Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 9

‫الحكامـــــة الجيــــــدة‬

‫شكـــل دستـــور المملكـــة المغربيـــة لسنــــة ‪ 2011‬ثـــورة سلميــــة حقيقيــــة‪ ،‬كرســــت و بحــــق االستثنـــــاء‬

‫المغربي خاصــــة فــــي ظــــل مــــا عرفتــــه معظــــم دول المنطقـــة العربيــــة – الربيــــع العربــــي ‪-‬؛ و باألخــــص‬

‫المغاربيـــــة ‪ ،‬و قـــد جــــاء دستــــور ‪ 2011‬ليعــــزز بنــــاء دولــــة الحــــق و القانــــون الــــذي خطــــى فيــــه‬

‫المغــــرب خطــــوات جبــــارة‪ ،‬مـــن خــــالل مــــا أقـــــره هــــذا الدستــــور مــــن مبــــادئ و آليــــات تهــــدف‬

‫‪.‬إلــــى تحسيــــن عيــــش المواطنيــــن بمــــا يضمــــن كرامتهـــــم و حقوقهــــم‬

‫و لعـــــل أبــــرز مــــا نـــــص عليـــــه دستـــــور ‪ 2011‬مفهــــوم الحكامـــــة الجيـــــدة‪ ،‬حيـــــث أفـــــرد لهــــا بابــــا‬

‫كامـــــال‪ ،‬البــــاب الثانــــي عشــــر ( المكــــون مـــــن ‪ 17‬فصــــال ) مــــن الفصــــل ‪ 154‬إلــــى الفصــــل‬

‫‪…….….171‬‬

‫مفهــــوم الحكامـــــة الجيـــــدة‬

‫التدبير الواعي و المعقلن لبنيات النظام للنهوض بأوضاع مكوناته تحقيقا للتنميةـ مع نظرة تستهدف تعزيز شرعية الحقل‬

‫العمومي‪ ،‬وتحفيز األفراد لممارسة حقوقهم حتى يساهموا في الشأن العمومي‬

‫ركائـــــز الحكامـــــة الجيــــدة‬

‫فـــي البدايـــــة البــــــد مــــن اإلشــــارة إلــــى أن ركائـــــز الحكامــــــة الجيـــــدة تختلـــــف مــــــن جهـــــة‬

‫ألخــــرى‪ ،‬و ذلــــك بالرجـــــوع إلــــى المشـــــارب الفكريـــــة و المعرفيـــــة و اإليديولوجية لكــــــل جهـــــة‪،‬فعلـــــى‬

‫سبيــــــل المثــــــال نجــــــد أن معاييـــــر األمـــــم المتحـــــدة للحكامـــــة تختلـــــف عــــن المعاييــــر التــــي‬

‫وضعهـــــا صنـــــدوق النقـــــد الدولــــي‪ ،‬و كـــذا عـــــن المعاييـــــر التــــي وضعهـــــا االتحــــاد األوربـــــي فـــــي‬

‫‪ .‬الكتـــــاب األبيـــــض سنـــــة ‪2001‬‬

‫و قــــــد عمــــــل المغــــرب منــــذ تبنيـــــه لخيـــــار اعتمــــــاد الحكـــــم الرشيـــــد علـــــــى اعتمـــــاد مجموعـــــة‬

‫مـــــن المعاييــــــر الدوليــــــة للحكامــــــة الجيـــــدة‪ ،‬التـــــــي يمكـــــن إجمالهــــا فـــــي مــــا يلــــي‬
‫سيـــــادة القانـــــون‬

‫حيـــــث نــــص الدستـــــور علــــى أن " القانـــــون هـــــو أسمـــــى تعبيـــــر عـــن إرادة األمـــــة‪ ،‬و يجــــب علــــى‬
‫الجميــــع اإلمتثــــــال لـــــــه‪ ،‬و ليـــــس للقانــــون أثــــــر رجعـــــي" يتجلــــــى مــــــن خــــــالل مـــــا تقــــــدم‬
‫ذكـــــره أن القواعــــد القانونيــــــة تطبــــــق بــــــدون أي تمييـــــز و بشكـــــل عـــــادل‪ .‬هـــــذا القانون الـــــذي‬
‫ينظــــــم عــــــالقات المواطنيـــــــن فيمــــــا بينهــــــم بالقـــــدر الـــــذي ينظـــــم عالقاتهـــــم بالدولـــــة و مؤسساتهــــا‬
‫و مختلــــــف اإلدارات و الجماعـــــات الترابيــــة‪ ،‬و التـــــي يجـــــب أن تخضــــــع للقانـــــون و لمقتضياتـــــه و‬
‫‪..‬أحكامـــــه‪ ،‬و يسهـــــر جهـــــاز القضـــــاء المستقــــــل علـــــى ذلــــــك‬

‫الشفافيــــــة‬

‫مـــــن خـــــالل توفيـــــر الحريـــــة و تيسيــــــر الوصـــــول إلـــــى المعلومات و ذلـــــك عبــــــر اتاحــــــة‬
‫اإلمكانيـــــة مــــــن قبــــــل المؤسســـــــات و الهيئــــــات و الجماعــــــات الترابيـــــة للمعلومــــــات و المعطيـــــــات‬
‫لكــــــل العمليـــــــات المجتمعيـــــــة للعمــــــوم و للمهتميــــــن بهــــــا‪ ،‬الشـــــيء الـــــــذي يمكــــــن مــــــن‬
‫مراقبتهــــــا‪ ،‬باستثناء بعـــــض المعطيـــــات ذات الطابــــــع الحســـــــاس المرتبطـــــــة بأمـــــــن الدولــــــة الداخلـــــي‬
‫و الخارجـــــي‪ ،‬و قـــــد صـــــدر فــــي هـــــذا الشـــــأن القانــــون رقـــــم ‪ 13.31‬المتعلـــــق بالحـــــق فـــــي‬
‫‪.‬الحصـــــول علـــــى المعلومـــــات‬

‫‪:‬االستجابــــة‬

‫و ذلــــك بجعــــل هـــــدف المؤسســــات و العمليـــــات المجتمعيـــــة االستجابـــــة الحتياجــــات و ‪ ،‬عبــــــر رصــــــد‬
‫األولويـــــات و تحديدهـــــا استجابــــــة للغالبيــــــة العظمــــــى مـــــن الساكنــــــة‪ ،‬و اعتمـــــاد آليـــــات و وسائـــــل و‬
‫تحديدهـــــا‬ ‫تقنيـــــات علميــــــة فـــــي‬

‫‪:‬المساءلــــــة‬

‫التي تربط المسؤولية بالمساءلة وإعطاء الحساب لضمان التدبير األمثل للموارد المادية والبشرية وربط المنجزات‬
‫‪.‬باألهداف المتوخاة‬

‫الفعاليــــــة‬

‫و المقصـــــود هنـــــا بــــأن تتجــــه جميــــــع العمليـــــات المجتمعيــــــة إلشبــــاع الحاجيــــــات بالكفـــــاءة‬
‫المطلوبــــــة‪ ،‬مــــــع األخــــذ بعيـــــن اإلعتبـــــــار االستخــــــدام األمثــــل للمـــــــوارد و مـــــن خـــــــالل التحكـــــم‬
‫‪.‬فـــــي المـــــوارد و النفقــــــات‬

‫الرؤيـــة و التخطيــــط االستراتيجييـــــن‬


‫بمعنـــــى أن تكــــــون هنــــــاك رؤيــــــة علميــــــة مبنيــــــة و قائمــــــة علــــــى دراســــــات و مخططــــــات‬
‫علميــــــة و مـــــن خــــــالل تخطيــــــط استراتيجــــــي كامــــــل و شامــــــل‪ ،‬طامـــــح إلـــــى استحضـــــار الواقـــــع‬
‫‪.‬و يرمـــــي إلـــــى تجــــــاوز معيقاتـــــه و تقويــــــم معوقاتـــــه‬

‫التوافــــق و االلتقائيـــــة‬

‫ويقصد به القدرة على التوسط والتحكيم والتوفيق بين المصالح المتضاربة‬

‫آليـــــات الحكامـــــة الجيـــــدة فــــي الدستـــــور المغربــــي لسنـــــة ‪2011‬‬

‫تختلـــــف هـــــذه اآلليــــــات بإختــــــالف الدارسيــــــن و المنظريـــــن‪ ،‬و قــــد خصـــــص الدستـــــور المغربــــــي‬
‫لسنـــــــة ‪ 2011‬للحكامـــــة الجيــــــدة بابـــــا كامــــــال و هــــــو البـــــاب الثانـــــي عشــــر‪ ،‬المكــــون مـــــن‬
‫سبعـــــــة عشـــــر فصــــال‪ ،‬و قـــــد جـــــاء تخصيــــــص بــــــاب كامـــــل للحكامـــــة الجيــــــدة فــــــي الدستــــــور‬
‫ليؤكــــــد علـــــى فلسفــــــة الدولـــــة و إرادتهـــــا و خيارهـــــا الـــــذي ال رجعـــــة فيـــــه لمحاربـــــة الفســــاد و‬
‫إحــــــداث التغييــــــر المنشــــــود‪ ،‬و الحـــــد مــــــن ســـــــوء التدبيــــــر الــــــذي تعانـــــي منـــــه مؤسســــــات‬
‫الدولــــــة و المجتمــــــع‪ ،‬و قـــــد قسم البــــــاب المتعلـــــــق بالحكامـــــــة الجيـــــــدة إلــــــى شقييــــــن‪ ،‬يتعلــــــق‬
‫الشــــــق األول بالمبـــــــادئ العامـــــــة للحكامــــــة الجيـــــــدة؛ الـــــذي ينقســــــم بــــــدوره إلــــــى مبـــــــادئ‬
‫تنظيميـــــــة و مبــــــادئ سلوكيـــــــة و أخــــــرى محاسبيـــــة‪ ،‬أمــــــا الشــــــق الثانـــــي فيتعلــــــق بأجهــــــزة‬
‫الحكامــــــة الجيــــــدة‬

‫المبـــــادئ العامـــــة للحكامـــــة الجيـــــدة‬

‫كمـــــا سبقـــــت اإلشـــــارة إلـــــى ذلــــــك فــــــإن المبادئ العامـــــة للحكامــــــة الجيـــــــدة قسمـــــت بالبــــــاب‬
‫الثانــــــي عشـــــر مـــــن الدستــــــور إلـــــى ثالثــــــة أنـــــواع؛ تنظيميـــــة و سلوكيـــــــة و محاسبيـــــة‬

‫فيما يخص المبادئ التنظيمية‪ ,‬والتي تهتم بتنظيم المرافق العمومية‪,‬ـ ينص الفصل ‪ 154‬على أنها تنظم على أساس المساواة‬
‫بين المواطنات والمواطنين في الولوج إليها‪ ،‬واإلنصاف في تغطية التراب الوطني‪ ،‬واالستمرارية في أداء الخدمات‪ .‬كما‬
‫يؤكد الفصل ‪ 159‬أن الهيئات المكلفة بالحكامة الجيدة تكون مستقلة‪ ,‬وتستفيد من دعم أجهزة الدولة‪ ,‬ويمكن للقانون أن‬
‫يُحدث عند الضرورة هيئات أخرى للضبط والحكامة‬

‫وفيما يتعلق بالمبادئ السلوكية‪ ,‬والتي تهتم بتقنين ممارسة المسؤولية وأسس العالقة مع المرتفقين‪ ,‬يؤكد الفصل ‪ 154‬على‬
‫أن المرافق العمومية تخضع لمعايير الجودة والشفافية‪ ،‬وتخضع في تسييرها للمبادئ والقيم الديمقراطية التي أقرها‬
‫‪.‬الدستور‬
‫وفيما يخص أخيرا المبادئ المحاسبية‪ ,‬يؤكد الفصل ‪ 154‬على أن المرافق العمومية تخضع للمحاسبة والمسؤولية‪,‬‬

‫والفصل ‪ 156‬على أنها تقدم الحساب عن تدبيرها لألموال العمومية‪،‬ـ طبقا للقوانين الجاري بها العمل‪ ،‬وتخضع في هذا‬

‫الشأن للمراقبة والتقييم‬

‫األجهــــــزة المكلفــــــة بالحكامــــــة الجيــــــدة‬

‫لقـــــد عـــــدد المشـــــرع الدستـــــوري أجهــــــزة أنـــــــط بهـــــــا مهمــــــــة تنزيـــــــل و ضمـــــــان الحكامــــــة‬

‫الجيــــــدة‪ ،‬مــــــن خــــــالل مقتضيــــــات الفصـــــول مــــــن ‪ 161‬إلـــى ‪ 170‬الدستـــــور و هـــــي الهيئــــــة‬

‫العليـــــــا لإلتصـــــال السمعـــــي البصــــــري و الهيئــــــة الوطنيـــــــة للنزاهــــــة والوقايـــــــة مــــــن الرشـــــــوة‬

‫ومحاربتهـــــــا و المجلــــــس الوطنــــــي لحقــــــوق اإلنســـــان و مؤسســـــة الوسيـــــــط و مجلـــــــس الجاليـــــة‬

‫المغربيــــــة بالخـــــارج و الهيـــــأة المكلفـــــــة بالمناصفـــــــة ومحاربـــــــة جميــــــع أشكــــــــال التمييــــــز و‬

‫المجلــــــس األعلـــــــى للتربيــــــة والتكويـــــن والبحــــــث العلمـــــي و المجلـــــس االستشــــــاري لألســـــرة‬

‫والطفولـــــــة و المجلــــــس االستشــــــاري للشبـــــــاب والعمــــــل الجمعــــــوي‬

‫و قـــــد أنــــــاط الدستـــــــور بمختلــــــف تلـــــك األجهـــــزة كــــل فــــــي مجــــــال اشتغالهــــــا و اهتمــــــام‬

‫العمـــــــل علــــــى ترسيـــــخ مبــــــادئ الحكامـــــة الجيــــــدة‪ ،‬كمــــــا أتـــــاح للمشـــــــرع إمكانيــــــة إحــــــداث‬

‫‪.‬هيئــــــات و أجهــــــزة لذلـــــــك‬

‫تقييم المجهودات المبذولة لتحسين الحكامة‬

‫إذا كان المغرب قد بادر باتخاذ إصالحات لتعزيز الحكامة الحيدة خاصة على مستوى تحسين محيط األعمال واالستثمار‪،‬‬

‫وتحديث التدبيرـ العمومي‪ ،‬واستكمال اآلليات القانونية للوقاية من الفساد ومكافحته‪ ،‬فإن فعالية المجهودات المبذولة ال‬

‫زالت مع ذلك لم تتأكد حيث يالحظ عموما وجود فجوات بين التشريعات واإلجراءات المتخذة وبين الممارسات والنتائج‬

‫‪ .‬الفعلية على مختلف األصعدة‬

‫فعلى مستوى تحسين محيط األعمال رغم أن الجهود المبذولة ساهمت في توفير فرص ناجعة الجتذاب ر رؤوس األموال‬

‫واالستثمارات الخارجية‪ ،‬فإنها لم تمكن المغرب بشكل ملحوظ من تحسين قدرته التنافسية لربح حصص مهمة في األسواق‬

‫‪.‬الجهوية أو الدولية‪ ،‬وبالتالي من رفع وتيرته التنموية بشكل ملموس‬


‫وفيما يتعلق بالتدبير ألعمومي ورغم توفر المغرب على بنية تشريعية وإدارية حديثة‪ ،‬فقد لوحظ أن هناك قصورا على‬

‫مستوى تدبير الموارد البشرية التي تشوبها بعض اإلختالالت المتعلقة خصوصا بالمسار والسلوك الوظيفي و أيضا على‬

‫مستوى الصفقات العمومية التي أبان نظامها القانوني رغم إيجابياته عن مجموعة من اإلختالالت على مستوى التطبيق ولم‬

‫يستطع مشروع المرسوم الحالي الموجود قيد التحضير تجاوزها‪ ،‬حيث لم يحد من السلطة التقديرية لصاحب المشروع ولم‬

‫يقم بتدقيق أساليب وشروط وآجال الطعن‪ ،‬أما فيما يتعلق بالتدبير المفوض للمرافق العامة فإنه يفتقر لضوابط موضوعية‬

‫لتوضيح القطاعات اإلنتاجية القابلة للتفويت في هذا اإلطار ويبقى قاصرا لكونه لم يشمل الدولة‪ ،‬ولم تمتد مراقبته لتشمل تسعيرات‬

‫‪.........‬الخدمات‬

‫دور الحكامة‬

‫الحكامة الجيدة رافعة لتحديث اإلدارة العمومية‬

‫تعتبر الحكامة الجيدة مقاربة عصرية في صنع القرار والتدبير الجيد للشأن العام‪ ،‬تعتد بتطوير المفاهيم التقليدية المستعملةـ في مجال‬

‫التدبير‪ ،‬وهي تعبر عن ممارسة السلطة السياسية وإدارتها لشؤون المجتمع بمستوياته (الترابية والوطنية والعالمية) وموارده المختلفة‪،‬‬

‫عن طريق منهجية للعمل المتعدد األطراف سلطة عمومية‪ ،‬قطاع خاص‪ ،‬ومجتمع مدني‪ .‬وعن طريق آليات للفعل تعتمد معايير‬

‫حكماتية من قبيل (المشاركة‪،‬ـ المشروعية‪ ،‬الشفافية‪ ،‬والمسؤولية‪...‬الخ)‪ ،‬وذلك لهدف عام هو تحقيق شرط التنمية بأبعادها (السياسية‪،‬‬

‫االقتصادية واالجتماعية)‪ ،‬وهي بذلك عبارة عن آلية أو منهجية أو نسق‪ ،‬يتطلب التعدد في األطراف المتدخلة‪ ،‬والتنوع في األسس‬

‫‪.‬والمرجعياتـ المعتمدة‪ ،‬والتوحد في الغاية والهدف العام وهو تحقيق شرط التنمية المجتمعية الشاملة‬

‫وفي ظل هذا التوجه‪ ،‬يعتبر مفهوم الحكامةـ الجيدة من أقوى المفاهيم التي جاء بها الدستور المغربي الجديد‪ ،‬كتعبير عن الفلسفة العامة‬

‫التي أسسها من اجل إحداث التغيير المنشود‪ ،‬والحد من الفساد وسوء التدبير الذي تعاني منه مؤسسات الدولة والمجتمع‪ .‬فقد خصص‬

‫الدستور الجديد للحكامة الجيدة بابا كامال _الباب الثاني عشر _ من ‪ 18‬فصال (الفصول ‪ 154‬إلى ‪، 171‬ينقسم إلى شقين‪ ،‬يتعلق‬

‫‪.‬األول بالمبادئ العامة‪ ،‬والثاني بتحديد المؤسساتـ والهيئات العاملة على تفعيل هذه المبادئ‬

‫وهكذا‪ ،‬وفي سبيل ضمان حسن أداء المرافق العمومية _بمختلف أنواعها _ ألنشطتها وتلبيات حاجيات المرتفقين في أحسن‬

‫الظروف‪ ،‬أخضعها الدستور المغربي الجديد لمجموعة من المبادئ العامة لحكامة تدبير الشأن العام‪ ،‬والتي يمكن إجمالها في ما يلي‬

‫أوال‪:‬المساواة واالستمرارية‬

‫تشكل المرافق العمومية هوية المجتمع ومعيار رقيه أو تأخره‪ ،‬حتى باتت التعبير القانوني لفلسفة سياسة الدولة‪ ،‬والمرتكز األساسي‬

‫في تحديثها‪ ،‬ويعتبر العمود الفقري للدولة الديمقراطية‪ ،‬وأداة لتطبيق إستراتيجية التنمية وتنفيذ البرامج الحكومية‪ ،‬ومن هنا تأتي‬
‫صوابية العالقة بين المرفق العام والمجتمع‪ ،‬والمعبر عنها بأن كل تخليق في المرافق العمومية هو تخليق في المجتمع نفسه‪ ،‬لذلك‬

‫أولى الدستور المغربي الجديد أهمية خاصة لمبادئ الحكامة الجيدة في تنظيم المرافق العمومية على أساس المساواة بين المواطنات‬

‫والمواطنين في الولوج إليها‪ ،‬واإلنصاف في تغطية التراب الوطني واالستمرارية في أداء الخدمات‬

‫يعد مبدأ المساواة من الضمانات األساسيةـ التي جاء بها الدستور المغربي الجديد‪ ،‬جاعال منها قاعدة مهمة في الولوج إلى الخدمات‬

‫التي تقدمها اإلدارة العمومية على أساس المساواة بين جميع األفراد دون تمييز بينهم بسبب الدين أو اللون أو العرق أو اللغة‪ ،‬وال‬

‫فرق بين غني و فقير أو رجل وامرأة أو كبير و صغير‪ ،‬متى توفرت فيهم شروط االستفادة من تلك الخدمات‪،‬ـ سواء فيما يخص‬

‫االستفادة من خدماتها أو المساهمة في تحمل أعبائها من جهة ثانية‪ .‬والى جانب مبدأ المساواة‪ ،‬ارتقى الدستور المغربي بمبدأ أخر‪،‬‬

‫وهو مبدأ االستمرارية ‪ ،‬إلى درجة قاعدة دستورية‪ ،‬جاعال منه الضمانة األساسية في أداء اإلدارة العمومية خدماتهاـ على وجه الدوام‬

‫واالستمرار ودون انقطاع‪ ،‬والقرب من المواطنين‪ .‬وعلى المرفق العمومي االستمرار في تقديم خدماته حتى في حالة التناوب على‬

‫عملية التدبير اإلداري بين النخب السياسية‪،‬ـ إذ ال يتصور أن حكومة معينة وقعت التزامات واتفاقات إدارية أثناء فترة انتدابها‪ ،‬ثم تأتي‬

‫حكومة بعدها تتنكر لتلك االلتزامات‪ ،‬ألن من شأن ذلك أن يؤدي إلى نتائج سلبية على المتعاملين مع المرفق العمومي خاصة الرتباط‬

‫هذا األخير بمصالحهم اليومية من جهة ثانية‬

‫الجودة والشفافية‬

‫في سبيل إرساء مسلك الحكامةـ الجيدة في تدبير الشأن العام‪ ،‬باعتبارها نظام جديد لتدبير الفعل العمومي‪ ،‬ألزم الدستور المغربي‬

‫المرافق العمومية باعتماد مبادئ حديثة والتي تقوم على معايير الجودة والشفافية‪،‬ـ وجعلها تخضع في تسييرها للمبادئ والقيم‬

‫الديمقراطية التي اقرها الدستور المغربي الجديد‪ ،‬من اجل استعادة ثقة المواطنين في اإلدارة العمومية‪ ،‬وإعادة االعتبار لنبل المرفق‬

‫العمومي‬

‫المحاسبة والمسؤولية‬

‫كما اوجب الدستور المغربي الجديد على المرافق العمومية‪ ،‬باعتماد مبدأي المسؤولية والمحاسبة‪ ،‬وهي من أهم المعايير المعمول بها‬

‫في دولة الحق والقانون وقد اقر الدستور المغربي الجديد ربط المسؤولية بالمحاسبة‪،‬ـ في تدبير الشأن العام‪ ،‬في الفصل األول منه‪،‬‬

‫والذي نص في الفقرة الثانية على انه ”يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط‪ ،‬وتوازنها وتعاونها‪ ،‬والديمقراطية‬

‫المواطنة والتشاركية‪ ،‬وعلى مبادئ الحكامة الجيدة‪ ،‬وربط المسؤولية بالمحاسبة“‪ .‬هذه المبادئ‪ ،‬من شأنها أن تقطع الطريق على‬

‫أصحاب النوايا السيئة في تدبير السياسات العمومية وتنفيذها‪ ،‬كما أنها ستساهم في التصدي إلساءة استخدام السلطة والنفوذ وتبذير‬

‫المال العام‪ .‬وهي معايير كفيلة بإعادة ثقة المغاربة في مؤسساتهم‪ ،‬وفي الحياة السياسية واالهتمام بالشأن العام‬

‫النزاهة والحياد‬
‫ألزم الدستور المغربي أعوان المرافق العمومية عند ممارسة وظائفهم‪ ،‬الخضوع لمبادئ احترام القانون والحياد والشفافيةـ والنزاهة‬

‫والمصلحة العامة وقد ارتقى المشرع الدستوري بهذه المبادئ إلى مصاف القواعد الدستورية نظرا للدور الذي أصبح يحتله العنصر‬

‫البشري العامل بالمرافق العمومية والحاجيات المتعددة التي يقوم بها‪ ،‬ليس اإلدارية فحسب‪ ،‬بل االقتصادية واالجتماعية والمالية‪،‬‬

‫وهكذا ال تنمية بدون عنصر بشري كفء‪ .‬يمثل العنصر البشري الركيزة األساسيةـ لكل عملية تنمية في معظم األنظمة المعاصرة‪،‬‬

‫لهذا كان بالضرورة‪ ،‬دسترة الحكامة المرفقية‪ ،‬لضمان حسن سير اإلدارة العمومية لما فيه مصلحة عموم المواطنين‪ ،‬وتحقيق العدل‬

‫‪.‬واإلنصاف بين الناس‪ ،‬ودرءا لكل الشبهاتـ‬

‫المراقبة والتقييم‬

‫اوجب المشرع الدستوري المرافق العمومية بتلقي مالحظات مرتفقيها‪ ،‬واقتراحاتهم وتظلماتهم‪ ،‬وتؤمن تتبعها كأحد المظاهر األساسية‬

‫لحكامة اإلدارة العمومية ‪[،‬من اجل تجاوز عجز اإلدارة عن تحقيق طموحات المواطنين في االستجابة لمتطلباتهم وطموحاتهم بشكل‬

‫‪.‬مناسب‪،‬ـ وتجاوز اإلشكاالت التي تعيق التواصل بين اإلدارة والمواطن‬

‫كما ألزم الدستور المغربي المرافق العمومية بتقديم الحسابـ عن تدبيرها لألموال العمومية‪ ،‬طبق للقوانين الجاري بها العمل‪ ،‬وتخضع‬

‫في هذا الشأن للمراقبة والتقييم‪ ،‬غايته المثلى في ذلك توفير هذه المرافق المعلومات الدقيقة في وقتها‪ ،‬وإفساح المجال أمام الجميع‬

‫لالضطالع على المعلومات الضرورية‪ ،‬األمر الذي يساعد على اتخاذ القرارات اإلدارية المناسبة توسيعا لدائرة المشاركة والرقابة‬

‫والمحاسبة‪،‬ـ باعتبارها مقومات للمقاربة الجديدة لمنظومة الحكامة في المجال اإلداري‪ ،‬إذ أنها عناصر ذات ”جرأة حكامتية“ قوية إذا‬

‫ما قورنت بعناصر مطلب اإلصالح اإلداري أو بمفاهيم مثل التنمية والتحديث اإلداري‪ ،‬والتي باإلمكان اعتبارها هي األخرى مداخل‬

‫كبرى للحكامةـ اإلدارية‬

‫خالصة القول‪ ،‬إن الرهان األساسي في وقتنا الحاضر‪ ،‬بشأن تحديث اإلدارة المغربية‪ ،‬متوقف باألساس على تفعيل مبادئ الحكامةـ‬

‫الجيدة التي جاء بها الدستور‪ ،‬والعمل على تأهيل العنصر البشري بالتكوين المستمر‪ ،‬وتكوينه على تكنولوجيا المعلوميات الستخدامها‬

‫في عالقته بالمواطنين‪ ،‬وتظافر جهود كل الفاعلين والمهتمين‪ً ،‬بد ءا بالمواطن‪ ،‬الموظف‪ ،‬الدولة‪ ،‬منظمات المجتمع المدني‪ ،‬األحزاب‬

‫‪.‬السياسية‪ ،‬النقابات‪ ،‬على التفعيل األمثل والجدي إلدارة القرب واإلدارة المستقبلة والمتواصلة والشفافة والمنتجة والمسؤولة‬

You might also like