Professional Documents
Culture Documents
Elhadara Eleslamia
Elhadara Eleslamia
Elhadara Eleslamia
13
المقدمة
احلمد هلل الذي هدانا هلذا ،وما كنّا لنهتدي لوال أن هدانا اهلل ،وصىل اهلل عىل سيدنا
حممد وعىل آله وصحبه وسلم تسلي ًام ،وبعد
فإن تاريخ احلضارة اإلسالمية مرتبط بظهور اإلسالم ،وانطالق ًا من األمر اإلهلي:
بسم اهلل الرمحن الرحيم «اقرأ باسم ربك الذي خلق ،خلق اإلنسان من علق ،اقرأ
وربك األكرم ،الذي علم بالقلم ،علم اإلنسان ما مل يعلم» .ونزل الكثري من اآليات
القرآنية التي حتث املسلمني عىل طلب العلم ،وورد الكثري من األحاديث الرشيفة يف
هذا األمر ،وكان للتعاليم التي جاء هبا اإلسالم الدور الكبري يف نشأة حضارة ومدنية
منقطعة النظري ،يف خمتلف العصور التي مرت هبا الدول اإلسالمية املختلفة ،وإن انتشار
الدين اإلسالمي يف جزء كبري من العامل ،من خالل حركة الفتوحات اإلسالمية ،قد فتح
عىل املسلمني آفاق ًا للمعرفة ،مل يكونوا قد أحاطوا هبا من قبل ،حيث ورث املسلمون عن
األمم األخرى نصيب ًا ال يستهان به من الثقافات واملعارف والعلوم يف جماالت عديدة،
ومن ثم ظهرت حركة الرتمجة والنقل التي بدأت إرهاصاهتا األوىل يف العرص األُموي،
فقد اهتم بعض اخللفاء برتمجة الرتاث األجنبي ،كالرتاث اليوناين واهلندي والروماين،
وغريه .وازدهرت هذه الرتمجة يف العرص العبايس متمثلة يف العرص الذهبي للعلوم،
فكان خلفاء املسلمني يبذلون الغايل والنفيس لكل من يأيت برتمجة ألي علم من العلوم،
15
المقدمة 16
فكانت هذه الرتمجات األوىل هي التي فتَّقت األفكار لعلامء املسلمني ،ليقدموا نظرياهتم
العلمية املتطورة يف العديد من العلوم ،فالعلوم التي تُرمجت إىل العربية كان أغلبها قائ ًام
عىل اخلرافات والدجل ،وينقصه املنهج التجريبي؛ لذا فإن املسلمني قد أخضعوا العلم
للمنهج التجريبي ،وأصبحوا بذلك أول من وضعوا هذه األسس ،وقدموا اخرتاعات
وابتكارات جديدة ،يف كل املجاالت العلمية ،استفادت منها البرشية مجعاء.
ويف هذا الكتاب ،حاولنا أن نحيط بموضوعات تاريخ احلضارة اإلسالمية ،وتاريخ
العلوم عند املسلمني ،لكن جمال هذه املوضوعات واسع جد ًا ،فهو أكرب من أن حيتويه
كتاب واحد؛ لذا فقد حدت بنا الرضورة إىل تقسيم وتصنيف هذه املوضوعات يف عدة
أبواب متسلسلة ومستقلة.
أهمية الدراسة:
وتكمن أمهية هذه الدراسة يف حماولة لإلحاطة ،بأهم إسهامات العلامء املسلمني يف
العلوم التطبيقية والبحثية ،وتقديم دراسات جديدة ألهم النظريات ،التي قدموها يف
كل جمال من جماالت العلوم ،وتسليط الضوء عىل بعض العلوم التي مل هتتم هبا املراجع
والدراسات السابقة ،وليبقى هذا الكتاب من مراجع التدريس باجلامعات ،سواء
بالفصول األوىل ،أو الدراسات العليا ،وإثراء املكتبات بدراسة جديدة يف جمال احلضارة
اإلسالمية .
وأما اخلطة املتبعة يف هذا الكتاب ،فتشتمل عىل مقدمة ،واثني عرش فص ً
ال مقسمة
إىل عناوين ،وتنتهي بخامتة للدراسة ،تشتمل عىل النتائج بشكل تفصييل .وقد قسمنا
ال تناولنا فيها اثني عرش عل ًام من العلوم ،ويف كل فصل بدأنا
العلوم إىل اثني عرش فص ً
بتعريف هلذا العلم ،وتارخيه عند الشعوب األخرى يف العصور القديمة ،يف حماولة منا
ملراعاة الرتتيب احلضاري لكل أمة من األمم األخرى ،ثم قدمنا يف فرع مستقل أهم
اإلسهامات والنظريات العلمية للمسلمني يف كل علم ،مع حماولة مراعاة الرتتيب
الزمني لكل عرص من عصور الدول اإلسالمية ،ثم ختمنا كل فصل بتقديم دراسات
ألهم األعالم البارزين يف ذلك العلم ثم جاءت اخلامتة مشتملة عىل ماتوصلنا إليه من
نتائج جديدة يف كل فروع العلوم.
ويف اخلتام ،نتمنى من اهلل العظيم أن نكون قد ُوفقنا يف هذا العمل الصغري ،ونرجو
منه أن ينفع به مؤلفه وقارئه ،ونرجو املعذرة عن كل خطأ أو سهو وقع بني أسطر هذه
الدراسة ،من غري قصد أو تعمد ،والكامل هلل وحده ،فإن أصبنا فمن اهلل تعاىل ،وإن أخطأنا
ٍ تعديل جيود به كل ٍ فمن أنفسنا ،وال يفوتنا أن نُبدي استعدادنا لكل ٍ
وباحث، ناقد ٍ ُ نقد ،أو
فهذا النقد ،أو التعديل لن يكون إال يف مصلحتي ،حيث س ُيسهم يف ظهور كتايب هذا
بصورة أفضل مما هو عليه ،ومن ثم جينبني الوقوع يف األخطاء نفسها يف مؤلفات قادمة
بإذن اهلل .واهلل املستعان ،وهو ولينا وموالنا.
المؤلف
الفصل األول
ِّ
الطــــب
ً
أوال :تعريفه:
لألصح ِ
اء ،ودفع المرض عن ِ الص َّحة ِ ف ابن خلدون ِع ْل ُم ال ِّط ِ
َّ ب ،بأنه« :حفظ ِّ َع َّر َ
بالمداواة ،حتى َي ْح ُص َل لهم ال َبر ُء من أمراضهم»(.)1
المرضى ُ
و َع َّر َف ُه ابن األكفاني بأنه« :علم ُي ْب َح ُث فيه عن بدن اإلنسان من جهة ما ُي ِص ُّح
و ُي ْم ِر ُض ،اللتماس حفظ الصحة وإزالة المرض»(.)2
()1ابــن خلــدون ،عبــد الرمحــن بــن حممــد :املقدمــة ،حتقيــق :خليــل شــحادة ،دار الفكــر (بــروت)2001 ،
.520/1
()2ابــن األكفــاين ،حممــد بــن إبراهيــم بــن ســاعد األنصــاري :إرشــاد القاصــد إىل أســنى املقاصــد يف
أنــواع العلــوم ،حتقيــق :عبــد املنعــم حممــد عمــر وآخــر ،دار الفكــر العــريب (القاهــرة ،د.ت) ص.171
كذلــك طــاش كــرى زاده ،أمحــد بــن مصطفــى :مفتــاح الســعادة ومصبــاح الســيادة يف موضوعــات
العلــوم ،دار الكتــب العلميــة (بــروت.303/1 )1985 ،
()3الســعيد ،عبــد اهلل عبــد الــرزاق مســعود :الطــب ورائداتــه املســلامت ،مكتبــة املنــار (الزرقــاء)1985 ،
ص.32-31
21
الفصل األول 22
ً
ثانيا :الطب في العصور القديمة:
ويعتبر الطب من أقدم العلوم التي عرفها اإلنسان منذ بدء الخليقة ،أي منذ أن عرف
األلم( ،)1واأللم ُقدِّ ر لإلنسان منذ مولده ،وتفنن البشر في العالج منذ أول التأوهات
التي تأوه بها أسالفه في الغابة األزلية( ،)2وقد قال مازح يداعب التاريخ ،إن أول من
مارس الطب من البشر هو سيدنا «آدم» عليه السالم عندما ساعد أ ّمنا «حواء» على
وضع أول طفل لهما(.)3
وال ُيعرف أين نشأ الطب على وجه الخصوص ،ويرجح أنه وليد بيئات متعددة،
وأقاليم مختلفة في أوقات متقاربة من عصور ما قبل التاريخ ،فمنذ أن وجد اإلنسان
على األرض وجد رغبة ملحة في العالج والقضاء على أمراضه وآالمه( .)4وقد وجدت
هذه الرغبة الغريزية لدى الحيوان؛ فالحيوان يمرغ جسده في التراب ،ليتخلص من
بعض الحشرات التي تؤذيه ،وعندما يصاب بجروح فإنه يلعق جروحه ،وكأنما يحس
بغريزته أن لعابه يحتوي على مادة قاتلة للجراثيم(.)5
بيد أنه ارتبط عند أغلب الشعوب القديمة بالسحر والكهانة ،فالمرض لم يكن -في
نظرهم -سوى أرواح شريرة حلت في األبدان أو في جزء منها ،وال أمل في الشفاء
()1أمحــد ،أمحــد عبــد الــرزاق :احلضــارة اإلســامية يف العصــور الوســطى ،دار الفكــر العــريب (القاهــرة،
)1997ص.125
()2الشطشــاط ،عــي حســن :تاريــخ اجلراحــة يف الطــب العــريب من القــرن (7-3هـــ13-9/م) منشــورات
جامعــة قاريونس (بنغــازي.33/1 )1999 ،
()3غليونجــي ،بــول :ابــن النفيــس ،اهليئــة املرصيــة العامــة للكتــاب (القاهــرة )1983 ،ص .6كذلــك
القــرين ،أمحــد حســنني :قصــة الطــب عنــد العــرب ،الــدار القوميــة للطباعــة والنــر (القاهــرة ،د.ت)
ص.10-9
()4حســن ،حممــد كامــل ،وآخــر :طــب الــرازي ـ دراســة وحتليــل لكتــاب احلــاوي ،دار الــروق
(القاهــرة )1977 ،ص.30-29
()5كــال ،حســن :كتــاب الطــب املــري القديــم ،املؤسســة املرصيــة العامــة للتأليــف والرتمجــة والطباعة
والنرش (القاهــرة.24/1 )1964 ،
23 ال ِّطب
منها ،إال بالرقى والتعاويذ وطرد األرواح الشريرة ،والساحر هو الجد األعلى للطبيب،
وسلف من أسالفه ،والساحر هو الطبيب الذي يعالج في أغلب األحيان أشياء عديدة(.)1
ومع هذا فقد أسهمت بعض هذه الشعوب بدور بارز في تقدم المعارف الطبية(.)2
وكان أول ما أثار اإلنسان األول ،الدين والطب ،فالقوى الطبيعية أثارت مخاوفه ،فاستعان
على ذلك بآلهة تصورها وخاف على نفسها من مغبة المرض ،وأفزعته آالم المصابين به
من أهله وذويه فاتجه إلى الطب( ،)3واستعان في أول األمر على محاربة المرض بالتعاويذ
والرقى(*) السحرية واألحجبة ،حتى وصل إلى مرحلة نضج فيها وعيه واستقام إدراكه ،ثم
نزلت عليه األديان السماوية ،فارتفعت أساليب تدينه ،واستقامت بالخبرة والوعي أساليب
المحافظة على صحته ،وسما بالعالج الطبي إلى مستوى يشرف إنسانيته(.)4
غير أن أطباء عصور ما قبل التاريخ لم يقف نشاطهم عند حد التمائم والخرافات،
بل لقد مارس بعضهم نوع ًا بدائي ًا في الطب الجراحي ال بأس به( .)5حيث عرفوا
العديد من األعمال الجراحية ،مثل :تضميد ولف الجروح والكسور ،واستخراج
ُ (*)
الخراجات وتجفيفها ،وعرفوا كذلك غرس اإلبر أو الدبابيس في ال َقذال
الدم من ّ
( )1مرحبا ،حممد عبد الرمحن :املوجز يف تاريخ العلوم ،منشورات عويدات (بريوت )1981 ،ص.91
( )2أمحد أمحد :احلضارة اإلسالمية ،ص.125
( )3عيل الشطشاط :تاريخ اجلراحة.34/1 ،
ٍ
الرقــى :مجــع رقيــة ،وهــي االســتعانة عــى أمــر بقــوى تفــوق القــوى الطبيعيــة -ســليم ،حممــد (*) ُّ
إبراهيــم :التــداوي بالقــرآن واالستشــفاء بالرقــى والتعاويــذ ،مكتبــة القــرآن (القاهــرة)1986 ،
ص 134هامــش (.)12
()4الطويــل ،توفيــق :لقطــات علميــة مــن تاريــخ الطــب العــريب ،عــامل الفكــر ،جملــة دوريــة تصــدر ربــع
ســنوية عــن وزارة اإلعــام يف الكويــت ،املجلــد اخلامــس ،العــدد األول (أبريــل ،مايــو ،يونيــو )1974
ص.246
( )5حممد مرحبا :املوجز ،ص.74
(*)القــذال :هــو مؤخــر الــرأس يف اإلنســان وفــوق القفــا يف الفــرس ابــن منظــور ،حممــد بــن مكــرت:
لســان العــرب ،حتقيــق عبــد اهلل الكبــر وآخــرون ،دار املعــارف (القاهــرة ،د.ت).
الفصل األول 24
للتخفيف من ضغط اآلالت العصبية على الدِّ ماغ( ،)1كما عرفوا جراحة التربنة ،أو ثقب
الجمجمة ،وال أحد يدري أين بدأت هذه الجراحة ،وإن دلت اآلثار على وجودها في
«أوروبا» و«البيرو» ،وكان هدف التربنة هو طرد الشياطين التي تصيب الرأس ،وتسبب
صداع ًا للرأس ونوبات من الصرع(.)2
ولسنا اآلن بصدد سرد كل التفاصيل لتاريخ الطب لدى الشعوب القديمة ،ولكننا
سنتطرق إلى أهم االتجاهات واألفكار التي بني عليها تاريخ الطب القديم ،حتى
نتمكن من وضع صورة صحيحة لنشأة الطب العربي(.)3
وتعتبر حضارة «سومر» و«بابل» و«آشور» في بالد ما بين النهرين إحدى حضارات
العالم القديم األصلية ،وكانت معاصرة لحضارة مصر القديمة ،وبينهما اتصال وتبادل
وثيق في شتى مجاالت الحياة(.)5
-2الطب السومري:
كانت بداية الحضارة في بالد ما بين النهرين على يد السومريين ،الذين أقاموا
مدونات كتابية وصلت إلينا هي المدونات السومرية (الكلدانية أو وإن أقدم ّ
البابلية) ،وإن كان هذا في حد ذاته ال يقوم دلي ً
ال على أن الحضارة السومرية هي أول
الحضارات ،فقد يكون هذا الكشف وليد ظروف ومصادفات(.)2
وهناك من يرى أن أول مهد للحضارة البشرية كان على ضفاف نهري دجلة
والفرات ،حيث بزغت أول حضارة بشرية قبل الميالد بثمانية آالف سنة،
فعرفت الكتابة المسمارية(*) على ألواح من الطين أو الحجارة ،وكانت هي
أول آثار مكتوبة أوصلتنا بإنسان ما قبل التاريخ ،كما عثر المنقبون على خاتم
أول طبيب سومري في حفائر عاصمة سومر «أور» ،يعود إلى ثالثة آالف سنة
قبل الميالد(.)3
-3الطب البابلي:
ورث البابليون الحضارة السومرية ،وكان الطب في بدايته تحت سيطرة الكهنة،
ومن ثم بدأت شخصية الطبيب تستقل بصورة تدريجية عن شخصية الكاهن(.)4
(*)رسجــون األكــدي :مؤســس الدولــة األكديــة ( 2150-2350ق.م) َو َّحــدَ العــراق متخــذ ًا اســم ملــك
ســومرو أكــد -ســليامن ،توفيــق :دراســات يف حضــارات غــرب آســيا القديمــة ،دار دمشــق (دمشــق،
)1985ص.120-118
()1عــرب ،مــريس حممــد :ملحــات مــن الــراث الطبــي العــريب ،منشــأة املعــارف (اإلســكندرية)1975 ،
ص .2 -1
( )2عيل احلايس ،تاريخ طب العيون ،ص.36
(*)الكتابــة املســارية :نســبة إىل القلــم الــذي يســتعمله الســومريون يف الكتابــة ،وهــو يشــبه املســار أو
اإلســفني -جمموعــة مؤلفــن :احلضــارة الليبيــة واحلضــارات الرشقيــة يف العصــور القديمــة ،مطبعــة
ماثيــو كرومــو (مدريــد )1985 ،ص.185
( )3حممد مرحبا :املوجز ،ص.89
( )4عيل احلايس :تاريخ طب العيون ،ص.37
الفصل األول 26
أما معرفة أصول الطب البابلي ،فتعود إلى اللوحات المسمارية التي وجد أكثرها
في مكتبة «آشور بانيبال»(*) في القرن الرابع قبل الميالد ،مضاف ًا إليها المتون البابلية
(*)
التي كشف عنها في مدينة «نيبور»(*) ،وفي نصوص شعرية منذ عهد «أور الثالث»
وأخرى ترجع إلى األلفية الثالثة قبل الميالد(.)1
وتعتبر شريعة «حمورابي» من أعظم الوثائق التي أمدتنا بمعلومات طبية عن قوانين
الجراحة عند العراقيين القدماء ،وتحدد موادها المكانة المرموقة للطبيب في المجتمع
العراقي القديم ،كذلك تحدد العقوبات التي يمكن أن ينالها الطبيب المهمل ،الذي
ُيخفق في إجراء عملية جراحية خاطئة(.)2
ومن هنا يتضح لنا أن قانون «حمورابي» يدل داللة واضحة على ممارسة البابليين
لعلم الجراحة ،وخاصة جراحة العيون(.)3
(*)آشــور بانيبــال :آخــر امللــوك العظــام الذيــن تربعــوا عــى عــرش اإلمرباطوريــة اآلشــورية ملــدة ثالثــن
عام ـ ًا ( 639- 668ق.م) -بايــك ،أي رويســتن :قصــة اآلثــار اآلشــورية ،ترمجــة :يوســف داود عبــد
القــادر ،مطبعــة أســعد (بغــداد )1972 ،ص.131
(*)نيبــور :مدينــة كبــرة من العهــد الســومري ،قــام بالتنقيــب عنهــا ألول مــرة العــامل ()H.V. HIilprecht
-لويــد ،ســيتون :آثــار بــاد الرافديــن مــن العــر احلجــري حتــى الغــزو الفــاريس ،ترمجــة :حممــد
طلــب ،دار دمشــق (دمشــق )1993 ،ص.147
(*)أور الثالــث :أحــد حــكام الســومريني ويف عهــده بــرزت مدينــة أور الســومرية -ســليم ،أمحــد أمــن:
دراســات يف تاريــخ الــرق األدنــى والقديــم ،دار املعرفــة اجلامعيــة (اإلســكندرية )1992 ،ص.106
()1غليونجــي ،بــول :دراســات يف الــراث العــريب (ابــن النفيــس) ،وزارة اإلرشــاد واألنبــاء (الكويــت،
د.ت) ص.15
()2جمموعــة مؤلفــن :رشيعــة محــورايب وأصــل الترشيــع يف الــرق القديــم ،ترمجــة أســامة رساس ،دار
عــاء الديــن (دمشــق )1993 ،ص.124
( )3عيل احلايس :تاريخ طب العيون ،ص.38
27 ال ِّطب
أول هرم مدرج في سقارة( ،)1الذي شيد للملك «زوسر – »Zosorمن األسرة الثالثة،
حيث كان أمحوتب وزير ًا له(.)2
وبلغت بعض فروع الطب عند المصريين القدماء درجة جيدة ،ففي مجال علم
التشريح ،عرفوا العظام وأجزاءها ،والقلب ،والكبد ،والطحال ،واألمعاء الغليظة
والمخ ...إلخ ،وذلك لمشاهدتهم هذه
والدقيقة ،والمثانة ومجرى البول ،والرئتينُ ،
األعضاء أثناء تحنيطهم لجثث موتاهم .وبالرغم من ذلك ،فإنه كان يتعذر عليهم معرفة
عالقة تلك األعضاء بعضها ببعض ،وأول رسالة في الطب أ ّلفت في مصر وهي في
علم الجراحة ،وكتبت على ورق البردي ،يرجع تاريخها إلى القرن السابع عشر قبل
الميالد ،وهي منقولة عن نسخة أصلية كتبت قبل ذلك التاريخ بحوالي ألف عام(.)3
أما في مجال اآلالت الجراحية ،فاستعملوا أنواع ًا مختلفة من آالت الكي والمشارط
والكالليب ،وذكروا أن لكل واحدة من تلك اآلالت استخدام ًا خاص ًا في مرحلة من
العملية ،ال تتعداه إلى غيرها(.)4
-5الطب الصيني:
إن أول دستور لألدوية في الصين ،هو كتاب «البنتساو – »Pentsaoأي «مجموعة
األدوية» ،وما تضمنه يعود تاريخه إلى ألفي سنة قبل الميالد .وتذكر الروايات التاريخية
أن اإلمبراطور الصيني «شن تونغ – »Shen Tongالذي كان يعرف خواص عدد كبير
من العقاقير النباتية والسموم قد ألف هذا الكتاب ،وهو يحتوي على عدد كبير من
العقاقير النباتية والسموم(.)5
( )1جارلند ،جوزيف :قصة الطب ،ترمجة سعيد عبيدة ،دار املعارف (القاهرة )1959 ،ص.26
( )2عيل الشطشاط :تاريخ اجلراحة.46/1 ،
( )3عيل الشطشاط :تاريخ اجلراحة.47 ،46/1 ،
( )4غليونجي ،بول وآخر :احلضارة الطبية يف مرص القديمة ،دار املعارف (القاهرة )1965 ،ص.27
( )5عيل الشطشاط :تاريخ اجلراحة.53/1 ،
الفصل األول 28
وقد عرف الصينيون النبض وما يحدث عليه من تغيرات بتأثير المرض ،واعتمدوا
في التطبيب على العقاقير النباتية والوسائل الطبيعية ،والحمامات والحجامة(.)1
كما أنهم ربطوا بين بعض األمراض ،وبين اختالف الفصول من حر وبرد ورطوبة
وجفاف ،فالحظوا كثرة أمراض الصدر في الشتاء ،وازدياد الحاالت العصبية في الربيع،
وكثرة الحميات في الخريف ،وتهيج األمراض الجلدية في الصيف ،كما حاولوا التوصل
إلى اكتشاف إكسير الحياة الذي يطيل حياة اإلنسان ،ويبعث البهجة والسرور في النفس(.)2
-6الطب الهندي:
إن أهم مصدر لمعلوماتنا الطبية لدى الشعب الهندي ،هو كتاب «الفيداس –
»Vedasالذي كُتب باللغة «السنسكريتية»(*) منذ أكثر من ثالثة آالف عام ،حسبما
يقال ،وهو مجموعة من الرقى والتعاويذ المستخدمة لعالج األمراض ،حيث آمن
الشعب الهندي بوجود أرواح للخير والشر(.)3
وعرف الهنود مهنة الطب ،من خالل تشخيص بعض األمراض ،والعالج بواسطة
األعشاب النباتية والمعادن واألدوية الحيوانية ،كما مارسوا القليل من الجراحة ،وإن
كان ُج ّلهم قد اتجه اهتمامهم نحو الطب الروحاني ،أي رياضة النفس إلى جانب
اهتمامهم برياضة البدن(.)4
()1عبــد الرمحــن ،حكمــت نجيــب :دراســات يف تاريــخ العلــوم عنــد العــرب ،جامعــة املوصــل (املوصل،
)1985ص.33
( )2أمحد أمحد :احلضارة اإلسالمية ،ص.127
(*)اللغــة السنســكريتية :هــي لغــة اهلنــد القديمــة .الكاتــب ،ســيف الديــن :أطلــس التاريــخ القديــم ،دار
الــرق العــريب (بــروت )2004 ،ص.87
(,1910 ,Max. Neuburger: History of medicine, translated by: Ernest Playfair, Oxford university press, London ) 3
.42 .p ,1 .Vol
( )4أمحد أمحد :احلضارة اإلسالمية ،ص.127
29 ال ِّطب
واستعمل األطباء الهنود بعض األدوية المصنوعة من أوراق األشجار وأزهارها وثمارها
وجذورها ،كما استعملوا القنب الهندي (الحشيش) وست الحسن (البالدونا) في التخدير(.)1
وأما أشهر علماء اليونان في الطب ،المعلم السابع «أبقراط» الذي انتهت
إليه صناعة الطب في عصره ( 365-460ق.م)( .)4ولم يعد يدانيه أحد من أهل
وطهره من
ّ وبوبه ،وبناه على أسس علمية صحيحة،
زمانه ،بعد أن رتّب الطب ّ
الخرافات واألساطير(.)5
وازدهر الطب عند الفرس ،وخاصة بعد أن صارت مدينة «جنديسابور»(*) أحد أهم
مراكز الطب ،بفضل إغالق مدرسة الطب في مدينة «الرها» عام 489م ،وما ترتب
على ذلك من هجرة أغلب علمائها من السريان ،وغيرهم إلى جنديسابور ،التي صارت
ملتقى العديد من الجنسيات العلمية من إغريق ويهود ونصارى وهنود وفرس ،شملهم
األكاسر بعطفهم وتشجيعهم ،فقاموا بتعليم الطب وإنشاء البيمارستانات ،مما جعل
طب جنديسابور أرقى بكثير من طب البالد المجاورة ،بما في ذلك بيزنطة وأنطاكية
واإلسكندرية إلى وقت ظهور اإلسالم(.)2
(*)ســابور األول بــن أردشــر األول وخليفتــه ،يعتــر مــن أعظــم ملــوك األرسة الساســانية ملــك فــارس
(272-241م) تــويف عــام (272م) -البعلبكــي ،منــر :معجــم أعــام املــورد ،دار العلــم للماليــن
(بــروت )1992 ،ص.228
( )1حكمت عبد الرمحن :دراسات ،ص.37 ،36
جنْديســا ُبور :مدينــة بخوزســتان بناهــا ســابور بــن أردشــر فنُســبت إليــه .احلمــوي ،ياقــوت بــن عبــد
(*) ُ
اهلل :معجــم البلــدان ،دار صــادر (بــروت.170/2 )1977 ،
( )2أمحد أمحد :احلضارة اإلسالمية ،ص.129 ،128
( )3البابا ،حممد زهري :تاريخ وترشيع وآداب الصيدلة ،مطبعة طربني (دمشق )1979 ،ص.24
31 ال ِّطب
وقد نشأت مدارس إقليمية في إيطاليا ،وفي بالد الغال (فرنسا) ،وفي (إسبانيا) في أواخر عصر
اإلمبراطورية الرومانية ،وكان الغرض من هذه المدارس هو إعداد أطباء وجراحين لإلسهام في
خدمة الجيش الروماني ،ومن أشهر أطبائهم «ديسقوريدس – »Discoridesحيث كان طبيب ًا
جراح ًا في الجيش الروماني ،وهو عالم في العقاقير المفردة ،وقد ألف كتاب ًا في ذلك(.)1
كرس حياته لدراسة السموم ،حيث ركَّب ترياق ًا زعم أنه يشفي
وأما «مترايداتوس» ،فقد ّ
منها كلها( .)2وثمة كذلك «سلوس» المؤلف الروماني في الطب ،الذي وصف استئصال
اللوزتين باألصابع ،وإزالة األورام من األنف ،وتثبيت األسنان المتخلخلة بالسلك ،كما
وصف مرآة لفحص األسنان ،وتكلم عن إصالح الفتق ،وغيره من األمراض(.)3
وأولى الرومان اهتمام ًا كبير ًا باألمراض أكثر من اهتمامهم بالعالج ،والدليل على
ذلك كثرة الحمامات العامة في مدنهم .ونظر ًا إلى كثرة حروبهم فقد اهتموا بالجراحة
اهتمام ًا كبير ًا(.)4
لم يكن للعصر البيزنطي أثر كبير على الطب العربي؛ ذلك أن الحضارة اليونانية
كانت في حالة ركود وانحطاط في هذه الحقبة التاريخية ،حيث لم يبق لتعاليم «أبقراط»
و«جالينوس» في أي مكان سوى بعض المخطوطات التي كانت قائمة في بعض
األديرة ،ونتيجة ذلك فقد رجع الناس إلى استعمال األحجبة والتعاويذ بدل األدوية،
وصار الطب في أيدي بعض الرهبان ،وصارت أفضل نصيحة للمريض أن يحتمل ألمه،
وأفضل العالجات الصالة وتقديم الذبائح ،حتى إن الطبيب «أتيوس العظيم» كان يشير
على مرضاه عند استعمال الدواء أن يصلوا أيض ًا لرب إبراهيم وإسحق ويعقوب حتى
يعطي قوة خاصة للدواء(.)1
الطب عبد العرب في العصر الجاهلي كان أغلبه متوارث ًا عن مشايخ الحي
وعجائزه ،اعتمد فيه التداوي بصفة أساسية على الكهانة والعرافة والزجر والعيافة،
والتنجيم والسحر والطلسم وعلم الحروف والرقى والتمائم ،باإلضافة إلى المعالجة
بالعقاقير النباتية والمعدنية واألشربة ،وخصوص ًا العسل الذي كان يمثل قاعدة العالج
في أمراض البطن ،أو االستعانة بالجراحة كال َف ْصد والحجامة والكي ،فقد نُسب إلى
لقمان الحكيم قوله« :كل داء حسم آخر األمر» وقوله« :آخر الدواء الكي» واستخدموا
النار في بتر األعضاء الفاسدة ،بواسطة حديدة مرهفة محماة على النار تسمى الحاسمة
أو القاطعة ،كما فعلوا بصخر بن عمر(*) ،لما نتأت من جوفه قطعة مثل الكبد ،إثر طعنة
أصابته في جنبه يوم ذات األثل(.)1
وفي العصر الجاهلي تحكمت فئتان في الطب :الفئة األولى ،وهي فئة العرافين
والكهان وزاجري الطير والسحرة والمشعوذين ،وفئة أخرى وهم الممارسون
المجربون .فاألولى استعانوا بالنجوم والتعاويذ والسحر والخرز واألحجار والرقى
والتمائم .أما الفئة الثانية ،فقد أقاموا الطب على أساس التجربة ،باالستعانة بأنواع
األعشاب والنباتات الطبية التي كثرت في الصحراء العربية(.)2
أما عن أطباء العرب في الجاهلية ،فكان على رأسهم «لقمان الحكيم» الذي أشار
إليه القرآن الكريم ،وزهير بن جناب بن هبل الحميري ،سيد قومه وطبيبهم ،وابن جذيم
التميمي ،الذي كان مضرب المثل بمعارفه الطبية ،فيقال« :أطب من ابن جذيم» وزينب
طبيبة بني أود التي كانت قد اكتسبت شهرة واسعة بين أطباء العرب ،وقيل :إنها كانت
خبيرة بالعالج ومداواة آالم العين والجراحات(.)3
ً
ثالثا :الطب في العصور اإلسالمية:
-1الطب في صدر اإلسالم:
وعن الطب في صدر اإلسالم واهتمام المسلمين به( ،)4قال صاعد األندلسي« :كانت
العرب في صدر اإلسالم ال تعنى بشيء من العلوم إال بلغتها ،ومعرفة أحكام شريعتها،
(*)صخــر بــن عمــرو بــن احلــارث :مــن بنــي ســليم ،وهــو أخــو الشــاعرة اخلنســاء املعروفــة تــويف نحــو
( 10ق.هـــ) -الــزركيل ،خــر الديــن :األعــام ،دار العلــم للماليــن (بــروت.201/3 )200 ،
( )1أمحد أمحد :احلضارة اإلسالمية ،ص.129
( )2عيل الشطشاط :تاريخ اجلراحة.80 ،78/1 ،
( )3أمحد أمحد :احلضارة اإلسالمية130-129 ،؛ كذلك حكمت عبد الرمحن :دراسات ،ص.38
( )4عيل الشطشاط :تاريخ اجلراحة.85/1 ،
الفصل األول 34
حاشا صناعة الطب ،فإنها كانت موجودة عند أفراد من العرب غير منكورة عند جماهيرهم
طر ًا إليها ،ولما كان عندهم من األثر عن النبي (ﷺ) في الحث عليها»(.)1
لحاجة الناس ّ
وعندما ظهر اإلسالم وترعرع ،أشاد القرآن الكريم في تعاليمه بالحكمة ،وجعلها
من ضمن النعم التي يسبغها الله على عباده المؤمنين(.)2
قال سبحانه وتعالىُ [ :ي ْؤتِي ا ْل ِحك َْم َة َم ْن َي َشآ ُء]( .)3ومن ضروب الحكمة التطبيب أو الطب،
ولهذا أطلق المسلمون على الطبيب اسم «الحكيم» ،وال يزال هذا االسم متداوالً بين بعض
الناس إلى يومنا هذا .وجعل اإلسالم هذه الصناعة نعمة من نعم الله على الناس ،واتخذت وظيفة
معترف ًا بها ولو لم تكن من أعمال المتدينين ،لهذا كثر اشتغال الناس بهذه المهنة في ظل الدولة
اإلسالمية ،هذا وقد عرفت األحاديث النبوية المتعلقة بالعالج والشفاء بـ «الطب النبوي» ،وكان
من هدى النبي(ﷺ) مداواة نفسه ،ويأمر بذلك لمن أصابه مرض من أهله أو أصحابه ،وكان
يستعمل األدوية المفردة ،ويبتعد عن األدوية المركبة ،وهذا ما اتفق عليه األطباء(.)4
كان معظم اعتماد الناس والخلفاء في العصر األموي والعصر العباسي األول على
أطباء غير عرب وغير مسلمين( ،)5فقد أخذ التطبيب يتأثر باالتجاه اليوناني منذ مطلع
العصر األموي ،وكان «لمعاوية بن أبي سفيان»(*) طبيبان نصرانيان من أهل دمشق
()1صاعــد األندلــي ،أبــو القاســم بــن صاعــد بــن أمحــد :طبقــات األمــم ،حتقيــق :حيــاة بوعلــوان ،دار
الطليعــة (بــروت )1985 ،ص.127-126
( )2عيل الشطشاط :تاريخ اجلراحة.86/1 ،
( )3سورة البقرة ،اآلية .268
( )4عيل الشطشاط :تاريخ اجلراحة.90 ،86/1 ،
( )5عيل الشطشاط :تاريخ اجلراحة.104/1 ،
(*)معاويــة بــن أيب ســفيان صخــر بــن حــرب بــن أميــة :أول اخللفــاء األمويــن ومؤســس الدولــة األموية
يف الشــام ،وأحــد دهــاة العــرب ،ولــد ســنة ( 20ق.هـــ603/م) أســلم يــوم فتــح مكــة ،تــويف ســنة
(60هـــ680/م) -خريالديــن الزركيل :األعــام.261/7 ،
35 ال ِّطب
هما« :ابن آثال» ،الذي كان على دراية جيدة باألدوية المفردة ،واآلخر« :الحكم بن أبي
الحكم الدمشقي»( ،)1الذي كان عالم ًا بأنواع العالج واألدوية ،وكان معاوية قد اعتمد
عليه في معالجة أفراد أسرته(.)2
وكان «خالد بن يزيد بن معاوية»(*) عالم ًا بالطب والكيمياء ،وهو أول من نقل طب
اليونان إلى العربية ،على النطاق الشخصي ،وذلك بعد أن فشل بالوصول إلى الخالفة(،)3
أما على نطاق الدولة ،فكان أول من اهتم بالطب بعد اإلسالم الخليفة األموي «مروان
ابن الحكم»(*) حيث ترجم له طبيبه «ماسرجويه» كتاب أهريد اإلسكندري المعروف
بالكناش( ،)4وجاء بعده «الوليد بن عبد الملك»(*) فاهتم بهذا العلم اهتمام ًا كبير ًا ،وبنى
بيمارستان ًا بدمشق عام (88هـ706/م) وجعل فيه األطباء ،وأمر بحبس المجذومين
فيه ،وأجرى عليهم األرزاق(.)5
أما طبيبات العصر األموي ،فكانت أشهرهن «زينب األودية» طبيبة بني أود ،التي
كانت على معرفة جيدة بطب العيون في ذلك العصر ،خبيرة بالعالج والجراحات(.)6
وهكذا يتضح لنا مما مر سابق ًا ،أن الطب العربي في عهد الدولة األموية اعتمد
بالدرجة األولى على بعض األطباء غير المسلمين ،ولم يظهر أطباء مسلمون
مبدعون؛ إال أنه كان له األثر الحسن في ظهور اإلرهاصات األولى لحركة
الترجمة والنقل(.)1
ازداد التأثير اإلغريقي بشكل واضح بعد أن انتقلت الخالفة إلى بني العباس في سنة
(132هـ750/م) بسبب استعانة خلفاء هذه الدولة بأطباء مدرسة «جنديسابور» التي
كانت تعد أحد مراكز الثقافة اإلغريقية ،واشتهرت بعلوم الطب والفلسفة(.)2
وارتفع مستوى الطب في زمن الدولة العباسية ارتفاع ًا ملحوظ ًا ،وعني خلفاؤهم بهذا
العلم عناية كبيرة ،فقد استخدم الخليفة «أبو جعفر المنصور»(*) الطبيب «جورجيس
ابن بختيشوع النسطوري»(*) رئيس األطباء بجنديسابور ،بعد أن مرض وأدركه ضعف
في معدته وسوء استمراء وقلة شهوة ،فأبراه من علته وصار طبيبه الخاص()3؛ ثم عاد
إلى جنديسابور مخلف ًا وراءه أحد تالميذه ،وهو «عيسى بن شهد»( )4طبيب ًا له ،ولكن
سرعان ما نفاه المنصور لعدم أمانته(.)5
ونشأت في العصر العباسي مدارس للطب كان فيها التدريس على منهجين :منهج
نظري يطبق في المدارس الطبية ،ويشمل دراسة األمراض وكيفية عالجها ،ومنهج
عملي ،يشمل التدريب والتمرين على كيفية التطبيب والمعالجة ،يجتمع بموجبه
الطالب حول رئيس األطباء ليشاهدوا طرق الفحص ووصف العالج ،وإذا قضوا مدة
اإلجازة تقدموا لالمتحان ،ثم أقسموا اليمين ،ونالوا الشهادة ،ومن بعد ذلك يحق لهم
حماية الطب تحت رقابة الدولة(.)3
وما كادت عجلة األيام تدور في العصر العباسي حتى أجاد المسلمون في كل
فرع من فروع الطب ،وصححوا ما كان من أخطاء العلماء السابقين تجاه نظريات
بعينها ،ولم يقفوا عند حد النقل والترجمة فقط ،وإنما واصلوا البحث ،وصوبوا
أخطاء السابقين(.)4
ً
رابعا :أهم إسهامات المسلمين في علم الطب:
لم يكتف العرب بما أخذوه من علم الطب وبما كان لديهم ،وإنما قاموا بالدراسة
والتجارب والتأليف ،فتركوا مآثر وإنجازات مهمة في هذا الحقل نذكر منها(:)1
-1علم الجراحة:
كان علم الجراحة في بداية الدولة اإلسالمية من الصناعات الممتهنة التي يجب أن
يتعفف الطبيب عن ممارستها( ،)2وكانوا يسمونه «صناعة اليد» .وبقي فترة من اختصاص
والفصد والبتْر،
ْ الحالقين والحجامين ،يقومون بالعمليات الجراحية البسيطة كالكي
تحت إشراف وإرشاد األطباء الذين كانوا يستقون معلوماتهم الجراحية مما كتبه
«أبقراط ،وبولس ،وجالينوس» وغيرهم .لكن هذه الحالة لم تدم طويالً ،فبظهور قسم
من عباقرة الطب عند المسلمين سار هذا العلم خطوات نحو التجديد واإلبداع(.)3
ولم يبتدئ العرب باالشتغال بالجراحة واالهتمام به كعلم مستقل إال في عصر
متأخر ،وكان أبو بكر الرازي أول المهتمين به ،إال أنه لم يقم بإجراء العمليات الجراحية
بنفسه ،بل كان يذكرها فقط ،وكان غيره يقوم بها(.)4
ثم جاء أبو العباس المجوسي فشرح عملية شق العجاني على الحصاة( ،)5وجاء
بعده ابن سينا فشرح الكثير من العمليات الجراحية ،إال أنه لم يقم بتنفيذها أيض ًا .وفي
أوائل القرن الحادي عشر الميالدي ازدهر العصر األندلسي بأبي بكر محمد بن مروان
ابن زهر (ت432 :هـ1037/م)( ،)1إال أن أبا القاسم خلف بن عباس الزهراوي تصدر
جميع هؤالء األطباء ،وأصبح رائد ًا في علم الجراحة ،حيث ّفرق بين الجراحة ،وغيرها
من المواضيع الطبية وجعل أساسها يستند على درس التشريح(.)2
مارس األطباء إجراء عمليات متعددة في البطن والمجاري البولية والمثانة وكسور
العظام وخلعها ،وعمليات األنف واألذن والحنجرة ،وكذلك جراحة األوعية الدموية،
وغيرها من العمليات الجراحية األخرى ،وكذلك أدخلوا تجديدات كثيرة على علم
الجراحة ومداواة الجروح ،ونجحوا في عملية شق القصبة الهوائية ،وإيقاف نزيف الدم
بربط الشرايين الكبيرة ،وهو س ْب ٌق علمي كبير ا ّدعى تحقيقه ألول مرة الجراح الفرنسي
«أمبراواز باري – )*(»Ambroise Pareسنة (1552م) في حين أن الزهراوي قد حققه
قبله بستمائة سنة ،وعرفوا كيفية خياطة الجروح بشكل داخلي ،حيث ال يترك شيئ ًا
ظاهر ًا منها ،والتدريز في جراحات البطن ،وكيفية الخياطة بإبرتين وخيط واحد مثبت
بهما( ،)3واستعمل الخيوط المتخذة من أمعاء القطط في جراحات األمعاء ،وأوصى
الزهراوي في كل العمليات الجراحية في النصف السفلي من اإلنسان ،أن يرفع
الحوض واألرجل قبل كل شيء ،وهذه الطريقة اقتبسها الغرب منه ،واستعملوها كثير ًا
الجراح األلماني «فريدريك ترند لنبورغ(*) Frederich
في قرننا الحالي ،فعرفت باسم ّ
،»Trendelongburgولكن َم ْن يذكر أفضال الجراح العربي العظيم(.)4
ولعل المسلمين كانوا من أوائل من أشاروا إلى ما يسمى اآلن بجراحة التجميل،
وقد ب ّينوا كيفية هذه الجراحة في الشفة واألنف واألذن ،حينما تطرأ عليهما الضخامة
من نتوء بارز أو قطع ،بحيث تعود هذه األعضاء إلى حالتها الطبيعية ،فيرتفع القبح
الناشئ عن اللحمة الزائدة(.)1
كما استعمل األطباء العرب أنواع ًا مختلفة من وسائل التخدير ،فاستعملوا المخدر،
كاألفيون والحشيش والشوكران وغيرها ،وكذلك استعملوا في التخدير الثلج والماء البارد(.)2
أما أهم أنواع التخدير عندهم فكانت استعمال االستنشاق بواسطة ما يسمى «اإلسفنج المنوم»
ومنومة و ُيحفظ و ُيب ّلل قبل استعماله للتخدير ثم يوضع فوق الفم
الذي ُيغمر بمواد عطرية ّ
عربي لم ُيعرف من قبلهم(.)4 واألنف( ،)3وأن استعمال اإلسفنجة المخدرة ،هو أص ً
ال ف ٌن ٌ
-2آالت الجراحة:
لقد أولى األطباء العرب المسلمون اآلالت واألدوات الجراحية اهتمام ًا كبير ًا ،وقد
كان لهم اليد الطولى في تطويرها ،وتصميم العديد منها ،مما يدل على السبق الذي
حققوه في هذا المجال(.)5
هذا وقد أجريت حفريات في مدينة الفسطاط كشفت عن كثير من اآلالت واألدوات
الجراحية .وبالرغم من أن تاريخ صنع هذه اآلالت لم يحدد ،إال أنه من المعتقد أنها من
عصر سابق للعصر الفاطمي في مصر ،وإذا ما قارنا بين هذه اآلالت واألدوات ،وبين التي
وصفها الزهراوي في المقالة الثالثين من كتابه «التصريف» اتّضح لنا الخطوات التي خطتها
تلك اآلالت واألدوات نحو الرقي والتقدم ،وقد اشتملت على مجموعة كبيرة من المكاوي،
والمجسات المعدنية ،والمباضع ،وخافض اللسان ،والمالقط ،والجفوت (جمع جفت)
المختلفة األشكال واألحجام ،لوضع المواد الكاوية على البواسير واللهاة الملتهبة(.)1
ويحتوي كتاب الزهراوي (التصريف) على حوالي مائتي آلة جراحية شرح طريقة
ووضح استخدامها ،وذكر أحيان ًا مادة صنعها ،ولكن الناسخ ترك ثمانية
ّ عملها
وخمسين رسم ًا لم ينجزها ،حيث ترك فراغ ًا في عدد من األماكن ،وتتضمن تلك
الرسومات أشكاالً مختلفة ومتنوعة ،من الصنانير والمشارط والمسابر والمجارد
والجفوت والكالليب والمثاقب والمجسات(.)2
وفي مجال آالت الجراحة النسوية ،يحتمل أن يكون الزهراوي هو الذي اخترع
المقص الجراحي النموذجي ،كذلك صمم آلة لدفع طرف الوليد إذا سقط من الرحم
المهبلي ،Vaginal speculumوملقط الجنين الذي سمي فيما بعد بملقط «شامبر –
.)3(»Chamberlen’s Forceps
-3علم التشريح:
()1عــوض ،هنــري أمــن :ملحــة عــن اجلراحــة يف فجــر اإلســام بمــر ،أبحــاث وأعــال املؤمتــر العاملــي
الثــاين عــن الطــب اإلســامي املنعقــد بالكويــت خــال الفــرة ( 92مــارس إىل 2أبريــل 2891م)
ص.872
( )2عيل الشطشاط :تاريخ اجلراحة.188/1 ،
( )3نفس املرجع والصفحة.
( )4حكمت عبد الرمحن :دراسات ،ص.67
الفصل األول 42
جالينوس الطبية ،ورتبوها ودرسوها ودونوا عليها الحواشي واختصروا قسم ًا منها،
بحيث أصبحت سهلة الفهم كثيرة الوضوح ،فقد جمع ابن سينا في كتابه «القانون»
كل ما كتبه جالينوس عن التشريح في مؤلفات عديدة ومتفرقة ،وجعل قراءتها
سهلة وفهمها واضح ًا ،ودرس ابن النفيس كتاب ابن سينا ،وع ّلق عليه ،فألف كتاب ًا
سماه «شرح تشريح القانون» ،وبهذا يكون العرب قد أنقذوا مؤلفات جاليونس من
التلف والضياع بترجمتها إلى العربية وشرحها ،إذ إن النسخ اليونانية األصلية فقدت
جميعها ،ولم يبق منها غير النسخ العربية ،وهي كتاب «تشريح األموات» ،كتاب
«تشريح األحياء» ،كتاب «علم أبقراط في التشريح» ،كتاب «آراء أرسطراطس في
التشريح» وكتاب «تشريح الرحم»(.)1
وقد برع ابن طفيل (ت581 :هـ1185/م) في تشريح األجسام الميتة والحية؛ وقد
َش َّرح ظبية حيةَ ،
وش َّق عن قلبها ،وذكر أن الدم الموجود في القلب كالدم الموجود في
سائر الجسد ،وأنه متى سال من الجسم تجمد(.)2
والدارس لكتب الطب العربية يجد أن األطباء العرب قد وصفوا بعض أجزاء
الجسم ،كالقلب والعين والكبد وعضالت األمعاء وصف ًا دقيق ًا وصحيح ًا ،مما يؤيد
قول البعض من أنهم مارسوا عمليات التشريح البشري بصورة سرية ،ويؤكد ذلك
أيض ًا مخالفتهم آلراء الكثير من األطباء اليونانيين(.)3
ويمكن إيجاز مآثر األطباء المسلمين ،وعلى رأسهم ابن النفيس في مجال علم
التشريح فيما يأتي:
أ-اكتشاف الدورة الدموية الصغرى التي تجري في الرئة ،ويمر الدم خاللها من
( )1خريا اهلل ،أمني أسعد :الطب العريب ،دار صادر (بريوت )1946 ،ص.162
( )2راغب الرسجاين :قصة العلوم ،ص.57
( )3حممود احلاج قاسم :املوجز ،ص.21
43 ال ِّطب
الشريان الرئوي إلى القلب ،وهذا االكتشاف هو الذي مهد الطريق للعالم «وليم
هارفي»(*) ليكتشف الدورة الدموية الكبرى(.)1
ث-انتقدوا وصف جالينوس للهيكل العظمي( ،)4فقد بين عبد اللطيف البغدادي
(ت619 :هـ 1222/م) أن الفك األسفل قطعة واحدة ،وليس قطعتين بعد أن
فحص أكثر من 2000جمجمة بشرية(.)5
(*)وليــم هــاريف (1657-1578م) طبيــب إنجليــزي ،وهــو مؤســس علــم وظائــف األعضــاء عــن طريــق
وصــف الــدورة الدمويــة الكــرى -املوســوعة احلــرة
http://en.wikipedia.org/wiki/Wiliam-Harvy
( )1راغب الرسجاين :قصة العلوم ،ص.58
( )2راغب الرسجاين :قصة العلوم ،ص.58
( )3نفس املرجع والصفحة.
( )4حكمت عبد الرمحن :دراسات ،ص.67
( )5راغب الرسجاين :قصة العلوم ،ص.59
( )6حكمت عبد الرمحن :دراسات ،ص.68
( )7راغب الرسجاين :قصة العلوم ،ص.59
الفصل األول 44
خ-معرفتهم أن الدم يجري إلى الرئتين حيث يتجدد ،ويتشبع بالهواء ،وليس
لمدهما بالغذاء ،وهذا ما أكده وليم هارفي فيما بعد(.)1
ذ-برع العرب في تشريح العيون وجراحتها( ،)3حيث وصف ابن سينا عضالت
العين في كتاب القانون ،وبين أن العضالت المحركة للمقل هي ست عضالت،
عرف العين بأنها
أربع منهما في جوانبها األربع فوق وأسفل .أما ابن النفيس فقد َّ
«آلة للبصر وليست باصرة ،ومنفعة هذه اآللة تتم بروح مدرك يأتي من المخ»،
وهذا ما أثبته العلم حالي ًا(.)4
-4طب العيون:
كان المسلمون يطلقون اسم الكحالة على طب العيون ،وكانوا يسمون المشتغلين
الكحالين ،وقد قام المسلمون بترجمة ما وصلهم من كتب علم
ّ به من األطباء باسم
الكحالة من الهند واليونان والرومان(.)6
تصدى األطباء المسلمون ألمراض العين ،بسبب كثرتها وانتشارها في البالد الحارة
( )1نفس املرجع والصفحة.
( )2راغب الرسجاين :قصة العلوم ،ص.59
( )3حكمت عبد الرمحن :دراسات ،ص.68
( )4راغب الرسجاين ،قصة العلوم ،ص.60
( )5نفس املرجع والصفحة.
( )6املرجع نفسه ،ص.61
45 ال ِّطب
كمصر والشام والعراق ،فعمدوا إلى تشريح عيون الحيوانات التي ال تختلف كثير ًا عن
عين اإلنسان ،ونجحوا في التمييز بين طبقات بداخلها هي الملتحمة ،وهي طبقة بيضاء
رقيقة تلتحم حول استدارة القرنية ،وتلتحم بجميع جوانب العين(.)1
وإلى جانب ما توصلوا إليه من إجراء العمليات الجراحية لقدح الماء األزرق،
أجروا عمليات جراحية لقدح الماء األبيض (الساد) .وابتكروا فيها ست طرق
كانت إحداها بواسطة المص ،وكانوا يستخدمون في ذلك أنبوب ًا زجاجي ًا رقيق ًا،
يدخلونه من مقدمة العين ،ويفتتون به العدسة المعتمة ،ثم تمتص هذه العدسة بعد
ذلك .وكانت هذه العملية أحدث عملية جراحية لعالج الساد آنذاك .وهناك شبه
كبير من حيث المبدأ بين تلك العملية والعملية المتطورة التي تجري اآلن رغم
الفارق في المعدات(.)2
وقد تطورت الكحالة على يد اثنين من أشهر الكحالين المسلمين هما :أبو
القاسم عمار بن علي الموصلي (ت400 :هـ1010/م) ،وعلي بن عيسى الكحال (ت:
430هـ1039/م)( )4وكان األول خبير ًا في طب العيون وإجراء العمليات الجراحية،
أما علي بن عيسى فقد اشتهر إلى جانب حذقه بمهنة الكحالة بكتابه المعروف باسم
«تذكرة الكحالين»(.)5
-5طب األطفال:
ف أطباء العصر اإلسالمي أيض ًا طب األطفال ِ
والع َل ُل ،التي كانت تعرض لهم و َع َر َ
وطرق عالجها ،فقد بحثوا في علم األجنة واألعراض الناتجة عن الوراثة ،ومواليد
والمرضعة ،والشروط الواجب توافرها فيها ،وأصناف
السبعة أشهر وأصول تربيتهمُ ،
الحليب( ،)1وأجمعوا على أن حليب األم هو أفضل أنواع الحليب للطفل ،فقد أوصى
علي بن العباس المجوسي في كتابه «كامل الصناعة الطبية» بضرورة« :أن يكون رضاع
المولود من لبن والدته ،فإن ذلك أوفق األلبان لطبعه ،وأما إذا دفعت الضرورة إلى أن
يتغذى بلبن غير لبن والدته بسبب قلة لبنها ،أو لسبب مر أو غير ذلك من األسباب المانعة
فليختر من النساء من كان سنها خمس ًا وعشرين إلى أربعين ومن كان بدنها صحيح ًا»(.)2
ال بقول كما أوصى األطباء المسلمون بأن تكون مدة الرضاعة عامين كاملين عم ً
ِ َ ِ ()3 الله تعالى :بسم الله الرحمن الرحيم [والواِلدَ ِ
ات ُي ْر ِض ْع َن َأ ْوالَ َد ُه َّن َح ْو َل ْي ِن كَامل ْين] َ
الف َطام تدريجي ًا ،وفي األوقات المعتدلة المناخ ،وحذروا كذلك من ِ
الف َطا ِم وأن يكون ِ
ُ
في الصيف الحار ،أو في الشتاء القارص(.)4
ويعتبر كتاب الطبيب العربي أبي الحسن أحمد بن محمد الطبري (ت336 :هـ976/م) من
أقدم المخطوطات الموجودة في طب األطفال نظر ًا لعدم توافر نسخة عربية ،ومن مؤلف
الرازق السابق ،الذي توجد له ترجمات باإليطالية واإلنجليزية وقديم ًا بالعبرية والالتينية(.)5
واهتموا أيض ًا باألمراض التي تصيب األطفال ووسائل عالجها ،كالسعال والمغص
الح َلمات،
واإلسهال والقيء ،وورم اليافوخ والفطاش ،وتجمع الماء في رؤوس َ
وورم الحلق ،واللوزتين ،وحكة األذن ،وانتفاخ العين ،وأمراض التسنين ،وقطع السرة
ونتوؤها ،والكزاز الذي ينتج من جرح السرة ،وثقب المعدة(.)1
وكانوا على دراية واسعة بأمراض العضالت واألعصاب ،أي شلل األطفال ،والبول
في الفراش ،وأساليب الختان(.)2
تناول األطباء المسلمون األمراض التي تعرض للنساء تناوالً ينم عن سعة اطالع
وعمق استنتاج ،فقد تحدثوا عن اضطراب الطمث والدورة الشهرية ،واآلالم المرافقة
وضمن ابن
ّ َب الرازي في أمراض النساء والوالدة،لذلك ،وتشريح الرحم وأمراضه ،و َكت َ
ال عن أمراض النساء والوالدة،سينا الجزء الثالث من قانونه الحادي والعشرين كالم ًا مفص ً
بما في ذلك مختلف األمراض التي تعرض للرحم ومسبباتها ،والحامل وما يعتريها أثناء
الحمل والوالدة( .)3ونجد في الفصل األول من المقالة األولى وصف ًا تشريحي ًا دقيق ًا
للرحم ،وأنه «آلة التوليد التي لإلناث ..وليس يستتم تجويفها إال عند استتمام النمو،
ال وال يحتاج إليه ،وموضعها خلف المثانة ،ومن ُقدَّ ام ِ
الم َعى، ألنه يكون قبل ذلك معط ً
وطولها المعتدل في النساء ما بين ستة أصابع إلى أحد عشر أصبع ًا ...والرحم تغلظ
وتثخن وكأنها تسمن ،وذلك في وقت الطمث ،ثم إذا ظهرت ذبلت ويبست ،ولها أيض ًا
ترفق مع عظم الجنين ،وانبساطها بحسب انبساط جثة الجنين ،ورقبة الرحم عضلية،
وفيها مجرى محاذية لفم الفرج ...ومنها تبلغ المني ،وتقذف الطمث ،وتلد الجنين»(.)4
ورغم أن الشريعة اإلسالمية قد حرمت الخلوة بالمرأة والدخول عليها ،ورغم أن
غالبية نساء المسلمين كن يخجلن أن يفحصهن األطباء من الرجال في أمراضهن الخاصة؛
لذلك حرص هؤالء األطباء على تعليم القوابل طرق فحص النساء ومعالجتهن(.)1
ويفهم من المؤلفات العربية في الطب اإلسالمي أن هؤالء األطباء كانوا على دراية
واسعة ،بالعديد من األمراض النسائية وطرق عالجها ،كاحتباس الطمث وأسبابه،
واألوجاع المصاحبة لهِ ،
وعلل الرحم من اختناق وسيالن وبثور وقروح وحكة وناصور
وأورام حارة وسرطان ،والعقر وعسر الحبل واإلسقاط واألسباب المفضية إلى كل منها،
والحمل خارج الرحم ،والوالدة المتعسرة وأسبابها ،وخروج الجنين على غير الشكل
الطبيعي ،الذي تحدث الزهراوي عن بعض حاالته وكيفية التدبير في كل حالة(.)2
هذا وينسب إلى الزهراوي أيض ًا الفضل في ابتكار آلة خاصة لتوسيع باب الرحم
ال خاص ًا من كتابه «التصريف»
أثناء الوالدة ،ومرآة خاصة بالمهبل( .)3كما أفرد فص ً
لآلالت واألدوات الجراحية المستخدمة في هذا المجال(.)4
كما يرجع إلى علي بن العباس المجوسي الفضل في تصحيح نظرية أبقراط
(*)
الخاصة بتحرك الجنين تلقائي ًا في جوف أمه ،وإلى خروجه من الرحم بفضل هذه
الحركة ،إذ برهن إلى أن ذلك يرجع إلى انقباض عضالت الرحم التي تدفع بالجنين
إلى الخارج(.)5
وهكذا نرى أن األطباء العرب المسلمين قد أولوا أمراض النساء والوالدة اهتمام ًا
كبير ًا ،ويظهر ذلك جلي ًا من خالل ما تركوه لنا في هذا المجال مما يمكن اعتباره حجر
األساس في بناء الهيكل الطبي الحديث ،ومثل هذه الجهود الكبيرة كان لها أثر عظيم،
في الدفع بعجلة التقدم الطبي خطوات عديدة لألمام(.)1
-7البيمارستانات:
ومع هذا فينسب إلى الخليفة العباسي «هارون الرشيد»(*) بناء أول بيمارستان على
(*)
نمط بيمارستان جنديسابور ،فقد أوكل إلى طبيبه الخاص «جبرائيل بن بختيشوع»
باإلشراف على تشييده في مدينة بغداد(.)1
والبيمارستانات عند العرب عرفت بنوعين هما:
-١البيمارستانات الثابتة.
-٢البيمارستانات المحمولة (المتنقلة).
ً
أوال :البيمارستانات الثابتة:
وهي ما كان بناؤها ثابت ًا ال ينتقل أو يتغير مكانه ،وهذا النوع من البيمارستانات كان
منتشر ًا في كثير من البلدان اإلسالمية ،كالقاهرة وبغداد ودمشق ،وال يزال بعض آثارها
باقي ًا كالبيمارستان المنصوري ،والبيمارستان المؤيدي بالقاهرة ،والبيمارستان النوري
الكبير بدمشق ،وغيرها(.)2
وقد وصلت البيمارستانات الثابتة في المدن الكبرى إلى درجة راقية جد ًا في
ُقسم إلى أقسام بحسب التخصص،
المستوى ،وكانت هذه البيمارستانات العمالقة ت َّ
فهناك أقسام لألمراض الباطنة ،وأقسام للجراحة ،وأقسام لألمراض الجلدية ،وأقسام
ألمراض العيون ،وأقسام لألمراض النفسية ،وأقسام للعظام والكسور وغيرها(.)3
ولم تكن تلك البيمارستانات مجرد دور للعالج ،بل كانت ُك ّليات طب حقيقية على
أرقى مستوى؛ فكان الطبيب المتخصص (األستاذ) يمر على الحاالت في الصباح(،)4
(*)كان مشــهور ًا جيــد التــرف باملــداواة ،حظــي عنــد اخللفــاء العباســيني -ابــن أيب أصيبعــة :عيــون
األنبــاء ،ص.187
( )1ابن أيب أصيبعة :عيون األنباء ،ص.190
( )2حكمت عبد الرمحن :دراسات ،ص.73-72
( )3حكمت عبد الرمحن :دراسات ،ص .75كذلك راغب الرسجاين :قصة العلوم ،ص.78
( )4السباعي ،مصطفى :من روائع حضارتنا ،دار الثقافة (بريوت1968 ،م) ص.145
51 ال ِّطب
وهي المستشفى الذي ينقل من مكان إلى آخر حسب الحاجة إلى مقتضيات العمل
عند انتشار األمراض واألوبئة ،أو بسبب الحروب ،أو في السجون ،وهو ما نسميه
اليوم «اإلسعاف – .)2(»Ambulance
وكان الرسول (ﷺ) أول من أمر بإنشاء مستشفى حربي متنقل أثناء معركة الخندق
(5هـ627/م) وقد أصيب «سعد بن معاذ»(*) في المعركة ،فجعله الرسول (ﷺ) في
الخيمة التي أنشأها في المسجد ،وأعدت للمصابين من أثر الحرب ،وكانت «رفيدة»
(*)
ونختم هذا الحديث بالنتائج التي نحب أن نلفت إليها األنظار بعد هذه المقارنات،
أننا في حضارتنا كنا أسبق من الغربيين إلى تنظيم المستشفيات بتسعة قرون على
األقل ،وأن مستشفياتنا قامت على عاطفة إنسانية نبيلة ال مثيل لها في التاريخ ،وال
يعرفها الغربيون حتى اليوم ،وأننا بلغنا في تحقيق التكافل االجتماعي حدّ ًا لم تبلغه
الحضارة الغربية حتى اليوم؛ حين جعلنا الطب والعالج والغذاء للمرضى بالمجان،
بل حين أعطينا الفقير من المال ما ينفق على نفسه حتى يصبح قادر ًا على العمل .إن
هذه نزعة إنسانية بلغنا فيها الذروة يوم كنا نحمل لواء الحضارة ،فأين نحن منها اليوم؟
()2
وأين منها الغربيون؟
(*)ســعد بــن معــاذ بــن النعــان بــن امــرئ القيــس األويس األنصــاري :صحــايب جليــل ،مــن األبطــال
مــن أهــل املدينــة ،كانــت لــه ســيادة األوس ،ومحــل لواءهــم يــوم بــدر ،ورمــي بســهم يــوم اخلنــدق
فــات ،ودفــن بالبقيــع ســنة (5هـــ626/م) -الــزركيل :األعــام.88/3 ،
(*)رفيــدة األســلمية :صحابيــة جماهــدة ،كانــت تــداوي اجلرحــى وحتتســب بنفســها عــى خدمــة مــن
كانــت بــه ضيعــة مــن املســلمني -كحالــة ،عمــر رضــا :أعــام النســاء يف عاملــي العــرب واإلســام،
مؤسســة الرســالة (بــروت ،د.ت) .451/1
( )1حكمت عبد الرمحن :دراسات ،ص.76
( )2راغب الرسجاين :قصة العلوم ،ص.82
الفصل الثاني
علم النبات
ً
أوال :تعريف علم النبات :Botany
ف علم النبات في مصطلحه الحديث بأنه« :هو العلم الذي يبحث في دراسة النبات»(.)1
ُع ِّر َ
و َع َّرف ُه طاش كبرى زاده بأنه« :علم يبحث عن خواص نوع النباتات وعجائبها
وأشكالها ومنافعها ومضارها ،وموضوعه نوع النبات ،وفائدته ومنفعته والتداوي به»(.)2
هو ذلك الفرع من علم الحياة (البيولوجيا) الذي يتعامل مع النباتات ،ويشمل
دراسة البنية ،الخواص ،والعمليات الكيميائية الحيوانية لكل صور الحياة النباتية(.)3
ً
ثانيا :علم النبات في العصور القديمة:
ترجع معرفة اإلنسان بالنبات إلى عشرات اآلالف من السنين ،عندما اتخذها غذا ًء
وكسا ًء وعقار ًا ،وتأتي حضارة الفراعنة واآلشوريين والبابليين والهنود والصينيين
لتقدر النباتات حق قدرها لهذه المجاالت ،إال أن الشذرات العلمية المهمة التي خلفها
العلماء وغيرهم ،ال تمكن من تأريخ المعرفة النباتية علم ًا له أصوله ومنهجه بدء ًا من
هذه الحضارات؛ ذلك ألن علم تلك األزمنة كان ال يتعدى خبرات ومهارات مارسها
()1جممــع اللغــة العربيــة ،معجــم البيولوجيــا يف علــوم األحيــاء والزراعــة ،اهليئــة العامــة لشــؤون املطابــع
األمرييــة (القاهــر1984 ،م) .31/1
( ) 2طــاش كــرى زادة ،أمحــد بــن مصطفــى :مفتــاح الســعادة ومصبــاح الســيادة يف موضوعــات العلــوم،
دار الكتــب العلميــة (بــروت1985 ،م) .307/1
( )3أمحد ،هاشم :علم النبات ،هال بوك تشوب (اإلسكندرية ،د.ت) ص.7
55
الفصل الثاني 56
المشتغلون بأموره ،كما كان أغلب األمر طبقي ًا تحتكره فئات بعينها ،ولعلها كانت
تمارسه خفية ،مما أضفى عليه سمة الكهانة والسحر(.)1
وينبغي أن يكون التأريخ لعلم النبات من بدء ظهور المصادر المدونة على
النحو السليم .ويمكن أن نحدد العصر اإلغريقي ـ بهذا المفهوم ـ نشأة له بدء ًا
من أرسطو وثيوفراستيس ،فاألول اهتم بعلم الحيوان ،وترك لزميله وتلميذه ثيو
فراستيس ( 288-372ق.م) ليكتب أقدم كتب العالم في هذا التخصص وهو
«تاريخ النباتات» و«علل النباتات» فاألول ( )409/1وصفي ،والثاني فلسفي
فسيولوجي(.)2
ً
ثالثا :إسهامات المسلمين في علم النبات:
اهتم العرب بالنباتات واألشجار واعتنوا بها كثير ًا ،لما كانوا يحتاجونه من هذه
النباتات لرعي مواشيهم ،وكانت أسماء هذه النباتات تأخذ حيز ًا كبير ًا من لغتهم ،حيث
اتصلت اتصاالً وثيق ًا بهاّ ،
فدونت معها ،وحفظت في دواوينهم(.)3
الأول :االهتمام بالنبات من منطلق لغوي ،وقد اهتم معظم ال ُكتَّاب بذلك ،فأشاروا
في مباحثهم إلى أسماء النبات وأصولها ،ورتبوها في فصول تناسب مع دراساتهم،
كاألصمعي والفراهيدي والتميمي والمازني ،وغيرهم(.)4
()1النوهيــي ،عبــد الســام حممــد :موســوعة احلضــارة العربيــة اإلســامية ،علــم النبــات ،املؤسســة
العربيــة للدراســات والنــر (بــروت 1995م) .409/1
( )2املرجع نفسه.410-409/1 ،
( )3عيسى ،أمحد :تاريخ النبات عند العرب ،مطبعة االعتامد (القاهرة1944 ،م) ص.8
( )4فرشوخ ،حممد أمني :موسوعة عباقرة اإلسالم ،دار الفكر العريب (بريوت.160/5 )1995 ،
57 عالم النبات
الثاني :دراسة النبات من وجهة الفالحة ،في معرفة األراضي ،والنبات والخصوبة،
والسماد .وفي هذا الباب يزاد ما يسمى «فالحة الحيوان» أي تربية المواشي ،والعناية
بغذائها وأمراضها(.)1
الثالث :دراسة النباتات الداخلة في صناعة العقاقير ،وقد اهتم األطباء والكيميائيون
والصيادلة المسلمون بنباتات الجزيرة حيث عاشوا ،أو في بالد المغرب ،واألندلس،
ومصر ،والشام ،حيث قارنوا ووصفوا النبات وأزهاره وثماره وأوراقه ،ليركّبوا العقاقير
المناسبة ألمراض شائعة ،ووصفوا ما أسموه «األدوية المفردة»(.)2
الرابع :دراسات نباتية عارضة م ّثلت فصوالً في كتب الرحالة المسلمين ،تتضمن
ما اختبروه وما سمعوه حول النباتات(.)3
إال أن اهتمام العرب العلمي بالنبات بدأ في مطلع العصر العباسي ،حيث ترجموا بعض
كتب اليونانيين الخاصة في علم النبات واألقراباذين ،وكان كتاب «ديسقوريدس»(*) في
النبات أول الكتب التي نقلت إلى اللغة العربية ،وقام بنقله «اصطفن بن باسيل»(*) في زمن
الخليفة العباسي «المتوكل» ،وترك العقاقير التي لم ُيعرف لها ما يقابلها باللغة العربية آم ً
ال
أن يأتي بعده من يعرف ذلك ويقوم بترجمتها وتفسيرها(.)4
استند العرب في دراستهم لعلم النبات على دقة المالحظة والمعاينة واستمرار
التتبع( ،)1فقد كان «رشيد الدين الصوري»(*) يستصحب معه مصور ًا مزود ًا باألصباغ
على اختالف أنواعها ،ويذهب إلى األماكن التي تكثر بها النباتات ،مثل جبل لبنان،
وغيره من المواضع التي قد اختص كل منها بشيء من النبات ،فيشاهده ويحققه ،ويريه
للمصور ،فيعتبر لونه ومقدار ورقه وأغصانه وأصوله ،قيصوره بحسبها ،ويجتهد في
محاكاتها ،كما سلك طريقة أخرى تدل على عنايته ودقته في دراسة النبات ،وذلك أنه
كان ُيري النبات للمصور في إبان نباته وطراوته ،فيصوره ،ثم يريه إياه أيض ًا وقت كماله
وظهور بذره فيصوره ،ثم يريه إياه أيض ًا في وقت يبسه فيصوره في هذه الحالة ،فيكون
الدواء الواحد يشاهده الناظر إليه في الكتاب ،وهو على أنحاء ما يمكن أن يراه به في
األرض ،فيكون تحقيقه له أتم ومعرفته له أبين(.)2
وفضل بالد األندلس واضح في الكتابة حول النبات لما في أرضهم ،وفي شمال
أفريقيا من جنات ،وأنواع من النبات ،وليس معنى هذا أنه لم يكن هناك اهتمام شرقي،
فقد كانت بغداد مسرح ًا لمزارع تجريبية ،فض ً
ال عن الحدائق التي ُعرفت فيها ،كذلك في
القاهرة ،وفي دمشق وغيرها ،وفي األندلس كان «عبد الرحمن»(*) أول من أنشأ حديقة
للنبات ،فأرسل إلى بالد الشام إلحضار البذور ،وزرع أول نخلة بالقرب من قصره(.)3
()1الطويــل ،توفيــق :العــرب والعلــم يف عــر اإلســام الذهبــي ،دار النهضــة املرصيــة (القاهــرة)1961 ،
ص.43
(*)رشــيد الديــن بــن أيب الفضــل بــن عــي :عــامل بالنبــات والطــب ،مولــده يف صــور بســاحل لبنــان،
وإليــه نســبتها ،كان مولعــ ًا بالنباتــات واحلشــائش ،ولــد ســنة (573هـــ1177/م) وتــويف ســنة
(639هـــ1241/م) -الــزركيل :األعــام.23/3 ،
( )2ابن أيب أصيبعة :عيون األنباء ،ص.703
(*)عبــد الرمحــن بــن معاويــة بــن هشــام بــن عبــد امللــك بــن مــروان :أول األمــراء األمويــن باألندلــس،
واملعــروف بالداخــل ويلقــب بصقــر قريــش ،وهــو مؤســس الدولــة األمويــة باألندلــس ،ولــد ســنة
(113هـــ731/م) يف دمشــق ،وتــويف ســنة (172هـــ788/م) -الــزركيل :األعــام.338/3 ،
()3عــي الشطشــاط :تاريــخ اإلســام يف األندلــس ،منشــورات جامعــة قاريونــس (بنغــازي)2009 ،
ص.114 ،113
59 عالم النبات
وحول مضار النبات وفوائده ،كثر اهتمام المسلمين ،فأبدعوا ،حتى طالبوا بفصل
علم النبات عن علم الطب وعلم الصيدلة ،إذ كان المهتمون به ،من هذه الزاوية،
يقصدون الحصول على األدوية لمداواة المرضى ،وهكذا أصبح علم النبات ،على
أيديهم ،علم ًا له اختصاصيوه ،وله مصنفاته المفردة ،وإن بقي يردف باقي العلوم
التطبيقية بالمصادر والمعلومات(.)1
واستطاع العلماء العرب دراسة الكثير من النباتات الطبيعية التي لم يسبقهم إلى
دراستها أحد( ،)3وأدخلوها في العقاقير الطبية ،واستطاعوا أن يستولدوا بعض النباتات
التي لم تكن معروفة أيض ًا ،كالورد األسود ،وأن يكسبوا بعض النباتات خصائص
العقاقير في أثرها الطبي( ،)4وفي عصر «المقتدر»(*) نقل العرب «األترج»(*) المدور
من الهند وزرعوه بعمان ،ثم نقلوه إلى البصرة والعراق والشام(.)5
أما فيما يختص بعلوم التصنيف فإن العرب كانوا المهرة في هذا الميدان فوضعوا
تصنيفاتهم الخاصة ألهم النباتات التي تنمو في ديارهم ووديانهم ونجوعهم ،وأوجدوا
مجموعات نباتية تقابل بعض الفصائل النباتية الحديثة ،مثل مجموعة الحموض ،التي تقابل
الفصيلة الرمرامية ،ومجموعة األمرار التي تقابل الفصيلة المركبة ،ومجموعة الكحليات
الح ْرف التي تقابل الفصيلة الصليبية(.)1
التي تقابل الفصيلة البوراجينية ،ومجموعة ُ
ً
رابعا :أشهر علماء المسلمين في علم النبات:
أبو حنيفة الدينوري (ت ... :ـ 281هـ895/م):
مجان إقليم همدان( ،)2كان أول المؤلفين
هو أحمد بن داوود ،ولد في «دينور»(*) من ّ
العرب في علم النبات( ،)3له كتاب في النبات يعتبر من أشهر الكتب المؤلفة في هذا
المجال( ،)4وقد جاء في ستة مجلدات ،استقصى فيه ما جاء عن النبات في اللغة العربية،
وكان يشرح هذه األلفاظ شرح ًا علمي ًا بعد مالحظة النبات ومعاينته بنفسه ،وزاد كثير ًا على
ما وجده عند من تقدمه من الباحثين ،فصار الكتاب عمدة اللغويين الذين جاؤوا من بعده،
فنقلوا منه ،وصار كذلك عمدة األطباء والعشابين ،فال يخرج أو يشتهر ّ
عشاب إال بعد أن
يستوعب هذا الكتاب ،ويؤدي االمتحان فيه ،ولم يقتصر النقل منه على كتب اللغة فقط،
وإنما نقلت عنه أكبر كتب المفردات الطبية ،كمفردات األدوية البن البيطار( ،)5وقد فقد
معظم هذا الكتاب ،إال أن مادته محفوظة ومتفرقة في كتب اللغة والعلوم(.)6
بالعشاب ،إلتقانه هذا العلم ،ومعرفته خصائص األعشاب الطبية،ّ ُلقب الدينوري
من هنا برز دور كل من تعاطى هذه المهنة بصناعة العقاقير ،فكل نباتي كان طبيب ًا
عشاب ًا ،والدينوري قبل ذلك هو عالم واسع الثقافة ،مؤمن مشهود له في
والطبيب كان ّ
تفسير القرآن ،وفي الفقه له كتب(.)1
هو أبو داوود سليمان بن حسان األندلسي ،المعروف بابن جلجل( ،)2ولد في
طليطلة ،وتوفي في قرطبة ،درس ابن جلجل في قرطبة ،ولم يغادرها ،ألف وعمل في
حقلي الطب وعلم النبات ،وكانت مؤلفاته جليلة في هذا الخصوص .أشار المؤرخون
العرب ،واألندلسيون خاصة ،إلى أن ابن جلجل كان طبيب ًا وشارح ًا لعلم النبات
واألدوية(.)3
واتّضح لنا أن اهتمامه كان منصب ًا على األعشاب والنباتات ،فمعظم األدوية كان
مصدرها األعشاب والنباتات ،واألطباء يفضلون العمل بأنفسهم عليها ،ويكاد الطب
والصيدلة أن يكونا علمين مشتركين حتى ذلك الحين(.)4
-تفسير أسماء األدوية المفردة من كتاب ديسقوريدس (منه نسخة في مكتبة بنكبور
في الهند تحت رقم .)1()2189
-مقالة في األدوية التي لم يذكرها ديسقوريدس (منها نسخة في مكتبة بوليا بأكسفورد
تحت رقم 573عنوانها :استدراك على كتاب الحشائش لديسقوريدس)(.)2
-مقالة في أدوية الترياق (منها نسخة في مكتبة بودي بأكسفورد تحت رقم .)3()573
«هو أبو جعفر أحمد بن محمد بن أحمد بن السيد الغافقي ،إمام فاضل ،وحكيم
عالم ،وكان أعرف أهل زمانه بقوى األدوية المفردة ومنافعها وخواصها وأعيانها
ومعرفة أسمائها»(.)5
له كتاب في األدوية المفردة ،ال يضاهيه كتاب في الجودة والمعنى ،استقصى فيه
ٍ
ومعان واضحة ،وذكر أيض ًا ما تجدد ما ذكره «ديسقوريدس وجالينوس» بألفاظ وجيزة
للمتأخرين من الكالم في األدوية المفردة ،فجاء هذا الكتاب جامع ًا لما قاله علماء
النبات ،ودستور ًا ُيرجع إليه عند الحاجة إلى تصححه منها( ،)6إذ كان وصفه للنباتات
()1بروكلــان ،كارل :تاريــخ األدب العــريب ،ترمجــة :الســيد يعقــوب بكــر وآخــر ،دار املعــارف (القاهــرة،
د.ت) .290-289/4
( )2املرجع نفسه.290/4 ،
( )3نفس املرجع واجلزء والصفحة.
( )4البغدادي :هدية العارفني.396/1 ،
( )5ابن أيب أصيبعة :عيون األنباء ،ص.500
( )6أمحد عيسى :تاريخ النبات ،ص.23
63 عالم النبات
بالغ الدقة ،باإلضافة إلى أنه ذكر أسماءها باللغات العربية والالتينية والبربرية( ،)1فعد
من أعظم الصيدليين أصالة وأرفع النباتيين مكانة في العصور الوسطى( ،)2وقد أخذ منه
ابن البيطار نصوص ًا كثيرة(.)3
ساح بمصر والشام والعراق نحو سنتين ،ودرس كثير ًا من النباتات التي تكثر في هذه البالد
وتنبت في بالد المغرب( .)5وفي أثناء زيارة لإلسكندرية سمع به السلطان «الملك العادل أبو
بكر بن أيوب» الذي حكم من سنة (1228-1221م) وبلغه علمه ومعرفته بالنبات ،فعرض عليه
مبلغ ًا من المال ،فاعتذر وتوجه إلى الحجاز ،ولما حج عاد إلى المغرب ،وأقام بإشبيلية(.)6
له من المؤلفات :تفسير أسماء األدوية المفردة من كتاب ديسقوريدس ،ومقالة في تركيب
األدوية( ،)7وصنف كتاب الرحلة الذي ذكر فيه قصص رحلته بالمشرق ،وخص بالذكر النباتات
التي شهدها في طريقه أثناء الرحلة( ،)8وكتاب جالينوس ،وكتاب الرحلة المستدركة(.)9
وخالصة القول :إن عناية العلماء المسلمين بعلم النبات ودراستهم العملية له قد
أفضت في النهاية إلى التعرف على خصائص وصفات جديدة للعديد من النباتات التي
لم تكن معروفة من قبل( .)1كما أدت إلى اكتشاف نباتات جديدة عن طريق استخدام
أسلوب التطعيم ،كالجمع بين شجر اللوز ،والتوصل إلى إنجاب ورد جميل كالورد
األصفر ،واألسود والالزوردي خاصة ،وقد كان الورد أحب الزهور عند المسلمين(.)2
كما عمل الخليفة العباسي «المتوكل» على حماية الورد ،ومنعه من الناس بحجة
أنه ال يصلح للعامة ،وكان يقول« :أنا ملك السالطين والورد ملك الرياحين ّ
وكل منا
أولى بصاحبه»(.)3
علم الصيدلة
الصيدلة َّ ً
أوال :تعريف علم َّ
(الصيدنة):
ِ
الصيدالني( .)1ويطلق عليه علم (األقراباذين) ُل َغ ًة :من الفعل َصدَ َن َّ
(الصيدنائي) أي َّ
وهو قانون الصيدلة وتركيب العالجات على نسب مضبوطة ،وقد ثبت بشهادة اإلفرنج
أن العرب هم أول من أوصل فن الصيدلة إلى الصورة العصرية المنتظمة ،وهم أول من
أنشؤوا حوانيت خاصة سموها الصيدالت(.)2
ويتصل علم الصيدلة بعلم النبات اتصاالً وثيق ًا ،فكان التداوي بالنبات يسمى
األدوية المفردة ،أما التداوي بتركيب أخالط نباتية ـ كيميائية فيسمى «األدوية المركبة»
أو «األقراباذين»(.)4
()1الرازي ،حممد بن أيب بكر بن عبد القادر :خمتار الصحاح ،مكتبة لبنان (بريوت )198 ،ص.151
()2وجــدي ،حممــد فريــد :دائــرة معــارف القــرن العرشيــن ،دار املعرفــة للطباعــة والنــر (بــروت،
.432/1 )1971
( )3طاش كربى زاده :مفتاح السعادة.324/1 ،
( )4حبش ،حممد :املسلمون وعلوم الضارة ،دار املعرفة (دمشق )1992 ،ص.33
67
الفصل الثالث 68
ً
ثانيا :الصيدلة عند الشعوب القديمة:
مع أن شعوب ما قبل التاريخ اكتشفوا قدرة بعض النباتات على تسكين آالمهم
وشفائهم من بعض األمراض ،وربما كانوا قد الحظوا أيض ًا التهام بعض الحيوانات
ثم قاموا بتناول هذه النباتات نفسها عند
المريضة لبعض النباتات وشفائها ،ومن َّ
مرضهم ،إال أن ذلك لم يكن علم ًا قائم ًا ذا أصول ومبادئ يقاس عليها(.)1
(.12-1 .p ,1951 ,E. Kremers and G. Urdang: History of pharmacy, London )1
(Dinkler: La science pharmceutique chez les anciens Egyptiens, Bull, de l›institue d›Egypte, )2
.90-77 .pp ,1899 ,9 .Vol ,3 serie
( )3راغب الرسجاين :قصة العلوم ،ص.111
()4الطائــي ،فاضــل أمحــد :علــم الصيدلــة عنــد العــرب ،ورد ضمــن موســوعة احلضــارة العربيــة
اإلســامية ،املؤسســة العربيــة للدراســات والنــر (بــروت.312/1 )1995 ،
69 علم الصيدلة
مجوف ،كما ذكروا النشوقات ألمراض األنف ،وال َغ ُسول والمراهم ،والقطرات
ألمراض العين واألذن(.)1
أما الظاهرة التي انفرد بها علماء الصين ،فهي تجربة األعشاب على أنفسهم ،دون
تجربتها على الحيوان أوالً ،ويظهر ذلك في منهج «شن تونج – »Shen Tungالذي
عاش حوالي عام 2200ق.م وهو مؤلف كتاب الصيدلة المشهور باسم «بن تساو»
ويعتبر هو مؤسس علم الصيدلة في الصين(.)3
والبابليين ،وغيرهم من الشعوب الذين سبقوهم( ،)1وتقدمت الصيدلة كثير ًا على أيدي
علمائه ،الذين أصبحوا بمثابة المعلمين ألجيال العصور التالية مثل «أبقراط» الذي
كتب عن العديد من العقاقير الطبية ،وديسقوريدس(*) المعروف بالحكيم الحشائشي،
صاحب كتاب «األدوية المفردة»(.)2
كان عرب الجاهلية على دراية بفن التداوي ،من خالل استعانتهم ببعض النباتات
واألعشاب ،التي كانت تنمو في بيئتهم الصحراوية ،باإلضافة إلى تلك التي كانوا
يحصلون عليها عن طريق قوافلهم التجارية ،التي كانت تجوب العالم المتحضر
آنذاك ،فإذا أعشاب ونباتات طبية وعقاقير من أصل حيواني ،قد أتت من الصين والهند
وأفريقية وسيالن ومالقة( ،)3إال أن هذه المعرفة كانت بسيطة للغاية ،ولم تتجاوز بأي
حال من األحوال حدود احتياجاتهم الضرورية(.)4
ً
ثالثا :إسهامات المسلمين في علم الصيدلة:
كان نبوغ المسلمين في علم الكيمياء هو السبب الرئيس في تمكنهم من تحقيق إنجازات
مهمة في فروع المعرفة المتصلة بهذا العلم ،وخاصة في علم الصيدلة؛ وذلك ألن األدوية
ثم فقد ظهرت
والعقاقير تحتاج إلى معالجة ودراية بالمعادالت والقوانين الكيميائية ،ومن َّ
األدوية الكيميائية بصورة فعالة ،وانفتحت أبواب عصر جديد في فن العالج على مصراعيها(.)5
والحق أن الصيدلة كانت من العلوم التي جذبت عظيم انتباه علماء المسلمين،
فاستطاعوا أن يم ِّيزوا عصر حضارتهم ،باعتباره أول عصر من عصور الحضارة عرفت
فيه المركّبات الدوائية بصورة علمية وفعالة ،وبطريقة جديدة ،حتى ـ يقول جوستاف
لوبون ـ نستطيع أن ننسب بال أدنى حرج علم الصيدلة إليهم ،ونقول :إنه اختراع عربي
«إسالمي» أصيل()1؛ فقد أضافوا إلى األدوية التي كانت معروفة قبلهم مركبات عديدة
من اختراعهم ،وألفوا أول كتاب في العقاقير(.)2
ويصنف ابن سينا األدوية إلى عدة أنواع فيقول في كتابه (القانون في الطب)« :إن
األدوية بعضها معدنية ،وبعضها نباتية ،وبعضها حيوانية ،والمعدنية أفضلها ما كان من
المعادن المعروفة».
واقتبس المسلمون في بدايتهم هذا العلم عن اليونان؛ حيث اعتنوا بكتاب «المادة
الطبية في الحشائش واألدوية المفردة» الذي وضعه «ديسقوريدس العين زربي»
وترجموه عدة مرات أشهرها اثنتان :ترجمة «حنين بن إسحاق»(*) في بغداد ،وترجمة
«أبي عبد الله الصقلي» في قرطبة ،وفي وقت الحق قام الصيادلة المسلمون ـ بفض
خبرتهم وممارساتهم ـ بالزيادة على هذا الكتاب ،واستدراك ما فات «ديسقوريس.
ثم بدأ التأليف والتصنيف بغزارة في الصيدلة وعلم النبات ،وكان من ذلك ومن َّ
«معجم النبات» ألبي حنيفة الدينوري ،و«الفالحة النبطية» البن وحشية(*) و«الفالحة
()1لوبــون ،جوســتاف :حضــارة العــرب ،ترمجــة :عــادل زعيــر ،مطبعــة عيســى البــايب احللبــي (القاهــرة،
د.ت) ص.494
()2مظهــر ،جــال :حضــارة اإلســام وأثرهــا يف الرتقــي العاملــي ،مكتبــة اخلانجــي (القاهــرة)1974 ،
ص .306
(*)حنــن بــن إســحاق :كان عاملـ ًا باللغــات األربــع غريبهــا ومســتعملها :العربيــة والرسيانيــة واليونانيــة
والفارســية ،ونقلــه كان يف غايــة اجلــودة -ابــن أيب أصيبعــة ،عيــون األنبــاء ،ص.279
(*)ابــن وحشــية أبــو بكــر أمحــد بــن عــي بــن قيــس بــن املختــار :عــامل بالكيميــاءُ ،ينســب إليــه االشــتغال
بالســحر ويلقــب بالصــويف ،تويف ســنة (318هـــ930/م) -الــزركيل :األعــام.170/1 ،
الفصل الثالث 72
األندلسية» البن العوام اإلشبيلي(*) ،فقد استفاد المصنفون في علم األدوية كثير ًا من
هذه الكتب وأمثالها(.)1
وضع العرب المسلمون ُعصارة أفكارهم ونتائج تجاربهم في كتب خاصة ُس ّميت
باألقرباذين ،ن ُِشرت فيما بعد على ُأ ُسس صالحة لالستعمال ،تحت عنوان «وسائل
شافية» ،وتناولها الجميع( .)2والحق أن المسلمين أول من َأ َّس َس الصيدلة ،فقد أضافوا
تركيبات جديدة وابتكارات علمية لم تكن معروفة قبلهم ،كما أنهم أول من كتب وأ َّلف
في العقاقير(.)3
ويعود الفضل إلى العرب في اكتشافهم ألدوية جديدة منها «الكافور والصندل
والرواند والمسك والتمر الهندي والحنظل وجوز الطيب» ،كما اخترعوا الكحول
والمستحلبات والخالصات العطرية ،واستخدم الرازي ألول مرة الزئبق في
تركيب المراهم ،وجرب مفعوله على ِ
الق َردة( .)5كما اكتشفوا أنواع ًا مختلفة من
األشربة( ،)6وكان المسلمون أول من وصف القهوة كدواء للقلب ،ووصفوا القهوة
(*)ابــن العــوام اإلشــبييل أبــو زكريــا حييــى بــن حممــد بــن أمحــد :عــامل أندلــي ،اشــتهر بكتابــه ـ الفالحــة
األندلســية ـ قســم منــه تُرجــم إىل اللغتــن اإلســبانية والفرنســية ،تــويف ســنة (580هـــ1185/م) -
الــزركيل :األعــام.165/8 ،
( )1راغب الرسجاين :ماذا قدم املسلمون.308/1 ،
()2منتــر ،عبــد الرحيــم وآخــر :قــراءات يف تاريــخ العلــوم عنــد العــرب ،جامعــة املوصــل (املوصــل،
)1974ص.69 ،68
( )3حكمت عبد الرمحن :دراسات ،ص.341
( )4عبد احلليم منترص :قراءات يف تاريخ العلوم ،ص.70
()5الكــردي ،إبراهيــم إبراهيــم :مــن العلــاء العــرب الذيــن أثــروا يف احلضــارة األوروبيــة ،اهليئــة املرصيــة
العامــة للكتــاب (القاهــرة )1974 ،ص.42
( )6أمني خري اهلل :الطب العريب ،ص .188كذلك حكمت عبد الرمحن :دراسات ،ص.340
73 علم الصيدلة
ومن مآثر المسلمين في علم الصيدلة ،ابتكارهم الشراب الحلو المستخرج من
نبات الكرنب مع السكر ،والزال الغرب يطلقون عليه كلمة “ ،”Syrupوهي مأخوذة
من كلمة (شراب) العربية ،كما أنهم أول من غ َّلف حبات األدوية ُ
الم ّرة بغالف من ()2
السكر ،ليتمكن المريض من استساغة الدواء ،وأما عادة تغليف حبات األدوية بالذهب
والفضة في الوقت الحاضر(*) ،فهي تقليد يعود إلى «ابن سينا» الذي وصف الذهب
والفضة كأدوية مفيدة للقلب ،وقام بتغليف األدوية المعمولة على شكل حبوب(.)3
كذلك توصل العرب المسلمون إلى عمل الترياق المؤلف من عشرات ،بل مئات
وتوسعوا في استعمالها ،ويعتبر المسلمون
ّ وحسنوا تراكيب األفيون والزئبق،
ّ األدوية،
أول من استعمل الحشيش واألفيون وغيرهما في التخدير(.)4
ً
رابعا :الصيدلة ونظام الحسبة:
من أهم مآثر المسلمين في علم الصيدلة ،إدخالهم «نظام الحسبة» ومراقبة األدوية(،)1
فكان الصيادلة ال يتعاطون صناعتهم إال بعد الترخيص لهم ،وتقييد أسمائهم في الجدول
الخاص بهم ،كما كان في كل مدينة مفتش خاص للصيدليات وتحضير األدوية(.)2
ويقوم المحتسب بنهي الصيادلة عن خلط العقار الجيد بما هو أقل جودة منه،
وكذلك عدم خلط المواد المستوردة من الهند بالمواد البلدية ،وعدم بيع المواد لمن
ال يميزها وال يفرق بينها(.)4
وكان عريف المحتسب على بصيرة بكشف الغش الذي يقوم به بعض الصيادلة
مثالً ،فكان يقوم بإذابة األفيون(*) في الماء ويالحظ التغيرات التي تطرأ عليه ،وبهذه
التجربة ،التي تدل على خبرته ،يعرف ما إذا كان األفيون مغشوش ًا أم ال(.)1
انتقل نظام الحسبة إلى أوروبا ،وال تزال كلمة «محتسب» تستعمل في اللغة اإلسبانية
بلفظها العربي حتى الوقت الحاضر(.)2
لقد عاصر التأثير العربي في ميدان علم العقاقير في أوروبا فترة ما قبل
النهضة ،والنهضة نفسها ،وتعداها حتى وصل إلى القرن التاسع عشر ،ففي عام
(1758م) صدرت أجزاء من كتاب «الجامع في األدوية المفردة» البن البيطار،
وفي عام (1830م) استعملت مصادر عربية في تصنيف األقراباذين األوروبي،
وفي عام (1832م) صدرت في طبعة جديدة مخطوطة قديمة فارسية بقلم
األرمني «مختار»(.)3
وهنا ينقطع الخيط ...ولكن التأثير العربي ظل ،وإن اختفى شكالً ،فتغلغل في
ب َب َص ُره ك ُْر ٌه
أعماق الحياة األوروبية ،ورآه من يرغب في رؤيته ،وأغفله من َح َج َ
تعصب أعمى(.)4
أرعن ،أو ُّ
(*)األفيــون :Opiumهــو العصــارة اللبنيــة التــي تســيل مــن نبــات اخلشــخاش ،ويســتعمل األفيــون
لتخفيــف اآلالم وكــادة منومــة -عقيــل ،حمســن :معجــم األعشــاب املصــور ،مؤسســة األعلمــي
للمطبوعــات (بــروت )2003 ،ص.182
()1أبــو زيــد ،ســهام مصطفــى :احلســبة يف مرص اإلســامية مــن الفتــح العــريب إىل هنايــة العــر اململوكي،
اهليئــة املرصيــة العامة للكتــاب (القاهــرة )1986 ،ص.209
( )2جالل مظهر :أثر العرب يف احلضارة األوروبية ،دار الرائد (بريوت )1967 ،ص.277
( )3زيغريد هونكة :شمس العرب ،ص.334
( )4نفس املرجع والصفحة.
الفصل الثالث 76
ً
خامسا :أشهر علماء العرب والمسلمين في علم الصيدلة:
ُحنين بن إسحاق (ت260 :هـ873/م):
هو حنين بن إسحاق العبادي المكنى بأبي زيد( ،)1طبيب ،مؤرخ ،مترجم ،كان أبوه
صيدالني ًا ،من أهل الحيرة في العراق(.)2
ويرجع الفضل إليه في تلخيص وترجمة الكثير من كتب أبقراط وجالينوس وشرح
معانيها ،نظر ًا إللمامه الواسع بالطب ،وتمكنه من اللغات ،وكان المأمون يعطيه من
الذهب زنة ما ينقله إلى العربية من الكتب(.)5
لحنين كتب ومترجمات كثيرة تزيد على مائة منها (الفصول األبقراطية) وهي في الطب،
و(المسائل في العين) ،و(قوى األغذية) ،و(تدبير األصحاء) ،وغيرها مما ال حصر له(.)6
كان بإمكان حنين أن يبرز في كل من الطب والصيدلة ،إال أن غزارة إنتاجه في
الترجمة حالت بينه وبين الطب والصيدلة(.)2
ِّ َ
الدين َوري (ت282 :هـ895/م):
أحمد بن داوود بن ونند أبو حنيفة( ،)3أخذ عن البصريين والكوفيين( .)4كان نحوي ًا
لغوي ًا مهندس ًا منجم ًا حاسب ًا نباتي ًا( ،)5ينسب إلى المدينة التي ولد فيها ِ
«دين ََور» وهي بلدة
إيرانية ليست ببعيدة عن حدود العراق(.)6
بلغت جملة مؤلفاته المعروفة أسماؤها عشرين كتاب ًا ،وطرق بها أبواب ًا كثيرة متباينة
من المعرفة كالشعر والحساب والهندسة والجبر ،وكتاب البلدان وجميع أهل التراجم
ذكروا بأن كتاب «النبات» ألبي حنيفة لم يصنف في معناه كتاب مثله(.)7
لقد ضم هذا الكتاب «كتاب النبات» عدد ًا كبير ًا من أصناف النبات المختلفة ،من
عشب أو شجيرة ومن ورقة وغصن وجذع وجذور ،وذكر صفات كل ما ذكر من النبات
وأجزائه بحيث جاء الكتاب سفر ًا في تصنيف النبات .ولعل هذا الكتاب هو األول من
نوعه في الحضارة اإلسالمية ،فقد مهد الطريق لألطباء والصيادلة أن يتثبتوا من النبات
وأجزائه ،ولم يذكر الدينوري الفوائد الطبية لكل نبات ذكره ،على كثرة ما ذكر(.)1
هو أبو علي الحسين بن عبد الله بن علي بن سينا( ،)2الملقب بالفيلسوف( ،)3تبوأ
مكان ًا مرموق ًا في العلم والفلسفة ،وبخاصة في الطب والفلسفة وعلم النفس ،وذاع
صيته في المشرق والمغرب(.)4
ومن أشهر كتبه التي تعنينا في هذا الفصل هو كتاب «القانون في الطب» الذي وضعه
في خمسة أجزاء ،وتُرجم كتاب القانون وغيره من كتبه إلى اللغات األوروبية منذ القرن
الثاني عشر الميالدي(.)5
وتقع الصيدلة في كتاب القانون البن سينا في الجزأين (الثاني والخامس) فقد
ذكر في الجزء الثاني األدوية المفردة ،وفي الجزء الخامس األدوية المركبة .احتوى
تعرف أمزجة األدوية ،والمقالة
الجزء الثاني على ست مقاالت ،المقالة األولى في ّ
تعرف أمزجة األدوية المفردة بالتجربة ،والمقالة الثالثة في تعرف أمزجة
الثانية في ّ
األدوية المفردة بالقياس ،والمقالة الرابعة في تعرف أفعال قوى األدوية المفردة،
والمقالة الخامسة في أحكام تعرف األدوية من خارج ،والمقالة السادسة في التقاط
األدوية وادخارها ،وقد قسم ابن سينا الجزء الثاني من الكتاب إلى قسمين ،القسم
األول وضع فيه دراسة دقيقة لماهية الدواء وميزاته وأثره في الجسم وطريقة حفظه،
ثم خص القسم الثاني بمفردات األدوية نفسها ،وقد رتبها ترتيب ًا أبجدي ًا ،فذكر في
حرف األلف على سبيل المثال األينسون واألفسنتين واآلس واألشاقيا واألسقيل
واألنزروت واإلثمد واألذربونة(.)1
أما الجزء الخامس من الكتاب فقد ختم به كتابه حيث صنفه في األدوية المركبة
ليكون كاألقرباذين للكتب ،وقسمه إلى مقالة علمية أشار فيه إلى أصول علم التركيب
وجملة األدوية المركبة المجربة(.)2
هو الوزير أبو المطرف عبد الرحمن بن محمد بن عبد الكبير( ،)3ولد وعاش في
طليطلة(*) ،وكانت اهتماماته في األدوية المفردة ،وقد أ َّل َ
ف فيها( ،)4وعني عناية بالغة
بقراءة كتب جالينوس وتفهمها ،وكتب أرسطوطاليس وغيره(.)5
ت ََم َّه َر بِ ِعلم األدوية المفردة حتى ضبط منها ما لم يضبطه أحد في عصره ،وألف
فيها كتاب ًا جلي ً
ال ال نظير له ،جمع فيه ما تضمن كتب «ديسقوريدس» وكتاب جالينوس
المؤلفات في األدوية المفردة ،ورتبه أحسن ترتيب(.)6
وقد ضاع األصل العربي لكتابه ،وال يوجد اآلن غير الترجمة الالتينية «األدوية
المفردة )1(»De medicamentis simplicibusوهو من أهم الكتب الذي كانت تعتمد
عليه أوروبا في القرون الوسطى وبعد ذلك أيض ًا(.)2
وله في الطب والصيدلة منزع لطيف ومذهب نبيل ،وذلك أنه كان ال يرى التداوي
باألدوية ما أمكن من التداوي باألغذية ،أو ما كان قريب ًا منها ،فإذا دعت الحاجة
والضرورة إلى األدوية ،فال يرى التداوي بمركبها ما وصل إلى التداوي بمفردها.
علم الحيوان
(األحياء)
ً
أوال :تعريفه:
عرفه ابن األكفاين بأنه« :فرع من فروع علم الطبيعة ،وهو الذي ُيعرف
علم احليوانَّ ،
فيه حال الكائنات النامية احلساسة املتحركة باإلرادة من البحرية واهلوائية والربية
واألهلية ،وما يتولد منها»(.)1
ً
ثانيا :علم الحيوان عند الشعوب القديمة:
ف اإلنسان القديم احليوانات ،و َألِ َف َها واستخدمها ألغراض شتَّى ،وإن الرسوم
َع َر َ
التي وجدت عىل جدران الكهوف تدل عىل أنه كان قد تفطن إىل أشياء متعددة من علم
الترشيح ومن عادات احليوانات(.)3
83
الفصل الرابع 84
ومنذ عام ( 3000ق.م) عرف الصينيون تربية دودة القز عىل ورق التوت ،وعرف
املرصيون بعض خصائص أعضاء احليوان نتيجة استطالعهم واستقرائهم الغيب عن
طريق أعضاء احليوانات خاصة(.)1
أما اليونان فقد َأ َّل ُفوا يف علم احليوان ،وكان ديمقرايطس(*) (ت 370 :ق.م) أول من
حاول تقسيم احليوانات بحسب أنواعها يف كتاب «احليوان» ذكر فيه طبائعه ومنافعه ،كام
صنف أرسطو (ت 322 :ق.م) كتاب احليوان ،وهو تسع عرشة مقالة ،نقله ابن البطريق(*) (.)2
قسم أرسطو احليوانات إىل قسمني :ذوات الدم األمحر (الفقريات ذوات العمود
ّ
الفقري) وغري ذوات الدم األمحر (غري الفقريات) ،كام قسمها بحسب أجسامها وطريقة
معاشها وتوالدها وعاداهتا(.)3
ً
ثالثا :المسلمون وعلم الحيوان:
عني املسلمون بعلم احليوان عنايتهم بسائر العلوم األخرى ،وأنشؤوا فيه مؤلفات
نفيسة أتوا فيها عىل ذكر كل نوع من أنواع احليوانات واحلرشات والطيور ،ووصفوها
وصف ًا دقيق ًا .وذكروا أسامءها وأشكاهلا وصفاهتا وطبائعها(.)4
وقد يكون من غمط احلق ،والبعد عن جادة الصواب أن نزعم أن املسلمني مل يتطرقوا
ملا كتبه السابقون عنهم يف هذا املجال؛ فقد درسوا كثري ًا مما كتبه الصينيون واملرصيون
القدماء والبابليون واليونان والرومان ،وترمجوا معظم كتبهم عن علم احليوان إىل اللغة
العربية ،لكنهم ـ بال ريب ـ أضافوا الكثري مما مل ينتبه إليه السابقون ،وبرز العديد من
العلامء األجالء يف هذا املضامر(.)1
ً
رابعا :إسهامات المسلمين في علم الحيوان:
عىل الرغم من أن إسهام املسلمني يف حقل احليوان مل يأخذ حقه مثل إسهامهم يف بقية
العلوم ،إال أن هلم آراء سبقوا هبا أفكار بعض العلامء العرصيني ،فعىل سبيل املثال تُنسب (نظرية
التكافل) أو املشاركة احليوانية للفيلسوف األملاين «جوته»(*) املتوىف سنة (1162هـ1749/م) إال
أننا نجد إشارات واضحة لدى كل من اجلاحظ والقزويني والدمريي( ،)2هلذه النظرية التي
مفادها أن بعض احليوانات التي تعيش يف بيئة مكانية واحدة ،قد يربط بينها نوع من املصلحة
املشرتكة؛ لذا تنشأ بينها مودة( ،)3كأن َ ُي ُّط طائر البقر فوق البقرة ليلتقط منها اهلوام( ،)4أو كأن
ينظف طائر القطقاط أسنان التمساح مما علق هبا من بقايا اللحوم(.)5
أما القزويني الذي صنف كتاب «عجائب املخلوقات» فيقول بأن حيوان البرب اهلندي
الضخم الذي يفوق األسد يف القوة ،صديق للعقرب التي تبني هلا بيت ًا من شعره ،وهناك
صداقة قوية بني الذئب والضبع ،وكذلك بني النمر واألفعى(.)6
وال يغيب أثر البيئة عند القزويني ،الذي يرى أن البيئة تؤثر يف التوالد والتفريخ،
فيقول إن الفيلة ال تتولد إال يف جزائر البحار اجلنوبية ،وعمرها يف أرض اهلند أطول من
عمرها بغري أرض اهلند ،والزرافة ال تتوالد إال بأرض احلبشة ،واجلاموس ال يتوالد إال
بالبلدان احلارة قرب املياه ،وال يعيش يف البلدن الباردة ،والسنجاب والسمور وغزال
فرخ
املسك ال يتوالد إال يف البلدان الرشقية الشاملية ،والصقر والبازي والعقاب ال ُي ِّ
إال عىل رؤوس اجلبال الشاخمة ،والنعامة والقطاة ال يفرخان إال يف الفلوات ،والب ُط ِ
وط ُ
حل َج ُل ال يفرخ إال يف اجلبال ،هذا هو الغالب ،فإن
وطيور املاء ال تفرخ إال يف البساتني ،وا َ
وقع يشء خالف ذلك فهو نادر(.)1
أدبية وتارخيية وعلمية(،)1أهداه إىل الوزير حممد الزيات الذي كافأه بخمسة آالف
دينار( ،)2وهو أول كتاب عريب جامع يف علم احليوان(.)3
قدم اجلاحظ يف كتابه «احليوان» الكثري من املعلومات املتفرعة واملتشعبة ،مما تؤكد أنه
كان عامل ًا دقيق املالحظة ،عميق التفكري يف وصفه للحيوان ،سواء كان ذلك الوصف
للمظاهر اخلارجية له ،أو لبيان عالقات بعض احليوانات ببعضها ،ولترصفاهتا وحركاهتا
وفوائدها وطبعائها ،باإلضافة إىل تكاثرها ،وغريها من املواضيع األخرى(.)4
رجع اجلاحظ يف تأليفه هلذه املوسوعة إىل مصادر عدة منها :القرآن الكريم ،واألحاديث
النبوية الرشيفة ،فكان يستشهد باآليات القرآنية إلظهار عظمة الباري عز وجل يف اخللق،
كام رجع إىل الشعر العريب الذي حتدث عن احليوان األليف منه والوحيش ،وكذلك رجع
إىل كتاب احليوان ألرسطو ،ومل يقف أمام هذا الكتاب موقف املقتبس ،وإنام أخضع آراء
فتوصل إىل نتائج وآراء خمالفة للتي
َّ أرسطو للبحث والتحليل والتجربة واالستفسار،
جاءت يف كتاب أرسطو ،وهذه التجارب تدل عىل مدى رغبة اجلاحظ يف التوصل إىل
احلقيقة ،وهبذا يمكن اعتباره من علامء احليوان التجريبيني(.)5
َ ْ
القز ِو ْي ِني (ت682 :هـ1283/م):
زكريا بن حممد بن حممود( ،)6مؤرخ ،جغرايف( ،)7قايض واسط واحللة( ،)8وضع
القزويني كتاب ًا علمي ًا يشتمل عىل علوم الطبيعة بأرسها ،وليس عىل علم احليوان فقط،
وسامه «عجائب املخلوقات وغرائب املوجودات»(.)9
َق َّسم القزويني املوجودات إىل علويات وسفليات .أما العلويات ،فتشمل حقيقة
األفالك وأشكاهلا وأوضاعها وحركاهتا ،وأما السفليات ،فتشمل النار واهلواء واملياه
والبحار وغرائب حيواناهتا ،واجلزر ،وكرة األرض وجباهلا ،وكذلك تشمل الكائنات،
ويقسم األخرية إىل املعدنيات واألحجار ،والنبات واحليوان ،ويصف احليوانات وصف ًا
أدبي ًا أكثر مما هو علمي(.)1
وامتاز القزويني عن غريه يف التأليف يف احليوان ،بأن وصف احليوان وجعله يف املرتبة
الثالثة من الكائنات ،وقسم احليوان إىل أنواع متعددة ،جعل اإلنسان أرشف املخلوقات
واحليوانات ،وقسم احليوان إىل سبعة أنواع وهي :اإلنسان ،واجلن ،والدواب ،والنعم،
والسباع ،والطري ،واهلوام (احلرشات)(.)2
َّ
الدميري (ت808 :هـ1405/م):
كامل الدين أبو البقاء حممد بن موسى بن عيسى بن عيلُ ،ينسب إىل َدمرية وهي قرية
بمرص( ،)3صنف كتاب ًا مشهور ًا سامه «حياة احليوان الكربى» ،ورتبه حسب حروف
اهلجاء( ،)4وهلذا الكتاب خمطوطات عديدة مبعثرة يف مجيع أنحاء العامل(.)5
خيلط الدمريي يف كتابه بني العلم واألدب واحلقائق التارخيية باخلرافات ـ وهذا مما
يؤخذ عليه ـ ويستطرد إىل اللغة والفقه واألخبار والقصص والتاريخ ،فتنقطع صلته
أحيان ًا باملوضوع الذي يعاجله لينتقل إىل موضوع آخر ال صلة له باملوضوع الرئيس(.)6
ويورد الكثري من األحاديث والشعر كام ويرضب األمثال ،ويورد احلكم الفقهي
فيام جيوز أكله من احليوان ،وما ال جيوز أكله ،ويذكر األدوية التي تستخرج من
احليوانات ،ويورد تعبري رؤيا احليوانات يف األحالم ،وقد انتفع الدَّ مريي من كتاب
اجلامع البن البيطار ،ومهام يكن ،فالكتاب خطوة متقدمة ساعدت عىل تأسيس علم
احليوان احلديث(.)1
و َع َّر َف ُه ابن األكفاني بأنه« :الحال فيه بالنسبة إلى هذه الحيوانات كالحال في الطب
بالنسبة إلى اإلنسان»(.)2
93
الفصل الخامس 94
ً
ثانيا :إسهامات المسلمين في علم البيطرة:
من األجدر القول :إن المسلمين أخذوا هذا العلم عن مؤلفات أرسطو وأبقراط،
ثم توسعوا بالبحث في تشريح الحيوانات ،ووصفوا عدة أمراض في الخيل والبقر
والحمير حتى الطيور واألسماك ،ونضج هذا العلم في القرن السابع حين فصل عن
علم الطب ،وأصبح علم ًا قائم ًا بذاته ،واشتغل به كثيرون من أطباء المسلمين من
أشهرهم أبو عبد الله محمد بن عبد الله الخطيب اإلسكافي(*) (.)1
و ُيعد الطب البيطري وتطوره عند المسلمين من العالمات المميزة على إنجازاتهم
في مجال علم الحيوان بصفة عامة؛ فلقد تطور الطب البيطري في ظل اإلسالم ،والقى
عناية كبيرة بفضل تعاليمه التي تأمر بالرفق بالحيوان ،وبحسن تغذيته والعالج في
حينه ،وعدم تحميله فوق طاقته ،ومنع قتل الحيوان إال لمنفعة أو لسبب إنساني(.)2
وقد كان لهذه التعاليم الفضل في عناية المسلمين بعلم الحيوان والطب البيطري،
وكان اهتمام المسلمين األعظم بال َف َر ِ
س؛ ألنه رفيقهم في الحرب والجهاد ،فكتبوا عن
أنواع الخيل وخصائص كل نوع وعيوبه ومميزاته ،ثم كتبوا عن أمراضه وعالجاتها،
كما أعطوا اهتمام ًا كبير ًا للصقور لعالقتها بالصيد والرياضة( ،)3ومع أن كتاب «الحيوان»
للجاحظ قد غلب عليه ال ّطابع األدبي إال أنه يحوي من الحقائق العلمية عن الحيوانات
ما يستحق وضعه في أبواب العلم(.)4
الحيوان يكون في سبيل تسمينه ،أو توفير قوته للحمل ،أو الجر ،أو الجري في السباق،
أو إلخفاء صوته ،كما تُخصى خيل الغزو كيال تصهل فتُن ّبه العدو لمكانها(.)1
وقد تحدث عن أثر التزاوج بين جنسين من الحيوان مثل الذئب والكلبة ،والحمار
والفرس( ،)2والحمام البري واألليف ،وهو أول من ب َّين أن خصية واحدة تكفي
للتناسل ،وأن الحيوان المنزوع إحدى خصيتيه يعيش طبيعي ًا(.)3
واهتم المسلمون بعلم تشريح الحيوان ،وأقيمت أول مشرحة على نهر دجلة في
بغداد ،وكان الهدف منها:
المقارن)
�أو ًال :تعليم طلبة الطب جسم اإلنسان عن طريق ما يسمى (بالتشريح ُ
فكان االهتمام في هذا المجال بالقردة المستوردة من النوبة ،وهي فصيلة خاصة شبيهة
في تركيبها بجسم اإلنسان.
وألهمية علم البيطرة عند المسلمين ولشدة احترامهم لهذه المهنة تجد الكثير من
العائالت تأخذ كنية البيطري ،ومن ذلك عالم النبات المشهور «ابن البيطار» الذي
يدلنا نسبه أن أباه كان متخصص ًا في عالج الحيوانات ،وأن هذا العلم قد أصبح فرع ًا
متخصص ًا من فروع العالج في ذلك الوقت المبكر في التاريخ اإلسالمي(.)5
وقد ظل هذا الفن يتقدم عندهم بتقدم الطب ،ألن بنية الحيوان كبنية اإلنسان من
حيث نموها وصحتها وتعرضها لألمراض وحاجتها إلى العناية إلى أن بلغوا فيه شأو ًا
بعيد ًا ،وقد ألفوا فيه كتب ًا عديدة ال تزال مرجع ًا لعلماء هذا العصر(.)1
وعلم البيطرة هو أصعب ،في عالج أمراض الدواب ،من أمراض اآلدميين؛
ألن الدواب ليس لها نطق تع ّبر به عما تجد من األلم والمرض ،وإنما ُي ْستَدَ ُّل على
ِ
بالج ِّس والنظر( ،)2الذي يحتاج إلى حذق وحسن بصيرة البيطار بعلل الدواب ع َللها َ
وعالجها ،والسيما أن ِع َل ُل الدّ واب كانت تنيف على ثالثمائة وعشرين ِع َّل ًة ،أشارت
إليها كتب البيطرة بالتفصيل(.)3
لذلك كان من الطبيعي أن تخضع هذه المهنة إلشراف المحتسب الذي كان يشترط
في البيطار أن يكون خبير ًا بعلل الدواب ،ومعرفة ما يحدث فيها من العيوب؛ ألن
ٍ (*)
التهجم على الدواب بِ َف ْصد أو قط ٍع أو ٍّ
كي أو ما شابه ذلك بغير خبرة كان يؤدي
إلى هالك الدابة أو عطبها ،كما كان ال يسمح له بممارسة المهنة إال بعد اختبار خاص
يعقده له ،ألن الناس كانوا يرجعون إليه إذا اختلفوا في الدابة(.)4
وكان من الطبيعي أن تحظى البيطرة باهتمام علماء المسلمين فوضعوا فيها تصانيف
كثيرة جد ًا( ،)5من أهمها كتاب «البيطرة» ألحمد بن الحسن بن األحنف الذي توجد منه
نسخة محفوظة في دار الكتب المصرية من ن َْس ِخ علي بن حسن بن هيبة الله في بغداد
تضم تسع ًا وثالثين تصويرة ملونة تشتمل على
أواخر رمضان سنة (605هـ1209/م) ُ
يروضونها أو يعتنون بها(.)1
سواسها يركبونها أو ّ
رسوم خيل بمفردها ،أو مع ّ
ومن أهم الكتب التي عنيت بالخيل وبيطرتها كتاب «قطر السيل في أمر الخيل»
لمؤلفه سراج الدين عمر بن رسالن البلقيني(*) ،وهو كتاب شامل لكل ما يتعلق بسياسة
الخيل واألمراض التي تصيبها(.)2
ومنها كتاب «الخيل والبيطرة» لمؤلفه :محمد بن محمد بن علي ،وتوجد منه عدة
نسخ متفرقة في عدة مكتبات بالعالم ،وكتاب «الفروسية والبيطرة» لمؤلفه أحمد بن
محمد بن أبي ُقطيرة ،أ َّل َف ُه للعزيز الفاطمي ،وتُرجم إلى اللغة الفرنسية(.)3
ً
ثالثا :علم البيزرة:
ُ ً
-1تعريفه لغة:
( )1متــاح عــى الرابــط التــايل :موقــع الدكتــور يوســف زيــدان للــراث والثقافــةwww.ziedan.com :؛ كذلــك
توجــد نســخة مــن املخطــوط عــى موقــع مكتبــة املصطفــى اإللكرتونيــة.www.al-mostafa.com :
(*) مولــده ســنة (724هـــ1323 /م) تــويف بالقاهــرة بعــد صــاة العــر ســنة (805هـــ1402 /م) ليلــة
اجلمعــة -ابــن تغــري بــردي ،مجــال الديــن أيب املحاســن يوســف :الدليــل الشــايف عــى املنهــل
الصــايف ،حتقيــق :فهيــم حممــد شــلتوت ،مطبعــة دار الكتــب املرصيــة (القاهــرة.497/1 )1998 ،
( )2البلقينــي ،رساج الديــن عمــر بــن رســان :قطــر الســيل يف أمــر اخليــل ،حتقيــق :حاتــم صالــح
الضامــن ،دار البشــائر (دمشــق )2009 ،ص.140 ،137
( )3أمحد أمحد :احلضارة اإلسالمية ،ص.244
( )4املعجم الوسيط ،ص.49
الفصل الخامس 98
ً
-2تعريفه اصطالحا:
اسم اتصل عند العرب بعلم يبحث عن أحوال الجوارح ،من حيث المحافظة على
صحتها ،وإزالة مرضها ،ومعرفة عالمات قوتها وضعفها(.)1
َع َّر َف ُه ابن األكفاني« :بأنه الطب الذي يعتني بالجوارح لمنفعتها وأدبها في الصيد وإمساكه»(.)2
و َع َّر َف ُه طاش كبرى زاده بأنه« :علم ُيبحث فيه عن أحوال الجوارح من حيث
حفظ صحته ،وإزالة مرضه ،ومعرفة عالماته الدالة على قوته في الصيد وضعفه فيه،
وموضوعه ،وغايته ،وغرضه ،ومنفعته ظاهرة ال تخفى على أحد»(.)3
الفاطمية بالدولة العباسية في باب العناية بالطيور الجوارح وعلى إثرها سارت
الدول األخرى(.)1
ً
رابعا :إسهامات المسلمين في علم البيزرة:
يكاد الصيد بالطيور الجارحة كالبازي والصقر والشاهين ،وغيرها أن يكون من أكثر
الظواهر الحضارية تغلغ ً
ال في حياتنا العربية واإلسالمية على مر الزمن؛ سواء ذلك في
الشعر والرسم واألمثال والقصص الشعبي ،ولشدة تعلق الناس على مختلف المستويات
بهذا النوع من الصيد ،تطور من مجرد (هواية) ترضي طالَّب الرياضة والمتعة ،إلى علم
ذي قواعد وأصول تتناول كيفية تدريب الطيور في اإلرسال والدعاء ،وكيفية تغذيتها
ألم بها َم َر ٌض في أي جزء من أجزاء الجسم،
ومراعاتها في فترة القرنصة ،وعالجها إذا َّ
وغدا لهذا العلم الذي يسمى (البيزرة) مصطلحاته الخاصة به ،وخبراؤه وعلماؤه الذين
يعرفون كل ما يهمهم في هذا الميدان على المستويين النظري والعلمي(.)2
إذ ًا فعلم معرفة الطيور الجارحة من حيث صحتها ومرضها ،ومعرفة العالئم الدالة على
قوتها في الصيد كان معروف ًا عند المسلمين باسم (البيزرة) .وتكاد تتفق المصادر على أن
كلمة (البيزرة) مأخوذة من اسم الباز أو البازي ،وهو نوع من الصقور ،ولعل االقتصار في
إطالق اسم البازي على هذا العلم دون غيره ،يرجع إلى كونه أشهر طيور الصيد وأمهرها
في اإلمساك بالفريسة( ،)3وقد وصفه أبو عبد الله القزويني في كتابه «عجائب المخلوقات
وغرائب الموجودات» بأنه« :أشد الجوارح تكبر ًا وأضيقها خلق ًا يوجد بأرض الترك»(.)4
( )1الويــس ،كامــل طــه :رياضــة الصيــد والقنــص يف العــر العبــايس ،جملــة الرتبيــة الرياضيــة ،تصــدر عــن
كليــة الرتبيــة الرياضيــة بجامعــة بغــداد ،املجلــد احلــادي عــر ،العــدد الثالــث (بغــداد )2002 ،ص.13
( )2راغب الرسجاين :قصة العلوم ،ص.140
( )3نفس املرجع والصفحة.
( )4القزويني :عجائب املخلوقات ،ص.337
الفصل الخامس 100
أما «البيزار» فهو الذي يقوم بحرفة البيزرة( )1والذي يدرب جوارح الطير على
الصيد ،وأصل هذه الكلمة فارسي أخذ من كلمة (البازيار) أو (الباز دار) ،وهي تعني
القائم بأمر البازي ،أو الحامل له في الصيد(.)2
أما إسهامات علماء المسلمين في هذا العلم ،فكانت كثيرة ومتنوعة ،كل منهم قد
عني بهذا العلم من نواحٍ متعددة؛ فمنهم من عني بالجانب اللغوي مثل كتاب «الطير»
للسجستاني ،ومنهم من تناول علم البيزرة العام ،مثل كتاب «الكافي في البيزرة» ،لعبد
الرحمن بن محمد البلدي( ،)3وكتاب «الجمهرة في البيزرة» لعيسى بن علي بن حسان
األزدي ،موجود بمكتبة األسكوريال مصنف ٍ
ثان ( ،)903وكتاب «الصيد والقنص» مؤلفه
كان معاصر ًا وصديق ًا للصولي توجد منه نسخة محفوظة بطهران تحت رقم (.)4()294/2
ونجد «بازيار العزيز بالله الفاطمي» ـ و ُيعتقد أن اسمه أبو عبد الله الحسن ابن
الحسين المتوفى في القرن الرابع الهجري ـ في كتابه المعنون «البيزرة» ،وهو كتاب
صغير الحجم ال يتعدى متنه الستين صفحة ،قد قسم كتابه إلى عدد متنوع من الفصول
والسباع ،إال أن غالبية صفحات الكتاب تدور حول البيزرة
المتعلقة بجوارح الطير ِّ
وجوارح الطير ،من حيث أسماؤها وصفاتها وأمراضها وطرق معالجتها ،ثم طريقة
تدريبها واالستفادة بأقصى ما يمكن االستفادة به منها(.)5
وأما من ذاع صيته في هذا الشأن ،فنجد عبد الرحمن البلدي المذكور آنف ًا ـ وكتابه
«الكافي في البيزرة» ،وقد أوضح فيه األسس المنهجية في هذا العلم ،حيث تناول في
الجزء الرابع منه «مداواة أمراض الجوارح» وفيه أربعة أبواب؛ األول في صفة طبائع
الجوارح الضواري وأمزجتها وامتحانها عند ابتياعها ،والثاني في ذكر أسباب أمراضها
وعالمات كل مرض ،والثالث في صفة مداواتها وعالج أمراضها وتدبير أدويتها،
والرابع في تدبير قرنصتها وعالمات موتها وهالكها(.)1
وممن كان له إسهامه الواضح في هذا العلم ،نجد الغطريف بن قدامة الغساني في
كتابه «ضواري الطير» الذي عني فيه بطب الطيور الجارحة؛ فقد َس َّج َل فيه مجموعة
من المالحظات الدقيقة التي تدلل على عمق معرفته بهذا العلم( ،)2وطول خبرته في
هذا المجال ،منها قوله عن ديدان الحوصلة« :إذا رأيت الطائر قد ألقى ريمجه فكان له
الدود ،فاعلم أن في حوصلته دود ًا»(.)3
وكذلك قوله عن الديدان المعوية« :إذا رأيت الطير قد ورم ما فوق كتفيه ،فاعلم أن في
بطنه ديدان ًا ِعراض ًا مثل حب القرع (الديدان الشريطية) التي تكون في الصبيان»( ،)4وفي
هذا القول دليل على أن الغطريف له دراية بطب البشر ،إضافة إلى خبرته في طب الطيور.
والدليل اآلخر قوله« :أن ترى الطير ينتف ريش َم َرا ِّق ِه ،أو ينتف ريش فخذيه ،فذلك
يدل على العراض ،أمثال دود الخل يعرض للصبيان في بطنه»(.)5
القواعد واألصول المنهجية لتلك الهواية ،ثم االرتقاء بها حتى جعلوها علم ًا متفرد ًا،
فكل ذلك مما يدل على ابتكار المسلمين لعلم البيزرة ،وأسبقيتهم قبل غيرهم من
األمم والشعوب األخرى في هذا العلم؛ لذلك وجدنا أن عدد ًا من الكتب التراثية
المعنية بعلم البيزرة قد تُرجم في عصر النهضة األوروبية الحديثة إلى اللغة الالتينية،
ثم انتشرت هذه الترجمات بعد ذلك في مختلف بلدان أوروبا ،وانتشرت معها رياضة
الصيد بواسطة الصقر(.)1
ومن العلماء الذين لهم إسهامات في هذا العلت :أبو الفتح محمود بن الحسن
الكاتب ،المعروف بكشاجم المتوفى بعد سنة (358هـ968 /م) حيث يشرح في كتابه
المعنون بــ «المصايد والمطارد» عن األمراض التي تصيب الجوارح ،وعالمة صحته
وأمارات المرض الذي يعتريه ،فيقول عن كيفية معرفة صحة الطائر« :أن ترى العظمين
اللذين عند الفخذين مستويين مضلين غير مختلفين ،والعرقين اللذين في أصل
الجناحين يضربان أبد ًا (وفي هذا دليل على مدى معرفة العرب بالنبض لدى الطيور)
وتراه يحرك ذنبه ... ،إلخ»(.)2
ويقول كشاجت« :وتشقق رجليه وسيل الماء األصفر منهما يدل على البواسير
فيهما ،وارتعاده إذا استدرته من غير ثبات على الكندرة يدل على غلظ األمر في
النقرس ،وتشبيك مخالبه وسقوطه على جؤجئه وامتناعه من طعمه يدل على الديدان
العراض في بطنه»(.)1
وتكلم عن األمراض الكثيرة التي تصيب الجارح ،منها التخمة ،ووجع الكبد،
واحتباس الريح ،والقمل وعالمات المرض في عينيه وصفائهما وغيرها ،وبين طرق
عالج هذه األمراض ،والمواد واألعشاب التي تستخدم في دوائه ،نذكر منها على سبيل
المثال ،القرنفل ،والكافور ،والزنجبيل ،والدار صيني المسحوق ،وغيره(.)2
علم الخيمياء
(الكيمياء)
ً
أوال :تعريفه:
()1 ُل َغ ًةِ :
«ع ْل ٌم َي ْب َح ُث في خواص العناصر وتفاعالتها وهو عربي»
تعريفه اصطالح ًاَ :ع َّرف ُه ابن األكفاني بأنه« :علم ُيرا ُد به سلب الجواهر المعدنية
خواصها وإفادتها خواص لم تكن لها ،واالعتماد فيه على أن الفلزات كلها مشتركة في
النوعية واالختالف الظاهر بينها إنما هو بأمور عرضية يجوز انتقالها»(.)2
107
الفصل السادس 108
التعريف الحديث:
يبحث علم الكيمياء Chemistryفي بنية المواد وخواصها ،وتفاعالتها وتأثيرها في
توليد الطاقة أو استهالكها ،وقد سجل اإلنسان مالحظاته حول التغيرات الكيماوية
وتوقعاته عن أسبابها منذ القدم .وقاد تطور هذه المفاهيم إلى نشوء علم الكيمياء
الحديث؛ أي عندما بدأ االعتماد على التجربة والواقع في اكتشاف الحقائق والقوانين
الكيماوية ،ويمكن القول :إن علم الكيمياء الحديث بدأ في أواخر القرن الثامن عشر
على يد عدد من العلماء التجريبيين ،أمثال «شيله – »Scheeleو«بريستلي – »Priestley
و«الفوازييه – .)3(»Lavoisier
ً
ثانيا :علم الكيمياء عند الشعوب القديمة:
البد لمن يكتب في الكيمياء عند العرب والمسلمين أو غيرهم أن يتطرق إلى مفهوم
الكيمياء قديم ًا وكيف تطور هذا المفهوم على مر السنين ،وانتهى إلى ما نفهمه اليوم(.)4
ولم تكن المعلومات التي حصل عليها اإلنسان عن المادة ،إال نتيجة اختبارات في
عصور طويلة وليست غريزة الحب واالطالع ،هي التي ساقت اإلنسان إلى اكتشاف
( )1املســعودي ،عــي بــن احلســن :مــروج الذهــب ومعــادن اجلوهــر ،املكتبــة العرصيــة (بــروت)2005 ،
.204/4
( )2ابن النديم :الفهرست ،ص.507
( )3املوسوعة العربية ،الرابط التايل :الكيمياء ./www.arab-ency.com
( )4فاضل الطائي :موسوعة احلضارة.261/1 ،
109 علم الخيمياء (الكيمياء)
الطبيعة؛ بل الحاجة هي التي َف َّت َق ْت له الحيلة ،وإن معرفة إشعال النار سهلت لإلنسان
فيما بعد صهر المعادن كالنحاس والحديد من فلزاتها ،وعمل من عصير العنب الخمر
للسك ِْر والثاني لحفظ األطعمة ،وال نستطيع وضع حدّ عن أقدم
والخل ،فاستغل األول ُ
المعارف الكيميائية( ،)1فقد كانت الكيمياء في تاريخها الطويل المبكر يغلب عليها
الصنعة ،كما كانت تشارك حضارة اإلنسان منذ أطوارها األولى(.)2
والكيمياء كانت قبل أن تتحول إلى علم من العلوم قائم على البحث والتجربة،
تُعرف بالسيمياء أو الخيمياء ،فالسيمياء أو الخيمياء سبقت علم الكيمياء إلى الوجود
وكانت منتشرة ومعروفة في الحضارات القديمة ،وكانت ذات ارتباط بالسحر والشعوذة
في كثير من األحيان ،وقائمة على تجارب غير موجهة ومتروكة للصدف في اكتشاف
بعض السوائل والتفاعالت(.)3
ويمكن النظر إلى نشأة الكيمياء ،على اعتبار أنها نتاج لمحاوالت اإلنسان صنع الذهب،
واستكشاف خصائصه وهو الذي كان يعد في مصر القديمة والصين بمثابة دواء سحري،
كما كانت هذه الصناعة موضع اهتمام سكان أودية الفرات منذ ( 3500ق.م) .وعلى الخلفية
التاريخية ،نرى الكلدانيين وقدماء المصريين قد عرفوا استخراج الكلس والغضار المشوي،
وبعض المعادن والنحاس والصفد والحديد والرصاص واإلثمد ،ومن األصبغة ،استعملوا
النيلة النباتية للتلوين باألزرق والحلزون للصبغ باألحمر .وهذا األخير يعود اكتشافه إلى
الفينيقيين ،وقد أدرك القدماء خواص الشب المثبت لأللوان ،وكذلك الجثث المحنطة
والشب ومواد أخرى لم يكشف البحث العلمي لدى المصريين ،د َّل على أنهم عرفوا ِ
الملح َّ ّ
الغموض عنها ،ولم يجهل الكهان المصريون معرفة السموم والعقاقير الطبية(.)4
( )1اهلاشمي ،حممد حييى :الكيمياء يف التفكري اإلسالمي ،دار الفكر العريب (القاهرة ،د.ت) ص.18
( )2عبدالغني ،مصطفى لبيب :الكيمياء عند العرب ،الدار القومية للطباعة والنرش (د.م ،د.ت) ص.13
( )3ديــاب ،مفتــاح حممــد :مقدمــة يف تاريــخ العلــوم يف احلضــارة اإلســامية ،دار الكتــب الوطنيــة
(بنغــازي )1992 ،ص.234
( )4حممد اهلاشمي :الكيمياء ،ص.19
الفصل السادس 110
وعلى الرغم من معرفة بعض الحضارات القديمة للكيمياء ،فإن عناية تلك الحضارات،
نص َّب ًة على النظريات أكثر من اهتمامهم بالتجربة العلمية ،وكانت
مثل اليونان ،كانت ُم َ
مدرسة اإلسكندرية هي المركز الذي نشأ فيه علم الكيمياء ،وفي اإلسكندرية كانت
البذرة األولى لهذا العلم ،حيث توسع الكهنة واشتغلوا بها ،ومن مزاعمهم القول بأنه
يمكن تحويل المعادن الرخيصة إلى معادن ثمينة كالذهب والفضة(.)1
وقد برع المصريون القدماء في تحضير واستخراج الزيوت النباتية والعطور والخمور
والسكر من العنب وصناعة الزجاج وتلوينه ،كما استعملوا الصابون منذ عصور قديمة ترجع
إلى ما قبل التاريخ األول ،وكانوا يستخدمون في صنعه الزيت وكربونات الصوديوم(.)2
وعرف الصينيون علم الكيمياء ،فمنذ القرن الثالث الميالدي ظهرت كتابات
كيميائية ذات مالمح خاصة عند جماعة «الطاو – )*(»Taoismوطبق ًا لنظريتهم التي
تقول بأن المعادن كلها من أصل واحد ،اعتقدوا بأن من الممكن تحويل بعضها إلى
البعض اآلخر ،أي تحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب وفضة(.)3
أما عند الهنود فقد ظهر الفيلسوف الهندي «كانادا – )*(»Kanadaالذي اعتبر أن
أصل الكون أربعة عناصر هي :التراب والماء والنور والهواء ،وهذه العناصر تتكون في
ذرات أزلية فانية ،على نحو ما قال به «ليسيبوس – »Leseposاليوناني(.)4
حقيقتها من ّ
ولما جاء الرومان خشي بعض حكامهم أن يتمكن أهل هذه الصنعة من الحصول
على المال الكثير ،ويقوى نفوذهم في الثروة والسلطان ،فأمر اإلمبراطور ديوقليديانوس
حوالي سنة (290م) بطردهم وحرق كتبهم ،فتفرقوا وذهبوا إلى أماكن مختلفة في الشام
والعراق ،إال أنه بالرغم من ذلك لم يستطع الرومان القضاء على هذا االتجاه؛ إذ بقي في
مصر بعض الذين اشتغلوا بهذه الصنعة سر ًا ،واستمرت شهرة مدرسة اإلسكندرية حتى
الفتح اإلسالمي لمصر حوالي سنة (20هـ642/م) .ومن هذه المدرسة استقى العرب
المسلمون معلوماتهم في الكيمياء ،فكانت المصدر األول لهم في هذه الصنعة( ،)1مع
العلم أن المنبع األول لها لم ُيعرف إلى اآلن(.)2
ً
ثالثا :إسهامات المسلمين في علم الكيمياء:
ورث المسلمون العلوم اليونانية( ،)3وبدأ اهتمام العرب بالعلوم اليونانية خاصة
منذ العصر األموي( ،)4وكانت دولة العرب آنذاك تمتد من الهند إلى شمال أفريقيا،
فبدأ اختالط العرب يزداد شيئ ًا فشيئ ًا بغيرهم من الشعوب األخرى ،ويزداد مع هذا
االختالط تمدينهم ،فعني بعض الخلفاء بنقل العلوم والمعارف الغريبة عنهم وتشجيع
انتشارها ،والمأثور أن أول نقل حدث في اإلسالم كان بفضل «خالد بن يزيد»(*) الذي
عني بنقل علوم الطب ،وكذلك الكيمياء التي تناولت البحث في صناعة الكيمياء
العملية ،وحاول الحصول على الذهب بواسطتها(.)1
كان خالد بن يزيد مغرم ًا بالمعرفة محب ًا لها ،فكلف «أسطفانوس» و«ماريانوس»
وغيرهما بترجمة هذه الكتب إلى اللغة العربية( .)2وذكر ابن النديم عن خالد بن يزيد أنه:
«كان خطيب ًا شاعر ًا فصيح ًا حازم ًا ،ذا رأي ،وهو أول من تُرجم له ُكتُب الطب والنجوم
وكتب الكيمياء ،وكان جواد ًا ... ،ويقال ـ والله أعلم ـ إنه صح له عمل الصناعة ،وله
في ذلك عدة كتب ورسائل ،وله شعر كثير في هذا المعنى رأيت منه خمسمائة ورقة،
الحرارات ،وكتاب الصحيفة الكبير ،وكتاب الصحيفة الصغير،
ورأيت من كتبه :كتاب َ
وكتاب وصية إلى ابنه في الصنعة»(.)3
وقد ترجم «أسطفانوس» إلى جانب ترجمته للمباحث اليونانية في تحويل المعادن
الرخيصة إلى ذهب وفضة ،شيئ ًا من كيمياء المصريين القدماء إلى العربية ،اتخذه خالد
بن يزيد ،وجابر بن حيان من بعده ،أساس ًا النشغالهم في هذا الموضوع ،و ُذكر أن كتب
خالد العلمية ونتاجه األدبي ظلت تتداول عدة قرون ،واستفاد منها عدد ممن اشتغلوا بهذا
العلم .كذلك ُع ِر َف ْت بعض كتابات خالد الكيميائية في أوروبا بعد ُه بحوالي ستمائة سنة(.)4
وعني المسلمون بعلم الكيمياء عناية ُج َّلى ،ولهم في تقدمه فضل كبير واكتشافات مهمة،
فهم الذين أسسوا الكيمياء الحديثة بتجاربهم ومالحظاتهم الدقيقة ومستحضراتهم(.)5
يقول ول ديورانت صاحب كتاب قصة الحضارة :يكاد المسلمون يكونون هم
الذين ابتدعوا الكيمياء بوصفها علم ًا من العلوم؛ ذلك أن المسلمين أدخلوا المالحظة
الدقيقة ،والتجارب العلمية ،والعناية برصد نتائجها في الميدان الذي اقتصر فيه
اليونان ـ على ما نعلم ـ على الخبرة الصناعية والفروض الغامضة .فقد اخترعوا
ال كيميائي ًا،
اإلنبيق وسموه بهذا االسم ،وحللوا عدد ًا ال يحصى من المواد تحلي ً
ووضعوا مؤلفات في الحجارة ،و َم َّيزوا بين القلويات واألحماض ،وفحصوا من
المواد التي تميل إليها ،ودرسوا مئات منها(.)1
ومن مآثر المسلمين في علم الكيمياء ،أنهم عرفوا طرق التقطير والترشيح والتكليس
والتحويل والتبخر والتذويب والتبلور ،واكتشفوا الكحول والقوليات ،والنشادر،
الزاج (حامض الكبريتيك)،
ونترات الفضة (حجر جهنم) ،والبورق ،والزرنيخ ،وزيت َّ
والبوتاس ،والسفكي والكافور ،والصندل والرواند ،والمسك والمر ،وجوز الطيب،
وهم الذين اخترعوا األشربة والمنتجات والخالصات العطرية ،وتوصلوا إلى تغليف
أقراص الدواء بطبقة من السكر منع ًا لمراراتها أن تؤذي اللسان ،وعملوا الترياق المؤ َّلف
(الم َر ِّقد) والزيوان والشيلم(.)2
من عشرات األدوية ،وهم أول من استعمل األفيون ُ
وفض ً
ال عن ذلك ،فقد عرف الكيميائيون العرب ،كيفية تحضير األسرنج األحمر،
وهو ثاني أكسيد الرصاص المستعمل في األصباغ ،وعرفوا كذلك أول أكسيد الرصاص
ولونه األصفر (المرتك األصفر) واألسفيداج ،أو كربونات الرصاص القاعدية ،كما
حضر العرب الزاج األخضر (كبريتات الحديدوز) ،وعرفوا السليماني ،وهو من
مركبات الزئبق (ثاني كلوريد الزئبق) ،وكذلك عرفوا الزنجفر (كبريتيد الزئبق) ومن
مركبات الزرنيخ عرفوا الرهج (كبريتيد الزرنيخ) ،وكلس الزرنيخ (أكسيد الزرنيخ)(.)3
( )1ديورانت ،ول :قصة احلضارة ،ترمجة :حممد بدران ،دار اجليل (بريوت ،د.ت) .187/13
( )2أبو خليل ،شوقي :احلضارة العربية اإلسالمية ،دار الفكر املعارص (بريوت )1996 ،ص.523
( )3حكمت عبد الرمحن :دراسات ،ص.247
الفصل السادس 114
وعرفوا أيض ًا حامض النيتريك ،وزاولوا ما يسمى حديث ًا بالكيمياء الصيدلية ،كما
استخدموا ثاني أكسيد المنجنيز في صناعة الزجاج ،وعرفوا أن النار تنطفئ عند انعدام
الهواء ،وهذا ما يعلله العلم الحديث بانعدام عنصر األكسجين من الجو المحيط
بالنار ،وتوصلوا إلى مواد إذا ُطلي بها الخشب تمنع من احتراقه ،وفي هذا الشأن يقول
الدكتور حكمت عبد الرحمن« :وال أعتقد أن هذه المادة هي نفسها التي يستعملها
العلم الحديث ،الذي توصل إلى إيجاد مواد بالستيكية ومواد لها خاصية إطفاء النار
بصورة تلقائية بسبب وجود عنصر الكلورين الذي يدخل في تركيبها الكيمياوي ،إذ
من صفات هذا العنصر ،التحرر في درجات الحرارة العالية كالتي تحدث عند الحرائق
ويؤدي إلى خمودها(.)1
وبهذا يكون العرب قد قدموا خدمات جلى إلى علم الكيمياء ،سواء كان ذلك بصورة
مباشرة ،عن طريق إجراء العمليات األساسية التي اكتشفوها والمركبات الكيماوية
التي حضروها( ،)2والتجارب التي قاموا بها ،أو بصورة غير مباشرة كخدمتهم للعلوم
األخرى ،وهي جمع شتات هذا العلم من المصادر المختلفة ،التي كادت أن تبلى،
وحفظها من الضياع ،ونقلها إلى الغرب بحالة جيدة فاستفاد منها فائدة كبيرة أدت إلى
تطور هذا العلم ،وهذا ما جعل العرب يعدون مكتشفي أهم أسس الكيمياء(.)3
ً
رابعا :أشهر علماء المسلمين في علم الكيمياء:
اإلمام جعفر الصادق (ت148 :هـ765/م):
أبو عبد الله( )4جعفر بن محمد الباقر بن علي( )5زين العابدين بن الحسين السبط بن
(كرم الله وجهه) رضي الله عنهم أجمعين ،أحد األئمة االثني عشرية
َّ
()1
علي بن أبي طالب
على مذهب اإلمامية( ،)2ولد سنة (80هـ699/م) ،له رسائل مجموعة في كتاب ،وهو من
هو شرف ًا وعلم ًا وصدق ًا ،أبدى اهتمام ًا كبير ًا بعلم الكيمياء حتى قيل إنه درسه في مدرسته،
وكان يؤمن بإمكانية تحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب وفضة ،بواسطة اإلكسير(.)3
يقول عنه ابن خلكان« :وله كالم في صناعة الكيمياء والزجر والفأل ،وكان تلميذه
رسوسي قد أ َّلف كتاب ًا يشتمل على ألف ورقة
الصوفي ال َط ُ
أبو موسى جابر بن ح َّيان ُ
تتضمن رسائل جعفر الصادق وهي خمسمائة رسالة»(.)4
وذكر األستاذ محمد يحيى الهاشمي لإلمام الصادق كتاب ًا بعنوان« :رسالة في علم
ودلل على صحة نسبتها إلى اإلمام الصادق(.)8الصنعة والحجر المكرم» ّ
أبو عبد الله جابر بن حيان بن عبد الله الكوفي المعروف بالصوفي( ،)1كيميائي
عربي( ،)2يعتبر (أبا الكيمياء العربية)( ،)3وعالم مشارك في الطبيعة والكيمياء والفلسفة
والفلك واألدب وغيرها( ،)4قيل :إنه سمي جابر ًا ألنه (جبر العلم) أي أعاد تنظيمه
وترتيبه ،وأقامه على المنهج الصحي( .)5وحسبنا أن الرازي يشير إليه في كتبه الخاصة
بعلم الكيمياء بقوله« :قال أستاذنا أبو موسى جابر بن حيان»(.)6
ومن إنجازاته العلمية أنه أقام مختبر ًا خاص ًا في بيته في بوابة دمشق ُيجري فيه
تجاربه الكيميائية ،ومن ابتكاراته في الكيمياء تمييزه بين العناصر من جهة أوزانها،
فقد جعل لكل عنصر من العناصر ميزان ًا خاص ًا يوافق كثافته وكتلته ،وتكلم جابر في
الخواص الذاتية للعناصر ،وأثبت إمكانية تحليل أي تركيب إلى العناصر األولى،
وأجرى ذلك مخبري ًا على عنصري الزئبق والكبريت ،وتوصل جابر إلى تحضير
مداد مضيء استخدم فيه الفوسفور ،يستخدم للقراءة في الظلمة ،وكانت الخلفاء
تقتني مثل هذه الكتب(.)7
وهو أول من اعتمد على الرياضيات في علم الكيمياء حيث قال عنها :إنها أساس
وعصب كل بحث علمي ،وهو أول من استخدم الميزان في علم الكيمياء قبل استخدامه
في أوروبا بأكثر من ( 600سنة) فاعتمده كأساس لتجاربه ،و ُينسب إليه تحضير الكحول،
وحامض الخليك والماء الملكي ،وأنه أبدع «النظرية الذرية» ،وسبق «دالتون»(*) بألف
عام ،وال يزال هذا القول موضع دراسة وعناية العلماء(.)1
وكتب في السموم واألدوية وفي صناعة اإلكسير وصناعة الذهب ،واكتشف عملية
التقطير والتصعيد ،وروح الخمرة ،وزيادة ثقل األجسام بعد إحمائها ،وأول من ذوب
الذهب ،وابتدع طريقة ترشيح السوائل ،واخترع آالت كيماوية ومغاطس مائية ورملية،
وهو الذي يعزى إليه اختراع الجير( .)2وهو أول من استخرج حامض الكبريتيك وسماه
الزاجن وأول من اكتشف الصودا الكاوية(.)3
زيت َّ
أما عن مؤلفاته فهي موسوعة علمية تحتوي على خالصة ما وصل إليه علم الكيمياء
عند العرب في عصره ،واشتملت على بيان مركبات كيماوية كانت مجهولة قبله(،)4
ومؤلفاته تزيد على ثمانين مؤلف ًا في شتى العلوم ،وأهم كتبه فهرست كبير يحتوي على
جميع مؤلفاته في الكيمياء وغيرها ،والفهرست الصغير يحتوي على ما ألفه في علم
الكيمياء وهي كثيرة ال يتسع المقام لذكرها ،ومن أهمها نذكر على سبيل المثال ال
الحصر« :كتاب الخمائر الكبير ،كتاب الخمائر الصغير ،كتاب الزيبق ،كتاب التدابير
الرائبة ،كتاب كيمياء المعادن ...وغيرها»(.)5
(*) دالتــون ،جــون ( :)1844-1766فيزيائــي وكيميائــي بريطــاين يعتــر مــن آبــاء الفيزيــاء احلديثــة،
وضــع أول نظريــة ذريــة علميــة -منــر البعلبكــي :أعــام املــورد ،ص.184
( )1زهري محيدان :أعالم احلضارة.220 ،219/1 ،
( )2أسعد داغر :حضارة العرب ،ص.189 ،188
( )3شوقي أبو خليل :احلضارة العربية ،ص.521
( )4جوستاف لوبون :حضارة العرب ،ص.574
( )5ابن النديم :الفهرست ،ص.515 ،514
الفصل السادس 118
وصفه باكون بأنه في الصف األول مع بطليموس ،وله آراء جريئة في الكيمياء ،أنكر
على أساسها إمكانية تحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب(.)3
من مآثره العلمية في الكيمياء أنه َح َّض َر أنواع ًا من الفوالذ بطريقة الزالت تستخدم
في الوقت الحاضر ،إذ تتألف الطريق من مزج كميتين معينتين من الحديد المطاوع
والحديد الصلب ،وصهرهما مع ًا بحيث تكون نسبة الكربون ال تزيد على ،%1.5كذلك
توصل إلى تلوين الحديد واستعمل في ذلك بعض األعشاب والمواد العضوية ،من
بينها نبات الدفلي الذي وصفه الكندي بأنه سام للغاية وذلك الحتوائه على كمية كبيرة
من سيائيد الصوديوم أو البوتاسيوم ،وهو ُيكسب الحديد لون ًا بين الحمرة والزرقة،
وفطن الكندي إلى تجربة لحماية الحديد من الصدأ وذكر فيها طرائق عديدة(.)4
وأجرى الكندي التجارب الكثيرة في صنع أنواع عديدة من العطور ،وذكر عدة طرق
وتطرق إلى العديد من العمليات الكيماوية كالترشيح والتقطير،
ّ لتحضير (المسك)،
وفي هذا المجال جاء بمخطط يتضمن جميع أدوات التقطير مربوطة بعضها ببعض،
لتؤلف جهاز ًا كام ً
ال للتقطير( ،)5وألف رسالة في قلع اآلثار عن الثياب ،ولعلها تشتمل
على الكثير من المواد الكيميائية التي تُستعمل في الوقت الحاضر لتنظيف الثياب(.)6
( )1عمــر كحالــة :معجــم املؤلفــن125/4 ،؛ كذلــك ابــن أيب أصيبعــة :عيــون األنبــاء ،ص285؛ الــزركيل:
األعالم.195/8 ،
( )2عمر كحالة :معجم املؤلفني125/4 ،؛ كذلك ابن النديم :الفهرست ،ص.371
( )3عيل الشكيل :الكيمياء ،ص.13
( )4فاضل الطائي :موسوعة احلضارة ،علم الكيمياء.284/1 ،
( )5املرجع نفسه.281/1 ،
( )6اخلالدي ،روحي :الكيمياء عند العرب ،دار املعارف (القاهرة )1953 ،ص.32
119 علم الخيمياء (الكيمياء)
أما عن مؤلفاته فمن أشهرها على سبيل المثال ال الحصر كتاب «التنبيه على خدع
الكيماويين» ،و«رسالة في كيمياء العطر والتصعيدات» ،وكتاب «في أنواع الجواهر
الثمينة» ،وكتاب «في أنواع السيوف والحديد» ،وكتاب «رسالة في بطالن دعوى
المدعين صنعة الذهب والفضة وخدعهم»(.)1
( )1ابن النديم :الفهرست ،ص .379 ،378كذلك فاضل الطائي :موسوعة احلضارة.284/1 ،
( )2الزركيل :األعالم.224/7 ،
( )3ابن أيب أصيبعة :عيون األنباء ،ص.14
( )4عيل الشكيل :الكيمياء ،ص.14
(*) جوزيــف بريســتيل 1804-1733( Joseph Priestlyم) :هــو عــامل ديــن وفيلســوف وكيميائــي وفيزيائي
بريطــاين أمريكي -جوزيــف بريســتيلwww.wikipedia.org.wiki/
( )5عيل الشكيل :الكيمياء ،ص.14
( )6ماجد العدوان :موسوعة علامء الكيمياء ،ص.28
الفصل السابع
علم الفيزياء
ً
أوال :تعريفه:
الفيزياء من اللفظة اإلغريقية ( )Fisikiوتعني (المعرفة الطبيعية) ،وبالعربية ُع ِر َفت بــ
«علم الطبيعة» وتسمى أحيان ًا «الفيزيقا» وهي العلم الذي يدرس كل ما يتعلق بالمادة
وحركتها والطاقة ،ومحاولة فهم الظواهر الطبيعية والقوى المؤثرة في سيرها ،وصياغة
المعرفة في قوانين ،وتتسم الفيزياء في نفس الوقت بدقة القياس وابتكار طرق جديدة
للقياس تزيد من دقتها ،فهذا هو أساس التوصل إلى التفسير السليم للظواهر الطبيعية(.)1
و َع َّر َف ُه ابن خلدون بقوله« :وهو ِع ْل ٌم يبحث عن الجسم من جهة ما يلحقه من
الحركة والسكون ،فينظر في األجسام السماوية والعنصرية ،وما يتولد عنها من حيوان
وإنسان ونبات ومعدن ،وما يتكون في األرض من العيون والزالزل ،وفي الجو من
السحاب والبخار والرعد والبرق والصواعق وغير ذلك .وفي مبدأ الحركة لألجسام
وهو النَ ْف ُس على تنوعها في اإلنسان والحيوان والنبات»(.)3
وأما كلمة الفيزياء فال تُعرف هذه التسمية في مؤلفات العلماء المسلمين ،ولكنهم
صنفوا هذا العلم باألنواع اآلتية(:)4
123
الفصل السابع 124
-2الثقل النوعي(.)2
لكن العلماء المسلمين لم يقتصروا على مجرد النقل؛ بل توسعوا وأضافوا إضافات
جديدة من ابتكاراتهم ،ويتضح لنا مدى التقدم الذي قطعه المسلمون في ميدان
الطبيعيات ،إذا وقفنا على نشاطهم في هذا السبيل(.)7
ومن الكتب اليونانية التي ترجمها العرب ،كتاب «الفيزيكس» ألرسطو طاليس،
وكتاب «الحيل الروحانية» ،وكتاب «رفع األثقال» آليرن(*) ،وكتاب «اآلالت المصوتة
على بعد ستين ميالً» لمورطس ،وكتاب «هيرون الصغير في اآلالت الحربية» وغيرها(.)1
-1الجاذبية األرضية:
المعروف عموم ًا سواء في الشرق والغرب ،أن الذي اكتشف قانون الجاذبية هو
العالم «إسحاق نيوتن» وذلك عندما الحظ سقوط تفاحة من شجرة كان يجلس تحتها،
وحينها أخذ يفكر في سبب سقوطها حتى توصل إلى قانون الجاذبية هذا ووضع
صياغته ،والذي يثبت فيه أن كل جسم مادي يجذب غيره من األجسام المادية ،بقوة
تزيد أو تنقص حسب الكتلة والمسافة بينهما(.)2
ولكن الحقيقة أن المسلمين توصلوا إلى قانون الجاذبية قبل نيوتن بمئات السنين،
وكان الهمداني له الدور األبرز في هذا المجال ،حيث ذكر في كتابه هذه المقالة
في مجال حديثه عن األرض ،وما يرتبط بها من مياه وهواء« :فمن كان تحتها فهو
في الثابت في قامته كمن فوقها ،ومسقطه وقدمه إلى سطحها األسفل كمسقطه إلى
سطحها األعلى ،وكمسقطه إلى سطحها األعلى ،وكثبات قدمه عليه ،فهي بمنزلة حجر
المغناطيس الذي تجذب قواه الحديد إلى كل جانب»(.)3
وبهذا يكون الهمداني قد أرسى أول حقيقة جزئية في فيزياء ظاهرة الجاذبية ،وهي
ما يعرف بـ «طاقة الموضع» ،أو «طاقة الكُم ِ
ون» الناتجة أص ً
ال عن ارتفاع األجسام عن ُ ُ
َص صراح ًة أن األجسام يجذب بعضها بعض ًا ،وهو المعنى األرض ،وإن لم يقل في الن ِّ
األساسي الشامل لقانون الجذب العام للعالم نيوتن(.)1
ويأتي بعده أبو الريحان البيروني مؤكد ًا ما سبق إليه الهمداني ،من أن األرض تجذب ما
فوقها نحو مركزها( ،)2حيث وقف البيروني على فكرة وجود قوة الجاذبية لألرض ،وفهم
تأثير هذه الجاذبية فهم ًا علمي ًا صحيح ًا( ،)3حيث أكد للمعترضين فكرة دوران األرض
حول نفسها ،والمعتقدين بأن األرض لو دارت «لطارت من فوق سطحها األحجار،
واقتُلعت األشجار»( ،)4وأن األرض تجذب ما فوقها نحو مركزها ،كما أكد أيض ًا رأيه هذا
في كتابه الموسوم بـ «القانون المسعودي» ،حيث قال« :والناس على األرض منتصبو
القامات على استقامة أقطار الكرة ،وعليها أيض ًا تزول األثقال إلى األسفل»(.)5
واعتنى البيروني بدراسة الكثافة النوعية ،وظواهر الشفق وكسوف الشمس ونحوها،
في دقة أثارت الباحثين حتى قال عنه المستشرق األلماني «إدوارد سخاو»(*) :إنه أعظم
عقلية عرفها التاريخ(.)6
( )1راغب الرسجاين :ماذا قدم السلمون.268/1 ،
( )2نفس املرجع واجلزء والصفحة.
( )3شــوقي ،جــال :دراســات البــروين يف الطبيعيــات ،بحــث ُقــدِّ َم إىل النــدوة العامليــة األوىل لتاريــخ
العلــوم عنــد العــرب ،جامعــة حلــب (حلــب )1976 ،ص.252
( )4جــايف ،برنــارد :بواتــق وأنابيــب (قصــة الكيميــاء) ،ترمجــة :أمحــد زكــي ،مكتبــة النهضةاملرصيــة
(القاهــرة ،د.ت) ص.62
( )5البــروين ،أبــو الرحيــان حممــد بــن أمحــد :كتــاب القانــون املســعودي ،مطبعــة جملــس دائــرة املعــارف
العثامنيــة بحيــدر آبــاد (الدكــن.22/1 )1954 ،
(*) كارل إدوارد ســخاو (1930-1845م) :مســترشق أملــاين ترحــل يف الشــام والعــراق ،ونــر كتابــ ًا
باألملانيــة عــن رحلتــه ،كــا أعــد فهــرس للمخطوطــات الرسيانيــة يف مكتبــة برلــن ،كــا عــن أســتاذ ًا
للغــات الرشقيــة -إدوارد ســخاوwww.wikpedia.org/wiki/
( )6يونــس ،فتحــي عــي :أثــر العــرب واملســلمني يف احلضــارة األوروبيــة ،املنظمــة العربيــة للرتبيــة
والثقافــة والعلــوم (القاهــرة )1996 ،ص.38-37
127 علم الفيزياء
كما أن الخازني عرف أن األجسام الساقطة تنجذب في سقوطها نحو مركز األرض ،وعرف
كذلك نسبة السرعة المتصاعدة في سقوط األجسام( ،)1فقال« :الجسم الثقيل ،هو الذي يتحرك
بقوة ذاتية أبد ًا إلى مركز العالم فقط ،أعني أن الثقل ،هو الذي له قوة تحركه إلى نقطة المركز»(.)2
وقد ذكر اإلدريسي في كتابه الموسوم بنزهة المشتاق في اختراق اآلفاق ،كالم ًا عن
الجاذبية األرضية حيث قال« :واألرض جاذبة لما في أبدانهم من الثقل بمنزلة حجر
المغناطيس الذي يجذب الحديد»(.)3
-2الثقل النوعي:
عرف العرب الثقل النوعي لبعض المواد الصلبة والسائلة ،وقدّ روا ثقلها بدرجة
دقيقة تقترب أحيان ًا ،وأحيان ًا أخرى تطابق ما قدَّ ره علماء العصر الحاضر ،بالرغم
من اختالف المستوى العلمي والتقني لآلالت واألجهزة التي استعملت في هذين
العصرين ،حيث استعمل «البيروني» وعاء مخروط الشكل ذا مصب بالقرب من
فوهته ،بحيث يتجه هذا المصب إلى أسفل ،وكان يزن المادة المطلوب قياس وزنها
النوعي وزن ًا دقيق ًا ،ثم يدخلها في هذا الجهاز المخروطي الذي قد مأله إلى غاية مصبه
ٍ
مساو لها من الماء الذي يفيض من مصبه، بالماء ،فتحل المادة المولجة محل حجم
عندئذ يقوم البيروني بوزن الماء المزاح ،ويعين الوزن النوعي للمادة بحساب النسبةٍ
بين وزن المادة المختبرة ،ووزن الماء الذي أزاحته عند إدخالها في الجهاز( ،)1ويعتبر
هذا الجهاز أقدم مقياس لتعيين كثافة المواد(.)2
العروة
كفة امليزان
( )1ألــدو ميلــي :العلــم عنــد العــرب ،ص .194كذلــك حكمــت عبــد الرمحــن :دراســات ،ص،308
309؛ أمحــد أمحــد :احلضــارة اإلســامية ،ص.94
( )2حكمت عبد الرمحن :دراسات ،ص.309
129 علم الفيزياء
واستطاع البيروني عن طريق هذه اآللة التوصل إلى الوزن النوعي لثمانية عشر
معدن ًا ،قدره حتى الرقم العشري الرابع ،منها الذهب والفضة والنحاس والقصدير
والزئبق والبلخش والياقوت األحمر ،وغيرها من المواد التي نجد لها أيض ًا جداول
مفصلة في كتاب «عيون المسائل من أعيان الرسائل» لعبد القادر الطبري(.)1
وسنذكر هنا قائمة من عمل «فيدمان» تبين القيم التي حصل عليها كل من العالمين
البيروني والخازني ،ومقارنتها بأوازن علماء العصر الحديث(:)2
القيمة احلالية عند اخلازين عند البريوين املادة
19,26 19,05 19,26 الذهب
13,56 13,59 13,74 الزئبق
8,85 8,83 8,92 النحاس
نحو 8,4 8,58 8,67 نحاس أصفر
7,79 7,74 7,82 احلديد
القيمة احلالية عند اخلازين عند البريوين املادة
7,29 7,15 7,22 القصدير
11,35 11,29 11,40 الرصاص
3,90 3,76 3,91 الزورد
3,52 3,60 3,75 الياقوت
2,75 2,62 2,72 الزمرد
2,75 2,62 2,72 اللؤلؤ
- 2,50 2,60 عقيق
2,85 2,85 2,53 الكوارتز
نرى أن النسبة التي استخرجها الخازني قريبة جد ًا من النسبة المستخرجة حديث ًا،
وبأكثر األجهزة العلمية تطور ًا وتعقيد ًا ،ويمكننا القول :إنها قد تكون مطابقة ألن هذا
االختالف البسيط مع الوزن الحديث يمكن تعليله(.)3
وقد ألقى الدكتور «بلتن» في السنوات األخيرة خطاب ًا في أكاديمية العلوم في نيويورك
عن معرفة الثقل النوعي عند المسلمين ،ذكر فيه اقتباسات كثيرة من كتاب «ميزان
الحكمة» للريشهري تدل على أن العرب المسلمين كانوا يعرفون ثقل الهواء ،وطرق ًا
مدققة الستخراج الثقل النوعي في أكثر السوائل والجوامد ،حتى التي تذوب في الماء،
وقال :إن في الكتاب المذكور جداول مدون ًا فيها الثقل النوعي كما هو معروف اآلن ،وفيه
رسم آالت كثيرة منها ميزان بديع الصنعة لمعرفة الثقل النوعي في جميع األجسام(.)1
واخترع علماء المسلمين موازين أخرى غريبة ،فقد روت المصادر العربية أن
الخازن األندلسي ،الذي عاش في أوائل القرن السادس الهجري/الثاني عشر
الميالدي ،اخترع ميزان ًا غريب ًا لوزن األجسام في الهواء والماء ،وكان له خمس َك َّف ٍ
ات
تتحرك إحداهما على ذرا ٍع ُمدَ َّرج(.)2
إن كلمة ميكانيكا كلمة إغريقية قديمة األصل ،Mechaneوكانت تعني في عصر الحضارة
اليونانية والرومانية القديمة كل الفنون المتعلقة بالمهارة والبراعة والحذق ،كما كانوا يعنون
بها اآلالت الرافعة ،والسيما األدوات التي كانوا يرفعون بها الستارة في المسارح اليونانية
والرومانية القديمة ،ثم تطور هذا المفهوم مع ازدياد الحاجة لبناء المسارح والمؤسسات
الكبيرة ،فظهر جلي ًا فائدة استعمال الحلقة والذراع والسطح المائل واإلسفين ،واهتم
العلماء بدراسة هذه األدوات والتوسع في وجوه استخدامها ،ثم وضعوا مفاهيم مطلقة
للقوة والمقاومة واإلزاحة والسرعة ،ونرى ُبناة هرم خوفو قد حققوا مكسب ًا كبير ًا في مجال
رفع األثقال ،واستعانوا بوسائل عديدة كالذراع والحلقة والحبل ،ومن هنا نرى أن البناء كان
من أهم العوامل التي ساعدت على تطور المفاهيم الميكانيكية عند قدماء المصريين(.)1
وبرع علماء المسلمين في مجال علم الحيل أو الميكانيكا في عمل آالت الحركة،
وفي صنعة األواني العجيبة ذات المنافع الجمة( ،)2فهناك معلق ال يشرب منه إال
الحيوانات الصغيرة ،وهناك خزانات للحمامات أو ِدنان للشراب بوسع المرء أن يفرغ
منها كميات معينة من السوائل ،يعقب كل كمية لحظة استراحة ،وثمة آالت وتركيبات
تتيح لألواني أن تمتلئ تلقائي ًا كلما فرغت ،وزجاجات تفرغ منها بحسب الحاجة
كميات معينة من الماء واألشربة ،كما وجدت قناديل ترتفع فيها الفتائل تلقائي ًا ،ويصب
فيها الزيت تلقائي ًا أيض ًا ،وال تُطفئ الرياح ضوءها(.)3
ووجدت كذلك آالت تحدث صوت ًا كلما ارتفع الماء إلى مستوى معين في الحقول ،باإلضافة
إلى العديد من فوارات المياه التي كان تظهر دوم ًا صور ًا وأشكاالً متنوعة بمياهها الفوارة(.)4
ومن الذين عملوا وأبدعوا في علم الحيل (اآلالت ـ الميكانيك) أوالد موسى ابن
تخرجوا من «بيت الحكمة» أكاديمية العلوم العالمية
شاكر (محمد وأحمد والحسن) ّ
في عصرها( .)1و ُي َعدُّ كتاب «الحيل» الذي عرف أيض ًا «بحيل بني موسى» الذي
وضعه أبناء موسى في سنة (246هـ860/م) خير دليل على ذلك ،فقد وصفه المؤرخ
ابن خلكان بأنه« :عجيب نادر ،يشتمل على كل نادرة ،وقد يكون هو الكتاب األول
الذي يبحث في الميكانيك ،ولقد وقفت عليه فوجدته من أحسن الكتب وأمتعها ،وهو
يشتمل على مائة تركيب ميكانيكي ،عشرون منها ذات قيمة علمية ،شريفة األغراض،
عظيمة الفائدة»( ،)2وفيه وصف آلالت مائية لم يسبق ألحد الحديث عنها(.)3
(*)
ي ُط ُّم على العنقاء في طيرانها * إذا ما كسا جثمانه ريش قشعم
مفصل لحركة األجسام ،وب ّينوا مفهوموتطرق الفالسفة والعلماء العرب بشكل َّ
الحركة وعناصرها وارتباطها بالزمان ،و َق َّس ُموها إلى انتقالية ودورانية ،وإلى طبيعية
وقسرية( ،)2فقد أوضح ابن سينا عناصر الحركة بشكل جلي عندما قال« :المتحرك،
والمحرك وما فيه ،وما منه ،وما إليه ،والزمن»(.)3
وبلغ علم الميكانيكيات أقصى حد ممكن حينئذ ،فوضعوا اآللة المعروفة بالمثقال،
واخترعوا رقاص الساعة (البِنْدَ ول) الذي هو أساس معظم اختراعات هذا العصر،
وكانوا يسمونه دقاق ًا ،وكان طوله نحو متر ويخطـر خطرة في كل ثانية ،إذ قيل إنه كان
يدق ( )86400دقة في اليوم أي دقة واحدة كل ثانية(.)4
علم المناظر العربي هو وريث علم المناظر الهلنستي( ،)5وقد بدأ العرب والمسلمون
دراستهم لهذا العلم ،عندما أخذوا من اليونانيين بعض النظريات الطبيعية ودرسوها
بعناية فائقة ،ثم توسعوا فيها ،وأضافوا إليها إضافات مهمة اعتبرها الكثيرون أساس ًا
لبحوث علم الطبيعة الحديث.
ومن بين هذه المآثر التي خ َّلفها العلماء المسلمون أنهم أضافوا الشيء الكثير ،حيث
درسوا حرارة المرايا ومحل الصور الظاهرة فيها ،وانحراف األشياء وجسامتها الظاهرة،
واالشتغال بالعدسات( ،)1ومن بين هؤالء العلماء الحسن بن الهيثم ،الذي ساهم بمؤلفاته
وأبحاثه في معرفة الكثير عن الضوء والرؤية والمرايا والعدسات والبصريات ،وابتكر طريقة
يس َّمى بالغرفة المظلمة (آلة
في إيجاد البعد البؤري ،وكذلك قام بأبحاث خاصة لما ُي ْع َرف ُو َ
التصوير) وكان أول من استخدمها ،ويرجع إليه الفضل في اكتشاف التمييز بين الظل وشبه
الظل ،وقد تُرجمت دراساته عن المرئيات إلى الالتينية واإليطالية(.)2
ووصف الخازني األندلسي ـ الذي عاش في أواخر القرن الخامس للهجرة في
كتابه الذي ألفه عن البصريات ـ عملية انكسار شعاع الشمس في الهواء ،واستخرج
مقدار االنكسار ،ووصف العين وصف ًا علمي ًا وبحث في كيفية إدراك المرئيات بحاسة
البصر ،وبرهن على أن رؤية الشيء هي شعور الدماغ بالمحسوسات الظاهرة بواسطة
العصب البصري ،وع ّلل رؤية األشباح مفردة على أن صورتها ترتسم على العيني ال
العين الواحدة ،وبسط فن االنكسار بسط ًا شافي ًا ،واكتشف كثير ًا من أحكامه منها أنه
يزيد في ارتفاع األجرام السماوية ،ومنها أن يرينا األجرام فوق األفق وهي تحته ،وأنه
يقصر أقطارها كثير ًا ،وهو أول من عرف انكسار األشعة إلى العين ،وأول من ذكر ميزة
الزجاج في تكبير األجرام ،فأدى ذلك إلى اختراع النظارات وما شاكلها(.)3
يرجع اهتمام المسلمين بالبصريات إلى وقت مبكر( ،)4فقد أشارت المصادر إلى أن
العالم والفيلسوف العربي «يعقوب بن إسحق الكندي» المتوفى سنة (252هـ867/م) قد
وضع اثني عشر كتاب ًا في الطبيعة ،منها كتابان في اختالف المناظر( ،)1وآخران في عمل
المرايا( ،)2تحدث في واحد منها عن المرايا المحرقة التي تعرض لها «أرخميدس» من
قبل ،وذكر أنه يعرف عشرين شك ً
ال لها ،وأنه« :بهذه الصورة يمكننا اإلحراق على أي
ُبعد شئنا»( .)3كما أوضح كيفية صنع المرآة المحرقة ،التي ينعكس منها أربعة وعشرون
شعاع ًا على نقطة واحدة ،وكيف تكون النقطة التي تتجمع فيها األشعة على أي بعد من
وسط سطح المرآة ،ودعم ذلك بالرسوم الهندسية(.)4
ومن بين العلماء الذين اهتموا بعلم المرايا المحرقة ،الحسن بن الهيثم ،فقد بحث
في المرايا ،وأهميتها في تجميع أشعة الشمس وعكسها مركزة على الحصون والقالع
والمدن أثناء حصارها إلحراقها(.)5
وذكر ابن خلدون علم المرايا في مقدمته كفرع من العلوم الهندسية ،ثم ألمح بأن
أشهر من كتب في هذا العلم هو ابن الهيثم ،وفي الواقع قد سبقه الكندي في دراسة
الضياء والمرايا المحرقة في كتابه «مطارح الشعاع»(.)6
ً
ثالثا :أشهر علماء المسلمين في علم الفيزياء:
الكندي (ت 260 :هـ873/م):
ِ
الصباح بن عمران الكندي( ،)7كان عظيم المنزلة عند المأمون
هو يعقوب بن إسحاق بن َّ
والمعتصم بالله العباسيين ،وله مصنفات جليلة ورسائل كثيرة جد ًا في جميع العلوم(.)8
كان عالم ًا بالطب والفلسفة وعلم الحساب والمنطق ،وتأليف اللحون والهندسة
وطبائع األعداد وعلم النجوم(.)1
-1اهتمامه باألبحاث الضوئية والبصريات عموم ًا ،وله هنا غير قليل من الرسائل
والكتب(.)2
-2من أهم أبحاثه في الضوء كالمه على «سير الضوء» وزوايا سقوطه ،وخاصة
انعكاسه ،وتأثير المسافات في الرؤية ،وخداع الوسائل أو األجهزة البصرية من
مثل العدسات والمرايا غير المستوية كالمقعرة والمحدبة(.)3
أما عن مؤلفاته فهي كثيرة ال يتسع المقام لذكرها واإلحاطة بها ،وعن هذا الموضوع
يمكن االطالع عليها في كتاب طبقات األطباء البن أبي أصيبعة(.)5
الحسن بن الحسن بن الهيثم ،أبو علي( ،)6مهندس من أهل البصرة ،يلقب ببطليموس
الثاني( ،)7و ُيعرف عند األوروبيين باسم .Alhazonانتقل إلى الديار المصرية وأقام بها
درس ابن الهيثم انكسار الضوء عند مروره في األوساط الشفافة كالهواء والماء،
واقترب من اختراع العدسة المكبرة قرب ًا جعل «روجر بيكون – »Roger Beconو«وينو
– »Wneloوغيره من األوربيين بعد ثالثمائة عام من ذلك الوقت؛ يعتمدون على بحوثه
فيما بذلوه من جهود الختراع المجهر والمرقاب(.)2
وح ّلل العالقة بين ثقل الهواء الجوي وكثافته ،وبين أثر كثافة الهواء في أوزان
األجسام ،واستخدم قوانين رياضية معقدة في دراسة فعل الضوء في المرايا الكروية(،)3
ومهما قلنا ،فلن نستطيع اإلحاطة بكل مآثره.
-1كتاب المناظر.
-2تهذيب المجسطي.
-3الكرة المحرقة.
-4العمالة وقوس قزح.
-5المرايا المحرقة.
-6اختالف المناظر.
هو أبو الفتح عبد الرحمن الخازني ،كان غالم ًا مملوك ًا لعلي الخازن المروزي،
درس في مرو ،ونبغ في العلوم الرياضية والفلكية والفيزيائية( ،)1وكان عالم ًا مشارك ًا
بالطبيعة والفلك والحكمة(.)2
درس الخازني الجاذبية أيض ًا ،وب َّين عبر تجارب كثيرة أن كل أجزاء الجسم تتجه
نحو مركز األرض عند سقوطها(.)4
علم الفلك
(الهيئة)
ً
أوال :تعريفه:
وهو ما ُيعرف عند املسلمني بعلم اهليئة.
ِ
لم ُيعرف منه أحوال األجرام البسيطة ،العلويةَع َّر َف ُه طاش كربى زاده بأنه« :ع ٌ
والسفلية ،وأشكاهلا وأوضاعها ومقاديرها وأبعادها»(.)1
ً
ثانيا :علم الفلك عند الشعوب القديمة:
يبدو أن علم الفلك ،أو علم اهليئة علم قديم ،اعتنى به اآلشوريون والكلدانيون
والفينيقيون واملرصيون واهلنود والصينيون ،ودرسه القدماء ،و َم َّيزوه عن سائر العلوم
لفوائد عديدة حصلوها من نتائجه ،كام أهنم طاملا ربطوا مضمون هذا العلم بمستقبل
اإلنسان ودوله ،ملا اعتقدوه من تأثريه يف أجساد البرش وعواطفهم(.)2
وزعم الصينيون أن لدهيم أرصاد ًا عملت قبل الطوفان بامئة سنة ،ويقال :إهنم أول
من ق ّيد كسوف الشمس ،وسجلت آثار مرصية ووثائق هندية بعض املعلومات الفلكية،
واشتغل الكلدانيون قدي ًام بعلم الفلك ،وقد وجد اإلسكندر املقدوين حيث فتح بابل،
حوايل مائتي سنة قبل امليالد ،أرصاد ًا قديمة جد ًا(.)3
( )1طاش كربى زاده :مفتاح السعادة .348/1 ،كذلك ابن األكفاين :إرشاد القاصد ،ص.202
( )2حممد فرشوخ :املوسوعة.12/5 ،
( )3املرجع نفسه.13 ،12/5 ،
143
الفصل الثامن 144
وشهدت بالد الفرس يف عهد الساسانيني تطور ًا( )1حلركة الفلك العلمي باللغة
البهلوية ،بتأثري مزدوج هندي ويوناين.
ً
ثالثا :علم الفلك في العصور اإلسالمية:
مع ظهور اإلسالم اختذ االهتامم بالفلك مظهر ًا جديد ًا ،فهم بحاجة إليه من أجل
مواقيت الصالة ،ومن أجل حتديد شهر الصوم ،ومن أجل حتديد مواعيد احلج إىل بيت
اهلل احلرام ،وغريها(.)3
وبدأ اهتامم املسلمني بعلم الفلك يف العرص األموي ،حيث تُرجم أول كتاب يف الفلك
هو «مفتاح النجوم» ،املنسوب هلرمس احلكيم يف أواخر العرص األموي(.)4
وزاد االهتامم بعلم الفلك يف العرص العبايس ،منذ عهد اخلليفة «أيب جعفر املنصور»
الذي أوىل الفلك عناية كبرية ،وكان يصطحب معه «نوبخت الفاريس» ،و َك َّلف إبرازي
الفزاري بنقل كتاب يف حركات النجوم هو «السند هند»( .)5حيث صار هذا الكتاب
نرباس ًا يسري عىل هدْ يه علامء الفلك العرب عىل مدى يزيد عىل نصف قرن(.)6
()1مــوراون ،رجييــس :مقدمــة يف علــم الفلــك ،ورد ضمــن موســوعة تاريــخ العلــوم العربيــة ،إرشاف:
رشــدي راشــد ،مركــز دراســات الوحــدة العربيــة (بــروت.34 ،33/1 )2005 ،
()2يوســف ،عبــد التــواب :احلضــارة اإلســامية بأقــام غربيــة وعربيــة ،الــدار املرصيــة اللبنانيــة
(القاهــرة )1996 ،ص.90
( )3عبد التواب يوسف :احلضارة اإلسالمية ،ص.91 ،90
( )4حممد حماسنة :أضواء عىل تاريخ العلوم ،ص.203
( )5حممد حماسنة :أضواء عىل تاريخ العلوم ،ص.203
( )6عبد التواب يوسف :احلضارة اإلسالمية ،ص.91
145 علم الفلك (الهيئة)
ويف عهد اخلليفة العبايس «هارون الرشيد» متت ترمجة كتاب «املجسطي»
لبطلميوس(*) أحد علامء اإلسكندرية يف القرن الثاين بعد امليالد ،وكان بمثابة دائرة
معارف لعلم الفلك بفروعه املتعددة ،كام اهتم املأمون بعلم الفلك بفضل ترمجة العديد
من كتب الفلك يف عهده(.)1
وما لبث املسلمون ـ بعد مدة وجيزة ـ أن بدؤوا يف تصحيح وتنقيح تلك الكتب التي
نقلوها عن اللغات األخرى ،حتى إذا اكتمل هضم ومت ّثل تلك املؤلفات املرتمجة ،أخذ
اإلبداع دوره عند املسلمني يف هذا احلقل أو ذاك من حقول العلوم التجريبية(.)3
ً
رابعا :إسهامات المسلمين في علم الفلك:
الواقع أن جهود العلامء املسلمني يف علم الفلك مل تقترص عىل مرحلة النقل فقط ،بل
جتاوزهتا إىل مرحلة التصحيح واإلضافة واالبتكار ،فقد أخذوا حيققون بدقة فائقة ما
جاء يف «املجسطي» ،كانحراف دائرة الربوج ،ومواقيت اعتدال الليل والنهار ،وطول
السنة الشمسية ،وزادوا عليه ووافقوه يف كثري من آرائه وخالفوه يف بعضها ،وقالوا :إن
األرض مركز الكون ،وإهنا قائمة يف الفضاء ،وقالوا بدوران الشمس والقمر والنجوم
حول األرض ،وأن القمر أقرب األجرام الساموية إىل األرض ،ويليه عطارد والزهرة
(*) بطلميــوس اإلســكندري :ريــايض وجغــرايف وعــامل فلــك يونــاين مــن أهــل القــرن الثــاين للميــاد -
منــر البعلبكــي ،أعــام املــورد ،ص.107
( )1عبد التواب يوسف :احلضارة اإلسالمية ،ص.91
( )2ول ديورانت :قصة احلضارة.182/13 ،
()3حجــازي ،عبــد اهلل :إنجــازات املســلمني يف علــم الفلــك ،اســرجع بتاريــخ 2014/10/24مــن
املوقــع.45930/http://www.alukah.net/culture :
الفصل الثامن 146
والشمس واملريخ واملشرتي وزحل والنجوم ،وأهنا مجيع ًا تدور حول األرض دورة
كاملة كل يوم ،وقالوا أيض ًا بكروية األرض ودوراهنا حول حمورها .وعىل هذا األساس
استطاعوا حتديد طول الدرجة األرضية عن طريق رصد موضع الشمس من تدمر
(*)
وسهل سنجار ،شاميل الفرات يف وقت واحد ،وتوصلوا إىل حتديد درجة الطول بستة
ال عربي ًا وثلثي امليل ،وهي نتيجة عىل قدر كبري من الدقة(.)1
ومخسني مي ً
واإلنجاز احلقيقي أن احلضارة اإلسالمية بعد حفظ علم األمم السابقة ،وتصحيح ما
كان فيه من أغالط؛ هو حتويل ذلك العلم من احليز النظري إىل جمال التجارب العلمية،
وتطهريه مما شابه مما كان يعتقده العرب يف اجلاهلية من الدجل والشعوذة ،الذي واكب
ظهور علم التنجيم يف األمم السابقة ،حيث أبطلت الرشيعة اإلسالمية التنجيم وأنكرته
واعتربته خمالف ًا لعقيدة اإلسالم(.)2
وأهم ما يؤكد هذا هو كثرة بناء املراصد الضخمة واملزودة باآلالت املتنوعة والعلامء
املتفرغني ،وكانت مبثوثة يف العامل اإلسالمي( ،)3فبخالف املراصد التي أنشاها املأمون
عىل جبل قاسيون(*) يف دمشق ،ويف الشامسية يف بغداد ،فقد تواىل بعد ذلك إنشاء املراصد
يف أنحاء متفرقة من العامل اإلسالمي ،فأقام أبناء موسى بن شاكر مرصد ًا يف بغداد ،وفيه
استخرجوا حساب العرض األكرب ،وكان مرصد مراغة ببالد فارس الذي بناه «نصري الدين
الطويس»(*) من أشهر املراصد وأكربها ،واشتهر بآالته الدقيقة وتفوق املشتغلني فيه ،وقد
امتازت أرصاد هذه املراصد بالدقة ،واعتمد عليها علامء أوروبا يف عرص النهضة وما بعده
(*) تَد ُمر :مدينة قديمة مشهورة يف برية الشام -احلموي :معجم البلدان.17/2 ،
( )1أمحد أمحد :احلضارة اإلسالمية ،ص.68
( )2راغب الرسجاين :ماذا قدم املسلمون.298/1 ،
( )3راغب الرسجاين :ماذا قدم املسلمون.298/1 ،
(*) قاسيون :جبل مرشف عىل دمشق ،فيه مغاور وآثار األنبياء -احلموي :معجم البلدان.295/4 ،
(*)حممــد بــن حممد :فيلســوف عالَّمــة باألرصــاد واملجســطي والرياضيــات ،ولد ســنة (597هـــ1201/م)
وتويف ســنة (672هـــ1274/م) -الــزركيل ،األعــام.30/7 ،
147 علم الفلك (الهيئة)
يف بحوثهم الفلكية ،وإىل جانب هذه املراصد كانت توجد مراصد أخرى ،مثل :مرصد «ابن
الشاطر» بالشام ،ومرصد «الدينوري» بأصبهان ،ومرصد «ألغ بك» بسمرقند ،وغريها(.)1
وقد استعان العلامء املسلمون يف هذه املراصد بآالت وأجهزة ومعدات ،غاية يف الدقة
ومجال الصنعة يعرفون هبا الظواهر الفلكية.
وكثري من هذه اآلالت كان من اخرتاع علامء املسلمني ،ومل تُعرف من قبلهم( ،)2وذلك مثل:
(ذات األوتار ،وذات احلَ َلق ،وآلة الربع ا ُمل َج َّيب ،والربع ا ُمل َقنطر ،وذات الشعبتني ،وذات السمت
واالرتفاع واحللقة االعتدالية ،وأنواع خمتلفة من املزاول واملشخصات لقياس الوقت)(.)3
كام استعان املسلمون أيض ًا بآالت من اخرتاع احلضارات السابقة ،وذلك مثل
األس ُط ْرالب ،الذي احتفظ باسمه اليوناين ،وقد َّ
طوره املسلمون ،ووضعوا منه نامذج
الزروقي،
ّ عديدة تتفق مع اكتشافاهتم الفلكية ،فاخرتعوا األس ُط ْرالب الكروي ،وأيض ًا
ومازالت كثري من متاحف العلامء حتتفظ بنامذج من هذه األس ُط ْرالبات ،وهي تستخدم
يف قياس ارتفاعات الكواكب عن األفق وتعيني الزمن(.)4
الزيج
ولقد كان من نتائج األرصاد عىل امتداد عدة قرون أن ُعملت أزياج(*) كثرية ،منها َّ
والزيج اخلاقاين ...إلخ(.)5
والزيج السنجريَّ ،
والزيج البتَّاينَّ ،
والزيج اخلوارزميَّ ،
الفزاريَّ ،
()1هيــل ،دونالــد .ر :العلــوم واهلندســة يف احلضــارة اإلســامية ،ترمجــة :أمحــد فــؤاد باشــا ،سلســلة عــامل
املعرفــة (الكويــت ،د.ت) ص .82-74كذلــك حممــد عفيفــي :تطــور الفكــر ،ص.82 ،81
( )2راغب الرسجاين :ماذا قدم املسلمون.299/1 ،
()3القنوجــي ،صديــق بــن حســن :أبجــد العلــوم الــويش املرقــوم يف بيــان أحــوال العلــوم ،دار الكتــب
العلميــة (بــروت )1978 ،ص 92ومــا بعدهــا.
()4الدفــاع ،عــي بــن عبــد اهلل :روائــع احلضــارة العربيــة اإلســامية يف العلــوم ،عــامل الكتــب للنــر
والتوزيــع (الريــاض )1991 ،ص.150
ـج :وهــي جــداول فلكيــة مرتبــة بنظــام خــاص ُّتمــع مــن حصيلــة أرصــاد ،تتــم خــال (*) مفردهــا َز ْيـ ٌ
عــدة ســنوات مــن أجــل تعيــن وحتديــد مواضــع الكواكــب واألجــرام الســاوية -مصطفــى
اخلطيــب ،معجــم املصطلحــات ،ص.30 ،25
( )5عبد اهلل حجازي :إنجازات املسلمني ،املوقع السابق.
الفصل الثامن 148
ومن مآثر املسلمني يف علم الفلك تطويرهم للمزاول الشمسية؛ إذ استخرجوا عالقة أمكنهم
هبا حساب مواقع أرقام مجيع ساعات النهار عىل لوحة املِزولة ،ومعرفة أنصاف الساعات
وأرباعها ،وحتى الدقائق ،وذلك بعد أن جربوا معادالت رياضية بحساب املثلثات الكروية(.)1
ً
رابعا :أشهر علماء المسلمين في علم الفلك:
الفزاري (ت180 :هـ796/م):
هو حممد بن إبراهيم بن حبيب بن سمرة بن جندب الفزاري ،عاش يف بغداد وتويف
فيها ،ومل تُرش كتب الرتاجم كثري ًا إىل حياته.
والفزاري هو أول من عمل يف اإلسالم أسطرالب ًا ،بل هو عىل ما ذكره القفطي:
«فاضل يف علم النجوم ،متكلم يف حوادث احلدثان ،خبري بتسيري الكواكب ،وهو أول
من عني يف امللة اإلسالمية ويف أوائل الدولة العباسية هبذا النوع»(.)2
وعن أمهيته يف علم الفلك وريادتهُ ،يشار إىل أن ابن اآلدمي يف َزجيه الكبري املعروف بنظم
العقد ،قال :إنه ملا قدم عىل املنصور عام (156هـ) فلكي من اهلند كان قد عمل جداول يف
حركات النجوم ،مع تعديالت معمولة عىل درجات حمسوبة لنصف نصف الدرجة ،مع أعامل
عن الكسوفني ومطالع الربوج ،وأعجب به املنصور ،دفعه إىل الفزاري لرتمجته إىل العربية(.)3
من م�ؤلفاته:
-1الفلكي.
-2املقياس للزوال.
هو أبو احلسن عيل بن عبد الرمحن بن أمحد بن يونس الصديف املرصي ،غري معروف
تاريخ والدته ،ويعترب ابن يونس من أكرب الرياضيني والفلكيني ،ويعده املؤرخون من
أفضل الفلكيني يف العامل ،وأعظم فلكي مرصي ،حضنته بيئة علمية ،فدرس ومت ّيز ،فقربه
الفاطميون وأغدقوا عليه ،وبنوا له مرصد ًا عىل جبل املق َّطم ،قرب الفسطاط ،يف مكان
يسمى «بركة اجليش» وكان املرصد غني ًا باآلالت الدقيقة.
رصد ابن يونس كسوف الشمس وخسوف القمر حوايل سنة (978م) وأثبت منهام
تزايد حركة القمر ،وحسب ميل دائرة الربوج ،فجاء حسابه أقرب إىل ما وجدته اآلالت
احلديثة وأثبتته.
كان هدف ابن يونس من أرصاده أن يتحقق من صحة جداول من سبقه ،وأقواهلم يف
الثوابت الفلكية ،و ُيكمل ما فاهتم ،وقد أفاد كثري ًا من مرصد جبل املقطم ،ويقال :إن هذه
البقعة كان اسمها «حلون» وهي جنوب القاهرة ،وهي التي تُعرف اليوم باسم «حلوان».
-2الزيج الصغري.
-3التعديل املحكم.
هو القاسم أصبغ بن حممد بن السمح ،املهندس الغرناطي ،من علامء األندلس ،درس
عىل أيب القاسم املجريطي ،وبرع يف العلوم كافة .يقول عنه ابن صاعد األندليس« :كان
متحقق ًا بعلم العدد واهلندسة ،متقدم ًا يف علم هيئة األفالك ،وحركات النجوم».
�أهم ت�صانيفه:
هو أبو احلسن عالء الدين عيل بن إبراهيم بن حممد األنصاري الدمشقي ،املعروف
بابن الشاطر ،ولد يف دمشق سنة (704هـ1304/م) درس احلساب واهلندسة والفلك،
ثم عمل مؤقت ًا باجلامع األموي يف دمشق ،وكان فيه رئيس املؤذنني .وقيل :إنه هو الذي
صنع البسيط يف منارة العروس بجامع دمشق األموي .من أشهر مؤلفاته:
-6الزيج اجلديد(.)1
علم الجغرافيا
ً
أوال :تعريفه:
عرفه طاش كربى زاده بأنه« :علم يتعرف منه أحوال األقاليم السبعة الواقعة
يف الربع املسكون من كرة األرض ،وعروض البلدان الواقعة فيه ،وأطواهلا ،وكذا
عدد مدهنا وجباهلا ،وبرارهيا وبحارها وأهنارها ،إىل ذلك من أحوال الربع املعمور،
ولبطلميوس تأليفات كثرية يف هذا العلم نافعة جد ًا»(.)1
واجلغرافيا كلمة يونانية تتكون من مقطعني مها :جيو ،Geoومعناه أرض ،وغرافيا
،Graphiaومعناه وصف ،وهبذا تتألف كلمة جغرافيا(.)2
ً
ثانيا :علم الجغرافيا عند الشعوب القديمة:
علم اجلغرافيا من أقدم العلوم ،فمنشؤه يقرتن متام االقرتان بتاريخ اإلنسان ،الذي
حيتاج إىل الطرق ومعرفة مصادر الغذاء واملاء واملناخ احلسن وغريها(.)3
وزادت معرفة املرصيني القدماء اجلغرافية عن طريق الرحالت التي قاموا هبا ،وكانت
هذه الرحالت إما بعثات جتارية ،أو محالت عسكرية ،ولقد تفوق املرصيون القدماء يف
رحالهتم البحرية عىل باقي الشعوب األخرى(.)4
155
الفصل التاسع 156
ُيمع الباحثون عىل أن مرص من أقدم الدول التي عرفت املساحة والقياس ،ولقد
وجدت خرائط مرصية قديمة ترجع إىل عهد «رمسيس الثاين»(*) سنة ( 1300ق.م)،
ولعل أقدم خريطة مرصية قديمة ُعثر عليها ،هي تلك املوجودة يف متحف تورينو
بإيطاليا عىل ورق الربدي(.)1
واهتم البابليون بالتجارة مع البلدان املجاورة هلم ،فوصلوا معظم أجزاء شبه اجلزيرة
العربية ،وأقىص اهلند وشامل أفريقيا ،فعربوا مضيق جبل طارق ،لذا كثرت أسفارهم؛
مما جعلهم يدرسون عن كثب حركة النجوم ،وربطوا علم اجلغرافيا بعلم الفلك لصلة
بعضهام ببعض ،كام رسم البابليون خريطة لبالدهم منقوشة عىل لوح من الطني ،توحي
يف عمق جغرايف ،وتوجد أقدم خريطة عملها البابليون يف متحف الساميات بجامعة
«هارفارد» األمريكية(.)2
ومن أقدم خرائط املدن التي ُعثر عليها يف بالد ما بني النهرين خريطة مدينة «نفر»
وترجع إىل النصف األول من األلف الثاين قبل امليالد ،وتعد هذه اخلريطة أبرز أثر
جغرايف خ ّلفه السومريون ،وهي أقدم خريطة ملدينة يف التاريخ(.)3
أما عن الفينيقيني ،فهم أمة جتارية بحرية احتفظوا بأرسارهم التجارية والطرق التي
عرفوها ،لذلك ال نجد هلم آثار ًا وال خرائط عىل الرغم من أن املالحة البحرية ـ التي
برعوا هبا ـ تتطلب اخلرائط املرشدة ،وربام كانت اخلريطة البحرية أسبق يف ميالدها من
اخلرائط اخلاصة باليابسة أو األرض(.)4
(*) ثالــث ملــوك األرسة املرصيــة التاســعة عــرة ،يعتــر مــن أعظــم فراعنــة مــر قاطبــة ،تــويف عــام
(1237ق.م) -منــر البعلبكــي :أعــام املــورد ،ص.208
( )1حممد حممدين :اجلغرافيا واجلغرافيون ،ص.60 ،59
( )2عيل الدفاع :رواد علم اجلغرافيا ،ص.20 ،19
( )3حممد حممدين :اجلغرافيا واجلغرافيون ،ص.66
( )4حممد حممدين :اجلغرافيا واجلغرافيون ،ص.74
157 علم الجغرافيا
وكان ّ
امللحون الفينيقيون يؤثرون املوت ،عىل أن يفضوا بأي رس من أرسار الطرق
التجارية التي عرفوها يف البحار(.)1
وكان للهنود اهتاممات بالغة بعلم الفلك ،الذي يعترب العمود الفقري لعلم اجلغرافيا
القديم ،وبالفعل دفع علم الفلك محاس علامء اهلند أن يأخذوا بدراسة اجلغرافيا
الرياضية والفلكية(.)2
وال أحد ينكر مكانة العلامء اهلنود ،ففيهم املتفوقون الذين اعتمد علامء العرب
واملسلمون عىل نتاجهم ،ليس فقط يف علم اجلغرافيا ،ولكن يف العلوم األخرى(.)3
أما علامء الفرس فمن الصعب عىل الباحث أن يلم ويستقيص إنتاجهم العلمي يف جمال
علم اجلغرافيا ،ولقد ساد االعتقاد عند مؤرخي العلوم أن علامء الفرس كانوا يبلورون
فكرة أن األرض مسطحة ،وكان هذا يف العصور األوىل من تارخيهم ،ولكن الثابت أنه
يف فرتة متأخرة تبنى علامء فارس فكرة كروية األرض ،وصاروا ينرشوهنا بني علامئهم،
وخصوص ًا بعد الفتوحات اإلسالمية لبالدهم(.)4
وكان الصينيون متميزين يف علم اجلغرافيا بسبب وضع بالدهم اجلغرايف ،ووصل
تأثريهم العلمي إىل معظم بلدان آسيا وأفريقيا ،واحلقيقة أننا ال نعلم بالضبط متى بدأت
احلركة الفكرية اجلغرافية يف بالد الصني ،ولكن من املتواتر أهنا بدأت بعد احلضارتني
املرصية والبابلية ،لذا نستطيع القول :إنه من املحتمل جد ًا أن علامء الصني استفادوا من
نتاج هاتني احلضارتني العمالقتني(.)5
ولقد سيطرت األفكار اجلغرافية واألساطري عىل نظريات وآراء علامء الصني يف علم
ال ظنوا أن األرض عىل شكل مربع ،وعملوا خريطة تضم جمموعة من اجلغرافية ،فمث ً
املربعات ذات املركز الواحد والعجيب أن مثل هذه اخلريطة بقيت ردح ًا من الزمن
مستعملة يف بالد الصني(.)1
وأضاف علامء اليونان أفكار ًا جديدة يف جمال علم اجلغرافيا ،وقد نشأت وتأسست كافة
الفروع الرئيسة للجغرافيا عىل أيدي علامء اليونان منبثقة عن املفهوم العام للجغرافيا لدهيم،
من أهنا علم «وصف األرض» .وكانت اجلغرافيا لدهيم تنقسم إىل قسمني رئيسني مها:
-1اجلغرافيا الفلكية.
وقد نجح علامء اليونان ،نجاح ًا باهر ًا يف رسم اخلرائط للمناطق التي يعرفوهنا،
مما قادهم إىل افرتاض أن هناك قارات أخرى بجانب القارات الثالث آسيا وأفريقيا
وأوروبا ،وتوجد خلف املحيط األطليس(.)3
ومن املصادر التي يمكن االعتامد عليها يف تتبع املعرفة اجلغرافية عند اإلغريق هي
املالحم الشعرية ،مثل ملحمة هومريوس املعروفة باإللياذة Iliadوهي قصة حرب،
واألوديسة Odysseyوهي قصة أمن وسالم(.)4
وأعطت اجلغرافيا للرومان النفوذ والسلطة ،وليس أدل عىل اهتامم الرومان
باجلغرافيا ،من أنه يف عهد اإلمرباطور «أوغسطس»(*) انترشت خرائط لإلمرباطورية
الرومانية معروضة يف روما لتعليم املواطن العادي( ،)1واملعروف أن التأثري اليوناين ظل
يسيطر عىل الرومان ،فإن كان الرومان قد هزموا اليونان عسكري ًا ،إال أن اليونانيني قد
سادوا الرومان فكري ًا وثقافي ًا ،وخاصة يف جمال علم اجلغرافيا(.)2
ً
ثالثا :علم الجغرافيا عند العرب والمسلمين:
أما يف العرص اجلاهيل عند العرب فقد اقترصت املعرفة اجلغرافية عىل معرفة أيرس املسالك
وأقرصها ،وملا كانت أغلب أسفارهم بالليل ،فإهنم اعتمدوا عىل االهتداء بالقمر والنجوم(.)3
وكان للعرب معرفة بأوقات مطالع النجوم ومغارهبا ،وعلم بأنواء الكواكب
وأمطارها ،عىل حسب ما أدركوه بفرط العناية وطول التجربة الحتياجهم إىل معرفة ذلك
من أسباب العيشة ،ال عن طريق احلقائق وال عىل سبيل التدريب يف العلوم ،ولقد ضبط
العرب مقدار السنة الشمسية برصد األنواء ،وكانوا أيض ًا جيعلوهنا مواقيت ديوهنم(.)4
وأما عن اجلغرافيا يف العرص اإلسالمي ،فإنه من احلق القول إن مجيع املعارف اجلغرافية
وتسجيلها كان يف بداية ظهور الدولة اإلسالمية ،من قبيل خدمة دولة تتسع حدودها،
وتضم إليها بالد ًا وشعوب ًا غري عربية ،فقد رغب اخللفاء وقادة اجليوش يف معرفة يشء
عن جغرافية البالد التي فتحها اهلل عىل املسلمني(.)5
وكان احلج إىل بيت اهلل احلرام من أهم العوامل التي شجعت الناهبني من احلجاج،
عىل حتديد الطرق إىل مكة واملدينة ،وذكر مسافاهتا ووصف ما خترتقه من بقاع(.)6
ومنذ أن ظهر اإلسالم والصلة وثيقة بني اجلغرافيا والتجارة؛ فالعامل اإلسالمي كان
رقعة متصلة حتى بعد تفكك الدولة التي متتد من السند إىل املحيط األطليس ،وقد شجع
ذلك عىل ظهور طرق القوافل تسعى عليها ،وتربط بني حمطاهتا سفينة الصحراء(.)1
ً
رابعا :إسهامات المسلمين في علم الجغرافيا:
مما الشك فيه أن علامء العرب واملسلمني قد ذ ّللوا املعلومات التي ورثوها من
صححوا كثري ًا من
احلضارات السابقة هلم يف علم اجلغرافيا ،فعلامء العرب واملسلمني ّ
األغالط يف نظريات بطلميوس ،مثل مبالغة بطلميوس يف حتديد طول البحر األبيض
املتوسط ،وامتداد اجلزء املعمور من األرض ،وكذلك تصوره خطأ بأن ك ً
ال من املحيط
اهلندي واملحيط اهلادي بحرية مغلقة ،وغلطته يف تعيني موقع بحر قزوين واخلليج العريب،
وحتديد حجم جزيرة سرييالنكا (سيالن)(.)2
ويعد القرآن الكريم أقدم املصادر اإلسالمية ،التي تناولت معلومات جغرافية عن
أماكن خارج شبه اجلزيرة العربية ،كام أنه نزلت فيه آيات قرآنية هبا معلومات جغرافية مل
يكن العرب يعرفوهنا من قبل(.)3
إضافة إىل أن كثري ًا من اجلغرافيني املسلمني كانوا يسعون إىل االستعانة باآليات
القرآنية لتأييد آرائهم ،وأصبح هذا االجتاه مذهب ًا ُيسعى إليه يف علم اجلغرافيا(.)4
ولقد أطلق املسلمون أسامء عديدة عىل جوانب الفكر اجلغرايف منها :علم تقويم
البلدان ،املسالك واملاملك ،صورة األرض ،علم األطوال والعروض ،صور األقاليم،
علم الربود ،علم عجائب البلدان .أما كلمة «جغرافيا» ـ وتُنطق أحيان ًا بفتح اجليم ـ فلم
تستعمل للداللة عىل علم اجلغرافيا إال يف رسائل «إخوان الصفا»(.)1
وضع العرب مؤلفات قيمة يف اجلغرافيا فأبدعوا فيها ،وقد زانوها باخلرائط،
وأوضحوها باألشكال ،وحسبهم فخر ًا أهنم ربطوا اجلغرافيا بالفلك ،فسبقوا يف هذا
املجال العلامء املحدثني ،وهم كذلك أول من وضع أصول الرسم عىل سطح الكرة(.)2
إن العرب املسلمني هم أول من استخرج بطريقة علمية طول درجة من خط نصف
النهار ،فقد وضعوا طريقة مبتكرة حلساهبا ،أدت إىل نتائج قريبة من احلقيقة ،ويعتربها
العلامء من أكرب آثار العرب يف ميدان الفلكيات(.)3
وأثبت العلامء العرب واملسلمون الرباهني عىل أن لألرض واملناخ تأثري ًا يف برشة
اإلنسان وبدنه وأخالقه(.)4
ولعل أعظم خدمة أداها الفلكيون العرب واملسلمون للجغرافيا العربية هي وضع
جداول فلكية يمكن عن طريقها حتديد املواضع اجلغرافية ،وكذلك دراسة حركات
يكون صلب اجلغرافية الفلكية(.)5
الكواكب والنجوم وربطها بالظواهر األرضية ،مما ِّ
واهتم اجلغرافيون العرب واملسلمون بتحديد خطوط عرض وطول املكان ،لتعيني املوقع
اجلغرايف للمدن والظواهر اجلغرافية املختلفة ،ولقد استفادوا يف هذا امليدان من جتارب اليونانيني،
إال أهنم يف الوقت نفسه ابتكروا طرق ًا جديدة أضفت عىل قياساهتم مزيد ًا من الدقة والضبط(.)6
ولقد استتبع براعة اجلغرافيني املسلمني يف حتديد خطوط طول وعرض املواقع
اجلغرافية حماولتهم رسم خريطة لألرض ،وهي املحاولة التي متت بمبادرة من اخلليفة
املأمون والتي أثمرت ما سمي بـ «الصورة املأمونية»(.)1
ويف جمال اخلرائط أدرك العرب بفطرهتم السليمة أمهية اخلريطة ،كوسيلة لإليضاح،
فكان اخلوارزمي أول من وضع جمموعة من اخلرائط يف كتابه «صورة األرض» .ووضع
البلخي أول أطلس عريب أحلقه بكتابه «صور األقاليم» ،وكان من ثمرات اجلهود التي
ُبذلت يف عرص املأمون(.)2
أما يف جمال قياس حميط األرض ،فقد كان أول من قام بمحاولة قياس أبعاد
الكرة األرضية هو اخلليفة العبايس العامل املأمون ،فقد جاء بفريقني من علامء الفلك
واجلغرافيا ،فريق برئاسة «سند بن عيل» ،وفريق بقيادة «عيل بن عيسى األس ُط ْراليب».
ويقال أن رئاسة أحد الفريقني كانت لبني موسى بن شاكر ،واتفق معهام أن يذهبا
إىل بقعتني خمتلفتني عىل الدائرة العظمى من حميط األرض رشق ًا وغرب ًا ،ثم يقيسا
درجة واحدة من املحيط(.)4
للطول احلقيقي ملدار األرض والذي ُعرف حديث ًا ،وهو حوايل ( 40.000كم) تقريب ًا،
أي أن نسبة اخلطأ يف هذا القياس العبايس مل تصل إىل ( )%2وهو أمر جدير بالتقدير(.)1
وأ ّدى موضوع شكْل األرض دور ًا مه ًام يف ميدان علم اجلغرافيا ،فقد اختلف
علامء العرب واملسلمون عىل شكلها يف بادئ األمر ،فمنهم من قال :إهنا مبسوطة
مسطحة ،والبعض اآلخر أرص عىل أهنا كروية ،ولكن يف النهاية استقر رأهيم
بأهنا مدورة كتدويرة الكرة ،وصارت هذه احلقيقة مس َّلمة عند علامء اجلغرافيا يف
العصور اإلسالمية(.)2
اهتم علامء العرب واملسلمون اهتامم ًا كبري ًا يف حتديد اجلهات األربع ،وهلم أيض ًا باع
تعمقهم يف
طويل يف حتديد املناطق التي تكثر فيها اجلبال واألهنار ،مما يعطي فكرة عن ّ
دراسة اجلغرافيا الطبيعية ،ومن دراستهم هذه عرفوا بكل إتقان كروية األرض التي
كانت مدار النقاش يف ذلك الوقت(.)3
وتناول علامء العرب واملسلمون يف دراستهم األقاليم السبعة ،وحتدثوا عنها من حيث
صالحيتها للزراعة ،كام تكلموا عن البحار واألهنار بوجه عام ،وغري ذلك من الظواهر
اجلغرافية .واجلدير بالذكر أن كلمة «إقليم» عربية أصيلة تعني اجلزء املقلوم من األرض(.)4
أما يف أوروبا يف فرتة العصور املظلمة ،فقد شهدت نوع ًا من اإلنكار األعمى املتعصب
لكل األفكار اجلغرافية السليمة التي سادت قبل املسيحية ،فسخر القساوسة من فكرة
كروية األرض ،وتصورها بعضهم عىل هيئة مستطيل(.)5
وأما فيام خيص فكرة دوران األرض ،فقد أعلن معظم العلامء املسلمني البارزين أن
األرض تدور( ،)1ومن بني هؤالء «البريوين» الذي ذكر يف كتابه «مفتاح علم اهليئة»« :إن
الرحى عىل حمورها»(.)2
األرض متحركة حركة َّ
كان جده خرداذبه جموسي ًا أسلم عىل يد الربامكة( ،)1استخدم ابن خرداذبه معظم
وضمنها كتابه «املسالك واملاملك»
ّ معلوماته اجلغرافية من كتاب املجسطي لبطلميوس
الذي صار من املراجع املهمة للباحثني يف علم اجلغرافيا ،ملا حيمل بني ثناياه من معلومات
جغرافية نادرة حصل عليها من خربته الطويلة يف هذا املجال احليوي(.)2
واجلدير بالذكر أن أبا القاسم بن خرداذبه هو أول من استعمل مصطلح «املسالك واملاملك»،
الذي استخدمه من بعده معظم علامء العرب واملسلمني الذين عملوا يف علم اجلغرافيا(.)3
واحلق فإن كتاب «املسالك واملاملك» البن خرداذبه موسوعة موثقة يف علم
اجلغرافيا ،فقد قدم ابن خرداذبه معلومات وافية وبالغة عن الدولة العباسية املرتامية
األطراف ،وخاصة فيام يتعلق باملسافات بني البالد ،لعالقتها الوثيقة بالرحالت
التجارية والربيد(.)4
-1املسالك واملاملك.
-4كتاب الرشاب.
( )1عكاوي ،رحاب خرض :موسوعة عباقرة اإلسالم ،دار الفكر العريب (بريوت.125/2 )1993 ،
( )2عيل الدفاع :رواد علم اجلغرافيا ،ص.76
( )3نفس املرجع والصفحة.
( )4عيل الدفاع :رواد علم اجلغرافيا ،ص.76
( )5رحاب عكاوي :املوسوعة.125/2 ،
الفصل التاسع 166
-7كتاب الطبيخ.
-8كتاب األنواء.
ْ َ
اإلصطخري (ت :نحو 346هـ957/م):
إبراهيم بن حممد الفاريس اإلص َطخري ،املعروف بالك ِ
َرخي ،جغرايف ُينسب إىل ْ
«إص َط ْخر» وهي مدينة يف فارس(.)1
ْ
واإلصطخري من اجلغرافيني الذين مل يطوفوا يف البلدان طواف ًا طويالً ،وال الذين وطنوا
األعامل وعاينوها ،ولكنه كان بال ريب زائر ًا لبعض البلدان التي وصفها يف كتابه(.)2
لقد هنج اإلصطخري منهج ًا علمي ًا يدل عىل قدرته الفائقة النظري يف تصوير
شكل األرض ،فلم يتجاهل الناحية الفلكلورية ،أو االقتصادية ،أو األنتوغرافية،
واحلق أن هذه هي الطريقة التي يستعملها علامء القرن اخلامس عرش اهلجري .كام
ركز أيض ًا عىل املدلول اجلغرايف والسيايس واإلداري ،وجتنب النظريات التقليدية
التي تنص عىل تقسيم األرض إىل سبعة أقاليم ،وأخذ كل إقليم بذاته كوحدة
جغرافية مستقلة(.)3
كذلك أوىل عناية خاصة بموضوع املد واجلزر ،وله نظريات جريئة يف هذا املضامر ،مما
يدل عىل طول باعه يف علم األنواء ،واملعروف بني العلامء يف املايض أن علم األنواء جزء
ال يتجزأ من علم اجلغرافيا(.)4
-1مسالك املاملك.
-2صور األقاليم.
َ
ابن َح ْوقل (ت376 :هـ977/م):
حممد بن عيل بن حوقل النصيبي ،البغدادي ،املوصيل :رحالة ،جغرايف ،كان تاجر ًا
ورحل إىل بغداد ،ودخل املغرب وصقلية ،وجاب بالد األندلس وغريها(.)2
كان ابن حوقل مولع ًا بقراءة كتب اجلغرافيا والتاريخ؛ لذا رأى أن يتخذ من التجارة
مهنة له ،لكي يسافر إىل معظم بالد العامل ،فيدرس العادات والتقاليد واملسالك واملاملك(.)3
نبغ ابن حوقل يف علم اجلغرافيا ،وصارت له آراء ونظريات ختتلف متام ًا عن آراء ونظريات
معارصيه والسابقني له ،وقد اشتهر يف ميدان رسم اخلرائط حيث كان مستق ً
ال عن السابقني
له من العلامء يف هذا املجال ،فمؤلفاته يف حقل علم اجلغرافيا حتتوي عىل معلومات أصيلة،
اكتسبها من رحالته املتكررة التي دامت أكثر من ثالثني عام ًا ،حيث زار ك ً
ال من مرص وبالد
الشام والعراق واجلزيرة العربية وإيران وأرمينيا وصقلية وآسيا وبالد البلغار وغانة وغريها(.)4
َ ْ
البكري (ت487 :هـ1094/م):
عبد اهلل بن عبدالعزيز بن حممد بن أيوب بن عمرو البكري :لغوي ،مؤرخ ،نسابة،
جغرافي ًا ،ولد بقرطبة ،وتويف هبا(.)1
من مميزات أيب عبيد البكري أنه كان عامل ًا واسع االطالع ،وله خربة يف كل من اللغة
العربية واجلغرافيا والتاريخ والنبات والشعر(.)2
وقد قدم البكري معلومات جغرافية جزلة عن جزيرة العرب ،مما جعل الكثري من
التابعني له يقتبسون منه معلومات يف هذا امليدان ،كام كان يركز عىل الظواهر الطبيعية،
فيرشحها بطريقة علمية؛ لذا صار طالب العلم يف املعمورة يتهافتون عىل دراسة مؤلفاته
بوجه عام(.)3
علم الرياضيات
(الحساب)
ً
أوال :تعريفه:
عرفه طاش كبرى زاده بأنه :علم نتعرف منه أنواع العدد ،وأحوالها ،وكيفية
َّ
تولد بعضها من بعض؛ وموضوعه :األعداد من جهة خواصها ولوازمها ،ويسمى
«األرثماطيقي»(.)1
وعرف العرب علم الرياضيات :بأنه علم غرضه إدراك المقادير أو مجموعة ّ
العلوم التي تتناول الكمية المجردة ،والعالقات بين أقسامها وأشكالها ،وتشتمل على
الحساب والجبر والمقابلة والهندسة والمثلثات والموسيقى والفلك( ،)2حيث اعتبر
القدماء علمي الفلك والموسيقى النظرية من جملة العلوم الرياضية ،غير أنها على
األغلب تدرس في أبواب مستقلة(.)3
وقد جعل المسلمون لعلم الحساب فروع ًا عديدة أهمها ،علم حساب التحت
والميل ،لمعرفة كيفية مزاولة األعمال الحسابية برقوم تدل على اآلحاد ،وتغني عما
عداها بالمراتب ،وحساب الخطأين ،وحساب الدور والوصايا ،وحساب الدرهم
والدينار ،وغايته استخراج المجهوالت العددية ،التي تزيد عدتها على المعادالت
الجبرية ،ومن بين ذلك علم حساب الفرائض ،ويتعلق بتقسيم ِ
التركة ،وحساب الهواء
لحساب األموال العظيمة في الخيال بال كتابة ،وله طرق مذكورة في بعض الكتب
171
الفصل العاشر 172
ولما تطورت به الحياة واحتاج إلى الترقيم ،اهتدى إلى بعض الطرائق ،فإذا نظرنا
إلى المصريين القدماء ،وجدنا أنهم جعلوا خط ًا عمودي ًا يرمزون به للواحد ،ثم جعلوا
خطين لالثنين ...وهكذا ،إلى العشرة التي جعلوها خطين عمودين يربط بينهما خط
أفقي أو نقطة من أعلى ،وأوجدوا ترقيم ًا للكسر حيث إنهم جعلوا دائرة فوق العدد
للداللة على الكسر مثل ( ،)111يعنون بذلك الثلث(.)3
وإذا نظرنا إلى البابليين نجد أنهم اعتمدوا على موضوع الرمز من ناحية ،وعلى رقم
الستين باعتباره وحدة عددية من ناحية ثانية ،وأما الكسور فقد أوجدوا لها صور ًا مختلفة،
ونظام موضع الرمز العددي يعبر عن تقدم في تجريد العدد من االرتباط باألشياء المعدودة(.)4
واستخدم الرومان خطوط ًا عمودية بعضها بجوار بعض لترمز إلى األعداد ،فالواحد
( )Iواالثنان ( )IIوالثالثة ( )IIIواألربعة ( ... )IVإلخ(.)1
وعرف العرب قبل اإلسالم الحساب ،لكنه كان يتناسب وحاجاتهم االجتماعية ،من
عدة وبيع وشراء وتقسيم الغنائم ،وأمور الكيل والوزن ،ولم تكن لديهم رموز خاصة بهم(.)2
ً
ثالثا :إسهامات المسلمين في علم الرياضيات:
ظهرت الحاجة كبيرة إلى العلوم الرياضية ،وازدادت هذه الحاجة كثير ًا مع تطور
الدولة العربية اإلسالمية ،فاتصل العرب باألمم األخرى وأفادوا من معارفهم الرياضية،
فاطلعوا على حساب الهنود ،وأخذوا عنهم نظام الترقيمَّ ،
فهذبوه وأضافوا إليه الكثير(.)3
-1علم الحساب:
استعمل العرب طريقتين في الحساب هما(:)4
استعمال الكلمات بحروفها الكاملة ،فإذا أرادوا التعبير عن رقم ( )4كتبوا (أربعة)
وعن العدد ( )100كتبوا (مائة) وهكذا.
الج َّمل :وهي طريقة أخذوها عن شعوب بالد ما بين النهرين وطبقوها على
حساب ُ
حروف األبجدية عندهم ،بحيث أعطوا كل حرف من هذه الحروف قيمة عددية ثابتة،
فإذا أرادوا الداللة على رقم أو عدد معين كتبوا األحرف الدالة عليها ،فكان الرقم ()1
يدلل عليه بالحرف ( أ ) والرقم ( )2بالحرف (ب) والرقم ( )3بالحرف (ج) ،فإذا
أرادوا التعبير عن ( )24دللوا عليه بالحرفين (ك ،د) والعدد ( )309بالحرفين (ش ،ط)
والجدول اآلتي يبين القيم الرقمية أو العددية لكل حرف من الحروف األبجدية(:)1
ال (يا) كانت تساوي ( )11ألن (ي ( ،)10 -أ ،)1 -وكذلك (دم) كانت تساوي
فمث ً
(( ،)44طم) تساوي ( ... )49وهكذا(.)2
وقسم العرب علم الحساب إلى(:)3
غباري :وهو الذي يحتاج فيه إلى استعمال أدوات :كالقلم والورق.
هوائي :وهو الحساب الذهني ،الذي ال يحتاج فيه إلى أدوات.
واستعمل العرب (الصفر) في الترقيم ،كما استعملوه في (المنازل الخالية من
األرقام) ،ووصفوا عالمة الكسر العشري ،واستعملوا النظام العشري (أي القيم
الوضعية لألرقام ـ اآلحاد والعشرات والمئات)(.)4
( )1احلافظ ،حممد مطيع :تاريخ العلوم عند العرب ،مطبعة جامعة دمشق (دمشق )1989 ،ص.98
( )2حممد حماسنة :أضواء عىل تاريخ العلوم ،ص.198
( )3أمحد املال :أثر العلامء ،ص.152
( )4نفس املرجع والصفحة.
175 علم الرياضيات (الحساب)
وفي العصر العباسي أخذ العرب عن الهنود نظام الترقيم ،وهو نظام يستخدم األرقام
التسعة المعروفة اليوم باإلضافة إلى الصفر( ،)1وأدخل هذا النظام مع أحد العلماء
الهنود الذين وفدوا على الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور ،حيث بدأ المسلمون
بترجمة الكتب من اللغات المختلفة لإلفادة من المعارف عن األمم األخرى ،فهذب
وكونوا منها مجموعتين رقميتين بدأ الناس باستعمالها وال
المسلمون هذه األرقامَّ ،
تزال حتى اليوم( ،)2وهما:
وسميت كذلك ألنها كانت تُرسم على مسطحات من التراب الأرقام الغباريةُ :
الناعم ،وتسمى أيض ًا األرقام العربية بعد أن تم نقلها إلى أوروبا في القرن الخامس
الهجري/الحادي عشر الميالدي ،وال تزال تستخدم إلى اليوم في بالد المغرب
وأوروبا ،وتُرسم كما يلي(:)3
()1 2 3 4 5 6 7 8 9
الأرقام الهندية :وهي األرقام التي استعملت في البالد العربية في المشرق العربي،
وال تزال تستخدم إلى اليوم ،وتُرسم كاآلتي(:)4
()٩ ٨ ٧ ٦ ٥ ٤ ٣ ٢ ١
وكان العرب قد استخدموا لفظ صفر قبل اإلسالم بمعنى ال شيء ،وهو بذلك
ال يعني رقم ًا حسابي ًا ،إال أنهم عادوا في القرن الثاني الهجري/الثامن الميالدي،
واستعملوا الصفر رقم ًا حسابي ًا ورسموه على هيئة حلقة أو دائرة ،واستعمل لحفظ
-2علم الجبـر:
يعد علم الجبر من العلوم العربية المنشأ ،رغم ما قيل بأن األصول األولى لهذا
العلم قد ُعرفت عند الشعوب القديمة من بابليين وإغريق وهنود ،إال أن فضل
المسلمين ال ُينكر في علم الجبر بدليل أنه مازال يحتفظ حتى اآلن باسمه العربي
في أغلب لغات العالم ،فهو باإلنجليزية واأللمانية واإليطالية والروسية ،Algebra
وبالفرنسية .)4(Algebre
والجبر هو نوع من تبسيط المسائل الحسابية المعقدة ،وتسهيل الطرق المؤدية إلى
()1اخلوارزمــي ،حممــد بــن أمحــد الكاتــب :مفاتيــح العلــوم ،منشــورات مكتبــة الكليــات األزهريــة
(القاهــرة )1981 ،ص .113كذلــك قــدري طوقــان :العلــوم عنــد العــرب ،ص.53
(*) غيــاث الديــن الــكايش :عــامل فلكــي ،وعــامل باهلندســة واحلســاب ،ولــد بمدينــة كاشــان ســنة (غــر
معــروف) مــن مؤلفاتــه :رســالة اجليــب والتــور ،تــويف بســمرقند ســنة (842هـــ1421 /م) -عمــر
كحالــة :معجــم املؤلفــن.43/8 ،
( )2عمر فروخ :تاريخ العلوم ،ص.133
( )3حممد حماسنة :أضواء عىل تاريخ العلوم ،ص.199
( )4أمحد أمحد :احلضارة اإلسالمية ،ص.55
177 علم الرياضيات (الحساب)
حلها( ،)1وهو أحد العلوم الرياضية التي تستخرج بها المجهوالت باستخدام حروف
وأرقام وعالمات(.)2
ويرجع الفضل في ظهور هذا العلم إلى العالم العربي «محمد بن موسى الخوارزمي»،
الذي عاش في عصر المأمون العباسي ،فهو مؤسس هذا العلم ،وأول من أ َّل َ
ف فيه
بصورة منظمة ون ُِقل إلى اللغات األوروبية بلفظة العربي (الجبر – .)3()Algebra
ال متكام ً
ال في كتابه المعروف واستطاع الخوارزمي بفضل عبقريته أن يخلق لنا عم ً
وضمنه:
ّ باسم «الجبر والمقابلة» الذي وضعه بتشجيع من الخليفة المأمون العباسي
«ما يلزم الناس من الحاجة إليه في مواريثهم ووصاياهم ،وفي مقاسمتهم ،وأحكامهم،
وتجارتهم ،وفي جميع ما يتعاملون به بينهم من مساحة األرضين وكري األنهار
والهندسة وغير ذلك»(.)4
وقد قسم العرب والمسلمون المعادالت إلى ستة أقسام ،ووضعوا حلوالً لكل
منها ،وح ّلوا كثير ًا من معادالت الدرجة الثانية بطرق هندسية ،كما ح ّلوا معادالت
الدرجة الثالثة والرابعة بواسطة قطع المخروط( ،)5واستعملوا منحنى (نيكوميدس)
في تقسيم الزاوية إلى ثالثة أقسام متساوية ،واستعملوا الرموز في األعمال الرياضية،
فاستعملوا لعالمة الجذر الحرف (ح) ،وأشاروا إلى المجهول بالحرف األول من
تحول إلى (س) ،واستعملوا لعالمة المساواة
كلمة (شيء) وهو حرف (ش) ،ثم ّ
حرف (ل) وللنسبة ثالث نقاط ( ،)٠٠٠وجمع العرب بين الهندسة والجبر،
واستعملوا ك ً
ال منهما لحل بعض األعمال المتعلقة بالعلم اآلخر ،وبحثوا في نظرية
ذات الحدين التي بواسطتها يمكن رفع مقدار جبري ذي حدين إلى أي قوة معلومة
ُأ ُّسها عدد صحيح موجب(.)1
علم الهندسة هو« :علم ُيعرف منه أحوال المقادير ولواحقها ،وأوضاع بعضها عند
بعض ،ونسبتها ،وخواص أشكالها»(.)3
وقد ألحق العرب والمسلمون بذلك علم الهندسة المخصوص باألشكال الكروية
وعلم المخروطات ،وعرفوا ما يقع من األشكال والقطوع في األجسام المخروطة،
وأفادوا النجارة والبناء بالطرق التي اخترعوها لرفع األثقال وجرها ،وامتازوا بالعلوم
الهندسية على سواهم من األمم ،ووضعوا لها قواعد ما بعدها غاية في اإلصالح،
وكانت لهم عناية خاصة بها ،وقد جعلوا لها فروع ًا عديدة أهمها «المساحة» وهي:
صناعة استخراج مقدار األرض المعلومة بنسبة شبر أو ذراع أو غيرهما ،ونسبة أرض
من أرض إذا قيست بمثل ذلك(.)1
وعلم المناظرة في فروع الهندسة ،وهو علم يبحث في أسباب الغلط في اإلدراك
البصري وكيفياته ،مستند ًا إلى البراهين الهندسية ،ولهم علوم أخرى من فروع علم
الهندسة ال يتسع المقام لذكرها.
وقد أحدث العرب في الهندسة أمور ًا عظيمة الشأن منها ،أنهم طبقوها على المنطق،
وأدخلوا في الجبر والحساب أساليب جديدة في استخراج المسائل الحسابية من جهتي
التحليل الهندسي والتقدير العددي ،واستخرجوا مسائل هندسية عديدة لم يستخرجها
من قبلهم من األولين كقسمة الزاوية إلى ثالثة أقسام متساوية ،وطرح خطين بين ذي
توالي ،واشتغلوا بأعوص المسائل الهندسية كقسمة الدائرة إلى سبعة أقسام( .)2ويشيد
ابن القفطي بفضل الحسن ابن الهيثم في هذا المجال ،فقد ألف كتاب ًا في الهندسة على
نسق كتاب «األصول» إلقليدس(.)3
أما في مجال علم المثلثات ،فقد كان لعلماء المسلمين الفضل في تطوره ،إذ
لوالهم لما كان علم المثلثات على ما هو عليه اليوم ،وإليهم يرجع الفضل األكبر في
وضعه بشكل علمي منظم مستقل عن علم الفلك ،وفي إضافتهم إليه ،وهي إضافات
مهمة جد ًا جعلت الكثيرين يعتبرونه علم ًا عربي ًا ،وال يخفى ما لهذا العلم من أثر في
االختراع واالكتشاف ،وفي تسهيل كثير من البحوث الطبيعية والهندسية والصناعية(.)1
كتابه في «التفاضل والتكامل» في القرن الثاني عشر إلى اللغة الالتينية ،وظل من ُع َمد
التدريس في الجامعات األوروبية حتى القرن السادس عشر ،وفي الموسوعة البريطانية
فص ِّحف االسم عند النقل عند
الكبرى أن كتابه في الجبر بدأ بعبارة «قال الخوارزمي»ُ ،
اللتين «الجوريتمي» ،ثم تحول بعد ذلك في العصر الحديث إلى «لوغاريتم» ،وهو ما ّ
ُيعرف اآلن بـ «األنساب الرياضية»(.)2
وعلم «المثلثات الكروية» علم عربي ،مع أن الغربيين يقولون :إن األلماني
«ريكيومانتوس» « )*(»Regiomantunisهو أبو المثلثات ،وما قدَّ مه موجود عند العرب
المسلمين من قبله ،وتك َّلم به «الطوسي» و«البتاني» و«البيروني»(.)3
وعلم المثلثات من العلوم الرياضية ،التي عني بها العرب كثير ًا ،لما كان من تطبيقه
على علم الفلك ،وعلم المثلثات مدين للعرب بما أدخلوا عليه من تحسينات كثيرة،
ال جديد ًا ،وصار صالح ًا لتطبيقات كان اإلغريق ال يقدرون عليها إال
اكتسب بها شك ً
بشق األنفس(.)4
ً
رابعا :أشهر علماء المسلمين في علم الرياضيات:
ابن أسلم الحاسب (ت :نحو 340هـ951/م):
هو العالمة ،شجاع بن أسلم بن محمد بن شجاع الحاسب المصري ،أبو كامل(.)1
عالم بالحساب ،مهندس ،مصري من أهل مصر ،كان فاضل وقته ،وعالم
زمانه ،وحاسب أوانه ،وله تالميذ تخرجوا بعلمه ،وصنف في علم الرياضيات
التصانيف الجليلة(.)2
( )1ابن القفطي :تاريخ احلكامء ،ص .163كذلك الزركيل :األعالم.157/3 ،
( )2ابن القفطي :تاريخ احلكامء ،ص.163
( )3الزركيل :األعالم.157/3 ،
( )4عمر كحالة :معجم املؤلفني.295/4 ،
الفصل العاشر 182
وهو أحد الكبار البارعين في معرفة الهندسة ،وله فيها تصانيف عجيبة .انتقل إلى
العراق وقرأ العدد والهندسة على «أبي يحيى البارودي» و«أبي العالء بن كرتيب» وكان
انتقاله إلى العراق في سنة (348هـ959/م) وقرأ عليه الناس واستفادوا ونقلوا( ،)4وله في
استخراج األوتار تصنيف جيد نافع( .)5وله في الهندسة والحساب استخراجات غريبة
لم ُيسبق إليها(.)6
-4كتاب المنازل(.)8
()1ابــن القفطــي :تاريــخ احلكــاء ،ص .217كذلــك ابــن خلــكان :وفيــات األعيــان ،167/5 ،الذهبــي:
ســر أعــام النبــاء.471/16 ،
( )2الذهبي :تاريخ اإلسالم.626/8 ،
( )3ابن القفطي :تاريخ احلكامء ،ص.217
( )4نفس املصدر والصفحة.
( )5الصفدي :الوايف بالوفيات.168/1 ،
( )6نفس املصدر واجلزء والصفحة.
( )7ابن القفطي :تاريخ احلكامء.
( )8الصفدي :الوايف بالوفيات.168/1 ،
183 علم الرياضيات (الحساب)
هو السموأل بن يحيى عباس المعربي ،أبو نصر ،طبيب ،مهندس ،رياضي ،من
علماء المغرب ،مشارك في بعض العلوم ،أصله من بالد المغرب ،وكان يهودي ًا فأسلم،
وسكن مدة في بغداد ،ثم انتقل إلى بالد العجم ولم يزل بها إلى آخر عمره ،وتوفي
«بمراغة»(*) قريب ًا من سنة (570هـ)(.)2
-1إعجاز المهندسين.
علم الجيولوجيا
ً
أوال :تعريفه:
علم اجليولوجيا أو ما ُيعرف بعلم األرض ،وهو يبحث يف تركيبها البنائي ومظاهرها
السطحية وتارخيها وتطورها(.)1
علم الريا�ضة :و ُيعرفه طاش كربى زاده :هو معرفة وجود املاء يف األرايض بواسطة
األمارات الدالة عىل وجوده(.)2
علم ا�ستنباط املعادن واملياه :وهو علم تُعرف به عروق املعادن يف اجلبال واألرض(.)3
علم اجلواهر :وهو علم باحث عن كيفية اجلواهر املعدنية الربية ،ومعرفة جيدها من
رديئها بعالمات ختتص بكل نوع منها ،ومعرفة خواص كل منها(.)4
واختلط علم اجليولوجيا بعلم اجلغرافيا يف أعامل العلامء املسلمني ،ومل يظهروا متييز ًا
عنه مع أهنم وضعوا له تعريفات متقاربة(.)5
187
الفصل الحادي عشر 188
أما ابن سينا فيقول« :فكثري من الطني جيف ويستحيل أوالً شيئ ًا بني احلجر والطني،
وهو حجر رخو ،ثم يستحيل حجر ًا ،وأوىل الطينات بذلك ما كان لزج ًا ،فإن مل يكن
لزج ًا فإنه يتفتت يف أكثر األمر قبل أن يتحجر»(.)3
ويف حديث عن الصخور الرسوبية ،يقول ابن سينا ما نصه« :وجيوز أن ينكشف الرب عن
البحر وكل بعد طبقة ،وقد يرى بعض اجلبال كأنه منضود ساف ًا فساف ًا ،فيشبه أن يكون ذلك قد
كانت طينتها يف وقت ما كذلك ساف ًا ساف ًا ،فإن كان ساف ًا ارتكم أوالً ،ثم حدث بعده يف مدة
ساف جسم من خالف جوهره ،فصار حائ ً
ال ساف آخر فارتكم ،وكان قد سال عىل كل ٍ أخرى ٍ
بينه وبني الساف اآلخر ،فلام حتجرت املادة عرض للحائل أن انشق وانتثر عام بني السافني وأن
حائال من أرض البحر قد تكون طينته رسوبية ،وقد تكون طينته ليست رسوبية»(.)1
يف هذه الفرتة رشح ابن سينا طبقات الصخور الرسوبية ،وتكوين أسطحها الفاصلة،
ووضع بصفة عامة فكرة قانون تعاقب الطبقات .)2(Law of super position of strata
وعرف املسلمون خواص األحجار الطبيعية الكيميائية ،وصنفوها ووصفوها وصف ًا
علمي ًا دقيق ًا ،كام عرفوا أماكن وجود كل منها ،واهتموا بالتمييز بني جيدها ورديئها،
وتكوين الصخور الرسوبية ،وتكوين أسطحها ،ورواسب األودية وعالقة البحر باألرض،
واألرض بالبحر ،وما ينشأ عن هذه العالقة من تكوينات صخرية أو عوامل تعرية(.)3
أما عن األحجار الكريمة ،ف ُي َعدُّ عطارد بن حممد احلاسب هو أول من عرض
خلصائص األحجار ،وكتابه «منافع األحجار» أول بادرة عربية تعرض لدراسة األحجار
وتبيان خصائصها ،ولكننا مل نقع عىل هذا الكتاب ،اللهم إال جمرد ذكر ملؤلفه ورد يف
بعض الكتب كاحلاوي للرازي(.)4
ثم يأيت بعده أبو يوسف الكندي الذي يضع لنا أكثر من رسالة يف األحجار واملعادن،
ولكن شيئ ًا منها مل يصل إلينا ،ويقول البريوين يف كتابه «اجلامهر»« :ومل يقع إ ّيل من هذا
الفن غري كتاب أيب يوسف بن إسحق الكندي يف اجلواهر واألشباه ،قد أفرغ فيها ُعذرته،
وظهر ذروته ،كاخرتاع البدائع يف كل ما وصلت إليه يده من سائر الفنون»(.)5
وإذا ما جئنا إىل البريوين ،فإنا نجد أنه حيدثنا حديث ًا مستفيض ًا من األحجار واملعادن يف
كتابه «اجلامهر» درس فيه عدد ًا وفري ًا منها ،ووصفها من النواحي الطبيعية والطبية ،ومن
ناحية استغالهلا يف الصناعة(.)1
وممن طرقوا موضوع املعادن واألحجار الكريمة ،أبو جعفر أمحد بن إبراهيم القريواين
الشهري بابن اجلزار( ،)3وشهاب الدين أبو العباس أمحد التيفايش يف كتابه «أزهار األفكار
ب يف جواهر األحجار»( ،)4وحممد بن إبراهيم األكفاين (749هـ1348/م) وكتابه «ن َ
ُخ ُ
الذخائر يف أحوال اجلواهر»(.)5
وعرف املسلمون أن بعض األحجار تتخذ أشكاالً هندسية طبيعية خاصة هبا ،وال
دخل لإلنسان يف تشكيلها ،وهو ما نسميه حالي ًا بظاهرة التبلور(.)6
ويف جمال الوزن النوعي أو الثقل النوعي ،فقد عمل املسلمون جداول دقيقة لألحجار
الكريمة ،مثل جداول عبد القادر الطربي ،التي حدد فيها األوزان النوعية للمعادن
واألحجار الكريمة(.)1
-2الزالزل:
شغلت طبيعة الزالزل أذهان الناس منذ أقدم األزمنة ،وقد أرجع بعض الفالسفة
اليونان القدماء اهلزات األرضية إىل رياح حتت خفية ،بينام أرجعها البعض اآلخر إىل
نريان يف أعامق األرض ،وجاء أول وصف علمي ألسباب حدوث الزالزل عىل أيدي
العلامء املسلمني يف القرن الرابع اهلجري/العارش امليالدي؛ حيث اهتم املسلمون بدراسة
الزالزل وتسجيل تواريخ حدوثها وأماكنها ،وأنواعها ،وما ختلفه من دمار ،ودرجات
قوهتا ،وحركة الصخور الناجتة عنها ،ومضارها ومنافعها ،وحاول بعضهم التخفيف
من أخطارها ،وتناول ذلك ابن سينا يف موسوعته «الشفاء» يف اجلزء اخلاص باملعادن
واآلثار العلوية ،وإخوان الصفاء يف «الرسائل» ،والقزويني يف «عجائب املخلوقات»،
وكان لكل منهم رأيه الواضح يف هذا الصدد(.)2
وعىل سبيل املثال يقول ابن سينا يف وصف الزالزل وأسباب حدوثها وأنواعها:
«وأما الزلزلة فإهنا حركة تعرض جلزء من أجزاء األرض بسبب ما حتته ،وال حمالة
أن ذلك السبب يعرض له أن يتحرك ثم ُي َّرك ما فوقه ،واجلسم الذي يمكن أن
يتحرك حتت األرض ،إما جسم بخاري دخاين قوي االندفاع كالريح ،وإما جسم
مائي س َّيال ،وإما جسم هوائي ،وإما جسم ناري ،وإما جسم أريض( ،)3واجلسم
األريض ال تعرض له احلركة أيض ًا إال لسبب مثل السبب الذي عرض هلذا اجلسم
األريض ،فيكون السبب األول الفاعل للزلزلة ذلك ،فأما اجلسم الرحيي -ناري ًا
كان أو غري ناري -فإنه جيب أن يكون هو املنبعث حتت األرض ،املوجب لتمويج
األرض يف أكثر األمر»(.)1
ويعزو إخوان الصفاء أسباب الزالزل إىل الضغط احلراري الذي حيدث يف باطن
األرض ،نتيجة تبخر املياه اجلوفية فيتسبب يف اهنيار طبقات األرض وينتج عنها اهلزة
األرضية ،وهذا ال خيتلف عام أثبتته الدراسات احلديثة(.)2
اهتم املسلمون بدراسة املياه اجلوفية ومعرفة أماكن وجودها ،وطرق استخراجها
من باطن األرض ،وأسباب تراكمها يف أعامق األرض .فقد ورد يف كتاب رسائل
إخوان الصفاء ،ذكر املياه اجلوفية التي تتجمع يف باطن األرض ،أو ما ُيعرف حديث ًا
باملياه املخزونة ،فيقولون« :وهلذه اجلبال الشاخمة غرض آخر ،وذلك أن يف أجوافها
مغارات وأهوية واسعة ،فإذا هطلت يف الشتاء يف رؤوسها األمطار والثلوج ،وذابت،
غاضت تلك املياه يف تلك املغارات واألهوية ،وصارت فيها كاملخزونة ،ويف أسفل
تلك اجلبال منافذ ضيقة خترج منها املياه املخزونة يف تلك املغارات واألهوية وهي
العيون ،وجتري منها جداول ،وجتتمع بعضها إىل بعض ،وتسيل منها أودية وأهنار
جتري بني املدن والقرى»(.)3
وتكلموا عن النوافري احلارة وهي التي تنتج عن الضغط البخاري يف باطن األرض،
نتيجة تعرض املياه اجلوفية حلرارة باطن األرض فتتبخر ،فتبحث عن خمرج هلا ،فتجده يف
مكان ضعيف من األرض فتنبثق عنه( ،)4وهذا ما يشبه انفجار الرباكني.
أما البريوين فقد رشح عمل العيون الطبيعية واآلبار االرتوازية بناء عىل قاعدة األواين
املستطرقة ،ورشح جتمع مياه اآلبار بالرشح من اجلوانب حيث يكون مأخذها من املياه
وعرف دورة املاء يف الكون(.)1
القريبة منهاَّ ،
وأما عن الرباكني ففي كتاب املسعودي «مروج الذهب» وصف هلا ،فقد تكلم عن
الرباكني الكربيتية (بـركان سولفاتارا )Solfatarasيف قمة جبل «دنياوند» بني بالد الري
وطربستان ،فقال« :وإن يف أعاليه نحو ًا من ثالثني ثقب ًا خيرج منها الدخان الكربيتي
دوي عظيم كأشد ما يكون من
العظيم ،وخيرج مع ذلك من هذه املخارق مع الدخان ّ
تلهب النريان»(.)2
الرعد ،وذلك صوت ُّ
وهو نفس اجلبل الذي ذكره احلمريي يف كتاب «الروض املعطار» حيث يقول عنه:
«وعىل رأسه دخان ال يفرت الدهر كله»(.)3
وتناول بعض العلامء املسلمني علم األحافري يف معرض تناوهلم لعمر األرض ،وخالل
حتول البحر إىل مناطق يابسة( ،)1فالبريوين يستشهد يف كتابه «حتديد هنايات
استدالهلم من ُّ
األماكن لتصحيح مسافات املساكن» عىل أن جزيرة العرب كانت مغمورة باملياه ،فانحرست
عنها بتعاقب احلقب اجليولوجية ،وأن من حيفر حياض ًا أو آبار ًا جيد هبا أحجار ًا إذا ُش َّقت خرج
منها الصدف والودع« ،فهذه بادية العرب كانت بحر ًا فانكبس ،حتى إن آثار ذلك ظاهرة عند
حفر اآلبار واحلياض هبا ،فإهنا تُبدي أطباق ًا من تراب ورمال وررضاض ،ثم فيها من اخلزف
والزجاج والعظام ما يمتنع أن ُيمل عىل دفن قاصد إياها هناك ،بل خترج أحجار ًا إذا كُرست
كانت مشتملة عىل أصداف وودع ،وما ُيسمى آذان السمك ،إ َّما باقية فيها عىل حاهلا ،وإما
بالية قد تالشت ،وبقي مكاهنا خالء فتشكَّل بشكلها»(.)2
وهنا يشري البريوين إىل املستحجرات ،وهي بقايا عضوية كاملة أو طواهبا التي تكون
داخل احلجارة ،ويستدل بذلك عىل أن بعض املناطق كانت تغطيها املياه ،ثم أصبحت
ضمن اليابسة( .)3وكذلك تناول ابن سينا موضوع الكائنات املتحجرة حيث يقول« :وكثري ًا
ما يوجد يف األحجار إذا ك ُِست أجزاء من احليوانات املائية كاألصداف وغريها»(.)4
ويتحدث ابن سينا عن أسباب األحافري ،فيقول« :وإن كان ما حيكى من حتجر
احليوانات ،والنبات صحيح ًا ،فالسبب فيه شدة قوة معدنية حمجرة حتدث يف بعض البقاع
البحرية ،أو تنفصل دفعة من األرض يف الزالزل واخلسوف فتحجر ما تلقاه ،فإنه ليس
استحالة األجسام النباتية واحليوانية إىل احلجرية أبعد من استحالة املياه ،وال من املمتنع
يف املركبات أن تغلب عليها قوة عنرص واحد يستحيل إليه ،ألن كل واحد من العنارص
التي فيها مما ليس من جنس ذلك العنرص من شأنه أن يستحيل إىل ذلك العنرص ،وهلذا ما
يستحيل األجسام الواقعة يف املالحات إىل امللح ،واألجسام الواقعة يف احلريق إىل النار»(.)5
وقد أدرك ابن سينا أكثر من باعث لنظرية التطور واالرتقاء عند املسلمني( ،)1ويرى
جورج سارتون :أن فكرة س ّلم احلياة مع أصول فكرة التطور كانت معروفة عند
املسلمني يف العصور الوسطى ،الذين كان حيلو هلم ولعلامئهم أن يمثلوا تطور احلياة
من املعدن إىل النبات ،ومن النبات إىل احليوان ومنه إىل اإلنسان ،كام نادوا بالعالقة
الوثيقة املوجودة بني خمتلف الكائنات(.)2
ويف األندلس ونحو النصف الثاين من القرن السادس اهلجري ،أشار «املازيني»
إىل العاج املتحجر الذي شاهده بنفسه يف منطقة الفوجلا( ،)3كام تكلم «الغافقي» عن
الكهرمان األصفر وملح النشادر(.)4
إىل هنا نكون قد قدمنا عرض ًا بسيط ًا ملجهودات وإسهامات املسلمني يف علم
اجليولوجيا وفروعه املختلفة .وبالرغم من عدم إحاطتنا بكل التفاصيل؛ إال أننا
نكون قد قدمنا أهم املجاالت التي اهتم هبا علامء املسلمني يف هذا احلقل ،ويف
الواقع فقد ساهم يف بناء علم األرض «اجليولوجيا» نفر ليس بالقليل من علامء
األمة اإلسالمية ،وال مراء أن ك ً
ال منهم قد وضع لبنة ـ صغرية كانت أو كبرية ـ يف
هذا البناء الضخم.
يف حني ظلت رضوب التحريم الالهوتية تعرقل دراسة أصل األرض ،وعمرها،
وتركيبها ،والبحث يف قرشهتا وما دوهنا عند األوروبيني إبان العصور الوسطى(.)5
ً
ثالثا :أشهر علماء المسلمين في علم الجيولوجيا:
عطارد البابلي (ت206 :هـ821/م):
هو عطارد بن حممد البابيل البغدادي( ،)1كاتب وفلكي وحاسب( )2وعامل من علامء األرض
ختصص يف علم اجلواهر خاصة ،عاش يف القرن الثالث اهلجري/التاسع امليالدي(.)3
ذكرت كتب تاريخ العلوم أن عطارد البابيل من أقدم العلامء املسلمني الذين ختصصوا
يف علم األحجار الكريمة ،فكانت مؤلفاته من الكتب األصول يف هذا العلم ،ولكن
تاريخ حياته غري معروف ،فكل ما ذكرته املوسوعات وكتب التاريخ أنه ولد يف بغداد،
وتويف عام (206هـ821/م)(.)4
ولعطارد البابيل كتابات يف علم األحجار أمهها :كتاب منافع األحجار ،وهو أول
كتاب مفرد يبحث يف علم األحجار الكريمة ،وقد ذكر ذلك سارتون ،ويشتمل هذا
الكتاب عىل دراسة خلواص األحجار الكريمة وأنواعها وأماكن وجودها ،وأبدى فيه
اهتامم ًا خاص ًا باألملاس.
ولد ابن ماسويه يف مدينة جنديسابور ،ومل حتدد املوسوعات أو كتب تاريخ العلوم
عام ميالد له ،انتقل ابن ماسويه مع أبيه اخلبري يف الصيدلة إىل مدينة بغداد ،ودرس هناك
الطب والصيدلة ،وله يف علوم األرض ،وبخاصة علم اجلواهر باع طويل(.)1
من أشهر مؤلفاته( ،)2كتاب اجلواهر وصفاهتا ،وصفات الغواصني عليها والتجار هبا.
وقد عدّ د يف هذا الكتاب اجلواهر وأنواعها ،وبخاصة املاس والياقوت.
متيزت مؤلفات املسعودي بأهنا احتوت عىل معلومات وفرية عن طبائع األرايض التي
زارها ،وخصائص تربتها وأنواع الصخور هبا ،وتعد هذه املؤلفات من أهم املراجع يف
علم طبيعة األرض ،وفيها ذكر املسعودي أنواع املعادن وأماكن وجود خاماهتا كالذهب
والفضة واألملاس ،وأنواع الصخور املختلفة .ومما ذكره أنواع احلجارة اخلفيفة ـ التي
يكون وزهنا عندنا قناطري ـ وهي تزن عدة أرطال فقط( ،)5وذكر يف سياق حديثه عن
الرباكني ،وما ينتج عنها من حجارة وصفها بأهنا تشبه اإلسفنج(.)6
-3كتاب أخبار الزمان ومن أباده احلدثان وعجائب البلدان والعامر باملاء والعمران.
علم المالحة
ً
أوال :تعريفه:
َع َّر َف ُه طاش كربى زاده بقوله :وهو ٌ
علم يتعرف به آالت السفينة ،وكيفية
إجرائها يف البحر ،وأن مقدار هذا الثقل هبذا املقدار من الريح كم فرسخ ًا يتحرك
يف مقدار هذه الساعات .ويتوقف عىل معرفة سامت البحار والبلدان واألقاليم،
ومعرفة ساعات األيام والليايل ،ومعرفة مهاب الرياح وعواصفها ،ورخائها
وممطرها وغري ممطرها .ومن مبادئه :علم امليقات ،وعلم اهلندسة .ويتوقف عىل
معرفة عجائب البحر وطبائعها وخواصها وصور األقاليم ،وغري ذلك مما يعرفه
أهله .وهذا العلم يعرف بالتمرن عند املمتهرين فيه ،ولذلك قلام يصنفون فيه،
وهذا العلم عظيم النفع ،ألن اهلل تعاىل امتن عىل عباده بالسفن .فهذا العلم مما يتم
به أعظم منن اهلل تعاىل عىل عباده ،ويف هذا الفن كتب موجودة عند أهله ،وأكثر
مبادئه مستندة إىل التجربة(.)1
ف :بأهنا عملية حتديد مواقع املركبات وتوجيه حركتها، واملالحة حديث ًا ت َّ
ُعر ُ
وتستخدم املالحة يف إرشاد السفن ،وتشتمل العلوم املالحية عىل العديد من
العلوم ،كعلم الفلك والرياضيات والفيزياء ،كام تستخدم معدات متنوعة ،و ُت ّعدُّ
اخلريطة والبوصلة من املساعدات املالحية الرئيسة ،فاخلريطة تبني التضاريس
واألماكن الطبيعية(.)2
201
الفصل الثاني عشر 202
ً
ثانيا :علم المالحة عند الشعوب القديمة:
رغم التطور العلمي الذي شهده العامل منذ أمد ليس بالقصري ،ورغم معرفة اإلنسان
للمناطق البحرية القريبة من مناطق انتشاره ،منذ أن عرف التاريخ حركات اهلجرات البرشية،
بام يف ذلك الوصول إىل العديد من اجلزر النائية وسط املحيطات ،إال أن معرفتنا للكثري من
احلقائق حول هذا املوضوع الزالت تنتظر الغوص والدراسة اهلادفة ،الستجالء ما يزال غري
مرئي من جوانبها ،مع إدراكنا أن بدء العامل للتعرف عىل بعض جوانب هذا العلم ،إنام جاء عن
تطوير ما عرفه الفينيقيون من وسائل ركوب البحر ،The art of navigationإذ من املعروف
أهنم كانوا جيوبون مياه البحر املتوسط والبحر األمحر ،واملحيط اهلندي منذ ألفي سنة قبل
امليالد ،فمن املعروف أهنم كانوا عىل عالقات جتارية مع العديد من مناطق جنوب رشق آسيا،
وأهنم عرفوا جزر الكناري ،Canary islandsومتكنوا أيض ًا منذ عام ( 590ق.م) من الدوران
حول أفريقيا ،كام أهنم وصلوا إىل منطقة اجلزر الربيطانية منذ ذلك الوقت(.)1
وأدى ضعف ومدى حتمل السفن املرصية لإلبحار يف مياه املتوسط ،إىل أن يتوىل
بحارة جزيرة كريت اليونانية ،بسفنهم املعدة أص ً
ال للتجارة البحرية إىل إعادة توزيع
البضائع املرصية ،أو تلك التي كانت ترد إليها من بعض جهات جنوب آسيا؛ ذلك أن
بحارة هذه اجلزيرة كانت لدهيم بعض السفن التجارية ،إضافة إىل سفن حربية رسيعة؛
مما مكنهم من التحكم يف جتارة البحر املتوسط حتى منتصف األلفية الثانية ق.م(.)2
أما العرب يف العرص اجلاهيل ،فكانت هلم معرفة بركوب البحر ونستدل عىل ذلك من
معلقة ابن كلثوم التي يقول فيها(:)3
مل يركب العرب البحر قبل اإلسالم ،إال ما كان من سفن محري وسبأ يف بالد اليمن،
فقد كان اليمنيون أهل جتارة يف الرب والبحر ،أما عرب احلجاز فقد خشوا ركوب البحر،
شأهنم شأن البدو يف كل زمان ومكان( .)1نستدل يف ذلك من أخبارهم ،ومن اهتاممهم
بكل ما يتعلق بشؤون البادية واإلبل واخليل حتى لنجد يف لغتهم أسامء لكل يشء ،ولكن
هي فقرية نسبي ًا يف أسامء أجزاء السفن وما يتعلق بالبحر(.)2
ً
ثالثا :إسهامات المسلمين في علم المالحة:
العرب هم عامد اإلسالم وقوته ،أكرم اهلل العرب برسالة اإلسالم ،فكانوا أه ً
ال
للتكريم ،وأه ً
ال حلمل األمانة ،وكان لسبق العرب فيام قبل اإلسالم بعلوم البحار وعلوم
الفلك؛ السبب املشار يف تنمية هذين العلمني واالهتامم هبام ،والسيام أن العريب قبل
اإلسالم كان يركب البحر بقصد التجارة ،ومع اعتناق اإلسالم ،أصبح ركوب البحر
بالنسبة إليه يمثل التجارة الرابحة يف الدعوة إىل اهلل ونرش اإلسالم ،والشواهد عىل ذلك
كثرية منها(:)3
-غزوة قربص ومعركة املسلمني البحرية مع الروم ،التي ُعرفت بذات الصواري ،يف
عهد اخلليفة معاوية (ريض اهلل عنه)(.)4
-حروب العالء بن احلرضمي عىل شواطئ اخلليج العريب الرشقية ،ووصوله حدود
غريب اهلند(.)5
( )1اخلربوطيل ،عيل حسني :احلضارة العربية اإلسالمية ،مكتبة اخلانجي (القاهرة )1994 ،ص.69 ،68
( )2الرفاعي ،أنور :اإلسالم يف حضارته ونظمه ،دار الفكر املعارص (بريوت )1997 ،ص.205
()3الســمك ،عبــد الكريــم :علــم املالحــة عنــد العــرب واملســلمني ،بحــث منشــور عــى موقــع األلوكــة،
اســرجع مــن الرابــط.64146/http://www.alukah.net/cuture :
( )4نفس املرجع.
( )5نفس املرجع.
الفصل الثاني عشر 204
-يتوج ذلك كله الكيفية التي انترش فيها اإلسالم يف سواحل رشق أفريقيا ،وبالد
اهلند والصني وأندونيسيا والفلبني(.)1
وقضت الظروف اجلغرافية بان تتوزع املالحة البحرية يف (مملكة اإلسالم) يف بحرين
منفصلني متام ًا ومها :البحر األبيض ،واملحيط اهلندي؛ وذلك ألن برزخ السويس كان حائ ً
ال
دون انفصال هذين البحرين ،فكان من يريد أن يصل من البحر األبيض إىل اهلند أو رشق آسيا
مضطر ًا إىل محل بضائعه عىل الظهر (القوافل) عند الفرما ،ثم يسري يف الصحراء سبع مراحل
حتى يصل إىل القلزم ( – Klyamaاليونانية) وهناك يستطيع محلها يف املراكب مرة أخرى(.)2
وال ريب أن القصص البحري وكتب اجلغرافيا الوصفية والرحالت ،وكذلك كتب
وضحت بشكل واضح عمق التجربة املالحية عند العرب واملسلمني منذ
العجائب ّ
القرن التاسع امليالدي عىل األقل ،وبخاصة يف املحيط اهلندي وجزره وخلجانه ،أو يف
أرخبيل املاليو وبحر الصني ،وعىل سواحل أفريقيا الرشقية حتى سفالة إىل اجلنوب(.)3
ومل يكن للعرب قبل اإلسالم معرفة كبرية بعلوم البحر واملالحة ،حتى جاء اإلسالم
وقويت شوكة املسلمني ،ورأوا أن ال مناص من بناء قوة بحرية منيعة ت ُّر ُّد هبا هجامت
البيزنطيني عن السواحل العربية ،فاستعان العرب أول األمر بأهل األمصار التي فتحوها،
سواء يف بناء األسطول البحري ،أو العمل عليه ،أو يف تدريب البحارة ،ورسعان ما
اكتسب العرب اخلربة يف صناعة األساطيل ،وأقبلوا عىل ركوب البحر هبمة وشجاعة(.)4
ويف القرن احلادي عرش امليالدي وصف اإلدرييس املد واجلزر عىل سواحل بريطانيا،
ويف بالد املغرب يف كتابه «نزهة املشتاق»« :إن املد واجلزر الذي رأيناه عيان ًا يف بحر
الظلامت وهو البحر املحيط بغريب األندلس وبالد بريطانية فإن املد يبتدئ يف الساعة
الثالثة من النهار إىل أول الساعة التاسعة ،ثم يأخذ اجلزر ست ساعات مع آخر النهار،
وعلة ذلك أن الريح هتيج هذا البحر يف أول الساعة الثالثة من النهار»(.)2
ويقول املسعودي يف تعليل املد واجلزر« :وذلك أن مد اجلنوب جزر الشامل ،ومد
الشامل جزر اجلنوب ،فإن وافق القمر بعض الكواكب السيارة يف أحد امليلني تزايد
الفعالن وقوى احلمى واشتد لذلك سيالن اهلواء ،فاشتد لذلك انقالب ماء البحر إىل
اجلهة املخالفة للجهة التي ليس فيها الشمس» ،قال املسعودي« :رأي يعقوب بن إسحق
الكندي وأمحد بن الطيب الرسخيس فيام حكاه عنه :إن البحر يتحرك بالرياح»( .)3وخيلط
املسعودي والرسخيس هنا بني أثر الرياح يف حتريك ماء البحر ،وبني أثر القمر والشمس
عىل حركة ماء البحر(.)4
ومن بني العلامء الذين تكلموا عن هذه الظاهرة اجلغرايف املعروف بالبكري ،وذلك
يف كتابه «املسالك واملاملك» حيث يقول« :إن املد واجلزر ال يكون إال مرتني يف العام»(.)5
ويذكر ابن بطوطة من خالل حديثه عن مدينة «كنباية»« :وهي عىل خور من البحر
وهو شبه الوادي تدخله املراكب وبه املد واجلزر»(.)1
-2التيارات البحرية:
�أ-ظاهرة انعكا�س التيار يف الن�صف ال�شمايل من املحيط الهندي :وعىل الرغم من
أن اليونان القدامى وأمم ًا أخرى غريهم قد َس َّو َحت مراكبهم يف املحيط اهلندي
منذ القدم ،إال أن العرب وحدهم كان هلم فضل اكتشاف التيارات املنعكسة يف
النصف الشاميل من هذا املحيط ،وتسري هذه التيارات من الرشق إىل الغرب يف
فصل الشتاء ،ومن الغرب إىل الرشق يف فصل الصيف ،ويتبع هذا النظام هبوب
الرياح املوسمية يف هذا املحيط .ومما ال ريب فيه أن اكتشاف هذه التيارات يرجع
إىل الزمن الذي كانت املراكب العربية والفارسية ،تسافر فيه بصفة منتظمة بني
موانئ اخلليج العريب وبالد الرشق األقىص(.)2
ج-الدوامات املائية :وعرف العرب املسلمون كذلك التيارات الدوامية أو الدائرية ،التي
تنشأ يف املضايق وكيف أهنا تعوق املالحة ،وتكرس السفن إذا دخلت يف جماهلا .وقد
سموا هذه التيارات باسم «الدردور» ويعزوها أبو الفدا إىل جبال مغمورة يف املاء(.)4
()1ابــن بطوطــة حممــد بــن عبــد اهلل بــن حممــد :رحلــة ابــن بطوطــة املســاة حتفــة النظــار يف غرائــب
األمصــار وعجائــب األســفار ،دار الــرق العــريب (بــروت ،د.ت) .426/2
( )2أنور عبد العليم :املالحة ،ص.130
( )3املرجع نفسه ،ص.131
( )4أنور عبد العليم :املالحة ،ص.132 ،131
207 علم المالحة
-3الرياح:
كانت املالحة منظمة متام ًا فجدول التقلبات الطقسية كان يقدم يف كل سنة ،ولكل مرفأ اجتاه
الرياح والرياح املوسمية( .)1فقد عرف العرب خواص الرياح املوسمية يف املحيط اهلندي وأوقات
هبوهبا ،وأفادوا منها فائدة كبرية يف املالحة ،منذ كانت هلم مراكبهم تنقل التجارة ،كاملنسوجات
والسيوف والتوابل من اهلند إىل جنوب اليمن ،أو العاج أو الترب من الساحل اإلفريقي(.)2
وقد عرب املسعودي عن ذلك بقوله« :ولكل من يركب البحر من الناس رياح يعرفوهنا
يف أوقات تكون منها مهاهبا ،قد علم ذلك قوالً وعمالً ،وهلم دالئل وعالمات يعملون
هبا يف إ ّبان هيجانه وأحوال ركوده وثوراته .وهذا فيام سمينا من البحر احلبيش»(.)3
ويعترب ابن ماجد املالَّح العريب الشهري من أبرز العلامء الذين صنفوا يف هذا العلم ،فقد
كتب يف مصنفه «الفوائد» عن أنواع الرياح املوسمية املتعددة ،وقد ذكر يف مستهل حديثه
عن الرياح املوسمية ما نصه« :اعلم أهيا الطالب أنا رشحنا هذا العلم املحتاج إليه ،ومل
نرتك منه إال ما ال عليه عمدة ،فيجب أن نذكر مواسم السفر التي ال يستوي السفر إال
هبا ،ألن فوات املوسم وتقديمه وتأخريه دا ٍع إىل ما ال خري فيه»(.)4
وبي ابن ماجد يف مقدمة كتابه أن الطالب هلذا العلم البد له من معرفة األرياح
ّ
األربعة الشهرية يف الدنيا ،وأن كل أناس يسموهنا باصطالح خمتلف عن غريه وهي:
والصبا»(.)5
«الشامل والدَّ ُبور واجلنوب َّ
()1ريســلر ،جــاك :احلضــارة العربيــة ،ترمجــة :خليــل أمحــد خليــل ،منشــورات عويــدات (بــروت،
)1993ص.137
( )2أنور عبد العليم :املالحة ،ص.132
( )3املرجع نفسه ،ص.133 ،132
()4ابــن ماجــد ،شــهاب الديــن أمحــد بــن ماجــد بــن حممــد :كتــاب الفوائــد يف أصــول علــم البحــر
والقواعــد ،ورد ضمــن جمموعــة العلــوم البحريــة عنــد العــرب ،حتقيــق وحتليــل :إبراهيــم اخلــوري
وآخــر ،مطبوعــات جممــع اللغــة العربيــة بدمشــق (دمشــق.309/2 )1971 ،
( )5ابن ماجد :كتاب الفوائد.5-4/2 ،
الفصل الثاني عشر 208
ومن إسهامات املسلمني يف علم املالحة معرفتهم املمتازة بالرياح ،وكيفية تولدها
نتيجة ارتفاع الضغط اجلوي وانخفاضه ،ويف ذلك يقول العامل واملالَّح املعروف بسليامن
املهري يف رسالته املعروفة بتحفة الفحول يف متهيد األصول يف أصول علم البحر« :اعلم
متوج ،وذلك التموج هو الريح ،أال ترى أنك حترك اهلواء َّ
أن الريح أصله من اهلواء ،فإذا َّ
إذا رضبت اهلواء باملروحة ،حدث لك منها الريح لتموجه ،فإذا كانت احلركة شديدة،
حدث منها األرياح العواصف والقواصف»(.)1
ويقول« :ويتولد الريح أيض ًا من الربد ،ولنا عىل ذلك دالئل كثرية ،منها إذا كنا مث ً
ال
نجري بريح مغيبي غامز ،فنشأت سحابة ماطرة من إحدى اجلهات غري جهة املغيب،
فإذا قربت علينا السحابة ،ووصلنا بردها سكن الريح األول ،أعني املغيبي ،وجاء الريح
منها ،فإذا زالت عنا وانقطع عنا بردها ،عاد الريح األول أعني املغيبي»(.)2
وفض ً
ال عن الرياح املوسمية فقد مجع العرب املسلمون مالحظات قيمة عن أنواع
الب والبحر( ،)3ومن ذلك قول املهري: الرياح املختلفة اخلفة والشدة فقد عرفوا نسيم ّ ِّ
«ومن الدالئل أيض ًا أن الري ال ّ
ربي ال يأيت من الرب إال لي ً
ال والريح البحري ال يأيت من البحر
إال هنار ًا يف الغالب يف مجيع الدنيا؛ وذلك لربودة ال ِّ
رب بالليل ومرورة البحر فيه ،وعكسه
الرمال واجلبال من حرارة الشمس»(.)4
بالنهار ،أعني برودة البحر وحرورة الرب ،لتواقد ِّ
()1املهــري ،ســليامن بــن أمحــد بــن ســليامن :حتفــة الفحــول يف متهيــد األصــول يف أصــول علــم البحــر،
حتقيــق :إبراهيــم خــوري ،ورد ضمــن جمموعــة العلــوم البحريــة عنــد العــرب ،مطبوعــات جممــع
اللغــة العربيــة بدمشــق (دمشــق.34/3 )1972 ،
( )2املهري :حتفة الفحول.34/3 ،
( )3أنور عبد العليم :املالحة ،ص.135
( )4املهري :حتفة الفحول.35/3 ،
209 علم المالحة
العذبة التي تصب فيه ،وقد ذكر هذه الظاهرة «أبو الفدا» يف كتابه «تقويم البلدان»(،)1
إذ حكى له بعض التجار الذين ركبوا هذا البحر ،أهنم ملا انتهوا يف الشامل إىل آخر ،تغري
عليهم املاء املالح الصايف بامء متغري اللون فقيل هلم :هذا ماء األثل (الفوجلا) الذي اختلط
بالبحر ،ورشبوا منه فإذا هو حلو(.)2
كام ذكر أبو حامد الغرناطي يف كتابه «حتفة األلباب ونخبة اإلعجاب» تغري لون ماء
البحر يف األماكن املختلفة يف املحيط اهلندي ،ويصف وصف ًا دقيق ًا ظاهرة (املد األمحر-
)Red tideاملعروفة حالي ًا ،والتي تسببها كائنات بالنكتونية دقيقة .وهو إن مل جيد تعلي ً
ال
ينم عن قوة املالحظة ،ويف ذلك يقول الغرناطي: شافي ًا هلذه الظاهرة إال أن تدوينه هلا ّ
«وكذلك يف بحر اهلند خليج أمحر كالدم ،وخليج أصفر كالذهب ،وخليج أبيض كاللبن،
وخليج أزرق كالنيل واهلل يعلم من أي يشء تغريت هذه األلوان ،يف هذه املواضع واملاء
ٍ
صاف كسائر املياه»(.)3 نفسه
-5الطرق المالحية:
كان يلزم للمالحني املسلمني نحو شهر للذهاب من اجلزيرة العربية إىل اهلند ،ويلزمهم
شهر آخر للوصول إىل شبه جزيرة ماالقة ،وشهرين لعبور السواحل الصينية ،وكانت
رحلة العودة تستلزم الوقت نفسه تقريب ًا ،ولكن كان ال بد من انتظار الرياح املوسمية(.)4
ولقد ساعدت ظاهرة الرياح املوسمية يف إقامة خطوط بحرية منتظمة ،تم استثامرها
من قبل رشكات عاملية لتجهيز السفن ،وكان البحارة العرب ينطلقون من املوانئ
األفريقية ،وهي مدن ناشطة ومتنافسة فيام بينها ،وكانت رحلتهم تنتهي يف ماليزيا ،بعد
توقف عىل الشاطئ الغريب للهند (يف غوا أو كاليكوت) ،أما وصوهلم إىل الصني ،فهو
غري مؤكد ،وكانوا ينقلون من الغرب إىل الرشق العاج والذهب ،أي املادتني األساسيتني
لصنع الكامليات ،باإلضافة إىل العبيد ،وتعود هذه السفن حمملة بالقطن واحلرير والتوابل
واألواين اخلزفية والصينية(.)1
ومن أشهر هذه الطرق ،أو اخلطوط البحرية التي كانت معروفة لدى املالحني
املسلمني يف ذلك الوقت:
�أ -الطريق �إىل �أفريقيا :من أشهر الطرق املالحية وهو من موانئ شبه اجلزيرة
العربية إىل السواحل األفريقية ،وقد طرق هذا الطريق البحارة اليمنيون من
األزد أكثر من غريهم(.)2
ْ
ب-طرق بحر الروت :أما الطريق اآلخر املشهور ،فهو يف بحر الروم ،وقد كانت
مراكب العرب تطرقه بصفة مستمرة يف القرون الوسطى بني موانئ الشام
واألندلس .ومتر يف طريقها عىل جزر كريت ورودس وصقلية ورسدينيا ومالطة
وغريها ،واهتم العرب نتيجة ذلك بتكوين قوة بحرية يف البحر الرومي منذ
الفتح العريب ملرص(.)3
ج-الطريق �إىل الهند وال�صني :وينطلق من بني املوانئ العربية يف جنوب شبه اجلزيرة
العربية أو اخلليج العريب وسواحل السند واهلند وأندونيسيا حتى الصني(.)4
هذه من أشهر اخلطوط املالحية عند املسلمني ذكرناها للداللة ،أما باقي اخلطوط،
فهي كثرية جد ًا ،ويضيق بنا املقام حلرصها.
()1غــرويس ،هنــري :علــم املالحــة العــريب ،ورد ضمــن موســوعة تاريــخ العلــوم العربيــة ،إرشاف:
رشــدي راشــد وآخــر ،مركــز دراســات الوحــدة العربيــة (بــروت.296/1 )2005 ،
( )2أنور عبد العليم :املالحة ،ص.65 ،64
( )3املرجع نفسه ،ص.67 ،66
( )4املرجع نفسه ،ص.61
211 علم المالحة
-6األدوات المالحية:
استخدم العرب واملسلمون عدة أنواع من اآلالت واألدوات التي ساعدهتم يف التقدم
يف علم املالحة خطوات واسعة ،ومع أن هذه اآلالت يعود أغلبها إىل أصل يوناين ،إال أن
املسلمني قد طوروها وأدخلوا عليها تعديالت فجعلوها أكثر دقة وعملية .من األمثلة
عىل أشهر هذه اآلالت:
أ�سط ْرالب :وهي آلة يونانية يعزى ابتكارها ملدرسة اإلسكندرية يف العرص اهليليني
�أ-ال ُ
(القرن الثاين بعد امليالد) ،وقد تم تطويرها عىل أيدي العرب يف القرون الوسطى،
وإليهم يعزى ابتكار األس ُط ْرالب املكمل(.)1
أما عن تعريف كلمة األس ُط ْرالب ،Astrolabeأو أصطرالب ،فهي كام يبدو أهنا لفظة
«أخذ» واحلاصل هو يونانية مركبة من «أسرتون» بمعنى «كوكب» ومن «اليف» بمعنى ْ
«أخذ الكوكب» ويفرسها العرب بميزان الشمس أو ميزان الكواكب ،وقيل :إن الكلمة
أصلها فاريس وهو «أستارة ياب» ومعناها «مدرك أحوال الكواكب» فغريت احلروف
والصحيح هو ما ورد أوالً(.)2
استخدم املالحون املسلمون آلة األس ُط ْرالب يف املالحة لقياس ارتفاع األجرام
الساموية ،وعن املسلمني نقلها األوروبيون يف العصور الوسطى ،أما عن وصف هذه
اآللة ،فهي عبارة عن قرص معدين مقسم إىل ( 360درجة) ويعرف بميزان الشمس،
ومن أجزائه (ال َع ّلقة) وهي حلقة يعلق هبا اجلهاز ،بحيث يسكن يف مستوى رأيس ،ثم
(ال ُع ْر َوة) وهي اجلزء البارز عن املحيط ،ثم (ال ُعضادة) وهي املسطرة التي تدور عىل ظهر
املحيط منطبقة عليه ومثبتة يف املركز ،ثم (اهلدفتان) وهم الصنجتان الصغريتان القائمتان
()1انظــر مقدمــة الدكتــور شــميس تربيــز خــان ،وردت ضمــن كتــاب برهــان اإلســطرالب للصنعــاين،
مطبعــة دايمونــد برنــرز (دهلــي )2000 ،ص.14
( )2نفس املرجع والصفحة.
الفصل الثاني عشر 212
عىل العضادة عىل زوايا قائمة ،يف كل واحدة منها ثقب يقابل ثقب األخرى ،ثم (قوس
االرتفاع) ،وهو املرسوم عىل ظهره (املِ ْجزأة) ثم (منطقة الربوج) وهي الدائرة املقسومة
باثني عرش قس ًام غري متساوية مكتوب فيام بينها أسامء الربوج(.)1
ب -البو�صلة املالحية �أو بيت الإبرة :مازال البحارة يف العرص احلديث يستعلمون
البوصلة ،املسامة بالبيكار ،Compassمن قبل البحارة الفرنسيني وغريهم ،وقد
وردت كلمة بيكار هبذا املفهوم ،بقلم ابن ماجد عند كالمه عن بحارة البحر
األبيض املتوسط(.)2
ويعتقد بعض الباحثني ،وعىل نطاق واسع ،أن الصينيني هم الذين ابتكروا
،)*(»Fengثم طورها البحارة – Shui البوصلة واستخدموها يف «فنغ شوي
ليستعينوا هبا يف املالحة ،وكانت البوصلة املغناطيسية تسمى بيت اإلبرة( ،)3وأول
وصف كامل الستعامهلا يف املالحة عرب العامل اإلسالمي ورد يف كتاب «بيلق
القبجاقي» املسمى «كتاب كنز التجار يف معرفة األحجار» الذي ألف يف مرص عام
(1282م) ،فقد وصف استعامل بوصلة عائمة يف أثناء رحلة بحرية من طرابلس
يف الشام إىل اإلسكندرية عام (1242م) حيث يقول« :إبرة حديدية توصل بأسلة
(حلقة) عىل معرتضة ،وتوضع يف طاسة مليئة باملاء ،ثم يقرب حجر مغناطييس
من هذا اجلهاز ،وترسم اليد احلاملة للحجر املغناطييس دائرة باجتاه عقارب الساعة
فوقه ،فيتبع صليب اإلبرة واألسلة هذه احلركة ،وعندما يبعد احلجر املغناطييس
فجأة يفرتض أن تتواءم اإلبرة مع خط اهلاجرة»(.)4
عىل أن البوصلة املالحية قد القت تطور ًا كبري ًا بعد ذلك عىل أيدي الغربيني،
وتم اكتشاف ظاهرة االنحراف املغناطييس يف القرن السادس عرش ،وإن مل ُيعرف
سببه عىل وجه الدقة قبل القرن التاسع عرش ،كام أدخل املالحون الغربيون
حتسينات كبرية عىل البوصلة املغناطيسية التي تعتمد عىل املجال املغناطييس
لألرض يف حركتها ،كام ابتكرت بوصلة اجلريو التي تعتمد يف حركتها عىل
دوران األرض(.)3
ج �-آلة الكمال �أو اخل�شبات :وهي عبارة عن خشبة عىل شكل متوازي املستطيالت،
يتصل من وسطها خيط مدرج بعقد ،ختتلف يف املسافة بني كل عقدة وأخرى
حسب ظل متام زاوية االرتفاع.
والستعامل هذه اآللة يثبت الراصد الضلع األسفل ملتوازي املستطيالت عىل األفق،
قرب اخلشبة أو يبدها حتى
بحيث يامس الضلع النجم املرصود ،وهو يف هذه احلالة ُي َّ
حيصل عىل هذا الوضع .ثم يقرأ مبارشة عدد العقد التي بني العني ومركز اخلشبة(.)4
د�-آلة البل�ستي :وهذه اآللة ال تزال مستعملة عند مالحي اجلزر يف املحيط اهلندي أيض ًا،
وهي تشبه األلواح أو اخلشبات متقدمة الذكر ـ غري أنه استعيض عن اخليط املعقود
فيها بمسطرة مضلعة من اخلشب أو األبنوس ،ومدرجة إىل أصابع ،وينزلق عليها مربع
القياس ،وهو عبارة عن لوح أو أكثر خمتلفة احلجم (يصل عددها إىل أربعة ألواح)،
ويمكن استخدام كل لوح مع واجهة مدرجة من وجهات املسطرة ،أي إن املسطرة
ا ُمل َض َّل َعة يف هذه احلالة تدرج عىل أربعة أوجه ،وكل تدريج من هذه التدرجيات يتفق
مع فكرة املربع املجيب لكل لوح من األلواح األربعة ،وهبذا جيمع الربان خشبات
القياس األربعة التي تكلم عنها ابن ماجد يف عصا أو مسطرة واحدة(.)1
هـ�-آلة الأربليت :وهي نوع آخر من عصا القياس يستخدم من األمام أو من اخللف
لرصد ارتفاع النجوم ،أو الشمس هنار ًا يشبه إىل حد كبري البلستي ويعتمد
تدرجيه أيض ًا عىل الربع ا ُمل َج َّيب ويطلق عىل هذه اآللة يف املصادر األوروبية اسم
الصليب اهلنديس وأحيان ًا أخرى «عصا يعقوب» ،ولكن الفلكي الفرنيس «الالند
»Lalandeيرد فكرهتا إىل مربع بطلميوس وكل هذه اآلالت يف الواقع مردها عند
العرب إىل «عصا اخلوارزمي» .وقد وجد «برنسبس» هذه اآللة مستعملة عند
املالحني العرب جلزر «املالديف»(*) أيض ًا يف القرن املايض(.)2
-7القياسات المستخدمة:
ما هي القياسات ،أو وسائل القياس التي كان يستخدمها املالحون العرب يف عامل قد
حظي بالتأثري املوحد الذي أحدثه النظام املرتي يف خمتلف العلوم؟ لقد استعمل املالحون
العرب بشكل أسايس األصابع ،واألزوام ،والرتفات .وكام هي احلال يف العرص احلديث،
كان قياس االرتفاع يسمح بتحديد املسافة ،وكانت األزوام والرتفات حتدد بالنسبة إىل
األصابع ،لكن مفهوم وحدة القياس الثابتة مل يكن مألوف ًا يف األذهان يف ذلك العرص،
وهذا ما شكل عقبة كربى ،ولقد زاد من أمهية هذه العقبة فقدان آالت القياس ذات الدقة
الكافية ،مما أعاق اعتامد منهج علمي حقيقي ،ولكن أمهية ثبات وحدة القياس ليست يف
الواقع إال نسبية ،إذ إن قيم التغريات التي تطرأ عليها ال تتعدى دقة األرصاد(.)1
والذ َّبان :كانت األصابع تقاس بواسطة اخلشبات التي كانت تسمح�أ-الأ�صابع ُ
بقياس أقىص ال يتعدى ( 12أصبع ًا) ،أي ما يعادل ( )20درجة .وهكذا مل يكن
باإلمكان إال قياس االرتفاعات املنخفضة .وقد استخدم األصبع والشرب والذراع
والقدم كوحدات لقياس الطول ،من قبل العديد من املجموعات اإلنسانية(.)2
الت َّفات (االنحرافات) :الرتفة هي املسافة التي ينبغي قطعها يف َخ ّن معني لكي
جِ ِ -
تتغري قيمة الزاوية الزوالية بمقدار أصبع واحد(.)4
وإىل هنا نصل إىل هناية الفصل الذي فيه أحطنا بيشء من اإلجياز بإسهامات املسلمني
يف علم املالحة ،وهذا قليل من كثري مما استخلصناه من دراستنا ،لتاريخ هذا العلم الذي
برع فيه مالحو املسلمني ،براعة جعلت هلم التفوق عىل غريهم من األمم يف هذا املجال،
وعنهم أخذ الكثري من الربابنة واملالحني األوروبيني ،وال ننكر أن األوروبيني قد زادوا
عليه وطوروه وجعلوه عىل الصورة التي هو عليها يف عرصنا احلايل.
ً
رابعا :أشهر علماء المسلمين في علم المالحة:
الب َّحار (عاش خالل القرن الثالث الهجري):
ُسليمان َ
و ُيطلق عليه سليامن التاجر أيض ًا ،وال ُيعرف اليشء الكثري عن حياته إال أنه من كبار
املالحني العرب واملسلمني يف القرن الثالث اهلجري ،واملتواتر أنه َد َّون رحلته الشهرية
سنة (236هـ850/م) ،وع َّلق عليها أبو زيد حسن السريايف وسامها «سلسلة التواريخ»
بعده بعدة سنوات حوايل سنة (267هـ880/م)(.)1
ورحلة سليامن التاجر حتتوي عىل معارف يف غاية األمهية عن املحيط اهلندي وبحر
الصني ،وتعترب هذه الرحلة من أهم الرحالت ،التي قام هبا َمالَّحو األمة العربية
واإلسالمية يف القرن الثالث اهلجري عرب املحيط اهلندي(.)2
وأ َمدَّ ت هذه الرحلة الباحثني يف هذا امليدان بمعارف رضورية حول الطرق التجارية
والعادات والنظم االجتامعية واالقتصادية واملنتجات الصناعية واملحصوالت
الزراعية واملناخ والتضاريس لبلدان الرشق ،وأوىل سليامن التاجر عناية خاصة
ملوضوعي الطقس والرياح اللذين يؤثران عادة عىل املالحة البحرية فقد رصد آراءه
وأفكاره عنها يف كتابه ،كام استخدم سليامن البحار (البوصلة واألس ُط ْرالب) بطرق
علمية يف رحلته البحرية(.)3
وتعد رحلته من أهم اآلثار العربية عن الرحالت البحرية يف املحيط اهلندي وبحر
الصني ،وربام كانت األثر العريب الوحيد الذي يتحدث عن سواحل البحر الرشقي
الكبري والطريق املالحي إليها عىل أساس اخلربة الشخصية(.)1
ونظر ًا لدقة وصف سليامن البحار للطرق التجارية فقد مكَّن ذلك «فريان – »Ferrandمن
أن يتبعه عىل اخلرائط احلديثة ،وهو خري مثال للتجار خاصة العرب الذاهبني إىل الصني(.)2
هو أمحد بن ماجد بن حممد السعدي ،النجدي ،من أهل نجد ،شهاب الدين ،املعلم،
أسد البحر ،ابن أيب الركائب ،وقد يقال له «السائح ماجد» ،من كبار ربابنة العرب يف
البحر األمحر وخليج الرببر واملحيط اهلندي وخليج بنجالة وبحر الصني ،ومن علامء فن
علم املالحة البحرية(.)4
وينحدر ابن ماجد من صلب أرسة كان أفرادها يشتغلون بقيادة السفن ،فجده وأبوه
كانا معلمني أيض ًا ،وخ ّلفا اسمهيام يف عامل املالحة ويف عامل األدب ،ويف األسطورة،
ويقص علينا الرحالة املشهور «برتون – »Sir Richard Burtonأن مالحي عدن كانوا
إىل منتصف القرن التاسع عرش ينسبون اخرتاع البوصلة إىل ويل من أهل الشام يدعى
الشيخ ماجد ،ويقومون بقراءة الفاحتة عىل روحه قبل ركوهبم البحر(.)5
()1حسن ،زكي حممد :الرحالة املسلمون يف العصور الوسطى ،دار الرائد العريب (بريوت )1981 ،ص.23
()2كراتشكوفســكي ،أغناطيــوس يوليانوفتــش :تاريــخ األدب اجلغــرايف العــريب ،ترمجــة :صــاح الديــن
عثــان هاشــم ،مطبعــة جلنــة التأليــف والرتمجــة والنــر (القاهــرة.141/1 )1963 ،
( )3حممد فرشوخ :موسوعة عباقرة اإلسالم.135/5 ،
( )4الزركيل :األعالم.200/1 ،
( )5كراتشكوفسكي :تاريخ األدب اجلغرايف.573/2 ،
الفصل الثاني عشر 218
وكان ابن ماجد مولع ًا بفن املالحة منذ نعومة أظافره ،فقد صحب والده وقاد املركب
وهو يف العارشة من عمره ،وتفنن يف معرفة مطالع النجوم املالحية ومغارهبا وهو يف السابعة
عرشة من عمره ،ويتبني أن ابن ماجد عاش يف جمتمع يعتمد يف معيشته عىل البحر(.)1
ويف خضم معلوماته التي أفادها يف كتبه وأراجيزه ،أورد الكثري من املصطلحات
البحرية ،وأحيان ًا أوردها بلغات أهلها ،فصعب عىل من قرأها فيام بعد أن يفهمها كلها،
وأن يرتجم معانيها إىل اللغات األخرى ،وقد أشار مسترشقون إىل صعوبة كالم ابن
ماجد أحيان ًا وغموض مصطلحاته ،مما مل يتيرس لكثريين دراسته ،وخاصة أن يف طيات
كتاباته أسامء أماكن وبلدان تغريت ،وأسامء آالت كانت مستعملة(.)2
-4أرجوزة بر العرب(.)4
كان سليامن املرصي معارص ًا البن ماجد ،ولكنه أصغر منه سن ًا ،واملعروف أن املهري
ملحا بارز ًا ،وله مؤلفات يف اجلغرافيا البحرية تعترب من أهم املصادر يف علمي كان ّ
املالحة واجلغرافية(.)1
ويعترب املهري مالح ًا عبقري ًا ،فنتاجه العلمي يف هذا املجال كان ذروة ما بلغه العرب
واملسلمون يف املعرفة اجلغرافية البحرية ،حيث استخدم خرائط بحرية دقيقة متوفر فيها
خطوط الزوال واملتوازيات ،وأدخل بعض التحسينات عىل اآلالت الفلكية املستعملة يف
املالحة آنذاك ،واملتواتر أن معرفته يف أرسار املحيط اهلندي كانت متقدمة جد ًا(.)2
ولسليامن املهري نظريات وآراء علمية جيدة حول الرياح املوسمية يف املحيط اهلندي،
تدل عىل طول باعه يف هذا املضامر ،والكثري من علامء اجلغرافيا اقتبسوا منه بعض نظريات
الرياح املوسمية يف البحر العريب واملحيط اهلندي(.)3
احلمد هلل عىل نعمته ظاهرة وباطنة ،اآلن وقد وفقنا اهلل يف الفراغ من هذه الدراسة
التارخيية لتاريخ العلوم التطبيقية عند املسلمني ،واستعرضنا أهم اإلسهامات لعلامء
املسلمني يف جماالت وفروع هذه العلوم ،وبينّا أهم النظريات التي قدموها ،والتي
سامهت بشكل كبري يف تطورها ،بعد أن نقلوها من شتى احلضارات األخرى والسابقة
هلم ،وماقدموه من مصنفات علمية عظيمة ،سامهت يف االحتفاظ هبذه العلوم سنوات
طويلة عىل مر الزمن .ومن هنا تقودنا الدراسة إىل نتائج وخالصات متعددة ،وهي تتمثل
يف هذه النقاط اآلتية :
يف جمال علم الطب ،يربز دور املسلمني يف تطور هذا العلم بصورة واضحة وجلية،
حيث شكلت النظريات العلمية التي قدموها يف خمتلف فروع الطب األسس املنهجية
التطبيقية الصحيحة التي قام عليها هذا العلم ،ويرجع إليهم الفضل يف اخرتاع العديد
من األدوات الطبية ،التي سامهت يف تطور علم اجلراحة تطور ًا ملحوظ ًا ،وكذلك كان
املسلمون أول من عرف البيامرستانات واملشايف ،وهذه كان هلا دور كبري يف نرش العلوم
الطبية ،حيث كانت هذه البيامرستانات تأخذ دور اجلامعات واملدارس الطبية التي
قصدها كثري من طالب العلوم الطبية من كافة أنحاء العامل الوسيط يف ذلك الوقت.
221
الخاتمة 222
وأما عن إسهامات املسلمني يف علم النبات ،فقد جلأ املسلمون لدراسة النباتات بكافة
أنواعها ،واختذوا يف ذلك اجلانب النظري والتطبيقي البحت ،وذلك حلاجتهم إىل الفوائد
املرجوة منها ،سواء يف جمال الطب ،أو يف جمال الزراعة ،وهلم العديد من النظريات املبتكرة
يف هذا املجال.
ويف جمال علم الصيدلة ،فقد ارتبطت الدراسات فيه بعلم النبات ،ولكن اختذ هذا
العلم استقالليته عن طريق النظريات التي ابتكرها املسلمون فيه؛ فاألدوية املختلفة
التي ابتكرها املسلمون ،جعلتهم يصنفون الكتب اخلاصة هبذا العلم ،وكانت ختتلف
عن املصنفات التي ُصنفت يف جمال علم النبات ،وأطلقوا عىل هذه املصنفات اسم :
(كتب األقرباذين).
وأما علم احليوان ،كام سبق ومر بنا ،فقد مر هذا العلم بمراحل خمتلفة ،حيث كان
معروف ًا لدى قدماء اليونان والصينيني واملرصيني القدماء والبابليني واليونان والرومان،
لكن مل يكن هناك زخم علمي كبري اهتم هبذا املجال لدى الشعوب األخرى ،وحني
ترجم املسلمون مصنفات اليونانيني وغريهم يف علم احليوان؛ أضافوا هلذا العلم اليشء
الكثري ،وسجلوا العديد من النظريات من بينها نظرية (التكافل) ،وهي التي ن ُِسبت إىل
غريهم يف عصور متأخرة.
وعني املسلمون بعلمي البيطرة والبيزرة عنايتهم بالعلوم األخرى ،وهذه العلوم
ال منفرد ًا ،ويف هذه العلوم
تدخل ضمن جمال علوم الطب ،ولكن رأينا أن نجعل هلا فص ً
يعترب املسلمون هم أول من ألفوا املصنفات العلمية ،فقد أضافوا معرفتهم بعلوم الطب،
إىل هذه املجاالت .ومن خالل دراستنا لبعض املخطوطات وجدنا أن معرفة املسلمني
بعلمي البيطرة والبيزرة شملت كال من املعرفة الطبية والنفسية وسلوك احليوان ،ومن
هذا املنطلق يكون املسلمون هم أول من عرف (علم سلوك احليوان) ،وهم أول من
عرف (علم نفس احليوان) .
223 الخاتمة
وأما علم الكيمياء ،فقد اهتم املسلمون به اهتامم ًا جليالً ،وهلم يف تقدّ مه فضل كبري
واكتشافات مهمة ،فهم الذين أسسوا الكيمياء احلديثة بتجارهبم ومالحظاهتم الدقيقة،
وهم أول من اخرتع األدوات الكيميائية املعروفة يف عرصنا احلارض ،كأدوات التبخري
والتقطري وغريها ،وهم أول من عرب بالكيمياء من ظلمة اخلرافات والدجل ،فقد
استعملوا املناهج التطبيقية البحتة ،وقدموا النظريات الثابتة الصحيحة التي قادت إىل
علم صحيح يقوم عىل أساس قوي ،وخري دليل عىل ذلك ما نراه يف أغلب املصطلحات
العلمية األوروبية املستخدمة يف علم الكيمياء احلديثة ،التي ترجع إىل أصل عريب بحت.
ويعترب علم الفيزياء احلديث نتاج ًا لتطوير علم الفيزياء اإلسالمي ،فقد عرف
املسلمون علم الفيزياء معرفة وافية ،ويرجع ابتكار أغلب النظريات األساسية هلذا العلم
إىل املسلمني ،كنظرية اجلاذبية األرضية ،وانعكاس الضوء ،واحلركة ،واآلالت امليكانيكية
ف لدى املسلمني بعلم احليل ،ونظرية التي اشتهر هبا أبناء موسى بن شاكر ،وهو ما ُع ِر َ
الثقل النوعي واألوزان ،كل هذه النظريات يعود فضلها للمسلمني
ويعترب علم الفلك من العلوم القديمة التي نالت اهتامم العرب واملسلمني ،وبناء
عليه ،فقد أدى هذا االهتامم إىل أن ينبغ املسلمون يف هذا العلم ،ويبتكروا العديد من
النظريات واألدوات العملية ،التي سامهت يف تطور معرفة املسلمني بالكون املحيط
هبم ،وكانت هذه اآلالت واألجهزة واملعدات غاية يف الدقة ومجال الصنعة عرفوا
من خالهلا الظواهر الفلكية يف الكون .وكثري من هذه اآلالت كان من اخرتاع علامء
املسلمني ،ومل تُعرف من قبلهم ،وكان اهتامم اخللفاء هبذا العلم ودعمهم له ،قد أدى إىل
أن يسبق املسلمون غريهم يف جمال علم الفلك ،وخري من اهتم هبذا العلم خلفاء بني
العباس والفاطميون ،وخلفاء األندلس .
ويف علم اجلغرافيا ،قام علامء العرب واملسلمني بتصحيح كثري من األغالط العلمية
املشوهة لعلم اجلغرافيا لدى علامء الشعوب األخرى ،وهم أول من ألفوا الكتب الرائعة
الخاتمة 224
يف اجلغرافيا ،التي كانت تُعرف بكتب التقاويم أو كتب املسالك ،واملسلمون هم أول من
وضع اخلرائط القريبة يف شكلها من اخلرائط احلديثة ،وهم أول من عرف كروية األرض
واستدارهتا ،ومن حدد خطوط الطول والعرض للمدن واملناطق ،وأول من حاول قياس
حميط األرض ،وأول من حدد األقاليم اجلغرافية.
عرف العرب واملسلمون علم احلساب منذ العرص اجلاهيل ،وأدى اتصال املسلمني
باألمم األخرى بعد ظهور اإلسالم إىل أن يتحولوا بعلم الرياضيات إىل شكل علمي
نظري تطبيقي أكثر تطور ًا من ذي قبل ،فاخرتعوا األرقام والكسور العرشية واجلذور،
وعلم حساب املثلثات والنظريات احلسابية األكثر تعقيد ًا ،واخرتع اخلوارزمي علم اجلرب
واللوغاريتامت ،أو ما ُيعرف باخلوارزميات ،والنتيجة أن كل هذه املعرفة التي قدمها
املسلمون أدت إىل اخرتاع احلاسوب يف عرصنا احلديث ،وسامهت يف تطور العلوم
الرياضية واهلندسية خطوات واسعة بنى عليها العلم احلديث أعظم االخرتاعات
واالكتشافات العلمية .
أما يف جمال علم اجليولوجيا ،فقد كان للمسلمني الفضل العظيم يف ظهور الدراسات
التطبيقية هلذا العلم ،فهم أول من عرف فكرة قانون تعاقب الطبقات اجليولوجية لقرشة
األرض ،وهم أول من درس تكوينات الصخور وأنواعها ،وميزوا بني كل نوع من
حيث اخلصائص والرتكيبات ،واملسلمون أول من رشح عمليات التحفر بالتحجر
Petrifactionوالتحفر باالستبدال املعدين ،وأول من طرقوا موضوع املعادن واألحجار
الكريمة ،وظاهرة التبلور ،وأول من قام بتفسري نشوء ظاهرة الزالزل ،وعزوا ذلك إىل
ضعف يف قرشة األرض والضغط احلراري ،وأول من تكلم عن املياه اجلوفية وطرق
استنباطها ،وعىل هذا األساس العلمي بنى األوربيون فيام بعد نظرياهتم احلديثة.
ويف جمال علم املالحة البحرية ،كان املسلمون هم سادة البحار ،وهم أول من
اخرتع األدوات املالحية التي التزال مستخدمة حتى عرصنا احلارض ،وهم أول من
225 الخاتمة
ربط علم املالحة بعلم الفلك ،وأول من عرف ظاهريت املد واجلزر ورشحومها رشح ًا
علمي ًا تطبيقي ًا ،وهم أول من م ّيز بني البحر واملحيط ،وكان املسلمون عىل معرفة بالرياح
املوسمية ومواسمها املختلفة ،وخري من صنف الكتب يف هذا املجال هو ّ
امللح اجلريء
املعروف بابن ماجد ،وبنا ًء عليه ظهرت العديد من املصنفات األخرى ،وعرفوا كذلك
التيارات البحرية ،وأسباب تلون ماء البحر ،وكانوا عىل قدر كبري من معرفة للطرق
البحرية الرئيسة .
إىل هنا نأيت إىل هناية دراستنا لتاريخ العلوم التطبيقية يف احلضارة اإلسالمية التي
كانت عىل يشء من االختصار قدر االمكان ،واليزال الكثري من الدراسات تنقص هذا
الكتاب ،لكن أحطنا بام هو مهم يف جمال تاريخ العلوم عند املسلمني .
التوصيات:
وال يفوتنا يف هذه اللحظة إال أن نقدم توصياتنا للباحثني بدراسة تاريخ العلوم عند
املسلمني دراسة أكثر شمولية ،والرتكيز عىل دراسة األدوات اجلراحية التي اليزال الكثري
منها مل يأخذ حقه من الدراسة ،حيث إننا قد قدمنا دراسة إلحدى هذه األدوات التي
وردت يف كتاب الزهراوي (الترصيف) ،وشاركنا هبذه الدراسة يف املؤمتر الدويل لتاريخ
احلضارة اإلسالمية باألندلس ،الذي انعقد بمكتبة اإلسكندرية ،بتاريخ 2016/11/15م .
وإىل هنا أمتنى من اهلل أن نكون قد ُوفِقنا يف هذا املقصد ،والكامل هلل وحده ،فإن و ّفقنا
فمن اهلل ،وإن أخطأنا فمن أنفسنا ،واهلل ويل التوفيق ،وهو املستعان.
الفهارس العامة
أمحد بن حممد بن أيب قطرية 97 األعالم
أمحد بن موسى بن شاكر 132 ابن اآلدمي ١٤٨
أديالرد الباثي 178 إبرازي الفزاري ١٤٤
أرمخيدس 135 إبراهيم (عليه السالم) ٣٢
أرسطو 55 إبراهيم بن حممد الفاريس اإلصطخري ١٦٦
أرسطو طاليس 125 .٩٤ .٨٧ .٨٤ .٧٩ إخوان الصفا 232 .192 .191 .161
أسطفانوس 112 اإلدرييس ٢٠٥ .127
أصبغ بن حممد بن السمح ١٥٠ إدوارد سخاو ١٢٦
األصمعي 56 إسحاق (عليه السالم) ٣٢
ابن أيب أصيبعة ١٣٦ .119 إسحاق نيوتن 125
أغسطس 158 إسقلبييوس 29
ابن األكفاين ١٠٧ .98 .93 .21 إسكندر مقدوين 143
أمرباواز باري 39 إصطخري 166
أحموتب 26 إصطفن بن باسيل 57
أهرن أعني 32 إقليدس 179 .178
أهريد اإلسكندري 35 أبقراط 93 .76 .70 .48 .38 .31 .29
أور الثالث 26 أتيوس العظيم 31
أوريباسيوس 32 أثال 35
أولينوس القيرص 30 أمحد التيفايش 190
آشور بانيبال 26 أمحد بن إبراهيم القريواين 190
آيرن 125 أمحد بن احلسن بن األحنف 96
بازيار العزيز باهلل الفاطمي 100 أمحد بن داوود = أبو حنيفة الدينوري
ابن باسيل 61 أمحد بن طيب الرسخيس 205
باكون 118 أمحد بن ماجد 219 .218 .217 .214 .213 .212 .207
البتاين 180 أمحد بن حممد بن الرومية 63
برتون 217 أمحد بن حممد الطربي 46
برستيل 119 .108 أمحد بن حممد الغافقي 62
الفهارس العامة 230
عقيق 129
غضار مشوي 109
فحم 108
فضة 129 .110 .108 .114 .107 .112 .73
فلزات 107
فوسفور 116
فوالذ 118
قصدير 129
قلويات 113
كربيت 116
كربيتات احلديدوز 113
كربيتيد الزنيج 113
كبرييتيد الزئبق 113
كحول 116 .113 .72
كربون 118
كربونات الرصاص 113
كربونات الصوديوم 110
كلس 109
كلس الزرنيخ 113
كلورين 114
كوارتز 129
الزورد 129
لؤلؤ 129
ماء ملكي 117
مر 113
مستحلبات 72
ملح النشادر 195
نبات الرفيل 118
نرتات الفضة 113
نحاس 129 .109 .108
نشادر 113
ياقوت 129
المصادر والمراجع
المصادر والمراجع
-الطربي ،حممد بن جرير :تاريخ الرسل وامللوك ،حتقيق أبو الفضل إبراهيم ،دار املعارف
(القاهرة.)1968 ،
-القفطي ،مجال الدين أيب احلسن عيل بن يوسف :أخبار العلامء بأخبار احلكامء ،مطبعة السعادة
(القاهرة.)1908 ،
-البغدادي ،إسامعيل باشا :هدية العارفني أسامء املؤلفني وآثار املصنفني ،دار إحياء الرتاث
العريب (بريوت1951 ،م).
-املجويس ،عيل بن العباس :كامل الصناعة الطبية ،طبعة مرص (القاهرة1877 ،م).
-ابن سينا ،أبو عيل احلسني بن عبد اهلل :القانون يف الطب ،حتقيق حممد الغناوي ،دار الكتب
العلمية (بريوت.)1999 ،
-املسعودي :أخبار الزمان ومن أباده احلدثان وعجائب البلدان والعامر باملاء والعمران ،دار
األندلس (بريوت.)1996 ،
-ابن كلثوم ،عمرو :الديوان ،مجع وحتقيق أميل بديع يعقوب ،دار الكتاب العريب (بريوت.)1996 ،
-البكري ،عبد اهلل بن عبد العزيز :املسالك واملاملك ،دار الغرب اإلسالمي (بريوت.)1992 ،
-ابن بطوطة حممد بن عبد اهلل بن حممد :رحلة ابن بطوطة املسامة حتفة النظار يف غرائب األمصار
وعجائب األسفار ،دار الرشق العريب (بريوت ،د.ت).
-ابن جلجل ،أبو داوود سليامن بن حسان األندليس :طبقات األطباء واحلكامء ،حتقيق فؤاد
سيد ،مؤسسة الرسالة (بريوت.)1985 ،
-طاش كربى زاده ،أمحد بن مصطفى :مفتاح السعادة ومصباح السيادة يف موضوعات العلوم،
دار الكتب العلمية (بريوت1985 ،م).
-السيوطي ،جالل الدين بن عبد الرمحن :حسن املحارضة يف تاريخ مرص والقاهرة ،دار إحياء
الكتب العربية (د.م1968 ،م).
-الرازي ،حممد بن أيب بكر بن عبد القادر :خمتار الصحاح ،مكتبة لبنان (بريوت.)198 ،
251 المصادر والمراجع
-ابن ماجد ،شهاب الدين أمحد بن ماجد بن حممد :كتاب الفوائد يف أصول علم البحر
والقواعد ،ورد ضمن جمموعة العلوم البحرية عند العرب ،حتقيق وحتليل إبراهيم اخلوري
وآخر ،مطبوعات جممع اللغة العربية بدمشق (دمشق.)1971 ،
-املهري ،سليامن بن أمحد بن سليامن :حتفة الفحول يف متهيد األصول يف أصول علم البحر،
حتقيق إبراهيم خوري ،ورد ضمن جمموعة العلوم البحرية عند العرب ،مطبوعات جممع
اللغة العربية بدمشق (دمشق.)1972 ،
-املالقي األندليس ،حممد بن أيب حممد السقطي :يف آداب احلسبة ،مكتبة آرنست (باريس ،د.ت).
-ابن عبد الرؤوف ،أمحد بن عبد اهلل :يف آداب احلسبة واملحتسب ،ورد ضمن كتاب ثالث
رسائل أندلسية يف آداب احلسبة واملحتسب ،حتقيق ليفي بروفنسال ،مطبعة املعهد العلمي
الفرنيس لآلثار الرشقية (القاهرة.)1955 ،
-احلموي :معجم األدباء إرشاد األريب إىل معرفة األديب ،حتقيق إحسان عباس ،دار الغرب
اإلسالمي (بريوت.)1993 ،
-الصفدي ،صالح الدين خليل بن أيبك :الوايف بالوفيات ،حتقيق أمحد األرناؤوط وآخر ،دار
إحياء الرتاث العريب (بريوت.)2000 ،
-حاجي خليفة ،مصطفى عبد اهلل :كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون ،دار إحياء
الرتاث العريب (بريوت ،د.ت).
-القزويني ،زكريا بن حممد بن حممود الكويف :عجائب املخلوقات وغرائب املوجودات،
مؤسسة األعلمي للمطبوعات (بريوت.)2000 ،
-اجلاحظ ،عمرو بن بحر :احليوان ،حتقيق عبد السالم حممد هارون ،مطبعة مصطفى بايب
احللبي وأوالده (القاهرة.)1966 ،
-ابن العامد ،عبد احلي بن أمحد بن حممد احلنبيل :شذرات الذهب يف أخبار من ذهب ،حتقيق
حممود األرناؤوط ،دار ابن كثري (بريوت.)1988 ،
المصادر والمراجع 252
-ابن األخوة ،القريش :معامل القربى يف أحكام احلسبة ،ورد ضمن كتاب يف الرتاث االقتصادي
اإلسالمي ،دار احلداثة (بريوت.)1990 ،
-إخوان الصفا :رسائل إخوان الصفاء وخالن الوفاء ،دار صادر (بريوت ،د.ت).
-احلمريي ،أبو عبد اهلل حممد بن عبد اهلل :الروض املعطار يف خرب األقطار ،حتقيق إحسان
عباس ،مؤسسة نارص للثقافة (بريوت.)1980 ،
-ابن بسام ،املحتسب :هناية الرتبة يف طلب احلسبة ،ورد ضمن كتاب يف الرتاث االقتصادي
اإلسالمي ،دار احلداثة (بريوت.)1990 ،
-ابن تغري بردي ،مجال الدين أبو املحاسن يوسف :الدليل الشايف عىل املنهل الصايف ،حتقيق
فهيم حممد شلتوت ،مطبعة دار الكتب املرصية (القاهرة.)1998 ،
-الغساين ،الغطريف بن قدامة :ضواري الطري ،منشورات معهد العلوم العربية واإلسالمية
(فرانكفورت.)1984 ،
-املسعودي ،عيل بن احلسني :مروج الذهب ومعادن اجلوهر ،املكتبة العرصية (بريوت.)2005 ،
-القزويني :عجائب املخلوقات ،طبعة القاهرة (القاهرة.)1966 ،
-ابن خلكان ،أمحد بن حممد بن أيب بكر :وفيات األعيان وأنباء أبناء الزمان ،حتقيق إحسان
عباس ،دار صادر (بريوت ،د.ت).
-الذهبي ،حممد بن أمحد بن عثامن :سري أعالم النبالء ،حتقيق شعيب األرناؤوط وآخر ،مؤسسة
الرسالة (بريوت.)1982 ،
-املقري ،أمحد بن حممد التلمساين :نفح الطيب من غصن األندلس الرطيب ،حتقيق إحسان
عباس ،دار صادر (بريوت.)1988 ،
-ابن سينا :الشفاء ،حتقيق حممود قاسم ،دار الكتاب العريب (القاهرة.)1969 ،
-الط َّباع ،عمر فاروق :الكندي فيلسوف العرب واإلسالم ،مؤسسة املعارف (بريوت،
-القفطي :أخبار العلامء ،حتقيق إبراهيم شمس الدين ،دار الكتب العلمية (بريوت.)2005 ،
253 المصادر والمراجع
-سليم ،حممد إبراهيم :التداوي بالقرآن واالستشفاء بالرقى والتعاويذ ،مكتبة القرآن
(القاهرة.)1986 ،
-احلايس ،عيل حممد سعد :تاريخ طب العيون يف احلضارة اإلسالمية (8-3هـ14-9/م)
منشورات جامعة قاريونس (بنغازي.)2008 ،
-سليامن ،توفيق :دراسات يف حضارات غرب آسيا القديمة ،دار دمشق (دمشق.)1985 ،
-عرب ،مريس حممد :ملحات من الرتاث الطبي العريب ،منشأة املعارف (اإلسكندرية.)1975 ،
-جمموعة مؤلفني احلضارة الليبية واحلضارات الرشقية يف العصور القديمة ،مطبعة ماثيو
كرومو (مدريد.)1985 ،
-بايك ،أي رويستن :قصة اآلثار اآلشورية ،ترمجة يوسف داود عبد القادر ،مطبعة أسعد
(بغداد.)1972 ،
-لويد ،سيتون :آثار بالد الرافدين من العرص احلجري حتى الغزو الفاريس ،ترمجة حممد طلب،
دار دمشق (دمشق.)1993 ،
-سليم ،أمحد أمني :دراسات يف تاريخ الرشق األدنى والقديم ،دار املعرفة اجلامعية
(اإلسكندرية.)1992 ،
-غليونجي ،بول :دراسات يف الرتاث العريب (ابن النفيس) ،وزارة اإلرشاد واألنباء (الكويت ،د.ت).
-جمموعة مؤلفني :رشيعة محورايب وأصل الترشيع يف الرشق القديم ،ترمجة أسامة رساس ،دار
عالء الدين (دمشق.)1993 ،
-جارلند ،جوزيف :قصة الطب ،ترمجة سعيد عبيدة ،دار املعارف (القاهرة.)1959 ،
-غليونجي ،بول وآخر :احلضارة الطبية يف مرص القديمة ،دار املعارف (القاهرة.)1965 ،
-عبد الرمحن ،حكمت نجيب :دراسات يف تاريخ العلوم عند العرب ،جامعة املوصل
(املوصل.)1985 ،
-الكاتب ،سيف الدين :أطلس التاريخ القديم ،دار الرشق العريب (بريوت )2004 ،ص.87
255 المصادر والمراجع
-محارنة ،سامي خلف :تاريخ الطب والصيدلة عند العرب ،دار املعارف (القاهرة.)1967 ،
-منترص ،عبداحلليم :تاريخ العلوم ودور العلامء العرب يف تقدمها ،دار املعارف (القاهرة،
.)1971
-البعلبكي ،منري :معجم أعالم املورد ،دار العلم للماليني (بريوت.)1992 ،
-البابا ،حممد زهري :تاريخ وترشيع وآداب الصيدلة ،مطبعة طربني (دمشق.)1979 ،
-الزركيل ،خري الدين :األعالم ،دار العلم للماليني (بريوت.)200 ،
-فروخ ،عمر :تاريخ العلوم عند العرب ،دار العلم للماليني (بريوت.)1970 ،
-الرسجاين ،راغب :ماذا قدم املسلمون للعامل ،مؤسسة اقرأ للنرش والتوزيع والرتمجة (القاهرة،
.)2009
-راغب الرسجاين :قصة العلوم الطبية يف احلضارة اإلسالمية ،مؤسسة اقرأ (القاهرة.)2009 ،
-احلاج قاسم ،حممود :املوجز ملا أضافه العرب يف الطب والعلوم املتعلقة به ،مطبعة اإلرشاد
(بغداد.)1974 ،
-عيسى ،أمحد :آالت الطب واجلراحة والكحالة عند العرب ،مطبعة مرص (القاهرة ،د.ت).
-هونكه ،زيغريد :شمس العرب تسطع عىل الغرب ،ترمجة فاروق بيضون وآخر ،دار اجليل
(بريوت.)1993 ،
-املاحي ،التجاين :مقدمة يف تاريخ الطب العريب ،مطبعة مرص (القاهرة.)1959 ،
-خري اهلل ،أمني أسعد :الطب العريب ،دار صادر (بريوت.)1946 ،
-اخلطيب ،مصطفى عبد الكريم :معجم املصطلحات واأللقاب التارخيية ،مؤسسة الرسالة
(بريوت.)1996 ،
-متز ،آدم :احلضارة اإلسالمية يف القرن الرابع اهلجري ،ترمجة حممد عبد اهلادي أبو ريدة ،دار
الكتاب العريب (بريوت ،د.ت).
-السباعي ،مصطفى :من روائع حضارتنا ،دار الثقافة (بريوت1968 ،م).
المصادر والمراجع 256
-كحالة ،عمر رضا :أعالم النساء يف عاملي العرب واإلسالم ،مؤسسة الرسالة (بريوت ،د.ت).
-أمحد ،هاشم :علم النبات ،هال بوك شوب (اإلسكندرية ،د.ت).
-النوهيي ،عبد السالم حممد :موسوعة احلضارة العربية اإلسالمية ،علم النبات ،املؤسسة
العربية للدراسات والنرش (بريوت1995 ،م).
-عيسى ،أمحد :تاريخ النبات عند العرب ،مطبعة االعتامد (القاهرة1944 ،م).
-فرشوخ ،حممد أمني :موسوعة عباقرة اإلسالم ،دار الفكر العريب (بريوت.)1995 ،
-داغر ،أسعد :حضارة العرب ،مطبعة هندية باملوسكي (القاهرة.)1918 ،
-الطويل ،توفيق :العرب والعلم يف عرص اإلسالم الذهبي ،دار النهضة املرصية (القاهرة،
.)1961
-عيل الشطشاط :تاريخ اإلسالم يف األندلس ،منشورات جامعة قاريونس (بنغازي.)2009 ،
-جممع اللغة العربية :املعجم الوجيز ،وزارة الرتبية والتعليم (القاهرة.)1994 ،
-خري اهلل ،أمني أسعد :الطب العريب ،دار صادر (بريوت1946 ،م).
-البغدادي ،إسامعيل باشا :هدية العارفني أسامء املؤلفني وآثار املصنفني ،دار إحياء الرتاث
العريب (بريوت.)1951 ،
-فروخ ،عمر :تاريخ العلوم عند العرب ،دار العلم للماليني (بريوت.)1970 ،
-بروكلامن ،كارل :تاريخ األدب العريب ،ترمجة السيد يعقوب بكر وآخر ،دار املعارف (القاهرة،
د.ت).
-الدو ميييل :العلم عند العرب وأثره يف تطور العلم العاملي ،ترمجة عبداحلليم النجار وآخر،
دار القلم (القاهرة.)1962 ،
-وجدي ،حممد فريد :دائرة معارف القرن العرشين ،دار املعرفة للطباعة والنرش (بريوت،
.)1971
-حبش ،حممد :املسلمون وعلوم الضارة ،دار املعرفة (دمشق.)1992 ،
257 المصادر والمراجع
-الطائي ،فاضل أمحد :علم الصيدلة عند العرب ،ورد ضمن موسوعة احلضارة العربية
اإلسالمية ،املؤسسة العربية للدراسات والنرش (بريوت.)1995 ،
-العلمي ،رياض رمضان :الدواء من فجر التاريخ إىل اليوم ،عامل املعرفة (الكويت.)1988 ،
-لوبون ،جوستاف :حضارة العرب ،ترمجة عادل زعيرت ،مطبعة عيسى البايب احللبي (القاهرة ،د.ت).
-مظهر ،جالل :حضارة اإلسالم وأثرها يف الرتقي العاملي ،مكتبة اخلانجي (القاهرة.)1974 ،
-منترص ،عبداحلليم وآخر :قرارات يف تاريخ العلوم عند العرب ،جامعة املوصل (املوصل،
.)1974
-الكردي ،إبراهيم إبراهيم :من العلامء العرب الذين أثروا يف احلضارة األوروبية ،اهليئة املرصية
العامة للكتاب (القاهرة.)1974 ،
-الشطشاط ،عيل :البحر املتوسط والتواصل احلضاري العريب األورويب ،جملة دراسات
املتوسط ،مركز دراسات البحر املتوسط ،نصف سنوية ،العدد األول (طرابلس.)1991 ،
-النجر ،روبرت :أمكنة يف اجلسم ال يصل إليها الدواء ،جملة العلوم األمريكية ،الرتمجة
العربية ملجلة ساينتفك أمريكان ،تصدر شهري ًا يف دولة الكويت من مؤسسة الكويت للتقدم
العلمي ،املجلد ،20أبريل ـ مايو (الكويت )2004 ،متوفرة عىل الرابط التايل:
.1536-http://www.ollommagzaine.com/Article/ArticleDetails.aspx?ID
-طوقان ،قدري حافظ :علامء العرب وما أعطوه للحضارة ،دار الكاتب العريب (بريوت ،د.ت).
-قنوايت ،شحاتة :تاريخ الصيدلة والعقاقري يف العهد القديم والعهد الوسيط ،دار املعارف
(القاهرة.)1959 ،
-عقيل ،حمسن :معجم األعشاب املصور ،مؤسسة األعلمي للمطبوعات (بريوت.)2003 ،
-أبو زيد ،سهام مصطفى :احلسبة يف مرص اإلسالمية من الفتح العريب إىل هناية العرص اململوكي،
اهليئة املرصية العامة للكتاب (القاهرة.)1986 ،
-جالل مظهر :أثر العرب يف احلضارة األوروبية ،دار الرائد (بريوت.)1967 ،
المصادر والمراجع 258
-الدبيان ،أمحد بن حممد بن عبد اهلل :حنني بن إسحاق دراسة تارخيية ولغوية ،مكتبة امللك فهد
الوطنية (الرياض.)1993 ،
-املوسوعة احلرة :يوهان فولفغانغ خون جوته /www.wikpedia.org/wiki
-الدمريي ،كامل الدين :حياة احليوان الكربى ،حيدر آباد (الدكن ،د.ت).
-عمر كحالة :معجم املؤلفني ،مؤسسة الرسالة (بريوت.)1993 ،
-علوان ،حممد باقر :كتب احليوان عند العرب ،جملة املورد ،جملة فصلية تصدرها وزارة الثقافة
واإلعالم ،املجلد األول (بغداد )1971 ،العدد .1
-البلقيني ،رساج الدين عمر بن رسالن :قطر السيل يف أمر اخليل ،حتقيق :حاتم صالح
الضامن ،دار البشائر (دمشق.)2009 ،
-الويس ،كامل طه :رياضة الصيد والقنص يف العرص العبايس ،جملة الرتبية الرياضية ،تصدر
عن كلية الرتبية الرياضية بجامعة بغداد ،املجلد احلادي عرش ،العدد الثالث (بغداد.)2002 ،
-كشاجم ،أبو الفتح حممود بن احلسن الكاتب :املصايد واملطارد ،حتقيق حممد أسعد طلس،
مطبوعات دار اليقظة (بغداد ،د.ت).
-اهلاشمي ،حممد حييى :الكيمياء يف التفكري اإلسالمي ،دار الفكر العريب (القاهرة ،د.ت).
-عبد الغني ،مصطفى لبيب :الكيمياء عند العرب ،الدار القومية للطباعة والنرش (د.م ،د.ت).
-دياب ،مفتاح حممد :مقدمة يف تاريخ العلوم يف احلضارة اإلسالمية ،دار الكتب الوطنية
(بنغازي.)1992 ،
-عمر فروخ :العرب يف حضارهتم وثقافتهم إىل آخر العرص األموي ،دار العلم للماليني
(بريوت.)1966 ،
-خوابخش ،صالح الدين :احلضارة اإلسالمية ،ترمجة عيل حسني اخلربوطيل ،دار الثقافة
(بريوت.)1971 ،
-الشكيل ،عيل مجعان :الكيمياء يف احلضارة اإلسالمية ،دار الرشوق (بريوت.)1989 ،
259 المصادر والمراجع
-حسن ،حسني احلاج :حضارة العرب يف صدر اإلسالم ،املؤسسة اجلامعية للدراسات والنرش
(بريوت.)1992 ،
-ديورانت ،ول :قصة احلضارة ،ترمجة حممد بدران ،دار اجليل (بريوت ،د.ت).
-أبو خليل ،شوقي :احلضارة العربية اإلسالمية ،دار الفكر املعارص (بريوت.)1996 ،
-السمحاين ،سعد بن عبد الكريم بن حممد :األنساب ،دار اجلنان (بريوت.)1988 ،
-العدوان ،ماجد حممد :موسوعة علامء الكيمياء ،دار عامل الثقافة للنرش (عامن.)2001 ،
-قنوايت ،جورج :اخليمياء العربية ،ورد ضمن موسوعة تاريخ العلوم العربية ،مركز دراسات
الوحدة العربية (بريوت.)2005 ،
-محيدان ،زهري :أعالم احلضارة العربية اإلسالمية ،وزارة الثقافة (دمشق.)1995 ،
-حممود ،زكي نجيب :جابر بن حيان ،مكتبة مرص (القاهرة ،د.ت).
-اخلالدي ،روحي :الكيمياء عند العرب ،دار املعارف (القاهرة.)1953 ،
-حماسنة ،حممد حسني :أضواء عىل تاريخ العلوم عند املسلمني ،دار الكتاب اجلامعي (العني.)2001 ،
-عفيفي ،حممد الصادق :تطور الفكر العلمي عند املسلمني ،مكتبة اخلانجي (القاهرة.)1977 ،
-شوقي ،جالل :دراسات البريوين يف الطبيعيات ،بحث قدم إىل الندوة العاملية األوىل لتاريخ
العلوم عند العرب ،جامعة حلب (حلب.)1976 ،
-جايف ،برنارد :بواتق وأنابيب (قصة الكيمياء) ترمجة أمحد زكي ،مكتبة النهضةاملرصية
(القاهرة ،د.ت).
-يونس ،فتحي عيل :أثر العرب واملسلمني يف احلضارة األوروبية ،املنظمة العربية للرتبية
والثقافة والعلوم (القاهرة.)1996 ،
-باكسون ،ج.ج :.موسوعة مشاهري العامل ،دار الصداقة العربية (بريوت.)2002 ،
-الدمرداش ،أمحد سعيد :علم الفيزيقيا عند العرب ،ورد ضمن موسوعة احلضارة العربية
اإلسالمية ،املؤسسة العربية للدراسات والنرش (بريوت.)1995 ،
المصادر والمراجع 260
-راشد ،رشدي :علم املناظر اهلندسية ،ورد ضمن موسوعة تاريخ العلوم العربية ،مركز
دراسات الوحدة العربية (بريوت.)2005 ،
-مشعل ،حممد شاكر :الدور العريب يف الرتاث العلمي العاملي (القاهرة.)1983 ،
-قدري طوقان :العلوم عند العرب ،مكتبة مرص (القاهرة.)1956 ،
-الطالبي ،عبد احلي :نزهة اخلواطر وهبجة املسامع والنواظر ،دار ابن حزم (بريوت.)1999 ،
-العاين ،خالد :البريوين ،بحث منشور عىل موقع مجعية هواة الفلك السورية عىل الرابط:
.www.saaa.sy.org
-موراون ،رجييس :مقدمة يف علم الفلك ،ورد ضمن موسوعة تاريخ العلوم العربية ،إرشاف
رشدي راشد ،مركز دراسات الوحدة العربية (بريوت.)2005 ،
-يوسف ،عبد التواب :احلضارة اإلسالمية بأقالم غربية وعربية ،الدار املرصية اللبنانية
(القاهرة.)1996 ،
-حجازي ،عبد اهلل :إنجازات املسلمني يف علم الفلك ،اسرتجع بتاريخ 2014/10/24من
املوقع.45930/http://www.alukah.net/culture :
-هيل ،دونالد .ر :العلوم واهلندسة يف احلضارة اإلسالمية ،ترمجة أمحد فؤاد باشا ،سلسلة عامل
املعرفة (الكويت ،د.ت).
-القنوجي ،صديق بن حسن :أبجد العلوم الويش املرقوم يف بيان أحوال العلوم ،دار الكتب
العلمية (بريوت.)1978 ،
-الدفاع ،عيل بن عبد اهلل :روائع احلضارة العربية اإلسالمية يف العلوم ،عامل الكتب للنرش
والتوزيع (الرياض.)1991 ،
-عيل الدفاع :رواد علم اجلغرافيا يف احلضارة العربية واإلسالمية ،مكتبة التوبة (د.م ،د.ت).
-حممدين ،حممد حممود :اجلغرافيا واجلغرافيون بني الزمان واملكان ،دار اخلرجيي (الرياض،
1417هـ).
261 المصادر والمراجع
-وهيبة ،عبد الفتاح حممد :مكانة اجلغرافيا من الثقافة اإلسالمية ،جامعة بريوت العربية (د.م،
.)1979
-خصباك ،شاكر :اجلغرافيا عند العرب ،ورد ضمن موسوعة احلضارة العربية اإلسالمية،
املؤسسة العربية للدراسات والنرش (بريوت.)1995 ،
-أمحد ،عيل :تاريخ الفكر العريب اإلسالمي ،منشورات جامعة حلب (حلب.)1997 ،
-البريوين :مفتاح علم اهليئة وحتقيق ما للهند من مقولة مقبولة يف العقل أو مرذولة ،مطبعة ليدن
(ليدن.)1886 ،
-عكاوي ،رحاب خرض :موسوعة عباقرة اإلسالم ،دار الفكر العريب (بريوت.)1993 ،
َّ -
املل ،أمحد عيل :أثر العلامء املسلمني يف احلضارة األوروبية ،دار الفكر (دمشق.)1981 ،
-احلافظ ،حممد مطيع :تاريخ العلوم عند العرب ،مطبعة جامعة دمشق (دمشق.)1989 ،
-القويص ،عطية :احلضارة اإلسالمية ،دار الثقافة العربية (القاهرة.)1985 ،
-احللو ،عبده وآخر :الوايف يف تاريخ العلوم عند العرب ،دار الفكر اللبناين (بريوت.)1996 ،
-جالل مظهر :احلضارة اإلسالمية أساس التقدم العلمي احلديث ،مركز كتب الرشق األوسط
(القاهرة ،د.ت).
-السكري ،عيل :اجليولوجيا عند العرب ،ورد ضمن موسوعة احلضارة العربية اإلسالمية،
املؤسسة العربية للدراسات والنرش (بريوت.)1995 ،
-مراد ،بركات حممد :البريوين رائد علم اجليولوجيا ،جملة حراء ،العدد السادس عرش ،السنة
الرابعة ،يوليو ـ سبتمرب.2009 ،
-سارتون ،جورج :تاريخ العلم ،ترمجة إبراهيم مدكور وآخرين ،دار املعارف (القاهرة.)1957 ،
-املوسوعة العربية العاملية :إرشاف أمحد الشوخيات ،النسخة اإللكرتونية ،مادة ـ املالحة،
اسرتجع من املوقع.http:www.intaaj.net :
-أبو لقمة ،اهلادي مصطفى وآخر :اجلغرافيا البحرية ،الدار اجلامهريية للنرش (مرصاته.)1999 ،
المصادر والمراجع 262
-اخلربوطيل ،عيل حسني :احلضارة العربية اإلسالمية ،مكتبة اخلانجي (القاهرة.)1994 ،
-الرفاعي ،أنور :اإلسالم يف حضارته ونظمه ،دار الفكر املعارص (بريوت.)1997 ،
-السمك ،عبد الكريم :علم املالحة عند العرب واملسلمني ،بحث منشور عىل موقع األلوكة،
اسرتجع من الرابط.64146/http://www.alukah.net/cuture :
-عبدالعليم ،أنور :املالحة وعلوم البحار عند العرب ،عامل املعرفة (الكويت.)1979 ،
-ريسلر ،جاك :احلضارة العربية ،ترمجة خليل أمحد خليل ،منشورات عويدات (بريوت.)1993 ،
-غرويس ،هنري :علم املالحة العريب ،ورد ضمن موسوعة تاريخ العلوم العربية ،إرشاف
رشدي راشد وآخر ،مركز دراسات الوحدة العربية (بريوت.)2005 ،
-جمموعة من املؤلفني :ألف اخرتاع واخرتاع ،الرتاث اإلسالمي يف عاملنا ،املحرر املسؤول
سليم احلسني ،مؤسسة العلوم التكنولوجيا واحلضارة (لندن.)2005 ،
-حسن ،زكي حممد :الرحالة املسلمون يف العصور الوسطى ،دار الرائد العريب (بريوت.)1981 ،
-كراتشكوفسكي ،أغناطيوس يوليانوفتش :تاريخ األدب اجلغرايف العريب ،ترمجة صالح
الدين عثامن هاشم ،مطبعة جلنة التأليف والرتمجة والنرش (القاهرة.)1963 ،
-جممع اللغة العربية :معجم البيولوجيا يف علوم األحياء والزراعة ،اهليئة العامة لشؤون املطابع
األمريية (القاهر1984 ،م).
-موسوعة ويكيبيديا احلرة ،النسخة اإللكرتونية.
رابع ًا :املخطوطات
-البريوين :حتديد هنايات االماكن لتصحيح مسافات املساكن ،مقتبس عن املخطوط الذي
اقتبسه املسترشق (كرنكو) يف املجلد التذكاري ،بمكتبة الفاتح بإسطنبول ،حتت رقم (.)204
-التيفايش ،أمحد بن يوسف :كتاب أزهار األفكار يف جواهر األحجار ،خمطوط منشور عىل
املوقع.4256/http://www.wdl.or/ar/item :
263 المصادر والمراجع
خام�س ًا :البحوث
-حجازي ،عبد اهلل :إنجازات املسلمني يف علم الفلك ،اسرتجع بتاريخ 2014/10/24من
املوقع.45930/http://www.alukah.net/culture :
-السمك ،عبد الكريم :علم املالحة عند العرب واملسلمني ،بحث منشور عىل موقع األلوكة،
اسرتجع من الرابط.64146/http://www.alukah.net/cuture :
-الشطشاط ،عيل :البحر املتوسط والتواصل احلضاري العريب األورويب ،جملة دراسات
املتوسط ،مركز دراسات البحر املتوسط ،نصف سنوية ،العدد األول (طرابلس.)1991 ،
-شوقي ،جالل :دراسات البريوين يف الطبيعيات ،بحث قدم إىل الندوة العاملية األوىل لتاريخ
العلوم عند العرب ،جامعة حلب (حلب.)1976 ،
-العاين ،خالد :البريوين ،بحث منشور عىل موقع مجعية هواة الفلك السورية عىل الرابط:
.www.saaa.sy.org
-علوان ،حممد باقر :كتب احليوان عند العرب ،جملة املورد ،جملة فصلية تصدرها وزارة الثقافة
واإلعالم ،املجلد األول (بغداد )1971 ،العدد .1
-عوض ،هنري أمني :ملحة عن اجلراحة يف فجر اإلسالم بمرص ،أبحاث وأعامل املؤمتر العاملي
الثاين عن الطب اإلسالمي املنعقد بالكويت خالل الفرتة ( 29مارس إىل 2أبريل 1982م).
-النجر ،روبرت :أمكنة يف اجلسم ال يصل إليها الدواء ،جملة العلوم األمريكية ،الرتمجة
العربية ملجلة ساينتفك أمريكان ،تصدر شهري ًا يف دولة الكويت من مؤسسة الكويت للتقدم
العلمي ،املجلد ،20أبريل ـ مايو (الكويت )2004 ،متوفرة عىل الرابط التايل:
.1536=http://www.ollommagzaine.com/Article/ArticleDetails.aspx?ID
-مراد ،بركات حممد :البريوين رائد علم اجليولوجيا ،جملة حراء ،العدد السادس عرش ،السنة
الرابعة ،يوليو ـ سبتمرب.2009 ،
-الويس ،كامل طه :رياضة الصيد والقنص يف العرص العبايس ،جملة الرتبية الرياضية ،تصدر
عن كلية الرتبية الرياضية بجامعة بغداد ،املجلد احلادي عرش ،العدد الثالث (بغداد.)2002 ،
المصادر والمراجع 264
http://en.wikipedia.org/wiki/Fridrich-Trendelenburg.
http://en.wikipedia.org/wiki/Wiliam-Harvy.
http://ar-science.com/08/2014/Geology.
http://www.alargam.com/general/aratsience/9.htm
www.ziedan.com
www.al-mostafa.com.
http://www.arab-ency.com/البيزرة
http://Felwan.3oloum.org/t-1630topic.
http://Felwan.3oloum.org/t-1630topic.
www.wikipedia.org.wiki/جوزيف بريتسيل
www.wikipedia.org.wiki/فيزياء.
www.wikipedia.org.wiki/كاوية.
265 المصادر والمراجع
www.wikipedia.org.wiki/كانادا.
www.wikipedia.org.wiki/ليسيبوس.
www.wikipedia.org/wiki/Dioeletian.
www.ar.islamway.net/article/17367.
www.ar.islamway.net/article/17367.
www.wikipedia.org.wiki/إدوارد سخاو.
www.arab-ency.com/الكيمياء.
المؤلف
-عضو هيئة التدريس بجامعة حممد بن عيل السنويس اإلسالمية ،كلية التاريخ واآلثار.
-حاصل عىل وسام «باحث مبادر» من منصة (أريد) العلمية ،عن جمموعة من البحوث
واملشاركات.
-من أعامله :ترمجة كتاب «املكتشفون واملستكشفون ..رجال اكتشفوا حضارات العامل
املجهول» صدر عن «قنديل للطباعة والنرش والتوزيع».2017 ،
-ترمجة كتاب :قصة االكتشاف اجلغرايف :كيف أصبح العامل معروف ًا ،للكاتب جوزيف
جاكوبز .قنديل للطباعة والنرش والتوزيع2018 ،