Professional Documents
Culture Documents
Page22 1
Page22 1
22
الربيع العربي
انعكاسات َّ
والرواية
ِّ في السينما
د .سليمان الحقيوي /المغرب
23
24
25
خصوصيات المجتمع المرصي .هذه العودة سينمائيا أمًّ تسجيليا كان أم
ًّ “الوثائقي”
ّ الثورة
مضام� جديدة مثل العنف ين جاءت بعد سيادة تلفزيونيا ،بدا الرسع ي� التقاط نبض الشارع، ف أ
ًّ
مضام� وصلت حد االبتذال، ين والكوميديا ،وهي أ
و� وضع ما يُمكن اعتباره “حجر الساس” ف
ي
ولكن لم يعد بمقدور الجمهور أن يشاهد فنية لمقاربة لنشاط ،ي ّتخذ من الصورة مادة ّ ٍ
الكوميديا وهو يعيش أسوأ الظروف ،من فقر وتحوالته ف
تجليات الواقع ،ي� مراحله المختلفة،
ُّ
أن هذه المواضيع كانت وتهميش وقهر ،صحيح َّ المختلفة ،وأسئلته المختلفة”(.)3
تنتشله أحيانًا من أزمته ،لك ّنها لم تعد قادرة الفالم فيلم “أقوال يمكن أن نذكر من هذه أ
عىل لعب الدور نفسه بعد موجة التكنولوجيا؛ الشهود” لمي إسكندر الذي اعتمد عىل مقاطع ُّ
المصورة من خالل فرسعة متابعة أ
الخبار االلك�ونية ال�ت ت المنت�ة عىل المواقع ش الفيديو
َّ ّ ي
الهواتف النقالة ونقلها لعنف الشارع بشكل رسيع تتبعت ت
وال� ّ الصحفية هبة عفيفي ،ي ّ صورتها
ّ
أن الواقع ف
ومتالحق ويومي ،كان يذكِّر الجمهور َّ الليبية .ووثّقت أهال َمن ف ُِقدوا ي� الثورة ّ حكايات ي
ف
وأن القادم أسوأ من الحا�ض ّ .إل َّ
أن بؤسا َّ
أشد ً جيهان نجيم أحداث الثورة المرصيّة ي� فيلم
الوسكار ضمن “الميدان” الذي شارك ف� جائزة أ
ي
فئة أحسن فيلم وثائقي عام ّ .2013أما فيلم
فيضم ثالثة أجزاء هي“ :الطيب” من ّ “تحرير”
أي� ت
و”ال�س” من إخراج ن ش إخراج تامر عزت،
و”السياس” من إخراج عمرو سالمة... ين
أم�،
ي
الوثائقية الثورة السورية وحكت كث� من أ
الفالم
ّ ي
ال� يمكن أن نمثل لها بفيلم “آخر الرجال �ف ت
ي ي
حلب” لفراس فياض ،وهو الفيلم الذي شارك
الوسكار ضمن فئة أفضل فيلم وثائقي ف� جوائز أ
ي
عام .2018
26
الشَّ كل الجديد
الوثائقية لم تقف عند الفيلم ّ تقنيات السينما
كث� من أفالم الثورة، وع�ت من خاللها ي الوثائقي ،ب ّ موضوعيا ف ي� هذه المعادلة ،فظروف
ً هناك ً
عامل
ب� الفيلم ف
فأعادت ال ّنظر � الحدود الفاصلة ي ن وال�قّب والخوف من مسارات الثورة، االضطراب ت
ي
أ
كث� من الفالم ئ
الروا� .ي
ي التسجيل والفيلم ي تفك� الجمهور ف ي� السينما ،وأصبحت وأجل ي جمد ّّ
ف
تفك�ه ي� اليومي ف
الل فات ،بعد الموقعة، الروائية مثل (الشتا ي ّ ي� نظره ترفًا وحاجة ال تالئم ي
اشتباك) وهي أفالم مرصيّة( ،مانموتش) وهو ومصاعبه ،هذا الموقف انعكس ف ي� هجره لقاعات
و(جوع كلبك ،وهم الكالب)... تونس، فيلم ين
المنتج� عىل إنتاج أفالم السينما ،وعدم إقبال
ّ ي
مغربية ...ظ ّلت مالمح الفيلم ّ وهي أفالم نجوم وشباك تذاكر ،تفاديًا لفشل تجاري كان
ت البواب ،فالتقطت صناعة السينما البديلة يطرق أ
وال� يسهل التسجيل هي الصفة الطاغية عليها ي ي
أن نصل إليها ف� هذا المنجز ،وهي ي ز
الم�ة ال�ت مثالية ،فتكاتفت
واعت�تها فرصة ّ ب الشارة،هذه إ
ي ي
تسم أفالم هذه المرحلة ،ويمكن إرجاع أسبابها النتاج الصغرى والمستقلة ،ومعها أفراد ش�كات إ
الحداث ال� اضطلعت بها أرشفة أ ت ش ينتمون إىل مجال السينما وأغلبهم لم يمانعوا
إىل المبا�ة ي
والكام�ات
ي وكام�ا الهاتف
ي ومحاولة حفظها، المجا� ف ي� فيلم عن الثورة...
ي
ن بالعمل
انعكاسات الرَّ بيع العربي في األدب والفن
27
للتعب� واليقاع يهدأ ليفتح للشخصيات المجال المخرج� الشباب ين ال� س ّهلت عىل ت
ي إ المحمولة ي
ال� قد تختلف وقد تتفق حول ت
عن وجهات نظرها ي االنطالق من اليومي لصناعة أفالمهم.
يقدمون الراوين الذين ِّ ث ئ
الثورة ،فك�ت أصوات ّ الروا� ،فلن ي نتحدث عن الفيلم َّ لكن ،عندما
أنفسهم ووجهات نظرهم ف ي� ما حصل .يمكن ها تلمس مالمحه الواضحةّ ،أما يسهل علينا ّ
عمليا
نش� لفيلم ( 18يوم) ،المحسوب ًّ هنا أن ي واضحا ً فنيا
مخرجا ًّ ً بناء الفيلم فلم يجد بعد
ع� وجهات تضمن ش أ
القص� ،وقد َّ ي عىل الفيلم يطوع الحداث يكون بداية لتأسيس فيلم ،وأن ّ
اللنظر مختلفة حول الثورة ،وفيلم (الشتا ّ ي روائية أفالما ّ أن ً والقصة لصالح شكل واضح ،كما َّ
وح� (اشتباك). أيضا ت فات) ً الرغم ئ
وا� لصالح الوثائقي عىل ّ الر ي كث�ة تراوغ ِّ ي
أ
تب� السياسية ال ش ِّ
ّ أن الوضاع يجب أن ال ننىس َّ فإن
روائية .لذلك َّ تقدم نفسها كأفالم ّ من أنَّها ّ
ف� يستطيع معه الفيلم والمخرج ن الفالم هنا ،تخ ّلت عن حياديّة أغلب أ
بمستقبل ي الكام�ا ي
اعم� ف ي� الداخل والخارج الد ي ن
االطمئنان ،ومزاج ّ نادرا، التأط� الثابت الذي يكاد يكون ً ي الثابتة أو
أ
بكام�ا محمولة تتقاذفها اليدي كما وتم تعويضه ي َّ
الفو� ،توجه عدستها �ف ض الحداث؛ تصاحب أ
ي ِّ
تق�ب وتبتعد دون �ض ورات ّكل اتِّجاه ،وبرسعة ت
أحيانًا.
الجمال نظرة ي ال يمكن ال َّنظر إىل هذا الجانب
العر� بي الربيع أن مقاربة مواضيع َّ سلبية ،إذ ّ ّ
المخرج� ،أو هم ين ورواية قصصه فرضت عىل
نصب أعينهم نقل نبض الشارع ،ما وضعوا ْ
الكام�ا المحمولة، ي جعلهم ينحازون إىل خيار
الرغم من أنّهم بذلك ينحازون إىل الموضوع عىل ّ
الروا� بمصائر الفرد ئ واهتم الفيلم َّ الشكل.
ال ّ
ي
طكث�ة لم تقنع بتقديم خ ّ العر� ،فهناك أفالم ي بي
أساسية ،وتحاط بعد ّ لشخصية واحدة ّ رسدي
ذلك بما يؤثِّث الحداث .وهناك أفالم فتحت أ
متعددة ّ مسارات لشخصيات مختلفة ،لقصص
ولمصائر متداخلة ،وحاول كل فيلم عىل حدة أن
ين
يستك� فائضا ف ي� أصوات الناس؛ الحدث يُسمع ً
انعكاسات الرَّ بيع العربي في األدب والفن
28
29
ين
المضام� الجديدة
الربيع أن َّ أساسية مفادها َّ ّ فرضية
ّ إذا انطلقنا من
الروائية،
ّ مبا� عىل الكتابة العر� كان له فعل ش بي
ت
الروا� ي� هذه الف�ة ً
قابل ف ئ فسيكون كل النتاج
ي
للدراسة وال َّت ش�يح ،دون إقصاء النصوص ال�ت ِّ
ي
ت ض
ال تتناول أحداث الثورة بال�ورة ،فهذه الف�ة
كث�ة قد ال تتناول الحدث، ين
لمضام� ي حاضنة
العر� ما بعد الثورة، ولكنها تتناول حياة الفرد ب ي
ال� تلت ت ف
وهذا ما فعله نجيب محفوظ ي� كتاباته ي
النسان المرصي تغ� حياة إ ثورة ،52فقد التقط ي ُّ
كث� أ أ
بعد هذه الحداث ،ال الحداث فقط .لكن ي
والروائي� يرفضون الكتابة عن أحداث ين من النقاد
انعكاسات الرَّ بيع العربي في األدب والفن
30
أن الخوف انتقل من إل ساعتها ّ أ ن عن الرصاع الطائفي ف ي� العراق .وهناك رواية
ّ خيل ي م� ّ ...ال ي
المر الناهي”( ،)6أو رواية المستضعف إىل آ ال� عادت إىل ت ن
َ “الطليا�” لشكري المبخوت ي ي
للروا� المغر� رشيد الجلول .أما �ف ئ “الخوف” ب� 1980و ،1990وتناولت صعود ما� تونس ي ن ض
ي ّ ي بي ي ي
رواية “جمهورية كأن” فقد أصبح للخوف مظاهر عل ومظاهر التونس زين العابدين بن ي ي الرئيس
متعددة ،قبل الثورة وخاللها وعودة النظام إىل ّ الدكتاتوريّة خالل ف�ة حكمه ،ورغم تناولها ت
ف
سياسات ال َّتخويف ،ثم انتقل الخوف ي� نهاية الماضوي فهي مستلهمة من أحداث ثورة تونس.
الرواية ليصبح خوفًا من المستقبل بعد رسقة ِّ سكاك� ف ي� مطابخ هذه المدينة” لخالد ين ورواية “ال
أحالم الثورةّ .أما رواية “المغاربة” لعبدالرحيم تحك معاناة الشعب السوري من خالل خليفة ،ي
الشخصية
ّ ال� غاصت عميقًا ف ي� بناء ت
جويطي ي معاناة أرسة سوريّة بسبب نظام الحكم السائد.
تست� الخوف الذي راهن عليه المغربية ،فلم ثن تحك
ِ ّ ورواية “المغاربة” لعبد الكريم جويطي ،ي
سوا� �ف
ال نالحاكم كث�ا منذ القدم ،وكان عالء أ ف
ي ي يً ب� خط متواز ي ن
ٍ ما� وحا�ض المغاربة ي� ٍ ي
عن ض
نظام الحكم وحياة الناس ،ورواية “جمهورية
تحك عن ثورة 25يناير سوا�أ ن
ي كأن” لعالء ال ي ّ
وكيفية رسقة أحالم الشباب المرصي بعد ّ
والخوان .ورواية “فرسان ب� السلطة إ التحالف ي ن
الكو� ،حىك فيها ن الحالم القتيلة” إلبراهيم أ
ي
الليبية من خالل انتفاضة شعب ّ الكاتب الثورة
سئم ديكتاتوريّة الحاكمّ .كل هذه الروايات
أساسا مضام� ترتبط ً ين مضام� جديدة، ين حملت
الما� . ض أيضا إىل
بالواقع ،ولك ّنها تعود ً
ي
طاغيا حضورا تح� ثيمة الخوف * الخوف :ض
ً ً
العر� ،إىل ف
الربيع ب ي العربية بعد َّ ّ الرواية ي� منجز ِّ
إن
ومحركًا لهَّ ، ِّ للسدمدخل ًَّ درجة أنها تصبح
ين
للروائي� تكس� حاجز الخوف كان هدفًا معل ًنا ي
العرب ،فقد أصبح عنوانًا لنصوص بعينها كما
للروا� ي
ئ نالحظ ف ي� رواية “ورقات من دفاتر الخوف”
التونس أبو بكر العيادي ،حيث يقول الكاتب ي
يتحدونه ،أمام معقل جهازه ّ “عجبت للناس ُ
انعكاسات الرَّ بيع العربي في األدب والفن
31
العر� ف
الربيع ب ي الجمال ي� رواية ما بعد َّ ي عب� ال َّت ي تكس�كث�ا عىل ي روايته “جمهورية كأن” قد ركّز ي ً
العر� ل�وب ض ت
بأن نظرة المتلقّي ب ي يجب االع�اف َّ حاجز الخوف لدى َمن خرجوا إىل الشارع وحقَّقوا
إن
الجمال ،بل َّ البداع ،ال تحتكم للمقياس جماليا عن يع� أ ن
ي إ ًّ سوا� كيف ب ِّ الثورة ،وقد عرف ال ي
بالمضام� ،ولذلك ين نظرته ي� الغالب محكومة ف الخوف قبل الثورة وبعد الثورة ،سواء لدى َمن
لم يتف َّهم بعد نظريّة الفن من أجل الفن. محتميا بالخوف! ًّ ثار أو َمن راقب من بعيد
العربية
ّ فالرواية الرغم من هذاِّ ، لكن وعىل َّ الحساس ظلم :الشعور بالظلم هو إ * ال ُّ
الكالسيك،
ي تكس� موروث الكتابة ي استطاعت العربية ف ي� إيصاله إىل ّ الذي تنجح كل الروايات
العر� عىل بي الربيع
وهذا أحد أهم انعكاسات َّ موجه إليه من ّكل االتجاهات، القارئ ،إنه ظلم ّ
الروائية ،ف ي� رواية “جمهورية كأن” تتخ ّلص ّ الكتابة مبا�ة ،عن الظلم الذي ينفذه النظام بطريقة ش
الكث� من القيود وتأخذ شكل لغة الرسد من ي التعب� وسجن ي طريق االعتقاالت وقمع حرية
اللغة السائدة أو لغة الشباب الثائر ،لكن دون أيضا ظلم الناس المعارض� والتعذيب ،بل ً ين
قدم النظمة الفاسدة نجحت ف ي� لبعضهم بعضا .أ
جمالياتهاّ .أما جويطي فقد ّ ّ أن تتنازل عن ً
الحكي كليا عن منطق نموذجا رسديًا يختلف ًّ ً لكن الثورة العر�ّ ، بي إخراج أسوأ خصال الفرد
لخط ّية أ
أساس ِ ي المنتظم الذي يدين بشكل ع� مازن لسماء أخرجت أفضل ما فيهم ،هكذا ب ّ
ن أ ف
ب� فريدا للمزج ي ن نموذجا ً ً تقدم ُم ت�اتبة ،فروايته ّ سوا� .كما وهم يفرحون بنجاح الثورة ي� رواية ال ي
وطي الفروق بينهما وال َّنظر إىل ّ
الما� والحا�ض
ي
ض أيضا عن الظلم ف ي� روايته بالقول: ع� جويطي ً بّ
الرواية مختلفت� ف� ي ن ن ين نرد حكمه الطاعون والمجاعات أك�ث
أن ِّ الح� نفسه .كما َّ ي ي حكايت� “بلد كطاولة ٍ
بكث� من الجرأة والحريّة ف ي� تناول ض مما حكمته أ
صارت تحتمي ي الرس المتعاقبة .ب� ٍبة خاطفة كانوا ِ َّ
االجتماعية واالق�اب من ثالوث ت تفاصيل الحياة ويحولون
ِّ القبلية، والعصبية يهزؤون بالجيش
ّ ّ ّ
(الدين والسياسية والجنس). الديار إىل أطالل ودمن”(.)7
الرواية ف ّ
سيظل الحديث عن الحريّة ي� ِّ * الحريّة:
خاتمة نسا� العظيم ن
ال ي مستمرا ،فهذا المطلب إ ًّ العربية
ّ
العر� ال يجب متجدد ،لكنه شكّل أحد أهم مطالب الثوار �ف
الربيع ب يإن أي نظرة إىل أدب وفن َّ َّ ي ِّ
أن تحتكم للبحث عن الحدث فقط ،بل يجب العر� ،فانتقل هذا المطلب إىل النص العالم ب ي
البداع عن أشياء أخرى تلت ف ئ
أن تبحث ي� هذا إ جماليا عن حاجة الناس للحريّة، ًّ ع� الروا� الذي ب ّ ي
ومص�ه بعد
ي الثورة ،وك ّلها متع ِّلقة بالفرد ب ي
العر� صورت كيف يقبع الناس تحت قهر ّكل الروايات ّ
الدعم يبقى النظمةّ ...كل رواية وجدت طريقها الخاص أ
الربيعّ .أما السينما فمشكل َّ أحالم َّ
أن
أك� عقبة يواجهها المخرجون العرب ،ذلك َّ ب عب� عن الحريّة. لل َّت ي
انعكاسات الرَّ بيع العربي في األدب والفن
32