Professional Documents
Culture Documents
المحتوى العلمي قضايا المرأة المعاصرة سلم 303
المحتوى العلمي قضايا المرأة المعاصرة سلم 303
المحتوى العلمي قضايا المرأة المعاصرة سلم 303
قائمة الموضوعات
الوحدة األولى :مكانة المرأة قبل اإلسالم ،وتشمل:
أوالً :مكانة المرأة في المجتمعات القديمة.
ثانياً :مكانة المرأة عند اليهود والنصارى.
ثالثاً :مكانة المرأة عند العرب قبل اإلسالم.
رابعاً :مكانة المرأة في الواقع المعاصر:
.1الحضارة الغربية.
.2الحضارة الشرقية.
الوحدة الثانية :مكانة المرأة في اإلسالم ،وتشمل:
أوالً :تكريم المرأة في اإلسالم.
ثانياً :حقوق المرأة في اإلسالم ،وتشمل:
أ .الحقوق الشرعية.
.1حق المساواة في التكليف.
.2حق المساواة في األعمال والجزاء.
ب .الحقوق المالية.
.1حق المرأة في التملك والتصرف.
.2حق المرأة في المهر.
.3حق المرأة في اإلرث.
.4حق المرأة في النفقة.
جـ .الحقوق االجتماعية.
.1حق المرأة في العشرة.
.2حق المرأة في التعليم.
.3حق المرأة في العمل.
د .الحقوق السياسية.
.1حق المرأة في البيعة.
.2حق المرأة في االنتخابات والشورى.
.3حق المرأة في الواليات العامة.
ثالثاً :واجبات المرأة المسلمة.
أ .واجباتها كأم.
ب .واجباتها كزوجة.
جـ .واجباتها كعضو في المجتمع.
()1
الوحدة الثالثة :بعض الشبهات حول قضايا المرأة والرد عليها ،وتشمل:
أوالً :الميراث.
ثانياً :الوالية والقوامة.
ثالثاً :الحجاب.
رابعاً :الشهادة.
خامساً :تعدد الزوجات.
سادساً :الطالق.
سابعاً :تأديب الزوجة.
ثامناً :شبهات حول بعض النصوص الشرعية المتعلقة بالمرأة.
الوحدة الرابعة :النوازل في قضايا المرأة المعاصرة ،وتشمل:
أوالً :قضية تحرير المرأة.
ثانياً :قضية المساواة.
الوحدة الخامسة :االتفاقيات والمؤتمرات الدولية الخاصة بالمرأة ،وتشمل:
أوالً :تعريف بالجهود الدولية الخاصة بالمرأة.
ثانياً :إبراز مضامين المؤتمرات الدولية عن المرأة.
ثالثاً :المضامين اإليجابية وفوائدها.
رابعاً :المضامين السلبية ومخاطرها.
()2
المقدمة
إن احلمد هلل حنمده ،وتستعينه ،ونستغفره ،ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ،من يهده
اهلل فال مضل له ،ومن يضلل فال هادي له ،وأشهد أن ال إله اال اهلل وحده ال شريك له ،وأشهد أن حممدا
عبده ورسوله.
أما بعد:
جعل اهلل شريعة اإلسالم شريعة عاملية عادلة ،حتقق املصاحل للعباد ،وتنشر الرمحة واإلحسان ،يهتدي
الناس هبديها ويستضيئون بنورها ،وال ميكن ألحد أن يأيت بشيء يف الدنيا مبثل ما جاء به اإلسالم من شرائع
العدل واإلحسان والرفق والرمحة باإلنسان ،وكل أحكام شريعة اإلسالم ترقى إىل غاية واحدة هي إصالح
َ َُ د َ ُ َ َ ٓ َ َ ُ ُ ْ َ َ ٓ ُ ُ ْٓ ا َ ُۡ ُ ْ اَ ُۡ
اإلنسان ليكون عبدا خملصا هلل قال تعاىل﴿ :وما أمِروا إَِّل ِِلعبدوا ٱَّلل ُمل ِِصني َل ٱلِين حنفاء وي ِقيموا
ٱلز َك ٰو َة َۚ َو َذٰل َِك د ُ ۡ َ د َ
ِين ٱلقيِمةِ﴾[ .البينة]5:
ٱلصلَ ٰو َة َويُ ۡؤتُوا ْ ا
ا
أكد عليها بنصوص ثابتة ،محاية املرأةومن القضايا املهمة اليت اهتم هبا اإلسالم وأوالها عناية فائقة و َّ
ويبّي مكانتها يف احلياة،
وبيان حقوقها وإبراز مكانتها يف اجملتمع ،فهذا القرآن العظيم يعتين باملرأة أميا اعتناء ن
ولقد بلغت تلك املكانة مداها وغايتها حّي جاءت تسمية بعض سور القرآن باسم املرأة كسورة مرمي،
وخصص يف القرآن قدر كبري من اآليات للحديث عن أحوال النساء يف أمورهن اخلاصة والعامة ،كما جاء
يف سورة البقرة وسورة النساء وسورة الطالق وسورة اجملادلة وغريهن.
وجعل اهلل املرأة شريكة للرجل يف هذه احلياة ،فعندما خلق آدم ليكون خليفة يف األرض خلق
منه زوجه حواء ،فجعلها ركنا ركينا يف جناح اخلالفة على األرض ،إذ دوهنا ال تتحقق اخلالفة وال تتم السعادة.
فاملرأة ركن يف بناء اجملتمع؛ ألهنا نصف اجملتمع ويكون عليها تربية النصف اآلخر لذا كان حديثنا عن
املرأة من خالل العناصر الرئيسة التالية:
مكانة املرأة قبل االسالم. -1
مكانة املرأة يف االسالم. -2
بعض الشبهات حول قضايا املرأة والرد عليها. -3
النوازل يف قضايا املرأة املعاصرة. -4
االتفاقات واملؤمترات الدولية اخلاصة باملرأة. -5
()3
الوحدة األولى:
مكانة المرأة قبل اإلسالم.
( )1احلجاب ،املودودي ،ص ( ،)12املرأة من خالل اآليات القرآنية ،عصمة الدين كركر ،ص (.)27
( )2املرأة يف القدمي واحلديث ،عمر رضا كحالة ،ص (.)170
()4
أنفسهن :العبد ليس له إرادة ،والطِّفل له إرادة ناقِصة ،واملرأة هلا إرادة وهي
َّ التصرف يف
هلن ُّ ليس َّ
ِ
عاجزة" (.)1
لذا فقد اقتصرت أعمال النساء يف أثينا على األعمال املنزلية وخدمة البيت ،وقد جرد
القانون اليوناين املرأة من حقوقها املدنية ،ووضعها حتت السيطرة املطلقة للرجل يف خمتلف مراحل
حياهتا ،فكانت تعد من ممتلكات األب قبل الزواج ،ومن ممتلكات الزوج بعد الزواج ،ومل يعطوها
حقا من املرياث (.)2
()12
مراجع الوحدة األولى
()13
الوحدة الثانية:
مكانة المرأة في اإلسالم
أوال :تكريم المرأة في اإلسالم:
ً
إ نن مكانة املرأة يف اإلسالم ُخمالفة متاما ملكانتها يف احلضارات القدمية وخمالفة ملا تقول به
اليهودية والنصرانينة من حتميل املرأة ِوْزر اخلطيئة األوىل ،وما ترتب عليها من شقاء ،فالقرآن يُقرر
ََۡ َ َ َ َ ۡ َ ۡ َ ٓ َ ٰٓ َ َ
َن ۡد اد َم مِن َق ۡب ُل فَنَ ِ َ
ِس ولم ِ أن املسؤولية مشرتكة بّي آدم وحواء قال تعاىل ﴿ :ولقد ع ِهدنا إَِل ء
َ ُ ۡ َ َ ٰٓ َ ا َ َ ۡ َُۡ ۡ َ َ َ ۡ ُ ُ ْ َ َ َ َ َ ُ ْٓ ا ٓ ۡ َ َ َ
ي َـاد ُم إِن هٰذا ِيس أ َ ٰ
َب ١١٦فقلنا لئِكةِ ٱسجدوا ٓأِلدم فسجدوا إَِّل إِبل َُلۥ َع ۡزما ِ ١١٥إَوذ قلنا ل ِلم ٰٓ
ََا َ ٰ َ ۡ ا َ َ َا َُ َ َ ََ َ َ ُ د ا َ َ َ ۡ َ َ َ ُ ۡ َ ا ُ َ َ َۡ َ
ٱۡل انةِ فتَ ۡش َ ٰٓ
َق ١١٧إِن لك أَّل َتوع فِيها وَّل تعرى ١١٨وأنك جك فَل ُي ِرجنكما مِن عدو لك ول ِزو ِ
ۡ َ
َ َ ۡ َ َ َ ۡ ا ۡ َ ُ َ َ َ َ َ ُ َ ۡ ُ ُّ َ َ َ ٰ َ َ َ ۡ ُ ۡ َ َۡ َُْ َ َ
ۡل َو ُملك ٱۡل ِ يـادم هل أدلك لَع شجرة ِ َح ١١٩فوسوس إِِلهِ ٱلشيطٰن قال ٰٓ ِيها َوَّل تَ ۡض َ ٰ َّل تظمؤا ف
ۡ َ ا َ َ َ ٰٓ َ َ ََ َ َ ۡ َ َ َ َ ۡ َُ َ َ ۡ ُ ُ َ َ َ َ َۡ َ ا ََۡ
َص َءاد ُم ان َعل ۡي ِه َما مِن َو َر ِق ٱۡلنةِِۚ وع ِ ف صِ ُي اق ف
ِ ط و ا م هَٰءت و س ام هل ت د ب ف ا هِن
م َل ك أ ف ١٢٠ ٰ
َل َّل يب
َّل إبۡل َۡ َُۡ ۡ َ َ َ ۡ ُ ُ ْ َ َ َ َ َ ُ ْٓ ا ٓ َر اب ُهۥ َف َغ َو ٰ
ِيس لئِكةِ ٱسجدوا ٓأِلدم فسجدوا إ ِ ِ ى ﴾ [طه ،]121-115:وقال تعاىلِ﴿ :إَوذ قلنا ل ِلم ٰٓ
َ َ ُ ۡ َ َ َ َ ُ ۡ ُ ۡ َ َ َ َ ۡ ُ َ َۡ َ ُ َ َ َٰ َ ۡ َ ۡ َ َ ََ َ َ ۡ َ
ٱۡل انة َولُك م ِۡن َها َرغ ًدا يـادم ٱسكن أنت وزوجك ين ٣٤وقلنا ٰٓ ك ٰ ِفر َ
ِ أَب وٱستكَب وَكن مِن ٱل
ََ ۡ َ ا ََ ا ا َ ََ ََ ُ َ َ ا َ َ َۡ ُ ۡ
ني ٣٥فأ َزل ُه َما ٱلش ۡي َطٰ ُن ع ۡن َها فأخ َر َج ُه َما ٱلظٰلِم َ
ِ َح ۡيث شِئ ُت َما َوَّل تق َربَا هٰ ِذه ِ ٱلشجرة فتكونا مِن
ُ ۡ ََد َََ ٌ َ َۡ َ ُ ُۡ ۡ ْ ُ ُ َ َ
ٰ
ۡرض مستقر ومتع إَِل حِني﴾ ٰ م اِما َكنا فِيهِِۖ َوقل َنا ٱهب ِ ُطوا َب ۡعضك ۡم ِلِ َ ۡع ٍض َع ُد دو َولك ۡم ِِف ٱۡل ِ
[البقرة.]36 -34:
فالقرآن الكرمي أوضح لنا أن املعصية مل تكن من حواء فحسب ،بل من آدم وحواء بعدما
استجاب هو وامرأتُه لوسوسة الشيطان؛ طمعا يف اخللد وم ْل ٍ
ك ال يَْبلى ،وهذا ما اعرتف به روجيه ُ َْ
كارودي املفكر الفرنسي حينما أنصف اإلسالم فقال" :إن القرآن -من وجهة نظر الالهوتية-
ال ُحي ندد بّي الرجل واملرأة عالقة من التبعية امليتافيزيقية؛ فاملرأة يف القرآن توأم وشريكة للرجل
والقرآن ال ُحيمل املرأة املسؤولية األوىل للخطيئة" (.)1
كما أن االسالم مل يعد املرأةَ جرثومة خبيثة كما ع ندها اآلخرون ،ولكنَّه َّقرر حقيقة تزيل
أن املرأة بّي يدي اإلسالم قسيمةُ الرجل؛ مصداقا لقول النيب َّ " :إَّنا
هذا اهلوان عنها ،وهي َّ
شقائق الرجال" (.)2
ُ النساءُ
( )1انظر :وعود اإلسالم ،ترمجة أ .ذوقان قرقوط .ط 1984م .منشورات الوطن العريب بريوت ،ص ()78
وصححه األلباين يف صحيح اجلامع.
( )2رواه أمحد يف مسنده رقم ،26195وأبو داود يف سننه رقم ،236والرتمذي يف جامعه رقم َّ ،113
()14
قال اخلطايب يف معامل السنن" :أي نظائرهم وأمثاهلم يف اخللق والطباع ،فكأهنن شققن من
ِ ()1
نص يُ َفِّر ُق بّي الرجال والنساءَّ ،أما
ن فيه در ي
َ مل ما كل
ن يف ردط
ن م
ُ احلديث هذا ومعىن . الرجال"
لزمنا ٍ
املسائل اليت وردت فيها نصوص تُ َفِّر ُق بّي الرجال والنساء فال يَطنرد فيها احلديث ،وحينئذ يَ ُ
الوقوف مع النصوص ،وإعطاء ما للنساء للنساء ،وما للرجال للرجال (.)2
أن كال منهما بديل عن اآلخرَّ ،
وإَّنا يرى أنن ُهما واإلسالم ال ينظر إىل الرجل واملرأة على َّ
الرجال والنِّساء على السواء ،ويعاملهم بطريقة متساوية ،قال
وخياطب ِّيُ َك ِّمالن بعضهما البعضُ ،
ُ ۡ َ ۡ َٰ د َ ۡ ُ ُ ْٓ َۡ َ َ َ َ َ َ ۡ َ ُ ا َ ا َ ۡ َ َٰ ٓ َ ۡ َ َ َ َ ُ د ۡ َ ُ
تعاىل﴿ :ومِن ءايتِهِۦ أن خلق لكم مِن أنفسِكم أزوجا ل ِتسكنوا إِِلها وجعل بينكم مودة
َٰ َ َ ٰ د َ ۡ َ َ َ ا ُ َ َ ًََۡ ا
ون﴾ [الروم .]21:واآلية تُشري إىل أ نن املرأة ُخلِقت من نفس ۡحة َۚ إِن ِِف ذل ِك ٓأَليت ل ِقوم يتفكرور
إدام أوقال :أتى جربيل النيب فقال" :يا رسول اهلل ،هذه خدجية قد أتت ،معها إناءٌ فيه ٌ
ت يف اجلننة من طعام أو شراب ،فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السالم من رهبا ومين ،وبشِّرها بِب ي ٍ
ْ َْ
ب" (.)1صَ ب فيه وال نَ َ
ص َخ َ
ب ال َ صٍ
قَ َ
بت ِ ِ ِ
وهنلت من َمعّي العلم ،وضر ْ
وق اإلميانْ ، مت املرأة حتت ِدين اإلسالم العظيم بوثُ ِ لقد نَعِ ِ
ُ َ
عصر ِمن العصور، ِ ِ
بسهم يف االجتهاد ،وشرع هلا م َن احلقوق ما َمل يشر ْع هلا يف أمة من األُمم يف ْ َ
حىت تبوأت مكانة عالية بّي نساء العاملّي.
عام إىل غاية ُمتمينزةٍ هي عمارة األرض ومحاية اجملتمعبشكل ٍ
ٍ ف الشريعةُ اإلسالمينةُ وهت ِد ُ
َ
وجعل املسؤولية مشرتكة بّي الرجال والنساء لتحقيق هذه الغاية ،قال " :كلكم راع وكلكم
مسؤول عن رعيته" (.)2
يفات دقيقة لِ َما عليها من واجبات وما هلا من حقوق ،ويُْبدى ويق ندم التشريع للمرأة تعر ٍ
ُ
ضان على معاملة املرأة بعدل ورفق وعطف ،وساوى السنَّة َحيُ ن
اهتماما شديدا بضماهنا ،فالقرآن و ُّ
بينها وبّي الرجل يف أصل النشأة و التكليف واجلزاء كما ضمن هلا حق املِْلكينة اخلاصة الشخصية
يف مجيع أمورها وكان من أوىل ما اعتىن به اإلسالم هو ما خيص املرأة فأكرمها إذ أهانتها األديان
واحلضارات األخرى ،ورفع من شأهنا وخفف التكاليف اليت عليها ،ورفع معنوياهتا وأعطاها
حقوقها وكرامتها وإىل اليوم مل تستطيع أي حضارة أن تعطي املرأة من احلقوق مثلما أعطاها
اإلسالم (.)3
( )1رواه البخاري،كتاب مناقب األنصار،باب تزويج النيب خدجية ()726رقم .13820
( )2أخرجه البخاري ( ،)2409ومسلم (.)1829
( )3إنسانية اإلسالم .مارسيل بوازار ص .110 ،109ترمجة د .عفيف -دمشقية .ط 1980م .دار اآلداب – بريوت.
()16
ثانيًا :حقوق المرأة في اإلسالم:
تعريف الحق
()1
لغة :ضد الباطل ،ومنه احلديث "من رآين فقد رأى احلق" ،ووردت كلمة احلق يف اللغة
لعدة ٍ
معان منها :الثبوت ،والوجوب ،واليقّي.
()2
وعرفه اجلرجاين بأنه :هو الثابت الذي ال يسوغ إنكاره .
اصطالحا :للحق يف االصطالح ٍ
معان متعددة أمشلها ما قال به فقهاء الشريعة وسايرهم يف ً
ذلك شراح القانون ،وهو أن احلق هو املصلحة الثابتة للشخص على سبيل االختصاص واالستئثار
()3
اليت يقرها الشرع .
فاحلقوق يف اإلسالم منح إهلية تستند إىل املصادر اليت تستنبط منها األحكام الشرعية ،فال
يوجد حق شرعي من غري دليل يدل عليه ،فمنشأ احلق هو اهلل تعاىل؛ وال تشريع سوى ما شرعه.
وليس احلق يف اإلسالم طبيعيًّا مصدره الطبيعة أو العقل البشري.
فهذه السورة اشتملت على أنواع كثرية من التكاليف من العطف على األوالد والنساء واأليتام
والرأفة هبن وإيصال احلقوق اليهم وحفظ أمواهلم عليهم ،واألمر بالطهارة والصالة وغريها ،وجند
أن اخلطاب بدأ ب (يا أيها الناس) الذي يشمل الرجال وما تفيده (ال) يف كلمة الناس من
االستغراق لعموم اجلنس.
َ ُ ۡ َ َ ٰٓ َ َ ُ ۡ ُ
ٱسك ۡن بل أول تكليف إهلي آلدم وحواء كان على حد سواء قال تعاىل ﴿ :وقلنا يـادم
ٱلظٰلِم َ ا َ ََ ََ ُ َ َ ا ٰ َ َ َ َ ۡ ُ َ َۡ ا َ َ ُ َ ۡ َ َ َ ً َ ۡ ُ ۡ ُ َ َ َ َ ۡ َ َ َ
ني ﴾ ِ ِن م ا ون كت ف ةرج ٱلش ِ ه ذ
ِ ه أنت وزوجك ٱۡلنة ولُك مِنها رغدا حيث شِئتما وَّل تقربا
وجه اإلنكار إليهما معا فقال فتهما أمره ،ن [البقرة ،]35:وحّي أنكر سبحانه وتعاىل ما كان من خمال
ُّ د ُ َ َ َ َ َ ٰ ُ َ َ ُّ ُ َ ٓ َ َ ۡ َ ۡ َ ُ َ َ ۡ ُ َ ا َ َ َ ُ ا ُ َ ٓ ا ا ۡ َ ٰ َ َ ُ
َ
تعاىل ﴿ :ونادىهما ربهما ألم أنهكما عن ت ِلكما ٱلشجرة ِ وأقل لكما إِن ٱلشيطن لكما عدو مبِني﴾
[األعراف]22:
بل ولتأكيد مسؤولية املرأة أمام اهلل عز وجل مسؤولية مستقلة عن الرجل كانت بيعة النساء
خاصة هبن دون بيعة الرجال .وسيأيت دليل ذلك يف مبحث حق املرأة يف البيعة.
قدم املساواة يف االلتزامات األخالقيَّة ،والتكاليف الرجل واملرأة على ِ وضع القرآ ُن الكرمي َّ
وقد َ
ِني َي ُغ ُّضوا ْ م ِۡن َأبۡ َصٰره ِۡم َو َي ۡح َف ُظوا ْ فُ ُر َ
وج ُه ۡ َۚم الدِّينية والعقوبات الشرعية قال تعاىل﴿ :قُل لد ِلۡ ُم ۡؤ ِمن َ
ِ َّ
َ ۡ َ َ ۡ ُ ۡ ُ دۡ ۡ َ ۡ َ َ َك ل َ ُه ۡم إ ان ا َ
ٱَّلل َخب ُ َ َ ََۡ
ت َيغضض َن م ِۡن أبۡص ٰ ِره اِن َويَ ۡحفظ َن ي ُۢ ب ِ َما يَصن ُعون َ ٣٠وقل ل ِل ُمؤمِنٰ ِ ِ ذٰل ِك أز ٰ َۚ ِ
ا وج ُه ان َو ََّل ُي ۡبد َ
فُ ُر َ
ِين زِينَ َت ُه ان إَِّل َما َظ َه َر م ِۡن َهاَ ﴾ [النور.]31-30:
َ ََۡ د ۡ ُ َ ْ ََ َ َۡ َ َ َۡ ُ ۡ ُ ا َُ َ ا َ ۡ ُ ْ ُا
ۡلوا ُك َوٰحِد مِنهما مِائة جۡلةِۖ وَّل تأخذكم ب ِ ِهما رأفة وقال تعاىل ﴿ :ٱلزانِية وٱلز ِاِن فٱج ِ
ۡ ٓ َ ۡ ُ ُۡ ُۡ ُ َ ا ۡ
ٱَّللِ َوٱِلَ ۡو ِم ٱٓأۡلخ ِِرِۖ َوليَ ۡش َه ۡد َعذ َاب ُه َما َطائ ِ َفة دم َِن ٱل ُم ۡؤ ِمن َِني﴾ [النور،]2:ِين ٱَّللِ إِن كنتم تؤمِنون ب ِ
ا
ِِف د ِ
كَٰل دم َِن ٱ اَّللِ َو ا ُ
ٱَّلل َعز ٌ َ ا ُ َ ا َ ُ َ ۡ َ ُ ٓ ْ َ ۡ َ ُ َ َ َ ٓ َ ُۢ َ َ َ َ َ َ
يز ِ ِۗ وقال تعاىل﴿ :وٱلسارِق وٱلسارِقة فٱقطعوا أيدِيهما جزاء بِما كسبا ن
حكِيم ﴾ [املائدة]38:
َ
()18
مكاهنا إىل جانب الرجل فيما وهكذا يتو َاىل اخلِطَاب يف القرآنُّ ،
وينص على املرأة إلعطائها َ
مها فيه سواء ِمن العالقة باهلل ،وقد أمجع الفقهاء على أن شروط التكليف االساسية هي :االسالم،
والبلوغ ،والعقل ،بال تفرقة بّي ذكر وأنثى.
- 2حق المساواة في األعمال والجزاء:
وجل -خلَق النساء والرجال سواء؛ فع ند هلا ما للرجل من حيث اخلصائص عز َّ إن اهلل َّ - َّ
ۡ ُ ُ َ ُ
كم دمِن َذكر َوأ َ ٰ َ ٰٓ َ ُّ َ ا ُ ا َ َ ۡ َ ٰ ُ
نَث َو َج َعل َنٰك ۡم ش ُعوبا اإلنسانية العامة فقال تعاىل﴿ :يأيها ٱنلاس إِنا خلقن
َ َ َٓ َ َ َ َ ُ ْٓ ا َ ۡ َ َ ُ ۡ َ ا َۡ َ ٰ ُ ۡ ا اَ َ ٌ َ
م إ ِن ٱَّلل عل ِيم خبِي ﴾ [احلجرات.]13: وقبائِل ِلِ عارف َۚوا إِن أكرمكم عِند ٱَّللِ أتقىك َۚ
َ ۡ َ َ َ َ
اب ل ُه ۡم وساوت الشريعة احملكمة بّي الرجل واملرأة يف اجلزاء األخروي ،وقال تعاىل﴿ :فٱستج
َ ُّ ُ ۡ َ د َ ٓ ُ ُ َ َ َ َ ٰ د ُ د َ َ َ ۡ ُ َ ٰ َ ۡ ُ ُ
كم د ِم ُۢن َب ۡعضِۖ﴾[آل عمران ]195:وقال ضيع عمل ع ِمل مِنكم مِن ذك ٍر أو أنَثِۖ بعض ربهم أ ِِن َّل أ ِ
َ ُ َ ََ د َ َ َۡ ُ َٰ ُ ۡ َ َ
نَث َوه َو ُمؤمِن فل ُن ۡحيِيَ ان ُهۥ َح َي ٰوة َط دي ِ َبة َونلَ ۡج ِزيَ ان ُه ۡم أ ۡج َرهم تعاىلَ ﴿ :م ۡن َع ِمل صٰل ِحا مِن ذك ٍر أو أ
َ ۡ َ َ َ ُ ْ ََُۡ َ
بِأحس ِن ما َكنوا يعملون ﴾ [النحل.]97:
قالت للنيب :ما لنا ال نُذكر يف القرآن كما يُذكر وعن ِّأم سلمة ْزوج النيب َّ أهنا ْ ْ
يومئذ إالَّ ونداؤه على املِنرب ،قالت: الرجال ،قالت :فلم ي رعين -أي :يفزعين ويفاجئين -منه ٍ
ُ َْ ُ ْ
عند اجلريد فجعلت مسعي َ ُ خرجت إىل حجرة من حجر بييت، ُ فلففت شعري ،مثُ ُسرح شعري وأنا أ ِّ
النيب منه أسها إىل جهة اجلريد الذي هو س ْقف املسجد إذ ذاك ل ُق ْرب ِّ -معناه :أهنا رفعت ر َ
إن اهلل يقول يف عند املنربَّ : ِ
يقول َ غري مرتفع عن املنرب كثريا -فإذا هو ُ وهو على املْنرب؛ لكونه َ
َ َ ۡ ُ ۡ َٰ َ ۡ ُ ۡ َ َ ۡ ُ ۡ َٰ َ ۡ َٰ َ َ ۡ َٰ َٰ َ ا
ٱلص ٰ ِدق َ ا ۡ
ِني ت و ت وٱلقنِتِني وٱلقن ِت ِ ت وٱلمؤ ِمن ِني وٱلمؤمِن ِ كتابه ﴿ :إِن ٱل ُم ۡسل ِ ِمني وٱلمسل ِم ِ
ٱلصئم َ ا َ َ ۡ َ ٰ َٰ َ ُۡ َ َ د َ ۡ َ د َ ۡ َ ا َ ا ٰ َٰ َ ا
ني ت َو ٰٓ ِ ِ ِني َوٱل ُمت َصدِق ٰ ِ ت وٱلمتص ِدقت َوٱلخٰشِ عِني وٱلخشِ ع ِ ين َوٱلصٰب ِ َر ٰ ِٱلصَٰب َ
ِِ تو وٱلصدِق ِ
ۡ َ ا اُ َ َ ا َ اَ َ ا ۡ َ َ ني فُ ُر َ ٱلصئ َمٰت َوٱلۡ َ
ا
ٱَّلل ل ُهم امغفِ َرة ت أعد ٱَّلل كثِيا َوٱلذٰك َِر ٰ ِ وج ُه ۡم َوٱلحٰفِظٰ ِ
ت َوٱلذٰك ِِرين حٰفِ ِظ َ َو ٰٓ ِ ِ
َ
َوأ ۡج ًرا َع ِظيما ﴾ [األحزاب.]35:
من اآليات يف القرآن العظيم ٍ فساوى ُّ ِ
رب العَّزة -سبحانه وتعاىل -بّي الرجل واملرأة يف كثري َ َ
كالرجل ،مكلَّفة بالتكاليف
أن املرأة ُيدل على َّ فإَّنا ُّ
دل على شيء َّ يف اجلز ِاء األُخروي ،وإ ْن َّ
ك ْتها عُوقِبت.
الشرعية ،مأمورةٌ بالواجبات إ ْن فعلتها أُثيبت ،وإ ْن تر
()19
ب -الحقوق المالية:
- 1حق المرأة في التملك والتصرف.
كان العرب والعجم يف اجلاهلية حيرمون النساء من التملُّك ويضيِّقون عليهن يف التصرف
هلن حق
فيما ميلكن ،فجاء اإلسالم وأبطل ذلك ،وأبطل استبداد األزواج بأموال زوجاهتم ،وأثبت َّ
اهلن بالطرق املشروعة. التملُّك بأنواعه و ُّ
التصرف بأمو َّ
فللمرأة حرية التملُّك ،وحرية إجراء العقود املالية دون وصاية ألحد عليها ،ما دامت رشيدة
التصرف بامللكية بكل صورها وأشكاهلا :من بيع وشراء ،وتأجري واعية مدركة .وللمرأة حق ُّ
واستئجار ،وهبة ووصية ،ووقف وتصدُّق ،وإعارة واستعارة ،ورهن وكفالة ،ومتاجرة ومزارعة،
التصرف يف املعامالت ،ويف العقود املالية.
ومضاربة وغريها ،وهلا مطلق ُّ
وللمرأة أن متارس التجارة وسائر أسباب الكسب املباح ،فلها أن تضمن من تشاء ويضمنها
غريها ،وهلا أن توصي ملن تشاء من غري ورثتها يف احلدود الشرعية ،وهلا أن ختاصم غريها إىل
القضاء حتصيال حلقِّها ،ودفعا للضرر احملتمل.
ومال املرأة سواء كانت أما أو زوجة أو بنتا ،مال خاص هبا ،وهلا يف الشرع حق التملك
للمال والتصرف فيه يف أوجه احلالل كتجارة وغريها من بيع وشراء وصدقة ،وليس من حق األب
أو االخ أو االبن أو الزوج أن يتسلط على ماهلا أو يأخذه منها إال بطيب من نفسها ،جاء يف
قرار عن اجملمع الفقهي التابع ملنظمة املؤمتر اإلسالمي :للزوجة األهلية الكاملة والذمة املالية
املستقلة التامة ،وهلا احلق املطلق يف إطار أحكام الشرع مبا تكسبه من عملها ،وهلا ثرواهتا اخلاصة،
وهلا حق التملك وحق التصرف مبا متلك ،وال سلطان للزوج على ماهلا ،وال حتتاج إلذن الزوج يف
()1
التملك والتصرف مباهلا .
ََ ُ ْ
وقال ابن بطال :فثبت أن من صح رشده صح تصرفه يف ماله مبا شاء ،وقال تعاىل﴿ :وءاتوا
َ ُُ َ َ َ َ ٓ
َشء دم ِۡن ُه َن ۡفسا فُك ُوه َهنِيٓـا ام ِريٓـا﴾ [النساء .]4:فأباح ُ
ك ۡم َعن ۡ ٱلند ِ َسا َء َص ُد َقٰتِه ان ِِنۡلة َۚ فإن ط ۡ َ
ِۡب ل ِ ِ
َ ُ َ َ َ اۡ ُ
ِإَون َطلق ُت ُموه ان مِن ق ۡب ِل أن ت َم ُّسوه ان َوق ۡد للزوج ما طابت له به نفس امرأته ،وقال تعاىل﴿ :
( )1قرارات وتوصيات جممع الفقه ا ِإلسالمي التابع ملنظمة املؤمتر ا ِإلسالمي .قرار رقم.)16 /2( 144 :
()20
ُ ۡ َ ُ د َ ََ َ ۡ ُ ْٓ َ ََ ۡ ُ ۡ َُ ا َ َ َ ۡ ُ َ ََ ۡ ُ ۡ ا ٓ َ َ ۡ ُ َ َۡ َ ۡ ُ َْ ا
ح وأن تعفوا ِ
فرضتم لهن ف ِريضة فن ِصف ما فرضتم إَِّل أن يعفون أو يعفوا ٱَّلِي بِي ِده ِۦ عقدة ٱنل َِك ِۚ
ٌ َ ََۡ ُ اۡ َ ٰ ََ َ َ ُْ َۡ ۡ َ ََۡ ُ ۡ ا اَ َ َ ۡ َ ُ َ
صي﴾ [البقرة.]237: ى وَّل تنسوا ٱلفضل بينك َۚم إِن ٱَّلل بِما تعملون ب ِ
أقرب ل ِلتقو َۚ
فأجاز عفوها عن ماهلا بعد طالق زوجها إياها بغري استئمار من أحد ،فدل ذلك على
جواز تصرف املرأة يف ماهلا ،وعلى أهنا فيه كالرجل سواء ، ،وخطب النيب – صلى اهلل عليه وسلم
-النساء يوم عيد ،وقال هلن :تصدقن ولو من حليكن وليس يف شيء من األخبار أهنن استأذن
السالم أمرهن باستئذاهنم ،وال خيتلفون يف أن وصاياها من ثلث ماهلا أزواجهن ،وال أنه َعلَْي ِه َّ
جائزة كوصايا الرجل ،ومل يكن لزوجها عليها يف ذلك سبيل وال أمر ،وبذلك نطق الكتاب ،وهو
َ ََ ُ َ َ َ َ َ ُ ا ا ُ َ َ ُ َ ُ
قوله تعاىلَ ﴿ :ولك ۡم ن ِۡصف َما ت َر َك أ ۡز َو ٰ ُجك ۡم إِن ل ۡم يَكن ل ُه ان َول َۚ فإِن َكن ل ُه ان َول فلك ُم
ا َ ُ ا ُ َ َ ُۡ ني ب َها ٓ أَ ۡو َديۡن َول َ ُه ان ُّ ُ وص َ ص اية يُ ٱلربُ ُع م اِما تَ َر ۡك َن ِم ُۢن َب ۡع ِد َ
ٱلرب ُع م اِما ت َركت ۡم إِن ل ۡم يكن لك ۡم َول َۚ ِۚ ِ ِ ِ و َۚ
ُّ
َ َ َ ُ ُ َ ُ ۡ َ َ َ َ ُ ۡ َ َ َ َ ُ ا ُّ ُ ُ ا َ َ ۡ ُ د ُۢ َ ۡ َ ا ُ ُ َ َ ٓ َ ۡ َ
صية توصون بِها أو دينِۗ ِإَون َكن رجل يورث فإِن َكن لكم ول فلهن ٱثلمن مِما تركت ِۚم ِمن بع ِد و ِ
َ َ َ ُ ۡ ُ َ َ ُٓ كََ َ ْ
د ۡ ُ َ ُّ ُ ُ َ َ ُ ٓ ۡ ِك ََ َٰ َ ً َ ۡ َ َ َ َ ُ ٓ َ ٌ َ ۡ ُ ۡ َ ُ د
َث مِن ذٰل ِك فهم شَكء س فإِن َكنوا أ َۚ د ٱلس ا م هِن
م ِد ح ٰ و كللة أ ِو ٱمرأة وَلۥ أخ أو أخت فل ِ
ص اية دم َِن ٱ اَّللِ َو ا ُ
ٱَّلل َعل ٌ
ِيم َ َۡ َ ا ُ َ ٰ ََٓۡ َۡ َ َۡ َ ٓ ُّ ُ
حلِيم ﴾ [النساء.]12: ِۗ ي ُمضا در َۚ َو ِ صية يوَص بِها أو دي ٍن غ ث ِم ُۢن بع ِد و ِ ِِف ٱثلل ِ ِۚ
()1
فإذا كانت وصاياها يف ثلث ماهلا جائزة بعد وفاهتا ،فأفعاهلا يف ماهلا يف حياهتا أجوز .
فإن من واجب املرأة أن حترص على حفظ مال زوجها ،فتصونه أيًّا كان نوعه ويف املقابلَّ ،
ومقداره ،فكثريا ما كانت إضاعة املرأة مال زوجها موجبة للنفرة وباعثة للشقاق ،أما حفظه فيزيد
من رابطة األلفة ،وعلى هذا فال تعطي أحدا إال برضا زوجها؛ ألن رسول اهلل قال" :وال تعطي
()2
شيئا من بيته إال بإذنه ،فإن فعلت ذلك ،كان له األجر وعليها الوزر" .
ومن واجب املرأة أالن تبالغ يف إثقال كاهل زوجها بالنفقات الباهظة واستهالك الكماليات،
ُسر اليت حتظى بإنفاق
تبّي من خالل الدراسات البحثية أن األ َ واإلنفاق البذخي املظهري ،فقد َّ
ُسري ،وخالفات الزوجّي ،وكذلك احلاالت ِ
مرتفع ،تزداد فيها باملقابل ن َسب الطالق والتصدُّع األ َ
النفسية العصيبة.
هذا وعلى الرغم من صراحة اآلية الكرمية يف عدم تعيّي أي حد ألعلى املهر ،فقد اتفق
الفقهاء على استحسان االعتدال يف املهور ،دون التغايل فيها ،ملا ورد يف السنة عن سهل بن
سعد الساعدي قال :جاءت امرأة إىل رسول اهلل ،فقالت :يا رسول اهلل ،جئت ألهب لك
وصوبه ،مث طأطأ رسول اهلل رأسه ،فلما نفسي ،فنظر إليها رسول اهلل ،فصعَّد النظر فيها َّ
رأت املرأة أنه مل يقض فيها شيئا جلست ،فقام رجل من أصحابه ،فقال :يا رسول اهلل ،إن مل
يكن لك هبا حاجة ،فزوجنيها فقال" :فهل عندك من شيء" ،فقال :ال واهلل يا رسول اهلل ،فقال:
"اذهب إىل أهلك ،فانظر هل جتد شيئا؟" ،فذهب مث رجع فقال :ال واهلل يا رسول اهلل ،ما
وجدت شيئا ،فقال رسول اهلل " :انظر ولو خامتا من حديد" ،فذهب مث رجع فقال :ال واهلل
يا رسول اهلل ،وال خامتا من حديد ولكن هذا إزاري( ،قال سهل :ما له من رداء) ،فلها نصفه،
لبستَه مل يكن
لبسْته مل يكن عليها من شيء ،وإن ْ فقال رسول اهلل " :ما تصنع بإزارك إن َ
عليك منه شيء" ،فجلس الرجل حىت إذا طال جملسه ،قام فرآه رسول اهلل موليا فأمر به
فدعي ،فلما جاء قال" :ماذا معك من القرآن؟" ،قال :معي سورة كذا (عددها) ،فقال" :تقرؤهن ُ
()2
عن ظهر قلبك؟" ،قال :نعم ،قال" :اذهب فقد ملكتها مبا معك من القرآن" .وهذا يدل على
ان املهر حق للمرأة يف االسالم وال يسقط هذا احلق إال بإذهنا.
()25
- 4حق المرأة في النفقة
النفقة :هي توفري ما حتتاج إليه الزوجة من الطعام واللباس والسكن والدواء وحنو ذلك حسب
العرف والقدرة.
والنفقة واجبة على الزوج لزوجته؛ ألن اإلنفاق من آثار الزوجية ،فالبد أن ينفق عليها ،مامل
ُ َ ُ ُ
يوجد نشوز مينع من اإلنفاق عليها ،قال تعاىلِِ ﴿ :لُنفِ ۡق ذو َس َعة دمِن َس َعتِهِۦ َو َمن قد َِر َعل ۡيهِ رِ ۡزق ُهۥ
اُ َۡ ً ا َٓ َ َ َ َ ۡ َُ اُ َۡ َ ُ ۡ ُۡ َُۡ ۡ آ َ ُ اُ َ ُ َ دُ
فلين ِفق مِما َءاتىٰه ٱَّللَۚ َّل يكل ِف ٱَّلل نفسا إَِّل ما َءاتىٰها َۚ سيجعل ٱَّلل بعد عس يسا﴾ [الطالق]7:
ونفقة الزوجة واجبة على زوجها ،وهي حق من آكد حقوقها عليه ،فيلزمه توفري كل ما حتتاج
إليه من مأوى ومتاع بيت وطعام وكساء ودواء وحنو ذلك مما حتتاج إليه املرأة وجرت به العادة
وتعارف عليه الناس.
والنفقة الزمة على الزوج على كل حال ،سواء أكان موسرا أم معسرا ،وسواء أكانت زوجته
غنية أم فقرية؛ ألن إنفاقه عليها من باب املعاوضة ،فهي حمبوسة عليه ملصلحته ومصلحة بيته
وعياله ،فتجب عليه نفقتها ولو كانت متلك املاليّي.
وهذا من أهم الفروق بّي نفقة الزوجات ،ونفقة القرابة كالوالدين واألوالد وغريهم؛ ألن
النفقة عليهم من باب اإلحسان واملواساة ،فيشرتط لوجوب النفقة هلم أن يكون ِ
املنفق غنيا قادرا
على اإلنفاق ،وأن يكونوا فقراء ال مال هلم وال كسب يستغنون به ،فإن كان أحدهم موسرا أو
قادرا على التكسب فال نفقة له ،ألهنا جتب له على سبيل املواساة ،واملوسر مستغ ٍن عن املواساة.
َ ََ د ُ َ
ٱلر َجال ق او ٰ ُمون لَع
وقد دل على ذلك الكتاب والسنة واإلمجاع واملعقول .قال اهلل تعاىلِ ﴿ :
َ ْ ٓ َ ََ َ َ ٓ
ٱلند ِ َساءِ ب َما ف اضل ا ُ
لَع َب ۡعض َوب ِ َما أ َنف ُقوا م ِۡن أ ۡم َوٰل ِ ِه ۡ َۚم ﴾ [النساء ،]34:فدلت اآلية على
ٱَّلل َب ۡع َض ُه ۡم ٰ ِ
وجوب نفقة الزوجة على زوجها ،وأن إلزامه هبذا الواجب من أسباب جعل القوامة له عليها،
َ َ ُ َ َ َۡ ُُۡ َُۡ ۡ ا ٓ َ َ ُٰ اُ َ ُ
ٱَّللَۚ َّل وقال -عز وجلِِ ﴿ :لُنفِ ۡق ذو َس َعة دمِن َس َعتِهِۦ ومن قدِر عليهِ رِزقهۥ فلينفِق مِما ءاتىه
ٓ ا
ٱَّلل َن ۡف ًسا إَّل َما َءاتَى ٰ َها َۚ َس َي ۡج َع ُل ا ُ
كل ُِف ا ُ
ُ َ د
ٱَّلل َب ۡع َد ُع ۡس ي ُ ۡسا﴾ [الطالق .]7:وقد جاءت هذه اآلية ِ ي
يف سياق أحكام الزوجات ،واخلطاب فيها لألزواج أن ينفقوا على زوجاهتم بقدر استطاعتهم،
واألمر للوجوب.
()26
()1
قال القرطيب يف اآلية" :أي :لينفق الزوج على زوجته ،وعلى ولده الصغري على قدر
موسعا عليه .ومن كان فقريا فعلى قدر ذلك".
وسعه ،حىت يوسع عليهما إذا كان ن
وعن عائشة -رضي اهلل عنها -قالت :دخلت هند بنت عتبة ،امرأة أيب سفيان على
رسول اهلل ،فقالت :يا رسول اهلل ،إن أبا سفيان رجل شحيح ،ال يعطيين من النفقة ما
علي يف ذلك من جناح؟ فقالبين ،إال ما أخذت من ماله بغري علمه ،فهل نيكفيين ،ويكفي ن
()2
رسول اهلل " :خذي من ماله باملعروف ،ما يكفيك ويكفي بنيك" متفق عليه .
فهذا احلديث صريح يف وجوب نفقة الزوجة على زوجها ،وأن ذلك مقدر بكفايتها ،ولو مل
تكن نفقتها واجبة عليه ،مل يأذن هلا باألخذ من ماله بغري إذنه.
إىل غري ذلك من اآليات واألحاديث ،وهي كثرية .وعلى ذلك أمجعت األمة ،قال ابن
قدامة" :اتفق أهل العلم على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهن ،إذا كانوا بالغّي ،إال الناشز
()3
منهن .ذكره ابن املنذر وغريه" .
ويف ظل متغريات احلياة وخروج املرأة للعمل ،فإن خرجت برضى زوجها وإذنه وعلمه لتساعده
على متطلبات احلياة فإن نفقتها على زوجها وبالرتاضي بينهما على حسب حال الزوج من الغىن
والفقر ،أما إن خرجت دون إذنه وال رضاه فال يكون للزوجة نفقة يف هذه احلالة.
ۡ َ ُ ۡ َ
قال القرطيب يف قوله تعاىل﴿ :فإِمساكُۢ ب ِ َمع ُر ٍ
وف﴾ [البقرة ]229:وذلك توفية حقها من املهر
والنفقة ،وأال يعبس يف وجهها بغري ذنب ،وأن يكون منطلقا يف القول ال فظا وال غليظا وال مظهرا
()2
ميال إىل غريها .والعشرة :املخالطة واملمازجة .
()3
وقال النيب " :استوصوا بالنساء خريا؛ فإهنن َعوان عندكم" .
ضعفها ومسكنتها.
أي :أسريات ،وهذا يدل على َ
ومعىن قول النيب ( :استوصوا) :من االستيصاء ،ومعىن االستيصاء :قَبول الوصية ،فكأنه
هبن ،فاقبلوا وصيَّيت فيهن ،أو يكون املعىن :اطلبوا الوصية؛ أي :من أنفسكم يف يقول :أوصيكم َّ
حقهن.
فيجب على الزوج اإلحسان إليها ،وعليه أن يرتفَّق هبا؛ فقد قال النيب " : من ُحيَرم الرفق،
()4
ُحيَرم اخلري كله" .
( )1انظر – احملاماة يف ضوء الشريعة االسالمية ,د .مسلم اليوسف مؤسسة الريان ,بريوت ,لبنان2001،م ص 131وانظر عمل املرأة يف
احملاماة ،د .مسلم اليوسف ,موقع عودة ودعوة ,على شبكة اإلنرتنت.
( )2صحيح مسلم ( ،)1828صحيح البخاري (.)853
( )3صحيح مسلم ( .)883صحيح البخاري (.)318
( )4صحيح مسلم ( ،)1341صحيح البخاري (.)2844
()34
-3أن يأذن هلا وليها باخلروج للعمل ،إال إذا كان الويل مينعها ظلما وتعسفا فيجوز هلا
اخلروج للحاجة دون إذنه.
-4أن يتوافق العمل مع طبيعة املرأة وقدرهتا اجلسدية والنفسية.
فوائد عمل المرأة:
حتمل املسؤولية جتاه عائلتها ،ودعم مشاركتها االجتماعية ،خارج إطار األعمال املنزلية. ُ -1
-2حتقيق االستقاللية املادية عن األب أو األخ األكرب أو الزوج ،ويف الوقت نفسه مساعدهتم
يف تكاليف احلياة املعيشية.
-3رفع عجلة التنمية االقتصادية يف البالد واالستفادة من الكوادر النسائية ذات اخلربة
العلمية املتميزة.
-4رفع دخل األسرة وزيادة درجة الرفاهية لديها ،فاملرأة العاملة سامهت بوضوح يف سد
حاالت الفقر والعوز لكثري من األسر ،وهذا أمر هام يف سبيل احلفاظ على الكرامة والعزة
ذل وتعرض للمهانة ،كما أضاف الشخصية ،وكف اليد عن السؤال ،وما يرتتب عليه من ن
عمل املرأة قوة اقتصادية أخرى لكثري من األسر مكنها من حتقيق حياة أفضل.
ومما جيدر التنبيه له أن املرأة تعد عاملة سواء كانت تعمل خارج املنزل أو داخله ،بل إن
عملها ومهامها داخل املنزل تفوق عملها خارجه ،حيث تقوم املرأة داخل املنزل بعدد من الوظائف
تصل إىل ما يزيد على 17وظيفة ،فاملرأة العاملة داخل املنزل ال تقل عن نظريهتا اليت تعمل خارج
املنزل فكالمها يسامهان يف دعم األسرة وخدمة اجملتمع.
-2الكالم فقط:
وهذا يكون عادة يف مبايعته للنساء ،فقد كانت مبايعته هلن كالما فقط ،ألنه ال جيوز
ميس يد امرأة أجنبية.
للمسلم أن َّ
مما ُروي أَن أُميمة بنت رقيقة دخلت يف نسوة تبايع ،فقلن :يا رسول اهلل« :ابسط يدك
نصافحك .فقال" :إين ال أصافح النساء ،ولكن سآخذ عليكن" ،فأخذ علينا حىت بلغَ " :وَال
صينَك ِيف معر ٍ
أطقنت واستطعنت" ،فقلن" :اهلل ورسوله أرحم بنا من
ن وف" فقال" :فيما َ ُْ يَ ْع ِ َ
()3
أنفسنا" .
وقد يراد بطرح الشورى استجالء آراء من هلم األثر يف حسم املوقف ،وقد كان الرسول
إذا عزم مل يكن ألحد من الصحابة التقدم عليه ،وشاور أصحابه يوم أحد يف املقام واخلروج،
ألمتَه وعزم قالوا :أقم ،فلم ميل إليهم بعد العزم وقال :ال ينبغي لنيب
فرأوا له اخلروج ،فلما لبس َ
()1
ألمتَهُ فيضعها ،حىت حيكم اهلل .وشاور عليا وأسامة رضي اهلل عنهما فيما رمى به أهل
يلبس َ
الرامّي ومل يلتفت إىل
اإلفك عائشة رضي اهلل عنها ،فسمع منهما حىت نزل القرآن ،فجلد ن
تنازعهم ،ولكن حكم مبا أمره اهلل ،روت عائشة رضي اهلل عنها ،حّي قال هلا أهل اإلفك ما
قالوا :قالت :ودعا رسول اهلل علي بن أيب طالب ،وأسامة ابن زيد رضي اهلل عنهما ،حّي
استلبث الوحي يسأهلما ،وهو يستشريمها يف فراق أهله ،فأما أسامة :فأشار بالذي يعلم من براءة
أهله ،وأما علي فقال :مل يضيِّق اهلل عليك ،والنساء سواها كثري ،وسل اجلارية تصدقك ،فقال
للجارية :هل رأيت من شيء يريبك قالت :ما رأيت أمرا أكثر من أهنا جارية حديثة السن،
تنام عن عجّي أهلها ،فتأيت الداجن فتأكله ،فقام على املنرب فقال :يا معشر املسلمّي ،من
يعذرين من رجل بلغين أذاه يف أهلي ،واهلل ما علمت على أهلي إال خريا ،فذكر براءة عائشة
علي يف
رضي اهلل عنها واستشار الناس يف خطبة ،فحمد اهلل وأثىن عليه ،وقال" :ما تشريون َّ
()2
قوم يسبُّون أهلي ،ما علمت عليهم من سوء قط" .
وكان األئمة بعد النيب يستشريون األمناء من أهل العلم يف األمور املباحة ليأخذوا
وضح الكتاب أو السنة مل يتعدوه إىل غريه ،اقتداء بالنيب ،ورأى أبو بكر بأسهلها ،فإذا ن
قتال من منع الزكاة ،فقال عمر :كيف تقاتل الناس وقد قال رسول اهلل " :أمرت أن أقاتل
الناس حىت يقولوا ال إله إال اهلل ،فإذا قالوا ال إله إال اهلل عصموا مين دماءهم وأمواهلم إال حبقها
ألقاتلن من َّفرق بّي ما مجع رسول اهلل ،مث
َّ وحساهبم على اهلل؟" فقال أبو بكر :واهلل
تابعه عمر بعد ذلك ،فلم يلتفت أبو بكر إىل املشورة ،إذ كان عنده حكم رسول اهلل
يف الذين نفرقوا بّي الصالة والزكاة ،وأرادوا تبديل الدين وأحكامه ،وقال النيب " :من بدَّل
-4القياس:
قاس فقهاء األمة الوالية العامة على الوالية يف النكاح؛ فإن املرأة ال تستطيع أن تزوج
نفسها ،فكيف تكون ولية لغريها.
()43
وحتمل مؤونتهم وأداء الواجبات اخلاصة به ،فإ نن له حقوقا جيب على الزوجة أن تؤديها
وأسرته ن
له.
واجبات الزوجة تجاه زوجها:
وجل قد جعل القوامة للرجل على املرأة
عز َّ .1وجوب الطاعة من الزوجة لزوجها فإن اهلل َّ
بالتوجيه واإلرشاد والرعاية واإلنفاق وتويل املسؤولية املالية واإلدارية ،واوجب عليها طاعته يف
غري معصية اهلل.
.2جيب على الزوجة أن ُمت ِّكن زوجها من االستمتاع هبا -وذلك مبقتضى عقد النكاح -
مبين على متكّي الزوجة لزوجها من االستمتاع هبا ،وذلك ملا روي
حيث إ نن أساس عقد الزواج ٌ
عن أيب هريرة أنه قال :قال رسول اهلل " :إذا دعا الرجل امرأته إىل فراشه فأبت فبات
()1
غضبان عليها لعنتها املالئكة حىت تصبح" .
افق على إدخاله إىل بيته ما
.3ال تسمح ملن يَكرهه زوجها دخول بيته إال إذا مسح وقبل وو َ
دامت علمت ب ُكره زوجها من دخول ذلك الشخص إىل منزله ،فعن أيب هريرة أن رسول
()2
اهلل قال" :ال حيل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إال بإذنه ،وال تأذن يف بيته إال بإذنه" .
ت َقٰن ِ َتٰ ٌ َ ا
ٱلصٰل َِحٰ ُ
ت .4صيانة ِع ْرض الزوج واحملافَظة على مالِه وولده ،وذلك لقوله تعاىل﴿ :ف
زوجها يف غيبته يف حتفظ أي: " ه:وغري ِّيدالس قال ] 34 لنساء: ا[
حٰفِ َظٰت لد ِلۡ َغ ۡيب ب َما َحفِ َظ ا ُ
ٱَّلل َ
َ ُ ُّ ُّ ﴾َۚ ِ ِ
نَ ْف ِسها ومالِه" .
()3
تتصرف فيه َّإال بعد استشارته وإذنه. .5ترعى مالَه بأَ ْن ال تأخ َذ منه شيئا ،وال َّ
زوجها يف بيته َّإال ما يَ ُسُّره ِم ْن ُح ْس ِن املظهر واهليئة،
.6حترص الزوجةُ على أَ ْن ال يرى منها ُ
ضيه ِم ْن َح َس ِن اخلطاب ِ
ومجيل الكالم، ينة وطالقة الوجه ،وأَ ْن ال يسمع منها َّإال ما ي ر ِ
ُْ َ
الز ِ
و ِّ
حيب وي ْفرِح؛ فال تُ ْغ ِ ِ ِ
ضبه وال تُسيءُ إليه. وعبارات التقدير واالحرتام ،وال َجي َد منها َّإال ما ُّ ُ
()45
-2الدور االجتماعي
هلن الدور األبرز واألهم يف تنشئة اجملتمعات ،فلو استطاع هن شقائق الرجال ،و َّ النساء َّ
أهنن الركن األساسي للمجتمع ،لَ َع ِم َل
إليهن على َّ
اجملتمع تنشئة نساء صاحلات ،مثقفات ،يُنظَُر َّ
ذلك على تنشئة أجيال صاحلة تعرف كيف تدير حاضرها ،وتنهض به ،وكيف تصنع مستقبال
مشرقا تسوده األخالق احلميدة ،والقيم الفاضلة ،لذا فإن اإلسهام األكرب للمرأة يف جمتمعها
أي حضارة، يكون من خالل الرتبية واألمومة ،وهذا ما جيعل االهتمام باملرأة واجبا رئيسا لبناء ن
وتقدمها ،وحتقيق هنضة شاملة كاملة لكافة أبناء اجملتمع ،أما إمهاهلا فإنه لن يعود على اإلنسانية
واجملتمعات املختلفة إال باخلسران املبّي.
-3الدور السياسي
أنصف اإلسالم املرأة ،ورفع عنها الظلم واحليف وما عانته من متييز يف العصور السابقة حىت
نزول القرآن .فكان االعرتاف حبقها يف املشاركة يف تدبري شؤون اجملتمع كافة ،اقتصادية واجتماعية
وقانونية .وأصبح هلا شأن يف اجملال السياسي.
فقد شاركت املرأة املسلمة يف بيعة العقبة األوىل والثانية ،وشاركت يف اهلجرة ،وشاركت حىت
يف اجلهاد العسكري ،وكل هذه الشواهد هي دور سياسي للمرأة يف عصر الرسالة
والدور السياسي للمرأة يف الشريعة واضح لكل متأمل يف النصوص الشرعية( .خولة بنت
ثعلبة) وهي تقف جمادلة أمام أعلى سلطة تشريعية يف جمتمعها (الرسول )جتادله يف حق وقوة
تنبعث من إمياهنا بقوة اخلالق وعدالة التشريع اإلهلي ،جادلت حىت أنزل اهلل -عز وجل -يف أمرها
قرآنا يتلى ،ونظم تشريعات اجتماعية جديدة يف جمتمع جديد.
أمل تكن السيدة (خولة) متارس أدق أنواع العمل السياسي إن قسناه على أيامنا هذه.
وال شك يف أمهية الدور السياسي للمرأة املسلمة يف اجملتمع ،فاملرأة اليت تدرك حقيقة دورها،
وتلتزم بواجباهتا ،وحترص على ممارسة حقوقها ،إَّنا تؤثر يف احلركة السياسية يف وطنها تأثريا بالغا،
يدفع به إىل مزيد من التقدم والرقي ومالحقة الركب احلضاري ،على مستوى اجملتمعات اإلسالمية
والعامل أمجع.
()46
مراجع الوحدة الثانية
()47
.26سلسلة األحاديث الصحيحة ،ح.)52/2( ،529
.27سنن أيب داود (.)5272
.28شرح ابن بطال (.)353 /4
.29صحيح مسلم ()1341
.30الصحيحة (.)285
.31الطحاوي يف مشكل اآلثار ( )2524و(.)4865
عبد بن محيد ( )813وابن أيب شيبة يف املصنف (.)17409 .32
عودة احلجاب (.)417 /1 .33
فتح الباري ((.)206 /9 .34
قرارات وتوصيات جممع الفقه ا ِإلسالمي التابع ملنظمة املؤمتر ا ِإلسالمي .قرار رقم.)16 /2( 144 : .35
.36لسان العرب (.)111/2
.37مالك يف املوطأ ،تنوير احلوالك ()250/2
.38احملاماة يف ضوء الشريعة االسالمية ,د .مسلم اليوسف مؤسسة الريان ,بريوت ,لبنان2001 ،م
ص 131وانظر عمل املرأة يف احملاماة ،د .مسلم اليوسف ,موقع عودة ودعوة ,على شبكة اإلنرتنت.
.39معامل السنن (.)161 /1
.40املعجم الكبري ،الطرباين (.)311/24
.41املعجم الوجيز ،جممع اللغة العربية ،طبعة 1411ه1990-م.
.42معجم لغة الفقهاء ( )510واملعجم الوسيط (.)1058/2
.43املغين (.)681/6
.44مقدمة ابن خلدون ،ص .209
.45املواريث يف الشريعة اإلسالمية يف ضوء الكتاب والسنة ،للصابوين ،ص .27
َّسائي يف «الكربى» (.)7600 .46الن َ
.47وعود اإلسالم .ص .78ترمجة أ .ذوقان قرقوط ،ط 1984م .منشورات الوطن العريب،
بريوت.
()48
الوحدة الثالثة:
بعض الشبهات حول قضايا المرأة والرد عليها.
غيث أحوج إىل رسالته من حاجتهم إىل ْ األرض ُ جل جاللُه -رسولَه وأهل ْ
لقد ْأر َسل اهلل َّ -
نعيم وال َّلذة ،وال حياةَ لل ُقلوب إالَّ بأ ْن
فوق مجي ِع احلاجات ،فال َ السماء ،فحاجتُهم إىل رسالتِه َ
ومن احملال أن أحب إليها مما سواهِ ، وصفاته وأفعاله ،ويكون َّ تعرف رَّهبا وخال َقها وفاطرها بأمسائه ِ
َ
َ
ثفاقتضت رمحةُ العزيز الرحيم أ ْن َبع َ
ْ العقول البشريَّة مبع ِرفة ذلك وإدراكه على التفصيل،
ُ تستقل
َّ
مبشرين ،وملن خال َفهم منذرين ،وأجابوا عن كث ٍري من معرفّي ،وإليه داعّي ،وملن أجاهبم ِّ الرسل به ِّ
َ ِ َ
التناقضات والشبهات ،ومع ذلك فما زال ْبيننا َمن يُثري الشُّبَه، التساؤالت ،وأز َال اهلل على أيديهم
معتقدهم يف شكيك الناس يف ِدينهم ،وزعزعت َ ويضرب أدلَّة الشَّْرع بعضها مع بعض ،هبدف تُ ِّ
عند اهلل ال يدخله إن ما جاء ِمن ِ خيط العنكبوت وما َد َرى َّ
خالقهم ،وهي يف احلقيقة أو هي من ْ
نضوج فِكره.
التناقض ،وإَّنا التناقض ِمن قصور فَ ْهم اإلنسان ،وعدم ِ
يدلل
بعض الناس ذكرانا وإناثا على االحتجاج ببعض النصوص وترديدها؛ لكي َ وقد دأب ُ
أن الذكور أفضل من اإلناث ،وجعلوا ِمن بعض اآليات دليال حيتج به على مبفهومه اخلاطئ على َّ
كل أمر عن شقيقها الذكر ويف هذه الوحدة سيتم توضيح بعض الشبهات تدين رتبة األنثى يف ِّ ِّ
الرد عليها ومن هذه الشبهات: و ِ
تقويض دعائمها ،و ِّ
()49
َّأوًال :الميراث:
إ نن املطالبة باملساواة يف اإلرث بّي الرجال والنساء أمر غري غريب على اإلسالم ،بل إ نن
بوادر هذا األمر بدأت منذ نزول الوحي ،فقد جاء يف إحدى الروايات عن أسباب نزول قوله
ۡ َ ْ د ٓ َ ۡ َ ُ ۡ َ َٰ َ ۡ د د َ َ تعاىلَ ﴿ :و ََّل َت َت َم ان ۡوا ْ َما فَ اض َل ا ُ
صيب دم اِما ٱكت َس ُبوا َول ِلن ِ َساءِ لرجا ِل ن ِ ِ ِ ل ض
ِۚ ع ب لَع م ك ض عب ِۦ هِ ب ٱَّلل
َ َ
ٱَّلل ََك َن بكل ۡ
د ُ ٱَّلل مِن فَ ۡضلِهِۦٓ إ ان ا َۡب َو ۡس َـلُوا ْ ا َۡ َ َ َۡ د َ
أن َّأمَش ٍء علِيما﴾ [النساءَّ ،]32 : ِ ِ َۚ ِ ن ِصيب م اِما ٱكتس َۚ
اث؟"(.)1 ال ،وَال نَ ْغزو ،ولَنَا نِصف الْ ِمري ِ ول اهللِ ،يَ ْغ ُزو ِّ
الر َج ُ َ ُ َ ْ ُ َ سلمة رضي اهلل عنها قالت" :يَا َر ُس َ
فألول وهلة قد يبدو أ نن اإلسالم ظلم البنت؛ إذ جعل هلا نصف حظ أخيها من رتَ َِكة األب،
إال أن هذا األمر ينايف الواقع إذ إ نن اإلسالم كلنف الرجل مبا مل يكلف به املرأة؛ فهو املسؤول عن
هلن معيل ،بينما مل يكلف الشرع املرأة بأية نفقتها ونفقة عياله ،وحىت أخواته إذا مل يكن ن
مسؤوليات ،فاملال الذي ترثه من أبيها يبقى هلا وحدها ،ال يشاركها فيه مشارك ،فنصيب االبن
معرض للنقص مبا ألقى عليه اإلسالم من التزامات متوالية متجددة ،ونصيب البنت معرض للزيادة
مبا تقبض من مهور وهدايا.
حجة نساء اليوم بأن املرأة تعمل وتنفق على بيتها كالزوج وتشاركه يف األعباء :فلهذا نأما ن
ان على انتفى احلكم التارخيي هلذه اآلية ،هذا القول هو أمر مرفوض شرعا؛ حىت لو اتفق الزوج ِ
صح العقد ،وبطل الشرط ،ألن الزوج ملزم بنفقة زوجته يف كتابة شرط عمل املرأة يف العقد ن
اإلسالم خبالف بعض القوانّي الغربية ،ومنها :القانون الفرنسي الذي يشرتط مسامهة الزوجة يف
النفقة.
ا َ
ومن املفيد :اإلشارة هنا إىل أن قاعدة التنصيف يف اإلرث املبنية على قوله تعاىل﴿ :ل َِّلك ِر
ُۡ َ د ُۡ ََۡ
نيِۚ﴾ [النساء ]11 :ليست قاعدة مطردة؛ ألن هناك حاالت يتساوى فيها الذكر مِثل ح ِظ ٱۡلنثي ِ
األم ،وهي أنثى يف مرياث واألنثى ،كما يف حال تساوي نصيب األب وهو ذكر مع نصيب ِّ
ابنهما.
()52
تحرير أصل الشبهة ،وما تقوم عليه:
الشبهة:
تقول ُّ
إ نن اإلسالم قد سلب املرأة حرينتها ،وأهلينتها ،وثقتها بنفسها؛ إذ جعل الرجل نقواما على
املرأة.
مثن إ نن هذه القوامة متثنل بقايا من عهد استعباد املرأة وإذالهلا ،يوم أن كانت املرأة جنسا
مهمال يف البيت ،ونبتة مشؤومة يف اجملتمع.
وليس من املستساغ ،وال من العدل أن ينفرد الرجل بالقوامة ،ورياسة األسرة من دون املرأة،
الر نق ،واالستعباد ،وتساوت مع الرجل يف كل احلقوق ،وااللتزامات. وهي قد حطنمت أغالل ن
تعليالت الشبهة:
ض ُه ۡم َ َ ٰ
لَع َب ۡعض
د َ ُ َاُٰ َ َ َ د َ ٓ ِ َ َ ا َ ا ُ َ ۡ َ
﴿ ِ
-1إ نن القوامةَ يف قوله تعاىل:
ٱلرجال قومون لَع ٱلنِساء بِما فضل ٱَّلل بع
َ ْ َٓ
َوب ِ َما أ َنف ُقوا م ِۡن أ ۡم َوٰل ِ ِه ۡ َۚم[ ﴾ ...النساء ]34 :مشروطةٌ بشرطّي ،مها :الفضل ،واالنفاق ،فإذا انعدمت
صحت قوامتها!
هذه األسباب يف الرجل ،وتوافرت يف املرأة ن
-2إنَّنا ختلنفت يف القدرة والكفاية؛ بفعل الرجل ،ونتيجة ألثرته واستبداده! وتسخريه املرأة
الصغر
صبُّوا يف قوالب اجتماعية منذ ن ألهنم ُ
يف خدمة مطالبه وأهوائه ،وإنَّنا كان الرجال أقوياء؛ ن
آخر ،على أ نهنا ضعيفة
صبنت املرأة يف قالب َ على أهنم :مستقلنون ،مشاركون ،إجيابيون ،بينما ُ
تنتظر اآلخرين ،وتعتمد عليهم؛ ِ
وم ْن مثن تش نكلت أيضا يف هذا اإلطار.
وحىت بعد صدور القوانّي يُنظر إليها كسلعة تُباع،
-3وقوهلم :إ نن البنت غدت مسة العار ،ن
الربح ،وأنه ميكن أن
أي سلعة أخرى يف اجملتمع النذي يقوم على ن وتُشرتى!! شأهنا يف ذلك شأن ن
تشرتي حريتها باملال!
الرد على الشبهة:
كل جزئينة العلمي ،يأخذ مسارا يف تناول ن الرند على ما سبق يف إطار أصول النقدحصر ن
إن َ َّ
ن
أُثريت.
الشبهات حسب ترتيب َّناذجها: الرُّد على ُّ
ن
د َ ُ َا ُ َ ََ
لَع ٱلند ِ َسآءِ ب َما فَ اض َل ا ُ
ٱَّلل َب ۡع َض ُهمۡ
ِ ٱلرجال قوٰمون
-1تفضيل اهلل تبارك وتعاىل يف قولهِ ﴿ :
َ َٓ َ َُ ْ ۡ َ
[النساء ،]34 :ال يعين معدنه على معدهنا ،فهما شقيقان ۡ ٰ َ َ َٰ
لَع َب ۡعض وبِما أنفقوا مِن أمول ِ ِه َۚم﴾ ...
ۡ
()53
يغض من ينحدران من نفس واحدة ،يقول الشيخ حسن آل الشيخ رمحه اهلل" :وهو تفضيل ال ُّ
قدر إنسانينة املرأة؛ ألنه ناشئ من تفرقة عضوينة بينهما ،ال ِم ْن تفرقة يف اجلوهر واملعدن ،ومثل
هذه التنفرقة ال تستوجب األسى عليها؛ فإ نن فضل اهلل معقود بتزكية النُّفوس ،ال بتفرقة عضوينة
اقتضتها حكمة اهلل؛ لضمان استدامة حياة البشر و تكاملها".
الرند على الننموذج الثاين من الشبهة :ليست عالقة الرجل املسلم باملرأة القريبة والبعيدة -2ن
صور ذلك أعداء اإلسالم ،بل عالقة عداء وتنافر واستبعاد ،ليست عالقة (سادة وعبيد)؛ كما يُ ن
مودة ورمحة ووئام وثقة ،فلماذا هذه الدعوات املتباكية على وضع املرأة يف ديار اإلسالم هي عالقة ن
احملافظة ؟!
استعباد ،وتاهلل ليست املرأة يف ذل ،وال يف استعباد. إ نن التنحرير ال يكون إنال ِمن ِرق ،وقي ٍد ،و ٍ
ن ْ
الرند على الننموذج الثنالث من الشبهة:
-3ن
فعال وكبري يف تكوينه ،وإذا كان علم االجتماع اإلسالمي يف حياة اجملتمع املسلم أثر ن
ن للننظام
كل إنسان ينشأ على ما ينشأ عليه متأثنرا بأنساق بيئته ،وأَّناط سلوك جمتمعه ،فاإلسالم قرر أ نن ن
يُ ن
حيرص على تنقية هذه البيئة من شوائب اجلاهلينة ،ويعمل على حتسّي سلوك إفراد اجملتمع ،ويُسند
العاطفي.
ن فسي و للرجل دورا يليق به يف اجملتمع ،كما يُنيط باملرأة دورا يتنسق بتكوينها النن ن ن
صبنت يف قوالب اجتماعية معينة ،كما يقولون فللمرأة املسلمة ولئن كانت املرأة الغربية قد ُ
ام َغ ۡ ُ ۡ ۡ ۡ ْ َ
ي منهج متفرد يف تربيتها ،أبرز مساته :قوله تعاىل﴿ :أ َو َمن يُنَ اش ُؤا ِِف ٱۡل ِل َي ِة َو ُه َو ِِف ٱۡل َِص ِ
ن
الرجل أن جيتنب ُ
الزينة والنُّعومة؛ فعلى ن مبِني﴾ [الزخرف ،]18 :أي :أ نن البنت إذا كانت تنشأ يف ن
ذلك ،ويأنف منه ،ويربأُ بنفسه عنه.
الشبهات يقول الكاتب الفرنسي (غوستاف لوبون) كاشفا الننقاب عن حقيقة مثل هذه ُّ
الشرق ،لقد بيننا بُ ْعد املضلنلة" :ينسج األوربيون على العموم أفسد اآلراء حول (دوائر احلرمي) يف ن
الص نحة ،فجميع األوربينّي النذين أُتيح هلهم االطِّالع على دوائر احلرمي درجة تلك اإلحكام من ن
وتدبريهن ألمور
ن أوالدهن،
ن بيتهن
اجهن ،وتر ن حب الننساء فيها ألزو ن عن كثب يقضون العجب من ن
حباهلن) ،نمث يقول( :وينظر تقهقرهن إذا ُمحلن على تبديل حاالت األوربينات ن ن اعتقادهن
ن هلن ،و
مناز ن
الصناعة ،واإلشغال ،كما يُنظر إىل الشرقينون إىل األوربينّي النذين يُكرهون نسائهم على التنجارة ،و ن ن
جر عربة ،أو إدارة حجر َرحى". حصان أصيل يستخدمه صاحبه يف ن
()54
الزوجة املسلمة بأمواهلا اخلاصة ،فضال عن مهرها ،كما ال ويقول يف موضع آخر" :تتمتنع ن
يُطلب منها أن تشرتك باإلنفاق على أمور املنزل -كما هو احلال يف الغرب ،-وكذا َّ
فإن املرأة
املسلمة تُعامل باحرتام عظيم ،فضال عن تلك االمتيازات".
ان مهم ِ
تان: وتتجلنى ِممَّا سبق حقيقت ِ
ن
األوىل :أ نه إذا كان من واجبات الغربينّي أن يصبُّوا الننساء الغربينات ،كما يقولون يف قوالب
وميوهلن ٍ
منكوسة؛ لتُالئم مرحلة ثورة التنصنيع النيت متنر هبا أوربا وما شاكلها؛ لتوافق شهواته املريضة،
ن
املمسوخة! واحلال :نأهنم يف منأى عن هدى السماء :فللشرق اإلسالمي وضعه املتمينز ،واملرأة
مطهرة ،عفيفة ،يرمتي أبناؤها على أقدامها؛ خدمة وإجالال!! ويتسابق إخوهتا فيه :كرمية ،مصونة ،ن
يضن اآلباء على بناهتم ،كل أولئك بإحكام رب العاملّي؛ إىل مرضاهتا؛ إكراما وإعزازاُ ،مثن ال ن
سوٍغ النتهاج منهج الكافرين الفاسد. فليس مثن ُم ِّ
الثانيةِ :م َن اليسري بعد هذا ،أن تنكشف حقيقة املغرضّي النذين راموا نيل األمة يف نسائها،
الشبهات.
وهم يُثريون هذه ُّ
وخالصة القول:
-1إ نن قوامة الرجل على املرأة يف اإلسالم ال تعين( :االستبداد) ،وال (القهر) ،وال (اإلذالل)،
وال (التنسخري) للمنافع واملطالب على الننحو النذي ي ندعيه القائلون هبذه الشبة ،إ نن تلك القوامة
تسم إليها نفوس أولئك املغرضّي ،ومن تلك املقاصد اإلسالمينة: ُمنحها الرجل ملقاصد مل ُ
سب املسلم أن يذعن وح ُ الزوجيةَ ،رعاية الننبت اإلنساين الكرمي ،واحملافظة على رونق احلياة ن
شرع لإلنسانينة مايتنفق مع احلكمة النيت جيهلها كثري من الناس. ألمر ربه النذي يُ ن
صرف حق التن ن
اقتصادي ،فلها ُّ
ٌّ -2إ نن املرأة يف اإلسالم غري ممنوعة َم ْن أن يكون هلا استقالل
الرجل ،طاملا نأهنا بالغة رشيدة.
بأمواهلا وممتلكاهتا ،دون وصينة ،أو سلطة من قبل ن
الربانينة.
الشريعة ن
الشبهة ،وبيان ضعفها ،ومدى اإلميان مبتانة ن وبذلك تتجلنى حقيقة هذه ُّ
()55
ثالثاً :الشبهات المثارة على الحجاب:
األولى :الحجاب تزمت ،والدين يُسر:
ت تزم َ
تزمت يف ال ندين ،وال ندين يسر؛ ال ن السفور :بأ نن احلجاب ن ي ندعي بعض دعاة التنربج و ُّ
فيه ،وال تش ندد ،وإباحة السفور مصلحةٌ تقتضيها مش نقة التزام احلجاب يف عصرنا.
اجلواب:
سر فيها ،قال تعاىل: الشرعينة مجيعها يُ ْسر ،ال عُ َ اإلسالمي ،وتكالي َفه ن ن . 1إ نن تعاليم ال ندين
َ َ ُ ك ُم ٱلۡ ُع ۡ َُ ُ اُ ُ ُ ُۡ ۡ َ ََ ُ ُ ُ
س﴾ [البقرة ،]185:وقال تعاىلَ ﴿ :و َما َج َعل َعل ۡيك ۡم ﴿ي ِريد ٱَّلل بِكم ٱليس وَّل ي ِريد ب ِ
ا َ ُ َ ا
كل ُف َن ۡف ٌس إَِّل ُو ۡس َع َها َۚ ﴾ [البقرة]233:؛ فهذه ج ﴾ [احلج ،]78:وقالَّ ﴿ :ل ت َ
ِين م ِۡن ح َر ِۚ
د
ِِف ٱل ِ
الشرع.
اآليات صرحية يف التزام مبدأ التنخفيف ،والتنيسري على النناس يف أحكام ن
َح ٌد إَِّال َغلَبَهُ،
ِّين أ َ
اد الد َ ِّين يُ ْسٌرَ ،ولَ ْن يُ َش َّ ِ
وعن أيب هريرة ،أ نن رسول اهلل قال" :إ َّن الد َ
ُّجلَِة"( ،)1وعن أيب موسى الرْو َح ِة َو َش ْي ٍء ِم َن الد ْ
استَعِينُوا بِالْغَ ْد َوةِ َو َّ ِ
ِّدوا َوقَا ِربُواَ ،وأَبْشُرواَ ،و ْ
فَ َسد ُ
ال" :بَشُِّروا ض أ َْم ِرهِ ،قَ ََص َحابِِه ِيف بَ ْع ِ ثأ ِ
َحدا م ْن أ ْ ول اهلل إِ َذا بَ َع َ َ
األشعري ، قالَ :كا َن رس ُ ِ
َُ
َوَال تُنَ ف ُِّرواَ ،ويَ ِّسُروا َوَال تُ َع ِّس ُروا"(.)2
فكل ما ثبت أنه َّ
فالشارع ال يقصد أبدا إعنات املكلفّي ،أوتكليفهم مبا ال تطيقه أنفسهم ،ن ن
داخل يف مقدورهم ،وطاقتهم.
تكليف من اهلل للعباد ،فهو ٌ
الشرعينة ضوابط جيب مراعاهتا ،وهي: .2مثن ال بُ ند ِم ْن معرفة أ نن للمصلحة ن
الشرع ،وهي :حفظ ال ندين ،والننفس ،والعقل، أ -أن تكون هذه املصلحة مندرجة يف مقاصد َ
فوت هذه األصول، كل ما يُ ن
فكل ما حيفظ هذه األصول اخلمسة فهو مصلحة ،و ن والننسل ،واملال ،ن
ِ
شك أ نن احلجاب ممنا حيفظ هذه الكلِّيَّات ،وأ نن التنربُّج و ُّ
السفور أو بعضها؛ فهو مفسدة ،وال ن
يؤدي هبا إىل الفساد. ن
الصحيح ،فال تُعارض القرآن الكرمي؛ ألن معرفة املقاصد ب -أنال تُعارض هذه املصلحة الننقل ن
الشرعية املنبثقة من أدلتها التنفصيلينة ،واألدلة كلنها راجعة إىل
الشرعينة إَّنا متن استنادا إىل األحكام ن ن
املدلول دليله ،وهو باطل. ُ كتاب اهلل الستلزم ذلك أن يعارض
الكتاب ،فلو عارضت املصلحة َ
()56
للسننة؛ فإ نن املصلحة املزعومة إذا عارضتها اعتُربت رأيا مذموما .وال خيفى وكذلك بالننسبة ن
السنَّة.
مناقضة هذه املصلحة املزعومة لنصوص الكتاب و ُّ
ج -أَّال تُعارض هذه املصلحة القياس ن
الصحيح.
أهم منها ،أو مساوية هلا.
فوت هذه املصلحة مصلحة ن د -نأال تُ ِّ
نص على ُح ْكمه الكتاب والسنة ،كالعبادات والعقود واملعامالت ،وهذا ومن املصاحل ما ن
نص الشارع فيه على العزائم فقط ،بل ما ِم ْن ُح ْكم من أحكام العبادات القسم مل يقتصر ن
فالصالة مثال ُش ِرعت أركاهنا وأحكامها واملعامالت نإال وقد شرع إىل جانبه سبل التنيسري فيه؛ ن
الصالة
ميسرة ألدائها عند حلوق املشقة ،كاجلمع ،والقصر ،و ن وشرع إىل جانبها أحكام ن األساسينةُ ،
بالسفر واملرض.
الصوم أيضا ُشرع إىل جانب أحكامه األساسينة رخصةُ الفطر ن من جلوس ،و ن
يشق االحرتاز منه .وأوجب الصالة ُش ِرع معها رخصة العفو عما ن والطنهارة من الننجاسات يف ن
ورخص يف كشف الوجه احلجاب على املرأة ،مثن نهنى عن النَّظر إىل األجنبينة ،ن
َ اهلل سبحانه وتعاىل
والننظر إليه عند اخلِطبة ،والعالج ،والتنقاضي ،واإلشهاد.
خيل بالوفاق َّ
إذا فليس يف التنيسري الذي شرعه اهلل سبحانه وتعاىل يف مقابلة عزائم أحكامه ما ن
ص ،كأن يُقال: ومعلوم أنه ال جيوز االستزادة يف التنخفيف على ما ورد به النَّ ُّ
ٌ مع ضوابط املصلحة،
الربا
التحرز عن ن
ض َع الصالة عنهم ،أو يُقال :إ نن مشقة ن إ نن مش نقة احلرب بالنسبة للجنود تقتضي َو ْ
يف هذا العصر تقتضي جو َاز التنعامل به ،أو يُقال :إ نن مشقة التزام احلجاب يف بعض اجملتمعات
يباح للمرأة التربنج بدعوى عموم البلوى به. تقتضي أن َ
الثانية :الحجاب من عادات الجاهلية؛ فهو تخلف ورجعية:
قالوا :إ نن احلجاب كان من عادات العرب يف اجلاهلينة ،أل نن العرب طبِعوا على محاية ن
الشرف،
تعصبا لعاداهتم القبلينة النيت جاء اإلسالم
ووأدوا البنات؛ خوفا من العار ،فألزموا النساء باحلجاب؛ ُّ
بذمها وإبطاهلا؛ حىت إ نه أبطل احلجاب ،فااللتزام باحلجاب رجعينة ،وختلنف عن ركب احلضارة ن
قدم.والتن ُّ
والجواب:
فوجه نساء املسلمّي إىل عدم التنربُّج حىت ال ذم اهلل تعاىل تربنج نساء اجلاهلينة؛ ن -1لقد ن
ُۡ َ َب َج ٱلۡ َ ِك ان َو ََّل َت َ ا
َب ۡج َن َت َ ُّ ُ َ َ
جٰ ِهل اِيةِ ٱۡل ٰ
ولِۖ﴾ يتشبهن بنساء اجلاهلينة ،فقال جل شأنه﴿ :وََق ۡرن ِِف ُب ُيوت
ن
ن
[األحزاب.]33:
()57
نمص كان وصل الشعر والتن ن
بذم تغيري خلق اهلل أوضحت أ نن َ كما أ نن األحاديث احلافلة ن
شائعا يف نساء اليهود قبل اإلسالم ،ومن املعروف أنه ِممنا تستخدمه املتربنجات.
صحيح أ نن اإلسالم أتى ،فأبطل عادات ذميمة للعرب ،ولكن باإلضافة إىل ذلك كانت هلم
الشجاعة ،وغري ذلك. الضيف ،واجلود ،و ن أقرها اإلسالم؛ فلم يبطلها ،كإكرام ن عادات مجيلة ن
الذميمة :خروج النِّساء متربنجات ،كاشفات الوجوه واألعناق، وكان ِم ْن ضمن عاداهتم َّ
الزينة ،ففرض اهلل احلجاب على املرأة بعد اإلسالم؛ لريتقي هبا ،ويصو َن كرامتها ،ومينع باديات ن
الفساق واملغرضّي. عنها أذى ن
اضيات بلباسهن النذي ال جيعلهن يف زمرة الرجعي ِ
ات -2إذا كانت الننساء املسلمات ر ٍ
ن ن ن ن
واملتخلنفات؛ فما النذي يثري تدخل اآلخرين يف قضينة فردينة شخصينة كهذه؟!
ميسها
خصية وتقديسها؛ فال جيوز أن ن الش ن
ومن العجب أن تسمع منهم ال ندعوةَ إىل احلرينة ن
يتدخلون يف حرية غريهم يف ارتداء ما شاؤوا من الثياب. أحد ،مثن هم ن
السرت واألخالق يف هذا األمر -3إ نن التنخلنف له أسبابه ،والتنق ندم له أسبابه ،وإقحام شريعة ن
خدعة مكشوفة ،ال تنطلي إَّال على متخلنف عن مستوى الفكر والننظر ،ومنذ مىت كان التق ندم
واحلضارة متعلن َقّي بلباس اإلنسان؟!
توصل إليها اإلنسان بعقله ،وإعمال فكره، طور كان نتيجةَ أحباث َّ إ نن احلضارة والتنق ندم والتن ن
ومل تكن بثوبه ومظهره.
الثالثة :عفة المرأة في ذاتها ،ال في حجابها:
يقول البعض :إ نن عفة الفتاة حقيقة كامنة يف ذاهتا ،وليست غطاء يُلقى ،ويُسدل على
الرجال يف ظاهرها ،وهي فاجرة يف سلوكها ،وكم من فتاة جسمها ،وكم من فتاة حمتجبة عن ن
السوء سبيال إىل نفسها ،وال إىل سلوكها.
حاسرة الرأس ،كاشفة املفاتن ،ال يعرف ُّ
الجواب:
إ نن هذا صحيح ،فما كان للثياب أن تَنسج لصاحبها ع نفة مفقودة ،وال أن متنحه استقامة
ورب فاجرة سرتت فجورها مبظهر سرتها. معدومةَّ ،
من هذا النذي زعم أ نن اهلل إنَّنا شرع احلجاب جلسم املرأة؛ ليخلق الطنهارة يف نفسها،
ولكن ْ
أو العفة يف أخالقها؟!
()58
كل َم ْن مل تلتزمه؛ فهي
ومن هذا النذي زعم أ نن احلجاب إنَّنا شرعه اهلل؛ ليكون إعالنا بأ نن ن ْ
الرجال؟!
تنحط يف وادي الغواية مع ِّفاجرة ُّ
الرجال النذين قد تقع أبصارهم إ نن اهلل عز وجل فرض احلجاب على املرأة؛ حمافظة على ع نفة ن
عليها ،وليس حفاظا على ع نفتها من األعّي النيت تراها فقط ،ولئن كانت تشرتك معهم هي
وإال فهل
األخرى يف هذه الفائدة يف كثري من األحيان نإال أ نن فائدهتم من ذلك أعظم وأخطر ،ن
الرجال كلهم ،ما
احلجة املقلوبة :إ نن للفتاة أن تربز عارية أمام ن
يقول عاقل حتت سلطان هذه ن
دامت ليست يف شك من نقوة أخالقها ،وصدق استقامتها؟!
يات الننساء ،وفتنتهن هو :املشكلة اليت إ نن بالء الرجال مبا تقع عليه أبصارهم من مغر ِ
ن
الرجال إذا مل
حل ،فكان يف شرع اهلل ما تك نفل به على أفضل وجه ،وبالء ن اجملتمع إىل نَ أحوجت
بالسوء إىل الننساء أيضا ،وال يغين عن األمر
احلل اإلهلي ،ما من ريب سيتجاوز ُّ جيد يف سبيله هذا ن
ٍ
باستقامة يف سلوكها ،أو ع نفة يف نفسها ،فإ نن يف ضرام ذلك شيئا أن تعتصم املرأة املتربنجة عندئذ
كل استقامة ،أو عفة تتمتنع هبا املرأة؛ إذ تعرضالرجال ما قد يتغلنب على ن البالء اهلائج يف نفوس ن
من فنون إثارهتا وفتنتها أمامهم.
الرابعة :دعوى أن الحجاب م ْن وضع اإلسالم:
زعم آخرون أ نن حجاب الننساء نظام وضعه اإلسالم ،فلم يكن له وجود يف اجلزيرة العربية،
وال يف غريها قبل ال ندعوة احملمدينة.
والجواب:
-1إ نن من يقرأ كتب العهد القدمي وكتب األناجيل ،يعلم بغري عناء كبري يف البحث أ نن
وظل معروفا بينهم يف أيام
السالم ،ن
حجاب املرأة كان معروفا بّي العربانينّي من عهد إبراهيم عليه ن
وتكررت اإلشارة إىل الربقع يف غري كتاب ِم ْن كتب
أنبيائهم مجيعا ،إىل ما بعد ظهور املسيحينة ،ن
العهد القدمي ،وكتب العهد اجلديد.
ففي اإلصحاح الرابع والعشرين من سفر التكوين عن (رفقة) أهنا رفعت عينيها ،فرأت
الرجل املاشي يف احلقل للقائي؟ فقال العبد:
إسحاق ،فنزلت عن اجلمل وقالت للعبدَ :م ْن هذا َّ
هو سيندي ،فأخذت الربقع وتغطنت.
()59
ويف الننشيد اخلامس من أناشيد سليمان ،تقول املرأة :أخربين يا من حتبنه نفسي ،أين ترعى
عند الظنهرية؟ وملاذا أكون كمقننعة عند قطعان أصحابك؟
جهن ،واملباهاة
ويف اإلصحاح الثالث من سفر أشعيا :إ نن اهلل سيعاقب بنات صهيون على تربُّ ن
الضفائر واألهلة واحللق واألساور والرباقع عنهن زينة اخلالخيل و ن خالخيلهن بأن ينزع ن ن برنّي
والعصائب.
ويف اإلصحاح الثامن والثالثّي من سفر التكوين أيضا ،أ نن تامار مضت ،وقعدت يف بيت
ترملها ،وتغطنت بربقع ،وتل نففت. الزمان ،خلعت عنها ثياب ُّ أبيها ،ولَ َّما طال ن
ويقول بولس الرسول يف رسالته كورنثوس األوىل" :إ نن النقاب شرف للمرأة ،وكانت املرأة
عندهم تضع الربقع على وجهها حّي تلتقي بالغرباء ،وختلعه حّي تنزوي يف ال ندار بلباس احلداد.
فالكتب ال ندينينة النيت يقرؤها غري املسلمّي قد ذكرت عن الرباقع والعصائب مامل يذكره القرآن
الكرمي.
بالزينة يف الطُّرقات قبل امليالد
حترم على املرأة الظُّهور ن الرومان يسنُّون القوانّي النيت ن-2وكان ُّ
حىت يف البيوت.بالزينة ن
حيرم عليها املغاالة ن مبائيت سنة ،ومنها قانون عُرف باسم "قانون أوبيا" ن
تسرت املرأة العربية موفورة ،كوفرة أخبار -3و نأما يف اجلاهلينة :فنجد أ نن األخبار الواردة يف ن
الفجار األوىل؛ إذ إ نن شبابا منانتهاك سرتها كان سببا يف اليوم الثاين من أيام حروب ن سفورها ،و ُ
قريش وبين كنانة رأوا امرأة مجيلة وسيمة من بين عامر يف سوق عكاظ ،وسألوها أن تسفر عن
وجهها فأبت ،فامتهنها أحدهم فاستغاثت بقومها.
الشعر اجلاهلي أشعار كثرية تُشري إىل حجاب املرأة العربينة ،يقول الربيع بن زياد العبسي ويف ن
بعد مقتل مالك بن زهري:
أت نس وتنا ب ِ
وجه هن ا ِر ف لي ِ مبقتل ٍ
مالك من كا َن مسرورا ِ ْ
يلطمن أوجههن باألسحار َ جي د النس اء ح واس را يندبن ه
ّي ب رز َن للنُّ ظ ار
فالي وم ح َ تسرتا
ق د ك نن ُخيب أ نن ال وج وه ُّ
اهبن؛
كن حمجبات نإال يف مثل هذه احلالة؛ حيث فقدن صو ن العامة لديهم :أ نن النساء نفاحلالة ن
تسرت وقناع.
عما اعتادت من ُّ ِ
شفن الوجوه ،ي ْلطمنها؛ أل نن الفجيعة قد تنحرف باملرأة ن ف َك َ
األصمعي أ نن املرأة كانت تُلقي مخارها؛ حلسنها وهي على ع نفة ،وكانت أغطية ُّ وقد ذكر
شىت ،منها:
متنوعة ،وهلا أمساء نرؤوس النساء يف اجلاهلينة ن
()60
لف على جزء من الوجه. الرأس ،ويُ ن اخلمار :وهو ما تُغطني به املرأة رأسها ،يُوضع على ن
وقد ورد يف شعر صخر يتح ندث عن أخته اخلنساء:
ت خ م اره ا كت م زق ُ ول و هَل ْ واهلل ال أم ن ح ه ا ش راره ا
صان قد َكفْتين عارها وهي َح َ وجعلت من ِشعر صدارها
ُ
ومل يكن اخلمار مقصورا على العرب ،وإنَّنا كان شائعا لدى األمم القدمية يف بابل وأشور
وفارس والروم واهلند.
ِّقاب ِعْند الْ َعَر ِب ُه َو :الَّ ِذي يَْب ُدو ِمْنهُ امل ْح ِجر)(.)1
َ
الننقاب :قال أبو ٍ
عبيد-رمحه اهلل(:-الن
َ
الوصواص :وهو الننقاب على ما ِرن األنف ال تظهر منه نإال العينان ،وهو الربقع الصغري،
ويسمى اخلنق ،قال الشاعر :يا ليتها قد لبست وصواصا. ن
الربقع :فيه خرقان للعّي ،وهو لنساء العرب ،قال الشاعر:
فقد رابين منها الغداة ُسفورها جئت ليلى تربقعت
كنت إذا ما ُ و ُ
الخامسة :االحتجاج بقاعدة( :تبدل األحكام بتبدل الزمان):
الزمان) ،وقاعدة( :العادة حم نكمة) تبدل األحكام ُّ
بتبدل ن فَ ِهم أعداء احلجاب من قاعدةُّ ( :
الشرعينة كذلك.
بتطور األزمان؛ فال بُ ند أن تكون األحكام ن
متطورة ن
أ نه ما دامت أعرافهم ن
الجواب:
ال ريب أ نن هذا الكالم لو كان مقبوال على ظاهره؛ القتضى أن يكون مصري شرعينة األحكام
لكن حتقيق املراد من
كلنها رهنا بيد عادات النناس وأعرافهم ،وهذا ال ُميكن أن يقول به مسلم ،ن
هذه القاعدة :أ نن ما تعارف عليه الناس ،وأصبح عرفا هلم ،ال خيلو من حاالت:
الشرع ،أو كان موجودا فيهم
-1نإما أن يكون هو بعينه حكما شرعيًّا أيضا بأن أوجده ن
الصالة ،وسرت العورة
فدعا إليه ،وأ نكده ،مثال ذلك :الطنهارة من الننجس واحلدث عند القيام إىل ن
()61
وح ْجب املرأة زينتها عن األجانب ،والقصاص واحلدود وما شابه ذلك ،فهذه كلُّها أمور فيهاَ ،
تع ند من أعراف املسلمّي وعاداهتم ،وهي يف نفس الوقت أحكام شرعينة ،يستوجب فِ ْعلها الثنواب،
رعي؛ مؤيندا،
الش ُّ وتركها العقاب ،سواء منها ما كان متعارفا عليه قبل اإلسالم ،مثن جاء احلكم ن
وحمسنا له ،كحكم القسامة ،وال ندية ،والطنواف بالبيت ،وما كان غري معروف قبل ذلك ،وإنَّنا ن
الصالة ،وازلنكاة ،وغريها.
أوجده اإلسالم نفسه ،كأحكام الطنهارة ،و ن
الصورة من األعراف ال جيوز أن يدخلها التنبديل والتنغيري ،مهما تب ندلت األزمنة، فهذه ُّ
الدنيا،وتطورت العادات واألحوال؛ ألهنا حب ند ذاهتا أحكام شرعينة ثبتت بأدلة باقية ما بقيت ُّ ن
وليست هذه الصورة هي املعنينة بقول الفقهاء( :العادة َّ
حمكمة).
رعي بأن كان مناطا ِبه ،مثال الش ُّوإما َّأال يكون حكما شرعيًّا ،ولكن تعلنق به احلكم ن -2ن
ذلك :ما يتعارفه النناس من وسائل التنعبري ،وأساليب اخلطاب والكالم ،وما يتواضعون عليه من
األعمال املخلنة باملروءة واآلداب ،وما تَفرضه سننة اخللق واحلياة يف اإلنسان؛ ِممَّا ال دخل لإلرادة
سن البلوغ ،وفرتة احليض والننفاس ،وما إىل ذلك. والتنكليف فيه ،كاختالف عادات األقطار يف ن
احلكم متعلَّق عليها ،ومناط هبا،
لكن َ فهذه األمثلة :أمور ليست حب ند ذاهتا أحكاما شرعيًّة ،و َّ
حمكمة) ،فاألحكام املبنينة على الصورة من العرف هي :املقصودة من قول الفقهاء( :العادة َّ وهذه ُّ
يصح أن يُقال( :ال يُْنكر تب ندل األحكامبتغري العادة ،وهنا فقط نتتغري ن العرف ،والعادة ،هي :الَّيت ن
باق ،وإنَّنا مل تتوافر له شروط التنطبيق؛ألن احلكم ٍ للشريعةَّ ،
الزمان) ،وهذا ال يُع ند نسخا ن ُّ
بتبدل ن
فطُبِّق غريه.
تغريت ،فمعىن ذلك :أ نن حالة جديدة قد طرأت تستلزم تطبيق حكم يوضحه :أ نن العادة إذا نن
تغري العادة استلزم توافر شروط معيننة لتطبيقه. ٍ
كن ناألصلي باق ،ول ن
ن آخر ،أو أ نن احلكم
السادسة :الحجاب يُعطل نصف المجتمع:
قالوا :إ نن حجاب املرأة يُعطنل نصف اجملتمع؛ إذ إ نن اإلسالم يأمرها أن تبقى يف بيتها.
الجواب:
ِك ان َو ََّل َت َ ا
َب ۡج َن
ُ َ َ
﴿ َوق ۡرن ِِف ُب ُيوت
-1إ نن األصل يف املرأة :أن تبقى يف بيتها ،قال اهلل تعاىل:
ُۡ َ َب َج ٱلۡ َ
َت َ ُّ
جٰ ِهل اِيةِ ٱۡل ٰ
ولِۖ ﴾ [األحزاب .]33:وال يعين هذا األمر :إهانة املرأة ،وتعطيل طاقاهتا ،بل هو
التَّوظيف األمثل لطاقاهتا.
()62
-2وليس يف حجاب املرأة ما مينعها من القيام مبا يتعلنق هبا من الواجبات ،وما يُسمح هلا
بكل
به من األعمال ،وال حيول بينها وبّي اكتساب املعارف والعلوم ،بل نإهنا تستطيع أن تقوم ن
ذلك مع احملافظة على حجاهبا ،وجتنُّبها االختالط املشّي.
الساتر ،وابتعد َن عن خمالطة الطَُّّالب قد
تدين الثَّوب َّ وكثري من طالبات اجلامعات َّ
الاليت ار َ
كن يف موضع تقدير واحرتام من مجيع املدرسّي السبق يف مضمار االمتحان ،و َّ أحرز َن قصب َّ
والطَُّّالب.
وتركها األعمال الَّيت ال ُميكن أن يقوم هبا
الرجل يف أعمالهْ ، -3بل َّ
إن خروج املرأة ومزامحتها َّ
وفشو الفساد،
السبب يف اهنيار اجملتمعاتِّ ، غريها هو :الَّذي يُعطِّل نصف اجملتمع ،بل هو َّ
مهمة رعاية النَّشء وتربيتهم والعناية هبم ،وهي من أشرف ألن ناألسر؛ َّ
وانتشار اجلرائم ،وانفكاك َ
عائل ،وال ر ٍ
قيب. املهام ،وأعظمها ،وأخطرها ،أضحت بال ٍ ن
()63
وتذكر جزء آخر؛ ويعود سبب ذلك إىل طبيعة تركيبة جسمها ،وما متر هبا من نسيان جزءُّ ،
تغريات نتيجة احلمل والوالدة جيعلها تفقد جزءا من ذاكرهتا.
الرجل وشهادة املرأة ،كما يف حال اللِّعان ،وهي -3شهادة اللِّعان الَّيت تتساوى فيها شهادة َّ
ُ ا َ َ َ اهتام باخليانة الزوجية ،قال تعاىلَ ﴿ :و اٱَّل َ
ِين يَ ۡر ُمون أ ۡز َو ٰ َج ُه ۡم َول ۡم يَكن ل ُه ۡم ن احلالة الَّيت حيصل فيها ن
خٰ ِم َس ُة أَ ان لَ ۡع َنتََ ۡ َ َ ٰ ا اُ َ َ ا
ت بِٱَّللِ إِنهۥ ل ِمن ٱلص ِدقِني ٦وٱل ٰ ُ َ َ ٓ ُ ا ٓ َ ُ ُ ُ ۡ َ َ َٰ َ ُ َ َ ۡ َ ۡ َ ُ َ َٰ َ
شهداء إَِّل أنفسهم فشهدة أح ِدهِم أربع شهد ِۭ
َ ا ا َ
َۡ َ َ ََۡ َ َ َ َ ََۡ َ ُْ َ َۡ َ َ َ
ۡ ۡ َ َ َ ا َ َۡ
ت بِٱَّللِ إِن ُهۥ ل ِم َن َ
ٱَّللِ عليهِ إِن َكن م َِن ٱلكٰذِبِني ٧ويدرؤا عنها ٱلعذاب أن تشهد أربع شهٰد ٰ ِۭ
َ ٰ َ ۡ َٰ َ َ َ ا َ َ َ ا َ ََۡٓ َ َ َ ا كٰذِب َ ۡ َ
دقِني ﴾ [النور.]9-6: ني ٨وٱلخ ِمسة أن غضب ٱَّللِ عليها إِن َكن مِن ٱلص ِ ِ ٱل
-4شهادة الوالدة وإحقاق الننسب للمولود والرضاعة كلُّها شهادات تنفرد فيها املرأة دون
تض ْع ُت :قَ ْد أ َْر َاب ب ِن عَُزيْ ٍز ،فَأَتَ ْتهُ ْامَرأَةٌ فَ َقالَ ْ الرجل ،فعن عُ ْقبةَ بْ ِن احلا ِر ِث ،أَنَّهُ تَ َزَّوج ابْنَة ِألَِيب إِ َه ِ
َ َ َْ َ ن
آل أَِيب إِ َه ٍ َخب رتِِين ،فَأَرسل إِ َىل ِ َّك أَر ِ
ال َهلَا عُ ْقبَةَُ :ما أ َْعلَ ُم أَن ِ ْ َ عُ ْقبَةََ ،والَِّيت تَ َزَّو َج ،فَ َق َ
اب ََْ ض ْعت ِينَ ،والَ أ ْ َ ْ
ول
ال َر ُس ُ َّيب بِالْ َم ِدينَ ِة ،فَ َسأَلَهُ ،فَ َق َ ب إِ َىل النِ ِّ
ِ يسأَ ُهلم ،فَ َقالُوا :ما علِمنَا أَرضعت ِ
صاحبَتَ نَا ،فَ َرك ََ َ ْ ْ ََ ْ َ َ ْ ُْ
ِ ِ
ت َزْوجا َغْي َرهُ(.)1 يل" ،فَ َف َارقَ َها َونَ َك َح ْ ف َوقَ ْد ق َ اللَّه َ " :كْي َ
خاص يفيتبّي لنا ِممَّا سبق أ نن وجوب وجود امرأتّي يف الشهادة مع رجل واحد ،هو أمر ٌّ ن
الشهادات؛ ِممَّا ينفي وجود متييز يف احلقوق بّي الرجل واملرأة ،وممَّا املداينة فقط ،دون سائر أنواع ن
الضمانات يف الدين احلنيف يهدف إىل توفري َّ ينفي املساس بكرامة املرأة ،بل ُج َّل ما يف األمر أ نن ِّ
ال َّشهادة ،وزيادة االستيثاق إليصال احلق إىل أصحابه.
الزوجات:
خامسا :تعدد َّ
قره اإلسالم ،ويعدون أ نن فيه: َّ يعرتض أنصار حقوق املرأة على نظام ُّ
الزوجات الذي يُ نتعدد َّ
الرجل ،إضافة إىل َّ
أن إهدارا لكرامة املرأة ،وإجحافا حبقها ،واعتداء على مبدأ املساواة بينها وبّي ن
بعضهن مع بعض؛ فتشيع ن الزوجاتالزوج وزوجاته ،وبّي ن
يف هذا األمر مدعاة للنزاع ال ندائم بّي ن
أسي برتكيا وتونس اللَّتّي
الفوضى ،ويشيع االضطراب يف حياة األسرة؛ ولذلك هم يَدعون إىل التَّ ِّ
أن هؤالء األشخاص لو اطَّلعوا على إحصاءات الزواج ،مع َّ
عدد ،وفرضتا نظام أحادية ن ألغتا نظام التَّ ُّ
ّي؛ َّ
لبدلوا رأيهم أو بعضا من آرائهم. الدولت ِ
احملاكم يف هاتّي َّ
سادساً :الطَّالق:
يعرتض كثري من املعاصرين على كون الطَّالق بيد الرجل ،ومن املفيد اإلشارة إىل النَّقاط
التَّالية:
الشرع الَّيت ال ختلو
اإلسالمي يفرض عليهما االلتزام بأحكام َّ
َّ الزوجّي االرتباط
إن قبُول ََّّ -1
الزوج أن حتمي هبا نفسها ،كأن جتعل للزوجة اخلائفة على نفسها من َّ كن َّ َّ
من بعض احلقوق اليت ُمي ُ
خاصة.
الزواج شروطا ًّ العصمة بيدها ،وأن تشرتط يف عقد َّ
األول
املتضرر َّ ٍ إن حصر اإلسالم الطَّالق يف يد َّ َّ -2
الزوج إنَّنا يعود لعدة أسباب ،أمهُّها :كونه ن
من النَّاحيَّة املاديَّة؛ فهو الَّذي جيب عليه املهر والنَّفقة ملطلقته ولعياله طوال فرتة
من الطَّالق؛ ن
الع ندة واحلضانة ،هذا األمر جيعله أكثر ضبطا لنفسه من املرأة الَّيت قد ال يُكلِّفها أمر رمي ميّي
الطَّالق شيئا.
الزوج ،وعدم إعالنه للقاضي نإال يف حاالت قصوى ،إنَّنا يعود إن حصر الطَّالق بيد َّ َّ -3
ألن (معظم أسباب الطَّالق تتمثنل يف أمور ال ِ
يص ُّح سرت الَّذي يدعو إليه اإلسالم؛ َّ ملبدأ التَّ ُّ
إعالهنا؛ حفاظا على كرامة األسرة ،ومسعة أفرادها ،ومستقبل بناهتا وبنيها).
()67
َ ۡ ُ ُ ا َ ۡ ََ َۡ ُ ۡ ََ َُۡ ْ َۡ َ َ اٰ َ َ ُ َ ُ ُ َ ُ ا َ ُ ُ ا َ ۡ ُ ُ ُ
وه ا
ٱَضبوهن فإِن أطعنكم فَل تبغوا
ِ و عِجِ اض م ٱل ِف
ِ ن وٱل ِِت َتافون نشوزهن ف ِعظوهن وٱهجر
َ َۡ ا َ ً ا اَ َ َ َ د َ
علي ِهن سبِيَل ِۗ إِن ٱَّلل َكن عل ِيا كبِيا﴾ [النساء.]34:
()69
وإال لكانوا حّي َج َعلوا هلل بُ ننوة نأال إعمال ِ
الفكر يف ُم ْعتَ َقداهتم ،ن ألن هؤالء القوم ال ُحي ِسنون َ َّ
ٍ
مستضعفات. ٍ
مكروهات جيعلوا له بُ ننوةَ اإلناث ،وهم يعدُّون اإلناث
َ ُۡ ا َ َ
[آل عمران.]36 : -2دفع الشبهة حول قوله تعاىلَ ...﴿ :وليۡ َس ٱَّلك ُر كٱۡل َ ٰ
نَثِۖ﴾...
بعض النناس هذه اآلية على َّأهنا احلُكم النذي ال يقبل املداولة ،على متييز َّ
الذكر و ْارتفاعه يُ ِّردد ُ
الصحيح يُعطي معىن مغايرا ملا يستدلُّون به؛ إ ْذ أن تفسريها ن شرط ،مع َّ على األنثى دون ْقيد ،أو ْ
وضعت مرمي؟
ْ جاءت هذه اآلية الكرمية يف مع ِرض احلديث عن مرميَ و ِّأمها ،وكيف ْ
َ َ ۡ َ ا
ٱَّلل أعل ُم ب ِ َما َوض َع ۡت﴾ [آل عمران ]36 :قرأ أبو بكر، قال اإلمام الشوكاين رمحه اهلل" :قولهَ ﴿ :و ُ
ُّ
بض ِّم التاء ،فيكون ِمن مجلة كالمها ،ويكون متصال مبا قبله ،وفيه معىن :التنسليم هلل، وابن عامر َ
ت) ،بسكون التَّاء ،فيكون من ض َع ْ
واخلضوع ،والتنزيه له أ ْن خي َفى عليه شيء ،وقرأ اجلمهورَ ( :و َ
ِ ِ ِ
حيث وقَع منهاكالم اهلل سبحانه على جهة التعظي ِم ل َما وضعْته ،والتنفخيم لشأنه ،والتنجليل هلا؛ ُ
أن هذه األنثى اليت وضعْتها سيجعلها اهلل وابنَها آية للعاملّيِ ،
وع ْربة التحزن ،مع َّ التحسر ،و ُّ ُّ
ت) بكسر التاء على أنَّه ضع ِ ِ
خيتص به أحدا ،وقرأ ابن عباس( :مبَا َو َ ْ وخيتصها مبا مل َُّّ للمعتربين،
ِخطاب من اهلل سبحانه هلا؛ أي :إ نك ال تَ ْعلمّي ق ْد َر هذا املوهوب ،وما َعلِم اهلل فيه من األمور
عندها العقول.
تتقاصر عنها األفهام ،وتتضافَر َ َ اليت
ََۡ َ ا َ َ ُۡ
الذكر الذي طلبت ،كاألنثى اليت وضعتَّ ،
فإن نَثِۖ﴾ أي :وليس َّ ٱَّلك ُر كٱۡل َ ٰ قوله﴿ :وليس
ادت ِمن كونه ذكرا أن يكون نذرا خادما لل َكنيسة ،وأمر هذه األُنْثى عظيم ،وشأهنا غاية ما أر ْ
فخيم ،وهذه اجلُملة اعرتاضيَّة مبيِّنة لِ َما يف اجلملة األوىل من تعظي ِم املوضوع ،ورفْع شأنهِّ ،
وعلو
(الذكر) ،و(األنثى) للعهد ،هذا على قراءة اجلمهور ،وعلى قراءةِ ابن عباس، الالم يف َّ منزلته ،و َّ
ََۡ َ ا َ َ ُۡ
نَثِۖ﴾ ِمن مجلة كالمها، ٱَّلك ُر كٱۡل َ ٰ أما على قراءةِ أيب بكر ،وابن عامر :فيكون قوله﴿ :وليس و َّ
أردت أن يكون خادما ،ويصلح للنَّذر كاألُنثى وحتزهنا؛ أي :ليس َّ ِ
الذكر الذي ُ حتسرهاُّ ، ومن متام ُّ
صلُح لذلك)(.)1 اليت ال تَ ْ
()72
البخاري باب :ما يُذكر ِمن شؤم ُّ وبوب عليهما شيء ،فَِفي املرأةِ ،وال َفَر ِس ،وامل ْسك ِن"َّ ، كا َن يف ٍ
َ
ال َفَرس.
ظ يف الفتح(" :قوله باب ما يذكر من شؤم الفرس)؛ أي :هل هو على ِ
عمومه أم قال احلاف ُ
َ ُ
بعد
حديث سهل َ ِ خمصوص ببعض اخلَْيل ،وهل هو على ظاهره أم ُم َّؤول ...وقد أشار بإيراد
حديث ابن عمر ليس على ظاه ِره ،وبرتمجة الباب الذي ِ أن احلصر الذي يف حديث ابن عمر إىل َّ
أن الشؤم خمصوص ببعض اخليل دون بعض ،وكل ذلك ِمن لطيف بعده ،وهي (اخليل لثالثة) إىل َّ َ
ودقيق فِكْره"(.)1
نظ ِرهِ ،
بدليل ل ْفظ حديث سهل" :إ ْن كا َن إثبات الطِّريةِ ، الشؤم يف ٍ وليس يف قوله َّ " :إَّنا ُّ
ثالثة" ٌ
ِ ٍ
أن الشؤم لو كان جائزا ،لكان يف هذه األشياء الدا ِر" ،ولكنَّه َ
عىن َّ الفر ِس و َّ
يف شيء ،ففي املرأة و َ
تطري به الناس.
أكثر ما يَ َّ ِ ِ
الثالثة؛ لطول مالزمتها ،ولكوهنا َ
التطري:
وبّي أحاديث الننهي عن ُّ وقد اختلف العلماءُ يف فَ ْهم هذه األحاديث والتوفيق بينها ْ
أن هذا فمنهم َمن محلها على ظاهرها ،ورأى َّ ف يس ٍريِ :- بتصر ٍ
قال ابن القيم-رمحه اهللُّ -
دار يُكره ُس َّكناها ،أو امرأة يَكْره منهي عنها نإال أن يكون له ٌ مستثىن من الطِّرية؛ أي :الطِّرية ٌّ
فليفارق اجلميع بالبيع وحنوه ،وطالق املرأة. ِ صحبتها ،أو فرس ،أو خادم،
عدم والدهتا ،وسالطةُ ِ وقال آخرونُ :شؤم َّ ِ
الدار :ضيقها ،وسوء جرياهنا وأذاهم ،وشؤم املرأةُ :
وشؤم ِ
اخلادم: للريب ،وشؤم ال َفَرس :أال يُ ْغَزى عليها ،وقيلِ :حرا ُهنا وغالءُ مثنهاُ ، وتعرضها ن لساهناُّ ،
سوء ُخلُقه ،وقلَّة تعهده ملا فُ ِّوض إليه.
وتطري هبا؛ فيكون ؤم يف هذه الثالثة َّإَّنا يَْل َحق َمن تشاءم هباَّ ، الش ُ
وقالت طائفةٌ أخرىُّ : ْ
يتطري ،مل تكن مشؤومة عليه ،قالواُّ :
ويدل ومن توَّكل على اهلل ،ومل يَتشاءَم ،ومل َّ ُشؤمها عليهَ ،
وتشاؤَمه
العبد ُ طري" ،وقد جيعل اهلل -سبحانه -تَطيُّ َر ْ حديث أنس " : الطَِّرية على َمن تَ َّ ُ عليه
الرجاء ِمن أعظ ِم األسباب حللول املكروه به ،كما جيعل الثِّقةَ ،والتوُّك َل عليه ،وإفر َاده باخلوف و َّ سببا ِ
املتطري به.
الشر َّ اليت يَدفَع هبا َّ
()73
وعدم التَّوُّكل عليه،الشرك باهلل تعاىل ،واخلوف من غريهَ ، أن الطِّرية إَّنا َّ
تتضمن َّ وسر هذاَّ : ُّ
يتدرع من فيتسرع نفوذها فيه؛ ألنَّه مل َّ
الشِّر والبالءَّ ، غرضا لسهام َّ والثِّقة به ،فكان صاحبُها َ
أحب مع اهلل أن َمن َّ كل َمن خاف شيئا غري اهلل ُسلِّط عليه ،كما َّ التَّوحيد ،والتَّوُّكل جبُنَّة واقية ،و ُّ
غريه ُخ ِذل ِمن جهته ،وهذه أمور جت ِربتُها تكفي عن أدلَّتها، رجا مع اهلل َ ومن َ غريه عُ ِّذب بهَ ،
موجب تطريه بالتَّوُّكل على اهللَّ ،
فإن تتطري ،ولكن ِ
املؤمن القوي اإلميان ي ْدفَ ُع والنَّفس ال ب َّد أن َّ
َۡ
َ َ ََ َ َُۡۡ َ َ ۡ ۡ ا
ٱس َتعِذ بِٱَّللِ م َِن وحده ،كفاه ِمن غريه؛ قال تعاىل ﴿ :فإِذا قرأت ٱلقرءان ف َمن توَّكل على اهلل ْ
ۡ ا اُ َ ِين َء َام ُنوا ْ َو َ َ ٰ
لَع َر دب ِ ِه ۡم َي َت َوّكون ٩٩إِن َما ُسل َطٰ ُن ُهۥ لَع اٱَّل َ
ا ُ َۡ َ َُ ُ َۡ ٌ ََ
جي ِم ٩٨إِنهۥ ليس َلۥ سلطٰن ا ا َۡ
ٱلشيطٰ ِن ٱلر ِ
ُ ۡ ُ َ ََ ا َ َََاَُۡ َ ا َ ُ
ابن مسعود" :وما منَّا ُ قال وهلذا ؛ ّشكون ﴾ [النحل]100-98 : ِ م ِۦ هِ ب مه لَع ٱَّلِين يتولونهۥ وٱَّلِين
لكن اهلل يذهبه بالتوُّكل". التطري -و َّ
إال -يعينَ :من يقارب ُّ
وتطري ،و َّأما
مبن تشاءم هبا َّ الفرس قد يكون خمصوصا ْ الدار واملرأة و َ فالشؤم الَّذي يف َّ
قالواُّ :
الفرس واملرأة والدار ال يكون شؤما فإن َ يتشاءمَّ :
ْ وح َده ،ومل يتطيَّ ْر ومل
َمن تونكل على اهلل وخافَه ْ
يف حقِّه(.)1
تضر
اب ُّ أن الطَِّرية مذمومةٌ كلنها ،وأنه ليس شيءٌ ِمن الننساء ،أو الدُّور ،أو َّ
الدو ن حيحَّ :
الص ُ و َّ
العبد بامرأة سيِّئة اخللق ،أو دار
الشِّر ،وقد يَبتلي َ خالق اخلري و َّأو تنفع َّإال بإذن اهلل ،فهو سبحانه ُ
شرع للعبد التَّخلُّص ِمن ذلك؛ فرارا ِمن قَ َد ِر اهلل إىل قَ َدر اهلل ،وحذرا من يكثر فيها العطَب ،فيُ َ
الوقوع يف التَّشاؤم املذموم.
-2شبهة نقصان عقل المرأة ودينها:
عنق ِ ِ
رجال أو امرأة إال وحيفظ هذه العبارة( :املرأة ناقصة عقل ودين) ،ويلوي َ جتد ُ قل أ ْن َ
َّ
صدق فيه قول القائل: اإلسالم بظلم املرأة ،ويَ ُ صم النص؛ ليطعن به النساء ،وي ِ
َ َ َ
ِ
السقي ِم ِ
َوآفَتُهُ م َن ال َف ْه ِم َّ صحيحاِ ِ ِ
وَك ْم م ْن َعائ ٍ
ب قَ ْوال َ َ
وملناقشة هذا القول ،نقول:
أض َحى ،أو فِطر إىل املصلَّى َّ
فمر رسول اهلل يف ْ خرج ُ
عن أيب سعيد اخلُدري قالَ :
ٍ
أكثر أهل النار" ،فقلنِ :وِبَ يارسول
يتكن َ معشر النساء ،تَصدقْ َن ،فإين أر َّ على النساء ،فقال" :يا َ
ب الرجلأذهب للُ ِّ ِ ِ اهلل؟ قال" :تُكثِر َن اللعن وتَك ُفر َن العشري ،ما ر ِ
أيت من ناقصات عقل ودين َ ُ ْ ْ َْ
()76
مراجع الوحدة الثالثة
()77
الوحدة الرابعة:
النوازل في قضايا المرأة المعاصرة
( )1يتكون من ديباجة وثالثّي مادة ،وقد أقرته اجلمعية العامة لألمم املتحدة بتاريخ (1948/12/10م).
( )2حقوق اإلنسان /حممود بسيوين وآخرون-اجمللد األول ص ،18حقوق اإلنسان /حممد الزحيلي ص.392
( )3أصدرت هذا اإلعالن اجلمعية العامة لألمم املتحدة يوم 20تشرين الثاين/نوفمرب 1963م القرار ( 1904د.)18-
( )4املرجع السابق :ص58-55
()79
-2مفهوم المساواة في الفكر الغربي:
من خالل الوثائق اليت أشرنا إليها عند احلديث عن نشأة مفهوم املساواة ومطالبات احلركات النسوية
نرى أن هناك اهتماما كبريا بقضية املساواة يتناسب مع ما كانت تعانيه املرأة يف الغرب من اإلمهال والتمييز
يف املعاملة واحلقوق ويف سائر أمور احلياة ،األمر الذي جعلها تنص على املساواة التامة بينها وبّي الرجل يف
مجيع ميادين وجماالت احلياة املختلفة ،يف احلقوق والواجبات وااللتزامات واملسؤوليات دون استثناء أو مراعاة
لالختالفات يف تكوين املرأة وفطرهتا وطبيعتها .وبالنظر للمواد السابقة للقوانّي ميكن أن نقول :إن مفهوم
املساواة -كحق أساسي من حقوق اإلنسان باملفهوم الغريب -يعين املساواة املطلقة بّي الرجل واملرأة يف
مجيع جوانب احلياة.
( )1انظر :أصل وطبيعة اجلنس/الليدي بالونت نقال عن صحيفة اهلدف -العدد (.)1247
()84
ه -االختالف يف احلنجرة :وحنجرة املرأة أصغر من حنجرة الرجل وأقل تصلبا ،وكذلك ختتلف أوتار
الصوت املوجودة يف حنجرة املرأة عنها يف الرجل ،وعلى هذا يظهر االختالف بّي صويت اجلنسّي ،فصوت
املرأة أرق وأنعم -عادة -من صوت الرجل.
و -االختالف يف اجلهاز التناسلي :فهناك فروق واضحة بّي اجلهاز التناسلي يف املرأة وبّي اجلهاز
التناسلي عند الرجل ،كما هو معلوم (.)1
ز -االختالف يف اجلهاز العصيب :وخيتلف اجلهاز العصيب يف اجلنسّي اختالفا ظاهرا ،فإذا ما نظرنا
إىل أهم جزء فيه وهو املخ ،وجدناه أكرب يف الرجل ،وأثقل وزنا .وقد كتبت أحباث لبعض العلماء تتلخص
يف أن مخ املرأة -ما بّي سن العشرين والستّي -يقل عن مخ الرجل يف نفس هذه السن ،مبقدار يرتاوح
بّي 126و 164غراما ،ويقل وزن مخ املرأة -ما بّي سن الستّي والتسعّي -مبقدار يرتاوح بّي 123
و 158غراما من وزن مخ الرجل يف نفس السن.
وكذلك يوجد فرق كبري بّي مخ الطفل والطفلة بعد الوالدة ،فمخ الطفلة يقل يف وزنه عن مخ الطفل
مبقدار 46غراما.
واالختالفات ليست قاصرة على الفرق بّي وزن مخ اجلنسّي وحجمهما ،بل هناك اختالفات أخرى
ظاهرة يف شكل املخ :فالتعاريج واالخنفاضات واالرتفاعات اليت على سطح مخ الطفل متعددة وأكثر وضوحا
َّي الرجل واملرأة .وعلى وجه عام فمخ املرأة
مما هي عند الطفلة .ويظهر هذا االختالف كذلك جليا يف ُخم ِّ
أبسط يف تركيبه من مخ الرجل.
وأما االختالفات في الوظائف العضوية :فإن املرأة ختتلف عن الرجل يف الوظائف العضوية اختالفا
بينا -تبعا لالختالفات التشرحيية -وأهم هذه االختالفات وأظهرها:
أ -احليض واحلمل والوضع والرضاعة :فهذه األمور كلها خاصة باملرأة دون الرجل ،وقد جهز اهلل عز
وجل املرأة باألجهزة اليت تستدعيها هذه الوظائف.
ب -الدورة الدموية والدم :وختتلف الدورة الدموية يف املرأة عن الرجل ،فنبض قلب الرجل ينقص يف
دقاته عن نبض املرأة ،ومتوسط دقات قلب الرجل يف الدقيقة الواحدة ،84يقابله يف املرأة .94
ويف حالة احلمل ختتلف الدورة الدموية يف املرأة اختالفا ظاهرا؛ ناشئا عن وجود اجلنّي الذي حيتاج إىل
نظام خاص يف التغذية.
بل إن دم الرجل خيتلف عن دم املرأة ،ومن ذلك أنه يف املليمرت املكعب حيتوي دم الرجل على 5إىل
5،5ماليّي كرة دم محراء ،وحيتوي دم املرأة على 4،5إىل 4،8ماليّي .وهذا الفرق الظاهر بّي دم املرأة
ودم الرجل له تأثري كبري يف تكوين جسم املرأة والرجل(.)1
( )1جملة (( الريدرز داجيست )) يف عدد ديسمرب عام 1979م .وهذا املقال ملخص لكتاب (( الدماغ :آخر احلدود )) للدكتور ريتشارد
ديستاك .نقال عن كتاب :عمل املرأة يف امليزان /حممد البار ص 80وما بعدها.
()87
وأخريا جاء يف هذا املقال "ويقول أستاذ علم النفس يف جامعة جورجيا توراناس :إن املساواة بّي اجلنسّي
تشكل عقبة كأداء يف القدرات اخلالقة .فالقدرات اخلالقة لدى الفتاة حتتاج إىل احلساسية والصفات األنثوية،
بينما حتتاج يف الفىت إىل االستقاللية وصفات الرجولة .وعلينا أال نتجاهل احلقائق العلمية البيولوجية ،فنحاول
أن جنعل تربية الفىت مماثلة لرتبية الفتاة ،ودور الفىت يف احلياة مماثال لدور الفتاة ،ألننا فقط نرغب يف ذلك..
فهذا التفكري املبين على الرغبات يصادم احلقائق العلمية" ا .ه باختصار
كما أن النمو العقلي يزداد عند الذكور خالل فرتة املراهقة عنه عند اإلناث ،وإن تساوى اجلنسان يف
املستوى العقلي العام ،إال أهنما خيتلفان يف املدى والدرجة..
وقد دلت إحصائية خاصة ( )1أن النساء يتفوقن يف األدب ،والفن ،واألعمال الكتابية ،واخلدمة
االجتماعية ،والتدريس يف رياض األطفال ،واملدارس االبتدائية .بينما يتفوق الرجال يف النواحي اجلسمية،
واألعمال امليكانيكية ،والعلوم الطبيعية ،والرياضيات ،والسياسة ،واالقتصاد ،واالخرتاع.
وقد توصل العلماء إىل أول دليل يشري إىل وجود اختالف فيزيولوجي بّي دماغ املرأة ودماغ الرجل (،)1
وذلك باستخدام أساليب حديثة لدراسة فعالية الدماغ البشري لدى اجلنسّي أثناء النشاط والفعالية .فاملرأة
تفكر بطريقة خمتلفة عن الرجل .وقام العلماء بدراسة املناطق املسؤولة عن القراءة وهتجي األحرف يف الدماغ
لكل من الرجل واملرأة ،فاكتشفوا أن دماغ الرجل يستخدم يف حتليل املعلومات منطقة حمدودة يف دماغه ،وهي
موجودة يف النصف الدماغي األيسر ،بينما يف النساء فإن الدماغ يقوم بتحليل األحرف املقروءة بواسطة
منطقتّي منفصلتّي موجودتّي يف نصفي الدماغ (األيسر واألمين) لديهن.
وقالت الدكت ورة (سايل شويتز) املتخصصة يف علم السلوك البشري يف جامعة (يال) األمريكية" :إهنا
املرة األوىل اليت يستطيع العلماء فيها حتديد بعض الفروق الوظيفية بّي دماغ الرجل ودماغ املرأة ،حيث وجد
يف الدراسات أن النساء قمن بأداء أفضل من الرجال يف التكلم والفصاحة ،لكن الرجال أكثر قدرة على
حتديد األهداف املقصودة من الكالم".
وهذا ما أكدته دراسة علمية غربية ( ،)1حيث ثبت أن الفروق بّي اجلنسّي تعود يف األساس إىل عوامل
بيولوجية حبتة -أي فروقات موروثة وليست مكتسبة " -حيث قام فريق من الباحثّي بتشكيل معسكر فيه
عدد من األطفال ضم الكثري من الصبيان والفتيات ،وأشرف على تربيتهم خنبة من املربّي الذين كانوا يتبدلون
كل فرتة زمنية معينة؛ وذلك إلزالة كافة الفروقات بّي اجلنسّي ،وإلشعار األطفال بالتساوي فيما بينهم،
فكان املنهاج الذي اتبعه املربون يف هذا الصدد يتلخص يف حذف كلمة (رجل أو امرأة) يف املعسكر كله.
( )1عملت هذه اإلحصائية عن الوضع االقتصادي واالجتماعي للمعلمّي يف روسيا وأمريكا .انظر :الرتبية املقارنة /وهيب مسعان ،نقال عن
قوانّي األسرة /سامل البهنساوي ص14
( )2كتاب الذكاء /فؤاد البهي السيد ص .148نقال عن قوانّي األسرة /سامل البهنساوي ص14
()88
كما أصدرت أوامر مشددة بتجنب كل إشارة ،أو عمل ،أو سلوك فيه تفريق بّي اجلنسّي ،الذين
ترعرعوا بعيدا عن كل قيد أو صفة ،ميكن أن يطلقها اجملتمع عليهم خبصوص نوعية اجلنس بينهما .فماذا
كانت النتيجة؟
تؤكد الدراسة أن األطفال حّي كربوا وخرجوا إىل احلياة العامة خارج املعسكر ،اجتهت الفتيات تلقائيا
إىل القيام بدور األم وربة املنزل ،بينما آثر الرجل العمل وممارسة احلياة بشكل عادي ،دون أن تؤثر طفولتهم
وتربيتهم يف املعسكر على سلوكياهتم الفطرية" ا .ه.
وهلذه الفوارق بّي الذكر واألنثى خرج مفكروا الغرب وعقالئهم للمطالبة بنقض شعار املساواة
وهذا العامل الدكتور (ألكسيس كاريل) يهتف قائال( :والذين ينادون مبساواة اجلنس اللطيف بالرجل،
جيهلون هذه الفوارق األساسية ،وعلى النساء أن يقمن بتنمية مواهبهن بناء على طبيعتهن البشرية ،وأن
1
يبتعدن عن تقليد الرجال" ( ).
مث يوجه هذا العامل الغريب انتقاده إىل من ينادي مبساواة املرأة بالرجل دون االلتفات إىل االختالفات
البينة بّي طبيعة املرأة وطبيعة الرجل ،فيقول" :واحلقيقة إن املرأة ختتلف عن الرجل اختالفا كبريا؛ فكل خلية
من خاليا جنسها حتمل طابع جنسها ،واألمر نفسه صحيح بالنسبة ألعضائها ،وفوق كل شيء بالنسبة
جلهازها العصيب؛ فالقوانّي البيولوجية غري قابلة للتغيري -شأهنا شأن قوانّي العامل الكوكيب -فليس يف اإلمكان
إحالل الرغبات اإلنسانية حملها ،ومن مث فنحن مضطرون إىل قبوهلا .فعلى النساء أن ينمّي أهليتهن تبعا
لطبيعتهن دون أن حياولن تقليد الذكور ،فإن دورهن يف تقدم احلضارة أمسى من دور الرجال ،فيجب عليهن
2
أال يتخلّي عن وظائفهن احملددة" ( ).
( )1املرأة بّي شريعة االسالم واحلضارة الغربية ،وحيد خان ص.12 /
( )2تأمالت حول مكانة املرأة عزيه /ص.13
( )3املرجع السابق
()91
يرجع إىل دينها وفضائلها ،وراعى ضع َفها البدين بالنسبة
كل ما ُلشخصيتها ،ومل جيعل للرجل عليها سبيال يف ِّ
املاديَّة يف مر ِ
احل حياهتا الثالث :من يوم تولد إىل يوم متوت :بنتا وزوجا وأما، للرجل ،فأراحها من التكاليف ِّ
حق تنفرد به البنت على فأوجب على أبيها اإلنفاق عليها وتأديبها ما دامت يف ِح ْجره إىل أن َّ
تتزوج ،وهذا ٌ
كل ما هلا من حق أديب أو
تزوجت انتقل ُّ
االبن الذي يسقط اإلنفاق عليه ببلوغه قادرا على الكسب ،فإذا َّ
مسوغة ،وتستحق عليه نفقتها ِ
وحنلَة َّ
مادي من ذمة األب إىل ذمة الزوج ،فتأخذ منه الصداق فريضة الزمةْ ،
ونفقة أوالدها منه باملعروف ،فإذا خلت من الزوج وهلا أوالد مكتسبون وجبت احلقوق على أوالدها ،وال
تُنفق شيئا من ماهلا إال باختيارها.
ووصايا القرآن والسنَّة باملرأة أظهر من الشمس؛ فاإلسالم أعطى املرأة من اإلعزاز والتكرمي ما مل يُعطها
وحق التملك من دون أن جيعل للزوج ِ
التصرف يف أمواهلاَّ ، حق
وضعي ،وأعطاها َّ آخر ،وال قانو ٌن
ٌّ دين ٌ
إياه ٌ
املتلونة العواطف :قلب األب وما حيمل من املتنوعة النوازعِّ ،
عليها من سبيل ،وأحاطها بالقلوب الرحيمة ِّ
حنان ،إىل قلب الزوج وما حيمل من حب ،إىل قلب الولد وما حيمل من بر ورمحة؛ فهي ال تزال تنتقل من
تتبوأ املراتب الكاملة يف
حضن كرامة وبر إىل حضن كرامة وبر إىل أن تفارق الدنيا ،وبّي املهد واللحد َّ
اإلنسانية.
نرى من هذه املعاملة الصرحية للمرأة يف اإلسالم أنه سلَّحها بأحكام قطعية ،ومحاها بتشريع مساوي
عادل ،ومل يكلها إىل طبائع اآلباء الذين يلينون ويقسون ،وال إىل أهواء األزواج الذين يرضون ويغضبون ،وال
إىل نزعات األبناء الذين يَ ُّربون ويعقُّون ،وإَّنا هي أحكام إهلية واجبة التنفيذ ،ال تدور مع األهواء والعواطف
والنزعات وجودا وعدما.
واالسالم بتعاليمه اخلاصة باملرأة سبق العامل مبنح املرأة احلرية واالستقاللية ،وال أدل على ذلك من شهادة
الغرب أنفسهم ففي أملانيا نظمت وزيرات املرأة واألسرة يف احلكومة األملانية اإلقليمية عام 1991م مؤمترا
حاشدا ،كان ميثل مظاهرة نسائية رمسية ضخمة ،استهدفت تأكيد دور املرأة يف اجملتمع األملاين ،وطالبت
النساء يف املؤمتر باحلقوق اليت تتمتع هبا املرأة املسلمة ،منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام ،ال سيما احتفاظ
1
املرأة األملانية باسم والدها بدال من إجبارها على محل اسم زوجها( ).
()93
ويف عام 1985م عقد املؤمتر العاملي الثالث اخلاص باملرأة يف نريويب بكينيا ،وعرف باسم اسرتاتيجيات
نريويب املرتقبة للنهوض باملرأة .مث بعد ذلك بعشر سنوات عقدت األمم املتحدة املؤمتر العاملي الرابع املعين
باملرأة يف بكّي بالصّي في بكين عام (1995م ،ودعت فيه إىل مضاعفة اجلهود املبذولة يف مؤمتر نريويب وذلك
لتحقيق األهداف بالنهوض باملرأة مع هناية القرن احلايل.
المضامين االيجابية والسلبية للمؤتمرات الدولية المتعلقة بالمرأة:
الشك أن املسلم واملسلمة مرجعهم يف املسائل اليت تتعلق باملرأة واألسرة القرآن والسنة وليس املواثيق الدولية
والدراسات العاملية ،ومع ذلك فإن املؤمترات اليت عقدت من أجل املرأة فيها من اجلوانب ما يوافق الشريعة اإلسالمية
وفيها ما خيالف الشريعة ،فبعض بنود املؤمترات وافقت الشريعة االسالمية يف حتقيق القضاء على التحيزات والعادات
العرفية ،وكل املمارسات القائمة على فكرة دونية أو تفوق أحد اجلنسّي ،كما حتمت على مجيع الدول اختاذ التدابري
املناسبة ملكافحة مجيع أشكال االجتار باملرأة واستغالهلا واكراه الفتيات على البغاء ،كما نصت على حق املرأة يف
التعليم وتلقي الرعاية الصحية بدون تفرقة يف اجلنس أو الدين ،كما نصت على حقوق النساء مع الرجال يف احلصول
على أجر متساو لعمل متساو ،وغري ذلك مما يتضح من دراسة البنود الواردة يف الوثائق اخلاصة باملرأة.
ومن القضايا املهمة اليت انطلقت منها املؤمترات واالتفاقيات اخلاصة حبقوق املرأة السياسية ،واالقتصادية،
واالجتماعية ،واملدنية ،والثقافية -باملفهوم الغريب هلذه احلقوق ،قضية (املساواة) واليت ساوت مطلقا بّي الرجال
والنساء يف مجيع نواحي احلياة (مساواة مطلقة) دون أي اعتبار ألي فوارق بينهما طبيعية أو شرعية ،وهذا األمر
يؤكد الظلم واإلمهال الذي كانت تواجهه املرأة يف الغرب ،وكان لفظ (املساواة) شعارا للعديد من مؤمترات
املرأة وإن مل يكن له رصيد يف الواقع ،فاملؤشر يف جمال الوظائف اإلدارية العليا داخل أروقة األمم املتحدة
(كمثال) ال يزال مييل لصاحل الذكور دون اإلناث بنسبة كبرية ،-واعتربت املساواة مدخال ومربرا
ألمور كثرية خمالفة للشريعة االسالمية مما دعت إليها تقارير هذه املؤمترات ،وكما نعلم أن لإلسالم
منهجه اخلاص يف مفهوم املساواة – العدل – بّي الرجل واملرأة .فقرر اإلسالم املساواة بينهما يف أمور كثرية،
منها :املساواة يف أصل اخللق – املساواة يف جمال املسؤولية واجلزاء – املساواة يف الشؤون املدنية – املساواة
يف احلقوق العامة ،كحق التعلم وحق العمل.
وفرق بينهما يف أمور -مراعاة لطبيعة املرأة النفسية ،والبدنية ،وحتقيقا ملصلحتها -منها:بعض التكاليف
ن
الشرعية -على تفصيل يف ذلك -كالصالة ،والصيام ،واحلج ،واجلهاد ،األعباء االقتصادية ،املرياث،
الشهادة ،الدية ،القوامة ،الطالق.
كما أن تقارير هذه املؤمترات واالتفاقيات وتوصياهتا تقوم على املفهوم الغريب لكلمة احلرية ،الذي يعين
-باختصار -فعل املرء ما يشاء -بشرط عدم اإلضرار باآلخرين – ولذلك فإن توصيات هذه املؤمترات
فيما يتعلق باملرأة تنطلق من مبدأ احلرية هذا يف مجيع شؤون حياهتن ،وباألخص حرية املرأة الشخصية بإقامة
عالقات جنسية خالية من رباط النكاح.
()94
أما احلرية يف اإلسالم فهي منضبطة بضوابط من الشرع والعقل ،فهي ليست مطلقة بغري قيود ،وإَّنا
تتسم بالنسبية ،فهي مقيدة حبيث ال تتصادم مع حريات اآلخرين ،وال تؤدي إىل الضرر مبصلحة األمة العليا،
أو مبصلحة اجملتمع ذاته ،فهي تتقيد بالقيود اخلاصة املقررة يف كل حالة على حدة.
وختاما :فاإلس الم دين عظيم كرم املرأة وأعطاها حقوقها وبّي واجباهتا وجعلها شريكة للرجل يف عمارة
األرض.
()95