المحتوى العلمي قضايا المرأة المعاصرة سلم 303

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 96

‫الثقافة اإلسالمية (‪)3‬‬

‫قضايا املرأة املعاصرة‬


‫سلم ‪303‬‬
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫قائمة الموضوعات‬
‫الوحدة األولى‪ :‬مكانة المرأة قبل اإلسالم‪ ،‬وتشمل‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬مكانة المرأة في المجتمعات القديمة‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬مكانة المرأة عند اليهود والنصارى‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬مكانة المرأة عند العرب قبل اإلسالم‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬مكانة المرأة في الواقع المعاصر‪:‬‬
‫‪ .1‬الحضارة الغربية‪.‬‬
‫‪ .2‬الحضارة الشرقية‪.‬‬
‫الوحدة الثانية‪ :‬مكانة المرأة في اإلسالم‪ ،‬وتشمل‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬تكريم المرأة في اإلسالم‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬حقوق المرأة في اإلسالم‪ ،‬وتشمل‪:‬‬
‫أ‪ .‬الحقوق الشرعية‪.‬‬
‫‪ .1‬حق المساواة في التكليف‪.‬‬
‫‪ .2‬حق المساواة في األعمال والجزاء‪.‬‬
‫ب‪ .‬الحقوق المالية‪.‬‬
‫‪.1‬حق المرأة في التملك والتصرف‪.‬‬
‫‪ .2‬حق المرأة في المهر‪.‬‬
‫‪ .3‬حق المرأة في اإلرث‪.‬‬
‫‪ .4‬حق المرأة في النفقة‪.‬‬
‫جـ‪ .‬الحقوق االجتماعية‪.‬‬
‫‪ .1‬حق المرأة في العشرة‪.‬‬
‫‪ .2‬حق المرأة في التعليم‪.‬‬
‫‪ .3‬حق المرأة في العمل‪.‬‬
‫د‪ .‬الحقوق السياسية‪.‬‬
‫‪ .1‬حق المرأة في البيعة‪.‬‬
‫‪ .2‬حق المرأة في االنتخابات والشورى‪.‬‬
‫‪ .3‬حق المرأة في الواليات العامة‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬واجبات المرأة المسلمة‪.‬‬
‫أ‪ .‬واجباتها كأم‪.‬‬
‫ب‪ .‬واجباتها كزوجة‪.‬‬
‫جـ‪ .‬واجباتها كعضو في المجتمع‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫الوحدة الثالثة‪ :‬بعض الشبهات حول قضايا المرأة والرد عليها‪ ،‬وتشمل‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬الميراث‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬الوالية والقوامة‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬الحجاب‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬الشهادة‪.‬‬
‫خامساً‪ :‬تعدد الزوجات‪.‬‬
‫سادساً‪ :‬الطالق‪.‬‬
‫سابعاً‪ :‬تأديب الزوجة‪.‬‬
‫ثامناً‪ :‬شبهات حول بعض النصوص الشرعية المتعلقة بالمرأة‪.‬‬
‫الوحدة الرابعة‪ :‬النوازل في قضايا المرأة المعاصرة‪ ،‬وتشمل‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬قضية تحرير المرأة‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬قضية المساواة‪.‬‬
‫الوحدة الخامسة‪ :‬االتفاقيات والمؤتمرات الدولية الخاصة بالمرأة‪ ،‬وتشمل‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬تعريف بالجهود الدولية الخاصة بالمرأة‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬إبراز مضامين المؤتمرات الدولية عن المرأة‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬المضامين اإليجابية وفوائدها‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬المضامين السلبية ومخاطرها‪.‬‬

‫(‪)2‬‬
‫المقدمة‬
‫إن احلمد هلل حنمده‪ ،‬وتستعينه‪ ،‬ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده‬
‫اهلل فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله اال اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن حممدا‬
‫عبده ورسوله‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫جعل اهلل شريعة اإلسالم شريعة عاملية عادلة‪ ،‬حتقق املصاحل للعباد‪ ،‬وتنشر الرمحة واإلحسان‪ ،‬يهتدي‬
‫الناس هبديها ويستضيئون بنورها‪ ،‬وال ميكن ألحد أن يأيت بشيء يف الدنيا مبثل ما جاء به اإلسالم من شرائع‬
‫العدل واإلحسان والرفق والرمحة باإلنسان‪ ،‬وكل أحكام شريعة اإلسالم ترقى إىل غاية واحدة هي إصالح‬
‫َ َُ د َ ُ َ َ ٓ َ َ ُ ُ ْ‬ ‫َ َ ٓ ُ ُ ْٓ ا َ ُۡ ُ ْ اَ ُۡ‬
‫اإلنسان ليكون عبدا خملصا هلل قال تعاىل‪﴿ :‬وما أمِروا إَِّل ِِلعبدوا ٱَّلل ُمل ِِصني َل ٱلِين حنفاء وي ِقيموا‬
‫ٱلز َك ٰو َة َۚ َو َذٰل َِك د ُ ۡ َ د َ‬
‫ِين ٱلقيِمةِ﴾‪[ .‬البينة‪]5:‬‬
‫ٱلصلَ ٰو َة َويُ ۡؤتُوا ْ ا‬
‫ا‬

‫أكد عليها بنصوص ثابتة‪ ،‬محاية املرأة‬‫ومن القضايا املهمة اليت اهتم هبا اإلسالم وأوالها عناية فائقة و َّ‬
‫ويبّي مكانتها يف احلياة‪،‬‬
‫وبيان حقوقها وإبراز مكانتها يف اجملتمع‪ ،‬فهذا القرآن العظيم يعتين باملرأة أميا اعتناء ن‬
‫ولقد بلغت تلك املكانة مداها وغايتها حّي جاءت تسمية بعض سور القرآن باسم املرأة كسورة مرمي‪،‬‬
‫وخصص يف القرآن قدر كبري من اآليات للحديث عن أحوال النساء يف أمورهن اخلاصة والعامة‪ ،‬كما جاء‬
‫يف سورة البقرة وسورة النساء وسورة الطالق وسورة اجملادلة وغريهن‪.‬‬
‫وجعل اهلل املرأة شريكة للرجل يف هذه احلياة‪ ،‬فعندما خلق آدم ‪ ‬ليكون خليفة يف األرض خلق‬
‫منه زوجه حواء‪ ،‬فجعلها ركنا ركينا يف جناح اخلالفة على األرض‪ ،‬إذ دوهنا ال تتحقق اخلالفة وال تتم السعادة‪.‬‬
‫فاملرأة ركن يف بناء اجملتمع؛ ألهنا نصف اجملتمع ويكون عليها تربية النصف اآلخر لذا كان حديثنا عن‬
‫املرأة من خالل العناصر الرئيسة التالية‪:‬‬
‫مكانة املرأة قبل االسالم‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫مكانة املرأة يف االسالم‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫بعض الشبهات حول قضايا املرأة والرد عليها‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫النوازل يف قضايا املرأة املعاصرة‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫االتفاقات واملؤمترات الدولية اخلاصة باملرأة‪.‬‬ ‫‪-5‬‬

‫(‪)3‬‬
‫الوحدة األولى‪:‬‬
‫مكانة المرأة قبل اإلسالم‪.‬‬

‫أوال‪ :‬مكانة المرأة في المجتمعات القديمة‪.‬‬


‫املرأة يف احلضارات القدمية مل تنل شيئا من احلقوق بل على عكس ذلك كانت مسلوبة‬
‫اإلرادة ال رأي هلا وال كلمة وال مكانة‪ ،‬بل كانت تقاسي يف عامة أحواهلا ‪ -‬باستثناء عصور‬
‫الرساالت اإلهلية – أنواعا من الذل والقهر والشقاء صاغتها أهواء ضاله أو عقائد فاسدة‪.‬‬
‫أمام إمجاع عالَمي على‬
‫نفسه َ‬‫يسره؛ إذ يرى َ‬
‫جيد ما ُّ‬‫وضع املرأة قبل اإلسالم لن َ‬‫والباحث يف ْ‬
‫جتر ِ‬
‫يد هذه املخلوقة ِمن مجيع احلقوق اإلنسانيَّة ويتبّي لنا ذلك يف العرض التايل ألحوال املرأة‪:‬‬

‫‪-1‬المرأة عند اإلغريق (اليونان)‪:‬‬


‫عندهم حمتقرة َمهينة‪،‬‬
‫كان اليونانيون من أرقى األمم حضارة يف تلك األزمنة إال أن املرأة َ‬
‫كانت‬
‫عمل الشيطان‪ ،‬و ْ‬ ‫وكانت تعد مصدر مصائب اإلنسان واآلمه وو ِصفت بأهنا رجس ِمن ِ‬
‫ُ‬
‫حق‬
‫وتشرتى يف األسواق‪ ،‬مسلوبة العقل ليس هلا حق التعليم‪ ،‬حمرومة من ِّ‬ ‫َ‬ ‫كسقط املتاع تُباع‬
‫غاية االحنطاط وأسوأ األحوال ِمن حيث نظرية األخالق‬ ‫التصرف يف املال‪ ،‬وكانت يف ِ‬
‫ْ‬ ‫وحق ُّ‬ ‫املرياث ِّ‬
‫واحلقوق القانونيَّة واملدنية والسلوك االجتماعي مجيعا‪.‬‬
‫ومصدر لألزمة واالهنيار‬
‫وجود املرأة هو أكرب منشأ ْ‬
‫"إن َ‬ ‫وممَّا يُذكر عن فيلسوفِهم سقراط قوله‪َّ :‬‬
‫إن املرأة تُشبه شجرة َم ْسمومة‪ ،‬حيث يكون ظاهرها مجيال‪ ،‬ولكن عندما تأكل منها‬ ‫يف العا َمل‪َّ ،‬‬
‫العصافري متوت حاال" (‪.)1‬‬
‫واذا انتقلنا اىل أفالطون رائد املدرسة العقلية مل جنده أحسن فكرا من أساتذته‪ ،‬فقد كان‬
‫يضع النساء يف مرتبة االطفال واخلدم ويرى أن الرجال هم أرقى منزلة من النساء (‪.)2‬‬
‫بأي استعداد عقلي يُعتَ ُّد به‪ ،‬ولذلك جيب‬ ‫"إن الطبيعة مل ِ‬
‫تزود املرأةَ ِّ‬ ‫ويقول تلميذه أرسطو‪َّ :‬‬
‫تقتصر تربيتُها على شؤون التدبري املنزيل واألُمومة واحلَضانة وما إىل ذلك‪ ،‬مث يقول‪" :‬ثالث‬
‫َ‬ ‫أن‬

‫(‪ )1‬احلجاب‪ ،‬املودودي‪ ،‬ص (‪ ،)12‬املرأة من خالل اآليات القرآنية‪ ،‬عصمة الدين كركر‪ ،‬ص (‪.)27‬‬
‫(‪ )2‬املرأة يف القدمي واحلديث‪ ،‬عمر رضا كحالة‪ ،‬ص (‪.)170‬‬
‫(‪)4‬‬
‫أنفسهن‪ :‬العبد ليس له إرادة‪ ،‬والطِّفل له إرادة ناقِصة‪ ،‬واملرأة هلا إرادة وهي‬
‫َّ‬ ‫التصرف يف‬
‫هلن ُّ‬ ‫ليس َّ‬
‫ِ‬
‫عاجزة" (‪.)1‬‬
‫لذا فقد اقتصرت أعمال النساء يف أثينا على األعمال املنزلية وخدمة البيت‪ ،‬وقد جرد‬
‫القانون اليوناين املرأة من حقوقها املدنية‪ ،‬ووضعها حتت السيطرة املطلقة للرجل يف خمتلف مراحل‬
‫حياهتا‪ ،‬فكانت تعد من ممتلكات األب قبل الزواج‪ ،‬ومن ممتلكات الزوج بعد الزواج‪ ،‬ومل يعطوها‬
‫حقا من املرياث (‪.)2‬‬

‫‪-2‬المرأة عند الرومان‪:‬‬


‫غري‬
‫"إن ْقيدها ال يُنزع‪ ،‬ونريها ال خيلع"‪ ،‬وكان األب َ‬ ‫كان ِشعار الرومان فيما يتعلَّق باملرأة‪َّ :‬‬
‫وضع الطِّْفل بعد والدته َ‬
‫عند قدميه‪ ،‬فإذا‬ ‫ضم ولده منه إىل أُسرته ذَكرا أم أنثى‪ ،‬بل يُ َ‬ ‫ملزم ب َقبول ِّ‬
‫ُسرته‪ ،‬وإال فإنَّه يعين رفْضه لذلك‪.‬‬‫ضمه إىل أ ْ‬‫أخذه بّي يديه‪ ،‬كان ذلك دليال على أنَّه َّ‬ ‫رفَ َعه و َ‬
‫بعض املصادر ‪ -‬وهو ممَّا ال يُكاد يُصدَّق ‪َّ -‬‬
‫أن "ممَّا القته املرأة يف‬ ‫ِ‬
‫ومن عجيب ما ذكرتْه ُ‬
‫الزيْت احلار على‬ ‫بسكْب َّ‬ ‫حتت شعارهم املعروف "ليس للمرأة ُروح" تَعذيبها َ‬ ‫الرومانية َ‬ ‫العصور ُّ‬
‫ِ‬
‫الربيئات ب ُذيول اخليول‪ ،‬ويُسرعون هبا إىل أقْصى ُس ْرعة‬ ‫دهنا‪ ،‬وربْطها باألعمدة‪ ،‬بل كانوا يَربطون‬ ‫ب ِ‬
‫َ‬
‫حىت متوت (‪.)3‬‬
‫وكان ينظر للمرأة أهنا متاعا مملوكا للرجل وسلعة من السلع الرخيصة يتصرف الرجال فيها‬
‫كيف يشاؤون‪ ،‬وكان يعدها الرجال شرا ال بد من اجتنابه‪ ،‬وأهنا خملوقة للمتعة وكانت دائما‬
‫خاضعة للرجل أبا كان أو زوجا‪ ،‬وكان الرجل ميلك ماهلا فهي يف نظره ونظر الرجال ونظر اجملتمع‬
‫كله أمة ال قيمة هلا‪ ،‬وكان بيد أبيها وزوجها حق حياهتا وحق موهتا‪ ،‬وإذا كانت ملك أبيها يف‬
‫شباهبا فهو الذي خيتار هلا زوجها فإذا تزوجت ملكها زوجها ويف ذلك يقول جايوس‪ :‬توجب‬
‫عادتنا على النساء الرشيدات أن يبقّي حتت الوصاية خلفة عقوهلن) (‪.)4‬‬
‫فاملرأة يف احلضارة الرومانية مسلوبة األهلية اإلنسانية والشخصية القانونية‪.‬‬

‫(‪ )1‬املرجع السابق‪.‬‬


‫(‪ )2‬املرأة يف التصور القرآين‪ ،‬سوسن احلوال‪ ،‬ص (‪.)29‬‬
‫(‪ )3‬املرأة يف التاريخ والشريعة‪ ،‬اجلربي‪ ،‬ص(‪.)156‬‬
‫(‪ )4‬اإلسالم وقضايا املرأة‪ ،‬اخلويل‪ ،‬ص(‪.)11‬‬
‫(‪)5‬‬
‫‪-3‬المرأة عند ال ُف ْرس‪:‬‬
‫عماد اجليش يف‬‫الذ َكر على األنثى؛ ألن الذكور ُ‬ ‫فضلون َّ‬‫كان ال ُف ْرس أ َُّمة حربية‪ ،‬وكانوا يُ ِّ‬
‫هن‪.‬‬
‫منهن غريُ َّ‬
‫هن‪ ،‬ويَستفيد َّ‬ ‫احلرب‪ ،‬و َّأما البنات َّ‬
‫فإهنن ينشأْ َن لغري َّ‬ ‫ْ‬
‫فمن الزرادشتية‪ ،‬إىل املانوية‪ ،‬إىل‬ ‫ت املرأة الفارسية القدمية للتيار ِ‬
‫ات الدِّينيَّة الثالثة‪ِ ،‬‬ ‫وخضع ِ‬
‫ََ‬
‫كل ديانة من هذه الديانات بصمتَها الواضحة على كيان األُسرة واجملتمع‪.‬‬ ‫كت ُّ‬‫املزدكية‪ ،‬وقد تر ْ‬
‫حيق‬
‫حتت ُسلطة الرجل املطلَقة الذي ُّ‬ ‫وقهر‪ ،‬واستعباد وتعيش َ‬ ‫فكانت املرأة تعيش يف ذل‪ْ ،‬‬
‫فكانت‬
‫ْ‬ ‫له أن حي ُك َم عليها باملوت‪ ،‬أو ينعم عليها باحلياةِ طبقا لِ َما يراه‪ ،‬وتطيب له ن ْفسه‪،‬‬
‫كالسلعة ْبّي يديه‪.‬‬
‫قم َن‬ ‫ِ‬
‫"كاحليض والنِّفاس"‪ ،‬يُبعدن يف وقته عن املنازل‪ ،‬ويَ ْ‬‫ْ‬ ‫كانت جنسة يف األدوار الطبيعيَّة‬
‫كما ْ‬
‫هن قطعا‪ ،‬بل كانوا‬ ‫احي املدينة أو البلدة‪ ،‬وال جيوز خمالطتُ َّ‬ ‫هلن يف ضو ِ‬ ‫يف خيام صغرية تُضرب َّ‬
‫هبن (‪.)1‬‬
‫مسوا اخليام أو األشياء احمليطة َّ‬
‫وهن أو ُّ‬ ‫يعتقدون َّأهنم يتنجسون إذا ُّ‬
‫مس َّ‬

‫‪-4‬المرأة عند الهنود‪:‬‬


‫إن الكتب املقدسة عندهم جعلت املرأة دون الرجل منذ اخللق األول‪ ،‬ففي أساطري منو‬
‫قوله‪( :‬عندما خلق النساء فرض عليهن حب الفراش والزينة والشهوات الدنسة والغضب والتجرد‬
‫من الشرف وسوء السلوك فالنساء دنسات كالباطل نفسه وهذه قاعدة ثابتة (‪.)2‬‬
‫أما نظرة بوذا للمرأة فال ختتلف كثريا عن نظرة منو للمرأة فقد اعترب بوذا املرأة خطرا على‬
‫دعوته لذا جند بوذا يرتدد كثريا يف قبوهلا لتكون من أتباعه‪ ،‬وقد سأله أحد خاصته وهو ابن عمه‪:‬‬
‫كيف نعامل النساء أيها السيد فأجاب‪ :‬ال تنظر اليهن‪ .‬واذا اضطررت للنظر اليهن فال ختاطبهن‪،‬‬
‫واذا خاطبنكن كن على حذر تام منهن)‪.‬‬
‫السم‪،‬‬
‫الريح‪ ،‬واملوت‪ ،‬واجلحيم‪ ،‬و ُّ‬‫ويف شرائ ِع اهلندوس كانوا يرون أنه‪ :‬ليس الصرب املقدَّر‪ ،‬و ِّ‬
‫واألفاعي‪ ،‬والنار‪ ،‬أسوأَ ِمن املرأة‪.‬‬
‫ومن هنا يتبّي أن املرأة يف معتقدهم هي رمز الغواية وعنوان الشر ومصدر جناسة‪.‬‬

‫(‪ )1‬املرأة بّي الفقه والقانون‪ ،‬السباعي‪ ،‬ص(‪.)15‬‬


‫(‪ )2‬املرأة يف التاريخ والشريعة‪ ،‬احلراين‪ ،‬ص(‪.)25‬‬
‫(‪)6‬‬
‫ويقول الدكتور مصطفى السباعي ‪ -‬رمحه اهلل ‪" :-‬ومل يكن للمرأةِ يف شريعة "منو" ٌّ‬
‫حق يف‬
‫رجل من‬‫وجب أن تنتمي إىل ٍ‬ ‫االستقالل عن أبيها أو ْزوجها أو ولدها‪ ،‬فإذا مات هؤالء مجيعا َ‬
‫حق يف احلياة ْبع َد وفاة ْزوجها‪ ،‬بل جيب أن‬‫أقارب ْزوجها‪ ،‬وهي قاصرةٌ ِطيلةَ حياهتا‪ ،‬ومل يكن هلا ٌّ‬
‫ت هذه العادة حىت‬ ‫يوم مات زوجها‪ ،‬وأن ُحتَرق معه وهي حيَّة على موقِد واحد‪ ،‬و َّ‬
‫استمر ْ‬ ‫متوت َ‬
‫َ‬
‫القرن السابع عشر‪ ،‬حىت أُبطلت على ُك ْره من ِرجال ال ندين اهلنود‪ ،‬وكانت تُقدَّم قربانا لآلهلة‬
‫أهل‬
‫ضى‪ ،‬أو تَ ُأمر باملطر أو الِّرزق‪ ،‬ويف بعض مناطق اهلند القدمية شجرةٌ جيب أن يُقدِّم هلا ُ‬ ‫لرت َ‬
‫ْ‬
‫كل َسنَة (‪.)1‬‬
‫املنطقة فتاة تأكلها َّ‬

‫‪-5‬المرأة عند الصينيين‪.‬‬


‫كانت املرأة عند الصينّي متاع يباع ويشرتى‪ ،‬بل كانت مسلوبة احلقوق احلسية واملعنوية‬
‫وكانوا يعتربون والدهتا شؤم وسوء‪ ،‬وكانت طوال حياهتا خاضعة لطاعات ثالث‪ :‬األب والزوج‪،‬‬
‫واألخ البكر يف حال غياب األب‪ ،‬أو االبن يف حال غياب الزوج‪ ،‬كما كانت حمرومة من حقوقها‬
‫املالية واالجتماعية‪ ،‬فهي قاصرة ال متلك من أمرها شيئا‪ ،‬وال تستحق تعليما وال تثقيفا والرجل‬
‫وصي عليها يف كل أمور حياهتا‪.‬‬
‫وكانت املرأة اذا تزوجت انتقلت اىل بيت زوجها وتسمت بامسه‪ ،‬وكانت املرأة املتزوجة تسمى‬
‫(فو) ومعناها (خضوع) داللة على خضوعها التام لزوجها‪ ،‬واذا مات الزوج كان على أرملته أَّال‬
‫تتزوج بعده‪ ،‬وكان يطلب اليها يف بداية االمر أن حترق نفسها تكرميا له‪.‬‬
‫وقد مسيت يف كتب الصّي القدمية ب (املياه املؤملة) اليت تفسد اجملتمع أو تكنسه من السعادة‬
‫واملال‪ ،‬فهي شر يستبقيه الرجل مبحض إرادته‪ ،‬ويتخلص منه بالطريقة اليت يرتضيها ولو بيعا كبيع‬
‫الرقيق واملتاع‪ ،‬وقد يعضلون املرأة عن الزواج إذا مات زوجها فتبقى حيوانا خيدم يف البيوت دون‬
‫حق إنساين كاحلمري والبغال (‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬املرأة بّي الفقه والقانون‪ ،‬ص (‪.)22‬‬


‫(‪ )2‬املرجع السابق‪.)22( ،‬‬
‫(‪)7‬‬
‫ثانيا‪ :‬مكانة المرأة عند اليهود والنصارى‪.‬‬
‫‪-1‬المرأة عند اليهود‪:‬‬
‫يعد اليهود املرأة لعنة‪ ،‬ألهنم يرون أهنا أغوت آدم وأوقعته يف شراك املعصية‪ ،‬ولقد جاء‬
‫عندهم يف التوراة أن الرب سأل آدم‪( :‬هل أكلت من الشجرة اليت أوصيتك أَّال تأكل منها‪ ،‬قال آدم‪:‬‬
‫املرأة اليت جعلتها معي هي أعطتين الشجرة فأكلت) (‪.)1‬‬
‫وال شك أن هذا حتريف للكلم عن مواضعه‪ ،‬فاملوقف من املرأة عند اليهود هو موقف يتهمها‬
‫منذ البداية فقد ورد يف العهد القدمي عن املرأة ما يلي‪( :‬درت أنا وقليب ألعلم وأحبث وألطلب حكمة‬
‫وعقال وألعرف الشر أنه جهالة واحلماقة أهنا جنون فوجدت أمرا من املوت‪ :‬املرأة اليت هي شباك وقلبها‬
‫إشراك ويداها قيود) (‪.)2‬‬
‫ِ‬
‫اجملتمعات البدائية‪ ،‬فهي مملوكةٌ‬ ‫املتأمل حلال املرأة يف اجملتمع اليهودي َِجيدها ال ختتلف عن‬
‫و ِّ‬
‫ألن املهر كان يدفع ألبيها أو ألخيها على أنَّه‬‫قبل الزواج‪ ،‬مث تُشرتى منه عند نِكاحها؛ َّ‬ ‫ألبيها َ‬
‫إن العقد يف شريعتهم عقد ِسيادة‬ ‫مثن شراء‪ ،‬وبذلك تُصبح مملوكة لزوجها‪ ،‬وهو سيِّدها املطلَق؛ إذ َّ‬
‫احلق يف‬
‫البنت يف مرتبة اخلادم‪ ،‬وكان ألبيها ُّ‬
‫ال عقد زواج‪ ،‬بل كانت بعض طوائف اليهود تَعد َ‬
‫أن يبيعها ِ‬
‫قاصرة‪ ،‬وما كانت تَ ِرث إال إذا مل يكن ألبيها ذريةٌ من البنّي‪ ،‬وإال ما كان َّ‬
‫يتربع هلا به‬
‫أبوها يف حياته (‪.)3‬‬
‫زوجها َوِرثها وارثه مع بقية‬ ‫ِ‬
‫واملرأة يف الشريعة اليهودية تُ َورث كجزء من تركة امليِّت‪ ،‬فإذا مات ُ‬
‫عندهم يف اليوم الذي تبدأ فيه‬ ‫يبيعها أو يعضلها‪ ،‬مث َّ‬
‫إن املرأة غريُ طاهرة َ‬ ‫املرتوكات‪ ،‬وله أن َ‬
‫الزْوج عدم‬
‫ظاهر‪ ،‬وعلى َّ‬ ‫بأن عادهتا الشهرية قد اقرتبت‪ ،‬وحىت إذا مل يكن هناك أثر ِ‬ ‫بالشُّعور َّ‬
‫ٌ‬ ‫َْ‬
‫الصغري‪ ،‬وال يسمح له مبناولتها أي شيء‪ ،‬وال أ ْن يأخذ منها شيئا‪ ،‬وال‬ ‫مالمستها‪ ،‬حىت بأصبعه َّ‬
‫بشرب ما تفضل منها يف الكوب‪،‬‬ ‫يسمح هلا باألكل مع زوجها على مائدة واحدة‪ ،‬وال يُسمح له ُ‬
‫الركوب معه يف َعَربة واحدة(‪.)4‬‬
‫السرير ن ْفسه‪ ،‬وال يف ُّ‬
‫وال يُسمح هلما يف املبيت يف َّ‬

‫(‪ )1‬سفر التكوين‪ ،‬االصحاح الثالث‪ ،‬الفقرتان (‪.)12-11‬‬


‫(‪ )2‬سفر اجلامعة‪ ،‬االصحاح السابع‪ ،‬الفقرتان (‪.)26-25‬‬
‫(‪ )3‬حقوق املرأة وواجباهتا‪ ،‬فاطمة نصيف‪ ،‬ص (‪.)34‬‬
‫(‪ )4‬جمموعة القوانّي اليهودية‪ ،‬احلاخام فرايد‪ ،‬ص(‪.)22‬‬
‫(‪)8‬‬
‫ومن هنا يظهر أن املرأة يف اليهودية احملرفة شر البد منه جمردة من مجيع حقوقها املدنية يف‬
‫خمتلف مراحل حياهتا‪.‬‬

‫‪ -2‬المرأة عند األمم النصرانية‪:‬‬


‫الروماين ِمن انتشار الفواحش واملنكرات‪ ،‬وما‬ ‫هال ِر َ‬
‫جال النصرانية األوائل ما َرأَوا يف اجملتمع ُّ‬ ‫َ‬
‫ألهنا كانت خترج إىل‬ ‫عن هذا كلِّه؛ َّ‬ ‫ِ‬
‫اجملتمع من احنالل أخالقي َشنيع‪ ،‬فعدوا املرأةَ مسؤولة ْ‬ ‫ُ‬ ‫آل إليه‬
‫أصل اخلطيئة‪ ،‬ورأس الشر؛ َّ‬
‫ألهنا‬ ‫ِ‬
‫اجملتمعات‪ ،‬وتتمتَّع مبا تشاء من اللهو‪ ،‬وكذلك فقد عدُّوها ْ َ‬
‫آدم ِمن اجلنة‪.‬‬
‫سبب الفساد‪ ،‬وسبب خروج َ‬ ‫ُ‬
‫معّي‪ ،‬حىت وهي داخل الكنيسة‪ ،‬فقد‬ ‫فكانت املرأة نتيجة لذلك ُمطالَبة بنوع من سلوك َّ‬
‫داخل‬ ‫ِ‬
‫"لتصمت نساؤكم َ‬ ‫ْ‬ ‫قصة احلضارة‪:‬‬
‫امر صارمة ألتْباعه‪ ،‬وكما يقول صاحب َّ‬ ‫أصدر "بولس" أو َ‬
‫رجاهلن‬
‫َّ‬ ‫يتعلم َن شيئا فليسألْ َن‬
‫يتكلم َن‪ ،‬ولكن إذا ُك َّن يُ ْرد َن أن ْ‬
‫الكنيسة؛ ألنَّه ليس مأذونا هلن أن ْ‬
‫يف البيت؛ ألنَّه قبيح بالنساء أن تتكلَّم يف الكنيسة"(‪.)1‬‬
‫الزوجيَّة بّي الرجل واملرأة بالنجاسة؛ ولذا جيب أن ُجتتنب‪ ،‬ولو‬
‫وصمت الكنيسةُ العالقة َّ‬ ‫وقد َ‬
‫ِ‬
‫انتشرت الرهبانيةُ َلدى كثري من الرجال‪ ،‬وامتنعوا‬ ‫ومن هذه النظرة‬‫كانت عن طريق نِكاح مشروع‪ِ ،‬‬
‫ألن عالقة الزواج مبنيَّة على أم ٍر‬
‫انتشرت نظرة االزدراء ملن يكشف عن زواجه؛ َّ‬‫ْ‬ ‫ع ِن الزواج‪ ،‬كما‬
‫َ‬
‫َِجنس (‪.)2‬‬
‫حرمت الكنيسةُ الطالق‪ ،‬مهما بلغ التباغُض بّي الزوجّي مداه‪ ،‬وأقصى ما ميكن اختاذُه‬
‫وقد َّ‬
‫يفرق بينهما‬
‫يف مثل هذه احلال أن يفرق بينهما جسديًّا مع امتناع كل منهما عن الزواج حىت َ‬
‫باملوت‪ ،‬بل وصل األمر باجملتمع النصراين أنه عقد مؤمتر يف عام ‪ 581‬م يف جممع ماكون املشهور‬
‫ليبحث فيه بعض رجال الدين يف الكنيسة عن أصل املرأة وجنسها؟ وهل هي جسد ذو روح‬
‫يناط به اخلالص واهلالك أم ال؟ وهل هلا أن تعبد اهلل كما يعبده الرجل (‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬قصة احلضارة‪ ،‬لول ديورانت‪.)278/3( ،‬‬


‫(‪ )2‬مقام املرأة يف االسالم‪ ،‬لبايلي‪ ،‬ص(‪.)20‬‬
‫(‪ )3‬املرأة يف التصور القانوين‪ ،‬ص (‪.)41‬‬
‫(‪)9‬‬
‫ثالثا‪ :‬مكانة المرأة عند العرب قبل االسالم‪.‬‬
‫كان تقدير الرجل للمرأة يف اجلاهلية تقديرا حمصورا يف أوضاع خاصة‪ ،‬تتصل كلها بالتقاليد‬
‫والعاطفة والنعرات القبلية‪ ،‬كانوا يَنظُرون إىل أمهاهتم نظرة احرتام‪ ،‬كانت املرأة َكأُم موضع إجالل‬
‫وطاعة من كل بنيها‪ ،‬وهذا إمجاع عام جلميع القبائل وهو تقدير األم املنجبة للرجال‪ ،‬ولكن‬
‫اجملتمع اجلاهلي كان ِخلُوا من نظرة تقدير شامل للمرأة يف كل قبيلة‪ ،‬اللهم إال إذا استثنينا بعض‬
‫النساء الاليت وضعن ألنفسهن مكانة مميزة لصفة اشتهرن هبا‪ ،‬كالتجارة مثل خدجية بنت خويلد‪،‬‬
‫أو الشجاعة كاخلنساء‪ ،‬وىف الوقت نفسه كانت معظم القبائل تنظر إىل املرأة نظرة ضعف‬
‫واحتقار‪.‬‬
‫لقد تكلم القرآن والسنة عن حال املرأة عند العرب قبل اإلسالم‪ ،‬وبّي لنا أن العرب يف‬
‫اجلاهلية كانوا يبغضون البنات‪ ،‬وكان أحدهم إذا بشر مبولودة أنثى عال وجهه السواد‪ ،‬وامتأل قلبه‬
‫َ‬
‫حزنا‪ ،‬مث فكر يف مصري هذه األنثى أميسكها على هوان أم يدسها يف الرتاب قال تعاىل‪﴿ :‬وََإِذا‬
‫ُۡ‬ ‫ُد َ‬
‫ى م َِن ٱلۡ َق ۡو ِم مِن ُس ٓو ِء َما ب ُ د ِّشَ‬
‫نَث َظ ال َو ۡج ُه ُهۥ ُم ۡس َو ددا َو ُه َو َك ِظيم ‪َ ٥٨‬ي َت َو ٰ َر ٰ‬ ‫ّش أ َح ُد ُهم بِٱۡل َ ٰ‬
‫ب ِ َ‬
‫ُّ َ َ َ َ ٓ َ َ َ ۡ ُ ُ َ‬ ‫لَع ُهون أَ ۡم يَ ُد ُّس ُ‬
‫ٰ‬ ‫َُٓ ۡ ُ ُ ََ‬
‫ون﴾ [النحل‪.]59 -58:‬‬ ‫اب أَّل ساء ما َيكم‬ ‫ِ ِۗ‬ ‫ٱلُّت‬ ‫ِف‬
‫ِ‬ ‫ۥ‬‫ه‬ ‫ٍ‬ ‫بِهَِۚۦأيمسِكهۥ‬
‫فكانوا يؤثرون موت البنت على حياهتا وزواجها مهما عظم شأن الزوج وكثر املهر‪ ،‬وكانوا‬
‫يقولون ملن يولد له بنت‪ :‬أمنكم اهلل عاركم وكفاكم مؤنتها وصهرت القرب‪.‬‬
‫وقد حرم العرب اجلاهليون املرأة من حقها يف احلياة إنسانا فكان بعضهم يقضي على حياهتا‬
‫بصوره تدل على غياب الرمحة واإلنسانية وذلك بوأد البنات وهو‪ :‬قتل الطفلة حية‪ ،‬وقيل كانت‬
‫املرأة احلامل عندهم إذا حان موعد والدهتا حفر هلا حفرة فتجلس على رأس احلفرة‪ ،‬فإذا ولدت‬
‫بنتا رمت هبا يف احلفرة وإن ولدت ابنا حبسته) (‪.)1‬‬
‫وكان دافعهم للوأد كراهيتهم جلنس األنثى وخوفهم عليها من السيب والعار أو خوفهم من‬
‫اإلنفاق عليها‪.‬‬
‫وكانت املرأة مهانة عندهم منذ نعومة أظفارها وحىت تكرب‪ ،‬سواء كانت بنتا أو زوجة فعن‬
‫أحق بامرأته‪ ،‬إ ْن‬
‫الرجل إذا مات أبوه أو َمحُوه فهو ُّ‬
‫ابن عبَّاس ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ -‬قال‪" :‬كان ُ‬
‫شاء أمسكها‪ ،‬أو حيبسها حىت تفتدي بصداقها‪ ،‬أو متوت فيذهب ِ‬
‫مباهلا‪.‬‬ ‫َ‬

‫(‪ )1‬املرأة يف الشعر اجلاهلي‪ ،‬ص (‪.)290‬‬


‫(‪)10‬‬
‫يقامر على أهله وماله‪ ،‬فيقعد حزينا سليبا ينظر إىل‬ ‫وقال قتادة‪" :‬كان الرجل يف اجلاهلية ِ‬
‫ُ‬
‫ماله يف يد غريه‪.‬‬
‫اإلرث‪ ،‬وكانوا يقولون يف ذلك‪" :‬ال يَرثُنا إال من‬ ‫ِ‬
‫حق ْ‬ ‫كانت املرأة يف اجلاهلية مل يكن هلا ُّ‬
‫الرجل وِرثَه ابنُه‪ ،‬فإن مل يكن‪ ،‬فأقرب َمن ُوِجد ِمن‬
‫ُ‬ ‫وحيمي البيضة"‪ ،‬فإذا مات‬
‫السيف َْ‬
‫َ‬ ‫حيمل‬
‫يضم بناتِه ونساءه إىل ِ‬
‫بنات الوارث ونِسائِه‪ ،‬فيكون‬ ‫عما‪ ،‬على حّي ُّ‬ ‫أوليائه أبا كان أو أخا أو ًّ‬
‫عليهن (‪.)1‬‬
‫َّ‬ ‫وعليهن ما‬
‫َّ‬ ‫هلن‪،‬‬
‫هلن ما َّ‬
‫َّ‬
‫وكانوا إذا مات الرجل وله زوجةٌ و ْأوالد ِمن غريها‪ ،‬كان الولد األكرب َّ‬
‫أحق بزوجة أبيه من‬
‫طرح عليها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫غريه‪ ،‬فهو يعدها إرثا‪ ،‬كبقيَّة أموال أبيه‪ ،‬فإ ْن أراد أن يعلن عن رغبته يف الزواج منها َ‬
‫ثوبا‪ ،‬وإالَّ كان هلا أن َّ‬
‫تتزوج مبَن تشاء‪.‬‬
‫أما تعدد الزوجات فكان حمل فخر عندهم ومل يكن حمدودا حبد وال مقيد بعدد (‪.)2‬‬
‫ومن هنا يتبينا لنا ان املرأة يف ظل جاهلية العرب عانت الظلم واحلرمان من احلقوق االنسانية‬
‫واملالية واالجتماعية‪.‬‬
‫إذا هذا هو حال املرأة يف اجملتمعات اليت سبقت اإلسالم حيث تبّي لنا نظرة اجملتمعات هلا‬
‫حيث تلخصت نظرهتم هلا بأهنا انسانه فاقدة األهلية منزوعة احلرية مسلوبة احلقوق املدنية‬
‫والقانونية ال قيمة هلا تذكر وال شأن معترب‪.‬‬

‫(‪ )1‬الكشاف‪ ،‬الزخمشري‪( ،‬ث‪.)708/‬‬


‫(‪ )2‬تفسري ابن كثري‪.)298/3( ،‬‬
‫(‪)11‬‬
‫رابعا‪ :‬مكانة المرأة في الواقع المعاصر‪.‬‬
‫ظل احلضارة الغربينة أو الشرقينة‪ ،‬مل تصبح أحسن حاال‬ ‫إن املرأة العصرية‪ ،‬اليت تسري حتت ن‬
‫من تلك اليت عاشت يف احلضارات القدمية‪ ،‬فهي تعيش يف جمتمع ي ندعي احلضارة واملساواة‪،‬‬
‫كل ما حتتاجه من حقوق‪ ،‬والواقع عكس ذلك متاما‪ .‬فإن كانت‬ ‫وي ندعي أ نه ضمن للمرأة َ‬
‫اجملتمعات السابقة تنظر للمرأة نظرة تبعينة حمضة‪ ،‬فاليوم يسيطر الرجل على املرأة‪ ،‬وينال منها ما‬
‫يريد باسم احلرينة واملساوة وباملقابل مل تنل ما طمحت اليه من املساواة يف احلقو ق املالية‬
‫واالجتماعية والقانونية‪.‬‬
‫معّي فالرجل‬
‫فاملرأة يف اجملتمع الغريب والشرقي وإن حصلت على بعض احلقوق من جانب ن‬
‫يسخرها ملا تقتضيه مصلحته‪ ،‬وأصبح اجملتمع الغريب والشرقي يعيش‬ ‫ال يزال ينظر هلا نظرة تبعينة‪ ،‬ن‬
‫اليوم حياة بعيدة عن القيم واألخالق؛ لذلك شاع الفساد واالحنالل يف هذه اجملتمعات‪ ،‬وكنتيجة‬
‫طبيعية هلذا االحنالل والفساد كثرت اجلرائم واالعتداءات وأصبحت شيئا مألوفا عندهم‪،‬‬
‫كاالغتصاب والعنف والشذوذ اجلنسي‪ ،‬والعالقات واإلجناب خارج إطار الزواج‪ ،‬واإلجهاض‬
‫واألمراض اجلنسية وغريها‪.‬‬
‫ووفق ذلك فاملرأة يف اجملتمعات املعاصرة الغربية والشرقية مل تنل ما كانت تطمح إليه من‬
‫املساواة العادلة مع الرجل‪ ،‬وظلت تعاين من الظلم واإلهانة وهدر الكرامة‪.‬‬

‫(‪)12‬‬
‫مراجع الوحدة األولى‬

‫احلجاب للمودودي‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬ ‫‪-1‬‬


‫املرأة من خالل اآليات القرآنية لعصمة الدين كركر – بريوت – دار الغرب‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫املرأة يف القدمي واحلديث لعمر رضا كحالة‪ ،‬بريوت – دار الغرب‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫املرأة بّي الفقه والقانون للسباعي‪ ،‬بريوت – املكتب التعاوين ‪1401‬ه‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫املرأة يف التاريخ والشريعة للحراين‪ -‬بريوت – دار النفائس – ‪1989‬م‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫أديان اهلند الكربى ألمحد شليب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار ابن عفان‪.‬‬ ‫‪-6‬‬
‫الكشاف للزخمشري‪ ،‬مؤسسه الرسالة‪.‬‬ ‫‪-7‬‬
‫قصة احلضارة لول ديورانت‪ ،‬ترمجة عبداهلل بدران‪ ،‬القاهرة‪1957 ،‬م‪.‬‬ ‫‪-8‬‬
‫تفسري بن كثري‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت ‪1401‬ه‪.‬‬ ‫‪-9‬‬
‫مقام املراة يف االسالم لبايلي‪ -‬بريوت – دار الشروق ‪1414‬ه‪.‬‬ ‫‪-10‬‬
‫املرأة يف التصور القرآين لسوسن احلوال‪ ،‬بريوت – دار العلوم ‪1425‬ه‪.‬‬ ‫‪-11‬‬
‫املرأة يف التاريخ والشريعة للجربي‪ ،‬القاهرة – دار الفكر‪.‬‬ ‫‪-12‬‬
‫االسالم وقضايا املرأة للخويل – دار القلم – ‪1404‬ه‪.‬‬ ‫‪-13‬‬

‫(‪)13‬‬
‫الوحدة الثانية‪:‬‬
‫مكانة المرأة في اإلسالم‬
‫أوال‪ :‬تكريم المرأة في اإلسالم‪:‬‬
‫ً‬
‫إ نن مكانة املرأة يف اإلسالم ُخمالفة متاما ملكانتها يف احلضارات القدمية وخمالفة ملا تقول به‬
‫اليهودية والنصرانينة من حتميل املرأة ِوْزر اخلطيئة األوىل‪ ،‬وما ترتب عليها من شقاء‪ ،‬فالقرآن يُقرر‬
‫ََۡ َ‬ ‫َ َ َ ۡ َ ۡ َ ٓ َ ٰٓ َ َ‬
‫َن ۡد‬ ‫اد َم مِن َق ۡب ُل فَنَ ِ َ‬
‫ِس ولم ِ‬ ‫أن املسؤولية مشرتكة بّي آدم وحواء قال تعاىل‪ ﴿ :‬ولقد ع ِهدنا إَِل ء‬
‫َ ُ ۡ َ َ ٰٓ َ ا َ َ‬ ‫ۡ َُۡ ۡ َ َ َ ۡ ُ ُ ْ َ َ َ َ َ ُ ْٓ ا ٓ ۡ َ َ‬ ‫َ‬
‫ي َـاد ُم إِن هٰذا‬ ‫ِيس أ َ ٰ‬
‫َب ‪ ١١٦‬فقلنا‬ ‫لئِكةِ ٱسجدوا ٓأِلدم فسجدوا إَِّل إِبل‬ ‫َُلۥ َع ۡزما ‪ِ ١١٥‬إَوذ قلنا ل ِلم ٰٓ‬
‫ََا َ‬ ‫ٰ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ا َ َ َا َُ َ َ ََ َ‬ ‫َ ُ د ا َ َ َ ۡ َ َ َ ُ ۡ َ ا ُ َ َ َۡ َ‬
‫ٱۡل انةِ فتَ ۡش َ ٰٓ‬
‫َق ‪ ١١٧‬إِن لك أَّل َتوع فِيها وَّل تعرى ‪ ١١٨‬وأنك‬ ‫جك فَل ُي ِرجنكما مِن‬ ‫عدو لك ول ِزو ِ‬
‫ۡ‬ ‫َ‬
‫َ َ ۡ َ َ َ ۡ ا ۡ َ ُ َ َ َ َ َ ُ َ ۡ ُ ُّ َ َ َ ٰ َ َ َ ۡ ُ ۡ‬ ‫َ َۡ َُْ َ َ‬
‫ۡل َو ُملك‬ ‫ٱۡل ِ‬ ‫يـادم هل أدلك لَع شجرة ِ‬ ‫َح ‪ ١١٩‬فوسوس إِِلهِ ٱلشيطٰن قال ٰٓ‬ ‫ِيها َوَّل تَ ۡض َ ٰ‬ ‫َّل تظمؤا ف‬
‫ۡ َ ا َ َ َ ٰٓ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ َ ۡ َ َ َ َ ۡ َُ َ َ ۡ ُ ُ َ َ َ َ َۡ َ‬ ‫ا ََۡ‬
‫َص َءاد ُم‬ ‫ان َعل ۡي ِه َما مِن َو َر ِق ٱۡلنةِِۚ وع‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫ص‬‫ِ‬ ‫ُي‬ ‫ا‬‫ق‬ ‫ف‬
‫ِ‬ ‫ط‬ ‫و‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ه‬‫َٰءت‬ ‫و‬ ‫س‬ ‫ا‬‫م‬ ‫ه‬‫ل‬ ‫ت‬ ‫د‬ ‫ب‬ ‫ف‬ ‫ا‬ ‫ه‬‫ِن‬
‫م‬ ‫َل‬ ‫ك‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫‪١٢٠‬‬ ‫ٰ‬
‫َل‬ ‫َّل يب‬
‫َّل إبۡل َ‬‫ۡ َُۡ ۡ َ َ َ ۡ ُ ُ ْ َ َ َ َ َ ُ ْٓ ا ٓ‬ ‫َر اب ُهۥ َف َغ َو ٰ‬
‫ِيس‬ ‫لئِكةِ ٱسجدوا ٓأِلدم فسجدوا إ ِ ِ‬ ‫ى ﴾ [طه‪ ،]121-115:‬وقال تعاىل‪ِ﴿ :‬إَوذ قلنا ل ِلم ٰٓ‬
‫َ‬ ‫َ ُ ۡ َ َ َ َ ُ ۡ ُ ۡ َ َ َ َ ۡ ُ َ َۡ َ ُ َ‬ ‫َ َٰ َ ۡ َ ۡ َ َ ََ َ َ ۡ َ‬
‫ٱۡل انة َولُك م ِۡن َها َرغ ًدا‬ ‫يـادم ٱسكن أنت وزوجك‬ ‫ين ‪ ٣٤‬وقلنا ٰٓ‬ ‫ك ٰ ِفر َ‬
‫ِ‬ ‫أَب وٱستكَب وَكن مِن ٱل‬
‫ََ ۡ‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫ََ ا‬ ‫ا َ ََ ََ ُ َ َ ا‬ ‫َ‬ ‫َ َۡ‬ ‫ُ ۡ‬
‫ني ‪ ٣٥‬فأ َزل ُه َما ٱلش ۡي َطٰ ُن ع ۡن َها فأخ َر َج ُه َما‬ ‫ٱلظٰلِم َ‬
‫ِ‬ ‫َح ۡيث شِئ ُت َما َوَّل تق َربَا هٰ ِذه ِ ٱلشجرة فتكونا مِن‬
‫ُ ۡ ََد َََ ٌ َ‬ ‫َۡ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُۡ ۡ ْ ُ ُ‬ ‫َ َ‬
‫ٰ‬
‫ۡرض مستقر ومتع إَِل حِني﴾‬ ‫ٰ‬ ‫م اِما َكنا فِيهِِۖ َوقل َنا ٱهب ِ ُطوا َب ۡعضك ۡم ِلِ َ ۡع ٍض َع ُد دو َولك ۡم ِِف ٱۡل ِ‬
‫[البقرة‪.]36 -34:‬‬
‫فالقرآن الكرمي أوضح لنا أن املعصية مل تكن من حواء فحسب‪ ،‬بل من آدم وحواء بعدما‬
‫استجاب هو وامرأتُه لوسوسة الشيطان؛ طمعا يف اخللد وم ْل ٍ‬
‫ك ال يَْبلى‪ ،‬وهذا ما اعرتف به روجيه‬ ‫ُ‬ ‫َْ‬
‫كارودي املفكر الفرنسي حينما أنصف اإلسالم فقال‪" :‬إن القرآن ‪-‬من وجهة نظر الالهوتية‪-‬‬
‫ال ُحي ندد بّي الرجل واملرأة عالقة من التبعية امليتافيزيقية؛ فاملرأة يف القرآن توأم وشريكة للرجل‬
‫والقرآن ال ُحيمل املرأة املسؤولية األوىل للخطيئة" (‪.)1‬‬
‫كما أن االسالم مل يعد املرأةَ جرثومة خبيثة كما ع ندها اآلخرون‪ ،‬ولكنَّه َّقرر حقيقة تزيل‬
‫أن املرأة بّي يدي اإلسالم قسيمةُ الرجل؛ مصداقا لقول النيب ‪َّ " :‬إَّنا‬
‫هذا اهلوان عنها‪ ،‬وهي َّ‬
‫شقائق الرجال" (‪.)2‬‬
‫ُ‬ ‫النساءُ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬وعود اإلسالم‪ ،‬ترمجة أ‪ .‬ذوقان قرقوط‪ .‬ط ‪1984‬م‪ .‬منشورات الوطن العريب بريوت‪ ،‬ص (‪)78‬‬
‫وصححه األلباين يف صحيح اجلامع‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه أمحد يف مسنده رقم ‪ ،26195‬وأبو داود يف سننه رقم ‪ ،236‬والرتمذي يف جامعه رقم ‪َّ ،113‬‬
‫(‪)14‬‬
‫قال اخلطايب يف معامل السنن‪" :‬أي نظائرهم وأمثاهلم يف اخللق والطباع‪ ،‬فكأهنن شققن من‬
‫ِ‬ ‫(‪)1‬‬
‫نص يُ َفِّر ُق بّي الرجال والنساء‪َّ ،‬أما‬
‫ن‬ ‫فيه‬ ‫د‬‫ر‬ ‫ي‬
‫َ‬ ‫مل‬ ‫ما‬ ‫كل‬
‫ن‬ ‫يف‬ ‫رد‬‫ط‬
‫ن‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫احلديث‬ ‫هذا‬ ‫ومعىن‬ ‫‪.‬‬ ‫الرجال"‬
‫لزمنا‬ ‫ٍ‬
‫املسائل اليت وردت فيها نصوص تُ َفِّر ُق بّي الرجال والنساء فال يَطنرد فيها احلديث‪ ،‬وحينئذ يَ ُ‬
‫الوقوف مع النصوص‪ ،‬وإعطاء ما للنساء للنساء‪ ،‬وما للرجال للرجال (‪.)2‬‬
‫أن كال منهما بديل عن اآلخر‪َّ ،‬‬
‫وإَّنا يرى أنن ُهما‬ ‫واإلسالم ال ينظر إىل الرجل واملرأة على َّ‬
‫الرجال والنِّساء على السواء‪ ،‬ويعاملهم بطريقة متساوية‪ ،‬قال‬
‫وخياطب ِّ‬‫يُ َك ِّمالن بعضهما البعض‪ُ ،‬‬
‫ُ ۡ َ ۡ َٰ د َ ۡ ُ ُ ْٓ َۡ َ َ َ َ َ َ ۡ َ ُ ا َ ا‬ ‫َ ۡ َ َٰ ٓ َ ۡ َ َ َ َ ُ د ۡ َ ُ‬
‫تعاىل‪﴿ :‬ومِن ءايتِهِۦ أن خلق لكم مِن أنفسِكم أزوجا ل ِتسكنوا إِِلها وجعل بينكم مودة‬
‫َٰ َ َ ٰ د َ ۡ َ َ َ ا ُ َ‬ ‫َ ًََۡ ا‬
‫ون﴾ [الروم‪ .]21:‬واآلية تُشري إىل أ نن املرأة ُخلِقت من نفس‬ ‫ۡحة َۚ إِن ِِف ذل ِك ٓأَليت ل ِقوم يتفكر‬‫ور‬

‫الرجل‪ ،‬أي من جنسه (‪.)3‬‬


‫وأيضا قرر اإلسالم بشكل قاطع وحدة أصل النوع البشري وذلك يف عدة آيات‪ :‬قال تعاىل‬
‫ا‬ ‫َ َ‬ ‫اۡ‬ ‫َ ََ ُ‬ ‫ُ ا‬ ‫َ َ ُّ َ ا ُ ا ُ ْ‬
‫اس ٱتقوا َر ابك ُم ٱَّلِي خلقكم دمِن نفس َوٰح َِدة َوخل َق م ِۡن َها َز ۡو َج َها َوبَث م ِۡن ُه َما‬ ‫﴿ ٰٓ‬
‫يأيها ٱنل‬
‫ۡ ُ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ٰٓ َ ُّ َ ا ُ ا َ َ ۡ َ ٰ ُ‬
‫كم دمِن َذكر َوأ َ ٰ‬
‫ٓ‬ ‫َ‬
‫نَث َو َج َعل َنٰك ۡم ش ُعوبا‬ ‫رِ َجاَّل كثِيا َون َِساء َۚ﴾ [النساء‪﴿ ]1:‬يأيها ٱنلاس إِنا خلقن‬
‫ۡ‬ ‫َ َ َ ٓ َ َ َ َ ُ َۚ ٓ ْ ا َ ۡ َ َ ُ ۡ َ ا َ ۡ َ ٰ ُ‬
‫م﴾ [احلجرات‪.]13/‬‬ ‫وقبائِل ِلِ عارفوا إِن أكرمكم عِند ٱَّللِ أتقىك َۚ‬
‫وقد بلغ من تكرمي اإلسالم للمرأة أن خصص هلا سورة من القرآن مساها (سورة النساء)‪ ،‬ومل‬
‫خيصص للرجال سورة‪ ،‬فدل ذلك على اهتمام اإلسالم باملرأة‪ ،‬وال سيما األم‪ ،‬فقد أوصى اهلل‬
‫َ‬ ‫َ ۡ ۡ َ ُ َ َ َ َ ُّ د َ ا ۡ َ َ ُ ا د ۡ َ ۡ‬
‫ٱرۡح ُه َما ك َما‬ ‫تعاىل هبا بعد عبادته فقال عز وجل‪﴿ :‬وٱخفِض لهما جناح ٱَّل ِل مِن ٱلرۡح ِة وقل ر ِ‬
‫ب‬
‫َر اب َي ِاِن َصغِيا﴾ [اإلسراء‪.]24:‬‬
‫َض َب ا ُ‬
‫ٱَّلل‬ ‫ويذكر القرآن بالتعظيم والتوقري َّناذج لنساء ارت قّي بطاعتهن هلل‪ ،‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬و َ َ‬
‫َْ َ ْ َ‬
‫َ‬
‫َند ِِن مِن ف ِۡر َع ۡون‬
‫َۡ ا َ َ‬
‫و‬ ‫ة‬
‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ٱۡل‬ ‫ِف‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ِند َك بَيۡ‬‫ت َر دب ٱبۡن َل ع َ‬ ‫ت ف ِۡر َع ۡو َن إ ۡذ قَالَ ۡ‬‫ٱم َرأَ َ‬
‫ِين َء َام ُنوا ْ ۡ‬
‫َم َثَل لد اَِّل َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫َ َۡ ِۡ ا‬ ‫َ َ‬
‫ت ف ۡر َج َها ف َنفخ َنا فِيهِ مِن‬ ‫ِت أ ۡح َص َن ۡ‬ ‫ت ع ِۡم َر ٰ َن ٱل ِ ٓ‬ ‫ني ‪َ ١١‬و َم ۡريَ َم ۡٱب َن َ‬ ‫ٱلظٰلِم َ‬
‫ِ‬ ‫َند ِِن مِن ٱلقوم‬ ‫وعملِهِۦ و ِ‬
‫َ َ َ‬
‫ت م َِن ٱلۡ َقٰنِت ِ َ‬ ‫ت َر دب َها َو ُك ُتبهِۦ َو ََكنَ ۡ‬ ‫َ َ‬ ‫ُّ َ َ َ ا َ ۡ‬
‫ني﴾ [التحرمي‪ ،]12-11 :‬وذلك هو مقياس‬ ‫ِ‬ ‫روحِنا وصدقت بِكل ِم ٰ ِ ِ‬
‫األفضلينة يف اإلسالم‪ ،‬التقوى والطاعة‪.‬‬

‫(‪ )1‬معامل السنن للخطايب (‪.)79/1‬‬


‫(‪ )2‬الشيخ مصطفى العدوى‪ :‬جامع أحكام النساء‪ .‬ج ‪ .5‬ص ‪ .8‬ط ‪1419 .1‬ه ‪1999 /‬م‪ .‬دار ابن عفان – القاهرة)‪.‬‬
‫(‪ )3‬وحيد الدين خان‪ :‬املرأة بّي شريعة اإلسالم واحلضارة الغربية‪ .‬ص ‪ .180 ،179‬ترمجة سيد رئيس أمحد الندوي‪ ،‬ومراجعة د‪ .‬ظفر‬
‫اإلسالم خان‪ .‬ط‪1414 .1‬ه ‪1994 /‬م‪ .‬دار الصحوة للنشر – القاهرة‪.‬‬
‫(‪)15‬‬
‫لقد وصلت مكانة املرأة يف اإلسالم إىل درجة أ نن اهلل قد مسع شكواها من فوق سبع مسوات‬
‫َ ۡ َ َ َۡ َ ٓ َ ا َ اُ َۡ َ ُ ََ ُ ُ ٓ ا‬ ‫َۡ َ َ اُ ََۡ ا ُ َ ُ َ‬
‫او َرك َما َۚ إِن‬ ‫قال تعاىل‪ ﴿ :‬قد س ِمع ٱَّلل قول ٱل ِِت تجٰدِلك ِِف زو ِ‬
‫جها وتشت ِِك إَِل ٱَّللِ وٱَّلل يسمع َت‬
‫يع ُۢ بَ ِص ٌي ﴾ [اجملادلة‪ ،]1 :‬وقرأ عليها جربيل ‪ ‬السالم من اهلل تعاىل‪ ،‬عن أىب هريرة‪‬‬ ‫اَ‬
‫ٱَّلل َس ِم ُ‬

‫إدام أو‬‫قال‪ :‬أتى جربيل النيب ‪ ‬فقال‪" :‬يا رسول اهلل‪ ،‬هذه خدجية قد أتت‪ ،‬معها إناءٌ فيه ٌ‬
‫ت يف اجلننة من‬ ‫طعام أو شراب‪ ،‬فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السالم من رهبا ومين‪ ،‬وبشِّرها بِب ي ٍ‬
‫ْ َْ‬
‫ب" (‪.)1‬‬‫صَ‬ ‫ب فيه وال نَ َ‬
‫ص َخ َ‬
‫ب ال َ‬ ‫صٍ‬
‫قَ َ‬
‫بت‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫وهنلت من َمعّي العلم‪ ،‬وضر ْ‬
‫وق اإلميان‪ْ ،‬‬ ‫مت املرأة حتت ِدين اإلسالم العظيم بوثُ ِ‬ ‫لقد نَعِ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫عصر ِمن العصور‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بسهم يف االجتهاد‪ ،‬وشرع هلا م َن احلقوق ما َمل يشر ْع هلا يف أمة من األُمم يف ْ‬ ‫َ‬
‫حىت تبوأت مكانة عالية بّي نساء العاملّي‪.‬‬
‫عام إىل غاية ُمتمينزةٍ هي عمارة األرض ومحاية اجملتمع‬‫بشكل ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ف الشريعةُ اإلسالمينةُ‬ ‫وهت ِد ُ‬
‫َ‬
‫وجعل املسؤولية مشرتكة بّي الرجال والنساء لتحقيق هذه الغاية‪ ،‬قال ‪" :‬كلكم راع وكلكم‬
‫مسؤول عن رعيته" (‪.)2‬‬
‫يفات دقيقة لِ َما عليها من واجبات وما هلا من حقوق‪ ،‬ويُْبدى‬ ‫ويق ندم التشريع للمرأة تعر ٍ‬
‫ُ‬
‫ضان على معاملة املرأة بعدل ورفق وعطف‪ ،‬وساوى‬ ‫السنَّة َحيُ ن‬
‫اهتماما شديدا بضماهنا‪ ،‬فالقرآن و ُّ‬
‫بينها وبّي الرجل يف أصل النشأة و التكليف واجلزاء كما ضمن هلا حق املِْلكينة اخلاصة الشخصية‬
‫يف مجيع أمورها وكان من أوىل ما اعتىن به اإلسالم هو ما خيص املرأة فأكرمها إذ أهانتها األديان‬
‫واحلضارات األخرى‪ ،‬ورفع من شأهنا وخفف التكاليف اليت عليها‪ ،‬ورفع معنوياهتا وأعطاها‬
‫حقوقها وكرامتها وإىل اليوم مل تستطيع أي حضارة أن تعطي املرأة من احلقوق مثلما أعطاها‬
‫اإلسالم (‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري‪،‬كتاب مناقب األنصار‪،‬باب تزويج النيب خدجية (‪)726‬رقم ‪.13820‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ ،)2409‬ومسلم (‪.)1829‬‬
‫(‪ )3‬إنسانية اإلسالم‪ .‬مارسيل بوازار ص ‪ .110 ،109‬ترمجة د‪ .‬عفيف‪ -‬دمشقية‪ .‬ط ‪1980‬م‪ .‬دار اآلداب – بريوت‪.‬‬
‫(‪)16‬‬
‫ثانيًا‪ :‬حقوق المرأة في اإلسالم‪:‬‬
‫تعريف الحق‬
‫(‪)1‬‬
‫لغة‪ :‬ضد الباطل‪ ،‬ومنه احلديث "من رآين فقد رأى احلق" ‪ ،‬ووردت كلمة احلق يف اللغة‬
‫لعدة ٍ‬
‫معان منها‪ :‬الثبوت‪ ،‬والوجوب‪ ،‬واليقّي‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وعرفه اجلرجاين بأنه‪ :‬هو الثابت الذي ال يسوغ إنكاره ‪.‬‬
‫اصطالحا‪ :‬للحق يف االصطالح ٍ‬
‫معان متعددة أمشلها ما قال به فقهاء الشريعة وسايرهم يف‬ ‫ً‬
‫ذلك شراح القانون‪ ،‬وهو أن احلق هو املصلحة الثابتة للشخص على سبيل االختصاص واالستئثار‬
‫(‪)3‬‬
‫اليت يقرها الشرع ‪.‬‬
‫فاحلقوق يف اإلسالم منح إهلية تستند إىل املصادر اليت تستنبط منها األحكام الشرعية‪ ،‬فال‬
‫يوجد حق شرعي من غري دليل يدل عليه‪ ،‬فمنشأ احلق هو اهلل تعاىل؛ وال تشريع سوى ما شرعه‪.‬‬
‫وليس احلق يف اإلسالم طبيعيًّا مصدره الطبيعة أو العقل البشري‪.‬‬

‫حقوق المرأة في اإلسالم‪:‬‬


‫أ‪ -‬الحقوق الشرعية‪:‬‬
‫‪ - 1‬حق المساواة في التكليف‪:‬‬
‫إن خطاب اهلل إىل البشر ورسالته إىل الناس متجهة إىل املرأة والرجل على حد سواء‪،‬‬
‫وشخصية املرأة جتاه الرجل مستقلة متاما‪ :‬فهي مطالبة باإلميان باهلل ورسله وكتبه واليوم اآلخر‪،‬‬
‫وخماطبة بكافة التكاليف الشرعية دون وساطة من أحد و تتحمل املسؤولية الكاملة‪ ،‬وخطاب‬
‫القرآن يدل على املساواة بّي الذكر واألنثى يف التكليف حيث يتكرر النداء يف القرآن خماطبا‬
‫مجيع الناس بقوله تعاىل‪( :‬يأيها الناس) وقوله تعاىل‪( :‬يا بين آدم) على اختالف اجناسهم‪،‬‬
‫وألسنتهم‪ ،‬وألواهنم دون فرق بّي ذكر وأنثى وابيض وأسود كما يتكرر النداء بقوله‪( :‬يا أيها الذين‬
‫آمنوا) خماطبا الذين آمنوا مبحمد ‪ ‬نساء ورجاال ال فرق بّي ذكر وأنثى‪ .‬ولو تأملنا قوله تعاىل‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري‪ ،)6996( :‬ومسلم (‪.)2267‬‬


‫(‪ )2‬التعريفات‪ ،‬ص (‪.)89‬‬
‫(‪ )3‬املرجع السابق‪.)89( ،‬‬
‫(‪)17‬‬
‫كم دمِن ان ۡفس َوٰح َِدة َو َخلَ َق م ِۡنهاَ‬ ‫َ ََ ُ‬ ‫َ َ ُّ َ ا ُ ا ُ ْ َ ا ُ ُ ا‬
‫يأيها ٱنلاس ٱتقوا ربكم ٱَّلِي خلق‬ ‫يف بداية سورة النساء‪ٰٓ ﴿ :‬‬
‫َ َۡۡ َ َ ا اَ َ َ َ ُ‬ ‫َ َ ٓ َ اُ ْ اَ ا َ ٓ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ا‬
‫ٱَّلل َكن َعل ۡيك ۡم‬ ‫َّلل ٱَّلِي ت َسا َءلون بِهِۦ وٱۡلرحام َۚ إِن‬ ‫َز ۡو َج َها َوبَث م ِۡن ُه َما رِ َجاَّل كثِيا ون ِساء َۚ وٱتقوا ٱ‬
‫رقِيبا﴾ [النساء‪]1:‬‬
‫َ‬

‫فهذه السورة اشتملت على أنواع كثرية من التكاليف من العطف على األوالد والنساء واأليتام‬
‫والرأفة هبن وإيصال احلقوق اليهم وحفظ أمواهلم عليهم‪ ،‬واألمر بالطهارة والصالة وغريها‪ ،‬وجند‬
‫أن اخلطاب بدأ ب (يا أيها الناس) الذي يشمل الرجال وما تفيده (ال) يف كلمة الناس من‬
‫االستغراق لعموم اجلنس‪.‬‬
‫َ ُ ۡ َ َ ٰٓ َ َ ُ ۡ ُ‬
‫ٱسك ۡن‬ ‫بل أول تكليف إهلي آلدم وحواء كان على حد سواء قال تعاىل‪ ﴿ :‬وقلنا يـادم‬
‫ٱلظٰلِم َ‬ ‫ا َ ََ ََ ُ َ َ ا‬ ‫ٰ‬ ‫َ َ َ َ ۡ ُ َ َۡ ا َ َ ُ َ ۡ َ َ َ ً َ ۡ ُ ۡ ُ َ َ َ َ ۡ َ َ َ‬
‫ني ﴾‬ ‫ِ‬ ‫ِن‬ ‫م‬ ‫ا‬ ‫ون‬ ‫ك‬‫ت‬ ‫ف‬ ‫ة‬‫ر‬‫ج‬ ‫ٱلش‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ذ‬
‫ِ‬ ‫ه‬ ‫أنت وزوجك ٱۡلنة ولُك مِنها رغدا حيث شِئتما وَّل تقربا‬
‫وجه اإلنكار إليهما معا فقال‬ ‫فتهما أمره‪ ،‬ن‬ ‫[البقرة‪ ،]35:‬وحّي أنكر سبحانه وتعاىل ما كان من خمال‬
‫ُّ‬ ‫د‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ٰ ُ َ َ ُّ ُ َ ٓ َ َ ۡ َ ۡ َ ُ َ َ ۡ ُ َ ا َ َ َ ُ ا ُ َ ٓ ا ا ۡ َ ٰ َ َ ُ‬
‫َ‬
‫تعاىل‪ ﴿ :‬ونادىهما ربهما ألم أنهكما عن ت ِلكما ٱلشجرة ِ وأقل لكما إِن ٱلشيطن لكما عدو مبِني﴾‬
‫[األعراف‪]22:‬‬
‫بل ولتأكيد مسؤولية املرأة أمام اهلل عز وجل مسؤولية مستقلة عن الرجل كانت بيعة النساء‬
‫خاصة هبن دون بيعة الرجال‪ .‬وسيأيت دليل ذلك يف مبحث حق املرأة يف البيعة‪.‬‬
‫قدم املساواة يف االلتزامات األخالقيَّة‪ ،‬والتكاليف‬ ‫الرجل واملرأة على ِ‬ ‫وضع القرآ ُن الكرمي َّ‬
‫وقد َ‬
‫ِني َي ُغ ُّضوا ْ م ِۡن َأبۡ َصٰره ِۡم َو َي ۡح َف ُظوا ْ فُ ُر َ‬
‫وج ُه ۡ َۚم‬ ‫الدِّينية والعقوبات الشرعية قال تعاىل‪﴿ :‬قُل لد ِلۡ ُم ۡؤ ِمن َ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬
‫َ ۡ‬ ‫َ َ‬ ‫ۡ ُ ۡ‬ ‫ُ دۡ ۡ َ‬ ‫ۡ َ َ‬ ‫َك ل َ ُه ۡم إ ان ا َ‬
‫ٱَّلل َخب ُ‬ ‫َ َ ََۡ‬
‫ت َيغضض َن م ِۡن أبۡص ٰ ِره اِن َويَ ۡحفظ َن‬ ‫ي ُۢ ب ِ َما يَصن ُعون ‪َ ٣٠‬وقل ل ِل ُمؤمِنٰ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ذٰل ِك أز ٰ َۚ ِ‬
‫ا‬ ‫وج ُه ان َو ََّل ُي ۡبد َ‬
‫فُ ُر َ‬
‫ِين زِينَ َت ُه ان إَِّل َما َظ َه َر م ِۡن َهاَ ﴾ [النور‪.]31-30:‬‬
‫َ ََۡ‬ ‫د ۡ ُ َ ْ ََ َ َۡ َ َ َۡ ُ ۡ ُ‬ ‫ا َُ َ ا َ ۡ ُ ْ ُا‬
‫ۡلوا ُك َوٰحِد مِنهما مِائة جۡلةِۖ وَّل تأخذكم ب ِ ِهما رأفة‬ ‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ٱلزانِية وٱلز ِاِن فٱج ِ‬
‫ۡ‬ ‫ٓ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ ُۡ ُۡ ُ َ ا ۡ‬
‫ٱَّللِ َوٱِلَ ۡو ِم ٱٓأۡلخ ِِرِۖ َوليَ ۡش َه ۡد َعذ َاب ُه َما َطائ ِ َفة دم َِن ٱل ُم ۡؤ ِمن َِني﴾ [النور‪،]2:‬‬‫ِين ٱَّللِ إِن كنتم تؤمِنون ب ِ‬
‫ا‬
‫ِِف د ِ‬
‫كَٰل دم َِن ٱ اَّللِ َو ا ُ‬
‫ٱَّلل َعز ٌ‬ ‫َ ا ُ َ ا َ ُ َ ۡ َ ُ ٓ ْ َ ۡ َ ُ َ َ َ ٓ َ ُۢ َ َ َ َ َ َ‬
‫يز‬ ‫ِ‬ ‫ِۗ‬ ‫وقال تعاىل‪﴿ :‬وٱلسارِق وٱلسارِقة فٱقطعوا أيدِيهما جزاء بِما كسبا ن‬
‫حكِيم ﴾ [املائدة‪]38:‬‬
‫َ‬

‫خمصوصة إَّنا هو‬


‫َ‬ ‫وورد بعض االستثناءات يف بعض التكاليف الدينية للمرأة يف حاالت‬
‫ختفَّيف من اهلل عن املرأة رمحة هبا ومراعاة ِلفطرهتا وتكوينها اجلسدي‪.‬‬

‫(‪)18‬‬
‫مكاهنا إىل جانب الرجل فيما‬ ‫وهكذا يتو َاىل اخلِطَاب يف القرآن‪ُّ ،‬‬
‫وينص على املرأة إلعطائها َ‬
‫مها فيه سواء ِمن العالقة باهلل‪ ،‬وقد أمجع الفقهاء على أن شروط التكليف االساسية هي‪ :‬االسالم‪،‬‬
‫والبلوغ‪ ،‬والعقل‪ ،‬بال تفرقة بّي ذكر وأنثى‪.‬‬
‫‪ - 2‬حق المساواة في األعمال والجزاء‪:‬‬
‫وجل ‪ -‬خلَق النساء والرجال سواء؛ فع ند هلا ما للرجل من حيث اخلصائص‬ ‫عز َّ‬ ‫إن اهلل ‪َّ -‬‬ ‫َّ‬
‫ۡ ُ ُ‬ ‫َ ُ‬
‫كم دمِن َذكر َوأ َ ٰ‬ ‫َ ٰٓ َ ُّ َ ا ُ ا َ َ ۡ َ ٰ ُ‬
‫نَث َو َج َعل َنٰك ۡم ش ُعوبا‬ ‫اإلنسانية العامة فقال تعاىل‪﴿ :‬يأيها ٱنلاس إِنا خلقن‬
‫َ َ َٓ َ َ َ َ ُ ْٓ ا َ ۡ َ َ ُ ۡ َ ا َۡ َ ٰ ُ ۡ ا اَ َ ٌ َ‬
‫م إ ِن ٱَّلل عل ِيم خبِي ﴾ [احلجرات‪.]13:‬‬ ‫وقبائِل ِلِ عارف َۚوا إِن أكرمكم عِند ٱَّللِ أتقىك َۚ‬
‫َ ۡ َ َ َ َ‬
‫اب ل ُه ۡم‬ ‫وساوت الشريعة احملكمة بّي الرجل واملرأة يف اجلزاء األخروي‪ ،‬وقال تعاىل‪﴿ :‬فٱستج‬
‫َ ُّ ُ ۡ َ د َ ٓ ُ ُ َ َ َ َ ٰ د ُ د َ َ َ ۡ ُ َ ٰ َ ۡ ُ ُ‬
‫كم د ِم ُۢن َب ۡعضِۖ﴾[آل عمران‪ ]195:‬وقال‬ ‫ضيع عمل ع ِمل مِنكم مِن ذك ٍر أو أنَثِۖ بعض‬ ‫ربهم أ ِِن َّل أ ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫د َ َ َۡ ُ َٰ ُ ۡ‬ ‫َ َ‬
‫نَث َوه َو ُمؤمِن فل ُن ۡحيِيَ ان ُهۥ َح َي ٰوة َط دي ِ َبة َونلَ ۡج ِزيَ ان ُه ۡم أ ۡج َرهم‬ ‫تعاىل‪َ ﴿ :‬م ۡن َع ِمل صٰل ِحا مِن ذك ٍر أو أ‬
‫َ ۡ َ َ َ ُ ْ ََُۡ َ‬
‫بِأحس ِن ما َكنوا يعملون ﴾ [النحل‪.]97:‬‬
‫قالت للنيب ‪ :‬ما لنا ال نُذكر يف القرآن كما يُذكر‬ ‫وعن ِّأم سلمة ْزوج النيب ‪َّ ‬أهنا ْ‬ ‫ْ‬
‫يومئذ إالَّ ونداؤه على املِنرب‪ ،‬قالت‪:‬‬ ‫الرجال‪ ،‬قالت‪ :‬فلم ي رعين ‪ -‬أي‪ :‬يفزعين ويفاجئين ‪ -‬منه ٍ‬
‫ُ‬ ‫َْ ُ‬ ‫ْ‬
‫عند اجلريد‬ ‫فجعلت مسعي َ‬ ‫ُ‬ ‫خرجت إىل حجرة من حجر بييت‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫فلففت شعري‪ ،‬مث‬‫ُ‬ ‫ُسرح شعري‬ ‫وأنا أ ِّ‬
‫النيب ‪ ‬منه‬ ‫أسها إىل جهة اجلريد الذي هو س ْقف املسجد إذ ذاك ل ُق ْرب ِّ‬ ‫‪ -‬معناه‪ :‬أهنا رفعت ر َ‬
‫إن اهلل يقول يف‬ ‫عند املنرب‪َّ :‬‬ ‫ِ‬
‫يقول َ‬ ‫غري مرتفع عن املنرب كثريا ‪ -‬فإذا هو ُ‬ ‫وهو على املْنرب؛ لكونه َ‬
‫َ َ ۡ ُ ۡ َٰ َ ۡ ُ ۡ َ َ ۡ ُ ۡ َٰ َ ۡ َٰ َ َ ۡ َٰ َٰ َ ا‬
‫ٱلص ٰ ِدق َ‬ ‫ا ۡ‬
‫ِني‬ ‫ت و‬ ‫ت وٱلقنِتِني وٱلقن ِت ِ‬ ‫ت وٱلمؤ ِمن ِني وٱلمؤمِن ِ‬ ‫كتابه‪ ﴿ :‬إِن ٱل ُم ۡسل ِ ِمني وٱلمسل ِم ِ‬
‫ٱلصئم َ‬ ‫ا‬ ‫َ َ ۡ َ ٰ َٰ َ ُۡ َ َ د َ ۡ َ د َ‬ ‫ۡ َ‬ ‫ا‬ ‫َ ا ٰ َٰ َ ا‬
‫ني‬ ‫ت َو ٰٓ ِ ِ‬ ‫ِني َوٱل ُمت َصدِق ٰ ِ‬ ‫ت وٱلمتص ِدق‬‫ت َوٱلخٰشِ عِني وٱلخشِ ع ِ‬ ‫ين َوٱلصٰب ِ َر ٰ ِ‬‫ٱلصَٰب َ‬
‫ِِ‬ ‫تو‬ ‫وٱلصدِق ِ‬
‫ۡ‬ ‫َ ا اُ َ‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫َ اَ َ‬ ‫ا‬ ‫ۡ َ َ‬ ‫ني فُ ُر َ‬ ‫ٱلصئ َمٰت َوٱلۡ َ‬
‫ا‬
‫ٱَّلل ل ُهم امغفِ َرة‬ ‫ت أعد‬ ‫ٱَّلل كثِيا َوٱلذٰك َِر ٰ ِ‬ ‫وج ُه ۡم َوٱلحٰفِظٰ ِ‬
‫ت َوٱلذٰك ِِرين‬ ‫حٰفِ ِظ َ‬ ‫َو ٰٓ ِ ِ‬
‫َ‬
‫َوأ ۡج ًرا َع ِظيما ﴾ [األحزاب‪.]35:‬‬
‫من اآليات يف القرآن العظيم‬ ‫ٍ‬ ‫فساوى ُّ ِ‬
‫رب العَّزة ‪ -‬سبحانه وتعاىل ‪ -‬بّي الرجل واملرأة يف كثري َ‬ ‫َ‬
‫كالرجل‪ ،‬مكلَّفة بالتكاليف‬
‫أن املرأة ُ‬‫يدل على َّ‬ ‫فإَّنا ُّ‬
‫دل على شيء َّ‬ ‫يف اجلز ِاء األُخروي‪ ،‬وإ ْن َّ‬
‫ك ْتها عُوقِبت‪.‬‬
‫الشرعية‪ ،‬مأمورةٌ بالواجبات إ ْن فعلتها أُثيبت‪ ،‬وإ ْن تر‬

‫(‪)19‬‬
‫ب‪ -‬الحقوق المالية‪:‬‬
‫‪ - 1‬حق المرأة في التملك والتصرف‪.‬‬
‫كان العرب والعجم يف اجلاهلية حيرمون النساء من التملُّك ويضيِّقون عليهن يف التصرف‬
‫هلن حق‬
‫فيما ميلكن‪ ،‬فجاء اإلسالم وأبطل ذلك‪ ،‬وأبطل استبداد األزواج بأموال زوجاهتم‪ ،‬وأثبت َّ‬
‫اهلن بالطرق املشروعة‪.‬‬ ‫التملُّك بأنواعه و ُّ‬
‫التصرف بأمو َّ‬
‫فللمرأة حرية التملُّك‪ ،‬وحرية إجراء العقود املالية دون وصاية ألحد عليها‪ ،‬ما دامت رشيدة‬
‫التصرف بامللكية بكل صورها وأشكاهلا‪ :‬من بيع وشراء‪ ،‬وتأجري‬ ‫واعية مدركة‪ .‬وللمرأة حق ُّ‬
‫واستئجار‪ ،‬وهبة ووصية‪ ،‬ووقف وتصدُّق‪ ،‬وإعارة واستعارة‪ ،‬ورهن وكفالة‪ ،‬ومتاجرة ومزارعة‪،‬‬
‫التصرف يف املعامالت‪ ،‬ويف العقود املالية‪.‬‬
‫ومضاربة وغريها‪ ،‬وهلا مطلق ُّ‬
‫وللمرأة أن متارس التجارة وسائر أسباب الكسب املباح‪ ،‬فلها أن تضمن من تشاء ويضمنها‬
‫غريها‪ ،‬وهلا أن توصي ملن تشاء من غري ورثتها يف احلدود الشرعية‪ ،‬وهلا أن ختاصم غريها إىل‬
‫القضاء حتصيال حلقِّها‪ ،‬ودفعا للضرر احملتمل‪.‬‬
‫ومال املرأة سواء كانت أما أو زوجة أو بنتا‪ ،‬مال خاص هبا‪ ،‬وهلا يف الشرع حق التملك‬
‫للمال والتصرف فيه يف أوجه احلالل كتجارة وغريها من بيع وشراء وصدقة‪ ،‬وليس من حق األب‬
‫أو االخ أو االبن أو الزوج أن يتسلط على ماهلا أو يأخذه منها إال بطيب من نفسها‪ ،‬جاء يف‬
‫قرار عن اجملمع الفقهي التابع ملنظمة املؤمتر اإلسالمي‪ :‬للزوجة األهلية الكاملة والذمة املالية‬
‫املستقلة التامة‪ ،‬وهلا احلق املطلق يف إطار أحكام الشرع مبا تكسبه من عملها‪ ،‬وهلا ثرواهتا اخلاصة‪،‬‬
‫وهلا حق التملك وحق التصرف مبا متلك‪ ،‬وال سلطان للزوج على ماهلا‪ ،‬وال حتتاج إلذن الزوج يف‬
‫(‪)1‬‬
‫التملك والتصرف مباهلا ‪.‬‬
‫ََ ُ ْ‬
‫وقال ابن بطال‪ :‬فثبت أن من صح رشده صح تصرفه يف ماله مبا شاء‪ ،‬وقال تعاىل‪﴿ :‬وءاتوا‬
‫َ ُُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ٓ‬
‫َشء دم ِۡن ُه َن ۡفسا فُك ُوه َهنِيٓـا ام ِريٓـا﴾ [النساء‪ .]4:‬فأباح‬ ‫ُ‬
‫ك ۡم َعن ۡ‬ ‫ٱلند ِ َسا َء َص ُد َقٰتِه ان ِِنۡلة َۚ فإن ط ۡ َ‬
‫ِۡب ل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ‬ ‫اۡ ُ‬
‫ِإَون َطلق ُت ُموه ان مِن ق ۡب ِل أن ت َم ُّسوه ان َوق ۡد‬ ‫للزوج ما طابت له به نفس امرأته‪ ،‬وقال تعاىل‪﴿ :‬‬

‫(‪ )1‬قرارات وتوصيات جممع الفقه ا ِإلسالمي التابع ملنظمة املؤمتر ا ِإلسالمي‪ .‬قرار رقم‪.)16 /2( 144 :‬‬
‫(‪)20‬‬
‫ُ ۡ َ ُ د َ ََ َ ۡ ُ ْٓ‬ ‫َ‬ ‫ََ ۡ ُ ۡ َُ ا َ َ َ ۡ ُ َ ََ ۡ ُ ۡ ا ٓ َ َ ۡ ُ َ َۡ َ ۡ ُ َْ ا‬
‫ح وأن تعفوا‬ ‫ِ‬
‫فرضتم لهن ف ِريضة فن ِصف ما فرضتم إَِّل أن يعفون أو يعفوا ٱَّلِي بِي ِده ِۦ عقدة ٱنل َِك ِۚ‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ََۡ ُ اۡ َ ٰ ََ َ َ ُْ َۡ ۡ َ ََۡ ُ ۡ ا اَ َ َ ۡ َ ُ َ‬
‫صي﴾ [البقرة‪.]237:‬‬ ‫ى وَّل تنسوا ٱلفضل بينك َۚم إِن ٱَّلل بِما تعملون ب ِ‬
‫أقرب ل ِلتقو َۚ‬
‫فأجاز عفوها عن ماهلا بعد طالق زوجها إياها بغري استئمار من أحد‪ ،‬فدل ذلك على‬
‫جواز تصرف املرأة يف ماهلا‪ ،‬وعلى أهنا فيه كالرجل سواء‪ ، ،‬وخطب النيب – صلى اهلل عليه وسلم‬
‫‪ -‬النساء يوم عيد‪ ،‬وقال هلن‪ :‬تصدقن ولو من حليكن وليس يف شيء من األخبار أهنن استأذن‬
‫السالم أمرهن باستئذاهنم‪ ،‬وال خيتلفون يف أن وصاياها من ثلث ماهلا‬ ‫أزواجهن‪ ،‬وال أنه َعلَْي ِه َّ‬
‫جائزة كوصايا الرجل‪ ،‬ومل يكن لزوجها عليها يف ذلك سبيل وال أمر‪ ،‬وبذلك نطق الكتاب‪ ،‬وهو‬
‫َ ََ ُ‬ ‫َ َ َ َ َ‬ ‫ُ ا‬ ‫ا‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬
‫قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬ولك ۡم ن ِۡصف َما ت َر َك أ ۡز َو ٰ ُجك ۡم إِن ل ۡم يَكن ل ُه ان َول َۚ فإِن َكن ل ُه ان َول فلك ُم‬
‫ا َ ُ ا ُ َ‬ ‫َ ُۡ‬ ‫ني ب َها ٓ أَ ۡو َديۡن َول َ ُه ان ُّ ُ‬ ‫وص َ‬ ‫ص اية يُ‬ ‫ٱلربُ ُع م اِما تَ َر ۡك َن ِم ُۢن َب ۡع ِد َ‬
‫ٱلرب ُع م اِما ت َركت ۡم إِن ل ۡم يكن لك ۡم َول َۚ‬ ‫ِۚ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫و‬ ‫َۚ‬
‫ُّ‬
‫َ َ َ ُ ُ َ ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َ َ َ َ ُ ۡ َ َ َ َ ُ ا ُّ ُ ُ ا َ َ ۡ ُ د ُۢ َ ۡ َ ا ُ ُ َ َ ٓ َ ۡ َ‬
‫صية توصون بِها أو دينِۗ ِإَون َكن رجل يورث‬ ‫فإِن َكن لكم ول فلهن ٱثلمن مِما تركت ِۚم ِمن بع ِد و ِ‬
‫َ َ َ ُ ۡ ُ َ َ ُٓ‬ ‫كََ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫د ۡ ُ َ ُّ ُ ُ َ َ ُ ٓ ۡ‬ ‫ِك َ‬‫َ َٰ َ ً َ ۡ َ َ َ َ ُ ٓ َ ٌ َ ۡ ُ ۡ َ ُ د‬
‫َث مِن ذٰل ِك فهم شَكء‬ ‫س فإِن َكنوا أ‬ ‫َۚ‬ ‫د‬ ‫ٱلس‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ِن‬
‫م‬ ‫ِد‬ ‫ح‬ ‫ٰ‬ ‫و‬ ‫كللة أ ِو ٱمرأة وَلۥ أخ أو أخت فل ِ‬
‫ص اية دم َِن ٱ اَّللِ َو ا ُ‬
‫ٱَّلل َعل ٌ‬
‫ِيم َ‬ ‫َۡ َ ا ُ َ ٰ ََٓۡ َۡ َ َۡ َ ٓ‬ ‫ُّ ُ‬
‫حلِيم ﴾ [النساء‪.]12:‬‬ ‫ِۗ‬ ‫ي ُمضا در َۚ َو ِ‬ ‫صية يوَص بِها أو دي ٍن غ‬ ‫ث ِم ُۢن بع ِد و ِ‬ ‫ِِف ٱثلل ِ ِۚ‬
‫(‪)1‬‬
‫فإذا كانت وصاياها يف ثلث ماهلا جائزة بعد وفاهتا‪ ،‬فأفعاهلا يف ماهلا يف حياهتا أجوز ‪.‬‬
‫فإن من واجب املرأة أن حترص على حفظ مال زوجها‪ ،‬فتصونه أيًّا كان نوعه‬ ‫ويف املقابل‪َّ ،‬‬
‫ومقداره‪ ،‬فكثريا ما كانت إضاعة املرأة مال زوجها موجبة للنفرة وباعثة للشقاق‪ ،‬أما حفظه فيزيد‬
‫من رابطة األلفة‪ ،‬وعلى هذا فال تعطي أحدا إال برضا زوجها؛ ألن رسول اهلل ‪ ‬قال‪" :‬وال تعطي‬
‫(‪)2‬‬
‫شيئا من بيته إال بإذنه‪ ،‬فإن فعلت ذلك‪ ،‬كان له األجر وعليها الوزر" ‪.‬‬
‫ومن واجب املرأة أالن تبالغ يف إثقال كاهل زوجها بالنفقات الباهظة واستهالك الكماليات‪،‬‬
‫ُسر اليت حتظى بإنفاق‬
‫تبّي من خالل الدراسات البحثية أن األ َ‬ ‫واإلنفاق البذخي املظهري‪ ،‬فقد َّ‬
‫ُسري‪ ،‬وخالفات الزوجّي‪ ،‬وكذلك احلاالت‬ ‫ِ‬
‫مرتفع‪ ،‬تزداد فيها باملقابل ن َسب الطالق والتصدُّع األ َ‬
‫النفسية العصيبة‪.‬‬

‫(‪" )1‬شرح ابن بطال‪.)353 /4( ،‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه عبد بن محيد (‪ ،)813‬وابن أيب شيبة يف املصنف (‪.)17409‬‬
‫(‪)21‬‬
‫‪ - 2‬حق المرأة في المهر‬
‫تعريف المهر لغة‪ :‬هو ما يلتزم الزوج بأدائه إىل زوجته حّي يتم زواجه هبا كما يف املعجم‬
‫الوجيز(‪.)1‬‬
‫واصطالحا‪ :‬اسم للمال الذى جيب يف عقد النكاح على الزوج لزوجته‪ ،‬إما بالتسمية أو‬ ‫ً‬
‫بالعقد(‪.)2‬‬
‫فرض اإلسالم املهر للمرأة تكرميا هلا‪ ،‬ومتهيدا لقدومها إىل بيت الزوجية؛ يقول اهلل جل وعال‪:‬‬
‫َ ُُ‬ ‫َۡ َ ُ‬
‫ك ۡم َعن َ ۡ‬ ‫َۡ َ‬ ‫ُ ْ د ٓ‬
‫َشء دم ِۡن ُه َن ۡفسا فُك ُوه َهنِيٓـا ام ِريٓـا﴾ [النساء‪،]4:‬‬ ‫َ‬
‫﴿ َو َءاتوا ٱلن ِ َسا َء َص ُدقٰت ِ ِه ان ِِنلة َۚ فإِن طِۡب ل‬
‫أي‪ :‬أعطوهن مهورهن عن طيب نفس غري طامعّي يف اسرتداد شيء منها؛ يقول ابن كثري يف‬
‫تفسري هذه اآلية‪ :‬كان الرجل إذا نزوج ابنته أخذ صداقها دوهنا‪ ،‬فنهاهم اهلل عن ذلك‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫ويقول القرطيب يف تفسريه عند هذه اآلية‪ :‬وهذه اآلية توجب الصداق (املهر) للمرأة‪ ،‬وهو‬
‫جممع عليه وال خالف فيه‪ ،‬وأمجع العلماء أيضا أنه ال حد لكثريه واختلفوا يف قليله‪.‬‬
‫قال أيضا‪ :‬والصداق ِحنلة‪ :‬أي عطية من اهلل تعاىل للمرأة‪ ،‬وقيل‪ :‬حنلة أي عن طيب نفس‬
‫من األزواج‪ ،‬وقال قتادة‪ :‬ومعىن حنلة‪ :‬فريضة واجب لذلك أمر تعاىل أال يؤخذ من مهورهن شيء‬
‫ََ‬ ‫ٱست ِ ۡب َدا َل َز ۡوج ام ََك َن َز ۡوج َو َءاتَيۡ ُت ۡم إ ۡح َدى ٰ ُه ان ق َ‬ ‫ۡ َ َ ُّ‬
‫دت ُم ۡ‬
‫ِنطارا فَل‬ ‫ِ‬ ‫زورا وهبتانا؛ يقول تعاىل‪ِ ﴿ :‬إَون أر‬
‫ُّ‬ ‫ۡ‬ ‫ٰ‬ ‫َۡ ُ ُ ْ ُۡ َ ًۡ ََۡ ُ ُ َُ ُۡ َ‬
‫تأخذوا مِنه شيـا َۚ أتأخذونهۥ بهتنا ِإَوثما مبِينا ﴾ [النساء‪ ]20:‬أي تأخذونه باطال وظلما تبهتون به‬
‫ََ َۡ َۡ ُ ُ َُ ََ ۡ َۡ َ ٰ َ ۡ ُ ُ‬
‫كمۡ‬ ‫الزوجة وحتريوهنا‪ ،‬مث يقول تعاىل مستنكرا هذا الوضع‪﴿ :‬وكيف تأخذونهۥ وقد أفَض بعض‬
‫َ‬ ‫َ َ ۡ َ‬ ‫َ‬
‫ِيثٰ ًقا غلِيظا﴾ [النساء‪ ،]21:‬أي كيف تأخذونه وقد أطلع كل منكما‬ ‫ُ د َ‬
‫إ ِ َٰل َب ۡعض َوأخذن مِنكم م‬
‫صاحبه على عورته‪ ،‬وأخذن منكم عهدا وثيقا مؤكدا بيمّي وعهد‪.‬‬
‫مقدار صداق المرأة‪:‬‬
‫أمجع الفقهاء على أن املهر ليس له حد أعلى‪ ،‬وذلك لعدم قيام الدليل على حتديد حد‬
‫أعلى له‪ ،‬بل إن عمر ‪ ‬هم أن مينع الناس من املغاالة يف املهور مرة‪ ،‬وخطب الناس يف ذلك‬
‫صدقات‬
‫وقال فيما رواه الشعيب فقال‪ :‬إن عمر بن اخلطاب ‪ ‬قام خطيبا فقال‪ :‬ال تُغالوا يف ُ‬

‫(‪ )1‬املعجم الوجيز‪ ،‬جممع اللغة العربية‪ ،‬طبعة ‪1411‬ه‪1990-‬م‪.‬‬


‫(‪ )2‬رد احملتار على الدر املختار‪ ،‬حممد أمّي (ابن عابدين)‪ ،‬ط‪1383 ،2‬ه‪1963/‬م املطبعة األمريية‪ ،‬القاهرة ‪.337 /2‬‬
‫(‪ )3‬تفسري القرطيب (‪.)23/5‬‬
‫(‪)22‬‬
‫النساء‪ ،‬فما بلغين أن أحدا ساق أكثر مما ساقه رسول اهلل ‪ ‬إال جعلت الفضل يف بيت املال‪،‬‬
‫فاعرتضته امرأة من نساء قريش‪ ،‬فقالت‪ :‬يعطينا اهلل ومتنعنا؟ كتاب اهلل أحق أن يتبع‪ ،‬قال اهلل‬
‫َ ُُ‬ ‫َۡ َ ُ‬
‫ك ۡم َعن َ ۡ‬ ‫َۡ َ‬ ‫ُ ْ د ٓ‬
‫َشء دم ِۡن ُه َن ۡفسا فُك ُوه َهنِيٓـا ام ِريٓـا﴾‬ ‫َ‬
‫تعاىل‪َ ﴿:‬و َءاتوا ٱلن ِ َسا َء َص ُدقٰت ِ ِه ان ِِنلة َۚ فإِن طِۡب ل‬
‫(‪)1‬‬
‫[النساء‪ ،]4:‬فرجع عمر وقال‪ :‬كل أحد يصنع مباله ما شاء ‪.‬‬ ‫‪،‬‬

‫هذا وعلى الرغم من صراحة اآلية الكرمية يف عدم تعيّي أي حد ألعلى املهر‪ ،‬فقد اتفق‬
‫الفقهاء على استحسان االعتدال يف املهور‪ ،‬دون التغايل فيها‪ ،‬ملا ورد يف السنة عن سهل بن‬
‫سعد الساعدي قال‪ :‬جاءت امرأة إىل رسول اهلل ‪ ،‬فقالت‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬جئت ألهب لك‬
‫وصوبه‪ ،‬مث طأطأ رسول اهلل ‪ ‬رأسه‪ ،‬فلما‬ ‫نفسي‪ ،‬فنظر إليها رسول اهلل ‪ ،‬فصعَّد النظر فيها َّ‬
‫رأت املرأة أنه مل يقض فيها شيئا جلست‪ ،‬فقام رجل من أصحابه‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬إن مل‬
‫يكن لك هبا حاجة‪ ،‬فزوجنيها فقال‪" :‬فهل عندك من شيء"‪ ،‬فقال‪ :‬ال واهلل يا رسول اهلل‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫"اذهب إىل أهلك‪ ،‬فانظر هل جتد شيئا؟"‪ ،‬فذهب مث رجع فقال‪ :‬ال واهلل يا رسول اهلل‪ ،‬ما‬
‫وجدت شيئا‪ ،‬فقال رسول اهلل ‪" :‬انظر ولو خامتا من حديد"‪ ،‬فذهب مث رجع فقال‪ :‬ال واهلل‬
‫يا رسول اهلل‪ ،‬وال خامتا من حديد ولكن هذا إزاري‪( ،‬قال سهل‪ :‬ما له من رداء)‪ ،‬فلها نصفه‪،‬‬
‫لبستَه مل يكن‬
‫لبسْته مل يكن عليها من شيء‪ ،‬وإن ْ‬ ‫فقال رسول اهلل ‪" :‬ما تصنع بإزارك إن َ‬
‫عليك منه شيء"‪ ،‬فجلس الرجل حىت إذا طال جملسه‪ ،‬قام فرآه رسول اهلل ‪ ‬موليا فأمر به‬
‫فدعي‪ ،‬فلما جاء قال‪" :‬ماذا معك من القرآن؟"‪ ،‬قال‪ :‬معي سورة كذا (عددها)‪ ،‬فقال‪" :‬تقرؤهن‬ ‫ُ‬
‫(‪)2‬‬
‫عن ظهر قلبك؟"‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪" :‬اذهب فقد ملكتها مبا معك من القرآن" ‪ .‬وهذا يدل على‬
‫ان املهر حق للمرأة يف االسالم وال يسقط هذا احلق إال بإذهنا‪.‬‬

‫(‪ )1‬احلاوي (‪ ،)11/12‬واملغين (‪.)681/6‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري‪ ،)2310( :‬ومسلم (‪.)3471‬‬
‫(‪)23‬‬
‫‪ - 3‬حق المرأة في اإلرث‪:‬‬
‫تعريف الميراث لغةً‪:‬‬
‫ث إِ ِرثا ِ‬
‫ومرياثا‪ ،‬وَوِرثت‬ ‫(وِرث يَِر ُ‬
‫كلمة مرياث يف أصل اللغة العربية مشتقة من الفعل الثالثي َ‬
‫(‪)1‬‬
‫فالنا ماال‪ ،‬إذا مات مورثك فصار مرياثه لك ‪.‬‬
‫تعريف الميراث في اصطالح الفقه اإلسالمي‪:‬‬
‫عرف الفقهاء املرياث بأنه‪( :‬انتقال امللكية من امليت إىل ورثته األحياء‪ ،‬سواء أكان املرتوك‬
‫(‪)2‬‬
‫ماال أم عقارا أم حقا من احلقوق الشرعية ‪.‬‬
‫وقد أثبت اهلل سبحانه وتعاىل حق املرياث للمرأة‪ ،‬وقد كانت املرأة قبل االسالم تابعة للرجل‬
‫فحرمت من كثري من احلقوق حبجة أهنا ليست أهال هلا‪ ،‬ومما‬ ‫يف كل شيء‪ ،‬مسلوبة احلق واإلرادة ُ‬
‫سلبته اجلاهلية من املرأة املرياث‪ ،‬فقد كان العرب يف اجلاهلية يرون أن املرأة ال تستحق أن ترث‬
‫من أقارهبا شيئا؛ ألهنا ال حتمل السيف‪ ،‬وال حتمي البيضة‪ ،‬وال حتوز الغنيمة؛ لذا كان املرياث وقفا‬
‫على ذوي البالء يف احلروب‪ ،‬من األوالد الذكور وحدهم‪ ،‬يأخذه األكرب فاألكرب‪ ،‬وألن املال‬
‫الذي يعطى هلا يذهب إىل الغرماء الذين تزوجت إليهم‪ ،‬وقد يكونون من األعداء‪ ،‬وهم حريصون‬
‫على أن يبقى ماهلم يف أسرهم‪ ،‬فكانوا حيرموهنا من أي حق مايل آخر كاملرياث واملهر وغريمها‪.‬‬
‫وملا جاء اإلسالم أزال عنها ذلك احليف وأبعد الظلم‪ ،‬وقرر هلا نصيبا من املرياث‪ ،‬حقا‬
‫مفروضا‪ ،‬خالصا هلا‪ ،‬ال منَّة فيه ألحد وال فضل‪ ،‬وصار للمرأة نصيب يف املرياث‪ ،‬بعد أن كانت‬
‫هي نصيبا من املرياث‪ ،‬وأصبحت متلك وتتصرف يف ملكها بعد أن كانت هي مملوكة‪ .‬ونزل‬
‫القرآن يقرر مبدأ حقها يف املرياث‪ :‬بعد أن كانت حترم منه قبل اإلسالم‪ ،‬وقال اهلل تعاىل يف إبطال‬
‫َ‬ ‫د د َ َ‬
‫صيب دم اِما ت َر َك‬ ‫ظلم الذين كانوا مينعون النساء من اإلرث وجيعلونه للرجال خاصة ﴿ل ِ ِ‬
‫لرجا ِل ن ِ‬
‫َ‬
‫ن ِصيبا‬ ‫ون م اِما قَ ال م ِۡن ُه أَ ۡو َك ُ َ‬
‫َث‬
‫د ا َ َ َ ۡ َٰ َ َ ۡ َۡ َ ُ َ‬
‫ب‬ ‫ر‬‫ق‬ ‫ٱۡل‬‫و‬ ‫ان‬ ‫ل‬
‫ِ‬ ‫و‬‫ٱل‬ ‫ك‬‫ر‬ ‫ت‬ ‫ا‬‫ِم‬
‫م‬ ‫يب‬ ‫ص‬
‫ۡ َٰ َ َ ۡ َۡ َ ُ َ َ د َ ٓ َ‬
‫ان وٱۡلقربون ول ِلنِساءِ ن ِ‬
‫َۚ‬ ‫ِ‬ ‫ٱلو ِل ِ‬
‫اآلية‬ ‫ام ۡف ُروضا﴾ [النساء‪ ،]7:‬مث َّبّي نصيب كل وارث من الرجال والنساء يف آيات املواريث من‬
‫َ ِّ‬
‫املفصلة يف سائر اآليات‪.‬‬
‫العاشرة من هذه السورة‪ ،‬وهي مبنية على قاعدة الغنم بالغرم َّ‬

‫(‪ )1‬لسان العرب‪.)111/2( ،‬‬


‫(‪ )2‬املواريث يف الشريعة اإلسالمية يف ضوء الكتاب والسنة‪ ،‬للصابوين‪ ،‬ص (‪.)27‬‬
‫(‪)24‬‬
‫وتوالت اآليات تفصل نصيب كل وارث‪ ،‬وتبّي مقداره‪ ،‬وقد كان هلذا التغيري اجلذري‬
‫للموروثات والتقاليد أثره يف اجملتمع املسلم‪ ،‬حىت إن بعضهم ُد ِهش هلذا التكرمي البالغ‪ ،‬والعطاء‬
‫السخي للمرأة‪ ،‬ووقع األمر يف نفوسهم موقع االستغراب والتساؤل‪ ،‬فقالوا‪ :‬تعطى املرأة الربع أو‬
‫الثمن‪ ،‬وتعطى االبنة النصف‪ ،‬ويعطى الغالم الصغري‪ ،‬وليس أحد من هؤالء يقاتل القوم‪ ،‬وال‬
‫حيوز الغنيمة؟! وبذلوا حماوالت للتغيري أو الرجوع‪ ،‬ولكن ما أمضاه اهلل فلن يرجع عنه‪ ،‬وما حكم‬
‫به فلن يغري‪ .‬وهبذا قضى اإلسالم على ظُلمة من ظُلمات اجلاهلية للمرأة‪ ،‬عاشت أسرية هلا قرونا‬
‫طويلة‪ ،‬عانت بسببها كثريا من تبعيتها للرجل وتسلطه عليها وحتكمه هبا‪.‬‬
‫وقد بىن اإلسالم توزيع األنصاب على الورثة على قاعدة‪ :‬الغنم بالغرم‪ ،‬وهو عادل يف ذلك‬
‫ومنصف كل اإلنصاف‪ ،‬وهذا متفق مع عدالة اإلسالم يف توزيع األعباء والواجبات‪ ،‬فهو يلزم‬
‫الرجل يف مقابل ذلك بأعباء‪ ،‬وواجبات مالية‪ ،‬ال تلزم مبثلها املرأة‪ :‬فالرجل يتزوج ويدفع املهر‪،‬‬
‫ويؤثث البيت ويعد السكن‪ ،‬واملرأة تتزوج ويُدفع هلا املهر‪ ،‬ويؤثث هلا البيت ويعد السكن‪ ،‬والرجل‬
‫يتزوج فيعول امرأة (زوجته) وأوالدا‪ ،‬والبنت تتزوج فيعوهلا الرجل‪ ،‬وال تعوله وال تكلف بشيء من‬
‫ذلك‪ :‬ولو كانت ثرية وهو فقري‪.‬‬
‫والبنت يف حال الصغر نفقتها على أبيها أو أخيها أو قريبها الذكر‪ ،‬ويف الكرب على زوجها‪،‬‬
‫واالبن يف حال الكرب‪ ،‬يعول نفسه وأسرته‪ ،‬ومن ال عائل له من أهله وذويه‪ .‬ونفقة أوالدها بعد‬
‫الزواج على أبيهم‪ ،‬خبالف نفقة أوالد االبن فإهنا عليه‪ .‬والرجل يتحمل نفقات الضيافة والعقل‪،‬‬
‫واجلهاد واملغارم‪ ،‬واملرأة ال تتحمل شيئا من ذلك‪.‬‬
‫لقد وضع اإلسالم يف اعتباره تلك األعباء والتكاليف وااللتزامات اليت كلف هبا الرجل حّي‬
‫أعطاه ضعف نصيب األنثى يف املرياث‪ ،‬ولو ُدقِّق النظر يف مقدار ما خيسره الرجل من املال‪،‬‬
‫للقيام بتلك األعباء والتكاليف‪ ،‬لعرفنا أن اإلسالم كان كرميا متساحما مع املرأة حّي طرح عنها‬
‫كل تلك األعباء وألقاها على كاهل الرجل‪ ،‬مث أعطاها نصف ما يأخذ‪.‬‬
‫واملرأة هبذا التشريع الكرمي رحبت من جانبّي‪:‬‬
‫األول‪ :‬قرر هلا حقا يف املرياث‪ ،‬ومل يكن هلا شيء من ذلك يف اجلاهلية‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬قدر هلا هذا احلق بنصف نصيب الذكر‪ ،‬مع طرح مجيع األعباء وااللتزامات املالية‬
‫عنها‪ .‬ومن هنا يظهر مقدار تكرمي اإلسالم هلا‪ ،‬وتقديره إياها وفضله عليها‪.‬‬

‫(‪)25‬‬
‫‪ - 4‬حق المرأة في النفقة‬
‫النفقة‪ :‬هي توفري ما حتتاج إليه الزوجة من الطعام واللباس والسكن والدواء وحنو ذلك حسب‬
‫العرف والقدرة‪.‬‬
‫والنفقة واجبة على الزوج لزوجته؛ ألن اإلنفاق من آثار الزوجية‪ ،‬فالبد أن ينفق عليها‪ ،‬مامل‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫يوجد نشوز مينع من اإلنفاق عليها‪ ،‬قال تعاىل‪ِِ ﴿ :‬لُنفِ ۡق ذو َس َعة دمِن َس َعتِهِۦ َو َمن قد َِر َعل ۡيهِ رِ ۡزق ُهۥ‬
‫اُ َۡ ً ا َٓ َ َ َ َ ۡ َُ اُ َۡ َ ُ ۡ ُۡ‬ ‫َُۡ ۡ آ َ ُ اُ َ ُ َ دُ‬
‫فلين ِفق مِما َءاتىٰه ٱَّللَۚ َّل يكل ِف ٱَّلل نفسا إَِّل ما َءاتىٰها َۚ سيجعل ٱَّلل بعد عس يسا﴾ [الطالق‪]7:‬‬

‫ونفقة الزوجة واجبة على زوجها‪ ،‬وهي حق من آكد حقوقها عليه‪ ،‬فيلزمه توفري كل ما حتتاج‬
‫إليه من مأوى ومتاع بيت وطعام وكساء ودواء وحنو ذلك مما حتتاج إليه املرأة وجرت به العادة‬
‫وتعارف عليه الناس‪.‬‬
‫والنفقة الزمة على الزوج على كل حال‪ ،‬سواء أكان موسرا أم معسرا‪ ،‬وسواء أكانت زوجته‬
‫غنية أم فقرية؛ ألن إنفاقه عليها من باب املعاوضة‪ ،‬فهي حمبوسة عليه ملصلحته ومصلحة بيته‬
‫وعياله‪ ،‬فتجب عليه نفقتها ولو كانت متلك املاليّي‪.‬‬
‫وهذا من أهم الفروق بّي نفقة الزوجات‪ ،‬ونفقة القرابة كالوالدين واألوالد وغريهم؛ ألن‬
‫النفقة عليهم من باب اإلحسان واملواساة‪ ،‬فيشرتط لوجوب النفقة هلم أن يكون ِ‬
‫املنفق غنيا قادرا‬
‫على اإلنفاق‪ ،‬وأن يكونوا فقراء ال مال هلم وال كسب يستغنون به‪ ،‬فإن كان أحدهم موسرا أو‬
‫قادرا على التكسب فال نفقة له‪ ،‬ألهنا جتب له على سبيل املواساة‪ ،‬واملوسر مستغ ٍن عن املواساة‪.‬‬
‫َ ََ‬ ‫د ُ َ‬
‫ٱلر َجال ق او ٰ ُمون لَع‬
‫وقد دل على ذلك الكتاب والسنة واإلمجاع واملعقول‪ .‬قال اهلل تعاىل‪ِ ﴿ :‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ٓ َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٓ‬
‫ٱلند ِ َساءِ ب َما ف اضل ا ُ‬
‫لَع َب ۡعض َوب ِ َما أ َنف ُقوا م ِۡن أ ۡم َوٰل ِ ِه ۡ َۚم ﴾ [النساء‪ ،]34:‬فدلت اآلية على‬
‫ٱَّلل َب ۡع َض ُه ۡم ٰ‬ ‫ِ‬
‫وجوب نفقة الزوجة على زوجها‪ ،‬وأن إلزامه هبذا الواجب من أسباب جعل القوامة له عليها‪،‬‬
‫َ َ ُ َ َ َۡ ُُۡ َُۡ ۡ ا ٓ َ َ ُٰ اُ َ‬ ‫ُ‬
‫ٱَّللَۚ َّل‬ ‫وقال ‪ -‬عز وجل‪ِِ ﴿ :‬لُنفِ ۡق ذو َس َعة دمِن َس َعتِهِۦ ومن قدِر عليهِ رِزقهۥ فلينفِق مِما ءاتىه‬
‫ٓ‬ ‫ا‬
‫ٱَّلل َن ۡف ًسا إَّل َما َءاتَى ٰ َها َۚ َس َي ۡج َع ُل ا ُ‬
‫كل ُِف ا ُ‬
‫ُ َ‬ ‫د‬
‫ٱَّلل َب ۡع َد ُع ۡس ي ُ ۡسا﴾ [الطالق‪ .]7:‬وقد جاءت هذه اآلية‬ ‫ِ‬ ‫ي‬
‫يف سياق أحكام الزوجات‪ ،‬واخلطاب فيها لألزواج أن ينفقوا على زوجاهتم بقدر استطاعتهم‪،‬‬
‫واألمر للوجوب‪.‬‬

‫(‪)26‬‬
‫(‪)1‬‬
‫قال القرطيب يف اآلية‪" :‬أي‪ :‬لينفق الزوج على زوجته‪ ،‬وعلى ولده الصغري على قدر‬
‫موسعا عليه‪ .‬ومن كان فقريا فعلى قدر ذلك"‪.‬‬
‫وسعه‪ ،‬حىت يوسع عليهما إذا كان ن‬
‫وعن عائشة ‪ -‬رضي اهلل عنها ‪ -‬قالت‪ :‬دخلت هند بنت عتبة‪ ،‬امرأة أيب سفيان على‬
‫رسول اهلل ‪ ،‬فقالت‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬إن أبا سفيان رجل شحيح‪ ،‬ال يعطيين من النفقة ما‬
‫علي يف ذلك من جناح؟ فقال‬‫بين‪ ،‬إال ما أخذت من ماله بغري علمه‪ ،‬فهل ن‬‫يكفيين‪ ،‬ويكفي ن‬
‫(‪)2‬‬
‫رسول اهلل ‪" :‬خذي من ماله باملعروف‪ ،‬ما يكفيك ويكفي بنيك" متفق عليه ‪.‬‬
‫فهذا احلديث صريح يف وجوب نفقة الزوجة على زوجها‪ ،‬وأن ذلك مقدر بكفايتها‪ ،‬ولو مل‬
‫تكن نفقتها واجبة عليه‪ ،‬مل يأذن هلا باألخذ من ماله بغري إذنه‪.‬‬
‫إىل غري ذلك من اآليات واألحاديث‪ ،‬وهي كثرية‪ .‬وعلى ذلك أمجعت األمة‪ ،‬قال ابن‬
‫قدامة‪" :‬اتفق أهل العلم على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهن‪ ،‬إذا كانوا بالغّي‪ ،‬إال الناشز‬
‫(‪)3‬‬
‫منهن‪ .‬ذكره ابن املنذر وغريه" ‪.‬‬
‫ويف ظل متغريات احلياة وخروج املرأة للعمل‪ ،‬فإن خرجت برضى زوجها وإذنه وعلمه لتساعده‬
‫على متطلبات احلياة فإن نفقتها على زوجها وبالرتاضي بينهما على حسب حال الزوج من الغىن‬
‫والفقر‪ ،‬أما إن خرجت دون إذنه وال رضاه فال يكون للزوجة نفقة يف هذه احلالة‪.‬‬

‫(‪ )1‬تفسري القرطيب (‪.)170 /18‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري‪ ،)5374( :‬ومسلم (‪.)1714‬‬
‫(‪ )3‬املغين‪.)156 /8( ،‬‬
‫(‪)27‬‬
‫ج ‪ -‬الحقوق االجتماعية‪:‬‬
‫‪ - 1‬حق المرأة في العشرة‬
‫واملراد به إحسان الصحبة‪ ،‬وكف األذى‪ ،‬وعدم َمطل احلقوق مع القدرة‪ ،‬وإظهار البِشر‬
‫والطالقة واالنبساط لألم واالخت والبنت والزوجة وحمارمه من النساء قال النيب ‪" :‬خريكم‬
‫(‪)1‬‬
‫خريكم ألهله‪ ،‬وأنا خريكم ألهلي" ‪.‬‬
‫َ‬ ‫ۡ ۡ‬ ‫َ ُ ُ‬
‫شوه ان بِٱل َمع ُر ِ ِۚ‬
‫وف فإِن‬ ‫تعاىل‪﴿ :‬وَََع ِ‬ ‫وهي واجبة على الزوج على زوجته‪ ،‬واألصل فيها قوله‬
‫َ‬ ‫َۡ‬ ‫اُ‬ ‫ََ ۡ ََ‬
‫ِس أن تك َرهوا شيـا ويجعل ٱَّلل فِيهِ خيا كثِيا﴾ [النساء‪.]19:‬‬
‫َ َ ۡ ُ ْ َ ۡ‬
‫ك ِرهتموهن فع ٰٓ‬ ‫َ ُُۡ ُ ا ََ َ‬

‫ۡ َ ُ ۡ‬ ‫َ‬
‫قال القرطيب يف قوله تعاىل‪﴿ :‬فإِمساكُۢ ب ِ َمع ُر ٍ‬
‫وف﴾ [البقرة‪ ]229:‬وذلك توفية حقها من املهر‬
‫والنفقة‪ ،‬وأال يعبس يف وجهها بغري ذنب‪ ،‬وأن يكون منطلقا يف القول ال فظا وال غليظا وال مظهرا‬
‫(‪)2‬‬
‫ميال إىل غريها‪ .‬والعشرة‪ :‬املخالطة واملمازجة ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫وقال النيب ‪ " :‬استوصوا بالنساء خريا؛ فإهنن َعوان عندكم" ‪.‬‬
‫ضعفها ومسكنتها‪.‬‬
‫أي‪ :‬أسريات‪ ،‬وهذا يدل على َ‬
‫ومعىن قول النيب ‪( :‬استوصوا)‪ :‬من االستيصاء‪ ،‬ومعىن االستيصاء‪ :‬قَبول الوصية‪ ،‬فكأنه‬
‫هبن‪ ،‬فاقبلوا وصيَّيت فيهن‪ ،‬أو يكون املعىن‪ :‬اطلبوا الوصية؛ أي‪ :‬من أنفسكم يف‬ ‫يقول‪ :‬أوصيكم َّ‬
‫حقهن‪.‬‬
‫فيجب على الزوج اإلحسان إليها‪ ،‬وعليه أن يرتفَّق هبا؛ فقد قال النيب ‪" : ‬من ُحيَرم الرفق‪،‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ُحيَرم اخلري كله" ‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه الرتمذي (‪ ،)3895‬وابن حبان (‪ )4177‬وصححه‪ ،‬وانظر‪ :‬الصحيحة (‪.)285‬‬


‫(‪ )2‬تفسري القرطيب (‪.)97 /5‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه ابن ماجه (‪ ،)1851‬والرتمذي (‪ )1197‬و(‪ ،)3341‬والنسائي يف الكربى (‪ )9124‬وقال الرتمذي‪ :‬هذا حديث حسن‬
‫صحيح‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه الرتمذي (‪ )1197‬و(‪ ،)3341‬والنسائي يف الكربى (‪ )9124‬والطحاوي يف مشكل اآلثار (‪ )2524‬و(‪ .)4865‬وقال‬
‫الرتمذي‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‬
‫(‪)28‬‬
‫ووصى النيب ‪ ‬بالنساء‪ ،‬فقال‪" :‬استوصوا بالنساء خريا؛ فإهنن ُخلِقن من ِضلَع أعوج‪ ،‬وإن‬
‫أعوج؛ فاستوصوا بالنساء‬
‫كسرته‪ ،‬وإن تركته مل َيزل َ‬
‫الضلَع أعاله‪ ،‬فإن ذهبَت تُقيمه َ‬
‫أعوج شيء يف ِّ‬
‫َ‬
‫(‪)1‬‬
‫خريا" ‪.‬‬
‫فالنيب ‪ ‬يرغب يف حسن املعاشرة مع النساء‪ ،‬إذا علِم الرجل فطرة املرأة اليت فطرها اهلل‬
‫فحينئذ يتعامل على هذا األساس‪ ،‬ويعاملها من باب الفضل‪ ،‬فيحسن أخالقه معها‪.‬‬‫ٍ‬ ‫عليها‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫فقد قال النيب ‪": ‬أكمل املؤمنّي إميانا أحسنهم خلقا‪ ،‬وخياركم خياركم لنسائهم" ‪.‬‬
‫ومن حسن الصحبة واملعاشرة باملعروف للنساء احملارم‪:‬‬
‫‪ - 1‬طالقة الوجه والكلمة الطيبة‪.‬‬
‫قال الرسول ‪" :‬ال َحتقرن من املعروف شيئا‪ ،‬ولو أن تلقى أخاك بوجه طَْل ٍق"‪ .‬وعن أيب‬
‫(‪)3‬‬
‫ومن أحق من األم واألخت والبنت‬ ‫هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال الرسول‪" :‬والكلمة الطيبة صدقة" ‪َ .‬‬
‫والزوجة هبذا املعروف‪ ،‬وهذه الصدقة؟! فالكالم هلن عبادة‪.‬‬
‫إن للكلمة الطيبة سحرا يف قلوب الناس‪ ،‬وخاصة النساء؛ فإهنن أصحاب عواطف ُهتيجها‬
‫االبتسامة وال َكلِم الطيب‪ .‬إن املرأة ال حتتاج إىل املال ومتاع الدنيا‪ ،‬أكثر مما حتتاج إىل كلمة طيبة‪،‬‬
‫تشعر فيها بكرامتها وقيمتها اإلنسانية؛ فالكلمة الطيبة واالبتسامة اجلميلة من أغلى وخصوصا‬
‫من الزوج لزوجته وعندما تقوم املرأة خبدمة بيتها وزوجها‪ ،‬فيقابلها بالكلمة الطيبة‪ :‬من الدعاء هلا‬
‫وجدت معروفها يُشكر‪ ،‬وأن خريها يُذكر وال يُكفر‬ ‫باخلري‪ ،‬والدعاء أن يبارك اهلل فيها‪ ،‬فاملرأة إن َ‬
‫ونشطت لإلحسان إليه‪ ،‬والقيام بأمره وشأنه‪ ،‬بل كان ذلك معينا هلا‬ ‫محدت ذلك من زوجها‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬
‫على البقاء على العِشرة باملعروف‪.‬‬
‫ومن ُحسن العشرة طيب الكالم‪ ،‬وحسن الفعال واهليئات‪ ،‬والتغاضي عن اهلفوات‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫وانظر إىل حسن فعال النيب ‪ ‬مع أهل بيته؛ فقد أخرج اإلمام مسلم عن عائشة ‪-‬‬
‫رضي اهلل عنها ‪ -‬قالت‪« :‬كنت أشرب من اإلناء وأنا حائض‪ ،‬مث أناوله النيب ‪ ‬فيضع فاه على‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ )5186‬ومسلم (‪.)47‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه الرتمذي (‪ ،)2612‬والنسائي (‪.)9154‬‬
‫(‪ )3‬البخاري (‪ ،)2821‬ومسلم (‪.)1009‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه مسلم (‪.)300‬‬
‫(‪)29‬‬
‫وضعت فيه‬ ‫موضع يف‪ ،‬و َّ ِ‬
‫أتعرق الع ْرق وأنا حائض‪ ،‬فأعطيه النيب ‪ ‬فيضع فمه يف املوضع الذي َ‬
‫فمي»(‪.)1‬‬

‫‪ – 2‬اجللوس معهم ومؤانستهن‪.‬‬


‫كما كان يفعل النيب ‪ ‬مع أزواجه‪ ،‬فقد كان النيب ‪ ‬يصلي العشاء مث يذهب إىل بيته‪،‬‬
‫وحيدثهم ويسامرهم‪.‬‬
‫ويدخل على أهله ُ‬
‫‪ – 3‬التزين والتجمل وخاصة للزوجة‪.‬‬
‫تتجمل هي‬
‫فمن املعاشرة باملعروف أن يتزين ويتجمل الرجل وخاصة لزوجته‪ ،‬كما حيب أن َّ‬
‫(‪)2‬‬
‫له‪ ،‬قال ابن عباس ‪ :‬إين أحب أن أتزين المرأيت كما أحب أن تتزين املرأة يل ‪.‬‬
‫‪ - 4‬املودة والرمحة‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫دَ ُ ْ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َۡ َ َ َ ُ‬ ‫َ‬
‫قال تعاىل‪َ ﴿ :‬وم ِۡن َءايٰتِهِۦٓ أن خل َق لكم دم ِۡن أنفسِك ۡم أ ۡز َوٰجا ل ِت ۡسك ُن ٓوا إِِلۡ َها َو َج َعل بَيۡ َنكم‬
‫َۡ َََ ُ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ا‬ ‫د‬
‫اَا َ ََۡ ا‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ون﴾ [الروم‪ ،]21:‬فاملودة والرمحة أصل ُحسن الصحبة‬ ‫ۡحة َۚ إِن ِِف ذٰل ِك ٓأَليٰت ل ِقوم يتفكر‬‫مودة ور‬
‫واملعاشرة باملعروف‪ ،‬وهي سر السعادة‪.‬‬
‫ومن صور املودة والرمحة ما جاء به اخلرب الذي أخرجه اإلمام مسلم عن أم املؤمنّي عائشة‬
‫‪ -‬رضي اهلل عنها ‪ -‬قالت‪" :‬ما ضرب رسول اهلل ‪ ‬شيئا قط بيده‪ ،‬وال امرأة‪ ،‬وال خادما‪ ،‬إال‬
‫نيل منه شيء قط‪ ،‬فينتقم من صاحبه‪ ،‬إال أن يُنتَهك شيء من حمارم‬‫أن جياهد يف سبيل اهلل‪ ،‬وما َ‬
‫(‪)3‬‬
‫اهلل‪ ،‬فيَنتقم" ‪.‬‬
‫يبّي جبالء أن النيب ‪‬مل يكن ينتصر لنفسه قط‪ ،‬بل يتعامل مع زوجاته بود‬
‫فهذا احلديث ِّ‬
‫ورمحة‪ ،‬إال أن تُنتهك حمارم اهلل؛ فكان يغضب لذلك‪.‬‬
‫‪ - 5‬أن يسلم على أهل بيته إذا دخل البيت‪.‬‬
‫فمن املعاشرة باملعروف أن يسلم الرجل على أهل بيته إذا دخل عليهم البيت؛ فإن ذلك من‬
‫أسباب نشر احملبة واملودة‪ ،‬ومن أسباب جلب الربكة؛ قال الرسول ‪" :‬والذي نفسي بيده‪ ،‬ال‬

‫(‪" )1‬عودة احلجاب" (‪.)417 /1‬‬


‫(‪ )2‬تفسري القرطيب (‪.)97 /5‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم (‪.)2328‬‬
‫(‪)30‬‬
‫تدخلون اجلنة حىت تؤمنوا‪ ،‬وال تؤمنوا حىت حتابُّوا‪َ ،‬أوال أدلكم على شيء إذا فعلتموه حتاببتم؟‬
‫(‪)1‬‬
‫أفشوا السالم بينكم" ‪.‬‬
‫‪ – 6‬االحرتام واملراعاة يف حال الصحة واملرض‪.‬‬
‫على الرجل احرتام املرأة واحرتام قرابتها فيوقِّرهم ويرفع من شأهنم أمامها خاصة‪ ،‬فال يوخبهم‬
‫وال يذمهم‪ ،‬وهذا يزيد من احملبة بينهم؛ فيكون الوفاق بدال من الشقاق‪ ،‬واألُلفة مكان النفرة‪،‬‬
‫واألنس مكان الوحشة‪.‬‬
‫كما عليه مراعاهتن عند املرض‪ ،‬فقد غاب عثمان بن عفان ‪ ‬عن غزوة بدر؛ ألن زوجه‬
‫أجر َمن ش ِهد‬
‫رقية بنت رسول اهلل ‪‬كانت مريضة‪ ،‬فقال له رسول اهلل‪" :‬أقم معها‪ ،‬ولك ْ‬
‫(‪)2‬‬
‫بدرا وسهمه" ‪.‬‬
‫ومن‬
‫وهذا ليس عيبا وال نقصا يف رجولة الرجل‪ ،‬وإَّنا هو املُروءة والكرم‪ ،‬والرمحة والشفقة‪َ ،‬‬
‫ال يرحم ال يُرحم؛ فقد قال النيب ‪" :‬الرامحون يرمحهم اهلل‪ ،‬ارمحوا أهل األرض‪ ،‬يرمحكم أهل‬
‫(‪)3‬‬
‫السماء" ‪.‬‬
‫فها هو أعظم الرجال حممد ‪ ‬ال يستنكف أبدا ‪ -‬وهو الذي حيمل أعباء األمة اإلسالمية‬
‫بأسرها ‪ -‬أن يساعد زوجته يف عمل البيت‪ ،‬بأيب هو وأمي ‪ ‬وهو املثل األعلى؛ وعن عائشة‬ ‫ْ‬
‫وخيدم نفسه" ‪-‬‬ ‫‪ -‬رضي اهلل عنها ‪ -‬أهنا قالت‪" :‬كان رسول اهلل ‪ ‬يَ ْفلِي ثوبه‪َ ،‬‬
‫وحيلب شاتَه‪َ ،‬‬
‫(‪)4‬‬
‫وخييط" ‪.‬‬ ‫صف النعل‪ ،‬ويرقع الثوب َِ‬
‫ويف رواية ‪" :-‬كان َخي ِ‬
‫َ‬
‫وعند البخاري أن األسود بن يزيد النخعي سأل عائشة ‪ -‬رضي اهلل عنها ‪" :-‬ما كان النيب‬
‫خرج"‪ ،‬وعند البخاري‬ ‫ِ‬
‫‪ ‬يصنع يف البيت؟ قالت‪ :‬كان يكون يف َمهنة أهله‪ ،‬فإذا مسع األذان َ‬
‫أيضا من حديث عائشة ‪ -‬رضي اهلل عنها ‪" :-‬كان رسول اهلل ‪ ‬يكون يف مهنة أهله ‪ -‬يعين‬
‫(‪)5‬‬
‫خدمة أهله ‪ -‬فإذا حضرت الصالة خرج إىل الصالة" ‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)54‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪.)3130‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الرتمذي (‪ ،)1924‬واحلاكم (‪.)159 /4‬‬
‫(‪ )4‬األدب املفرد (‪.)540‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه البخاري (‪.)676‬‬
‫(‪)31‬‬
‫‪ –7‬الصرب والعفو عن الزالت والتغافل عن اهلفوات‪.‬‬
‫ما منا من أحد إال وله أخطاء وزالت وعثرات‪ ،‬وهذه طبيعة البشر‪ ،‬وقد أوصى الرسول‪‬‬
‫بالرفق عند تقومي املرأة‪ ،‬عن أيب هريرة ‪ ‬قال‪ :‬الرسول‪َ " :‬من كان يؤمن باهلل واليوم اآلخر‪،‬‬
‫فإذا شهد أمرا فليتكلم خبري أو ليسكت‪ ،‬واستوصوا بالنساء؛ فإن املرأة ُخلِقت من ِضلَع‪ ،‬وأن‬
‫أعوج‪ ،‬استوصوا بالنساء‬
‫الضلَع أعاله‪ ،‬إن ذهبت تُقيمه كسرته‪ ،‬وإن تركته مل يزل َ‬
‫أعوج شيء يف ِّ‬
‫(‪)1‬‬
‫ذهبت‬ ‫قوم ٍ‬
‫برفق‪ .‬ويف رواية مسلم‪" :‬وإن َ‬ ‫قوم‪ ،‬ولكن تُ َّ‬
‫خريا" ‪ .‬وهذا احلديث دل على أن املرأة تُ َّ‬
‫كسرها‪ :‬طالقها"‪.‬‬
‫كسرهتا‪ ،‬و ْ‬
‫تُقيمها َ‬
‫فينبغي للرجل أن يراعي هذا القصور‪ ،‬ويغض الطرف عن بعض أخطاء الزوجة‪ ،‬إن مل يكن‬
‫فيه إخالل بشرع اهلل‪ ،‬وال يتخذ هذا القصور مربرا للطعن يف شخصية املرأة‪ ،‬أو االنتقاص من‬
‫قدرها يف كل آن وحّي‪ ،‬بل جيعل هذا احلديث دواء لعالج أي مشكلة زوجية‪ ،‬ولذلك يتوقع‬
‫الزوج التقصري من الزوجة‪.‬‬
‫عن أيب هريرة‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪" :‬ال يفرك مؤمن مؤمنة‪ ،‬إن كره منها خلقا رضي‬
‫(‪)2‬‬
‫منها آخر" أو قال‪" :‬غريه" ‪ .‬يف هذا احلديث توجيه إىل عدم بُغض الزوج لزوجته بالكلية؛ مما‬
‫جيعله يُفارقها‪ ،‬بل عليه ‪ -‬إن حدث منها تقصري ‪ -‬أن ينظر إىل اجلانب املشرق من أخالقها‬
‫ويتذكر حسناهتا‪ ،‬فكم هلا من ٍ‬
‫أياد بيضاءَ عليه‪،‬‬ ‫احلسنة األخرى‪ ،‬فيغض الطرف عن سيئاهتا َّ‬
‫و َّ‬
‫ليتذكر سائر أعمال الزوجة الطيبة‪ ،‬وهبذا يعيش معها سليم الصدر‪ ،‬فال بد للزوجّي أن يتخطى‬
‫كل منهما هفوات اآلخر؛ حىت تستمر احلياة الزوجية‪.‬‬
‫كف األذى عنها‪ ،‬بل‬ ‫قال الغزايل ‪ -‬رمحه اهلل ‪"-‬واعلم أن ليس ُحسن اخللق مع املرأة َّ‬
‫احتمال األذى منها‪ ،‬واحللم عند طيشها وغضبها؛ اقتداء برسول اهلل ‪ ‬فقد كانت نساؤه‬
‫(‪)3‬‬
‫وهتجره الواحدة منهن يوما إىل الليل" ‪.‬‬
‫تُراجعنه الكالم‪َ ،‬‬
‫وانظر إىل هذا املوقف الذي عاجل فيه النيب ‪ ‬باحلكمة‪ ،‬ومراعاة ملشاعر املرأة اليت دافعها‬
‫الغَ ْرية؛ كان النيب ‪ ‬عند بعض نسائه‪ ،‬فأرسلت إحدى أمهات املؤمنّي بصحفة فيها طعام‪،‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪ ،)5186‬ومسلم (‪.)1468‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم (‪.)1469‬‬
‫(‪ )3‬إحياء علوم الدين (‪.)720 /4‬‬
‫(‪)32‬‬
‫يد اخلادم‪ ،‬فسقطت الصحفة‪ ،‬فانفلقت‪ ،‬فجمع النيب‪ ‬فلق‬ ‫فضربت اليت يف بيتها النيب ‪َ ‬‬
‫الصحفة‪ ،‬مثَّ جعل جيمع فيها الطعام‪ ،‬ويقول‪" :‬غارت أمكم" مثَّ حبس اخلادم‪ ،‬حىت أتى بصحفة‬
‫(‪)1‬‬
‫من عند اليت هو يف بيتها‪ ،‬فدفع إىل اليت ُكسرت صحفتُها وأمسك املكسورة ‪.‬‬

‫‪ - 2‬حق المرأة في التعليم‬


‫اهتم اإلسالم كثريا بتعليم املرأة وتثقيفها ومل حيرمها من تعلم كل ما ترغب فيه وتتطلع إليه‬
‫من علوم الدين والدنيا‪ ،‬وجعل التعليم حقا راسخا هلا ال جيوز ألحد‪ ،‬سواء أكان والدها أو‬
‫زوجها‪ ،‬أن حيرمها منه أو حىت يضع املعوقات يف طريقها‪ .‬ففي ظل االهتداء هبدي اإلسالم‬
‫تعلمت املرأة املسلمة ونبغت وأسهمت إسهاما فعاال يف احلركة العلمية‪ ،‬وبرزت أمساء نساء عاملات‬
‫وفقيهات وحمدثات ومفتيات وأديبات وشاعرات‪ ،‬وأيضا يف جماالت الطب والصيدلة والعمل‬
‫اخلريي والكتابة والدعوة والتعليم وبناء املداس ودور العلم ووقف الكتب واملصاحف وغريها يف‬
‫عصر ازدهار احلضارة اإلسالمية وحىت وقتنا احلاضر‪.‬‬
‫أهمية تعليم المرأة‪:‬‬
‫• يسهم يف حتسّي قدرة املرأة على التفكري وبالتايل تتمكن من مواكبة التطورات يف خمتلف‬
‫جماالت احلياة‪.‬‬
‫• خترج أجياال قادرة على النهوض مبستقبل وطنها‪.‬‬
‫• االرتقاء باملستوى التعليمي للمجتمع‪.‬‬
‫• يسمح هلا بالدفاع عن نفسها وعن حقوقها‪.‬‬

‫‪-3‬حق المرأة في العمل‬


‫الشريعة اإلسالمية – كقاعدة عامة ‪ -‬ال متنع أحدا من العمل والتكسب‪ ،‬ولكنها تضع‬
‫احلدود‪ ،‬والضوابط اليت تالئم‪ ،‬وتفيد اجملتمع وأفراده‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)5225‬‬


‫(‪)33‬‬
‫ذلك أن اإلسالم قد قسم األدوار بّي املرأة‪ ،‬والرجل تقسيما عادال فريدا لبناء أسرة سليمة‪،‬‬
‫فالرجل هو املسؤول عن نفقة أفراد أسرته وتأمّي احتياجاهتم‪ ،‬فهو يتوىل شؤون املنزل اخلارجية‪،‬‬
‫ويقع على املرأة مسؤولية العناية بالبيت‪ ،‬والزوج واألوالد‪ ،‬وتوفري الراحة واحلنان وتربية األوالد‪.‬‬
‫وحيث إن اجملتمع اإلسالمي حيتاج إىل عمل املرأة ببعض األعمال‪ ،‬واملهام على سبيل‬
‫الضرورة‪ ،‬كأن تعمل معلمة‪ ،‬وطبيبة‪ ،‬أو أن تعمل بأي عمل يفيد اجملتمع مع مراعاة الضوابط‬
‫الشرعية اليت من أمهها (‪.)1‬‬
‫‪ .1‬أال يكون لعمل املرأة تأثري سليب على حياهتا العائلية‪ :‬عن ابن عمر عن النيب ‪ ‬أنه قال‪:‬‬
‫"أال كلكم ر ٍاع‪ ،‬وكلكم مسؤول عن رعيته‪ ،‬فاألمري الذي على الناس ر ٍاع وهو مسؤول عن‬
‫رعيته‪ ،‬والرجل ر ٍاع على أهل بيته‪ ،‬وهو مسؤول عنهم‪ ،‬واملرأة راعية على بيت بعلها وولده‬
‫وهي مسؤولة عنهم‪ ،‬والعبد ر ٍاع على مال سيده‪ ،‬وهو مسؤول عنه أال فكلكم ر ٍاع‪ ،‬وكلكم‬
‫(‪)2‬‬
‫مسؤول عن رعيته" ‪.‬‬
‫ٓ‬ ‫َ ٰٓ َ ُّ َ ا ُّ ُ د َ ۡ َ ٰ َ‬
‫ك َوبَ َنات َِك َون َِساءِ‬ ‫‪ .2‬أال تعمل عمال فيه حمذور شرعي‪ :‬لقوله تعاىل‪﴿ :‬يأيها ٱنل ِِب قل ِۡلزو ِ‬
‫ج‬
‫ا َ ٰ َ َ ۡ َ ٰٓ َ ُ ۡ َ ۡ َ َ َ ُ ۡ َ ۡ َ َ َ َ ا ُ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُۡ ۡ َ ُۡ َ َ‬
‫ِني َعل ۡي ِه ان مِن َجلٰبِيب ِ ِهنَۚ ذل ِك أدِن أن يعرفن فَل يؤذينِۗ وَكن ٱَّلل غفورا‬ ‫ٱلمؤ ِمن ِني يدن‬
‫ارحِيما﴾ [األحزاب‪ ]59:‬عن أم عطية قالت‪ :‬أمرنا رسول اهلل ‪ ‬أن خنرجهن يف الفطر‪ ،‬واألضحى‬
‫العواتق‪ ،‬واحليض وذوات اخلدور‪ .‬فأما احليض فيعتزلن الصالة‪ ،‬ويشهدن اخلري‪ ،‬ودعوة‬
‫املسلمّي‪ ،‬قلت‪ :‬يا رسول اهلل إحدانا ال يكون هلا جلباب‪ ،‬قال‪ :‬لتلبسها أختها من‬
‫(‪)3‬‬
‫جلباهبا ‪ .‬فالرسول اهلل ‪ ‬قد أمر مجيع املسلمات أن تلبس احلجاب إن أردن اخلروج‪ ،‬وعند‬
‫ِ‬ ‫ت ابْ َن َعبَّ ٍ‬ ‫عدمه ال ميكنها أن خترج‪ .‬عن أَِيب معب ٍد قَ َ ِ‬
‫ب‬ ‫َّيب ‪َ " ‬خيْطُ ُ‬ ‫ت النِ َّ‬‫اس يَ ُق ُوال َمس ْع ُ‬ ‫ال َمس ْع ُ‬ ‫َ ْ َ َْ‬
‫ول َال َخيْلَُو َّن َر ُج ٌل بِ ْامَرأَةٍ إَِّال َوَم َع َها ذُو َْحمَرٍم َوَال تُ َسافِْر الْ َم ْرأَةُ إَِّال َم َع ِذي َْحمَرٍم فَ َق َام َر ُج ٌل‬ ‫يَ ُق ُ‬
‫ال انْطَلِ ْق فَ ُح َّج‬ ‫ت ِيف َغ ْزَوةِ َك َذا َوَك َذا قَ َ‬ ‫ِ‬
‫اجة َوإِ ِّين ا ْكتُتْب ُ‬
‫ت َح َّ‬ ‫ال يا رس َ ِ‬
‫ول اللَّه إِ َّن ْامَرأَِيت َخَر َج ْ‬ ‫فَ َق َ َ َ ُ‬
‫)(‬
‫ك ‪ .‬واللفظ ملسلم‬ ‫َم َع ْامَرأَتِ َ‬
‫‪4‬‬

‫(‪ )1‬انظر – احملاماة يف ضوء الشريعة االسالمية ‪,‬د‪ .‬مسلم اليوسف مؤسسة الريان ‪ ,‬بريوت ‪ ,‬لبنان‪2001،‬م ص‪ 131‬وانظر عمل املرأة يف‬
‫احملاماة‪ ،‬د‪ .‬مسلم اليوسف ‪ ,‬موقع عودة ودعوة ‪ ,‬على شبكة اإلنرتنت‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح مسلم (‪ ،)1828‬صحيح البخاري (‪.)853‬‬
‫(‪ )3‬صحيح مسلم (‪ .)883‬صحيح البخاري (‪.)318‬‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم (‪ ،)1341‬صحيح البخاري (‪.)2844‬‬
‫(‪)34‬‬
‫‪-3‬أن يأذن هلا وليها باخلروج للعمل‪ ،‬إال إذا كان الويل مينعها ظلما وتعسفا فيجوز هلا‬
‫اخلروج للحاجة دون إذنه‪.‬‬
‫‪-4‬أن يتوافق العمل مع طبيعة املرأة وقدرهتا اجلسدية والنفسية‪.‬‬
‫فوائد عمل المرأة‪:‬‬
‫حتمل املسؤولية جتاه عائلتها‪ ،‬ودعم مشاركتها االجتماعية‪ ،‬خارج إطار األعمال املنزلية‪.‬‬ ‫‪ُ -1‬‬
‫‪-2‬حتقيق االستقاللية املادية عن األب أو األخ األكرب أو الزوج‪ ،‬ويف الوقت نفسه مساعدهتم‬
‫يف تكاليف احلياة املعيشية‪.‬‬
‫‪-3‬رفع عجلة التنمية االقتصادية يف البالد واالستفادة من الكوادر النسائية ذات اخلربة‬
‫العلمية املتميزة‪.‬‬
‫‪-4‬رفع دخل األسرة وزيادة درجة الرفاهية لديها‪ ،‬فاملرأة العاملة سامهت بوضوح يف سد‬
‫حاالت الفقر والعوز لكثري من األسر‪ ،‬وهذا أمر هام يف سبيل احلفاظ على الكرامة والعزة‬
‫ذل وتعرض للمهانة‪ ،‬كما أضاف‬ ‫الشخصية‪ ،‬وكف اليد عن السؤال‪ ،‬وما يرتتب عليه من ن‬
‫عمل املرأة قوة اقتصادية أخرى لكثري من األسر مكنها من حتقيق حياة أفضل‪.‬‬
‫ومما جيدر التنبيه له أن املرأة تعد عاملة سواء كانت تعمل خارج املنزل أو داخله‪ ،‬بل إن‬
‫عملها ومهامها داخل املنزل تفوق عملها خارجه‪ ،‬حيث تقوم املرأة داخل املنزل بعدد من الوظائف‬
‫تصل إىل ما يزيد على ‪ 17‬وظيفة‪ ،‬فاملرأة العاملة داخل املنزل ال تقل عن نظريهتا اليت تعمل خارج‬
‫املنزل فكالمها يسامهان يف دعم األسرة وخدمة اجملتمع‪.‬‬

‫د‪ -‬الحقوق السياسية‬


‫‪ - 1‬حق المرأة في البيعة‪:‬‬
‫تعريف البيعة لغة‪ :‬املبايعة والطاعة‪ ،‬واملعاقدة واملعاهدة‪ ،‬كأن كل واحد منهما باع ما عنده‬
‫)‪(1‬‬
‫من صاحبه وأعطاه خالصة نفسه‪ ،‬وطاعته‪ ،‬ودخيلة أمره ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ا‬
‫[الفتح‪.]10:‬‬ ‫ٱَّللِ ف ۡو َق أيۡدِي ِه ۡ َۚم﴾‬
‫َ َُ ُ َ َ اَ َُ ُ َ اَ َُ ا‬ ‫ا‬
‫قال اهلل تعاىل‪﴿ :‬إِن ٱَّلِين يبايِعونك إِنما يبايِعون ٱَّلل يد‬

‫(‪ )1‬لسان العرب (‪ 26/8‬مادة ب ي ع)‪.‬‬


‫(‪)35‬‬
‫ِ‬
‫اإلسالم‬ ‫ويف احلديث أن النيب ‪ ‬قال جملاشع حينما سأله‪َ :‬ع َال َم تُبَايِعُنَا؟ قال‪َ :‬‬
‫"علَى‬
‫(‪)1‬‬
‫و ِ‬
‫اجلهاد" ‪.‬‬
‫)‪(2‬‬
‫عرفها ابن خلدون يف مقدمته ‪( :‬العهد على الطاعة)‪ .‬كأن املبايع‬ ‫اصطالحا‪ :‬كما َّ‬
‫ً‬ ‫والبيعة‬
‫يعاهد أمريه على أن يسلم له النظر يف أمر نفسه وأمور املسلمّي‪ ،‬ال ينازعه يف شيء من ذلك‪،‬‬
‫ويطيعه فيما يكلفه به من األمر على املنشط واملكره‪ ،‬وكانوا إذا بايعوا األمري وعقدوا عهده جعلوا‬
‫أيديهم يف يده تأكيدا للعهد‪ ،‬فأشبه ذلك فعل البائع واملشرتي‪ ،‬وصارت البيعة تقرتن باملصافحة‬
‫باأليدي‪ .‬هذا مدلوهلا يف اللغة ومعهود الشرع‪.‬‬
‫صور البيعة‪:‬‬
‫‪ -1‬املصافحة والكالم‪:‬‬
‫وهذا هو الغالب يف بيعات النيب ‪ ‬ومن ذلك بيعة الرضوان‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪ ﴿ :‬إ ان اٱَّل َ‬
‫ِين‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ َ ُ َ َ ا َ ُ َ ُ َ ا َ َ ُ ا َ ۡ َ َ ۡ ۡ َ َ ا َ َ َ ا َ َ ُ ُ َ َٰ َ ۡ‬
‫سهِۦ َو َم ۡن أ ۡو ََفٰ‬
‫يبايِعونك إِنما يبايِعون ٱَّلل يد ٱَّللِ فوق أيدِي ِه َۚم فمن نكث فإِنما ينكث لَع نف ِ‬
‫َ ۡ َ‬ ‫َ ََٰ َ َ َۡ ُ اَ َ ۡ‬
‫ٱَّلل ف َس ُيؤتِيهِ أج ًرا ع ِ‬
‫ظيما﴾ [الفتح‪.]10:‬‬ ‫بِما عهد عليه‬

‫‪ -2‬الكالم فقط‪:‬‬
‫وهذا يكون عادة يف مبايعته ‪ ‬للنساء‪ ،‬فقد كانت مبايعته هلن كالما فقط‪ ،‬ألنه ال جيوز‬
‫ميس يد امرأة أجنبية‪.‬‬
‫للمسلم أن َّ‬
‫مما ُروي أَن أُميمة بنت رقيقة دخلت يف نسوة تبايع‪ ،‬فقلن‪ :‬يا رسول اهلل‪« :‬ابسط يدك‬
‫نصافحك‪ .‬فقال‪" :‬إين ال أصافح النساء‪ ،‬ولكن سآخذ عليكن"‪ ،‬فأخذ علينا حىت بلغ‪َ " :‬وَال‬
‫صينَك ِيف معر ٍ‬
‫أطقنت واستطعنت"‪ ،‬فقلن‪" :‬اهلل ورسوله أرحم بنا من‬
‫ن‬ ‫وف" فقال‪" :‬فيما‬ ‫َ ُْ‬ ‫يَ ْع ِ َ‬
‫(‪)3‬‬
‫أنفسنا" ‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم (‪.)1863‬‬


‫(‪ )2‬مقدمة ابن خلدون‪ ،‬ص ‪.209‬‬
‫(‪ )3‬رواه ابن ماجة ح‪ ،)959/2( ،2875‬والنسائي (‪ ،)149/7‬ومالك يف املوطأ‪ ،‬تنوير احلوالك (‪ ،)250/2‬وأمحد يف املسند (‪.)357/6‬‬
‫وغريهم بألفاظ متقاربة‪ .‬وصححه األلباين انظر‪ :‬سلسلة األحاديث الصحيحة‪ ،‬ح‪.)52/2( ،529‬‬
‫(‪)36‬‬
‫‪ -3‬الكتابة‬
‫وهذا واضح يف مبايعة النجاشي له ‪ ‬حيث كتب إليه فقال‪" :‬بسم اهلل الرمحن الرحيم‪ ،‬إىل‬
‫حممد رسول اهلل من‪ :‬النجاشي األصحم بن أحبر‪ ،‬سالم عليك يا رسول اهلل ورمحة اهلل وبركاته من‬
‫اهلل الذي ال إله إال هو الذي هداين لإلسالم‪ ،‬أما بعد‪ :‬فقد بلغين كتابك يا رسول اهلل فيما‬
‫ذكرت من أمر عيسى‪ "...‬إىل أن قال‪" :‬وقد بايعتك وبايعت ابن عمك وأصحابه وأسلمت على‬
‫(‪)1‬‬
‫يديه هلل رب العاملّي" ‪.‬‬
‫أقسام البيعة‪:‬‬
‫‪ -1‬بيعة االنعقاد‪ :‬وهذه البيعة هي اليت يقوم هبا أهل احلل والعقد‪ ،‬ومبوجبها يكون للشخص‬
‫املبايع سلطان‪ ،‬له حق الطاعة والنصرة واالنقياد‪ .‬وهذه البيعة واضحة يف سرية اخللفاء الراشدين‬
‫رضي اهلل تعاىل عنهم‪ ،‬فقد كان أهل االختيار يقومون باختيار اإلمام مث يبايعونه كما فعل الصحابة‬
‫رضوان اهلل عليهم يف سقيفة بين ساعدة‪.‬‬
‫‪ -2‬أما البيعة العامة (بيعة الطاعة)‪ :‬فهي البيعة اليت يؤديها سائر املسلمّي بعد بيعة االنعقاد‪،‬‬
‫وهذا ما جرى عليه العمل يف بيعة اخللفاء الراشدين ‪ ،‬فأبو بكر ‪ ‬بعد أن بايعه أهل احلل‬
‫والعقد يف سقيفة بين ساعدة صعد املنرب اليوم الثاين‪ ،‬مث قام عمر ‪ ‬فأخرب الناس بأهنم قد‬
‫اختاروه وبايعوه‪ ،‬وأمرهم مببايعته فبايعه عامة املسلمّي‪ ،‬وهذه هي البيعة العامة‪.‬‬
‫وللمرأة حق يف بيعة السمع الطاعة ولو حضرت جاز هلا ذلك‪ ،‬فمما ثبت أن نسيبة بنت‬
‫كعب أم عمارة‪ ،‬وأمساء بنت عمرو أم منيع شهدتا بيعة العقبة الثانية‪ ،‬وبايعتا بيعة السمع والطاعة‪.‬‬

‫‪ -2‬حق المرأة في االنتخابات والشورى‬


‫َۡ‬
‫الشورى مبدأ أمر به اإلسالم‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪َ ﴿:‬و َشاوِ ۡر ُه ۡم ِِف ٱۡلم ِرِۖ ﴾ [آل عمران‪ ،]159:‬أثىن اهلل‬
‫ۡ‬

‫ى بَيۡ َن ُه ۡم‬ ‫ٱلصلَ ٰو َة َوأَ ۡم ُر ُه ۡم ُش َ‬


‫ور ٰ‬ ‫جابُوا ْ ل َِر دبه ۡم َوأَقَ ُ‬
‫اموا ْ ا‬ ‫ٱس َت َ‬ ‫‪ -‬عز وجل ‪ -‬على املؤمنّي فقال‪َ ﴿ :‬و اٱَّل َ‬
‫ِين ۡ‬
‫ِِ‬
‫َ ا َ َ ۡ َُٰ ۡ ُ ُ َ‬
‫ون﴾ [الشورى‪ ،]38:‬وقد طبق ذلك رسول اهلل ‪ ‬يف شؤون احلرب والسلم‪.‬‬ ‫ن‬ ‫ومِما رزقنهم ينفِق‬
‫ت ل َ ُه ۡم َول َ ۡو ُك َ‬
‫نت‬ ‫واملشاورة ال تكون إال قبل العزم والتبّي‪ ،‬لقول اهلل تعاىل‪﴿ :‬فَب َما َر ۡ َ‬
‫ۡحة دم َِن ٱ اَّللِ نلِ َ‬
‫ِ‬ ‫ن‬

‫(‪ )1‬البداية والنهاية (‪.)84/3‬‬


‫(‪)37‬‬
‫َۡ‬
‫ٱۡل ۡمر َفإ َذا َع َز ۡمتَ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ًّ َ َ ۡ َ ۡ َ َ ُّ ْ ۡ َ ۡ َ َ ۡ ُ َ ۡ ُ ۡ َ ۡ ۡ َ‬
‫ِِۖ ِ‬ ‫ٱس َتغفِ ۡر ل ُه ۡم َوشاوِ ۡره ۡم ِِف‬‫ب َلنفضوا مِن حول ِك فٱعف عنهم و‬ ‫فظا غل ِيظ ٱلقل ِ‬
‫َ َ ا ۡ َ َ ا ا ا َ ُ ُّ ۡ ُ َ د َ‬
‫فت َوَّك لَع ٱَّللَِۚ إِن ٱَّلل َيِب ٱلمت َو ِّك ِني﴾ [آل عمران‪.]159:‬‬

‫وقد يراد بطرح الشورى استجالء آراء من هلم األثر يف حسم املوقف‪ ،‬وقد كان الرسول ‪‬‬
‫إذا عزم مل يكن ألحد من الصحابة التقدم عليه‪ ،‬وشاور أصحابه يوم أحد يف املقام واخلروج‪،‬‬
‫ألمتَه وعزم قالوا‪ :‬أقم‪ ،‬فلم ميل إليهم بعد العزم وقال‪ :‬ال ينبغي لنيب‬
‫فرأوا له اخلروج‪ ،‬فلما لبس َ‬
‫(‪)1‬‬
‫ألمتَهُ فيضعها‪ ،‬حىت حيكم اهلل ‪ .‬وشاور عليا وأسامة رضي اهلل عنهما فيما رمى به أهل‬
‫يلبس َ‬
‫الرامّي ومل يلتفت إىل‬
‫اإلفك عائشة رضي اهلل عنها‪ ،‬فسمع منهما حىت نزل القرآن‪ ،‬فجلد ن‬
‫تنازعهم‪ ،‬ولكن حكم مبا أمره اهلل‪ ،‬روت عائشة رضي اهلل عنها‪ ،‬حّي قال هلا أهل اإلفك ما‬
‫قالوا‪ :‬قالت‪ :‬ودعا رسول اهلل ‪ ‬علي بن أيب طالب‪ ،‬وأسامة ابن زيد رضي اهلل عنهما‪ ،‬حّي‬
‫استلبث الوحي يسأهلما‪ ،‬وهو يستشريمها يف فراق أهله‪ ،‬فأما أسامة‪ :‬فأشار بالذي يعلم من براءة‬
‫أهله‪ ،‬وأما علي فقال‪ :‬مل يضيِّق اهلل عليك‪ ،‬والنساء سواها كثري‪ ،‬وسل اجلارية تصدقك‪ ،‬فقال‬
‫‪ ‬للجارية‪ :‬هل رأيت من شيء يريبك قالت‪ :‬ما رأيت أمرا أكثر من أهنا جارية حديثة السن‪،‬‬
‫تنام عن عجّي أهلها‪ ،‬فتأيت الداجن فتأكله‪ ،‬فقام ‪ ‬على املنرب فقال‪ :‬يا معشر املسلمّي‪ ،‬من‬
‫يعذرين من رجل بلغين أذاه يف أهلي‪ ،‬واهلل ما علمت على أهلي إال خريا‪ ،‬فذكر براءة عائشة‬
‫علي يف‬
‫رضي اهلل عنها واستشار ‪ ‬الناس يف خطبة‪ ،‬فحمد اهلل وأثىن عليه‪ ،‬وقال‪" :‬ما تشريون َّ‬
‫(‪)2‬‬
‫قوم يسبُّون أهلي‪ ،‬ما علمت عليهم من سوء قط" ‪.‬‬
‫وكان األئمة بعد النيب ‪ ‬يستشريون األمناء من أهل العلم يف األمور املباحة ليأخذوا‬
‫وضح الكتاب أو السنة مل يتعدوه إىل غريه‪ ،‬اقتداء بالنيب ‪ ،‬ورأى أبو بكر ‪‬‬ ‫بأسهلها‪ ،‬فإذا ن‬
‫قتال من منع الزكاة‪ ،‬فقال عمر‪ :‬كيف تقاتل الناس وقد قال رسول اهلل ‪" :‬أمرت أن أقاتل‬
‫الناس حىت يقولوا ال إله إال اهلل‪ ،‬فإذا قالوا ال إله إال اهلل عصموا مين دماءهم وأمواهلم إال حبقها‬
‫ألقاتلن من َّفرق بّي ما مجع رسول اهلل ‪ ،‬مث‬
‫َّ‬ ‫وحساهبم على اهلل؟" فقال أبو بكر ‪ :‬واهلل‬
‫تابعه عمر ‪ ‬بعد ذلك‪ ،‬فلم يلتفت أبو بكر ‪ ‬إىل املشورة‪ ،‬إذ كان عنده حكم رسول اهلل‬
‫‪ ‬يف الذين نفرقوا بّي الصالة والزكاة‪ ،‬وأرادوا تبديل الدين وأحكامه‪ ،‬وقال النيب ‪" :‬من بدَّل‬

‫َّسائي» يف «الكربى» (‪.)7600‬‬


‫(‪ )1‬أخرجه «أمحد» (‪ )351/3‬و«الدارمي» (‪ )2298‬و«الن َ‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري (‪ )4750‬ومسلم (‪.)2770‬‬
‫(‪)38‬‬
‫القراء أصحاب مشورة عمر‪ ،‬كهوال أو شبَّانا‪ ،‬وكان وقَّافا عند كتاب اهلل عز‬
‫دينه فاقتلوه"‪ ،‬وكان َّ‬
‫وجل‪.‬‬
‫ومل خيل األمر من استشارة النساء‪ ،‬ففي احلديبية أشارت أم سلمة رضي اهلل عنها على رسول‬
‫اهلل ‪ ‬مبا أصلح اهلل تعاىل به أمر الصحابة املعارضّي للصلح‪ ،‬ومن أشدهم عمر ‪ ‬قال‪:‬‬
‫فعملت لذلك أعماال‪ ،‬قال‪ :‬فلما فرغ من قضية الكتاب‪ ،‬قال رسول اهلل ‪ ‬ألصحابه‪ :‬قوموا‬
‫فاحنروا مث احلقوا‪ ،‬قال‪ :‬فو اهلل ما قام منهم رجل‪ ،‬حىت قال ذلك ثالث مرات‪ ،‬فلما مل يقم منهم‬
‫أحد دخل على أم سلمة‪ ،‬فذكر هلا ما لقي من الناس‪ ،‬فقالت أم سلمة‪ :‬يا نيب اهلل‪ ،‬أحتب ذلك‪،‬‬
‫اخرج ال تكلنم أحدا منهم كلمة‪ ،‬حىت تنحر بدنك‪ ،‬وتدعو حالقك فيحلقك‪ ،‬فخرج فلم يكلنم‬
‫أحدا منهم حىت فعل ذلك‪ ،‬حنر بدنة‪ ،‬ودعا حالقه فحلقه‪ ،‬فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا‪ ،‬وجعل‬
‫بعضهم حيلق بعضا‪ ،‬حىت كاد بعضهم يقتل غما‪.‬‬

‫‪ - 3‬حق المرأة في الواليات العامة‬


‫الوالية بالفتح‪ :‬النصرة والنسب والعتق‪ ،‬وال ِوالية‬
‫تعريف الوالية لغة‪ :‬بفتح الواو وكسرها‪َ ،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫الو ِيل‪ -‬بفتح الواو وكسر الالم‪ -‬واجلمع أولياء كل من‬
‫َ‬ ‫الوالية‬ ‫مشتقات‬ ‫ومن‬ ‫‪.‬‬ ‫بالكسر‪ :‬اإلمارة‬
‫(‪)2‬‬
‫ويل أمرا أو قام به ذكرا أو أنثى‪ .‬وقد يؤنث باهلاء فيقال‪ :‬ولية ‪.‬‬
‫اصطالحا‪ :‬تعددت تعاريف العلماء للوالية ومنها أهنا‪( :‬سلطة شرعية‬
‫ً‬ ‫تعريف الوالية العامة‬
‫عامة مستمدة من اختيار عام‪ ،‬أو بيعة عامة‪ ،‬أو تعيّي خاص من ويل األمر‪ ،‬أو من يقوم مقامه‪،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫ُختول صاحبَها تنفيذ إرادته على األمة جربا يف شأن من مصاحلها العامة يف ضوء اختصاصه) ‪.‬‬
‫أنواع الوالية العامة‪:‬‬
‫اختلف تقسيم العلماء للواليات العامة وميكن إرجاعها إىل قسمّي‪:‬‬
‫‪ .1‬الواليات العامة السياسية‪ :‬وهي السلطات الثالث الكربى‪ :‬السلطة التشريعية‪ ،‬والسلطة‬
‫التنفيذية من إمامة عظمى‪ ،‬ووزارة‪ ،‬وإمارة‪ ،‬وشرطة‪ ،‬وخمابرات‪ ،‬وسفارة‪ ،‬وسلطة قضائية‪.‬‬

‫(‪ )1‬لسان العرب( ‪ ،)407/15‬مادة (و ل ي)‪.‬‬


‫(‪ )2‬معجم لغة الفقهاء (‪ )510‬واملعجم الوسيط (‪.)1058/2‬‬
‫(‪ )3‬املرأة وحقوقها السياسية جمليد أبو حجري ص ‪.87‬‬
‫(‪)39‬‬
‫‪ .2‬الواليات العامة الدينية‪ :‬كواليات الصلوات‪ ،‬واحلج‪ ،‬والصدقة‪.‬‬
‫ومن أهم الواليات العامة اليت ثار اجلدل بشأهنا يف هذا العصر‪ :‬رئاسة الدولة‪ ،‬ويف هذا‬
‫املبحث نعرض باختصار مذهب الفقهاء يف حكم تويل املرأة رئاسة الدولة‪ ،‬مع بيان ما استدلوا‬
‫به‪ ،‬وبيان موقف املعارضّي من املعاصرين وما استدلوا به‪ ،‬ومناقشة األدلة‪ ،‬مث تقرير الراجح يف‬
‫ذلك‪ ،‬واهلل املوفق‪.‬‬
‫مذهب الفقهاء في حكم تولي المرأة رئاسة الدولة‪:‬‬
‫أمجع الفقهاء على عدم جواز تويل املرأة رئاسة الدولة‪ ،‬واستدل الفقهاء على عدم جواز تويل‬
‫املرأة رئاسة الدولة مبا يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬الكتاب‪:‬‬
‫َ َٓ َ َ‬
‫نف ُقوا ْ مِنۡ‬ ‫ٱَّلل َب ۡع َض ُه ۡم َ َ ٰ‬ ‫د َ ُ َا ُ َ ََ‬
‫لَع ٱلند ِ َسآءِ ب َما فَ اض َل ا ُ‬
‫لَع َب ۡعض وبِما أ‬ ‫ِ‬ ‫ٱلرجال قوٰمون‬
‫تعاىل‪ِ ﴿ :‬‬
‫قوله‬
‫َ‬
‫أ ۡم َوٰل ِ ِه ۡ َۚم ﴾ [النساء‪.]34:‬‬
‫القوام‪ :‬صيغة مبالغة‪ ،‬أي احلَ َس ُن القيام باألمر‪ .‬وحصر اهلل‬
‫والقوامة هي‪ :‬القيام على األمر‪ ،‬و َّ‬
‫ٓ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫ون لَع ٱلند ِ َساءِ ﴾ ابتداء وخرب؛‬
‫اُٰ َ‬
‫القوامة يف الرجال دون النساء‪ .‬قال القرطيب‪" :‬قوله تعاىل‪﴿ :‬قوم‬
‫(‪)1‬‬
‫أي‪ :‬يقومون بالنفقة عليهن‪ ،‬والذب عنهن" ‪.‬‬
‫ٱَّلل َب ۡع َض ُه ۡم َ َ ٰ‬
‫لَع َب ۡعض﴾ أي‪ :‬إَّنا استحقوا هذه املزية‬ ‫قال الشوكاين‪ :‬يف معىن‪﴿ :‬ب َما فَ اض َل ا ُ‬
‫ِ‬
‫(‪)2‬‬
‫لتفضيل اهلل للرجال على النساء مبا فضلهم به من كون فيهم اخللفاء‪ ،‬والسالطّي‪ ،‬واحلكام ‪.‬‬
‫وقد جعل اهلل تعاىل للرجال والية عقد النكاح دون النساء‪ ،‬وجعل على املرأة طاعة زوجها‪،‬‬
‫وحرم عليها النشوز عليه‪ ،‬ومع أن هذه الوالية من أصغر الواليات‪ ،‬فإن اهلل تعاىل مل جيعل للمرأة‬
‫حقا فيها‪ ،‬وال أوجبها عليها؛ بل الرجل هو الويل على املرأة عند عقد الزواج‪.‬‬
‫وإذ منع اهلل املرأة من تويل هذه الوالية‪ ،‬فمن باب أوىل منعها من تويل ما هو أكرب منها من‬
‫الواليات‪.‬‬

‫(‪ )1‬تفسري القرطيب‪ ،‬دار الشعب‪ ،‬القاهرة (‪.)168/5‬‬


‫(‪ )2‬فتح القدير (‪.)460/1‬‬
‫(‪)40‬‬
‫‪ -2‬السنة‬
‫عموم ما رواه البخاري بسنده عن أيب بكرة قال‪" :‬لقد نفعين اهلل بكلمة مسعتها من رسول‬
‫اهلل ‪ ‬أيام اجلمل‪ ،‬بعد ما كدت أن أحلق بأصحاب اجلمل فأقاتل معهم‪ ،‬قال‪ :‬ملا بلغ رسول‬
‫(‪)1‬‬
‫اهلل ‪ ‬أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى قال‪ :‬لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" ‪.‬‬
‫ففيه دليل على أن املرأة ليست من أهل الوالية العامة‪ ،‬وال حيل لقوم توليتها؛ ألنه جيب‬
‫عليهم اجتناب ما يوقعهم يف عدم الفالح‪.‬‬
‫‪ -3‬اإلجماع‬
‫اتفق فقهاء األمة على عدم جواز تويل املرأة اإلمامة العظمى‪ ،‬قال ابن حزم ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬يف‬
‫معرض حديثه عن اخلالفة‪" :‬ومجيع فرق أهل القبلة ليس منهم أحد جييز إمامة امرأة"‪ ،‬وقال‬
‫اخلطيب الشربيين مبينا شروط اإلمام األعظم‪" :‬رابعها‪ :‬كونه ذكرا" ليتفرغ ويتمكن من خمالطة‬
‫الرجال‪.‬‬

‫‪-4‬القياس‪:‬‬
‫قاس فقهاء األمة الوالية العامة على الوالية يف النكاح؛ فإن املرأة ال تستطيع أن تزوج‬
‫نفسها‪ ،‬فكيف تكون ولية لغريها‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح البخاري (‪.)4163‬‬


‫(‪)41‬‬
‫ثالثًا‪ :‬واجبات المرأة المسلمة‬
‫أ‪ -‬واجباتها بصفتها أما‪:‬‬
‫إن األم هي املدرسة األوىل يف بناء شخصية الطفل‪ ،‬وإكسابه العادات فإذا كانت األم واعية‬
‫ُنشئ جيل صاحل‪ ،‬متنسم باالتزان يف سلوكه‪ ،‬وإذا مل تكن كذاك فإن اجليل حتما يصاب‬ ‫وعاقلة أ ِ‬
‫باخللل يف سلوكه وحياته‪.‬‬
‫إن األم تتحمل مسؤولية اجتماعية كبرية؛ فإهنا مسؤولة عن مستقبل األمة وصالحها‬
‫وانطالقها‪ ،‬فبمهدها وحضانتها اللبنة األوىل يقوم بناء الكيان الرتبوي الصاحل أو الطاحل‪.‬‬
‫إن أهم ناحية يف تربية الطفل تسند إىل األم‪ ،‬فهي اليت تبين األسس الجتاهات الطفل‬
‫وأخالقه‪ ،‬وهي اليت توجهه حنو الفضائل والطموح‪ ،‬واإلقدام‪ ،‬والعمل واالعتماد على النفس‪.‬‬
‫وهذه األسس اليت يكتسبها الطفل قبل الثامنة من عمره يصعب تبديلها كليا فيما بعد‪،‬‬
‫ولذلك فإن أثرها يف حياة الشعوب ورقيها كبري جدا‪ ،‬فإذا اعتاد الولد أن يكون طموحا ومقداما‬
‫ونشيطا ومثابرا يف أعماله‪ ،‬ويتقن ما يعمل فإنه من الطبيعي أن يكون ركنا قويا لقيام شعب يتمتع‬
‫بطاقات كبرية إلجناز األعمال وبناء احلضارة املزدهرة‪.‬‬
‫واجبات تتعلق باألم تجاه أبنائها‪:‬‬
‫‪ .1‬أن تعطي من نفسها القدوة ألبنائها‪ ،‬فتحرص متاما على أن تتمثل فيها كل صفة حسنة‪،‬‬
‫حتب أن جتدها يف أبنائها‪ ،‬فكلما التزمت بأخالق اإلسالم وآدابه يف قوهلا‪ ،‬وفعلها‪ ،‬واعتزت‬
‫بانتمائها لإلسالم‪ ،‬نشأ أبناؤها على التحلي هبذه الصفات‪.‬‬
‫‪ .2‬أن حترص األم احلرص كله منذ أن يعي أبناؤها ما يستمعون إليه‪ ،‬فتحكي هلم القصص‬
‫املختارة‪ ،‬اليت هتديدهم هبا‪ ،‬أو تسليهم‪ ،‬أو تكون هلم القيم‪ ،‬وتغرس يف نفوسهم فضائل‬
‫األخالق‪.‬‬
‫‪ .3‬أن حترص كذلك ‪-‬وخباصة عندما يشب أبناؤها ويصبحون أكثر وعيا‪ -‬على أن حتدثهم‬
‫عن املسجد‪ ،‬وأثره يف اجملتمع‪ ،‬وأن هتيئهم‪ ،‬وتؤهلهم للذهاب إىل املسجد بصحبة األب‪ ،‬أو‬
‫األخ األكرب‪ ،‬مبجرد أن يكونوا قادرين على ذلك‪ ،‬وحدود هذه القدرة هي معرفة الوضوء‪،‬‬
‫والطهارة يف الثوب‪ ،‬ومعرفة الصالة‪ ...‬إخل؛ فإن املسجد جزء أصيل من شخصية املسلم‪ ،‬وعامل‬
‫مهم من عوامل تربيته‪.‬‬
‫(‪)42‬‬
‫‪ .4‬حتقيق األمن الفكري للولد‪ ،‬فتجعله بعيدا عن الغلو والتطرف‪ ،‬وحتميه من األفكار الدخيلة‬
‫واملضادة لإلسالم‪.‬‬
‫‪ .5‬أن تكون مصادر ثقافة أبنائها نقية ال يشوهبا شيء من األباطيل‪ ،‬أو املغالطات‪ ،‬وذلك‬
‫بأن جتعل من القرآن الكرمي والسنة النبوية‪ ،‬وسرية الرسول ‪ ‬أساسا ملصادر هذه الثقافة‪ ،‬وأن‬
‫تضيف إىل ذلك الكتب املختارة املبسطة املالئمة ألبنائها يف شرح هذه املصادر األساسية‪.‬‬
‫‪ .6‬تزويد األبناء باإلجابات الصحيحة عن كل سؤال يطرحونه يف طفولتهم‪ ،‬وخباصة يف فرتات‬
‫معينة من سين أعمارهم وهي سنوات التطلعات ملا حوهلم‪ ،‬وحماولة إجياد عالقات بّي‬
‫املوجودات‪.‬‬
‫‪ .7‬كما أن على األم أن حترص على الصحبة الصاحلة ألبنائها وفق معايري اإلسالم‪ ،‬وأخالقه‪،‬‬
‫وآدابه‪ ،‬وأن تتابع هذه الصداقات‪ ،‬وحتيطها دائما بالرعاية واالهتمام‪.‬‬
‫‪ .8‬أن ختصص األم ألبنائها وقتا بعينه يف يوم أو أيام من األسبوع‪ ،‬جتلس إليهم‪ ،‬وأن تقيم‬
‫عالقتها معهم على أساس من الود‪ ،‬واالحرتام‪ ،‬وأن تتعرف من خالل هذه اجللسات على‬
‫مشكالهتم واحتياجاهتم النفسية‪.‬‬
‫َ ا َ َُ ُ َ َاَ َ ۡ َ‬
‫ب نلَا م ِۡن‬ ‫‪ .9‬الدعاء املستمر بإصالح األوالد‪ ،‬وهدايتهم‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬وٱَّلِين يقولون ربنا ه‬
‫أَ ۡز َو ٰ َ َ ُ د ا َ ُ َ َ ۡ ُ َ ۡ َ ۡ َ ۡ ُ ا َ َ ً‬
‫جنا وذرِيٰتِنا ق ارة أعني وٱجعلنا ل ِلمتقِني إِماما﴾ [الفرقان‪]74:‬‬
‫ِ‬
‫ومن النماذج اليت حيتذى هبا يف صدر اإلسالم‪:‬‬
‫ُّأم سلمة أم املؤمنّي رضي اهلل عنها نِ ْعم األم ألبنائِها الذين كانوا صغارا؛ حّي استُشهد‬
‫رسول اهلل ‪ ‬واحتضن أبناءَها‪.‬‬ ‫تزوجها ُ‬ ‫زوجها "أبو سلمة"‪ ،‬حىت َّ‬ ‫ُ‬
‫النيب ‪ ‬وهو يف‬ ‫ليخدم َّ‬
‫َ‬ ‫دفعت ابنَها‬‫وأم سليم بنت ملحان األنصارية "أم أنس بن مالك" َ‬
‫األمهات كثري‪.‬‬
‫وغريهن من َّ‬ ‫يث عنه‪،‬‬‫العلم منه‪ ،‬ويروي احلد َ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫العاشرة من عمره؛ وذلك لريتشف َ‬

‫ب‪ -‬واجباتها بصفتها زوجة‪:‬‬


‫تؤديها لزوجها‪ ،‬وقد كانت‬
‫أوجبت الشريعةُ اإلسالمينة السمحة على الزوجة حقوقا جيب أن ن‬
‫لزم بدفع املهر واإلنفاق على بيته‬
‫اجبات من ُمستلزمات عقد النكاح‪ ،‬فكما أن الزوج ُم ٌ‬
‫تلك الو ُ‬

‫(‪)43‬‬
‫وحتمل مؤونتهم وأداء الواجبات اخلاصة به‪ ،‬فإ نن له حقوقا جيب على الزوجة أن تؤديها‬
‫وأسرته ن‬
‫له‪.‬‬
‫واجبات الزوجة تجاه زوجها‪:‬‬
‫وجل قد جعل القوامة للرجل على املرأة‬
‫عز َّ‬ ‫‪ .1‬وجوب الطاعة من الزوجة لزوجها فإن اهلل َّ‬
‫بالتوجيه واإلرشاد والرعاية واإلنفاق وتويل املسؤولية املالية واإلدارية‪ ،‬واوجب عليها طاعته يف‬
‫غري معصية اهلل‪.‬‬
‫‪ .2‬جيب على الزوجة أن ُمت ِّكن زوجها من االستمتاع هبا ‪ -‬وذلك مبقتضى عقد النكاح ‪-‬‬
‫مبين على متكّي الزوجة لزوجها من االستمتاع هبا‪ ،‬وذلك ملا روي‬
‫حيث إ نن أساس عقد الزواج ٌ‬
‫عن أيب هريرة ‪ ‬أنه قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪" :‬إذا دعا الرجل امرأته إىل فراشه فأبت فبات‬
‫(‪)1‬‬
‫غضبان عليها لعنتها املالئكة حىت تصبح" ‪.‬‬
‫افق على إدخاله إىل بيته ما‬
‫‪ .3‬ال تسمح ملن يَكرهه زوجها دخول بيته إال إذا مسح وقبل وو َ‬
‫دامت علمت ب ُكره زوجها من دخول ذلك الشخص إىل منزله‪ ،‬فعن أيب هريرة ‪ ‬أن رسول‬
‫(‪)2‬‬
‫اهلل‪ ‬قال‪" :‬ال حيل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إال بإذنه‪ ،‬وال تأذن يف بيته إال بإذنه" ‪.‬‬
‫ت َقٰن ِ َتٰ ٌ‬ ‫َ ا‬
‫ٱلصٰل َِحٰ ُ‬
‫ت‬ ‫‪ .4‬صيانة ِع ْرض الزوج واحملافَظة على مالِه وولده‪ ،‬وذلك لقوله تعاىل‪﴿ :‬ف‬
‫زوجها يف غيبته يف‬ ‫حتفظ‬ ‫أي‪:‬‬ ‫"‬ ‫ه‪:‬‬‫وغري‬ ‫ِّي‬‫د‬‫الس‬ ‫قال‬ ‫]‬ ‫‪34‬‬ ‫لنساء‪:‬‬ ‫ا‬‫[‬
‫حٰفِ َظٰت لد ِلۡ َغ ۡيب ب َما َحفِ َظ ا ُ‬
‫ٱَّلل‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫﴾‬‫َۚ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نَ ْف ِسها ومالِه" ‪.‬‬
‫()‬‫‪3‬‬

‫تتصرف فيه َّإال بعد استشارته وإذنه‪.‬‬ ‫‪ .5‬ترعى مالَه بأَ ْن ال تأخ َذ منه شيئا‪ ،‬وال َّ‬
‫زوجها يف بيته َّإال ما يَ ُسُّره ِم ْن ُح ْس ِن املظهر واهليئة‪،‬‬
‫‪ .6‬حترص الزوجةُ على أَ ْن ال يرى منها ُ‬
‫ضيه ِم ْن َح َس ِن اخلطاب ِ‬
‫ومجيل الكالم‪،‬‬ ‫ينة وطالقة الوجه‪ ،‬وأَ ْن ال يسمع منها َّإال ما ي ر ِ‬
‫ُْ‬ ‫َ‬
‫الز ِ‬
‫و ِّ‬
‫حيب وي ْفرِح؛ فال تُ ْغ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ضبه وال تُسيءُ إليه‪.‬‬ ‫وعبارات التقدير واالحرتام‪ ،‬وال َجي َد منها َّإال ما ُّ ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري (‪.)3065‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري( ‪.)4899‬‬
‫(‪ )3‬تفسري ابن كثري (‪.)491/1‬‬
‫(‪)44‬‬
‫زوجها؛ كما حتب هي أن يعامل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ .7‬تُعام َل أقاربَه باإلحسان والربِّ على الوجه الذي يُعاملُهم به ُ‬
‫ت إىل زوجها أبدا َم ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َح َسنَ ْ‬
‫ص ْد َره ويُ ْؤن ُسه‪ ،‬وما أ ْ‬
‫الزوج ويَ ُسُّره ويُثْل ُج َ‬
‫ِح َ‬ ‫أقارهبا؛ ألن ذلك يُ ْفر ُ‬
‫الديْه وأقاربه‪.‬‬
‫ت إىل و َ‬‫أساءَ ْ‬

‫عضوا في المجتمع‬‫ج ‪ -‬واجباتها بصفتها ً‬


‫ال شك أن دور املرأة يف أي جمتمع دور أساسي يف َّنو اجملتمعات وهنضتها‪ ،‬فهي اليت تضع‬
‫اجلزء األكرب من اللبنات األساسية يف اجملتمع‪ ،‬لكوهنا املربية األوىل لألجيال‪ ،‬ومتتلك سالح التأثري‬
‫القوي وهو غريزة األمومة‪ ،‬وتأكيدا لدورها وفضائلها فقد حفظ اإلسالم للمرأة كل حقوقها‪،‬‬
‫وكان هلا دورها الفعال يف عهد رسولنا الكرمي ‪ ‬ويف عهد اخللفاء الراشدين· فأخرجت أجياال‬
‫من العلماء وأسهمت يف بناء حضارتنا اإلسالمية‪ ،‬ويتجلى دور املرأة يف اجملتمع يف عدد من‬
‫األدوار منها‪:‬‬
‫‪ -1‬الدور االقتصادي‬
‫للمرأة دور مهم يف احلياة االقتصادية اإلنسانية ال غىن عنه‪ ،‬فهي بالدرجة ربة البيت وعندها‬
‫تؤول حمصلة نشاطات الرجل االقتصادية ويف حجرها تصب نتائج النشاط االقتصادي اإلنساين‬
‫لذا فهي املدبرة واملديرة يف ذات الوقت لكل هذه احملصالت والثمار‪ ،‬وهذا يستدعي أن تكون‬
‫مؤهلة التأهيل املناسب لكي تستطيع القيام هبذا الدور اإلنساين املهم‪ ،‬وتارخينا اإلسالمي يروي‬
‫لنا كيف أن املرأة لعبت دورا مهما يف النشاطات االقتصادية اجملتمعية كأم املؤمنّي خدجية رضي‬
‫اهلل عنها اليت كانت تعمل بالتجارة وتشغل أمواهلا وتديرها وحتقق األرباح يف إطار نشاط اقتصادي‬
‫وإدارة بارعة‪.‬‬
‫وهلا دور كبري يف انتشال األسرة من الفقر واجلوع‪ ،‬وذلك من خالل قيامها ببعض النشاطات‪.‬‬
‫ومبا أن احلياة االقتصادية تطورت فيجب على الفكر االقتصادي لدى املرأة أن يتطور وعليها‬
‫اليوم مسؤولية اقتصادية مهمة‪ ،‬وهي اإلسهام يف اإلنتاج من خالل تشجيعها وتوفري األجواء‬
‫املواتية هلا لالستثمار والتصنيع واستغالل املقدرات املتاحة‪.‬‬

‫(‪)45‬‬
‫‪ -2‬الدور االجتماعي‬
‫هلن الدور األبرز واألهم يف تنشئة اجملتمعات‪ ،‬فلو استطاع‬ ‫هن شقائق الرجال‪ ،‬و َّ‬ ‫النساء َّ‬
‫أهنن الركن األساسي للمجتمع‪ ،‬لَ َع ِم َل‬
‫إليهن على َّ‬
‫اجملتمع تنشئة نساء صاحلات‪ ،‬مثقفات‪ ،‬يُنظَُر َّ‬
‫ذلك على تنشئة أجيال صاحلة تعرف كيف تدير حاضرها‪ ،‬وتنهض به‪ ،‬وكيف تصنع مستقبال‬
‫مشرقا تسوده األخالق احلميدة‪ ،‬والقيم الفاضلة‪ ،‬لذا فإن اإلسهام األكرب للمرأة يف جمتمعها‬
‫أي حضارة‪،‬‬ ‫يكون من خالل الرتبية واألمومة‪ ،‬وهذا ما جيعل االهتمام باملرأة واجبا رئيسا لبناء ن‬
‫وتقدمها‪ ،‬وحتقيق هنضة شاملة كاملة لكافة أبناء اجملتمع‪ ،‬أما إمهاهلا فإنه لن يعود على اإلنسانية‬
‫واجملتمعات املختلفة إال باخلسران املبّي‪.‬‬
‫‪ -3‬الدور السياسي‬
‫أنصف اإلسالم املرأة‪ ،‬ورفع عنها الظلم واحليف وما عانته من متييز يف العصور السابقة حىت‬
‫نزول القرآن‪ .‬فكان االعرتاف حبقها يف املشاركة يف تدبري شؤون اجملتمع كافة‪ ،‬اقتصادية واجتماعية‬
‫وقانونية‪ .‬وأصبح هلا شأن يف اجملال السياسي‪.‬‬
‫فقد شاركت املرأة املسلمة يف بيعة العقبة األوىل والثانية‪ ،‬وشاركت يف اهلجرة‪ ،‬وشاركت حىت‬
‫يف اجلهاد العسكري‪ ،‬وكل هذه الشواهد هي دور سياسي للمرأة يف عصر الرسالة‬
‫والدور السياسي للمرأة يف الشريعة واضح لكل متأمل يف النصوص الشرعية‪( .‬خولة بنت‬
‫ثعلبة) وهي تقف جمادلة أمام أعلى سلطة تشريعية يف جمتمعها (الرسول ‪ )‬جتادله يف حق وقوة‬
‫تنبعث من إمياهنا بقوة اخلالق وعدالة التشريع اإلهلي‪ ،‬جادلت حىت أنزل اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬يف أمرها‬
‫قرآنا يتلى‪ ،‬ونظم تشريعات اجتماعية جديدة يف جمتمع جديد‪.‬‬
‫أمل تكن السيدة (خولة) متارس أدق أنواع العمل السياسي إن قسناه على أيامنا هذه‪.‬‬
‫وال شك يف أمهية الدور السياسي للمرأة املسلمة يف اجملتمع‪ ،‬فاملرأة اليت تدرك حقيقة دورها‪،‬‬
‫وتلتزم بواجباهتا‪ ،‬وحترص على ممارسة حقوقها‪ ،‬إَّنا تؤثر يف احلركة السياسية يف وطنها تأثريا بالغا‪،‬‬
‫يدفع به إىل مزيد من التقدم والرقي ومالحقة الركب احلضاري‪ ،‬على مستوى اجملتمعات اإلسالمية‬
‫والعامل أمجع‪.‬‬

‫(‪)46‬‬
‫مراجع الوحدة الثانية‬

‫ابن حبان (‪)4177‬‬ ‫‪.1‬‬


‫ابن عساكر يف تاريخ دمشق (‪ ،)174/24‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪ ،‬سنة ‪1995‬م‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫ابن ماجة ح‪)959/2( ،2875‬‬ ‫‪.3‬‬
‫أبو داود (‪ ،)236‬والرتمذي (‪)113‬‬ ‫‪.4‬‬
‫األحكام السلطانية‪ ،‬املاوردي‪ ،‬ط‪ .‬التوفيقية بالقاهرة‪ ،‬ص‪.31‬‬ ‫‪.5‬‬
‫أحكام القرآن (‪.)414 /1‬‬ ‫‪.6‬‬
‫أمحد يف املسند (‪.)357/6‬‬ ‫‪.7‬‬
‫إحياء علوم الدين (‪.)720 /4‬‬ ‫‪.8‬‬
‫االختيار لتعليل املختار‪ ،‬أليب الفضل عبد اهلل حممود املوصلي‪ ،‬ص‪.210‬‬ ‫‪.9‬‬
‫‪ .10‬األدب املفرد (‪.)540‬‬
‫‪ .11‬األلباين يف صحيح اجلامع (‪)2333‬‬
‫‪ .12‬البخاري (‪،)8468( )4894( )18‬‬
‫البداية والنهاية (‪.)84/3‬‬ ‫‪.13‬‬
‫التربج وخطورته ‪ ,‬للشيخ ابن باز ‪ ,‬ص ‪.31-30‬‬ ‫‪.14‬‬
‫الرتمذي (‪ )1197‬و(‪)3341‬‬ ‫‪.15‬‬
‫الرتمذي (‪ )1197‬و(‪،)3341‬‬ ‫‪.16‬‬
‫‪ .17‬التعريفات‪ ،‬ص ‪.89‬‬
‫‪ .18‬تفسري ابن كثري (‪.)491/1‬‬
‫‪ .19‬تفسري البغوي‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت (‪.)422/1‬‬
‫تفسري الطربي (‪.)458 /8‬‬ ‫‪.20‬‬
‫تفسري القرطيب‪ ،‬دار الشعب‪ ،‬القاهرة (‪.)168/5‬‬ ‫‪.21‬‬
‫احلاكم (‪.)159 /4‬‬ ‫‪.22‬‬
‫احلاوي (‪)11/12‬‬ ‫‪.23‬‬
‫‪ .24‬الدارمي (‪)2298‬‬
‫‪ .25‬رد احملتار على الدر املختار‪ ،‬حممد أمّي (ابن عابدين)‪ ،‬ط‪1383 ،2‬ه‪1963/‬م املطبعة األمريية‪،‬‬
‫القاهرة ‪.337 /2‬‬

‫(‪)47‬‬
‫‪ .26‬سلسلة األحاديث الصحيحة‪ ،‬ح‪.)52/2( ،529‬‬
‫‪ .27‬سنن أيب داود (‪.)5272‬‬
‫‪ .28‬شرح ابن بطال (‪.)353 /4‬‬
‫‪ .29‬صحيح مسلم (‪)1341‬‬
‫‪ .30‬الصحيحة (‪.)285‬‬
‫‪ .31‬الطحاوي يف مشكل اآلثار (‪ )2524‬و(‪.)4865‬‬
‫عبد بن محيد (‪ )813‬وابن أيب شيبة يف املصنف (‪.)17409‬‬ ‫‪.32‬‬
‫عودة احلجاب (‪.)417 /1‬‬ ‫‪.33‬‬
‫فتح الباري ((‪.)206 /9‬‬ ‫‪.34‬‬
‫قرارات وتوصيات جممع الفقه ا ِإلسالمي التابع ملنظمة املؤمتر ا ِإلسالمي‪ .‬قرار رقم‪.)16 /2( 144 :‬‬ ‫‪.35‬‬
‫‪ .36‬لسان العرب (‪.)111/2‬‬
‫‪ .37‬مالك يف املوطأ‪ ،‬تنوير احلوالك (‪)250/2‬‬
‫‪ .38‬احملاماة يف ضوء الشريعة االسالمية ‪,‬د‪ .‬مسلم اليوسف مؤسسة الريان ‪ ,‬بريوت ‪ ,‬لبنان‪2001 ،‬م‬
‫ص‪ 131‬وانظر عمل املرأة يف احملاماة‪ ،‬د‪ .‬مسلم اليوسف ‪ ,‬موقع عودة ودعوة ‪ ,‬على شبكة اإلنرتنت‪.‬‬
‫‪ .39‬معامل السنن (‪.)161 /1‬‬
‫‪ .40‬املعجم الكبري‪ ،‬الطرباين (‪.)311/24‬‬
‫‪ .41‬املعجم الوجيز‪ ،‬جممع اللغة العربية‪ ،‬طبعة ‪1411‬ه‪1990-‬م‪.‬‬
‫‪ .42‬معجم لغة الفقهاء (‪ )510‬واملعجم الوسيط (‪.)1058/2‬‬
‫‪ .43‬املغين (‪.)681/6‬‬
‫‪ .44‬مقدمة ابن خلدون‪ ،‬ص ‪.209‬‬
‫‪ .45‬املواريث يف الشريعة اإلسالمية يف ضوء الكتاب والسنة‪ ،‬للصابوين‪ ،‬ص ‪.27‬‬
‫َّسائي يف «الكربى» (‪.)7600‬‬ ‫‪ .46‬الن َ‬
‫‪ .47‬وعود اإلسالم‪ .‬ص ‪ .78‬ترمجة أ‪ .‬ذوقان قرقوط‪ ،‬ط ‪1984‬م‪ .‬منشورات الوطن العريب‪،‬‬
‫بريوت‪.‬‬

‫(‪)48‬‬
‫الوحدة الثالثة‪:‬‬
‫بعض الشبهات حول قضايا المرأة والرد عليها‪.‬‬

‫غيث‬ ‫أحوج إىل رسالته من حاجتهم إىل ْ‬ ‫األرض ُ‬ ‫جل جاللُه ‪ -‬رسولَه وأهل ْ‬
‫لقد ْأر َسل اهلل ‪َّ -‬‬
‫نعيم وال َّلذة‪ ،‬وال حياةَ لل ُقلوب إالَّ بأ ْن‬
‫فوق مجي ِع احلاجات‪ ،‬فال َ‬ ‫السماء‪ ،‬فحاجتُهم إىل رسالتِه َ‬
‫ومن احملال أن‬ ‫أحب إليها مما سواه‪ِ ،‬‬ ‫وصفاته وأفعاله‪ ،‬ويكون َّ‬ ‫تعرف رَّهبا وخال َقها وفاطرها بأمسائه ِ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ث‬‫فاقتضت رمحةُ العزيز الرحيم أ ْن َبع َ‬
‫ْ‬ ‫العقول البشريَّة مبع ِرفة ذلك وإدراكه على التفصيل‪،‬‬
‫ُ‬ ‫تستقل‬
‫َّ‬
‫مبشرين‪ ،‬وملن خال َفهم منذرين‪ ،‬وأجابوا عن كث ٍري من‬ ‫معرفّي‪ ،‬وإليه داعّي‪ ،‬وملن أجاهبم ِّ‬ ‫الرسل به ِّ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫التناقضات والشبهات‪ ،‬ومع ذلك فما زال ْبيننا َمن يُثري الشُّبَه‪،‬‬ ‫التساؤالت‪ ،‬وأز َال اهلل على أيديهم‬
‫معتقدهم يف‬ ‫شكيك الناس يف ِدينهم‪ ،‬وزعزعت َ‬ ‫ويضرب أدلَّة الشَّْرع بعضها مع بعض‪ ،‬هبدف تُ ِّ‬
‫عند اهلل ال يدخله‬ ‫إن ما جاء ِمن ِ‬ ‫خيط العنكبوت وما َد َرى َّ‬
‫خالقهم‪ ،‬وهي يف احلقيقة أو هي من ْ‬
‫نضوج فِكره‪.‬‬
‫التناقض‪ ،‬وإَّنا التناقض ِمن قصور فَ ْهم اإلنسان‪ ،‬وعدم ِ‬
‫يدلل‬
‫بعض الناس ذكرانا وإناثا على االحتجاج ببعض النصوص وترديدها؛ لكي َ‬ ‫وقد دأب ُ‬
‫أن الذكور أفضل من اإلناث‪ ،‬وجعلوا ِمن بعض اآليات دليال حيتج به على‬ ‫مبفهومه اخلاطئ على َّ‬
‫كل أمر عن شقيقها الذكر ويف هذه الوحدة سيتم توضيح بعض الشبهات‬ ‫تدين رتبة األنثى يف ِّ‬ ‫ِّ‬
‫الرد عليها ومن هذه الشبهات‪:‬‬ ‫و ِ‬
‫تقويض دعائمها‪ ،‬و ِّ‬

‫الشبه املثارةُ حول املرياث‪.‬‬


‫‪ -1‬ن‬
‫الشبه املثارةُ حول الوالية والقوامة على املرأةِ‪.‬‬
‫‪ -2‬ن‬
‫الشبه املثارة حول احلجاب‪.‬‬ ‫‪ -3‬ن‬
‫الشبه املثارة حول الشَّهادة‪.‬‬
‫‪ -4‬ن‬
‫الزوجات‪.‬‬
‫الشبه املثارة حول تعدُّد َّ‬
‫‪ -5‬ن‬
‫الشبه املثارة حول الطَّالق‪.‬‬
‫‪ -6‬ن‬
‫الشبه املثارة حول تأديب الزوجة‪.‬‬‫‪ -7‬ن‬
‫الشبه املثارة حول بعض النُّصوص الشَّرعيَّة املتعلنقة باملرأة‪.‬‬ ‫‪ -8‬ن‬

‫(‪)49‬‬
‫َّأوًال‪ :‬الميراث‪:‬‬
‫إ نن املطالبة باملساواة يف اإلرث بّي الرجال والنساء أمر غري غريب على اإلسالم‪ ،‬بل إ نن‬
‫بوادر هذا األمر بدأت منذ نزول الوحي‪ ،‬فقد جاء يف إحدى الروايات عن أسباب نزول قوله‬
‫ۡ َ ْ د ٓ‬ ‫َ ۡ َ ُ ۡ َ َٰ َ ۡ د د َ َ‬ ‫تعاىل‪َ ﴿ :‬و ََّل َت َت َم ان ۡوا ْ َما فَ اض َل ا ُ‬
‫صيب دم اِما ٱكت َس ُبوا َول ِلن ِ َساءِ‬ ‫لرجا ِل ن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ض‬
‫ِۚ‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫لَع‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ض‬ ‫ع‬‫ب‬ ‫ِۦ‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ٱَّلل‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ٱَّلل ََك َن بكل ۡ‬
‫د‬ ‫ُ‬ ‫ٱَّلل مِن فَ ۡضلِهِۦٓ إ ان ا َ‬‫ۡب َو ۡس َـلُوا ْ ا َ‬‫ۡ َ َ َۡ‬ ‫د‬ ‫َ‬
‫أن َّأم‬‫َش ٍء علِيما﴾ [النساء‪َّ ،]32 :‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫َۚ ِ‬ ‫ن ِصيب م اِما ٱكتس َۚ‬
‫اث؟"(‪.)1‬‬ ‫ال‪ ،‬وَال نَ ْغزو‪ ،‬ولَنَا نِصف الْ ِمري ِ‬ ‫ول اهللِ‪ ،‬يَ ْغ ُزو ِّ‬
‫الر َج ُ َ ُ َ ْ ُ َ‬ ‫سلمة رضي اهلل عنها قالت‪" :‬يَا َر ُس َ‬
‫فألول وهلة قد يبدو أ نن اإلسالم ظلم البنت؛ إذ جعل هلا نصف حظ أخيها من رتَ َِكة األب‪،‬‬
‫إال أن هذا األمر ينايف الواقع إذ إ نن اإلسالم كلنف الرجل مبا مل يكلف به املرأة؛ فهو املسؤول عن‬
‫هلن معيل‪ ،‬بينما مل يكلف الشرع املرأة بأية‬ ‫نفقتها ونفقة عياله‪ ،‬وحىت أخواته إذا مل يكن ن‬
‫مسؤوليات‪ ،‬فاملال الذي ترثه من أبيها يبقى هلا وحدها‪ ،‬ال يشاركها فيه مشارك‪ ،‬فنصيب االبن‬
‫معرض للنقص مبا ألقى عليه اإلسالم من التزامات متوالية متجددة‪ ،‬ونصيب البنت معرض للزيادة‬
‫مبا تقبض من مهور وهدايا‪.‬‬
‫حجة نساء اليوم بأن املرأة تعمل وتنفق على بيتها كالزوج وتشاركه يف األعباء‪ :‬فلهذا‬ ‫نأما ن‬
‫ان على‬ ‫انتفى احلكم التارخيي هلذه اآلية‪ ،‬هذا القول هو أمر مرفوض شرعا؛ حىت لو اتفق الزوج ِ‬
‫صح العقد‪ ،‬وبطل الشرط‪ ،‬ألن الزوج ملزم بنفقة زوجته يف‬ ‫كتابة شرط عمل املرأة يف العقد ن‬
‫اإلسالم خبالف بعض القوانّي الغربية‪ ،‬ومنها‪ :‬القانون الفرنسي الذي يشرتط مسامهة الزوجة يف‬
‫النفقة‪.‬‬
‫ا َ‬
‫ومن املفيد‪ :‬اإلشارة هنا إىل أن قاعدة التنصيف يف اإلرث املبنية على قوله تعاىل‪﴿ :‬ل َِّلك ِر‬
‫ُۡ َ د ُۡ ََۡ‬
‫نيِۚ﴾ [النساء‪ ]11 :‬ليست قاعدة مطردة؛ ألن هناك حاالت يتساوى فيها الذكر‬ ‫مِثل ح ِظ ٱۡلنثي ِ‬
‫األم‪ ،‬وهي أنثى يف مرياث‬ ‫واألنثى‪ ،‬كما يف حال تساوي نصيب األب وهو ذكر مع نصيب ِّ‬
‫ابنهما‪.‬‬

‫وصححه األلباين يف صحيح الرتمذي‪.‬‬


‫(‪ )61‬رواه الرتمذي (‪ ،)3022‬وأمحد يف مسنده (‪ ،)26736‬ن‬
‫(‪)50‬‬
‫ثانياً‪ :‬شبهة‪( :‬الوالية وقوامة الرجل على المرأة)‪:‬‬
‫تعريف القوامة لغة‪:‬‬
‫السيند‪،‬‬ ‫ِ‬
‫م ْن قام على الشيء يقوم قياما‪ :‬أي حافظ عليه‪ ،‬وراعى مصاحله‪ ،‬والقينم هو‪ :‬ن‬
‫يقومهم‪ ،‬ويسوس أمورهم‪ ،‬وقينم املرأة هو‪ :‬زوجها‪ ،‬أو ولينها؛‬
‫وسائس األمر‪ ،‬وقينم القوم‪ :‬هو الذي ن‬
‫ألنه يقوم بأمرها وما حتتاج‪.)1( .‬‬
‫القوام أبلغ‪ ،‬وهو القائم باملصاحل‬‫"القوام والقينم مبعىن واحد‪ ،‬و ن‬
‫قال البغوي ‪-‬رمحه اهلل‪ :-‬ن‬
‫والتدبري والتأديب"(‪.)2‬‬
‫اصطالحاً‪:‬‬
‫بعد التأمل يف نصوص الفقهاء ‪-‬رمحهم اهلل تعاىل‪-‬واستخدامهم للفظة "القوامة" جند أهنم‬
‫‪-‬رمحهم اهلل‪-‬يستخدمون لفظ القوامة ويريدون به أحد املعاين اآلتية‪:‬‬
‫األول‪ :‬القينم على القاصر‪ ،‬وهي والية يعهد هبا القاضي إىل شخص رشيد؛ ليقوم مبا يصلح‬ ‫َّ‬
‫أمر القاصر يف أموره املالية‪.‬‬
‫فوض مبوجبها صاحبها حبفظ املال املوقوف‪ ،‬والعمل‬ ‫الثناين‪ :‬القينم على الوقف‪ ،‬وهي والية يُ ن‬
‫على بقائه صاحلا ناميا حبسب شروط الواقف‪.‬‬
‫الزوج تدبري شؤون زوجته‪ ،‬والقيام مبا‬
‫فوض مبوجبها ن‬ ‫الزوجة‪ ،‬وهي والية يُ ن‬
‫الثنالث‪ :‬القينم على ن‬
‫يصلحها‪.‬‬
‫والننوع الثنالث هنا هو املراد هبذا البحث‪.‬‬
‫فوض مبوجبها الزوج القيام على ما‬ ‫وبناء عليه؛ ميكن القول بأ نن القوامة الزوجية‪ :‬والية يُ ن‬
‫يُصلح شأن زوجته بالتدبري والصيانة‪.‬‬
‫الفوارق بين الرجل والمرأة على حد سواء‪:‬‬
‫إ نن قوامة الرجال على النساء مسألة تفرضها ضرورة احلياة الفضلى من الناحيتّي‪ :‬الفطرية‪،‬‬
‫والفكرية‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر إجازات وتصويبات لغوية للدكتور حممود سعيد شاكر‪.‬‬


‫(‪ )1‬تفسري البغوي (‪.)611/1‬‬
‫(‪)51‬‬
‫تؤهل‬
‫كل من الرجل واملرأة بصفة عامة ن‬ ‫نأما النناحية الفطرينة‪ :‬فإن اخلصائص الننفسينة املزود هبا ن‬
‫لتحمل مسؤوليات إدارة شؤون األسرة‪ ،‬والقيام على رعايتها‪ ،‬والتنص ندي‬ ‫الرجل بشكل أمثل ن‬
‫لزعامتها‪ ،‬ويف املقابل نالحظ أن خصائص املرأة بشكل عام حتبِّب إليها أن جتد لدى الرجل‪:‬‬
‫وقوة إرادة‪ ،‬واستقر َار عاطفة‪ ،‬وحكمة يف تصريف األمور‪ ،‬وسلطانا ترى يف االنضواء‬ ‫ملجأ‪ ،‬وسندا‪ ،‬ن‬
‫حتته أنسها وطمأنينتها وأمنها وراحة باهلا‪.‬‬
‫ولذلك يُالحظ أثر هذا التكوين الفطري ظاهرا يف كل جمموعة إنسانية‪ ،‬ولو مل تل ِزمها به‬
‫أنظمة‪ ،‬أو تعاليم‪ ،‬ورمبا ش نذ عنه نفر قليل اختلنت فيه خصائص الذكورة واألنوثة‪ ،‬وهي حاالت‬
‫تستحق تعديال يف أصل القاعدة الفطرية‪.‬‬ ‫ن‬ ‫شاذنة‪ ،‬ال‬
‫و نأما النناحية الفكرينة‪ :‬فإن احلكمة يف اجملتمعات اإلنسانية تقضي بأن يكون لكل جمتمع‬
‫الصراع ال ندائم‪ ،‬واألسرة‬
‫صغُر أو كرب قينم يقوده‪ ،‬ويدير شؤونه؛ محاية له من الفوضى والتنصادم و ن‬
‫مؤهالت القو َامة بشكل أمثل‪.‬‬ ‫أحد هذه اجملتمعات اليت حتتاج إىل قينم تتوافر فيه ن‬
‫لدى أهل الفكر يف مسألة القوامة داخل األسرة جمموعة من االحتماالت‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أن يكون الرجل هو‪ :‬القينم يف األسرة باستمرار‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أن تكون املرأة هي‪ :‬القينم يف األسرة باستمرار‪.‬‬
‫الشركة املتساوية‪.‬‬
‫كل من الرجل واملرأة قينما على سبيل ن‬ ‫ثالثا‪ :‬أن يكون ن‬
‫وفق قسمة زمنينة‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬أن يتناوبا القوامة َ‬
‫خامسا‪ :‬أن يتقامسا القوامة‪ ،‬بأن يكون لكل منهما اختصاصات يكون هو القينم فيها‪.‬‬
‫كل وقت‪ ،‬أو كانت على سبيل‬ ‫كل شيء‪ ،‬ويف ن‬ ‫الشركة يف القوامة سواء أكانت يف ن‬ ‫نأما ن‬
‫ستؤدي حتما إىل الفوضى‬ ‫مين‪ ،‬أو كانت على سبيل التنقاسم يف االختصاصات‪ :‬فإهنا ن‬ ‫الز ن‬
‫التنناوب ن‬
‫كل فريق بأن يعلو على صاحبه‪ ،‬ويستب ند به‪ ،‬وقد أيندت جتارب اجملتمعات اإلنسانية‬ ‫والتنازع‪ ،‬ورغبة ن‬
‫الشركة يف الرئاسة‪.‬‬
‫فساد ن‬
‫الفطري‬
‫ن‬ ‫نأما إسناد القوامة إىل املرأة دون الرجل‪ :‬فهو أمر ينايف ما تقتضيه طبيعة التنكوين‬
‫ونقص يف نظام احلياة االجتماعينة؛ ملا فيه من ٍ‬
‫عكس‬ ‫اختالل ٍ‬‫ٍ‬ ‫ؤدي حتما إىل‬ ‫لكل منهما‪ ،‬وهو يُ ن‬
‫الرجل هو القينم يف األسرة‪.‬‬‫يبق إال االحتمال األول‪ ،‬وهو أن يكون ن‬ ‫لطبائع األشياء‪ ،‬فلم َ‬

‫(‪)52‬‬
‫تحرير أصل الشبهة‪ ،‬وما تقوم عليه‪:‬‬
‫الشبهة‪:‬‬
‫تقول ُّ‬
‫إ نن اإلسالم قد سلب املرأة حرينتها‪ ،‬وأهلينتها‪ ،‬وثقتها بنفسها؛ إذ جعل الرجل نقواما على‬
‫املرأة‪.‬‬
‫مثن إ نن هذه القوامة متثنل بقايا من عهد استعباد املرأة وإذالهلا‪ ،‬يوم أن كانت املرأة جنسا‬
‫مهمال يف البيت‪ ،‬ونبتة مشؤومة يف اجملتمع‪.‬‬
‫وليس من املستساغ‪ ،‬وال من العدل أن ينفرد الرجل بالقوامة‪ ،‬ورياسة األسرة من دون املرأة‪،‬‬
‫الر نق‪ ،‬واالستعباد‪ ،‬وتساوت مع الرجل يف كل احلقوق‪ ،‬وااللتزامات‪.‬‬ ‫وهي قد حطنمت أغالل ن‬
‫تعليالت الشبهة‪:‬‬
‫ض ُه ۡم َ َ ٰ‬
‫لَع َب ۡعض‬
‫د َ ُ َاُٰ َ َ َ د َ ٓ ِ َ َ ا َ ا ُ َ ۡ َ‬
‫﴿ ِ‬
‫‪-1‬إ نن القوامةَ يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫ٱلرجال قومون لَع ٱلنِساء بِما فضل ٱَّلل بع‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َٓ‬
‫َوب ِ َما أ َنف ُقوا م ِۡن أ ۡم َوٰل ِ ِه ۡ َۚم‪[ ﴾ ...‬النساء‪ ]34 :‬مشروطةٌ بشرطّي‪ ،‬مها‪ :‬الفضل‪ ،‬واالنفاق‪ ،‬فإذا انعدمت‬
‫صحت قوامتها!‬
‫هذه األسباب يف الرجل‪ ،‬وتوافرت يف املرأة ن‬
‫‪-2‬إنَّنا ختلنفت يف القدرة والكفاية؛ بفعل الرجل‪ ،‬ونتيجة ألثرته واستبداده! وتسخريه املرأة‬
‫الصغر‬
‫صبُّوا يف قوالب اجتماعية منذ ن‬ ‫ألهنم ُ‬
‫يف خدمة مطالبه وأهوائه‪ ،‬وإنَّنا كان الرجال أقوياء؛ ن‬
‫آخر‪ ،‬على أ نهنا ضعيفة‬
‫صبنت املرأة يف قالب َ‬ ‫على أهنم‪ :‬مستقلنون‪ ،‬مشاركون‪ ،‬إجيابيون‪ ،‬بينما ُ‬
‫تنتظر اآلخرين‪ ،‬وتعتمد عليهم؛ ِ‬
‫وم ْن مثن تش نكلت أيضا يف هذا اإلطار‪.‬‬
‫وحىت بعد صدور القوانّي يُنظر إليها كسلعة تُباع‪،‬‬
‫‪-3‬وقوهلم‪ :‬إ نن البنت غدت مسة العار‪ ،‬ن‬
‫الربح‪ ،‬وأنه ميكن أن‬
‫أي سلعة أخرى يف اجملتمع النذي يقوم على ن‬ ‫وتُشرتى!! شأهنا يف ذلك شأن ن‬
‫تشرتي حريتها باملال!‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫كل جزئينة‬ ‫العلمي‪ ،‬يأخذ مسارا يف تناول ن‬ ‫الرند على ما سبق يف إطار أصول النقد‬‫حصر ن‬
‫إن َ‬ ‫َّ‬
‫ن‬
‫أُثريت‪.‬‬
‫الشبهات حسب ترتيب َّناذجها‪:‬‬ ‫الرُّد على ُّ‬
‫ن‬
‫د َ ُ َا ُ َ ََ‬
‫لَع ٱلند ِ َسآءِ ب َما فَ اض َل ا ُ‬
‫ٱَّلل َب ۡع َض ُهمۡ‬
‫ِ‬ ‫ٱلرجال قوٰمون‬
‫‪-1‬تفضيل اهلل تبارك وتعاىل يف قوله‪ِ ﴿ :‬‬
‫َ َٓ َ َُ ْ ۡ َ‬
‫[النساء‪ ،]34 :‬ال يعين معدنه على معدهنا‪ ،‬فهما شقيقان‬ ‫ۡ‬ ‫ٰ‬ ‫َ‬ ‫َ َٰ‬
‫لَع َب ۡعض وبِما أنفقوا مِن أمول ِ ِه َۚم‪﴾ ...‬‬
‫ۡ‬

‫(‪)53‬‬
‫يغض من‬ ‫ينحدران من نفس واحدة‪ ،‬يقول الشيخ حسن آل الشيخ رمحه اهلل‪" :‬وهو تفضيل ال ُّ‬
‫قدر إنسانينة املرأة؛ ألنه ناشئ من تفرقة عضوينة بينهما‪ ،‬ال ِم ْن تفرقة يف اجلوهر واملعدن‪ ،‬ومثل‬
‫هذه التنفرقة ال تستوجب األسى عليها؛ فإ نن فضل اهلل معقود بتزكية النُّفوس‪ ،‬ال بتفرقة عضوينة‬
‫اقتضتها حكمة اهلل؛ لضمان استدامة حياة البشر و تكاملها"‪.‬‬
‫الرند على الننموذج الثاين من الشبهة‪ :‬ليست عالقة الرجل املسلم باملرأة القريبة والبعيدة‬ ‫‪ -2‬ن‬
‫صور ذلك أعداء اإلسالم‪ ،‬بل‬ ‫عالقة عداء وتنافر واستبعاد‪ ،‬ليست عالقة (سادة وعبيد)؛ كما يُ ن‬
‫مودة ورمحة ووئام وثقة‪ ،‬فلماذا هذه الدعوات املتباكية على وضع املرأة يف ديار اإلسالم‬ ‫هي عالقة ن‬
‫احملافظة ؟!‬
‫استعباد‪ ،‬وتاهلل ليست املرأة يف ذل‪ ،‬وال يف استعباد‪.‬‬ ‫إ نن التنحرير ال يكون إنال ِمن ِرق‪ ،‬وقي ٍد‪ ،‬و ٍ‬
‫ن‬ ‫ْ‬
‫الرند على الننموذج الثنالث من الشبهة‪:‬‬
‫‪ -3‬ن‬
‫فعال وكبري يف تكوينه‪ ،‬وإذا كان علم االجتماع‬ ‫اإلسالمي يف حياة اجملتمع املسلم أثر ن‬
‫ن‬ ‫للننظام‬
‫كل إنسان ينشأ على ما ينشأ عليه متأثنرا بأنساق بيئته‪ ،‬وأَّناط سلوك جمتمعه‪ ،‬فاإلسالم‬ ‫قرر أ نن ن‬
‫يُ ن‬
‫حيرص على تنقية هذه البيئة من شوائب اجلاهلينة‪ ،‬ويعمل على حتسّي سلوك إفراد اجملتمع‪ ،‬ويُسند‬
‫العاطفي‪.‬‬
‫ن‬ ‫فسي و‬ ‫للرجل دورا يليق به يف اجملتمع‪ ،‬كما يُنيط باملرأة دورا يتنسق بتكوينها النن ن‬ ‫ن‬
‫صبنت يف قوالب اجتماعية معينة‪ ،‬كما يقولون فللمرأة املسلمة‬ ‫ولئن كانت املرأة الغربية قد ُ‬
‫ام َغ ۡ ُ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ ۡ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ي‬ ‫منهج متفرد يف تربيتها‪ ،‬أبرز مساته‪ :‬قوله تعاىل‪﴿ :‬أ َو َمن يُنَ اش ُؤا ِِف ٱۡل ِل َي ِة َو ُه َو ِِف ٱۡل َِص ِ‬
‫ن‬
‫الرجل أن جيتنب‬ ‫ُ‬
‫الزينة والنُّعومة؛ فعلى ن‬ ‫مبِني﴾ [الزخرف‪ ،]18 :‬أي‪ :‬أ نن البنت إذا كانت تنشأ يف ن‬
‫ذلك‪ ،‬ويأنف منه‪ ،‬ويربأُ بنفسه عنه‪.‬‬
‫الشبهات‬ ‫يقول الكاتب الفرنسي (غوستاف لوبون) كاشفا الننقاب عن حقيقة مثل هذه ُّ‬
‫الشرق‪ ،‬لقد بيننا بُ ْعد‬ ‫املضلنلة‪" :‬ينسج األوربيون على العموم أفسد اآلراء حول (دوائر احلرمي) يف ن‬
‫الص نحة‪ ،‬فجميع األوربينّي النذين أُتيح هلهم االطِّالع على دوائر احلرمي‬ ‫درجة تلك اإلحكام من ن‬
‫وتدبريهن ألمور‬
‫ن‬ ‫أوالدهن‪،‬‬
‫ن‬ ‫بيتهن‬
‫اجهن‪ ،‬وتر ن‬ ‫حب الننساء فيها ألزو ن‬ ‫عن كثب يقضون العجب من ن‬
‫حباهلن)‪ ،‬نمث يقول‪( :‬وينظر‬ ‫تقهقرهن إذا ُمحلن على تبديل حاالت األوربينات ن‬ ‫ن‬ ‫اعتقادهن‬
‫ن‬ ‫هلن‪ ،‬و‬
‫مناز ن‬
‫الصناعة‪ ،‬واإلشغال‪ ،‬كما يُنظر إىل‬ ‫الشرقينون إىل األوربينّي النذين يُكرهون نسائهم على التنجارة‪ ،‬و ن‬ ‫ن‬
‫جر عربة‪ ،‬أو إدارة حجر َرحى"‪.‬‬ ‫حصان أصيل يستخدمه صاحبه يف ن‬

‫(‪)54‬‬
‫الزوجة املسلمة بأمواهلا اخلاصة‪ ،‬فضال عن مهرها‪ ،‬كما ال‬ ‫ويقول يف موضع آخر‪" :‬تتمتنع ن‬
‫يُطلب منها أن تشرتك باإلنفاق على أمور املنزل ‪-‬كما هو احلال يف الغرب‪ ،-‬وكذا َّ‬
‫فإن املرأة‬
‫املسلمة تُعامل باحرتام عظيم‪ ،‬فضال عن تلك االمتيازات"‪.‬‬
‫ان مهم ِ‬
‫تان‪:‬‬ ‫وتتجلنى ِممَّا سبق حقيقت ِ‬
‫ن‬
‫األوىل‪ :‬أ نه إذا كان من واجبات الغربينّي أن يصبُّوا الننساء الغربينات‪ ،‬كما يقولون يف قوالب‬
‫وميوهلن‬ ‫ٍ‬
‫منكوسة؛ لتُالئم مرحلة ثورة التنصنيع النيت متنر هبا أوربا وما شاكلها؛ لتوافق شهواته املريضة‪،‬‬
‫ن‬
‫املمسوخة! واحلال‪ :‬نأهنم يف منأى عن هدى السماء‪ :‬فللشرق اإلسالمي وضعه املتمينز‪ ،‬واملرأة‬
‫مطهرة‪ ،‬عفيفة‪ ،‬يرمتي أبناؤها على أقدامها؛ خدمة وإجالال!! ويتسابق إخوهتا‬ ‫فيه‪ :‬كرمية‪ ،‬مصونة‪ ،‬ن‬
‫يضن اآلباء على بناهتم‪ ،‬كل أولئك بإحكام رب العاملّي؛‬ ‫إىل مرضاهتا؛ إكراما وإعزازا‪ُ ،‬مثن ال ن‬
‫سوٍغ النتهاج منهج الكافرين الفاسد‪.‬‬ ‫فليس مثن ُم ِّ‬
‫الثانية‪ِ :‬م َن اليسري بعد هذا‪ ،‬أن تنكشف حقيقة املغرضّي النذين راموا نيل األمة يف نسائها‪،‬‬
‫الشبهات‪.‬‬
‫وهم يُثريون هذه ُّ‬
‫وخالصة القول‪:‬‬
‫‪-1‬إ نن قوامة الرجل على املرأة يف اإلسالم ال تعين‪( :‬االستبداد)‪ ،‬وال (القهر)‪ ،‬وال (اإلذالل)‪،‬‬
‫وال (التنسخري) للمنافع واملطالب على الننحو النذي ي ندعيه القائلون هبذه الشبة‪ ،‬إ نن تلك القوامة‬
‫تسم إليها نفوس أولئك املغرضّي‪ ،‬ومن تلك املقاصد اإلسالمينة‪:‬‬ ‫ُمنحها الرجل ملقاصد مل ُ‬
‫سب املسلم أن يذعن‬ ‫وح ُ‬ ‫الزوجية‪َ ،‬‬‫رعاية الننبت اإلنساين الكرمي‪ ،‬واحملافظة على رونق احلياة ن‬
‫شرع لإلنسانينة مايتنفق مع احلكمة النيت جيهلها كثري من الناس‪.‬‬ ‫ألمر ربه النذي يُ ن‬
‫صرف‬ ‫حق التن ن‬
‫اقتصادي‪ ،‬فلها ُّ‬
‫ٌّ‬ ‫‪-2‬إ نن املرأة يف اإلسالم غري ممنوعة َم ْن أن يكون هلا استقالل‬
‫الرجل‪ ،‬طاملا نأهنا بالغة رشيدة‪.‬‬
‫بأمواهلا وممتلكاهتا‪ ،‬دون وصينة‪ ،‬أو سلطة من قبل ن‬
‫الربانينة‪.‬‬
‫الشريعة ن‬
‫الشبهة‪ ،‬وبيان ضعفها‪ ،‬ومدى اإلميان مبتانة ن‬ ‫وبذلك تتجلنى حقيقة هذه ُّ‬

‫(‪)55‬‬
‫ثالثاً‪ :‬الشبهات المثارة على الحجاب‪:‬‬
‫األولى‪ :‬الحجاب تزمت‪ ،‬والدين يُسر‪:‬‬
‫ت‬ ‫تزم َ‬
‫تزمت يف ال ندين‪ ،‬وال ندين يسر؛ ال ن‬ ‫السفور‪ :‬بأ نن احلجاب ن‬ ‫ي ندعي بعض دعاة التنربج و ُّ‬
‫فيه‪ ،‬وال تش ندد‪ ،‬وإباحة السفور مصلحةٌ تقتضيها مش نقة التزام احلجاب يف عصرنا‪.‬‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫سر فيها‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬ ‫الشرعينة مجيعها يُ ْسر‪ ،‬ال عُ َ‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬وتكالي َفه ن‬ ‫ن‬ ‫‪ . 1‬إ نن تعاليم ال ندين‬
‫َ َ ُ‬ ‫ك ُم ٱلۡ ُع ۡ َ‬‫ُ ُ اُ ُ ُ ُۡ ۡ َ ََ ُ ُ ُ‬
‫س﴾ [البقرة‪ ،]185:‬وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬و َما َج َعل َعل ۡيك ۡم‬ ‫﴿ي ِريد ٱَّلل بِكم ٱليس وَّل ي ِريد ب ِ‬
‫ا‬ ‫َ ُ َ ا‬
‫كل ُف َن ۡف ٌس إَِّل ُو ۡس َع َها َۚ ﴾ [البقرة‪]233:‬؛ فهذه‬ ‫ج ﴾ [احلج‪ ،]78:‬وقال‪َّ ﴿ :‬ل ت‬ ‫َ‬
‫ِين م ِۡن ح َر ِۚ‬
‫د‬
‫ِِف ٱل ِ‬
‫الشرع‪.‬‬
‫اآليات صرحية يف التزام مبدأ التنخفيف‪ ،‬والتنيسري على النناس يف أحكام ن‬
‫َح ٌد إَِّال َغلَبَهُ‪،‬‬
‫ِّين أ َ‬
‫اد الد َ‬ ‫ِّين يُ ْسٌر‪َ ،‬ولَ ْن يُ َش َّ‬ ‫ِ‬
‫وعن أيب هريرة ‪ ،‬أ نن رسول اهلل ‪ ‬قال‪" :‬إ َّن الد َ‬
‫ُّجلَِة"(‪ ،)1‬وعن أيب موسى‬ ‫الرْو َح ِة َو َش ْي ٍء ِم َن الد ْ‬
‫استَعِينُوا بِالْغَ ْد َوةِ َو َّ‬ ‫ِ‬
‫ِّدوا َوقَا ِربُوا‪َ ،‬وأَبْشُروا‪َ ،‬و ْ‬
‫فَ َسد ُ‬
‫ال‪" :‬بَشُِّروا‬ ‫ض أ َْم ِرهِ‪ ،‬قَ َ‬‫َص َحابِِه ِيف بَ ْع ِ‬ ‫ثأ ِ‬
‫َحدا م ْن أ ْ‬ ‫ول اهلل ‪ ‬إِ َذا بَ َع َ َ‬
‫األشعري ‪ ، ‬قال‪َ :‬كا َن رس ُ ِ‬
‫َُ‬
‫َوَال تُنَ ف ُِّروا‪َ ،‬ويَ ِّسُروا َوَال تُ َع ِّس ُروا"(‪.)2‬‬
‫فكل ما ثبت أنه‬ ‫َّ‬
‫فالشارع ال يقصد أبدا إعنات املكلفّي‪ ،‬أوتكليفهم مبا ال تطيقه أنفسهم‪ ،‬ن‬ ‫ن‬
‫داخل يف مقدورهم‪ ،‬وطاقتهم‪.‬‬
‫تكليف من اهلل للعباد‪ ،‬فهو ٌ‬
‫الشرعينة ضوابط جيب مراعاهتا‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫‪ .2‬مثن ال بُ ند ِم ْن معرفة أ نن للمصلحة ن‬
‫الشرع‪ ،‬وهي‪ :‬حفظ ال ندين‪ ،‬والننفس‪ ،‬والعقل‪،‬‬ ‫أ‪ -‬أن تكون هذه املصلحة مندرجة يف مقاصد َ‬
‫فوت هذه األصول‪،‬‬ ‫كل ما يُ ن‬
‫فكل ما حيفظ هذه األصول اخلمسة فهو مصلحة‪ ،‬و ن‬ ‫والننسل‪ ،‬واملال‪ ،‬ن‬
‫ِ‬
‫شك أ نن احلجاب ممنا حيفظ هذه الكلِّيَّات‪ ،‬وأ نن التنربُّج و ُّ‬
‫السفور‬ ‫أو بعضها؛ فهو مفسدة‪ ،‬وال ن‬
‫يؤدي هبا إىل الفساد‪.‬‬ ‫ن‬
‫الصحيح‪ ،‬فال تُعارض القرآن الكرمي؛ ألن معرفة املقاصد‬ ‫ب‪ -‬أنال تُعارض هذه املصلحة الننقل ن‬
‫الشرعية املنبثقة من أدلتها التنفصيلينة‪ ،‬واألدلة كلنها راجعة إىل‬
‫الشرعينة إَّنا متن استنادا إىل األحكام ن‬ ‫ن‬
‫املدلول دليله‪ ،‬وهو باطل‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫كتاب اهلل الستلزم ذلك أن يعارض‬
‫الكتاب‪ ،‬فلو عارضت املصلحة َ‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪.)39‬‬


‫(‪ )2‬رواه مسلم (‪.)1732‬‬

‫(‪)56‬‬
‫للسننة؛ فإ نن املصلحة املزعومة إذا عارضتها اعتُربت رأيا مذموما‪ .‬وال خيفى‬ ‫وكذلك بالننسبة ن‬
‫السنَّة‪.‬‬
‫مناقضة هذه املصلحة املزعومة لنصوص الكتاب و ُّ‬
‫ج‪ -‬أَّال تُعارض هذه املصلحة القياس ن‬
‫الصحيح‪.‬‬
‫أهم منها‪ ،‬أو مساوية هلا‪.‬‬
‫فوت هذه املصلحة مصلحة ن‬ ‫د‪ -‬نأال تُ ِّ‬
‫نص على ُح ْكمه الكتاب والسنة‪ ،‬كالعبادات والعقود واملعامالت‪ ،‬وهذا‬ ‫ومن املصاحل ما ن‬
‫نص الشارع فيه على العزائم فقط‪ ،‬بل ما ِم ْن ُح ْكم من أحكام العبادات‬ ‫القسم مل يقتصر ن‬
‫فالصالة مثال ُش ِرعت أركاهنا وأحكامها‬ ‫واملعامالت نإال وقد شرع إىل جانبه سبل التنيسري فيه؛ ن‬
‫الصالة‬
‫ميسرة ألدائها عند حلوق املشقة‪ ،‬كاجلمع‪ ،‬والقصر‪ ،‬و ن‬ ‫وشرع إىل جانبها أحكام ن‬ ‫األساسينة‪ُ ،‬‬
‫بالسفر واملرض‪.‬‬
‫الصوم أيضا ُشرع إىل جانب أحكامه األساسينة رخصةُ الفطر ن‬ ‫من جلوس‪ ،‬و ن‬
‫يشق االحرتاز منه‪ .‬وأوجب‬ ‫الصالة ُش ِرع معها رخصة العفو عما ن‬ ‫والطنهارة من الننجاسات يف ن‬
‫ورخص يف كشف الوجه‬ ‫احلجاب على املرأة‪ ،‬مثن نهنى عن النَّظر إىل األجنبينة‪ ،‬ن‬
‫َ‬ ‫اهلل سبحانه وتعاىل‬
‫والننظر إليه عند اخلِطبة‪ ،‬والعالج‪ ،‬والتنقاضي‪ ،‬واإلشهاد‪.‬‬
‫خيل بالوفاق‬ ‫َّ‬
‫إذا فليس يف التنيسري الذي شرعه اهلل سبحانه وتعاىل يف مقابلة عزائم أحكامه ما ن‬
‫ص‪ ،‬كأن يُقال‪:‬‬ ‫ومعلوم أنه ال جيوز االستزادة يف التنخفيف على ما ورد به النَّ ُّ‬
‫ٌ‬ ‫مع ضوابط املصلحة‪،‬‬
‫الربا‬
‫التحرز عن ن‬
‫ض َع الصالة عنهم‪ ،‬أو يُقال‪ :‬إ نن مشقة ن‬ ‫إ نن مش نقة احلرب بالنسبة للجنود تقتضي َو ْ‬
‫يف هذا العصر تقتضي جو َاز التنعامل به‪ ،‬أو يُقال‪ :‬إ نن مشقة التزام احلجاب يف بعض اجملتمعات‬
‫يباح للمرأة التربنج بدعوى عموم البلوى به‪.‬‬ ‫تقتضي أن َ‬
‫الثانية‪ :‬الحجاب من عادات الجاهلية؛ فهو تخلف ورجعية‪:‬‬
‫قالوا‪ :‬إ نن احلجاب كان من عادات العرب يف اجلاهلينة‪ ،‬أل نن العرب طبِعوا على محاية ن‬
‫الشرف‪،‬‬
‫تعصبا لعاداهتم القبلينة النيت جاء اإلسالم‬
‫ووأدوا البنات؛ خوفا من العار‪ ،‬فألزموا النساء باحلجاب؛ ُّ‬
‫بذمها وإبطاهلا؛ حىت إ نه أبطل احلجاب‪ ،‬فااللتزام باحلجاب رجعينة‪ ،‬وختلنف عن ركب احلضارة‬ ‫ن‬
‫قدم‪.‬‬‫والتن ُّ‬
‫والجواب‪:‬‬
‫فوجه نساء املسلمّي إىل عدم التنربُّج حىت ال‬ ‫ذم اهلل تعاىل تربنج نساء اجلاهلينة؛ ن‬ ‫‪ -1‬لقد ن‬
‫ُۡ َ‬ ‫َب َج ٱلۡ َ‬ ‫ِك ان َو ََّل َت َ ا‬
‫َب ۡج َن َت َ ُّ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫جٰ ِهل اِيةِ ٱۡل ٰ‬
‫ولِۖ﴾‬ ‫يتشبهن بنساء اجلاهلينة‪ ،‬فقال جل شأنه‪﴿ :‬وََق ۡرن ِِف ُب ُيوت‬
‫ن‬
‫ن‬
‫[األحزاب‪.]33:‬‬

‫(‪)57‬‬
‫نمص كان‬ ‫وصل الشعر والتن ن‬
‫بذم تغيري خلق اهلل أوضحت أ نن َ‬ ‫كما أ نن األحاديث احلافلة ن‬
‫شائعا يف نساء اليهود قبل اإلسالم‪ ،‬ومن املعروف أنه ِممنا تستخدمه املتربنجات‪.‬‬
‫صحيح أ نن اإلسالم أتى‪ ،‬فأبطل عادات ذميمة للعرب‪ ،‬ولكن باإلضافة إىل ذلك كانت هلم‬
‫الشجاعة‪ ،‬وغري ذلك‪.‬‬ ‫الضيف‪ ،‬واجلود‪ ،‬و ن‬ ‫أقرها اإلسالم؛ فلم يبطلها‪ ،‬كإكرام ن‬ ‫عادات مجيلة ن‬
‫الذميمة‪ :‬خروج النِّساء متربنجات‪ ،‬كاشفات الوجوه واألعناق‪،‬‬ ‫وكان ِم ْن ضمن عاداهتم َّ‬
‫الزينة‪ ،‬ففرض اهلل احلجاب على املرأة بعد اإلسالم؛ لريتقي هبا‪ ،‬ويصو َن كرامتها‪ ،‬ومينع‬ ‫باديات ن‬
‫الفساق واملغرضّي‪.‬‬ ‫عنها أذى ن‬
‫اضيات بلباسهن النذي ال جيعلهن يف زمرة الرجعي ِ‬
‫ات‬ ‫‪-2‬إذا كانت الننساء املسلمات ر ٍ‬
‫ن ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫واملتخلنفات؛ فما النذي يثري تدخل اآلخرين يف قضينة فردينة شخصينة كهذه؟!‬
‫ميسها‬
‫خصية وتقديسها؛ فال جيوز أن ن‬ ‫الش ن‬
‫ومن العجب أن تسمع منهم ال ندعوةَ إىل احلرينة ن‬
‫يتدخلون يف حرية غريهم يف ارتداء ما شاؤوا من الثياب‪.‬‬ ‫أحد‪ ،‬مثن هم ن‬
‫السرت واألخالق يف هذا األمر‬ ‫‪-3‬إ نن التنخلنف له أسبابه‪ ،‬والتنق ندم له أسبابه‪ ،‬وإقحام شريعة ن‬
‫خدعة مكشوفة‪ ،‬ال تنطلي إَّال على متخلنف عن مستوى الفكر والننظر‪ ،‬ومنذ مىت كان التق ندم‬
‫واحلضارة متعلن َقّي بلباس اإلنسان؟!‬
‫توصل إليها اإلنسان بعقله‪ ،‬وإعمال فكره‪،‬‬ ‫طور كان نتيجةَ أحباث َّ‬ ‫إ نن احلضارة والتنق ندم والتن ن‬
‫ومل تكن بثوبه ومظهره‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬عفة المرأة في ذاتها‪ ،‬ال في حجابها‪:‬‬
‫يقول البعض‪ :‬إ نن عفة الفتاة حقيقة كامنة يف ذاهتا‪ ،‬وليست غطاء يُلقى‪ ،‬ويُسدل على‬
‫الرجال يف ظاهرها‪ ،‬وهي فاجرة يف سلوكها‪ ،‬وكم من فتاة‬ ‫جسمها‪ ،‬وكم من فتاة حمتجبة عن ن‬
‫السوء سبيال إىل نفسها‪ ،‬وال إىل سلوكها‪.‬‬
‫حاسرة الرأس‪ ،‬كاشفة املفاتن‪ ،‬ال يعرف ُّ‬
‫الجواب‪:‬‬
‫إ نن هذا صحيح‪ ،‬فما كان للثياب أن تَنسج لصاحبها ع نفة مفقودة‪ ،‬وال أن متنحه استقامة‬
‫ورب فاجرة سرتت فجورها مبظهر سرتها‪.‬‬ ‫معدومة‪َّ ،‬‬
‫من هذا النذي زعم أ نن اهلل إنَّنا شرع احلجاب جلسم املرأة؛ ليخلق الطنهارة يف نفسها‪،‬‬
‫ولكن ْ‬
‫أو العفة يف أخالقها؟!‬

‫(‪)58‬‬
‫كل َم ْن مل تلتزمه؛ فهي‬
‫ومن هذا النذي زعم أ نن احلجاب إنَّنا شرعه اهلل؛ ليكون إعالنا بأ نن ن‬ ‫ْ‬
‫الرجال؟!‬
‫تنحط يف وادي الغواية مع ِّ‬‫فاجرة ُّ‬
‫الرجال النذين قد تقع أبصارهم‬ ‫إ نن اهلل عز وجل فرض احلجاب على املرأة؛ حمافظة على ع نفة ن‬
‫عليها‪ ،‬وليس حفاظا على ع نفتها من األعّي النيت تراها فقط‪ ،‬ولئن كانت تشرتك معهم هي‬
‫وإال فهل‬
‫األخرى يف هذه الفائدة يف كثري من األحيان نإال أ نن فائدهتم من ذلك أعظم وأخطر‪ ،‬ن‬
‫الرجال كلهم‪ ،‬ما‬
‫احلجة املقلوبة‪ :‬إ نن للفتاة أن تربز عارية أمام ن‬
‫يقول عاقل حتت سلطان هذه ن‬
‫دامت ليست يف شك من نقوة أخالقها‪ ،‬وصدق استقامتها؟!‬
‫يات الننساء‪ ،‬وفتنتهن هو‪ :‬املشكلة اليت‬ ‫إ نن بالء الرجال مبا تقع عليه أبصارهم من مغر ِ‬
‫ن‬
‫الرجال إذا مل‬
‫حل‪ ،‬فكان يف شرع اهلل ما تك نفل به على أفضل وجه‪ ،‬وبالء ن‬ ‫اجملتمع إىل ن‬‫َ‬ ‫أحوجت‬
‫بالسوء إىل الننساء أيضا‪ ،‬وال يغين عن األمر‬
‫احلل اإلهلي‪ ،‬ما من ريب سيتجاوز ُّ‬ ‫جيد يف سبيله هذا ن‬
‫ٍ‬
‫باستقامة يف سلوكها‪ ،‬أو ع نفة يف نفسها‪ ،‬فإ نن يف ضرام ذلك‬ ‫شيئا أن تعتصم املرأة املتربنجة عندئذ‬
‫كل استقامة‪ ،‬أو عفة تتمتنع هبا املرأة؛ إذ تعرض‬‫الرجال ما قد يتغلنب على ن‬ ‫البالء اهلائج يف نفوس ن‬
‫من فنون إثارهتا وفتنتها أمامهم‪.‬‬
‫الرابعة‪ :‬دعوى أن الحجاب م ْن وضع اإلسالم‪:‬‬
‫زعم آخرون أ نن حجاب الننساء نظام وضعه اإلسالم‪ ،‬فلم يكن له وجود يف اجلزيرة العربية‪،‬‬
‫وال يف غريها قبل ال ندعوة احملمدينة‪.‬‬
‫والجواب‪:‬‬
‫‪-1‬إ نن من يقرأ كتب العهد القدمي وكتب األناجيل‪ ،‬يعلم بغري عناء كبري يف البحث أ نن‬
‫وظل معروفا بينهم يف أيام‬
‫السالم‪ ،‬ن‬
‫حجاب املرأة كان معروفا بّي العربانينّي من عهد إبراهيم عليه ن‬
‫وتكررت اإلشارة إىل الربقع يف غري كتاب ِم ْن كتب‬
‫أنبيائهم مجيعا‪ ،‬إىل ما بعد ظهور املسيحينة‪ ،‬ن‬
‫العهد القدمي‪ ،‬وكتب العهد اجلديد‪.‬‬
‫ففي اإلصحاح الرابع والعشرين من سفر التكوين عن (رفقة) أهنا رفعت عينيها‪ ،‬فرأت‬
‫الرجل املاشي يف احلقل للقائي؟ فقال العبد‪:‬‬
‫إسحاق‪ ،‬فنزلت عن اجلمل وقالت للعبد‪َ :‬م ْن هذا َّ‬
‫هو سيندي‪ ،‬فأخذت الربقع وتغطنت‪.‬‬

‫(‪)59‬‬
‫ويف الننشيد اخلامس من أناشيد سليمان‪ ،‬تقول املرأة‪ :‬أخربين يا من حتبنه نفسي‪ ،‬أين ترعى‬
‫عند الظنهرية؟ وملاذا أكون كمقننعة عند قطعان أصحابك؟‬
‫جهن‪ ،‬واملباهاة‬
‫ويف اإلصحاح الثالث من سفر أشعيا‪ :‬إ نن اهلل سيعاقب بنات صهيون على تربُّ ن‬
‫الضفائر واألهلة واحللق واألساور والرباقع‬ ‫عنهن زينة اخلالخيل و ن‬ ‫خالخيلهن بأن ينزع ن‬ ‫ن‬ ‫برنّي‬
‫والعصائب‪.‬‬
‫ويف اإلصحاح الثامن والثالثّي من سفر التكوين أيضا‪ ،‬أ نن تامار مضت‪ ،‬وقعدت يف بيت‬
‫ترملها‪ ،‬وتغطنت بربقع‪ ،‬وتل نففت‪.‬‬ ‫الزمان‪ ،‬خلعت عنها ثياب ُّ‬ ‫أبيها‪ ،‬ولَ َّما طال ن‬
‫ويقول بولس الرسول يف رسالته كورنثوس األوىل‪" :‬إ نن النقاب شرف للمرأة‪ ،‬وكانت املرأة‬
‫عندهم تضع الربقع على وجهها حّي تلتقي بالغرباء‪ ،‬وختلعه حّي تنزوي يف ال ندار بلباس احلداد‪.‬‬
‫فالكتب ال ندينينة النيت يقرؤها غري املسلمّي قد ذكرت عن الرباقع والعصائب مامل يذكره القرآن‬
‫الكرمي‪.‬‬
‫بالزينة يف الطُّرقات قبل امليالد‬
‫حترم على املرأة الظُّهور ن‬ ‫الرومان يسنُّون القوانّي النيت ن‬‫‪-2‬وكان ُّ‬
‫حىت يف البيوت‪.‬‬‫بالزينة ن‬
‫حيرم عليها املغاالة ن‬ ‫مبائيت سنة‪ ،‬ومنها قانون عُرف باسم "قانون أوبيا" ن‬
‫تسرت املرأة العربية موفورة‪ ،‬كوفرة أخبار‬ ‫‪-3‬و نأما يف اجلاهلينة‪ :‬فنجد أ نن األخبار الواردة يف ن‬
‫الفجار األوىل؛ إذ إ نن شبابا من‬‫انتهاك سرتها كان سببا يف اليوم الثاين من أيام حروب ن‬ ‫سفورها‪ ،‬و ُ‬
‫قريش وبين كنانة رأوا امرأة مجيلة وسيمة من بين عامر يف سوق عكاظ‪ ،‬وسألوها أن تسفر عن‬
‫وجهها فأبت‪ ،‬فامتهنها أحدهم فاستغاثت بقومها‪.‬‬
‫الشعر اجلاهلي أشعار كثرية تُشري إىل حجاب املرأة العربينة‪ ،‬يقول الربيع بن زياد العبسي‬ ‫ويف ن‬
‫بعد مقتل مالك بن زهري‪:‬‬
‫أت نس وتنا ب ِ‬
‫وجه هن ا ِر‬ ‫ف لي ِ‬ ‫مبقتل ٍ‬
‫مالك‬ ‫من كا َن مسرورا ِ‬ ‫ْ‬
‫يلطمن أوجههن باألسحار‬ ‫َ‬ ‫جي د النس اء ح واس را يندبن ه‬
‫ّي ب رز َن للنُّ ظ ار‬
‫فالي وم ح َ‬ ‫تسرتا‬
‫ق د ك نن ُخيب أ نن ال وج وه ُّ‬
‫اهبن؛‬
‫كن حمجبات نإال يف مثل هذه احلالة؛ حيث فقدن صو ن‬ ‫العامة لديهم‪ :‬أ نن النساء ن‬‫فاحلالة ن‬
‫تسرت وقناع‪.‬‬
‫عما اعتادت من ُّ‬ ‫ِ‬
‫شفن الوجوه‪ ،‬ي ْلطمنها؛ أل نن الفجيعة قد تنحرف باملرأة ن‬ ‫ف َك َ‬
‫األصمعي أ نن املرأة كانت تُلقي مخارها؛ حلسنها وهي على ع نفة‪ ،‬وكانت أغطية‬ ‫ُّ‬ ‫وقد ذكر‬
‫شىت‪ ،‬منها‪:‬‬
‫متنوعة‪ ،‬وهلا أمساء ن‬‫رؤوس النساء يف اجلاهلينة ن‬
‫(‪)60‬‬
‫لف على جزء من الوجه‪.‬‬ ‫الرأس‪ ،‬ويُ ن‬ ‫اخلمار‪ :‬وهو ما تُغطني به املرأة رأسها‪ ،‬يُوضع على ن‬
‫وقد ورد يف شعر صخر يتح ندث عن أخته اخلنساء‪:‬‬
‫ت خ م اره ا‬ ‫كت م زق ُ‬ ‫ول و هَل ْ‬ ‫واهلل ال أم ن ح ه ا ش راره ا‬
‫صان قد َكفْتين عارها‬ ‫وهي َح َ‬ ‫وجعلت من ِشعر صدارها‬
‫ُ‬
‫ومل يكن اخلمار مقصورا على العرب‪ ،‬وإنَّنا كان شائعا لدى األمم القدمية يف بابل وأشور‬
‫وفارس والروم واهلند‪.‬‬
‫ِّقاب ِعْند الْ َعَر ِب ُه َو‪ :‬الَّ ِذي يَْب ُدو ِمْنهُ امل ْح ِجر)(‪.)1‬‬
‫َ‬
‫الننقاب‪ :‬قال أبو ٍ‬
‫عبيد‪-‬رمحه اهلل‪(:-‬الن‬
‫َ‬
‫الوصواص‪ :‬وهو الننقاب على ما ِرن األنف ال تظهر منه نإال العينان‪ ،‬وهو الربقع الصغري‪،‬‬
‫ويسمى اخلنق‪ ،‬قال الشاعر‪ :‬يا ليتها قد لبست وصواصا‪.‬‬ ‫ن‬
‫الربقع‪ :‬فيه خرقان للعّي‪ ،‬وهو لنساء العرب‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫فقد رابين منها الغداة ُسفورها‬ ‫جئت ليلى تربقعت‬
‫كنت إذا ما ُ‬ ‫و ُ‬
‫الخامسة‪ :‬االحتجاج بقاعدة‪( :‬تبدل األحكام بتبدل الزمان)‪:‬‬
‫الزمان)‪ ،‬وقاعدة‪( :‬العادة حم نكمة)‬ ‫تبدل األحكام ُّ‬
‫بتبدل ن‬ ‫فَ ِهم أعداء احلجاب من قاعدة‪ُّ ( :‬‬
‫الشرعينة كذلك‪.‬‬
‫بتطور األزمان؛ فال بُ ند أن تكون األحكام ن‬
‫متطورة ن‬
‫أ نه ما دامت أعرافهم ن‬
‫الجواب‪:‬‬
‫ال ريب أ نن هذا الكالم لو كان مقبوال على ظاهره؛ القتضى أن يكون مصري شرعينة األحكام‬
‫لكن حتقيق املراد من‬
‫كلنها رهنا بيد عادات النناس وأعرافهم‪ ،‬وهذا ال ُميكن أن يقول به مسلم‪ ،‬ن‬
‫هذه القاعدة‪ :‬أ نن ما تعارف عليه الناس‪ ،‬وأصبح عرفا هلم‪ ،‬ال خيلو من حاالت‪:‬‬
‫الشرع‪ ،‬أو كان موجودا فيهم‬
‫‪ -1‬نإما أن يكون هو بعينه حكما شرعيًّا أيضا بأن أوجده ن‬
‫الصالة‪ ،‬وسرت العورة‬
‫فدعا إليه‪ ،‬وأ نكده‪ ،‬مثال ذلك‪ :‬الطنهارة من الننجس واحلدث عند القيام إىل ن‬

‫(‪ )1‬غريب احلديث أليب عبيد القاسم بن سالم (‪.)463/4‬‬

‫(‪)61‬‬
‫وح ْجب املرأة زينتها عن األجانب‪ ،‬والقصاص واحلدود وما شابه ذلك‪ ،‬فهذه كلُّها أمور‬ ‫فيها‪َ ،‬‬
‫تع ند من أعراف املسلمّي وعاداهتم‪ ،‬وهي يف نفس الوقت أحكام شرعينة‪ ،‬يستوجب فِ ْعلها الثنواب‪،‬‬
‫رعي؛ مؤيندا‪،‬‬
‫الش ُّ‬ ‫وتركها العقاب‪ ،‬سواء منها ما كان متعارفا عليه قبل اإلسالم‪ ،‬مثن جاء احلكم ن‬
‫وحمسنا له‪ ،‬كحكم القسامة‪ ،‬وال ندية‪ ،‬والطنواف بالبيت‪ ،‬وما كان غري معروف قبل ذلك‪ ،‬وإنَّنا‬ ‫ن‬
‫الصالة‪ ،‬وازلنكاة‪ ،‬وغريها‪.‬‬
‫أوجده اإلسالم نفسه‪ ،‬كأحكام الطنهارة‪ ،‬و ن‬
‫الصورة من األعراف ال جيوز أن يدخلها التنبديل والتنغيري‪ ،‬مهما تب ندلت األزمنة‪،‬‬ ‫فهذه ُّ‬
‫الدنيا‪،‬‬‫وتطورت العادات واألحوال؛ ألهنا حب ند ذاهتا أحكام شرعينة ثبتت بأدلة باقية ما بقيت ُّ‬ ‫ن‬
‫وليست هذه الصورة هي املعنينة بقول الفقهاء‪( :‬العادة َّ‬
‫حمكمة)‪.‬‬
‫رعي بأن كان مناطا ِبه‪ ،‬مثال‬ ‫الش ُّ‬‫وإما َّأال يكون حكما شرعيًّا‪ ،‬ولكن تعلنق به احلكم ن‬ ‫‪ -2‬ن‬
‫ذلك‪ :‬ما يتعارفه النناس من وسائل التنعبري‪ ،‬وأساليب اخلطاب والكالم‪ ،‬وما يتواضعون عليه من‬
‫األعمال املخلنة باملروءة واآلداب‪ ،‬وما تَفرضه سننة اخللق واحلياة يف اإلنسان؛ ِممَّا ال دخل لإلرادة‬
‫سن البلوغ‪ ،‬وفرتة احليض والننفاس‪ ،‬وما إىل ذلك‪.‬‬ ‫والتنكليف فيه‪ ،‬كاختالف عادات األقطار يف ن‬
‫احلكم متعلَّق عليها‪ ،‬ومناط هبا‪،‬‬
‫لكن َ‬ ‫فهذه األمثلة‪ :‬أمور ليست حب ند ذاهتا أحكاما شرعيًّة‪ ،‬و َّ‬
‫حمكمة)‪ ،‬فاألحكام املبنينة على‬ ‫الصورة من العرف هي‪ :‬املقصودة من قول الفقهاء‪( :‬العادة َّ‬ ‫وهذه ُّ‬
‫يصح أن يُقال‪( :‬ال يُْنكر تب ندل األحكام‬‫بتغري العادة‪ ،‬وهنا فقط ن‬‫تتغري ن‬ ‫العرف‪ ،‬والعادة‪ ،‬هي‪ :‬الَّيت ن‬
‫باق‪ ،‬وإنَّنا مل تتوافر له شروط التنطبيق؛‬‫ألن احلكم ٍ‬ ‫للشريعة‪َّ ،‬‬
‫الزمان)‪ ،‬وهذا ال يُع ند نسخا ن‬ ‫ُّ‬
‫بتبدل ن‬
‫فطُبِّق غريه‪.‬‬
‫تغريت‪ ،‬فمعىن ذلك‪ :‬أ نن حالة جديدة قد طرأت تستلزم تطبيق حكم‬ ‫يوضحه‪ :‬أ نن العادة إذا ن‬‫ن‬
‫تغري العادة استلزم توافر شروط معيننة لتطبيقه‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫كن ن‬‫األصلي باق‪ ،‬ول ن‬
‫ن‬ ‫آخر‪ ،‬أو أ نن احلكم‬
‫السادسة‪ :‬الحجاب يُعطل نصف المجتمع‪:‬‬
‫قالوا‪ :‬إ نن حجاب املرأة يُعطنل نصف اجملتمع؛ إذ إ نن اإلسالم يأمرها أن تبقى يف بيتها‪.‬‬
‫الجواب‪:‬‬
‫ِك ان َو ََّل َت َ ا‬
‫َب ۡج َن‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫﴿ َوق ۡرن ِِف ُب ُيوت‬
‫‪-1‬إ نن األصل يف املرأة‪ :‬أن تبقى يف بيتها‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪:‬‬
‫ُۡ َ‬ ‫َب َج ٱلۡ َ‬
‫َت َ ُّ‬
‫جٰ ِهل اِيةِ ٱۡل ٰ‬
‫ولِۖ ﴾ [األحزاب‪ .]33:‬وال يعين هذا األمر‪ :‬إهانة املرأة‪ ،‬وتعطيل طاقاهتا‪ ،‬بل هو‬
‫التَّوظيف األمثل لطاقاهتا‪.‬‬

‫(‪)62‬‬
‫‪-2‬وليس يف حجاب املرأة ما مينعها من القيام مبا يتعلنق هبا من الواجبات‪ ،‬وما يُسمح هلا‬
‫بكل‬
‫به من األعمال‪ ،‬وال حيول بينها وبّي اكتساب املعارف والعلوم‪ ،‬بل نإهنا تستطيع أن تقوم ن‬
‫ذلك مع احملافظة على حجاهبا‪ ،‬وجتنُّبها االختالط املشّي‪.‬‬
‫الساتر‪ ،‬وابتعد َن عن خمالطة الطَُّّالب قد‬
‫تدين الثَّوب َّ‬ ‫وكثري من طالبات اجلامعات َّ‬
‫الاليت ار َ‬
‫كن يف موضع تقدير واحرتام من مجيع املدرسّي‬ ‫السبق يف مضمار االمتحان‪ ،‬و َّ‬ ‫أحرز َن قصب َّ‬
‫والطَُّّالب‪.‬‬
‫وتركها األعمال الَّيت ال ُميكن أن يقوم هبا‬
‫الرجل يف أعماله‪ْ ،‬‬ ‫‪-3‬بل َّ‬
‫إن خروج املرأة ومزامحتها َّ‬
‫وفشو الفساد‪،‬‬
‫السبب يف اهنيار اجملتمعات‪ِّ ،‬‬ ‫غريها هو‪ :‬الَّذي يُعطِّل نصف اجملتمع‪ ،‬بل هو َّ‬
‫مهمة رعاية النَّشء وتربيتهم والعناية هبم‪ ،‬وهي من أشرف‬ ‫ألن ن‬‫األسر؛ َّ‬
‫وانتشار اجلرائم‪ ،‬وانفكاك َ‬
‫عائل‪ ،‬وال ر ٍ‬
‫قيب‪.‬‬ ‫املهام‪ ،‬وأعظمها‪ ،‬وأخطرها‪ ،‬أضحت بال ٍ‬ ‫ن‬

‫رابعا‪ :‬شبهة َّ‬


‫الشهادة‪:‬‬
‫تُطالب اجلمعينات النِّسائينة بتعديل القانون اللُّبناين؛ منسجما مع االتفاقينات ال ندولينة الَّيت‬
‫تدعو إىل إعطاء املرأة األهلينة الكاملة يف مركزها وحقوقها القانونينة‪ ،‬وهم يرون أ نن اإلسالم يقف‬
‫الشهادة هذه منافية ملبدأ املساواة‬ ‫الشهادة؛ معتربين أ نن (قضية ن‬ ‫الرجل واملرأة يف ن‬ ‫عائقا أمام تساوي ن‬
‫للرند على‬ ‫الشريعة اإلسالمينة)‪ ،‬و ن‬ ‫الدونينة للمرأة يف ن‬ ‫الرجل واملرأة‪ ،‬و نأهنا مظهر آخر من مظاهر ُّ‬ ‫بّي ن‬
‫بل هي ختتلف من‬ ‫الرجل واملرأة ليست مطلقة‪ْ ،‬‬ ‫الشهادة بّي َّ‬ ‫أن التَّمييز يف َّ‬ ‫مزاعمهم‪ ،‬نُؤِّكد على َّ‬
‫حالة إىل أخرى‪ ،‬وهي على أقسام‪:‬‬
‫‪ -1‬شهادة ال يُقبل فيها شهادة املرأة مطلقا‪ ،‬وهي شهادة القصاص واحلدود؛ ذلك َّ‬
‫ألن‬
‫حتملها‪.‬‬
‫هذه القضايا تُثري موضوعاهتا عاطفة املرأة‪ ،‬وال تقوى على ُّ‬
‫‪ -2‬شهادة املبايعة واملداينة‪ ،‬وهي الَّيت يُطلب فيها شهادة رجلّي‪ ،‬أو رجل وامرأتّي؛ بناء‬
‫د َ ُ ۡ َ ا ۡ َ ُ َ َ ُ َۡ ََ ُ َ ۡ َََ‬ ‫َ ۡ َ ۡ ُ ْ َ َۡ‬
‫ان‬
‫ني فرجل وٱمرأت ِ‬ ‫على قوله تعاىل‪...﴿ :‬وٱستش ِهدوا ش ِهيدي ِن مِن رِجالِكم فإِن لم يكونا رجل ِ‬
‫ُۡ‬ ‫ُّ َ ٓ َ َ‬
‫ض ال إ ِ ۡح َدى ٰ ُه َما َف ُت َذ دك َِر إ ِ ۡح َدى ٰ ُه َما ٱۡل ۡخ َر َٰۚ‬
‫ى‪[ ﴾...‬البقرة‪.]282:‬‬
‫َ َ َ‬
‫م اِمن ت ۡرض ۡون م َِن ٱلش َهداءِ أن ت ِ‬
‫الشهادة ليس متييزا عبثيًّا‪ ،‬وإنَّنا يعود إىل الفوارق الفطرينة‬ ‫وهذا التنمييز يف هذا الننوع من ن‬
‫الرجل إىل‬ ‫معرضة أكثر من ن‬ ‫الرجل واملرأة؛ حيث أ نن املرأة لقلنة اشتغاهلا باملبايعات ن‬ ‫والطنبيعينة بّي َّ‬

‫(‪)63‬‬
‫وتذكر جزء آخر؛ ويعود سبب ذلك إىل طبيعة تركيبة جسمها‪ ،‬وما متر هبا من‬ ‫نسيان جزء‪ُّ ،‬‬
‫تغريات نتيجة احلمل والوالدة جيعلها تفقد جزءا من ذاكرهتا‪.‬‬
‫الرجل وشهادة املرأة‪ ،‬كما يف حال اللِّعان‪ ،‬وهي‬ ‫‪ -3‬شهادة اللِّعان الَّيت تتساوى فيها شهادة َّ‬
‫ُ ا‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫اهتام باخليانة الزوجية‪ ،‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬و اٱَّل َ‬
‫ِين يَ ۡر ُمون أ ۡز َو ٰ َج ُه ۡم َول ۡم يَكن ل ُه ۡم‬ ‫ن‬ ‫احلالة الَّيت حيصل فيها ن‬
‫خٰ ِم َس ُة أَ ان لَ ۡع َنتَ‬‫َ ۡ َ‬ ‫َ‬ ‫ٰ‬ ‫ا اُ َ َ ا‬
‫ت بِٱَّللِ إِنهۥ ل ِمن ٱلص ِدقِني ‪ ٦‬وٱل‬ ‫ٰ‬ ‫ُ َ َ ٓ ُ ا ٓ َ ُ ُ ُ ۡ َ َ َٰ َ ُ َ َ ۡ َ ۡ َ ُ َ َٰ َ‬
‫شهداء إَِّل أنفسهم فشهدة أح ِدهِم أربع شهد ِۭ‬
‫َ‬ ‫ا ا‬ ‫َ‬
‫َۡ َ َ ََۡ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ََۡ َ ُْ َ َۡ َ َ َ‬
‫ۡ‬ ‫ۡ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ا َ َۡ‬
‫ت بِٱَّللِ إِن ُهۥ ل ِم َن‬ ‫َ‬
‫ٱَّللِ عليهِ إِن َكن م َِن ٱلكٰذِبِني ‪ ٧‬ويدرؤا عنها ٱلعذاب أن تشهد أربع شهٰد ٰ ِۭ‬
‫َ‬ ‫ٰ‬ ‫َ ۡ َٰ َ َ َ ا َ َ َ ا َ ََۡٓ َ َ َ ا‬ ‫كٰذِب َ‬ ‫ۡ َ‬
‫دقِني ﴾ [النور‪.]9-6:‬‬ ‫ني ‪ ٨‬وٱلخ ِمسة أن غضب ٱَّللِ عليها إِن َكن مِن ٱلص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٱل‬
‫‪ -4‬شهادة الوالدة وإحقاق الننسب للمولود والرضاعة كلُّها شهادات تنفرد فيها املرأة دون‬
‫ت‬‫ض ْع ُ‬‫ت‪ :‬قَ ْد أ َْر َ‬‫اب ب ِن عَُزيْ ٍز‪ ،‬فَأَتَ ْتهُ ْامَرأَةٌ فَ َقالَ ْ‬ ‫الرجل‪ ،‬فعن عُ ْقبةَ بْ ِن احلا ِر ِث‪ ،‬أَنَّهُ تَ َزَّوج ابْنَة ِألَِيب إِ َه ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ‬ ‫ن‬
‫آل أَِيب إِ َه ٍ‬ ‫َخب رتِِين‪ ،‬فَأَرسل إِ َىل ِ‬ ‫َّك أَر ِ‬
‫ال َهلَا عُ ْقبَةُ‪َ :‬ما أ َْعلَ ُم أَن ِ ْ َ‬ ‫عُ ْقبَةَ‪َ ،‬والَِّيت تَ َزَّو َج‪ ،‬فَ َق َ‬
‫اب‬ ‫ََْ‬ ‫ض ْعت ِين‪َ ،‬والَ أ ْ َ ْ‬
‫ول‬
‫ال َر ُس ُ‬ ‫َّيب ‪ ‬بِالْ َم ِدينَ ِة‪ ،‬فَ َسأَلَهُ‪ ،‬فَ َق َ‬ ‫ب إِ َىل النِ ِّ‬
‫ِ‬ ‫يسأَ ُهلم‪ ،‬فَ َقالُوا‪ :‬ما علِمنَا أَرضعت ِ‬
‫صاحبَتَ نَا‪ ،‬فَ َرك َ‬‫َ َ ْ ْ ََ ْ َ‬ ‫َ ْ ُْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت َزْوجا َغْي َرهُ(‪.)1‬‬ ‫يل"‪ ،‬فَ َف َارقَ َها َونَ َك َح ْ‬ ‫ف َوقَ ْد ق َ‬ ‫اللَّه ‪َ " :‬كْي َ‬
‫خاص يف‬‫يتبّي لنا ِممَّا سبق أ نن وجوب وجود امرأتّي يف الشهادة مع رجل واحد‪ ،‬هو أمر ٌّ‬ ‫ن‬
‫الشهادات؛ ِممَّا ينفي وجود متييز يف احلقوق بّي الرجل واملرأة‪ ،‬وممَّا‬ ‫املداينة فقط‪ ،‬دون سائر أنواع ن‬
‫الضمانات يف‬ ‫الدين احلنيف يهدف إىل توفري َّ‬ ‫ينفي املساس بكرامة املرأة‪ ،‬بل ُج َّل ما يف األمر أ نن ِّ‬
‫ال َّشهادة‪ ،‬وزيادة االستيثاق إليصال احلق إىل أصحابه‪.‬‬

‫الزوجات‪:‬‬
‫خامسا‪ :‬تعدد َّ‬
‫قره اإلسالم‪ ،‬ويعدون أ نن فيه‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫يعرتض أنصار حقوق املرأة على نظام ُّ‬
‫الزوجات الذي يُ ن‬‫تعدد َّ‬
‫الرجل‪ ،‬إضافة إىل َّ‬
‫أن‬ ‫إهدارا لكرامة املرأة‪ ،‬وإجحافا حبقها‪ ،‬واعتداء على مبدأ املساواة بينها وبّي ن‬
‫بعضهن مع بعض؛ فتشيع‬ ‫ن‬ ‫الزوجات‬‫الزوج وزوجاته‪ ،‬وبّي ن‬
‫يف هذا األمر مدعاة للنزاع ال ندائم بّي ن‬
‫أسي برتكيا وتونس اللَّتّي‬
‫الفوضى‪ ،‬ويشيع االضطراب يف حياة األسرة؛ ولذلك هم يَدعون إىل التَّ ِّ‬
‫أن هؤالء األشخاص لو اطَّلعوا على إحصاءات‬ ‫الزواج‪ ،‬مع َّ‬
‫عدد‪ ،‬وفرضتا نظام أحادية ن‬ ‫ألغتا نظام التَّ ُّ‬
‫ّي؛ َّ‬
‫لبدلوا رأيهم أو بعضا من آرائهم‪.‬‬ ‫الدولت ِ‬
‫احملاكم يف هاتّي َّ‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪.)2640‬‬


‫(‪)64‬‬
‫عدد نُورده على لسان الغربينّي أنفسهم النذين يُؤِّكدون على اخللل‬ ‫إن أبرز نتائج إلغاء نظام التَّ ُّ‬ ‫َّ‬
‫الذي أصاب اجملتمع؛ نتيجة تزايد عدد النِّساء بشكل عام؛ حيث تزايد هذا العدد إىل مثانية‬
‫العاملي‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫ماليّي امرأة يف أمريكا‪ ،‬وقد أرسلت فتاة أمريكية امسها‪(:‬ليندا) رسالة إىل جملس الكنائس‬
‫الرجال والنِّساء‪ ،‬فهناك‬ ‫أن هناك فجوة هائلة بّي عدد ِّ‬ ‫إن اإلحصاءات قد أوضحت َّ‬ ‫تقول فيها‪َّ " :‬‬
‫سبعة ماليّي ومثانية آالف امرأة زيادة يف عدد النِّساء عن عدد الرجال يف أمريكا‪ ،‬وختتم رسالتها‬
‫املتزوجات‪ ،‬فطاملا َّ‬
‫أن‬ ‫حىت أولئك ن‬ ‫كل الننساء‪ ،‬ن‬‫متس ن‬ ‫ألهنا ُّ‬
‫قائلة‪ :‬أرجوكم أن تنشروا رساليت هذه ن‬
‫الرجال سيخونون زوجاهتم‪،‬‬ ‫الرجال والنِّساء غري متكافئة؛ فالننتيجة األكيدة هي‪َّ :‬‬
‫أن ِّ‬ ‫النِّسبة بّي ِّ‬
‫الزوجيَّة قائمة على أساس معقول"‪.‬‬ ‫حىت ولو كانت عالقتهم َّ‬ ‫َّ‬
‫طبيعي‪ ،‬ومنها‪ :‬ما‬‫ٌّ‬ ‫عدة‪ ،‬منها‪ :‬ما هو‬‫سوغات َّ‬ ‫الرجال له ُم ِّ‬‫إن تزايد عدد النِّسوة عن عدد ِّ‬ ‫َّ‬
‫خاص‪.‬‬
‫اجتماعي‪ ،‬ومنها ما هو ٌّ‬ ‫ٌّ‬ ‫هو‬
‫غات الطَّبيعيَّة‪ :‬فتتمثَّل يف القوانّي الَّيت ختضع هلا الفصيلة اإلنسانيَّة فيما يتعلَّق‬ ‫سو ُ‬ ‫َّأما امل ِّ‬
‫غات االجتماعينة إىل أمرين‪:‬‬‫سو ِ‬‫أهم امل ِّ‬
‫الذكور واإلناث‪ ،‬فيما ترجع ُّ‬ ‫بالنِّسبة بّي ُّ‬
‫كل ذلك جيعل‬ ‫أحدمها‪ :‬يعود إىل أعباء احلياة االجتماعينة‪ ،‬وتوزيع األعمال بّي اجلنسّي‪ ،‬و ُّ‬
‫منهن أعمارا‪.‬‬
‫أقصر َّ‬ ‫ُّ‬
‫تعرضا للوفاة من اإلناث‪ ،‬و َ‬ ‫الذكور أكثر ُّ‬
‫الزواج حبسب األوضاع االجتماعينة َّإال إذا كان قادرا‬ ‫الرجل ال يكون قادرا على َّ‬ ‫أن َّ‬‫وثانيهما‪َّ :‬‬
‫كل بنت تكون‬ ‫الالئق به‪ ،‬على حّي َّ‬
‫أن َّ‬ ‫على نفقات املعيشة لزوجته وأسرته وبيته يف املستوى َّ‬
‫سن البلوغ‪.‬‬
‫مبجرد وصوهلا إىل ِّ‬ ‫للزواج‪ ،‬وقادرة عليه ن‬ ‫صاحلة َّ‬
‫عدد‬‫اخلاصة فيما يطرأ أحيانا على احلياة الزوجيَّة من أمور جتعل التَّ ُّ‬ ‫سوغات َّ‬ ‫بينما تتمثَّل امل ِّ‬
‫الزوجة عقيما‪ ،‬أو قد تصري إثر إصابتها مبرض جسمي‪ ،‬أو عصيب‪ ،‬أو‬ ‫ضرورة الزمة فقد تكون َّ‬
‫الزوجيَّة‪.‬‬
‫بعاهة غري صاحلة للحياة َّ‬
‫الرجل‬ ‫للزوجة أن تُطَلَّق وهي مريضة حتتاج إىل العناية واالهتمام‪ ،‬ويُْنعت َّ‬ ‫فأي األمور أصلح َّ‬ ‫ُّ‬
‫يتزوج عليها‬ ‫للزوجة أن َّ‬‫الدنيئة من قلة الوفاء واخلِ َّسة‪ ،‬أم يكون من األشرف َّ‬ ‫بالصفات َّ‬ ‫حينذاك ِّ‬
‫مع احتفاظها حبقوقها املادينة كافنة؟‬
‫اختياري‪ ،‬وليس إجباريا وهو ال يكون نإال برضا املرأة‪ ،‬هذا الرضا الذي‬ ‫ٌّ‬ ‫نظام‬
‫عدد ٌ‬ ‫إن نظام التَّ ُّ‬ ‫َّ‬
‫اإلسالمي؛ م ندعّي بأ نن اإلسالم حرم املرأة من ح نقها يف‬
‫ِّ‬ ‫حياول كثري من النَّاس أن ينزعه عن الفقه‬
‫اختيار الزوج‪ ،‬إال َّ‬
‫أن نظرة إىل هذا الفقه تُشري إىل اتنفاق الفقهاء على أ نن املرأة البالغة الثينب‬
‫(‪)65‬‬
‫هن يف الغالب َم ْن يرتضّي‬ ‫الصرحيّي قبل توقيع العقد‪ ،‬وهذا النَّوع من الننساء ن‬ ‫يُشرتط إذهنا ورضاها ن‬
‫يكن زوجات ثانيات‪ ،‬نأما املرأة البالغة غري الثيِّب‪ :‬فقد اتنفق الفقهاء على أ نن سكوهتا املنبئ‬ ‫أن ن‬
‫صحة العقد‪ ،‬نأما إذا كان هناك قرينة على رفضها فال جيوز لوليها تزوجيها‪.‬‬ ‫الرضا جيزئ يف ن‬ ‫عن ن‬
‫الزواج‬‫الشرعيَّة‪َّ ،‬أما من ناحية الواقع‪ :‬فإ نن (اإلحصاءات النيت تُنشر عن ن‬ ‫هذا من وجهة النَّظر َّ‬
‫املتزوجّي بأكثر من واحدة نسبة ضئيلة‬ ‫أن نسبة ن‬ ‫تدل على َّ‬ ‫والطالق يف البالد العربينة اإلسالمينة ُّ‬
‫جدا‪ ،‬ال تكاد تبلغ الواحد باأللف‪.‬‬
‫تطور احلياة االجتماعينة‪ ،‬وارتفاع مستوى املعيشة‪ ،‬وازدياد‬ ‫السبب يف ذلك واضح‪ ،‬وهو ُّ‬ ‫و َّ‬
‫الزوج وخاصة‬ ‫بصحتهم‪ ،‬إضافة إىل خوف ن‬ ‫نفقات األوالد يف معيشتهم‪ ،‬وتعليمهم‪ ،‬والعناية ن‬
‫عن رسول اهلل صلنى اهلل عليه وسلم قوله‪َ " :‬م ْن‬ ‫الزوجات‪ ،‬فقد ورد ْ‬ ‫املت ندين من عدم العدل بّي ن‬
‫امهَا‪َ ،‬جاءَ يَ ْوَم الْ ِقيَ َام ِة َو ِشقُّهُ َمائِ ٌل"(‪.)1‬‬
‫ال إِ َىل إِ ْح َد ُ‬ ‫ت لَه امرأَتَ ِ‬
‫ان فَ َم َ‬ ‫َكانَ ْ ُ ْ َ‬

‫سادساً‪ :‬الطَّالق‪:‬‬
‫يعرتض كثري من املعاصرين على كون الطَّالق بيد الرجل‪ ،‬ومن املفيد اإلشارة إىل النَّقاط‬
‫التَّالية‪:‬‬
‫الشرع الَّيت ال ختلو‬
‫اإلسالمي يفرض عليهما االلتزام بأحكام َّ‬
‫َّ‬ ‫الزوجّي االرتباط‬
‫إن قبُول َّ‬‫‪َّ -1‬‬
‫الزوج أن حتمي هبا نفسها‪ ،‬كأن جتعل‬ ‫للزوجة اخلائفة على نفسها من َّ‬ ‫كن َّ‬ ‫َّ‬
‫من بعض احلقوق اليت ُمي ُ‬
‫خاصة‪.‬‬
‫الزواج شروطا ًّ‬ ‫العصمة بيدها‪ ،‬وأن تشرتط يف عقد َّ‬
‫األول‬
‫املتضرر َّ‬ ‫ٍ‬ ‫إن حصر اإلسالم الطَّالق يف يد َّ‬ ‫‪َّ -2‬‬
‫الزوج إنَّنا يعود لعدة أسباب‪ ،‬أمهُّها‪ :‬كونه ن‬
‫من النَّاحيَّة املاديَّة؛ فهو الَّذي جيب عليه املهر والنَّفقة ملطلقته ولعياله طوال فرتة‬
‫من الطَّالق؛ ن‬
‫الع ندة واحلضانة‪ ،‬هذا األمر جيعله أكثر ضبطا لنفسه من املرأة الَّيت قد ال يُكلِّفها أمر رمي ميّي‬
‫الطَّالق شيئا‪.‬‬
‫الزوج‪ ،‬وعدم إعالنه للقاضي نإال يف حاالت قصوى‪ ،‬إنَّنا يعود‬ ‫إن حصر الطَّالق بيد َّ‬ ‫‪َّ -3‬‬
‫ألن (معظم أسباب الطَّالق تتمثنل يف أمور ال ِ‬
‫يص ُّح‬ ‫سرت الَّذي يدعو إليه اإلسالم؛ َّ‬ ‫ملبدأ التَّ ُّ‬
‫إعالهنا؛ حفاظا على كرامة األسرة‪ ،‬ومسعة أفرادها‪ ،‬ومستقبل بناهتا وبنيها)‪.‬‬

‫وصححه األلباين يف اإلرواء (‪/80/7‬ح‪.)2017‬‬


‫(‪ )1‬رواه أبو داود (‪ ،)2133‬ن‬
‫(‪)66‬‬
‫عدة‪،‬‬‫أن حصر الطَّالق بيد القاضي أمر أثبتت التَّجارب عدم جدواه‪ ،‬وذلك ِم ْن نو ٍاح َّ‬ ‫كما َّ‬
‫منها‪:‬‬
‫أ‪ -‬الفشل يف التَّقليل من نسب الطَّالق‪ ،‬وهذا أمر أثبتته إحصائينات الطَّالق الَّيت ُس ِّجلت يف‬
‫أن العدد مل ينقص‪ ،‬بل على العكس من ذلك‪ ،‬فلقد ارتفع ارتفاعا ملحوظا)‪ ،‬رغم‬ ‫تونس؛ حيث َّ‬
‫الزوج وإيكاله إىل القاضي هو‪ :‬محاية األسرة‬ ‫سوغ الَّذي قُدِّم؛ النتزاع سلطة الطالق من يد َّ‬ ‫َّ‬
‫أن امل ِّ‬
‫أن نسبة‬ ‫فإن الواقع يُثبت َّ‬‫بإتاحة فرصة للقاضي؛ لرياجع فيها الزوجّي‪ ،‬وحياول الصلح بينهما‪َّ ،‬‬
‫املصاحلات النَّاجحة ضئيلة جدا‪ ،‬فمن بّي (‪ )1417‬قضينة طالق منشورة يف احملكمة االبتدائينة‬
‫القضائي‪:‬‬
‫ن‬ ‫بتونس يف املوسم‬
‫الزوجات‪ ،‬وجعل‬ ‫أن ُّ‬
‫تعدد َّ‬ ‫يتم املصاحلة نإال يف عشر منها‪ ،‬بينما كان االعتقاد َّ‬
‫(‪ )81-80‬مل ن‬
‫الرئيسة للطَّالق‪ ،‬و َّ‬
‫أن‬ ‫الزوجة‪ ،‬هي‪ :‬األسباب َّ‬ ‫الزوجينة بيد الرجل‪ ،‬وعدم تغرميه لفائدة ن‬ ‫العصمة ن‬
‫أن شيئا من ذلك مل حيدث)‪.‬‬ ‫القضاء عليها سيُقلِّل من نسب الطالق‪ ،‬واإلحصائينات تُثبت َّ‬
‫ب‪ -‬جلوء بعض احملاكم الغربينة الَّيت تتونكل بنفسها أمور الطَّالق يف حماولة منها إىل خفض نسبة‬
‫الزوجان (فيما بينهما‬ ‫الزنا؛ لذلك كثريا ما يتواطأ َّ‬‫الَّطالق إىل رفض التَّطليق إذا مل يكن بسبب ن‬
‫الزنا؛ حىت حتكم‬ ‫ٍ‬ ‫الرمي هبذه التُّهمة؛ ليفرتقا‪ ،‬وقد يُ ِّ‬
‫ووقائع مفتعلة؛ إلثبات ن‬
‫َ‬ ‫شهادات‪،‬‬ ‫لفقان‬ ‫على َّ‬
‫احملكمة بالطَّالق‪.‬‬

‫سابعا‪ :‬تأديب الزوجة‪:‬‬


‫الضرب املوجودة‬ ‫الداعون إىل إبطال صيغة َّ‬ ‫الزوجة‪ ،‬وال سينما ضرهبا‪ :‬يستند َّ‬ ‫حق تأديب َّ‬ ‫‪ُّ -1‬‬
‫حق تأديب املرأة (وال سينما ضرهبا هي عبارة‬ ‫الشريفة إىل َّ‬
‫أن قاعدة ِّ‬ ‫السنَّة النَّبويَّة َّ‬
‫يف القرآن الكرمي و ُّ‬
‫الذهنينة اجلاهلينة من قتل املرأة إىل التَّساؤل حول ضرهبا)‪ ،‬وليست‬ ‫تارخيية كان هلا فعالينة مجنة لنقل ِّ‬
‫قاعدة شرعينة‪.‬‬
‫للرِّد على هذا األمر‪ ،‬نُورد يف البداية بعض اآليات واألحاديث الَّيت ذكرت هذا األمر‪ ،‬مثن‬ ‫و َّ‬
‫َ ا َ‬ ‫َ ََ د ٓ‬ ‫د ُ َ‬
‫ٱلر َجال ق او ٰ ُمون لَع ٱلن ِ َساءِ ب ِ َما فضل‬
‫وجل‪ِ ﴿ :‬‬‫عز َّ‬
‫الرَّد إن شاء اهلل تعاىل‪ ،‬يقول َّ‬ ‫نورد بعد ذلك َّ‬
‫َ َ َ ا‬
‫ٱَّللُ‬ ‫ۡ‬ ‫َ َ ٓ َ َ ُ ْ ۡ َ ۡ َٰ ۡ َ ا ٰ َ ٰ ُ َٰ َٰ ٌ َ ٰ َ ٰ د ۡ َ‬ ‫اُ َۡ َ ُ ۡ ََ‬
‫لَع َب ۡ‬
‫ٰ‬
‫ب بِما حفِظ َۚ‬
‫ِ‬ ‫ي‬ ‫غ‬ ‫ِل‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫ظ‬‫ف‬
‫ِ‬ ‫ح‬ ‫ت‬‫ت‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ق‬ ‫ت‬ ‫ِح‬ ‫ل‬ ‫ٱلص‬ ‫ف‬ ‫م‬
‫َۚ‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫و‬‫م‬‫أ‬ ‫ِن‬
‫م‬ ‫وا‬ ‫ق‬ ‫نف‬ ‫أ‬ ‫ا‬‫م‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫و‬ ‫ض‬ ‫ع‬ ‫ٱَّلل بعضهم‬

‫(‪)67‬‬
‫َ ۡ ُ ُ ا َ ۡ ََ َۡ ُ ۡ ََ َُۡ ْ‬ ‫َۡ َ‬ ‫َ اٰ َ َ ُ َ ُ ُ َ ُ ا َ ُ ُ ا َ ۡ ُ ُ ُ‬
‫وه ا‬
‫ٱَضبوهن فإِن أطعنكم فَل تبغوا‬
‫ِ‬ ‫و‬ ‫عِ‬‫ج‬‫ِ‬ ‫ا‬‫ض‬ ‫م‬ ‫ٱل‬ ‫ِف‬
‫ِ‬ ‫ن‬ ‫وٱل ِِت َتافون نشوزهن ف ِعظوهن وٱهجر‬
‫َ َۡ ا َ ً ا اَ َ َ َ د َ‬
‫علي ِهن سبِيَل ِۗ إِن ٱَّلل َكن عل ِيا كبِيا﴾ [النساء‪.]34:‬‬

‫ِّس ِاء َخْي را‪ ،‬فَِإََّّنَا ُه َّن َع َوا ٌن‬


‫صوا بالن َ‬
‫استَ و ُ ِ‬
‫الوداع‪ " :‬أَالَ َو ْ ْ‬‫السالم يف َح َّجة ِ‬ ‫الصالة و َّ‬‫ويقول عليه َّ‬
‫ِ ٍ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِعْن َد ُكم‪ ،‬لَي ِ‬
‫وه َّن‬‫ّي بَِفاح َشة ُمبَ يِّنَة‪ ،‬فَِإ ْن فَ َع ْل َن فَ ْاه ُج ُر ُ‬ ‫ك‪ ،‬إِالَّ أَ ْن يَأْت َ‬‫س متَْل ُكو َن ِمْن ُه َّن َشْيئا َغْي َر ذَل َ‬ ‫ْ ْ َ‬
‫ض ْربا َغْي َر ُمبَ ِّرٍح‪ ،‬فَِإ ْن أَطَ ْعنَ ُك ْم فَالَ تَ ْب غُوا َعلَْي ِه َّن َسبِيال‪ ،‬أَالَ إِ َّن لَ ُك ْم َعلَى‬ ‫ِيف الْمض ِ‬
‫اض ِربُ ُ‬
‫وه َّن َ‬ ‫اج ِع‪َ ،‬و ْ‬ ‫َ َ‬
‫وطْئ َن فُ ُر َش ُك ْم َم ْن‬ ‫نِسائِ ُكم حقًّا‪ ،‬ولِنِسائِ ُكم علَي ُكم حقًّا‪ ،‬فَأ ََّما ح ُّق ُكم علَى نِسائِ ُكم‪ :‬فَالَ ي ِ‬
‫ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َ ْ َ َ َ ْ َْ ْ َ‬
‫ُّه َّن َعلَْي ُك ْم أَ ْن ُْحت ِسنُوا إِلَْي ِه َّن ِيف كِ ْس َوهتِِ َّن‬ ‫ِ ِ‬
‫تَكَْرُهو َن‪َ ،‬والَ يَأْ َذ َّن ِيف بُيُوت ُك ْم ل َم ْن تَكَْرُهو َن‪ ،‬أَالَ َو َحق ُ‬
‫َوطَ َع ِام ِه َّن"(‪.)1‬‬
‫واملالحظ‪ :‬أ نن هؤالء األشخاص حتت شعار إنسانينة املرأة وكرامتها يأخذون من اآلية ما‬
‫الضرب‪ ،‬وينسون التَّسلسل الَّذي ورد يف اآلية؛ حيث ورد يف البداية‬ ‫يُريدون فقط‪ ،‬وهي‪ :‬كلمة َّ‬
‫وم ْن َمثَّ َوَرد ذكر النَّاشز‪ ،‬فالكالم إذا يتعلَّق بنوع خاص‬ ‫الزوج‪ِ ،‬‬ ‫مدح للمرأة املؤمنة احلافظة حلدود َّ‬ ‫ٌ‬
‫أن طبائع النَّاس ختتلف من شخص آلخر‪ ،‬وما ينفع‬ ‫كل الننساء‪ ،‬واملعروف َّ‬ ‫من الننساء‪ ،‬وليس ُّ‬
‫ِ‬
‫لكل حالة من احلاالت‪ ،‬فما دام‬ ‫الواحد ال ينفع الثاين‪ ،‬وم ْن عدالة اإلسالم‪ :‬أنَّه أورد العالج ن‬
‫فالشريعة الَّيت يَ ُفوهتا هذا الغرض‬ ‫(يُوجد يف هذا العامل امرأة من ألف امرأة تُصلحها هذه العقوبة‪َّ ،‬‬
‫ألهنا بذلك تُ ْؤثِر هدم األسرة على هذا اإلجراء‪ ،‬وهذا ليس شأنه شريعة اإلسالم‬ ‫تامة؛ ن‬ ‫شريعة غري ًّ‬
‫املنزلة من عند اهلل)‪.‬‬ ‫ن‬
‫الشذوذ واالحنراف الَّذين ال تنفع فيهم املوعظة‪ ،‬وال اهلجر‪،‬‬ ‫أن (التَّأديب ألرباب ُّ‬ ‫والواقع‪َّ :‬‬
‫الفطَر‪ ،‬ويقضي به نظام اجملتمع‪ ،‬وقد َوَكلته الطَّبيعة من األبناء إىل اآلباء‪ ،‬كما‬ ‫أمر تدعو إليه ِ‬
‫َوَكلته ِمن األمم إىل احل نكام‪ ،‬ولواله ملا بقيت أسرة‪ ،‬وال صلحت أَُّمة‪.‬‬
‫املتحضرة اآلن نإال نوعا من‬ ‫ن‬ ‫وما كانت احلروب املادينة النيت عمادها احلديد والنار بّي األمم‬
‫َ‬
‫هذا النتأديب يف نظر املهامجّي ويف تقدير الشرائع لظاهرة احلرب والقتال)‪ ،‬قال تعاىل‪...﴿ :‬فإ ِ ُۢن‬
‫َ ا ٰ َ ٓ َ َ ٰٓ َ ۡ ا‬ ‫ۡ‬ ‫َ َ ۡ ۡ َ ُٰ َ َ َ ۡ ُ ۡ َ ٰ َ َٰ ُ ْ ا َ‬
‫بغت إِحدىهما لَع ٱۡلخرى فقتِلوا ٱل ِِت تب ِِغ حِت ت ِِفء إَِل أم ِر ٱَّللَِۚ‪[ ﴾...‬احلجرات‪.]9 :‬‬

‫وحسنه األلباين يف صحيح اجلامع (‪.)2975‬‬ ‫يث حسن ِ‬ ‫ِ‬


‫يح‪ ،‬ن‬
‫صح ٌ‬
‫(‪ )1‬رواه الرتمذي (‪ ،)9124‬وقال‪َ :‬ه َذا َحد ٌ َ َ ٌ َ‬
‫(‪)68‬‬
‫فسر‬‫الضرب الوارد يف اآلية مشروط بكونه ضربا غري مربنح‪ ،‬وقد ن‬ ‫إضافة إىل ذلك َّ‬
‫فإن َّ‬
‫الضرب كذلك نإال إذا‬ ‫الضرب غري املربنح بأنه ضرب غري شديد‪ ،‬وال شاق‪ ،‬وال يكون َّ‬ ‫املفسرون َّ‬
‫ن‬
‫كالسواك‪ ،‬وحنوه‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫خفيفة‪ِّ ،‬‬ ‫كان خفيفا‪ ،‬وبآلة‬
‫الضرب‪ :‬اإليالم وإطفاء الغيظ‪ ،‬ولكن هو‪ :‬التَّأديب‪ ،‬واإلصالح‪،‬‬ ‫وال يكون القصد من هذا َّ‬
‫الضرب امرأة ناشز‪ ،‬مل تنفع معها املوعظة واهلجر‪،‬‬ ‫أن الَّيت تتل نقى َّ‬‫والتَّقومي‪ ،‬والعالج‪ ،‬واملفرتض َّ‬
‫أن نشوز بعض الننساء يكون عن‬ ‫لتفادي الطَّالق‪ًّ ،‬‬
‫خاصة َّ‬ ‫الضرب اخلفيف عالجا ِ‬ ‫لذلك جاء َّ‬
‫غري وع ٍي وإدر ٍاك لعواقب خراب البيوت‪ ،‬وتفتُّت األسرة‪.‬‬
‫الضرب‪ ،‬هي‪ :‬حاالت شاذَّة‬ ‫السكن واملودة هي‪ :‬األساس‪ ،‬بينما العظة‪ ،‬واهلجران‪ ،‬و َّ‬ ‫وقاعدة َّ‬
‫ً‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫َ ۡ َ َۡ ُ ََ‬
‫ك ۡم فَل َت ۡب ُغوا َعل ۡي ِه ان َسبِيَل ِۗ‪﴾...‬‬ ‫تُ َقدَّر بضوابطها‪ ،‬كما قال تعاىل يف هناية اآلية‪...﴿ :‬فإِن أطعن‬
‫[النساء‪.]9 :‬‬

‫الشرعيَّة المتعلِّقة بالمرأة‪:‬‬


‫ثامناً‪ :‬شبهات حول بعض النصوص َّ‬
‫َّأوًال‪ُ :‬شبُهات حول النصوص القرآنية‪:‬‬
‫بعض النناس‪ :‬ذكرانا‪ ،‬وإناثا‪ ،‬على االحتجاج ببعض النُّصوص وترديدها؛ لكي ي َّ‬
‫ستدل‬ ‫دأب ُ‬
‫الذكور أفضل من اإلناث‪ ،‬وجعلوا ِم ْن بعض اآليات دليال ُّ‬
‫حيتج به على‬ ‫أن ُّ‬
‫مبفهومه اخلاطئ على َّ‬
‫الذكر‪ ،‬واستدلُّوا ِمن القرآن مبا يأيت‪:‬‬ ‫كل أمر عن شقيقها َّ‬ ‫تدين رتبة األنثى يف ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ ا‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬
‫ت﴾ [النحل‪.]57 :‬‬ ‫حول قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬ويَج َعلون َِّللِ ٱِلَنٰ ِ‬
‫‪-1‬دفْع الشُّبهة َ‬
‫الصافات‪ ،‬واإلسراء‪،‬‬ ‫نظائر يف القرآن العظيم‪ :‬يف سورة الننحل‪ ،‬و ن‬ ‫أن اآلية هلا ُ‬ ‫ال بُ َّد أن نعلم َّ‬
‫لت لتحاور الناس‪ ،‬وتناقشهم‪،‬‬ ‫جاءت لتصحيح عقائد النناس‪ ،‬وقد نز ْ‬ ‫ْ‬ ‫السور مكية‪،‬‬ ‫والطُّور‪ ،‬وهذه ُّ‬
‫السورة على أمر واحد‪ ،‬وهو‪ :‬تنزيه اهلل عن ِّاختاذ‬ ‫ومن َمثَّ حتملهم على التوحيد؛ لذا فقد رَّكَز ِت ُّ‬
‫الولد أصال‪ ،‬مثن تنزيهه عن ِّاختاذ البنات أصال‪ ،‬فهذه اآلية ال تنتقص األُنثى‪ ،‬كما يبدو ِمن َّأول‬
‫العرب على حسب معتقداهتم املبدئينة‪ ،‬وعلى ق ْد ِر عُقوهلم املتأثِّرة باجلاهلينة‪،‬‬ ‫األمر‪ ،‬وإنَّنا ختاطب َ‬
‫ينسبوهنن هلل‪ ،‬ويتَّخذون‬
‫َّ‬ ‫ويكرهوهنن‪ ،‬فكيف‬
‫ن‬ ‫وتُ نبّي حاهلم العجيبة‪ ،‬فما داموا يأنفون ِمن البنات‪،‬‬
‫أي قِ ْسمة هذه؟!‬ ‫ألنفسهم البنّي؟! و ُّ‬

‫(‪)69‬‬
‫وإال لكانوا حّي َج َعلوا هلل بُ ننوة نأال‬ ‫إعمال ِ‬
‫الفكر يف ُم ْعتَ َقداهتم‪ ،‬ن‬ ‫ألن هؤالء القوم ال ُحي ِسنون َ‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬
‫مستضعفات‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫مكروهات‬ ‫جيعلوا له بُ ننوةَ اإلناث‪ ،‬وهم يعدُّون اإلناث‬
‫َ ُۡ‬ ‫ا َ‬ ‫َ‬
‫[آل عمران‪.]36 :‬‬ ‫‪-2‬دفع الشبهة حول قوله تعاىل‪َ ...﴿ :‬وليۡ َس ٱَّلك ُر كٱۡل َ ٰ‬
‫نَثِۖ‪﴾...‬‬
‫بعض النناس هذه اآلية على َّأهنا احلُكم النذي ال يقبل املداولة‪ ،‬على متييز َّ‬
‫الذكر و ْارتفاعه‬ ‫يُ ِّردد ُ‬
‫الصحيح يُعطي معىن مغايرا ملا يستدلُّون به؛ إ ْذ‬ ‫أن تفسريها ن‬ ‫شرط‪ ،‬مع َّ‬ ‫على األنثى دون ْقيد‪ ،‬أو ْ‬
‫وضعت مرمي؟‬
‫ْ‬ ‫جاءت هذه اآلية الكرمية يف مع ِرض احلديث عن مرميَ و ِّأمها‪ ،‬وكيف‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ا‬
‫ٱَّلل أعل ُم ب ِ َما َوض َع ۡت﴾ [آل عمران‪ ]36 :‬قرأ أبو بكر‪،‬‬ ‫قال اإلمام الشوكاين رمحه اهلل‪" :‬قوله‪َ ﴿ :‬و ُ‬
‫ُّ‬
‫بض ِّم التاء‪ ،‬فيكون ِمن مجلة كالمها‪ ،‬ويكون متصال مبا قبله‪ ،‬وفيه معىن‪ :‬التنسليم هلل‪،‬‬ ‫وابن عامر َ‬
‫ت)‪ ،‬بسكون التَّاء‪ ،‬فيكون من‬ ‫ض َع ْ‬
‫واخلضوع‪ ،‬والتنزيه له أ ْن خي َفى عليه شيء‪ ،‬وقرأ اجلمهور‪َ ( :‬و َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حيث وقَع منها‬‫كالم اهلل سبحانه على جهة التعظي ِم ل َما وضعْته‪ ،‬والتنفخيم لشأنه‪ ،‬والتنجليل هلا؛ ُ‬
‫أن هذه األنثى اليت وضعْتها سيجعلها اهلل وابنَها آية للعاملّي‪ِ ،‬‬
‫وع ْربة‬ ‫التحزن‪ ،‬مع َّ‬ ‫التحسر‪ ،‬و ُّ‬ ‫ُّ‬
‫ت) بكسر التاء على أنَّه‬ ‫ضع ِ‬ ‫ِ‬
‫خيتص به أحدا‪ ،‬وقرأ ابن عباس‪( :‬مبَا َو َ ْ‬ ‫وخيتصها مبا مل َّ‬‫ُّ‬ ‫للمعتربين‪،‬‬
‫ِخطاب من اهلل سبحانه هلا؛ أي‪ :‬إ نك ال تَ ْعلمّي ق ْد َر هذا املوهوب‪ ،‬وما َعلِم اهلل فيه من األمور‬
‫عندها العقول‪.‬‬
‫تتقاصر عنها األفهام‪ ،‬وتتضافَر َ‬ ‫َ‬ ‫اليت‬
‫ََۡ َ ا َ َ ُۡ‬
‫الذكر الذي طلبت‪ ،‬كاألنثى اليت وضعت‪َّ ،‬‬
‫فإن‬ ‫نَثِۖ﴾ أي‪ :‬وليس َّ‬ ‫ٱَّلك ُر كٱۡل َ ٰ‬ ‫قوله‪﴿ :‬وليس‬
‫ادت ِمن كونه ذكرا أن يكون نذرا خادما لل َكنيسة‪ ،‬وأمر هذه األُنْثى عظيم‪ ،‬وشأهنا‬ ‫غاية ما أر ْ‬
‫فخيم‪ ،‬وهذه اجلُملة اعرتاضيَّة مبيِّنة لِ َما يف اجلملة األوىل من تعظي ِم املوضوع‪ ،‬ورفْع شأنه‪ِّ ،‬‬
‫وعلو‬
‫(الذكر)‪ ،‬و(األنثى) للعهد‪ ،‬هذا على قراءة اجلمهور‪ ،‬وعلى قراءةِ ابن عباس‪،‬‬ ‫الالم يف َّ‬ ‫منزلته‪ ،‬و َّ‬
‫ََۡ َ ا َ َ ُۡ‬
‫نَثِۖ﴾ ِمن مجلة كالمها‪،‬‬ ‫ٱَّلك ُر كٱۡل َ ٰ‬ ‫أما على قراءةِ أيب بكر‪ ،‬وابن عامر‪ :‬فيكون قوله‪﴿ :‬وليس‬ ‫و َّ‬
‫أردت أن يكون خادما‪ ،‬ويصلح للنَّذر كاألُنثى‬ ‫وحتزهنا؛ أي‪ :‬ليس َّ‬ ‫ِ‬
‫الذكر الذي ُ‬ ‫حتسرها‪ُّ ،‬‬ ‫ومن متام ُّ‬
‫صلُح لذلك)(‪.)1‬‬ ‫اليت ال تَ ْ‬

‫(‪ )1‬فتح القدير للشوكاين (‪.)384/1‬‬


‫(‪)70‬‬
‫ٰ‬ ‫ََۡ َ ا َُ َ ُۡ َ‬ ‫يتبّي َّ‬ ‫ِ‬
‫أن قولَه تعاىل‪﴿ :‬وليس ٱَّلكر كٱۡلنَثِۖ﴾ َّإما‪:‬‬ ‫ومن هنا َّ‬
‫(وضعت)‪ ،‬ويكون املعىن‬ ‫ِ‬ ‫وجل‪ -‬على قراءةِ اجلمهور؛ لقوله تعاىل‪:‬‬ ‫عز َّ‬ ‫الرب ‪َّ -‬‬ ‫أ‪-‬من كالم ِّ‬
‫الفرق ْبّي كل ِمن‬ ‫وضعت؛ فتكون اآلية مثبِتة َّ‬
‫جملرد املغايرة و ْ‬ ‫ْ‬ ‫الذكر الذي طلبت كاألنثى اليت‬ ‫ليس َّ‬
‫أحد منهما على اآلخر‪.‬‬ ‫تتعرض لتفضيل ٍ‬ ‫الذكر واألنثى‪ ،‬ومل َّ‬
‫(وضعت)؛ فتكون اآلية إخبارا عن قول‬ ‫ُ‬ ‫ب‪ِ -‬من كالم امرأة عمران على القراءةِ األُخرى‪:‬‬
‫االنتقاص ِمن شأن األنثى؛‬ ‫تأت اآلية لتقرير واقع‪ ،‬وإثبات حقيقة‪ ،‬ومل تقصد ُّأم مرمي‬ ‫مرمي‪ ،‬فلم ِ‬
‫َ‬
‫الذ َكر خمتلفةٌ عن وظيفة األنثى؛ وما يصلح له ال يصلح هلا‪.‬‬ ‫أن وظيفة َّ‬ ‫لتبّي َّ‬
‫قالت ذلك ِّ‬ ‫وإَّنا ْ‬ ‫َّ‬
‫الشبهة حول قوله تعاىل‪َ ...﴿ :‬ول د َ َ َ ۡ ا َ َ َ‬
‫ِلرجا ِل علي ِهن درجة ِۗ‪[ ﴾...‬البقرة‪.]228 :‬‬ ‫‪-3‬دفْع ُّ‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫رمست اآلية طبيعةَ العالقة‬ ‫أحكام الطالق‪ ،‬مث ِ‬ ‫ِ‬ ‫جاءت اآلية يف َم ْعرض احلديث عن‬ ‫ِ‬ ‫لقد‬
‫ن‬
‫ومن خالل كلمات قليالت بيَّ ِ‬ ‫الزوجية بّي الرجل واملرأة‪ِ ،‬‬
‫كل واحد منهما جتاهَ‬ ‫نت اآلية مسؤوليةَ ِّ‬ ‫ْ ن‬
‫مثل الذي‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫عليهن درجة‪ ،‬وهلل اخللق واألمر‪ ،‬فللنِّساء من احلقوق ُ‬ ‫َّ‬ ‫اآلخر‪ ،‬وإىل جانب ذلك للرجل‬
‫اختلفت أقواهلم‪:‬‬
‫ْ‬ ‫املفسرين يف معىن الدَّرجة‪ ،‬و‬ ‫تباينت آراء ِّ‬ ‫ْ‬ ‫عليهن ِمن الواجبات‪ ،‬ولكن‬ ‫َّ‬
‫كم عام يُنظِّم العالقة‬ ‫وقرروا أهنا ُح ٌ‬ ‫الدرجة) غري مقيَّدة بالطالق‪َّ ،‬‬ ‫املفسرين َّ‬
‫أن ( َّ‬ ‫أغلب ِّ‬ ‫فقرر ُ‬ ‫َّ‬
‫الرجل وزوجته‪.‬‬ ‫ْبّي ن‬
‫الرجل يف الطنالق واملراجعة؛‬ ‫حبق ن‬
‫ليست ُمطلقةَ النداللة‪ ،‬إَّنا هي مقيَّدة ِّ‬ ‫وذهب آخرون إىل نأهنا ْ‬ ‫َ‬
‫مراعاة لسياق اآليات‪.‬‬
‫أخرجه‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫قول ابن عبَّاس ‪-‬رضي هلل عنهما‪-‬الذي َ‬ ‫الدرجة)‪ُ :‬‬‫أمجَل ما َورد يف بيان معىن‪َ ( :‬‬ ‫ومن ْ‬
‫ِلر َجا ِل‬
‫َ د‬
‫ألن اهلل ‪-‬تعاىل ذكره‪-‬يقول‪...﴿ :‬ول ِ‬ ‫حقي عليها؛ َّ‬ ‫مجيع ِّ‬‫أستنظف َ‬‫َ‬ ‫أحب أن‬‫الطربي‪" :‬ما ُّ‬ ‫ُّ‬
‫َ‬
‫َعل ۡي ِه ان َد َر َجة ِۗ‪.)1(﴾...‬‬
‫ابن‬
‫مثن قال ‪-‬بعد حكاية األقوال يف هذه اآلية‪" :-‬وأ َْوىل هذه األقوال بتأويل اآلية ما قالَه ُ‬
‫الصفح ِمن الرجل المرأته‬ ‫أن الدرجة النيت ذ َكر اهلل ‪-‬تعاىل ِذكره‪ -‬يف هذا ِ‬
‫املوضع‪َّ :‬‬ ‫عبَّاس‪ ،‬وهو َّ‬
‫ُ‬
‫أن اللَّهَ ‪َ -‬تعاىل‬ ‫كل الواجب هلا عليه؛ وذلك َّ‬ ‫بعض الواجب عليها‪ ،‬وإغضاؤه هلا عنه‪ ،‬وأداء ِّ‬ ‫عن ِ‬
‫َ‬ ‫ُۡ ا‬ ‫َ‬ ‫ِلر َجال َعلَ ۡيه ان َد َر َ‬
‫ب قَوله‪َ ﴿ :‬ول ُه ان مِثل ٱَّلِي َعل ۡي ِه ان‬ ‫َ‬ ‫ي‬
‫ْ‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫ع‬
‫ُ‬ ‫‪.‬‬ ‫]‬‫‪228‬‬ ‫[البقرة‪:‬‬ ‫﴾‬‫ِۗ‬ ‫ة‬‫ج‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قال‪َ ﴿ :‬ول د‬‫ِذ ْك ُره‪َ -‬‬
‫اج َعتِ ِه إِيَّاها‬‫ر‬ ‫م‬ ‫ِ‬
‫يف‬ ‫ها‬‫ِ‬
‫ر‬ ‫ا‬
‫ر‬ ‫الرج ِل ِمن تَرِك ِ‬
‫ض‬ ‫على‬ ‫َّ‬
‫َن‬ ‫أ‬ ‫‪-‬‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫ك‬ ‫تعاىل ِ‬
‫ذ‬ ‫َ‬ ‫‪-‬‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫َخ‬‫أ‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫﴾‬ ‫وف‬
‫ِۚ‬ ‫ِ‬ ‫بٱل ۡ َم ۡع ُ‬
‫ر‬
‫َُ َ‬ ‫ُ ْ ْ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ََ‬ ‫َ‬ ‫]‬‫‪228‬‬ ‫[البقرة‪:‬‬ ‫ِ‬

‫(‪ )1‬تفسري الطربي (‪.)123/4‬‬


‫(‪)71‬‬
‫ذلك ِمن أ ُُموِرها َو ُح ُقوقِ َها‪ِ ،‬مثْ َل الَّ ِذي له عليها ِمن ْترك ضرا ِره يف‬
‫يف أَقْ َرائِ َها الثَّالَثَة‪ِ ،‬ويف َغ ِْري َ‬
‫أرحامهن‪ ،‬وغري ذلك ِمن ُحقوقِه)(‪.)1‬‬ ‫َّ‬ ‫كِْتماهنا إيَّاه ما َخلَق اهلل يف‬
‫حض الرجال على ُحس ِن العِشرة‪ ،‬و ُّ‬
‫التوسع‬ ‫الدرجة إشارةٌ إىل ِّ‬ ‫ون َقل القرطيب معناه قائال‪َّ ( :‬‬
‫ِ‬
‫يتحامل على نفسه)(‪.)2‬‬ ‫للننساء يف املال واخللق؛ أي‪ :‬أَ َّن األفضل ينبغي أن َ‬
‫يف‬
‫تكليف للرجل‪ ،‬وتشر ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫جاءت لصاحل املرأة‪ ،‬ومراعاهتا‪ ،‬فهي‬ ‫أن الدرجة‬‫يتبّي َّ‬
‫ومن هنا؛ َّ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬
‫جاءت فيه اآلية‪،‬‬
‫ْ‬ ‫ياق العام النذي‬
‫الس ُ‬
‫يرتجح يف داللة اآلية هو‪ :‬ما يؤيِّده ن‬ ‫للمرأة‪ ،‬والنذي ينبغي أن َّ‬
‫للرجل دون املرأةِ‪ ،‬وهي لصالِح‬ ‫جعلَها اهلل ن‬ ‫للرجل هي‪ :‬درجةُ القوامة اليت َ‬ ‫َّرجة ن‬ ‫أن هذه الد َ‬ ‫وهو َّ‬
‫كل منهما‪ ،‬وهي تكليف للرجل‪ ،‬وحتميل املسؤولية له‪ ،‬وإراحةٌ للمرأة من ِ‬
‫عناء هذه املسؤولية‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬

‫ثانياً‪ُ :‬شبُهات حول األحاديث النَّبويَّة‪:‬‬


‫‪-1‬شبهة شؤم المرأة‪:‬‬
‫الق هلم‪َّ :‬‬
‫أن اإلسالم‬ ‫الشرذمة الذين ال َخ َ‬‫بعض ن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بعض الناس من بين جلدتنا‪ ،‬ويزعم ُ‬ ‫يُدند ُن ُ‬
‫حديث‬
‫َ‬ ‫مسومهم يف هذه األحاديث‪ ،‬ويَذ ُكرون‬ ‫عاق املرأة وأهاهنا‪ ،‬ووصفها بالشُّؤم‪ ،‬ويَنفثُون َ‬ ‫َ‬
‫بعض اجلاهلّي إىل‬
‫الد َار)"‪ ،‬ويسلك ُ‬ ‫ثالثة‪ :‬يف ال َفَر ِس‪ ،‬واملرأةِ‪ ،‬و َّ‬
‫الشؤم يف ٍ‬‫احلبيب ‪َّ " :‬إَّنا ُّ‬
‫أحاديث‬ ‫السنن؛ ممَّا علق هبا من‬
‫لصحاح و ُّ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ثالث هلما‪َّ :‬إما التضعيف‪ ،‬أو ال ندعوة لغربلة ا ن‬‫موقفّي ال َ‬
‫ضعيفة وموضوعة‪.‬‬
‫الجواب عن الشبهة‪:‬‬
‫الشؤم يف ٍ‬
‫ثالثة‪:‬‬ ‫ِِ‬
‫أخرجه الشيخان من حديث ابن عمر ‪-‬رضي اهلل عنهما‪" :-‬إنَّنا ُّ ُ‬
‫احلديث َ‬
‫سهل بن سعد ‪‬بلفظ‪" :‬إ ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يف ال َفَر ِس‪ ،‬واملرأةِ‪ ،‬و َّ‬
‫الدا ِر"‪ ،‬وكذلك أخرجه الشيخان من حديث ْ‬

‫(‪ )1‬تفسري الطربي (‪.)123-124/4‬‬


‫(‪ )2‬تفسري القرطيب (‪.)125/3‬‬

‫(‪)72‬‬
‫البخاري باب‪ :‬ما يُذكر ِمن شؤم‬ ‫ُّ‬ ‫وبوب عليهما‬ ‫شيء‪ ،‬فَِفي املرأةِ‪ ،‬وال َفَر ِس‪ ،‬وامل ْسك ِن"‪َّ ،‬‬ ‫كا َن يف ٍ‬
‫َ‬
‫ال َفَرس‪.‬‬
‫ظ يف الفتح‪(" :‬قوله باب ما يذكر من شؤم الفرس)؛ أي‪ :‬هل هو على ِ‬
‫عمومه أم‬ ‫قال احلاف ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫بعد‬
‫حديث سهل َ‬ ‫ِ‬ ‫خمصوص ببعض اخلَْيل‪ ،‬وهل هو على ظاهره أم ُم َّؤول‪ ...‬وقد أشار بإيراد‬
‫حديث ابن عمر ليس على ظاه ِره‪ ،‬وبرتمجة الباب الذي‬ ‫ِ‬ ‫أن احلصر الذي يف‬ ‫حديث ابن عمر إىل َّ‬
‫أن الشؤم خمصوص ببعض اخليل دون بعض‪ ،‬وكل ذلك ِمن لطيف‬ ‫بعده‪ ،‬وهي (اخليل لثالثة) إىل َّ‬ ‫َ‬
‫ودقيق فِكْره"(‪.)1‬‬
‫نظ ِره‪ِ ،‬‬
‫بدليل ل ْفظ حديث سهل‪" :‬إ ْن كا َن‬ ‫إثبات الطِّرية‪ِ ،‬‬ ‫الشؤم يف ٍ‬ ‫وليس يف قوله ‪َّ " :‬إَّنا ُّ‬
‫ثالثة" ٌ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫أن الشؤم لو كان جائزا‪ ،‬لكان يف هذه األشياء‬ ‫الدا ِر"‪ ،‬ولكنَّه َ‬
‫عىن َّ‬ ‫الفر ِس و َّ‬
‫يف شيء‪ ،‬ففي املرأة و َ‬
‫تطري به الناس‪.‬‬
‫أكثر ما يَ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الثالثة؛ لطول مالزمتها‪ ،‬ولكوهنا َ‬
‫التطري‪:‬‬
‫وبّي أحاديث الننهي عن ُّ‬ ‫وقد اختلف العلماءُ يف فَ ْهم هذه األحاديث والتوفيق بينها ْ‬
‫أن هذا‬ ‫فمنهم َمن محلها على ظاهرها‪ ،‬ورأى َّ‬ ‫ف يس ٍري‪ِ :-‬‬ ‫بتصر ٍ‬
‫قال ابن القيم‪-‬رمحه اهلل‪ُّ -‬‬
‫دار يُكره ُس َّكناها‪ ،‬أو امرأة يَكْره‬ ‫منهي عنها نإال أن يكون له ٌ‬ ‫مستثىن من الطِّرية؛ أي‪ :‬الطِّرية ٌّ‬
‫فليفارق اجلميع بالبيع وحنوه‪ ،‬وطالق املرأة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫صحبتها‪ ،‬أو فرس‪ ،‬أو خادم‪،‬‬
‫عدم والدهتا‪ ،‬وسالطةُ‬ ‫ِ‬ ‫وقال آخرون‪ُ :‬شؤم َّ ِ‬
‫الدار‪ :‬ضيقها‪ ،‬وسوء جرياهنا وأذاهم‪ ،‬وشؤم املرأة‪ُ :‬‬
‫وشؤم ِ‬
‫اخلادم‪:‬‬ ‫للريب‪ ،‬وشؤم ال َفَرس‪ :‬أال يُ ْغَزى عليها‪ ،‬وقيل‪ِ :‬حرا ُهنا وغالءُ مثنها‪ُ ،‬‬ ‫وتعرضها ن‬ ‫لساهنا‪ُّ ،‬‬
‫سوء ُخلُقه‪ ،‬وقلَّة تعهده ملا فُ ِّوض إليه‪.‬‬
‫وتطري هبا؛ فيكون‬ ‫ؤم يف هذه الثالثة َّإَّنا يَْل َحق َمن تشاءم هبا‪َّ ،‬‬ ‫الش ُ‬
‫وقالت طائفةٌ أخرى‪ُّ :‬‬ ‫ْ‬
‫يتطري‪ ،‬مل تكن مشؤومة عليه‪ ،‬قالوا‪ُّ :‬‬
‫ويدل‬ ‫ومن توَّكل على اهلل‪ ،‬ومل يَتشاءَم‪ ،‬ومل َّ‬ ‫ُشؤمها عليه‪َ ،‬‬
‫وتشاؤَمه‬
‫العبد ُ‬ ‫طري"‪ ،‬وقد جيعل اهلل ‪-‬سبحانه‪ -‬تَطيُّ َر ْ‬ ‫حديث أنس ‪" : ‬الطَِّرية على َمن تَ َّ‬ ‫ُ‬ ‫عليه‬
‫الرجاء ِمن أعظ ِم األسباب‬ ‫حللول املكروه به‪ ،‬كما جيعل الثِّقةَ‪ ،‬والتوُّك َل عليه‪ ،‬وإفر َاده باخلوف و َّ‬ ‫سببا ِ‬
‫املتطري به‪.‬‬
‫الشر َّ‬ ‫اليت يَدفَع هبا َّ‬

‫(‪ )1‬فتح الباري البن حجر (‪.)60/6‬‬

‫(‪)73‬‬
‫وعدم التَّوُّكل عليه‪،‬‬‫الشرك باهلل تعاىل‪ ،‬واخلوف من غريه‪َ ،‬‬ ‫أن الطِّرية إَّنا َّ‬
‫تتضمن َّ‬ ‫وسر هذا‪َّ :‬‬ ‫ُّ‬
‫يتدرع من‬ ‫فيتسرع نفوذها فيه؛ ألنَّه مل َّ‬
‫الشِّر والبالء‪َّ ،‬‬ ‫غرضا لسهام َّ‬ ‫والثِّقة به‪ ،‬فكان صاحبُها َ‬
‫أحب مع اهلل‬ ‫أن َمن َّ‬ ‫كل َمن خاف شيئا غري اهلل ُسلِّط عليه‪ ،‬كما َّ‬ ‫التَّوحيد‪ ،‬والتَّوُّكل جبُنَّة واقية‪ ،‬و ُّ‬
‫غريه ُخ ِذل ِمن جهته‪ ،‬وهذه أمور جت ِربتُها تكفي عن أدلَّتها‪،‬‬ ‫رجا مع اهلل َ‬ ‫ومن َ‬ ‫غريه عُ ِّذب به‪َ ،‬‬
‫موجب تطريه بالتَّوُّكل على اهلل‪َّ ،‬‬
‫فإن‬ ‫تتطري‪ ،‬ولكن ِ‬
‫املؤمن القوي اإلميان ي ْدفَ ُع‬ ‫والنَّفس ال ب َّد أن َّ‬
‫َۡ‬
‫َ َ ََ َ َُۡۡ َ َ ۡ ۡ ا‬
‫ٱس َتعِذ بِٱَّللِ م َِن‬ ‫وحده‪ ،‬كفاه ِمن غريه؛ قال تعاىل‪ ﴿ :‬فإِذا قرأت ٱلقرءان ف‬ ‫َمن توَّكل على اهلل ْ‬
‫ۡ‬ ‫ا‬ ‫اُ َ‬ ‫ِين َء َام ُنوا ْ َو َ َ ٰ‬
‫لَع َر دب ِ ِه ۡم َي َت َوّكون ‪ ٩٩‬إِن َما ُسل َطٰ ُن ُهۥ‬ ‫لَع اٱَّل َ‬
‫ا ُ َۡ َ َُ ُ َۡ ٌ ََ‬
‫جي ِم ‪ ٩٨‬إِنهۥ ليس َلۥ سلطٰن‬ ‫ا‬ ‫ا َۡ‬
‫ٱلشيطٰ ِن ٱلر ِ‬
‫ُ ۡ ُ َ‬ ‫ََ ا َ َََاَُۡ َ ا َ ُ‬
‫ابن مسعود‪" :‬وما منَّا‬ ‫ُ‬ ‫قال‬ ‫وهلذا‬ ‫؛‬ ‫ّشكون ﴾ [النحل‪]100-98 :‬‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫ِۦ‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫م‬‫ه‬ ‫لَع ٱَّلِين يتولونهۥ وٱَّلِين‬
‫لكن اهلل يذهبه بالتوُّكل"‪.‬‬ ‫التطري ‪ -‬و َّ‬
‫إال ‪ -‬يعين‪َ :‬من يقارب ُّ‬
‫وتطري‪ ،‬و َّأما‬
‫مبن تشاءم هبا َّ‬ ‫الفرس قد يكون خمصوصا ْ‬ ‫الدار واملرأة و َ‬ ‫فالشؤم الَّذي يف َّ‬
‫قالوا‪ُّ :‬‬
‫الفرس واملرأة والدار ال يكون شؤما‬ ‫فإن َ‬ ‫يتشاءم‪َّ :‬‬
‫ْ‬ ‫وح َده‪ ،‬ومل يتطيَّ ْر ومل‬
‫َمن تونكل على اهلل وخافَه ْ‬
‫يف حقِّه(‪.)1‬‬
‫تضر‬
‫اب ُّ‬ ‫أن الطَِّرية مذمومةٌ كلنها‪ ،‬وأنه ليس شيءٌ ِمن الننساء‪ ،‬أو الدُّور‪ ،‬أو َّ‬
‫الدو ن‬ ‫حيح‪َّ :‬‬
‫الص ُ‬ ‫و َّ‬
‫العبد بامرأة سيِّئة اخللق‪ ،‬أو دار‬
‫الشِّر‪ ،‬وقد يَبتلي َ‬ ‫خالق اخلري و َّ‬‫أو تنفع َّإال بإذن اهلل‪ ،‬فهو سبحانه ُ‬
‫شرع للعبد التَّخلُّص ِمن ذلك؛ فرارا ِمن قَ َد ِر اهلل إىل قَ َدر اهلل‪ ،‬وحذرا من‬ ‫يكثر فيها العطَب‪ ،‬فيُ َ‬
‫الوقوع يف التَّشاؤم املذموم‪.‬‬
‫‪-2‬شبهة نقصان عقل المرأة ودينها‪:‬‬
‫عنق‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رجال أو امرأة إال وحيفظ هذه العبارة‪( :‬املرأة ناقصة عقل ودين)‪ ،‬ويلوي َ‬ ‫جتد ُ‬ ‫قل أ ْن َ‬
‫َّ‬
‫صدق فيه قول القائل‪:‬‬ ‫اإلسالم بظلم املرأة‪ ،‬ويَ ُ‬ ‫صم‬ ‫النص؛ ليطعن به النساء‪ ،‬وي ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫السقي ِم‬ ‫ِ‬
‫َوآفَتُهُ م َن ال َف ْه ِم َّ‬ ‫صحيحا‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وَك ْم م ْن َعائ ٍ‬
‫ب قَ ْوال َ‬ ‫َ‬
‫وملناقشة هذا القول‪ ،‬نقول‪:‬‬
‫أض َحى‪ ،‬أو فِطر إىل املصلَّى َّ‬
‫فمر‬ ‫رسول اهلل ‪ ‬يف ْ‬ ‫خرج ُ‬
‫عن أيب سعيد اخلُدري ‪ ‬قال‪َ :‬‬
‫ٍ‬
‫أكثر أهل النار"‪ ،‬فقلن‪ِ :‬وِبَ يارسول‬
‫يتكن َ‬ ‫معشر النساء‪ ،‬تَصدقْ َن‪ ،‬فإين أر َّ‬ ‫على النساء‪ ،‬فقال‪" :‬يا َ‬
‫ب الرجل‬‫أذهب للُ ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اهلل؟ قال‪" :‬تُكثِر َن اللعن وتَك ُفر َن العشري‪ ،‬ما ر ِ‬
‫أيت من ناقصات عقل ودين َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َْ‬

‫(‪ )1‬مفتاح دار السعادة البن القيم (‪.)256-257/2‬‬


‫(‪)74‬‬
‫أليس شهادةُ املرأة مثل‬ ‫"‬ ‫قال‪:‬‬ ‫اهلل؟‬ ‫رسول‬
‫َ‬ ‫يا‬ ‫وعقلنا‬ ‫ننا‬ ‫ي‬ ‫إحداكن!" قلن‪ :‬وما نُقصان ِ‬
‫د‬ ‫َّ‬ ‫احلازم ِمن‬
‫َ‬
‫صل‬
‫حاضت مل تُ ِّ‬ ‫ْ‬ ‫نِصف شهادة الرجل؟" ق ْل َن‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪" :‬فذلك ِمن نقصان ع ْقلِها‪ ،‬أليس إذا‬
‫ص ْم؟" ق ْل َن‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪" :‬فذلك ِمن نقصان ِدينها"‪.‬‬ ‫ومل تَ ُ‬
‫أن شهادهتا ُْجت َرب بشهادة امرأةٍ أخرى؛‬ ‫ضعف حفظها‪ ،‬و َّ‬ ‫ِ‬ ‫بَ َّّي ‪َّ ‬‬
‫أن نقصان عقلها من جهة ْ‬
‫الشهادة‪ ،‬أو تنقصها‪ ،‬كما قال سبحانه‪:‬‬ ‫تنسى‪ ،‬فتَزيد يف َّ‬ ‫َ‬ ‫الشهادة؛ بسبب َّأهنا قد‬ ‫وذلك لضبط َّ‬
‫َ َ َ‬ ‫َ‬
‫د َ ُ ۡ َ ا ۡ َ ُ َ َ ُ َۡ ََ ُ َ ۡ َ َ‬ ‫َ ۡ َ ۡ ُ ْ َ َۡ‬
‫ان م اِمن ت ۡرض ۡون م َِن‬ ‫ني فرجل وٱمرأت ِ‬ ‫﴿وٱستش ِهدوا ش ِهيدي ِن مِن رِجال ِكم فإِن لم يكونا رجل ِ‬
‫ُۡ‬ ‫ُّ َ ٓ َ َ‬
‫ى ﴾ [البقرة‪.]282 :‬‬ ‫ض ال إ ِ ۡح َدى ٰ ُه َما َف ُت َذ دك َِر إ ِ ۡح َدى ٰ ُه َما ٱۡل ۡخ َر َٰۚ‬ ‫ٱلش َهداءِ أن ت ِ‬
‫نصاب الشهادة‪ ،‬وال َف ْهم‬ ‫َ‬ ‫تتضمن‬
‫وعزله عن آية الدَّيْن اليت َّ‬ ‫نأوال‪ :‬ال ُميكن فَ ْهم هذا احلديث ْ‬
‫اخلاطئ يوقِع املتعالِمّي يف األغلوطات‪ ،‬ويف كث ٍري من الورطات‪.‬‬
‫رسول اهلل ‪ ‬واجلزلة هي‪:‬‬ ‫لتناقش َ‬ ‫َ‬ ‫منهن"؛‬
‫ثانيا‪ :‬جاء لفظ اإلمام مسلم "قيام امرأة جزلة َّ‬
‫السديد‪ ،‬فيكف تكون امرأة ناقصة عقل؟!‬ ‫صاحبةُ العقل الوافِر‪ ،‬والرأي َّ‬
‫رسول اهلل ‪ ‬يف احلديث‪ ،‬فيُقتصر عليه‪ ،‬وال يتعدَّى‬ ‫أن نقصان العقل والدِّين فَ َّسره ُ‬ ‫ثالثاُ‪َّ :‬‬
‫احلديث نفسه‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫أعلى مراتب تفس ِري احلديث‪:‬‬ ‫عليه‪ ،‬و ْ‬
‫تقضي‬‫الصوم‪ ،‬وال ِ‬ ‫تدعُ الصالة‪ ،‬تدعُ َّ‬ ‫احليض والنِّفاس َ‬ ‫فألهنا يف حالة ْ‬ ‫و َّأما نُقصان ِدينها‪َّ :‬‬
‫نقص حاصل‬ ‫اخذة عليه‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫وإَّنا هو ٌ‬ ‫الصالة‪ ،‬فهذا من نُقصان الدِّين‪ ،‬ولكن هذا النَّ ْقص ليست ُمؤ َ‬ ‫َّ‬
‫صامت‬ ‫وجل‪-‬؛ ِرفقا هبا‪ ،‬وتيسريا عليها؛ َّ‬
‫ألهنا إذا‬ ‫عز َّ‬ ‫شرعه‪َّ -‬‬
‫ْ‬ ‫وجل ‪-‬هو الذي َ‬ ‫عز َّ‬ ‫بشْرع اهلل ‪َّ -‬‬ ‫َ‬
‫وقت احليض‬ ‫ِ‬
‫الصيام َ‬ ‫شرع هلا ترك ِّ‬ ‫يضرها ذلك‪ ،‬فمن رمحة اهلل أ ْن َ‬ ‫مع وجود احليض والنِّفاس ُّ‬
‫والنِّفاس‪ ،‬والقضاء بعد ذلك‪.‬‬
‫جل وعال‪-‬‬ ‫فمن رمحة اهلل ‪َّ -‬‬ ‫فإهنا حال احليض قد وِجد منها ما مينع الطهارة‪ِ ،‬‬ ‫و َّأما الصالة‪َّ :‬‬
‫ُ‬
‫ألن يف القضاء مشقَّة‬ ‫شرع هلا أهنا ال تقضي؛ َّ‬ ‫الصالة‪ ،‬وهكذا يف النِّفاس‪ ،‬مث َ‬ ‫أ ْن َشَرع هلا ْترَك َّ‬
‫احليض قد تكثُر أيامه‪ ،‬فتبلُغ سبعة أيَّام أو مثانية‬ ‫مرات‪ ،‬و ْ‬ ‫تتكرر يف اليوم مخْس َّ‬ ‫الصالة َّ‬ ‫ألن َّ‬ ‫كبرية؛ َّ‬
‫ط‬
‫وإحسانه إليها‪ ،‬أ ْن أسق َ‬ ‫ِ‬
‫أيَّام أو أ ْكثر‪ ،‬والنِّفاس قد يبلغ أربعّي يَوما‪ ،‬فكان من رمحة اهلل هلا‪ْ ،‬‬
‫كل شيء‪ ،‬ونقص ِدينها يف‬ ‫نقص عقلها يف ِّ‬ ‫ِ‬
‫الصالة أداء وقضاء‪ ،‬وال يلزم من هذا أن يكون ُ‬ ‫عنها َّ‬
‫صل ِمن‬ ‫ِ‬ ‫سول ‪-‬صلَّى اهلل عليه وسلَّم‪َّ -‬‬
‫أن نقص عقلها من جهة ما قد حي ُ‬ ‫الر ُ‬ ‫كل شيء‪ ،‬وإنَّنا بَ َّّي َّ‬ ‫ِّ‬
‫الصوم يف ِ‬
‫حال‬ ‫الصالة و َّ‬ ‫حيصل هلا من ْترك َّ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫للشهادة‪ ،‬ون ْقص دينها من جهة ما ُ‬ ‫الضبط َّ‬ ‫عدم َّ‬
‫أفضل‬
‫الرجل ُ‬ ‫أن َّ‬ ‫كل شيء‪ ،‬و َّ‬ ‫الرجل يف ِّ‬ ‫احليض والنِّفاس‪ ،‬وال يلزم ِمن هذا أن تكون أيضا دون َّ‬
‫(‪)75‬‬
‫الرجال يف عملها‬ ‫فرتبُو على كث ٍري ِم َن ِّ‬ ‫منها يف كل شيء‪ ،‬وقد تكثر منها األعمال َّ ِ‬
‫الصاحلات‪ْ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫بعض األمور؛‬‫اآلخرة‪ ،‬وقد تكون هلا عنايةٌ يف ِ‬ ‫وجل‪ -‬ويف منزلتِها يف ِ‬ ‫عز َّ‬ ‫الصالِح‪ ،‬ويف تقواها هلل ‪َّ -‬‬
‫ِ‬ ‫فتضبط ضبطا كثريا أكثر ِمن ضبط ِ‬
‫عىن هبا‪ ،‬وجتتهد يف‬ ‫الرجال يف كث ٍري من املسائل اليت تُ َ‬ ‫بعض ِّ‬
‫اضح لِ َمن َّ‬
‫تأمل‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬ويف أموٍر كثرية‪ ،‬وهذا و ٌ‬ ‫ِّ‬ ‫وضبطها؛ فتكون مرجعا يف التَّاريخ‬ ‫ح ْفظها ْ‬
‫ِ‬
‫يب صلَّى اهلل عليه وسلَّم‪.‬‬ ‫عهد النَّ ِّ‬ ‫أحوال النِّساء يف ْ‬
‫الشهادة إذا‬‫الرواية‪ ،‬وهكذا يف َّ‬ ‫أن هذا النَّقص ال مينع ِم َن االعتماد عليها يف ِّ‬ ‫وهبذا يُعلَم َّ‬
‫ومن ِخ َرية إماء اهلل‪ ،‬إذا‬ ‫ت بامرأةٍ أخرى‪ ،‬وال مينع أيضا تقواها هلل‪ ،‬وكوهنا ِمن ِخرية عباد اهلل‪ِ ،‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫اجنرب ْ‬
‫َ‬
‫احليض والنِّفاس؛ أداء‪ ،‬ال قضاء‪ ،‬وإ ْن سقطت‬ ‫الصوم يف ْ‬ ‫استقامت يف ِدينها‪ ،‬وإ ْن س َقط عنها َّ‬ ‫ْ‬
‫كل شيء؛ ِمن جهة تقواها هلل‪ِ ،‬‬
‫ومن‬ ‫نقصها يف ِّ‬ ‫الصالة؛ أداء‪ ،‬وقضاء‪َّ ،‬‬
‫فإن هذا ال يلزم منه ُ‬ ‫عنها َّ‬
‫خاص يف الع ْقل‬ ‫تين به ِم َن األمور‪ ،‬فهو ن ْقص‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ٌّ‬ ‫جهة قيامها بأمره‪ ،‬ومن جهة ضبطها؛ ل َما تَ ْع َ‬
‫كل شيء‪،‬‬ ‫للمؤمن أ ْن يرميَها بالنَّقص يف ِّ‬ ‫والدِّين‪ ،‬كما ب يَّنه النَّيب صلَّى اهلل عليه وسلَّم؛ فال ينبغي ِ‬
‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫وإَّنا ضعف ٌّ ِ‬
‫ف يف ع ْقلها فيما يتعلَّق ْ‬
‫بضبط‬ ‫وضع ٌ‬
‫خاص بدينها‪ْ ،‬‬ ‫كل شيء‪ٌ ْ َّ ،‬‬ ‫وضعف الدِّين يف ِّ‬ ‫ْ‬
‫كالم النَّيب صلَّى اهلل عليه وسلَّم على خري ِ‬
‫احملامل‬ ‫ْ‬ ‫الشَّهادة‪ ،‬وحنو ذلك‪ ،‬فينبغي إنصافُها‪ ،‬ومحل ِ ِّ‬
‫وأحسنها‪.‬‬
‫الخاتمة‪:‬‬
‫جتد حتريرا ُمدعَّما بالتَّدليل والتَّعليل‪،‬‬ ‫َّ‬
‫إن قضيةَ املرأة حتتاج إىل حترير‪ ،‬وتدليل‪ ،‬وتعليل‪ ،‬ولن َ‬
‫أعلى مكاهنا؛ مراعيا‬ ‫ِ‬ ‫كما جاء يف شر ِ‬
‫يعة اإلسالم؛ حيث َحفظ هلا كرامتها وسالمتها‪ ،‬وأنصفها و ْ‬
‫اخللقي‪.‬‬ ‫طري‪ ،‬وتكوينها‬
‫الف ِّ‬ ‫استعدادها ِ‬
‫ِّ‬

‫(‪)76‬‬
‫مراجع الوحدة الثالثة‬

‫‪-1‬صحيح البخاري مع فتح الباري‪.‬‬


‫‪-2‬صحيح مسلم مع شرح النووي‪.‬‬
‫‪-3‬سنن أيب داود مع معامل السنن للخطايب‪.‬‬
‫‪-4‬مسند اإلمام أمحد‪.‬‬
‫‪-5‬مستدرك احلاكم‪.‬‬
‫‪-6‬عمدة القاري للعيين‪.‬‬
‫‪-7‬احللية أليب نعيم األصبهاين‪.‬‬
‫‪-8‬سري أعالم النبالء للذهيب‪.‬‬
‫‪-9‬األم للشافعي‪.‬‬
‫‪-10‬روضة الطالبّي للنووي‪.‬‬
‫‪-11‬املغين البن قُدامة‪.‬‬
‫‪-12‬تفسري الطربي‪.‬‬
‫‪-13‬تفسري القرطيب‪.‬‬
‫الكشاف للزخمشري‪.‬‬
‫‪ -14‬ن‬
‫‪-15‬ماذا عن املرأة؟ تأليف د‪ .‬نور الدِّين عرت‪.‬‬
‫‪-16‬تربية املرأة واحلجاب‪ ،‬تأليف حممد طلعت حرب‪.‬‬
‫‪-17‬عودة احلجاب‪ ،‬تأليف د‪ .‬حممد املقدم‬
‫‪-18‬األسرة يف ضوء الكتاب والسنة‪ ،‬تأليف د‪ .‬أمحد السيد فرج‪.‬‬
‫‪-19‬تأمالت يف املرأة واجملتمع‪ ،‬تأليف حممد اجملذوب‪.‬‬
‫‪-20‬املرأة العربية يف جاهليتها وإسالمها‪ ،‬تأليف عبد اهلل عفيفي‪.‬‬
‫‪ -21‬قضايا املرأة يف املؤمترات الدولية‪ ،‬دراسة نقدية يف ضوء اإلسالم‪ ،‬تأليف د‪ .‬فؤاد العبد الكرمي‪.‬‬
‫اجهة ُشبهات املشككّي‪ ،‬إشراف وتقدمي أ‪ .‬د حممود محدي زقزوق‪.‬‬ ‫‪-22‬حقائق اإلسالم يف مو ِ‬

‫(‪)77‬‬
‫الوحدة الرابعة‪:‬‬
‫النوازل في قضايا المرأة المعاصرة‬

‫أبرِزها قضيَّةَ املساواةِ بّي‬ ‫لعل ِمن‬ ‫ضات ِ‬


‫الفكريَِّة‪ ،‬و َّ‬ ‫اعات اإلنسانيَّ ِة واملعار ِ‬
‫الصر ِ‬ ‫بشىت ِّ‬ ‫يعِ ُّج العا َمل ِ‬
‫املعاص ُر َّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِّسويَِّة الغربيَّة؛ ومن مشى على منهجها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرجل واملرأة؛ وقضية حترير املرأة‪ ،‬واليت تُ َع ُّد أساسا فكريًّا َ‬
‫للحَركات الن ْ‬
‫ِ‬ ‫من احلركات النسوية يف الدول العربية‪ِ ِ ِ ،‬‬
‫ات ويف هذه الوحدة‬ ‫ووقِّ َعت االتِّفاقيَّ ُ‬
‫ات‪ُ ،‬‬ ‫وعق َدت من أجلها املؤمتر ُ‬ ‫ُ‬
‫سنتعرف على منشأ القضيتّي ومفهومهما وموقف االسالم منهما‪.‬‬

‫أوال‪ :‬قضية المساواة‪.‬‬


‫‪ -1‬النشأة التاريخية لمفهوم المساواة بين الرجل والمرأة‪:‬‬
‫ظهرت املطالبة باملساواة بّي الرجل واملرأة يف الغرب لوجود إرث تارخيي من الذل واملهانة والتمييز‪ ،‬قاسته‬
‫املرأة يف ظل احلضارات األوربية السابقة مبباركة من الكنيسة الرومانية ‪ -‬وذكرنا جانب من ذلك يف الوحدة‬
‫األوىل اليت حتدثت عن مكانة املرأة قبل االسالم ‪ -‬وظلت املرأة الغربية تعاين من هذا الذل والتمييز بينها وبّي‬
‫الرجل على كافة األصعدة اإلنسانية واملالية واملدنية واالجتماعية‪.‬‬
‫ونتيجة تردي األوضاع االجتماعية واالقتصادية والسياسية يف فرنسا قامت الثورة الفرنسية اليت انطلقت‬
‫شرارهتا األوىل يف العام (‪1204‬ه = ‪1789‬م)‪ ،‬وهي تعد من أهم األحداث ليس يف تاريخ فرنسا فحسب‬
‫بل يف تاريخ أوربا كلها وكان من أهم شعاراهتا اليت نادت هبا (احلرية – اإلخاء‪ -‬املساواة)‪.‬‬
‫وأول ذكر للمساواة عند الغرب‪ ،‬كان من خالل إعالن االستقالل األمريكي يف عام ‪1776‬م‪ ،‬حيث‬
‫أشري فيه إىل مبدأ املساواة بّي الناس‪ ،‬جبانب ذكر بعض احلقوق‪ ،‬كحق احلياة وحق احلرية‪ ،‬مث صدر بعد‬
‫ذلك إعالن الدستور األمريكي عام (‪1201‬ه‪1787-‬م)‪ ،‬وتعرض فيه لبعض احلقوق اإلنسانية‪ ،‬ومنها‬
‫إجياب املساواة (‪.)1‬‬
‫وأما املناداة باملساواة كنظام وتشريع‪ ،‬فقد ظهرت مع الثورة الفرنسية‪ ،‬ومناداة كتاب الثورة بذلك‪ ،‬أمثال‪:‬‬
‫جان جاك روسو‪ ،‬ومونتسكيو‪ ،‬وديدرو‪ ..‬وغريهم(‪.)2‬‬
‫وقد ناضلت احلركات النسوية يف العامل الغريب اليت ظهرت يف أمريكا وبريطانيا خالل القرن التاسع عشر‬
‫امليالدي يف سبيل احلصول على احلقوق اإلنسانية واالقتصادية واالجتماعية للمرأة؛ حيث كانت املرأة يف‬

‫(‪ )1‬حقوق اإلنسان يف اإلسالم‪ /‬حممد الزحيلي ص‪ 102،103‬خمتصرا‪.‬‬


‫(‪ )2‬حقوق اإلنسان‪ /‬حممود بسيوين وآخرون‪-‬اجمللد األول ص‪.18‬‬
‫(‪)78‬‬
‫تلك البالد حمرومة من التصرف يف ماهلا وال تُوفَّر هلا فرص التعليم والعمل‪ ،‬ومتحورت مطالبهن حول احلقوق‬
‫أساس مسا ٍو للرجل يف إنسانيته‪.‬‬
‫الفردية للمرأة يف أن تُعامل على ٍ‬
‫َ‬
‫ومع تقدُّم الوقت وبعد حصول هذه احلركة على املطالب السابقة‪ ،‬رفعت شعار التماثل الكامل بّي‬
‫الرجال والنساء يف مجيع اجلوانب وطالبت باالعرتاف بأن للمرأة حقوقا وفَُرصا مساوية للرجل يف مجيع جوانب‬
‫احلياة‪.‬‬
‫وقد نصت مواثيق وإعالنات ومؤمترات األمم املتحدة على قضية مساواة الرجل باملرأة دون أي متييز بل‬
‫عقدت اتفاقيات موضوعها الرئ يس والوحيد مساواة املرأة بالرجل‪ ،‬مثل‪ :‬اتفاقية بشأن احلقوق السياسية للمرأة‬
‫عام (‪1952‬م‪1371 -‬ه)‪ ،‬وإعالن القضاء على التمييز ضد املرأة عام (‪1967‬م‪1387 -‬ه)‪ ،‬واتفاقية‬
‫القضاء على كافة أشكال التمييز ضد املرأة عام (‪1979‬م‪1399 -‬ه)‬
‫ولقد نص اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان (‪ )1‬على حق املساواة بّي أي إنسان وآخر يف الكرامة‬
‫واإلخاء‪ ،‬وعلى أن الناس يولدون أحرارا متساوين يف الكرامة‪ ،‬كما أن الناس سواسية أمام القانون‪ ،‬وهلم احلق‬
‫يف محاية متساوية ضد أي متييز خيل باإلعالن العاملي‪.‬‬
‫فقد جاء يف ديباجة هذا اإلعالن‪( :‬إن االعرتاف بالكرامة املتأصلة يف مجيع أعضاء األسرة البشرية‪،‬‬
‫وحبقوقهم املتساوية الثابتة هو أساس احلرية‪ ،‬والعدل والسالم يف العامل)(‪.)2‬‬
‫كما صدر عن األمم املتحدة إعالن خاص للقضاء على التمييز العنصري باسم إعالن األمم المتحدة‬
‫للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري عام (‪1383‬ه ‪1963 -‬م(‪ ،)3‬ويتكون هذا اإلعالن من‬
‫مقدمة وإحدى عشرة مادة‪ ،‬ويتناول املساواة بّي البشر دون متييز بسبب العرق‪ ،‬أو اجلنس‪ ،‬أو اللغة‪ ،‬أو‬
‫الدين‪ .‬وكذلك منع التمييز يف ميادين احلقوق املدنية‪ ،‬ونيل املواطنة‪ ،‬والتعليم‪ ،‬والدين‪ ،‬والعمالة‪ ،‬واملهنة‪،‬‬
‫واإلسكان‪ ،‬واحلقوق السياسية‪ ،‬وحق تويل الوظائف العامة‪ ،‬وحق كل إنسان يف املساواة أمام القانون‪ ،‬ويف‬
‫األمن على شخصه ومحاية الدولة له‪ .‬كما أن لكل إنسان يتعرض يف حقوقه وحرياته األساسية ألي متييز‬
‫بسبب العرق أو اللون أو األصل اإلثين ‪ -‬أي العرقي ‪ -‬حق التظلم من ذلك‪.‬‬
‫كما أن هذا اإلعالن يشجب بشدة مجيع الدعايات والتنظيمات القائمة على األفكار أو النظريات‬
‫القائلة بتفوق أي عرق أو أي مجاعة من لون أو أصل إثين واحد‪ ،‬لتربير أو تعزيز أي شكل من أشكال‬
‫التمييز العنصري (‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬يتكون من ديباجة وثالثّي مادة‪ ،‬وقد أقرته اجلمعية العامة لألمم املتحدة بتاريخ (‪1948/12/10‬م)‪.‬‬
‫(‪ )2‬حقوق اإلنسان‪ /‬حممود بسيوين وآخرون‪-‬اجمللد األول ص‪ ،18‬حقوق اإلنسان‪ /‬حممد الزحيلي ص‪.392‬‬
‫(‪ )3‬أصدرت هذا اإلعالن اجلمعية العامة لألمم املتحدة يوم ‪ 20‬تشرين الثاين‪/‬نوفمرب ‪1963‬م القرار ‪( 1904‬د‪.)18-‬‬
‫(‪ )4‬املرجع السابق‪ :‬ص‪58-55‬‬
‫(‪)79‬‬
‫‪ -2‬مفهوم المساواة في الفكر الغربي‪:‬‬
‫من خالل الوثائق اليت أشرنا إليها عند احلديث عن نشأة مفهوم املساواة ومطالبات احلركات النسوية‬
‫نرى أن هناك اهتماما كبريا بقضية املساواة يتناسب مع ما كانت تعانيه املرأة يف الغرب من اإلمهال والتمييز‬
‫يف املعاملة واحلقوق ويف سائر أمور احلياة‪ ،‬األمر الذي جعلها تنص على املساواة التامة بينها وبّي الرجل يف‬
‫مجيع ميادين وجماالت احلياة املختلفة‪ ،‬يف احلقوق والواجبات وااللتزامات واملسؤوليات دون استثناء أو مراعاة‬
‫لالختالفات يف تكوين املرأة وفطرهتا وطبيعتها‪ .‬وبالنظر للمواد السابقة للقوانّي ميكن أن نقول‪ :‬إن مفهوم‬
‫املساواة ‪ -‬كحق أساسي من حقوق اإلنسان باملفهوم الغريب ‪ -‬يعين املساواة املطلقة بّي الرجل واملرأة يف‬
‫مجيع جوانب احلياة‪.‬‬

‫‪ -3‬مفهوم المساواة في االسالم‪:‬‬


‫مصطلح "املساواة" من جنس (األلفاظ اجململة)‪ ،‬اليت حتتاج اىل بيان مقصد القائل من إطالقه الحتماله‬
‫معان متعددة وسنعرض ملفهوم املساواة يف االسالم‪.‬‬
‫مفهوم املساواة يف االسالم‪:‬‬
‫يدور معىن املساواة يف اللغة‪ :‬على املماثلة واملعادلة‪ ،‬فساواه مساواة؛ ماثله وعادله قدرا أو قيمة‪ ،‬ومنه‬
‫قوهلم‪ :‬هذا يساوي درمها؛ أي تعادل قيمته درمها‪ ...‬واستوى القوم يف املال إذا مل يفضل منهم أحد على‬
‫غريه‪ ،‬وتساووا فيه(‪.)1‬‬
‫وعليه فمصطلح املساواة على إطالقه ال يصح اعتباره أو الركون إليه ملا يتضمنه من خلط وتسوية بّي‬
‫كل الناس دون اعتبار ألية فوراق خلقية أو دينية‪ ،‬هلذا فالصحيح قولنا أن اإلسالم دين (عدل)‪ ،‬ال (مساواة)‬
‫مطلقة‪ ،‬وإن قلنا مساواة علينا تقييدها وتبيّي معناها مبا ينضبط مع الشرع احلنيف‪.‬‬
‫ألن املساواة املطلقة تعين رفع أحد الطرفّي حىت يساوي اآلخر‪ ،‬أما العدل فهو إعطاء كل ذي حق‬
‫حقه‪ ،‬لذا يقيد لفظ املساواة عند إطالقه باملساواة العادلة‪.‬‬

‫‪ -4‬موقف اإلسالم من قضية المساواة بين الرجل والمرأة‪.‬‬


‫يعد بعضهم قضية املساواة بّي املرأة والرجل مدخال يف توجيه االنتقاص لتشريعات اإلسالم‪ ،‬باعتبار‬
‫أحكامه اخلاصة باملرأة متثل أَّناطا تقليدية جيب نبذها وجتاوزها‪ ،‬وهو ما يرتدد يف العديد من املؤمترات الدولية‬
‫يف حّي أن بعض صور املساواة بّي املرأة والرجل‪ ،‬اليت تنادي هبا هذه املؤمترات‪ ،‬كتكرمي املرأة‪ ،‬والتأكيد على‬

‫(‪ )1‬التعريفات للجرجاين ‪ /‬ص ‪.124‬‬


‫(‪)80‬‬
‫حقوقها االنسانية واالجتماعية واالقتصادية والتعليمية‪ ...‬وغريها‪ ،‬قد سبق اإلسالم مبئات السنّي التشريعات‬
‫والقوانّي الدولية ليس مبجرد إعالهنا فقط‪ ،‬وإَّنا بتطبيقها تطبيقا عمليا تفخر به البشرية بشهادة مفكري‬
‫الدول الغربية‪ ،‬يقول املفكر الفرنسي (كوستاف لوبون)‪" :‬فضل اإلسالم مل يقتصر على رفع شأن املرأة‪ ،‬بل‬
‫نضيف إىل هذا أنه أول دين فعل ذلك" (‪.)1‬‬
‫ويصف حالة النساء املسلمات احلاضرة بأهنا "أفضل من حالة أخواهتن يف أوروبا‪ ،‬وأن نقصان شأهنن‬
‫حدث خالفا للقرآن‪ ،‬ال بسبب القرآن على كل حال‪ ..‬إن اإلسالم الذي رفع املرأة كثريا بعي ٌد عن خفضها‪،‬‬
‫ومل نكن أول من دافع عن هذا الرأي‪ ،‬فقد سبقنا إليه كثريون"(‪.)2‬‬
‫واإلسالم حفظ مكانة املرأة وسعى لتحقيق املساواة العادلة بينها وبّي الرجل وتظهر املساواة العادلة‬
‫بينهما يف‪:‬‬
‫‪ -1‬املساواة يف أصل االنسانية وتتمثل يف‪:‬‬
‫أ) املساواة يف النشأة واألصل؛ ألهنما استويا يف مراحل التكوين‪.‬‬
‫ب) املساواة يف االعتبار البشري‪ ،‬بّي الشعوب والقبائل‪ ،‬ال فرق بّي أبيض وأسود‪ ،‬وال عريب وال‬
‫أعجمي‪ ،‬وال ذكر وال أنثى إال بالتقوى‪.‬‬
‫ج) املساواة يف الكرامة اإلنسانية‪ ،‬فكل من الرجل واملرأة خملوق آدمي وجدير بالتكرمي‪.‬‬
‫د) املساواة يف حق احلياة‪ ،‬فقد اعترب القرآن العظيم قتل النفس البشرية على اختالف جنسها جرمية‬
‫كربى تعادل قتل الناس مجيعا‪ ،‬وقد كان بعض الناس يف اجلاهلية يفرقون بّي الرجل واملرأة‪ ،‬فيظهر على وجه‬
‫أحدهم االمتعاض لوالدة األنثى‪ ،‬ولذلك يقتلوهنا وهي حية‪ ،‬واهلل تعاىل وصف من قتل أوالده ‪ -‬ذكورا وإناثا‪،‬‬
‫أو قتل اإلناث دون الذكور ‪ -‬وصفهم باخلسران احملقق يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬

‫‪-2‬املساواة يف التكاليف الشرعية‪ ،‬وتتمثل يف‪:‬‬


‫أ‪ -‬املساواة بّي الرجال والنساء يف صفة اإلميان؛ فإميان النساء كإميان الرجال؛ ألهنما متساويان يف‬
‫التكاليف اإلميانية‪.‬‬
‫ب‪ -‬املساواة باخلطاب الشرعي فاإلسالم جاء للناس مجيعا‪ ،‬دون متييز بّي العرب والعجم‪ ،‬والبيض‬
‫والسود‪ ،‬والرجال والنساء؛ ألن اهلل تعاىل أرسل نبيه الكرمي صلى اهلل عليه وسلم للناس كافة‪.‬‬

‫(‪ )1‬املرأة واألسرة املسلمة ص‪..41 /‬‬


‫(‪ )2‬املرأة واألسرة املسلمة ص‪.41 /‬‬
‫(‪)81‬‬
‫ج‪ -‬املساواة العادلة يف التكاليف الشرعية بّي الرجال والنساء‪ ،‬فما من تكليف للرجال إال ويقابله‬
‫تكليف للنساء جبانبه‪ ،‬يساويه ومياثله اال ما استثين ألحدمها‪ ،‬وقد خاطب الشارع احلكيم كال من الرجل‬
‫واملرأة على حد سواء يف القرآن الكرمي ومن مظاهر املساواة يف التكاليف الشرعية بّي الرجل واملرأة‪:‬‬
‫‪ -‬املساواة يف العبادات والعمل الصاحل‪ :‬فهناك تكاليف شرعية اشرتك فيها الرجال والنساء على قدم‬
‫املساواة‪ ،‬ومنها‪ :‬أركان اإلسالم اخلمسة‪ ،‬وطاعة اهلل ورسوله صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬واألمر باملعروف والنهي‬
‫عن املنكر‪.‬‬
‫‪ -‬املساواة يف اخلطاب الشرعي والتكليف‪ ،‬الوارد يف القرآن العظيم‪ :‬مثل املساواة يف غض البصر‪ ،‬وحفظ‬
‫الفرج‪ ،‬والعقوبات الشرعية ساوى اإلسالم مساواة عادلة بّي الرجال والنساء يف اجلزاء األخروي‪ ،‬فهم جمزيون‬
‫بأعماهلم إن خريا فخري واملساواة يف وجوب االنقياد حلكم اهلل ورسوله صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬واملساواة يف‬
‫اآلداب واألخالق‪.‬‬

‫‪-3‬املساواة يف النواحي االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬وتتمثل يف‪:‬‬


‫أ‪ -‬ساوى اإلسالم مساواة عادلة بّي الرجل واملرأة يف التملك والتصرفات املالية‪ ،‬ويف أهلية الوجوب‬
‫واألداء‪ ،‬وأثبت هلا حرية التصرف‪ ،‬وإدارة كافة الشؤون املدنية‪ ،‬ومباشرة مجيع العقود‪ ،‬دون أدىن متييز بينها‬
‫وبّي الرجل‪ ،‬يف الوقت الذي كانت فبه مجيع شعوب العامل تضع املرأة حتت احلجر والوصاية‪ ،‬وتنظر إليها‬
‫نظرة ازدراء واحتقار‪ ،‬جند أن اإلس الم يرى املرأة كالرجل يف كمال أهليتهما‪ ،‬بل للمرأة ذمة مالية مستقلة عن‬
‫الرجل‪ ،‬ال تعرف مثيال هلا عند املرأة الفرنسية املعاصرة‪ ،‬املوضوعة حتت وصاية زوجها‪ ،‬فال تنفرد بالتصرف يف‬
‫أمواهلا اخلاصة‪ ،‬وأوجب هلا املرياث‪ ،‬وجعل هلا النفقة‪.‬‬
‫ب‪ -‬ساوى اإلسالم مساواة عادلة بّي الرجل واملرأة يف حق كل منهما يف التعليم والعمل‪.‬‬
‫وخالصة القول أن االسالم ساوى بّي الرجل واملرأة مساواة عادلة يف قضايا جوهرية تعلي من شأهنا‬
‫ومتاثلها بالرجل‪ ،‬مراعيا طبيعة خلقها‪ ،‬وما فطرها اهلل تعاىل عليه من صفات‪ ،‬وطبيعة دورها يف احلياة‪ ،‬وهذه‬
‫املساواة ال تعين أن الرجل كاملرأة أو أن املرأة كالرجل يف كل شيء‪ ،‬فهناك جوانب اختالف بينهما كما‬
‫خلقهما اهلل تعاىل ‪ -‬ثنائيان خمتلفان‪ ،‬ولكن متكامالن‪ ،‬يفتقر كل منهما ملا عند اآلخر من خصائص ومميزات‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫ومها شريكان متوافقان ومتمايزان كسائر خملوقات اهلل تعاىل( )‪.‬‬

‫(‪)1‬حقوق املرأة يف االسالم ‪ ،32‬االسالم واملرأة املعاصرة ‪.45‬‬


‫(‪)82‬‬
‫‪ -5‬نقد مفهوم المساواة في الفكر الغربي‪.‬‬
‫حقق اإلسالم املساواة العادلة بّي الرجال والنساء مع رعاية الفوارق اليت يتميز هبا كل واحد منهما‪ ،‬أما‬
‫املساواة املطلقة يف الفكر الغريب واليت جتمع بّي املتساويّي واملفرتقّي‪ ،‬وهي بذلك تساوي بّي النقيضّي فهي‬
‫بعيدة عن العدل واإلنصاف‪ ،‬وفيها ما فيها من التناقض والذي أثبته العلم والواقع‪.‬‬
‫فاهلل تعاىل خلق املرأة‪ ،‬وجعل بينها وبّي الرجل اختالفات عضوية ونفسية وعقلية‪ ،‬حىت تتالءم مع‬
‫وظيفتها األساسية يف احلياة؛ أال وهي وظيفة األمومة وتربية النشء‪ ،‬إال أن املنادين باملساواة التامة بّي املرأة‬
‫والرجل جتاهلوا متاما هذا األمر‪ ،‬وهذه االختالفات اليت بّي اجلنسّي هلا أشكال خمتلفة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪– 1‬علم الحياة (البيولوجي) يثبت فروقا بّي املرأة والرجل‪ ،‬تبدأ يف وقت مبكر جدا ‪-‬قبل احلمل‪،-‬‬
‫ويظهر ذلك يف الفروق املوجودة بّي احليوان املنوي للذكر وبويضة األنثى‪ ،‬فبعد أحباث طويلة قام هبا عامل‬
‫أمريكي(‪ )1‬وأعوانه‪ ،‬وجد أن الكروموزوم (×) الذي ينتج األنثى يتميز بأنه يتجمع جنبا إىل جنب‪ ،‬وأنه بطيء‬
‫احلركة وإن كان أكثر حتمال للبيئة‪ ،‬ولذلك يعيش مدة أطول‪ ،‬كما أنه ينتعش ويزداد حيوية إذا وجد يف املواد‬
‫احلمضية‪ .‬أما الكروموزوم (‪ )y‬الذي ينتج الذكر فإنه يتمتع بسرعة احلركة واحليوية الشديدة‪ ،‬ويزداد حيوية‬
‫وانتعاشا إذا وجد يف املناخ القلوي‪ ،‬ولكنه أقل حتمال لظروف البيئة‪ ،‬وميوت بسرعة‪.‬‬
‫ويوضح هذا العامل دور األبوين يف تكوين البويضة‪ ،‬فيقول‪" :‬إن األب واألم يسهمان بقدر متساو يف‬
‫تكوين البويضة اليت تولد كل خلية من خاليا اجلسم اجلديد‪ ،‬لكن األم هتب عالوة على نصف املادة املنوية‬
‫‪2‬‬
‫كل الربوتوبالزم احمليط بالنواة"( )‪.‬‬
‫وهكذا يتضح من البداية الفرق بّي بويضة الذكر وبويضة األنثى يف خصائص كل منهما‪ ،‬كما يتضح‬
‫مقدار إسهام كل من األب واألم يف تكوين اجلنّي‪.‬‬
‫وهذا العامل الدكتور (ألكسيس كاريل) يؤكد الفرق بّي الرجل واملرأة يف كتابه (اإلنسان ذلك اجملهول)‪،‬‬
‫فيقول‪ " :‬إن األمور اليت تفرق بّي الرجل واملرأة ال تتحدد يف األشكال اخلاصة بأعضائها اجلنسية والرحم‬
‫واحلمل‪ ،‬وهي ال تتحدد ‪ -‬أيضا ‪ -‬يف اختالف طرق تعليمهما‪ ،‬بل إن هذه الفوارق ذات طبيعة أساسية‬
‫نابعة من اختالف نوع األنسجة يف جسم كل منهما‪ ،‬كما أن املرأة ختتلف عن الرجل كليا يف املادة الكيماوية‬
‫اليت تفرز من الرحم داخل جسمها‪ ،‬فكل خلية يف جسمها حتمل طابعا أنثويا‪ ...‬إن قوانّي وظائف األعضاء‬
‫حمددة ومنضبطة كقوانّي الفلك‪ ،‬حيث ال ميكن إحداث أدىن تغيري فيها إال بفناء البشرية‪ ،‬وعلينا أن نسلم‬
‫هبا كما هي دون أن نسعى إىل ما هو غري طبيعي"‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬وظيفة املرأة يف اجملتمع‪/‬علي القاضي ص‪ 12‬وما بعدها‪.‬‬


‫(‪ )2‬الرجل واملرأة يف اإلسالم‪ /‬حممد وصفي ص‪ 20‬بتصرف‪.‬‬
‫(‪)83‬‬
‫‪ - 2‬علم وظائف األعضاء التشريحي (الفسيولوجي)‪ :‬يثبت اختالفات بّي املرأة والرجل يف اهليكل‬
‫العظمي‪ ،‬ويف الوظائف العضوية لكل منهما تبعا لالختالفات البيولوجية بينهما‪.‬‬
‫فأما اهليكل العظمي فتتمثل االختالفات فيما يلي‪:‬‬
‫أ ‪ -‬اجلمجمة‪ :‬فجمجمة الرجل أكرب حجما وأثقل وزنا من مججمة املرأة‪ .‬وأسنان املرأة أصغر من‬
‫أسنان الرجل‪ ،‬والفك األسفل عند النساء أقل وزنا منه عند الرجل‪.‬‬
‫ب ‪ -‬القفص الصدري‪ :‬وصدر املرأة أقصر وأقل سعة واستدارة وبروزا من صدر الرجل‪ ،‬وضلوع املرأة‬
‫العليا أكثر حتركا‪ ،‬ولذلك تسمح بتمدد أكرب للجزء العلوي من صدرها‪.‬‬
‫ج ‪ -‬العمود الفقري‪ :‬والعمود الفقري عند املرأة أقل طوال‪ ،‬وفقراته أخف وزنا‪.‬‬
‫د ‪ -‬عظام األطراف‪ :‬وعظام األطراف كذلك يف املرأة أخف وزنا‪ ،‬وأقل طوال‪ .‬وأكتاف الرجل أعرض‬
‫‪ -‬عادة ‪ -‬من أكتاف املرأة‪ .‬والرجل ‪ -‬على وجه العموم‪ -‬أطول من املرأة‪ ،‬وأثقل منها وزنا‪ ،‬وعظمة الفخذ‬
‫يف املرأة أكثر ميال منها عند الرجل لزيادة عرض حوضها‪.‬‬
‫فعظام املرأة ‪ -‬على وجه العموم ‪ -‬أرق وأضعف‪ ،‬وأقل صالبة واحتماال من عظام الرجل‪.‬‬
‫وأما االختالفات التشريحية بين المرأة والرجل‪ ،‬فتتمثل فيما يلي‪:‬‬
‫أ ‪ -‬االختالف يف العضالت‪ :‬فعضالت الرجل أقوى من عضالت املرأة‪ ،‬وحتوي عضالت املرأة سائال‬
‫مائيا أكثر مما حتويه عضالت الرجل‪ ،‬ولذلك فإن عضالت املرأة رخوة‪ ،‬وتشبه عضالت األطفال‪ ،‬وتقدر‬
‫كمية العضالت عند املرأة بنحو ‪ %35،8‬من كل جسمها‪ ،‬وتبلغ يف الرجل ‪ %41،8‬من جسمه‪.‬‬
‫ب ‪ -‬االختالف يف مقدار الدهن وتوزيعه‪ :‬فكمية الدهن يف املرأة أوفر منها عند الرجل‪ ،‬إذ جتد نسبته‬
‫يف جسمها ‪ ،%28،2‬ونسبته عند الرجل ‪.%18،2‬‬
‫ج ‪ -‬االختالف يف اجللد والشعر‪ :‬فجلد املرأة أكثر نعومة‪ ،‬وأقل مسكا‪ ،‬وأفتح لونا‪ ،‬وأشد إحساسا‬
‫وتأثرا باملؤثرات اجلوية ‪-‬كاحلر والربد‪ -‬من جلد الرجل‪.‬‬
‫والشعر الذي ينبت على جلد الرجل أطول مما يكون على جلد املرأة‪ ،‬وشعر رأس املرأة أطول من شعر‬
‫رأس الرجل(‪.)1‬‬
‫د ‪ -‬االختالف يف القلب وأنابيبه‪ :‬وقلب الرجل أكرب حجما من قلب املرأة‪ ،‬وأثقل وزنا‪ ،‬إذ يبلغ ثقله‬
‫يف الرجل من ‪ 280‬إىل ‪ 340‬غراما‪ ،‬ويف املرأة من ‪ 230‬إىل ‪ 280‬غراما‪ .‬وشرايّي الرجل وأوردته أوسع منها‬
‫عند املرأة‪ ،‬وحوائطها أمسك من حوائط أوعية املرأة(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬أصل وطبيعة اجلنس‪/‬الليدي بالونت نقال عن صحيفة اهلدف ‪ -‬العدد (‪.)1247‬‬
‫(‪)84‬‬
‫ه ‪ -‬االختالف يف احلنجرة‪ :‬وحنجرة املرأة أصغر من حنجرة الرجل وأقل تصلبا‪ ،‬وكذلك ختتلف أوتار‬
‫الصوت املوجودة يف حنجرة املرأة عنها يف الرجل‪ ،‬وعلى هذا يظهر االختالف بّي صويت اجلنسّي‪ ،‬فصوت‬
‫املرأة أرق وأنعم ‪-‬عادة‪ -‬من صوت الرجل‪.‬‬
‫و ‪ -‬االختالف يف اجلهاز التناسلي‪ :‬فهناك فروق واضحة بّي اجلهاز التناسلي يف املرأة وبّي اجلهاز‬
‫التناسلي عند الرجل‪ ،‬كما هو معلوم (‪.)1‬‬
‫ز ‪ -‬االختالف يف اجلهاز العصيب‪ :‬وخيتلف اجلهاز العصيب يف اجلنسّي اختالفا ظاهرا‪ ،‬فإذا ما نظرنا‬
‫إىل أهم جزء فيه وهو املخ‪ ،‬وجدناه أكرب يف الرجل‪ ،‬وأثقل وزنا‪ .‬وقد كتبت أحباث لبعض العلماء تتلخص‬
‫يف أن مخ املرأة ‪ -‬ما بّي سن العشرين والستّي ‪ -‬يقل عن مخ الرجل يف نفس هذه السن‪ ،‬مبقدار يرتاوح‬
‫بّي ‪ 126‬و ‪ 164‬غراما‪ ،‬ويقل وزن مخ املرأة ‪ -‬ما بّي سن الستّي والتسعّي ‪ -‬مبقدار يرتاوح بّي ‪123‬‬
‫و‪ 158‬غراما من وزن مخ الرجل يف نفس السن‪.‬‬
‫وكذلك يوجد فرق كبري بّي مخ الطفل والطفلة بعد الوالدة‪ ،‬فمخ الطفلة يقل يف وزنه عن مخ الطفل‬
‫مبقدار ‪ 46‬غراما‪.‬‬
‫واالختالفات ليست قاصرة على الفرق بّي وزن مخ اجلنسّي وحجمهما‪ ،‬بل هناك اختالفات أخرى‬
‫ظاهرة يف شكل املخ‪ :‬فالتعاريج واالخنفاضات واالرتفاعات اليت على سطح مخ الطفل متعددة وأكثر وضوحا‬
‫َّي الرجل واملرأة‪ .‬وعلى وجه عام فمخ املرأة‬
‫مما هي عند الطفلة‪ .‬ويظهر هذا االختالف كذلك جليا يف ُخم ِّ‬
‫أبسط يف تركيبه من مخ الرجل‪.‬‬
‫وأما االختالفات في الوظائف العضوية‪ :‬فإن املرأة ختتلف عن الرجل يف الوظائف العضوية اختالفا‬
‫بينا ‪-‬تبعا لالختالفات التشرحيية‪ -‬وأهم هذه االختالفات وأظهرها‪:‬‬
‫أ ‪ -‬احليض واحلمل والوضع والرضاعة‪ :‬فهذه األمور كلها خاصة باملرأة دون الرجل‪ ،‬وقد جهز اهلل عز‬
‫وجل املرأة باألجهزة اليت تستدعيها هذه الوظائف‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الدورة الدموية والدم‪ :‬وختتلف الدورة الدموية يف املرأة عن الرجل‪ ،‬فنبض قلب الرجل ينقص يف‬
‫دقاته عن نبض املرأة‪ ،‬ومتوسط دقات قلب الرجل يف الدقيقة الواحدة ‪ ،84‬يقابله يف املرأة ‪.94‬‬
‫ويف حالة احلمل ختتلف الدورة الدموية يف املرأة اختالفا ظاهرا؛ ناشئا عن وجود اجلنّي الذي حيتاج إىل‬
‫نظام خاص يف التغذية‪.‬‬
‫بل إن دم الرجل خيتلف عن دم املرأة‪ ،‬ومن ذلك أنه يف املليمرت املكعب حيتوي دم الرجل على ‪ 5‬إىل‬
‫‪ 5،5‬ماليّي كرة دم محراء‪ ،‬وحيتوي دم املرأة على ‪ 4،5‬إىل ‪ 4،8‬ماليّي‪ .‬وهذا الفرق الظاهر بّي دم املرأة‬
‫ودم الرجل له تأثري كبري يف تكوين جسم املرأة والرجل(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الرجل واملرأة يف اإلسالم‪ /‬حممد وصفي ص‪.27‬‬


‫(‪)85‬‬
‫وهيموغلوبّي(‪ )1‬املرأة يبلغ من ‪ %12‬إىل ‪ ،%14‬وهيموغلوبّي الرجل من ‪ %13‬إىل ‪ .%16‬وكذلك‬
‫ضغط الدم أقل يف املرأة من الرجل‪)1( .‬‬
‫ج ‪ -‬التنفس‪ :‬واملرأة تتنفس تنفسا صدريا‪ ،‬وأكثر اتساع الصدر عند الشهيق حيصل يف األضالع العليا‪،‬‬
‫ومن احلكمة يف جعل اهلل األمر كذلك؛ أن املرأة أثناء احلمل ال ميكن أن يتمدد صدرها ناحية اجلزء األسفل‬
‫العامر باجلنّي‪ .‬وأما الرجل فتنفسه بطين أو حجايب‪.‬‬
‫د ‪ -‬الصوت‪ :‬واختالف صوت الرجل عن صوت املرأة راجع إىل اختالف تركيب حنجرة كل منهما‬
‫‪ -‬كما سبقت اإلشارة إىل ذلك‪.‬‬
‫‪ - 3‬علم النفس (السيكولوجي)‪ :‬فمن الناحية النفسية للمرأة‪ ،‬جند أن العاطفة عندها قد بلغت حدا‬
‫ميز تصرفاهتا وشعورها عن نظريهتا عند الرجل‪ ،‬ذلك أن الوظيفة الرئيسة للمرأة هي تربية األطفال وتنشئة‬
‫األجيال‪ ،‬وهذا يتطلب كثريا من العطف واحلنان يعجز الرجل عن توفريه البنه‪.‬‬
‫(فاملرأة هلا تكوين عاطفي خاص ال يشبه تكوين الرجل؛ ألن مالزمة الطفل الوليد ألمه تستدعي شيئا‬
‫كثريا من التناسب بّي مزاجها ومزاجه‪ ،‬وبّي فهمها لألمور وفهمه‪ ،‬وبّي مدارج حسها وعطفها ومدارج‬
‫حسه وعطفه‪ .‬وذلك أصول اللب األنثوي الذي جعل املرأة سريعة االنقياد للحس واالستجابة للعاطفة‪،‬‬
‫فيصعب عليها ما يسهل على الرجل من حتكيم العقل‪ ،‬وتقليب الرأي‪ ،‬وصالبة العزمية)‪.‬‬
‫ونتيجة لعاطفتها القوية جندها أكثر حساسية وأكثر تأثرا بالظواهر الطبيعية‪ ،‬فهي ‪ -‬مثال ‪ -‬ال تستطيع‬
‫كظم غيظها عند حدوث مكروه‪ ،‬وال تستطيع التحكم يف سرورها عند الفرح‪ .‬ويؤكد ذلك بعض البحوث‬
‫العلمية اليت أجريت على بعض اإلناث(‪ ،)2‬فقد كانت نتيجة هذه البحوث‪ ،‬أن اإلناث‪-‬بصفة عامة‪ -‬حيكمن‬
‫على الوقائع املضايقة‪ ،‬بأهنا مضايقة بدرجة أكرب من الذكور‪ ،‬ويف الوقت ذاته قدر النساء الوقائع السارة‬
‫باعتبارها ممتعة‪ ،‬بدرجة أكرب من الرجال‪ .‬أي أن األخبار احملبطة تثري النساء بدرجة أكرب من الرجال‪ ،‬ويفرحن‬
‫بالسار منها بدرجة أكرب‪.‬‬
‫ويقول (بريت)‪" :‬إن انفعاالت الرجال أعمق وأطول أثرا من انفعاالت النساء‪ ،‬ولكنها أقل ظهورا‪،‬‬
‫بعكس النساء الاليت تظهر عليهن االنفعاالت احلادة الفجائية من غري كظم أو إخفاء‪ ..‬وسرعة تأثر النساء‬
‫باالنفعاالت جتعلهن أكثر تأثرا باالنفعاالت والوجدانات‪ ،‬كما أهنن أكثر اكرتاثا للمدح والثناء أو التوبيخ‪.‬‬
‫والبنت تستمع للنصح من الرؤساء أو املعلمّي‪ ،‬وتتقبله من غري معارضة‪ ،‬والصيب يعارض ويناقش وحياول قبل‬
‫أن يسلم وخيضع‪ .‬فالبنت متيل إىل االقتناع بسرعة‪ ،‬بأشياء ال يقبلها الصيب إال بعد املناقشة"(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬وظيفة املرأة يف اجملتمع ص‪.23‬‬


‫(‪)86‬‬
‫ولعل مما يؤكد هذه االختالفات النفسية بّي اجلنسّي‪ ،‬ما أثبته الطبيب العاملي (روجرز سرباي)‪ ،‬من أن‬
‫هناك جنسا للمخ‪ ،‬مما يعين وجود اختالفات بّي مخ الرجل ومخ املرأة‪ ،‬ال ميكن من خالهلا إحداث مساواة‬
‫يف املشاعر‪ ،‬وردود األفعال وخمتلف املواقف‪ ،‬والقيام بنفس األدوار‪ ،‬األمر الذي تشكل فيه فكرة املساواة بّي‬
‫الرجل واملرأة‪ ،‬نوعا من القهر والظلم للمرأة‪ .‬فمخ الرجل ما هو إال مخ أنثوي مضاف إليه هرمون (النستو‬
‫سرتون)‪ ،‬أي هرمون الذكورة‪.‬‬
‫‪ - 4‬الفروق العقلية‪ :‬وقد أثبتت األحباث العلمية اختالفا واضحا بّي الرجل واملرأة من حيث التفكري‪،‬‬
‫والذكاء‪ ،‬واإلدراك‪ ،‬وحتليل املواقف‪ ،‬وغريها من القدرات العقلية‪.‬‬
‫ففي مقال نشرته إحدى اجملالت(‪ ،)1‬حتت عنوان (ملاذا يفكر األوالد تفكريا خمتلفا عن البنات) جاء‬
‫فيه‪( :‬إن الصبيان يفكرون بطريقة مغايرة لتفكري البنات‪ ،‬رغم أن هذه احلقيقة ستصدم أنصار املرأة والداعّي‬
‫إىل املساواة التامة بّي اجلنسّي‪ ..‬ولكن املساواة االجتماعية يف رأينا تعتمد على معرفة الفروق يف كيفية‬
‫السلوك‪ ،‬ومعرفة الفروق بّي مخ الفىت ومخ الفتاة‪.‬‬
‫ويف الوقت احلاضر فإن الفروق بّي األوالد والبنات اليت الحظها اآلباء واملعلمون والباحثون على مدار‬
‫‪.‬‬
‫السنّي تُتجاهل جتاهال تاما‪ ،‬ويقدم للطلبة والطالبات منهج دراسي متماثل‬
‫كما جاء يف هذا املقال‪" :‬إن األحباث العلمية تبّي أن االختالف بّي اجلنسّي ليس عائدا فحسب إىل‬
‫النشأة والرتبية‪ ،‬وإَّنا يعود أيضا إىل اختالف الرتكيب البيولوجي‪ ،‬وإىل اختالف تكوين املخ لدى الفىت عن‬
‫الفتاة‪ .‬وحىت لو حاول الداعون إىل املساواة املطلقة بّي الفىت والفتاة أن ينشئومها على نفس املنهج‪ ،‬حىت‬
‫لتعطى لعب املسدسات وآالت احلرب للفتيات‪ ،‬وتعطى العرائس لألوالد‪ ،‬فإن الفروق البيولوجية العميقة‬
‫اجلذور ستفرض نفسها‪ ،‬وتؤدي إىل السلوك املغاير بّي الفىت والفتاة"‪)1( .‬‬
‫وجاء يف هذا املقال‪" :‬ويظهر األوالد تفوقا كبريا على البنات يف األمور البصرية‪ ،‬ويف األشياء اليت تتطلب‬
‫توازنا كامال يف اجلسم‪ ..‬ويقوم الطفل الذكر باالستجابة السريعة ألي جسم متحرك أو ألي ضوء غماز‪،‬‬
‫كما أنه ينتبه إىل األشكال اهلندسية بسرعة أكرب من أخته‪ ،‬وله قدرة فائقة على حماولة التعرف عليها‬
‫وتفكيكها‪...‬ويف سن الصبا فإن األوالد يتوقون إىل التعرف على بيئاهتم‪ ،‬وينتقلون بكثرة من مكان إىل آخر‬
‫الكتشافها‪ ،‬بينما متيل البنات إىل البقاء يف أماكنهن‪."..‬‬
‫كما جاء فيه‪" :‬وما يعترب اكتشافا مذهال‪ ،‬هو أن ختزين القدرات واملعلومات يف الدماغ خيتلف يف الولد‬
‫عنه يف البنت‪ ..‬ففي الفىت تتجمع القدرات الكالمية يف مكان خمتلف عن القدرات اهلندسية والفراغية‪ ،‬بينما‬
‫هي موجودة يف كال فصي املخ لدى الفتاة‪ ،‬ومعىن ذلك أن دماغ الفىت أكثر ختصصا من مخ أخته"‪.‬‬

‫(‪ )1‬جملة (( الريدرز داجيست )) يف عدد ديسمرب عام ‪1979‬م‪ .‬وهذا املقال ملخص لكتاب (( الدماغ‪ :‬آخر احلدود )) للدكتور ريتشارد‬
‫ديستاك‪ .‬نقال عن كتاب‪ :‬عمل املرأة يف امليزان‪ /‬حممد البار ص‪ 80‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪)87‬‬
‫وأخريا جاء يف هذا املقال "ويقول أستاذ علم النفس يف جامعة جورجيا توراناس‪ :‬إن املساواة بّي اجلنسّي‬
‫تشكل عقبة كأداء يف القدرات اخلالقة‪ .‬فالقدرات اخلالقة لدى الفتاة حتتاج إىل احلساسية والصفات األنثوية‪،‬‬
‫بينما حتتاج يف الفىت إىل االستقاللية وصفات الرجولة‪ .‬وعلينا أال نتجاهل احلقائق العلمية البيولوجية‪ ،‬فنحاول‬
‫أن جنعل تربية الفىت مماثلة لرتبية الفتاة‪ ،‬ودور الفىت يف احلياة مماثال لدور الفتاة‪ ،‬ألننا فقط نرغب يف ذلك‪..‬‬
‫فهذا التفكري املبين على الرغبات يصادم احلقائق العلمية" ا‪ .‬ه باختصار‬
‫كما أن النمو العقلي يزداد عند الذكور خالل فرتة املراهقة عنه عند اإلناث‪ ،‬وإن تساوى اجلنسان يف‬
‫املستوى العقلي العام‪ ،‬إال أهنما خيتلفان يف املدى والدرجة‪..‬‬
‫وقد دلت إحصائية خاصة (‪ )1‬أن النساء يتفوقن يف األدب‪ ،‬والفن‪ ،‬واألعمال الكتابية‪ ،‬واخلدمة‬
‫االجتماعية‪ ،‬والتدريس يف رياض األطفال‪ ،‬واملدارس االبتدائية‪ .‬بينما يتفوق الرجال يف النواحي اجلسمية‪،‬‬
‫واألعمال امليكانيكية‪ ،‬والعلوم الطبيعية‪ ،‬والرياضيات‪ ،‬والسياسة‪ ،‬واالقتصاد‪ ،‬واالخرتاع‪.‬‬
‫وقد توصل العلماء إىل أول دليل يشري إىل وجود اختالف فيزيولوجي بّي دماغ املرأة ودماغ الرجل (‪،)1‬‬
‫وذلك باستخدام أساليب حديثة لدراسة فعالية الدماغ البشري لدى اجلنسّي أثناء النشاط والفعالية‪ .‬فاملرأة‬
‫تفكر بطريقة خمتلفة عن الرجل‪ .‬وقام العلماء بدراسة املناطق املسؤولة عن القراءة وهتجي األحرف يف الدماغ‬
‫لكل من الرجل واملرأة‪ ،‬فاكتشفوا أن دماغ الرجل يستخدم يف حتليل املعلومات منطقة حمدودة يف دماغه‪ ،‬وهي‬
‫موجودة يف النصف الدماغي األيسر‪ ،‬بينما يف النساء فإن الدماغ يقوم بتحليل األحرف املقروءة بواسطة‬
‫منطقتّي منفصلتّي موجودتّي يف نصفي الدماغ (األيسر واألمين) لديهن‪.‬‬
‫وقالت الدكت ورة (سايل شويتز) املتخصصة يف علم السلوك البشري يف جامعة (يال) األمريكية‪" :‬إهنا‬
‫املرة األوىل اليت يستطيع العلماء فيها حتديد بعض الفروق الوظيفية بّي دماغ الرجل ودماغ املرأة‪ ،‬حيث وجد‬
‫يف الدراسات أن النساء قمن بأداء أفضل من الرجال يف التكلم والفصاحة‪ ،‬لكن الرجال أكثر قدرة على‬
‫حتديد األهداف املقصودة من الكالم"‪.‬‬
‫وهذا ما أكدته دراسة علمية غربية (‪ ،)1‬حيث ثبت أن الفروق بّي اجلنسّي تعود يف األساس إىل عوامل‬
‫بيولوجية حبتة ‪ -‬أي فروقات موروثة وليست مكتسبة ‪" -‬حيث قام فريق من الباحثّي بتشكيل معسكر فيه‬
‫عدد من األطفال ضم الكثري من الصبيان والفتيات‪ ،‬وأشرف على تربيتهم خنبة من املربّي الذين كانوا يتبدلون‬
‫كل فرتة زمنية معينة؛ وذلك إلزالة كافة الفروقات بّي اجلنسّي‪ ،‬وإلشعار األطفال بالتساوي فيما بينهم‪،‬‬
‫فكان املنهاج الذي اتبعه املربون يف هذا الصدد يتلخص يف حذف كلمة (رجل أو امرأة) يف املعسكر كله‪.‬‬

‫(‪ )1‬عملت هذه اإلحصائية عن الوضع االقتصادي واالجتماعي للمعلمّي يف روسيا وأمريكا‪ .‬انظر‪ :‬الرتبية املقارنة‪ /‬وهيب مسعان‪ ،‬نقال عن‬
‫قوانّي األسرة‪ /‬سامل البهنساوي ص‪14‬‬
‫(‪ )2‬كتاب الذكاء‪ /‬فؤاد البهي السيد ص‪ .148‬نقال عن قوانّي األسرة‪ /‬سامل البهنساوي ص‪14‬‬
‫(‪)88‬‬
‫كما أصدرت أوامر مشددة بتجنب كل إشارة‪ ،‬أو عمل‪ ،‬أو سلوك فيه تفريق بّي اجلنسّي‪ ،‬الذين‬
‫ترعرعوا بعيدا عن كل قيد أو صفة‪ ،‬ميكن أن يطلقها اجملتمع عليهم خبصوص نوعية اجلنس بينهما‪ .‬فماذا‬
‫كانت النتيجة؟‬
‫تؤكد الدراسة أن األطفال حّي كربوا وخرجوا إىل احلياة العامة خارج املعسكر‪ ،‬اجتهت الفتيات تلقائيا‬
‫إىل القيام بدور األم وربة املنزل‪ ،‬بينما آثر الرجل العمل وممارسة احلياة بشكل عادي‪ ،‬دون أن تؤثر طفولتهم‬
‫وتربيتهم يف املعسكر على سلوكياهتم الفطرية" ا‪ .‬ه‪.‬‬
‫وهلذه الفوارق بّي الذكر واألنثى خرج مفكروا الغرب وعقالئهم للمطالبة بنقض شعار املساواة‬
‫وهذا العامل الدكتور (ألكسيس كاريل) يهتف قائال‪( :‬والذين ينادون مبساواة اجلنس اللطيف بالرجل‪،‬‬
‫جيهلون هذه الفوارق األساسية‪ ،‬وعلى النساء أن يقمن بتنمية مواهبهن بناء على طبيعتهن البشرية‪ ،‬وأن‬
‫‪1‬‬
‫يبتعدن عن تقليد الرجال" ( )‪.‬‬
‫مث يوجه هذا العامل الغريب انتقاده إىل من ينادي مبساواة املرأة بالرجل دون االلتفات إىل االختالفات‬
‫البينة بّي طبيعة املرأة وطبيعة الرجل‪ ،‬فيقول‪" :‬واحلقيقة إن املرأة ختتلف عن الرجل اختالفا كبريا؛ فكل خلية‬
‫من خاليا جنسها حتمل طابع جنسها‪ ،‬واألمر نفسه صحيح بالنسبة ألعضائها‪ ،‬وفوق كل شيء بالنسبة‬
‫جلهازها العصيب؛ فالقوانّي البيولوجية غري قابلة للتغيري ‪ -‬شأهنا شأن قوانّي العامل الكوكيب ‪ -‬فليس يف اإلمكان‬
‫إحالل الرغبات اإلنسانية حملها‪ ،‬ومن مث فنحن مضطرون إىل قبوهلا‪ .‬فعلى النساء أن ينمّي أهليتهن تبعا‬
‫لطبيعتهن دون أن حياولن تقليد الذكور‪ ،‬فإن دورهن يف تقدم احلضارة أمسى من دور الرجال‪ ،‬فيجب عليهن‬
‫‪2‬‬
‫أال يتخلّي عن وظائفهن احملددة" ( )‪.‬‬

‫(‪ )1‬نشرتها مجلة اليمامة في عددها ((‪ ))1457‬بتاريخ ‪1418/1/25‬ه‪.‬‬


‫(‪ )2‬نقال عن كتاب وظيفة املرأة يف اجملتمع‪ /‬علي القاضي ص‪ .15 ،14‬وانظر عمل املرأة يف امليزان‪ /‬حممد علي البار ص‪ 64‬وما بعدها‪ ،‬واملرأة‬
‫بّي الدين واجملتمع‪ /‬زيدان عبدالباقي ص‪).486‬‬
‫(‪)89‬‬
‫ثانيا‪ :‬قضية تحرير المرأة‪.‬‬
‫إن قضية حترير املرأة من القضايا الرائجة يف الوقت الراهن‪ ،‬ويكتنف هذه القضية شيء من الغموض‪،‬‬
‫وكثري من املغالطات‪ ،‬ومن هنا فإنه يتوجب علينا الوقوف على هذا القضية ومعرفة أصل نشأهتا‪ ،‬وموقف‬
‫االسالم منه‪.‬‬
‫‪-1‬النشأة التاريخية لمفهوم تحرير المرأة‪.‬‬
‫إن صورة املرأة يف احلضارات القدمية والرتاث الديين اليهودي و املسيحي واليت تناولناها يف الوحدة األوىل‬
‫‪-‬مكانة املرأة قبل االسالم ‪ -‬من حيث االحتقار للمرأة والنظرة الدونية واعتبارها أصل اخلطيئة‪ ،‬ألقى بظله‬
‫على اجملتمعات‪ ،‬ولقد ظل هذا املوقف احملتقر للمرأة يف الرتاث الديين ‪ -‬اليهودي والنصراين ‪ -‬ثابتا ومرعيا‬
‫عرب العصور‪ ،‬فقد تأثر فالسفة العصور املتأخرة بفكر سابقيهم‪ ،‬فهذا ديكارت ‪":‬من خالل فلسفته الثنائية‬
‫اليت تقوم على العقل واملادة‪ ،‬يربط العقل بالذكر‪ ،‬ويربط املادة باملرأة‪ .‬وكذلك فيلسوف الثورة الفرنسية جان‬
‫جاك روسو (يرى املرأة وجدت من أجل اجلنس ومن أجل اإلجناب فقط‪ ،‬وأما نيتشه فكان يقول‪ :‬إذا قصدت‬
‫‪1‬‬
‫النساء فخذ السوط معك( )‪.‬‬
‫ومما سبق يتبّي جبالء أن النظرة الدونية للمرأة واليت عاشتها املرأة يف أوروبا يف ظل سيطرة الكنيسة‪ ،‬اليت‬
‫كانت متسك بزمام األمور أسفر عنه ردة فعل اجتاه الكنيسة ورجال الدين متثل يف االنسالخ من ربقة‬
‫الكنيسة‪ ،‬والثقافة االجتماعية السائدة‪ ،‬وارتفاع نداءات املطالبة باالنعتاق و احلرية‪ ،‬وذلك بعد أن ختلصت‬
‫العقول من سلطة األوهام والظنون واخلرافات‪ ،‬ويقصد به حتريرها وخاصة من الضوابط والتنظيمات الدينية‬
‫وقد رسخ الغرب فكرة العداء بّي الدين وحترير املرأة وشكلت هذه الفكرة العدائية قطاع غري قليل من الداعّي‬
‫لألفكار التحررية‪ ،‬فهذه (سوزان أوكّي) على سبيل املثال تقول‪" :‬من الواضح أن اإلميان والعقيدة ليس هلا‬
‫‪2‬‬
‫أمهية كبرية بالنسبة للمرأة فالعقيدة تستعبدها من خالل اخلضوع واالستسالم"( )‪ ،‬وساعد على ذلك قيام‬
‫الثورة الفرنسية واليت كان من أهم شعاراهتا(احلرية واملساواة واإلخاء)‬

‫(‪ )1‬فضاءات احلرية‪ ،‬سلطان العمريي‪ ،‬ص ‪.3‬‬


‫(‪ )2‬املرجع السابق‬
‫(‪)90‬‬
‫‪-2‬مفهوم تحرير المرأة‪.‬‬
‫هناك تعاريف خمتلفة ملفهوم حترير املرأة ختتلف حسب االرتباط واملرجعية‪ ،‬ففي دائرة املعارف الربيطانية‪:‬‬
‫حترير املرأة يكون حبصوهلا على نفس معاملة الرجال يف جماالت التعليم‪ ،‬وفرص العمل‪ ،‬والسياسة‪ ،‬وجيب أن‬
‫‪1‬‬
‫يطبق على كليهما معايري أخالقية واحدة ( )‪.‬‬
‫وهناك من عرب عن مفهوم حترير املرأة بقوله بأنه‪ :‬حترر من كل املنظومات الدينية‪ ،‬والقيمية اإلميانية‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫واحلضارية‪ ،‬والفلسفية‪ ،‬واالجتماعية‪ ،‬والتارخيية‪ ،‬مبا يف ذلك التحرر من األسرة بشكلها الشرعي والتارخيي( )‪.‬‬
‫ويف معجم اللغة العربية جاء التعبري عن حترير املرأة بأهنا‪ :‬حركة موجهة حنو إزالة املواقف واملمارسات‬
‫‪3‬‬
‫املبنية على اعتبار أن الرجال أعلى مرتبة وأهم من النساء( )‪.‬‬
‫وخالصة القول إن اصطالح حترير املرأة يعين يف أبسط صورة رسم جمرى حياة املرأة وفق تطلعاهتا مع‬
‫حتريرها من كل ما يعرقل تلك التطلعات‪ ،‬خاصة الضوابط والتنظيمات الدينية؛ واالجتماعية‪ ،‬واالخالقية‬
‫معتربة إياها قيود رجعية تعرقل طموحات املرأة‪.‬‬
‫‪ -3‬موقف االسالم من قضية تحرير المرأة‪.‬‬
‫ال خيفى على كل أريب‪ ،‬أن الصعوبات اليت عانت منها املرأة الغربية هي اليت دفعتها اىل حركات املطالبة‬
‫باحلرية والتحرر مث تبلورت هذه النداءات يف حركات منظمة تبنتها بعض اجلهات واملؤسسات فال تكاد ختلو‬
‫عاصمة من عواصم أوروبا وأمريكا وبعض الدول العربية من مجعية للنساء‪ ،‬مهها أن تطالب حبقوق املرأة‪،‬‬
‫والسعي يف سبيل اكتساهبا‪ ،‬وذلك بإصدار بعض القوانّي الفاعلة واليت مكنت املرأة من نيل بعض حقوقها‬
‫فقد صدر قانون حصلت النساء مبوجبه على ميزة مل تكن هلن من قبل وهي حقهن يف االحتفاظ ألنفسهن‬
‫باملال الذي يكسبنه من العمل واإلنتاج‪.‬‬
‫وبالوقوف على نظرة االسالم للمرأة جند أن اإلسالم حرر ا املرأة من ظلم الرجال وحتكمهم‪ ،‬فقد كانت‬
‫املرأة يف العامل كله يف منزلة بّي احليوانية واإلنسانية‪ ،‬بل هي إىل احليوانية أقرب‪َّ ،‬‬
‫تتحكم فيها أهواء الرجال‪،‬‬
‫اجملردة من العقل‪ ،‬فهي حينا متاعٌ يُتخطَّف‪ ،‬وهي تارة كرة تُتلقَّف‪ ،‬تُعترب‬
‫وتتصرف فيها االعتبارات العاديَّةُ َّ‬
‫أداة للنسل‪ ،‬أو مطيَّة للشهوات‪.‬‬
‫كل ما يناسب َّقوهتا العقلية‪ ،‬وتركيبها‬
‫وجاء اإلسالم فنبَّه على منزلتها‪ ،‬وشرفها‪ ،‬وكرم جنسها‪ ،‬وأعطاها َّ‬
‫وسوى بينها وبّي الرجل يف التكاليف الدينية‪ ،‬وخاطبها بذلك استقالال؛ تشريفا هلا‪ ،‬وإبرازا‬ ‫اجلسمي‪َّ ،‬‬

‫(‪ )1‬املرأة بّي شريعة االسالم واحلضارة الغربية‪ ،‬وحيد خان ص‪.12 /‬‬
‫(‪ )2‬تأمالت حول مكانة املرأة عزيه ‪/‬ص‪.13‬‬
‫(‪ )3‬املرجع السابق‬
‫(‪)91‬‬
‫يرجع إىل دينها وفضائلها‪ ،‬وراعى ضع َفها البدين بالنسبة‬
‫كل ما ُ‬‫لشخصيتها‪ ،‬ومل جيعل للرجل عليها سبيال يف ِّ‬
‫املاديَّة يف مر ِ‬
‫احل حياهتا الثالث‪ :‬من يوم تولد إىل يوم متوت‪ :‬بنتا وزوجا وأما‪،‬‬ ‫للرجل‪ ،‬فأراحها من التكاليف ِّ‬
‫حق تنفرد به البنت على‬ ‫فأوجب على أبيها اإلنفاق عليها وتأديبها ما دامت يف ِح ْجره إىل أن َّ‬
‫تتزوج‪ ،‬وهذا ٌ‬
‫كل ما هلا من حق أديب أو‬
‫تزوجت انتقل ُّ‬
‫االبن الذي يسقط اإلنفاق عليه ببلوغه قادرا على الكسب‪ ،‬فإذا َّ‬
‫مسوغة‪ ،‬وتستحق عليه نفقتها‬ ‫ِ‬
‫وحنلَة َّ‬
‫مادي من ذمة األب إىل ذمة الزوج‪ ،‬فتأخذ منه الصداق فريضة الزمة‪ْ ،‬‬
‫ونفقة أوالدها منه باملعروف‪ ،‬فإذا خلت من الزوج وهلا أوالد مكتسبون وجبت احلقوق على أوالدها‪ ،‬وال‬
‫تُنفق شيئا من ماهلا إال باختيارها‪.‬‬
‫ووصايا القرآن والسنَّة باملرأة أظهر من الشمس؛ فاإلسالم أعطى املرأة من اإلعزاز والتكرمي ما مل يُعطها‬
‫وحق التملك من دون أن جيعل للزوج‬ ‫ِ‬
‫التصرف يف أمواهلا‪َّ ،‬‬ ‫حق‬
‫وضعي‪ ،‬وأعطاها َّ‬ ‫آخر‪ ،‬وال قانو ٌن‬
‫ٌّ‬ ‫دين ٌ‬
‫إياه ٌ‬
‫املتلونة العواطف‪ :‬قلب األب وما حيمل من‬ ‫املتنوعة النوازع‪ِّ ،‬‬
‫عليها من سبيل‪ ،‬وأحاطها بالقلوب الرحيمة ِّ‬
‫حنان‪ ،‬إىل قلب الزوج وما حيمل من حب‪ ،‬إىل قلب الولد وما حيمل من بر ورمحة؛ فهي ال تزال تنتقل من‬
‫تتبوأ املراتب الكاملة يف‬
‫حضن كرامة وبر إىل حضن كرامة وبر إىل أن تفارق الدنيا‪ ،‬وبّي املهد واللحد َّ‬
‫اإلنسانية‪.‬‬
‫نرى من هذه املعاملة الصرحية للمرأة يف اإلسالم أنه سلَّحها بأحكام قطعية‪ ،‬ومحاها بتشريع مساوي‬
‫عادل‪ ،‬ومل يكلها إىل طبائع اآلباء الذين يلينون ويقسون‪ ،‬وال إىل أهواء األزواج الذين يرضون ويغضبون‪ ،‬وال‬
‫إىل نزعات األبناء الذين يَ ُّربون ويعقُّون‪ ،‬وإَّنا هي أحكام إهلية واجبة التنفيذ‪ ،‬ال تدور مع األهواء والعواطف‬
‫والنزعات وجودا وعدما‪.‬‬
‫واالسالم بتعاليمه اخلاصة باملرأة سبق العامل مبنح املرأة احلرية واالستقاللية‪ ،‬وال أدل على ذلك من شهادة‬
‫الغرب أنفسهم ففي أملانيا نظمت وزيرات املرأة واألسرة يف احلكومة األملانية اإلقليمية عام ‪1991‬م مؤمترا‬
‫حاشدا‪ ،‬كان ميثل مظاهرة نسائية رمسية ضخمة‪ ،‬استهدفت تأكيد دور املرأة يف اجملتمع األملاين‪ ،‬وطالبت‬
‫النساء يف املؤمتر باحلقوق اليت تتمتع هبا املرأة املسلمة‪ ،‬منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام‪ ،‬ال سيما احتفاظ‬
‫‪1‬‬
‫املرأة األملانية باسم والدها بدال من إجبارها على محل اسم زوجها( )‪.‬‬

‫(‪ )1‬تأمالت حول مكانة املرأة ص‪18/‬‬


‫(‪)92‬‬
‫الوحدة الخامسة‪:‬‬
‫االتفاقات والمؤتمرات الدولية الخاصة بالمرأة‪.‬‬

‫التعريف بالجهود الدولية الخاصة بالمرأة‪.‬‬


‫لقد كانت البذرة األوىل لفكرة املؤمترات مستقاة من جلنة مركز املرأة واليت أنشأهتا هيئة األمم املتحدة‬
‫عام ‪1946‬م‪ ،‬وكانت هذه هي نقطة االنطالق والبداية الفعلية لسلسلة متصلة من اإلعالنات واملؤمترات‬
‫ذات العالقة املباشرة أو غري املباشرة بقضية املرأة‪ ،‬واليت من أمهها اإلعالن العاملي حلقوق اإلنسان الصادر يف‬
‫عام‪1948 ،‬م والذي اشتمل على كافة احلقوق اإلنسانية‪ ،‬واملدنية‪ ،‬والسياسية‪ ،‬واالقتصادية‪ ،‬واالجتماعية‪،‬‬
‫والثقافية اليت جيب أن يتمتع هبا كل فرد رجال كان أو امرأة‪.‬‬
‫ويف عام ‪1951‬م اعتمد املؤمتر العام ملنظمة العمل الدولية اتفاقية املساواة يف األجور بّي العمال‬
‫والعامالت‪.‬‬
‫ويف العام الثاين على التوايل أقرت اجلمعية العامة لألمم املتحدة االتفاقية اخلاصة باحلقوق السياسية‬
‫للمرأة‪ ،‬وذلك بناء على توصية اللجنة اخلاصة مبركز املرأة‪.‬‬
‫ويف عام ‪1967‬م صدر اإلعالن اخلاص بالقضاء على التمييز ضد املرأة‪ ،‬وقد أقرته هيئة األمم املتحدة‬
‫مع توصية ببذل أقصى اجلهد لتنفيذ املواد الواردة فيه‪ ،‬واليت تنص على حق املرأة الدستوري يف التصويت‪،‬‬
‫واملساواة مع الرجل أمام القانون‪ ،‬وعلى حقوقها يف الزواج‪ ،‬والتعليم‪ ،‬وميادين احلياة االقتصادية‪ ،‬واالجتماعية‬
‫مع الرجل سواء بسواء‪.‬‬
‫مث بعد ذلك بدأت األمم املتحدة يف عقد املؤمترات اخلاصة باملرأة ففي عام ‪1975‬م أقيم املؤمتر العاملي‬
‫األول للمرأة يف املكسيك‪ ،‬واعترب ذلك العام "العام العاملي للمرأة"‪ ،‬واعتمد يف ذلك املؤمتر أول خطة عاملية‬
‫متعلقة بوضع املرأة على املستوى احلكومي وغري احلكومي‪ ،‬يف اجملاالت السياسية‪ ،‬واالجتماعية‪ ،‬والتدريب‪،‬‬
‫والعمل على محاية األسرة‪.‬‬
‫ويف عام ‪1979‬م عقدت اجلمعية العامة لألمم املتحدة مؤمترا حتت شعار القضاء على كافة أشكال‬
‫التمييز ضد املرأة‪ ،‬وخرج املؤمترون باتفاقية تتضمن ثالثّي مادة وردت يف ستة أجزاء للقضاء على مجيع أشكال‬
‫التمييز ضد املرأة‪.‬‬
‫وحيث أن املرأة وقضاياها متثل أُوىل اهتمامات هيئة األمم املتحدة‪ ،‬فقد أضافت إىل أجندهتا املزيد من‬
‫املؤمترات اخلاصة ففي عام ‪1980‬م عقدت األمم املتحدة املؤمتر العاملي االممي للمرأة والذي كان شعاره‬
‫(املساواة والتنمية والسلم)‪ ،‬وكان هو املؤمتر الثاين اخلاص باملرأة‪ ،‬وذلك الستعراض وتقومي التقدم احملرز يف‬
‫املؤمتر العاملي األول للمرأة اضافة إىل تناوله ملضامّي عدة منها العمالة‪ ،‬والصحة‪ ،‬والتعليم‪.‬‬

‫(‪)93‬‬
‫ويف عام ‪1985‬م عقد املؤمتر العاملي الثالث اخلاص باملرأة يف نريويب بكينيا‪ ،‬وعرف باسم اسرتاتيجيات‬
‫نريويب املرتقبة للنهوض باملرأة‪ .‬مث بعد ذلك بعشر سنوات عقدت األمم املتحدة املؤمتر العاملي الرابع املعين‬
‫باملرأة يف بكّي بالصّي في بكين عام (‪1995‬م‪ ،‬ودعت فيه إىل مضاعفة اجلهود املبذولة يف مؤمتر نريويب وذلك‬
‫لتحقيق األهداف بالنهوض باملرأة مع هناية القرن احلايل‪.‬‬
‫المضامين االيجابية والسلبية للمؤتمرات الدولية المتعلقة بالمرأة‪:‬‬
‫الشك أن املسلم واملسلمة مرجعهم يف املسائل اليت تتعلق باملرأة واألسرة القرآن والسنة وليس املواثيق الدولية‬
‫والدراسات العاملية‪ ،‬ومع ذلك فإن املؤمترات اليت عقدت من أجل املرأة فيها من اجلوانب ما يوافق الشريعة اإلسالمية‬
‫وفيها ما خيالف الشريعة‪ ،‬فبعض بنود املؤمترات وافقت الشريعة االسالمية يف حتقيق القضاء على التحيزات والعادات‬
‫العرفية‪ ،‬وكل املمارسات القائمة على فكرة دونية أو تفوق أحد اجلنسّي‪ ،‬كما حتمت على مجيع الدول اختاذ التدابري‬
‫املناسبة ملكافحة مجيع أشكال االجتار باملرأة واستغالهلا واكراه الفتيات على البغاء‪ ،‬كما نصت على حق املرأة يف‬
‫التعليم وتلقي الرعاية الصحية بدون تفرقة يف اجلنس أو الدين‪ ،‬كما نصت على حقوق النساء مع الرجال يف احلصول‬
‫على أجر متساو لعمل متساو‪ ،‬وغري ذلك مما يتضح من دراسة البنود الواردة يف الوثائق اخلاصة باملرأة‪.‬‬
‫ومن القضايا املهمة اليت انطلقت منها املؤمترات واالتفاقيات اخلاصة حبقوق املرأة السياسية‪ ،‬واالقتصادية‪،‬‬
‫واالجتماعية‪ ،‬واملدنية‪ ،‬والثقافية ‪ -‬باملفهوم الغريب هلذه احلقوق‪ ،‬قضية (املساواة) واليت ساوت مطلقا بّي الرجال‬
‫والنساء يف مجيع نواحي احلياة (مساواة مطلقة) دون أي اعتبار ألي فوارق بينهما طبيعية أو شرعية‪ ،‬وهذا األمر‬
‫يؤكد الظلم واإلمهال الذي كانت تواجهه املرأة يف الغرب‪ ،‬وكان لفظ (املساواة) شعارا للعديد من مؤمترات‬
‫املرأة وإن مل يكن له رصيد يف الواقع‪ ،‬فاملؤشر يف جمال الوظائف اإلدارية العليا داخل أروقة األمم املتحدة‬
‫(كمثال) ال يزال مييل لصاحل الذكور دون اإلناث بنسبة كبرية ‪ ،-‬واعتربت املساواة مدخال ومربرا‬
‫ألمور كثرية خمالفة للشريعة االسالمية مما دعت إليها تقارير هذه املؤمترات‪ ،‬وكما نعلم أن لإلسالم‬
‫منهجه اخلاص يف مفهوم املساواة – العدل – بّي الرجل واملرأة‪ .‬فقرر اإلسالم املساواة بينهما يف أمور كثرية‪،‬‬
‫منها‪ :‬املساواة يف أصل اخللق – املساواة يف جمال املسؤولية واجلزاء – املساواة يف الشؤون املدنية – املساواة‬
‫يف احلقوق العامة‪ ،‬كحق التعلم وحق العمل‪.‬‬
‫وفرق بينهما يف أمور ‪ -‬مراعاة لطبيعة املرأة النفسية‪ ،‬والبدنية‪ ،‬وحتقيقا ملصلحتها ‪ -‬منها‪:‬بعض التكاليف‬
‫ن‬
‫الشرعية ‪ -‬على تفصيل يف ذلك ‪-‬كالصالة‪ ،‬والصيام‪ ،‬واحلج‪ ،‬واجلهاد‪ ،‬األعباء االقتصادية‪ ،‬املرياث‪،‬‬
‫الشهادة‪ ،‬الدية‪ ،‬القوامة‪ ،‬الطالق‪.‬‬
‫كما أن تقارير هذه املؤمترات واالتفاقيات وتوصياهتا تقوم على املفهوم الغريب لكلمة احلرية‪ ،‬الذي يعين‬
‫‪ -‬باختصار ‪ -‬فعل املرء ما يشاء ‪ -‬بشرط عدم اإلضرار باآلخرين – ولذلك فإن توصيات هذه املؤمترات‬
‫فيما يتعلق باملرأة تنطلق من مبدأ احلرية هذا يف مجيع شؤون حياهتن‪ ،‬وباألخص حرية املرأة الشخصية بإقامة‬
‫عالقات جنسية خالية من رباط النكاح‪.‬‬
‫(‪)94‬‬
‫أما احلرية يف اإلسالم فهي منضبطة بضوابط من الشرع والعقل‪ ،‬فهي ليست مطلقة بغري قيود‪ ،‬وإَّنا‬
‫تتسم بالنسبية‪ ،‬فهي مقيدة حبيث ال تتصادم مع حريات اآلخرين‪ ،‬وال تؤدي إىل الضرر مبصلحة األمة العليا‪،‬‬
‫أو مبصلحة اجملتمع ذاته‪ ،‬فهي تتقيد بالقيود اخلاصة املقررة يف كل حالة على حدة‪.‬‬
‫وختاما‪ :‬فاإلس الم دين عظيم كرم املرأة وأعطاها حقوقها وبّي واجباهتا وجعلها شريكة للرجل يف عمارة‬
‫األرض‪.‬‬

‫(‪)95‬‬

You might also like