Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 27

‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫‪1‬‬
‫كارل ماركس‬

‫• موسوعة ستانفورد للفلسفة‬


‫ترجمة‪ :‬مصطفى سامي رفعت‬

‫مقدمة‪ :‬هذا نص رمتجم لد‪ .‬جوناثان وولف‪ ،‬حول كارل ماركس‪ ،‬والمنشور عىل (موسوعة ستانفورد للفلسفة)‪ .‬ننوه‬
‫ا‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫والت قد تختلف قليًل عن النسخة الدارجة للمقالة‪،‬‬
‫ه للنسخة المؤرشفة يف الموسوعة عىل هذا الرابط‪ ،‬ي‬ ‫بأن التجمة ي‬
‫ّ‬
‫نخص‬ ‫ا‬
‫وختاما‪،‬‬ ‫األختة بعض التحديث أو التعديل من فينة ألخرى منذ تتمة هذه رالتجمة‪.‬‬ ‫ر‬ ‫حيث أنه قد يطرأ عىل‬
‫بالشكر محرري موسوعة ستانفورد‪ ،‬وعىل رأسهم د‪ .‬إدوارد زالتا‪ ،‬عىل تعاونهم‪ ،‬واعتمادهم رللتجمة ر‬
‫والنش عىل مجلة‬
‫حكمة‪.‬‬

‫‪1‬‬‫‪Wolff, Jonathan, "Karl Marx", The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Winter 2017 Edition), Edward N.‬‬
‫‪Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/win2017/entries/marx/>.‬‬

‫حكمة © ‪Copyright 2017‬‬ ‫‪1‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫ال يعد كارل ماركس (‪ )١٨٨٣ - ١٨١٨‬معروفا كفيلسوف بقدر ما هو معروف كثوري‪ ،‬حيث أهلمت‬
‫أعماله العديد من أنظمة احلكم الشيوعية اليت أتسست يف القرن العشرين‪ ،‬ومن الصعب أن جتد أشخاصاً كان‬
‫هلم نفس التأثري يف خلق العامل بشكله احلديث‪ .‬بدأ ماركس بتعلم الفلسفة‪ ،‬لكنه قرر االنتقال من الفلسفة إىل‬
‫االقتصاد والسياسة حني كان عمره يف منتصف العشرينيات‪ .‬ابلرغم من ذلك‪ ،‬وابإلضافة إىل أعماله الفلسفية‬
‫املبكرة فقد كانت كتاابته الالحقة ذات صلة ابلنقاشات الفلسفية املعاصرة‪ ،‬خصوصاً فيما يتعلق بفلسفة‬
‫التاريخ‪ ،‬العلوم االجتماعية‪ ،‬وفلسفة األخالق والسياسة‪ .‬املادية التارخيية ‪ -‬نظرية ماركس عن التاريخ ‪-‬‬
‫تتمحور حول الفكرة القائلة أبن االشكال االجتماعية تصعد وتنهار مبقدار منو الطاقة اإلنتاجية البشرية‪ ،‬حيث‬
‫يرى ماركس التاريخ كسلسلة حتمية من أمناط اإلنتاج اليت يشكلها الصراع الطبقي‪ ،‬الذي يبلغ ذروته وصوال‬
‫إىل الشيوعية‪ .‬إن حتليل ماركس للرأمسالية يقوم على نظريته اخلاصة بقيمة العمل‪ ،‬كما يتضمن حتليالً للربح‬
‫الرأمسايل ابعتباره استخالص فائض القيمة من طبقة الربوليتاراي املستغَلة‪ ،‬وجيتمع التحليل التارخيي واالقتصادي‬
‫معاً يف توقع ماركس لالهنيار احلتمي للرأمسالية‪ ،‬ليتم استبداله ابلشيوعية‪ .‬على الرغم من ذلك‪ ،‬رفض ماركس‬
‫التكهن ابلتفصيل عن طبيعة الشيوعية‪ ،‬معلالً ذلك أبهنا ستنشأ عن عمليات اترخيية وليس لتحقيق منوذج‬
‫أخالقي مع ّد مسبقاً‪.‬‬

‫‪ .١‬حياة ماركس وأعماله‬


‫‪ .٢‬الكتاابت املبكرة‬
‫‪ .١ .٢‬يف املسألة اليهودية‬
‫‪ .٢ .٢‬مسامهة يف نقد فلسفة احلق هليجل‪ :‬مقدمة‬
‫‪ .٣ .٢‬خمطوطات ‪١٨٤٤‬‬
‫‪ .٤ .٢‬أطروحات حول فيورابخ‬
‫‪ .٣‬االقتصاد‬
‫‪ .٤‬نظرية التاريخ‬
‫‪ .١ .٤‬األيديولوجيا األملانية‬
‫‪ .٢ .٤‬مقدمة ‪١٨٥٩‬‬
‫‪ .٣ .٤‬التفسري الوظيفي‬
‫‪ .٤ .٤‬العقالنية‬

‫حكمة © ‪Copyright 2017‬‬ ‫‪2‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫‪ .٥ .٤‬التفسريات البديلة‬
‫‪ .٥‬األخالق‬
‫‪ .‬قائمة املراجع‬
‫‪ .‬األدوات األكادميية‬
‫‪ .‬موارد االنتنت األخرى‬
‫‪ .‬املدخالت ذات الصلة‬

‫‪ .١‬حياة ماركس وأعماله‬

‫ولد كارل ماركس يف مدينة ترير أبملانيا سنة ‪ ١٨١٨‬لعائلة يهودية حتولت بعد ذلك إىل املسيحية‪ ،‬لكي يستطيع‬

‫تبعا لقوانني بروسيا املعادية لليهود‪.‬‬


‫والده االستمرار يف مساره الوظيفي كمحامي‪ ،‬وذلك ً‬
‫درس ماركس القانون يف مدينيت بون وبرلني‪ ،‬يف مراحل دراسته املبكرة‪ ،‬وحصل على درجة الدكتوراة يف الفلسفة‪،‬‬

‫وكانت أطروحته تتناول مقارنة بني رؤى كل من دميقريطس وأبيقور‪ .‬أمل ماركس يف عام ‪ ١٨٤١‬أن جيد وظيفة‬

‫أكادميية كنتيجة حلصوله على درجة الدكتوراة‪ ،‬لكنه تورط مع جمموعة من املفكرين املتطرفني الذين أفقدوه أي‬

‫أمل حقيقي يف حدوث ذلك‪ .‬ومع اجتاهه للعمل يف جمال الصحافة؛ تورط ماركس سر ًيعا يف مشاكل سياسية‬

‫واجتماعية‪ ،‬ووجد أن عليه أن يضع فكرة الشيوعية موضع اهتمام‪ .‬تربز أربعة من كتاابت ماركس املبكرة بشكل‬

‫خاص‪" :‬مسامهة يف نقد فلسفة احلق هليجل‪ :‬املقدمة"‪ ،‬و"يف املسألة اليهودية" اللذان كتبا عام ‪ ،١٨٤٣‬مث‬

‫"املخطوطات االقتصادية والفلسفية" اليت كتبت يف ابريس عام ‪ ،١٨٤٤‬وأخرياً "أطروحات حول فيورابخ"‬

‫وكتبت عام ‪ ١٨٤٥‬لكنها مل تنشر يف حياة ماركس‪.‬‬

‫كان كتاب "األيديولوجيا األملانية" الذي كتبه ماركس عام ‪ ١٨٤٥‬ابالشتاك مع اجنلز هو نقطة البداية‬

‫حكمة © ‪Copyright 2017‬‬ ‫‪3‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫يف تطوير نظريته يف التاريخ‪ ،‬إال إن "البيان الشيوعي" هو بال شك أكثر أعمال ماركس قراء ًة‪ ،‬حىت ولو مل يكن‬

‫هو املعرب األفضل عن أفكاره‪ ،‬وقد متت كتابته ابالشتاك مع اجنلز ومت نشره يف جو من اإلاثرة حيث كان‬

‫ماركس عائداً من منفاه إىل أملانيا للمشاركة يف ثورة ‪.١٨٤٨‬‬

‫انتقل ماركس مع فشل الثورة إىل لندن‪ ،‬حيث استقر لبقية حياته‪ ،‬وبدأ يف التكيز على دراسة االقتصاد‬

‫واإلنتاج حيث قام عام ‪ ١٨٥٩‬بكتابة "مسامهة يف نقد االقتصاد السياسي" واليت رسم يف مقدمتها ما يسميه‬

‫' املبادئ التوجيهية ' ألفكاره‪ ،‬واليت تقوم عليها العديد من التفسريات للمادية التارخيية‪ .‬إن العمل االقتصادي‬

‫الرئيسي ملاركس هو ابلطبع كتاب "رأس املال" والذي نشر اجمللد األول منه عام ‪ ،١٨٦٧‬وابلرغم من ذلك‬

‫كان اجمللد الثاين الذي قام اجنلز بتكملته ونشره بعد وفاة ماركس عام ‪ ١٨٩٤‬أكثر إاثرة لالهتمام‪ .‬وأخريا فإن‬

‫كراس "‪ ،" Kritik des Gothaer Programms‬نقد برانمج جوتة (‪ )١٨٧٥‬هو مصدر مهم‬

‫لتصورات ماركس عن طبيعة وتنظيم اجملتمع الشيوعي‪.‬‬

‫إن األعمال املذكورة حىت اآلن ليست إال جزءاً ضئيالً من مؤلفات ماركس‪ ،‬واليت تصل اىل حوايل‬

‫‪ 100‬جملد كبري عند مجعها‪ .‬ومع ذلك فإن األعمال املوضحة أعاله متثل النواة األهم من جانب ارتباط ماركس‬

‫ابلفلسفة‪ ،‬ابلرغم من أن األعمال األخرى مثل "الثامن عشر من برومري‪ -‬لويس انبليون" (‪ )١٨٥٢‬غالبا ما‬

‫تعترب مهمة بنفس القدر يف تقييم حتليل ماركس لألحداث السياسية امللموسة‪ .‬وفيما يلي سيتم التكيز على‬

‫النصوص والقضااي اليت حظيت ابالهتمام األكرب يف األدب الفلسفي األجنلو أمريكي‪.‬‬

‫‪ .٢‬الكتاابت املبكرة‬

‫كان أتثري هيجل يسيطر على املناخ الفكري الذي يعمل به ماركس‪ ،‬وأيضا أتثري جمموعة اهليجليني الشباب‬

‫الذين رفضوا ما اعتربوه التداعيات احملافظة ألعمال هيجل‪ .‬كان أهم هؤالء املفكرين هو فيورابخ الذي حاول‬

‫حكمة © ‪Copyright 2017‬‬ ‫‪4‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫تغيري امليتافيزيقا اهليجلية‪ ،‬وابلتايل قدم نقدا ملعتقدات هيجل عن الدين والدولة‪ُ .‬كتب جزء كبري من احملتوى‬

‫الفلسفي ألعمال ماركس يف أوائل أربعينيات القرن التاسع عشر‪ ،‬ليسجل صراعه لتحديد موقفه الشخصي من‬

‫الرد على هيجل وفيورابخ وبقية اهليجليني الشباب‪.‬‬

‫‪ .١ .٢‬يف املسألة اليهودية‬

‫يف هذا النص يبدأ ماركس توضيح موقفه من الليرباليني الراديكاليني املتواجدين بني اهليجليني الشباب‪ ،‬على‬

‫وجه اخلصوص برونو ابور‪ .‬كان ابور قد قام لتوه ابلكتابة ضد التحرر اليهودي من وجهة نظر الدينية‪ ،‬جمادال‬

‫أن كال من الدين اليهودي واملسيحي يقفان عائقا أمام التحرر‪ .‬يف رده على ابور‪ ،‬استخدم ماركس منذ‬

‫الكتاابت املبكرة واحدة من أكثر احلجج الدائمة له‪ ،‬وهي التمييز بني التحرر السياسي ‪-‬ضمان احلقوق‬

‫واحلرايت الليربالية ابألساس‪ -‬والتحرر اإلنساين؛ وكان رد ماركس على ابور أن التحرر السياسي يتناسب متاما‬

‫مع استمرار تواجد الدين‪ ،‬واملثال املعاصر الذي يربهن على ذلك هو الوالايت املتحدة‪ .‬ابلرغم من ذلك مت‬

‫دفع األمور يف اجتاه أكثر عمقا‪ ،‬يف حجة أعادها عدد ال حيصى من منتقدي الليربالية‪ ،‬يقول ماركس إن التحرر‬
‫السياسي ليس فقط غري ٍ‬
‫كاف لتحقيق االنعتاق البشري‪ ،‬بل إنه يشكل أيضاً حاجزاً ما‪.‬‬

‫تستند احلقوق واألفكار الليربالية عن العدالة إىل فكرة أننا حنتاج للحماية من البشر اآلخرين الذين‬

‫يشكلون هتديدا حلريتنا وأمننا‪ .‬لذا فإن احلقوق الليربالية هي حقوق االنفصال اليت مت تصميمها حلمايتنا من‬

‫املتصورة‪ ،‬فاحلرية يف هذا الرأي هي التحرر من التدخل‪ .‬مايغفله هذا الرأي ‪-‬من وجهة‬
‫َ‬ ‫مثل هذه التهديدات‬

‫نظر ماركس‪ -‬أن احلرية احلقيقية ميكن حتقيقها بشكل إجيايب يف عالقاتنا مع بقية البشر‪ ،‬وميكن العثور عليها‬

‫يف اجملتمع البشري وليس يف االنعزال عنه‪ .‬وبناءً على ذلك‪ ،‬فإن اإلصرار على هذا النظام للحقوق يشجعنا‬

‫على النظر إىل بعضنا بطريقة تعوق إمكانية حتقيق احلرية احلقيقية اليت ميكننا اجيادها يف التحرر البشري‪.‬‬

‫حكمة © ‪Copyright 2017‬‬ ‫‪5‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫علينا أن نوضح اآلن أن ماركس ال يعارض التحرر السياسي حيث يرى أن الليربالية هي تطور عظيم ابلنسبة‬

‫ألنظمة اإلقطاع والتعصب الديين والتمييز املوجودين يف أملانيا يف عصره‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬يرى أنه جيب جتاوز هذه‬

‫الليربالية اخلاصة ابلتحرر السياسي إىل التحرر البشري احلقيقي‪ .‬ولسوء احلظ‪ ،‬مل خيربان ماركس أبدا ما هو التحرر‬

‫البشري‪ ،‬رغم أنه من الواضح أن له عالقة بفكرة العمل املغتب واليت سنستكشفها فيما يلي‪.‬‬

‫‪ .٢ .٢‬مسامهة يف نقد فلسفة احلق هليجل‪ :‬مقدمة‬


‫كان هذا العمل حيث كتب ماركس عبارته أن "الدين أفيون الشعوب"‪ ،‬وأنه مسكن ِ‬
‫مؤذ‪ ،‬ومولد لألوهام‪،‬‬

‫وهنا وضع ماركس رؤيته للدين أبكثر تفاصيلها‪ .‬وعلى نفس القدر من األمهية‪ ،‬فإن ماركس يدرس أيضاً مسألة‬

‫كيفية حتقيق الثورة يف أملانيا‪ ،‬وحيدد دور الربوليتاراي يف حتقيق حترر اجملتمع ككل‪.‬‬

‫ما يتعلق ابلدين‪ ،‬قبل ماركس متاما ادعاء فيورابخ مبقابل النظرية التقليدية القائلة أبن البشر قد اختعوا‬ ‫يف‬

‫اإلله يف صورته الشخصية‪ .‬كانت مسامهة فيورابخ تنص على أن عبادة هللا قد أثنت البشر عن التمتع بقواهم‬

‫البشرية اخلاصة‪ .‬ويف حني يقبل ماركس الكثري من رواايت فيورابخ‪ ،‬فإنه ينتقد فيورابخ على أساس أنه فشل‬

‫يف فهم سبب سقوط الناس يف العزلة الدينية‪ ،‬وهو ابلتايل غري قادر على شرح كيف ميكن جتاوزها‪ .‬يبدو أن‬

‫رأي فيورابخ هو أن اإلميان ابلدين هو خطأ فكري حمض وميكن تصحيحه عن طريق اإلقناع‪ ،‬بينما يفسر‬

‫ماركس الدين على أنه رد فعل على االغتاب يف احلياة املادية‪ ،‬وابلتايل ال ميكن إزالته حىت يتم حترير احلياة‬

‫املادية لإلنسان‪ ،‬وعندها سيتالشى الدين‪ .‬مل يتم حتديد ما خيلق الدين يف احلياة املادية على وجه الدقة بشكل‬

‫كامل‪ ،‬لكن يبدو أن نوعني من االغتاب على األقل مسؤوالن عن ذلك‪ .‬األول هو العمل املغتب‪ ،‬والذي‬

‫سنستكشفه قريبا‪ ،‬والثاين هو حاجة البشر لتأكيد جوهرهم الطائفي‪ .‬وسواءً اعتفنا بذلك أم ال‪ ،‬فإن البشر‬

‫يتواجدون كمجتمع‪ ،‬وما جيعل حياة اإلنسان ممكنة هو اعتمادان املتبادل على الشبكة الواسعة للعالقات‬

‫حكمة © ‪Copyright 2017‬‬ ‫‪6‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫اندرا ما يتم االعتاف هبذه احلقيقة يف‬


‫مجيعا ‪ ،‬على الرغم من أنه ً‬
‫االجتماعية واالقتصادية اليت ننغمس فيها ً‬
‫حياتنا اليومية‪ .‬يبدو أن وجهة نظر ماركس هي أنه جيب علينا‪ ،‬بطريقة أو أبخرى‪ ،‬أن نعتف بوجودان املشتك‬

‫يف مؤسساتنا‪ .‬يف البداية ك ان اخلداع يتم ابسم الدين خبلق صورة مزيفة عن جمتمع نتساوى فيه مجيعا يف نظر‬

‫اإلله‪ .‬بعد جتزئة وإعادة تشكيل الدين بعد اإلصالح‪ ،‬حيث مل يعد الدين قادراً على لعب نفس الدور يف خلق‬

‫جمتمع املساواة املزيف‪ ،‬قامت الدولة مبأل هذا الفراغ من خالل تقدمي وهم جمتمع املواطنة‪ ،‬حيث يتساوى اجلميع‬

‫يف نظر القانون‪ .‬ومن املثري لالهتمام أن الدولة الليربالية الالزمة إلدارة سياسات التنوع الديين أتخذ الدور الذي‬

‫قدمه الدين يف عصور سابقة بتقدمي شكل من أشكال اجملتمع املزيف‪ .‬لكن كال من الدولة والدين يتم جتاوزمها‬

‫عندما يتم إنشاء جمتمع حقيقي قائم على املساواة االجتماعية واالقتصادية‪.‬‬

‫ابلطبع علينا اإلجابة على السؤال‪ :‬كيف ميكن خلق هذا اجملتمع؟ ومن املثري لالهتمام قراءة ماركس‬

‫هنا يف ضوء أطروحته الثالثة عن فيورابخ حيث ينتقد نظرية بديلة‪ .‬تفتض املادية التقليدية لروبرت أوين وغريه‬

‫أن البشر حمكومون ابلك امل بظروفهم املادية‪ ،‬وابلتايل لتحقيق اجملتمع املتحرر من الضروري إجراء التغيريات‬

‫الصحيحة على تلك الظروف املادية‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬كيف يتم تغيري تلك الظروف؟ هل بواسطة رجل مستنري مثل‬

‫أوين ميكنه أن يكسر أبعجوبة السلسلة احلازمة اليت تربط اجلميع؟ إن رد ماركس يف كل من األطروحات والنقد‬

‫هو أن الربوليتاراي ال ميكنها أن تتحرر إال بواسطة حركة حتوالهتا الذاتية‪ .‬يف الواقع‪ ،‬اذا مل خيلقوا الثورة أبنفسهم‬

‫‪-‬ابلتحالف ابلطبع مع الفيلسوف‪ -‬فلن يكونوا مناسبني الستالمها‪.‬‬

‫‪ .٣ .٢‬املخطوطات االقتصادية والفلسفية‬

‫تغطي املخطوطات االقتصادية والفلسفية مساحة واسعة من املوضوعات‪ ،‬مبا يف ذلك الكثري من النقاط املثرية‬

‫لالهتمام حول امللكية اخلاصة والشيوعية‪ ،‬وحول النقود أيضاً‪ ،‬ابإلضافة إىل تطوير نقد ماركس هليجل‪ .‬ومع‬

‫حكمة © ‪Copyright 2017‬‬ ‫‪7‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫ذلك‪ ،‬فإن أمهية املخطوطات الكربى تنبع من احتواءها على تفسري نظرية االغتاب‪ ،‬حيث يشرح ماركس‬

‫معاانة العامل يف ظل النظام الرأمسايل من أربعة أنواع من االغتاب‪ :‬األول‪ ،‬وهو اغتابه عن العمل املنتَج الذي‬

‫يتم إبعاده عن صانعه مبجرد االنتهاء من صناعته‪ .‬والثاين عن النشاط اإلنتاجي "العمل" الذي يُعترب مبثابة‬

‫عذاب للعامل‪ .‬أما الثالث فهو اغتابه عن طبيعته البشرية‪ ،‬فهو يعمل بشكل أعمى طبقاً للتوجيهات وليس‬

‫طبقا لقوى اإلنسان الفعلية‪ .‬وأخرياً اغتابه عن العمال اآلخرين‪ ،‬حيث حتل عالقات التبادل حمل التعاون‬

‫لتحقيق املصاحل املشتكة‪.‬‬

‫إن التداخل بني هذه املفاهيم يف بعض النواحي ليس مفاجئًا ابلنظر إىل طموح ماركس املنهجي‬

‫امللحوظ يف هذه الكتاابت‪ .‬وبشكل أساسي‪ ،‬فهو حياول تطبيق االستدالل اهليجلي على املفاهيم االقتصادية‪،‬‬

‫يف حماولة إلثبات أن كل مفاهيم االقتصاد الربجوازي ‪-‬األجور‪ ،‬اإلجيار‪ ،‬التبادل‪ ،‬الربح‪ ،‬اخل‪ -‬مستمدة يف‬

‫النهاية من حتليل مفهوم االغتاب‪ .‬وابلتايل فإن كل نوع من أنواع االغتاب من املفتض أن يتم االستدالل‬

‫عليه من النوع السابق له‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن ماركس مل يذهب إىل أبعد من االستدالل على كل نوع من أنواع‬

‫االغتاب من اآلخر‪ .‬من احملتمل جدا أن ماركس قد أدرك أثناء الكتابة احلاجة إىل منهجية خمتلفة للتغلب على‬

‫املشكالت االقتصادية‪ .‬ابلرغم من ذلك‪ ،‬فقد ترك لنا ماركس نصاً غنياً جداً حول طبيعة العمل املغتب‪ .‬إن‬

‫فكرة عدم االغتاب ميكن االستدالل عليها من عكس فكرة االغتاب‪ ،‬مبساعدة مقطع قصري يف هناية النص‬

‫"عن جيمس ميل" حيث مت اشتاط أن يضمن العمل غري املغتب كال من استمتاع املنتج املباشر بعمله كتأكيد‬

‫لقواه البشرية‪ ،‬وكذلك أن يليب اإلنتاج احتياجات اآلخرين كتأكيد للتعاون املتبادل بني البشر‪ .‬هنا يتم الكشف‬

‫ككل‪.‬‬
‫عن كال اجلانبني من طبيعتنا البشرية‪ :‬القوى اإلنسانية الفردية‪ ،‬وانتماءان للمجتمع اإلنساين ّ‬
‫من املهم أن نفهم أن االغتاب املاركسي ليس جمرد مسألة شعور أو ارتباك شخصي‪ .‬إن اجلسر الواصل‬

‫قوى غريبة‪،‬‬ ‫ِ‬


‫بني حتليل ماركس املبكر لالغتاب وبني نظريته االجتماعية الحقاً هو اعتبار الفرد املغتب دمية بيد ً‬

‫حكمة © ‪Copyright 2017‬‬ ‫‪8‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫وإن كانت هذه القوى الغريبة نفسها هي نتاج النشاط البشري‪ .‬يف حياتنا اليومية نتخذ قرار ٍ‬
‫ات ذات عواقب‬

‫قوى اجتماعية واسعة النطاق قد يكون هلا أتثري غري متوقع متاماً‪،‬‬
‫غري حمسوبة‪ ،‬وهي تتحد بعد ذلك لتكوين ً‬
‫ومدمر للغاية‪ .‬من وجهة نظر ماركس فإن مؤسسات الرأمسالية ‪-‬هي نفسها عواقب للسلوك البشري‪ -‬تعود‬

‫لتبين سلوكنا املستقبلي‪ ،‬وحتدد إمكانيات عملنا‪ .‬على سبيل املثال‪ ،‬طاملا يطمح الرأمسايل الستمرار أعماله‪،‬‬

‫جيب عليه استغالل عماله أبقصى حد يسمح به القانون‪ .‬وسواءً كان لديه شعور ابلذنب أم ال‪ ،‬فإن الرأمسايل‬

‫جيب أن يتصرف كشخص مستغِل بال رمحة‪ .‬وابملثل فإن العامل جمرب على اختيار عرض العمل املتاح‪ ،‬حيث‬

‫ال خيار عاقل آخر‪ .‬ولكننا بفعل ذلك نقوي الكياانت اليت تضطهدان‪ .‬إن الرغبة يف جتاوز هذا الظرف والسيطرة‬

‫على مصريان ‪-‬أايً كان ما سيعنيه يف الواقع‪ -‬هو أحد العناصر احملفزة لتحليل ماركس االجتماعي‪.‬‬

‫‪ .٤ .٢‬أطروحات حول فيورابخ‬

‫فسر الفالسفة العامل فقط‪ ،‬لكن املهم‬


‫حتتوي هذه األطروحات على واحدة من أكثر العبارات اخلالدة ملاركس " ّ‬
‫هو تغيريه"‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن األطروحات اإلحدى عشرة ككل تقدم خالصة ردود ماركس على فلسفة عصره‪.‬‬

‫وقد مت التطرق للعديد منها ابلفعل (على سبيل املثال املناقشات الدينية يف األطروحات ‪ ٤‬و ‪ ٦‬و ‪ ،٧‬والثورة‬

‫يف األطروحة ‪ )٣‬لذا سنركز هنا فقط على األطروحة الفلسفية األوىل األكثر شهرة‪.‬‬

‫يف األطروحة األوىل يوضح ماركس اعتاضاته على كل ماهو قائم حىت اآلن من املادية واملثالية‪ .‬ابلنسبة‬

‫للمادية فقد مت تكريسها لفهم الواقع املادي للعامل‪ ،‬ولكن يؤخذ عليها جتاهل الدور النشط لإلنسان يف خلق‬

‫العامل الذي ندركه‪ .‬أما املثالية‪ ،‬كما تصورها هيجل على األقل‪ ،‬فهي تتفهم طبيعة النشاط اإلنساين‪ ،‬لكنها‬

‫حتصرها يف التفكري أو التأمل‪ ،‬فالعامل يتم خلقه من خالل املفاهيم اليت نكوهنا عنه‪ .‬قام ماركس ابلتوفيق بني‬

‫كال الرؤيتني لتكوين وجهة نظر يقوم فيها البشر خبلق العامل الذي جيدون أنفسهم فيه‪ ،‬أو على األقل تغيريه‪،‬‬

‫حكمة © ‪Copyright 2017‬‬ ‫‪9‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫ولكن هذا التغيري ال حيدث يف الفكر‪ ،‬بل من خالل النشاط املادي الفعلي؛ ليس عرب فرض قيم سامية‪ ،‬ولكن‬

‫بعرق جبينهم‪ ،‬مع الفؤوس واملعاول‪ .‬هذه الرؤية التارخيية للمادية‪ ،‬اليت تتخطى وترفض كل النظرايت الفلسفية‬

‫القائمة هي أساس نظرية ماركس يف التاريخ‪ .‬وكما وضعها ماركس يف خمطوطات ‪" :١٨٤٤‬إن الصناعة هي‬

‫العالقة التارخيية احلقيقية للطبيعة‪ ..‬لإلنسان"‪ .‬هذه الفكرة املستمدة من التأمل يف اتريخ الفلسفة‪ ،‬جبانب خربته‬

‫يف اجملاالت االجتماعية واالقتصادية كصحفي‪ ،‬حتدد أجندة كل أعمال ماركس املستقبلية‪.‬‬

‫‪ .٣‬االقتصاد‬

‫يبدأ اجمللد األول من "رأس املال" بتحليل فكرة اإلنتاج السلعي‪ .‬ويتم تعريف السلعة على أهنا شيء خارجي‬

‫مفيد‪ ،‬يتم إنتاجه للتبادل يف السوق‪ .‬وابلتايل فإن هناك شرطني ضروريني إلنتاج السلع؛ مها وجود السوق حيث‬

‫ميكن أن حيدث التبادل‪ ،‬والتقسيم االجتماعي للعمل حيث ينتج أانس خمتلفون سلعاً خمتلفة‪ ،‬وإال فلن يكون‬

‫هناك دافع حلدوث التبادل‪ .‬يقتح ماركس أن السلع هلا قيمة استخدام وقيمة تبادل ‪-‬ميكن اعتبارها مبدئياً‬
‫سعرها‪ -‬وميكن فهم قيمة االستخدام بسهولة كما يقول ماركس‪ ،‬لكنه يصر على أن قيمة التبادل هي ظاهرة‬

‫حمرية‪ ،‬وهنا جيب توضيح قيم التبادل النسيب‪ .‬ملاذا يتم تبادل كمية معينة من سلعة مع كمية معينة من سلعة‬

‫أخرى؟ يتم احتساب ذلك من خالل مدخالت العمل املطلوبة إلنتاج السلعة‪ ،‬أو ابألحرى العمل الضروري‬

‫اجتماعياً وهو العمل املبذول على مستوى متوسط الكثافة واإلنتاجية هلذا الفرع من النشاط داخل االقتصاد‪.‬‬

‫وابلتايل فإن نظرية قيمة العمل تؤكد أن قيمة السلعة يتم قياسها بكمية العمل الضروري اجتماعيا الالزم‬

‫إلنتاجها‪ .‬يقدم ماركس مناقشة من مرحلتني عن نظرية قيمة العمل‪ .‬األوىل هي القول إنه إذا كان ابإلمكان‬

‫مقارنة شيئني بوضعهما على جانيب عالمة متساوية‪ ،‬فإنه البد من وجود "شيء اثلث متجانس بنفس القدر‬

‫مع كليهما" حيث ميكن إحالتهما إليه‪ .‬ومبا أن السلع ميكن تبادهلا مع بعضها البعض فيجب حبسب ماركس‬

‫حكمة © ‪Copyright 2017‬‬ ‫‪10‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫أن يكون هناك شيء اثلث مشتك بينهما‪ .‬وهذا ما يصل بنا إىل املرحلة الثانية‪ ،‬وهي البحث عن "الشيء‬

‫الثالث" املناسب‪ ،‬والذي هو العمل يف نظر ماركس‪ ،‬ابعتباره العنصر املشتك الوحيد املعقول‪ .‬وبطبيعة احلال‪،‬‬

‫فإن كالً من مرحليت املناقشة على درجة عالية من التناقض‪.‬‬

‫يعد ماركس الرأمسالية مميزة‪ ،‬حيث أهنا ال تقتصر على تبادل السلع‪ ،‬لكنها تقدم رأس املال‪ ،‬يف شكل‬

‫نقود‪ ،‬هبدف حتقيق الربح من خالل شراء السلع وحتويلها إىل سلع أخرى ميكنها أن حتقق سعراً أعلى‪ ،‬وابلتايل‬

‫تؤدي لتحقيق الربح‪ .‬ويدعي ماركس أنه مل يسبق أن قام أحد بتفسري كيف ميكن للرأمسالية أن حتقق رحباً‪،‬‬

‫ويقوم تفسري ماركس نفسه على فكرة استغالل العامل‪ .‬ففي ظروف اإلنتاج يقوم الرأمسايل بشراء قوة العمل من‬

‫العامل ملدة يوم‪ ،‬ويتم حتديد سعر هذه السلعة كأي سلعة أخرى‪ ،‬أي من حيث قوة العمل الالزمة اجتماعيا‬

‫إلنتاجها‪ .‬يف هذه احلالة فإن قيمة قوة العمل ليوم واحد هي قيمة السلع الالزمة إلبقاء العامل على قيد احلياة‬

‫ملدة يوم‪ .‬لنفتض أن هذه السلع تستغرق أربع ساعات إلنتاجها‪ ،‬هذا يعين أن األربع ساعات األوىل من اليوم‬

‫تنفق إلنتاج قيمة مساوية لقيمة األجر الذي سيتقاضاه العامل‪ ،‬ويعرف هذا ابلعمل الضروري‪ .‬أما العمل الذي‬

‫يقوم به العامل فوق ذلك فهو ينتج فائض القيمة للرأمسايل‪ ،‬وطبقاً ملاركس‪ ،‬فإن فائض القيمة ميثل املصدر‬

‫الكلي للربح‪ .‬يف حتليل ماركس‪ ،‬قوة العمل هي السلعة الوحيدة اليت ميكنها أن تنتج قيمة أكرب من قيمتها‪ ،‬ولذا‬

‫يطلق عليها اسم رأس املال املتغري‪ .‬أما السلع األخرى فهي ببساطة تنقل قيمتها إىل السلعة النهائية‪ ،‬وال ختلق‬

‫أي قيمة اضافية‪ ،‬لذا فهي تعرف ابسم رأس املال الثابت‪ .‬إذن‪ ،‬فالربح هو نتيجة العمل الذي يقوم به العامل‬

‫خالف العمل الذي ميثل قيمة أجره‪ ،‬وهذه هي نظرية فائض القيمة عن الربح‪.‬‬

‫يبدو من هذا التحليل أنه كلما زادت ميكنة الصناعة‪ ،‬حبيث يستخدم رأس مال اثبت أكثر ورأس‬

‫مال متغري أقل‪ ،‬فإن معدل الربح البد أن يقل‪ .‬وكمقابل‪ ،‬فإن رأس املال سيكون أقل يف العمل‪ ،‬وميكن للعمل‬

‫فقط أن خيلق قيمة‪ ..‬يتنبأ ماركس يف كتاب رأس املال "اجمللد ‪ "٣‬أبن معدل الربح سيقل مبرور الوقت‪ ،‬وسيكون‬

‫حكمة © ‪Copyright 2017‬‬ ‫‪11‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫هذا أحد العوامل اليت ستؤدي إىل سقوط الرأمسالية‪( .‬مع ذلك‪ ،‬كما أشار بول سويزي يف نظرية تطور الرأمسالية‬

‫أن هذا التحليل يثري بعض املشكالت) ومن نتائج هذا التحليل أيضاً صعوبة النظرية اليت مل ينجح ماركس‬

‫إبهنائها يف كتاب رأس املال "اجمللد ‪ "٣‬وتنبع من التحليل القائل أبن الصناعات كثرية العمال جيب أن تدر رحباً‬
‫أعلى من تلك اليت تستخدم عمالة أقل‪ ،‬وهذا يبدو غري مقبول من الناحية النظرية‪ .‬وبناءً على ذلك‪ ،‬حيتج‬

‫ماركس أبنه يف احلياة االقتصادية احلقيقية ختتلف األسعار بشكل منهجي عن القيم‪ ،‬وتقدمي الرايضيات لشرح‬

‫ذلك يعرف مبشكلة التحويل‪ ،‬وقد عانت حماولة ماركس من بعض الصعوابت التقنية‪ .‬على الرغم من أنه توجد‬

‫اآلن طرق حلل تلك املشكلة (وإن كان آباثر جانبية غري مرغوبة)‪ .‬علينا أن نتذكر أن نظرية قيمة العمل كانت‬

‫مدفوعة ابلنظرية البديهية للسعر‪ ،‬لكن عندما مت ربط السعر ابلقيمة بشكل غري مباشر يف النظرية النهائية فإن‬

‫الدافع البديهي للنظرية يتالشى‪ .‬هناك اعتاض آخر على ذلك هو أن أتكيد ماركس أن العمل وحده ميكنه‬

‫خلق فائض القيمة ال يدعمه أي حجة أو حتليل‪ ،‬وميكن القول أبنه جمرد قطعة فنية‪ ،‬وأبن أي سلعة يتم‬

‫اختيارها ميكن أن تلعب نفس الدور‪ .‬وابلتايل‪ ،‬بنفس املربر ميكن أن يضع نظرية قيمة لل ُذرة‪ ،‬حمتجاً أبن ال ُذرة‬

‫ميكنها انتاج قيمة أكرب من تكلفتها‪ ،‬وسيكون ذلك متطابقاً مع نظرية قيمة العمل‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن القول أن‬

‫العمل بشكل ما مسؤول عن خلق القيمة وأن الربح هو نتيجة لالستغالل يظل قوي بديهياً‪ ،‬حىت إذا كان من‬

‫الصعب دعمه بتفاصيل‪.‬‬

‫ابلرغم مما سبق‪ ،‬تبقى بعض أجزاء النظرية ذات قيمة‪ ،‬حىت لو كانت نظرية قيمة العمل غري موثوقة‪.‬‬

‫وقد اختار عامل االقتصاد يف جامعة كامربيدج جوان روبينسون يف مقالة عن االقتصاد املاركسي جانبني من‬

‫املالحظات‪ :‬أوالً‪ ،‬رفض ماركس القبول أبن الرأمسالية تنطوي على تناغم بني الرأمسايل والعامل‪ ،‬ليحل حمل ذلك‬

‫التحليل الطبقي لنضال العمال يف سبيل حتسني األجور وظروف العمل يف مقابل سعي الرأمسايل املستمر‬

‫لتحقيق أرابح أكرب‪ .‬اثنياً‪ ،‬إنكار ماركس لوجود أي ميل على املدى الطويل حلدوث توازن يف السوق‪ ،‬ووصفه‬

‫حكمة © ‪Copyright 2017‬‬ ‫‪12‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫لآلليات اليت تكمن وراء دورة التجارة ابالزدهار والكساد‪ .‬وكال اجلانبني يقدم تصحيحاً مفيداً جلوانب النظرية‬

‫االقتصادية الكالسيكية‪.‬‬

‫‪ .٤‬النظرية التارخيية‬

‫مل تتضمن صياغة ماركس لنظريته تفاصيل دقيقة‪ ،‬ولذلك كان يلزم جتميعها من العديد من كتاابته‪ ،‬سواء تلك‬

‫اليت حاول فيها القيام بتحليل نظري لألحداث التارخيية يف املاضي واملستقبل‪ ،‬أو تلك ذات الطابع النظري‬

‫اخلالص‪ .‬من هذه الكتاابت كتاب مقدمة ‪ 1859‬لنقد االقتصاد السياسي‪ ،‬الذي قام فيه بصياغة لألوضاع‬

‫القانونية‪ .‬ومع ذلك كان كتابه "األيديولوجيا األملانية" الذي كتب ابلشراكة مع إجنلز يف ‪ 1845‬أحد املصادر‬

‫املبكرة احليوية اليت قام فيها ماركس بوضع اخلطوط األساسية لرؤيته عن املادية التارخيية‪ .‬وسوف نقوم بتوضيح‬

‫كال النصني‪ ،‬مث سننظر إىل إعادة بناء نظرية ماركس يف التاريخ على يد أحد أكثر الفالسفة املفسرين اتثرياً‬
‫وهو ج‪ .‬أ‪ .‬كوهني والذي يبىن على تفسري املاركسي الروسي السابق له بليخانوف‪.‬‬

‫علينا مع ذلك ان ننتبه أن تفسري كوهني ليس مقبوالً بشكل عاملي‪ ،‬حيث قام كوهني إبعادة بناء‬

‫نظرية ماركس جزئياً ألنه كان حمبطاً من التفسريات القائمة على اجلدل اهليجلي ملاركس‪ ،‬وما اعتربه غموض يف‬

‫اعمال لويس التوسري السائدة‪ .‬مل يكن أي منهما‪ ،‬كما شعر‪ ،‬يقدم رواية دقيقة آلراء ماركس‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬يعتقد‬

‫حتديدا بسبب إمهاله للجدلية‪ .‬وأحد جوانب هذا االنتقاد‬


‫بعض العلماء أن التفسري الذي ارتكز عليه قد أخطأ ً‬
‫هو أن فهم كوهني قد أعطي دوراً صغرياً جداً ملفهوم الصراع الطبقي‪ ،‬والذي كان دائماً ما يتم تقدميه كنقطة‬

‫مركزية يف نظرية ماركس عن التاريخ‪ .‬تفسري كوهني لذلك هو أن مقدمة عام ‪ ،1859‬اليت يستند إليها تفسريه‪،‬‬

‫ابرزا للصراع الطبقي‪ ،‬بل مل يتم ذكره صراحةً‪ ،‬إال أن هذا املنطق به إشكاليات عدة‪ ،‬ألنه من‬
‫دورا ً‬
‫ال تعطي ً‬
‫املمكن أن ماركس مل يرغب يف الكتابة بطريقة قد تثري شكوك املراقبني‪ .‬ويف الواقع‪ ،‬قد يكون القارئ الذي‬

‫حكمة © ‪Copyright 2017‬‬ ‫‪13‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫يدرك السياق قادراً على اكتشاف إشارة ضمنية للصراع الطبقي من خالل إدراج عبارات مثل "مث تبدأ حقبة‬

‫من الثورة االجتماعية"‪ ،‬و"األشكال األيديولوجية اليت يصبح فيها الرجال واعني هلذا الصراع ويكافحونه"‪ .‬وهذا‬

‫مما يتعارض مع القول أبن ماركس ظن أبن مفهوم الصراع الطبقي غري مهم‪ .‬إضافة إىل ذلك‪ ،‬عندما مت استبدال‬

‫"نقد االقتصاد السياسي" بـ "رأس املال"‪ ،‬مل حياول ماركس إبقاء طبعة مقدمة ‪ 1859‬حتت النشر‪ ،‬ومت استنساخ‬

‫مضمونه فقط كحاشية خمتصرة يف رأس املال‪ .‬ومع ذلك ‪ ،‬سنركز هنا على تفسري كوهني ألنه مل يتم إجياد أية‬

‫كتاابت أخرى بنفس االنضباط والدقة والتفصيل ميكن مقارنته هبا‪.‬‬

‫‪ .١ .٤‬األيديولوجيا األملانية‬

‫يف األيدلوجيا األملانية قارن ماركس وأجنلز أسلوهبم املادي اجلديد مع املثالية املناقضة له‪ ،‬واليت ميزت الفكر‬

‫األملاين السابق‪ .‬وبناءً عليه‪ ،‬فقد بذلوا جهداً ضخماً لتوضيح "املقدمات املنطقية للفكر املادي"‪ ،‬فهم يبدؤون‬

‫كما يقولون من "البشر احلقيقيني"‪ ،‬مؤكدين أن البشر هم كائنات منتجة بشكل أساسي‪ ،‬حيث جيب عليهم‬

‫إنتاج وسائل عيشهم من أجل تلبية احتياجاهتم املادية‪ .‬يؤدي تلبية االحتياجات إىل توليد احتياجات جديدة‬

‫من النوع املادي واالجتماعي‪ ،‬وتنشأ أشكال من اجملتمع تقابل حالة تطور القوى البشرية املنتجة‪ ،‬حمددة احلياة‬

‫املادية أو على األقل "شروط" احلياة االجتماعية‪ ،‬وابلتايل فإن االجتاه الرئيسي للتفسري االجتماعي هو من‬

‫اإلنتاج املادي إىل األشكال االجتماعية‪ ،‬ومن مث إىل أشكال الوعي‪ .‬ومع تطور الوسائل املادية لإلنتاج‪ ،‬فإن‬

‫"أمناط التعاون" أو األنظمة االقتصادية ترتفع وهتبط‪ ،‬ويف هناية املطاف تصبح الشيوعية ممكنة واقعياً مبجرد أن‬
‫بشكل ٍ‬
‫كاف ليصبحوا ثوريني‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫تقوم أوضاع العمال ووعيهم ابلبديل بتحفيز العمال‬

‫‪ .٢ .٤‬مقدمة ‪١٨٥٩‬‬

‫حكمة © ‪Copyright 2017‬‬ ‫‪14‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫استخدم ماركس يف "األيديولوجيا األملانية" مجيع العناصر األساسية للمادية التارخيية‪ ،‬حىت ولو مل تكن‬

‫املصطلحات األكثر نضجاً ملاركس قد استُخدمت بعد‪ .‬يف "مقدمة ‪ "١٨٥٩‬يتم تقدمي نفس الرؤية بصورة‬

‫أكثر حدة‪ .‬يبدأ كوهني إعادة بناء رؤية ماركس يف املقدمة فيما أمساه أطروحة التطور‪ ،‬واليت مت التمهيد هلا دون‬

‫ذكرها بصراحة يف املقدمة‪ .‬هذه األطروحة تقول أبن قوى اإلنتاج متيل للتطور‪ ،‬مبعىن أن تصبح أقوى مبرور‬

‫الوقت‪ ،‬وهذا ال يعين أهنا دائماً تتطور‪ ،‬ولكنها دائماً تتطلع لذلك‪ .‬وقوى اإلنتاج هي وسائل اإلنتاج‪ ،‬جنباً‬
‫إىل جنب مع املعرفة القابلة للتطبيق يف اإلنتاج‪ :‬التكنولوجيا بعبارة أخرى‪ .‬األطروحة التالية هي أطروحة‬

‫األسبقية‪ ،‬وهي ذات جانبني‪ .‬اجلانب األول ينص على أن طبيعة البناء االقتصادي ميكن تفسريها من خالل‬

‫مستوى تطور قوى اإلنتاج‪ .‬والثاين أن طبيعة البناء الفوقي ‪-‬املؤسسات السياسية والقانونية يف اجملتمع‪ -‬ميكن‬

‫تفسريها من خالل طبيعة البناء االقتصادي‪ .‬كما أن طبيعة أيديولوجيا اجملتمع‪ ،‬أي املعتقدات الدينية والفنية‬

‫واألخالقية والفلسفية املوجودة داخل اجملتمع‪ ،‬ميكن أيضاً تفسريها من خالل البناء االقتصادي‪ ،‬رغم أن هذا‬

‫يلقى اهتماما أقل يف تفسري كوهني‪ .‬يف الواقع‪ ،‬فإن العديد من النشاطات قد جتمع بني عناصر كالً من البناء‬

‫الفوقي واأليديولوجيا‪ ،‬فالدين يتأسس من كال املؤسستني مع جمموعة من املعتقدات‪.‬‬

‫ميكن فهم التغيري الذي طرأ على الثورة والعصر كتتابع لبناء اقتصادي مل يعد قادراً على االستمرار يف‬

‫تطوير قوى اإلنتاج‪ .‬ويف هذه املرحلة‪ ،‬يُقال أبن تنمية القوى املنتجة حمسوبة‪ ،‬ووفقاً للنظرية فإنه مبجرد تطور‬

‫النظام االقتصادي ستحدث ثورة "ستندلع" ويتم استبداله بنظام اقتصادي أكثر مالءم ًة للتطور املستمر يف قوى‬

‫اإلنتاج‪ .‬بشكل مبسط‪ ،‬فإن النظرية لديها البساطة والقوة‪ .‬حيث يبدو من املعقول أن الطاقة اإلنتاجية البشرية‬

‫تتطور مبرور الوقت‪ ،‬ومن املعقول أيضاً أن النظم االقتصادية تظل قائمة طاملا تقوم بتطوير قوى اإلنتاج‪ ،‬ولكنا‬

‫تُستبدل حني ت ُكف عن القيام بذلك‪ .‬حىت اآلن‪ ،‬تطرأ العديد من املشاكل عندما حناول بناء املزيد من‬

‫االستنتاجات على هذه النظرية‪.‬‬

‫حكمة © ‪Copyright 2017‬‬ ‫‪15‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫‪ .٣ .٤‬التفسري الوظيفي‬

‫قبل كوهني‪ ،‬مل تكن املادية التارخيية تعترب فكرة متماسكة يف الفلسفة السياسية املكتوبة ابإلجنليزية‪ .‬مت تلخيص‬

‫التعارض ب شكل جيد يف الكلمات اخلتامية لـ هـ‪.‬ب‪ .‬أكتون يف "وهم العصر"‪" :‬املاركسية هي خليط فلسفي"‪.‬‬

‫كانت واحدة من الصعوابت اليت واجهت كوهني جدايً هي التناقض املزعوم بني األسبقية يف التفسري لقوى‬

‫اإلنتاج وبعض االدعاءات اليت قدمها ماركس يف مكان آخر واليت يبدو أهنا تعطي األولوية للنظام االقتصادي‬

‫يف تفسري تطور قوى اإلنتاج‪ .‬على سبيل املثال‪ ،‬يف "البيان الشيوعي" يقول ماركس‪" :‬إن الربجوازية ال ميكن‬

‫أن توجد بدون ثورة مستمرة يف أدوات اإلنتاج"‪ .‬ويبدو أن هذا يعطي أمهية للنظام االقتصادي ‪-‬الرأمسالية‪ -‬مما‬

‫يؤدي إىل تطور قوى اإلنتاج‪ .‬يقبل كوهني ذلك‪ ،‬بشكل سطحي على األقل‪ ،‬وهذا يؤدي إىل تناقض‪ .‬حيث‬

‫يبدو أن كالً من النظام االقتصادي وتطور قوى اإلنتاج قد تكون هلا أولوية التفسري لبعضها البعض‪.‬‬

‫حياول كوهني بوعي ذايت تطبيق معايري الوضوح والصرامة يف الفلسفة التحليلية لتقدمي نسخة ُمعاد بناءها من‬
‫املادية التارخيية‪ ،‬كونه غري ر ٍ‬
‫اض عن مثل هذه احللول املبهمة مثل "احلتمية يف املثال األخري" أو فكرة الروابط‬

‫"اجلدلية"‪ .‬إن الفكرة النظرية األساسية هي االحتكام إىل مفهوم التفسري الوظيفي (والذي يطلق عليه أحياان‬

‫"تفسري العواقب")‪ .‬والنقطة األساسية املرحب هبا هي االعتاف أن النظام االقتصادي يقوم ابلفعل بتطوير قوى‬

‫االنتاج‪ ،‬ولكن نضيف أن هذا‪ ،‬وفقاً للنظرية‪ ،‬هو حتديداً سبب وجود الرأمسالية (عندما تكون موجودة)‪ .‬هذا‬

‫يعين أنه إذا فشلت الرأمسالية يف تطوير قوى اإلنتاج فإهنا ستختفي‪ ،‬وهذا يف الواقع يتناسب بشكل مجيل مع‬

‫املادية التارخي ية‪ .‬ويؤكد ماركس أنه عندما يفشل النظام االقتصادي يف تطوير قوى اإلنتاج ‪-‬عندما تقيد قوى‬

‫اإلنتاج فستحدث ثورة ويتغري العصر‪ .‬وبذلك تصبح فكرة "التقييد" هي الفكرة املطابقة لنظرية التفسري‬

‫الوظيفي‪ .‬وبشكل أساسي‪ ،‬فإن التقييد حيدث عندما يصبح النظام االقتصادي غري فعال‪.‬‬

‫من الواضح اآلن أن هذا جيعل املادية التارخيية متماسكة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬هناك سؤال حول ما إذا كان‬

‫حكمة © ‪Copyright 2017‬‬ ‫‪16‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫السعر ابهظاً للغاية‪ .‬حيث جيب أن نتساءل إذا ما كان التفسري الوظيفي هو وسيلة منهجية متماسكة‪ .‬وتكمن‬

‫املشكلة يف أنه ميكننا التساؤل عما يؤكد أن النظام االقتصادي سيستمر فقط طاملا أنه يقوم بتطوير قوى‬

‫اإلنتاج‪ .‬قام جون إلست بتقدمي هذا االنتقاد اىل كوهني بقوة‪ .‬إذا أمكننا القول أبن هناك عامالً ما يقود التاريخ‬

‫ولديه هدف تطوير قوى اإلنتاج قدر اإلمكان‪ ،‬إذاً فمن املنطقي أن مثل هذا العامل قد يتدخل يف التاريخ‬

‫لتحقيق هذا الغرض عرب اختيار النظام االقتصادي الذي يقوم بعمل أفضل‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬من الواضح أن ماركس‬

‫مل يقم مبثل هذه االفتاضات امليتافيزيقية‪ .‬كان إلست شديد االنتقاد ‪-‬أحياان ملاركس‪ ،‬وأحياان لكوهني‪ -‬لفكرة‬

‫االحتكام إىل "الغاايت" يف التاريخ‪ ،‬دون أن تعود هذه الغاايت ألحد‪.‬‬

‫كان كوهني يعي جيداً هذه املشكلة‪ ،‬لكنه يدافع عن التفسري الوظيفي ابملقارنة بني استخدامه يف‬

‫املادية التارخيية واستخدامه يف البيولوجيا التطورية‪ .‬ففي علم البيولوجيا املعاصر من الشائع تفسري وجود خطوط‬

‫النمر أو العظام اجملوفة للطيور ابلرجوع إىل وظيفتها‪ .‬وهنا لدينا غاايت واضحة التعود ألحد‪ .‬لكن الرد الواضح‬

‫هو أنه يف البيولوجيا التطورية ميكننا تقدمي قصة سببية لدعم هذه التفسريات الوظيفية‪ ،‬قصة تنطوي على تنوع‬

‫الصدف والبقاء لألصلح‪ .‬ولذلك‪ ،‬فإن هذه التفسريات الوظيفية تستمر من خالل سلسلة من النتائج السببية‬

‫املعقدة اليت تتنافس فيها العناصر املختلة مع العناصر األفضل وظيفياً‪ .‬ويطلق كوهني على مثل هذه املسببات‬

‫التفصيلية "توضيحات" ويقر أبن التفسريات الوظيفية حباجة إىل توضيحات‪ .‬لكنه يشري إىل أن التفسريات‬

‫السببية القياسية حتتاج بنفس القدر إىل هذه التوضيحات‪ .‬قد نكون على سبيل املثال راضني عن تفسري أن‬

‫اإل انء قد انكسر ألنه مت إسقاطه على األرض‪ ،‬ولكننا حباجة إىل قدر كبري من املعلومات اإلضافية لشرح سبب‬

‫صحة هذا التفسري‪ .‬وابلتايل‪ ،‬يدعي كوهني أنه ميكننا تربير تقدمي تفسري وظيفي حىت إذا كنا جنهل تفاصيله‪.‬‬

‫يف الواقع‪ ،‬حىت يف علم البيولوجيا مل توجد توضيحات مفصلة للتفسريات الوظيفية سوى مؤخراً‪ .‬قبل داروين‪،‬‬

‫أو على األقل قبل المارك‪ ،‬كان التفسري الوحيد املتاح هو تلبية غاايت هللا‪ .‬أوجز داروين آلية معقولة جداً‪،‬‬

‫حكمة © ‪Copyright 2017‬‬ ‫‪17‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫لكن عدم وجود نظرية جينية جعله غري قادر على توضيحها مبسببات تفصيلية‪ .‬والتزال معرفتنا غري مكتملة‬

‫اىل وقتنا هذا‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬يبدو من املعقول متاماً القول أبن الطيور لديها عظام جوفاء لتسهيل الطريان‪ .‬تشري‬

‫وجهة نظر كوهني إىل أن ثقل األدلة على أن الكائنات احلية تتكيف مع بيئتها سيسمح حىت للملحد ما قبل‬

‫داروين بتأكيد هذا التفسري الوظيفي وتربيره‪ .‬من هنا ميكن تربير تقدمي تفسري وظيفي حىت يف حالة عدم وجود‬
‫توضيح تفصيلي‪ :‬إذا كان هناك ثقل ٍ‬
‫كاف من األدلة االستقرائية‪.‬‬

‫عند هذه النقطة‪ ،‬تنقسم املسألة إىل سؤال نظري وسؤال جترييب‪ .‬والسؤال التجرييب هو إذا ما كان‬

‫هناك دليل على أن األمناط االجتماعية تتواجد فقط طاملا أهنا تقدم طاقة إنتاجية‪ ،‬وحتل حملها الثورة عندما‬

‫تفشل‪ .‬وهنا جيب أن نعتف أن السجل التجرييب غري مكتمل يف أحسن األحوال‪ ،‬ويبدو أن هناك فتات‬

‫طويلة من الركود‪ ،‬وحىت االحندار‪ ،‬عندما مل حتدث ثورة على األنظمة االقتصادية املختلة‪.‬‬

‫أما السؤال النظري فهو ما إذا كان هناك تفسري مقنع معقول متاح لدعم التفسريات الوظيفية املاركسية‪.‬‬

‫هنا توجد معضلة ما‪ .‬يف املقام األول‪ ،‬يبدو من املغري حماكاة التوضيح املوجود يف القصة الداروينية‪ ،‬واالحتكام‬

‫إىل تنوع الصدف والبقاء لألصلح‪ .‬يف هذه احلالة فإن "األصلح" يعين "األكثر قدرة على قيادة تطور قوى‬

‫اعا جديدة من العالقات االقتصادية‪.‬‬


‫اإلنتاج"‪ .‬قد يكون تنوع الفرص مسألة تتعلق أبولئك الذين جيربون أنو ً‬
‫من هذا املنطلق‪ ،‬تبدأ األنظمة االقتصادية اجلديدة من خالل التجربة‪ ،‬ولكنها تزدهر وتستمر من خالل جناحها‬

‫يف تطوير قوى اإلنتاج‪ .‬إال أن املشكلة تكمن يف أن هذا قد يبدو وكأنه يعطي دوراً أكرب للصدفة مما يريده‬

‫ماركس‪ ،‬ألنه من الضروري ابلنسبة لفكر ماركس أن يكون املرء قادراً على التنبؤ بوصول الشيوعية يف هناية‬

‫املطاف‪ .‬يف النظرية الداروينية ال يوجد أي ضامن للتنبؤات طويلة املدى‪ ،‬ألن كل شيء يعتمد على الصدف‬

‫اليت حتدث يف مواقف معينة‪ .‬وسينشأ رأي مماثل للصدف بواسطة شكل من أشكال املادية التارخيية اليت مت‬

‫تطويرها بشكل مشابه لعلم البيولوجيا التطورية‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن املعضلة هي أن أفضل منوذج لتطوير النظرية‬

‫حكمة © ‪Copyright 2017‬‬ ‫‪18‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫جيعل التنبؤات قائمة على أساس نظرية غري مكتملة‪ ،‬فالنقطة األساسية يف النظرية هي التنبؤ‪ .‬لذا جيب على‬

‫املرء إما البحث عن وسيلة بديلة إلنتاج تفسري مفصل‪ ،‬أو التخلي عن الطموحات التنبؤية للنظرية‪.‬‬

‫‪ .٤ .٤‬العقالنية‬

‫إن القوة احملركة للتاريخ ‪ ،‬يف إعادة بناء كوهني ملاركس‪ ،‬هي تطور قوى اإلنتاج‪ ،‬وأمهها التكنولوجيا‪.‬‬

‫لكن ما الذي يدفع هذا التطور؟ يف النهاية‪ ،‬من وجهة نظر كوهني‪ ،‬إهنا العقالنية البشرية‪ .‬يتمتع البشر ابلرباعة‬

‫يف تطوير وسائل إلشباع احلاجات املوجودة لديهم‪ ،‬وهذا يبدو معقوالً جداً ظاهرايً‪ ،‬ومع ذلك فهناك صعوابت‪.‬‬

‫فكما يقر كوهني نفسه أن اجملتمعات ال تتصرف دائماً مبا ميكن أن يكون عقالنياً لفرد ما‪ .‬قد تقف مشاكل‬

‫التنسيق عائقا‪ ،‬كما قد تكون هناك عوائق هيكلية‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬فإنه من النادر نسبياً ابلنسبة ألولئك‬

‫الذين يقدمون تكنولوجيات جديدة أن يكون الدافع هلا هو إشباع احلاجات‪ .‬بدال من ذلك‪ ،‬يف ظل الرأمسالية‪،‬‬

‫فإن دافع الربح هو األساس‪ .‬وابلطبع قد يقال إن هذا هو الشكل االجتماعي الذي حتتاج إليه املادة إلشباع‬

‫احلاجات يف ظل الرأمسالية‪ .‬ولكن ال يزال من املمكن إاثرة السؤال عما إذا كانت احلاجة إىل إشباع احلاجات‬

‫تتمتع دائما ابلتأثري الذي يبدو عليها يف العصر احلديث‪ .‬على سبيل املثال‪ ،‬قد يؤدي التصميم املطلق للطبقة‬

‫اقتصاداي‪ .‬بدالً من ذلك‪ ،‬قد يُعتقد أن اجملتمع قد يضع‬


‫ً‬ ‫احلاكمة على التمسك ابلسلطة إىل جمتمعات راكدة‬

‫الدين أو محاية طرق احلياة التقليدية قبل االحتياجات االقتصادية‪ .‬يقودان هذا إىل جوهر نظرية ماركس أبن‬

‫اإلنسان هو منتِج أساسي وأن مكان التفاعل مع العامل هو الصناعة‪ .‬وكما جادل كوهني نفسه فيما بعد يف‬

‫مقاالت مثل "إعادة النظر يف املادية التارخيية"‪ ،‬فإن التكيز على اإلنتاج قد يبدو أحادي اجلانب‪ ،‬ومتجاهالً‬
‫للعناصر القوية األخرى يف الطبيعة البشرية‪ .‬مثل هذا االنتقاد ينسجم مع انتقادات من اجلزء السابق‪ .‬يف الواقع‪،‬‬

‫حكمة © ‪Copyright 2017‬‬ ‫‪19‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫قد ال يظهر السجل التارخيي امليل إىل النمو يف قوى االنتاج الذي افتضته النظرية‪.‬‬

‫‪ .٥ .٤‬التفسريات البديلة‬

‫العديد من املدافعني عن ماركس قد يقولون إن املشاكل املذكورة هي مشاكل يف تفسري كوهني ملاركس‪ ،‬وليست‬

‫يف ماركس نفسه‪ .‬من املمكن أن نقول‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬أن ماركس مل يكن لديه نظرية عامة للتاريخ‪ ،‬بل‬

‫كان عاملاً اجتماعياً يراقب ويشجع حتول الرأمسالية إىل الشيوعية كحدث فريد‪ .‬ومن املؤكد أنه عندما يقوم‬

‫ماركس بتحليل حقبة اترخيية معينة‪ ،‬كما يفعل يف برومري لويس انبليون الثامن عشر‪ ،‬فإن أي فكرة لتتيب‬

‫األحداث يف منط اترخيي اثبت تبدو بعيدة كل البعد عن ذهن ماركس‪ .‬يف وجهات النظر األخرى‪ ،‬كان لدى‬

‫أخريا‪ ،‬كما هو مالحظ‪،‬‬


‫ماركس نظرية عامة للتاريخ‪ ،‬لكنه أكثر مرونة وأقل حتمية من إصرار كوهني (ميلر)‪ .‬و ً‬
‫متاما‪.‬‬
‫هناك نقاد يعتقدون أن تفسري كوهني خاطئ ً‬

‫‪ .٥‬األخالق‬

‫إن خالف ماركس مع األخالق يشكل لغزاً‪ .‬فعند قراءة أعمال ماركس يف كل فتات حياته‪ ،‬جند أن هناك‬

‫أقصى نفور ممكن جتاه اجملتمع الرأمسايل الربجوازي‪ ،‬وأتييد ال شك فيه للمجتمع الشيوعي املستقبلي‪ .‬ومع ذلك‬

‫فإن شروط هذا النفور والتأييد بعيدة كل البعد عن الوضوح‪ .‬على الرغم من التوقعات‪ ،‬مل يقل ماركس أبداً أن‬

‫الرأمسالية غري عادلة‪ ،‬كما أنه ال يقول أبن الشيوعية ستكون هي الشكل العادل للمجتمع‪ .‬يف الواقع‪ ،‬يبذل‬

‫جهداً لكي ينأى بنفسه عن أولئك الذين ينخرطون يف خطاب العدالة‪ ،‬ويقوم مبحاولة واعية الستبعاد التعليقات‬

‫األخالقية املباشرة يف أعماله اخلاصة‪ .‬اللغز هو ملاذا جيب هلذا أن يكون‪ ،‬نظراً لقيمة التعليقات األخالقية غري‬

‫املباشرة اليت ميكن أن جندها‪.‬‬

‫حكمة © ‪Copyright 2017‬‬ ‫‪20‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫بدايةً‪ ،‬هناك أسئلة منفصلة تتعلق مبوقف ماركس من الرأمسالية والشيوعية‪ .‬هناك أيضا أسئلة منفصلة‬

‫تتعلق مبوقفه من أفكار العدالة‪ ،‬ومن أفكار األخالق املهمة على نطاق أوسع‪ .‬هذا إذن يؤدي اىل أربعة أسئلة‪:‬‬

‫(‪ )1‬هل اعتقد ماركس أن الرأمسالية غري عادلة؟ (‪ )2‬هل اعتقد أن الرأمسالية ميكن أن تُنتقد أخالقياً ألسباب‬

‫أخرى؟ (‪ )3‬هل اعتقد أن الشيوعية ستكون عادلة؟ (‪ )4‬هل اعتقد أنه ميكن املوافقة عليها من الناحية‬

‫األخالقية ألسباب أخرى؟ هذه هي األسئلة اليت سنناقشها يف هذا اجلزء‪.‬‬

‫كانت احلجة املبدئية اليت اعتقد فيها ماركس أن الرأمسالية غري عادلة تستند إىل املالحظة القائلة أبن‬

‫مجيع األرابح الرأمسالية مستمدة يف النهاية من استغالل العامل‪ .‬يكمن سر دانءة الرأمسالية يف أهنا ليست جماالً‬
‫للوائم واملنفعة املتبادلة‪ ،‬بل هي نظام تقوم فيه أحد الطبقات ابستخالص الربح من األخرى بشكل ممنهج‪.‬‬

‫كيف ميكن هلذا أن يكون ظاملاً؟ مع ذلك‪ ،‬من املالحظ أن ماركس مل يقرر ذلك أبدا‪ ،‬ويف "رأس املال" يذهب‬

‫إىل حد القول إن مثل هذا التبادل "ال يعين الظلم"‪.‬‬

‫يقول ألني وود أن ماركس اختذ هذا النهج ألن منهجه النظري العام يستثين أي وجهة نظر ما بعد‬

‫حداثية ميكن من خالهلا التعليق على عدالة النظام االقتصادي‪ .‬على الرغم من أنه ميكن للمرء أن يعترب سلوًكا‬

‫مثاال) فإنه من غري املمكن‬


‫معينًا داخل النظام االقتصادي على أنه ظامل (والسرقة يف ظل الرأمسالية ستكون ً‬
‫انتقاد الرأمسالية ككل‪ .‬هذه هي نتيجة حتليل ماركس لدور أفكار العدالة ابستخدام املادية التارخيية‪ .‬وهذا يعين‬

‫أن املؤسسات القضائية هي جزء من البنية الفوقية‪ ،‬وأن أفكار العدالة أيديولوجية‪ ،‬ودور كل من البنية الفوقية‬

‫واأليديولوجيا‪ ،‬يف القراءة الوظيفية للمادة التارخيية اليت مت تبنيها هنا‪ ،‬هو تثبيت النظام االقتصادي‪ .‬وابلتايل‪،‬‬

‫فإن القول أبن شيئًا ما عادل يف ظل الرأمسالية هو ببساطة حكم يطبق على عناصر النظام اليت ستميل إىل‬

‫التأثري على الرأمسالية املتقدمة‪ .‬وفقاً ملاركس‪ ،‬فإن األفكار احلاكمة يف أي جمتمع هي تلك اخلاصة ابلطبقة‬

‫احلاكمة؛ جوهر نظرية األيديولوجيا‪ .‬ومع ذلك يزعم زايد احلسامي أن وود خمطئ‪ ،‬حيث يتجاهل حقيقة مفادها‬

‫حكمة © ‪Copyright 2017‬‬ ‫‪21‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫أن أفكار ماركس هبا مفاهيم مزدوجة ألن أفكار الطبقة غري احلاكمة قد تكون خمتلفة متاماً عن أفكار الطبقة‬

‫احلاكمة‪ .‬ابلطبع‪ ،‬أفكار الطبقة احلاكمة هي اليت حتظى ابالهتمام والتنفيذ‪ ،‬لكن هذا ال يعين أن األفكار‬

‫األخرى غري موجودة‪ .‬يذهب احلسامي إىل حد القول أن أفراد الربوليتاراي يف ظل الرأمسالية لديهم مفهوم للعدالة‬

‫يتوافق مع الشيوعية‪ .‬من وجهة نظر الربوليتاراي املتميزة هذه‪ ،‬اليت هي أيضا وجهة نظر ماركس‪ ،‬فإن الرأمسالية‬

‫غري عادلة‪ ،‬وابلتايل فإن ماركس يعتقد أن الرأمسالية غري عادلة‪.‬‬

‫ومع أن ذلك قد يبدو معقوالً‪ ،‬إال أن حجة احلسامي ال تفسر نقطتني متصلتني‪ .‬أوالً‪ ،‬ال تفسر ملاذا‬

‫مل يصف ماركس الرأمسالية على أهنا غري عادلة‪ .‬واثنياً‪ ،‬فإهنا التفسر املسافة اليت أراد ماركس وضعها بني‬

‫اشتاكيته العلمية اخلاصة‪ ،‬ووجهة االشتاكيني الطوابويني الذين احتجوا ابلظلم الرأمسايل‪ .‬وابلتايل ال ميكن للمرء‬

‫أن يتجنب االستنتاج أبن وجهة النظر "الرمسية" ملاركس هي أن الرأمسالية ليست ظاملة‪.‬‬

‫ومع ذلك‪ ،‬يتكنا هذا مع لغز‪ .‬إن الكثري من وصف ماركس للرأمسالية ‪ -‬استخدامه لكلمة "اختالس"‬

‫و "سطو" و "استغالل" ‪ -‬يكذابن املوقف الرمسي‪ .‬ميكن القول إن الطريقة الوحيدة املرضية لفهم هذه القضية‬

‫هي من ج‪.‬أ‪ .‬كوهني اثنيةً‪ ،‬وهو يقتح اعتقاد ماركس أبن الرأمسالية غري عادلة‪ ،‬لكنه مل يعلم أنه يعتقد ذلك‬

‫(كوهني ‪ .)1983‬بكلمات أخرى‪ ،‬مل يكن ماركس‪ ،‬مثل الكثري منا‪ ،‬لديه معرفة كاملة بعقله‪ .‬يف أتمالته‬

‫الواضحة حول عدالة الرأمسالية‪ ،‬متكن من احلفاظ على وجهة نظره الرمسية‪ .‬لكن يف حلظات أقل حتفظاً‪ ،‬تظهر‬

‫رؤيته احلقيقية‪ ،‬حىت لو مل تكن بلغة واضحة‪ .‬مثل هذا التفسري ال بد أن يكون مثرياً للجدل‪ ،‬ولكنه يبدو‬

‫منطقياً ابلنسبة لكتاابته‪.‬‬

‫أايًكان ما ُخيتتم به السؤال حول ما إذا كان ماركس يعتقد أن الرأمسالية غري عادلة‪ ،‬فإنه من الواضح‪،‬‬

‫مع ذلك‪ ،‬أن ماركس كان يعتقد أن الرأمسالية ليست أفضل طريقة للبشر لكي يعيشوا‪ .‬تبقى النقاط اليت وردت‬

‫يف كتاابته املبكرة حاضرة طوال كتاابته‪ ،‬حىت لو مل تعد مرتبطة بنظرية االغتاب بشكل صريح‪ .‬جيد العامل‬

‫حكمة © ‪Copyright 2017‬‬ ‫‪22‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫معاان ًة يف العمل‪ ،‬يعاين من الفقر واإلرهاق وغياب التقدير واحلرية‪ .‬وال يرتبط الناس ببعضهم البعض كما ينبغي‬

‫أن يفعلوا‪ .‬هل هذا يرقى إىل النقد األخالقي للرأمسالية أم ال؟ يف غياب أي سبب للقول خالف ذلك‪ ،‬يبدو‬

‫من الواضح ببساطة أن نقد ماركس هو أخالقي‪ .‬الرأمسالية تعوق ازدهار اإلنسان‪.‬‬

‫ومع ذلك‪ ،‬امتنع ماركس مرة أخرى عن قول ذلك بصراحة؛ بدا أنه ال يظهر أي اهتمام لربط انتقاده‬

‫جديدا‪ .‬رمبا كان هناك سببان‬


‫تقليدا ً‬
‫للرأمسالية أبي من تقاليد الفلسفة األخالقية‪ ،‬أو شرح كيف أنه ينشئ ً‬
‫حلذره‪ .‬األول هو أنه يف حني كانت هناك أشياء سيئة حول الرأمسالية‪ ،‬إال أن هناك‪ ،‬من وجهة نظر اترخيية‬

‫عاملية‪ ،‬الكثري من األشياء اجليدة أيضاً‪ .‬فبدون الرأمسالية‪ ،‬لن تكون الشيوعية ممكنة‪ .‬جيب جتاوز الرأمسالية‪،‬‬

‫وليس إلغاءها‪ ،‬وقد يكون من الصعب التعبري عنها مبفاهيم الفلسفة األخالقية‪.‬‬

‫اثنياً‪ ،‬ورمبا هو األهم‪ ،‬حنتاج إىل العودة إىل التناقض بني االشتاكية العلمية والطوابوية‪ .‬فقد انشدت‬

‫اليوتوبيا األفكار العاملية للحقيقة والعدالة للدفاع عن خمططاهتم املقتحة‪ ،‬واستندت نظريتهم االنتقالية إىل فكرة‬

‫أن االستجابة للحساسيات األخالقية ستكون أفضل‪ ،‬رمبا فقط‪ ،‬وسيلة لتحقيق اجملتمع اجلديد املنشود‪ .‬أراد‬

‫ماركس أن ينأى بنفسه عن هذا التقليد من الفكر الطوابوي‪ ،‬وأن يقول أن النقطة الرئيسية للتمييز هي القول‬

‫أن الطريق لفهم إمكانيات التحرر البشري يكمن يف حتليل القوى التارخيية واالجتماعية‪ ،‬وليس يف األخالق‪.‬‬

‫ومن مث‪ ،‬ابلنسبة إىل ماركس‪ ،‬كان أي نداء أخالقي من الناحية النظرية هو خطوة متخلفة‪.‬‬

‫عادال؟ عند النظر يف موقف ماركس‬


‫جمتمعا ً‬
‫هذا يقودان اآلن إىل تقييم ماركس للشيوعية‪ .‬هل ستكون الشيوعية ً‬
‫من الشيوعية والعدالة ال يوجد سوى احتمالني قابلني للتطبيق‪ :‬إما أنه يعتقد أن الشيوعية ستكون جمتمعاً عادالً‬
‫أو أنه يعتقد أن مفهوم العدالة لن يتم تطبيقه‪ :‬أي أن الشيوعية سوف تتجاوز العدالة‪.‬‬

‫يصف ماركس اجملتمع الشيوعي‪ ،‬يف نقد برانمج غوات‪ ،‬أبنه جمتمع جيب أن يعمل فيه كل شخص حسب قدرته‬

‫وأيخذ حسب حاجته‪ .‬هذا ابلتأكيد يبدو وكأنه نظرية للعدالة‪ ،‬وميكن اعتماده على هذا النحو‪ .‬وعلى أية‬

‫حكمة © ‪Copyright 2017‬‬ ‫‪23‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫حال من املمكن أن ماركس يعتقد أن هذه النقطة تتخطى فيها الشيوعية العدالة‪ ،‬كما قال لوكس‪.‬‬

‫إذا بدأان بفكرة أن وجهة نظر العدالة هي حل النزاعات‪ ،‬فإن اجملتمع بدون نزاعات لن يكون لديه احتياج أو‬

‫مكان للعدالة‪ .‬ميكننا أن نرى ذلك من خالل النظر إىل فكرة هيوم عن شروط العدالة‪ .‬يقول هيوم أنه إذا‬

‫كانت هناك وفرة كبرية يف املوارد‪ ،‬وإذا كان إبمكان أي شخص احلصول على كل ما يريد دون التعدي على‬

‫نصيب اآلخر‪ ،‬فإننا مل نكن لنضع أبداً قواعد للعدالة‪ .‬وابلطبع‪ ،‬اقتح ماركس يف كثري من األحيان أن تكون‬

‫الشيوعية جمتمعاً هبذه الوفرة‪ .‬لكن هيوم اقتح أيضا أن العدالة لن تكون ضرورية يف ظروف أخرى‪ .‬إذا كانت‬

‫هناك مشاعر رفاقية بني مجيع البشر‪ ،‬مرة أخرى لن يكون هناك صراع وال حاجة للعدالة‪ .‬وابلطبع‪ ،‬ميكن للمرء‬

‫أن يتساءل ما إذا كان من املمكن وجود وفرة موارد أو شعور رفاقي بشري إىل هذه الدرجة‪ ،‬لكن املهم هو أن‬

‫كال النظرتني تؤداين لنتيجتني منطقيتني تتخطى فيهما الشيوعية العدالة‪.‬‬

‫ومع ذلك فما زال لدينا تساؤل حول ما إذا كان ماركس يعتقد أنه ميكن اإلشادة ابلشيوعية على‬

‫أسس أخالقية أخرى‪ .‬على أساس فهم أوسع‪ ،‬حيث أن األخالق‪ ،‬أو رمبا من األفضل قول األخالقيات‪،‬‬

‫تتعلق بفكرة احلياة بشكل جيد‪ ،‬يبدو أن الشيوعية ميكن تقييمها بشكل إجيايب يف ضوء ذلك‪ .‬إحدى احلجج‬

‫املقنعة هي أن مسار ماركس ليس له معىن إال إذا استطعنا أن ننسب مثل هذا االعتقاد إليه‪ .‬ولكن بعد هذا‬

‫ميكننا اجياز أن االعتبارات الواردة يف اجلزء الثاين أعاله تتحقق مرة أخرى‪ .‬من الواضح أن الشيوعية تزيد من‬

‫رفاهية اإلنسان‪ ،‬من وجهة نظر ماركس‪ .‬السبب الوحيد إلنكار ذلك‪ ،‬يف نظر ماركس‪ ،‬أنه سيكون مبثابة جمتمع‬

‫جيد هو املعارضة النظرية لكلمة "جيد"‪ .‬وهنا تكمن النقطة األساسية يف أنه‪ ،‬حسب وجهة نظر ماركس‪ ،‬لن‬

‫تتحقق الشيوعية من قبل فاعلي اخلري ذوي املبادئ النبيلة من البشر‪ .‬ورمبا أدى تصميمه على اإلبقاء على‬

‫نقطة االختالف هذه بينه وبني االشتاكيني الطوابويني إىل حتطيم أمهية األخالق إىل درجة تتجاوز احلاجة إىل‬

‫الضرورة النظرية‪.‬‬

‫حكمة © ‪Copyright 2017‬‬ ‫‪24‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫املراجع‬
:‫الكتاابت ا ألساس ية‬

,–––.–Marx, Karl and Friedrich Engels,Gesamtausgabe (MEGA), Berlin, 1975


.Collected Works, New York and London: International Publishers. 1975
,Selected Works, 2 Volumes, Moscow: Foreign Languages Publishing House ,–––
.1962
,Marx, Karl, Karl Marx: Selected Writings, 2nd edition, David McLellan (ed.)
.Oxford: Oxford University Press, 2000

:‫الكتابات الثانوية‬
See McLellan 1973 and Wheen 1999 for biographies of Marx, and see Singer 2000
.and Wolff 2002 for general introductions
.Acton, H.B., 1955, The Illusion of the Epoch, London: Cohen and West
.Althusser, Louis, 1969, For Marx, London: Penguin
.Althusser, Louis, and Balibar, Etienne, 1970, Reading Capital, London: NLB
.Arthur, C.J., 1986, Dialectics of Labour, Oxford: Basil Blackwell

:Avineri, Shlomo, 1970, The Social and Political Thought of Karl Marx, Cambridge
.Cambridge University Press
.Bottomore, Tom (ed.), 1979, Karl Marx, Oxford: Blackwell
:Brudney, Daniel, 1998, Marx’s Attempt to Leave Philosophy. Cambridge, MA
.Harvard University Press
.Carver, Terrell, 1982, Marx’s Social Theory, New York: Oxford University Press
:Carver, Terrell (ed.), 1991, The Cambridge Companion to Marx, Cambridge
.Cambridge University Press
Carver, Terrell, 1998, The Post-Modern Marx, Manchester: Manchester University
.Press
,’Cohen, Joshua, 1982, ‘Review of G.A. Cohen, Karl Marx’s Theory of History
.Journal of Philosophy, 79: 253–273
.Cohen, G.A., 1983, ‘Review of Allen Wood, Karl Marx’, Mind, 92: 440–445
Cohen, G.A., 1988, History, Labour and Freedom, Oxford: Oxford University

Copyright 2017 © ‫حكمة‬ 25


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

.Press
,Cohen, G.A., 2001, Karl Marx’s Theory of History: A Defence, 2nd edition
.Oxford, Oxford University Press
.Desai, Megnad, 2002, Marx’s Revenge, London: Verso
.Elster, Jon, 1985, Making Sense of Marx, Cambridge: Cambridge University Press
Geras, Norman, 1989, ‘The Controversy about Marx and Justice,’ in A. Callinicos
.(ed.),Marxist Theory, Oxford: Oxford University Press, 1989
.Hook, Sidney, 1950, From Hegel to Marx, New York: Humanities Press
Husami, Ziyad, 1978, ‘Marx on Distributive Justice’, Philosophy and Public
.Affairs, 8: 27–64
:Kamenka, Eugene, 1962, The Ethical Foundations of MarxismLondonLondon
.Routledge and Kegan Paul
Kolakowski, Leszek, 1978, Main Currents of Marxism, 3 volumes, Oxford: Oxford
.University Press
Leopold, David, 2007, The Young Karl Marx, Cambridge: Cambridge University
.Press
.Lukes, Stephen, 1987, Marxism and Morality, Oxford: Oxford University Press
.Maguire, John, 1972, Marx’s Paris Writings, Dublin: Gill and Macmillan
.McLellan, David, 1970, Marx Before Marxism, London: Macmillan
.McLellan, David, 1973, Karl Marx: His Life and Thought, London: Macmillan
.Miller, Richard, 1984, Analyzing Marx, Princeton NJ: Princeton University Press
Peffer, Rodney, 1990, Marxism, Morality and Social Justice, Princeton: Princeton
.University Press
Plekhanov, G.V., (1947 [1895]), The Development of the Monist View of History
.London: Lawrence and Wishart
.Robinson, Joan, 1942, An Essay on Marxian Economics, London: Macmillan
:.Roemer, John, 1982, A General Theory of Exploitation and Class, Cambridge Ma
.Harvard University Press
Roemer, John (ed.), 1986, Analytical Marxism, Cambridge: Cambridge University
.Press
.Rosen, Michael, 1996, On Voluntary Servitude, Cambridge: Polity Press
.Sayers, Sean, 1990, ‘Marxism and the Dialectical Method: A Critique of G.A
Cohen’, in S.Sayers (ed.), Socialism, Feminism and Philosophy: A Radical
.Philosophy Reader, London: Routledge

Copyright 2017 © ‫حكمة‬ 26


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

Singer, Peter, 2000, Marx: A Very Short Introduction, Oxford: Oxford University
.Press
.Sober, E., Levine, A., and Wright, E.O. 1992, Reconstructing Marx, London: Verso
:Sweezy, Paul, 1942 [1970], The Theory of Capitalist Development, New York
.Monthly Review Press
.Wheen, Francis, 1999, Karl Marx, London: Fourth Estate
.Wolff, Jonathan, 2002, Why Read Marx Today?, Oxford: Oxford University Press
Wolff, Robert Paul, 1984,Understanding Marx , Princeton, NJ: Princeton University
.Press
.Wood, Allen, 1981, Karl Marx, London: Routledge; second edition, 2004
Wood, Allen, 1972, ‘The Marxian Critique of Justice’, Philosophy and Public
.Affairs, 1: 244–82

‫ ا ألدوات الأاكدميية‬.
How to cite this entry.Preview the PDF version of this entry at
the Friends of the SEP Society.Look up this entry topic at
theIndiana Philosophy Ontology Project (InPhO).Enhanced
.bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database

‫موارد الانرتنت ا ألخرى‬


Marxists Internet Archive

‫املدخالت ذات الصةل‬


Bauer, Bruno | Feuerbach, Ludwig Andreas | Hegel, Georg Wilhelm
Friedrich | history, philosophy of

Copyright 2017 © ‫حكمة‬ 27

You might also like