضع كثرية؛ يقولون‪:‬‬
‫إن اهلل ‪-‬جل وعال‪" :-‬لم يتَكم الكما مسموع حبرف وصوت"‪ ،‬فالكم اهلل عندهم‬
‫معىن قائم باِلفس!! وحقيقة قوهلم هو قول اجلهم بن صفوان‪.‬‬

‫والقول بالالكم انلفيس باطل وضلل مبني‪ ،‬ومالف للكتاب والسنة وإمجاع‬
‫السلف‪ ،‬بل مالف إلمجاع العقلء‪.‬‬
‫فمن القرءان‪:‬‬

‫قوِل ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ﴾‬


‫[اتلوبة‪ ،]6:‬فمن زعم أن ما ي ُسمع ليس بكالم اهلل فهو جهيم اكفر بإْجاع‬
‫السلف؛ ألنه حينئذ يكون مكذبا للقرءان‪.‬‬

‫وقول مريم‪﴿ :‬ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ﴾ [مريم‪ ،]26:‬ثم‬


‫ت إِلَيْ ِه﴾‪ ،‬واإلشارة معربة عما يف اِلفس‪ ،‬ولو اكن‬
‫قال ‪-‬جل وعال‪ -‬بعدها‪َ ﴿ :‬فأَ َش َار ْ‬

‫ما يف اِلفس الكما لَكنت اإلشارة دالة عليه كصيغة األمر واِليه عندهم !!‪ ،‬فلم‬
‫يكن حينئذ من امتناع مريم عن الالكم فائدة‪.‬‬

‫ومثله قول اهلل لزكريا ‪-‬عليه والسالم‪﴿ :-‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬


‫َه‬
‫ﯝ ﯞ ﯟ﴾ [مريم‪ ،]10:‬دل ذلك ىلع عدم جواز الالكم يف حقه‪ ،‬ثم قال‪:‬‬

‫﴿ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ﴾‪.‬‬

‫قوهل‪« :‬فأوىح إيلهم»‪ .‬لم يكن هذا اَّلي عرب عنه باإلشارة الكما‪ ،‬وإَل ملا اكن‬
‫زكريا ‪-‬عليه السالم‪ -‬ممتثال‪.‬‬
‫ُ‬
‫فالقول أو الالكم إذا أطلق لك منهما يف الَشع فال بد من أن يكونا حبرف‬
‫َه َه‬
‫وصوت‪ ،‬خالفا ألهل ابلدعة من األشاعرة واملتلكمني ومن لف لف ُه حم‪.‬‬
‫ُ‬
‫أما إذا أريد املعىن اِلفيس فال بد من اتلقييد‪ ،‬كقوِل ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬ﮝ ﮞ‬

‫ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ﴾ [املجادلة‪ ،]8:‬ولو اكن ما يف اِلفس يُسىم الكما‬


‫دون تقييد ملا اكن هناك فائدة من اتلقييد‪.‬‬

‫ومن السنة‪:‬‬
‫أحاديث َل حتىص يف هذا املقام‪ ،‬منها قوِل ﷺ فيما رواه ابلخاري وغريه‪:‬‬
‫َ ً ْ َ َْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ََْ ْ َ َ َ ْ َ َ َ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫«أسعد انلاس بشفاعِت يوم القيامة من قال ال إهل إال اَّلل خالصا من قبل نفسه»‪.‬‬

‫وقد انعقد اإلْجاع ىلع أن من لم يقل َل هلإ إَل اهلل حبرف وصوت ولم يتلفظ‬
‫بها وهو قادر ىلع اِلطق لم يكن قائال هلا وَل ي ُسىم قائال ولو قاهلا يف نفسه !!‪،‬‬
‫وهو اكفر إْجااع ليس بمؤمن‪ ،‬ولو قاهلا يف نفسه َل ي ُسىم قوَل باإلْجاع‪.‬‬

‫َ َ‬ ‫ِّ‬ ‫ه‬ ‫ح‬ ‫َ ح َ ُ َحََ َ َ هُ َ حُ َ‬


‫وما رواه ابلخاري وغريه عن أ َِب هريرة ‪-‬ر َِض اّلِل عنه‪ -‬عن اِل َيب ﷺ قال‪:‬‬
‫َْ َ َ َ َ َ ْ َ ْ َ ََ َ‬ ‫َ َ َ ْ‬ ‫َ ََ َ َ َ ْ‬
‫اوز عن أمِت ما حدثت به أنفسها ما ل ْم تعمل أ ْو تتَك ْم»‪ .‬فدل ذلك‬ ‫«إن اَّلل َت‬
‫ىلع أن حديث اِلفس َل يسىم الكما !!؛ إذ قد جعل اِليب ﷺ أنه َل يكون‬
‫َ ه َ َ ُ‬
‫نفسه لم يكن متلكما‪.‬‬ ‫الكما إَل إذا اكن لفظا‪ ،‬فعلمنا من ذلك أن من حدث‬

‫وقد انعقد اإلْجاع ىلع أن األمر واِليه من الالكم‪ ،‬والالكم َل بد من أن‬


‫يكون بألفاظ وحروف تدل ىلع املعاين‪ ،‬والالكم لكه «اسم‪ ،‬أو فعل‪ ،‬أو حرف»‪،‬‬
‫باتفاق اِلحاة وأهل اللغة‪.‬‬
‫قال العلمة األمني يف "املذكرة" (ص‪:)182‬‬

‫"وأْجع الفقهاء ىلع أن من حلف أَل يتلكم َل حينث حبديث اِلفس‪ ،‬وإنما‬
‫حينث بالالكم"‪.‬‬

‫قلت‪:‬‬
‫"وأْجع العقالء َل أهل السفه ىلع أن الساكت واألخرس َل ي ُسىم لك منهما‬
‫متلكما مع أن لك منهما حيدث نفسه"! وإبطال هذا القول معلوم للك اعقل‪،‬‬
‫وبطالنه يغين عن إبطاِل‪ ،‬وما ذهب هؤَلء املتلكمون هذا املذهب إَل لقوهلم‬
‫خبلق القرءان‪ ،‬ذلك أن اهلل عندهم لم يتلكم بالقرءان الكما حبرف وصوت‪،‬‬
‫ه‬ ‫ُ‬
‫فعندهم لم يسمع جربيل الرب ‪-‬جل وعال‪ -‬يتلكم بالقرءان‪.‬‬

‫اثلاين‪:‬‬
‫اْلكم عند األصويلني غري اْلكم عند الفقهاء‪ ،‬فاْلكم عند الفقهاء‪:‬‬
‫مدلول خطاب الشارع أو مقتىض خطاب الشارع‪ ،‬وعند األصويلني‪ :‬خطاب اهلل‬
‫املتعلق بفعل امللكف من طلب أو تيري أو وضع؛ ذلك أن الفقيه يبحث عن‬
‫َ ُّ ُ ُ‬
‫مدلول اْلكم من حيث ت َعلقه بالعبد‪ ،‬فموضوع الفقه هو أفعال العباد من‬
‫حيث ما يثبت هلم من أحَكم َشعية‪ ،‬خبالف األصويل فإنه يبحث عن ادليلل‪.‬‬

‫مثال ذلك‪:‬‬

‫قال ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬ﭦ ﭧ ﭨ﴾ [ابلقرة‪ ،]183:‬فنفس القول اَّلي هو‬


‫"خطاب اهلل" هو اْلكم الَشيع عند األصويلني‪ ،‬أما مدلول الالكم من حيث‬
‫فعله من قبل العبد وما يتعلق بهذه العبادة فهو اْلكم عند الفقهاء‪.‬‬
‫وقونلا‪ْ َ « :‬‬
‫الَشعية»‪.‬‬
‫خرج به العلم باألحَكم العقلية خالفا للمعزتلة‪ ،‬وخرج به العلم باألحَكم‬
‫اتلجريبية واْلسية‪.‬‬
‫ََ‬
‫وقونلا‪« :‬العملية»‪.‬‬
‫خرج به العلم باألحَكم اَلعتقادية‪ ،‬فال تسىم فقها يف اَلصطالح اْلادث‪،‬‬
‫أما يف الَشع فيه الفقه األكرب‪.‬‬
‫َْ َ‬ ‫ْ ْ َ ْ‬
‫وقونلا‪« :‬بالفعل أ ْو بالقوة القريبة»‪.‬‬
‫ألن املجتهد إما أن يكون اعملا باْلكم‪ ،‬وإما أن يكون غري اعلم به‪ ،‬لكنه‬
‫قد يُعمل آلة اَلجتهاد فيبحث وجيتهد حىت يصل إىل اْلكم‪ ،‬وهذا ما يُسىم‬
‫ه‬ ‫َ َ َ‬ ‫ََ َ‬
‫بامللك َة؛ وَّللك يرصح بعضهم بقول "ملك ٍة"‪ ،‬أما أن يبحث عَشين سنة! فهذه‬
‫قوة بعيدة‪ ،‬ويه جهل بغري خالف‪.‬‬
‫َْ‬ ‫ْ‬ ‫ََ َ‬
‫وقونلا‪« :‬المتعلقة بفعل العبد»‪.‬‬
‫العبح َد من أقوال وأعمال‪ ،‬اكلصالة‪ ،‬والزاكة‪ ،‬وابليع‪،‬‬
‫شامل ْجيع ما يصدر من َ‬

‫وغري ذلك من العبادات واملعامالت‪.‬‬


‫َ َ‬
‫وقونلا‪« :‬بأدتلها»‪.‬‬
‫خرج به علم املقدل؛ ألنه ليس مبنيا ىلع ديلل‪.‬‬
‫ْ‬
‫وقونلا‪« :‬اتلفصيليـة»‪.‬‬
‫كما لو قلت‪" :‬آتوا الزاكة" أمر‪ ،‬واألصل يف األمر أن يكون للوجوب‪،‬‬
‫فانلتيجة‪ :‬آتوا الزاكة للوجوب‪ ،‬فالزاكة إذن واجبة‪.‬‬
‫فخرج بقوِلا‪" :‬اتلفصيلية" علم أصول الفقه؛ ألنه معرفة أدلة الفقه‬
‫اإلْجايلة َل اتلفصيلية‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬
‫وعلم‬ ‫علم الرب ‪-‬جل وعال‪،-‬‬ ‫ويزيد بعضهم‪" :‬المكتسب"‪ ،‬يلخرج به‬
‫جربيل؛ ألنه حصل بإعالم الرب ِل‪.‬‬
‫والصحيح‪ :‬أنه َل يلزمنا أن خنرجه لعدم وروده أصال‪.‬‬
‫ح‬
‫أما الفقه رشع‪ :‬فأعم من املعىن اَلصطاليح‪ ،‬فيشمل الَشيعة لكها‪َ ،‬علما‬
‫َ‬
‫وع َمال‪ ،‬وعليه حيمل حديث اِليب ﷺ كما عند الشيخني من حديث معاوية ‪-‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫رِض اهلل عنهما‪ -‬قال‪« :‬سمعت َرسول اَّلل ‪-‬صىل اهلل عليه وسلم‪َ -‬وه َو يقول‪:‬‬
‫َ ًْ َ ْ‬ ‫َ ْ‬
‫ريا يفقهه يف ادلين»‪.‬‬‫«من يرد اَّلل به خ‬
‫َ‬
‫علم الفقه اَلصطاليح‪ ،‬بل املراد به فهم‬ ‫فليس املراد بالفقه يف اْلديث‬
‫ادلين مقرونا بالعمل‪ ،‬والسلف إذا أطلقوا لفظ الفقه أرادوا به هذا املعىن‪َ ،‬ل‬
‫املعىن اَلصطاليح‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬موضوع علم الفقه‪.‬‬
‫أفعال العباد من حيث ما يثبت هلم من أحَكم َشعية‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬مثرته‪.‬‬
‫امتثال األوامر‪ ،‬واجتناب اِلوايه‪ ،‬فيحصل بذلك الفالح يف ادلنيا واآلخرة‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬نسبته‪.‬‬
‫أحد العلوم الَشعية‪ ،‬ونسبته إىل غريه من العلوم اتلباين‪ ،‬وربما اشتك مع‬
‫العلوم يف بعض املباحث‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬فضله‪.‬‬
‫ليس لعلم الفقه اصطالحا فضل خاص‪ ،‬وأما الفقه باملعىن العام ففيه‬
‫فضائل كثرية‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -1‬أن َ‬
‫اهلل أراد بالفقيه خريا‪ ،‬كما سبق يف حديث معاوية‪ ،‬وهو باملفهوم يدل‬
‫ىلع أن من لم يرد اهلل به خريا‪ ،‬بل أراد به َشا لم يفقه يف ادلين‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬
‫‪ -2‬أن َم حن أوتَـ َي الفقه فقد أويت خريا كثريا‪ ،‬وبه ف ِّسـ َر قوِل ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬ﯩ‬

‫ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ﴾ [ابلقرة‪ ،]269:‬فللحكمة معان َل ترج عن‬


‫َ َُ‬
‫معىن الفهم والفقه يف ادلين‪ ،‬أخرج ابن أِب شيبة يف "املصنف" ع حن ُم هم َد ب ح َن‬
‫ُّ ْ َ َ َ َ َ ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ َ ًْ َ َ‬ ‫َ ح َ َ َ َ َ‬
‫َّصه عيبه‪،‬‬ ‫ريا فقهه يف ادلين‪َ ،‬وزهده يف ادلنيا‪ ،‬وب‬ ‫ب قال‪" :‬إذا أ َراد اَّلل بعب ٍد خ‬‫كع ٍ‬
‫َ َ ْ َ ُّ ْ َ‬ ‫ََ ْ‬ ‫َ‬ ‫ََ ْ‬
‫ادلنيا َواآلخ َرة"‪ ،‬وقد داع اِليب ﷺ باِلضارة ْلامل‬ ‫فمن أوتيهن فقد أوت خري‬
‫َ َ‬ ‫َ ْ َْ ْ َ‬ ‫َ‬
‫غريه‪ ،‬كما يف اْلديث اَّلي أخرجه األربعة عن زيد بن ثاب ٍت قال‬ ‫املبلغ‬
‫َ‬ ‫اْلديث‬
‫َ ً َ َ َ َ‬ ‫ً‬ ‫َ ْ َ َ‬
‫َ َ‬ ‫ْ َ َ‬
‫َّض اَّلل ام َرأ سمع منا حديثا فحفظه حَّت يبلغه‬ ‫ول اَّلل ﷺ َيقول‪« :‬نَ َ‬ ‫سمعت رس‬
‫ْ َْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ََْ ْ‬ ‫ْ َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فرب حامل فق ٍه إَل من ه َو أفقه منه َورب حامل فق ٍه ليس بفقي ٍه»‪.‬‬
‫‪ -3‬قد أثىن اهلل خريا ىلع الفقهاء اَّلين يتعلمون العلم ويعلمونه‪ ،‬كما قال ‪-‬‬

‫سبحانه‪﴿ :-‬ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ‬

‫ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ﴾ [اتلوبة‪.]122:‬‬

‫‪ -4‬الفقهاء أول من يدخلون يف قوِل ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬

‫ﯣﯤ﴾ [فاطر‪.]28:‬‬
‫‪ -5‬الفقهاء أوىل اِلاس بقول اِليب ﷺ‪« :‬العلماء ورثة األنبياء»‪.‬‬
‫َ َ‬
‫‪ -6‬اَّلي َل يتفقه يف ادلين قد شابَه الكفا َر واملنافقني‪ ،‬كما قال ‪-‬تعاىل‪ -‬عن‬

‫الكفار‪﴿ :‬ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬

‫ﮚ﴾ [األنفال‪ ،]65:‬وقد ذم اهلل املنافقني يف آيات كثرية بأنهم َل يفقهون‪ ،‬من‬

‫ذلك قوِل ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ﴾ [املنافقون‪.]7:‬‬

‫سادسا‪ :‬واضعه‪.‬‬
‫األئمة املجتهدون‪.‬‬
‫سابعا‪ :‬امسه‪.‬‬
‫علم الفقه‪ ،‬وعلم اْلالل واْلرام‪.‬‬

‫ثامنا‪ :‬استمداده‪.‬‬
‫من الكتاب‪ ،‬والسنة‪ ،‬واإلْجاع الصحيح‪ ،‬والقياس الصحيح‪.‬‬

‫تاسعا‪ :‬حكم تعلمه‪.‬‬


‫منه ما هو فرض عني ىلع لك مسلم‪ ،‬كتعلم فقه الطهارة‪ ،‬والصالة‪ ،‬والزاكة‪،‬‬
‫وصوم رمضان‪ ،‬واْلج‪ ،‬وبعض املعامالت‪ ،‬واِلَكح‪ ،‬ومنه ما هو فرض كفاية‪،‬‬
‫كتعلم فقه اجلهاد‪ ،‬ومنه ما هو مندوب‪ ،‬كتعلم السنن واملستحبات‪.‬‬

‫عاشرا‪ :‬مسائله‪.‬‬
‫منها‪" :‬انلية رشط يف صحة الصلة‪ ،‬وتكبرية اإلحرام ركن من أراكنها‪،‬‬
‫والطهارة رشط لصحة الصلة" إىل غري ذلك مما سيأتيك‪.‬‬
‫إِسْعَادُ األَرِيبِ‬
‫ِب َش ْر ِح َم ْت ِن الغَايَ ِة والتَّ ْق ِريبِ‬
‫أو‬

‫الروْضُ اليَفَاعُ‬
‫َّ‬
‫يف شَرْ ِح مَتْنِ َأبِي شُجَاعٍ‬
‫يف الفقه الشافعي‬

‫شرح‬
‫أبي زياد حممد بن سعيد البحريي‬
‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬
‫قوله‪« :‬بسم اهلل الرمحن الرحيم»‪.‬‬
‫َ‬
‫بدأ ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬بالبَ حس َمل َة لعدة أمور‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أسوة بكتاب اهلل جل وعال‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أسوة بسنة اِليب ﷺ القويلة؛ إذ أخرج مسلم (ح‪ ،)4732‬وأمحد‬
‫ح‬ ‫ح ُ َحُ ح ُ َ‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫َ ح ََ َه َُ ح َ َ‬
‫يهم سهيل بن عم ٍرو‬ ‫(ح‪ ،)13827‬وغريهما عن أن ٍس أن قريشا صاْلوا اِل َيب ﷺ َف َ‬
‫َْ‬ ‫َ ى ْ ْ‬ ‫َف َق َال ه‬
‫اِل ُّ‬
‫َّل‪« :‬اكتب ِمْسِب اَّلل الرْحن الرحيم ‪ ...‬اْلديث»‪.‬‬
‫َ‬ ‫ع‬ ‫ل‬
‫َ‬ ‫ﷺ‬ ‫يب‬ ‫َ‬
‫ثاثلا‪ :‬أسوة بسنة اِليب ﷺ الفعلية؛ حيث اكن اِليب ﷺ يفتتح رسائله‬
‫حَ‬
‫بالبسملة كما عند ابلخاري (‪ )12/1‬من حديث َه َرقل‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬لالستعانة باهلل ‪-‬جل وعال‪ ،-‬وذلك ىلع القول بأن ابلاء لالستعانة‪.‬‬
‫ُ َ َ ه َ ح ُ َ َ ِّ ُ َ‬ ‫الم ْع َىن‪ :‬بسم اهلل الرمحن الرحيم أَ حكتُ ُ‬
‫َ‬
‫اسبا‬
‫َ‬ ‫ن‬‫م‬ ‫ا‬‫ر‬‫خ‬ ‫أ‬ ‫ت‬‫م‬ ‫ال‬ ‫ع‬ ‫ف‬
‫َ‬ ‫ق‬‫ل‬ ‫ع‬ ‫ت‬‫الم‬ ‫فقدرنا‬ ‫‪،‬‬‫ب‬ ‫ف‬
‫ََ‬
‫للمقامَ ‪.‬‬

‫وقوله‪« :‬احلمد هلل»‪.‬‬


‫ه‬ ‫َْ ْ‬
‫«اْلمد»‪ :‬مبتدأ مرفوع باَلبتداء‪ ،‬ورفعه ضمة ظاهرة ىلع آخره‪ ،‬خربه متعلق‬
‫اجلار واملجرور "هلل"‪« ،‬وأل» يف اْلمد لالستغراق‪.‬‬

‫َ َ ََْ َْ ً‬ ‫َ ُ ه‬ ‫ْ‬
‫واْلَمد لغة‪َ :‬خالف اَّل ِّم‪ ،‬وهو اثلناء باجلميل‪ ،‬وهو مصدر «ْحد َيمد ْحدا‪،‬‬
‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫فهو حامد‪ ،‬وَممود‪ ،‬وْحيد»‪.‬‬

‫ورشع‪ :‬قال ابن القيم يف "بدائع الفوائد" (‪" :)325/2‬ذكر ُماسن املحمود مع حبه‬
‫وإجالِل وتعظيمه"‪.‬‬
‫َْ‬
‫اْلمد هلل»‬‫«لِلَّهِ»‪ :‬الالم فيه لل َملك‪ ،‬أو لالستحقاق‪ ،‬أو لالختصاص‪ ،‬وْجلة «‬
‫َل ُمل هلا ابتدائية‪.‬‬
‫واسم اجلاللة «اَّلل» مشتق‪ ،‬أصله «إ َاله» ىلع وزن «ف َعال»‪ُ ،‬‬
‫فحذفت اهلمزة‬ ‫ٍ‬
‫ح‬
‫ال َ‬ ‫وعوض عنها بأل‪ ،‬وهو ما نَقله سيبَ َويحه َ‬
‫ُ‬
‫يل‪.‬‬
‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫الالمَ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ُ حَ ح َ َ ََ ح َ‬ ‫َ ح ُُ ْ َ‬ ‫َ َ ْ َ ُّ ْ َ‬
‫ائ َوالفراء‪ :‬أصله «اإلاله»‪ ،‬حذفوا الهمزة وأدغموا‬ ‫بينما قال الكس‬
‫ه‬ ‫حُ َ‬
‫األوىل َيف اثلها َنيَ َة فصارتا َلما مشددة‪.‬‬
‫ح ًّ‬
‫وادليلل ىلع كونه ُمشتَقا قوِل –تعاىل‪﴿ :-‬ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ﴾‬
‫[األنعام‪ ،]3:‬فلما ورد يف قوِل ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ﴾‬
‫َ‬ ‫ُّ‬
‫[ا ُّلز حخ ُر َف‪ ]84 :‬علمنا أنه مشتق‪َ َ ،‬تل َعل َق اجلار واملجرور به‪ ،‬ومعىن كونه مشتقا أنه دال‬
‫َْ‬
‫ىلع صفة اإلهلية ِل ‪-‬سبحانه وتعاىل‪ -‬خالفا ملن زعم أنه جامد؛ قال رؤبة‪:‬‬
‫َ َ ُّ‬ ‫َ ه ح َ َ ح َح ح‬ ‫ح ه‬ ‫ه َ ُّ ح َ َ‬
‫ت َجع َن َم حن تأل َيه‬ ‫ات ال ُمد َه *** سبحن واس‬ ‫ّلِل در الغا َني َ‬
‫َ َ‬
‫َْ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ حَ ُ ُ‬ ‫َ‬
‫واإلهل‪ :‬هو اَّلي تألهه القلوب وحتبه‪ ،‬وهو "فعال" بمعىن "مفعول"‪ ،‬أي‪" :‬مألوه"‬
‫َ‬ ‫ً ُ َ َ‬ ‫ًَ‬ ‫َََ ََْ َ َ ً‬
‫بمعىن‪" :‬معبود"‪ ،‬من «أهل‪ ،‬يأهل إالهة‪ ،‬وألوهة‪ ،‬وألوهية»‪ ،‬وسمع «أهل» بالكرس بمعىن‬
‫َ‬
‫حتَ هيـ َر‪ ،‬وليس هو من هذا ابلاب؛ ألن اهلمزة فيه منقلبة عن واو‪.‬‬
‫َ ُ ِّ َ َ َ َ ه ُ َ ح ُ ٌ‬
‫اتل َع ُّب َد‪ ،‬كما قال ابن فارس‪ ،‬وسيم بَذلَك َألنه معبود ‪-‬جل‬
‫ومرد هذه املادة إىل ه‬
‫َ َ ََهَ ه ُ َ َ َ‬
‫الر ُجل‪َ :‬إذا ت َع هبد‪.‬‬ ‫جالِل‪ ،-‬ويقال‪ :‬تأِل‬
‫ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫هُ‬ ‫َ‬
‫ربه باجلملة اَلسمية؛ لكونها تفيد يف أصلها ثبُوت الوصف‬ ‫ومح َد املؤلف‬
‫َ‬
‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َه‬ ‫ُ َ‬
‫اْلمد ىلع اسم اجلاللة «اهلل» ُم َوافقة‬ ‫ملوصوفه اَّلي يُفيد دوا َم اْلمد وثبُوته‪ ،‬وقد َم‬
‫للكتاب‪ ،‬ومرااعة للمقام؛ ألن املقام مقام محد‪.‬‬
‫وقد بدأ باْلمد ابتداء إضافيا اقتداء بكتاب اهلل ‪-‬جل وعال‪ ،-‬وبسنة اِليب‬
‫ﷺ الفعلية والقويلة‪.‬‬
‫ُ َ‬ ‫فمن السنة الفعلية‪ :‬افحتتَ ُ‬
‫كما عند مسلم‬ ‫اح اِليب ﷺ خ حطبَة اْلاج َة باْلمد‪،‬‬ ‫َ‬
‫«ح‪ »2045‬وغريه‪.‬‬

‫ومن السنة القويلة‪ :‬اِلطق خبطبة اْلاجة‪.‬‬


‫ُ َ‬
‫وقد احتج بعضهم بما رواه ابن أِب شيبة يف "مصنفه" «‪ »27219 /116/9‬من طريق ق هرة‬
‫َ َ‬
‫ال ال‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ذ‬ ‫مٍ‬
‫ُّ َ َ‬
‫الك‬ ‫ك‬ ‫«‬ ‫‪:‬‬
‫َ َ‬
‫ال‬ ‫ق‬ ‫ﷺ‬ ‫يب‬ ‫الز حهر ِّي َع حن أَِب َسلَ َم َة َع حن أَِب ُه َريح َرةَ َعن ه‬
‫اِل ِّ‬ ‫َعن ُّ‬
‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫ْ‬ ‫َْ‬
‫"الَشح الكبيـر‬ ‫ْ‬ ‫اْلمد َّلل فه َو أقطع»‪ .‬وهو حديث ضعيف‪ ،‬كما بينتُه يف‬ ‫يبدأ فيه ب‬
‫َ َ‬ ‫َْ‬
‫الو َرقات"‪.‬‬ ‫ىلع نظم‬
‫وقوله‪« :‬رب العاملني»‪.‬‬
‫ُ ح‬
‫المص َل ُح لليشء‪ ،‬والرب‪ :‬اسم من أسماء اهلل ‪-‬‬ ‫المالك‬‫رص ُف َ‬‫الم َت َ ِّ‬ ‫الر ُّب‪ :‬هو ُ‬
‫الم َر ِّبـي ُ‬
‫َ َ‬ ‫ََ‬
‫الركوع فعظموا فيه الرب عز َوجل»‪ ،‬وَل يقال إَل‬ ‫جل وعال‪ ،-‬كما قال اِليب ﷺ‪« :‬فَأَما ُّ‬
‫ُ‬
‫هلل ‪-‬جل وعال‪ -‬إذا ق َط َع عن اإلضافة‪.‬‬
‫َ‬
‫ني‪ :‬اسم جمرور بايلاء؛ ألنه ملحق جبمع املذكر السالم‪ ،‬قيل‪ :‬هو ْجع َاعل ٍم‪،‬‬ ‫والعال َم َ‬
‫َ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫ْجع َاعل ٍم‪.‬‬ ‫واحد ِل من لفظه‪ ،‬وليس‬ ‫اسم ْجح ٍع خمصوص بمن يعقل َل‬ ‫وقيل‪:‬‬
‫ْجيع اللق‪ ،‬أي‪ :‬رب املالئكة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫فعىل األول‪ :‬يكون املراد بالعاملني يف هذا املوضع‬
‫َ‬
‫ورب اجلن‪ ،‬ورب اإلنس‪ ،‬والسموات واألرضني‪ ،‬لك صنف منها يسىم َاعلما‪ ،‬وىلع‬
‫اثلاين‪ :‬خيتص باملالئكة واجلن واإلنس‪ ،‬والصحيح أنه يأيت للمعنيني‪ ،‬وقد يُطلق ىلع‬
‫َ ُّ‬
‫وم َرد مادة "علم" إىل السمة واألثر‪ ،‬أي‪ :‬ما يتمزي‬ ‫اإلنس فقط‪ ،‬وهذا لكه وارد يف القرءان‪.‬‬
‫به اليشء‪ ،‬فالعاملون عالمة وديلل ىلع أن اهلل ‪-‬جل وعال‪ -‬هو الرب‪.‬‬
‫وقوله‪« :‬وصلى اهلل على سيدنا حممد النيب»‪.‬‬
‫خرب بمعىن اإلنشاء‪ ،‬أي‪ :‬وأطلب من اهلل الصالة ىلع اِليب ﷺ‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ري؛ أخرج الشيخان ع حن ع حم َرو ب ح َن ُم هرة ع حن‬‫ُّ ُ َ ح‬
‫وأصل الصلة يف اللغة‪ :‬ادلاعء َخب ٍ‬
‫َ َ َْ َََ‬ ‫َ َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ح َ َحَ َ َ َ َ َ ََ‬
‫اب َن أ َِب أوَف قال‪َ« :‬كن إذا أت رجل انلب ﷺ بصدقته قال اللهم صل عليه فأتاه‬
‫َ َْ َ‬ ‫َ ََ‬ ‫َ َ َ ََ َ‬ ‫َ‬
‫أِب بصدقته فقال اللهم صل ىلع آل أِب أوف»‪ .‬وهذا تفسري من اِليب ﷺ لقوِل ‪-‬‬

‫تعاىل‪﴿ :-‬ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ﴾‬


‫َ‬
‫[اتلوبة‪ .]103:‬وليست يه الصالة الَشعية‪ ،‬فال بد من أن تكون اللغوية‪.‬‬

‫وقال األعىش ميمون بن قيس كما يف "ديوانه" (ص‪" )151‬من البسيط"‪:‬‬


‫اب َوال ح َو َ‬ ‫َ َ ِّ َ ِّ ح َ ح َ‬
‫األ حو َص َ‬ ‫َح َ ح ُ ُح َ‬ ‫َُ ُ ح‬
‫ج َعا‬ ‫حتال *** يا رب جنب أ َِب‬ ‫تقول بَن َيت َوقد ق هربت مر َ‬
‫اغتَمض *** نَ حوما فَإ هن َجلَنحب ال ح َم حرء ُم حض َط َ‬ ‫َ هح َ ح‬ ‫حُ ه‬ ‫َ‬
‫ج َعا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ف‬ ‫ت‬‫َ‬ ‫ي‬ ‫ل‬‫ص‬ ‫ي‬ ‫اَّل‬
‫َ‬ ‫َعليح َك َمثل‬
‫َ َح‬ ‫حُ ه‬ ‫َ َح‬
‫ت‪ ،‬وقال أيضا (‪:)61/1‬‬ ‫اَّلي دعو َ‬
‫أي‪ :‬علي َك َمثل َ‬
‫ح‬ ‫َ ُ َ ح ه َ‬ ‫ََ َ ٌ َ َ ح َ ُ ه ح ح‬
‫ت َصَّل َعليح َها َو َزم َز َما‬ ‫ادله َر بَيتُ َها *** إَذا ذ َحب‬ ‫ارس ما يبـرح‬ ‫لها ح َ‬
‫وهذا ادلاعء قد يكون بمعىن الربكة‪ ،‬وهذا مسموع أيضا‪.‬‬
‫حَ ح َ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫ُ‬
‫هلل ىلع اِليب ﷺ يه ثناؤ ُه َعليح َه َعند ال َمالئَك َة‪ ،‬وهو اَّلي ذكره‬
‫وصالة ا َ‬
‫ابلخاري يف "صحيحه" (‪ )482/2‬عن أِب العايلة‪ ،‬وقيل‪ :‬يه رمحة خاصة من اهلل ‪-‬جل‬‫ُّ‬

‫جالِل‪ -‬للنيب ﷺ‪ ،‬واألول أصح‪.‬‬


‫َ َ‬ ‫َح‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ٌَ‬ ‫َ ُ‬
‫واأللَف يف «الصلة» ُمبحدلة عن واو؛ ألن ْجح َع َها «صل َوات» َوتث َنيَتَ َها «صل َوان»‪.‬‬
‫وقوهل‪« :‬سيدنا»‪.‬‬
‫َ‬
‫اِليب هو سيد اِلاس‪ ،‬كما أخرج ابلخاري (‪ ،)4343‬ومسلم (‪ )502 ،501‬عن أ َِب‬
‫ََْ ْ َ َ‬ ‫ََ َ‬ ‫ُ َحََ َ َ َ َ َُ ُ ه‬
‫اّلِل ﷺ‪« :‬أنا سيد انلاس يوم القيامة»‪.‬‬
‫هريرة قال‪ :‬قال رسول َ‬
‫وَل خالف بني العلماء يف تفضيل اِليب ُممد ﷺ ىلع غريه من اِلاس اعمة‪،‬‬
‫واألنبياء ‪-‬عليهم السالم‪ -‬خاصة‪ ،‬وفضائل ُ ُه ﷺ ُ‬
‫أكرث من أن حتىص يف هذا املقام‪.‬‬

‫لكن اعلم ‪-‬بارك اهلل فيك‪ -‬أنه لم يكن أحد من الصحابة ‪-‬فيما أعلم‪-‬‬
‫يلزتم قول سيدنا‪ ،‬وَّللك َل جندهم يقولون يف اْلديث‪ :‬حدثنا سيدنا ُممد ﷺ!!‪،‬‬
‫وىلع ذلك إذا قال القائل أحيانا‪ :‬قال سيدنا ُممد ﷺ‪ ،‬لم يكن يف ذلك حرج‪،‬‬
‫دون أن يلزتمها‪ ،‬هذا إن اكنت مضافة إىل ما بعده‪ ،‬كأن يقال‪" :‬سيدنا‪ ،‬سيد‬
‫ه‬
‫اِلاس‪ ،‬سيد ودل آدم‪ ،‬وحنو ذلك"‪ ،‬أما إذا قاهلا ىلع سبيل اإلطالق‪ ،‬أو أن يريد‬
‫املتلكم بذلك الغلو واإلطراء فإنه حينئذ َل يكون جائزا؛ ألن السيادة املطلقة‬
‫هلل ب ح َن‬ ‫ُ َ ِّ ح َ ح‬
‫هلل جل وعال‪ ،‬وقد ورد فما رواه أمحد وغريه من حديث مطر َف ب َن عب َد ا َ‬
‫اِل ُّ‬
‫يب‬ ‫ت َسيِّ ُد قُ َريحش؟ َف َق َال ه‬‫يب ﷺ َف َق َال‪ :‬أَن ح َ‬ ‫ِّ‬ ‫اِل‬ ‫خري َع حن أَبي َه قَا َل‪َ :‬ج َ‬
‫اء َر ُج ٌل إ َىل ه‬ ‫ِّ ِّ‬
‫الش‬
‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫ََ َ‬ ‫ع َظ ُم َها ف َ‬ ‫َ‬
‫َ َ ح َ ح َ َُ َ َح َ ح‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يها َط حوَل؟ فقال َر ُسول‬ ‫َ‬ ‫ﷺ‪" :‬السيد اهلل"‪ ،‬قال‪ :‬أنت أفضلها َفيها قوَل وأ‬
‫َْ‬ ‫ُّ‬ ‫ْ َْ ََ َْ َ‬ ‫َ ْ َ َ‬
‫هلل ﷺ‪" :‬يلقل أحدكم بقوهل‪ ،‬وال يستجره الشيطان " فال جيوز أن يقال‪ :‬اِليب‬ ‫ا َ‬
‫هو السيد؛ أو سيدنا ىلع سبيل الغلو واإلطراء‪.‬‬
‫ح‬
‫أما َذك ُر ُه ﷺ يف القرءان‪ ،‬واألحاديث‪ ،‬واألذاكر‪ ،‬واألذان‪ ،‬واألدعية فهذه َل‬
‫جيوز أن يُزاد عليها‪ ،‬بل نقترص ىلع قول‪ُ :‬ممد ﷺ‪ ،‬أو اِليب ﷺ‪ ،‬أو الرسول ﷺ‪،‬‬
‫أو حنو ذلك مما ورد فيها دون زيادة‪.‬‬
‫َ‬
‫واجلمع بني تفضيل اِليب ﷺ ىلع سائر األنبياء وبني قوِل ﷺ‪« :‬ال تفضلوا‬
‫َْ َ ْ َ َ ََ َ ْ ْ‬ ‫َ ََْ‬ ‫َْ َ َْ َ‬
‫بني أنبياء اَّلل» متفق عليه‪ ،‬وقوِل ﷺ‪« :‬ما ينبغ لعب ٍد أن يقول أنا خري من‬
‫َ ْ َ‬
‫يونس بن مَّت»‪.‬‬

‫أي‪َ :‬ل تفضلوا بينهم تفضيال يوهم نقصا ألحدهم‪ ،‬أو يؤدي إيله‪ ،‬وقيل‪َ :‬ل‬
‫تفضلوا يف أصل اِلبوة‪َ ،‬ل فيما خيتص به لك نيب عن اآلخر‪ ،‬وقيل‪ :‬اكن ذلك قبل‬
‫علمه أنه سيد ودل آدم‪ ،‬وقيل‪ :‬إن هذا منه ﷺ ىلع سبيل اتلواضع والرب بغريه من‬
‫األنبياء‪ ،‬واْلق‪ :‬أنه حيتمل ذلك لكه‪َ ،‬ل سيما إن اكن اتلفضيل يؤدي إىل تنقص‬
‫أحدهم‪ ،‬أو اكن ىلع سبيل الغلو واإلطراء‪ ،‬كما يفعل بعض الصوفية مع اِليب ﷺ‬
‫من قوهلم‪" :‬إن اِليب ﷺ يعلم الغيب‪ ،‬وجييب من داعه‪ ،‬ويعلم ما يف اللوح‬
‫املحفوظ!!" فإن هذا ُمرم منيه عنه وربما أوصل املرء الكفر واإلَشاك باهلل؛‬
‫َْ‬ ‫َ َ ْ َ َ َ َ ََ َ ْ َ‬ ‫َ َ َْ ْ‬ ‫َ ْ‬
‫ارى اب َن م ْري َم فإنما أنا عبده فقولوا عبد‬‫قال ﷺ‪« :‬ال تطرون كما أط َرت انلص‬
‫اَّلل َو َرسوهل» أخرجه ابلخاري‪ .‬وما كفر اِلصارى إَل لغلوهم يف عيىس ‪-‬عليه‬
‫السالم‪ -‬ورفعه فوق مزنتله؛ إذ جعلوه إلها مع اهلل‪ ،‬وابنا ِل‪ ،‬فاملبالغة يف اتلفضيل‬
‫تؤدي إىل الغلو واإلطراء‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫وقوهل‪َ« :‬ممد انلب»‪.‬‬


‫ح َ‬ ‫َممد»‪ ،‬وهو َكث ُري ال َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ال اْل َ َميدةَ‬ ‫َ َ‬‫ص‬ ‫َ‬ ‫َممد‪ :‬اسم مفعول َمن «ْحد َيَمد فهو‬
‫َْ َ ْ ْ ْ‬ ‫َ َ َْْ َ َْ َ‬ ‫َح ُ‬
‫اليت حي َمد ُه بها اِلاس؛ قال األعىش يمدح انلُّعمان ب َن المنذر‪:‬‬
‫ح‬
‫اجل َ َواد ال ح ُم َ‬ ‫َح َ ََح َ ه ح َ َ َ ََ‬
‫الكل ُ َها *** إ َىل ال ح َماجد ال ح َف ح‬
‫ح هم َد‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ع‬ ‫ر‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َإيلك أبيت اللعن اكن‬
‫ُ ه ح َح‬ ‫ُ َ‬
‫هلل ﷺ‪.‬‬ ‫ثم ن َقل وصار علما ىلع خاتم األنبياء واملرسلني ُمم َد ب َن عب َد ا َ‬
‫َ ح َ‬ ‫َ‬
‫المصد َر اَّلي هو‬ ‫وجيوز أن يكون «َممد» من إطالق اسم املفعول وإراد َة‬
‫ْ‬
‫«اتلحميد»‪ ،‬كما يف قوِل ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ‬
‫وقوِل ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬ﮠ ﮡ ﮢﮣ﴾ [سبأ‪ ،]19:‬أي‪ :‬لك‬ ‫ﯮ ﯯ ﯰ﴾ [سبأ‪َ ،]7:‬‬
‫ُ َح ُ‬ ‫َ‬
‫َ َ ه َُ‬ ‫َح‬
‫يق‪ ،‬وهذا أبلغ يف الوصف‪ ،‬فكأن ُم همدا ﷺ هو اْل َ حمد نف ُسه‪.‬‬ ‫تم َز ٍ‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫وا هِل ُّ‬
‫يل» اجتمعت الواو وايلاء وسبقت ايلاء‬ ‫ٍ‬ ‫ع‬ ‫ف‬ ‫«‬ ‫وزن‬ ‫ىلع‬ ‫»‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫يب أصله «نب‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ُح‬ ‫ُ‬
‫ت ايلاء يف ايلاء‪.‬‬ ‫بالسكون فقلبت الواو ياء‪ ،‬ثم أد َغم َ‬
‫اِليب بغري َه حمز ‪-‬كما قال ابن فارس‪ -‬مشتق من ه‬
‫اِلبح َوةَ؛ ويه ما ارتفع من‬ ‫و ُّ‬
‫ٍ‬
‫ح‬
‫لرف َع َت َه ىلع اِلاس بمزنتله وعلوه مَكنته‬ ‫األرض؛ فيكون ىلع هذا املعىن مرفواع َ‬
‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ول»‪ ،‬وقد يكون ىلع وزن‬ ‫ٍ‬ ‫ع‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫«‬ ‫بمعىن‬ ‫»‬ ‫يل‬‫ع‬ ‫ف‬‫«‬ ‫وزن‬ ‫ىلع‬ ‫»‬ ‫ي‬
‫ب‬ ‫ﷺ؛ فيكون «ن‬
‫ٍ‬
‫ه ُ‬ ‫َ‬
‫ٌ َح َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫زنلة من اتبَ َعه‪.‬‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫رافع‬ ‫ﷺ‬ ‫ألنه‬ ‫؛‬‫»‬ ‫ل‬ ‫ٍ‬ ‫اع‬ ‫ف‬ ‫«‬ ‫بمعىن‬ ‫»‬ ‫يل‬
‫« ٍ‬
‫ع‬ ‫ف‬
‫َ‬
‫وقيل‪« :‬نبء» باهلمز‪ ،‬فلو اكن مهموزا لَكن مشتقا من اِلهبَإ‪ ،‬وهو الرب‪.‬‬
‫َ ٌ‬ ‫َحََ‬ ‫خ ُ‬ ‫َ ُ ُ ح‬ ‫َ ْ َ ُّ‬
‫رب عن اهلل عز وجل؛ ألنه أنبأ عنه‪ ،‬فهو ف َعيل‬ ‫قال اجلوهري‪ :‬واِل َيبء الم َ‬
‫بمعىن فا َع ٍل‪.‬‬
‫ُح‬ ‫ح‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وقال ابن بري‪" :‬بل ف َعيل بمعىن ُمف َعل‪ ،‬أي خم َبـ ُر"‪.‬‬
‫َ ح‬ ‫ه‬
‫المع َىن اَلصطاليح‪ ،‬ويصح أن‬ ‫اجلوهري لم يُ َر َد‬ ‫ألنه من الربايع‪ ،‬والظاهر أن‬
‫ئ عن اهلل‪-‬جل‬ ‫يكون «فَعيل» هنا بمعىن «م ْف َعل» أي‪ُ :‬منحبَأ؛ ألن اِليب ﷺ ُمنحب ٌ‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫ُح‬ ‫ُ حٌَ ُ ح‬
‫ـخبَ ٌ‬
‫ـر أيضا عن اهلل بواسطة جربيل عليه السالم‪ ،‬غري أن من َبئا‬ ‫جالِل‪-‬ومنبأ وم‬
‫أكرث استعماَل‪.‬‬
‫واِليب ُممد ﷺ رسول نيب‪.‬‬
‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ح‬ ‫َ‬ ‫ح‬ ‫ح َ َ َ ح َ َ ُ ُ َح َ َح َ‬ ‫َ ٌَ ُ‬
‫يغ َشع ج َدي ٍد‬ ‫فالرسول‪ :‬ذكر حر َمن ب َين آدم اصطفاه اهلل فأوَح إَيل َه بَتب َل َ‬
‫ََ‬ ‫َ‬
‫َلقومٍ كف ُروا‪.‬‬
‫َ َُ‬
‫َش َع َم حن قبحله‬‫اهلل فَأ َ حو ََح إ َيلحه بتَبحليغ َ ح‬
‫اص َط َف ُاه ُ‬ ‫ح َ َ‬
‫آد َم ح‬ ‫حر َمن ب َين‬‫وانلب‪َ :‬ذ َك ٌر ُ‬
‫َ َ َ َ َ‬
‫الر ُس َل‪.‬‬
‫من ُّ‬

‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ًّ‬ ‫َ‬ ‫لك ى‬‫ُ ُّ‬ ‫ُّ‬


‫مأمور‬ ‫غيـر أن الك منهما مرسل‬ ‫نيب رسوَل‪،‬‬ ‫رسول نيب‪ ،‬وليس‬
‫ٍ‬ ‫فلك‬

‫بابلالغ؛ كما قال ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ‪ ...‬اآلية﴾‬


‫[اْلج‪.]52:‬‬

‫وقوله‪« :‬وَآلِهِ الطاهرين»‪.‬‬


‫ْ‬ ‫َ‬
‫أي‪ :‬وأطلب من اهلل الصالة ىلع آل اِليب ﷺ‪ ،‬واآلل‪ :‬هم األتباع ىلع‬
‫ََ َ‬
‫الصحيح‪ ،‬كما قال –تعاَل–‪﴿ :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ﴾ [اغفر‪ ،]46 :‬أي‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ه‬
‫لكن املراد باآلل يف الكم املؤلف أهل بيت اِليب ﷺ؛ ألنه ذكرهم‬ ‫أتباع فرعون‪،‬‬
‫مقتنني بأصحابه؛ وألنه نعتهم بالطاهرين‪.‬‬

‫الم هتصف َ‬
‫ني بصفة الطهارة‪ ،‬حسية اكنت أو‬ ‫فالطاهرين‪ :‬نعت آلِل‪ ،‬أي‪ :‬وآِل ُ‬
‫َ َ‬

‫معنوية؛ لقوِل ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‬

‫ﮐ﴾ [األحزاب‪.]33:‬‬
‫وقوله‪« :‬وصحابته أمجعني»‪.‬‬
‫أي‪ :‬ومصليا ىلع أصحابه رضوان اهلل عليهم‪ ،‬وصاحب انلب‪ :‬هو َم حن رأى‬
‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ََ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ه‬
‫ب" ىلع غري قياس‪،‬‬ ‫اِليب ﷺ وآمن بَ َه‪ ،‬ومات ىلع ذلك‪ ،‬و "صحابة" ْجع لـ "صاح ٍ‬
‫َ َ ًَ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َ‬
‫وهو يف األصل مصدر «صح َب يصحب صحابة»‪.‬‬
‫وأمجعني‪ :‬توكيد معنوي لصحابته‪ ،‬وهو جمرور وجره ايلاء؛ ألنه ملحق جبمع‬
‫املذكر السالم‪.‬‬
‫ح َ‬ ‫وصالة اهلل ىلع الصاْلني من َخلحقه ُح حس ُن َثنَائه َعلَيحه حم ُ‬
‫ُ‬
‫وح حس ُن َذك َر َه ل ُه حم؛ كذا‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫قال يف "العني"‪.‬‬

‫ولم يذكر التسليم بعد الصالة‪ ،‬وهذا مكروه عند بعض أهل العلم؛ لقوِل ‪-‬‬

‫تعاىل‪﴿ :-‬ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ﴾ [األحزاب‪ ،]56:‬والصحيح‬


‫أنه ليس مكروها؛ ألن دَللة اَلقتان هنا ضعيفة‪.‬‬

‫َ‬ ‫ُ‬
‫ولم يذكر املصنف التشهد يف خطبته‪ ،‬وهو مستحب ملا أخرجه أمحد وأبو‬
‫ُّ ْ َ َ ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫داوود التمذي بإسناد صحيح َع حن أَب ُه َريح َر َة َعن ه‬
‫اِل ِّ‬
‫يب ﷺ قال‪« :‬ك خطب ٍة ليس‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫َ َ َ ُّ َ َ َ ْ َ ْ َ ْ َ‬
‫اجلذماء»‪.‬‬ ‫فيها تشهد فيه َكيلد‬
‫اح َب َها‪ ،‬وأجيب عن ذلك بأنه ربما نطق‬ ‫حَ ح ُ َ ه َ َ َ َ َ َ‬
‫أي‪ :‬المقطوع َة ال َيت َل فائَدة َفيها لَص َ‬
‫به دون أن يكتبه‪.‬‬
‫ي ‪-‬رمحه اهلل تعاىل‪:-‬‬
‫قال القاضي أبو شُ َجاعٍ أمحدُ بن احلُ َس ْي ِن بنِ أمحدَ األصْ َف َهانِ ُّ‬

‫الظاهر أنه ليس من الكمه‪ ،‬واألصفهاين املنسوب إىل مدينة أصفهان تقع يف‬
‫إيران جنوب طهران‪.‬‬

‫"سألين" طلب مين "بعض األصدقاء ‪-‬حفظهم اهلل تعاىل‪ "-‬إما أن يكونوا‬
‫أصحابَه من أهل العلم‪ ،‬وإما أن يكونوا بعض تالميذه‪ ،‬وهذه اجلملة خربية‬
‫لفظا إنشائية معىن‪ ،‬وهو داعء باْلفظ والعناية هلم "أن أعمل" أكتب أو أصنف‬
‫َه ُ َ‬
‫وكثُ َ‬
‫ـر معناه "يف" علم "الفقه على مذهب" املذهب اسم‬ ‫"خمتصرا" وهو ما قل لفظه‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫َ ًَ‬ ‫َ َ َْ َ‬
‫مَكن من «ذه َب يذهب مذهبا» ثم أصبح عالمة ىلع ما خيتاره املجتهد من‬
‫أحَكم‪ ،‬ومن ذلك املذهب الشافيع "اإلمام" املجتهد نارص السنة وقامع ابلدعة أِب‬
‫ُ‬
‫إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبَيحد‬ ‫َ‬ ‫عبد اهلل ُممد بن‬
‫َح ََ‬ ‫ُه‬ ‫َح َ َ‬
‫اف "الشافعي ‪-‬رمحة اهلل عليه‬
‫ب بن عب َد من ٍ‬ ‫بن هاشم بن المط َل َ‬
‫ابن عب َد ي َزيد َ‬
‫ُ ِّ‬ ‫ُ‬
‫اإلمام بغزة سنة مخسني ومئة وت َوفـ َي بمرص يوم اجلمعة سنة أربع‬ ‫ورضوانه‪ُ "-‬و َ َدل‬
‫ومئتني "يف غاية" منتىه "االختصار" مقارنة مع ما هو أطول منه "ونهاية اإلجياز" لك‬
‫من "اغية اَلختصار ونهاية اإلجياز" مقارب لآلخر يف املعىن‪ ،‬وإنما عطف "االجياز"‬
‫َ‬ ‫ََُ‬
‫وفهمه‬ ‫قراءته‬ ‫ىلع "االختصار" للتوكيد‪ ،‬وقيل‪ :‬غري ذلك " ِليُ َقرُ َ‬
‫ب على املتعلم درسُه"‬
‫"ويُسَهُ َل" ويتيرس "على املبتدئ" يف طلب العلم وهو اَّلي َل يقدر ىلع تصور املسائل‬
‫اتلديلل عليها "حفظُه" استحضاره عن ظهر قلب مىت استداعه "و" سألوين‬ ‫َ‬ ‫وَل‬
‫أيضا "أنْ أُكْثِـرَ فيه" يف هذا املخترص "مِن التقسيمات" ويه جتزئة األحَكم الفقهية‬
‫إىل كتب وأبواب ومسائل "وحَصْـرِ" ضبط "اخلِصَال" املسائل اليت حيتاج إيلها‬
‫ى‬
‫"فأجبته إىل ذلك طالبًا للثواب" الفعل طلب متعد‪ ،‬ينصب املفعول بنفسه‪ ،‬وَل‬
‫يتعدى بالالم إَل إذا اكن بمعىن "رغب"‪ ،‬فيكون قوِل‪" :‬طابلا للثواب" أي‪ :‬راغبا‬
‫َ‬
‫اثلواب"‪" ،‬راغبًا" مترضاع‬ ‫للثواب‪ ،‬ولو جعله ىلع بابه لَكن أفضل‪ ،‬فيقول‪" :‬طابلا‬
‫"إىل اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬يف" إرشادي إىل "التوفيق للصواب" يف إصابة اْلق‪ ،‬والصواب ضد‬
‫الطأ "إنه على ما يشاء قدير" بل ىلع لك يشء قدير‪ ،‬أي‪ :‬كثري القدرة‪ ،‬فقدير‪ :‬من‬
‫َ‬ ‫ََ َْ‬
‫أمثلة املبالغة‪ ،‬من "قد َره يقدره فهو قادر وقدير"‪ ،‬أو من "قادر" ىلع خالف‪.‬‬
‫ُ ح‬
‫أما تقييد القد َرةَ بما يشاؤه اهلل فقط فغلط من املؤلف‪ ،‬وهو مذهب املعزتلة‬
‫وبعض أهل ابلدع من األشاعرة‪ ،‬فاهلل ‪-‬جل وعال‪ -‬ىلع لك يشء قدير‪ ،‬قدير ىلع‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫هلل شاملة اكملة‪ ،‬تتعلق باملوجودات‬
‫ما يشاؤه وىلع ما َل يشاؤه‪ ،‬فقدرة ا َ‬
‫واملعدومات‪ ،‬باملمكنات واملستحيل املمكن أو اجلائز‪ ،‬أما املستحيل َّلاته؛‬
‫كخلق هلإ آخر‪ ،‬واكتاذ الودل‪ ،‬والصاحبة‪ ،‬وحنو ذلك‪ ،‬فهذا َل تتعلق به قدرة اهلل؛‬
‫ألنه ليس بيشء؛ وليس داخال يف عموم اِلص‪ ،‬قال ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬
‫ُ‬
‫ﯓ﴾ [األحقاف‪ ،]33:‬فهو ‪-‬سبحانه‪ -‬ىلع لك يشء قدير‪ ،‬سواء شاء وقو َعه أو لم‬
‫يشأ‪ ،‬كما يف قوِل ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ﴾‬
‫[يونس‪ ،]99:‬فاهلل قدير ىلع أن يؤمن من يف األرض لكهم ْجيعا؛ وهذا لم يقع‪ ،‬وقال ‪-‬‬
‫جل وعال‪﴿ :-‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬
‫ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ﴾ [األنعام‪ ،]65:‬واهلل ‪-‬جل وعال‪ -‬لم يشأ أن يبعث‬
‫ىلع أمة اإلسالم عذابا من فوقها أو من حتت أرجلها‪ ،‬وهو قادر عليه سبحانه‪،‬‬
‫َ‬
‫وقد شاء بعضه وهو "ويذيق بعضكم بأس بعض"‪ ،‬فاهلل ‪-‬جل وعال‪ -‬قدير ىلع ما‬
‫وقع كما أنه قدير ىلع ما لم يقع‪.‬‬
‫أما قوِل ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ﴾ [الشورى‪ ،]29:‬فاملقيد‬
‫ُ‬
‫ْجع ُهم َل قدرته ‪-‬جل وعال‪ ،-‬أي‪ :‬هو ىلع لك يشء قدير ‪-‬جل‬ ‫باملشيئة يف اآلية ُ‬
‫َ‬
‫شأنه‪ ،-‬ومن ذلك أنه قدير ىلع ْجعهم إذا شاء ْجح َع ُه حم‪ ،‬قال الطّبي‪:‬‬
‫"وهو ىلع ْجع ما بث فيهما من دابة إذا شاء ْجعه ذو قدرة َل يتعذر عليه‪،‬‬
‫كما لم يتعذر عليه خلقه وتفريقه‪ ،‬فكذلك هو القادر ىلع ْجع خلقه حبَش يوم‬
‫القيامة بعد تفرق أوصاهلم يف القبور"‪.‬‬

‫وقال ابن عثيمني يف "جمموع الفتاوى" (‪:)84 ،83/3‬‬

‫"فإذا تبني أن وصف اهلل تعاىل بالقدرة َل يقيد باملشيئة بل يطلق كما أطلقه‬
‫َ ََ‬ ‫ََ َْ‬
‫اهلل تعاىل ِلفسه‪ ،‬فإن ذلك َل يعارضه قول اهلل تعاىل‪َ { :‬وه َو ىلع مجعه ْم إذا يشاء‬
‫َ‬
‫قدير} فإن املقيد هنا باملشيئة هو اجلمع َل القدرة‪ ،‬واجلمع فعل َل يقع إَل‬
‫باملشيئة‪ ،‬وَّللك قيد بها فمعىن اآلية أن اهلل تعاىل قادر ىلع ْجعهم مىت شاء‪،‬‬
‫وليس بعاجز عنه كما يدعيه من ينكره ويقيده باملشيئة‪ .... ،‬واْلاصل أن قوِل‬
‫َ ََ َ‬ ‫ََ َْ‬
‫تعاىل‪َ { :‬وه َو ىلع مجعه ْم إذا يشاء قدير}‪َ .‬ل يعارض ما قررناه من قبل؛ ألن القيد‬
‫باملشيئة ليس اعئدا إىل القدرة‪ ،‬وإنما يعود إىل اجلمع‪ ،‬وكذلك َل يعارضه ما ثبت‬
‫يف صحيح مسلم يف كتاب "اإليمان" يف "باب آخر أهل اِلار خروجا" من حديث‬
‫ابن مسعود ‪-‬رِض اهلل عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬آخر من يدخل اجلنة رجل»‬
‫‪ ،‬فذكر اْلديث‪ ،‬وفيه أن اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬قال للرجل‪« :‬إين ال أستهزئ منك‪ ،‬ولكين‬
‫ىلع ما أشاء قادر» وذلك ألن القدرة يف هذا اْلديث ذكرت تلقرير أمر واقع‬
‫واألمر الواقع َل يكون إَل بعد املشيئة‪ ،‬وليس املراد بها ذكر الصفة املطلقة اليت‬
‫يه وصف اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬أزَل وأبدا‪ ،‬وَّللك عرب عنها باسم الفاعل "قادر" دون‬
‫الصفة املشبهة "قدير" وىلع هذا فإذا وقع أمر عظيم يستغربه املرء أو يستبعده‪،‬‬
‫فقيل ِل يف تقريره‪" :‬إن اهلل ىلع ما يشاء قادر"‪ ،‬فال حرج يف ذلك‪ ،‬وما زال اِلاس‬
‫يعربون بمثل هذا يف مثل ذلك‪ ،‬فإذا وقع أمر عظيم يستغرب أو يستبعد قالوا‪:‬‬
‫"قادر ىلع ما يشاء"‪ ،‬فيجب أن يعرف الفرق بني ذكر القدرة ىلع أنها صفة هلل‬
‫تعاىل‪ ،‬فال تقيد باملشيئة‪ ،‬وبني ذكرها تلقرير أمر واقع‪ ،‬فال مانع من تقييدها‬
‫باملشيئة؛ ألن الواقع َل يقع إَل باملشيئة‪ ،‬والقدرة هنا ذكرت إلثبات ذلك الواقع‬
‫وتقرير وقوعه‪ ،‬واهلل سبحانه أعلم"‪.‬‬

‫وقال أيضا يف "الَشح املمتع" (‪:)322/5‬‬

‫"فاملهم أنه جيب أن نطلق فنقول‪ :‬إن اهلل ىلع لك يشء قدير‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬عبارة ترد كثريا عند اِلاس (إنه ىلع ما يشاء قدير) هل هذا‬
‫جائر؟‬
‫قلنا‪َ :‬ل جيوز إَل مقيدا؛ ألنك إذا قلت‪" :‬إنه ىلع ما يشاء قدير" أوهم أن ما َل‬
‫يشاء َل يقدر عليه‪ ،‬وهو قادر ىلع اَّلي يشاء واَّلي َل يشاء‪.‬‬
‫ََ َْ‬ ‫ُ َ‬
‫لكن إذا قيِّد َت املشيئة بيشء معني صح‪ ،‬كقوِل ‪-‬تعاىل‪َ ( :-‬وه َو ىلع مجعه ْم‬
‫إ َذا ي َ َشاء َقدير)‪ ،‬أي‪ :‬إذا يشاء َ‬
‫ْجع ُهم فهو قادر عليه‪.‬‬
‫وكذلك يف قصة الرجل اَّلي أدخله اهلل اجلنة آخر ما اكن فقال اهلل ِل‪" :‬إين‬
‫ىلع ما أشاء قادر"؛ ألنه يتعلق بفعل معني"‪.‬‬
‫وال بد من أن تعلم أن اإلرادة عند أهل السنة نوعن‪ :‬رشعية وكونية‪.‬‬

‫فاإلرادة الَشعية‪ :‬بمعىن املحبة‪ ،‬كما قال ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬

‫ﭕ﴾ [النساء‪ ،]27:‬وقوِل ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ﴾ [النساء‪ ،]28:‬أي‪:‬‬


‫حيب أن يتوب عليكم‪ ،‬وجيب أن خيفف عنكم‪ ،‬وَل يلزم أن يقع ذلك؛ ألنه لم‬
‫َ‬ ‫ح‬
‫وقوع ه ْلكمة‪ ،‬ولو اكنت بمعىن املشيئة تلاب ْجيع اِلاس‪ ،‬ولَكن لزاما أن‬ ‫يُ َرد‬
‫يقع‪.‬‬

‫واإلرادة الكونية‪ :‬بمعىن املشيئة‪ ،‬كما قال ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬

‫ﯟ﴾ [هود‪ ،]34:‬وقوِل ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬

‫ﭠ ﭡ ﭢ﴾ [اتلوبة‪ ،]55:‬أي‪ :‬إن اكن يشاء أن يغويكم‪ ،‬وإنما يشاء أن‬


‫يعذبهم‪ ،‬ويشاء أن تزهق أنفسهم وهم اكفرون؛ ألن اهلل ‪-‬جل وعال‪َ -‬ل حيب أن‬
‫َ‬ ‫ُح‬
‫يغ َو َي عباده‪ ،‬وَل أن يعذب عباده‪ ،‬وَل أن يُ َميتَهم ىلع الكفر‪ ،‬وَل بد يف اإلرادة‬
‫الكونية من أن تقع‪.‬‬

‫والفرق بني اإلرادة الكونية والَشعية‪:‬‬


‫أن الكونية تكون فيما حيبه اهلل ويبغضه‪ ،‬وَل بد فيها من وقوع املراد‪ ،‬فاهلل‬
‫‪-‬جل وعال‪ -‬إذا أراد شيئا كونا فال بد من أن يقع‪ ،‬كما قال ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬ﯥ ﯦ‬
‫ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ﴾ [اِلحل‪ ،]40:‬وقوِل ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬ﯪ ﯫ ﯬ‬
‫ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ﴾ [يس‪.]82:‬‬
‫أما الَشعية فال تكون إَل فيما حيبه اهلل‪ ،‬وقد يقع املراد وقد َل يقع‪ ،‬فاهلل ‪-‬‬
‫جل وعال‪َ -‬ل يريد الَشك وَل الكفر وَل املعايص َشاع‪ ،‬أي‪َ :‬ل حيبها‪ ،‬ويه‬
‫واقعة بإرادته الكونية؛ ألنه ‪-‬جل وعال‪ -‬أرادها كونا‪ ،‬أي‪ :‬شاء وقىض أن تقع؛‬
‫فليس يشء يف الكون واقعا إَل بمشيئته سبحانه وتعاىل‪.‬‬

‫وقوله‪« :‬وبعباده لطيف خبري»‪ .‬أي‪ :‬وإنه بعباده لطيف خبري‪.‬‬

‫والع ْبد‪ :‬ض ُّد اْل ُ ِّ‬


‫ـر‪ ،‬وهو مشتق من «العبودية»‪ ،‬ويه‬
‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫وعباد‪ْ :‬جع "عب ٍد"‪،‬‬
‫َ‬
‫ً‬ ‫َ ًَ‬ ‫َََ َ‬ ‫ُّ‬
‫«اْلضوع واذلل»‪ ،‬من «عبد‪ ،‬يعبد‪ ،‬عبادة‪ ،‬وعبودية»‪.‬‬

‫«واللطيف» هو اَّلي يعلم دقائق األمور‪ ،‬وما يف الصدور‪َ ،‬ل خيىف عليه يشء‬
‫ه‬
‫من أحوال عباده‪ ،‬يعلم ما لطف ودق من لك يشء‪ ،‬حيسن إىل عباده من حيث َل‬

‫يعلمون أو حيتسبون‪ ،‬كما قال ‪-‬جل وعال‪﴿ :-‬ﮊ ﮋ ﮌ﴾ [الشورى‪.]19:‬‬

‫حقائق األشياء ودقائَ َقها‪ ،‬واللطيف‬


‫َ‬ ‫«واخلبري»‪ :‬هو العالم بكل يشء‪ ،‬و‬
‫والبري اسمان من أسماء اهلل اْلسىن‪ ،‬وقد وردا مقتنني يف سبعة مواضع يف‬

‫القرءان الكريم‪ ،‬من ذلك قوِل ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ﴾‬


‫[ ُ‬
‫الملك‪.]14:‬‬
‫كتاب الطهارة‬
‫اعلم ‪-‬بارك اهلل فيك‪ -‬أن الفقه منحرص يف أربعة أبواب‪ ،‬يه‪" :‬العبادات‪،‬‬
‫واملعاملت‪ ،‬وانلَكح والطلق وما يلحقهما‪ ،‬واجلنايات"‪.‬‬

‫فالفقهاء يقدمون الالكم ىلع العبادات؛ ألنها حق اهلل ‪-‬جل وعال‪ ،-‬ثم يثنون‬
‫باملعامالت لرضوريتها يف يوم املسلم؛ إذ َل خيلو يوم من معاملة؛ اكلطعام‪،‬‬
‫والَشاب‪ ،‬وابليع‪ ،‬والَشاء‪ ،‬وحنو ذلك‪ ،‬ثم يثلثون باِلَكح والطالق ألنه يتعلق‬
‫بطائفة معينة من املسلمني؛ إذ َل يتلبس بهما إَل ابلالغ القادر املريد لواحد‬
‫منهما‪ ،‬ثم ُّ‬
‫أخروا الالكم ىلع اجلنايات تلأخر رتبتها؛ وألنها اغبلا َل تقع إَل بعد‬
‫إشباع شهويت ابلطن والفرج‪ ،‬ثم ذكروا بعدها أحَكم القضاء والشهادات‬
‫وادلاعوى وابلينات ألنها تتعلق جبميع األبواب املتقدمة‪ ،‬ثم أخروا باب العتق مع‬
‫كونه من املعامالت تفاؤَل منهم أن يعتق اهلل رقابهم من اِلار‪.‬‬

‫ثم إنهم قدموا الالكم ىلع الصالة لفضلها ىلع سائر العبادات‪ ،‬وتلقدمها يف‬
‫حديث جربيل املشهور‪ ،‬ثم إنهم قدموا الطهارة عليها ألنها أوكد َشوطها‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫أعظمها‪ ،‬فوجه كونها أعظم قوِل ﷺ‪« :‬الطهور شطر اإليمان» أخرجه مسلم‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫و‬
‫الط ُهور بالضم فعل الطهارة‪ ،‬اَّلي هو اتلطهري‪ ،‬ففعلك الطهارة شطر اإليمان‪ ،‬وما‬
‫ُّ‬
‫ور بالفتح‪ ،‬وهو امل ُ‬
‫اء الطاهر يف نفسه املطهر لغريه‪ ،‬كما يف قوِل‬ ‫َتتَ َط هه ُر به هو ه‬
‫الط ُه ُ‬

‫‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ﴾ [الفرقان‪ ،]48:‬وحديث ماء ابلحر‪« :‬هو‬


‫َْ َ ْ َ َ َ َ‬ ‫ُ حَ َ ح ََ َ َ َ ََ ْ‬
‫ور َوه َو‬
‫ٍ‬ ‫ه‬‫ط‬ ‫ب‬ ‫ان‬ ‫ف‬‫ع‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫ان‬ ‫م‬‫ث‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫الطهور ماؤه» وحديث محران ب َن أبان قال‪« :‬أت‬
‫َََ َ‬ ‫ََ َْ َ‬ ‫َ‬
‫جالس ىلع المقاعد فتوضأ»‪ .‬أي‪ :‬أتيته بماء‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫كذلك يقال يف « َ‬
‫الوضوء والوضوء‪ ،‬والغسل والغسل‪ ،‬والسحور والسحور»‪،‬‬
‫هذا املشهور يف لسان العرب‪ ،‬وربما جاء الضم فيهما ْجيعا‪ ،‬والفتح‪ ،‬قال سيبويه‪:‬‬
‫َ ْ‬
‫"الطهور بالفتح يقع ىلع املاء والمصدر معا"‪.‬‬

‫ومما يدل ىلع فضل الطهارة ىلع غريها ما أخرجه أمحد وابن أِب شيبة وعبد‬
‫َ َ َ َ َُ ُ ه‬ ‫الرزاق وأبو داود والتمذي وغريهم َع حن َ ى‬
‫اّلِل‬
‫ىلع ‪-‬رىض اهلل عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫ﷺ‪« :‬مفتاح الصلة الطهور»‪ .‬فحرص ﷺ مفتاح الصالةَ يف الطهارة فقط‪ ،‬أي‪َ :‬ل‬
‫مفتاح للصالة إَل الطهارة‪ ،‬ولم يذكر بايق الَشوط‪ ،‬فدل ذلك ىلع أن الطهارة‬
‫أفضل من غريها من الَشوط‪.‬‬
‫ووجه كونه حرصا أن الك من املبتدإ والرب معرفة‪ ،‬فـ "مفتاح" نكرة‬
‫أضيفت إىل معرفة فاكتسبت اتلعريف‪ ،‬فأفاد العموم‪ ،‬والرب معرفة‪ ،‬أي‪ :‬لك‬
‫مفتاح للصالة هو الطهور‪ ،‬فحرص ْجيع مفاتيح الصالة يف الطهور‪ ،‬فال مفتاح‬
‫َ ه‬
‫غريه حينئذ‪ ،‬وَّللك افتتح املؤلف كتابه بالطهارة‪ ،‬ذلك أن الَشط ُمقد ٌم ىلع‬
‫ُ ِّ‬
‫املَشوط طبعا‪ ،‬فقد َم وضعا‪.‬‬

‫فإن قلت‪ :‬ملاذا لم يذكروا ْجيع الَشوط قبل كتاب الصالة اكلطهارة؟‬
‫قلت‪ :‬ألن الطهارة فيها مباحث كثرية‪ ،‬خبالف بايق الَشوط؛ اكستقبال‬
‫َ‬
‫القبلة‪ ،‬وست العورة‪ ،‬ودخول الوقت فالالكم فيها قليل‪ ،‬وَّللك ُج َعلت مع أحَكم‬
‫الصالة‪ ،‬ثم إن ْجيع الَشوط يُتسامح فيها ‪-‬كما سيأتيك‪ -‬إَل الطهارة‪ ،‬فتبني‬
‫حينئذ أنها أعظم الَشوط‪.‬‬

‫وهذه اعدة أكرث الفقهاء خالفا لإلمام مالك يف "موطإه"؛ إذ قدم كتاب وقوت‬
‫الصالة‪.‬‬
‫فقال‪« :‬كتاب الطهارة»‪.‬‬
‫َه ٌ‬ ‫ًْ َ ً‬ ‫َ‬ ‫ََ َ ْ‬ ‫َ‬
‫كتاب‪ :‬مصدر «كت َب يكتب كتبا وكتابا»‪ ،‬وهو مصدر سيال‪ ،‬وليس مشتقا‬
‫َ ْ‬
‫من املصدر املجرد األول اَّلي هو "الكتب" كما يزعم بعضهم‪ ،‬وكتاب مصدر‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫أريد به اسم املفعول‪ ،‬أي‪ :‬مكتوب‪ ،‬والَكف مع اتلا َء مع ابلا َء يف لسان العرب تدل‬
‫كت َب بنو فلن» أي‪ :‬اجتمعوا‪ُ ،‬‬
‫فس ِّ َ‬ ‫َ َ‬
‫يم‬ ‫ٍ‬ ‫اجلمع والضم‪ ،‬ومنه قوهلم‪« :‬ت‬
‫َ‬ ‫ىلع اجلمع‪ ،‬أو‬
‫واللكمات فيه‪ ،‬وجيوز أن يكون مرادا به اسم‬ ‫ُ‬
‫الكتاب كتابا َلجتماع اْلروف‬
‫َ‬
‫املفعول‪ ،‬أي‪ :‬مكتوب‪ ،‬أو اسم الفاعل؛ ألنه جامع بني صفحاته ما ُكت َ‬
‫ب‪.‬‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫وجيوز لك يف إعراب "كتاب" ستة أوج ٍه إعرابية‪« :‬أربعة للرفع‪ ،‬وواحد‬
‫للنصب‪ ،‬وواحد للجر»‪.‬‬
‫فالرفع‪ :‬ىلع أنه «مبتدأ خّب َمذوف‪ ،‬أو خّب مبتدإ َمذوف‪ ،‬أو فاعل فعل‬
‫َمذوف‪ ،‬أو نائب فاعل فعل َمذوف»‪.‬‬
‫وانلصب‪ :‬ىلع أنه مفعول به بعامل ُمذوف‪.‬‬
‫واجلر‪ :‬ىلع أنه جمرور حبرف ُمذوف مع فعله‪ ،‬وهذا وجه يراه الكوفيون‪ ،‬وهو‬
‫اْلرف ُمذوفا َل بد فيه من ذكر الفعل‪ ،‬ثم هو يكون‬
‫َ‬ ‫عمل‬ ‫ضعيف؛ ألن َ‬
‫أكرث‬
‫َ‬
‫حينئذ شاذا !!‪ ،‬فما ظنك إذا اكن اْلرف ُمذوفا مع الفعل؟‬

‫وأحسن هذه األوجه أن يكون خربا ملبتدإ ُمذوف ىلع تقدير مضاف أو‬
‫مضافني‪ ،‬تقديره‪« :‬هذا بيان كتاب الطهارة" أي‪ :‬من حيث يه َل من حيث‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫أحَكمها‪ ،‬أو "كتاب بيان أحَكم‬ ‫لفظها‪ ،‬وهذا األظهر؛ ألنه ذكر الطهارة‪ ،‬وذكر‬
‫الطهارة»‪ ،‬وأوجه كونه أحسن ذكرتها يف َشح "اْللصة"‪ ،‬واإلضافة يف قوِل‪" :‬كتاب‬
‫الطهارة" ىلع معىن "اللم" أو "يف"‪ ،‬وَل يبعد أن تكون ىلع معىن "من"‪.‬‬
‫َ ِّ‬ ‫ُ َ‬
‫جيمع بعض املسائل العلمية‪ ،‬أو‪ :‬اسم جلملة من دال‬ ‫والكتاب اصطلحا‪ :‬اسم‬
‫َ َ‬
‫تمل ىلع مسائل اغ َبلا‪.‬‬
‫العلم مش ٍ‬
‫ح‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫والكتاب وابلاب والفصل بمعىن واحد‪ ،‬ف َإن ْجع بَني اثلهالثة قيل الكتاب‪:‬‬
‫َ‬
‫"اسم جلملة من َد ِّال العلم مشتملة ىلع أب ح َواب وفصول ومسائل َاغ َبلا"‪َ ،‬و ح َ‬
‫ابلاب‪" :‬‬
‫َ‬ ‫َ ِّ‬
‫اسم جلملة من دال العلم مشتملة ىلع فصول ومسائل اغ َبلا"‪ ،‬والفصل‪" :‬اسم‬
‫َ َ‬ ‫َ ِّ‬
‫جلملة من دال العلم مشتملة ىلع مسائل اغ َبلا"‪.‬‬

‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َْ‬


‫والطهارة يف اللغة‪ :‬مصدر «طه َر يطه َر‪ ،‬وطه َر طه ًرا وطهارة»‪ ،‬ويه‪ :‬ضد‬
‫اء‪ ،‬وليست يه اِلظافة كما يقول أكرثهم‪ ،‬وَّللك يصح ىلع‬ ‫اِل َق ُ‬
‫اِلجاسة‪ ،‬ويه ه‬

‫املعىن األول أن تقول‪" :‬امللئكة مطهرون" أي‪ :‬أنقياء الظاهر وابلاطن‪ ،‬وَل يصح‬
‫ىلع اثلاين أن تقول‪" :‬منظفون!!"‪ ،‬فالطهارة هلا معان متعددة تعود إىل أصل واحد‬
‫وهو "انلقاء"‪ ،‬كما قال ابن فارس يف "املقاييس" ثم اِلظافة منه‪.‬‬

‫وتكون الطهارة حسية ومعنوية‪ ،‬فمن اْلسية قوِل ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬ﯖ ﯗ﴾‬
‫ه‬
‫املدثر‪ ،]4:‬يه حسية ىلع الصحيح‪ ،‬وقول الشاعر‪:‬‬ ‫[‬
‫ُ ُ‬ ‫ح‬ ‫حَ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ َح َ َ َ َ ٌ‬
‫ارى ن َق هية *** َوأ حو ُج ُه ُه حم َعند ال َم َسافَ َر غ هران‬ ‫َثياب ب َين عو ٍف طه‬

‫ومن املعنوية قوِل ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ‬


‫ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ﴾ [املائدة‪.]41:‬‬

‫َ‬ ‫ََ‬
‫ان اْل َ َقيق َة‪ ،‬تشمل لك أنواع الطهارة‪،‬‬
‫وأل يف قوِل‪« :‬الطهارة» جنسية َبلي َ‬
‫وجيوز أن تكون عهدية ذهنية‪ ،‬أي‪ :‬كتاب الطهارة املعهودة ذهنا عند الفقهاء‪.‬‬
‫"املجموع"‬ ‫والطهارة اصطلحا‪ :‬فيها تعاريف كثري‪ ،‬أشهرها قول انلووي يف‬
‫َ حَ ُ َ َ ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫(‪/1‬ص‪" :)79‬رفع حدث‪ ،‬أو إزالة جنَ ٍس‪ ،‬أو ما َيف معناهما وىلع صورتَ َهما"‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ح‬

‫فاْلدث لغة‪ :‬اليشء الواقع بعد أن لم يكن‪.‬‬


‫ُ َ‬ ‫ه َ ه َ‬ ‫َُ ُ حَح َ َ َ‬ ‫ح َ‬ ‫َ ح ٌ‬
‫الصالةَ َحيحث َل‬ ‫وم بَاألعضا َء ي حمن ُع َصحة‬‫اري يق‬
‫واصطلحا‪ :‬وصف اع َتب َ‬
‫ِّ‬
‫ُم َرخ َص‪.‬‬
‫َح َ‬ ‫ح ه َ‬ ‫ح َََُ ه ُ‬
‫الصالةَ َوحن َوها‪،‬‬ ‫ارع َمانَعا َمن‬
‫وصف اعتباري‪ :‬أي وصف معنوي اعتربه الش َ‬
‫ح‬
‫ال َ‬ ‫ود َ ُ‬
‫ح ََ ُ ُ َ‬ ‫َحَ ُ ه ح‬
‫ار َج‪،‬‬
‫َ‬ ‫يف‬‫َ‬ ‫ِل‬ ‫رب ُه الشخ ُص َيف َذهنَ َه وَل وج‬
‫فال اعتبار حينئذ لألمر اَّلي يعت َ‬
‫َُ ُ َُ ََ َ ح ُ‬
‫وس‪ ،‬وَّللك حتصل الطهارة شيئا‬ ‫فهذا الوصف اَلعتباري ينـ هزل منـ هزلة المحس َ‬
‫َ‬ ‫فشيئا حىت ُي حغ َس َل ُ‬
‫آخر عضو فتحصل الطهارة اكملة‪.‬‬

‫واْلدث نوعن‪« :‬أكّب‪ ،‬وأصغر»‪ ،‬أو ثلثة أنواع‪:‬‬


‫َ‬
‫أكّب‪ :‬وهو ما قام جبميع أعضاء اجلسد فأوجب الغسل من حيض‪ ،‬أو نفاس‪.‬‬
‫َ‬
‫ووسط‪ :‬وهو ما قام جبميع أعضاء اجلسد فأوجب الغسل من ْجاع‪ ،‬أو إنزال‬
‫وأصغر‪ :‬وهو ما قام بأعضاء الوضوء‪ ،‬وستأيت أدلة ذلك يف موضعه إن شاء اهلل‪.‬‬
‫َ ُّ ح‬ ‫ح‬ ‫ه‬
‫الطهر؛ كخروج الريح‪،‬‬ ‫كذلك يُطلق اْلدث ىلع األسباب ال َيت يَنتَ َيه بها‬
‫تتب‬ ‫والغائط‪ ،‬وابلول‪ ،‬وغريها‪ ،‬فهذه أحداث‪ ،‬ويُطلق اْلدث أيضا َىلع ال ح َمنحع ال ح ُم َ َ‬

‫ىلع األمر اَلعتباري‪ ،‬فاَلمتناع عن الصالة يسىم حدثا‪.‬‬


‫إذن‪ :‬املنع متتب ىلع أسباب اْلدث‪ ،‬واألسباب نشأ عنها األمر اَلعتباري‪،‬‬
‫واألمر اَلعتباري ترتب عليه املنع من الصالة‪.‬‬
‫فاْلدث يطلق ىلع ثلثة أشياء‪:‬‬
‫األول‪ :‬األمر اَلعتباري‪.‬‬
‫اثلاين‪ :‬األسباب اليت ينتيه بها الطهر‪.‬‬
‫اثلالث‪ :‬املنع املتتب ىلع األمر اَلعتباري‪.‬‬
‫واملراد هنا األمر اَلعتباري َل غري؛ ألن الالكم ُمصور يف اتلطهري املاء‪ ،‬فال‬
‫مطهر غريه‪.‬‬

‫قال يف "اإلقناع" (‪/1‬ص‪:)83‬‬


‫يرفعه إ هَل َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َهُ ه‬ ‫َُ‬ ‫ح‬
‫الماء‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َل‬ ‫ي‬ ‫اَّل‬
‫َ‬ ‫" َوامل َراد هنا األول ‪-‬أي‪ :‬األمر اَلعتباري‪-‬؛ َألنه‬
‫َ ح ح ُ ح‬ ‫َ َ‬ ‫حَ‬ ‫ح ح َهُ‬ ‫َ‬
‫خبالف ال َمنع؛ َألنه صفة لألمر اَلعتباري‪ ،‬ف ُه َو غريه؛ َألن ال َمنع ه َو اْل ُ حر َمة‪َ ،‬و َيه‬ ‫ََ‬
‫َ‬ ‫حو ه َ ُّ‬ ‫َُّ َ ح‬ ‫حَ‬
‫خبالف األول"‪.‬‬ ‫اتليمم َ َ‬ ‫ترتفع ارتفااع مقيدا َبن َ‬

‫قلت‪:‬‬
‫قال ذلك ألنه َل يرفع األمر اَلعتباري إَل املاء‪ ،‬خبالف املنع فقد يرتفع بغري‬
‫املاء ويبىق األمر اَلعتباري‪ ،‬فإذا ارتفع األمر اَلعتباري ارتفع املنع‪ ،‬من غري‬
‫عكس‪ ،‬فاملنع ‪-‬كما قال‪ -‬صفة لألمر اَلعتباري‪ ،‬وَل يلزم من ارتفاع الوصف‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫األسباب‬ ‫ارتفاع املوصوف‪ ،‬وسيأتينا يف باب نواقض الوضوء أن املراد باْلدث هو‬
‫اليت ينتيه بها الطهر‪.‬‬
‫حَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وانلجس لغة‪ :‬بفتح اجليم وكرسها ما يُستقذر‪َ ،‬وانلجس‪ :‬القذ ُر‪ ،‬ويقال هل أيضا‪:‬‬
‫البث‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ ح َح َ ٌ َ حَُ ه َ ه َ‬
‫الصالةَ َحيحث َل ُم َرخ َص؛ حنو‪« :‬ابل ْول‪ ،‬والر ْوث»‪.‬‬ ‫ورشع‪ :‬مستقذر يمنع َصحة‬
‫ُ‬
‫وألنه ليس لك مستقذر جنسا خ هص بأنه يمنع من الصالة‪.‬‬

‫َ‬
‫وانلجس ثلثة أنواع‪:‬‬
‫األول‪ :‬مغلظ؛ كبول اللكب والزنير وما تودل منهما‪.‬‬
‫اثلاين‪ :‬خمفف؛ كبول الصيب اَّلي لم يطعم غري اللنب‪.‬‬
‫اثلالث‪ :‬وسط؛ كبول غريه إَل بول اللكب والزنير‪.‬‬

‫وقلنا‪ " :‬حيث ال مرخص"‪.‬‬


‫ه‬
‫هذا متعلق بـ "يقوم"؛ أي‪ :‬قد يُ َرخ ُص يف الصالة مع وجود اْلدث؛ كصالة‬
‫ُ‬
‫فاقد الطهورين‪ ،‬أو مع وجود اِلجس؛ كأن حيبس يف مَكن جنس‪َ ،‬ل جيد فيه ماء‬
‫وَل ترابا‪ ،‬وَل يمكنه إزالة اِلجس‪.‬‬
‫ََْ َ‬ ‫َ َ‬
‫وقونلا‪ " :‬أ ْو ما يف معناهما"‪.‬‬
‫َ حَ ح َُ ه َُ‬ ‫ه َ ُّ ُ َ ح َ ح َ ُ ح َ ح ُ َ ُ َ َ ح ُ ح ُ ُ‬
‫يُراد بَ َه اتليمم‪ ،‬واألغسال المسنونة‪ ،‬وجت َديد الوضو َء‪ ،‬والغسلة اثلا َنية‬
‫َ‬ ‫ح ح َ ُ َح َ‬ ‫حُُ‬ ‫ح‬
‫اْل َ َدث َو ه‬ ‫ُ‬
‫ج َس‪َ ،‬و َم حس ُح األذ َن‪َ ،‬وال َمض َمضة‪َ ،‬وحن ُوها َم حن ن َوافَ َل‬‫اِل َ‬
‫َ‬ ‫َواثله َاثلَة َيف‬
‫َ‬ ‫ه َ َ َ َ َ َ ُ ح ُ ح َ َ َ َ َ ُ ُّ َ َ َ َ ٌ َ َ َ‬
‫ارات َل ت حرف ُع َحدثا وَل تزيل جنسا‪.‬‬ ‫الطهار َة‪ ،‬وطهارة المستحاض َة‪ ،‬فه َذ َه لكها طه‬

‫وإزالة انلجاسة ىلع ثلث حاالت‪:‬‬


‫ه‬
‫األوىل‪ :‬إزاتلها من اثلوب؛ كما يف قوِل ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬ﯖ ﯗ﴾ [املدثر‪.]4:‬‬
‫اثلانية‪ :‬إزاتلها من املَكن‪ ،‬كأن يكون مسجدا أو موضعا للصالة؛ كما يف قوِل‬
‫‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ‬
‫َ ه َ ح َ ًّ َ َ‬
‫ﯳ﴾ [ابلقرة‪ ،]125:‬وما أخرجه ابلخاري من حديث أِب هريرة أن أعر َ‬
‫ابيا بال َيف‬
‫ََ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َُ ح َ ُ ُ ه‬ ‫ََ َ َح ه ُ َ ُ‬ ‫حَ ح‬
‫اّلِل ﷺ‪« :‬دعوه َوأهريقوا ىلع‬ ‫المس َج َد فثار إَيل َه اِلاس يلَقعوا ب َ َه فقال لهم رسول َ‬
‫َْ َ ً ْ َ َْ َ ْ‬
‫ج ًل م ْن َماء فَإن َما بع ْثت ْم ميَّس َ‬
‫ين َول َ ْم ت ْب َعثوا م َعّس َ‬
‫ين»‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫بوهل ذنوبا من ما ٍء أو س‬

‫اثلاثلة‪ :‬إزاتلها من ىلع ابلدن؛ كأن يكون دم حيض أو نفاس‪ ،‬أو بول‪ ،‬أو‬
‫ت‬ ‫ام َرأَة َسأَل َ ح‬
‫َ َ َ َه ح‬
‫اغئط‪ ،‬أو مذي؛ ديلل ذلك ما أخرجه الشيخان من حديث اعئَشة أن‬
‫َ ً ْ‬ ‫ََ َ َ َ َحَ ُ َ َ‬ ‫َ ح ُ ح َ ح حَ‬
‫يض فأ َم َرها كيحف تغت َسل قال‪" :‬خذي ف ْرصة من‬ ‫يب ﷺ عن غس َلها َمن الم َح َ‬ ‫اِل ه‬
‫َ‬
‫ه‬
‫َ َ َ ح َحَ َ َ‬ ‫َ َ ََ‬ ‫َ َ َ ح ََْ َََ‬ ‫َ ْ َََ‬
‫مس ٍك فتطهري بها"‪ .‬قالت‪" :‬كيف أتطهر" قال‪" :‬تطهري بها"‪ .‬قالت‪" :‬كيف"‪ .‬قال‪:‬‬
‫َ ََ‬ ‫ََ‬ ‫َ ْ ََ ْ َ َ َ ْ‬ ‫ََ‬ ‫ْ َ َ‬
‫"سبحان اَّلل تطهري" فاجتبذتها إل فقلت‪" :‬تتبع بها أث َر ادلم"‪.‬‬
‫َ ح َ ى َ َ ُ ح ُ َ ُ َ ه َ ُ ح ُ َ ح َ ح َ ََ‬
‫ت أ حستَح َي أن أ حسأل‬ ‫ىلع قال كنت رجال مذاء وكن‬ ‫وما أخرجه مسلم ع َن َ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ ََ َ َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ ح ح َ َ‬ ‫َ‬
‫يب ﷺ ل َ َمَك َن ابحن َت َه فأ َم حرت ال َمقداد بح َن األ حس َو َد ف َسأ ُِل فقال‪« :‬يغسل ذك َره‬ ‫ه‬
‫اِل ه‬
‫َ‬
‫ََ‬
‫َويت َوضأ»‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫ح ح‬
‫يد الُد َر ِّي قال‬ ‫ع‬ ‫س‬ ‫أو من اِلعل ملا رواه أمحد والتمذي واللفظ ِل َع حن أَب َ‬
‫َ ٍ‬ ‫َ‬
‫َ َه ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ح‬ ‫ح َ ََ َح َح ََ َ َُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ح‬ ‫ُ َ ِّ َ‬ ‫َحَ َ َ ُ ُ ه‬
‫ارهَ فلما رأى‬ ‫َ‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ا‬ ‫م‬‫ه‬‫ع‬ ‫ض‬ ‫و‬‫ف‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫ي‬‫ل‬‫ع‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ل‬‫خ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫اب‬ ‫ح‬ ‫ص‬ ‫أ‬‫َ‬ ‫ب‬ ‫َّل‬ ‫ص‬ ‫ي‬ ‫ﷺ‬ ‫اّلِل‬
‫َ‬ ‫بينما رسول‬
‫َ ََ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َُ َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫َ َ حَ ح ُ َ ح َ ُ ح َ ه َ َ َ ُ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ح‬ ‫َ‬
‫محلك حم َىلع‬ ‫اّلِل ﷺ َصالته قال‪« :‬ما‬ ‫ذلَك القوم ألقوا نَعالهم فلما قىض رسول َ‬
‫حَ ُ ح َ َ ُ ح َ ُ ََحَ َ َحَ ح َ َ ح َح َ ََحَ حَ َ ََ َ َ َ َ ُ ُ ه‬
‫اّلِل‬
‫َإلقائَكم نَعالكم»‪ .‬قالوا رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نَعاِلا‪ .‬فقال رسول َ‬
‫ْ َ‬ ‫َ َ َ َ َ‬ ‫َ ًََ ََ َ‬ ‫ََ ََ ْ َ َ‬
‫يل ﷺ أتاين فأخ َ‬ ‫ْ َ‬
‫ّبن أن فيهما قذرا»‪ .‬وقال‪« :‬إذا جاء أحدكم إَل‬ ‫ﷺ‪« :‬إن جّب‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َْ َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ََْْ‬ ‫َْ ْ‬
‫المسجد فلينظ ْر فإن َرأى يف نعليه قذ ًرا أ ْو أذى فليمسحه َويلصل فيهما»‪.‬‬
‫وأحسن من قول انلووي أن حند الطهارة من حيث اْلقيقة فنقول‪ :‬يه‬
‫ح َ ُ ح َ ح ح ُ َ َ ِّ َ َ ح‬
‫اْل َ َدث َواِله َ‬
‫ج َس وما اكن ىلع صورتهما"‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ب ىلع‬
‫ارتَفاع المن َع المتت َ‬

‫فارتفاع املنع أعم من ارتفاع اْلدث‪ ،‬وَّللك من أحدث فتوضأ ارتفع حدثه‪،‬‬
‫ومن أحدث فلم جيد املاء فتيمم ارتفع ما يمنعه من الصالة لكن لم يرتفع حدثه‬
‫ىلع املذهب‪ ،‬فارتفاع املنع أعم مطلقا من ارتفاع اْلدث‪.‬‬

‫ح‬ ‫ِّ ِّ‬


‫ويدخل يف هذا اتلعريف غسل اَّلم هية واملجنونة يلحال ْلليلهما ال ُمسلم‪،‬‬
‫َ‬ ‫ح‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫ف َإن َاَلم َتناع من ال َو حطء قد َزال‪ ،‬كذا يف اإلقناع‪ ،‬وَل تدخالن يف اتلعريف األول؛‬
‫ألن اَّلمية لم تستبح بغلسها صالة!! كما أن املجنونة َل نية هلا تنوي بها رفع‬
‫َ‬ ‫ح‬ ‫ح‬
‫اْلدث‪ ،‬كذلك يدخل فيه غسل ال َميِّت ال ُمسلم وَل يدخل يف األول؛ ألنه أزال‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫ح‬ ‫َ‬ ‫ه َ‬ ‫ح ح‬
‫الصالة َعليح َه َولم يَ ُزل بَ َه حدث َوَل جنس‪ ،‬كذلك يدخل فيه اَلستحالة‪،‬‬ ‫ال َمنع من‬
‫وادلبغ‪.‬‬
‫وزدنا‪" :‬وما َكن ىلع صورتهما" يلدخل فيه الطهارة املندوبة‪ ،‬وزاد بعضهم‪:‬‬
‫"أو ما فيه ثواب جمرد" كذلك‪.‬‬

‫غ‪:‬‬‫الم َداب ُّ‬


‫َ‬
‫قال‬
‫َ‬
‫ح َ ُ َ ه َ ُ هَ ُ َ‬ ‫َشع هي ح ُ َ‬ ‫إط َالقَ حني َ ح‬
‫ارة ح‬ ‫اْل َ ُ ه ه َ َ‬ ‫َ‬ ‫ح‬
‫ان ه َما أث ُر‬ ‫ني هما َاَلرتَفاع والزوال الَّل َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫اصل أن لَلطه َ‬ ‫َ‬ ‫"ف‬
‫اع َو ه‬
‫الز َ‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫الَّلان ُه َما َسبَ ٌ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ح‬ ‫ح‬
‫الرف ُع َواإل َ‬ ‫َ‬ ‫ح‬
‫الرفحع َواإل َزال َة‪َ ،‬و َجمَاز هي حني َو ُه َما ه‬‫ه‬
‫ال‪،‬‬‫َ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫ر‬‫ال‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ة‬ ‫ل‬ ‫ا‬‫ز‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ح َ‬ ‫ُ‬ ‫ح حُ َ ه ََ‬ ‫َ ح َ ُ ه َ َ َ َح َ ح ح َ‬
‫ب‪ ،‬ث هم َم حن ال ُعل َما َء َم حن‬ ‫َ‬
‫السبَ‬
‫ىلع ه‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ب‬‫س‬ ‫م‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫ف َإطالق الطهارةَ علي َهما َمن إط َ َ‬
‫اس‬ ‫ق‬ ‫ال‬
‫ح‬ ‫َهََ ح َ‬
‫اإل حطال َق اْل َ َق َ ِّ‬
‫ييق"‪.‬‬ ‫عرفها بَ َ‬
‫وللطهارة حكمان‪:‬‬
‫األول‪ :‬الوجوب‪ ،‬وذلك إذا تعلقت بفعل واجب؛ اكلصلوات املفروضات‪.‬‬
‫اثلاين‪ :‬اِلدب‪ ،‬وذلك إذا تعلقت بمندوب؛ اكلغسلة اثلانية واثلاثلة يف‬
‫َ َ َ َ حُ ح َ َ َ‬
‫حاض َة‪،‬‬ ‫الوضوء‪ ،‬واألغسال املسنونة‪ ،‬ومسح األذن‪ ،‬واملضمضة‪ ،‬وطهار َة المست‬
‫َ‬
‫وحنحو ذلك م حن نَ َوافل ه‬
‫الط َه َ‬
‫ارةَ‪.‬‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫والطهارة من حيث َملها نوعن‪« :‬ظاهرة وباطنة»‪.‬‬


‫فالظاهرة سبق بيانها‪.‬‬
‫وابلاطنة طهارة القلب من الَشك واملعايص؛ اكْلسد‪ ،‬واْلقد‪ ،‬واِلفاق‪،‬‬

‫والرياء‪ ،‬كما قال ‪-‬تعاىل‪ -‬عن الكفار‪﴿ :‬ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ‬

‫ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ﴾ [املائدة‪.]41:‬‬

‫واجتمعا يف قوِل ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬

‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ﴾‬
‫[اتلوبة‪.]108:‬‬

‫وللطهارة وسائل ومقاصد‪.‬‬


‫فوسائلها مخسة‪:‬‬
‫األول‪ :‬املاء‪ ،‬وهو األصل‪.‬‬
‫اثلاين‪ :‬التاب‪ ،‬عند فقد املاء حقيقة أو حكما‪.‬‬
‫ُ‬
‫ْج َع بينهما يف اتلطهري‪ ،‬كما يف غسل اإلناء من لعاب اللكب‪.‬‬
‫وربما َ‬
‫اثلالث‪ :‬ادلباغ‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬حجر اَلستنجاء‪.‬‬
‫اْلامس‪ :‬اَلستحالة‪.‬‬

‫ومقاصدها أربعة‪:‬‬
‫األول‪ :‬الوضوء‪.‬‬
‫اثلاين‪ :‬الغسل‪.‬‬
‫اثلالث‪ :‬اتليمم‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬إزالة اِلجاسة‪.‬‬
‫أنواع املِيَاهِ‬

‫قوله‪ :‬املِيَاهُ اليت َيجُوزُ التَّطْهِ ْيرُ بِهَا َس ْبعُ ِم َياهٍ‪َ :‬ماءُ السماءِ‪ ،‬ومَاءُ البَ ْح ِر‪ ،‬ومَاءُ النَّ ْه ِر‪،‬‬
‫ومَاءُ البِ ْئ ِر‪َ ،‬و َماءُ العَ ْي ِن‪َ ،‬و َماءُ الثَّ ْل ِج‪ ،‬ومَاءُ ال َبرَدِ‪.‬‬

‫ت الواو ياء‪،‬‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ال"‪ ،‬ق َلب َ‬
‫مياه‪ْ :‬جع كرثة لـ "ما ٍء"‪ ،‬أصله "مواء" ىلع وزن "فع ٍ‬
‫ت ُ‬ ‫فقلبَ ح‬‫ُ‬ ‫ََ‬
‫الواو ألفا‪،‬‬ ‫واهلمزة هاء؛ إذ املفرد أصله "موه" حتركت الواو وانفتح ما قبلها َ‬
‫َْ‬
‫ثم أبدلت اهلاء همزة لوقوعها متطرفة عقب األلف‪ ،‬ديلل ذلك ْجعه ىلع "أم َواهٍ"‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬
‫وتصغريه ىلع "م َوي ٍه"‪ ،‬وقوهلم‪" :‬ماهت السفينة تموه" إذ هو واوي‪ ،‬وقوهلم‪" :‬ما‬
‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ ح ََحُ َ‬ ‫ََ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫اب َفي َه‪ ،‬وماء‪ :‬اسم جنس إفرادي‬ ‫أحسن موهة وجهه"‪ ،‬أي ترقرق ما َء الشب َ‬
‫ُ‬
‫يصدق ىلع القليل والكثري‪ ،‬واكن األصل فيه أَل جيمع‪ ،‬إَل أنه ْجع باعتبار تعدد‬
‫أنواعه‪ ،‬ويف "ماء" لغات َل تأتيك هنا‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫والماء‪ :‬سائل شفاف َل لون ِل وَل راحئة يأخذ شلك ما يُوضع فيه‪.‬‬

‫وقوهل‪« :‬الِت جيوز بها اتلطهري»‪.‬‬


‫َ‬ ‫أي‪ :‬اليت أحل اهلل بها َ‬
‫رفع اْلدث وإزالة اِلجس‪.‬‬

‫وقوهل‪« :‬سبع مياه» هكذا بتذكري العدد وفاقا للمفرد يف أكرث النسخ‪ ،‬وهو شاذ‬
‫ىلع غري قياس‪ ،‬واألفصح أن يقال‪" :‬سبعة مياه"‪.‬‬
‫أوال‪ :‬ماء السماء‪.‬‬

‫أي‪ :‬ماء املطر اَّلي نزل من السماء‪ ،‬ديلل ذلك قوِل ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬ﭷ ﭸ‬

‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ﴾ [األنفال‪.]11:‬‬

‫ثانيا وثاثلا‪ :‬ماء ابلحر وماء انلهر‪.‬‬


‫ح‬
‫أي‪ :‬ماء ابلحر ال َمل ُح‪ ،‬وماء اِلهر العذب؛ كماء اِليل‪ ،‬ودجلة والفرات‪،‬‬
‫وادليلل عليهما ما أخرجه األربعة بإسناد صحيح من حديث أِب هريرة ‪-‬رِض‬
‫َح ُ‬ ‫ََ َ َ َُ َ ه ه َح َ ُ ح ح‬ ‫َ‬
‫ب ابلَح َر َوحن َمل‬ ‫اّلِل َإنا نرك‬ ‫اِل ه‬ ‫اهلل عنه‪ -‬قال‪َ :‬سأ َل َر ُج ٌل ه‬
‫يب ﷺ فقال يا رسول َ‬ ‫َ‬
‫َ ح ََ َ َُ ُ ه‬ ‫ح‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ح‬ ‫َ ََ حَ َ‬
‫يل م َن ال ح َما َء فَإ حن تَ َو هضأنَا به َعط حشنَا أ َفنَتَ َو هضأ ب َ‬
‫اّلِل‬
‫َ‬ ‫ول‬‫س‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫ق‬‫ف‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫ح‬ ‫ابل‬ ‫ء‬
‫َ‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ََ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫معنا الق َل‬
‫ْ ُّ َ ْ َ‬ ‫َ‬
‫ﷺ‪« :‬ه َو الطهور ماؤه اْلل ميتته»‪.‬‬

‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ح‬ ‫ُح َ ُ َ‬


‫وماء ابلحر إذا أط َلق أ َريد به املاء ال َملح اغبلا‪ ،‬وقد يراد به ماء ابلحر وماء‬
‫الما َء عذبا اكن أو‬‫ابلحر" إذا َسبَ َح يف َ‬‫َ‬ ‫اِلهر‪ ،‬والعرب تقول‪َ " :‬حب َر الرجل َ‬
‫ورك َب‬
‫َ‬
‫ح‬
‫َملحا‪ ،‬ثم إن ماء اِلهر يف أصله نازل من السماء‪ ،‬فهو داخل يف عموم اآلية‪ ،‬غري‬
‫َ ح َ ُ َحََ‬
‫أنه قد جاء فيه ديلل خاص يف رفع اْلدث‪ ،‬وهو ما أخرجه مسلم عن أ َب هريرة‬
‫اّلِل ﷺ قَ َال‪َ « :‬أ َر َأ ْيت ْم ل َ ْو َأن َن ْه ًرا ب َباب َأ َحدك ْم َي ْغتَسل م ْنه ك يَوْ‬‫َه َُ َ ه‬
‫مٍ‬ ‫أن رسول َ‬
‫َ َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َْ ََْ‬ ‫َْ َ َ‬
‫مخس مرا ٍت هل يبق من د َرنه شء»‪ .‬قالوا َل يبحىق َم حن د َرنَ َه يش ٌء‪ ،‬قال‪« :‬فذلك‬
‫َْ َ َ‬ ‫َْ ْ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫مثل الصل َوات اْلمس يمحو اَّلل بهن اْلطايا»‪.‬‬
‫وقد أنكر الفراء ىلع الشافيع قوِل "مالح" وقدله يف ذلك بعض املتأخرين من‬
‫األحناف‪ ،‬والفراء لم يقل‪ :‬إنه ْلن‪ ،‬والشافيع إمام َل يُتعجل يف تلحينه‪ ،‬والصواب‬
‫أنها لغة قليلة لم تأت ىلع القياس كثريا‪ ،‬كما قال الراجز‪:‬‬
‫بَ حرص هي ٌة تَ َز هو َج ح‬
‫ت بَ حرص هيا ‪ُ ...‬ي حطع ُمها املال َح ه‬
‫والط َر هيا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫أي‪ :‬يُطعمها السمك املالح والسمك الطري‪.‬‬

‫وقول الشاعر‪:‬‬
‫َ ٌ‬ ‫َ ُ‬ ‫وبيض غ َذ ه‬
‫اهن اْل َ ُ‬
‫ابلحر ما َل ُح‬
‫َ‬
‫ليب ولم يَ ح‬
‫كن *** َغذاه هن نَينان من‬ ‫َ ٍ َ‬
‫َ‬
‫وأنشد ابن األعراِب قول بعضهم‪:‬‬
‫وماء قَ ىو ٌ‬
‫مالح ونا َق ُع‬ ‫ُ‬ ‫حن قَ ًّوا واْل َ َم ُ‬
‫ام وا َق ُع ***‬ ‫َص هب َ‬

‫ومن مجيل ما قالت العرب قول عمر بن أِب ربيعة‪:‬‬


‫ح‬ ‫َ َ ح َ َ َ ُ حَ ح‬ ‫ح ح‬ ‫حَ ح‬ ‫ول َ حو تَفلَ ح‬
‫ابلح َر َم حن َري َق َها َعذبا‬ ‫ابلح َر َوابلَح ُر َمالَ ٌح *** ألصبح ماء‬ ‫ت َيف‬ ‫َ‬
‫ْ‬
‫واألفصح "ملح"‪ ،‬وهو الوارد يف القرءان الكريم يف قوِل ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬ﭑ ﭒ‬

‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ﴾ [فاطر‪ ،]12:‬وقوِل ‪-‬تعاىل‪:-‬‬

‫﴿ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬

‫ﯪ﴾ [الفرقان‪.]53:‬‬
‫رابعا وخامسا‪ :‬ماء ابلرئ وماء العني‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫يد‬
‫مل ا أخرجه اثلالثة وصححه اإلمام أمحد والتمذي من حديث أ َب س َع ٍ‬
‫َ حَ ُ‬ ‫َ َ َ ُ َ ه ََََ ه ُ ح ح ُ َ َ َ َ َ حٌ ُ حَ‬ ‫ح ُ ح ِّ َ َ‬
‫اْليض‬ ‫ئ بضاعة و َه بَئ يلىق َفيها َ‬ ‫َ َ‬ ‫ب‬ ‫ن‬‫م‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ض‬‫و‬‫ت‬‫ن‬ ‫أ‬ ‫اّلِل‬
‫َ‬ ‫ول‬ ‫س‬‫ر‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫يل‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫‪:‬‬‫ال‬ ‫الد َري ق‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ َ َ‬ ‫َ هح ُ ََ َ َُ ُ ه‬ ‫َ ُُ ُ ح َ‬
‫اء طهور ال ينجسه شء»‪.‬‬ ‫اّلِل ﷺ‪« :‬إن الم‬
‫َ‬ ‫ول‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫ق‬‫ف‬ ‫ن‬ ‫ـ‬ ‫ت‬ ‫اِل‬‫و‬ ‫ب‬
‫وْلوم ال َ َ‬
‫الك‬

‫فعلمنا من ذلك أن ماء بئ بضاعة لم يتغري بهذه األشياء اليت أُل حقيَ ح‬
‫ت فيه؛‬ ‫َ‬
‫ألنه لو تغري طعمه‪ ،‬أو لونه‪ ،‬أو رحيه بنجاسة لَكن جنسا بإْجاع أهل العلم‪ ،‬فما‬
‫دام أن املاء باق ىلع أصله فهو طهور َل ينجسه يشء‪.‬‬
‫َ ْ ََ َََ َ‬ ‫ْ َ‬
‫وقد "رشب انلب ﷺ من ماء زمزم وتوضأ"‪ .‬أخرجه أمحد يف املسند بإسناد صحيح عن‬

‫يلع بن أِب طالب رِض اهلل عنه‪.‬‬

‫ُ‬
‫اإلنسان يلُ َ‬
‫خرج منه‬ ‫وماء العني كماء ابلئ باإلْجاع؛ ألن ابلئ ما حي َفره‬
‫املاء‪ ،‬والعني تنبع من غري أن يفعل اإلنسان ذلك‪ ،‬فهما واحد‪.‬‬

‫سادسا وسابعا‪ :‬ماء اثللج‪ ،‬وماء الّبد‪.‬‬


‫وهما من ْجلة ما نزل من السماء‪ ،‬إَل أنه ورد فيهما ديلل خاص‪ ،‬وهو ما‬
‫َه ُ َ َ َ ُ ُ‬ ‫اّلِل بحن أَب أَ حو ََف َعن ه‬
‫اِل ِّ‬ ‫َح ه‬
‫يب ﷺ أنه اكن يقول‪« :‬اللهم‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أخرجه مسلم عن عب َد‬
‫ابلارد ‪ ...‬اْلديث»‪.‬‬ ‫ّبد َوال ْ َماء ْ َ‬
‫َطه ْرن باثللْج َوال ْ َ َ‬

‫َْ‬ ‫ْ‬ ‫اغسلْين م ْن َخ َطايَ َ‬


‫ْ‬
‫اي باثللج َوالماء‬ ‫وِل عن أِب هريرة أنه ﷺ قال‪« :‬اللهم‬
‫َوال ْ َ َ‬
‫ّبد»‪.‬‬
‫والفرق بني الّبد واثللج من ثلثة أوجه‪:‬‬
‫ُّ‬
‫ابلـ َرد‪ ،‬فلك بَ َر ٍد ثلج من غري عكس‪.‬‬ ‫َ‬
‫اثللج ُّ‬
‫أعم مطلقا من َ‬ ‫األول‪ :‬أن‬
‫اثلاين‪ :‬أن الربد َل يكون إَل من السماء‪ ،‬خبالف اثللج فإنه قد يزنل من‬
‫السماء ثلجا‪ ،‬وقد يزنل ماء ثم يصري ثلجا وَل يكون بردا‪.‬‬
‫اثلالث‪ :‬الربد أثقل وزنا من اثللج؛ إذ يزنل من السماء ِل صوت شديد‪،‬‬
‫خبالف اثللج فإنه يزنل هشا اكلقطن‪.‬‬

‫واعلم أن املراد باثللج والربد الَّلين حيصل بهما الطهارة ما يذوب منهما‬
‫ويسيل فيحصل به غسل األعضاء‪ ،‬أما إن اكن جامدا َل حيصل به الغسل فإنه َل‬
‫َْ‬ ‫ْ‬ ‫اغسلْين م ْن َخ َطايَ َ‬
‫ْ‬ ‫ِّ‬
‫اي باثللج َوالماء‬ ‫يكون ُم َطهرا‪ ،‬ديلل ذلك قوِل ﷺ‪« :‬اللهم‬
‫َوال ْ َ َ‬
‫ّبد»‪ ،‬وقوِل ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ‪ ....‬اآلية﴾ ومعلوم أن الغسل َل حيصل به إن اكن‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ْج َعا مع املاء‪ ،‬أو ْجع بني أحدهما‬
‫جامدا‪ ،‬بل َل بد من أن يكون سائال‪ ،‬إَل إذا َ‬
‫وبني املاء‪ ،‬فتكون الغسلة األوىل باملاء‪ ،‬ثم اثلانية واثلاثلة يف الوضوء أو ما يزيد‬
‫عن تعميم اجلسد يف الغسل باثللج أو بالربد أو بهما‪.‬‬

‫وأخَّص من قول املؤلف‪ :‬أن يقال‪ :‬املاء نوعن ىلع ما نشاهده بأعيننا‪:‬‬
‫األول‪ :‬ما يزنل من السماء‪ ،‬ومنه ماء املطر‪ ،‬واثللج‪ ،‬والربد‪ ،‬وماء َ‬
‫الرب َك‪.‬‬
‫َ‬
‫واثلاين‪ :‬ما ينبع من األرض‪ ،‬ومنه ماء ابلئ‪ ،‬وماء العني‪ ،‬وماء ابلحر‪ ،‬وماء‬
‫اِلهر‪.‬‬
‫فلألرض ماء كما أن للسماء ماء‪ ،‬كما قال ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ‬

‫ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ﴾ [هود‪.]44:‬‬

‫وذهب بعض األصحاب إىل أن هذه املياه وغريها نزلت من السماء كما هو‬

‫مبسوط يف املطوَلت‪ ،‬لقوِل ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ‬

‫الز َمر‪ ،]21:‬وقوِل ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬


‫ﰅ ﰆ ﰇ﴾ [ ُّ‬

‫ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ﴾ [املؤمنون‪]18:‬‬

‫و جيمع املاء الطهور حد واحد وهو‪ :‬ابلايق ىلع خلقته اليت خلقه اهلل عليها‪،‬‬
‫ني‪ ،‬نص عليه اإلمام‬‫اىل‪ -‬م هما ََل َصنح َع َة فيه ل حآل َدميِّ َ‬
‫َ َ ََ هُ ََ َ َ َََ َ‬
‫أو‪ :‬ما خلق اّلِل ‪-‬تبارك وتع‬
‫َ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫الشافيع يف األم‪.‬‬

‫َ‬ ‫ح‬ ‫ُ‬


‫سواء خ َل َق َملحا كماء ابلحر‪ ،‬أو عذبا كماء اِلهر‪ ،‬وسواء اكن شفاف اللون‪،‬‬
‫أو داكن اللون‪ ،‬وسواء اكن َل طعم ِل‪ ،‬أو م َ‬
‫تغري الطعم كماء ابلئ‪ ،‬فلكه ماء‬
‫طهور‪ ،‬فال يرض تغري يشء من أوصافه ما دام أنه باق ىلع أصله‪ ،‬كما لو تغري لونه‬
‫ُ ح ُ‬
‫ب‪ ،‬أو بمخالطته عشبا من األعشاب‬ ‫أو رحيه أو طعمه بطول مكث‪ ،‬أو بطحل ٍ‬
‫ابلحرية‪ ،‬والشعب املرجانية‪ ،‬أو تغري لونه بتاب‪ ،‬أو غري ذلك‪ ،‬فلك ماء باق ىلع‬
‫أصل خلقته فهو طهور‪.‬‬
‫أقسام املياه‬
‫ثمَّ الْمِيَاه على أَرْبَعَة أَقسَام‪:‬‬
‫طَاهِر مطهر غري مَكْرُوه وَهُوَ املَاء الْمُطلق‪ ،‬وطاهر مطهِّر مكروه وهو املاء املُشمَّس‪،‬‬
‫وطاهر غري مطهر وهو املاء املستعمَل‪ ،‬واملتغري مبا خالطه من الطاهرات‪ ،‬وماء جنس وهو‬
‫الذي حلت فيه جناسة وهو دون القُلَّتني أو كان قلتني فتغري‪.‬‬

‫بعد أن ذكر لك أنواع املياه اليت جيوز اتلطهري بها‪ ،‬أراد أن يتلكم عن أقسام‬
‫املياه من حيث وجودها واستعماهلا؛ وَل تعارض بني القسمتني؛ ألن املياه اليت‬
‫جيوز اتلطهري بها يه قسم واحد‪ ،‬أو قسمان من أقسام املياه‪ ،‬ثم هناك ماء َل جيوز‬
‫اتلطهري به‪ ،‬وبهذا تصري القسمة ثنائية‪.‬‬

‫فاألول‪ :‬ما جيوز اتلطهري به‪ ،‬وهو نواعن‪« :‬طاهر مطهر غري مكروه‪ ،‬وطاهر‬
‫مطهر مكروه»‪.‬‬
‫َ‬ ‫َْ َ‬ ‫َ‬
‫واثلاين‪ :‬ما َل جيوز اتلطهري به‪ ،‬وهو نواعن أيضا‪« :‬طاهر غري مطه ٍر‪ ،‬ونس»‪.‬‬
‫ً‬
‫فصارت األقسام أربعة‪ ،‬ومخسة عند اتلفصيل‪.‬‬
‫قال‪« :‬ثم املياه على أربعة أقسام»‪:‬‬
‫طَلقُ» أي‪ :‬املاء اَّلي يرفع‬
‫األول‪َ « :‬طاهِ ٌر َغ ْيرُ َم ْكرُوهٍ» استعماِل «وهو املاء املُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫اْلدث‪ ،‬ويزيل البث‪ ،‬فلك ماء يرفع اْلدث ويزيل البث هو املاء املطلق‪ ،‬أي‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ حُ ُ َ ح َ َ ه‬
‫اإلضافة الال َز َمة‪َ ،‬وسيم ُمطلقا َألن لفظ الماء َإذا أطلق‬
‫َ‬
‫املاء العاري عن القيود و َ‬
‫َ‬ ‫ح‬
‫ان َرصف اَّلهن َإيلح َه‪ ،‬وهو ما نص عليه الشافيع يف األم‪.‬‬
‫‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ﴾ [الفرقان‪،]48:‬‬ ‫وديلل ذلك القسم قوِل‬

‫وقوِل ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ﴾ [األنفال‪.]11:‬‬

‫فخرج بقونلا‪" :‬العاري عن القيود"‬


‫ُ‬
‫لك ما ٍء قيد بيشء من املقيدات‪ ،‬حنو‪" :‬ما ٍء مهني‪ ،‬وماء صديد‪ ،‬وماء ْحيم‪،‬‬

‫وماء دافق"‪ ،‬كما قال اهلل ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ﴾‬

‫[السجدة‪،]8:‬‬ ‫[إبراهيم‪ ،]16:‬وقوِل ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ﴾‬

‫وقوِل‪﴿ :‬ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ﴾ [الطارق‪.]6:‬‬

‫َ‬ ‫ْ َ َ‬
‫واحُتز بقونلا‪َ " :‬واإلضافة اللزمة"‬
‫عن لك ماء مضاف إىل غريه إضافة غري َلزمة‪ ،‬أي‪ :‬ما أضيف إضافة جيوز‬
‫َحَ ه‬
‫برئ‪ ،‬وماء عني" فهذا‬
‫نهر‪ ،‬وماء حبر‪ ،‬وماء ٍ‬
‫أن تنفك عن املضاف إيله‪ ،‬حنو‪" :‬ماء ٍ‬
‫ٌ‬
‫مضاف إضافة َ‬
‫غري َلزمة‪ ،‬ألنه جيوز لك أن تقول‪" :‬عندي ماء" وتريد به ماء‬ ‫ماء‬
‫نهر أو حبر‪ ،‬دون إضافته‪ ،‬خبالف ماء الورد‪ ،‬فال يُفهم منه ماهيتُه إَل بذكر‬
‫َُ‬
‫المق هي َد إَل به‪،‬‬ ‫املضاف إيله لفظا أو تقديرا‪ ،‬وكذا لك قيد َلزم َل يُتعقل ماهية‬
‫فاإلضافة يف قولك‪" :‬ماء َو َر ٍد" َلزمة‪ ،‬فهذا وحنوه َل يرفع حدثا وَل يزل خبثا‪ ،‬ويف‬
‫قولك‪" :‬ماء نهر" غري َلزمة‪.‬‬

‫قال اإلمام الشافع يف "األم" (‪/1‬ص‪:)17‬‬


‫ُ ُ‬ ‫َ َ ه َ ح َ َ َ ُ ح َ ُّ َ ح َ َ َ َ ح َ ح َ ح َ ح َ َ‬
‫ريهَ فال يَكون َط ُهورا‪،‬‬ ‫ون َمن ما َء شج َر أو ور ٍد أو َغ َ‬ ‫"فأما ما اعترصه اآلد َمي‬
‫هُ َ ََ ُ ََ‬ ‫ح حَ َ َ ُ ُ‬
‫ون َط ُ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ َ َ ُ َ ح َ َ‬
‫اح ٍد َم حن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫و‬ ‫ىلع‬ ‫ع‬ ‫ق‬ ‫ي‬ ‫َل‬ ‫ه‬ ‫ن‬‫أل‬
‫َ‬ ‫ا؛‬‫ور‬‫ه‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫َل‬ ‫اح‬
‫َ‬ ‫و‬‫ر‬‫األ‬ ‫ات‬
‫َ‬
‫َ‬
‫و‬ ‫ذ‬ ‫وكذلَك ماء أجسا َد‬
‫ح‬ ‫ه َ ُ َ ُ َُ َ ٌ َ ح َ َ َ ح َ َ َ َ َ َ‬ ‫َه َذا ح‬
‫ج َر كذا‪َ ،‬و َما َء َمف َص َل‬ ‫اس ُم َما ٍء‪ ،‬إنما يقال ِل‪" :‬ماء" بَمعىن ما َء ور ٍد‪ ،‬وما َء ش‬
‫ََ َ َ ح َ َ َ حَ َ َ حُ َ َح َ ُ‬ ‫َ َ َ َ َ َ َ‬ ‫َ َ‬
‫كنح‬ ‫كذا‪َ ،‬و َج َس َد كذا‪َ ،‬وكذلَك ل حو حنَ َر َج ُزورا وأخذ َكرشها فاعترص َمنه ماء لم ي‬
‫يش ٍء َغ حريهَ‪ُ ،‬ي َق ُال َم ُ‬ ‫َ ه َ َ َ َ َ ُ َ َح ح ُ حَ ه ح َ َ َ‬
‫إىل َ ح‬ ‫َ ُ‬
‫اء‬ ‫َ‬ ‫اإلضاف َة‬
‫طهورا؛ َألن هذا َل يقع علي َه اسم الما َء إَل بَ َ‬
‫ح َ َ َ َ َ َ َ ََ َح َ ح َََ ه َ‬
‫اء شج َر كذا َوكذا‪ ،‬فال جي َزي أن يتوضأ‬ ‫اء َم حفصل‪َ ،‬ك َما ُي َق ُال َم ُ‬
‫اء َور ٍد َوم ُ‬ ‫َك حر ٍش َو َم ُ‬
‫ٍ‬ ‫َ‬
‫َ َ‬ ‫ب َ ح‬
‫يش ٍء َم حن هذا"‪.‬‬ ‫َ‬

‫ط ِّهرٌ َم ْكرُو ٌه وهو املَاء املُشَمَّسُ»‪.‬‬


‫والثاني‪َ « :‬طا ِه ٌر مُ َ‬
‫أي‪َ :‬ط ُهو ٌر مكروه استعماِل‪ ،‬وهو املاء املشمس‪ ،‬هذا املعتمد يف املذهب‪ ،‬سواء‬
‫ُح ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫يسه أو َل ىلع الصحيح‪.‬‬ ‫قصد تش َم‬

‫واملراد باملشمس عند الشافعية ما اجتمعت فيه هذه الضوابط‪:‬‬


‫ُح‬
‫المن َط َب َعة‪ ،‬بأن يُوضع يف إناء‬ ‫األول‪ :‬أن يكون مشمسا من مياه األواين‬
‫حاس‪ ،‬إَل اَّلهب‬ ‫يُمكن طرقه بالم حط َرقَة‪ ،‬سواء ُطرق أو َل‪ ،‬كآنية اْلديد‪ُّ ،‬‬
‫واِل َ‬
‫َ‬
‫والفضة‪ ،‬ثم تتسلط عليه الشمس‪ ،‬فخرج بذلك شيئان‪:‬‬

‫أحدهما‪ :‬مياه ابلحار واألنهار واآلبار املشمسة‪ ،‬فال يُكره ماؤها؛ ألن‬
‫الشمس َل تؤثر فيها‪ ،‬وألن اتلحرز عنها غري ممكن‪ ،‬خبالف األواين‪ ،‬فإن اتلحرز‬
‫من تشميس املاء فيها ممكن‪.‬‬
‫ُح‬
‫المن َط َب َعة؛ قال الرافع وغريه‪ :‬ألن‬ ‫واآلخر‪ :‬ما اكن مشمسا يف غري األواين‬
‫َ‬ ‫الشمس تستخرج من املعدن ُز ُه َ‬
‫ومة تعلو املاء‪ ،‬فترض ابلدن‪ ،‬وتورث الربص!‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫واستثىن بعض األصحاب آنية اَّلهب والفضة ألنه َل ينفصل منهما زهومة‪،‬‬
‫فحرصوا علة الكراهة يف الزهومة اليت تنفصل من املع َدن‪.‬‬

‫واثلاين‪ :‬أن يكون استعمال املاء ىلع ابلدن‪ ،‬أما إذا استعمله يف غسل ثوب‪،‬‬
‫أو إزالة جناسة من وسادة‪ ،‬أو غري ذلك فال يكون مكروها‪.‬‬

‫وزاد الرافع وغريه‪ :‬أن يكون هذا يف ابلالد اْلارة َل ابلاردة وَل املعتدلة‪،‬‬
‫كنجد واْلجاز‪ ،‬وايلمن؛ ذلك أن الزهومة تنفصل إَل يف ابلالد اْلارة‪.‬‬

‫وزاد بعضهم‪ :‬أن يكون استعمال املاء بعد التشميس وهو ساخن‪ ،‬أما إذا‬
‫َ‬ ‫ِّ‬
‫ُسخ َن بالشمس ثم بُ ِّرد فال يُكره استعماِل ىلع املشهور‪.‬‬

‫قال الشافع يف "األم" (‪/1‬ص‪:)16‬‬


‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ح‬ ‫ََ َ ح َُ حَ َ حُ َ ه َ ه‬
‫"وَل أكره الماء المشمس إَل َمن َجه َة الطب"‪ .‬ثم احتج بأثر عن عمر بن‬
‫الطاب رِض اهلل عنه‪ ،‬وهو أثر ضعيف جدا لضعف إبراهيم بن ُممد بن أِب‬
‫حيي األسليم‪ ،‬وهو متوك اْلديث متهم‪ ،‬وقد اكن الشافيع يوثقه‪.‬‬

‫ُ‬
‫ج حس‪َ ،‬وه َو‬ ‫فاملاء املشمس طهور ألنه باق ىلع خلقته‪ ،‬فهو طاهر يف نفسه لم ُينَ ه‬
‫ٍ‬
‫ك َرهُ‬‫ُ ح‬ ‫ََ‬ ‫ه‬ ‫ح‬ ‫ُ َ ِّ ٌ َ‬
‫َ‬
‫مطهر‪ ،‬أي يرفع اْلدث ويزيل اِلجس بلقاء إطالق اسم املاء عليه‪ ،‬لكنه ي‬
‫استعماِل ألنه يُورث الربص‪ ،‬فالكراهة هنا ‪-‬ىلع الصحيح‪ -‬إرشادية من جهة‬
‫الطب‪ ،‬وليست َشعية‪.‬‬
‫واتلحقيق‪:‬‬
‫أن املاء املشمس َل يُكره مطلقا وفاقا للنووي‪ ،‬وهو املذهب عند اْلنابلة‪،‬‬
‫وبه قال بعض املالكية‪ ،‬وهو مذهب الظاهرية‪ ،‬ولو اكن يورث الربص لَكن ينبيغ‬
‫أن يقال حبرمته َل بكراهته‪ ،‬ىلع أنه قد يقال‪ :‬إن الكراهة يف قول الشافيع‬
‫للتحريم؛ ألن الرضر الواقع به ىلع ابلدن شديد‪ ،‬لكن الصحيح ما اختاره اِلووي‬
‫من أنه َل يُكره املاء املشمس‪ ،‬ولم يثبت فيه يشء يُعتمد عليه من جهة الَشع؛‬
‫فقد ُروي فيه بعض األحاديث املرفوعة واآلثار املوقوفة‪ ،‬ولكها ما بني ضعيف‬
‫وموضوع‪ ،‬أما من جهة الطب فإن الطب مع تقدمه لم ينطق طبيب واحد من‬
‫ُ‬
‫لقلت‬ ‫املعارصين ‪-‬فيما أعلم‪ -‬بأن املاء املشمس يورث الربص‪ ،‬ولو ثبت هذا طبيا‬
‫بتحريمه‪ ،‬أما املاء املسخن بغري الشمس فال كراهة فيه باَلتفاق‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫واثلالث‪ :‬طاهر غري مطهر وهو املاء املستعمل واملتغري بما خالطه من‬
‫الطاهرات‪ ،‬وهذا حيتاج إىل درس اكمل نَشع فيه ‪-‬إن شاء اهلل تعاىل‪ -‬يف ادلرس‬
‫القادم‪ ،‬أقول قويل هذا‪ ،‬وأستغفر اهلل العظيم يل ولكم‪ ،‬وسبحانك امهلل وحبمدك‪،‬‬
‫أشهد أَل هلإ إَل أنت‪ ،‬أستغفرك وأتوب إيلك‪.‬‬

You might also like