Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 18

‫ﯾﻌﺗﺑر ﻣوﺿوع اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ ﻣن أﻛﺛر اﻟﻣوﺿوﻋﺎت ﺗﻌﻘﯾدا وﺗﺷﺎﺑﻛﺎ وﺗﻧوﻋﺎ‪ ،‬ﻟذا ﻧﺟد طرق دراﺳﺎﺗﮫ وﻣﻧﺎھﺟﮭﺎ‬

‫ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ وﻣﺗﻧوﻋﺔ و اﻟﻧﺗﺎﺋﺞ اﻟﺗﻲ ﺧﻠﺻت إﻟﯾﮭﺎ اﻟدراﺳﺎت ﻛذﻟك ﻣﺗﻧوﻋﺔ وﻣﺗﻌددة ﻟﮭذا ﻧﺟد أن اﻟﻧظرﯾﺎت‬
‫اﻟﺗﻲ ﺗطرﻗت إﻟﻰ ھذا اﻟﻣوﺿوع ﻋدﯾدة وﻛﺛﯾرة ورﺑﻣﺎ ﻻ ﯾﻣﻛن ﺣﺻرھﺎ ﺑﺷﻛل ﺟﯾد ﻧظرا ﻟﺗﻌدد اﻟﻣداﺧل‬
‫اﻟﻧظرﯾﺔ وﺧﺿوﻋﮭﺎ ﻓﻲ أﻏﻠب اﻷﺣﯾﺎن ﻟرؤى وﺗﺻورات إﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ وھﻛذا ﯾﺻﺑﺢ ﻣوﺿوع اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ ﻛﻐﯾره‬
‫ﻣن اﻟﻣواﺿﯾﻊ اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ﺗﺗﻘﺎذﻓﮫ اﻷﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺎت و اﻟﻣذاھب اﻟﻔﻛرﯾﺔ اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ‪ ،‬إﻻ أن ھذا ﻻ ﯾﻌﻧﻲ‬
‫اﻻﺳﺗﺳﻼم ﻟﮭذا اﻷﻣر واﻋﺗﺑﺎره ﻗدرا ﻣﺣﺗوﻣﺎ‪ .‬ﻓرﻏم اﻟﺧﺻﺎﺋص اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ اﻟﺗﻲ ذﻛرﻧﺎھﺎ ﻟﮭذه اﻟﻧظرﯾﺎت إﻻ‬
‫إﻧﮭﺎ ﻻ ﺗﺧﻠو ﻣن ﺟواﻧب ﻣوﺿوﻋﯾﺔ ﻟﺑﻌض ﺟواﻧب اﻟﻣوﺿوع ﻓﻲ ﺗﺻوراﺗﮭﺎ وﻓﻲ ﻣﺎ وﺻﻠت إﻟﯾﮫ ﻣن‬
‫ﺣﻘﺎﺋق ﺣول ﻣوﺿوع اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ‪ .‬وﻟﮭذا ﺳﻧﺣﺎول أن ﻧﺗﻌرض ﻣﺎ وﺳﻌﻧﺎ اﻟﺟﮭد ﻷھم اﻟﻧظرﯾﺎت اﻟﺗﻲ ﺗﻧﺎوﻟت‬
‫ﻣوﺿوع اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ وﻟﺟﮭود ﺑﻌض اﻟﻌﻠﻣﺎء اﻟﻛﺑﺎر‪ ،‬وﺳوف ﻧﺗﻧﺎول ﺑﻌض اﻟﻧظرﯾﺎت اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﯾﺔ اﻟﻛﺑرى ﻣﺛل‬
‫اﻟﻧظرﯾﺔ اﻟﺗطورﯾﺔ واﻟﻧظرﯾﺔ اﻻﻧﺗﺷﺎرﯾﺔ واﻟﻧظرﯾﺔ اﻟوظﯾﻔﯾﺔ ﺛم ﻧﺗﻌرض ﻟﺑﻌض اﻟﻧظرﯾﺎت اﻟﻣﺣدﺛﺔ واﻟﺗﻲ‬
‫ھﻲ ﻓﻲ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ﺗطوﯾر ﻟﻠﻧظرﯾﺎت اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ ﻣﺛل اﻟﻧظرﯾﺔ اﻟﺗطورﯾﺔ اﻟﻣﺣدﺛﺔ وﻧظرﯾﺔ اﻻﻧﺗﺧﺎب اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ‪،‬‬
‫واﻟﻘﺎﺑﻠﯾﺔ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ واﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ ﻟﻠﻧﻣو واﻟﻧظرﯾﺔ اﻹﯾﻛوﻟوﺟﯾﺔ‪ .‬وھﻲ ﻛﻠﮭﺎ ﻧظرﯾﺎت ﺣﺎوﻟت ﻣﻌﺎﻟﺟﺔ ﻣوﺿوع‬
‫اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ ﻣن وﺟﮭﺎت ﻧظر ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ و ﺑﺗﻧﺎوﻟﻧﺎ ﻟﮭﺎ ﻛﻠﮭﺎ رﺑﻣﺎ ﯾﺗﺿﺢ ﻟﻧﺎ اﻟﻣوﺿوع أﻛﺛر وﻧﺳﺗوﻋب ﻛل ﺟواﻧﺑﮫ‬
‫ﻋﻠﻰ اﻷﻗل اﻟظﺎھرة ﻣﻧﮭﺎ‬
‫‪ .1‬اﻟﻧظرﯾﺔ اﻟﺗطورﯾﺔ‬
‫ﺗﻧطﻠق ﻧظرﯾﺔ اﻟﺗطور اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ ﻣن ﻓﻛرة أﺳﺎﺳﯾﺔ وھﻲ ﺗطور اﻟﻌﻧﺎﺻر واﻟﺳﻣﺎت اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ ﻛﻣﺎ ﺗﺗطور‬
‫اﻟﻌﻧﺎﺻر اﻟﻣوﺟودة ﻓﻲ ھذا اﻟﻛون ورﻏم أن ﻓﻛرة اﻟﺗطور ﻗدﯾﻣﺔ ﻗدم اﻹﻧﺳﺎن ﻓﻘد ﺗﺣدث ﻋﻧﮭﺎ‬
‫ﻓﻼﺳﻔﺔ اﻟﯾوﻧﺎن واﻟﻌﻠﻣﺎء اﻟﻌرب واﻟﻣﺳﻠﻣون‪ ،‬وﻏﯾرھم إﻻ أن ﻧﺿوج اﻟﻧظرﯾﺔ ﺑدأ ﺑﻌد ظﮭوره‬
‫دراﺳﺎت داروﯾن ﺣول أﺻل اﻷﻧواع و ﺗﻔﺻﯾﻠﮫ ﻟﻔﻛرة اﻟﺗطور ﻟدى اﻟﻛﺎﺋﻧﺎت اﻟﻌﺿوﯾﺔ‪ ،‬ﺛم ﺗم ﻧﻘل‬
‫ھذه اﻟرؤﯾﺔ إﻟﻰ اﻟﻌﻠوم ا ﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ وﺗم ﺗطﺑﯾق ھذه اﻟرؤﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ ﺑﺎﻟﺗﺣدﯾد وﻋﻠﻰ ﺗطور ﻧﻣط‬
‫ﺣﯾﺎة اﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎت ﺑﺷﻛل ﻋﺎم وﻟﮭذا ﻧﺟد ظﮭور اﻟﻌدﯾد ﻣن اﻟﻧظرﯾﺎت اﻟﺗﻲ ﺗﻧﺎوﻟت ھذه اﻟﻔﻛرة ﺣﺗﻰ‬
‫أﺻﺑﺣت اﻟﺗطورﯾﺔ ﻣدرﺳﺔ ﻣﺗﻛﺎﻣﻠﺔ ﺗﺣﺗوي ﻋﻠﻰ ﻋدد ھﺎﺋل ﻣن اﻟﻧظرﯾﺎت وﻟﯾس ﻧظرﯾﺔ واﺣدة ﻓﻘط‪.‬‬
‫وﻟﻌل ﻣن أﺑرز اﻟذﯾن ﺗﺣدﺛوا ﻓﻲ ھذه اﻟﻧظرﯾﺎت آن روﺑرت ﺟﺎك ‪ 1781- 1717‬ﺣﯾث طورت‬
‫ﻧظرة ﺷﺎﻣﻠﺔ ﻋن اﻟﺗطور اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ ﻣن ﻣﻧطﻠق اﻟﺗرﻛﯾز ﻋﻠﻰ ﻧﻣوذج اﻟﺗدرج اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ‪ ،‬وﺗرى ھذه‬
‫اﻟﻧظرﯾﺔ أن ﻋﻘل اﻹﻧﺳﺎن ﻓﻲ ﻛل ﻣﻛﺎن ﯾﺳﺗطﯾﻊ اﻻﺧﺗراع وﺗﺣﻘﯾق اﻹﻧﺟﺎزات اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ‪ ،‬وﻟﻛن‬
‫اﻟطﺑﯾﻌﺔ ﺗﮭﯾﺊ ﻟﻠﺑﻌض اﻟظروف اﻟﻣﻧﺎﺳﺑﺔ دون اﻟﺑﻌض اﻵﺧر وھذا اﻟﺗﻧوع ﻓﻲ اﻟظروف اﻟطﺑﯾﻌﯾﺔ‬
‫أدى إﻟﻰ ﺗﻔﺎوت اﻟﻣﺳﺗوﯾﺎت اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ ﺑﯾن اﻟﺷﻌوب اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ) ﯾﺣﻲ ﻣرﺳﻲ‪ ،‬أﺻول ﻋﻠم اﻻﻧﺳﺎن‪،‬‬
‫ص ‪.(362‬‬
‫وﺗرى ھذه اﻟﻧظرﯾﺔ أن اﻟﺑﺷرﯾﺔ ﻣرت ﺑﻧﻔس اﻟﻣراﺣل اﻟﺗطورﯾﺔ‪ ،‬وأﻧﮭﺎ واﺟﮭت ﻧﻔس اﻟﻌﻘﺑﺎت اﻟﺣﯾﺎﺗﯾﺔ وﻛﺎن ﻟدﯾﮭﺎ‬
‫اﻟﻣوارد وأﻧﮭﺎ ﺳﺎرت ﻓﻲ طرﯾق اﻟﻧﻣو واﻟﺗطور ذاﺗﮫ‬
‫ﺛم ﺗطورت ھذه اﻟﻧظرﯾﺔ ﻓﻲ ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻟﻘرن اﻟﺗﺎﺳﻊ ﻋﺷر ﺣﯾث ﺗﺑﻧﻰ ﻋﻠﻣﺎء اﻷﻧﺛروﺑوﻟوﺟﯾﺎ ﻧظرﯾﺔ اﻟﺗطور‬
‫اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ ﻣن ﺧﻼل إﻗﺎﻣﺔ ﻣراﺣل ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﺗﻣﺛل ﻋﻣﻠﯾﺎ اﻟﺗﻘدم اﻹﻧﺳﺎﻧﻲ‪ ،‬ﻓﻧﺟد ﻣﺛﻼ ﻟوﯾس ﻣورﻏﺎ ن ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﮫ‬
‫اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻘدﯾم ﻗد ﻗﺳم ﻣﺳﺎر ﺗطور اﻟﺑﺷرﯾﺔ إﻟﻰ ﺛﻼث ﺣﻘب رﺋﯾﺳﯾﺔ ھﻲ اﻟﮭﻣﺟﯾﺔ ﺛم اﻟﺑرﺑرﯾﺔ ﺛم ﻣرﺣﻠﺔ‬
‫اﻟﺣﺿﺎرة‪ ،‬ﺣﯾث ﻗﺳم ﻛل ﻣرﺣﻠﺔ إﻟﻰ ﺛﻼث ﻣراﺣل ﻓرﻋﯾﺔ ھﻲ اﻟدﻧﯾﺎ واﻟوﺳطﻰ اﻟﻌﻠﯾﺎ ورﺑط ﻛل ﻣرﺣﻠﺔ‬
‫ﺑﺎﺧﺗراع ﻣﻌﯾن ﻛﺎن ﺳﺎﺋدا ﻓﻲ ﺗﻠك اﻟﻣرﺣﻠﺔ وﺟﻌل اﻻﺧﺗراﻋﺎت اﻟﺗﻛﻧوﻟوﺟﯾﺔ اﻟﻌواﻣل اﻟﻣﺳﺎﻋدة ﻋﻠﻰ اﻟﺗطور‬
‫واﻟﻣرور ﻣن ﻣرﺣﻠﺔ إﻟﻰ أﺧرى‪.‬‬
‫وﻗد ﺣﺎول ﻟوﯾس ﻣورﻏﺎن أن ﯾرﺑط ﺑﯾن ھذه اﻟﺣﻘب وﺑﯾن ﻣﺟﺗﻣﻌﺎت ﺑداﺋﯾﺔ ﻣوﺟودة ﻓﻲ ﻋﺻره ﺣﯾث رﺑط ﺑﯾن‬
‫اﻟﮭﻣﺟﯾﺔ اﻟدﻧﯾﺎ وھﻲ ﻣرﺣﻠﺔ ﻣﺎ ﻗﺑل اﻛﺗﺷﺎف اﻟﻧﺎر واﺧﺗراع اﻟﻠﻐﺔ‪ ،‬ورﺑط اﻟﮭﻣﺟﯾﺔ اﻟوﺳطﻰ ﺑﺳﻛﺎن أﺳﺗراﻟﯾﺎ‬
‫اﻷﺻﻠﯾﯾن واﻟﺗﻲ ﺳﺎد ﻓﯾﮭﺎ ﺻﯾد اﻟﺳﻣك واﺳﺗﺧدام اﻟﻧﺎر وﺑداﯾﺔ وﺟود اﻟﻠﻐﺔ‪...‬اﻟﺦ‪.‬‬

‫ﺛم ﺟﺎء ﺑﻌد ذﻟك ﺗﺎﯾﻠور اﻟذي اھﺗم ﺑﺷﻛل أﺳﺎﺳﻲ ﺑﺎﻟﻌﻧﺎﺻر اﻟدﯾﻧﯾﺔ وﻣراﺣل ﺗطورھﺎ وذﻟك ﻣن ﺧﻼل ﻧظرﯾﺗﮫ‬
‫ﺣول اﻹﺣﯾﺎﺋﯾﺔ واﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﺑرأﯾﮫ ﻧﻘطﺔ اﻻﻧطﻼق ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﺗطور اﻟﻣﻌﺗﻘدات اﻟدﯾﻧﯾﺔ‪ ،‬واﻹﺣﯾﺎء ﺗﻌﻧﻲ ﻓﯾﻣﺎ ﺗﻌﻧﯾﮫ‬
‫ﻣﻣﺎرﺳﮫ ﻧﺣو إﻟﻰ إﺿﻔﺎء اﻟطﺎﺑﻊ اﻟروﺣﻲ ﻋﻠﻰ اﻟطﺑﯾﻌﺔ أي أﻧﮭﺎ ﺗﺳﺑﻎ روﺣﺎ أو ﻧﻔﺳﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﻧﺎﺻر اﻟطﺑﯾﻌﺔ ﻣن‬
‫ﻧﺑﺎﺗﺎت وﺣﯾواﻧﺎت وأﻣﻛﻧﺔ‪ ،‬وﻣواﺿﯾﻊ ﻋﺟﯾﺑﺔ اﻟﺷﻛل أو ﺧطﯾرة اﻟﺷﺄن واﻧطﻠق ﺗﺎﯾﻠور ﻓﻲ ﻓﻛرﺗﮫ ﻋن اﻟﺗطور‬
‫ﻓﻲ ﻣﺑدأ أﺳﺎﺳﻲ ھو ﺛﻧﺎﺋﯾﺔ اﻟﺟﺳد واﻟﻧﻔس‪ ،‬ﺣﯾث ﯾرى ﺑﺎن اﻹﻧﺳﺎن اﻷول ﻛﺎن ﯾرى أﺷﯾﺎء ﻓﻲ ﻣﻧﺎﻣﮫ ﻓﺎﺳﺗﻠﮭم‬
‫ﺑذﻟك ﻓﻛرة ازدواﺟﯾﺔ اﻟﺣﯾﺎة وأﺧذت ﺗﺗطور ھذه اﻟﻔﻛرة ﻣن أن اﻹﻧﺳﺎن ﯾرى ﺑﺄن ﻟﮫ ﻗرﯾن ﺛم ﺑﻌد ذﻟك اﻻﻋﺗﻘﺎد‬
‫ﻓﻲ اﻷﻣوات واﻷﺟداد ﺛم اﻟطﺑﯾﻌﺔ أي ﻗراﺋن اﻟطﺑﯾﻌﺔ أي أن ﻟﻛل ظﺎھرة طﺑﯾﻌﯾﺔ ﺑﻌد ﻏﯾﺑﻲ أو روﺣﻲ ﺛم ﺑﻌد ذﻟك‬
‫ظﮭور ﻓﻛرة اﻵﻟﮭﺔ ﻓظﮭر إﻟﮫ ﻟﻠﻣطر وإﻟﮫ ﻟﻠرﯾﺎ ح‪...‬اﻟﺦ‪ .‬ﺛم ﺟﺎءت ﻓﻛرة ﺗوﺣﯾد اﻹﻟﮫ‪ ،‬وﯾﻌﺗﺑر ﺗﺎﯾﻠور ﺑﻣﻧظوره‬
‫اﻟﻌﻠﻣﺎﻧﻲ أن اﻹﻟﮫ اﻟواﺣد ﻛﺎن اﻟﻣﺂل اﻷﺧﯾر اﻟذي اﻧﺗﮭﻰ إﻟﯾﮫ ﺗﻔﻛﯾر اﻹﻧﺳﺎن اﻟدﯾﻧﻲ ﻋﺑر اﻟﻌﺻور وأﻧﮫ ﻟم ﯾﻛن‬
‫ﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻲ ﻧﺗﯾﺟﺔ ﻟوﺣﻲ إﻟﮭﻲ ﯾوﺣﻰ‪.‬‬
‫ﺛم ظﮭرت ﺑﻌد ذﻟك اﻟدراﺳﺎت اﻟﺗطورﯾﺔ اﺗﺑﺎﻋﺎ ﻟﺗﻌﻣﯾق اﻟﻣﺑدأ اﻟﺗطوري ﻓﻲ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ وﯾﻣﻛن إﺟﻣﺎل آراء‬
‫اﻟﺗطورﯾﯾن ﻓﻲ ﺗﻔﺳﯾرھم ﻟﻠﺛﻘﺎﻓﺔ ﻓﻲ ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣﺑﺎدئ أھﻣﮭﺎ ‪:‬‬
‫أن ھﻧﺎك ﻗواﻧﯾن ﻛﻠﯾﺔ ﺗﺣﻛم اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ وأﻧﮭﺎ ﺗﻣر ﺑﻣراﺣل ﺗطور ﺣﺗﻣﯾﺔ ﻣﺗﻣﺎﯾزة وﺛﻘﺎﻓﺔ أي ﻣﺟﺗﻣﻊ‬
‫ﺗﺗطور ﻓﻲ طرﯾق واﺣد ﺧﻼل ﻣراﺣل ﻣﺣددة‪.‬‬
‫اﻟﺗﺳﻠﯾم ﺑظﺎھرة اﻟﺗﻐﯾر اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ ورده اﺧﺗﻼف اﻟﻣراﺣل اﻟﺗطورﯾﺔ ﻟﻠﺛﻘﺎﻓﺎت اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ‪ ،‬أي أن اﻟﺛﺑﺎت‬
‫واﻟﺗﻐﯾر ﺳﻣﺔ أﺳﺎﺳﯾﺔ ﺗﻣﯾز اﻟﺛﻘﺎﻓﺎت اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ‪.‬‬
‫أن اﻛﺗﺳﺎب اﻟﺳﻣﺎت اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ أو ﺗوا رﺛﮭﺎ ﯾﻌﺗﻣد ﻋﻠﻰ اﻟﻘدرات اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ ﻟﻺﻧﺳﺎن وھذا ﯾرﺗﺑط ﺑوﺣدة‬
‫اﻟﺗﻛوﯾن اﻟﻔﺳﯾوﻟوﺟﻲ ﻟﻺﻧﺳﺎن‪.‬‬
‫إن ﻋﻧﺎﺻر اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ وﻣﻛوﻧﺎﺗﮭﺎ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻼﺳﺗﻌﺎرة واﻻﻧﺗﻘﺎل ﻣن ﺛﻘﺎﻓﺔ ﻷﺧرى‪.‬‬
‫إن ﻋواﻣل اﻟﺗﻐﯾر اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ ﺗﻧﻣو ذاﺗﯾﺎ وﺗظﮭر ﻣﻊ ظﮭور اﻟﻣرﺣﻠﺔ اﻟﺗطورﯾﺔ ﺑﻐض اﻟﻧظر ﻋن اﻟزﻣﺎن‬
‫واﻟﻣﻛﺎن‪.‬‬
‫إن اﻟﺛﻘﺎﻓﺎت ﺗﺗطور ذاﺗﯾﺎ وﺗﻧﺗﻘل ﻣن ﻣرﺣﻠﺔ ﻷﺧرى ﻟﻣﺟرد ظﮭور اﻟﻌواﻣل واﻟﺷروط اﻟﻛﺎﻓﯾﺔ ﻟظﮭور ھذه‬
‫اﻟﻣرﺣﻠﺔ‪ .‬اﻹﯾﻣﺎن ﺑﺎﻟوﺣدة اﻟﺳﯾﻛوﻟوﺟﯾﺔ ﻟﻠﺟﻧس اﻟﺑﺷري) ﯾﺣﻲ ﻣرﺳﻲ ‪ ،‬أﺻول ﻋﻠم اﻻﻧﺳﺎن‪ ،‬ص‬
‫‪.(364‬‬
‫ﺗﻌﺗﻘد اﻟﻧظرﯾﺔ اﻻﻧﺗﺷﺎرﯾﺔ ﻋﻠﻰ أن اﻧﺗﺷﺎر اﻟﺳﻣﺎت اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ ﺑﯾن اﻟﺛﻘﺎﻓﺎت اﻟﻣﺗﺑﺎﻋدة واﻟﻘرﯾﺑﺔ ﯾﺳﺎﻋد‬
‫ﻋﻠﻰ ﺗﮭﯾﺋﺔ اﻟﺷروط اﻟﻛﻔﯾﻠﺔ ﺑﺈﺣداث اﻟﺗﻐﯾر اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ واﻻﻧﺗﻘﺎل ﻣن ﻣرﺣﻠﺔ إﻟﻰ أﺧرى وﻣن ﺛم أﺑرزوا‬
‫أھﻣﯾﺔ اﻻﺗﺻﺎل اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ أو اﻟﺗﻔﺎﻋل ﺑﯾن اﻟﺟﻣﺎﻋﺎت وﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻲ اﻧﺗﻘﺎل اﻟﺳﻣﺎت اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ ﻣن ﻣﺟﺗﻣﻊ ﻵﺧر‪،‬‬
‫وﻓﻲ إطﺎر اﻟﻣدرﺳﯾﺔ اﻻﻧﺗﺷﺎرﯾﺔ ﺗوﺟد ﺛﻼث ﻣدارس رﺋﯾﺳﯾﺔ؛ ھﻲ اﻟﻣدرﺳﺔ اﻟﺑرﯾطﺎﻧﯾﺔ وﺗﻣﺛﻠﮭﺎ إﻟﯾوت‬
‫ﺳﻣﯾث و وﻟﯾﺎم ﺑﯾرى و رﯾﻔرز وﺗرى أن ھﻧﺎك ﻣرﻛزا رﺋﯾﺳﯾﺎ ﻟﻠﺣﺿﺎرة ھو ﻣﺻر اﻟﺗﻲ ﻋرﻓت‬
‫اﻟزراﻋﺔ وﺑﻧﺎء اﻷھراﻣﺎت وﻋﺑﺎدة اﻟﺷﻣس وﻣﻧﮭﺎ اﻧﺗﻘﻠت ھذه اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﻛﺛﯾر ﻣن أﻧﺣﺎء اﻟﻌﺎﻟم‪،‬‬
‫وھﻧﺎك اﻟﻣدرﺳﺔ اﻟﻧﻣﺳﺎوﯾﺔ وﯾﺗزﻋﻣﮭﺎ ﺟروﺑﯾﻧر و ﺷﻣﯾدت ﺣﯾث ﺗرى وﺟود دواﺋر ﺛﻘﺎﻓﯾﺔ أو ﺑؤرا‬
‫وﻣراﻛز ﺣﺿﺎرﯾﺔ ﻣﺗﻌددة وﻟﯾس ﻣرﻛزا ﺣﺿﺎرﯾﺎ واﺣدا وھذه اﻟدواﺋر ﺗﺷﺗرك ﻓﻲ ﺳﻣﺎت ﺛﻘﺎﻓﯾﺔ واﺣدة‪،‬‬
‫وﺗﺷﺗد أو ﺗزداد ﻛﺛﺎﻓﺔ ھذ ه اﻟﺳﻣﺎت ﻛﻠﻣﺎ ﻛﺎﻧت أﻗرب إﻟﻰ اﻟﻣرﻛز وھﻧﺎك اﻟﻣدرﺳﺔ اﻷﻣرﯾﻛﯾﺔ‪،‬‬
‫وﯾﻣﺛﻠﮭﺎ ﻛﻼرك وﯾﺳﻠر و ﻛروﺑﯾر وﻛﻼﻛﮭو ن ) ﺗؤﯾد ھذه اﻟﻣدرﺳﺔ ﻓﻛرة أن اﻟﻣﻼﻣﺢ اﻟﻣﻣﯾزة ﻟﺛﻘﺎﻓﺔ ﻣﺎ‬
‫وﺟدت أوﻻ ﻓﻲ ﻣرﻛز ﺛﻘﺎﻓﻲ ﺟﻐراﻓﻲ ﻣﺣدد ﺛم اﻧﺗﻘﻠت إﻟﻰ ﻣﻧﺎطق أﺧرى وإن ﻛﺎﻧت ھذه اﻟﻣدرﺳﺔ ﺗرى‬
‫إﻣﻛﺎﻧﯾﺔ اﻟﺗطور اﻟﻣﺗوازي اﻟﻣﺳﺗﻘل وأن اﻟﻧﺎس ﻣﺑﺗﻛرﯾن ﺑطﺑﻌﮭم( ) ﺟﺎك ﻟوﻣﺑﺎر‪ ،‬ﻣدﺧل إﻟﻰ‬
‫اﻻﯾﺛﻧوﻟوﺟﯾﺎ ‪ ،‬ص ‪(.74‬‬
‫وﻋﻣوﻣﺎ ﯾﻣﻛن ﺗﻠﺧﯾص أراء اﻟﻧظرﯾﺔ اﻻﺳﺗﺷﺎرﯾﺔ ﻓﻲ ﻣﺟﻣوﻋﺔ أﻓﻛﺎر أﺳﺎﺳﯾﺔ ﻓﮭﻲ ﺗﻌﺗﻘد ﻧﺷﺄھﺎ ﺷﺄن‬
‫اﻟﺗطورﯾﺔ ﺑﺎﻟﻣﺳﺎواة ﺑﯾن اﻟﺑﺷر و ﺑﺎﻟﺗﻔﺎوت ﺑﯾن اﻟﺛﻘﺎﻓﺎت إذ ﻧﺟد ﻓﻲ أﻧﺣﺎء اﻟﻌﺎﻟم ﺑؤرا ﺛﻘﺎﻓﯾﺔ ﻣﺗﻘدﻣﺔ‬
‫ﻋﻠﻰ ﻏﯾرھﺎ ﻟﻛﻧﮭﺎ ﺑﺎﻟﻣﻘﺎﺑل ﻻ ﺗﻌرب ﻋﻠﻰ اﻟﺛﻘﺔ ﻧﻔﺳﮭﺎ ﺑﻌﺑﻘرﯾﺔ اﻹﻧﺳﺎن و ﺑﻘدرﺗﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻘدم اﻟداﺋم ﻋن‬
‫طرﯾق اﻻﺧﺗراﻋﺎت‪ ،‬ﻓﺎﻻﻧﺗﺷﺎرﯾﺔ ﺗرى أن ﻧﻣو اﻟﺛﻘﺎﻓﺎت ﺗم أﻛﺛر ﻣﺎ ﺗم ﻋن طرﯾق اﻷﺧذ واﻟﺗﻘﻠﯾد وذﻟك‬
‫ﺑﻔﻌل اﻻﺣﺗﻛﺎﻛﺎت اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ ﺑﯾن اﻟﺷﻌوب وھﻲ اﺣﺗﻛﺎﻛﺎت أﻛﺛر ﺑﻛﺛﯾر ﻣﻣﺎ ﯾظﻧﮫ اﻟﺗطورﯾون ‪ ،‬ﻓﺎﻧﺗﺷﺎر اﻟﻧظم‬
‫اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ وﺗﻘﺳﯾم اﻟﻌﻣل‪ ،‬وﺗﻧظﯾﻣﮫ ﺗم ﻧﻘﻠﮫ ﻣن ﻣﻧطﻘﺔ إﻟﻰ أﺧرى ﻋن طرﯾق اﻟوﺳﺎﺋل اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻟﻧﻘل‬
‫اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ ‪ ،‬ﻛﺎﻟﺣروب ‪ ،‬واﻟﺗﺟﺎرة‪ ،‬واﻟﮭﺟرات اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ اﻟﺗﻲ ﻋرﻓﺗﮭﺎ اﻟﺑﺷرﯾﺔ‪ ،‬وﻻ ﻣﺟﺎل ﻟﻌﻧﺻر اﻻﺑﺗﻛﺎرو‬
‫اﻻﺧﺗراع ﻓﻲ ﻧظر اﻻﻧﺗﺷﺎرﯾﯾن‪.‬‬

‫واﻟﻣدرﺳﺔ اﻻﻧﺗﺷﺎرﯾﺔ ﻻ ﺗدرس اﻟﺛﻘﺎﻓﺎت ﺑﺎﻋﺗﺑﺎرھﺎ ﻧﻣﺎذج ﻣﻣﺛﻠﺔ ﻟﻣراﺣل ﻣﺗﻌﺎﻗﺑﺔ ﻋﺑر اﻟزﻣن ﺑل ھﻲ‬
‫ﺗرﻓض اﻋﺗﺑﺎر اﻟﺑﺷرﯾﺔ ﺑﻣﺛﺎﺑﺔ اﻟﻛﺎﺋن اﻟذي ﯾﻧﻣو ﻛﻣﺎ ﺗﻧﻣو اﻟﺧﻼﯾﺎ اﻟﻣﻐﻠﻘﺔ واﻟﻣﻧطوﯾﺔ ﻋﻠﻰ ذاﺗﮭﺎ ﺣﯾث‬
‫ﯾرى اﻻﻧﺗﺷﺎرﯾون أن ھذه اﻻﺧﺗراﻋﺎت ﻓﺿﻼ ﻋن اﻟﻌﻧﺎﺻر اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ‪ ،‬ﺗﻧﺗﺷر ﻣن ﻣﺟﺗﻣﻌﺎت إﻟﻰ أﺧرى إﻣﺎ‬
‫ﺑﻔﻌل اﻟﮭﺟرات أو اﻟﺣروب‪...‬اﻟﺦ‪ .‬وﺑﺷﻛل ﻣﺧﺗﺻر إذا ﻛﺎﻧت اﻟﺗطورﯾﺔ ﺗﺑﺣث ﻋن أﺳﺑﺎب اﻟﺗﻔﺎوت ﺑﯾن‬
‫اﻟﺛﻘﺎﻓﺎت ﻓﺈن اﻻﻧﺗﺷﺎرﯾﺔ ﺗﺑﺣث ﻋن ﺻﯾﻎ اﻻﻧﺗﺷﺎر ﻣن ﺛﻘﺎﻓﺔ إﻟﻰ أﺧرى‪ ،‬ﻛﯾف ﯾﻧﺗﻘل ﻋﻧﺻر ﺛﻘﺎﻓﻲ ﻣن‬
‫ﺛﻘﺎﻓﺔ إﻟﻰ أﺧرى ‪ ،‬وإذا ﻛﺎﻧت اﻟﺗطورﯾﺔ ﺗﺗﻧﺎول اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ ﺑﻧظرة ﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ ﻓﺈن اﻻﻧﺗﺷﺎرﯾﺔ ﺗﺗﻧﺎول اﻟﻣوﺿوع‬
‫ﺑﻧظرة ﺟﻐراﻓﯾﺔ‪) .‬ﯾﺣﻲ ﻣرﺳﻲ ‪ ،‬أﺻول ﻋﻠم اﻹﻧﺳﺎن ‪،‬ص ‪(.366‬‬
‫وﺑﮭذه اﻟﻧظرة أﺻﺑﺢ ﻟﻠﻣدرﺳﺔ اﻻﻧﺗﺷﺎرﯾﺔ ﻛﯾﺎن ﻧظري ﺧﺎص ﺑﮭﺎ ﻓﻛوﻧت ﻟﻧﻔﺳﮭﺎ ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن اﻟﻣﻔﺎھﯾم‬
‫واﻟﻣﺳﺎﺋل ﻣﺛل اﻟداﺋرة اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ‪ ،‬واﻟﻣﻧطﻘﺔ اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ واﻟﺟﻐراﻓﯾﺎ اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ إﻟﻰ ﻏﯾر ذﻟك ﻣن اﻟﻣﻔﺎھﯾم اﻟﺗﻲ ﺗدل‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺿﺎﻣﯾن اﻟﻔﻛرﯾﺔ ﻟﮭذه اﻟﻧظرﯾﺔ‪.‬‬
‫‪ .3‬اﻟﻧظرﯾﺔ اﻟوظﯾﻔﯾﺔ‬
‫ﺗﻌﺗﺑر اﻟﻣدرﺳﺔ اﻟوظﯾﻔﯾﺔ ﻣن أھم اﻟﻣدارس اﻟﺗﻲ ﺗﮭﺗم ﺑﻣوﺿوع اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ ﺑل ھﻲ ﻣدرﺳﺔ راﺋدة ﻓﻲ‬
‫ھذا اﻟﻣﺟﺎل ﻣن ﺧﻼل أﻋﻣﺎل روادھﺎ وﺗﻼﻣذﺗﮭم ﻓﻧﺟد ﻣﺛﻼ ﻣﺎﻟﯾﻧوﻓﺳﻛﻲ‪ ،‬و راد ﻛﻠﯾف‬
‫ﺑراون وﻏﯾرھﻣﺎ‪ ،‬اھﺗﻣﺎ ﺑﮭذا اﻟﻣوﺿوع اھﺗﻣﺎﻣﺎ ﺑﺎﻟﻐﺎ‪ .‬ﺣﯾث أﻛد رواد ھذه اﻟﻣدرﺳﺔ أﻧﮫ إذا ﻋرﻓﻧﺎ‬
‫وظﯾﻔﺔ اﻟﻧظﺎم ﻓﺈﻧﻧﺎ ﻧﺳﺗطﯾﻊ ﺗﻔﺳﯾره وﻓﮭﻣﮫ وﻟذﻟك ﻓﺈن اﻟوظﯾﻔﺔ ﺗﺳﺗﺧدم ﻟﻺﺷﺎرة إﻟﻰ اﻟﺣﺎﺟﺎت‬
‫اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ أو اﻻﺣﺗﯾﺎﺟﺎت اﻟﺗﻲ ﯾﻧﺑﻐﻲ إﺷﺑﺎﻋﮭﺎ ﺣﺗﻰ ﺗﺳﺗﻣر اﻟﺟﻣﺎﻋﺔ ﻓﻲ اﻟوﺟود‪ ،‬ﻧﺳﺗطﯾﻊ ﻣن‬
‫ﺧﻼل اﻟوظﯾﻔﺔ إدراك أن اﻟﻧظم ﺗﻘﺎم وﺗؤﺳس ﻛﺄﻧﻣﺎط ﺳﻠوك ﺗﺗواءم ﻣﻊ ﻣﻌﺎﯾﯾر وﻗﯾم ﻣﺣددة‪ ،‬وﺑﮭذا‬
‫اﻟﻣﻌﻧﻰ ﻧﺟد أن اﻟﻧظم ﻻ ﺗﺷﻣل ﻓﻘط اﻟﻣﻌدات اﻟﻔﻧﯾﺔ اﻟﻣﺳﺗﺧدﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ﻣن أﺟل ﺣﯾﺎﺗﮫ اﻟﯾوﻣﯾﺔ‬
‫ﺑل وأﯾﺿﺎ ﻛل اﻷﻓﻛﺎر اﻟروﺣﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻣﯾز أﺧﻼﻗﯾﺗﮫ ودﯾﻧﮫ وﻗواﻧﯾﻧﮫ اﻟﺗﻲ ﺗﺳﺗطﯾﻊ ﻣن ﺧﻼﻟﮭﺎ ﺗﻧظﯾم‬
‫ﻓﻛره وﺳﻠوﻛﮫ )ﯾﺣﻲ ﻣرﺳﻲ ‪ ،‬أﺻول ﻋﻠم اﻻﻧﺳﺎن ‪،‬ص‪.( 53‬‬
‫وﻗد أوﺿﺢ ﻣﺎﻟﯾﻧوﻓﺳﻛﻲ ﻓﻲ ﻣﻘﺎل ﻛﺗﺑﮫ ﻋن اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ أن اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ ﺗﻌﺗﺑر وﺣدة ﻛﻠﯾﺔ ﻣن اﻟﻣﻣﻛن ﺗﺣﻠﯾﻠﮭﺎ‬
‫إﻟﻰ اﻷﺟزاء واﻟﻧظم اﻟﻣﻛوﻧﺔ ﻟﮭﺎ‪ ،‬وأﺧذ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﻣﺗﺑﺎدﻟﺔ ﺑﯾن ھذه اﻷﺟزاء‪ ،‬ﻣﻊ ﻋدم إﻏﻔﺎل‬
‫ﻋﻼﻗﺔ ذﻟك ﺑﺣﺎﺟﺎت اﻟﻛﺎﺋن اﻟﺑﺷري واﻟﺑﯾﺋﺔ واﻟطﺑﯾﻌﺔ‪ ،‬وﺗﻠك اﻟﺗﻲ ﻣن ﺻﻧﻊ اﻹﻧﺳﺎن‪،‬‬
‫وﯾرى ﻣﺎﻟﯾﻧوﻓﺳﻛﻲ أن اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ﯾﻧﺑﻐﻲ دراﺳﺗﮫ ﻛﻣﺎ ھو ﻋﻠﯾﮫ ﻓﻲ اﻟوﻗت اﻟﺣﺎﺿر وﻣن ﺟﻣﯾﻊ‬
‫ﺟواﻧﺑﮫ و ﺑﻧﺎءا ﻋﻠﻰ اﻟﻣؤﺳﺳﺎت اﻟﺗﻲ ﺗﻛﻔل ﺑﻘﺎﺋﮫ ﻋﻠﻰ ﻗﯾد اﻟﺣﯾﺎة واﻟﺗﻲ ھﻲ ﻣؤﺳﺳﺎت ﻣﺗﺑﺎدﻟﺔ‬
‫اﻟﺗﺑﻌﯾﺔ ﻓﮭو ﯾﺳﺗﺑﻌد ﻛل اﻟطروﺣﺎت اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ أو اﻟﺟﻐراﻓﯾﺔ اﻟﻣﺗداوﻟﺔ ﻓﻲ اﻟﻧظرﯾﺎت اﻟﺗطورﯾﺔ‬
‫واﻻﻧﺗﺷﺎرﯾﺔ‪.‬‬
‫ﻛذﻟك ﯾؤﻛد ﻣﺎﻟﯾﻧوﻓﺳﻛﻲ أﻧﮫ ﻣن اﻟﻣﻔﺗرض ﺑﻛل ظﺎھرة ﻣن اﻟظواھر اﻟﻣﺟﺗﻣﻌﯾﺔ أن ﺗﺳﺗﺟﯾب ﻟوظﯾﻔﺔ ﻣﻌﯾﻧﺔ و أﻧﮭﺎ‬
‫إذا ﻟم ﺗﻌد ﺗﻠﺑﻲ ﺣﺎﺟﺔ ﺣﯾوﯾﺔ أو ﻣﺟﺗﻣﻌﯾﺔ ﻓﺈن ﻣﺻﯾرھﺎ اﻟزوال ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ‪ ،‬واﻟﻣﺛل اﻟذي ﯾﺿرﺑﮫ ﻋﻠﻰ ذﻟك اﻟﻌرﺑﺔ‬
‫اﻟﺗﻲ ﯾﺟرھﺎ اﻟﺣﺻﺎن ﻓﮭو ﻻ ﯾرى ﻓﯾﮭﺎ راﺳﺑﺎ ﻣن اﻟرواﺳب اﻟﻣﺗﺑﻘﯾﺔ ﻓﻲ زﻣن اﻟﻣواﺻﻼت اﻟﺑﺳﯾطﺔ ﺑل ﯾرى ﻓﯾﮫ‬
‫وﺳﯾﻠﺔ ﺿرورﯾﺔ ﻣن وﺳﺎﺋل اﻟﻧزھﺔ واﻟرﺣﻠﺔ واﻟﺳﯾﺎﺣﺔ) ﺟﺎك ﻟوﻣﺑﺎر‪ ،‬ﻣدﺧل إﻟﻰ اﻻﯾﺛﻧوﻟوﺟﯾﺎ ‪ ،‬ص) ‪ .185‬ﻓﮭو‬
‫ﯾرى أن اﻹﻧﺳﺎن ﯾﻧﺷﺊ اﻟﻣؤﺳﺳﺎت ﻟﺗﻠﺑﯾﺔ ﺣﺎﺟﺎﺗﮫ وﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻲ ﺗﻛون اﻟﺣﺎﺟﺔ واﻟﻣؤﺳﺳﺔ ھﻣﺎ اﻟﻛﻠﻣﺗﯾن اﻟﻣﺣورﯾﺗﯾن ﻓﻲ‬
‫أي ﺛﻘﺎﻓﺔ‪ ،‬ﻓﮭو ﯾرى أن ﻛل اﻟﻌﻧﺎﺻر اﻟﻣﺷﻛﻠﺔ ﻟﻠﺛﻘﺎﻓﺔ ﻣوﺟودة ﻣن أﺟل إﺷﺑﺎع ﺣﺎﺟﺎت ﺣﯾوﯾﺔ أو ﻣﺟﺗﻣﻌﯾﺔ وﻻ‬
‫ﻣﻛﺎن ﻟﻌﻧﺎﺻر ﺛﻘﺎﻓﯾﺔ ﻻ ﺗؤدي وظﯾﻔﺔ‪ ،‬وﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻲ ﻓﮭو ﯾﻧﺎﻗض اﻟرأي اﻟﺗطوري اﻟذي ﯾﺗﺣدث ﻋن اﻟﺑﻘﺎﯾﺎ واﻟرواﺳب‬
‫واﻵﺛﺎر اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ‪ ،‬ﻓﮭو ﯾﻌﺗﺑر اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ ﻣﻛون ﺣﯾوي ﯾؤدي ﻛل ﻋﻧﺻر ﻣن ﻋﻧﺎﺻره وظﺎﺋف ﻣﻌﯾﻧﺔ ﻟﻔﺎﺋدة اﻷﻓراد أو‬
‫اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ أو اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ ﻓﻲ ﺣد ذاﺗﮭﺎ‪.‬‬
‫وﻧﺟد ﻛذﻟك ﻣن رواد ھذه اﻟﻣدرﺳﺔ ﻓراﻧس ﺑوا س اﻟذي ﯾﻧﺗﻘد اﻟﻣﻧﮭﺞ اﻟﺗطوري ﺣﯾث ﯾدرس اﻷﺻول اﻟﺗﻲ ﺗﺗﻌﻠق‬
‫ﺑﺎﻟﻧظم اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﻋن طرﯾق ﺟﻣﻊ اﻟﻣﻌﻠوﻣﺎت واﻟظﺎھرات ﻣن ﻣﺧﺗﻠف اﻷزﻣﻧﺔ واﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎت‪ ،‬ﺣﯾث ﯾرى أﻧﮫ ﯾﻧﺑﻐﻲ‬
‫ﻗﺑل أن ﻧوﻓق ﺑﯾن اﻟظواھر ﯾﺟب أن ﻧﺗﺄﻛد ﻣن أﻧﮭﺎ اﻧﺗزﻋت ﻣن ﺳﯾﺎق واﺣد‪ ،‬ﺑﻣﻌﻧﻰ إذا ﻧزﻋﻧﺎ ظﺎھرة ﺗﻘدﯾم اﻟطﻔل‬
‫ﻛﺿﺣﯾﺔ أو ﻗرﺑﺎن ﻋن ﺳﯾﺎﻗﮭﺎ اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ ﻓﺳوف ﻧﻔﮭﻣﮭﺎ ﻋﻠﻰ أﻧﮭﺎ ﻋﻣﻠﯾﺔ ﻗﺗل وﺟرﯾﻣﺔ ﻧﻛراء وﻟﻛﻧﮭﺎ وﻣن وﺟﮭﺔ ﻧظر‬
‫اﻟﺑﻧﺎء اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ اﻟﺗﻲ ھﻲ ﺟزء ﻣﻧﮫ ﺗﻌﺗﺑر ﻣﺛﻼ ﻓرﯾدا ﻣن أﻣﺛﻠﺔ اﻟﺗﺿﺣﯾﺔ وإﻧﻛﺎر اﻟذات وﻣن ﺛم ﻓﺎﻟﻣدرﺳﺔ اﻟوظﯾﻔﯾﺔ‬
‫ﺗﮭﺗم ﺑﺗوﺿﯾﺢ وظﯾﻔﺔ أي ﻋﻧﺻر أو طﻘس ﻣن طﻘوس اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ وﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻲ ﺗﻔﺗﯾش اﻟﺑﺎﺣث ﻋن اﻟوظﯾﻔﺔ اﻟﺣﻘﯾﻘﯾﺔ‬
‫ﻟﻠﺳﻣﺔ اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ واﻟﺗﻲ ﻗد ﺗﻛون ﻛﺎﻣﻧﺔ ﺑﺗﻌﺑﯾر روﺑرت ﻣﯾرﺗو ن ﻏﯾر واﺿﺣﺔ ﻟﻠﻌﯾﺎن وھﻲ ﺗﺧﺗﻠف ﻋن اﻟوظﯾﻔﺔ‬
‫اﻟواﺿﺣﺔ أو اﻟظﺎھرة ﻟﻠﺳﻣﺔ اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾدرﻛﮭﺎ أﻋﺿﺎء اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ )ﯾﺣﻲ ﻣرﺳﻲ ‪ ،‬أﺻول ﻋﻠم اﻻﻧﺳﺎن ‪،‬ص‪.( 37‬‬
‫‪ .4‬اﻟﻧظرﯾﺔ اﻟﻣﺎرﻛﺳﯾﺔ‬
‫ﻋﺗﺑر اﻟﻧظرﯾﺔ اﻟﻣﺎرﻛﺳﯾﺔ ﻣن اﻟﻧظرﯾﺎت اﻟﺗطورﯾﺔ ﻓﮭﻲ ﺗﻧظر إﻟﻰ ﻧﻣط اﻟﺣﯾﺎة أو اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ أﻧﮭﺎ ﺗﺗطور ﻣن ﻣرﺣﻠﺔ‬
‫إﻟﻰ أﺧرى وﺗﻧﺗﻘل ﻣن ﺟراء اﻟﺗﻧﺎﻗﺿﺎت اﻟﺗﻲ ﺗﺣﺻل ﻓﻲ اﻟﻧظﺎم اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ واﻟﺛﻘﺎﻓﻲ ﻓﻲ اﻟﻣرﺣﻠﺔ اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ وأن‬
‫ھذا اﻟﺗﺣول واﻟﺗﻐﯾر ﯾطرأ ﺑﻔﻌل ﺗﺄﺛﯾر ﻗوى اﻹﻧﺗﺎج أو اﻟﻌﺎﻣل اﻟﻣﺎدي اﻻﻗﺗﺻﺎدي‪.‬‬
‫ﺗؤﻛد ھذه اﻟﻧظرﯾﺔ أن اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ ﻓﻲ أي ﻣﺟﺗﻣﻊ وﺧﺎﺻﺔ اﻟﺟﺎﻧب اﻟﻣﻌﻧوي ﻣﻧﮭﺎ واﻟذي ﯾﺗﺷﻛل ﻣن اﻟﻌرف واﻟﻘﺎﻧون‬
‫واﻟدﯾن واﻹﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ‪...‬اﻟﺦ‪ .‬ﻣﺎ ھو ﻓﻲ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ إﻻ اﻧﻌﻛﺎس ﻟﻠواﻗﻊ اﻻﻗﺗﺻﺎدي وﻟﻧﻣط اﻻﻧﺗﺎج اﻟﺳﺎﺋد ﻓﻲ‬
‫اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ وﻧﺟد ﻣن ﺑﯾن اﻷﻣﺛﻠﺔ اﻟﻣوﺟودة ﻓﻲ ھذا اﻹطﺎر اﻟﻣﻘوﻟﺔ اﻟﺳﺎﺋدة ﻟدى اﻟﻣﺎرﻛﺳﯾﯾن ﻋﻣوﻣﺎ وھﻲ أن‬
‫اﻟﻣطﺣﻧﺔ اﻟﮭواﺋﯾﺔ ﺗدل ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻹﻗطﺎﻋﻲ ﻓﻲ ﺣﯾن ﺗدل اﻟﻌرﺑﺎت اﻟﺑﺧﺎرﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﺑورﺟوازي )‬
‫ﻣﯾﺷﺎل ﺗوﻣﺳون وآﺧرون ‪ ،‬ﻧظرﯾﺔ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ‪ ،‬ص ‪ (.251‬أي أن ﻗوى اﻹﻧﺗﺎج اﻟﻣﺗﻣﺛﻠﺔ ﻓﻲ أدوات اﻹﻧﺗﺎج واﻟﻌﻣل‬
‫وﻋﻼﻗﺎت اﻟﺳﯾطرة اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ أي اﻟﻣﺎﻟﻛﯾن ﻟوﺳﺎﺋل اﻹﻧﺗﺎج‪ ،‬ھﻲ اﻟﺗﻲ ﺗﺣدد اﻟﺑﻧﯾﺔ اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ ﻟﻠﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﺗﻲ‬
‫ﺑدورھﺎ ﺗﺣدد اﻟﺑﻧﺎء اﻟﻔوﻗﻲ ﻟﻠﻣﺟﺗﻣﻊ واﻟذي ﯾﻌﺗﺑر ھو اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ ‪،‬ﻓﮭذه اﻟﻧظرﯾﺔ ﻓﻲ ﺣﻘﯾﻘﺔ اﻷﻣر ﺗﺧﺗﻠف ﻋن ﺑﻘﯾﺔ‬
‫اﻟﻧظرﯾﺎت اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ اﻷﺧرى ﻓﻲ ﺗﻔﺳﯾرھﺎ ﻟﻠﺗطور اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ أو ﺣﺗﻰ ﻷﺻل اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ إﻻ أﻧﮭﺎ ﻻ ﺗﺧﺗﻠف ﻋﻧﮭﺎ ﻓﻲ ﺗﺣدﯾد‬
‫وظﯾﻔﺔ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ﻓﮭﻲ ﺗﻌﻣل ﻋﻠﻰ اﺳﺗﻘرار اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ وﺳﯾﺎدة أﻧظﻣﺗﮫ اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ واﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ‬
‫واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ وھﻲ ﺑطﺑﯾﻌﺔ اﻟﺣﺎل وﻓق اﻟﻣﻧظور اﻟﻣﺎرﻛﺳﻲ اﻟﺛوري ﺗﻠﻌب دورا ﺳﻠﺑﯾﺎ ﻓﻲ ﻋﻣﻠﯾﺔ اﻟﺗطور‪ ،‬وﺗﺑﺷر‬
‫ھذه اﻟﻧظرﯾﺔ ﺑﻧﻣط ﺣﯾﺎة ﺟدﯾد وھو اﻟﻧﻣط اﻟﺷﯾوﻋﻲ اﻟذي ﺗﻧﺗﻔﻲ ﻓﯾﮫ اﻟﻔوارق اﻟطﺑﻘﯾﺔ وﺗﺳود ﻓﯾﮫ اﻟﻌداﻟﺔ‬
‫اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ وﺗزول ﻓﯾﮫ اﻟدوﻟﺔ واﻷﺳرة ‪ ،‬ﻷن اﻟدوﻟﺔ واﻷﺳرة وﻓق اﻟﻣﻧطق اﻟﻣﺎرﻛﺳﻲ ﻣﺎ ھﻲ إﻻ أﻧظﻣﺔ‬
‫ﻟﻠﻣﺣﺎﻓظﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺻﺎﻟﺢ اﻟطﺑﻘﺔ اﻟﻣﺎﻟﻛﺔ ﻟوﺳﺎﺋل اﻟﻘوة واﻟﺳﯾطرة وھﻲ ﻣؤﺳﺳﺎت أﻧﺷﺋت ﺑﻐرض ﺗدﺟﯾن اﻹﻧﺳﺎن‬
‫ﺣﺗﻰ ﻻ ﯾﻌﺗرض ﻋﻠﻰ ﺳﯾطرة اﻟطﺑﻘﺔ اﻟﻣﺎﻟﻛﺔ ﻟﻣﺻﺎدر اﻟﻘوة واﻟﻧﻔوذ ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ‪.‬‬
‫‪ .5‬اﻟﻧظرﯾﺔ اﻹﯾﻛوﻟوﺟﯾﺔ‬
‫ﯾﻌﺗﺑر ھذا اﻻﺗﺟﺎه ﺣدﯾث اﻟﻌﮭد ﻧﺳﺑﯾﺎ ﻓﻲ اﻟدراﺳﺎت اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة وﻣن أﻗطﺎﺑﮫ ﺟوﻟﯾﺎن ﺳﺗﯾوار ت و ﻓرﯾدرﯾك ﺑﺎرث‪،‬‬
‫وﻣﺎﻛس ﺟﻠوﻛﻣﺎن‪ ،‬وھم ﯾرﻛزون ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟدﯾﻧﺎﻣﯾﺔ اﻟﻣﺗﺑﺎدﻟﺔ ﺑﯾن اﻹﻧﺳﺎن وﻣﻛوﻧﺎت اﻟﺑﯾﺋﺔ اﻟطﺑﯾﻌﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﻌﯾش ﻓﯾﮭﺎ‪ ،‬ﻓﻣن‬
‫ﺛم ﻓﮭم ﯾﺑﺣﺛون ﻋن ﻋﻣﻠﯾﺎت اﻟﺗﻛﯾف اﻟﺗﻲ ﺗؤدي إﻟﻰ ظﮭور ﺻﯾﻎ ﺛﻘﺎﻓﯾﺔ ﻣﺗﺑﺎﯾﻧﺔ ‪ ،‬ھذه اﻟﻧظرﯾﺔ ﺗرى أن اﻟﻧﺎس ﻛﺎﻧوا طوال‬
‫ﺗﺎرﯾﺧﮭم اﻟطوﯾل ﻓﻲ ﺻراع ﻣﺳﺗﻣر ﻣﻊ اﻟﺑﯾﺋﺔ ﻣن أﺟل اﻟﺗﻛﯾف ﻣﻌﮭﺎ وﺣﻣﺎﯾﺔ أﻧﻔﺳﮭم ﻣن أﺧطﺎرھﺎ ﻣن ﺧﻼل اﺧﺗراع اﻟﻌدﯾد ﻣن‬
‫اﻟوﺳﺎﺋل اﻟﺗﻛﻧوﻟوﺟﯾﺎ ﻣﺛل اﻟﻣﻌﺎدن واﻟﻠداﺋن وﻧﻣو أﺷﻛﺎل اﻟوﻗود واﻟطﺎﻗﺔ اﻟﻧووﯾﺔ ﻟﻠﺣﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﺗﻲ طوروھﺎ)ﯾﺣﻲ‬
‫ﻣرﺳﻲ ‪ ،‬أﺻول ﻋﻠم اﻻﻧﺳﺎن ‪،‬ص‪.( 374‬‬
‫ﻓﺎﻹﻧﺳﺎن ﻓﻲ ﺗﻌﺎﻣﻠﮫ ﻣﻊ اﻟطﺑﯾﻌﺔ ﯾﺣﺎول داﺋﻣﺎ أن ﯾﺗﻛﯾف ﻣﻌﮭﺎ ﺣﺗﻰ وإن ﻛﺎن ﯾﺳﻌﻰ ﻟﻠﺳﯾطرة ﻋﻠﯾﮭﺎ وﺗطوﯾﻌﮭﺎ ﻹﺷﺑﺎع ﺣﺎﺟﺎﺗﮫ ‪،‬‬
‫إﻻ أن ﻋﺟز اﻹﻧﺳﺎن ﻓﻲ ﻛﺛﯾر ﻣن اﻷﺣﯾﺎن ﯾﺟﻌﻠﮫ ﯾﻛﺗﺳب ﺻﻔﺎت ﺑﯾوﻟوﺟﯾﺔ وﺛﻘﺎﻓﯾﺔ ﺗﻣﻛﻧﮫ ﻣن اﻟﺗواؤم واﻟﺗواﻓق ﻣﻊ ظروف‬
‫ﺑﯾﺋﺗﮫ‪ ،‬ﻓﺣﺗﻰ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻌﺗﺑر وﻋﺎء اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ ﻧﺟدھﺎ ﺗﺗﺄﺛر ﺑﺎﻟﺑﯾﺋﺔ‪.‬‬
‫وﻟﻌﻠﻧﺎ ﻧﺟد أﻓﻛﺎر ﻣن ھذا اﻟﻧوع ﻋﻧد اﺑن ﺧﻠدون ﺣﯾﻧﻣﺎ ﯾﺗﺣدث ﻋن اﻟﻣﻌﺗدل ﻣن اﻷﻗﺎﻟﯾم واﻟﻣﻧﺣرف وﺗﺄﺛﯾر اﻟﮭواء‬
‫ﻓﻲ أﻟوان اﻟﺑﺷر واﻟﻛﺛﯾر ﻣن أﺣواﻟﮭم وﻓﻲ ﺣدﯾﺛﮫ ﻛذﻟك ﻋن أﺛر اﻟﮭواء ﻓﻲ أﺧﻼق اﻟﺑﺷر "وﻟﮭذا ﻛﺎﻧت اﻟﻌﻠوم‬
‫واﻟﺻﻧﺎﺋﻊ واﻟﻣﺑﺎﻧﻲ واﻟﻣﻼﺑس واﻷﻗوات واﻟﻔواﻛﮫ ﺑل واﻟﺣﯾواﻧﺎت وﺟﻣﯾﻊ ﻣﺎ ﯾﺗﻛون ﻓﻲ ھذه اﻷﻗﺎﻟﯾم( ﯾﻘﺻد اﻷﻗﺎﻟﯾم‬
‫اﻟﻣﻌﺗدﻟﺔ اﻟﺣر و اﻟﺑرد)اﻟﺛﻼﺛﺔ اﻟﻣﺗوﺳطﺔ ﻣﺧﺻوﺻﺔ ﺑﺎﻻﻋﺗدال وﺳﻛﺎﻧﮭﺎ ﻣن اﻟﺑﺷر أﻋدل أﺟﺳﺎﻣﺎ وأﻟواﻧﺎ وأﺧﻼﻗﺎ‬
‫وأدﯾﺎﻧﺎ " ‪).‬ﻋﺑد اﻟرﺣﻣن اﺑن ﺧﻠدون‪ ،‬اﻟﻣﻘدﻣﺔ‪ ،‬ص‪ (.90‬وﻓﻲ ﺣدﯾﺛﮫ ﻋن أﺛر اﻟﮭواء ﻓﻲ أﺧﻼق اﻟﺑﺷر ﯾﻘول اﺑن‬
‫ﺧﻠدون "ﻗد رأﯾﻧﺎ ﻣن ﺧﻠق اﻟﺳودان ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻣوم اﻟﺧﻔﺔ واﻟطﯾش وﻛﺛرة اﻟطرب ﻓﻧﺟدھم ﻣوﻟﻌﯾن ﺑﺎﻟرﻗص ﻋﻠﻰ ﻛل‬
‫ﺗوﻗﯾﻊ ﻣوﺻوﻓﯾن ﺑﺎﻟﺣﻣق ﻓﻲ ﻛل ﻗطر واﻟﺳﺑب اﻟﺻﺣﯾﺢ ﻓﻲ ذﻟك أﻧﮫ ﻻ ﺗﻘرر ﻓﻲ ﻣوﺿﻌﮫ ﻣن اﻟﺣﻛﻣﺔ أن طﺑﯾﻌﺔ‬
‫اﻟﻔرح واﻟﺳرور ھﻲ اﻧﺗﺷﺎر اﻟروح اﻟﺣﯾواﻧﻲ وﺗﻔﺷﯾﮫ وطﺑﯾﻌﺔ اﻟﺣزن ﺑﺎﻟﻌﻛس وھو اﻧﻘﺑﺎﺿﮫ وﺗﻛﺎﺛﻔﮫ‪ ،‬وﺗﻘرر أن‬
‫اﻟﺣرارة ﻣﻔﺷﯾﺔ ﻟﻠﮭواء واﻟﺑﺧﺎر ﻣﺧﻠﺧﻠﺔ ﻟﮫ زاﺋدة ﻓﻲ ﻛﻣﯾﺗﮫ‪...‬اﻟﺦ" وﻟﻣﺎ ﻛﺎن اﻟﺳوداﻧﺑﺑن ﺳﺎﻛﻧﯾن ﻓﻲ اﻹﻗﻠﯾم اﻟﺣﺎر‬
‫اﺳﺗوﻟﻰ اﻟﺣر ﻋﻠﻰ أﻣزﺟﺗﮭم وﻓﻲ أﺻل ﺗﻛوﯾﻧﮭم‪). " ...‬ﻋﺑد اﻟرﺣﻣن اﺑن ﺧﻠدون‪ ،‬اﻟﻣﻘدﻣﺔ‪ ،‬ص‪(.95‬‬
‫ﻓﮭذه اﻟﻧظرﯾﺔ ﺗرى أن ﻟﻠواﻗﻊ اﻹﯾﻛوﻟوﺟﻲ دور أﺳﺎﺳﻲ ﻓﻲ ﺻﯾﺎﻏﺔ وﺑﻧﺎء اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ وﯾظﮭر ﺑذﻟك ﻓﻲ ﺳﻣﺎﺗﮭﺎ اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ‬
‫وأﻧﻣﺎط ﺳﻠوﻛﮭﺎ وأﻧظﻣﺗﮭﺎ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ وﻓﻧوﻧﮭﺎ وﺗﻘﺎﻟﯾدھﺎ ودﯾﺎﻧﺎﺗﮭﺎ‪...‬اﻟﺦ ورﻏم اﻟﻣﺑﺎﻟﻐﺎت اﻟﺗﻲ ﻗد ﻧﺟد ھﺎ ﻋﻧد اﺑن‬
‫ﺧﻠدون أو ﺣﺗﻰ ﻋﻧد اﻹﯾﻛو ﻟوﺟﯾﯾن اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﯾن إﻻ اﻧﮫ ﻻ ﯾﻣﻛن ﺗﻌﻣﯾم ھذه اﻵراء ﺑﺷﻛل ﺟزاﻓﻲ ﻛﻣﺎ ﻻ ﯾﻣﻛن إھﻣﺎﻟﮭﺎ‬
‫أو اﻋﺗﺑﺎرھﺎ ﻧظرﯾﺎت ﻋﻧﺻرﯾﺔ ‪ ،‬اﻟﻐرض ﻣﻧﮭﺎ ﺗﻔﺿﯾل ﻋﻧﺻر ﻣن اﻟﺑﺷر ﻋﻠﻰ ﻋﻧﺻر آﺧر‪ ،‬ﻓﻔﻌﻼ ﻟﻠظروف اﻟطﺑﯾﻌﯾﺔ‬
‫اﻟﻣﺣﯾطﺔ ﺑﺎﻹﻧﺳﺎن ﺳﻠطﺎن ﻗﺎھر ﻟﺗﻛﯾﯾف اﻹﻧﺳﺎن وﺻﯾﺎﻏﺔ طﺑﺎﻋﮫ وأﻣزﺟﺗﮫ وﯾﺻﺑﺢ ﻛل ﻣﻧﺗوﺟﮫ اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ ﻣرﺗﺑط‬
‫ﺑﺗﻠك اﻟﻌواﻣل اﻟﻣﺣﯾطﺔ ﺑﮫ‪.‬‬

‫‪ .6‬اﻟﺗطورﯾﺔ اﻟﻣﺣدﺛﺔ‬

‫لﻗد ظﮭرت آراء ﺟدﯾدة ﻓﻲ اﻟﻣﻧظور اﻟﺗطوري ﻟﻠﺛﻘﺎﻓﺔ وﻟﻘد اﺣﺗﻠت ھذه اﻵراء أھﻣﯾﺔ ﻛﺑﯾرة ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن‬
‫ﺗﺳﺎؤﻻت أﻧﺻﺎر ھذه اﻟﻧظرﯾﺔ ﻟم ﺗﺧﺗﻠف ﻛﺛﯾرا ﻋن ﺳﺎﺑﻘﯾﮭم ﻓﻲ اﻟﻘرن اﻟﺗﺎﺳﻊ ﻋﺷر إﻻ أﻧﮭم أﺿﺎﻓوا إﻟﯾﮭﺎ ﺑﻌض‬
‫اﻟﺗﻌدﯾﻼت واﻷﻓﻛﺎر وﺛﯾﻘﺔ اﻟﺻﻠﺔ ﺑﻣﯾﻛﺎﻧﯾزﻣﺎت اﻟﺗﻐﯾر واﻟﻘواﻧﯾن اﻟﻌﺎﻣﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺣﻛم اﻟﺗﻐﯾر اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ‪.‬‬
‫ﻓﻧﺟد ﻟﯾزﻟﻲ ھواﯾت ﯾﺗﺣدث ﻋز ﻣراﺣل ﺗطور اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ ﻛﻣﺎ ﻟو ﻛﺎﻧت ﻣراﺣل ﻛﻠﯾﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﺗﻣﯾزھﺎ اﻟﺧﺑرة اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ‬
‫اﻟﻣﺗراﻛﻣﺔ وﯾرى أن اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ ﺗﻧﻣو وﺗرﺗﻘﻲ وﻓﻘﺎ ﻻزدﯾﺎد ﻛﻣﯾﺔ اﻟطﺎﻗﺔ‪ ،‬أو وﻓﻘﺎ ﻻزدﯾﺎد اﻟﻛﻔﺎءة اﻟﺗﻲ ﺗﺳﺗﺧدم ﺑﮭذه‬
‫اﻟطﺎﻗﺔ ‪.‬‬
‫ﻛﻣﺎ أوﺿﺢ ذﻟك ﺟوﻟﯾﺎن ﺳﯾﺗوارد أن ﺗﻌدد اﻷﺻول اﻟﺗطورﯾﺔ اﻟﻣﺗوازﯾﺔ ﯾﻣﺛل ﺣﻘﯾﻘﺔ واﻗﻌﯾﺔ ﯾﻣﻛن إدراﻛﮭﺎ ﻋن‬
‫طرﯾق ﻣﻘﺎرﻧﺔ اﻟﺗﻐﯾﯾر اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ اﻟﺣﺎدث ﻓﻲ ﺛﻘﺎﻓﺎت ﻣﺗﺑﺎﯾﻧﺔ وأوﺿﺢ أن ھﻧﺎك ﺛﻼث ﻋﻧﺎﺻر رﺋﯾﺳﯾﺔ ﺗﺣﻛم اﻟﺗطور أو‬
‫اﻟﺗﻐﯾر اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ وھﻲ‪) :‬ﯾﺣﻲ ﻣرﺳﻲ ‪ ،‬أﺻول ﻋﻠم اﻻﻧﺳﺎن ‪،‬ص‪( 368‬‬
‫‪ 1‬اﻟﻧظم اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑل اﻟﮭﺎﻣﺷﯾﺔ أو اﻟﻣﺣﯾطﺔ‬
‫‪ 2‬اﻟﻧﻣط او اﻟﻣوذج اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ‬
‫‪ 3‬ﻣﺳﺗوﯾﺎت اﻟﺗﻛﺎﻣل اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ و اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ‬
‫وﺑﮭذا ﺗﺻﺑﺢ ھذه اﻟﻧظرﯾﺔ ﻧﻘﻠﺔ ﻧوﻋﯾﺔ ﻟﻠﻧظرﯾﺔ اﻟﺗطورﯾﺔ ﺣﯾث اﻧﺗﻘﻠت ﻣن اﻟﺗﻔﺳﯾر اﻷﺣﺎدي ﻟﺗطور اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺗﻔﺳﯾر ﻣﺗﻌدد‬
‫اﻟﻌواﻣل وﻣن اﻟﻣﺳﺎر اﻟواﺣد اﻟذي ﯾﺳﻠﻛﮫ اﻟﺗطور إﻟﻰ اﻟﻣﺳﺎﻟك اﻟﻣﺗوازﯾﺔ ﻟﻠﺗطور‪.‬‬

‫‪ .7‬ﻧظرﯾﺔ اﻻﻧﺗﺧﺎب اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ‬


‫ﻣن اﻟﻧظرﯾﺎت اﻟﺣدﯾﺛﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺗﻧﺎول اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ ﻧظرﯾﺔ اﻻﻧﺗﺧﺎب اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ وھﻲ ﻣرﺗﺑطﺔ ﺑﺎﻻﻧﺗﺧﺎب اﻟطﺑﯾﻌﻲ ﻣن ﺣﯾث‬
‫اﻟﺗﺳﻣﯾﺔ ﺑل ﺗم اﺳﺗﻠﮭﺎم ھذه اﻟﺗﺳﻣﯾﺔ ﻣن ﻧظرﯾﺔ اﻻﻧﺗﺧﺎب اﻟطﺑﯾﻌﻲ إﻻ أﻧﮭﺎ ﺗﺧﺗﻠف ﻋﻧﮭﺎ اﺧﺗﻼﻓﺎ ﺟذرﯾﺎ‬
‫ﻓﺄﻧﺻﺎرھﺎ ﻻ ﯾطﺎﺑﻘون ﺑﯾن اﻻﻧﺗﺧﺎب اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ واﻻﻧﺗﺧﺎب اﻟطﺑﯾﻌﻲ ﻟﻠﺻﻔﺎت ﻛﻣﺎ ﺟﺎء ﻓﻲ اﻟﻧظرﯾﺔ اﻟداروﯾﻧﯾﺔ‪.‬‬
‫ﻓﻧظرﯾﺔ اﻻﻧﺗﺧﺎب اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ ھﻲ ﻧظرﯾﺔ ﻋن ظواھر ﯾﻣﻛن أن ﺗﻧﺗﺷر داﺧل ﻣﺟﺗﻣﻊ ﻣﺎ ﻣﺛل اﻟﺷﻌﯾرة اﻟدﯾﻧﯾﺔ أو‬
‫أﺳﻠوب ﻓﻲ اﻟﻔن أو طرﯾﻘﺔ ﻓﻲ اﻟﺻﯾد وﺗﺷﺗﻣل اﻟﻧظرﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﺛﻼﺛﺔ ﻋﻣﻠﯾﺎت أﺳﺎﺳﯾﺔ‪:‬‬

‫أوﻻ ‪:‬‬
‫ﺗﻧﺷﺄ اﻟظﺎھرة وھذا ﻣﺎ ﯾﺳﻣﻰ اﻟﺗﺟدﯾد أو اﻹﺑداع‬
‫‪.‬‬
‫ﺛﺎﻧﯾﺎ ‪:‬‬
‫ﯾﻣﻛن أن ﺗﻧﺗﺷر اﻟظﺎھرة ﻣن إﻧﺳﺎن إﻟﻰ آﺧر أ و ﻣن ﺟﻣﺎﻋﺔ ﻣن اﻟﺑﺷر إﻟﻰ أﺧرى وھذا ﯾﺳﻣﻰ اﻟﺗﻛﺎﺛر أو اﻟﻧﻘل أو اﻟﻣﺣﺎﻛﺎة‬
‫أو اﻻﻧﺗﺷﺎر وﺛﺎﻟث اﻟﻌﻣﻠﯾﺎت اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻧظرﯾﺔ ھﻲ اﻻﻧﺗﺧﺎب وﻧﻌﻧﻲ ﺑﺎﻻﻧﺗﺧﺎب أي آﻟﯾﺔ أو ﻋﺎﻣل ﯾؤﺛر ﻓﻲ ﻣدى اﻧﺗﺷﺎر‬
‫اﻟظﺎھرة ﻣن ﺣﯾث اﻟﻛﺛرة أو اﻟﻘﻠﺔ وأوﺿﺢ أﻧواع اﻻﺧﺗﯾﺎر ‪ ،‬اﻻﺧﺗﯾﺎر اﻟواﻋﻲ ﻣن ﺟﺎﻧب اﻟﺑﺷر‪.‬‬
‫ﻣﺛﺎل ﻋﻠﻰ ذﻟك اﻟزراﻋﺔ ﻣﺛﻼ ‪ :‬ﻟﻛﻲ ﺗﺑدأ ﻣرﺣﻠﺔ اﻟزراﻋﺔ ﻛﺎن ﻻ ﺑد وأن ﯾظﮭر ﺷﺧص ﻋﻠﻰ ﺣظ ﻣن‬
‫اﻟﻧﺑﺎھﺔ واﻟذﻛﺎء ﻟﯾﺧﺗرع طرﯾﻘﺔ ﻻﺳﺗﻧﺑﺎت اﻟﺣﺑوب أو أي ﻣﺣﺎﺻﯾل أﺧرى( اﻻﺑﺗﻛﺎر )ﯾﻣﻛن ﻟﮭذه‬
‫اﻟﻣﻣﺎرﺳﺔ أن ﺗﻧﺗﺷر ﺑﻌد ذﻟك إذا ﻣﺎ ﻗدم اﻟﻣﺧﺗرع ﻓﻛرﺗﮫ ﻵﺧرﯾن ﻟﻛﻲ ﯾﺣﺎﻛوا طرﯾﻘﺗﮫ( ﺗﻛﺎﺛر) وﯾﺗﻌﯾن‬
‫ﺗوﻓﯾر ظروف ﻋدﯾدة ﻟﻛﻲ ﺗﻧﺗﺷر ھذه اﻟﻣﻣﺎرﺳﺔ ﺑﺷﻛل ﻧﺷط وﻓﻌﺎل وھذه اﻟظروف واﻟﻌواﻣل ﻣن ﺑﯾﻧﮭﺎ‬
‫ﯾﺟب أن ﯾﻛون اﻟﻣزارﻋﯾن راﻏﺑﯾن ﻓﻲ ﺗﻘدﯾم ﻣﻌﺎرﻓﮭم ﻟﻶﺧرﯾن ‪،‬أن ﯾﻛون ﻛذﻟك ﻏﯾر اﻟﻌﺎﻣﻠﯾن‬
‫ﺑﺎﻟزراﻋﺔ ﻋﻠﻰ اﺗﺻﺎل ﺑﺎﻟﻣزارﻋﯾن وأن ﯾﻛوﻧوا راﻏﺑﯾن ﻓﻲ ﺗﻐﯾﯾر أﺳﻠوب ﺣﯾﺎﺗﮭم ‪ ،‬وأﺧﯾرا ﯾﺟب أن‬
‫ﯾﻛون اﻟﻣزارﻋﯾن ﻗﺎدرﯾن ﻋﻠﻰ ﺗوﻓﯾر اﻟﻐداء واﻟﺗﻧﺷﺋﺔ ﻟﻌدد ﻛﺎف ﻣن اﻷطﻔﺎل‪ ،‬وﺗؤﻟف ھذه اﻟﻌواﻣل‬
‫ﻛﻠﮭﺎ ﻋﻣﻠﯾﺔ اﻻﻧﺗﺧﺎب وھﻲ ﻋﻣﻠﯾﺔ ﺣﺎﺳﻣﺔ ﻻﻧﺗﺷﺎر اﻟزراﻋﺔ ﺑﯾن ﺗﺟﻣﻊ ﺳﻛﺎن ‪) .‬أﺟﻧر ﻓوج‪ ،‬اﻻﻧﺗﺧﺎب‬
‫اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ‪ ،‬ص ‪(.79‬‬
‫و ﺳﻣﯾت اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ ﺑﺎﻻﻧﺗﺧﺎب ﻷﻧﮭﺎ ﺗﻧﺗﺷر ﻋﻧدﻣﺎ ﺗﻠﻘﻰ اﻟﻘﺑول ﻟدى اﻷﻓراد وﻋﻧدﻣﺎ ﺗﻘدم ﺣﻠوﻻ ﻋﻣﻠﯾﺔ‬
‫ﻟﻣﺷﻛﻼت اﻷﻓراد واﻟﺟﻣﺎﻋﺎت‪ ،‬وﺗﻌطﻲ ﺑداﺋل وظﯾﻔﯾﺔ داﺧل اﻟﻧﺳق اﻟﻌﺎم ﻟﻠﺛﻘﺎﻓﺔ ﻓﯾﻘﺑل ﻋﻠﯾﮭﺎ اﻟﻧﺎس‬
‫وﯾﺗرﻛوا اﻟﻌﻧﺎﺻر اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ ﻧظرا ﻟﻌدم ﻓﻌﺎﻟﯾﺗﮭﺎ وﻋدم ﻣواﻛﺑﺗﮭﺎ ﻟﻠﺗﺣوﻻت اﻟﺣﺎﺻﻠﺔ ﻓﻲ‬
‫اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ‪ .‬وﻟﮭذه اﻟﻧظرﯾﺔ ﻣﺟﻣوﻋﺔ اﻟﻣﻔﺎھﯾم اﻟﺧﺎﺻﺔ ﺑﮭﺎ ﻛﻣﻔﮭوم اﻻﺑﺗﻛﺎر‪ ،‬واﻟﺗﻛﺎﺛر واﻻﻧﺗﺧﺎب ووﺣدة‬
‫اﻻﻧﺗﺧﺎب واﻷﺳﺎس اﻟﻣﯾﻣﻲ ﻟﻠﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟذي ﯾﻘﺎﺑل اﻷﺳﺎس اﻟﺟﯾﻧﻲ ﻟﻠﺻﻔﺎت اﻟطﺑﯾﻌﯾﺔ ﻟدى اﻟﻣﺧﻠوﻗﺎت‪.‬‬
‫‪ .8‬ﻧظرﯾﺔ اﻟﻘﺎﺑﻠﯾﺔ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ واﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ ﻟﻠﻧﻣﺎء‬
‫ﺗﻌﺗﺑر ھذه اﻟﻧظرﯾﺔ ﻣن اﻟﻧظرﯾﺎت اﻟﺣدﯾﺛﺔ واﻟﺗﻲ ﺗﺣﺎول أن ﺗﺧﺗﺻر ﺟﮭود ﻛل اﻟﻣﻧظرﯾن‬
‫ووﺿﻊ ﻧظرﯾﺔ واﺣدة ﺗﺟﻣﻊ ﺑﯾن ﻣﺎ ﺗوﺻل إﻟﯾﮫ اﻟﺑﺎﺣﺛون اﻷواﺋل ﻣن أﻓﻛﺎر وأراء وﺗﺣﺎول‬
‫ﺻﯾﺎﻏﺗﮭﺎ ﻣن رؤﯾﺔ ﺟدﯾدة ﺗﺗﺟﺎوز اﻟﺧﻼﻓﺎت اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ‪ ،‬وﻣن أﺑرز اﻟﺑﺎﺣﺛﯾن اﻟذﯾن ﻧﺎدوا ﺑﮭﺎ ﻧﺟد‬
‫ﻣﯾﺷﺎل طوﻣﺳون‪ ،‬ورﯾﺗﺷﺎرد إﻟﯾس ‪ ،‬وأرون وﯾﻠداﻓﺳﻛﻲ‪ ،‬ﻓﺣﺳب ﻣﻔﮭوﻣﮭم ﻟﻠﺛﻘﺎﻓﺔ ﯾﻧظرون‬
‫إﻟﯾﮭﺎ ﻋﻠﻰ أﻧﮭﺎ ﺗﻣﺛل ﺛﻼث ﻣﻔﺎھﯾم أﺳﺎﺳﯾﺔ ھﻲ‪ ) :‬ﻣﯾﺷﺎل ﺗوﻣﺳون وآﺧرون ‪ ،‬ﻧظرﯾﺔ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ‪،‬‬
‫ص ‪(40‬‬
‫اﻟﺗﺣﯾزات اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ‪.‬‬
‫اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ‪.‬‬
‫أﻧﻣﺎط وأﺳﺎﻟﯾب اﻟﺣﯾﺎة‪.‬‬
‫ﻓﺎﻟﺗﺣﯾزات اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ ﺗﺷﻣل اﻟﻘﯾم واﻟﻣﻌﺗﻘدات اﻟﻣﺷﺗرﻛﺔ ﺑﯾن اﻟﻧﺎس ‪ ،‬واﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ‬
‫ﺗﺷﻣل اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗرﺑط اﻟﻧﺎس ﺑﻌﺿﮭم ﺑﻌﺿﺎ ‪ ،‬أﻣﺎ ﻧﻣط اﻟﺣﯾﺎة ﻓﮭو اﻟﻧﺎﺗﺞ اﻟﻛﻠﻲ‬
‫اﻟﻣرﻛب ﻣن اﻟﺗﺣﯾزات اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ واﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ‪ .‬وﻧظرﯾﺔ اﻟﻘﺎﺑﻠﯾﺔ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ واﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ‬
‫ﻟﻠﻧﻣﺎء ﺗﻔﺳر ﻟﻧﺎ ھذه اﻷﻧﻣﺎط ﻟﯾس ﻣن ﻧﺎﺣﯾﺔ ﻧﺷﺄﺗﮭﺎ وإﻧﻣﺎ ﻣن ﻧﺎﺣﯾﺔ ﺑﻧﺎﺋﮭﺎ واﺳﺗﻣرارھﺎ وﻧﻣوھﺎ‬
‫وﺗﻐﯾرھﺎ وﻛﯾف ﺗﺣﺎﻓظ أﻧﻣﺎط اﻟﺣﯾﺎة ﻓﻲ ﻣﺟﺗﻣﻊ ﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﻘﺎﺋﮭﺎ واﺳﺗﻣرارھﺎ ﺑﯾﻧﻣﺎ ﺗﻔﺷل أﻧﻣﺎط‬
‫أﺧرى ﻓﻲ ذﻟك‪.‬‬
‫وﻓﻲ ھذا اﻹطﺎر ﺗﺣﻠل اﻟﻧظرﯾﺔ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻻرﺗﺑﺎطﯾﺔ ﺑﯾن ﻗﺎﺑﻠﯾﺔ ﻧﻣط ﺣﯾﺎة ﻟﻠﻧﻣو وﺑﯾن اﻟﺗواﻓق واﻻﻧﺳﺟﺎم ﺑﯾن‬
‫اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ واﻟﺗﺣﯾزات اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ ﻋﻠﻰ أن ذﻟك ﻻ ﯾﻌﻧﻲ أن ﻧﻣط اﻟﺣﯾﺎة‪ ،‬ﻧﻣط واﺣد ﺑل ﺗﻌدد ھذه اﻷﻧﻣﺎط‬
‫وﺗﺗﻧوﻋﮭﺎ اﻷﻣر اﻟذي دﻓﻊ ﺑﺑﻌض اﻟﻌﻠﻣﺎء واﻟﺑﺎﺣﺛﯾن إﻟﻰ ﺗﺻﻧﯾف ھذه اﻷﻧﻣﺎط ‪ ،‬وﻗد اھﺗم أﺻﺣﺎب ھذه اﻟﻧظرﯾﺔ‬
‫ﺑﺗﻘدﯾم ﺗﺻﻧﯾف ﺟدﯾد ﻷﻧﻣﺎط اﻟﺣﯾﺎة وطﺑﻘوا ﻋﻠﯾﮫ ﻧظرﯾﺗﮭم وﻗد وﺿﻌوا ﺧﻣﺳﺔ أﻧﻣﺎط ﺣﯾﺎة ﯾﻌﺗﻘدون أﻧﮭﺎ ﺳﺎﺋدة ﻓﻲ‬
‫اﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎت اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ھﻲ اﻷﻧﻣﺎط اﻟﺗدرﺟﯾﺔ واﻟﻣﺳﺎواﺗﯾﺔ واﻟﻘدرﯾﺔ واﻟﻔردﯾﺔ‪ ،‬واﻻﺳﺗﻘﻼﻟﯾﺔ أو اﻻﻧﻌزاﻟﯾﺔ ھذه‬
‫اﻷﻧﻣﺎط إذا ﻛﺎن ﺑﯾﻧﮭﺎ ﺗﻧﺎﻓس ﻓﺈﻧﮭﺎ ﻛذﻟك ﺑﯾﻧﮭﺎ اﻋﺗﻣﺎد ﻣﺗﺑﺎدل‪ .‬وھذه اﻷﻧﻣﺎط اﻟﺧﻣﺳﺔ ﺗﺷﻛل ﻓﻲ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ﺗﻔﺿﯾﻼت‬
‫ﺛﻘﺎﻓﯾﺔ وھﻲ ﻣرﺗﺑطﺔ ﺑﻧﻣط ﻣن اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ وﻓﻲ ﺗﻔﺎﻋل ھذﯾن اﻟﻌﺎﻣﻠﯾن ﯾﻧﺗﺞ ﻟﻧﺎ أﻧﻣﺎط وأﺳﺎﻟﯾب ﻣن‬
‫اﻟﺳﻠوك واﻟﺣﯾﺎة ﺗﻌﺑر ﻋن ھذه اﻟﺗﻔﺿﯾﻼت وﺗﻌﻛﺳﮭﺎ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ اﻟﺳﺎﺋدة‪.‬‬
‫ﻣن ﻛل ﻣﺎ ﺳﺑق ﯾﻣﻛن أن ﻧﺳﺗﻧﺗﺞ ﺑﺄﻧﮫ ﯾﻣﻛن دراﺳﺔ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ وﻓق ﻣﻘﺎرﺑﺎت ﻣﺗﻧوﻋﺔ ‪ ،‬وﻟﻛل ﻣﻧﮭﺎ ﻣﺣددات وﺗداﻋﯾﺎت‬
‫‪ .‬اﻟﻣﻘﺎرﺑﺔ اﻷوﻟﻰ ‪ :‬اﻟﻣﻘﺎرﯾﺔ اﻻﻧﺛروﺑوﻟوﺟﯾﺔ ‪ :‬وﻓﯾﮭﺎ ﯾﻣﻛن اﻻﺳﺗﻧﺗﺎج أن اﻟﺗﻌرﯾﻔﺎت وﻣﻧذ ﻣﺣﺎوﻟﺔ‬
‫اﻻﻧﺟﻠﯾزي ادوارد ﺗﺎﯾﻠور)‪ (1917-1823‬ﻛﺎﻧت ﺗﺗطور ﺗﺑﻌﺎ ﻟﺗطور اﻻﺗﺟﺎھﺎت واﻟﻣﻧﺎھﺞ واﻟﻧظرﯾﺎت ‪ ،‬وﯾﻣﻛن ﻓﻲ‬
‫ھذا اﻟﻣﺟﺎل رﺻد ارﺑﻌﺔ اﺗﺟﺎھﺎت‪:‬‬
‫اﻻول ‪ :‬ﯾﻘدم ﻣﻘﺎرﺑﺗﮫ ﻣن زاوﯾﺔ اﻟﺗﺎرﯾﺦ اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ رﺳﻣﮫ ﺑواز وھرﺳﻛو ﻓﯾﺗش اﻟذي اﻟﺢ ﻋﻠﻰ اﻻﺳﺗﻣرارﯾﺔ‬
‫اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ ودرس ﺧﺻوﺻﺎ ﻋﻣﻠﯾﺔ اﻟﻣﺛﺎﻗﻔﺔ‪.‬‬
‫اﻟﺛﺎﻧﻲ ‪ :‬ﯾﻘوم ﺑﻣﻘﺎرﺑﺔ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ ﻣن ﺧﻼل ﻋﻼﻗﺗﮭﺎ ﺑﺎﻟﺷﺧﺻﯾﺔ ‪ ،‬وھو اﺗﺟﺎه رﺳﻣﮫ ﺳﺎﺑﯾر ‪ ،‬وﺗﺗﺻل أﻋﻣﺎل روث‬
‫ﺑﻧدﯾﻛت وﻣﺎرﻏرﯾت ﻣﯾد وﻟﯾﻧﺗون ﺑﮭذا اﻻﺗﺟﺎه اﻟذي ﯾﻌﻧﻰ ﺑﻣﺟﻣوﻋﺔ اﻟﻘﯾم اﻟﺗﻲ ﯾﺗوق ﻣﺟﺗﻣﻊ ﺣﺻﯾن إﻟﻰ ﺗرﺳﯾﺧﮭﺎ‬
‫ﻓﻲ اﻷﻓراد اﻟﻣﻧﺗﻣﯾن إﻟﯾﮫ ‪.‬‬
‫اﻟﺛﺎﻟث ‪ :‬ﯾﻌﻣد إﻟﻰ ﻣﻘﺎرﺑﺔ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻧظرﯾﺎت اﻻﺗﺻﺎل اﻟﺣدﯾﺛﺔ ﻣﻧطﻠﻘﺎ أﺳﺎﺳﺎ ﻣن اﻟﻧﻣوذج اﻟﻠﺳﺎﻧﻲ ‪ ،‬وأﺣﺳن‬
‫ﺗﻌﺑﯾر ﻋﻧﮫ ھﻲ أﻋﻣﺎل ﻛوﻟد ﻟﯾﻔﻲ ﺷﺗراوس‪.‬‬
‫اﻟراﺑﻊ‪ :‬اﺳﺗﻧد اﻟﻰ اﻟﺗﺣﻠﯾل اﻟوظﯾﻔﻲ ﻓﻲ ﻣﻘﺎرﺑﺔ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ واﻟذي ﺑرز ﻋﻠﻰ ﯾد راﺋده ﻣﺎﻟﯾﻧو ﻓﺳﻛﻲ‪.‬‬
‫أﻣﺎ اﻟﻣﻘﺎرﺑﺔ اﻻﻧﺛروﺑوﻟوﺟﯾﺔ اﻟﺟدﯾدة ﯾﺷﻛل ﻋﺎم ﻓﺗرﻛز ﻋﻠﻰ ظﺎھرة اﻟﺗﺛﺎﻗف ‪ ،‬واﻟﺗﻲ ﺷﻐﻠت اﻟﻌدﯾد ﻣن‬
‫اﻻﻧﺛروﺑوﻟوﺟﯾﯾن ‪ ،‬وﻣﮭدت أﻓﻛﺎرھم إﻟﻰ ﻧﺷوء اﻹﯾﺛﻧوﻟوﺟﯾﺎ اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻔﺳر اﻟﺗﺑﺎﯾن ﺑﯾن اﻟﺛﻘﺎﻓﺎت ﻓﻲ إطﺎر‬
‫اﻟﺗﻧوع اﻟﺑﯾﺋﻲ ‪ ،‬ﻛذﻟك ﻓﺗﺣت اﻟطرﯾق ﻧﺣو اﻻﻧﺛروﺑوﻟوﺟﯾﺎ اﻟرﻣزﯾﺔ ﻣﻊ ﻏﯾﻠﻔورد ﻏﯾرﺗز اﻟذي ﯾﻘول إﻧﮫ ﺑدﻻ ﻣن‬
‫اﻻھﺗﻣﺎم ﺑﻣﺎ ﯾﻘوﻟﮫ اﻷﻓراد ﻋن ﺛﻘﺎﻓﺗﮭم ‪ ،‬ﯾﺟب اﻻھﺗﻣﺎم ﺑﺎﻟﻣﻌﻧﻰ أو اﻟرﻣز اﻟﻣﺻﺎﺣب ﻟﻠﻣﻣﺎرﺳﺎت اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ ‪ ،‬ﻷﻧﮭﺎ‬
‫ﻣﻧﻔﺻﻠﺔ ﻋن اﻟﻘواﻋد واﻟﻌواطف واﻟﻣﻌﺗﻘدات اﻟﺗﻲ ﯾﺗﻧﺎﻗض ﺑﻌﺿﮭﺎ ﻣﻊ ﺑﻌض ﻓﻲ ﻛﺛﯾر ﻣن اﻷﺣﯾﺎن‪.‬‬
‫ﻟﻣﻘﺎرﺑﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ‪ :‬اﻟﻣﻘﺎرﺑﺔ اﻻﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ ‪ :‬وﻻ ﺷك ﻓﻲ أن ﻣﻔﮭوم اﻻﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺎ ﻣن أﻛﺛر اﻟﻣﻔﺎھﯾم ﺷﯾوﻋﺎ ‪ ،‬وھو‬
‫ﻣن أﻗل اﻟﻣﻔﺎھﯾم ﺛﺑﺎﺗﺎ ‪ ،‬ﻓﮭو ﻋﻧد اﻟﺑﻌض ﻣﻔﮭوم ﻋﻠﻣﻲ ‪ ،‬وﻋﻧد آﺧرﯾن ﻣﺑﮭم‪ .‬ﻣﻧذ ﻣﺎرﻛس ﺗطور ﻣﻔﮭوم‬
‫اﻻﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺎت ﺣﺗﻰ وﺳط اﻟﻣﺎرﻛﺳﯾﯾن ‪ ،‬وﺑﺧﺎﺻﺔ ﻣﻊ ﻟوﯾس أﻟﺗوﺳﯾر اﻟذي ﺣﺎول اﻟﺗﻣﯾﯾز ﺑﯾن اﻻﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺎت‬
‫اﻟﻛﻠﯾﺔ واﻻﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺎت اﻟﺟزﺋﯾﺔ ‪ ،‬وﻗدم أﯾﺿﺎ اﻹﯾطﺎﻟﻲ أﻧطوﻧﯾو ﻏراﻣﺷﻲ آراء ﺗﺟدﯾدﯾﺔ ھﺎﻣﺔ ‪ ،‬وﯾﻌﺗﺑر ﺻﺎﺣب‬
‫ﻣﺳﺎھﻣﺔ طﻠﯾﻌﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺗﻧظﯾر اﻟﻣﺎرﻛﺳﻲ ﻟﻠﺑﻧﻰ اﻟﻔوﻗﯾﺔ وآﻟﯾﺎت اﺷﺗﻐﺎﻟﮭﺎ ‪.‬‬
‫وﯾذھب اﻟﻛﺗﺎب إﻟﻰ ﺗﻔﻛﯾك ﻣﻔﮭوم اﻹﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺎ إﻟﻰ ﺛﻼﺛﺔ ﻣﻌﺎن وﻣﺟﺎﻻت ‪:‬‬
‫ﻣﺟﺎل اﻟطرح اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ ‪.‬‬
‫ﻣﺟﺎل اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺎت ‪.‬‬
‫ﻣﺟﺎل اﻹﺑﺳﺗﻣوﻟوﺟﯾﺎ أو ﻧظرﯾﺔ اﻟﻣﻌرﻓﺔ‪.‬‬
‫واﻟﮭدف ﻣن ھذا اﻟﺗﻣﯾﯾز ھو اﻟﺗﺧﻔﯾف ﻣن ﺣدة اﻟﻐﻣوض واﻻﻟﺗﺑﺎس واﻟﺗﻲ ﯾﻌﻣل ﻋﻠﯾﮭﺎ أﯾﺿﺎ ﻏﻲ روﺷﯾﮫ ‪ ،‬ﺣﯾث ﺧﻠص إﻟﻰ أن‬
‫اﻹﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺎت ﻟﯾﺳت ﻛل اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ ﺑﻘدر ﻣﺎھﻲ ﻋﻧﺻر ﻣن ﻋﻧﺎﺻرھﺎ ‪ ،‬وھﻲ ﻟﯾﺳت ﺑﺎﻟﺿرورة ﻣرﺗﺑطﺔ ﺑﺎﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﺷﺎﻣل ‪ ،‬ﻛﻣﺎ‬
‫أراد ذﻟك ﻣﺎرﻛس ﺟﺎﻋﻼ ﻣن اﻹﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺎ ﻧﺗﺎج اﻟطﺑﻘﺔ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ اﻟﻣﺳﯾطرة ‪ ،‬ﺑل أﺻﺑﺢ ﺑﺎﻹﻣﻛﺎن اﻟﺣدﯾث ﻋن إﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ‬
‫ﺟﻣﺎﻋﺔ ﺟزﺋﯾﺔ ‪ ،‬وﺑﮭذا ﺷﺎﻋت ﻛﺗﺎﺑﺔ " اﻟﻧﮭﺎﯾﺎت" واﻟﺗﻲ أول ﻣﺎ طﺎﻟت ﻣﻔﮭوم اﻹﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺎت‪.‬‬
‫اﻟﻣﻘﺎرﺑﺔ اﻟﺛﺎﻟﺛﺔ ‪ :‬ھﻲ اﻟﻣﻘﺎرﺑﺔ اﻟﺳوﺳﯾوﻟوﺟﯾﺔ ‪ :‬وﻗد ﻗﺎم اﻟﻌدﯾد ﻣن اﻟﺳوﺳﯾوﻟوﺟﯾﯾن ﺑﺗﻔﺗﯾت اﻟﻛﻠﯾﺎت اﻟﻛﺑرى‬
‫ﻟﻠﺛﻘﺎﻓﺔ إﻟﻰ وﺣدات أطﻠق ﻋﻠﯾﮭﺎ " اﻟﺳﻣﺎت اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ " وھﻲ ﺗﻌﻣل ﻛﻛﻠﯾﺎت ﻣﺗﺷﻛﻠﺔ ﻣن اﻋﺗﻣﺎدات ﻛﺑرى ﻣﺗﻔﺎﻋﻠﺔ‬
‫ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾﻧﮭﺎ ﯾطﻠق ﻋﻠﯾﮭﺎ " اﻷﻧﻣﺎط اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ " ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺳﻣﺎت ﻻ ﺗوﺟد ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﻋزﻟﺔ ﺑﻌﺿﮭﺎ ﻋن ﺑﻌض ‪ ،‬ﺑل ﺗﺗﺣدد ﻣﻊ‬
‫ﻏﯾرھﺎ ﻟﺗﺷﻛل ﻧﻣطﺎ ﯾﻌﻣل ﻛﻛل ﻣﺗﺿﺎﻣن ‪ .‬وﯾرى ﻣﺎﻟﯾﻧوﻓﺳﻛﻲ أن أﺣﺳن وﺻف ﻷي ﺛﻘﺎﻓﺔ ﯾﺟب أن ﯾﻘوم ﻋﻠﻰ‬
‫ﻣﻌرﻓﺔ ﻧظﻣﮭﺎ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ‪ ،‬وﯾﻣﻛن ﺗﺣدﯾدھﺎ ﺑﺗﺳﻌﺔ ﻧظم )اﻷﺳرﯾﺔ – اﻟﺗرﺑوﯾﺔ – اﻟدﯾﻧﯾﺔ – اﻷﺧﻼﻗﯾﺔ – اﻟﺟﻣﺎﻟﯾﺔ –‬
‫اﻟﻠﻐوﯾﺔ – اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ – اﻟﻘﺎﻧوﻧﯾﺔ – اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ( ‪ ،‬وﻓﻲ ﻛل ﻣﺟﺗﻣﻊ ھﻧﺎك ﻧظم اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ أﺳﺎﺳﯾﺔ وﻓرﻋﯾﺔ ‪ ،‬ﺗﺷﻛل‬
‫ﻣﺟﺗﻣﻌﺔ ﻣﺎ ﯾﻣﻛن أن ﻧﺳﻣﯾﮫ اﻟﺗﻛﺎﻣل اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ ‪ ،‬وﻓﻘدان ھذا اﻟﺗﻛﺎﻣل ﯾؤدي إﻟﻰ اﻻﺿطراب واﻟﻔوﺿﻰ ‪.‬‬
‫وﺑﺎرﺳوﻧز ﺗرك ﺑﺻﻣﺎت واﺿﺣﺔ ﻓﻲ ﺳوﺳﯾوﻟوﺟﯾﺎ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ ‪ ،‬ﺟراء ﺗﺣﻠﯾﻼﺗﮫ ﺣول اﻟﻔﻌل وأﻧﺳﺎﻗﮫ ‪.‬‬
‫وﺗﺑﻘﻰ اﻻﺧﺗﻼﻓﺎت ﺑﯾن اﻷﻣم ﻛﻣﺎ ھﻲ اﻻﺧﺗﻼﻓﺎت داﺧل اﻷﻣﺔ اﻟواﺣدة ‪ ،‬ﻻ ﺗزال اﻟﺑؤرة اﻟﻣرﻛزﯾﺔ ﻹﺷﻛﺎﻟﯾﺔ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ‬
‫وﻋﻣوﻣﺎ ﯾﻣﻛن أن ﻧﺧﻠص إﻟﻰ ﻣﺎ ﯾﻠﻲ ‪:‬‬
‫إن اﻟﻧﺳﺑﯾﺔ اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ ھﻲ إﺣدى أﺑرز اﻟﺳﻣﺎت اﻟﺗﻲ ﺗﻣﯾز اﻟﺛﻘﺎﻓﺎت ‪.‬‬
‫إن اﻟﺗﻧوع اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ ھو ﺣﻘﯾﻘﺔ ﺳوﺳﯾوﻟوﺟﯾﺔ ﺳواء ﻛﺎن ﺑﯾن ﻣﺟﺎل ﺛﻘﺎﻓﻲ وآﺧر ‪ ،‬أو ﺑﯾن اﻟﺛﻘﺎﻓﺎت اﻟﻔرﻋﯾﺔ‪.‬‬
‫إن ﻣﻔﮭوم اﻟﺗﺛﺎﻗف اﻟذي اﺳﺗﺧدﻣﺗﮫ اﻟﻣدرﺳﺔ اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ اﻷﻣرﯾﻛﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﻧطﺎق واﺳﻊ أﺻﺑﺢ ﻣن اﻟﺣﻘﺎﺋق واﻟدﯾﻧﺎﻣﯾﺎت‬
‫اﻟﺛﺎﺑﺗﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺎﻻت اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ ‪.‬‬
‫ﻟذﻟك ﯾﻌﻣد اﻟﺗﺣﻠﯾل اﻟﺳوﺳﯾوﺛﻘﺎﻓﻲ إﻟﻰ ﺗﻔﻛﯾك اﻟﻣوﻗف وإﻋﺎدﺗﮫ إﻟﻰ ﺟذوره ﻣن ﺟﮭﺔ ‪ ،‬وﺗﺑﯾﺎن آﻟﯾﺔ اﺷﺗﻐﺎل اﻟﻌﻧﺎﺻر‬
‫اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ اﻟﻣﺗﻌددة وﺗﻔﺎﻋﻠﮭﺎ ‪ ،‬واﻟﻣﻔﺿﯾﺔ إﻟﻰ ﻛﺷف اﻟﻌﻧﺎﺻر اﻟﻣﺳﺗورة ‪ ،‬وﻋﻠﻰ أھﻣﯾﺔ إﺛﺑﺎت اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﯾن اﻹﻧﺗﺎج‬
‫اﻟﻔﻛري واﻟواﻗﻊ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ‪ ،‬إﻻ أن اﻷھم ھو ﺗﺣﻠﯾل أﺷﻛﺎل ھذه اﻟﻌﻼﻗﺔ وآﻟﯾﺎت اﺷﺗﻐﺎﻟﮭﺎ ‪ ،‬ﻓﺿﻼ ﻋن إﺑراز‬
‫اﻟوظﯾﻔﺔ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﻟﮭذا اﻻﻧﺗﺎج ‪.‬‬

You might also like