Arap Belağatinde Hadisin Etkisi

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 26

Ankara Üniversitesi İlahiyat Fakültesi Dergisi 56:1 (2015), ss.

181-206
DOI: 10.1501/Ilhfak_0000001430

‫أثـر الحـديـث في البـلاغـة العـربيـة‬

NECATİ AVCI
Mehmet Akif Ersoy Üniv. İlahiyat Fakültesi
drnavci2000@yahoo.com

‫الملخـص‬
،‫ وسلاستـه وبلاغتـه تعاـبيـر بلاغية تعبر اكثر مما تحتوى من الكلمات‬-‫إن طلاوة أحاديث الرسول –ص‬
‫فهى كلمات وجيزة تتضمن معاني عميقة ومؤثرة؛ وبهـذا إسـتـقرت هـذه الأحاديث من النفس البشر ية‬
‫ فتـأثر أصحاب اللغة العربية وبلاغيوها من مزاياها هـذه واستعملوها شواهد‬.‫وأدت أغراضها بما يجب عليها‬
‫ ولا يسع هذا البحث القصير لتقييم الأحاديث من الناحية البلاغية فهى أوسع وأعمـق من‬.‫لوضع قواعد اللغة‬
‫ ولهذا أردنا أن نـساهم ولو بنبذة صغيرة على ما لتأثير الأحاديث فى البلاغة العربية‬.‫أن نتمثل بها هناـ‬
.‫فحسب‬

‫ اللغـة العـربية‬،‫ البلاغـة‬،‫ مـساهـمـة‬،‫ الأحاـديث النبـو ية‬: ‫الكلماـت المفـتاحية‬


Öz
Arap Belağatinde Hadisin Etkisi
Peygamber’in (s.a.v.) hadisleri, üstün fesahat ve belağat derecesiyle az sözle çok mana ifade
etmekte, derin ve kapsamlı meseleleri veciz bir şekilde dile getirmektedir. Bu sayede,
hadislerin iletmek istediği mesaj yerini bulmuş ve muhataplarında daha kalıcı bir tesir
bırakmıştır. Arap dilbilimcileri ve belağatçileri, bu özelliklerinden dolayı hadislerden
etkilenmişler ve bunları belağat ilminin çeşitli mevzuları bağlamında örnek olarak
kullanmışlardır. Hadislerin belağat derecesinin tahlili bir makaleye konu edilemeyecek ölçüde
kapsamlı ve geniştir. Bu sebeple, bu çalışma sadece hadislerin Arap belağatinde bıraktığı
etkiye dair bir katkı sunmayı amaçlamaktadır.

Anahtar Sözcükler: Peygamber’in Hadisleri, Belağat, Arap dili, Arap belağati

Abstract
The Influence of Hadith in Arabic Rhetoric
Due to their high degree of rhetorical power, the hadiths of the Prophet Muhammad articulate
even complicated issues in a succinct and concise way. Therefore, the message that hadiths
are intended to communicate always finds an ear and leaves a powerful impact on the listener.
Arab linguists and rhetoricians were affected by this characteristic of hadiths so much so that
they employed the hadiths to provide an example for certain aspects of Arabic rhetoric. An
attempt to analyze the rhetorical power of the hadiths would be beyond the scope of this
study, and so the present study only aims at making a contribution concerning the influence of
the hadiths in Arabic rhetoric.

Keywords: Hadiths of the Prophet, Rhetoric, Arabic rhetoric, Arabic language


‫‪182‬‬ ‫‪Necati Avcı‬‬

‫نـبـذة تار يخيـة ونظـرة خاطفة عـلى المـوضوع‬


‫الحـديـث هـو قـول رسـول اللـه أو حكايـة فعـله أو حـديـث الصحابة عـنه‪ .‬فهـو فى‬
‫المنـزلة الثانية من كتاـب اللـه فيما يتعـلـق بالـديـن والثـقاـفـة‪ ،‬وأغـزر يناـبيـع التـشـر يع‬
‫فى العـبادات والحقـوق‪ ،‬وأقـو َم طـر يـق إلى فهـم الـقـرآن‪ :‬يُـوضح إشـكاله‪ ،‬و يفصّ ل إجماله‪،‬‬
‫و يقـيـد إطلاقه‪ ،‬و يخصّ ص عـمـومه‪ .‬والأحاـديـث التى صحّـت عـن رسـول اللـه قـليلـة‪،‬‬
‫ولـكنهاـ مـوسـومة بطابع البياـن والإلهاـم والعـبـقـر ية‪ ،‬لـنـشأته فى قـر يـش‪،‬‬
‫واسـتـرضاعـه فى بني س ـعـد وهى أفصح الـقباـئل العـربية‪ ،‬وتـضل ّعه من لغـة الـقـرآن‬
‫واطلاعه عـلى لغـة العـرب‪ ،‬وقـدرته الـفـطر ية عـلى ابتكار الأساـليـب العالية‪ ،‬ووضع‬
‫الألفاظ الجـديـدة لماـ اسـتحـد َث من المعاني الـديـنية والفـقهـية؛ ولـكـن قـيمتهاـ اللغـو ية‬
‫ودلالـتهاـ الـتاـر يخية لا تـسـمـوا إلى مكان الـقـرآن فى ذلك‪ ،‬لأن الـقـرآن كاـن يـدونه‬
‫عـنـد نـزوله كَـتبة ُ الـوحي‪ ،‬وكـونه كلام اللـه جـعـل الإحـتـفاظ بنصه فـرضا عـلى‬
‫المـسـلمـيـن‪" ،‬فـمـن بـدّلـه بعـد ما سـمعه فـإنما إثمه عـلى الـذيـن يبـدلـونه‪ 1".‬أما الحـديـث‬
‫فـلـم يُـدوّن إلا حـوالي منتـصف الـقـرن الثاـني للهجـرة‪ ،‬وكان قـبـل ذلك إنماـ يُـروى‬
‫من الـذاكـرة‪ ،‬والـذاكـرة كثيـرا ما تخـون‪ ،‬فـناـله من تغـييـر الكلماـت‪ ،‬واختلاف‬
‫ن العـلماء أجازوا رواية‬
‫الـروايات أكثـر مماـ ناـل الـشعـر الجاهـلي‪ .‬وزاد فى ذلك أ ّ‬
‫الحـديـث بالمعـنى لاسـتحالة المحاـفـظة عـلى اللـفـظ فى نـقـله م ُـشافهة طوال هـذه الـسـنيـن‪.‬‬
‫وقامـت الخـصومات الـسياسـية‪ ،‬ونجمـت الـفـرق الـديـنيـة‪ ،‬فاسـتجاز أولـو الأهـواء‬
‫الـكَـذبَ عـلى الـرسـول‪ ،‬فـوضعـوا ألـوف الأحاديـث تأييـدا لـدعـوتهـم وتـرجيحاـ‬
‫لـنـزعـتهـم‪ .‬واسـتـباـح قـوم ٌ وضع الأحاديـث الـمـوافـقة لـمبادئ الـديـن وقـواعـد‬
‫الـفضيلة‪ .‬فـملأوا الـكتـب بأحاديـث الـتـرغـيـب والـتـرهـيـب‪ ،‬وتعـدوا ذلك الى وضعهاـ‬
‫فى فـضائل الأشـخاص والـمـدن‪ ،‬ولـدعـوة سـياسـية‪ ،‬أو نـزعـة عـصبيـة أو غاـية ديـنيـة‪،‬‬
‫كالأحاديـث الـمـوضوعـة فى فـضل قـر يـش عـلى العـرب‪ ،‬وفضائل العـرب عـلى العجـم‪،‬‬
‫وتـفـضيـل بعـض الصحابة عـلى بعـض‪ .‬ومن طـر يـق الـوضع أدخـلـوا فى الحـديـث طائفة‬

‫‪1‬‬
‫القـرآن‪/2 ،‬البقـرة‪.181:‬‬
‫أثـر الحـديـث فـى البـلاغـة العـربيـة ‪AÜİFD 56:1‬‬ ‫‪183‬‬

‫كبيـرة من الح ِكـم الـمأثـورة عـن العـرب‪ ،‬فـأثّـرت فى الخـطابة والجـدل والـشعـر تأثيـرا‬
‫غـيـر قـليـل‪.‬‬
‫وأحاديـث الـرسـول وإن كانـت فـيـض الخاطـر وعـفـو الـبـديهة‪ ،‬يـبـدو عـليهاـ أثـر‬
‫الإلهاـم وسِـمة العـبـقـر ية وطابع البلاغـة‪ .‬فاـلـرسـول يـسـتعـمل الغـريب‪ ،‬و يـلـتـزم‬
‫الـسـجـع‪ ،‬و يـذكـر ألـفاظا من مهجـور اللغاـت تبعاـ لماـ جـرى عـلى لـسان الـوافـديـن‬
‫عـلـيـه‪ .‬كما فى حـديثـه مع طهـفة بن أبي زهـيـر الـنهـدي‪ ،‬ومع لـقـيـط بن عاـمـر‪ ،‬وذلك‬
‫من حُـسـن أدبه وسـمـو بلاغـته وقـوة تأثـيـره‪ 2.‬وللـرسـول قـدرة عـجـيبة عـلى الـتـشـبيه‬
‫والـتمثـيـل وإرساـل الحكمـة وإجاـدة الحـوار‪ ،‬وتـلك مـيّـزة الـر ّسـل‪.‬‬
‫وكـلام الـرسـول (صلى اللـه عـليـه وسـلم) فى ذروة الـفـصاـحة والـبـلاغـة‪ ،3‬وقـد‬
‫قاـل عـن نـفـسـه‪" :‬أناـ أفـصح العــرب بـَيـد أن ّي مـن قـر يـش‪ 4".‬وقاـل يحـيـى بـن‬
‫حـمـزة العـلـوي‪" :‬فـإن كلامه وإن كاـن ناـزلا عـن فـصاحـة الـقـرآن وبلاغـتـه‪ ،‬فهى‬
‫‪5‬‬
‫مـن الطـبـقـة العـلـياـ ححـيـث لا يـدانيه كلام ولا يـقاـربه وإن انـتظـم أي انـتـظام‪".‬‬
‫وكلامه المصدر الـثاـني مـن مصادر الـتـشـر يـع السـلامي‪ ،‬غـيـر أن الـلغـو يـيـن والـنحاـة‬
‫لـم يـسـتـفـيـدوا مـنه كـثيـرا مع أن اعـتـزازهـم به وتصـديـقهـم لصاحـب الـرساـلة‬
‫الإسـلامـية كاـن فـوق كـل اعـتـزاز وتصـديـق‪ .‬ولـو اعـتـمـد الـقـدماء كـثيـرا عـلى‬

‫‪2‬‬
‫ابن عـبـد ربـه‪ ،‬الـعـقـد الـفـر يـد (القاهـرة‪1293 ،‬هـ)‪ ،‬ج‪ ،1.‬ص‪.181.‬‬
‫‪3‬‬
‫البلاغـة عـلـوم وهـى الـبياـن والمعاـني والـبـديع‪:‬‬
‫أ‪ .‬عـلـم البيان‪ :‬وهـو وسـيلة الى تأديـة المعـنـى بأساـليـب عـدة بيـن تشـبيه ومجاـز وكنايـة‪.‬‬
‫ب‪ .‬وعـلـم المعاـني‪ :‬تُعِـيـن عـلـى تأديـة الكلام مطاـبقاـ لمقـتضى الحال مع وفائـه بغـرض بلاغـي يُفهـم ضمناـ من‬
‫سـياقـه وما يحيـط به من قـرائـن‪.‬‬
‫ج‪ .‬أما عـلـم البـديع‪ :‬فهـو دراسـة تـزييـن الألفاـظ أو المعاـني بألـوان بـديعـيـة مـن الجـماـل اللفـظـي أو المعـنـوي‪.‬‬
‫عـلي الجارم ومصطفى أمين‪ ،‬البلاغـة الـواضحة (القاهـرة‪ ،‬د‪.‬ت)‪ ،‬ص‪108 ،71.‬؛ للمـز يـد راجـع كـتب البلاغـة‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫ان الأحاديث التى استقتها مأخوذة من كتب البلاغة‪ .‬وبما أن هدف هذا البحث هو أثر الحديث فى البلاغة فلم نولي‬
‫الإهتمام بصحة الحديث أو ضعفها أو مصدر الحديث‪ ،‬انما يهمنا منها القوة البلاغية فيها فحسب‪ .‬و لم نرد الإطالة بذكر‬
‫مصادر الأحاديث أو الأسانيد‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫يحيـى بـن حمـزة العلـوي‪ ،‬الطراز المتضمن لأسرار البلاغـة وعلـوم حقائـق الإعجاـز (القاـهـرة‪ :‬دار الـكتب الخديو ية‪،‬‬
‫‪1332‬هـ‪1914/‬م)‪ ،‬ج‪ ،1.‬ص‪.160.‬‬
‫‪184‬‬ ‫‪Necati Avcı‬‬

‫صـيغ‪ ،‬وبـ ُنيـت قـواعـد تغـي ّـر كـثيـرا مما‬


‫جـ ّدت ِ‬
‫كلامه لـتـطـورت اللغة العـربـية‪ ،‬واسـت ُ ِ‬
‫اسـتـقـر فى الأذهاـن‪ .‬ولعـل البلاغـيـيـن كانـوا أشـد الـتـصاقاـ بالأحاديـث الـشـر يـفـة‬
‫سـعـتهـم‬
‫من عـلماء اللغـة والنحـو‪ .‬فـقـد تحسـسـوا البلاغـة الـنبـو يـة‪ ،‬ونهـلـوا منهاـ ماـ و ِ‬
‫قـواعـدهـم وأسعـفـتهـم تـقـسـيـماتهـم‪ .‬ولعـل الشـر يف الـرضي (‪406-359‬هـ‪-970/‬‬
‫‪1016‬م)‪ 6‬كاـن مـن أكثـر القـدماء رجـوعاـ إلى كـلام الـرسـول (صلى اللـه عـليـه‬
‫وسـلـم)؛ وقـد أل ّـف كـتاـباـ سـماه المجازات النبـو يـة؛ تعـر ّض فـيه لماـ ورد فى‬
‫الأحاديـث الشـر يـفة من فـن المجاـز بمعـناه الواسـع‪ ،7‬ونب ّـه إلى ذلـك فـقاـل‪" :‬وإني‬
‫سـلـكـت من ذلك مَحجّ ـة لـم تسـلك‪ ،‬وطـرقـت باـباـ لـم ي ُطـرق‪ .‬وما رغـبـت فـيه هـو‬
‫سـلوك مثـل تـلك الطـر يـقة فى عـمـل كـتاـب يـشـتـمل عـلى مجازات الآثاـر الـواردة‬
‫عـن رسـول اللـه (صلى اللـه عـليه وسـلم)‪ ،‬إذ كان فـيه كـثيـر من الاسـتـعارات البـديعة‪،‬‬
‫ولـ ُمـع الـبياـن الغـر يـبة‪ ،8‬وأسـرار اللغـة اللطـيفـة‪ 9".‬وهـذه الـتـفاـتـة عـظيـمة من‬
‫الشـر يف الـرضي إلى الحـديـث الشـر يـف؛ وقـد مه ّـد بـذلك السـبيـل للبلاغـيـيـن الـذيـن‬
‫أخـذوا يعـتـمـدون عـلى كـلام الـرسـول (صلى اللـه عـليه وسـلم) و يـ ُوردون منه أمثـلة‬
‫واضحة للفـصاحة والبلاغـة‪.‬‬
‫ويتجلى أثـر الحـديـث فى البلاغـة العـربـية فى موقـفيـن‪:‬‬
‫الأول‪ :‬اتّ خاـذ الحـديث سبيلا لتعلـم الـكتاـبة والأساليب الرفيعة‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫ولـد ومات ببغـداد ودرس العـلم فى طفـولته‪ ،‬فبـرع فى الفـقـه والفـرائض‪ .‬فلـما بلغ التاسعة والعـشرين خلّـف أباـه فى‬
‫نقابـة الطالبيين سنة ‪ 388‬هـ‪ .‬ألف هـذا الشاـعـر فى معانى القـرآن كتاباـ يـدل عـلى تضلعـه فى النحـو واللغـة وأصول‬
‫الـدين؛ وكتاباـ آخـر فى مجازات القـرآن‪ .‬وله مجمـوعـة رساـئـل وديـوان شـعـر؛ ثـم كتاب نهج البلاغـة‪ ،‬وهـو ما جـمعـه‬
‫من كلام أميـر المؤمـنين عـلي بن أبي طالب‪ .‬راجع أحمـد حـسن الـز يات‪ ،‬تاـريخ الأدب العـربي (القاهـرة‪،)1959 ،‬‬
‫ص‪.287-285.‬‬
‫‪7‬‬
‫المجاـز أنـواع‪ ،‬وهـو فـرع من عـلـم الـبياـن؛ والمجاـز اللغـوي هـو اللفـظ المـسـتعـمل فى غـيـر معـناـه الأصلي لعـلاقـة‬
‫مـع قـرينة مانعـة مـن إرادة المعـنى الحـقـيقـي‪ .‬راجع الجارم وأمين‪ ،‬البلاغـة الـواضحة‪ ،‬ص‪.108 ،71.‬‬
‫‪8‬‬
‫الإسـتعاـرة نـوع من المجاز اللغـوي‪ ،‬وهـو أحـدى فـروع الـبياـن‪ ،‬وهـو تـشـبيه حُـذِف أحـد طـرفيه‪ ،‬فعـلاقـتها‬
‫المـشاـبهة دائما‪ ،‬وهـي قـسـمان‪ :‬تصر يحية ومكنية‪ .‬راجـع الجارم وأمين‪ ،‬البلاغـة الـواضحة‪ ،‬ص‪.75.‬‬
‫‪9‬‬
‫الـشـر يـف الـرضي‪ ،‬المجازات الـنبـو يـة‪ ،‬تحقيـق محـمـود مصطفـى (القاـهـرة‪ :‬مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده‪،‬‬
‫‪1356‬هـ‪1937/‬م)‪ ،‬ص‪.19.‬‬
‫أثـر الحـديـث فـى البـلاغـة العـربيـة ‪AÜİFD 56:1‬‬ ‫‪185‬‬

‫الثاني‪ :‬اتخاذ الحـديث الـشـر يف شاـهـدا بلاغـياـ رفـيعاـ للغـة‪.‬‬


‫الأول‪ :‬اتخاذ الحـديث سـبيـلا لـتعـلـم الـكـتابـة وإتـقاـنهاـ والتـوصل إلى الأساـلـيب‬
‫الـرفـيعـة فـيـها‪ .‬أي أن كـلام الـرسـول (عـليه الصلاة والسـلام) مادة أساـسـية لضـبط‬
‫اللغـة والتـفـنن فـيها‪ .‬وكان ضياء الـديـن بن الأثـيـر (‪637‬هـ‪1239/‬م) أشهـر من دعاـ إلى‬
‫‪10‬‬
‫وأدواتـه‪ ،‬فـقاـل‪" :‬إذا ركّ ـب‬ ‫ذلك فـى الفـصل الـذى عـقـده لآلات عـلـم البياـن‬
‫اللـه تعالى فـى الإنـسان طـبـعا قابـلا لهـذا الـفـن فـيفـتـقـر حـينـئـذ إلى ثمانـية أنـواع من‬
‫‪11‬‬
‫وكان حـفـظ ما يحـتاج إلـيه من الأخـبار الـواردة عـن الـنـبي (صلى اللـه‬ ‫الآلات‪".‬‬
‫عـليه وسـلـم) والسـلوك بهاـ مـسلك الـقـرآن الـكـر يـم فى الاسـتعـمال أحـد تـلك‬
‫الآلات‪ .‬وقاـل شـهاب الـديـن الحـلبي (‪725‬هـ‪1325/‬م)‪:‬‬
‫سـيـَر‬
‫ويتـلـو ذلك الاسـتكـثار مـن حـفـظ الأحاديث النبـو يـة‪ ،‬وخصوصا فى ال ِّ‬
‫والمغاـزي والأحكام والـنظـر فى معانـيها وغـر يـبها وفـصاحـتها‪ ،‬وفـقـه ما لا بـد مـن‬
‫معـرفـة أحكامها لـينـفـق منها عـن سـعة ويسـتـشهـد بـكل شئ فى موضعه‪ ،‬و يحـتـج بـمكان‬
‫الحجة‪ ،‬و يـسـتـدل بموضع الـدلـيـل‪ ،‬ويتـصرف عـن عـلـم بموضوع اللفـظ ومعـناـه‪ ،‬و‬
‫يـبنـي كلامه عـلى أصل لا يـدفـع‪ ،‬و يـسوق مقاصده إلى سـبيـل لا يحـيـد عـنه ولا‬
‫يـرفـع‪ .‬فـإن الـدلـيـل عـلى المقـصد إذا اسـتـنـد إلى الـنص سـلم لـه وسـلم‪ ،‬والـفصاحة إذا‬
‫طلـبت غاـيـتهاـ فـإنهاـ‪ ،‬بعـد كتاب اللـه فى كلام مـن أوتي جـوامع الكلـم‪ .‬وقـد كان‬
‫‪12‬‬
‫عـلى ذلـك فـى الصدر الأول مـن الصحابـة وتاـبعـيهـم‪.‬‬

‫وقاـل نجـم الـديـن بـن الأثـيـر الحلـبي (‪737‬هـ‪1336/‬م) فـيـما يحتاـج إلـيـه كاتـب‬
‫الإنـشاء من العلـوم والـفضائـل لـي ُع َـد كاتـبا‪:‬‬

‫‪10‬‬
‫عـلـم الـبياـن م ن عـلـوم البلاغـة و يـشـمـل‪ :‬الـتشـبيه‪ ،‬والحـقـيقـة والمجاـز‪ ،‬والإسـتعاـرة‪ ،‬والـكناـية‪ .‬راجـع الجارم‬
‫وأمين‪ ،‬البلاغـة الـواضحة‪ ،‬ص‪.136-18.‬‬
‫‪11‬‬
‫ضياء الـدين بـن الأثيـر‪ ،‬المثـل السائـر فى أدب الكاتب والشاعـر‪ ،‬تحـقـيـق محمـد محـيي الـديـن عـبـد الحميـد (القاهـرة‪:‬‬
‫مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده‪1358 ،‬هـ‪1939/‬م)‪ ،‬ج‪ ،1.‬ص‪.9.‬‬
‫‪12‬‬
‫شـهاب الـديـن محمـود الحلـبي‪ ،‬حـسن التـوسـل الى صناعـة التـرسـل‪ ،‬تحـقـيـق احمـد عـثمان يـوسـف (بغـداد‪ :‬وزارة‬
‫الثقافة والإعلام؛ دار الرشيد‪ ،)1980 ،‬ص‪.78.‬‬
‫‪186‬‬ ‫‪Necati Avcı‬‬

‫ومنها حفـظ جـملة مـن الأحاديث الـنبـو يـة لـفاـئـدتيـن‪:‬‬


‫الفائـدة الأولى‪ :‬تبـركا بالحـديث لـقـوله (صلى اللـه عـلـيه وسـلم)‪" :‬من حفـظ عـلـى‬
‫أمتي أربعـيـن حـديثاـ من أمـر ديـنهاـ بعـثـه اللـه يـوم الـقياـمة فى زمـرة العـلماء"؛ وهـذه‬
‫فاـئـدة أخـرو يـة‪.‬‬
‫والفائدة الثانية‪ :‬السـلوك بـه مسـلك كتاب اللـه العـز يـز باسـتعـماله فى مطاـوي كلامه‬
‫مكان الاسـتـشهاـد بـه‪ ،‬وعـنـد الاحـتياـج إلـيه بأمـر أو نهـي‪ ،‬بشـرط لـزوم الأدب‬
‫‪13‬‬
‫الشـرعي فى اسـتعـمالـه حتى لا يسـتعـملـه فيـما يكـره الاسـتعـمال فـيه شـرعاـ‪.‬‬
‫ودخـل الحـديث الـشر يف فى كلام الأدباء‪ ،‬واقـتـبـسوا منه كـثيـرا‪ ،‬فـقال القاضي‬
‫منصور الهـروي الأزدي‪:‬‬
‫ولـو كانـت الآراء لا تـتـشـعــب‬ ‫فـلـو كانت الأخلاق تحـوي وراثـة‬
‫كما أن كل الناس قـد ضمهـم أبُ‬ ‫لأصبح كل الناس قـد ضمهم هـوى‬
‫لِـماـ هـو مخـلــوقٌ لـه ومـقــربُ‬ ‫لٌّ مُـيَــ ّ‬
‫ســــر ٌ‬ ‫ولـكـنهاـ الأقـدار‪ ،‬كــ ّ‬

‫والـبيـت الأخيـر مقـتبـس من قـوله (عـلـيه الصلاة والسلام)‪" :‬اعـملـوا‪ ،‬كـل ميـسـر‬
‫‪14‬‬
‫وعـقـدوا من الحـديث الـشر يف‪ ،‬كقـول الإمام الـشافعي (رضي اللـه‬ ‫لما خـلـق لـه‪".‬‬
‫عنه)‪:‬‬
‫أربـ ٌع قاـلهـن خـيـر الـبـر ية‬ ‫عـمـدة الخـيـر عـنـدناـ كلـمات‬
‫لـيـس يعـنيك واعـملـنّ بنيـة‬ ‫اتـق الـشبهاـت وازهـد ودع ما‬

‫عـقـد قـوله (عـلـيه الصلاة والسلام)‪" :‬الحـلال بـي ّـن والحـرام بي ّـن وبـينهـما أمـور‬
‫مشـتـبهات‪ "،‬وقـوله‪ " :‬ازهـد فى الـدنياـ يحبـك اللـه‪ "،‬وقـوله‪" :‬من حـسن إسلام المـرء‬

‫‪13‬‬
‫نجـم الـديـن أحمـد بـن إسماعـيـل بـن الأثيـر الحلـبي‪ ،‬جـوهـر الـكنـز‪ ،‬تحـقـيـق محمـد زغـلـول سلام (الاسكنـدر ية‪:‬‬
‫منشأة المعارف‪ ،‬د‪ .‬ت‪ ،).‬ص‪.30.‬‬
‫‪14‬‬
‫جـلال الـديـن الخطـيب القـزويني‪ ،‬الإيضاح في علوم البلاغة‪ ،‬تحقـيـق جـماعـة من عـلماء الأزهـر (القاهـرة‪ ،‬د‪.‬‬
‫ت‪ ،).‬ص‪.419.‬‬
‫أثـر الحـديـث فـى البـلاغـة العـربيـة ‪AÜİFD 56:1‬‬ ‫‪187‬‬

‫‪15‬‬
‫خـلـوا الحـديث فى حـسن‬
‫وأد َ‬ ‫تـركه ما لا يعـنيـه‪ ،"،‬وقـوله‪" :‬إنـما الأعـمال بالـنياـت‪".‬‬
‫‪16‬‬
‫جعـلـت لي‬
‫وقـد قاـل ابـن رشـيـق‪ ،‬يعـلل قـوله (عـليه الصلاة والسلام)‪ُ " :‬‬ ‫الـتعـليـل‪،‬‬
‫الأرض مـسجـدا وطهـورا"‪:‬‬
‫ولـِ ْم كانت لـناـ طهـرا وطـيباـ‬ ‫سـألت الأرض لـِ ْم جعـلت مصلـى‬
‫حـويت لـكـل إنـساـن حـبـيـباـ‬
‫ُ‬ ‫فـقاـلــت غـيــر ناـطـقــة ‪ :‬لأنـــي‬

‫قاـل العـلـوي‪" :‬ولـقـد أحـسن فى الاسـتخـراج‪ ،‬وألـطـف فى الـتعـليـل‪ ،‬فـلأجـل ما‬


‫‪17‬‬
‫قالـه كان ذلـك عـلـة فى كـونهاـ طهـورا ومـسجـدا‪".‬‬
‫وحـلـوا الأحاديث الـشـر يـفة‪ ،‬وكان ضياء الـديـن بـن الأثيـر من أكثـر القـدماء‬
‫ل آياـت الـقـرآن‪ ،‬فـقاـل‪:‬‬
‫اهـتـماما بذلك‪ ،‬وقـد تحـدث عـن حـ ّ‬
‫وأما حـل آياـت الـقـرآن العـز يـز فـليـس كـنثـر المعاـني الشـعـر ية؛ لأن ألـفاظه يـنبغي‬
‫أن يُحافـظ عـليهاـ لـمكان فـصاحـتهاـ‪ ،‬إلا أنه يـؤخـذ لـفـظ الآيـة حجـملـته‪ ،‬فـأن ذلك‬
‫من باـب الـتـضميـن‪ ،‬وإنـما يـؤخـذ بعـضه‪ ،‬فـأمّاـ أن يـجعـل أوّلا لـكلام أو آخـرا‬
‫عـلى حـسب ما يـقـتـضيه موضعه‪ .‬وكذلك يـفعـل باـلأخباـر الـنبـو ية عـلى أنـه قـد‬
‫يـؤخـذ معـنى الآيـة والخبـر فـيكـسي لفـظا غـيـر لـفظه‪ ،‬ولـيـس لـذلك من الحـسن ما‬
‫‪18‬‬
‫للقـسـم الأول‪.‬‬

‫ل معـناها‪ ".‬وذكـر كـثيـرا‬


‫ثـم قاـل‪" :‬وأما الأخـبار الـنبـو ية فاـلـقـرآن العـز يـز فى حـ ّ‬
‫من الأخـباـر الـنبـو ية المحلـولـة لـيكـون الطـر يـق واضحا لـمـن يـقـوى عـلى سـلـوكه‪ .‬وتـبعه‬

‫‪15‬‬
‫القـزويني‪ ،‬الإيضاح‪ ،‬ص‪.424-423.‬‬
‫‪16‬‬
‫وهـو من فـروع البلاغـة؛ و يعنى تعليل المواضيع أو الظروف حـسب موقعها الصحيح؛ وتـشـبيع المعنى‪.‬‬
‫‪17‬‬
‫العلـوي‪ ،‬الطـراز‪ ،‬ج‪ ،3.‬ص‪.139.‬‬
‫‪18‬‬
‫ضياء الـدين بـن الأثيـر‪ ،‬المثـل السائـر‪ ،‬ج‪ ،1.‬ص‪.9.‬‬
‫‪188‬‬ ‫‪Necati Avcı‬‬

‫فى ذلك الـمتـأخـرون كـشهاب الـديـن الحـلبي فى كـتابه حـسن التـوسـل الى صناعـة‬
‫التـرسـل‪ 19،‬وابـن الأثيـر الحـلـبي فى كـتابه جـوهـر الـكـنـز‪ ،20،‬وقـد قاـل‪:‬‬
‫وأما حـل الآياـت من القـرآن العـز يـز وكـذلك الأحاديث الـنبـو يـة‪ ،‬فـيـنبغي للمنـشئ‬
‫أن لا يـأخـذ عـنـد حـل الآيـة والحـديث جـملة اللفـظ‪ ،‬فـإن ذلك باـب الـتـضميـن‪،‬‬
‫ولا يأخـذ المعـنى مجـردا عـن اللفـظ بكـمالـه إلا إذا أراد بـذلك الاسـتـشهاـد‪ .‬بـل إذا‬
‫وقـع لـه معـنى‪ ،‬وكانت الآيـة من الآيات الـكـريمة أو حـديث من الأحاديث الـنبـو يـة‬
‫يـتـضمـن ذلك المعـنى‪ ،‬فـليـجعـل الآيـة والحـديث فى سـياق كلامه المناسب للمعـنى؛‬
‫‪21‬‬
‫فـيـطـرز كلامه باـلآيـة أو الحـديث‪.‬‬

‫لـقـد كان الحـديث الـشـر يف منهـلا عـذباـ اسـتـقى منه الأدباـء بلاغـتهـم‬
‫وفصاحتهـم‪ ،‬وأخـذوا عـنـه المعاني الـرفـيعة والصور البـديعة والألفاظ الـرشـيقة‪ ،‬فاـزدان‬
‫أدبهـم وحلا لفـظهـم وعـذبت معانيهـم‪.‬‬
‫الثانـي‪ :‬اتخاذ الحـديث الـشـر يف شاـهـدا بلاغـياـ رفـيعاـ إلى جانب كلام اللـه‬
‫تعالى‪ .‬والبلاغـيـون فى هـذا المنحى أكثـر تحـررا من اللغـوييـن والنحاة‪ ،‬وأعـظـم قـدرة‬
‫عـلى تحـسـس ما فى كلام رسـول اللـه (صلى اللـه عـليه وسلم) من بلاغـة فاـقـت كلام‬
‫العـرب‪ .‬وتـتـضح الاسـتـفاـدة من الحـديث فـى الـشاهـد البلاغي فى كتاب الطـراز‬
‫لـيحيى بـن حمـزة العـلـوي الـذى اخـتـط لـنـفـسه منهجاـ فى ذكـر الـشواهـد والأمثـلة‪،‬‬
‫فهـو بعـد أن يـنتهي من ححـث الموضوع بذكـر أمثـلة تـتـوزع عـلى أربعة أنـواع‪:‬‬
‫الأول‪ :‬من كلام اللـه سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬من الأخباـر الـنبـو ية الـشـر يـفة‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬من كلام الإمام عـلى (كـرم اللـه وجهـه)‪.‬‬
‫الرابـع‪ :‬من كلام البـلغاء وأهـل الفـصاحة‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫شـهاب الـديـن الحلـبي‪ ،‬حـسن التـوسـل‪ ،‬ص‪.79.‬‬
‫‪20‬‬
‫ابـن الأثـيـر الحلبي‪ ،‬جـوهـر الـكنـز‪ ،‬ص‪.609.‬‬
‫‪21‬‬
‫ابـن الأثـيـر الحلبي‪ ،‬جـوهـر الـكنـز‪ ،‬ص‪.105.‬‬
‫أثـر الحـديـث فـى البـلاغـة العـربيـة ‪AÜİFD 56:1‬‬ ‫‪189‬‬

‫وهـذه قاعـدة مطـردة ساـر عـلـيها فى كتابه‪ ،‬وبـذلك تجـلت العـناية بـكلام الـرسـول‬
‫الـكـر يـم‪ ،‬واتـضحت صوره المختـلفة‪ .‬وكان جلال الـديـن الـسيـوطي (‪911‬هـ‪1505/‬م)‬
‫‪22‬‬
‫قاـل‪:‬‬ ‫يكثـر من الاسـتـشهاد بالحـديث الـشـر يف فى فـنـون البلاغة ولا سـيما البـديـع‪.‬‬
‫"وقـد التـزمت أن آتي فى كل نـوع بـمثال فأكثـر من الحـديث الـنبـوي تمر يـنا وتـشـر يـفا‬
‫‪23‬‬
‫وتـيمـنا‪".‬‬
‫وعـنـد الـرجـوع إلى كتـب البـلاغة ولا سـيـما الـمتـأخـرة منها‪ ،‬نجـد العـناية بالحـديث‬
‫الـشـر يف واضحة كل الوضوح؛ ونجـد المؤلـفـين ينهـلـون من هـذا المنهـل العـذب‪،‬‬
‫و يـوشـحـون به قـواعـدهـم وتـقـسـيماتهـم إلى جانب كلام اللـه تعالى‪ ،‬وكلام العـرب‬
‫البـلغاء‪ .‬و يـستطيـع الباحـث أن يضع يـده عـلى هـذه الظاهـرة فى معظـم فنـون البلاغة‪،‬‬
‫ولـكـن عـناية المتـقـدميـن بالمجالات الـنبـو ية كان أظهـر لـروعـة كلام الرسول (صلى اللـه‬
‫عـليه وسـلم) وجمال صوره الجـديـدة‪ .‬وكان الـشر يف الـرضي من أوائـل الـذيـن اهـتمـوا‬
‫باـلمجاـز وتحـدثـوا عـنه فى كتاب مـسـتـقـل‪.‬‬
‫ومن كلامه (عـليه الصلاة والسلام) الـذى يـدخـل فى المجاـز المـرسـل قـوله‪:‬‬
‫"المـسـلمـون تـتكافـأ دماؤهـم بمعـنى أدناـهـم و يـرد عـليهـم أقـصاهـم‪ ،‬وهـم يـد عـلى من‬
‫سـواهـم‪ ".‬و "يـد" هـنا بمعـنى القـوة‪ ،‬وهـذا التـفـسيـر هـو الـوجه الثاني الـذى ذكـره‬
‫الـشـر يف الرضي‪ ،‬قاـل‪ " :‬والـوجه الآخـر أن يكـون "اليـد" ههـنا بمعـنى القـوة‪ ،‬فكأنه‬
‫(عـليه الصلاة والسلام) قاـل‪" :‬وهـم قـوة عـلى من سـواهـم‪ ".‬والقـوة أحـد المعاني التي‬
‫‪24‬‬
‫يعـبـر عـنها باسـم اليـد‪".‬‬
‫ومن ذلك قـوله (عـليه الصلاة والسلام)‪" :‬اليـد العـلياـ خيـر من اليـد السـفـلى‪"،‬‬
‫وقـوله‪" :‬إن الأخلاق بيـد اللـه فـمـن شاـء أن يمنحه منها خـلقاـ حـسـنا فعـل‪ "،‬وقـوله‪:‬‬

‫‪22‬‬
‫وهـو عـلـم يـبـحث فى المحسـنات اللفظيـة والمعـنـو ية‪ .‬كالجناس والاقتباس والسـجع والتـور ية والطباق والمقاـبلـة‬
‫وحُسـن التعـليـل والأسلـوب الحكيـم‪ .‬للمـز يـد راجـع كتـب البلاغـة‪.‬‬
‫‪23‬‬
‫جـلال الـديـن السيـوطي‪ ،‬شـرح عـقـود الجـمان فى عـلـم المعاـني والبياـن (القاـهـرة‪ :‬مكتبة مصطفى البابي‬
‫الحلبي‪1358 ،‬هـ‪1939/‬م)‪ ،‬ص‪.105.‬‬
‫‪24‬‬
‫الـشـر يـف الـرضي‪ ،‬المجازات النبـو ية‪ ،‬ص‪.25.‬‬
‫‪190‬‬ ‫‪Necati Avcı‬‬

‫‪25‬‬
‫وقـوله‪" :‬الصدقة عـن ظهـر‬ ‫"مات حتـف أنـفه‪ "،‬فقـد أطلـق الجـزء وأراد الـكـل‪.‬‬
‫غـنى‪ "،‬والظهـر هـنا القـوة‪ ،‬أي له قـوة من الغـنى‪ .‬وفى كلام الـرسـول الأعـظـم كثيـر من‬
‫المجازات العـقـلية‪ ،‬ومن ذلك قـوله (عـليه الصلاة والسلام)‪" :‬حـمـي الـوطـيـس‪ "،‬وقـوله‪:‬‬
‫حـب ّـك الـشئ يعـمي و يصم‪ "،‬وقـوله‪" :‬تـنام عـيناـي‬
‫"إن من الـبياـن لـسحـرا‪ "،‬وقـوله‪ُ " :‬‬
‫ل الظهـر بعـدما يـتـنـفـس الظـل وتبـرد الـر ياـح‪ "،‬وقـوله‪:‬‬
‫ولا يـنام قـلبي‪ "،‬وقـوله‪" :‬وص ّ‬
‫‪26‬‬
‫"إذا مـلأ الليـل بطـن كل واد‪".‬‬
‫حـد‪" :‬هـذا جبـل‬
‫وفـيه من مجاـز الحـذف قـوله (عـليه الصلاة والسلام) فى جبـل أ ُ‬
‫يحـبناـ ونحـبه" أي‪ :‬يحـبـناـ أهـله‪ .‬وقـوله‪" :‬نهـران مؤمنان ونهـران كافـران" أي‪ :‬أن أهـل‬
‫هـذيـن النهـر يـن مؤمنـون‪ ،‬وأهـل هـذيـن النهـر يـن كافـرون‪ .‬وقـوله‪" :‬الإ يـمان ه َـيـوب" أي‬
‫صاحب الأيـمان هـيـوب‪.‬‬
‫ومـن الاسـتعاـرات البـديعـية فى كلامه (عـليه الصلاة والسلام) قـولـه‪" :‬كـلـما‬
‫سـمع هـيعـة طار لهاـ‪ "،‬فـإن الع َـ ْدو َ والطيـران يـشتـركان فى أمـر داخـل فى مقـومهما‪،‬‬
‫وهـو قـطع المـسافة بـسرعة ولـكـن الطيـران أسـرع من العَـ ْدوِ‪ .‬ومن ذلك قـولـه‪" :‬أكثـروا‬
‫ق وسّ ـعـه عـليـكم‪ ".‬فاـسـتـعار‬
‫من ذكـر هاـدم اللـذات فـإنـكم إن ذكـرتمـوه فى ضيـ ٍ‬
‫"هاـدم اللـذات" للموت‪ .‬وقـوله‪" :‬لا تـستـضيئـوا بنار المـشركيـن‪ "،‬فاـسـتعار بذكـر الـنار‬
‫للـرأي والمـشـورة‪ ،‬والمعـنى‪ :‬لا تهـتـدوا بـآراء المـشركيـن‪ .‬وقـوله‪" :‬قـي ّـدوا القـرآن بالـدرس‬
‫فـإن لـه أوابـد كأوابـد الـوحـش‪ "،‬فاسـتعاـر ذكـر الأوابـد وهى الحيـوانات الـوحـشية لـما‬
‫فـيها من الـنفاـر وشـدة الـشـرود لـذهاب هـذه المحفـوظات عـن القـلب إذا لـم تكـن‬
‫‪27‬‬
‫وفى كتاب المجازات النبـو ية للـشر يف الـرضي كثيـر من‬ ‫راسخة بـشدة الـدرس لهاـ‪.‬‬
‫هـذه الاسـتعارات البـديعـية التى كان كثيـر منها جـديـدا لـم يـنطـق بمثـله العـرب‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫البـدل وأنـواعـه‪ :‬البـدل؛ تابـع مُمَهّـد لـه بـذكـر اسـمٍ قـبـلـه غـيـر مقـصود لـذاته؛ وهـو أنـواع‪ :‬مطاـبـق‪ ،‬بعـض من‬
‫كل‪ ،‬وإشـتـماـل‪ .‬راجـع كتـب قـواعـداللغـة العـربية‪ ،‬مـوضـوع البـدل‪.‬‬
‫‪26‬‬
‫تـنظـر الأحاديث فى المجازات النبـو ية‪ ،‬للـشـر يف الـرضي‪ ،‬ص‪.212 ،172 ،135 ،94 ،44.‬‬
‫‪27‬‬
‫العلـوي‪ ،‬الطـراز‪ ،‬ج‪ ،1.‬ص‪.216-214.‬‬
‫أثـر الحـديـث فـى البـلاغـة العـربيـة ‪AÜİFD 56:1‬‬ ‫‪191‬‬

‫ومن التـشـبـيهاـت البـديعـية فى كلامه (صلى اللـه عـليه وسـلم) قـولـه‪" :‬أصحابـي‬
‫كالنجـوم بأيهـم اقـتـديتـم اهـتـديتـم‪ "،‬وقـوله‪" :‬المؤمنـون كالجـسـد الـواحـد إذا اشـتكى منه‬
‫عضو تـداعـى لـه سائـر الجـسـد بالـسهـر والحمى‪ "،‬وقـوله‪" :‬الحياء من الإيمان كالـرأس من‬
‫الجـسـد‪ "،‬وقـوله‪" :‬الـناس كأسـنان المـشـط فى الإسـتـواء‪ "،‬وقـوله‪" :‬انـه لـم يبـق من الـدنيا‬
‫‪28‬‬
‫إلا كأناخة راكب أو صرّ حالب‪".‬‬
‫ومن الـتخـييـل قـوله (عـليه الصلاة والسلام)‪" :‬أتـيتـكـم بالحـنيـفـية الـبيـضاء" وذلك‬
‫لتخـيـيـل أن السـنن ونحـوها من الجـنـس الـذى هـو إشـراق أو ابـيضاض‪ ،‬وأن البـدعـة‬
‫‪29‬‬
‫وكثيـر من هـذه الـتـشبيـهات أصبح أمثالا كقـوله (عـليه‬ ‫ونحوهاـ عـلى خلاف ذلك‪.‬‬
‫الصلاة والسلام)‪" :‬أنتـم الشـعاـر والناس الـدثاـر‪ "،‬وقـوله‪" :‬الإسـلام يجـب ماـ قـبله‪"،‬‬
‫وقـولـه‪" :‬إياـكـم وخضراء الـ ّدِم َـن‪ "،‬وقـولـه‪" :‬الصدقـة عـن ظهـر غِـنى‪ "،‬وقـولـه‪" :‬المؤمن‬
‫‪30‬‬
‫مـرآة أخـيـه‪".‬‬
‫وفى الأحاديـث الـشـر يـفة كثيـر من الكنايات‪ .‬وقـد قاـل ابـن أبي الإصبع المصري‪:‬‬
‫"وفى الـسنة الـنبـو يـة من الـكناـيات ما لا يـكاد يـحصى كـقـولـه (صلى اللـه عـليه وسـلم)‪:‬‬
‫"لا يضيـع العصا عـن كـتـفـه" كناـية عـن كثـرة الضرب أوكثـرة الـسفـر‪ 31.‬ومـن ذلك‬
‫ل لا يتـوسـد القـرآن‪ ".‬قاـل الـشـر يف الـرضي‪:‬‬
‫قـولـه (عـليه الصلاة والسلام)‪" :‬ذاك رجـ ٌ‬
‫وهـذه من الاسـتعاـرات العجـيـبـة والـكـناياـت الغـريبـة‪ ،‬وهـي تحـتمـل معـنـييـن‬
‫ح والآخـر ذم‪ .‬فـأماـ المـدح فهـو أن يكـون المـراد بـه أنـه لا يـناـم عـن‬
‫‪:‬أحـدهـما مـد ٌ‬
‫قـراءة الـقـرآن‪ ،‬بـل يقـطع ليـله بالـتهجـد بـه والتـصرف مع تـلاوته فـيكـون القائـم‬
‫بـدرسـه كالمـشـتـمل بـه؛ والـنائـم كالمتـوسـد لـه‪ ،‬كأنـه جعـله وسادا لخـده وفـراشا‬
‫لجـنبه‪ .‬وأما المعـنى الآخـر الـذى يحـتمـل الـذم فهـو أن يكـون المـراد أن غـيـر حافـظ‬

‫‪28‬‬
‫العلـوي‪ ،‬الطـراز‪ ،‬ج‪ ،1.‬ص‪.330.‬‬
‫‪29‬‬
‫القـزويني‪ ،‬الإيضاح‪ ،‬ص‪.221.‬‬
‫‪30‬‬
‫تـنظـر الأحاديث فى المجازات النبـو ية للـشـر يف الـرضي‪ ،‬ص‪.68 ،66 ،61 ،61 ،51 ،41.‬‬
‫‪31‬‬
‫ابن أبي الإصبع المصري‪ ،‬تحـر يـر التحـبيـر فى صناعة الـشعـر والـنثـر وبيان إعـجاز القـرآن‪ ،‬تحـقـيـق حفني محـمـد‬
‫شـرف (القاهـرة‪ :‬المجلس الأعلى للشئون الإسلامية‪ ،‬لجنة إحياء التراث الإسلامي‪1383 ،‬هـ‪1963/‬م)‪ ،‬ص‪.144.‬‬
‫‪192‬‬ ‫‪Necati Avcı‬‬

‫الـقـرآن لـيـس حخاـزن من خـزنـته ولا وعاـء من أوعـيـته‪ ،‬فـإذا ناـم لـم يكـن‬
‫‪32‬‬
‫متـوسـدا لـه كما يتـوسـده من هـو ظـرف من ظـروفـه الحاو ية لـه والمـشـتـملة عـليه‪.‬‬

‫ومن ذلك أيضا قـولـه لأزواجه (رضي اللـه عـنهـن)‪" :‬أسـرعـكـن لحاقاـ بي أطولـكـن‬
‫‪33‬‬
‫وقـولـه‪" :‬ياـ أنجـشـه رفـقاـ‬ ‫يـدا" أي‪ :‬أسـرعـكـنّ وأكثـركـن كـرما وعـطاءا؛‬
‫‪34‬‬
‫باـلقـوار يـر" وهـذا كنايـة عـن النساـء‪.‬‬
‫ومـن التعـر يـض قـولـه (صلى اللـه عـليه وسـلم) وقـد خـرج يـوماـ وهـو محـتـضـن‬
‫لأحـد الحسـنـيـن‪ ،‬فـقاـل لهـماـ ‪":‬إنكـما لمـن ر يحاـن اللـه‪ ،‬وإن آخـر وطـأة وطئهاـ‬
‫‪35‬‬
‫اللـه بـوجّ ‪ "،‬وفى ذلك تعـر يض بقـرب وفاـتـه (عـليه الصلاة والسـلام)‪.‬‬
‫ومـن أهـم خصاـئص الأحاـديث الفـنـيـة أنهاـ مـوجـزة كـل الإ يجاـز‪ ،‬وبـذلك‬
‫اسـتـشـهـد بهاـ البـلاغـيـون عـنـد كلامهـم عـن الإ يجاـز‪ .‬ومـن ذلك قـولـه (صلى اللـه‬
‫عـليه وسـلم)‪" :‬الحـزم سـوء الظـنّ ‪ "،‬وقـولـه‪" :‬الخـراج باـلضماـن‪ "،‬وقـولـه‪" :‬لا ضـرار فـى‬
‫‪36‬‬
‫ومـن الإ يجاـز بالـتـقـر يـر ‪ -‬وهـو‬ ‫س غـنـى‪".‬‬
‫الإسـلام‪ "،‬وقـولـه‪" :‬الطـمـع فـقـر ٌ واليـأ ُ‬
‫الـذى تكـون ألـفاـظـه مساـو ية لمعـناـه ‪ -‬قـوله (عـليه الصلاة والسـلام)‪" :‬الحـلال بيّـن‬
‫ن وبيـن ذلك مـشـتبهاـت‪ "،‬وقـوله‪" :‬إنـماـ الأعـماـل بالـنياـت ولـكـل‬
‫والحـرام بـي ّ ٌ‬
‫‪37‬‬
‫وفى كلامـه (صلى‬ ‫امـرئ ماـ نـوى‪ "،‬وقـوله‪" :‬دع ماـ ير يـبـك الى ماـ لا يـر يـبـك‪".‬‬
‫اللـه عـليه وسـلم) الإ يجاـز بالحـذف؛ فـقـد قاـل المهاـجـرون‪" :‬ياـ رسـول اللـه إن‬
‫الأنصاـر قـد فـضلـوناـ بـأنهـم آووناـ ونصـروناـ‪ ،‬وفعـلـوا بناـ وفعـلـوا‪ ".‬فـقاـل (صلى‬

‫‪32‬‬
‫الـشـر يـف الـرضي‪ ،‬المجازات النبـو ية‪ ،‬ص‪.41.‬‬
‫‪33‬‬
‫الـشـر يـف الـرضي‪ ،‬المجازات النبـو ية‪ ،‬ص‪.60-59.‬‬
‫‪34‬‬
‫العلـوي‪ ،‬الطـراز‪ ،‬ج‪ ،1.‬ص‪.407.‬‬
‫‪35‬‬
‫العلـوي‪ ،‬الطـراز‪ ،‬ج‪ ،1.‬ص‪.388.‬‬
‫‪36‬‬
‫القـزويني‪ ،‬الإيضاح‪ ،‬ص‪211.‬؛ العلـوي‪ ،‬الطـراز‪ ،‬ج‪ ،2.‬ص‪.128 ،89.‬‬
‫‪37‬‬
‫العلـوي‪ ،‬الطـراز‪ ،‬ج‪ ،2.‬ص‪.122.‬‬
‫أثـر الحـديـث فـى البـلاغـة العـربيـة ‪AÜİFD 56:1‬‬ ‫‪193‬‬

‫اللـه عـليه وسـلم)‪" :‬أتـعـرفـون ذلك لهـم؟" قاـلـوا‪" :‬نعـم‪ ".‬فـقاـل‪" :‬فـإن ذلـك‪ ".‬قاـل‬
‫‪38‬‬
‫الجاـحـظ‪" :‬لـيـس فى الحـديـث غـيـر هـذا‪ ،‬يـر يـد أن ذلـكم شكـر ومكافـأة‪".‬‬
‫وقـد قاـل (عـليه الصلاة والسـلام) عـن نـفـسـه‪" :‬أوتـيتُ جـوامـع الـكـلـم" أي أنـه‬
‫‪39‬‬
‫ولـكنـه (صلى اللـه‬ ‫"مكّـن من الألفاـظ المخـتصـرة التى تـدل عـلى المعاـنـي الغـز يـرة‪".‬‬
‫عـليه وسـلم) كاـن يطـنـب إذا اقـتضـى المـقاـم‪ ،‬ومن ذلك قـولـه‪" :‬مـن لـذذ أخاـه‬
‫ألـف حسـنـة ومحاـ عـنـه‬
‫ِ‬ ‫ألـف‬
‫ألـف درجـة وكتـب لـه َ‬
‫ِ‬ ‫ألـف‬
‫بماـ يـشـتهـيـه رفـع اللـه لـه َ‬
‫ألـف سـيـئة‪ ،‬أو أطعـمـه مـن ثـلاث جناـن‪ :‬مـن جـنـة الفـردوس‪ ،‬ومـن جـنـة‬
‫ِ‬ ‫ألـف‬
‫َ‬
‫الخُـلـد‪ ،‬ومـن جـنـة عـدن‪ "،‬وقـولـه‪" :‬م َـن سـقى مؤمناـ شـربـة سـقاه اللـه مـن الـرحيـق‬
‫المخـتـوم ‪ -‬أو قاـل مـن نهـر الـكـوثـر‪ ،-‬ومـن كـساـ مـؤمناـ كـساـه اللـه سـنـدس‬
‫‪40‬‬
‫الجـنـة‪ ،‬ومـن أطعـم مـؤمناـ لـقـمـة أطعـمـه اللـه مـن طـيباـت الـجـنـة وفـواكههاـ‪".‬‬
‫ومـن الإطـناـب باـلتـوشـيح قـولـه (صلى اللـه عـليه وسـلم)‪" :‬يـشـيب ابـن آدم ولا‬
‫‪42‬‬ ‫‪41‬‬
‫إذا كاـن الـمعـنـى‬ ‫وقـد يكـرر‬ ‫يـشـيب فـيـه خـصلـتاـن‪ :‬الحـرص‪ ،‬وطـول الأمـل‪".‬‬
‫يتـطلـب ذلك؛ ومنـه قـولـه فى وصـف يـوسـف الصديـق‪" :‬الـكـريم بـن الـكـر يـم بـن‬
‫‪43‬‬
‫الـكـر يـم بـن الـكـر يـم؛ يـوسـف بـن يـعـقـوب بـن إسـحاق بـن إبـراهـيـم‪".‬‬
‫وفـى كـلامـه (صلى اللـه عـليه وسـلم) كثـيـر مـن ألـوان البـديـع التى أسـرف فـيهاـ‬
‫المتـأخـرون‪ ،‬وهـو فى ذلك لا يـثـقـل الـقـول بهاـ وإنـماـ يـسـتعـملهاـ إذا اقـتـضاـهاـ‬
‫المعـنـى وتـطلـبهاـ الـموقـف‪ ،‬أي أن فـنـون الـبـديـع جـزء مـن العـباـرة ولـيـس حـلـيـة‬
‫تُـقـتَـس َـر أو زينـة يـؤتى بهاـ لـتحـسـيـن الـكـلام فقـط‪ .‬وورود هـذه الألـوان فى كـلام‬

‫‪38‬‬
‫الجاحظ‪ ،‬البيان والـتبييـن‪ ،‬تحـقيـق عـبـد السلام محمـد هارون (القاهـرة‪ :‬مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر‪،‬‬
‫‪1369-1367‬هـ‪1950-1948/‬م)‪ ،‬ج‪ ،2.‬ص‪.278.‬‬
‫‪39‬‬
‫العلـوي‪ ،‬الطـراز‪ ،‬ج‪ ،2.‬ص‪.88.‬‬
‫‪40‬‬
‫العلـوي‪ ،‬الطـراز‪ ،‬ج‪ ،2.‬ص‪.248.‬‬
‫‪41‬‬
‫القـزويني‪ ،‬الإيضاح‪ ،‬ص‪196.‬؛ ابن أبي الإصبع‪ ،‬تحـر يـر التحـبيـر‪ ،‬ص‪.316.‬‬
‫‪42‬‬
‫التـوكيـد نـوعاـن‪ :‬لفظـي ومعـنـوي‪ .‬وهـو تابـع يُـذكـر فى الكلام لِـدفـع ما قـد يتـوهـمه السامع مماـ ليـس مقصودا‪.‬‬
‫راجـع كتـب القـواعـد‪ ،‬مـوضوع البـدل‪.‬‬
‫‪43‬‬
‫القـزويني‪ ،‬الإيضاح‪ ،‬ص‪8.‬؛ العلـوي‪ ،‬الطـراز‪ ،‬ج‪ ،2.‬ص‪.181.‬‬
‫‪194‬‬ ‫‪Necati Avcı‬‬

‫أفـصـح العـرب وأبـلغـهـم دليـل عـلى أن السـجع أو المـوازنـة أو الجـناـس أو غـيـرهاـ‬


‫لـيـسـت عـيـباـ فى الـكـلام بـل هـي ركـن مـن أركانـه‪ .‬وقـد حـفـل كتاـب اللـه بكثـيـر‬
‫منهاـ‪ ،‬ومعـنـى ذلك أن فهـمهاـ نـ ّد عـن بعـض المعاـصـر يـن‪ ،‬فاـتهـم هـذا اللـون مـن‬
‫الـتعـبـيـر بـماـ لا يصـحّ ‪ ،‬مـتخـذا صـور الأدب فـى العصـور الـمتـأخـرة مثاـلا لـذلك‬
‫ونسـي هـو أو غـيـره ماـ بيـن الـقـرآن الـكـر يـم والحـديـث الشـر يف وكلام البـلغاـء وماـ‬
‫بيـن المتـأخـر يـن مـن فـروق جـوهـر يـة تجـعـل الباـحـث لا يعـطـي حكمـه عـلى هـذه‬
‫الألـوان مـن خـلال النصـوص الـرديئـة والـكـلام الـركيـك‪.‬‬
‫ومـن ألـوان البـديـع التى تـرددت فى كـلامـه (عـليه الصلاة والسلام) السـجع‪،‬‬
‫كقـولـه‪" :‬ظهـورهاـ حـرز ٌ وبطـونهاـ كـنـز ٌ‪ "،‬وقـولـه‪" :‬اللهـم إنـي أدرأ بـك نحـورهـم‬
‫وأعـوذ بـك مـن شـرورهـم‪ "،‬وقـولـه‪" :‬ألا وإن مـن عـلاماـت العـقـل الـتجافـى عـن دار‬
‫الغـرور والإناـبة الى دار الخـلـود والـتـزود بسـكـنـى القـبـور والـتـأهـب لـيـوم النـشـور‪"،‬‬
‫وقـولـه‪" :‬وقـد رأيـتـم الليـل والـنهاـر كيـف يـبـلـياـن كـل جـديـد‪ ،‬و يـقــرباـن كـل‬
‫‪44‬‬
‫بعـيـد‪ ،‬و يـأتياـن بكـل مـوعـود‪".‬‬
‫ومـن المـوازنـه قـولـه (عـليه الصلاة والسـلام)‪" :‬كـن فى الـدنـيا كأنـك غـر يـب أو‬
‫عاـبـر سـبيـل‪ "،‬فـ"سـبيـل" و "غـر يـب" مختـلفاـن فى اللفـظ‪ ،‬متـفـقاـن فى الـزّنـة‪،‬‬
‫وقـولـه‪" :‬فـإذا أصبحـت نـفسـك فـلا تحـدثـهاـ باـلـمساـء‪ ،‬وإذا أمـسـت فـلا تحـدثهاـ‬
‫‪45‬‬
‫باـلصباـح"‪ ،‬فـ "المساـء" و "الصباـح" مختـلـفاـن لـفـظاـ متـفـقاـن فى الـوزن‪.‬‬
‫ومـن اللـف والـنشـر قـولـه‪" :‬فـإن المـرء بيـن يـوميـن‪ ،‬يـوم قـد مضـى أحصـي فـيـه‬
‫‪46‬‬
‫عـملـه فَخُـتِـم عـليـه‪ ،‬و يـوم بقـي لا يـدري لعـلـه لا يصـل إلـيـه‪".‬‬
‫ومـن المباـدئ والافـتـتاـحات ما رواه ابـن عـمـر (رضي اللـه عـنه) قاـل‪" :‬كاـن‬
‫يعـلـمناـ خـطبـة الحاـجـة بقـولـه ‪:‬الحمـد للـه ونسـتعـينـه‪ ،‬ونعـوذ بـه مـن شـرور أنـفـسـناـ‬
‫وسـيئات أعـماـلـناـ‪ ،‬مـن يهـد اللـه فلا مضـل لـه‪ ،‬ومـن يُضـلل فـلا هاـدي لـه‪،‬‬

‫‪44‬‬
‫الـشـر يـف الـرضي‪ ،‬المجازات النبـو ية‪ ،‬ص‪26.‬؛ القـزويني‪ ،‬الإيضاح‪ ،‬ص‪394.‬؛ العلـوي‪ ،‬الطـراز‪ ،‬ج‪ ،3.‬ص‪.30.‬‬
‫‪45‬‬
‫العلـوي‪ ،‬الطـراز‪ ،‬ج‪ ،3.‬ص‪.39.‬‬
‫‪46‬‬
‫العلـوي‪ ،‬الطـراز‪ ،‬ج‪ ،2.‬ص‪.405.‬‬
‫أثـر الحـديـث فـى البـلاغـة العـربيـة ‪AÜİFD 56:1‬‬ ‫‪195‬‬

‫وأشـهـد أن لا إلـه إلا اللـه وحـده لا شـر يـك لـه‪ ،‬وأن محـمـدا عـبـده ورسـولـه‪ ".‬فهـذه‬
‫الكلـماـت كاـن يـذكـرهاـ إذا أراد حاـجـة مـن الحـوائـج مـن نكاـح أو مـوعـظـة أو‬
‫فصـل قضـية أو غـيـر ذلك مـن ساـئـر الحاجاـت‪ .‬وكاـن يقـول (عـليه الصلاة‬
‫‪47‬‬
‫أي أنـه كاـن يـربط بيـن إفـتـتاـح‬ ‫والسلام) غـيـرهاـ فى أغـراض أخـرى‪".‬‬

‫وغـرضـه‪ ،‬وهـذا مـن أهـم خصاـئص الـكـلام الـذى يـدل أولـه عـلى آخـره ويُنـبـئ ُ‬
‫مطلعـه عـلى مقـطعـه‪.‬‬
‫ومـن الـتخـلـص البـديـع قـولـه (صلى اللـه عـليه وسـلم)‪" :‬قـد رأيـتـم اللـيـل والـنهاـر‬
‫كيـف يبـلياـن كل جـديـد‪ ،‬و يقـرباـن كـل بعـيـد‪ ،‬و يـأتياـن بكـل مـوعـود‪ ".‬ثـم‬
‫قاـل بعـد ذلك‪" :‬فـإذا الـتـبـسـت عـلـيكـم الأمـور كقـطـع اللـيـل المظلـم فعـلـيكـم‬
‫باـلـقـرآن فـإنـه شاـفـع م ُشـفِـعٌ‪ ،‬وشاـهـد مصـدقٌ ‪ ،‬فـمـن جعـلـه إماـمـه قاـده إلى‬
‫الجنـة‪ ،‬ومـن جعـلـه خـلـفـه ساـقـه إلى الناـر‪ ،‬هـو أوضـح دليـل الى خيـر سـبيـل‪".‬‬
‫قاـل العـلـوي‪" :‬فاـنظـر إلى ماـ أودعـه فى هـذا الكلام من الـتخـلص الـرائـق‪ ،‬فـبيـناـ‬
‫هـو يـذكـر حاـل اللـيـل والـنهاـر وحكمهـماـ فى المكـوناـت إذ خـرج إلى حاـل‬
‫الـقـرآن ووصفـه‪ ،‬وإن فـيـه الإيـضاـح لـكـل مـشـكل وبياـناـ لـكـل أمـر م ُلـتـبـس‪،‬‬
‫‪48‬‬
‫تخـلص إلى ذكـره بـأحـسـن تـخلـص‪".‬‬
‫وقـد يـرد الإقـتضاـب فى كـلامه (صلى اللـه عـليه وسـلم) ولـكـن ذلك‬
‫الإقـتضاـب يكاـد يـقـرب مـن الـتخـلـص‪ ،‬ومـن ذلك قـولـه‪" :‬فـلـيـأخـذ العـبـد مـن‬
‫كـبـَرِ‪ ،‬ومـن الحياـة‬
‫نـفـسه لـنـفـسـه‪ ،‬ومـن دنـياـه لآخـرته‪ ،‬ومـن الـشـبيـبـة قـبـل الـ ِ‬
‫قـبـل المـوت" بعـد قـولـه‪" :‬ألا وإن المـرء َ بيـن مخاـفـتيـن ‪:‬بـيـن أجـل قـد مضـى لا يـدري‬
‫ماـ اللـه صاـنـع بـه‪ ،‬وبيـن أجـل قـد بقي لا يـدري ماـ اللـه قاـضٍ فـيـه‪ ،‬فـلـيـأخـذ‬
‫‪49‬‬
‫العـبـد لـنفـسـه مـن نـفـسـه‪".‬‬

‫‪47‬‬
‫العلـوي‪ ،‬الطـراز‪ ،‬ج‪ ،2.‬ص‪.270.‬‬
‫‪48‬‬
‫العلـوي‪ ،‬الطـراز‪ ،‬ج‪ ،2.‬ص‪.341.‬‬
‫‪49‬‬
‫العلـوي‪ ،‬الطـراز‪ ،‬ج‪ ،2.‬ص‪.349.‬‬
‫‪196‬‬ ‫‪Necati Avcı‬‬

‫ـب‪،‬‬
‫ومـن الإرصاـد قـولـه (عـليه الصلاة والسلام)‪" :‬فـماـ بعـد المـوت مـن م ُسـتَـعْـت َ ٌ‬
‫وماـ بعـد الـدنـياـ دار ٌ إلا الجـنـة أو الـناـر؛" فـإن الساـمـع إذا وقـف عـلى قـولـه‪:‬‬
‫"فـماـ بعـد الـدنـياـ مـن دارٍ" فـإنـه يـتحـقـق لا محاـلـة أن ماـ بعـده "إلا الجـنـة أو‬
‫‪50‬‬
‫الـناـر" ل ِـماـ بـينهـماـ مـن شـدة الملازمـة وعـظيـم المناـسبـة‪.‬‬
‫ومـن الاطـراد قـولـه (عـليه الصلاة والسلام)‪" :‬الـكـر يـم بـن الـكـر يـم بـن الـكـر يـم‬
‫‪51‬‬
‫بـن الـكـر يـم؛ يـوسـف بـن يعـقـوب بـن إسـحاق بـن إبـراهيـم‪".‬‬
‫ومـن الجـناـس البـديـع قـولـه (عـليه الصلاة والسلام)‪" :‬الخـيـل معـقـود ٌ بنـواصيـهاـ‬
‫الخـبـر‪ "،‬وقـوله‪" :‬اللهـم اسـتـر عـوراتـناـ‪ ،‬وآمـن روعاـتـناـ‪ "،‬وقـولـه‪" :‬المـؤمنـون هـي ِّـنـون‬
‫ماـت يـوم القـياـمـة‪ "،‬وقـولـه‪" :‬خـلـوا بيـن جـر يـر‬
‫ٌ‬ ‫ظـلـم ُ ظـلـ ُ‬
‫لـ َي ِّـنـونَ‪ "،‬وقـولـه‪" :‬ال ّ‬
‫والجـر يـر‪ "،‬وقـولـه‪" :‬عـليـكـم باـلأبكاـر فـإنّهـنّ أشـد حباـ‪ ،‬وأقـل خب ّاـ‪ "،‬وقـولـه‪:‬‬
‫‪52‬‬
‫"جاـر الـدار أحـقّ بـدار الجاـر‪".‬‬
‫ق ياـ عاـئـشـة‪،‬‬
‫ومـن الطـباـق قـولـه (عـليه الصلاة والسلام)‪" :‬عـلـيـك باـلـرفـ ِ‬
‫فـإنـه ماـ كاـن فى شـئ إلا زانـه‪ ،‬ولا نُـزع من شئٍ إلا شاـنـه‪ "،‬فجـمـع بيـن "الـز يـن" و‬
‫‪53‬‬
‫"الـشـيـن" وهـماـ ضـدان‪.‬‬
‫ومـن لـزوم ماـ لا يلـزم قـولـه (صلى اللـه عـليه وسـلم)‪" :‬فـإن كاـن كـر يـماـ‬
‫أكـرمـك‪ ،‬وإن كاـن لـئيـماـ أسـلـمـك‪ "،‬وقـولـه‪" :‬ولـيـُحـسـن عـمـلـه‪ ،‬ولـي ُـقصـر أملـه‪"،‬‬
‫‪54‬‬
‫ثـواب جـزتُمـوه ُ‪".‬‬
‫ٍ‬ ‫وقـولـه‪" :‬فـلا يـُغـنـي عـنكـم إلا عـمـل صاـلح قـدمتـمـوه‪ ،‬أو حـسـن‬
‫وهـذا لـيـس مـن الإلـزام الـذى ضـيـق الأدباـء بـه عـلى أنـفـسـهـم كماـ فعـل أبـو‬
‫‪55‬‬
‫العـلاء المعـري (‪449-363‬هـ‪1057-973/‬م) فى اللـزومياـت‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫العلـوي‪ ،‬الطـراز‪ ،‬ج‪ ،2.‬ص‪.322.‬‬
‫‪51‬‬
‫القـزويني‪ ،‬الإيضاح‪ ،‬ص‪.382.‬‬
‫‪52‬‬
‫الـشـر يـف الـرضي‪ ،‬المجازات النبـو ية‪ ،‬ص‪.49.‬‬
‫‪53‬‬
‫العلـوي‪ ،‬الطـراز‪ ،‬ج‪ ،2.‬ص‪.380.‬‬
‫‪54‬‬
‫العلـوي‪ ،‬الطـراز‪ ،‬ج‪ ،2.‬ص‪.400.‬‬
‫‪55‬‬
‫هـو أحـمـد بـن عـبـد اللـه بـن سـلـيماـن التنـوخي نسـبة الى تنـوخ إحـدى قباـئل الـيمـن‪ .‬ولـد هـذا الفـيلـسوف‬
‫الحكيـم بالمعـرة شـمال سـور ية من أبـو يـن شـر يـفـيـن‪ .‬لقـد كان أبـوه من أفاضل العـلماء وجـده قاضياـ بالمعـرة‪ .‬فلما‬
‫أثـر الحـديـث فـى البـلاغـة العـربيـة ‪AÜİFD 56:1‬‬ ‫‪197‬‬

‫ح‬
‫ومـن تـأكـيـد المـدح بماـ يشـبـه الـذم قـولـه (عـليه الصلاة والسلام)‪" :‬أناـ أفـصـ ُ‬
‫‪56‬‬
‫يـش‪".‬‬
‫العـرب بـَيْـد َ أنـي مـن قـر َ‬
‫ميـت‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ومـن الإبهاـم قـولـه (صلى اللـه عـليه وسـلم)‪" :‬عـش ماـ شـئـتَ فـإنـك‬
‫وأحـبب م َـن أحـببـتَ فـإنـك م ُفاـرقـه‪ ،‬واعـمـل ماـ شِـئـتَ فـإنـك م ُـلاقـيـه‪ "،‬وقـولـه‪:‬‬
‫"أحـبب حـبيـبـك هَـوناـ ماـ عـسـى أن يكـون بغـيـضـك يـوماـ ماـ‪ ،‬وابـغـض بغـيـضـك‬
‫‪57‬‬
‫هـوناـ ماـ عـسـى أن يكـون حـبـيبـك يـوماـ ماـ‪".‬‬
‫ومـن الإبهاـم الـذى ظهـر تـفـسـيـره قـولـه (عـليه الصلاة والسلام)‪" :‬ألا أنبـئكـم‬
‫بـأمـرين خـفـيـفـة مـؤونـتهـماـ عـظيـمٌ أجـرهـماـ‪ ،‬لـن يـ ُلقـى اللـه بمثـلهـماـ‪ "،‬ثـم قاـل‬
‫ق‪ ".‬ومـن ذلك قـولـه‪" :‬ألا أدلـكـم‬
‫بعـد ذلك تـفـسـيـرا لهـماـ‪" :‬الصمـتُ وحُـسـن الخُـلـ ُ ِ‬
‫عـلى ماـ إذا فعـلتـمـوه تحاببـتـم؟" قالـوا‪" :‬نعـم‪ "،‬قاـل‪" :‬أفـشـوا السـلام‪ ".‬وقـولـه‪" :‬ألا‬
‫أدلـكـم عـلى أخسـر الناـس صفـقـة؟" قاـلـوا‪" :‬نعـم‪ "،‬قاـل‪" :‬مـن باـع آخـرتـه بدنياـ‬
‫‪58‬‬
‫غـيـره‪".‬‬
‫هـذه بعـض ملامـح أثـر الحـديـث الـنبـوي الشـر يف فى البـلاغـة العـربيـة‪ ،‬وهـى‬
‫مـلامـح تـدفـع إلى العـناـيـة بكـلام أفـصح العـرب وأبـلغـهـم محمـد (صلى اللـه عـليه‬
‫وسـلم)‪ .‬فـقـد اهـتـم عـلماـء اللغـة والـنحـو بكـلام العـرب ولـم يقـفـوا طـو يلا عـنـد‬
‫الأحاديـث الشـر يـفـة‪ ،‬وكاـن عـلـماـء البـلاغـة أكـثـر اسـتـفاـدة منهـم‪ ،‬ولـكـنهـم مـع‬
‫ذلك لـم يـتـعـمقـوا فى دراسـة أسـلـوب الأحاـديـث واســتخـلاص القـيـم الجـمالـيـة‬

‫بلغ الـرابعـة من عـمـره أصيب بالجـ ُد َري فـذهب بعـينيه؛ فـنشـأ ضريرا‪ ،‬وأخـذ يـدرس اللغـة والأدب حتى تفـو ّق‪.‬‬
‫وبعـد أن طـو ّف فى بلاد الشام رحـل الى بغـدا د ليـدرس الحكمـة والفلسـفـة الهنـدية‪ .‬وعاد الى المعـرة سنة ‪400‬هـ‪ .‬له‬
‫مـؤلفات لـم يبـق منه إلا سـقط الـزنـد‪ ،‬واللـزوميات‪ ،‬والـدرعـيات‪ ،‬والفصول والغايات‪ ،‬وعـبث الـوليـد وهـو شـرح‬
‫ديـوان البحتـري‪ ،‬وديـوان رسائله‪ ،‬ورسالة الملائكـة‪ ،‬ورسالة الغـفـران‪ ،‬وهى شـديـدة الشبه بالملهاة الإلهية لـدانتـي‬
‫(‪ ،)Dante‬والفـردوس المفـقـود لـملـتـن (‪ .)Milton‬وقـد فقـد كتاب الأيْـك والغـصون فى مائة مجلـد‪ ،‬وذكـرى‬
‫حبيب وهـو شرح ديـوان أبي تماـم‪ ،‬وغـيـر ذلك‪ .‬تنظر أحمـد حسـن الـز ياـت‪ ،‬تاريخ الأدب العـربي (القاـهـرة‪،‬‬
‫‪ ،)1959‬ص‪.311-306.‬‬
‫‪56‬‬
‫القـزويني‪ ،‬الإيضاح‪ ،‬ص‪.373.‬‬
‫‪57‬‬
‫العلـوي‪ ،‬الطـراز‪ ،‬ج‪ ،2.‬ص‪.82-81.‬‬
‫‪58‬‬
‫العلـوي‪ ،‬الطـراز‪ ،‬ج‪ ،2.‬ص‪.87.‬‬
‫‪198‬‬ ‫‪Necati Avcı‬‬

‫والصـور الفـنيـة التى حفـلـت بهاـ‪ .‬ولعـل كتاـب المجاـزات الـنبـو يـة للـشـر يف الـرضي‬
‫كاـن أهـم مَعْـلَـم مـن المعاـلم‪ ،‬ولـكـنـه وقـف عـنـد المجاـزات وتـرك الفـنـون الآخـرى‬
‫للبـلاغـييـن الـذيـن لـم يتـعـمقـوا فـيهاـ‪ ،‬وإن ذكـروا فى كثـيـر مـن أبـواب البلاغـة بعـض‬
‫الأحاـديث‪ ،‬كماـ فعـل العلـوي فى الطـراز‪ ،‬والسـيـوطي فى شـرح عـقـود الجـمان‪.‬‬
‫ل ناقصـة‪ ،‬وتبـقـى البـلاغـة الـنبـو ية بعـيـدة عـن الـدراسـة‬
‫ولـكـن تلـك المحاولات تظـ ّ‬
‫الجاـدة‪ .‬ولعـل هـذا البحـث الـموجـز الـذى اعـتـمـد عـلى ماـ ذكـره الساـبـقـون ولا‬
‫سـيـماـ عـلـماـء البـلاغـة فى العهـود المتـأخـرة يـدفـع إلى الـتعـمـق فى هـذا اللـون من‬
‫الـدراسات‪ ،‬وهـو تعـمـق تتـطلـبـه المناـهـج الحـديثـة‪ ،‬وتحـتاـج إلـيـه اللغـة العـربيـة وهـى‬
‫تـسـعى إلى اسـتـيعاب ألـوان الحضاـرة الجـديـدة‪ ،‬وتـتحفـز للتـقـدم فى مجاـلات‬
‫الـثـقاـفـة المختـلفـة ومياـديـن العـلـم فى هـذا العصـر‪.‬‬
‫كاـن كـلامـه (عـليه الصلاة والسلام) بـليـغاـ يـأسـر الـنـفـوس و يـأخـذ بمجاـمـع‬
‫سـحرا‪ "،‬فـماـ ذلك الـبياـن؟ وماـ سـماـتـه؟‬
‫ن مـن الـبياـن ل َ ِ‬
‫القـلـوب وهـو القاـئـل‪" :‬إ ّ‬
‫لقـد وقـف القـدماـء عـنـد بـلاغـتـه وفصاـحـتـه‪ ،‬وكاـن الجاـحـظ (‪255‬هـ‪868/‬م)‬
‫ل عـدد‬
‫مـن أوائـل الـذيـن لخـّصـوا تـلـك الـسـماـت بقـولـه‪" :‬هـو الـكـلام الـذى قـ ّ‬
‫‪59‬‬
‫ل عـن الصنعـة‪ ،‬ونـزه مـن التـكلـف‪".‬‬
‫حـروفـه‪ ،‬وكثـرت معاـنـيـه‪ ،‬وجـ ّ‬
‫وكاـن كماـ قاـل اللـه تباـرك وتعاـلى ‪":‬قُـلْ (ياـ محمـد)‪ ...:‬وماـ أناـ مـن‬
‫‪61‬‬ ‫‪60‬‬
‫فكـيـف وقـد عاـب الـتـشـديـق‪ ،‬وجاـنَـبَ أصحاـب الـتعـقـيـب!‬ ‫المتـكلـفـيـن‪".‬‬
‫واسـتعـمـل الـمبسـوط فـى مـوضـع الـبـسـط‪ ،‬والمقـصـور فى مـوضـع القـصـر‪ ،‬وهـجـر‬

‫‪59‬‬
‫أبو عـثـمان عـمـرو بن ححـر الجاحظ‪ :‬ولـد بالبصرة ونشأ بها ودرس عـلى جهابـذة اللغـة والـرواية كالأصمعي وأبي‬
‫عـبيـدة‪ ،‬وتخـرج فى عـلـم الكلام عـلى أبي إسـحاق الـنظّاـم أحـد أئمـة المعـتـزلة‪ .‬مـؤلفاته تـربو عـلى مائتي كتاب؛ ولـم‬
‫ينشـر منها إلا كتاب البيان والتبييـن فى الأدب والإنشاء والخطابة‪ ،‬وكـتاب الحيـوان‪ ،‬وكتاب المحاسـن والأضـداد‪،‬‬
‫وكتاب البخلاء‪ ،‬وديـوان رساـئله‪ .‬راجع ياقـوت الحـمـوي‪ ،‬معـجـم الأدباء (القاهـرة‪ ،)1980 ،‬ج‪ ،16.‬ص‪113.‬؛‬
‫حناـ الفاـخـوري‪ ،‬الجاـحظ (بيـروت‪ ،)1953 ،‬ص‪15.‬؛ الـز ياـت‪ ،‬تاريخ الأدب العـربي‪ ،‬ص‪233-232.‬؛‬
‫جـرجي ز يـدان‪ ،‬تاريخ آداب اللغـة العـربية (القاهـرة‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،).‬ج‪ ،2.‬ص‪.170.‬‬
‫‪60‬‬
‫الـقـرآن‪/38 ،‬صاد‪" :86:‬قُــل ماـ أسـألـكـم عـليـه مـن أجـر وماـ أناـ مـن المتكلـفيـن‪".‬‬
‫‪61‬‬
‫التعـقـيـب كاـلتعـقـيـر‪ ،‬وهـو أن يتكلـم بـأقـصـى قعــر فـمـه‪.‬‬
‫أثـر الحـديـث فـى البـلاغـة العـربيـة ‪AÜİFD 56:1‬‬ ‫‪199‬‬

‫سـوقي‪ ،‬فـلـم يـنطـق إلا ّ عـن مـيـراث حكـمـة‪،‬‬


‫الغـريب الـوحشـي‪ ،‬ورغـب الهـجـيـن الـ ّ‬
‫َـف بالع ِـصمـة وشُـيِّـد بالـتـأيـيـد‪ ،‬و يـسّـر باـلتـوفـيـق‪.‬‬
‫ولـم يـتكلـم إلا ّ بكـلا ٍم قـد ح ّ‬
‫و يـقـول الجاـحـظ‪ ،‬يصـف كـلام الـرسـول‪:‬‬
‫وهـو الـكـلام الـذى ألـقـى اللـه عـليـه المحـبـة‪ ،‬وغـشاـه ُ بالـقـبـول‪ ،‬وجـمـع لـه بـيـن‬
‫الـمهاـبـة والحـلاوة‪ ،‬وبيـن حُـسـن الإفهاـم وقـلـة عـدد الـكـلام مـع اسـتغـناـئـه عـن‬
‫إعاـدتـه‪ ،‬وقـلـة حاـجـة الساـمـع إلى م ُعاـودتـه‪ ،‬فـلـم تـسـقـط لـه كلـمـة ولا زلّـت‬
‫بـه قـدم ولا باـرت لـه حُ جـة ولـم يـقـم لـه خصـم ولا أفـحـمـه خـطـيـب‪ ،‬بـل يـبـ ّذ‬
‫الخ ُـطـبُ الطـوال بالكلـم القصاـر‪ ،‬ولا يـلـتمـس إسـكات الخصـم إلا ّ بـماـ يعـرفـه‬
‫الخصـم‪ ،‬ولا يحـتـج باـلصـدق ولا يطلـب الفـلـج إلا بالحـق‪ ،‬ولا يـسـتـعـيـن‬
‫باـلخـلابـة‪ ،‬ولا يسـتـعـمـل الـمـواربـة‪ ،‬ولا يهـمـز ولا يـلـمـز‪ ،‬ولا يـ ُبطـئ ولا يُعـجـل‪،‬‬
‫ولا يـسـهـب ولا يـحـصـر‪ .‬ثـم لـم يـسـمـع الـناـس بـكـلام قـط أعـم نـفعاـ‪ ،‬ولا‬
‫أقـصـد لفـظاـ‪ ،‬ولا أعـدل وزناـ‪ ،‬ولا أجـمـل مـذهـباـ‪ ،‬ولا أكـرم مطلـباـ‪ ،‬ولا‬
‫أحسـن مـوقـعاـ‪ ،‬ولا أسـهـل مخـرجاـ‪ ،‬ولا أفـصـح معـنـى‪ ،‬ولا أبـيـن مـن فحـوى‪.‬‬

‫و يـسـتـمـر الجاـحـظ فى كـلامـه عـنـه (صلى اللـه عـليه وسـلـم) فـيـقـول‪ :‬قاـل محمـد‬
‫بـن سـلا ّم‪ :‬قاـل يـونـس بـن حـبيـب‪" :‬ماـ جاـءناـ عـن أحـد مـن روائـع الـكـلام ماـ‬
‫جاـءناـ عـن رسـول اللـه (صلى اللـه عـليه وسـلم)؛" و يـنهـي كـلامه بقـولـه‪:‬‬
‫جـمـلا الـتـقـطـناـهاـ مـن أفـواه أصحاـب‬
‫وقـد جـمعـت لـك فى هـذا الـكـتاـب ُ‬
‫الأخـباـر‪ ،‬ولعـل بعـض مـن يـتـسـع فى العـلـم ولـم يعـرف مقاـديـر الـكـلام يظـن‬
‫أن ّاـ قـد تـكلـفـناـ لـه مـن الامـتـداح والـتـشـر يـف ومـن الـتـز يـيـن والـتجـو يـد ماـ‬
‫لـيـس عـنـده ولا يـبـلغـه قـدره‪ .‬كـلا والـذى حـرم الـتـز يـيـد عـلى العـلـماـء وقـب ّـح‬
‫التـكلـف عـنـد الحكـماـء‪ ،‬وبهـرج الـكـذابـيـن عـنـد الـفـقهاـء ماـ يـظـن هـذا إلا ّ‬
‫‪62‬‬
‫ل سَـعـيَـه‪.‬‬
‫م َـن ضَـ ّ‬

‫‪62‬‬
‫الجاحظ‪ ،‬البياـن والتبـييـن‪ ،‬ج‪ ،2.‬ص‪.18-17.‬‬
‫‪200‬‬ ‫‪Necati Avcı‬‬

‫لقـد انـتبـه الجاـحـظ إلى هـذه المـسـألـة الـتى قـد تـُثاـر فى كـل زماـن‪ ،‬وذكـر‬
‫سـماـت كـلام رسـول اللـه (صلى اللـه عـليه وسـلم)‪ ،‬وأبـرزهاـ كثـرة معاـنيـه مـع‬
‫الإ يجاـز‪ ،‬وابـتـعاـده عـن الصنـعـة والـتـكلـف والإسـراف‪ ،‬ومطاـبـقـتـه لـمقـتـضـى‬
‫الحاـل‪ ،‬فالـمبـسـوط فى مـوضـع الـبسـط‪ ،‬والمقـصـور فى مـوضـع القـصـر‪ ،‬وه َـجْ ــر ُ‬
‫الغـر يـب الـوحشـي والـرغـبـة عـن الهـجـيـن الـسـوقـي‪ ،‬وغـيـر ذلك مماـ ذكـره الجاـحـظ‬
‫وفـيـماـ يـلاحظـه الباـحـث فى البـلاغـة الـنبـو يـة الـتى جاـءت مـن غـيـر تعـلـيـم سـوى‬
‫ثـقاـفـة الـنـشـأة فـى بـيئـة فـصيحـة اللساـن بـلـيغـة الـقـول سـلـيمـة الـفطـرة‪ ،‬وذكاـء‬
‫العـقـل الـوق ّاـد‪ ،‬واخـتياـر اللـه تعاـلى لـيكـون رسـولا للـناـس كاـفـة‪ .‬ولـيـس وراء‬
‫ذلك أعـظـم مـن هـذه الصفاـة الـتى جعـلـتـه (عـليه الصلاة والسلام) يـنطلـق انـطـلاقاـ‬
‫إنساـنياـ‪ ،‬و يـعـبـر عـماـ يـحـس بـه الإنساـن فى كـل زماـن ومـكان‪ ،‬مماـ دفـع‬
‫عـلـماـء البـلاغـة إلى الـوقـوف عـنـد عـباـراتـه وقـفـة إكباـر وتـقـديـر وإجـلال‪ ،‬فـقـد‬
‫قاـل (عـليه الصلاة والسلام)‪:‬‬
‫لا تكـونـوا ممـن اخـتـدعـتـه العاـجـلـة وغـرّتـه الأمنـيـة‪ ،‬واسـتـهـوتـه الخـدعـة فـركـن‬
‫الى دار سـر يعـة الـزوال وشـيكـة الإنتـقاـل‪ ،‬إنـه لـم يـبـق مـن دنياـكُـم هـذه فى‬
‫جنـب ماـ مضـى إلا ّ كـإناـخـة راكـب أو صـدر حاـلـب‪ ،‬فعـلام تـفـرحـون؟‬
‫وماـذا تـنـتـظـرون؟ فـكأنـكـم بماـ قـد أصبحـتـم فـيـه مـن الـدنياـ لـم يكـن‪ ،‬وبماـ‬
‫تصيـرون اليـه مـن الآخـرة لـم يـزل‪ .‬فخـذوا الأهـبـة لأزوف الـنقـلـة وأعـدوا الـزاد‬
‫خـل ّـف‬
‫ئ عـلى ماـ قـدم قاـدم‪ ،‬وعـلى ماـ َ‬
‫ل امـر ٍ‬
‫لـقـرب الـرحلـة‪ ،‬واعـلـمـوا أن كـ ّ‬
‫ناـدم ٌ‪.‬‬

‫قاـل العـلـوي معـلـقاـ عـلى هـذا الـكـلام العـذب‪:‬‬


‫ـس ألـفاـظـه عـلى‬
‫فـلـيعـمـل الناـظـر نظـره فى هـذا الـكـلام‪ ،‬فـماـ أسـل َ َ‬
‫الألـسـنـة‪ ،‬وماـ أوقـع معاـنيـه فى الأفـئـدة وماـ احتـوى عـليـه مـن الـتـنبـيـه الباـلـغ‬
‫والـوعـظ الـزاجـر والـنصيـحـة الـناـفـعـة‪ ،‬فصـدّره بالـتحـذيـر أوّلا عـماـ يـعـرض مـن‬
‫مصاـئـب الـدنـياـ مـن الإنخـداع والغـرور والإسـتهـواء‪ ،‬وعـقـ ّبـه ثاـنياـ بالـتحـذيـر‬
‫عـن الـركـون الى الـدنـياـ‪ ،‬ونـبـه بـألـطـف عـباـرة وأوجـزهاـ عـلى زوالهاـ‬
‫أثـر الحـديـث فـى البـلاغـة العـربيـة ‪AÜİFD 56:1‬‬ ‫‪201‬‬

‫وانـقـطاـعـهاـ‪ ،‬وأردفـه ثاـلثاـ بالـحـث عـلى عـمـل الآخـرة وأخـذ الأهـبـة للـزاد‪،‬‬
‫ونـبّـه عـلى سـرعـة زوالهاـ وانـقـطاـعهاـ‪ ،‬وخـتـمـه بـتحـقـيـق الحاـل فـى الإقـدام‬
‫عـلى ماـ فعـلـه مـن خـيـر وشـر‪ ،‬وأنـه ناـدم ٌ لا محاـلـة عـلـى ماـ خـلفـه مـن الـدنياـ‪،‬‬
‫‪63‬‬
‫وأنـه غـيـر ناـفـع ولا مُجـد‪.‬‬

‫فـكـلام الـرسـول العـظـيـم الـذروة فى البـلاغـة والـتصـو يـر‪ ،‬إنـه رقـيـق وإنـه جـزل‪،‬‬
‫ومـن الـرقـيـق قـولـه (عـليه الصلاة والسلام)‪" :‬كـن فى الـدنـيا كـأنـك غـر يـب أو عاـبـر‬
‫سـبيـل‪ ،‬وأعـدد نـفـسـك فى المـوتـى فـإذا امـسـيـت فـلا تحـدثهاـ باـلصـباـح‪ ،‬وإذا‬
‫اصبحـتَ فـلا تحـدثهاـ عـن المـساـء‪ .‬وخُـذ مـن صحـتـك لـس ُـقـمـك‪ ،‬ومـن شـباـبـك‬
‫‪64‬‬
‫لهـرمـك‪ ،‬ومـن فـراغـك لـشـغـلـك‪".‬‬
‫ومـن الجـزل قـولـه (عـليه الصلاة والسلام)‪" :‬ياـبـن آدم تُـؤتـي كـل يـوم بـرزقـك‬
‫وأنـت تحـزن‪ ،‬و يـنـقـص كـل يـوم مـن عـمـرك وأنـت تـفـرح‪ ،‬أنـت فـيـماـ يكـفـيـك‬
‫‪65‬‬
‫وتـطلـب ماـ يـ ُطغـيـك‪ ،‬ولا بـقـلـيـل تـقـنـع ولا مـن كثـيـر تـشـبـع‪".‬‬
‫وكاـن (عـليه الصلاة والسلام) يـبتـعـد عـن الكلـماـت الـتى تـوحي بماـ يخـرج عـن‬
‫الأدب‪ ،‬ومـن ذلك قـولـه وقـد كـساـ أساـمـة بـن ز يـد قـُبطـيـة‪ ،66‬فـكـساـهاـ امـرأتـه‬
‫فـقاـل لـه (عـليه الصلاة والسلام)‪" :‬أخاـف أن تـصـف حجـم عـظاـمهاـ" ولـم يـقـل‬
‫"حجـم أعـضاـئهاـ" لـماـ فى هـذه الكلـمـة مـن إ يحاـء غـيـر بـديـع‪ .‬قاـل الشــر يف‬
‫الـرضي‪:‬‬
‫وهـذه إسـتـعاـرة‪ ،‬والمـراد أن الـقـبطـيـة بـرقـتهاـ تـلصـق بالجـسـم فـتـبيـن حجـم‬
‫الـثـديـيـن والـرادفـتيـن‪ ،‬وماـ يـشـ ّذ مـن لحـم العـضـديـن والـفـخـذيـن فـيعـرف الناـظـر‬
‫الـيهاـ مقاـديـر هـذه الأعـضاـء حتـى تكـون كالظاـهـرة للحظـة؛ والـممكـنـة للـمـسـة‪،‬‬
‫فـجعـلهاـ (عـليه الصلاة والسلام) لهـذه الحاـل كالـواصفـة لـماـ خـلفهاـ‪ ،‬والمخـبـرة‬

‫‪63‬‬
‫العلـوي‪ ،‬الطـراز‪ ،‬ج‪ ،1.‬ص‪.161.‬‬
‫‪64‬‬
‫العلـوي‪ ،‬الطـراز‪ ،‬ج‪ ،1.‬ص‪.118.‬‬
‫‪65‬‬
‫العلـوي‪ ،‬الطـراز‪ ،‬ج‪ ،1.‬ص‪.117.‬‬
‫‪66‬‬
‫الق ُـبطـيـة ‪ -‬بضـم القاـف‪ -‬ثياـب ن ُسـب الى القـبـط بمصـر‪.‬‬
‫‪202‬‬ ‫‪Necati Avcı‬‬

‫عـماـ اسـتـتـر بهاـ‪ .‬وهـذه مـن أحـسـن العـباـرات عـن هـذا المعـنـى‪ ،‬وهـذا الغـرض‬
‫تـشـف‬
‫ّ‬ ‫رمـى عـمـر بـن الخطاـب فى قـولـه‪" :‬وإي ّاـكـم ولـبـس القـباـطـي فـإنهاـ إلا ّ‬
‫تصـف‪ ".‬فـكاـن رسـول اللـه (صلى اللـه عـليه وسـلم) أباـ عـذر هـذا المعـنـى‪ ،‬ومـن‬
‫‪67‬‬
‫تـبعـه فإنـماـ سـلك نهجـه وطلـع فجّـه‪.‬‬

‫ومـن ذلـك قـولـه‪" :‬لا يـقـولـنّ أحـدكـم خـبثـت نـفـسـي‪ ،‬ولـكـن لـيـقـل لـقـسـت‬
‫نـفـسـي‪ "،‬فكـأنـه كـره أن يـضيـف الـمـؤمـن الطاـهـر الـنفـس الى الخـبـث والـفـساـد‬
‫‪68‬‬
‫بـوجـه مـن الـوجـوه‪.‬‬
‫وسـبـق (عـليه الصلاة والسلام) العـرب فى كـلام جـديـد لـم يـألـفـوه أو لـم يـأتـوا‬
‫بـه مـن قـبـل‪ .‬قاـل الجاـحـظ‪" :‬وسـنـذكـر مـن كـلام رسـول اللـه (عـليه الصلاة‬
‫ي‪ ،‬ولـم يـُ ّدعَ لأحـد‬
‫ي ولا شاـركـه فـيـه أعـجـمـ ّ‬
‫والسلام) ماـ لـم يـسـبـق إلـيـه عـربـ ّ‬
‫ولا ادّعاـه أحـد مـماـ صاـر م ُـسـتـعـمـلا ومثـلا ساـئـرا‪ ".‬ومـن ذلك قـولـه (عـليه‬
‫تـف أنـفـه‪ "،‬وقـولـه‪" :‬لا‬
‫الصلاة والسلام)‪" :‬ياـ خـيـل اللـه اركـبـي‪ "،‬وقـولـه‪" :‬ماـت حـ َ‬
‫ل الصيـد فى‬
‫تـنـتـطـح فـيـه عـنـزان‪ "،‬وقـولـه‪" :‬الآن حـمـي الـوطـيـس‪ "،‬وقـولـه‪" :‬كُـ ّ‬
‫جـوف الـفـرا‪ "،‬وقـولـه‪" :‬لا يـلـسـع المـؤمـن مـن جـحـر مـر ّتيـن‪ 69".‬ومـن ذلك قـولـه‪" :‬ياـ‬
‫‪70‬‬
‫أنجـشـه رفـقاـ باـلقـوار يـر‪ "،‬وقـولـه‪" :‬أخاـف أن تصـف حجـم عـظاـمهاـ‪".‬‬
‫وأثاـرت مثـل هـذه الكلـماـت الجـديـدة تعـليـقاـت بـديعـة‪ ،‬فـقاـل الـشـر يـف‬
‫الـرضـي عـن قـولـه (عـليه الصلاة والسلام)‪:‬‬
‫"الآن حـمي الـوطـيـس" وهـذه اللفـظـة الأغـلَـبُ عـلـيهاـ إنهاـ مـن جـملـة‬
‫الأمثاـل مـن قـولـه (عـليه الصلاة والسلام)‪ ،‬وقـد شـرطناـ ألا ّ نـذكـر هـهـناـ ماـ‬

‫‪67‬‬
‫الـشـر يـف الـرضي‪ ،‬المجازات النبـو ية‪ ،‬ص‪.129.‬‬
‫‪68‬‬
‫الجاحظ‪ ،‬الحـيـوان‪ ،‬تحـقـيق عـبـد السلام محمـد هاـرون (القاهـرة‪ ،)1938 ،‬ج‪ ،1.‬ص‪.235.‬‬
‫‪69‬‬
‫راجـع الجاحظ‪ ،‬البياـن والتبـييـن‪ ،‬ج‪ ،2.‬ص‪16-15.‬؛ الحـيـوان‪ ،‬ج‪ ،1.‬ص‪235.‬؛ السيوطي‪ ،‬المـزهـر في علوم‬
‫اللغة وأنواعها‪ ،‬تحـقيـق محمـد أحمـد جاـد المـولى‪ ،‬علي محمد البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم (القاـهـرة‪ ،‬د‪.‬ت‪،).‬‬
‫ج‪ ،1.‬ص‪.201.‬‬
‫‪70‬‬
‫الـشـر يـف الـرضي‪ ،‬المجازات النبـو ية‪ ،‬ص‪.129 ،23.‬‬
‫أثـر الحـديـث فـى البـلاغـة العـربيـة ‪AÜİFD 56:1‬‬ ‫‪203‬‬

‫تلـك حاـلـه إلا ّ أن لهاـ بعـض الـدخـول فى باـب الاسـتـعاـرة‪ ،‬فـلـذلـك رأيـناـ‬
‫الإيـماـء إلـيهاـ والـتـنبـيـه عـلـيهاـ‪ .‬فـقـولـه (عـليه الصلاة والسلام)‪" :‬الآن حمـي‬
‫الـوطـيـس" وهـو يعـنـي حـمـس الحـرب وعـظـم الخطـب مجاـز؛ لأن الـوطيـس فى‬
‫كـلامهـم حـفـيـرة تحـتـفـر فـتـوقـد فـيهاـ الـناـر للإشـتـواء وتجـمـع عـلى "وُطُـس"‪ ،‬فـإذا‬
‫احـتـفـرت لإحـتـياـز فهـي "إرَو ٌ" وتُجـمـع عـلى "إر يـن"‪ ،‬ولا وطـيـس هـناـك عـلى‬
‫الحـقـيـقـة وإنـماـ الـمـراد ماـ ذكـرناـ مـن حـر ّ القـراع وشـدة المصاـع‪ ،71‬والـتـفاـت‬
‫‪72‬‬
‫الأبـطاـل واخـتـلاط الـرجاـل‪.‬‬

‫وقاـل ضياـء الـديـن بـن الأثيـر‪:‬‬


‫وهـذا لـم يُـسـم َـع مـن أحـد قـبـل رسـول اللـه (صلى اللـه عـليه وسلم)‪ ،‬ولـو أتـيناـ‬
‫بمجاـز غـيـر ذلـك فى معـناـه فـقـلـناـ‪" :‬إسـتـعـرت الحـرب لـماـ كاـن مـؤدّياـ مـن‬
‫المعـنـى ماـ يُـؤديـه "حمـي الـوطـيـس‪ ".‬والـفـرق بـيـنـهـماـ أن الـوطـيـس هـو الـتـنـور‪،‬‬
‫وهـو مـوطـن الـوقـود ومجـتـمـع الناـر‪ ،‬وذلـك يخـيـل الى الساـمـع أن هـناـك صـورة‬
‫شـبـيـهـة بصـورتـه فى حـمـيهاـ وتـوقـدهاـ‪ ،‬وهـذا لا يـوجـد فى قـولـناـ‪" :‬اسـتعـرت‬
‫‪73‬‬
‫الحـرب" أو ماـ جـرى مجـراه‪".‬‬

‫هـذا بعـض كـلام الـرسـول (صلى اللـه عـليه وسلم) مـماـ لـم يـنطـق بـه أحـد‪ ،‬وهـو‬
‫دلـيـل عـلى أثـره فى اللغـة العـربيـة وأساـلـيـبهاـ وتطـورهاـ‪ ،‬وقـد صـدق (عـليه الصلاة‬
‫والسلام) حـينـماـ قاـل‪" :‬أوتـيـتُ جَـوامـع الـكـلـم" أي‪ :‬أنـه أوتـي الـكـلـم الجـوامـع‬
‫للمعاـنـي ذوات الـدلالـة الـقـو يـة الـواضحـة والمـؤثـرة الـمـوحيـة‪ .‬ومـن ذلك قـولـه (عـليه‬
‫الصلاة والسلام)‪" :‬هـذه مكـة قـد رمـتكـم بِـأفـلاذ كـبـدهاـ‪ "،‬يـر يـد أن هـؤلاء‬
‫المـعـدوديـن صمـيـم قـر يـش ومحضهاـ ولـباـبهاـ وسـرهاـ‪ ،‬أو أنهـم أعـياـن الـقـوم‬
‫ورؤساـؤهـم‪ .‬وقـولـه‪" :‬بُـعِـثْـتُ فى نـَسَـ ِم الـساـعـة إ ْن كادت لَـتـسـبـقـنـي‪ "،‬يـر يـد أنـه‬

‫‪71‬‬
‫المصاـع ‪:‬الضـرب‪.‬‬
‫‪72‬‬
‫الـشـر يـف الـرضي‪ ،‬المجازات النبـو ية‪ ،‬ص‪.45-44.‬‬
‫‪73‬‬
‫ضياـء الـديـن بن الأثير‪ ،‬المثـل الساـئـر‪ ،‬ج‪ ،1.‬ص‪.50.‬‬
‫‪204‬‬ ‫‪Necati Avcı‬‬

‫بُـعِـثَ فى تـنفـيـس الـساـعـة أي فى أمـهاـلهاـ وتـأخـرهاـ‪ ،‬أو أن يكـون قـد جـعـل‬


‫ل لا يـتـوسـد الـقـرآن‪ "،‬يـر يـد‬
‫للـساـعـة نـفـساـ كـنـفـس الإنـساـن‪ .‬وقـولـه‪" :‬ذلـك رجـ ٌ‬
‫أنـه لا يـ ناـم عـن قـراءة الـقـرآن الـكـر يـم أو أنـه غيـر حاـفـظ لـكتاـب اللـه‪ .‬وقـولـه‪:‬‬
‫شـر ُُف الجُـونُ" أي الفِـتَـن المتـوقـعـة‪ .‬وقـولـه‪" :‬لـو يعـلـمـون ماـ‬
‫"قـد أناـخـت بكـم الـ ّ‬
‫يـكـون فى هـذه مـن الجـوع الأغـبـر ومـن الـمـوت الأحـمـر‪ "،‬وهـذه صـورة تـخـيـف‬
‫وتـرهـب‪ .‬وقـولـه‪" :‬الحـياـء نـظاـم الإيـماـن‪ ".‬وقـولـه‪" :‬أوثـق الـعـرى كـلـمـة الـتـقـوى‪".‬‬
‫وقـولـه‪" :‬الـناـس مـعاـدن" أي أنـه لا يُـحكـم عـلـى ظـواهـرهـم‪ .‬وقـولـه‪" :‬هـى لـيـلـة‬
‫ن قـمـرا يـفـضـحهاـ‪ ".‬وقـولـه‪" :‬لا تـمـشـوا عـلـى أعـقاـبكـم الـقهـقـري"‬
‫أضحـياـنـة كـأ ّ‬
‫أي لا تـرجـعـوا عـن ديـنـكـم ولا تـكـفـروا بـعـد إيـماـنـكـم فـتـكـونـوا كاـلـراجـع‬
‫عـلـى عـقـبـه‪ .‬وقـولـه‪" :‬حـبـك الـشـئ يـعـمـي و يـصـم‪ ".‬وقـولـه‪" :‬تـناـم عـيـناـيَ ولا‬
‫يـناـم قـلـبـي‪ ".‬وقـولـه‪" :‬الـكـلـمـة الحـكـيـمـة ضاـلـة الحـكـيـم حـيـثـماـ وجـدهاـ فـهـو‬
‫أحـقّ بهاـ‪ ".‬وقـولـه‪" :‬الـمجاـهـد من جاهـد نـفـسـه‪ ".‬وقـولـه‪" :‬الـشـباـبُ شُـعـبـة مـن‬
‫الجـنـون‪ ".‬وقـولـه‪" :‬الحـسـد يـأكـل الحـسـناـت كـماـ تـأكـل الـناـر الحـطـب‪ ".‬وقـولـه‪:‬‬
‫"اللهـم ألـم ُـم شَـعـثـناـ‪ ".‬وقـولـه‪" :‬أرى عـلـيـه سُـفـعـة مـن الـشـيـطان‪ ".‬وقـولـه‪" :‬مـعـتـرك‬
‫ن ذا الـوجـهـيـن لَخـلـيـق ألا ّ يـكـون‬
‫المـناـياـ بـيـن الـسـتـيـن والـسـبـعـيـن‪ ".‬وقـولـه‪" :‬إ ّ‬
‫عـنـد اللـه وجـيـهاـ‪ ".‬وقـولـه‪" :‬الصبـر عـنـد الصـدمـة الأولـى‪ ".‬وقـولـه‪" :‬والـذى نـفـسـي‬
‫بـيـده لا يـسـلـم عـبـد حـتى يـسـلـم قـلـبـه ولـساـنـه‪ ".‬وقـولـه‪" :‬لا تـعاـدوا الأياـم‬
‫فـتـعاـديـكـم‪".‬‬
‫ومـن طـلاوة كـلامـه وبـلاغـتـه وجـزالـتـه وقـصـره هـذه الكلـماـت‪ :‬قاـل رسـول‬
‫اللـه (صلى اللـه عـلـيـه وسـلـم)‪" :‬أمـرني ربي بـتـسـع‪ :‬خـشـيـة اللـه فى الـسـر والعـلانيـة‪،‬‬
‫وكلـمـة العـدل فى الغـضب والـرضا‪ ،‬والـقـصـد فى الـفـقـر والغـنى‪ ،‬وأن أصل مـن‬
‫قـطعـني‪ ،‬وأعـطي مـن حـر ّمني‪ ،‬وأعـفـوا مـن ظلمني‪ ،‬وأن يكـون صحـتي فكـرا‪ ،‬ونطقي‬
‫ذكـرا‪ ،‬ونـظـري عـبـرة‪ ".‬وهـذا الـكـلام وإن كان وجـيـزا فـدلالاتـه شاـملـة واسعـة‪.‬‬
‫أثـر الحـديـث فـى البـلاغـة العـربيـة ‪AÜİFD 56:1‬‬ ‫‪205‬‬

‫حاـصـل الـكـلام‪:‬‬
‫هـذه الأحاـديـث الـشـر يـفـة مـن جـوامـع الـكـلـم‪ ،‬وهى مـن الأمثاـل الـتى‬
‫تـتـردد‪ ،‬والـعـباـرات الـتى يـسـتـشـهـد بهاـ فى الـمـواقـف‪ ،‬و يـرجـع إلـيـهاـ فى الحكـمـة‬
‫والـبـياـن‪.‬‬
‫ن هـذه الـروعـة العـظـيـمـة والـسـحـر المـؤثـر والمعـنى الـبـديـع واللـفـظ الـرقـيـق‪،‬‬
‫إ ّ‬
‫دفـعـت الـناـس الى حـفـظ الحـديـث الـشـر يـف والـعـمـل بـه والـتـمـثـل بـروائـعـه‬
‫والا سـتـشـهاـد بـبـلاغـتـه وفـصاحـتـه‪ ،‬وبـذلـك لـم يـكـن الاعـتـماـد عـلـيـه لـكـونـه‬
‫كـلام رسـول اللـه فـحـسـب‪ ،‬وإنـماـ لأنـه أرفـع كـلام عـرفـه العـرب بعـد كـلام اللـه‬
‫تعاـلى‪ .‬ومـن أجـل ذلـك كاـن أحـد آلات أو قـل أساـلـيـب عـلـم الـبـياـن وأدواتـه‪،‬‬
‫وكاـن الـشاـهـد الـبـلاغي الـرفـيـع‪ ،‬وكاـن لـه تـأثـيـر فى حـياـة العـرب ولـغـتهـم‬
‫طـوال الـقـرون‪ .‬وإن أحاـديـث الـرسـول (عـليه الصلاة والسلام) قـد دفعـت الـبـلغاـء‬
‫مـن العـرب إلى الإمعاـن فى مضامـيـنهاـ‪ ،‬وإلى الـتـأثـر بهاـ ودراسـتهاـ‪ ،‬واسـتـنـباـط‬
‫الأحكاـم والـقـواعـد الـبـلاغـيـة منهاـ؛ وباـلـتاـلي إلى الـتـمـثـل بهاـ‪ .‬ولـولا هـذه‬
‫الأمـثـلـة لـماـ تـطـورت الـبـلاغـة إلى ماـ عـلـيهاـ الآن‪.‬‬

‫المصاـدر‬

‫ابن أبي الإصبع المصري‪ ،‬عبد العظيم بن عبد الواحد‪ .‬تحـر يـر التحبيـر فى صناعـة الشعـر والنثـر‬
‫وبياـن إعجاز القـرآن‪ .‬تحـقيـق حفني محمـد شـرف‪ .‬القاهـرة‪ :‬المجلس الأعلى للشئون‬
‫الإسلامية‪ ،‬لجنة إحياء التراث الإسلامي‪1383 ،‬هـ‪1963/‬م‪.‬‬
‫ابـن الأثيـر‪ ،‬ضياـء الـديـن نصر الل ّه بن محمد‪ .‬المثـل الساـئـر فى أدب الـكاـتـب والشاـعـر‪.‬‬
‫تحـقيـق محمـد محيي الـديـن عـبـد الحمـيـد‪ .‬القاـهـرة‪ :‬مطبعة مصطفى البابي الحلبي‬
‫وأولاده‪1358 ،‬هـ‪1939/‬م‪.‬‬
‫ابـن الأثـيـر الحلبي‪ ،‬نجـم الـديـن أحمـد بـن إسـماـعـيـل‪ .‬جـوهـر الـكنـز‪ :‬تلخيص كنز البراعة في‬
‫أدوات ذوي اليراعة‪ .‬تحقيـق محمـد زغـلـول سـلام‪ .‬الإسـكنـدر يـة‪ :‬منشأة المعارف‪،‬‬
‫د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪206‬‬ ‫‪Necati Avcı‬‬

‫ابـن عـبـد ربـه‪ ،‬أحمد بن محمد الأندلسي‪ .‬الـعـقـد الـفـر يـد‪ .‬الـقاـهــرة‪1293 ،‬هـ‪.‬‬
‫الجاحظ‪ ،‬عـمـرو بن ححـر‪ .‬البيان والـتبييـن‪ .‬تحـقيـق عـبـد السلام محمـد هارون‪ .‬القاهـرة‪ :‬مطبعة‬
‫لجنة التأليف والترجمة والنشر‪1369-1367 ،‬هـ‪1950-1948/‬م‪.‬‬
‫‪ .----------‬الحـيـوان‪ .‬تحقـيـق عـبـد السـلام محمـد هاـرون‪ .‬القاـهـرة‪ :‬مكتبة مصطفى البابي‬
‫الحلبي‪1363-1356 ،‬هـ‪1945-1938/‬م‪.‬‬
‫الجارم‪ ،‬عـلي ومصطفى أمين‪ .‬البلاغـة الـواضحة‪ .‬القاهـرة‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫الحلبي‪ ،‬شـهاب الـديـن محمـود بن سليمان‪ .‬حسـن التـوسـل الى صناـعـة التـرسـل‪ .‬تحـقـيـق أكـرم‬
‫عـثماـن يـوسـف‪ .‬بغـداد‪ :‬وزارة الثقافة والإعلام؛ دار الرشيد‪.1980 ،‬‬
‫الحمـوي‪ ،‬ياـقـوت بن عبد الل ّه‪ .‬معـجم الأدباـء‪ .‬القاـهـرة‪.1980 ،‬‬
‫ز يـدان‪ ،‬جـرجـي‪ .‬تار يـخ آداب اللغـة الـعـربية‪ .‬الـقاـهـرة‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫الـز ياـت‪ ،‬أحمـد حسـن‪ .‬تاـر يـخ الأدب العـربي‪ .‬القاـهـرة‪.1959 ،‬‬
‫السـيـوطي‪ ،‬جـلال الـديـن عبد الرحمن بن أبي بكر‪ .‬شـرح عـقـود الجماـن فى عـلـم المعاـني‬
‫والبياـن‪ .‬القاـهـرة‪ :‬مكتبة مصطفى البابي الحلبي‪1358 ،‬هـ‪1939/‬م‪.‬‬
‫‪ .----------‬المـزهـر في علوم اللغة وأنواعها‪ .‬تحـقيـق محمـد أحمـد جاـد المـولى‪ ،‬علي محمد البجاوي‬
‫ومحمد أبو الفضل إبراهيم‪ .‬الطبعـة الثاـلثـة‪ .‬القاـهـرة‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫الشـر يـف الـرضي‪ ،‬محمد بن الحسين الموسوي العلوي‪ .‬المجاـزات النبـو يـة‪ .‬تحـقيـق محمـود مصطفى‪.‬‬
‫القاـهـرة‪ :‬مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده‪1356 ،‬هـ‪1937/‬م‪.‬‬
‫العـسـكـري‪ ،‬أبـو هلال الحسن بن عبد الل ّه‪ .‬كتاـب الصناـعـتيـن‪ :‬الكتابة و الشعر‪ .‬تحـقيـق عـلى‬
‫محمـد البجاـوي ومحمـد أبـو الـفضـل إبـراهـيـم‪ .‬القاـهـرة‪ :‬دار إحياء الـكتب العربية‪،‬‬
‫‪1371‬هـ‪1952/‬م‪.‬‬
‫العلـوي‪ ،‬يحيـى بـن حمـزة‪ .‬الطـراز المتـضمـن لأسـرار البـلاغـة وعـلـوم حقاـئـق الإعجاـز‪.‬‬
‫القاـهـرة‪ :‬دار الـكتب الخديو ية‪1332 ،‬هـ‪1914/‬م‪.‬‬
‫الفاـخـوري‪ ،‬حناـ‪ .‬الجاـحـظ‪ .‬بيـروت‪.1953 ،‬‬
‫الـقـزويني‪ ،‬جـلال الـديـن محمد بن عبد الرحمن الخطيـب‪ .‬الإيضاح في علوم البلاغة‪ .‬تحـقيـق‬
‫جماعـة من عـلماء الأزهـر‪ .‬القاهـرة‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬

You might also like