Professional Documents
Culture Documents
كتاب النيات
كتاب النيات
يف النيات
في بياف حقيقة النية وكيفيتها وتكثيرىا
والحكايات تتعلق بها
اعتناء
الفقير الحقير ذي الخذالف أبي محمد نوفل البناري
غفر اهلل لو ولوالديو ولمشايخو ولجميع المسلمين
آمين
يطلب من :
المعهد اإلسالمي السلفي مفتاح الهدى
راكوكالمفيتاف -باتي أليت – جفارا – جاوى الوسطى
1
الحمد هلل رب العالمين ،والصالة والسالـ على أشرؼ األنبياء والمرسلين
سيدنا محمد النبي األمي وعلى آلو وصحبو أجمعين ،أما بعد :
فهذا الكتاب الذي بأيدينا فيو ما يحتاج إليو كل مسلم في حياتو ألنو يشتمل
على مسائل النية التي ىي أساس األعماؿ ،وبها تزكو جميع األفعاؿ ،وال يرفع
عمل إلى اهلل تعالى إال بالنية .وعن عمر بن الخطاب رضي اهلل عنو قاؿ :سمعت
اؿ بِالنِّػيَّات َ ،وإِنَّ َما لكل اِ ْم ِر ٍئ َما
رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم يقوؿ « :إِنَّ َما األَ ْع َم ُ
تت ِى ْج َرتُوُ إِلَى اللَّوِ َوَر ُسولِ ِو فَ ِه ْج َرتُوُ إِلَى اللَّوِ َوَر ُسولِ ِو َ ،وَم ْن َكانَ ْ نَػ َوى ،فَ َم ْن َكانَ ْ
اج َر إِلَْي ِو ». ٍ ِ ِ ِ
ى ْج َرتُوُ ل ُدنْػيَا يُصيبُػ َها أَ ِو ْام َرأَة ينك ُح َها فَ ِه ْج َرتُوُ إِلَى َما َى َ
واعلم أيها الناظر على ىذا الكتاب :أنو ليس لي فيو إال النقل من كالـ العلماء
األخيار ،ومعظم مواد ىذا الكتاب مقتبس من كتاب األربعين في أصوؿ الدين
للغزالي والمنهج السوى للحبيب زين بن إبراىيم بن سميط وغيرىما ،باإلختصار ،
فمن أراد معرفة مسائل النية مفصلة فلينظر في ىذين الكتابين المذكورين .
والمقصود من ىذا الكتاب تنبيو للطالبين القاصرين كأمثالي على حسن النية
وإرادة وجو اهلل تعالى في جميع أعمالهم ( .اللهم أصلح نياتنا ومقاصدنا) .
والمرجو من اهلل تعالى أف يجعل سعينا خالصا لوجهو الكريم ،وأف ينفع بهذا
الكتاب النفع العميم ،إنو ىو السميع العليم ،وال حوؿ وال قوة إال باهلل العلي
العظيم .
الباب األوؿ
حقيقة النية
2
حقيقة النية ىي :اإلرادة الباعثة للقدرة المنبعثة عن المعرفة .وبيانو :
أف جميع أعمالك ال تصح إال بقدرة وإرادة وعلم .والعلم يهيج اإلرادة
واإلرادة باعثة للقدرة والقدرة خادمة اإلرادة بتحريك األعضاء .
مثالو :أنو خلق فيك شهوة الطعاـ ،إال أنها قد تكوف فيك راكدة
كأنها نائمة ،وإذا وقع بصرؾ على طعاـ حصلت المعرفة بالطعاـ ،
فانتهضت الشهوة للطعاـ ،فامتدت إليو اليد ،وإنما امتدت اليد بالقوة التي
فيها المطيعة إلشارة الشهوة ،وانتهضت الشهوة بحصوؿ المعرفة
المستفادة من طليعة الحس .وكما خلق فيك شهوة إلى األشياء الحاضرة ،
خلق فيك أيضا ميل إلى اللذات اآلجلة ،ينتهض ذلك الميل بإشارة المعرفة
الحاصلة من العقل
والقدرة أيضا تخدـ ىذا الميل بتحريك األعضاء ،فالنية عبارة عن
الميل الجازـ الباعث للقدرة ،والذي يغزو قد يكوف الباعث لو ميال إلى
الماؿ فذلك نيتو ،وقد يكوف الباعث ميال إلى ثواب اآلخرة فذلك نيتو ،
فإذا ،النية عبارة عن اإلرادة الباعثة ،ومعنى إخالصها :تصفية الباعث عن
الشوب. 1
4
قبل تحققها حديث نفس ال نية .فمن وطئ لغلبة شهوة الوقاع من أين ينفعو
قولو :نويت الوطء لحراثة الولد وتكثير عدد من بو المباىاة ،ال تظفر
بانبعاث ىذه النيات من قلبك إال إذا قوي إيمانك وتمت معرفتك بحقارة
الحظوظ العاجلة وعظم ثواب اآلخرة ،حتى إذا غلب ذلك عليك انبعث
منك الرغبة ضرورة في كل ما ىو وسيلة إلى ثواب اآلخرة ،وإف لم ينبعث
فال نية لك .
ولمثل ىذا توقف السلف في جملة من الخيرات ،حتى روي أف
محمد بن سيرين لم يصل على جنازة الحسن البصري ،وقاؿ :ليس
يحضرني النية .وقيل لطاوس :أدع لنا ،فقاؿ :حتى أجد لو نية .وقاؿ
بعضهم :أنا في طلب نية لعيادة رجل منذ شهر ،فما صحت لي نية بعد .
ومن عرؼ حقيقة النية وعلم أنها روح العمل ،فال يتعب نفسو بعمل
ال روح لو ،ويػ حقق ذلك أف المباح قد يصير أفضل من العبادة إذا حضرت
فيو نية ،فمن لو نية في األكل والشرب ليقوى على العبادة ،وليس تنبعث
لو نية الصوـ في الحاؿ ،فاألكل أولى لو ،ومن مل من العبادة ،وعلم أنو
لو ناـ عاد نشاطو ،فالنوـ أفضل لو ،بل لو علم مثال أف الترفو – بدعابة
وحديث مزاح في ساعة – يرد نشاطو ،فذلك أفضل من الصالة مع المالؿ
5
،قاؿ صلى اهلل عليو وسلم ( :إف اهلل ال يمل حتى تملوا) . 2وقاؿ أبو
الدرداء :إني ألستجم 3نفسي بشيء من اللهو ،فيكوف ذلك عونا لي على
الحق .وقاؿ علي كرـ اهلل وجهو :روحوا النفوس ،فإنها إذا أكرىت
عييت. 4
الباب الثاني
ال عمل إال بالنية
2قولو ( :ال ديل حىت متلوا) ،معناه :أن اهلل ال ديل أبدا مللتم أو مل متلوا ،وقيل :إن اهلل ال يرتك
الثواب عنكم حىت ترتكوا عبادتو ،فإن من مل شيئا تركو .
3يقال :استجم نفسو :أراحها
4كتاب األربعني يف أصول الدين لإلمام أيب حامد حممد بن حممد الغزايل ص 165-161حبدف
6
تت ِى ْج َرتُوُ إِلَى اللَّ ِو َوَر ُسولِ ِو فَ ِه ْج َرتُوُ إِلَى اللَّ ِو َوَر ُسولِ ِو َ ،وَم ْن َكانَ ْ
فَ َم ْن َكانَ ْ
اج َر إِلَْي ِو ». ٍ ِ ِ ِ
ى ْج َرتُوُ ل ُدنْػيَا يُصيبُػ َها أَ ِو ْام َرأَة ينك ُح َها فَ ِه ْج َرتُوُ إِلَى َما َى َ
قاؿ سيدنا اإلماـ عبد اهلل بن علوي رضي اهلل عنو :وخص الهجرة
عليو الصالة والسالـ من بين سائر األعماؿ ،تنبيها على الكل بالبعض ،
ألف المعلوـ عند أولى األفهاـ أف اإلخبار ليس خآصا بالهجرة ،بل ىو عاـ
في جميع شرائع اإلسالـ .انتهى .
قاؿ اإلماـ النووي رحمو اهلل :وىذا الحديث من أصوؿ اإلسالـ ،
مجمع على عظيم موقعو وجاللتو ،وىو إحدى قواعد اإليماف وأوؿ دعائمو
.قاؿ الشافعي رحمو اهلل :يدخل في ىذا الحديث سبعوف بابا من الفقو ،
وقاؿ أيضا :ىو ثلث العلم .وقد ابتدأ بو إماـ أىل الحديث بال مدافعة :
أبو عبد اهلل البخاري في صحيحو ،ونقل جماعة أف السلف كانوا يستحبوف
افتتاح الكتب بهذا الحديث ،تنبيها للطالب على حسن النية وإرادة وجو
اهلل تعالى في جميع أعمالو :البارزة والخفية .انتهى .
وقاؿ اإلماـ السيوطي رحمو اهلل في (األشباه والنظائر) :اعلم أنو قد
تواتر النقل عن األئمة في تعظيم قدر حديث النية .قاؿ أبو عبيدة :ليس
في أخبار النبي صلى اهلل عليو و سلم شيء أجمع وأغنى وأكثر فائدة منو .
واتفق اإلماـ الشافعي وأحمد بن حنبل وابن مهدي وابن المديني وأبو داود
7
والدارقطني وغيرىم على أنو ثلث العلم ،ووجو البيهقي كونو ثلث العلم :
بأف كسب العبد يقع بقلبو ولسانو وجوارحو ،فالنية أحد أقسامها الثالثة
وأرجحها ألنها قد تكوف عبادة مستقلة وغيرىا يحتاج إليها ومن ثم ورد :
5
(نية المؤمن خير من عملو)
وقاؿ رحمو اهلل في موضع آخر من الكتاب المذكور :وقد قيل في
قولو صلى اهلل عليو وسلم ( :نية المؤمن خير من عملو) :إف المؤمن يخلد
في الجنة وإف أطاع اهلل مدة حياتو فقط ألف نيتو أنو لو بقي أبد اآلباد
الستمر على اإليماف ،فجوزي على ذلك بالخلود في الجنة ،كما أف
الكافر يخلد في النار وإف لم يعص اهلل إال مدة حياتو فقط ،ألف نيتو الكفر
ما عاش .وعن الحسن البصري :إنما خلد أىل الجنة في الجنة وأىل النار
في النار بالنيات .انتهى كالـ السيوطي .
قيل :إف دخوؿ الجنة بثالثة أشياء ،ودخوؿ النار بثالثة أشياء ،أما
ثالثة الجنة :فدخولها برحمة اهلل ،واستحقاؽ منزلػ ػػها باألعماؿ ،والخلود
5قولو ( :نية املؤمن خري من عملو) أى أن أجره يف نيتو أكثر من أجر عملو ،ألن القول والعمل
يدخلهما الفساد أى العجب والرياء ،والنية ال يدخلها (ىامش كتاب األربعني ص )162
8
فيها لنية عدـ مفارقة اإليماف .وكذا ثالثة النار :فدخولها بعدؿ اهلل ،
واستحقاؽ منزلػ ػػها باألعماؿ ،والخلود فيها لنية عدـ مفارقة الكفر. 6
وأفاد سيدنا اإلماـ العارؼ باهلل عيدروس بن عمر الحبشي رضي اهلل
عنو – على قولو صلى اهلل عليو وسلم ( :نية المؤمن خير من عملو) : -أف
النية من أعماؿ القلب ،وأعماؿ القلب أتم وأكمل من أعماؿ الجوارح ،
وتكوف ىذه المخايرة عند اجتماع العمل والنية ،وأما مع خلو العمل عن
النية فهو ال شيء ،والنية بال عمل -وإف كاف لها فضل – فهو بالنسبة
إلى من لم يكن لو نية وال عمل ،وأما العمل المقروف بالنية فال لحوؽ للنية
المفردة بو ،فضال عن أف تكوف خيرا منو ،واإلستشهاد بهذا الحديث –
عند فوات العمل بهذا اإلعتبار – في غير محلو .انتهى
الفصل الثالث
النية مناط الجزاء
11
نبيهم :قل لو :إف اهلل تعالى قد قبل صدقتك وشكر حسن نيتك ،وأعطاؾ
ثواب ما لو كاف طعاما فتصدقت بو .انتهى .
ت رس َ ِ ِ
صلَّى اللَّوُ وؿ اللَّو َ وعن زيد بن ثابت رضي اهلل عنو قاؿ َ :سم ْع ُ َ ُ
الدنْػيَا َى َّموُ فَػ َّر َؽ اللَّوُ َعلَ ْي ِو أ َْم َرهُ َ ،و َج َع َل فَػ ْق َرُه
ت ُّ َعلَ ْي ِو َو َسلَّ َم يَػ ُق ُ
وؿ َ ( :م ْن َكانَ ْ
الدنْػيا إَِّال ما ُكتِب لَو ،ومن َكانَ ْ ِ ِِ ِ ِ
ت ْاآلخ َرةُ نِيَّتَوُ َ ُ ََ ْ َ بَػ ْي َن َع ْيػنَػيْو َ ،ولَ ْم يَأْتو م ْن ُّ َ
الدنْػيا و ِىي ر ِ ِ ِ ِِ
اغ َمةٌ)َج َم َع اللَّوُ لَوُ أ َْم َرهُ َ ،و َج َع َل غنَاهُ في قَػلْبو َوأَتَػتْوُ ُّ َ َ َ َ
المنقطع عن الجماعة لعذر من أعذارىا ،إذا كانت نيتو حضورىا لوال
العذر ،يحصل لو ثوابها كما اختاره في الكفاية ونقلو عن التلخيص
للروياني قاؿ في المهمات ونقلو في البحر عن القفاؿ وارتضاه وجزـ بو
الماوردي في الحاوي والغزالي في الخالصة وىو الحق انتهى .واختار
السبكي :أف معتاد الجماعة إذا تركها لعذر يحصل لو أجرىا ،قاؿ ابنو في
التوشيح :ىذا أبلغ من قوؿ الروياني من وجو ،ودونو من وجو فأبلغ من
جهة أنو لم يشترط فيو القصد بل اكتفى بالعادة السابقة ،ودونو من جهة أنو
اشترط فيو العادة ،وممن اختار ذلك البلقيني أيضا والمصحح في شرح
المهذب :أنو ال يحصل لو األجر ،ولكن المختار األوؿ ،واألحاديث
الصحيحة تدؿ لذلك .انتهى .من كتاب "األشباه والنظائر" لإلماـ
السيوطي .
12
كاف بعض الصحابة تخلف عن غروة بدر كعثماف بن عفاف وطلحة بن
عبيد اهلل وسعيد بن زيد رضي اهلل عنهم ،لكنهم يعدوف من حضرىا وضرب
لهم النبي صلى اهلل عليو وسلم بسهمهم لعذرىم ،وبهذا استدؿ العلماء عن
أنو من تخلف عن حضور مجلس خير لعذر يحصل لو ثواب الحضور. 8
العذر إنما معناه :سقوط الحرج عن المعذور ،وقد حصل الثواب
مع إسقاط الحرج لمن كاف عذره صادقا وىو يود أنو لو استطاع الحضور
بأي ممكن لحضر ويقع في قلبو لعدـ حضوره حزف وتعب على ما فاتو من
طاعة ربو وتعظيم حرمتو. 9
12أي ملتبس بإمث مثل إمث الزاين ،والزاين يف النار (فيض القدير ج 3ص )181
11أي حيشر يف زمرة السارقني وجيازى جبزائهم .فيض القدير ج 3ص )181
14
ويعتقد أنها أجنبية وأنو زاف بها ،فإذا ىي حليلتو ،أو قتل من يعتقده
معصوما فباف أنو يستحق دمو ،أو أتلف ماال لغيره فباف ملكو
قاؿ الشيخ عز الدين :يجري عليو حكم الفاسق لجرأتو على اهلل ألف
العدالة إنما شرطت لتحصيل الثقة بصدقو وأداء األمانة وقد انخرمت الثقة
بذلك لجرأتو الرتكاب ما يعتقده كبيرة .قاؿ :وأما مفاسد اآلخرة فال
يعذب تعذيب زاف وال قاتل وال آكل ماال حراما ألف عذاب اآلخرة مرتب
على ترتب المفاسد في الغالب كما أف ثوابها مرتب على ترتب المصالح في
الغالب .قاؿ :والظاىر أنو اليعذب تعذيب من ارتكب صغيرة ألجل جرأتو
وانتهاؾ الحرمة بل عذابا متوسطا بين الصغيرة والكبيرة .وعكس ىذا :من
وطئ أجنبية وىو يظنها حليلة لو ال يترتب عليو شيء من العقوبات
المؤاخذات المترتبة على الزاني اعتبارا بنيتو ومقصده .انتهى من األشباه
والنظائر
15
إال كذلك ،فمنهم من كاف يؤثر البذاذة وخشونة العيش واللباس إذا كانت
نفسو لها حظ في خالفو ولم يجد لو فيو نية صالحة ،ومنهم من يجد لو نية
صالحة ،واألعماؿ بالنية .
ومما يستند إليو من يؤثر البذاذة وخشونة العيش واللباس قولو صلى
اهلل عليو وسلم (البذاذة من اإليماف) ،وقولو صلى اهلل عليو وسلم في
الحديث الحسن ( :من تَػر َؾ اللِّباس تَػو ُ ِ
اض ًعا للَّ ِو َو ُى َو يَػ ْق ِد ُر َعلَْي ِو َد َعاهُ اللَّوُ َ َْ َ َ
ِ وس ال َ ِ يَػ ْوَـ ال ِْقيَ َام ِة َعلَى ُرءُ ِ
س َها) ْخالَئ ِق َحتَّى يُ َخيِّػ َرهُ م ْن أَي ُحلَ ِل الجنة َش َ
اء يَػلْبَ ُ
،ثم قاؿ :وأما الذين فعلوا خالؼ ذلك وحسنت نياتهم فإنهم أرادوا إظهار
الشكر هلل تعالى ،لقولو صلى اهلل عليو وسلم ( :إِ َّف اللَّوَ يُ ِح َّ
ب أَ ْف َيرى أَثَر
يل يُ ِح ُّ ِ َّ ِ ِِ ِ ِِ
ب ن ْع َمتو َعلَى َع ْبده ) ،وقاؿ صلى اهلل عليو وسلم ( :إ َّف اللوَ َجم ٌ
ب النَّظَافَةَ) إف اللَّوَ نَ ِظ ٌ
يف يُ ِح ُّ اؿ) ،وفي رواية َّ ( :
ْج َم َ
ال َ
وحاصلو :أف األوؿ محموؿ على من آثر ذلك للتواضع واإلقتداء
بالسلف ،والثاني على من قصد بو إظهار نعمة اهلل تعالى عليو ،وكال
األمرين إذا كاف بنية حسنة فهو حسن ،واألعماؿ بالنية .انتهى .
وقاؿ ابن القيم في "الهدي" :قاؿ بعض السلف :كانوا يكرىوف
الشهرتين من الثياب :العالي والمنخفض .وفي السنن عن ابن عمر ،يرفعو
إلى النبى صلى اهلل عليو وسلم ( :من لبس ثوب شهرة ألبسو اهلل يوـ القيامة
16
ثوب مذلة ثم يتلهب فيو في النار) ،وىذا لمن قصد بو اإلختياؿ والفخر ،
فعاقبو اهلل بنقيض ذلك فأذلو ،كما عاقب من أطاؿ ثيابو خيالء بأف خسف
بو األرض فهو يتجلجل فيها إلى يوـ القيامة .
وفي الصحيحين عن ابن عمر قاؿ :قاؿ رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو
وسلم ( :من جر ثوبو خيالء لم ينظر اهلل إليو يوـ القيامة) قاؿ :وكذلك
لبس الدني من الثياب يذـ في موضع ويحمد في موضع ،فيذـ إذا كاف
شهرة وخيالء ،ويمدح إذا كاف تواضعا واستكانة كما أف لبس الرفيع من
الثياب يذـ إذا كاف تكبرا وفخرا وخيالء ،ويمدح إذا كاف تجمال وإظهارا
لنعمة اهلل ،ففي صحيح مسلم مرفوعا ( :ال يدخل الجنة من كاف في قلبو
مثقاؿ حبة خردؿ من كبر) ،فقاؿ رجل :يا رسوؿ اهلل :إني أحب أف يكوف
ثوبي حسنا ونعلي حسنة أفمن الكبر ذاؾ ؟ فقاؿ :ال ،إف اهلل جميل يحب
الجماؿ ،الكبر بطر الحق وغمط الناس )
قلت :فعلم مما مر أف اإلنساف حسب ما نوى يثاب ويجزى :إف
خيرا فخيرا وإف شرا فشرا ،فمن حسنت نيتو حسن عملو ،ومن خبثت نيتو
خبث عملو ،فاعلم ذلك وافهم .
ومن حكم سيدنا اإلماـ القطب عبد اهلل الحداد رضي اهلل عنو :من
أصلح نيتو بلغ أمنيتو ،وإذا صلحت المقاصد لم يخب القاصد .
17
الباب الرابع
في قلب المباحات إلى طاعات باقترانها بالنيات الصالحات
ذكر العلماء أف النية الصالحة تقلب العادة إلى عبادة ،فإذا احترؼ
اإلنساف حرفة بقصد التعفف عن الحراـ ،واإلنفاؽ على أىلو وعيالو ،أو
أكل أو شرب بقصد التقوي على طاعة اهلل ،كاف عملو عبادة يثاب عليها .
ك لَن تُػنْ ِف َق نَػ َف َقةً إِالَّ أ ِ
ت
ُج ْر َ واألصل في ذلك قولو صلى اهلل عليو وسلم ( :إِنَّ َ ْ
ك) ،وقولو صلى اهلل عليو وسلم : ض ُع َها في فِي ْام َرأَتِ َفِ َيها َحتَّى اللُّ ْق َمة تَ َ
ص َدقَةٌ)... ض ِع أ ِ ِ
َحد ُك ْم َ( َوفى بُ ْ َ
سئل سيدنا العارؼ باهلل عيدروس بن عمر الحبشي رضي اهلل عنو ،
عن قوؿ بعض السلف الصالح :إني لم أفعل مباحا مدة عمري ،أو نحو
ىذا ،وىو مع ذلك ال بد لو مما ىو من لوازـ البشر من أكل أو شرب
ونحو ذلك من ضروريات اإلنساف ما بقي في ىذه الحياة .
فأجاب :بأنو يتناوؿ من األمور البشرية ما يتناولو غيره ،ولكن يقلب
ذلك بالنية الصالحة إلى حيز القربات ،ويخرجو من قسم المباحات إلى
الطاعات ،فقد قلب عين المباحات طاعات وقربات ،فهذا ىو القلب
18
لألعياف الذي تتفاخر بو أكابر األعياف ،ال قلب الحجر ذىبا أو فضة .
تكوف الدنيا بأسرىا لو صارت ذىبا أو فضة فهي فانية وما عليها فاف ،وأما
من منحو اهلل ىذه العطية والموىبة الكبرى السنية ،وىو قلب المباحات
ات َخ ْيػ ٌر ِعنْ َد
الصالِ َح ُ طاعات ،فذلك من الباقيات الصالحات َ ( ،والْبَاقِيَ ُ
ات َّ
ك ثَػ َوابًا َو َخ ْيػ ٌر أ ََمال) ( الكهف . )46:أو كما قاؿ .
َربِّ َ
قاؿ سيدنا القطب الشيخ اإلماـ عبد اهلل بن علوي الحداد رضي اهلل
عنو :األمور المباحة ينبغي أف يتحرى لها اإلنساف نية ،فإف لم يجدىا من
نفسو فليسأؿ عنها أىل العلم المأمونين ،وأخبره بأمرؾ الذي تريد فعلو من
بناء دار أو خلع نخل وغير ذلك ،وكانوا يتحروف النية ويتعلمونها كما يتعلم
الصغار القرآف .انتهى .
قاؿ سيدنا اإلماـ أحمد بن حسن العطاس رضي اهلل عنو :ينبغي لمن
أراد أف يباشر أمرا دنيويا ،كحراثة أرض أو سفر لطلب معيشة أو بناء ،أف
ينوي بو العوف على الطاعة والخير ،ليثاب عليها وتتيسر أموره ويدخل في
جملة القربات ال مجرد التلذذ والراحة ونحوىما ،والعادة تنقلب عبادة
بالنية .انتهى
ومن كالـ سيدنا اإلماـ الحبيب محمد بن زين بن سميط نفع اهلل بو :
حقيقة الدنيا كل شيء لم يرد بو وجو اهلل تعالى والدار اآلخرة ،وإف كانت
19
صورتو عبادة فهي بالحقيقة دنيا ،حيث لم يقصد بو وجو اهلل عز وجل .
ْحيَاةِ ُّ
الدنْػيَا َواط َْمأَنُّوا ين َال يَػ ْر ُجو َف لِ َقآ َءنَا َوَر ُ
ضوا بِال َ
َّ ِ
قاؿ اهلل تعالى ( :إِ َّف الذ َ
ين ُى ْم َع ْن آَيَاتِنَا غَافِلُو َف) (يونس . )7 :وقاؿ تعالى في اآلية ِ َّ ِ
ب َها َوالذ َ
ادةِ
صالِ ًحا َوال يُ ْش ِر ْؾ بِ ِعبَ َ ِ ِ
األخرى ( :فَ َم ْن َكا َف يَػ ْر ُجوا ل َقآ َء َربِّو فَػلْيَػ ْع َم ْل َع َمال َ
َح ًدا) (الكهف . )110 :ثم قاؿ رضي اهلل عنو :فمن صح قصده في ِ
َربِّو أ َ
كل ما يتناولو ويتعاطاه من أمر الدنيا التقوى بو على طاعة اهلل سبحانو
واإلستعانة على محابو ومراضيو ،فقد انتفى عن طلب الدنيا المذمومة شرعا
،وانقلب ذلك بنيتو آخرة ،فقد علم بذلك أف الدنيا واآلخرة ىما قصد
اإلنساف فقط ،فقصده بما يتعاطاه هلل تعالى ىي اآلخرة كائنا ذلك ما كاف ،
وقصده بذلك التمتع من غير اهلل عز وجل ىي الدنيا .انتهى
قاؿ سيدنا اإلماـ أحمد بن حسن العطاس نفع اهلل بو :لإلنساف في
اليوـ والليلة أربعة وعشروف ألف نفس ،في كل ساعة ألف نفس ،فإذا نوى
أف يطيع اهلل فيها صارت أعمالو كلها صالحة ،وإذا نوى أف يعصي اهلل فيها
صارت أعمالو كلها فاسدة .
وقاؿ سيدنا اإلماـ عبد اهلل بن علوي الحداد رضي اهلل عنو :الناس
في طلب الدنيا على أربعة أقساـ :طالب يطلبها على نية الخير واإلستعانة
بها عليو ،وطالب يطلبها للتمتع بالمباحات والشهوات ،وطالب يطلبها
21
للتوصل بها المعاصي ،إما على اإلنفراد وإما مع غيرىا ،وطالب يطلب
لذاتها ،وىذا من الشياطين .انتهى
الباب الخامس
في مسائل شتى في النية
األولى :لو نوى مع العبادة غيرىا ،كسفر الحج والتجارة ،أو نوى
الوضوء أو الغسل والتبرد ،أو نوى الصوـ والتداوي ونحو ذلك ،فالذي
اختاره ابن عبد السالـ أنو ال أجر لو مطلقا تستاوى القصداف أـ ال .واختار
الغزالي اعتبار الباعث على العمل ،فإف كاف القصد الدنيوي ىو الباعث لم
يكن فيو أجر ،وإف كاف الديني أغلب كاف لو األجر بقدره ،وإف تساويا
تساقطا .واختار ىذا القوؿ أيضا السيوطي كما في كتابو " األشباه" ،قاؿ :
ففي "الصحيح" وغيره أف الصحابة تأثػموا أف يتجروا في المواسم بمنى ،
ض ًال ِم ْن َربِّ ُك ْم) (البقرة )198 :في
اح أَ ْف تَػبْتَػغُوا فَ ْ
س َعلَ ْي ُك ْم ُجنَ ٌ
فنزلت ( :لَْي َ
موسم الحج .انتهى
قلت :واعتمد ابن حجر الهيتمي من المتأخرين ،حصوؿ الثواب
بقدر النية مطلقا قل أو ساوى أو غلب .واهلل سبحانو وتعالى أعلم .
21
الثانية :سئل سيدنا اإلماـ العارؼ باهلل عيدروس بن عمر الحبشي
رضي اهلل عنو ونفع بو عن التحية والسالـ المعتاد من الناس على بعضهم ،
واإلجابة عليو :أنهما قد يكوناف مع غفلة عن مشروعيتهما ويكوناف على
جهة العادة ،ويدخل في ىذا الباب غيره مما شاكلو من المطلوبات شرعا ،
فهل يثاب على ىذا العمل لكونو مطلوبا شرعا أو ال يثاب لكونو أتى بو على
جهة العادة مع غفلتو عن مشروعيتو ؟
فأجاب :بأف األعماؿ بالنيات ،فال يثاب إال إف نوى بو السنة
وطلب الثواب عليو على مذىب إمامنا الشافعي ،وأما على مذىب اإلماـ
أبي حنيفة فيثاب ويكوف ىذا العمل قد شملتو نية اإلسالـ .انتهى معنى من
"النهر المورود"
الثالثة :قاؿ الحبيب عبد اهلل بن حسين بن طاىر رضي اهلل عنو في
"مجموعو" ،عند الكالـ على ذـ اإلسراؼ :ولعمري ،وقع من كثير من
الصالحين المعروفين بالوالية من أنفق جميع مالو واستداف بعد ذلك شيئا
كثيرا بطريقو ووجهو ،فأنفقو على عيالو وسائر وجوه الخير بنية صالحة ،
ولم ينفق منو حبة في فضوؿ ،فهؤالء يسلم لهم ولمن كاف مثلهم ،فقد
ذكر سيدنا الغزالي في "اإلحياء" :أف بعضهم فعل وليمة عظيمة أسرج فيها
ألف سراج ،فأنكر عليو واحد وقاؿ :ىذا اسراؼ ! فقاؿ لو :كل سراج
22
أسرجتو لغير اهلل فأطفئو ،فاجتهد ذلك المنكر على سراج واحد فلم يقدر .
انتهى
الرابعة :وأفاد الحبيب عيدروس بن عمر الحبشي نفع اهلل بو أيضا ،
أف بعض العلماء يقوؿ :إف نية اإلسالـ تشمل بقية أعماؿ البر ،فالمرجو
أف من عمل عمال من أعماؿ البر المشروعة على لساف النبي صلى اهلل عليو
وسلم ،أنو ال يحرـ الثواب عليها وإف لم تحضره نية لذلك العمل بخصوصو
،ويكوف استحضار النية فيو للكماؿ ال ألصل الثواب .انتهى
الخامسة :قاؿ اإلماـ حجة اإلسالـ الغزالي رحمو اهلل في "األربعين
األصل" :إف المباح قد يصير أفضل من العبادة إذا حضرت فيو نية ،فمن
لو نية في األكل والشرب ليقوى على العبادة ،وليس تنبعث لو نية الصوـ
في الحاؿ ،فاألكل أولى لو ،ومن مل من العبادة ،وعلم أنو لو ناـ عاد
نشاطو ،فالنوـ أفضل لو ،بل لو علم مثال أف الترفو – بدعابة وحديث مباح
في ساعة – يرد نشاطو ،فذلك أفضل من الصالة مع المالؿ ،قاؿ صلى
اهلل عليو وسلم ( :إف اهلل ال يمل حتى تملوا) .وقاؿ أبو الدرداء :إني
23
ألستجم 12نفسي بشيء من اللهو ،فيكوف ذلك عونا لي على الحق .وقاؿ
علي كرـ اهلل وجهو :روحوا النفوس ،فإنها إذا أكرىت عييت .انتهى
قلت :وعلى ما ذكره يحمل ما جاء عن األفاضل من أمور قد ينكرىا
الجاىل ،فإنهم يقلبوف المباحات طاعات بالنيات الصالحات ،فهم مثابوف
على جميع الحركات والسكنات .
قاؿ سيدنا الحبيب القطب عبد اهلل بن علوي الحداد رضي اهلل عنو
في رسالة المعاونة :اعلم أنو يتصور أف يجتمع في العمل الواحد نيات كثيرة
،ويكوف للعامل بكل نية ثواب تاـ
مثالو من الطاعات :أف ينوي بقراءة القرآف مناجاة اهلل تعالى ،فإف
القارئ مناج ربو ،وينوي استخراج العلوـ من القرآف ،فإنو معدنػػها ،وينوي
نفع نفسو والسامعين ،إلى غير ذلك من النيات الصالحات الحسنة .
ومثالو من المباحات :أف تنوي باألكل امتثاؿ أمر ربك في قولو
تعالى ( :يآ أَيُّػ َها الَّ ِذين ءامنُوا ُكلُوا ِمن طَيِّب ِ
ات َما َرَزقػْنَا ُك ْم) (البقرة )172:ْ َ َ َ َ
وتنوي بو التقوي على طاعة اهلل تعالى ،وتنوي التسبب في استخراج الشكر
منك لربك .إذ يقوؿ سبحانو ُ ( :كلُوا ِم ْن ِر ْز ِؽ َربِّ ُك ْم َوا ْش ُك ُروا لَوُ) (سباء :
، )15فقس على ىذين المثالين .انتهى .
13ىذه أمثلة على تكثري النيات باإلختصار فمن أراد معرفة أمثلة تكثري النيات مفصلة فلينظر كتاب
"املنهج السوي" للحبيب زين بن إبراىيم بن مسيط ،وكتاب النيات للسيد حممد بن علوي العيدروس
امللقب بـ ـ ـ (سعد)
25
قاؿ اإلماـ الغزالي رحمو اهلل في " األربعين في أصوؿ الدين" :إذا
عرفت فضل النية وأنها تحل حدقة المقصود فيؤثر فيها ،فاجتهد أف
تستكثر من النية في جميع أعمالك ،حتى تنوي بعمل واحد نيات كثيرة .
ولو صدقت رغبتك ىديت لطريقو ،ويكفيك مثاؿ واحد ،وىو أف الدخوؿ
في المسجد والقعود فيو عبادة ،ويمكن أف تنوي فيو ثمانية أمور :
أ ولها :أف تعتقد أنو بيت اهلل عز وجل ،وأف داخلو زائر اهلل تعالى ،
فتنوي ذلك ،قاؿ عليو السالـ ( :من قعد في المسجد فقد زار اهلل تعالى ،
وحق المزور إكراـ زائره) .
ثانيها :نية المرابطة ،لقوؿ اهلل تعالى ( :وصابروا ورابطوا) (آؿ
عمراف ، )200 :قيل :معناه انتظار الصالة بعد الصالة .
ثالثها :اإلعتكاؼ ،ومعناه :كف السمع والبصر واألعضاء عن
الحركات المعتادة ،فإنو نوع صوـ ،قاؿ صلى اهلل عليو وسلم ( :رىبانية
أمتي القعود في المساجد) .
رابعها :الخلوة ودفع الشواغل للزوـ السر للفكر في اآلخرة ،وكيفية
اإلستعداد لها .
26
خامسها :التجرد للذكر وسماعو أو إسماعو ،لقولو صلى اهلل عليو
وسلم ( :من غدا إلى المسجد يذكر اهلل تعالى أو يذكر بو كاف كالمجاىد في
سبيل اهلل تعالى) .
سادسها :أف يقصد إفادة علم ،وتنبيو من يسيء الصالة ،ونهيا عن
منكر وأمر بمعروؼ ،حتى يتيسر بسببو خيرات ،ويكوف شريكا فيها .
سابعها :أف يترؾ الذنوب حياء من اهلل عز وجل ،بأف يحسن نيتو في
نفسو وقولو وعملو ،حتى يستحيي منو من رآه أف يقارؼ ذنبا .
ثامنها :أف تستفيد أخا في اهلل ،فإف ذلك غنيمة وذخيرة لدار اآلخرة
،والمسجد يعشعش أىل الدين والمحبين هلل وفي اهلل .وقس على ىذا
سائر األعماؿ
فباجتماع ىذه النيات تزكو األعماؿ وتلتحق بأعماؿ المقربين ،كما
أنو بنقيضها يلتحق بأعماؿ الشياطين كمن يقصد من القعود في المسجد
التحدث بالباطل ،والتفكو بأعراض الناس ،ومجالسة أخداف اللهو واللعب
،ومالحظة من يجتاز بو من النسواف والصبياف ،ومناظرة من ينازعو من
األقراف على سبيل المباىات والمراءات ،باقتناص قلوب المستمعين
لكالمو وما يجرى مجراه .
27
وكذلك ال ينبغي أف ال يغفل في المباحات عن حسن النية ،ففي
الخبر :إف العبد يسأؿ يوـ القيامة عن كل شيء حتى عن كحل عينيو ،عن
فتات الطين بأصبعو ،وعن لمسو ثوب أخيو .ومثاؿ النية في المباحات :
أف من يتطيب يوـ الجمعة يمكنو أف يقصد التنعم بلذتو والتفاخر بإظهار
ثروتو ،أو التزويق للنساء وأخداف الفساد ،ويتصور أف ينوي اتباع السنة
وتعظيم بيت اهلل تعالى ،واحتراـ يوـ الجمعة ،ودفع األذى عن غيره بدفع
الرائحة الكريهة ،وإيصاؿ الراحة إليهم بالرائحة الطيبة ،وحسم باب الغيبة
،إذا شموا منو رائحة كريهة .وإلى الفريقين اإلشارة بقولو صلى اهلل عليو
وسلم ( :من تطيب في اهلل جاء يوـ القيامة وريحو أطيب من ريح المسك ،
ومن تطيب لغير اهلل جاء يوـ القيامة وريحػػو أنتن من الجيفة) .
الباب السابع
أقواؿ العلماء في النية
عن يحي بن كثير قاؿ :تعلموا النية فإنها أبلغ من العمل .وعن زيد
الشامي قاؿ :إني ألحب أف تكوف لي نية في كل شيء حتى الطعاـ
والشراب .وعن داود الطائي قاؿ :قد رأيت الخير كلو إنما يجمعو حسن
28
النية ،وعن بعض السلف قاؿ :من سره أف يكمل لو علمو فيحسن نيتو ،
وعن ابن المبارؾ قاؿ :رب عمل صغير تعظمو النية ،ورب عمل كبير
تصغره النية .
وقاؿ اإلماـ الحداد :
ولصالح النيات كن متحريا * مستكثرا منها وراقب واخشع
وقد شرح البيت شرحا وافيا اإلماـ أحمد بن زين الحبشي فمن أراد
ذلك فليطالعو .وقاؿ صلى اهلل عليو وسلم ( :نية المؤمن خير من عملو) ،
وقاؿ ( :من ىم حسنة فلم يعملها كتب لو حسنة فإف عملها كتبت لو عشر
حسنات) ،وفي الخبر ( :من فتح على نفسو باب نية صالحة ،فتح اهلل لو
14
سبعين بابا من التوفيق
وعن عمر بن الخطاب رضي اهلل عنو :أفضل األعماؿ أداء ما افترض
اهلل ،والورع عما حرـ اهلل ،وصدؽ النية فيما عند اهلل .
وكتب سالم بن عبد اهلل إلى عمر بن عبد العزيز :اعلم أف عوف اهلل
تعالى للعبد على قدر النية ،فمن تمت نيتو تم عوف اهلل لو ،وإف نقصت
نقص بقدره .
الباب الثامن
في حسن الظن واإلعتقاد
قاؿ اإلماـ الشافعي رضي اهلل عنو :من أحب أف يختم اهلل لو بالخير
19
فليحسن الظن بالناس
حسن الظن مطلوب ولو بالعاصي ،حتى يطلب حسن الظن في
مسئلة فقهية حيث يقوؿ صاحب "صفوة الزبد" :
وإف تنحنح اإلماـ فبدا * حرفاف فاألولى دواـ اإلقتدا
أي إذا تنحنح اإلماـ وظهر منو حرفاف فاألولى للمأموـ دواـ اإلقتداء
20
حمال على أنو تنحنح بعذر
17الفسل :الردئ
18املنهج السوي ص 658-655حبذف
19البيان ج 1ص 62
22الفوائد املختارة ص 456
32
لإلنساف جناحاف يطير بهما :النية والهمة ،وأىل الزماف واقفوف
بينهما ،فبعضهم معو نية ولكن ما فيو ىمة ،وبعضهم ىمتو كبيرة والنية ما
جاء عليها بعد. 21
صاحب حسن الظن ال يخيب وإف أخطأ ، 22كاف في بعض األماكن
صورة قبر ،وكانوا أىل ىذا المكاف يزورونو ويتوسلوف بو ،ويقضي اهلل
حوائجهم بواسطة اعتقادىم ،وبعد جاء إليهم أحد من أىل النور وقاؿ لهم
:إف الذي تزورنو جيفة حمار ،فنبشوه فوجدوه كذلك ،ولكن بواسطة
حسن ظنهم نالوا ما يأملونو ونفعهم اإلعتقاد. 23
حكي :أف جماعة من اللصوص خرجوا من الليل إلى قطع الطريق
على قافلة ،فلما جن عليهم الليل جاؤا إلى رباط في المفازة فقرعوا الباب
وقالوا ألىل الرباط :إنا جماعة من الغزاة نريد أف نبيت الليلة في رباطكم ،
ففتحوا لهم الباب فدخلوا وقاـ صاحب الرباط يخدمهم ،وكاف يتقرب إلى
اهلل بذلك ويتبرؾ بهم ،وكاف لو ابن مقعد ال يقدر على القياـ فأخذ صاحب
الرباط سؤرىم وفضل مياىهم وقاؿ لزوجتو :امسحي لولدنا بهذا أعضاءه ،
فلعلو يشفي ببركة ىؤالء الغزاة ففعلت ذلك ،فلما أصبحوا توجهوا إلى
24النوادر ص 32-29
25ويف (املعجم الوسيط) :وىو نظام الصوفية الزاىد اجلوال
34
وسار إلى الملك ،فقبلو منو وزوجو ابنتو ،وىذا كلو نالو بعلو الهمة وقوتها
26
.اىػ ،وىمم الرجاؿ تهد الجباؿ
إف حسن الظن من الطالب كالثمن للمدد من األكابر ،فمن أكثر
27
.وإنما قل انتفاع أىل الزماف بالصالحين من حيث ظانا كاف أكثر مددا
قلة التعظيم لهم وضعف حسن الظن فيهم ،فحرموا بسبب ذلك بركاتهم ،
ولم يشاىدوا كراماتهم حتى توىموا أف الزماف خاؿ عن األولياء ،وىم –
بحمد اهلل -كثيروف ظاىروف ومخفيوف وال يعرفهم إال من نور اهلل قلبو بأنوار
التعظيم وحسن الظن فيهم ،وقد قيل :المدد في المشهد. 28
قالوا :أقل الناس نفعا بالشيخ زوجتو وولده ونقيبو ،لكثرة مشاىدتهم
لو ووقوفهم مع ظاىر بشريتهم دوف الوصوؿ إلى معرفة قلبو ،وما فيو من
األسرار والمشاىد النفيسة. 29
الباب التاسع
حكايات في أف حكم العمل الواحد يختلف باختالؼ النية فيو
34أى نسلو
35أى من شوائب األغراض بل خيلصون عملهم
38
قطعها فلم يدع ،فتخاصما فصرع إبليس ثالث مرات ،فلما عجز إبليس
عنو قاؿ لو ارجع وأنا أعطيك كل يوـ أربعة دراىم ،فقاؿ الرجل أتفعل ذلك
؟ فقاؿ نعم ،فرجع إلى منزلو فلما رجع إلى سجادتو صار يجد تحتها كل
يوـ أربعة دراىم إلى ثالثة أياـ ،فلما أصبح بعد ذلك لم يجد شيئا فأخذ
الفأس وركب حماره وتوجو نحو الشجرة ،فقاـ إبليس على تلك الصورة
فقاؿ لو أين تريد ؟ قاؿ أريد قطع تلك الشجرة ،فقاؿ إبليس ال تطيق ذلك
،فتخاصما فصرعو إبليس لعنو اهلل ثالث مرات ،فتعجب الرجل فقاؿ بأي
سبب أنت غالب علي وكنت غالبا عليك قبل ؟ فقاؿ إبليس عليو اللعنة نعم
كاف خروجك أوؿ مرة هلل تعالى ،فلو اجتمع أعواني كلهم عليك ال
يقاومونك ،وأما اآلف فإنما خرجت حيث لم تجد الدراىم تحت سجادتك
فال جرـ كنت غالبا عليك ،فارجع وإال أضرب عنقك ،فرجع الرجل وترؾ
قطع الشجرة ( .درة الناصحين)
(وحكي) عن أخوين كاف أحدىما عابدا واآلخر مسرفا على نفسو ،
وكاف العابد يتػمنى أف يرى ابليس قاؿ فظهر لو ابليس يوما وقاؿ لو واأسفاه
عليك ضيعت من عمرؾ أربعين سنة في حصر نفسك واتعاب بدنك وقد
بقي من عمرؾ مثل ما مضى فأطلق نفسك في شهواتها فقاؿ العابد في
نفسو لعلي أنزؿ إلى أخي في أسفل الدار وأوافقو على األكل والشرب
39
واللذات عشرين سنة ثم أتوب وأعبد اهلل في العشرين التي تبقى من عمري
فنزؿ على نية ذلك ،وأما أخوه المسرؼ فإنو استيقظ من سكره فوجد
نفسو في حالة رديئة قد باؿ على ثيابو وىو مطروح على التراب وفي الظالـ
فقاؿ في نفسو :قد أفنيت عمري في المعاصى وأخي يتلذذ بطاعة اهلل
تعالى ومناجاتو فيدخل الجنة بطاعة ربو وأنا بالمعاصى أدخل النار ثم عقد
التوبة ونوى الخير والعبادة وطلع يوافق أخاه على عبادة اهلل تعالى فطلع
على نية الطاعة ونزؿ أخوه على نية المعصية فزلت رجلو فسقط على أخيو
فوقعا ميتين فحشر العابد على نية المعصية وحشر العاصى على نية التوبة ،
فينبغي للعبد أف يحسن نيتو .
(وقد حكي) أيضا أف العبد يؤتى بو يوـ القيامة ومعو حسنات كأمثاؿ
الجباؿ فينادى مناد من كاف لو عند فالف حق فليأت لو وليأخذ حقو منو
فيأتي الناس فيأخذوف حسناتو حتى لم يبق لو حسنات فيصير حيراف فيقوؿ
اهلل تعالى لو :عبدي إف لك عندي كنزا لم يطلع عليو أحد من خلقي فيقوؿ
:يا رب وما ىو فيقوؿ نيتك التي كنت تنوي بها الخير كتبتها لك عندي
سبعين ضعفا .
(وحكي) أيضا أنو يؤتى بالعبد يوـ القيامة فيدفع لو كتاب فيأخذه
بيػمينو فيجد فيو حجا وجهادا وصدقة ما فعلها فيقوؿ يا رب ليس ىذا كتابي
41
فإني ما فعلت شيئا من ذلك فيقوؿ اهلل تعالى ىذا كتابك ألنك عشت عمرا
طويال وأنت تقوؿ لو كاف لي ماؿ حججت منو ،لو كاف لي ماؿ تصدقت
منو فعرفت ذلك من صدؽ نيتك وأعطيتك ثواب ذلك كلو ( .المجالس
السنية)
وفي حياة الحيواف :إف اهلل تعالى شكر للضفدع حيث حملت في
فيها ماء لتطفئ نار النمرود عن ابراىيم عليو السالـ ،فقيل لها :أتقدرين
على طفئها ؟ قالت :ىذا قدري ،فنهى الشارع عن قتلها .والوزع حيث
جعل ينفخ فيها وقاؿ :أردت أف أظهر لو الشماتة ،ذمو اهلل جدا حتى رغب
الشرع في قتلو
ويروى أف بعضهم مر بجدار في موضع ينتفع الناس بو ،فجعل في
ذلك الجدار وتدا وقاؿ :لعل أف أحدا يحتاج إليو ليعلق متعاعو .ثم مر
آخر ،فأخرج ذلك الوتد وقاؿ :ربما يمر بو غافل أو أعمى فيجرحو .
فلكل من الرجلين أجر ،ألنو نوى خيرا ،ولكن الذي أخرجو أفضل ،
لموافقتو لقاعدة " :درء المفاسد أولى من جلب المصالح" .ذكره في
"النهر المورود" .
تم ىذا الكتاب بحمد اهلل وعونو وتوفيقو في السادس عشر من شهر ذي الحجة
سنة 1440ىػ ،والحمد هلل رب العالمين ،وحسبنا اهلل ونعم الوكيل ،
41
وال حوؿ وال قوة إال باهلل العلي العظيم ،وصلى اهلل
وسلم على نبينا محمد وعلى آلو
وصحبو أجمعين
آمين
فهرس ىذا الكتاب
42
....................
24 10الباب السادس :في فضل تكثير النيات الصالحات
وتعديدىا.
27 11الباب السابع :أقواؿ العلماء في النية .....................
30 واإلعتقاد الظن حسن في : الثامن 12الباب
...................
13الباب التاسع :حكايات في أف حكم العمل الواحد يختلف
35 باختالؼ النية فيو ........................................
40 14فهرس ىذا الكتاب .......................................
43