Professional Documents
Culture Documents
مواضيع الاستعداد للمباراة النهائية بوزارة العدل
مواضيع الاستعداد للمباراة النهائية بوزارة العدل
بوزارة العدل
مجع وترتيب:
عمر املوريف
-12التخليق في اإلدارة القضائية
.1مسطرة الصلح في القانون المغربي
-13الحكامة الشاملة والتنمية البشرية
.2دور المجلس األعلى للسلطة القضائية
-14الدستور واستقالل السلطة القضائية
في تطبيق ضمانات المحاكمة العادلة
-15السياسات العمومية والرأسمال
.3أثر المعلوميات في مجال القضاء –
البشري
تطبيق كتابة الضبط-
-16دورة االدارة القضائية في مشروع
.4التجربة المغربية في مجل القضاء
التنظيم القضائي
االلكتروني
-17تحديث اإلدارة القضائية وتقريبها من
.5الجريمة المعلوماتية في التشريع
المواطن
المغربي
-18آليات ومساطر إبرام الصفقات
.6اشكالية تنفيذ األحكام والمقررات
العمومية
القضائية
-19إستقالل النيابة العامة
.7إشكالية التنفيذ المدني
-21الحجز لدى الغير وإشعار الغير
.8إدارة الموارد البشرية
الحائز :المقاربة والمفارقة
.9األمن القضائي ودوره في التنمية
-21مسطرة القيم بين اإلبقاء واإللغاء
.11اإلدارة المغربية ومتطلبات التحديث
-22التنمية اإلدارية بين النسق المغربي
.11أزمة العالقة بين اإلدارة والمواطن
والتحدي الدولي.
1
- 1مسطرة الصلح يف القانون املغربي
الصلح آلية حضارية الستبدال العقوبة ولفض النزاع قبل تحريك الدعوى العمومية
يعتبر مبدأ الصلح أو املصالحة من التقاليد النافذة في التراث الديني والثقافي املغربي ،حيث
كان رب القبيلة أو رب ألاسرة يلعب دور الوسيط في حل النزاعات العائلية واملالية والفالحية
التي تنشأ بين أفراد ألاسرة أو القبيلة .وأسوة بالعديد من التشريعات املقارنة عمد املشرع
املغربي في قانون املسطرة الجنائية إلى تبني مبدأ الصلح باملادة 11من ق.م.ج كآلية حديثة
وحضارية الستبدال العقوبة السالبة للحرية ولفض النزاع قبل تحريك الدعوى العمومية،
وتكمن إيجابيات هذه املسطرة في عدة مزايا منها تخفيف العبء على املحاكم وربح الوقت،
وجعل القضاء يركز مجهوده على القضايا ألاساسية ،وتخفيف الاكتظاظ الذي تعاني منه
السجون وتحقيق نوع من التوازن بين حقوق إلانسان وحقوق املجتمع.
في دراسة لقسم الدراسات والتشريع بوزارة العدل عولج موضوع الصلح من جوانب
متعددة ،نوجزها أسفله تعميما للفائدة :
مجاالت الصلح
يمكن القول إن املادة 11من قانون املسطرة الجنائية املغربي خرجت من رحم املادة 11
من قانون املسطرة الجنائية الفرنسية ال من حيث الطابع الاختياري ملسطرة الصلح وسلطة
النيابة العامة بشأنها أو مصادقة املحكمة في النهاية على مقرر الصلح ،باستثناء ما نص
عليه املشرع الفرنس ي من منح طرف أجنبي مباشرة مسطرة الصلح وهو ما لم تأخذ به
املادة 11موضوع الدراسة.
وعموما فمسطرة الصلح هي من وحي إحدى آلاليات البديلة لفض النزاعات والتي ما فتئت
تأخذ لها مكانة متميزة في فض النزاعات ويتعلق ألامر بالوساطة ،إذ بدأت تترسخ نظرة
عاملية جديدة تتمثل في إيجاد ميكانيزمات بديلة -خارج إلاطار التقليدي للقضاء واملحاماة -
تساهم في حل النزاعات والتخفيف على املحاكم...
الصلح في القوانين الجنائية :ترى الدراسة أن القوانين الجنائية كلها من النظام العام وال
يملك ألاطراف صالحية تحديد نطاقها لالضطراب الاجتماعي الذي قد تخلقه ،وفي جرائم
2
معينة فإن املشرع ،ونظرا للطابع الاجتماعي وألاسري الذي يهيمن عليها ،سمح لألطراف
بإبرام مصالحة بشأنها يترتب عنها وضع حد للمتابعة ،و من أهم هذه الجرائم الواردة في
القانون الجنائي قضايا إهمال ألاسرة (الفصل 181من ق.ج) ،الخيانة الزوجية (الفصل
191من ق.ج) والسرقة بين ألاقارب (الفصل 535من ق.ج) فهذه الجرائم ال تحرك املتابعة
بشأنها إال بناء على شكوى من املجنــي عليه و يؤدي التنازل عن الشكاية إلى انقضاء املتابعة
وسقوط الدعوى العمومية.
الصلح في القوانين املدنية :يعتبر امليدان املدني ألاصيل ألعمال الصلح،حسب الدراسة،
فهناك مقتضيات مدنية توجب اللجوء إلى الصلح ،ومقتضيات مدنية أخرى تجيزه فقط.
وهكذا يمكن إيجاز املقتضيات املدنية التي توجب الصلح في مقتض ى الفصل 212من
ق.م.م املتعلق بمحاولة التصالح عند تقديم مقال التطليق لدى املحكمة أو عند تقديم
مقال الطالق من طرف الزوج لدى السيد قاض ي التوثيق (املادة 18من م.ح.ش)،
وفي القضايا الاجتماعية نص الفصل 222من ق.م.م على وجوب إجراء محاولة التصالح
بين ألاطراف من قبل القاض ي قبل البت في النزاع وفي قضايا الكراء املعد لالستعمال
التجاري والصناعي نص الفصل 22من ظهير 21ماي 1955على إجبارية الصلح ،كما نص
ظهير 2أكتوبر 1981املتعلق بالتعويض عن حوادث السير في املادة 18على ضرورة لجوء
شركة التأمين ملحاولة املصالحة بينها وبين املطالبين بالتعويض.
إلى جانب هذه املقتضيات التي أوجبت مسطرة الصلح هناك مقتضيات قانونية أجازت
اللجوء إلى الصلح ،منها قانون التحفيظ العقاري ظهير 12غشت 1913الذي نص في
الفصل 31منه على إمكانية دعوة املحافظ لكل من املتعرضين وطالبي التحفيظ إلجراء
الصلح وتحرير محضر بذلك في حالة نجاحه ،وإذا فشل الصلح وجه املحافظ امللف إلى
املحكمة..
الصلح في املهن الحرة :نص الفصل 33من ق.م.م على اعتماد الخبير الذي تنتدبه املحكمة
لالستئناس برأيه في نقطة ذات صبغة تقنية على اعتماد الصلح قبل إنجاز املهمة املسندة
إليه ويتعين عليه إلاشارة في تقريره املرفوع للمحكمة على إجراء محاولة الصلح أو تعذرها.
وأخيرا نصت املادة 11من الظهير الشريف رقم 1.11.298الصادر بتاريخ 9دجنبر 2111
بشأن إحداث ديوان املظالم على قيام هذا ألاخير بكل املساعي الحبية للتوفيق بين
املتظلمين وإلادارة استنادا لقواعد القانون ومبادئ العدل وإلانصاف.
3
دور النيابة العامة واملحكمة
أكدت املادة 11من قانون املسطرة الجنائية الجديد على الطابع الاختياري وليس إلالزامي
للصلح وجعله من اختصاص النيابة العامة علما بأن القانون الجديد حافظ لها على
اختصاصاتها التقليدية في حماية املجتمع وإقامة الدعوى العمومية واستعمال حق املالئمة،
كما سمح فقط باملصالحة في بعض القضايا للحفاظ على عالقات الاستقرار الاجتماعي.
ويتوفر قاض ي النيابة العامة على سلطة تقديرية في التحري والبحث عند مباشرته إلجراء
الصلح ،وهو بهذه الصفة ال ينصب نفسه مكان أطراف النزاع بل يقترح وال يلزم ،كما أنه
يوضح ويفسر وال يمارس أي ضغط.
وترى الدراسة أن القانون املقارن لم يجمع على منح الاختصاص في مسطرة الصلح للقضاء
الجالس ألن الغاية من اعتماد الصلح هي التخفيف على قضاة الحكم والحد من تراكم
امللفات والقضايا.
وحول دور املحكمة في مسطرة الصلح ،أفادت الدراسة أنه وفق املادة 11من ق.م.ج
«يحيل وكيل امللك محضر الصلح على رئيس املحكمة الابتدائية أو من ينوب عنه للتصديق
عليه بحضور ألاطراف بغرفة املشورة بمقتض ى أمر قضائي ال يقبل أي طعن».
وبعد إحاطة الدراسة على تخوفات وانتقادات تم التعبير عنها بخصوص دور رئيس
املحكمة أثناء مناقشة مشروع قانون املسطرة الجنائية ،أكدت أن املحضر املنجز بالصلح
أمام وكيل امللك يعد من قبيل التوثيق التعاقدي الرسمي الذي ال يمكن الطعن فيه إال
بالزور...
وخلصت الدراسة إلى أن دور املحكمة يسمح بالتوفيق بين مبادئ قانونية متعددة
ومتعارضة في نفس الوقت بأسلوب مرن ومحاط بجملة من الضمانات (املتابعة وحفظ
املسطرة) ،كما أن املصادقة على مقرر الصلح ال تعتبر حكما باتا ومبرما ،بل هي تصديق
قضائي من نوع خاص من أهدافه تطويق النزاعات والتخفيف على القضاء.
الجرائم املشمولة بالصلح
نص املشرع املغربي في مطلع املادة 11من ق.م.ج .على أنه «يمكن للمتضرر أو املشتكى به
من قبل إقامة الدعوى العمومية وكلما تعلق ألامر بجريمة يعاقب عليها بسنتين حبسا أو
أقل أو بغرامة مالية ال يتجاوز حدها ألاقص ى 5111درهم أن يطلب من وكيل امللك تضمين
الصلح الحاصل بينهما بمحضر».
4
إن أول ما يستنتج من منطوق هذه املادة أن الجرائم التي يمكن التصالح بشأنها تتميز في
معظمها بطابعها البسيط وارتباطها بالجوانب الاجتماعية والعائلية ،كما أن إلاحصائيات
تؤكد أن هذه القضايا تمثل صدارة القضايا املدرجة حاليا أمام املحاكم العادية من قبيل
إلايذاء العمدي الخفيف ،إهمال ألاسرة ،السرقة الزهيدة...إلخ
وإلى جانب حصر الصلح في الجنح الضبطية تتسم مسطرة الصلح بالحضورية حيث يجب
على الطرفين أن يحضرا أو على ألاقل املشتكي به ألن املشتكي قد يتغيب خاصة في الحالة
التي يدلي فيها بتنازله.
تنفيذ مقـرر الصلح
أسند املشرع للنيابة العامة مهمة السهر على تنفيذ مقرر الصلح بعد املصادقة عليه بغرفة
املشورة ،ويطرح التساؤل في هذا الصدد حول جزاء إلاخالل بمقرر الصلح ،وحول ما إذا
كان ألامر القضائي يسقط الدعوى العمومية.
إن ألامر القضائي يتمتع بقوة الش يء املقض ي به مادام أنه ال يقبل أي طعن فهو يصدر باسم
جاللة امللك وبشكل انتهائي ،ومن ثم يمكن لوكيل امللك تحريك املتابعة في حالة عدم تنفيذ
الالتزامات التي صادق عليها القاض ي.
أما الجواب عن التساؤل الثاني فهو أن الصلح ال يؤدي إلى سقوط الدعوى العمومية بل إلى
إيقافها فقط بصريح املادة 11من ق.م.ج .فإذا ما ظهرت عناصر جديدة تمس الدعوى
العمومية يمكن للنيابة العامة تحريك املتابعة رغم مقرر الصلح ما لم يطل التقادم
املسقط الجريمة موضوع املقرر الصادر.
5
- 2اجمللس األعلى للسلطة القضائية
ودوره يف حتقيق ضمانات
احملاكمة العادلة
يعتبر الحق في املحاكمة العادلة من الحقوق ألاساسية لإلنسان .وهناك جملة من
املعايير الدولية لضمان املحاكمة العادلة.
وال يمكن الحديث عن محاكمة عادلة يشهد لها الجميع بالعدل وإلانصاف إال إذا توفر
شرطان .أولهما الالتزام بإجراء املحاكمة من بدايتها إلى نهايتها حسب املعايير املنصوص عليها
في املواثيق الدولية لحقوق إلانسان ،وثانيهما من الضروري أن تكون السلطة القضائية
سلطة مستقلة ومحايدة.
فاإلعالن العالمي لحقوق إلانسان ينص في مادته العاشرة على أن:
" لكل إنسان على قدم املساواة التامة مع آلاخرين في أن تنظر قضيته محكمة مستقلة
ومحايدة نظرا منصفا وعلنيا ،للفصل في حقوقه والتزاماته وفي أية تهمة جزائية توجه إليه".
أما العهد الدولي املتعلق بالحقوق املدنية والسياسية فقد نصت املادة 11منه على ما
يلي " :من حق كل فرد أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة
مستقلة حيادية منشأة بحكم القانون".
والهدف من املحاكمة العادلة هو الوصول إلى الحقيقة بسرعة وفعالية لتحقيق
املصلحة العامة ،أما ضماناتها هي أن يتحقق هذا الهدف على يد قضاء محايد ومستقل.
وموضوع استقالل القضاء شأن يتجاوز بكثير حدود القضاة أنفسهم ،إذ أنه في جوهره
وثيق الصلة بقضية العدل وميزان الحرية في املجتمع ،ففي الدول الديمقراطية قيمتي
العدل والحرية تتأثران سلبا وإيجابا بمقدار ما هو متوافر من استقالل للقضاء في كل بلد،
لذلك فإننا حين ندافع عن استقالل القضاء ونتشبث به ،فإنما ندافع عن أنفسنا في
حقيقة ألامر ،وحين يستشعر القضاة قلقا من جراء نقصان استقاللهم ،فإن ذلك القلق
ينبغي أن ينسحب علينا تلقائيا ،إذ ال يمكن للقاض ي أن يمارس مهامه مطمئنا هادئا دون
ضمانات تحصنه وتؤكد استقالله ،إذ ال سلطان عليه في قضائه لغير القانون ،ولضميره
6
وتجرده ضمانا لحرية ألافراد وإنصافهم ،وهذه الحصانة مقررة للقضاء بموجب دستور
اململكة لسنة 2111ويسهر املجلس ألاعلى للسلطة القضائية على تطبيقها من حيث
التعيين والترقية والتقاعد والتأديب.
وفي انتظار املصادقة على مشروع القانون التنظيمي رقم 111.13املتعلق باملجلس
ألاعلى للسلطة القضائية وإخراج هذه املؤسسة الدستورية إلى الوجود بما تمثله من رمزية
الستقالل السلطة القضائية عن باقي السلط خاصة السلطة التنفيذية ،وما منحت من
صالحيات واختصاصات بموجب الدستور في تسيير وتدبير السلطة القضائية ،يحق لنا أن
نتساءل عن دور املجلس ألاعلى للسلطة القضائية في بلورة املحاكمة العادلة ؟ هذا
التساؤل املحوري تتفرع عنه مجموعة من التساؤالت الفرعية من قبيل ما هي مكونات هذا
املجلس؟ وما هي اختصاصاته؟ ما هي الضمانات التي يقدمها لتحقيق محاكمات عادلة؟
كيف يساهم في تخليق الحقل القضائي؟.
نظرا لندرة الكتابات في هذا املوضوع إن لم نقل انعدامها لحداثته ،فان هذه
التساؤالت سنحاول إلاجابة عنها من خالل تحليل واستقراء فصول الدستور وما جاء به
مشروع القانون التنظيمي رقم 111.13املتعلق باملجلس ألاعلى للسلطة القضائية وفق
املنهجية التالية:
املبحث ألاول :التنظيم الهيكلي للمجلس واختصاصاته
املبحث الثاني :دور املجلس في ضمان املحاكمة العادلة
وسيرا على نهج املادة 1من مشروع القانون التنظيمي 111.13املتعلق باملجلس ألاعلى
للسلطة القضائية ،فإننا سنشير إلى هذا ألاخير بمصطلح املجلس وإلى ألاول بمصطلح
املشروع تفاديا لإلطناب.
املبحث ألاول :تأليف املجلس واختصاصاته
إن الدور املحوري واملركزي الذي ينتظر من املجلس أن يضطلع به مباشرة بعد إنشائه
وفق مقتضيات الدستور الجديد ،واملتمثل في السهر على تطبيق الضمانات املمنوحة
للقضاة ،ووضع تقارير حول وضعية القضاء ومنظومة العدالة ،إضافة إلى إصدار أراء
مفصلة حول كل مسألة تتعلق بسير القضاء .وكذا ما يمثله املجلس من رمزية لالستقاللية
املنشودة والتي ركز عليها الدستور نفسه في الفصل 112حيث نص على أن السلطة
القضائية مستقلة عن باقي السلط من غير إهمال التعاون بينهما ،وأن امللك هو الضامن
7
لهذه إلاستقاللية من جهة ،ومن جهة أخرى فاملجلس يستمد قوته من الفصل 115الذي
ينص على أن امللك هو الذي يرأس املجلس ،مع وجود تمثيليات من خارج أسرة القضاء
ضمانا للشفافية.
على أساس ما سبق سنقسم هذا املبحث إلى مطلبين حيث سنتناول في املطلب ألاول
تأليف املجلس ،بينما سنخصص املطلب الثاني الختصاصات وصالحيات املجلس.
املطلب ألاول :تأليف املجلس
حسب املادة 5من املشروع وطبقا للفصل 115من الدستور املغربي ،فإن امللك يرأس
املجلس ألاعلى للسلطة القضائية ،ويتألف هذا املجلس من ثالث فئات:
üفئة ألاعضاء الدائمون:
-الرئيس ألاول ملحكمة النقض ،رئيسا منتدبا
-الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض
-رئيس الغرفة ألاولى بمحكمة النقض
-الوسيط
-رئيس املجلس الوطني لحقوق إلانسان
üفئة ألاعضاء املنتخبون:
-أربعة ممثلين لقضاة محاكم الاستئناف ،ينتخبهم هؤالء القضاة من بينهم
-ستة ممثلين لقضاة محاكم أول درجة ،ينتخبهم هؤالء القضاة من بينهم
ويجب ضمان تمثيلية النساء القاضيات من بين ألاعضاء العشرة املنتخبين ،بما
يتناسب مع حضورهن داخل السلك القضائي.
üفئة ألاعضاء املعينون:
-خمس شخصيات يعينها امللك ،مشهود لها بالكفاءة والتجرد والنزاهة ،والعطاء املتميز
في سبيل استقالل القضاء وسيادة القانون من بينهم عضو يقترحه ألامين العام للمجلس
العلمي ألاعلى]1[.
واملالحظ في هذه التشكيلة أنها تتسم بالتنوع وال تقتصر على من يحملون الصفة
القضائية فقط ،وهذه مسألة جد إيجابية تمثل ضمانا من ضمانات املحاكمة العادلة
وتجسد الروح الديمقراطية للدستور القائمة على مبدأ التشاركية ،كما أنها تعكس املبادئ
الدولية بشأن تشكيل املجالس العليا للقضاء.
8
كما تم التعرض أيضا ملسألة تعويضات السادة ألاعضاء من لهم الصفة القضائية
بمناسبة قيامهم بمهامهم في املجلس وعدم الجمع بينها وبين تعويضات أو أجور أخرى وهذا
ما نصت عليه املادة 11من املشروع ،وبالنسبة ملدة العضوية التي تم تحديدها في خمس
سنوات غير قابلة للتجديد بالنسبة لألعضاء املنتخبين ،وقابلة للتجديد مرة واحدة بالنسبة
لألعضاء املعينين من طرف العاهل املغربي ،باإلضافة إلى حاالت انتهاء العضوية املنصوص
عليها في املادة 13من املشروع ،ونشير هنا إلى مالحظة بشأن هذه ألاخيرة حيث ورد فيها
لفظ "إلاحالة "على التقاعد بالنسبة لألعضاء املنتخبين كحالة من حاالت انتهاء العضوية،
والحال أن إلاحالة هي نوع من العقوبة ،وكان ألاولى استبدالها بكلمة "بلوغ" سن التقاعد]2[.
هذا وقد نصت كل من املواد 13-15-11من املشروع على أن استقالة ألاعضاء تقدم
إلى الرئيس املنتدب للمجلس ،فتباشر مسطرة تعيين من يخلفه خالل مدة 15عشر يوما
من تاريخ رفع ألامر إلى امللك.
وبعد استكمال تشكيلة املجلس يبقى لنا أن نستعرض اختصاصاته ،وهو ما سنعرج
عليه من خالل املطلب الثاني.
املطلب الثاني :اختصاصات املجلس
مبدئيا يمكن القول أن املجلس تبرز فعاليته القصوى في تكريس ضمانات املحاكمة
العادلة انطالقا من الدور الاختصاص ي املنوط به دستوريا وتنظيميا.
ولنا في ذلك مرجعيتين اثنتين ،مرجعية دستورية ومرجعية تنظيمية.
أوال :املرجعية الدستورية املؤطرة الختصاصات وصالحيات املجلس.
تتأطر هذه املرجعية ضمن مقتضيات الفصل 113من الدستور[ ،]3والتي تتيح إمكانية
تحديد الاختصاصات التي بواسطتها يمكن للمجلس أن يسهم بدور فاعل في بلورة املحاكمة
العادلة.
ويمكن أن نجري في ضوء نص هذا الفصل قراءتين اثنتين.
أولها :عبر مدخل منطوق النص
وثانيها :عبر مدخل مفهوم النص
ـ أـ القراءة املنطوقة للنص
تفرز لنا هذه القراءة مجموعة من املعطيات التي نبرزها فيما يلي.
9
ـ املجلس له وظيفة السهر على تطبيق الضمانات املمنوحة للقضاة ،إذن فهو ال يطبق
هذه الضمانات فحسب ،وإنما يطبقها ويسهر على تطبيقها في آن واحد.
ـ املجلس له وظيفة وضع تقارير تنصرف نحو رصد وضعية منظومة العدالة.
ـ املجلس له وظيفة إصدار توصيات بشأن وضعية منظومة العدالة.
ـ املجلس له وظيفة استشارية ،ذلك أن الدستور في هذا الفصل خول للمجلس
صالحية إصدار آراء مفصلة حول كل املشاكل املتعلقة بسير القضاء.
كل هذه الاختصاصات نستخلصها بشكل مباشر من منطوق الفصل 113من
الدستور ،وهي اختصارا تتحدد في أربعة وظائف تختزلها أربع كلمات وهي (:سهر ،تقرير،
توصية ،واستشارة).
ـ ب ـ القراءة املفهومية للنص[]1
املقصود بالقراءة املفهومية للنص تلك الاستنتاجات التي تستشف من جوهر النص
وليس من شكله ،وتحيلنا مقتضيات الفصل 113من الدستور على مجموعة من
املستنتجات:
ـ املجلس تربطه بباقي السلط عالقة اتصال وانفصال في آن واحد ،اتصال يتوخى
التكامل وانفصال يبتغي تحقيق التوازن ،وذلك مسالة تستنتج من حيث كون الدستور
خول للمجلس صالحية تقديم آلاراء للبرملان أو الحكومة.
ـ املجلس تربطه باملحاكمة العادلة عالقة إشراف أحيانا وحماية أحيانا أخرى ،أما
عالقة إلاشراف على املحاكمة العادلة فتتجلى في كونه يمتلك وظيفة السهر على تطبيق
الضمانات املمنوحة للقضاة ،استقالال ،تعيينا ،ترقية ،وتأديبا.
وحيث إن استقالل القضاة جزء من استقالل العدالة فإن املجلس بهذا يكون مساهما
مباشرا في بلورة املحاكمة العادلة من نافذة القضاة وليس من جهة املتقاضين.
ثانيا :املرجعية التنظيمية املؤطرة الختصاصات وصالحيات املجلس
يتجاذب هذه املرجعية ثالث مواد تنظيمية وهي كما يلي.
ـ أ ـ املادة ]5[ 32من املشروع
بتدقيق النظر في بنود هذه املادة نستشف على أنها جاءت متفاعلة ومتكاملة مع
الفصل 113من الدستور ،إن على مستوى تأسيس املبدأ أو على مستوى تفصيل القاعدة،
11
املقصود هنا تأسيس مبدأ استقاللية القاض ي ضمانا للمحاكمة العادلة ،وتفصيل قاعدة
الجودة املهنية للقضاة ،هذه ألاخيرة جعلتها املادة 32مرتكزة على مجموعة من ألاسس.
أولها :تكافؤ الفرص والاستحقاق
وثانيها :الكفاءة والشفافية
وثالثها :الحياد والسعي نحو املناصفة.
كل هذه املرتكزات تمنح في إطارها الجمعي اختصاصا تدبيريا للمجلس يضاف إلى
الاختصاصات الدستورية آلانف ذكرها.
ـ ب ـ املادتان 92و ]3[111من املشروع
بلمحة سريعة إلى مقتضيات هذين البندين نجد أن املشروع أضاف في املادة 92
اختصاصا آخر للمجلس أال وهو الاختصاص الحمائي ،وفحوى هذا الاختصاص عميق جدا
لكونه ال ينصرف نحو حماية القاض ي أو املتقاض ي ،وإنما ينصرف بالدرجة ألاولى نحو حماية
القيم القضائية صونا ونشرا لقيم النزاهة والتخليق.
أما املادة 111من املشروع فيمكن وصفها باملادة الجردية ،لكونها جاءت على شاكلة
جرد فيها املشرع املضامين التي ينبغي توافرها في التقارير املوضوعية واملصدرة من لدن
املجلس ،هذه التقارير منحها املشرع جملة من الصفات ،أهمها الصفة الاقتراحية التي
حددها في كون املجلس يقترح دعم حقوق السبل الكفيلة بدعم (حقوق املتقاضين،
تحسين أداء القضاة ،دعم نزاهتهم واستقاللهم ،تنمية النجاعة القضائية ،تأهيل املوارد
البشرية وتحسين ألاوضاع املادية والاجتماعية للقضاة).
املبحث الثاني :دور املجلس في ضمان املحاكمة العادلة
من أهم ألادوار التي يجب على املجلس أن يضطلع بها بعد إنشائه ،ضمان استقاللية
السلطة القضائية عن باقي السلط ،مما سيضع حدا ألي تدخل في شؤون القضاء
خصوصا من طرف السلطة التنفيذية التي سحب من تحت أقدامها بساط رئاسة القضاء
وبساط رئاسة النيابة العامة وإسناد رئاستها على التوالي إلى كل من الرئيس ألاول ملحكمة
النقض رئيسا منتدبا للمجلس ،والوكيل العام لدى محكمة النقض رئيسا للنيابة العامة
بدل وزير العدل ،وكذا من أهم ألادوار أيضا التي منحت له ،تخليق منظومة العدالة بصفة
عامة والقضاء بصفة خاصة عن طريق وضع مدونات السلوك ألاخالقية واملهنية.
11
على أساس ما سبق سنقسم هذا املبحث إلى مطلبين حيث سنتناول في املطلب ألاول
املحاكمة العادلة من خالل استقاللية املجلس ،بينما سنخصص املطلب الثاني للمحاكمة
العادلة من خالل تخليق القضاء.
املطلب ألاول :املحاكمة العادلة من خالل استقاللية املجلس.
وفق الدستور الجديد يعتبر املجلس بمثابة هيئة عليا تسهر على استقالل القضاء
وتطبيق الضمانات املمنوحة للقضاة ،ومن الواضح أن التعديل الدستوري الجديد الذي
طرأ على هذه املؤسسة لم يغير في التسمية فقط ،وإنما امتد ليشمل أيضا املقتضيات
املتعلقة باختصاصاتها وتنظيمها وتشكيلتها ،حيث أصبحت هذه املؤسسة الدستورية
تحض ى باالستقالل إلاداري واملالي ،إضافة إلى منحه صالحيات جديدة كما ذكرنا في املبحث
ألاول من هذا العرض.
وباستقراء الفصل 113من الدستور في فقرته الثانية التي تنص على أن املجلس يتوفر
على الاستقالل إلاداري واملالي ،وكذا املادة 1في فقرته ألاولى من املشروع ،يمكن القول على
أن ما نصت عليه املقتضيات الدستورية الجديدة واملشروع ،أصبح هذا ألاخير هيأة
مستقلة متمتعة بالشخصية الاعتبارية والاستقالل إلاداري واملالي ،وأن الدولة ملزمة بتوفير
كافة الوسائل املادية والبشرية ،وكذا مقر خاص كي يتسنى له القيام باملهام املسندة إليه.
وأيضا لتدعيم هذا الاستقالل إلاداري واملالي للمجلس جاء في املادة 59من املشروع أن
للمجلس ميزانية خاصة به ،ويسجل الاعتمادات املرصودة له في امليزانية العامة للدولة
تحت فصل يحمل عنوان "ميزانية املجلس ألاعلى للسلطة القضائية".
تكمن أيضا استقالليته إلى إسناد رئاسة املجلس للرئيس ألاول ملحكمة النقض كرئيس
منتدبا -املادة 5من املشروع التنظيمي للمجلس -وتخويل الوكيل العام للملك لدى محكمة
النقض رئاسة النيابة العامة وتتبع أعمال هذه ألاخيرة هذا من جهة ومن جهة أخرى البد
من تعديل املادة 51من قانون املسطرة الجناية التي تخول لوزير العدل إلاشراف على
تنفيذ السياسة الجنائية وبالتالي هيمنته على النيابة العامة وذلك في تنافر واضح مع تركيبة
املجلس ومبدأ استقالل السلطة القضائية .
فاستقاللية النيابة العامة عن وزير العدل يعتبر من املبررات الدستورية ،فأحكام
الدستور أقرت بجالء على ضمان استقاللية السلطة القضائية على باقي السلطتين ،وعليه
12
ال يمكن القول على أن السلطة القضائية مستقلة إلى حين فصل النيابة العامة عن وزارة
العدل.
أما فيما يخص التفتيش القضائي فاملادة 13من ظهير التنظيم القضائي تبرز دور وزير
العدل في ألامر بإجراء تفتيش ودوره في البحث في الوقائع كما تنص على ما يتوفر عليه
املفتشون من سلطة عامة للتحري والتحقق لكن في املقابل جاءت مسودة التنظيم
القضائي بمستجد في املادة " 113يشرف الرئيس ألاول ملحكمة النقض على الرؤساء ألاولين
ملحاكم ثاني درجة وعلى رؤساء محاكم أول درجة ،للوكيل العام للملك لدى محكمة
النقض سلطة على كافة أعضاء النيابة العامة باملحاكم " فمن خالل استقراء الفصل 113
من املسودة واملادة 81من املشروع التنظيمي للمجلس يتضح على أن املشرع نهج نحو
إحداث مفتنشية عامة باملجلس تتولى التفتيش القضائي وإنشاء مفتشية عامة بوزارة
العدل تتولى التفتيش إلاداري واملالي ،وهذا يدل على مدى تكريس املشرع الستقاللية
املجلس من أجل ضمان محاكمة عادلة.
لكن يبقي السؤال املطروح هل املفتشية العامة للشؤون القضائية تابعة للمجلس أم
أنها مستقلة عنه؟ ونحن نعلم أن الفصل 113من الدستور ينص على ما يلي ..." :يساعد
املجلس ألاعلى للسلطة القضائية في املادة التأديبية قضاة مفتشون من ذوي الخبرة"،
فمصطلح املساعدة الوارد بالدستور ال يعني بالضرورة الخضوع لسلطة املجلس.
املطلب الثاني :املحاكمة العادلة من خالل تخليق القضاء
يلعب تخليق القضاء دورا حاسما في ضمان عدالة املحاكمات ،وذلك بفرضه مجموعة
من املبادئ وألاخالقيات التي تتصف باإللزام ،لكن مع ذلك فمنظومة العدالة تعاني بكل
مكوناتها من نقص في الشفافية وضعف في آليات املراقبة واملساءلة ،وتراجع في أخالقيات
املمارسة املهنية[ ،]2ألامر الذي يفسح املجال ملمارسات منحرفة يساهم فيها بعض
املتقاضين عن قصد أو غير قصد ،مما يحول دون تحصين وتخليق منظومة العدالة بصفة
عامة والقضاء بصفة خاصة ،وبالتالي تأثيره على دور القضاء في تخليق الحياة العامة
كأساس لضمان املحاكمة العادلة.
وكنتيجة لذلك فقد نص ميثاق إصالح منظومة العدالة على العديد من إلاجراءات
القانونية لتخليق القضاء ،وهو ما تم صياغته بمشروع القانون التنظيمي للمجلس ألاعلى
للسلطة القضائية ،نسرد أهمها على سبيل املثال ال الحصر:
13
وضع مدونة السلوك ألاخالقية واملهنية من طرف املجلس حيث نصت املادة 99من
املشروع أن املجلس يضع بعد استشارة الجمعيات املهنية للقضاة مدونة لألخالقيات
القضائية تتضمن القيم واملبادئ والقواعد التي يتعين على القضاة الالتزام بها أثناء
ممارستهم ملهامهم ومسؤولياتهم القضائية ،وذلك من أجل:
Øالحفاظ على استقاللية القضاء وتمكينهم من ممارسة مهامهم بكل نزاهة وتجرد
ومسؤولية.
Øصيانة هيبة الهيئة القضائية التي ينتسبون إليها والتقيد باألخالقيات النبيلة للعمل
القضائي والالتزام بحسن تطبيق قواعد سير العدالة.
Øحماية حقوق املتقاضين وسائر مرتفقي القضاء والسهر على حسن معاملتهم في إطار
الاحترام التام للقانون.
Øتأمين استمرارية مرفق القضاء والعمل على ضمان حسن سيره.
وسوف تنشر هذه املدونة في الجريدة الرسمية إلطالع العموم عليها ،كما سيشكل
املجلس لجنة لألخالقيات القضائية تسهر على تتبع ومراقبة التزام القضاة باملدونة
املذكورة[].8
وقد عهد املشروع أيضا للرئيس املنتدب مهمة تتبع وتقدير ثروة القضاة بواسطة
املفتشية العامة للشؤون القضائية وهو ما نصت عليه املادة 111من املشروع حيث يتابع
تأديبيا كل قاض ثبتت زيادة ممتلكاته خالل فترة ممارسة مهامه زيادة ملحوظة ال يستطيع
تبريرها بصورة معقولة[].9
وخالفا ملا هو معمول به حاليا ،نص املشروع على حق القاض ي املتابع في إلاطالع على
الوثائق املتعلقة بملفه التأديبي وأخد نسخ منها ،وإمكانية مؤازرته بواسطة أحد زمالئه أو
بمحامي[ ،]11مع تخويله حق الطعن في املقررات املتعلقة بالوضعية الفردية الصادرة عن
املجلس بسبب الشطط في استعمال السلطة أمام الغرفة إلادارية بمحكمة النقض داخل
أجل ثالثون يوما من تاريخ تبليغها للمعني باألمر[ ،]11لكن هذا الطعن ال يوقف تنفيذها،
بل يمكن للغرفة إلادارية أن تأمر بصورة استثنائية بوقف تنفيذ املقرر املطلوب إيقافه إذا
التمس ذلك منها طالب إلالغاء صراحة ،وما يعاب على هذه املادة التي جاءت كتطبيق ملا
تضمنه الفصل 111من دستور ،2111أنه كيف يتصور إلغاء مقرر صادر عن املجلس
ألاعلى للسلطة القضائية الذي يرأسه عمليا الرئيس ألاول ملحكمة النقض كرئيس منتدب،
14
من طرف مستشاري الغرفة إلادارية بمحكمة النقض والذين يخضعون أيضا لرئاسة
الرئيس ألاول ملحكمة النقض؟ أي بعبارة أخرى ما هو تأثير إلغاء قرار صادر عن الرئيس من
طرف املرؤوس في العالقة بينهما خصوصا على مستوى تنقيط املستشار أو الهيئة التي
قامت بإلغاء القرار؟
خاتمة:
ال شك أن الدستور املغربي الجديد لسنة ،2111وانطالقا من مرجعياته ،قد نص على
استقاللية القضاء والقضاة خدمة لحرية إلانسان وحقوقه أي ضمانا للمحاكمة العادلة،
وتباعا لذلك ،فاستقاللية القضاء تقتض ي لزوما التنصيص على استقاللية القاض ي ال
كشخص بل كفاعل نبيل ترك له املشرع الدستوري ،كلما تم املس باستقالليته ،حق إحالة
ذلك على املجلس ألاعلى للسلطة القضائية؛ هذا علما بأن كل إخالل باالستقاللية اعتبره
النص الدستوري خطأ مهنيا جسيما أو غشا ،ونص كذلك على عقاب الجهة املؤثرة[].12
القاض ي ملزم بتطبيق القانون الذي هو أسمى تعبير عن إرادة ألامة والذي يعتبر املعبر
عن طموحاتها وخيارات نمط عيشها .ينص الفصل 111الفقرة ألاولى ":ال يلزم قضاة
ألاحكام إال بتطبيق القانون وال تصدر أحكام القضاء إال على أساس التطبيق العادل
للقانون" .وفي كل هذا منح النص الدستوري القضاة حق ومسؤولية إصدار ألاحكام
القضائية مع لزوم استحضار الحياد والابتعاد عن الشبهات.
إن ضمان حصول استقاللية السلطة القضائية عن التنفيذية الذي هو شرط العدالة
وا ملساواة ،ولجم الشطط والتسلط ،تجسد في املجلس ألاعلى للسلطة القضائية وهي هيئة
عليا ضامنة الستقاللية سلطة القضاء وكذا تشخيصه للوقوف على مكامن الخلل
وصياغتها في شكل توصيات وتقارير من أجل العمل على تجاوزها بحثا عن الحفاظ على أمن
وسعادة املواطن املغربي وصونا لحقوقه ،هذا دون نسيان تحملها مسؤولية إصدار آراء
مفصلة بطلب من امللك أو الحكومة أو البرملان حول سير القضاء [].13
وتجدر إلاشارة إلى أن السلطة القضائية املغربية تمر بمرحلة جد حساسة ،تتميز
بالنقاش املجتمعي الذي يتركز على مشروعي القانونين التنظيميين للمجلس ألاعلى للسلطة
القضائية والنظام ألاساس ي للقضاة ،بحيث عبرت مجموعة من الهيئات املمثلة للقضاة عن
ارتياحها ودعمها للتقدم الحاصل خاصة فيما يخص الضمانات املمنوحة للقضاة حيث
سيكون بإمكانهم الاستعانة بالدفاع أمام املجلس كما سيصبح بإمكانهم الطعن في مقررات
15
املجلس أمام الغرفة إلادارية بمحكمة النقض وهذا أمر ال يتاح لهم حاليا أمام املجلس
ألاعلى للقضاء .كما أنهم عبروا عن مجموعة من التحفظات والتخوفات من التنزيل الغير
السليم ملقتضيات الدستور وقدموا في ذلك مذكرات يبينوا من خاللها تصوراتهم
ومقترحاتهم كان أهمها هو:
üإقرار مبدأ الانتخاب كأسلوب الختيار الرئيس ألاول ملحكمة النقض والوكيل العام
للملك لديها مع تحديد عدد الواليات تجسيدا ملبدأ ربط املسؤولية باملحاسبة.
üعدم تعيين شخصيات تنتمي إلى إحدى السلطتين في املجلس.
üتمكين املجلس من موظفين تابعين له.
üالعمل على إنشاء مجلس للدولة للطعن في مقررات املجلس بدل الغرفة إلادارية
بمحكمة النقض خصوصا وان رئيس محكمة النقض هو الرئيس املنتدب للمجلس.
وفي ألاخير ال يسعنا إال أن نردد ما قاله جاللة امللك بمناسبة الذكرى 11لعيد العرش
31يوليوز 2113حيث قال " :ما فتئنا منذ تولينا أمانة قيادتك ،نضع إصالح القضاء،
وتخليقه وعصرنته ،وترسيخ استقالله ،في صلب اهتماماتنا ،ليس فقط إلحقاق الحقوق
ورفع املظالم .وإنما أيضا لتوفير مناخ الثقة ،كمحفز على التنمية والاستثمار .وفي هذا
الصدد ،نسجل بارتياح التوصل إلى ميثاق إلصالح املنظومة القضائية .حيث توافرت له كل
الظروف املالئمة .ومن ثم ،فإنه يجب أن نتجند جميعا ،من أجل إيصال هذا إلاصالح
الهام ،إلى محطته النهائية.
ومهما تكن أهمية هذا إلاصالح ،وما عبأنا له من نصوص تنظيمية ،وآليات فعالة،
فسيظل “الضمير املسؤول” للفاعلين فيه ،هو املحك الحقيقي إلصالحه ،بل وقوام نجاح
هذا القطاع برمته".
مشروع قانون تنظيمي رقم 111.13يتعلق باملجلس ألاعلى للسلطة القضائية ،ألامانة
العامة للحكومة (املطبعة الرسمية)-الرباط ]1[1133/2111
دة /نزهة مسافر ،قراءة في مشروع قانون املجلس ألاعلى للسلطة القضائية[]2
][3ـ ينص الفصل 113من الدستور على ما يلي:
يسهر املجلس ألاعلى للسلطة على تطبيق الضمانات املمنوحة للقضاة وال سيما فيما
يخص استقاللهم وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهم وتاديبهم .يضع املجلس الاعلى للسلطة
القضائية بمبادرة منه تقارير حول وضعية القضاء ومنظومة العدالة ويصدر التوصيات
16
املالئمة بشأنها .يصدر املجلس ألاعلى للسلطة القضائية بطلب من امللك أو الحكومة او
البرملان آراء مفصلة حول كل مسألة تتعلق بسير القضاء مع مراعاة مبدأ فصل السلط.
][4ـ املقصود بالقراءة املفهومية ذلك الصنف من أصناف قراءة اللفظ لدى علماء
أصول الفقه الذين يستعملون مفهوم النص أو منطوق النص أو إشارة النص .للتوسع
يرجى الاطالع على كتب أصول الفقه.
][5تنص املادة 32من مشروع قانون تنظيمي رقم 111.13على ما يلي:
طبقا ألحكام الفقرة ألاولى من الفصل 113من الدستور ،يسهر املجلس ألاعلى على
تطبيق الضمانات املمنوحة للقضاة ،ومن أجل ذلك يقوم بتدبير وضعيتهم املهنية وفق
مبادئ تكافؤ الفرص والاستحقاق والكفاءة والشفافية والحياد والسعي نحو املناصفة ،
وكذا املعايير املنصوص عليها في هذا القانون التنظيمي والشروط املحددة في النظام
ألاساس ي للقضاة
][6ـ تنص املادة 92من مشروع القانون التنظيمي اعاله على ما يلي:
يسهر املجلس على ضمان احترام القيم القضائية والتشبث بها وإشاعة ثقافة النزاهة
واتخليق بما يعزز استقالل القضاء .ويتخذ لجل ذلك كل كل ألاجراءات التي يراها مناسبة .
وتطبيقا ألحكام الفقرة الثانية من الفصل 119من الدستور .يجب على كل قاض اعتبر ان
استقالله مهدد أن يحيل ألامر إلى املجلس ألاعلى للسلطة القضائية.
وتنص املادة 111من نفس املشروع على ما يلي:
طبقا ألحكام الفقرة الثانية من الفصل 113من الدستور ،يضع املجلس ألاعلى
للسلطة القضائية بمبادرة منه تقارير حول وضعية القضاة ومنظومة العدالة ،ويصدر
التوصيات املالئمة بشأنها .تتضمن هذه التقارير بصفة خاصة املقترحات الرامية إلى:
ـ دعم حقوق املتقاضين والسهر على حسن تطبيق قواعد سير العدالة
ـ تحسين أداء القضاة
ـ دعم نزاهة واستقالل القضاء
ـ الرفع من النجاعة القضائية
ـ تأهيل املوارد البشرية
ـ تحسين ألاوضاع املادية والاجتماعية للقضاة
[7] -ميثاق إصالح منظومة العدالة الصادر بتاريخ يوليو 2113صفحة 11
17
][8املادة 99من مشروع قانون تنظيمي رقم 13_111املتعلق باملجلس ألاعلى للسلطة
القضائية.
[9] -املادة 111من مشروع قانون تنظيمي رقم 13_111املتعلق باملجلس ألاعلى
للسلطة القضائية.
][10املادة 88من مشروع قانون تنظيمي رقم 13_111املتعلق باملجلس ألاعلى
للسلطة القضائية.
][11املادة 95من مشروع قانون تنظيمي رقم 13_111املتعلق باملجلس ألاعلى
للسلطة القضائية.
][12ينص الفصل " :119يمنع كل تدخل في القضايا املعروضة على القضاء وال يتلقى
القاض ي بشأن مهمته القضائية أي أوامر أو تعليمات وال يخضع ألي ضغط.
يجب على القاض ي ،كلما اعتبر استقالله مهددا ،أن يحيل ألامر إلى املجلس ألاعلى
للسلطة القضائية.
يعد كل إخالل من القاض ي بواجب الاستقالل والتجرد خطأ مهنيا جسيما ،بصرف
النظر عن املتابعات القضائية املحتملة .يعاقب القانون كل من حاول من حاول التأثير على
القاض ي بكيفية غير مشروعة ".
][13ينص الفصل " :113يسهر املجلس ألاعلى للسلطة القضائية على تطبيق
الضمانات املمنوحة للقضاة وال سيما فيما يخص استقاللهم وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهم
وتأديبهم .يضع املجلس ألاعلى للسلطة القضائية،بمبادرة منه ،تقارير حول وضعية القضاء
ومنظومة العدالة ،ويصدر التوصيات املالئمة بشأنها.
يصدر املجلس ألاعلى للسلطة القضائية ،بطلب من امللك أو الحكومة أو البرملان ،آراء
مفصلة حول كل مسألة تتعلق بسير القضاء مع مراعاة مبدأ فصل السلط".
18
- 3أثر املعلوميات يف جمال القضاء
_تطبيق على كتابة الضبط_
الفصل األول:
تقديم
املعلوميات ظاهرة تقنية تترتب عليها آثار اقتصادية واجتماعية وقانونية ،فخالل هذا القرن
عرفت الحياة في مختلف مجاالتها تطورا هائال في استعمال املعلوميات التي أضحت أداة
فعالة في إنجاز مختلف ألاعمال والخدمات.
ولم تخرج املجاالت القانونية والقضائية عن هذا التطور خاصة بالنسبة للدول املتقدمة
حيث عرف التوثيق القانوني آلالي تطورا استطاعت بواسطته التغلب على الكثير من
الصعوبات والعراقيل التي تقف في وجه السير العادي ملختلف املجاالت القانونية
والقضائية.
وبالدنا أخذت في بداية العقد ألاخير تميل إلى استعمال املعلوميات في محيط عملها القانوني
والقضائي على الخصوص ،ورغم ذلك فما يزال أمامها طريق طويل وطويل جدا لتطوير هذا
الاستعمال باعتماد التقنيات املعلوماتية في تسيير عملها القضائي سواء على مستوى العمل
في املؤسسات القضائية أو على مستوى التشريع والاجتهاد.
والخطر الذي يهددنا من جراء عدم ألاخذ باستعمال التقنيات ال يتمثل في تأخرنا عن الركب
بالنسبة لدول العالم فحسب ولكن أيضا في التطور الهائل والسريع الذي يعرفه العالم
الجديد في مجال املعلوميات مقارنة مع بطء حركتنا في هذا املجال.
وألن أجيال الحاسوب تتعاقب بسرعة مدهشة .ومع التطور السريع واملتتابع في ابتكار أجيال
جديدة في عالم الحاسوب سنكون ال محالة في مؤخرة الركب إن لم نتدارك ألامر بالسرعة
املطلوبة.
فإذا كانت مؤسسات كثيرة مالية وتجارية وصناعية أخذت تطور عملها باعتمادها على
املكننة واستعمال املعلوميات وحققت بذلك ربحا في الجهد والوقت فإن مؤسستنا
القضائية اليوم مضطرة إلى استعمال هذه التقنيات في سير عملها ليس فقط في مجال
التشريع والاجتهاد والتأهيل فحسب بل في إلادارة القضائية ككل (املحاكم مثال) بدءا من
19
تسجيل القضايا على تنظيم الجلسات وتسجيل ألاحكام والقرارات وتدوين البيانات وأقسام
الحفظ وحركة املوظفين وألاعوان وامليزانية والتجهيز.
فال أحد منا يجهل مدى ما تعرفه محاكمنا من تضخم في عدد القضايا ،فعلى سبيل املثال
أصبح رقم ما يسجل يتخطى املليون قضية في السنة الواحدة .وال نجهل ما يساور
املتقاضين من رغبة في الحصول على نتائج سريعة عندما يلتجئون إلى القضاء .واستعمال
التقنيات الحديثة وإدخال املكننة في أعمال محاكمنا من شأنه أن يخفف العبء الثقيل
امللقى على عاتق عدالتنا.
وفيما يلي بعض الصور عما يحصل في بعض الدول املتقدمة كالواليات املتحدة ألامريكية
وفرنسا في مجال التوثيق القضائي آلالي من جهة ،وفي مجال املحاكمات والتأهيل القضائي
من جهة ثانية:
-ففي مجال التوثيق آلالي :على سبيل املثال ،هناك معهد فيدرالي للتأهيل القضائي بوالية
كولورادو يتلقى باستمرار آخر الاجتهادات القضائية من املحاكم الفيدرالية خالل مدة ال
تتعدى ستين دقيقة من صدورها ليجعلها رهن إشارة منتسبي املعهد وأساتذته وكذا رهن
الاتصال. بشبكة املرتبطة املحاكم باقي إشارة
وفي زيارتنا فرنسا حضرنا جلستي محاكمة ألاولى جنائية والثانية مدنية تتم عبر الاتصال
التلفزيوني visioconférenceبين قاعتين ألاولى بباريس وألاخرى بسان بيير وال حاجة إلى
التنقل إذا ما رض ي املتقاضون وقبلوا املحاكمة على هذا النحو وذلك تالفيا ألعباء التنقل
إلى مسافات بعيدة عن باريس.
هذه الطريقة وفرت لوزارة العدل بفرنسا عدة ماليين من ألاورو كانت تصرف لنقل
السجناء من سان بيير إلى باريس كما سهلت ألامر على ألاطراف ومحاميهم من جراء التنقل
والتكاليف علما أن هنا رحلة واحدة كل أسبوع بين باريس وسان بيير.
إن تعميم هذه الوسائل سيجعل من السهل ربط الاتصال بين املحاكم وإلادارة القضائية
بوجه عام لتبادل املعلومات وتبادل الخبرات والاستفادة من تجارب آلاخرين.
إن تطور ألانظمة املعلوماتية واتساع شبكاتها وخلق أنظمة جديدة ومتطورة خالل آماد
قريبة زمنيا جعل تبادل املعلومات بين مختلف الدول وفي مختلف املجاالت أمرا ميسورا ملن
رغب في تحقيق ذلك.
-وفي مجال التشريع :تعرف التشريعات حركة دائبة ،وأمام كثرة النصوص القانونية
واختالف موضوعاتها ،واعتبارا لحاجة جهاز العدل والقضاء للتعامل مع مختلف تلك
النصوص ،ال بد من التفكير في تيسير طريقة التعامل هذه بتقريبها إلى القاض ي ورجل
21
القانون عن طريق التخزين املبوب ومكننة وسائل العمل وهو دور املعلوميات القانونية كما
سنرى الحقا.
المبحث األول :المعلوميات في مجال التشريع واالجتهاد القضائي
إن أهمية املعلوميات في ميدان التشريع تكمن في أن الباحث القانوني مهما كانت موهبته
وعبقريته سيبقى عمله مضنيا ومتعبا أمام تراكم املعلومات وذلك في غياب إلامكانيات التي
أخذت توفرها املعلوميات القانونية في املساعدة على إنجاز ألابحاث والدراسات .والقيام
بعملية جمع املراجع وسائر الوثائق التي يتعين الاعتماد عليها أخذ يستغرق وقتا طويال في
الظروف الراهنة ،كما يسبب إرهاقا تتجلى انعكاساته على مستوى البحث القانوني،
فالوقت لم يعد كافيا إلنجاز البحث على الوجه املطلوب بالوسائل التقليدية كما أن
املشاكل الحالية املتعلقة بالبحث القانوني في الجهاز القضائي قد تكون حاجزا في الوصول
إلى حل سريع للنزاعات القضائية.
وتكتس ي املعلوميات القانونية أهمية بالغة في الوقت الذي تكون فيه املقتضيات القانونية
التي تغير أو تعدل القانون املوجود تتضاعف بسرعة هائلة .والواقع أن ظاهرة إصدار تدفق
القوانين تشكل إحدى العقبات الرئيسية التي تقف أمام إدارة قضائية سريعة وتحول دون
إلاحاطة املتطلبة بالقانون ،فمجموع النصوص القانونية التي يجب أن يعرفها رجل القانون
كثيرة جدا .فلم يعد إذن مستغربا أن تصبح أجهزة الحاسوب مساعدة وحتى بديلة لإلنسان
في بعض ألاحيان في أن تعمل على معالجة واستغالل املعطيات الحالية ومالءمتها للحالة
الراهنة.
وتنبغي إلاشارة إلى أن إلاحصائيات القانونية بواسطة الحاسوب (املعلوميات إلاحصائية
القانونية) ال تخلو بدورها من أهمية في مستوى البحث امليداني وإلاحاطة بالظاهرة
القانونية أو القضائية املدروسة ،وهكذا تسمح هذه ألاخيرة مثال بمعرفة ألاحكام أو القرارات
الصادرة عن املحاكم ومقارنتها والتعرف على القضايا املزمنة وسير مساطرها.
المبحث الثاني :المعلوميات في مجال التأهيل القانوني والقضائي
لقد تم إدخال املعلوميات إلى الكثير من القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في
بالدنا بحيث أن التكوين في مؤسسات علمية كاملعهد الوطني لإلحصاء والاقتصاد التطبيقي
واملدرسة املحمدية للمهندسين وكليات العلوم أخذت طريق تطبيقه الصحيح .ولم تخف
مؤسسات التعليم القانوني والقضائي من جهتها ضرورة التعامل مع هذه التقنيات الجديدة.
والواقع أن إدخال املعلوميات في برامج التعليم القانوني والتأهيل القضائي ،سواء تعلق
ألامر باملعلوميات القانونية في معناها الضيق أو في معناها الواسع الذي تلحق به معلوميات
تسيير املؤسسات القانونية والقضائية ،قد عرف طريقه إلى "مستوى التخصص في السلك
الثالث " .
21
وفي إطار هذا الاهتمام العلمي باملعلوميات ،نشير إلى أن بالدنا أخذت تتطلع وبشكل جدي
إلى تدريس املعلوميات القانونية في كليات الحقوق واملعهد الوطني للدراسات القضائية وباقي
املعاهد واملدارس املتخصصة.
ويتطلب تدريس املعلوميات القانونية تعاونا متبادال بين املهتم باملعلوميات ورجل القانون.
فكما ال يمكن للمختص في املعلوميات في إطار إنجاز بعض التطبيقات القانونية أن يعمل
بدون التعرف على حاجة املشتغل بالقانون وبدون أعمال تحضيرية يتم إعدادها من قبل
هذا ألاخير ،فكذلك الشأن حينما يتعلق ألامر بتدريس املعلوميات القانونية وذلك لكون
مادة القانون هي املنطلق والهدف .لذلك يتعين في نظرنا أن يسند تدريس مادة املعلوميات
القانونية أمام ندرة املتخصصين في املعلوميات القانونية ،إلى من يهتم بعالقة املعلوميات
بالقانون سواء كان قانونيا أو مختصا في املعلوميات.
من جهة أخرى فاهتمامنا بتطوير أساليب العمل في جهاز العدالة ومكننته ،وألاخذ بأحدث
الوسائل في إلادارة القضائية وسير املحاكم مرتبط أساسا بتطوير أساليب التأهيل القضائي.
فالعنصر البشري يعتبر إلادارة ألاساسية في العمل بالنسبة لجهازنا القضائي ،فما زالت
عدالتنا تعتمد إلى حد كبير في إنجاز أعمالها على اليد العاملة .وهذا يتطلب إعداد ألاطر
وتأهيلها بكيفية تجعلها قادرة على مواكبة املستجدات .فتأهيل كل من رجال القضاء ،أطر
وموظفي كتابة الضبط ومساعدي القضاء أضحى أمرا حتميا إذا كنا نرغب أو نسعى لتطوير
هذا الجهاز وأساليب التأهيل هي نفسها غذت خاضعة للتطور ،هذا التطور الذي غزا كل
امليادين.
واستعمال املعلوميات في مجال التأهيل القضائي يتطلب دراسة تقنية لآلليات التي يمكن
استعمالها وللمجاالت الضرورية التي يمكن أن تتفاعل مع تلك آلاليات .على أن عصرنة
أساليب التأهيل تدعونا إلى العناية بتطوير املكونين أنفسهم أي أولئك الذين يوكل إليهم
تأهيل أطرنا القضائية وألاطر إلادارية العاملة في محيط العدالة ككل وكذلك بتطوير
ألاساليب املعتمدة كما هو الشأن لدى بعض الدول التي أصبحت تعتمد الوسائل السمعية
البصرية في هذا املجال وأصبحت املعلومات التي يتلقاها الخاضعون للتأهيل مشاهدة لهم
عن قرب حيث يعيشون وقائع حية وكأنهم داخل قاعة من قاعات جلسات الحكم في أكبر
املحاكم ،ثم يخضعون هذه الوقائع للتحليل واملناقشة.
كما أن تجميع الاجتهادات القضائية واملذكرات التي تحفظ عادة بأرشيف املحاكم في جهاز
كمبيوتر وجعلها رهن إشارة طالبنا من شأنها أن تساعدهم كلما كانوا في حاجة إليها.
22
ويتطلب ألامر ضرورة إعطاء محاضرات في املعلوميات القانونية وتيهئ الطلبة القضاة وأطر
وزارة العدل وتدريبهم على استعمال الحاسوب وجميع آلاليات ألاخرى املمكن استخدامها في
هذا املجال .
فالعمل داخل املؤسسة القضائية عمل متكامل ،وكل واحد من هؤالء له ضلع في إنجازه،
حتى أولئك الذين ال ينتسبون عضويا إلى وزارة العدل نجد عملهم ذا صلة لصيقة بالعمل
القضائي.
الفصل الثاني :مكننة المعطيات القضائية( :نموذج المعالجة بواسطة الحاسوب)
أمام التزايد الهائل في حجم املعلومات التي هي ظاهرة تعرفها جميع إلادارات واملؤسسات،
أصبحت الحاجة ماسة إلى البحث عن أنجع وسيلة تقنية ملعالجة املعطيات .وتتمثل هذه
الوسيلة في الوقت الراهن في املعلوميات ،التي تعني معالجة املعلومات بشكل آلي أي
الحاسوب. بواسطة
وقد غزت املعلوميات جميع املرافق واملؤسسات الخصوصية والعمومية بما فيها جهاز
القضاء .وقد أخذنا نلمس بالفعل انعكاسات املعلوميات في معالجة القانون وفي تسيير هذا
الجهاز.
لذلك وبعد أن نعطي فكرة عامة عن املعالجة املعلوماتية في هذا املجال بصورة مجردة
كنموذج نظري (في مبحث أول) نتعرض إلى واقع استعمال املعلوميات في الجهاز القضائي
ثان). مبحث (في املغربي
المبحث األول :تحديد المعالجة المعلوماتية للمعطيات القضائية
تتمثل املعطيات القضائية في القاعدة القانونية التي قد تكون نصا قانونيا أو حكما قضائيا
أو غيرهما من مصادر القانون والتي يتعين تطبيقها مرورا باإلجراءات التي يجب مراعاتها في
سير القضايا .وبعبارة أخرى إن املعالجة آلالية للمعطيات القضائية تصنف إلى صنفين هما:
ن َ ُ
تع َّرف باملعلوميات القانونية. •املعالجة آلالية ملصادر القانو و
َ َّ ُ
•املعالجة آلالية للتسيير القضائي و تعرف باملعلوميات القضائية.
أوال :املعلوميات القانونية
انطالقا من أن املعلوميات هي معالجة املعلومات بواسطة الحاسوب ،يمكن تحديد
املعلوميات القانونية في أنها املعالجة آلالية للمعلومات القانونية املتمثلة في مصادر القانون.
وتكتس ي املعلوميات القانونية أهمية بالغة إذ أنها تمكن من السيطرة على تدفق محتوى
التنظيمات القانونية الغزيرة ،والتغلب على التعرجات القضائية .فالهدف هو ممارسة
سلطة نشر قواعد القانون بدون أي اضطراب محتمل وصياغة قرارات قضائية أكثر مالئمة
مع الوسط الذي يجب تنظيمه ،وبالتالي تمكين الباحثين ومطبقي القانون من تتبع التطور
السريع الذي تعرفه التشريعات في جميع امليادين الاجتماعية والاقتصادية
23
.وترجع أهمية هاته املصادر من جهة إلى تكاثر النصوص التشريعية والتنظيمية كنتيجة
لتدخل الدولة في كل املجاالت ،ومن جهة ثانية إلى ألاهمية الخاصة التي يكتسيها القضاء .
والواقع أن املعلومة القانونية في مفهومها الحالي يصعب التوصل إليها حتى من قبل
الباحثين املختصين ألن فيها ثغرات لم تنشر أو أمامها حواجز أو أن مناهج تقديمها ليست
منسجمة.
وإن نطاق املعلوميات القانونية يتحدد بطبيعة الحال في املعلومات القانونية والتي تتمثل
كما هو معروف في مصادر القانون.
فالقاعدة القانونية املطبقة تنشأ من مصادر أصلية (التشريع والعرف ومبادئ القانون
الطبيعي وقواعد العدالة) ،وتفسيرية (القضاء والفقه).
واملعالجة املعلوماتية للقانون تتم انطالقا من خالل معالجة مصادره في العصر الحديث
أصلية كانت أو تفسيرية .وألامر يتعلق بطبيعة الحال بالتشريع والقضاء والفقه دون العرف
.وكل واحد من املصادر الرئيسية هو مجموع ملصادر ثانوية .فالتشريع يغطي مثال الدستور
واملعاهدات الدولية املصادق عليها والقوانين واملراسيم والقرارات.
من املعلوم أن هناك طريقتين للمعالجة في مادة املعلوميات:
- 1تقنية النص الكامل بالنسبة للنص التشريعي أو التنظيمي
2-تقنية املوجز بالنسبة للحكم أو القرار القضائي باإلضافة إلى كلمات مفتاح Mots
clés .
ويبدو أن التقنية ألاخيرة ،رغم تكلفتها هي التي تبنتها أهم املراكز في مجال املعلوميات
القانونية.
24
إن ألاحكام أو القرارات القضائية املنشورة خصوصا هي املصدر القانوني الذي يمكن
معالجته بسهولة ملالءمته مع التحليل .فالقرارات القضائية مهيكلة ودقيقة بحيث
أنه من القرار املحرر بصورة جيدة يمكن استخراج املفاهيم التي يرتكز عليها بمجرد
القراءة البسيطة .فالناشرون يضبطون تقنية تقليدية للقرارات القضائية معلنة
بواسطة مجموعة من الكلمات املجردة املصحوبة بملخصات واملعالجة املعلوماتية
لالجتهاد القضائي ال تتطلب إذن إال ضبط وتوحيد الكلمات املفتاح التي تتألف من
كلمات مجردة باإلضافة إلى ملخص للحكم أو القرار ويمكن اختياريا تسجيل النص
الكامل للقرار الذي يكتس ي أهمية خاصة.
ثانيا :املعلوميات القضائية
ُ َ َّ ُ
واملعلوميات القضائية هي املعلوميات الخاصة بتسيير املحاكم ،وهي تعرف أيضا
بمعلوميات التسيير القضائي .غير أنه يعبر عنها في أغلب ألاحيان وبكل اختصار
املعلوميات القضائية .ويمكن التعرف على مفهوم هذه املادة ومضمونها باستعراض
ما تعرفه من أنواع :
- 1معلوميات قضائية نوعية Informatique spécifiquement judiciaireوتهتم
باملسائل التالية:
•خلق جذاذيات كبرى مرتبطة بالنشاط القضائي (مثل جذاذيات السجل
العدلي).
•مساعدة التسيير باملحاكم (كتابة الضبط ،ألاوامر الجنائية)...
2-معلوميات إدارية تقليدية تتعلق بمصالح إلادارة املركزية (تسيير املوظفين،
إلاحصائيات )...أو املؤسسات السجنية.
واملعلوميات القانونية عرفت قبل املعلوميات القضائية التي تعبر عن معلوميات
التسيير وتترجم غزو فكرة التسيير في عالم القضاء .والجدير بالذكر أن هذه ألاخيرة
قد أقحمت في بنيات مصالح وزارة العدل بالدول ألاجنبية املتقدمة بصورة خاصة.
فقد أخذت تتطور مثال في فرنسا ابتداء من التوجيهات املحددة سنة 1929والتي
تأكدت في التطبيق منذ ذلك الحين .أما املعلوميات القانونية فقد لوحظ تطبيقها
منذ بداية الستينات على ألاقل في الواليات املتحدة
وعادة ما تدمج عملية إلاحصائيات القانونية أو القضائية على مستوى املحاكم في عملية
التسيير نظرا لالرتباط الوثيق بينهما .ولقد عملت وزارة العدل على استغالل املعطيات
إلاحصائية بالدرجة ألاولى نظرا ملا يكتسيه إلاحصاء من أهمية خاصة في صنع القرار
إلاداري.
25
وترجع أهمية معالجة إلاحصائيات بواسطة املعلوميات بطبيعة الحال إلى قصور
إلاحصائيات اليدوية في تلبية حاجيات املستعملين في جميع القطاعات الاجتماعية
والقانونية والاقتصادية.
ويسمح استغالل إحصاء القضايا بواسطة الحاسوب في امليدان القضائي بصورة خاصة
بتخفيف عبء ألاعمال املتكررة ومعرفة ألاحكام الصادرة عن مختلف املحاكم ومقارنتها
قصد الوقوف على مدى تقاربها أو تباعدها .كما يسمح هذا التطبيق من إعطاء معطيات
دقيقة تساهم في حسن التخطيط وتوزيع ألاطر إلادارية والقضائية ويمكن أيضا الباحثين
القانونيين من دراسة مختلف الظواهر القانونية والاقتصادية والاجتماعية التي تمر أمام
املحاكم
.
)(...
إعداد:ذ/مودام زكرياء وذ/رضوان بلهيص ي
26
•كل ذلك جعل منه محط عناية خاصة وتقدير من طرف املجتمع الدولي ،مما ادى الى
استقطاب استثمارات داخلية و خارجية.
•و من اجل مواكبة التطور الاقتصادي الذي يعرفه العالم فقد اتخذت عدة تدابير إلصالح
الاطار القانوني و املؤسساتي لالستثمارات لتشجيع املبادرات الخاصة للمستثمرين املغاربة و
الاجانب من خالل دعم مسلسل العالقات املالية مع الخارج وتشجيع القطاعات املنتجة
على الانفتاح على العالم الخارجي
•كما قامت الدولة املغربية باصالحات هيكلية في كافة القطاعات الانتاجية
و هكذا صدرت
• :مدونة التجارة
•كما أحدثت محاكم تجارية مختصة
•وقانون التجمعات الاقتصادية ذات املنفعة العامة
•وقانون تحرير الاسعار و املنافسة
•وقانون حماية امللكية الفكرية الصناعية
•مدونة الشغل
•قوانين إصالح البورصة و املؤسسات املالية
•ميثاق الاستثمار يهم املقاوالت الصغيرة و املتوسطة
• إلاصالح الضريبي و الجمركي
•صدرت مجموعة من القوانين تهم الاستثمار تحت إشراف السيد الوزير الاول.
و من جهة أخرى فقد تم احدات مجموعة من املراكز الجهورية لالستثمار ( الشباك الوحيد
لخلق املقاوالت
و وكالة وطنية للمحافظة العقارية
•واكبت هذا الاصالح الذي يندرج في إطار تهيئة املناخ املالئم لالستثمار ترسانة قانونية -كما
سبقت الاشارة اليها من قبل -لتقوية الحماية القضائية في مجال الاعمال.الن املطلوب من
القاض ي في ظل هذه التغيرات الكبرى التي تعرفها البشرية في الالفية الثالثة ان يكون هو
املحرك لالنتاج عوض ان يبقى الحارس على القانون وعلى تفسيره
27
•كما أضحت هذه املبادرات التلقائية ايضا ضرورية لتوسعة إطار العالقات التجارية
الدولية و عوملة الاقتصاد و ارتفاع وثيرة املنافسة و الاكراهات التي تتطلبها ضمان الجودة.
•أخذ املغرب بعين الاعتبار في سياسته الاقتصادية والقضائية إلاكراهات املتعلقة بسنة
2111و ما تتطلبه السياسة الجديدة لحسن الجوار مع الاتحاد ألاوروبي و خاصة في بعدها
الاقتصادي.
•و من اهم التدابير املتخذة في مجال الدعم و التشجيع لالستثمارات نشير الى :
إحداث املحاكم التجارية سنة 1998وذلك من أجل تمكين اململكة املغربية من مؤسسات
قضائية مختصة في أعلى مستوياتها للبث في النزاعات التجارية.
•ونذكر من بين القضايا التي ثبت فيها املحـ ــاكم التجارية و املرتبطة مباشرة باملناخ
الاقتصادي على سبيل املثال ألاوامر باألداء التي تصدر بشأن الكمبياالت والتي تكتس ي
سرعة في البث باعتبار أن هذه القضايا تعمل على تحريك عجلة الاقتصاد.
•وتشكل هذه القضايا ما يعادل %12.82من مجموع القضايا املسجلة باملحاكم التجارية.
•تجدر الاشارة الى ان هذه املحاكم تبث في قضايا صعوبة املقاولة ،خاصة املقاوالت ذات
ألانشطة املهمة و التي ال تدخل ضمن اختصاص املحاكم العادية التي تقتصر على البث في
القضايا الغير التجارية
بيانات وإحصائيات عن القضاء املغربي
•املحاكم العادية
28
oاملحكمة العسكرية
•محاكم الجماعات و املقاطعات(قضاء القرب حاليا)
o 706محكمة جماعية
o 131محاكم مقاطعة.
•املعهد العالي للقضاء
•مديرية السجون ( 51مؤسسة سجنية )
• 3000قاض ي
• 18000موظف
•ثالثة ماليين قضية مسجلة سنة 2115
•حكم منها خالل نفس السنةنحو111/81
•مجموعة من الحواسب 1911حاسوب
•تم تكوين 5211قاضيا و موظفا في إطار الشراكة بين وزارة الع ــدل و املكتب الوطني
للتكوين املنهي على أساس أن املشروع يهدف الى تكوين 8111قاض ي و موظف.
املشاريع املمولة من طرف الشركاء (صندوق النقد الدولي والاتحاد الاوروبي وأمريكا)
لتحديت وعصرنة القضاء املغربي
مشروع البنك الدولي 21مليار درهم
يخص هذا املشروع :
oتحديث املحاكم التجارية لتقوية مؤهالت التدبير داخل النظام القضائي و السجل
التجاري
oتحسين إلاطار التشريعي و التنظيمي لألنشطة التجارية وفض النزاعات
oتقوية مؤهالت التكوين و التدبير داخل املعهد العالي للقضاء
oتقوية القدرات التواصلية داخل وزارة العدل.
مشـ ــروع الوكالـة الامريكي ــة USAID= 50مليار درهم
•يقدم املشروع دعما للمحاكم التجارية لجهة سوس ماسة درعة و املصالح املركزية ،و
يضم هذا املشروع
oتحيين القوانين التنظيمية التي تهم امليدان التجاري و ألاعمال.
oتحسين آليات العمل القضائي باعتماد نظام جديد لإلحصائيات القضائية.
29
oتحسين أداء املحاكم التجارية ألكادير و مراكش و محكمة الاستئناف التجارية بمراكش (
التجهيز – التكوين في املعلوميات و املكتبيات).
مشروع ميدا = MEDA 350مليار درهم ملدة 33شهرا
•تحسين املؤهالت البنيوية و التنظيمية ل 11محكمة
oتحديث آليات العمل
oتسريع املساطر و الاجراءات من اجل بث سريع للقضايا
oتسهيل تتبع القضايا بالنسبة للمتقاضين
oتقديم معلومات ذات جودة عالية للمتقاضين
oالرفع من مستوى املعرفة القانونية
oآليات فعالة لإلطالع و ألارشيف
•يتعلق الامر بإنشاء 3وحدات
oبنية تحتية و معلوماتية
نظام معلوماتي مدمج
*تدبير القضايا
*قاعدة املعطيات القانونية و القضائية
تجهيز خمس مراكز جهوية لألرشفة
نظام مكتبي لتدابير الوثائق
إنشاء شباك للشكايات و املعلومات
تنظيم حمالت تحسيسية للمستعملين و املتقاضين.
oالتكوين
oالتقوية املؤسساتية ( وضع نظام معلوماتي مؤسساتي قضائي).
مشروع ميدا MEDA :تدبير القضايا
•خلق نظام معلوماتي مدمج يتكون من نظام مرجعي و نظام لتدبير القضايا يعتمد على
بنية تحتية تقنية مالئمة
oإعادة تأهيل البنيات التحتية (الشبكة الكهربائية واملعلوماتية) داخل املحاكم
oربط الشبكة املعلوماتية و نظام الاتصال الشامل
oاقتناء 1111حاسوب :من أجل نشر الثقافة املعلوماتية
31
استغالل التطبيقات املعلوماتية املحدثة باملحاكم
إعادة تنظيم وتوحيد العمل بصناديق املحاكم
oخلق برنامج معلوماتي لتدبير املساطر املدنية و الجنائيـ ـ ــة و الصندوق مع إبالء اهتمام
لقضاء الاسرة.
املحاكم املعنية بالتحديث
مشروع ميدا :قاعدة املعطيات القضائية و القانونية
•إنشاء قاعدة بيانات قانونية و قضائية للعموم عن طريق شبكة الانترنيت تتضمن:
oالنصوص القانونية الجاري بها العمل
oالقوانين و املساطر
oاختيار الاجتهادات القضائية ( املجلس الاعلى محاكم الاستيناف و محاكم أخرى).
مشروع ميدا :الربا ئد أو الارشفة
•إحداث نظام خاص باالرشيف
oخلق و تجهيز 5مراكز جهوية للحفظ و ألارشفة
oخلق وظيفة خاصة باألرشفة
oخلق ميثاق ألارشفة
oإحداث نظام معلوماتي لتدبير الارشيف بطريقة أتوماتيكية.
مشروع ميدا :نظام الوثائق
•خلق نظام معلوماتي خاص بالوثائق يتضمن ثالث محاور :
oالتنظيمي :إنشاء مراكز للمعلومات و الوثائق وهو عبارة عن شبكة وحدات وثائقية.
oاملنهي( يهم الوثائق) :مساعدة الوحدات في اختيارها للوثائق التي يتم اقتناؤها و السهر على
عقلنة و ترشيد نفقاتها
oالجانب املعلوماتي التجهيزي و اللوجستيكي :تمكين مركز املعلومات و الوثائ ـ ــق القضائية و
الوحدات الوثائقية من برامج معلوماتية و تجهيزات أخرى
مشروع ميدا :شباك الشكايات و املعلومات
•إنشاء شبابيك للشكايات و املعلومات القضائية داخل املحاكم من اجل تسهيل التواصل
مع املستعملين داخل املحاكم
oمصلحة الاستقباالت
31
oإنشاء نقط الانطالق الخاصة بمختلف املساطر
مشروع ميدا :الاخبار و التحسيس
•تنظيم حملة إخبارية و تحسيسية للمستعملين و املتقاضين
oتنظيم حملة إخبارية و تحسيسية داخلية لفائدة املستعملين
oتنظيم حملة إخبارية و تحسيسية خارجية لفائدة املستعملين و املتقاضين و املواطنين.
مشروع ميدا :التكوين
•يهدف الى تأهيل آليات التدبير املعلوماتي للقطاع القضائي و كذا البث املستمر و املعصرن
للمعلومات القضائية .
•ألاهداف الرئيسية للتكوين هي :
oتمكين تبادل املؤهالت و املعارف التقنية للفرق التقنية بالوزارة و باملحاكم
oخلق فريق تقني للمكونين بوزارة العدل و داخل املحاك ــم و باملديريات الفرعية الاقليمية
oمن أجل إحداث مشروع تحديث مقبول من طرف جميع املتدخلين و املساهمين في
القطاع و الحد من ظاهرة مقاومة التغيير.
oجعل هذه آلالية املعلوماتية كآلية عمل يومية.
مشروع ميدا :التقوية املؤسساتية
•تهدف الى إعادة تنظيم الوظيفة ( الاخبار و إدراج املعلوميات باملحاكم ) داخل وزارة العدل
من اجل مواصلة أشغال التحديث و ذلك بعد انتهاء مشروع ميدا :
oمن خالل التعريف التنظيمي للوظيفة ( إخبار و إدراج املعلوميات داخل املحاكم )
oإنشاء مرجع موحد للمساطر و توصيف املهام داخل املحكمة
oالتتبع و املساعدة من أجل إنشاء النظام الجديد
برنامج ميدا :التنظيم
املحاور الكبرى
•البنية التحتية و التجهيز
oتأهيل البنية التحتية الكهربائية
oبرنامج الشبكة املعلوماتية داخل املحاكم
oخلق شبكة تواصلية شاملة خاصة بالصوت و املعطيات
oاقتناء 5111حاسوبا مخصصا :
32
لنشر الثقافة املعلوماتية
الستغالل البرامج املعلوماتية املنجزة من طرف الوزارة و املثبتة بمختلف املحاكم.
•إحداث برنامج معلوماتي مدمج للتدبير على مستوى املصالح املركزية و الوحدات إلاقليمية
و يهم :
oتدبير املوارد البشرية
oتدبير الصفقات العمومية و امليزانية
oتدبير املمتلكات و العقارات
oتدبير املتطلبات و الصفقات العمومية
oتدبير املراسالت
•إحداث نظام معلوماتي خاص باملحاكم ( املعالجة املعلوماتية للمهام – إعادة تصورها في
إطار مشروع ميدا).
oتدبير السجل التجاري
oتدبير كتابة الضبط
oتتبع التبليغ و التنفيذ
oتدبير صناديق املحاكم
التكنولوجيا الجديدة للتواصل و إلاعالم
*كتابة الضبط الرقمية*
الشفافية و الانفتاح على املواطن
حواسيب مخصصة للمواطنين من اجل الاطالع على السجل التجاري و القضايا الخاصة
بهم.
املحاور الكبرى
•التدبير املعلوماتي للسجل العدلي
•الانفتاح على املواطن عن طريق :
oنشر املعلومات القضائية:
معلومات عملية على املوقع
خدمات إلكترونية عبر الانترنيت ( مثل السجل العام التتبع و الاطالع عن بعد على
القضايا)
33
نشر و تعميم الاجتهادات القضائية (عن طريق الانترنيت أو الاقراص املدمجة)
حدود الاطالع على املعلومات داخل املحاكم
oإحداث أو خلق عالقة تفاعلية مع املتقاضين من خالل
تعميم الرسائل إلالكترونية ( قضاة و كتاب الضبط )
إنشاء مركز استقبال املكاملات
تجريد املساطر و تطوير آليات املساطر عن بعد.
•تأسيس ثقافة تواصلية جديدة من خالل :
oإحداث شبكة داخلية ( أنترا نيت ) من أجل:
العمل التشاركي ( فضاء للحوار و التعاون من أجل معالجة النصوص )
تبادل التجارب و الخبرات في مجال الاجتهاد القضائي بالنسبة للقضاء.
•الانفتاح على الشركاء عن طريق التبادل الالكتروني للمعلومات
مراكز جهوية لالستثمار
oالبنوك ،مساعدي القضاء (محامون و مفوضون قضائيون).
oالخزينة العامة ،الجمارك....
مشاريع إلادارة الالكترونية املحدثة من طرف وزارة العدل
•الاعالن الالكتروني عن طلبات العروض
oتبني املوقع إلالكتروني املنشأ من طرف وزارة الاقتصاد من اجل التعاون في الاستثمار
املعتمد من طرف الادارة
•الاعالن عن نتائج املباريات املنظمة من طرف وزارة العدل باملوقع.
•التنسيق بين الخريطــة القضائية و الخريطة الادارية للمملكة
•املعاينة إلالكترونية للسجل التجاري
•التتبع إلالكتروني للملفات القضائية
•التتبع إلالكتروني لتنفيذ ألاحكام من طرف مؤسسات التأمين
•السحب إلالكتروني للسجل العدلــي
•القضاء الالكتروني املتعدد القنوات
املواقع القيادية املعتمدة لإلدارة إلالكترونية
•املحكمة التجارية بالدار البيضاء ( السجل التجاري)
34
•املحكمة التجارية بالرباط
•املحكمة الابتدائية بالدار البيضاء – أنفا
oتنفيذ ألاحكام الصادرة في مواجهة شركات التأمين (تضم جميع القضايا الصادرة عن
محاكم اململكة)
استبيانات توضيحية
•السجل التجاري إلالكتروني
•املعاينة إلالكترونية مللفات كتابة الضبط
•الخريطة إلالكترونية
•القضاء إلالكتروني متعدد القنوات
السجل التجاري إلالكتروني :خصوصياته
•معلومات عملية :مرشد خاص باملعلومات
•املعلومات والارشادات
oإرشادات قضائية حول السجل التجاري املسجل :مع آخر وضعية للسجل املذكور
السجل التجاري إلالكتروني :خصوصياته
oمعلومات عامة حول :
الرهن
الحجز
الاحكام
البيع و التعرض عليه
oمعلومات مالية :يتعلق الامر باملعلومات الخاصة بالحسابات الختامية للشركات ،بالنظام
ألاساس ي للشركات و بتوزيع الرأسمال،ألاصول و الخصوم .
السجل التجاري في سطور
•تصنيف مختلف ألانشطة التي تتطلب الترخيص بالعمل
•نماذج :إمكانية تحميل النماذج إلكترونيا املستعملة في إطار التسجيالت و التعديالت و
التشطيبات .
•أرقام أساسية :إحصائيات خاصة بنشاط السجل التجاري.
•أسئلة و أجوبة :معالجة الحاالت الاستثنائية
35
•تحقيق العينات إلكترونيا حول الخدمات املقدمة .
تدبير كتابة الضبط
•مرشد املساطر :وصف مفصل ملختلف مصالح كتابة الضبط
•تتبع امللفات املسجلة بكتابة الضبط
•معلومات عاملة حول امللف عن طريق رقمه أو أطراف الدعوى /مختلف الجلسات و
التدابير املتخذة لغاية الحكم النهائي وعلى مستوى كل مرحلة .
•ألاحكام :يتعلق الامر بخالصة ألاحكام الصادرة.
•ألاوامر باألداء :معلومات شاملة حول الامر باألداء.
•الحجوزات :معلومات حولها
•التبليغات و التنفيذات :تتبع مختلف إلاجراءات املتخذة بشأنها.
•مساعدي القضاء :جداول املحامون و الخبراء
•أرقام مهمة :إحصائيات حول نشاط كتابة الضبط
مكتب التبليغات و التنفيذات القضائية
•معاينة مآل ألاحكام املنطوق بها في مواجهة شركات التأمين.
الخريطة القضائية إلالكترونية
ألاهداف
•تقديم مساعدة للمواطنين و املتقاضين في تحديد املحاكم املختصة
•تقديم آليات للمساعدة في اتخاذ القرارات من أجل تحديد الخريطة القضائية املالئمة
للمملكة
الخريطة إلالكترونية
القضاء إلالكتروني املتعدد القنوات
ألاهـ ــداف :
•الحصول على املعلومة من أجل استفادة أكبر عدد ممكن من املتقاضين عن طريق تنويع
وسائل التواصل
oالانترنيت
oالرسائل إلالكترونية
oالرسائل الهاتفية
36
oموزع صوتي صوتي تفاعلي -الفاكس
•إضافة وسائل أخرى للتواصل
oالنشر و البث
نشر الرسائل إلاخبارية املتنوعة ( رسائل هاتفية – الفاكس – الرسائل إلالكترونية)
oتنبيه
تنبيه حول وضعية حكم أو عقد جلسة ووسائل أخرى
oعند الطلب
معاينة عند الطلب عبر جميع القنوات
oما بين القنوات
إرسال مقاالت باستعمال قناة و استقبال الجواب عبر قناة أخرى.
من الحكومة إلالكترونية إلى الحكومة املتعددة القنوات
مالحظات
o 100 %من مجموع القضايا املسجلة باملحاكم التجارية يمكن معاينتها عبر الانترنيت
o 100 %من إلارشادات املتعلقة باألشخاص املعنوية يمكن معاينتها من خالل شبكة
الانترنيت.
•الخدمات إلالكترونية
•معاينة السجل التجاري.
oبالدار البيضاء
oالرباط
oمراكش
oآكادير
oمكناس
•الخدمات إلالكترونية
oمعاينة ملفات كتابة الضبط
oاملحكمة التجارية بالدار البيضاء بالدار البيضاء
oاملحكمة التجارية الرباط
oاملحكمة التجارية مراكش
37
عناوين للمواقـع إلالكترونية
oمحكمة الاستئناف بفاس
oمحكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء
oاملحكمة التجارية مكناس
oاملحكمة التجارية باكادير
oاملحكمة الابتدائية بالدار البيضاء أنفا
oاملحكمة الابتدائية بالرباط
oمعاينة مكتب التبليغات و التنفيذات القضائية
oالخريطة القضائية إلالكترونية.
•الانترنيت املتحرك
oمعاينة السجل التجاري بالدار البيضاء
oمعاينة ملفات كتابة الضبط
oاملحكمة التجارية بالدار البيضاء
oاملحكمة التجارية بالرباط
oاملحكمة التجارية بالدار البيضاء أنفا
oمعاينة مكتب التبليغات و التنفيذات القضائية
التدابير الضرورية للمواكبة
•قانون التوقيع إلالكتروني
•القيمـ ـ ــة القانونية للوثائق عبر الانترنيت ( نسخة الحكم الشواهد نموذج ً ج ً)
•إنشاء نظام سيكما SIGMAعلى مستوى تمويل الخدمات الخاصة بنظام إلانذار املقدمة
من طرف املحاكم.حيث يمكن ارسال رسالة الكترونية émailاو رسالة عبر الهاتف النقال
SMSالى املحامي املشترك بالنظام الخباره بمآل الاجراءات املتخذة في امللفات التي ينوب فيها
oتمويل الخدمات الخاصة بنظام إلانذار املقدمة من طرف املحاكم
oإحداث تكوين ملساعدي القضاء
•مشروع اتفاق مع نقابات املحامين
•تنظيم تكوين للمتقاضين
•تنظيم تكوين للموظفين و القضاة
38
عوامل نجاح املشروع
•حركية تحديث معلنة
•إلادارة السياسية لتسريع وثيرة التحديث
•املوارد املالية املتوفرة
oمشروع ميدا 35مليار درهم
oالحساب الخاص للوزارة
•الانخراط الفعلي ملختلف الفاعلين في هذا الحقل
النتائ ــج املنتظرة
•عدالة أكثر سرعة
•شفافة
•منتظرة
•ذات مصداقية
•تخصيص الخدمات
•املنتوج بأقل تكلفة مع الرفع من مستوى جودة الخدمات لصالح املواطن و املقاوالت
إعداد:ذ/محمد برادة غزيول
39
-5اجلرمية املعلوماتية يف التشريع
املغربي
أفرزت العقود ألاخيرة ثورة من نوع آخر متعلقة بوسائل الاتصال واملعلومات ،نتيجة
التطور الذي تجسد أساسا في انتشار أجهزة حاسب آلي ذات مستوى عالي متطورة بشكل
مستمر ،وبرامج متقدمة ،وشبكات اتصال قربت ماليير البشر بعضهم البعض،وأتاحت
فرصا جديدة لإلطالع على املعلومات وتبادلها ،وحتى التفاوض وإبرام عقود مختلفة
خصوصا عبر شبكة الانترنت ،بل ألاكثر من ذلك يمكن عبر هذه ألاخيرة تسليم املنتجات
كالبرامج أو القطع املوسيقية أو الصحف الالكترونية أو تقديم الخدمات مثل الاستشارات
القانونية أو الطبية.
لكن ما دامت الجريمة ظاهرة اجتماعية ،تتأثر طبيعتها وحجمها بالتحوالت الاقتصادية
والاجتماعية والثقافية دوليا ووطنيا ،فقد ظهر للوجود نمط جديد من إلاجرام ،تجسد في
انتشار الجرائم املعلوماتية أو الالكترونية ،والتي تعتبر من أكبر السلبيات التي خلفتها الثورة
املعلوماتية ،لكون هذه الجرائم تشمل في اعتداءاتها قيما جوهرية تخص ألافراد
واملؤسسات وحتى الدول في كافة نواحي الحياة ،كما أن هذه الجرائم تركت في النفوس
شعورا بعدم الثقة بخصوص التعامل والاستفادة من ثمار هذه الثورة الجديدة.
وأمام هذا الوضع املقلق اهتم املجتمع الدولي بمسألة مكافحة الجريمة املعلوماتية ،وفي
هذا الصدد نشير إلى أن منظمة ألامم املتحدة قد أولت مسألة مواجهة الجرائم املعلوماتية
ً
اهتماما كبيرا خصوصا خالل مؤتمر ألامم املتحدة العاشر ملنع الجريمة ومعاملة املجرمين
الذي انعقد في فيينا أيام 12 – 11ابريل ،2111وكذلك خالل مؤتمر ألامم املتحدة الحادي
عشر ملنع الجريمة والعدالة الجنائية الذي انعقد في بانكوك أيام 25-18ابريل ])1[(.2115
ومن ناحية أخرى قامت اللجنة ألاوربية بشأن مشاكل الجريمة ولجنة الخبراء في مجال
جرائم الحاسب آلالي بإعداد مشروع إتفاقية دولية تتعلق بجرائم الحاسب آلالي ،وقد أعلن
املجلس ألاوربي مشروع هذه الاتفاقية في 22ابريل ,)]2[(2111وأكد املجلس
املذكور([)]3أن الاعتداءات الحديثة على مواقع إلانترنت التجارية ]1[،هي التي لفتت نظر
41
املجتمع الدولي إلى املخاطر والتحديات التي تواجهها الشبكة الدولية للمعلومات وشبكات
الحاسب آلالي ،وأن الجرائم املعلوماتية أصبحت قبل أي وقت مض ى تهدد بشكل واضح
التجارة واملصالح الحكومية ،وعليه فقد بادر املجلس ألاوربي إلى وضع مشروع إتفاقية
خاصة بجرائم الحاسب آلالي ,مع ألاخذ في الاعتبار الطابع الدولي الذي يميز هذه النوعية من
الجرائم([ ,)]5وبعد سنة ونصف تقريبا من املناقشات والتعديالت على هذا املشروع ّ
تم
التوقيع على اتفاقية بودابست بتاريخ 23نوفمبر 2111بشأن إلاجرام الكوني([)]3أو
ً
املعلوماتي إيمانا من الدول ألاعضاء في املجلس ألاوربي والدول ألاخرى املوقعة على هذه
الاتفاقية بضرورة مواجهة هذا النمط الجديد من إلاجرام([.)]2ونشير إلى أن هذه الاتفاقية
تتكون من ثمان وأربعين مادة موزعة على أربعة أبواب ,يعالج الباب ألاول منها استخدام
املصطلحات ،أما الباب الثاني فهو مخصص لإلجراءات الواجب اتخاذها على املستوي
الوطني ،سواء من الناحية املوضوعية أو إلاجرائية ،أما الباب الثالث فقد تم تخصيصه
للتعاون الدولي في حين يتعرض الباب الرابع فقد تعرض للشروط الختامية.
وكما هو الحال في كل دول العالم استفحلت الجريمة املعلوماتية في اململكة املغربية خالل
العقود ألاخيرة ،وأصبح القضاء املغربي في محك حقيقي ،عندما وضعت أمامه قضايا تتعلق
بالجرائم املعلوماتية ،ومن أمثلة هذه القضايا التي طرحت على املحاكم املغربية نجد أول
قضية ذات عالقة باإلجرام املعلوماتي سنة 1985بشأن تسهيل مستخدمي املكتب الوطني
للبريد واملواصالت لتحويالت هاتفية لفائدة بعض املشتركين بصورة غير مشروعة ،ولقد
توبع املتهمون بمقتض ى الفصول 212و211و218و251و 129من مجموعة القانون الجنائي
املغربي ،وقد تمت إلادانة في املرحلة الابتدائية على أساس الفصل 521املتعلق باالختالس
العمدي لقوى كهربائية ،في حين تمت تبرئتهم في مرحلة الاستئناف])8[(.
كما أدانت نفس املحكمة في قضية أخرى حائزا لبطاقة الائتمان وألاداء استعملها بصورة
تعسفية ،وذلك استنادا للفصلين511و 521من مجموعة القانون الجنائي املتعلقين
بالنصب وخيانة ألامانة ،حيث تمت إدانتهم بثالثة سنوات حبسا ،لكن القضاء أالستئنافي
برا ساحة املتهم بحجة أن العناصر املكونة لهذه الجرائم ال تتوفر في النازلة املعروضة])9[(.
وتبقى قضية فيروس ZOTOBمن أشهر القضايا التي عرضت على القضاء املغربي ،نظرا
لحجم الخسائر الناجمة عن ألافعال املجرمة ،وكذا لكون املواقع املعتدى عليها خاصة
بالكونجرس الامريكي ،وكذا موااقع مؤسسات إعالمية ضخمة بالواليات املتحدة ألامريكية،
41
باإلضافة ملوقع مطار سان فرانسيسكو ألامريكي ومواقع عديدة ملستعملي windows2000...
وقد اتهم في هذه القضية الشاب املغربي فريد الصبار(18سنة)كمتهم رئيس ي ،ومتهم ثان
أشرف بهلول(21سنة) ،وقد وجهت لهما تهمة تكوين عصابة إجرامية(افصل 293من
مجموعة القانون الجنائي)،وتهمة السرقة املوصوفة(الفصل519من م ق ج م)،وتهمة
استعمال بطاقات ائتمان مزورة(الفصل331من م ق ج م)،وتهمة الولوج غير املشروع لنظم
املعالجة آلالية للمعطيات وتزوير وثائق معلوماتية(الفصول 312-3و.)..312-2وقد أدانت
غرفة الجنايات الابتدائية ،بملحقة محكمة الاستئناف بسال ،فريد الصبار بسنتين حبس
نافذا ،كما قضت بالحبس سنة واحدة في حق اشرف بهلول ،لكن القرار الاستئنافي خفض
العقوبة إلى سنة واحدة حبسا نافذا في حق فريد الصبار،و3اشهر في حق اشرف
بهلول])11[(.
إذن أمام إلاشكاليات التي كان يجدها القاض ي املغربي ،وخصوصا وجود فراغ تشريعي في
مجال مكافحة الجرائم املعلوماتية ،اضطر املشرع املغربي إلى سن تشريعات حديثة أو
إضافة نصوص أخرى ملجموعة القانون الجنائي املغربي تتالءم وخصوصية الجريمة
املعلوماتية ،وبالفعل شهد العقد الحالي طفرة تشريعية غير معهودة ،شملت عموما كل ما
يتعلق بالتكنولوجيات الحديثة لإلعالم والاتصال([ ،)]11لكن ما يهمنا هو تلك التشريعات
أو النصوص املستحدثة ملكافحة الجرائم املعلوماتية.
وحتى نعالج بشكل شمولي التجربة التشريعية املغربية في هذا املجال ،ارتأينا أوال أن نعرض
ملسألة مواجهة الجرائم املعلوماتية في ضوء مجموعة القانون الجنائي املغربي(املحور ألاول)،
قبل التطرق ملوضوع مواجهة الجرائم املعلوماتية في ضوء التشريعات املغربية ذات العالقة
باملعامالت الالكترونية(املحور الثاني).
املحور ألاول مواجهة الجريمة املعلوماتية في ضوء مجموعة القانون الجنائي املغربي
أوال -القانون املغربي رقم 121-3املتعلق باإلخالل بسير نظم املعالجة آلالية للمعطيات
(الفصول 312-3إلى 312-11من مجموعة القانون الجنائي املغربي)
اتخذت الجريمة املعلوماتية في اململكة املغربية خالل العقود ألاخيرة صورا متعددة ،مما
دفع املشرع إلى سن تشريع مهم ،لكونه صدر لسد الفراغ التشريعي في مجال مكافحة
42
الجرائم املعلوماتية ،وهو القانون رقم 12-13بشأن تتميم مجموعة القانون الجنائي فيما
يتعلق باإلخالل بسير نظم املعالجة آلالية للمعطيات ،ويحتوي هذا القانون على تسعة
فصول(من الفصل 312-3إلى الفصل 312-11من مجموعة القانون الجنائي
املغربي)([ .)]12وأول ما يالحظ هو عدم قيام املشرع املغربي بوضع تعريف لنظام املعالجة
آلالية للمعطيات ،ويبدو أن املشرع قصد ذلك ,بحيث ترك ذلك للفقه والقضاء ،هذا ألاخير
املكلف بتطبيق بنود هذا التشريع ،ثم إن املجال املعلوماتي هو مجال حديث ومتجدد،
ً
وبالتالي فإن أي تعريف يتم وضعه قد يصبح متجاوزا فيما بعد ,في ضوء التطور املذهل
لقطاع تكنولوجيات الاتصاالت واملعلومات ،وعليه ،فقد أحسن املشرع املغربي عند عدم
وضعه لتعريف خاص بنظام املعالجة آلالية للمعطيات.
وعند رجوعنا للقانون الفرنس ي مثال بشأن الغش املعلوماتي لسنة ،)]13[(1988نالحظ أن
هذا التشريع كذلك لم يحدد مفهوم نظام املعالجة آلالية للمعطيات ،بل اقتصر على بيان
أوجه الانتهاكات املتعلقة بهذا النظام وعقوباتها.
ولعل القراءة الشمولية ملقتضيات هذا التشريع املغربي تمكننا من حصر ألافعال املجرمة
التالية:
1-الدخول الاحتيالي إلى مجموع أو بعض نظام للمعالجة آلالية للمعطيات.
2-البقاء في نظام للمعالجة آلالية للمعطيات بعد الدخول خطأ فيه.
3-حذف أو تغيير املعطيات املدرجة في نظام املعالجة آلالية للمعطيات أو التسبب في
اضطراب في سيره.
4-العرقلة العمدية لسير نظام املعالجة آلالية للمعطيات أو إحداث خلل فيه.
5-إدخال معطيات في نظام للمعالجة آلالية للمعطيات أو إتالفها أو حذفها منه أو تغيير
املعطيات املدرجة فيه ،أو تغيير طريقة معالجتها أو طريقة إرسالها بشكل احتيالي.
6-التزوير أو التزييف لوثائق املعلوميات أيا كان شكلها إذا كان من شان التزوير أو التزييف
الحاق ضرر بالغير.
7-استعمال وثائق معلوميات مزورة أو مزيفة.
8-صنع تجهيزات أو أدوات أو إعداد برامج للمعلوميات أو أية معطيات أعدت أو اعتمدت
خصيصا ألجل ارتكاب هذه الجرائم أو تملكها أو حيازتها أو التخلي عنها للغير أو عرضها رهن
إشارة الغير.
43
9-محاولة ارتكاب الجرائم املذكورة.
10-املشاركة في عصابة أو اتفاق ألجل إلاعداد لواحدة أو أكثر من هذه الجرائم])11[(.
*قراءة تحليلية لنصوص القانون املغربي رقم12-13
ينص الفصل 312-3على ما يلي (يعاقب بالحبس من شهر إلى ثالثة أشهر وبالغرامة من
2111إلى 11111درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل من دخل إلى مجموع أو بعض
نظام املعالجة آلالية للمعطيات عن طريق الاحتيال.
ويعاقب بنفس العقوبة من بقي في نظام للمعالجة آلالية للمعطيات أو في جزء منه ,كان قد
دخله عن طريق الخطأ وهو غير مخول له حق دخوله.
تضاعف العقوبة إذا نتج عن ذلك حذف أو تغيير املعطيات املدرجة في نظام للمعالجة
آلالية للمعطيات ,أو اضطراب في سيره).
إذن نالحظ أن الفقرة ألاولى من هذا الفصل ,تجرم الدخول إلى مجموع أو بعض نظام
املعالجة آلالية للمعطيات ،لكن يجب أن يتم ذلك عن طريق الاحتيال ،وعليه فإن اشتراط
هذا ألاخير لقيام الجريمة ,يعني أن الجريمة هنا عمدية ،ثم إن املشرع املغربي لم يشترط في
هذا النص القانوني كون النظام محميا أم ال ،ولم يشترط حدوث النتيجة إلاجرامية.
وعليه ،فاملشرع يجرم كل حالة يدخل فيها شخص إلى نظام املعالجة آلالية للمعطيات ،
ً
وبالتالي ففعل الدخول وحده بدون حق مجرم قانونا ،وقد عاقب املشرع املغربي مقترف
هذه الجريمة – حسب الفقرة ألاولى من الفصل – 312-3بالحبس من شهر إلى ثالثة أشهر
وبالغرامة من 2111إلى 11111أو بإحدى هاتين العقوبتين.
أما الفقرة الثانية من الفصل 312-3فتعاقب على البقاء في النظام املعلوماتي أو في جزء
منه ,إذا كان دخول الجاني لهذا النظام قد تم عن طريق الخطأ ,وهو غير مخول له حق
دخوله ،ويعاقب على هذه الجريمة بنفس العقوبة املقررة في الفقرة ألاولى.
أما الفقرة الثالثة من نفس املادة فتضاعف العقوبة املقررة ،إذا نتج عن فعل الدخول أو
البقاء حذف أو تغيير املعطيات املدرجة في نظام املعالجة آلالية للمعطيات أو اضطراب في
سيره])15[(.
أما الفصل 312-1فينص على ما يلي:
(دون إلاخالل باملقتضيات الجنائية ألاشد ,يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين
وبالغرامة من 11111إلى 111111درهم كل من ارتكب ألافعال املشار إليها في الفصل
44
السابق في حق مجموع أو بعض نظام للمعالجة آلالية للمعطيات يفترض أنه يتضمن
معلومات تخص ألامن الداخلي أو الخارجي للدولة أو أسرارا تهم الاقتصاد الوطني.
دون إلاخالل باملقتضيات الجنائية ألاشد ,ترفع العقوبة إلى الحبس من سنتين إلى خمس
سنوات وبالغرامة من 111111إلى 211111درهم إذا نتج عن ألافعال املعاقب عليها في
الفقرة ألاولى من هذا الفصل تغيير املعطيات املدرجة في نظام للمعالجة آلالية للمعطيات أو
حذفها أو اضطراب في سير النظام ,أو إذا ارتكبت ألافعال من طرف موظف أو مستخدم
أثناء مزاولة مهامه أو بسببها ,أو إذا سهل للغير القيام بها).
إذن ,نالحظ بأن املشرع املغربي من خالل هذا الفصل في فقرته ألاولى ,قد حدد عقوبة أشد
ً
من تلك الواردة بالفصل السابق ،وهذا طبيعي نظرا لقيمة املعلومات محل الحماية
الجنائية ،حيث إنها تتعلق باألمن الداخلي أو الخارجي للدولة أو متعلقة بأسرار مرتبطة
باالقتصاد الوطني ،فمثل هذه املعلومات يمثل الاعتداء عليها اعتداءا على مقومات الدولة
من الناحية السياسية ,أو الاجتماعية ,أو الاقتصادية.
وقد شدد املشرع العقوبة في حالة ما إذا أدى فعل الدخول ,أو البقاء غير املشرع داخل
النظام ،إلى تغيير أو حذف املعطيات أو اضطراب في سير النظام ،وتشدد العقوبة كذلك في
حالة ارتكاب ألافعال املذكورة في الفقرة ألاولى من الفصل 312-1من طرف موظف أو
مستخدم أثناء مزاولة مهامه أو بسببها .وقد حدد املشرع العقوبة في مثل هذه الحاالت ،في
الحبس من سنتين إلى خمس سنوات والغرامة من 111111إلى 211111درهم كما جاء في
الفقرة الثانية من الفصل ،1/312في حين أن الفقرة ألاولى حددت العقوبة في الحبس من
ستة أشهر إلى سنتين والغرامة من 11111إلى 111111درهم مغربي.
أما الفصل 312-5فينص على ما يلي:
(يعاقب بالحبس من سنة إلى ثالث سنوات وبالغرامة من 11111إلى 211111درهم أو
ً
بإحدى هاتين العقوبتين كل من عرقل عمدا سير نظام للمعالجة آلالية للمعطيات أو أحدث
فيه إخالال)
يالحظ أن هذا الفصل قد عاقب على عرقلة سير نظام املعالجة آلالية للمعطيات ،والعرقلة
ً
قد تتخذ صورا كثيرة منها :إرسال الفيروسات املدمرة للمعطيات املوجودة داخل النظام،
وقد حدد املشرع عقوبة هذا الفعل في الحبس من سنة إلى ثالث سنوات والغرامة من
111111إلى 211111درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين .ويبدو جليا من خالل هذا الفصل
45
أن املشرع املغربي اشترط العمد لقيام الجريمة ,وبالتالي البد أن تتجه إرادة الجاني إلى
عرقلة سير نظام املعالجة مع علمه بذلك.
ومن ناحية أخرى عاقب املشرع املغربي كذلك من خالل هذا الفصل على فعل إحداث خلل
ً
في نظام للمعالجة آلالية للمعطيات ،والخلل قد يتخذ صورا متعددة من بينها بطئ عمل
النظام املعلوماتي أو توقف املعالجة آلالية للمعطيات ،ويعاقب على هذا الفعل بنفس
العقوبة املقررة للعرقلة.
أما الفصل 312-3فينص على ما يلي:
)يعاقب بالحبس من سنة إلى ثالث سنوات والغرامة من 11111إلى 211111درهم أو
بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل من أدخل معطيات في نظام للمعالجة آلالية للمعطيات
غير طريقة معالجتها أو طريقة غير املعطيات املدرجة فيه ،أو ّ أو أتلفها أو حذفها منه أو ّ
إرسالها عن طريق الاحتيال(.
يبدو أن املشرع املغربي-في رأينا -سار على نهج املشرع الفرنس ي املذكور سلفا ,والذي خصص
ً
املادة 323-3لتجريم إدخال معطيات غشا داخل نظام املعالجة آلالية للمعطيات أو حذف
أو تعديل هذه املعطيات املوجودة داخل هذا النظام )]13[(.لكن املالحظ هو أن املشرع
جرم كذلك مسألة تغيير طريقة معالجة أو إرسال املغربي من خالل الفصل ّ 312-3
املعطيات عن طريق الاحتيال .وقد حدد املشرع عقوبة الجريمة املذكورة في هذا الفصل في
الحبس من سنة إلى ثالث سنوات والغرامة من 11111إلى 211111أو إحدى العقوبتين.
وملواجهة ظاهرة التزوير املعلوماتي جرم املشرع املغربي فعل تزوير أو تزييف الوثائق
املعلوماتية ,إذا أدى ذلك إلى إحداث ضرر بالغير ،بحيث إن الفصل 312-2نص على ما
يلي:
)دون إلاخالل باملقتضيات الجنائية ألاشد ,يعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات
وبالغرامة من 11111إلى 1111111درهم كل من ّزور أو زّيف وثائق املعلوميات أيا كان
شكلها إذا كان من شأن التزوير أو التزييف إلحاق ضرر بالغير.
دون إلاخالل باملقتضيات الجنائية ألاشد ،تطبق نفس العقوبة ،على كل من استعمل
وظائف املعلوميات املشار إليها في الفقرة السابقة وهو يعلم أنها مزورة او مزيفة(.
يبدو من خالل الفصل املذكور ,أن جريمة التزوير املعلوماتي هي جريمة عمدية ,سواء تلك
املذكورة في الفقرة ألاولى ,والخاصة بتزوير أو تزييف الوثيقة املعلوماتية إذا كان ذلك يضر
46
بالغير ،أو تلك املذكورة في الفقرة الثانية ,والخاصة باستعمال الوثيقة املعلوماتية املزورة,
مع العلم بطبيعتها املزورة أو املزيفة.
·ومن وجهة نظرنا نرى أنه يحسب للمشرع املغربي أن استغل فرصة إصدار تشريع
ً
معلوماتي ،ووضع نصا قانونيا يجرم فيه التزوير الالكتروني أو املعلوماتي ،ألنه قبل صدور
هذا القانون لم يكن من املمكن باملغرب الحديث عن تزوير إال في ظل كتابة تقليدية ،أما
آلان فإن القضاء املغربي يملك آلية قانونية يمكن بموجبها متابعة الجاني الذي زور وثائق
معلوماتية ،ثم إن النص لم يحدد شكل هذه الوثائق ،وبالتالي يمكن – بدون شك –
املتابعة عن فعل صنع بطاقات الائتمان املزورة ,أو التزوير في مجال العقود إلالكترونية
وغيرها … فكل ذلك يصب في إطار توفير حماية قانونية للمعامالت إلالكترونية.
أما فيما يخص املحاولة أو الشروع في الجرائم الواردة بهذا القانون ،فقد جعل املشرع
ً
املغربي عقوبة املحاولة مماثلة لتلك املطبقة على الجريمة التامة ،ويبدو ذلك جليا من خالل
الفصل 312-8الذي ينص:
(يعاقب على محاولة ارتكاب الجنح املنصوص عليها في الفصول 312-3إلى 312-2أعاله
والفصل 312-11بعده بالعقوبة املطبقة على الجريمة التامة).
أما الفصل 312-9فينص على ما يلي:
( تطبق عقوبة نفس الجريمة املرتكبة أو العقوبة املطبقة على الجريمة ألاشد على كل من
اشترك في عصابة أو اتفاق تم ألجل إلاعداد لواحدة أو أكثر من الجرائم املنصوص عليها في
هذا الباب إذا تمثل إلاعداد في فعل أو أكثر من ألافعال املادية)([])12
يبدو من صياغة نص الفصل املذكور ,أن الاشتراك في عصابة أو اتفاق لإلعداد لجريمة أو
أكثر من الجرائم الواردة في هذا القانون ،يجب أن يظهر من خالل فعل أو أفعال مادية،
ومن بين ألامثلة الواقعية لذلك نجد مثال إعداد فيروس مخصص لتدمير نظام ملعالجة
املعطيات أو إعطاء كروت بنكية ملزور من أجل فك شفراتها.
ونشير إلى أن جريمة الاشتراك في عصابة أو اتفاق ,واملذكورة في الفصل ،312-9يجب أن
يتوافر فيها العمد لقيامها ,وبالتالي البد أن تتجه إرادة الجاني إلى النشاط الحقيقي للعصابة
أو ذلك الاتفاق.
أما الفصل 312-11فينص على ما يلي (يعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات
والغرامة من 51111إلى 2111111درهم كل من صنع تجهيزات أو أدوات أو أعد برامج
47
للمعلوميات أو أية معطيات أعدت أو اعتمدت خصيصا ألجل ارتكاب الجرائم املعاقب عليها
في هذا الباب أو تملكها أو حازها أو تخلي عنها للغير أو عرضها أو وضعها رهن إشارة الغير)
وقد اختتم املشرع املغربي الباب العاشر الخاص باملس بنظم املعالجة آلالية للمعطيات
بالفصل 312-11والذي ينص على:
(يجوز للمحكمة مع مراعاة حقوق الغير حسن النية أن تحكم بمصادرة ألادوات التي
استعملت في ارتكاب الجرائم املنصوص عليها في هذا الباب واملتحصل عليها منها.
يمكن عالوة على ذلك الحكم على الفاعل بالحرمان من ممارسة واحد أو أكثر من الحقوق
املنصوص عليها في الفصل 11من هذا القانون ملدة تتراوح بين سنتين وعشر سنوات.
يمكن أيضا الحكم بالحرمان من مزاولة جميع املهام والوظائف العمومية ملدة تتراوح بين
سنتين وعشر سنوات وبنشر أو بتعلق الحكم الصادر باإلدانة).
إن هذا النص يعطي للمحكمة الحق في إمكانية الحكم بمجموعة من العقوبات
التكميلية([ )]18كمصادرة ألادوات املستعملة في ارتكاب الجرائم املشار إليها في هذا القانون
أو ألادوات املتحصل عليها من هذه الجرائم ،ويمكن للمحكمة كذلك بموجب الفقرة الثانية
من الفصل 312-11الحكم على الجاني بالحرمان من ممارسة الحقوق الواردة في الفصل
)]19[(11من القانون الجنائي املغربي ملدة تتراوح بين سنتين وعشر سنوات .ولإلشارة فان
هذه الحقوق تتجلي في الحقوق الوطنية أو املدنية أو العائلية املنصوص عليها في الفصل
])21[( .23
ويمكن للمحكمة كذلك الحكم على الجاني بالحرمان من مزاولة أية وظيفة عمومية ملدة
تتراوح بين سنتين إلى عشر سنوات .وكذلك يمكن للمحكمة بعد صدور الحكم أن تحكم
بنشر أو تعليق الحكم الصادر باإلدانة.
*وفي ألاخير نرى أن مصطلح ألادوات الوارد في الفصل املذكور ,يعني في اللغة املعلوماتية كل
ما هو مادي ،دون أن يشمل ذلك البرامج املعلوماتية والتي تكون دائما أكثر قيمة وأهمية.
ثانيا -القانون املغربي رقم 13-13املتعلق بمكافحة إلارهاب([()]21الفصول218-1الى218-9
من مجموعة القانون الجنائي املغربي)
فطن املشرع املغربي لخطورة انتشار إلاجرام املعلوماتي وأثر ذلك على امن واستقرار املجتمع
املغربي ،وقد ظهر ذلك مع عرض مشروع القانون املتعلق باإلرهاب على مجلس الوزراء
48
بتاريخ 13يناير ،)]22[(2113حيث وردت ألول مرة إلاشارة إلى إمكانية ارتكاب أفعال
إجرامية إرهابية عن طريق املعالجة آلالية للمعطيات])23[(.
وما يلفت النظر هو أن القانون املغربي رقم 13-13املتعلق باإلرهاب يعد أول تشريع مغربي
يشير بشكل صريح لإلجرام املعلوماتي كوسيلة للقيام بأفعال إرهابية لها عالقة عمدية
بمشروع فردي أو جماعي يهدف إلى املس الخطير بالنظام العام بواسطة التخويف أو
الترهيب أو العنف ،فالفصل 218-1حدد بعض ألافعال املجرمة على سبيل الحصر ،من
بينها الجرائم املتعلقة بنظم املعالجة آلالية للمعطيات(الفقرة ،)]21[()2وذلك بعد محاولة
تحديد مفهوم إلارهاب في مستهل هذا الفصل.
لكن إلاشارة في الفقرة 2من الفصل 1-218إلى الجرائم املتعلقة بنظم املعالجة آلالية
للمعطيات كنمط من أنماط الجرائم إلارهابية طرح في ذلك الوقت التساؤل حول ألاساس
القانوني للجرائم املتعلقة بنظم املعالجة آلالية للمعطيات ،بحيث أن القانون الجنائي
املغربي لم يكن يحتوي على تكييفات خاصة بهذا النوع من الجرائم ،لذلك أسرع املشرع
املغربي بتبني قانون خاص بهذا النمط الجديد من الجرائم ،حيث تم ذلك عبر القانون –
الذي تمت دراسته سلفا -رقم 12-13املتعلق باإلخالل بسير نظم املعالجة آلالية
للمعطيات ،وبالتالي أصبح هذا القانون بمثابة مرجعية قانونية للفصل 218-1من قانون
إلارهاب ،يراعي خصوصية إلاجرام املعلوماتي بفضل صدور التشريع املغربي الجديد رقم-31
12املذكور سابقا.
وباستقراء القانون املغربي املتعلق بمكافحة إلارهاب نستشف أن املشرع عاقب من خالل
الفقرة)]25[(8من الفصل 1-218على كل تزوير أو تزييف للشيكات أو أي وسيلة أداء أخرى
تمت إلاشارة إليها في املادتين313و 331من مدونة التجارة املغربية .وبرجوعنا للمادة 331من
املدونة املذكورة نجدها متعلقة بموضوع الدراسة ،بحيث فرضت العقوبات املنصوص عليها
في املادة 313في حالة تزوير أو تزييف وسيلة أداء ،أو استعمالها أو محاولة ذلك ،وحتى
قبول ألاداء-عن علم-بوسيلة أداء مزيفة أو مزورة.وبطبيعة الحال يدخل ضمن وسائل ألاداء
املشار إليها وسائل ألاداء الحديثة مثل بطاقات الدفع الالكتروني.
ومما تجدر إلاشارة إليه عند الحديث عن القانون املغربي رقم 13-13املتعلق بمكافحة
إلارهاب أن الفصل 218-2منه عاقب على استعمال وسائل إلاعالم ومنها الالكترونية في
إلاشادة باألعمال إلارهابية ،وقد حدد الفصل املذكور العقوبة في الحبس من سنتين الى
49
ست سنوات وبغرامة بين 11أالف و 211ألف درهم)]23[(.ومعلوم أن وسائل إلاعالم
الالكترونية متعددة من أبرزها الشبكة الدولية للمعلومات-الانترنت-.
ثالثا-القانون رقم 21-13املتعلق بتعزيز الحماية الجنائية للطفل واملرأة()]22[(.الفصل-1
513والفصل 513-2من مجموعة القانون الجنائي املغربي)
لقد شكلت سنة 2113مصادفة محطة زمنية لالهتمام باإلجرام املعلوماتي باملغرب ،بحيث
تم تمت إضافة جديدة للترسانة التشريعية املغربية فيما يخص مكافحة هذا النمط
الجديد من الجرائم ،بحيث صدر في نفس السنة القانون رقم 21-13املتعلق بتعزيز
الحماية الجنائية للطفل واملرأة ،وقد عمل هذا التشريع على تغيير وتتميم بعض نصوص
مجموعة القانون الجنائي املغربي خصوصا فيما يخص الجرائم املاسة بنظام ألاسرة
وألاخالق العامة])28[(.
وباستقراء مقتضيات هذا التشريع ،نالحظ ان هناك فصلين مرتبطين بموضوع هذه
الدراسة ،وهما الفصل 513-1والفصل ،513-2فالفصل 513-1من املجموعة الجنائية
املغربية مأل فراغا تشريعيا ،بحيث عاقب على جريمة التحرش الجنس ي .وفي رأينا قد جاء
هذا النص بصيغة تسمح للقاض ي بتطبيقه على كل صور التحرش الجنس ي التي تقع عبر
وسائل الاتصال الحديثة كاالنترنت.وقد حدد هذا الفصل العقوبة من سنة الى سنتين
حبسا والغرامة من خمسة أالف إلى خمسين الف درهم])29[(.
أما الفصل 513-2من املجموعة الجنائية املغربية فقد جرم كل صور التحريض أو
التشجيع أو تسهيل استغالل أطفال تقل سنهم عن ثمان عشرة سنة في مواد اباحية ،وهو
ما يصطلح عليه في مجال القانون املعلوماتي بالبورنوغرافية الطفولية([ )]31التي تستخدم
فيها الوسائل املعلوماتية بشكل مكثف ،والحقيقة يحسب للمشرع املغربي انه استغل
فرصة إصدار القانون رقم 21-13بإضافة هذا الفصل املهم بعقوبات مشددة ،والذي
يحقق بدون شك حماية فعالة للطفل املغربي من مخاطر املواد إلاباحية الطفولية املوجودة
في مواقع الانترنت على وجه الخصوص ،وبالتالي يمأل فراغا تشريعيا في مجموعة القانون
الجنائية املغربي])31[(.
املحور الثاني:مواجهة الجريمة املعلوماتية في ضوء التشريعات املغربية ذات الصلة
باملعامالت الالكترونية
51
أوال :القانون املغربي رقم 19-18املتعلق بحماية ألاشخاص الذاتيين تجاه معالجة املعطيات
ذات الطابع الشخص ي الصادر بتاريخ 18فبراير ])32[(2119
تثير املعامالت إلالكترونية مشكالت عديدة بشأن توفير الحماية القانونية للمستهلك عند
قيامه بالتعاقد الالكتروني ،ومن أهم هذه املشكالت تلك املتعلقة بحمايته من إلاطالع على
بياناته الاسمية أو الشخصية([)]33التي يقدمها قبل أو أثناء عملية إبرام العقد ،كما يتم
الوصول إلى البيانات الشخصية للمستهلك عن طريق تتبع استخدامه لالنترنت للكشف عن
رغباته ،ولذلك كان املستهلك في حاجة لتوفير حماية قانونية للبيانات الاسمية أو
الشخصية ،ويستخدم بعض التجار البيانات الاسمية والعناوين الالكترونية عبر الانترنت
إلغراق املستخدمين بالدعاية ملنتجاتهم ،بما قد يؤدى إلى إعاقة شبكة الاتصاالت أحيانا،
باإلضافة إلى تحمل املستهلكين لتكاليف باهظة بسبب إنزال الدعاية التي تتخذ شكل البريد
الالكتروني وإلاطالع عليها([ ،)]31ويمكن استخدام املعلومات التي تمت معالجتها في غير
ألاغراض املخصصة لها ،مما أدى إلى املطالبة إلى أن تكون املعامالت غير اسمية ،وان تكون
عملية تتبع ألاثر خاضعة للمراقبة([،)]35خصوصا انه ظهرت جهات متخصصة في التعامل
والاتجار في البيانات الشخصية املتواجدة على قواعد البيانات الخاصة ببعض
الجهات])33[(.
وبخصوص تحديد مفهوم البيانات الشخصية اختلف الفقه القانوني في تحديدها فمثال
البعض يرى بان هذه البيانات هي تلك املتعلقة بالحياة الخاصة للفرد ،كتلك الخاصة
بحالته الصحية واملالية واملهنية والوظيفية والعائلية)]32[(.ويرى البعض بان البيانات
الشخصية تتفرع ألنواع :فهناك بيانات تتعلق بحرمة الحياة الخاصة لإلنسان ،وهناك
بيانات تسمح برسم صورة التجاهاته وميوله ،ومنها تلك املتعلقة باتجاهاته السياسية
ومعتقداته الدينية وتعامالته املالية والبنكية وجنسيته وهوايته([]).38
وقد أصبحت البيانات الشخصية املعالجة الكترونيا ذات أهمية على املستوى الدولي ،وهذا
ما جعل ألامم املتحدة تتبنى عام 1989دليال يتعلق باستخدام الحوسبة في عملية تدفق
البيانات الشخصية ،وبتاريخ ,1991/12/11تبنت الهيئة العامة دليل تنظيم استخدام
املعالجة آلالية للبيانات الشخصية ([]).39
وقد سار املشرع املغربي مع التوجه التشريعي في العديد من الدول التي تهدف تحقيق حماية
فعالة للبيانات الشخصية ،فأصدر القانون رقم 19-18املتعلق بحماية ألاشخاص الذاتيين
51
تجاه معالجة املعطيات ذات الطابع الشخص ي بتاريخ 18فبراير ،)]11[(2119ويتضمن هذا
التشريع 51مادة موزعة على ثمانية أبواب.وتبدو أهمية هذا القانون في كونه سيساهم في
تقوية ثقة املستهلك املغربي في املعامالت الالكترونية والاستفادة من مزايا التجارة
الالكترونية ،وسيشكل هذا التشريع كذلك أداة هامة لحماية الحياة الخاصة والبيانات
الشخصية للمواطن املغربي خصوصا في مجال املعلوميات ،وقد أوضح املشرع ذلك صراحة
في مستهل املادة ألاولى من هذا القانون ،بحيث تنص املادة ألاولى:
(املعلوميات في خدمة املواطن وتتطور في إطار التعاون الدولي .ويجب الا تمس بالهوية
والحقوق والحريات الجماعية أو الفردية لإلنسان.وينبغي أال تكون أداة إلفشاء أسرار الحياة
الخاصة للمواطنين............).
وقد جاءت املادة ألاولى بمجموعة من التعريفات لبعض املصطلحات ذات العالقة بتطبيق
هذا التشريع الجديد ،نختار منها مصطلح معطيات ذات طابع شخص ي([)]11ومصطلح
معالجة([ .)]12ففيما يخص املصطلح ألاول فيمكن تعريفه وفق املادة املذكورة بكونه كل
معلومة كيفما كان نوعها بغض النظر عن دعامتها ،بما في ذلك الصوت والصورة ،واملتعلقة
بشخص ذاتي معرف أو قابل للتعرف عليه.أما املصطلح الثاني فيعني وفق نفس املادة كل
عملية أو مجموعة من العمليات تنجز بمساعدة طرق آلية أو بدونها وتطبق على معطيات
ذات طابع شخص ي ،مثل التجميع أو التسجيل أو الحفظ أو املالءمة أو التغيير أو الاستخراج
أو الاطالع....
وقد نص هذا التشريع على إحداث اللجنة الوطنية ملراقبة حماية املعطيات ذات الطابع
الشخص ي([ ،)]13وهذه اللجنة هي املكلفة بتفعيل أحكام هذا القانون والسهر على التقيد
به ،وضبط عمل املسؤولين عن معالجة املعطيات الشخصية باملغرب(املادة).22
وما يهمنا ضمن القانون املغربي رقم 19-18هو الباب السابع الخاص بالعقوبات ،والذي
جاء بمجموعة من النصوص التي تحمي عمليات املعالجة وتحمي املعطيات الشخصية
املعالجة ،ومن أهم املواد نجد املادة 53التي عاقبت بالغرامة من 21111درهم إلى 211111
درهم في حالة رفض املسؤول عن املعالجة حقوق الولوج أو التصريح أو التعرض املنصوص
عليها في املواد 2و 8و 9من القانون رقم ])11[(.19- 18
كما جرمت املادة 33عملية نقل معطيات ذات طابع شخص ي نحو دولة أجنبية خرقا
ألحكام املادتين 13و 11من هذا القانون])15[(.
52
كما نجد هذا التشريع الجديد تطرق للحاالت التي تؤدي لالستعمال التعسفي أو التدليس ي
للمعطيات املعالجة أو إيصالها ألغيار غير مؤهلين من طرف املسؤول عن املعالجة او كل
معالج من الباطن أو كل شخص مكلف-بفعل مهامه-بمعالجة معطيات ذات طابع شخص ي،
وقد حددت العقوبة من 3أشهر إلى سنة وبغرامة من ألف درهم إلى 311ألف درهم])13[(.
أما املادة )]12[(33فقد عاقبت كل مسؤول عن املعالجة في حالة رفضه تطبيق قرارات
اللجنة الوطنية ،املذكورة سلفا ،والتي أحدثها القانون املغربيرقم.19-18
وتجدر إلاشارة إلى انه وفق التشريع املذكور تضاعف عقوبات الغرامة الواردة في نصوص
هذا التشريع إذا كان مرتكب إحدى املخالفات شخصا معنويا ،دون املساس بالعقوبات التي
قد تطبق على املسيرين.مع إمكانية معاقبة الشخص املعنوي باملصادرة وإلاغالق])18[(.
ثانيا :الحماية الجنائية للمصنفات الرقمية في إطار القانون رقم 12-11املتعلق بحقوق
املؤلف والحقوق املجاورة.
أثر تطور قطاع املعلومات والاتصال بشكل فاعل على مختلف قواعد النظام القانوني
ومرتكزاته ،وكان أثرها ألاوضح في حقل امللكية الفكرية ،وتحديدا فيما يتصل بتوفير
الحماية للمصنفات الجديدة التي أفرزتها ثورة املعلومات والتقدم العلمي في حقلي الحاسب
آلالي والاتصاالت ،أو توفير الحماية ملختلف أنماط املصنفات املحمية بسبب ما أتاحته
التقنية من سهولة الاعتداء عليها.
ومن الوجهة القانونية ،تعاملت الدراسات القانونية والقواعد التشريعية مع املصنفات
املعلوماتية الجديدة بوصفها مصنفات جديرة بالحماية شأنها شأن املصنفات التقليدية،
وقد شملت هذه املصنفات الحديثة ابتداء من منتصف أوائل السبعينات وحتى وقتنا
الحاضر ثالثة أنواع من املصنفات :البرمجيات ،وقواعد البيانات([ )]19وطبوغرافيا الدوائر
املتكاملة ،وقد ظهرت أنماط جديدة من املصنفات تثير مسألة الحاجة إلى الحماية القانونية
وهي :أسماء الحقول أو املجاالت على شبكة الانترنت ،وعناوين البريد الالكتروني ،وقواعد
البيانات على الخط التي تضمها مواقع الانترنت([ ،)]51وهو تطور ملفهوم قواعد البيانات
الذي كان سائدا السائدة قبل انتشار الشبكات ،هذا املفهوم الذي كان ينحصر في أنها
مخزنة داخل النظام ,أو تنقل على وسائط مادية تحتويها ،بل امتد هذا املفهوم ليشمل كل
مادة أو محتوى موقع الانترنت من نصوص ورسوم وأصوات ومؤثرات حركية])51[.
53
*مواجهة املشرع املغربي لجريمة تقليد برامج الحاسب آلالي(كصورة من صور الاعتداء على
املصنفات الرقمية)
أقرت أغلب التشريعات حماية برامج الحاسب آلالي بقانون حق املؤلف ،بحيث أدرجت
برامج الحاسب آلالي ضمن املصنفات الفكرية الخاضعة لنصوص قانون حق
املؤلف([ ،)]52فلم يعد ألامر كما كان من قبل متعلقا بالبحث عن مدى اعتبار برنامج
الحاسب آلالي مصنفا مبتكرا أم ال ،فقد تم حسم ألامر من خالل مواقف املشرع الصريحة
بالنص على حماية برامج الحاسب آلالي بقانون حق املؤلف ومنها القانون املغربي رقم 2-11
املتعلق بحقوق املؤلف والحقوق املجاورة([ ،)]53وتبقى جريمة تقليد هذه البرامج من أهم
صور الاعتداء على حقوق مؤلفيها .وقد بين املشرع املغربي أحكام هذه الجريمة من خالل
الفصول 525حتى 529من القانون الجنائي املغربي.
و يتمثل النشاط إلاجرامي في جريمة التقليد عموما في قيام الجاني بأحد أفعال التقليد
املنصوص عليها الفصل 525من القانون الجنائي املغربي ,وتتحقق النتيجة إلاجرامية بمجرد
الانتهاء من أي فعل منه ،وال بد من توافر عالقة السببية بين النشاط إلاجرامي وتلك
النتيجة ،وواضح هنا أن النشاط إلاجرامي يجتمع فيه السلوك والنتيجة وعالقة السببية
بينهما ،إذ يكاد يعاصر السلوك النتيجة ويتزاوج العنصران داخل إطار عالقة السببية
بينهما([.)]51ويتجلى محل النشاط إلاجرامي في جريمة التقليد بصفة عامة هو املصنف
املحمي([ .)]55وارتباطا باملجال املعلوماتي يمكن الجزم بأنه لحد آلان تعتبر برامج الحاسوب
أبرز أنواع املصنفات الالكترونية نظرا لقيمتها املادية وأدوارها املتعددة في مختلف امليادين،
وفي هذا إلاطار ،وكما ذكرنا سلفا ،أدخل املشرع املغربي برامج الحاسب آلالي ضمن
املصنفات املشمولة بالحماية بموجب قانون حق املؤلف والحقوق املجاورة)]53[(.وتأتي
أهمية ذلك في كون أنه في حالة ارتكاب جريمة تقليد لبرنامج الحاسب آلالي ,فانه تطبق
أحكام جريمة التقليد املنصوص عليها في القانون الجنائي املغربي من خالل الفصول 525
حتى 529من هذا القانون الجنائي.
أما بخصوص العقوبات فان العقوبة في صورتها العادية هي الغرامة من 121إلى 11111
درهم تطبيقا للمادتين 525و ، 523سواء تم نشر املؤلفات املقلدة باملغرب أو خارجه ،أو تم
عرضها للبيع أو استيرادها أو تصديرها،وتطبق نفس العقوبات في حالة إنتاج أو عرض أو
إذاعة مؤلف أدبي محمي قانونا.
54
أما املادة 522فقد عالجت عالجت حالة الاعتياد(الحبس من ثالثة شهور إلى سنتين
والغرامة من 511إلى 21111درهم)،ثم حالة العود إلى ارتكاب الجريمة بعد الحكم عليه
من اجل جريمة الاعتياد(الحبس والغرامة يمكن أن ترفع إلى الضعف مع إمكانية إلاغالق
الكلي أو الجزئي ملحل املقلد أو شركائه).
*القانون رقم 31.15الصادر في 11فبراير 2113املتعلق بتغيير و تتميم القانون رقم 2.11
املتعلق بحقوق املؤلف والحقوق املجاورة.
يجب إلاشارة إلى انه قبل صدور القانون رقم 31-15املعدل للقانون رقم ،2-11كان هذا
ألاخير يحيل على مقتضيات القانون الجنائي ،مما كان يضعف الحماية الجنائية لحقوق
املؤلف بسبب إلاحالة املجملة ،لكن الوضع تغير بعد التعديل املذكور بموجب قانون
رقم ،31-15بحيث تم وضع مقتضيات جنائية خاصة في القانون املتعلق بحقوق املؤلف،
ومن بينها ما جاءت به املادة 31التي عاقبت بالحبس من شهرين إلى 3أشهر وغرامة من
11111درهم إلى 111111درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط لكل من قام بطريقة غير
مشروعة بقصد الاستغالل التجاري بخرق متعمد ،كما تطبق نفس العقوبة على أفعال
استيراد وتصدير نسخ منجزة خرقا للقانون وعدة أعمال ينص عليها القانون وباألخص ما له
عالقة بالتكنولوجيا الحديثة.
وتضاعف العقوبة في حالة الاعتياد على ارتكاب املخالفة([ ،)]52وترفع العقوبة الحبسية ملا
يتراوح بين سنة وأربع سنوات وغرامة ما بين 31111درهمو311111درهم أو بإحدى هاتين
العقوبتين في حالة العود داخل خمس سنوات بعد صدور حكم نهائي])58[(.
وقد جاء التعديل الجديد بتدابير وقائية وعقوبات إضافية تتجلى في خمسة])59[(.
1-حجز النسخ وألادوات وكذا الوثائق والحسابات وألاوراق إلادارية املتعلقة بهذه النسخ
2-مصادرة جميع ألاصول متى ثبت عالقتها بالنشاط غير القانوني.
3-إتالف النسخ وألادوات املستعملة من اجل إنجازها.
4-إلاغالق النهائي أو املؤقت للمؤسسة التي يستغلها مرتكب املخالفة او شركاؤه فيها.
5-نشر الحكم القاض ي باإلدانة في جريدة أو أكثر ،يتم تحديدها من طرف املحكمة
املختصة.
ثالثا :القانون املغربي رقم 53/15املتعلق بالتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية وبعض
مقتضيات مدونة الجمارك والضرائب غير املباشرة([])31
55
1:القانون املغربي رقم 53/15املتعلق بالتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية])31[(.
طهر نمط جديد من املجتمعات هو املجتمع الرقمي أو مجتمع املعلومات ،الذي عرف بكونه
املجتمع الذي يعتمد في تطوره أساسا على املعلومات والحاسب آلالي وشبكات الاتصال
الحديثة ،وبالتالي كان ضروريا تدخل املشرع إلقرار حجية املراسالت والعقود الالكترونية
وكذا التوقيع الالكتروني ،ملساعدة القضاء على تسوية املنازعات املتصلة باملعامالت
الالكترونية.
ولقد سعى املشرع املغربي إلى تهيئة بيئة قانونية تناسب التطور املذهل في مجال املعامالت
التي تتم بطرق الكترونية ،وبالتالي الانتقال من مرحلة التعامل الورقي إلى مرحلة التعامل
الالكتروني ،ويأتي في هذا السياق صدور القانون املغربي رقم 15-53املتعلق بالتبادل
الالكتروني للمعطيات القانونية)]32[(.وقد وضع هذا القانون النظام املطبق على املعطيات
القانونية التي يتم تبادلها بطريقة الكترونية وعلى املعادلة بين الوثائق املحررة على الورق،
وتلك املعدة على دعامة الكترونية ،وعلى التوقيع الالكتروني ،كما يحدد هذا القانون إلاطار
القانوني املطبق على العمليات املنجزة من قبل مقدمي خدمات املصادقة الالكترونية وكذا
القواعد الواجب التقيد بها من لدن مقدمي الخدمة املذكورين ومن لدن الحاصلين على
الشهادات الالكترونية املسلمة.
وإذا كان القانون رقم 53-15أثر بشكل أساس ي على فصول قانون الالتزامات والعقود
املغربي بفعل تعديل بعض نصوصه أو إضافة أخرى جديدة متصلة بالبيئة املعلوماتية ،إال
انه يتضمن كذلك مجموعة من النصوص الزجرية([ ،)]33والتي تساهم في مكافحة الجرائم
املعلوماتية ،نذكر منها املادة 29التي تعاقب كل من يقدم خدمات للمصادقة الالكترونية
املؤمنة خالفا للمادة 21أو دون أن يكون معتمدا أو من يواصل نشاطه رغم سحب
اعتماده])31[(.
أما املادة 31فتعاقب على إلادالء العمدي بتصاريح كاذبة أو تسليم وثائق مزورة إلى مقدم
خدمات املصادقة الالكترونية])35[(.
ومن اجل ضمان سالمة تبادل املعطيات القانونية بطريقة الكترونية وضمان سريتها
وصحتها ،فرض املشرع حماية خاصة لوسائل التشفير من خالل املادة 32التي تجرم استيراد
أو استغالل أو استعمال إحدى الوسائل أو خدمة من خدمات التشفير دون إلادالء
56
بالتصريح أو الحصول على الترخيص ،كما انه يمكن للمحكمة الحكم بمصادرة وسائل
التشفير املعنية])33[(.
كما جرم املشرع املغربي كل استعمال لوسيلة تشفير لتمهيد أو ارتكاب جناية أو جنحة أو
لتسهيل تمهيدها أو ارتكابها لكن ذلك ال يطبق على مرتكب الجريمة أو املشارك في ارتكابها
الذي يسلم إلى السلطات القضائية أو إلادارية ،بطلب منها ،النص الواضح للرسائل املشفرة
وكل ما يلزم لقراءة النص املشفر])32[(.
ولتحقيق حماية جنائية للتوقيع الالكتروني عاقبت املادة 35كل استعمال غير قانوني
للعناصر الشخصية إلنشاء التوقيع املتعلقة بتوقيع الغير])38[(.
كما حمى املشرع املغربي ،من خالل املادة ،32حجية الشهادة الالكترونية عبر تجريم
الاستمرار في استعمالها بعد مدة صالحيتها أو بعد إلغائها])39[(.
وتجدر إلاشارة إلى أن الغرامات -املنصوص عليها في هذا القانون -ترفع إلى الضعف ،إذا كان
مرتكب الجريمة شخصا معنويا ،دون إلاخالل بالعقوبات املمكن تطبيقها على املسيرين
الرتكاب إحدى الجرائم املذكورة في هذا القانون.كما يمكن أن يتعرض الشخص املعنوي
لعقوبات أخرى تتجلى في املصادرة أو إلاغالق])21[(.
2:بعض مقتضيات مدونة الجمارك والضرائب غير املباشرة([])21
أعطى املشرع املغربي من خالل مدونة الجمارك مفهوما حديثا للوثيقة أو املحرر ليتناسب
مع املجتمع الرقمي ،ويبدو ذلك جليا من الفصل ألاول من املدونة ،حيث نص على ما يلي:
(يقصد في هذه املدونة والنصوص املتخذة لتطبيقها من:..........................
د/الوثيقة:كل حامل يتضمن مجموعة من املعطيات أو املعلومات كيفما كانت نوعية
الطريقة التقنية املستعملة مثل الورق وألاشرطة املمغنطة والاسطوانات اللينة وألافالم
الدقيقة).........
يتضح لنا من هذا الفصل أن املشرع املغربي كرس مفهوما جديدا للوثيقة يتماش ى مع
خصوصية املجتمع الرقمي])22[(.
والجدير ذكره أن مدونة الجمارك والضرائب غير املباشرة نظمت طريقة إيداع التصاريح
وأوراق الطريق والابراءات املكفولة والوثائق امللحقة بها بكيفية الكترونية أو معلوماتية ،وفي
هذا الباب ،جاء في الفصل 213مكرر من الجزء الثامن املكرر ما نصه:
57
(في مكاتب الجمرك املجهزة بالنظم املعلوماتية لالستخالص الجمركي ،يباشر بطريقة
الكترونية أو معلوماتية إيداع التصاريح املفصلة واملوجزة وسندات إلاعفاء مقابل
كفالة...........
ويمكن بإذن من إلادارة أن يباشر بطريقة معلوماتية أو الكترونية إيداع الوثائق املرفقة
بالتصريحات املفصلة واملوجزة وسندات إلاعفاء مقابل كفالة)
وارتباطا بمسألة مكافحة الجرائم املعلوماتية ،فقد وضع املشرع مقتضيات زجرية تنظم
الجرائم الجمركية التي تنجز بطرق الكترونية ضمن القسم ألاول من الباب الثالث ،حيث
ورد في الفقرة السابعة من الفصل 281من مدونة الجمارك ما يلي:
(تشكل الجنح الجمركية من الطبقة الثانية:
............
7-كل عمل أو أو مناولة تنجز بطرق معلوماتية أو الكترونية ترمي إلى إتالف واحد أو أكثر من
املعلومات املختزنة في النظم املعلوماتية لإلدارة ،عندما يكون الغرض من هذا إلاتالف هو
التملص من رسم أو مكس أو الحصول بصفة غير قانونية على امتياز معين)....
وعليه يكون هذا الفصل قد حسم في مسألة اعتبار املعلومات املخزنة بالحاسب آلالي نوع
من الوثائق إلادارية])23[(.
خاتمة
تطرقنا في هذه الدراسة للتجربة التشريعية املغربية في مجال مكافحة الجرائم املعلوماتية،
واتضح أن مجموعة القانون الجنائي املغربي تتضمن فصوال تشكل ألاداة ألاساسية ملكافحة
هذا النمط الجديد من إلاجرام ،كما أن هناك مجموعة من املقتضيات الزجرية املتفرقة في
تشريعات أخرى ذات عالقة باملجال املعلوماتي ،والتي تكمل تلك املوجودة باملجموعة
الجنائية .وعموما لدينا بعض املالحظات حول التجربة التشريعية املغربية في هذا املجال:
-خطى املشرع املغربي خطوات ايجابية في مجال سن تشريعات حديثة ملواجهة الجريمة
املعلوماتية ،وبالتالي أصبح للقاض ي املغربي آليات البث في قضايا الجريمة الالكترونية ،بما
يضمن عدم املس بمبدأ مقدس في مجال العدالة الجنائية(مبدأ الشرعية الجنائية).
-يتضح بأن بعض التشريعات التي تمت دراستها قد تأثرت بالتجربة التشريعية الفرنسية،
وعلى ألاخص القانون املغربي رقم 121-3املتعلق باإلخالل بسير نظم املعالجة آلالية
58
للمعطيات(الفصول 312-3إلى 312-11من مجموعة القانون الجنائي املغربي) الذي ال
يختلف كثيرا عن القانون الفرنس ي املتعلق بالغش املعلوماتي الصادر عام 1988في العديد
من مقتضياته ،مع اختالف على مستوى العقوبات.
-ال يمكن الجزم بان الرصيد التشريعي املغربي في هذا الصدد كاف ملكافحة كل صور
الجرائم املعلوماتية ،بل البد من تكملته ،بحيث يشمل جرائم أخرى لم تشملها املبادرات
التشريعية الجديدة ،مثل قرصنة أسماء املواقع املجاالت على شبكة الانترنت ،كما أن
مقتضيات املسطرة الجنائية املغربية وآليات التعاون القضائي الدولي الزالت قاصرة على أن
تكون مالئمة لإلجرام املعلوماتي الذي يصعب فيه إثبات الفعل املجرم أو ضبط الجاني
بسبب طبيعة الدليل الالكتروني ،ولكون الجريمة املعلوماتية في اغلب ألاحوال عابرة
للحدود لكونها ترتكب عبر شبكات الاتصال الحديثة خصوصا الانترنت.
-بما أن ظاهرة إلاجرام املعلوماتي جديدة ومتجددة ،ألن قطاع تكنولوجيات إلاعالم
والاتصال في تطور مستمر ،فهذا يعني أنه يمكن أن تظهر مستقبال أنواع أخرى من الجرائم
املعلوماتية ،مما يجعل املشرع املغربي ملزم بمواكبة التطورات املتالحقة عبر سن تشريعات
جديدة أو تعديل أخرى ،مع إمكانية الانضمام التفاقية بودابست بتاريخ 23نوفمبر 2111
بشأن إلاجرام املعلوماتي ،بعد تطوير البنية التكنولوجية وألامنية والقضائية حتى يمكن
تطبيق بنود هذه الاتفاقية الدولية.
59
-6إشكالية تنفيذ األحكام والقرارات
القضائية النهائية
ال يخفى أن تنفيذ ألاحكام القضائية هو الهدف املتوخى من اللجوء إلى القضاء ،إذ ال ينفع
التكلم بحق ال نفاذ له ،كما أن عدم التنفيذ أو التأخير فيه يلحق ضررا جسيما باملحكوم
له ،ويؤثر بالتالي على مصداقية ألاحكام وعلى ثقة املواطنين في الجهاز القضائي.
نظرا ألهمية موضوع تنفيذ ألاحكام والقرارات القضائية باعتبارها أسمى تعبير من كل
ألاطراف املعنية عن تمجيد القضاء وتكريم السلطة القضائية ،وفي الوقت ذاته اعترافا
بحقوق املواطنين واحتراما وتكريسا لحقوق إلانسان ،ما فتئت الحكومة تدعو إلى ضرورة
الالتزام بقرارات القضاء ومراعاة ألاحكام القضائية النهائية التي اكتسبت قوة الش يء
املقض ي به ،وذلك بالعمل على تنفيذها سواء صدرت ضد الدولة أو ضد أحد ألاجهزة أو
املؤسسات التي تتولى الوصاية عليها طبقا ملا أكده صاحب الجاللة امللك محمد السادس،
نصره هللا ،خالل ترؤس افتتاح أشغال دورة املجلس ألاعلى للقضاء حيث أكد حفظه هللا
أنه« :من البديهي أنه لن يحقق القضاء هذا املبتغى ،إال إذا ضمنا لهيئته الحرمة الالزمة
والفعالية الضرورية بجعل أحكامه الصادرة باسمنا تستهدف إلانصاف وفورية البت
والتنفيذ ،وجريان مفعولها على من يعنيهم ألامر».
وللوقوف عند حقيقة إشكالية تنفيذ ألاحكام سنقوم بعرض الوضعية العامة لعملية تنفيذ
ألاحكام القضائية الصادرة عن القضاء املدني ،ثم عرض الوضعية الخاصة لعملية تنفيذ
ألاحكام الصادرة ضد أشخاص القانون العام وكذا شركات التأمين.
1-الوضعية العامة لعملية تنفيذ ألاحكام القضائية
إن الغاية املستهدفة من استصدار حكم قضائي هو التوصل إلى نفاذ منطوقه تبعا للصيغة
التنفيذية املذيلة به ،وعدم تحقيق هذه النتيجة يفقد ألاحكام القضائية قدسيتها وينحدر
بها إلى مصاف القرارات منعدمة املفعول ،ما من شأنه أن ينعكس سلبا على ضبط
العالقات القانونية بين ألافراد ،ويسهم في تعطيل استفادة املتقاضين من الحقوق املقررة
لفائدتهم بواسطة القانون ،والتي تعمل ألاحكام القضائية على حمايتها .ومن تم فإن تفعيل
61
ألاثر القانوني والواقعي املقرر بموجب حكم قضائي يقتض ي توظيف كل الوسائل القانونية
املمكنة لتنفيذه ،ومن جملتها تسخير القوة العمومية ،ما لم يتعلق ألامر باعتبارات
استثنائية من شأنها أن تبرر عدم التقيد بحجية الش يء املقض ي به ،والتي تعد قرينة
قانونية قاطعة على أن الحكم هو عنوان الحقيقة.
وفي هذا إلاطار اتخذت وزارة العدل مجموعة من التدابير لتفعيل عملية التنفيذ ،خاصة:
.إنشاء خلية مركزية ملتابعة تنفيذ ألاحكام القضائية والتي وفرت منذ إنشائها سنة 2113
تشخيصا مرقما لوضع تنفيذ ألاحكام القضائية.
.تنظيم تعبئة سنوية لتصفية املخلف من ملفات التنفيذ ،والتي بفضلها تم رفع درجة
الوعي بأهمية تنفيذ ألاحكام القضائية داخل أجل معقول ،وتجنيد كل الطاقات لذلك.
.تكليف قاض في كل محكمة لإلشراف على عمليات التنفيذ وتتبع إجراءاته.
.تعميم دوريات ومناشير على مختلف املتدخلين في عملية التنفيذ وهمت بالتحديد إعمال
الصرامة الالزمة للحد من التهرب من تنفيذ ألاحكام القضائية عن طريق اللجوء إلى املساطر
الخاصة بصعوبات التنفيذ .
.إقرار العمل بسياسة الاجتماعات الثنائية الدورية مع القطاعات الحكومية املختلفة ،ما
أفض ى إلى تصفية كثير من امللفات العالقة ،وتشخيص ملفات كانت مفقودة ،وتحديد
جدولة زمنية لتصفية املخلف من ملفات التنفيذ.
.العمل على تصفية امللفات التنفيذية القديمة وإيالئها كامل العناية.
.العمل على دعم وتقوية جهاز التنفيذ وتعزيزه على مستوى املحاكم باملوارد الالزمة.
لكن رغم كل هذه التدابير ،مازالت مجموعة من الصعوبات تعيق حسن سير عملية
التنفيذ.
2-الصعوبات التي تواجه تنفيذ ألاحكام القضائية:
لقد تم رصد مجموعة من الصعوبات التي تعوق تنفيذ ألاحكام القضائية والتي يمكن
تلخيصها في ما يلي:
أ -الصعوبات القانونية.
ب -الصعوبات البشرية واللوجيستيكية.
ج -الصعوبات املوضوعية.
أ -الصعوبات القانونية ،وتتمثل في ما يلي:
61
-سلوك املساطر الفرعية والكيدية لعرقلة التنفيذ من قبيل استحقاق املنقوالت املحجوزة
بتواطؤ مع املنفذ عليهم ،أو تدخل ألاغيار لوقف التنفيذ بدعوى مساس التنفيذ بحقوقهم.
-عدم وضوح منطوق بعض ألاحكام باستعمال عبارات عامة كإرجاع الحالة إلى ما كانت
عليه ،أو عدم تحديد الحدود في العقارات.
-اللجوء إلى طلب مهل استرحامية الش يء الذي يتحول في أحيان كثيرة إلى مصدر إلفراغ
عملية تنفيذ ألاحكام من محتواها ،بحيث تستغل في ربح الوقت انتظارا للحصول على قرار
استئنافي يقض ي بإيقاف التنفيذ ،أو تأخير عملية التنفيذ حتى يتمكن املنفذ عليه من إخالء
املحل موضوع التنفيذ من شواغله التي يمكن حجزها ،وإما خلق صعوبات واقعية كإسكان
الغير باملحل موضوع إلافراغ.
-املشاكل املرتبطة بإجراءات التبليغ.
ب -الصعوبات البشرية واللوجيستيكية :تأخذ مجموعة من ألاشكال من أهمها:
-نقص في عدد أعوان التنفيذ واملفوضين القضائيين بكثير من محاكم اململكة ،كما أشارت
بعض التقارير إلى الانخراط الضعيف لهؤالء في تصفية ما بأيديهم من ملفات.
-ضعف وسائل العمل إن لم يكن انعدامها في بعض املحاكم خاصة منها التي يمتد نفوذها
الترابي للبوادي و املناطق الوعرة جغرافيا.
-عدم توفر كثير من املحاكم على قاعة خاصة بالبيوعات.
-ضعف وسائل إلاخبار و عدم فعاليتها في تعميم وإشهار البيوعات.
-اعتماد تدبير ملفات التنفيذ لسائر املحاكم على الوسائل اليدوية وعدم توظيف
املعلوميات على هذا املستوى.
-صعوبة تدبير إلانابات القضائية وتأخرها.
ج -الصعوبات املوضوعية ،تتركز في مايلي:
-عدم فعالية السلطات املحلية في استعمال القوة العمومية.
-عجز املتقاضين في املناطق البدوية والفقيرة عن أداء مصاريف التنفيذ.
-سلبية كثير من ألاطراف كالبنوك والخزينة العامة ،واملحاسبين العموميين إذ يستنكفون
عن تقديم املساعدة وتسهيل عمليات التنفيذ في ما هو مودع لديهم خصوصا في مسطرة
الحجز التنفيذي لدى الغير.
62
-صعوبة بيع املحجوز الذي يترك بيد املنفذ عليه الذي قد ال يسمح بمعاينته قبل يوم
البيع ،أو يقوم بتبديده.
-إهمال طالب التنفيذ أو محاميهم متابعة ملفاتهم ،وما تتطلبه أحيانا من إيداع بعض
املصاريف املرتبطة بعملية التنفيذ.
صعوبة العثور على املنفذ عليه أو موتهم ،وما يتبع ذلك من صعوبة تبليغ الورثة .ورغم
هذه الصعوبات فقد عرفت نسبة تنفيذ ألاحكام القضائية املدنية تحسنا ملحوظا خالل
سنة 2111والنصف ألاول من سنة.2111
3 -وضعية عملية تنفيذ ألاحكام القضائية الصادرة ضد أشخاص القانون العام:
إن الحياد عن تحقيق غاية ضمان تنفيذ ألاحكام القضائية املكتسبة لقوة الش يء املقض ي
به من شأنه أن ينأى بالوظيفة القضائية إلى سبيل آخر ينزع عنها فعاليتها الحمائية لحقوق
املتقاضين .فاإلدارة ملزمة قانونا بسلوك نهج «الرجل الشريف» ،بالخضوع إداريا وتلقائيا
للقاعدة القانونية بمفهومها الواسع مادام تفعيل مفهوم العدالة إلادارية يستند إلى إجبارية
خضوع إلادارة تلقائيا وبحسن نية ملبدأ الشرعية القانونية ،ليس فقط سلبا ،باالستنكاف
عن مخالفة ما قرره القضاء ،بل كذلك إيجابا بالعمل على اتخاذ جميع إلاجراءات والتدابير
الالزمة لتنفيذ ما قرره القضاء.
وفي هذا إلاطار ،دأب القضاء على اعتبار أن تجاهل السلطات إلادارية لألحكام نافذة
املفعول واملذيلة بالصيغة التنفيذية يشكل ،ماعدا في الظروف الاستثنائية ،شططا في
استعمال السلطة ملا يترتب عن ذلك من خرق للقواعد ألاساسية للتنظيم القضائي
وإلاجراءات القضائية التي باحترامها يحترم النظام العام ،كما اعتبر أن الامتناع عن تنفيذ
ألاحكام القضائية ،من غير مسوغ قانوني ولفترة تتجاوز ألاجل املعقول يؤثر سلبا على السير
املنتظم ملرفق القضاء ويسهم في تعطيل استفادة املعنيين باألمر من الحقوق املقررة لهم
بواسطة هذه ألاحكام ،وهو ما من شأنه أن يشكل خطأ مرفقيا في حق الجهة املخاطبة
بالتنفيذ ،علما أن الامتناع الذي ينهض سببا إلثارة مسؤولية الدولة عن عدم التنفيذ ،هو
الامتناع الصريح أو الذي يمكن أن يستشف من وقائع ثابتة تفيد تعنت إلادارة وإحجامها
عن الخضوع لقوة الش يء املقض ي به .وفي هذا الصدد ،عملت مديرية الشؤون املدنية
بوزارة العدل والحريات على تشخيص الوضعية الحالية لعملية تنفيذ ألاحكام الصادرة ضد
أشخاص القانون العام ،كما عملت على وضع تصور شامل يمكن من اتخاذ تدابير
63
تصحيحية من خالل بناء استراتيجية تتعلق بتدبير شامل وفعال مللف التنفيذ في مواجهة
أشخاص القانون العام.
أوال :وضعية عملية تنفيذ ألاحكام القضائية ضد أشخاص القانون العام
لئن كان كل مجهود أو استثمار في مجال العدل ال يمكن معاينته إال من خالل تحقيق غاية
مسطرة التقاض ي املتمثلة في إرجاع الحق إلى صاحبه داخل أجل معقول ،فإن تفعيل وتيرة
إلاصالح وتفعيل مبادرة التغيير لن يكون لها وقع على نفسية املتقاضين ،إذا لم يعمل الجهاز
القضائي على الدفع بعملية التنفيذ لألمام والعمل على تجاوز الصعاب واملعيقات التي
تحول دون الوصول إلى الغاية من التقاض ي.
وألن تنفيذ ألاحكام والقرارات القضائية النهائية يشكل مظهرا من مظاهر دولة الحق
والقانون ،فقد تم اتخاذ مجموعة من التدابير لتفعيل عملية التنفيذ من خالل:
-إنشاء خلية مركزية ملتابعة عملية تنفيذ ألاحكام القضائية والتي وفرت منذ إنشائها ،سنة
،2113تشخيصا مرقما لوضع تنفيذ ألاحكام القضائية.
-تنظيم تعبئة سنوية لتصفية املخلف من ملفات التنفيذ ،والتي بفضلها تم رفع درجة
الوعي بأهمية تنفيذ ألاحكام القضائية داخل أجل معقول ،وتجنيد كل الطاقات لذلك.
-تكليف قاض في كل محكمة لإلشراف على عمليات التنفيذ وتتبع إجراءاته.
-تعميم دوريات ومناشير على مختلف املتدخلين في عملية التنفيذ ،همت بالتحديد إعمال
الصرامة الالزمة للحد من التهرب من تنفيذ ألاحكام القضائية عن طريق تحريك املساطر
الخاصة بصعوبات التنفيذ ،مجاراة للعمل القضائي الذي يعتبر أن صعوبات التنفيذ هي
املنازعات التي تعترض تنفيذ ألاحكام الحائزة لقوة الش يء املقض ي به وتشكل صعوبات
مادية أو قانونية تحدث بعد صدور الحكم ،وهي إما وقتية تهدف إلى تأجيل التنفيذ مؤقتا
لغاية تصحيح إجراء من إجراءاته أو موضوعية تهدف إلى إيقاف التنفيذ نهائيا لغاية صدور
حكم حاسم حول النزاع موضوع التنفيذ ،ومن تم ال تجدي الصعوبة إذا كان مبناها وقائع
سابقة على صدور الحكم الذي يتم التنفيذ بمقتضاه باعتبارها منازعة استنفدت
موضوعها بصدور الحكم القابل للتنفيذ الذي يفترض أنه أجاب عنها بصورة صريحة أو
ضمنية.
64
-إقرار العمل بسياسة الاجتماعات الثنائية الدورية مع القطاعات الحكومية املختلفة ،مما
أفض ى إلى تصفية كثير من امللفات العالقة ،وتشخيص ملفات كانت مفقودة ،وتحديد
جدولة زمنية لتصفية املخلف من ملفات التنفيذ.
-العمل على تصفية امللفات التنفيذية القديمة وإيالئها كامل العناية.
-العمل على دعم وتقوية جهاز التنفيذ وتعزيزه على مستوى املحاكم باملوارد الالزمة.
ثانيا:صعوبات التنفيذ في مواجهة أشخاص القانون العام
ال يخفى أن تنفيذ ألاحكام القضائية هو الهدف املتوخى من اللجوء إلى القضاء ،إذ ال ينفع
التكلم بحق ال نفاذ له ،كما أن عدم التنفيذ أو التأخير فيه يلحق ضررا جسيما باملحكوم
له ،ويؤثر بالتالي على مصداقية ألاحكام وعلى ثقة املواطنين في الجهاز القضائي .إن تفعيل
هذه التدابير ال يعني تدليل كل الصعوبات املتعلقة بتنفيذ ألاحكام الصادرة عن القضاء
إلاداري والتي يمكن رصدها في ما يلي:
1-إلاشكاالت املرتبطة بالجانب املالي :
لقد تم إحداث قضاء إداري متخصص قصد تأكيد إيمان بلدنا بسمو القانون ووجوب
احترام مبدأ الشرعية املتمثل في خضوع الدولة لحكم القانون ،إال أنه لوحظ وجود حاالت
كثيرة من الامتناع والتماطل في تنفيذ ألاحكام الصادرة في مواجهة أشخاص القانون العام،
بعلة عدم وجود اعتمادات مالية لتنفيذ ألاحكام إلادارية ،كما يتم التذرع بالتعقيدات
املتعلقة بقانون املالية ألجل برمجة املبالغ املالية املحكوم بها على الشخص الخاضع للقانون
العام ،وبعدم وجود مناصب مالية شاغرة لتفادي تنفيذ ألاحكام املتعلقة بإلغاء قرارات
عزل املوظفين.
2-إلاشكاالت املرتبطة بالجانب القانوني واملؤسساتي:
تكمن هذه إلاشكاالت خاصة في تعدد املتدخلين وتداخل الاختصاصات وتعقد إلاجراءات
إلادارية املتعلقة بالتنفيذ ،وتعارض بعض النصوص الخاصة املنظمة ملسؤولية بعض
املخاطبين بعملية التنفيذ ،خاصة مسؤولية مراقب الالتزام بنفقات الدولة واملحافظ على
ألامالك العقارية ،مع إلزامية التقيد بحجية الش يء املقض ي به ،وامتناع الخزينة العامة،
عمدا في بعض الحاالت ،عن إلادالء بالتصريح إلايجابي في حالة طلب املصادقة على
الحجز ،هذا فضال عن عدم جدوى تنفيذ الغرامة التهديدية في مواجهة إلادارة باعتبار أن
هذه الغرامة تنقلب إلى تعويض وتصطدم بامتناع جديد لإلدارة عن التنفيذ ،وكذا عدم
65
جواز الحجز على ألاموال العمومية في ضوء قاعدة ضرورة سير املرفق بانتظام وعدم تعطيل
وظيفته ،علما أنه إذا كان ال يجوز الحجز على ألاموال العامة للدولة وألاشخاص الاعتبارية
العامة باعتبار أن الحجز والتنفيذ عليه من شأنه أن يعرقل ويعطل وظيفة النفع العام
امللقاة على عاتقها ،فإنه استثناء من ذلك يجوز الحجز على ألاموال الخاصة ألشخاص
القانون العام متى كان الحجز ،بحسب تقدير السلطة القضائية املقررة للحجز ،ليس من
شأنه عرقلة سير املرفق العمومي أو تعطيل خدمات جمهور الناس به أو متى تم رصد
ألاموال للتنفيذ ولسداد التعويضات املعنية باألحكام.
ورغم هذه إلاشكاالت فقد قامت الوزارة باتخاذ مجموعة من التدابير التي أثمرت رفع نسبة
تنفيذ ألاحكام الصادرة ضد إلادارات واملؤسسات العمومية.
ثالثا :استراتيجية الوزارة املتعلقة بتدبير ملف التنفيذ في مواجهة إلادارات واملؤسسات
العمومية :
عملت وزارة العدل على وضع تصور شامل لتدبير ملف التنفييذ على مستويين:
-مستوى التدبير إلاداري.
مستوى تحديد املرجعية القانونية.
أ -على مستوى التدبير إلاداري:
عملت وزارة العدل على خلق بنك للمعطيات املتعلقة بتنفيذ ألاحكام القضائية ،وكذا
متابعة العمل بالتدابير التالية:
تخصيص خلية مركزية ملتابعة تنفيذ ألاحكام القضائية.
تنظيم التعبئة السنوية لتصفية املخلف من ملفات التنفيذ.
-مواصلة العمل بسياسة الاجتماعات الثنائية الدورية مع القطاعات الحكومية املختلفة
على املستويين الجهوي واملركزي.
-تحديد القاض ي املكلف بمتابعة التنفيذ على مستوى مختلف املحاكم الذي سيصبح ملزما
بإعداد تقرير مفصل كل ثالثة أشهر حول وضعيات ملفات التنفيذ.
ب -وضع منظومة قانونية متكاملة ملعالجة إشكالية عدم تنفيذ أحكام القضاء إلاداري:
يتعلق ألامر بوضع مقتضيات قانونية خاصة بتنفيذ ألاحكام والقرارات النهائية الصادرة في
املادة إلادارية ،في إطار مشروع قانون املسطرة املدنية الجديد الذي تتم صياغته من طرف
66
لجنة مراجعة ومواكبة التشريع ،وذلك من خالل اقتراح تبني آلية قانونية لضمان تنفيذ
ألاحكام وفق مايلي:
الحالة التي يكتسب فيها الحكم القاض ي بأداء مبالغ مالية قوة الش يء املقض ي به ،يتم
إصدار أمر بالدفع داخل أجل محدد قانونا.
إذا كانت الاعتمادات غير كافية ،يتم إصدار أمر بالدفع في حدود املبالغ املتوفرة على أن يتم
إصدار أمر بدفع تكميلي في أجل أقصاه السنة املالية املوالية.
في حالة عدم إصدار أمر بالدفع وفقا للكيفية املحددة أعاله ،يتم تسديد املبالغ املحكوم بها
فورا من طرف املحاسب العمومي املكلف بمجرد تقديم نسخة الحكم باعتبارها سندا
تنفيذيا.
في حالة إحجام املحاسب عن التنفيذ ،يمكن اللجوء إلى:
-آلية الغرامة التهديدية.
-آلية الحجز التنفيذي.
إقرار املسؤولية الشخصية والتأديبية للممتنع عن التنفيذ.
وقد تم إعداد هذا التصور بناء على دراسة سوسيو قانونية إلشكالية تنفيذ ألاحكام
الصادرة ضد أشخاص القانون العام تجدونها رفقة هذه املذكرة.
رابعا :وضعية تنفيذ ألاحكام القضائية الصادرة ضد شركات التأمين:
لقد أفضت الاجتماعات التنسيقية التي عقدتها وزارة العدل مع شركات التأمين املنضوية
تحت لواء الجامعة املغربية لشركات التأمين وإعادة التأمين ،في إطار مواكبة وتتبع عملية
تنفيذ ألاحكام في هذا املجال خالل النصف ألاول من سنة ،2118إلى دراسة املشاكل التي
تواجهها عملية تنفيذ ألاحكام الصادرة بالتعويض في مواجهة هذه الشركات سواء عن
حوادث السير أو حوادث الشغل ،وقد مكنت هذه الاجتماعات من تجاوز الكثير من
الصعوبات وأثمرت نتائج هامة بالنسبة إلى العديد من امللفات التي كانت متعثرة في التنفيذ،
بحيث أمكن القضاء بشكل تام على املخلف من امللفات غير املنفذة بالنسبة إلى سنوات
معينة ،وأصيح حجم املخلف من امللفات غير املنفذة يسجل كل سنة انخفاضا ملحوظا ،
كما أصبحت نسبة ألاحكام املنفذة تعرف ارتفعا هاما كل سنة ،إذ بلغ مجموع ألاحكام
املطلوبة في التنفيذ خالل سنة 2111ما مجموعه 111111ملف نفذ منها 82882ملفا ،أي
67
ما نسبته 38,8في املائة ،مع العلم أنه تمت تصفية جل امللفات التي ترجع إلى ما قبل سنة
.2119
ولم يكن من املمكن تحقيق هذه النتائج لوال اتخاذ مجموعة من التدابير لتفعيل عملية
التنفيذ خاصة:
-عقد لقاءات شهرية مع شركات التأمين املنضوية تحت لواء الجامعة املغربية لشركات
التأمين وإعادة التأمين.
-عقد لقاءات ثنائية مع شركات التأمين التي كان لها أكبر مخلف قصد حثها على تصفيته.
غير أن هذا ال يعني عدم وجود صعوبات وإشكاليات حقيقية تعترض التنفيذ في مواجهة
شركات التأمين.
أوال -إشكاليات التنفيذ في مواجهة شركات التأمين :تتلخص هذه إلاشكاالت في ما يلي:
-عدم تخصيص هذه الشركات لجهة مختصة ملتابعة عملية التنفيذ.
-عدم إقدام بعض الشركات على بيع رصيدها العقاري لتوفير السيولة املالية رغم حصولها
على املوافقة على ذلك.
-عدم فعالية الحجز لدى الغير في مواجهة شركات التأمين البتداعها طريقة الحساب الجاري
التي تجعل رصيدها مدينا باستمرار ،واختيارها لنظام التسهيالت البنكية .
-تنفيذ ألاحكام من طرف شركات التأمين يتوقف عمليا خالل العطلة الصيفية وفي آخر
شهر من السنة.
-جعل عمليات تنفيذ ألاحكام من طرف شركات التأمين محصور في عدد معين وغالف مالي
محدد مسبقا (الكوطا).
-بعض شركات التأمين ال تنفذ ألاحكام الصادرة في حوادث الشغل القاضية بالرأسمال رغم
النفاذ املعجل معللة ذلك باستئنافها لهذه ألاحكام.
ثانيا -استراتيجية وزارة العدل لتدبير ملف التنفيذ في مواجهة شركات التأمين :تتشكل هذه
الاستراتيجية من خالل اتخاذ التدابير التالية:
-تحريك مساطر التنفيذ الجبري وهو ما من شأنه أن يعمل على نقل شركات التأمين من
حالة الاطمئنان إلى حالة اليقظة ،ويدفع بها إلى إيالء عملية التنفيذ الاهتمام الالزم.
تتبع أقسام التنفيذ بكافة املحاكم للوقوف على مكامن الخلل وكل ما من شأنه أن يعرقل
إجراءات التنفيذ.
68
-حث وزارة املالية على إجراء تفتيش لشركات التأمين للوقوف على إخالالت التسيير.
متابعة سياسة الاجتماعات الثنائية مع شركات التأمين .
-موافاة الوزارة باسم القاض ي املكلف بمتابعة التنفيذ في مختلف املحاكم والذي يكون
ملزما بإعداد تقرير كمفصل كل ثالثة أشهر حول وضعية ملفات التنفيذ.
71
لذلك فإن املشرع أسند مهمة الفصل في صعوبات التنفيذ ،للقضاء املستعجل (ف ،119
138 ،133من ق.م.م ).وملا كان ألامر كذلك ،فإن دعوى صعوبة التنفيذ يجب أن تتوفر فيها
مواصفات الدعوى الاستعجالية التي من أهمها :توفر حالة الاستعجال من جهة ،وعدم
املساس بأصل الحق من جهة أخرى ،باإلضافة إلى جدية املنازعة التي نصت عليها
مقتضيات الفصل 133من ق.م.م.
وحالة الاستعجال ،تتمثل في دعوى صعوبة التنفيذ ،في دفع الضرر املؤكد الذي يتعذر
تداركه أو إصالحه إذا ما حدث كهدم بناء مثال.
وعدم املساس بالحق يقتض ي بأن ال يتطرق موضوع الصعوبة في التنفيذ إلى تفسير الحكم
املراد تنفيذه ،أو تأويله ،ألن مثل هذه املهمة قد أسندت إلى املحكمة املصدرة للحكم.
هذا مع العلم بأن عدم املساس بأصل الحق ،ال يقتض ي عدم إلاضرار بطرفي الحكم ،أو
أحدهما ،بل إن التدبير الذي قد يتخذه قاض ي املستعجالت ،يكون مضرا أحيانا بطالب
التنفيذ بحرمانه مؤقتا من تنفيذ الحكم ،كما يمكن أن يضر بمصالح املحكوم عليه
بحرمانه من أشياء كان يعتقدان أن الحكم ال يشملها.
وبذلك فإن عدم املساس بالحق في هذه الدعوى يعني فقط عدم تأويل أو تفسير الحكم
املراد تنفيذه.
.2القضاء املختص ملعالجة صعوبة التنفيذ:
إذا كان القضاء املستعجل هو املختص بالنظر في دعوى صعوبة التنفيذ فإن لقضاء
املستعجالت جهات متعددة ،إذ أن هذه املهمة وإن كانت مسندة أساسا إلى رئيس املحكمة
الابتدائية ،فإنها قد تسند إلى الرئيس ألاول في حاالت معينة ،كما أنه ملا كان تنفيذ الحكم،
قد يكون خارج الدائرة الترابية للمحكمة املصدرة له فإن للبعض أن يتساءل عن القضاء
املستعجل الذي سينظر في دعوى صعوبة التنفيذ أهو رئيس املحكمة املصدرة للحكم ،أو
هو رئيس املحكمة التي يجري التنفيذ في دائرتها؟.
ولتوضيح ذلك نقول:
71
إن ألاحكام القابلة للتنفيذ نوعان:
أ)أحكام نهائية بحكم استئنافي أو حكم ابتدائي أصبح نهائيا ،وفي هذه الحالة ال يمكن أن
تثار صعوبة التنفيذ في ألاحكام آلانفة الذكر إال أمام رئيس املحكمة قاض ي املستعجالت.
ب)أحكام غير نهائية ولكنها مشفوعة بالتنفيذ ملعجل بنص الحكم أو القانون ،وفي هذه
الحالة فإنه إذا ما أثيرت صعوبة في تنفيذها فعلينا أن نحدد موقع ومكان نزاع ألاصل،
وعلى ضوئه يمكن أن نحدد القضاء املستعجل املختص ،ذلك أنه إذا كان نزاع ألاصل قد
عرض على محكمة الاستئناف ،كان الرئيس ألاول هو املختص بالنظر في مثل هذه الدعوى
(الفقرة ألاخيرة من ف 119من ق.م.م.).
ومفهوم نزاع ألاصل الذي يكون قد عرض على محكمة الاستئناف ،يبتدئ مفعوله منذ
وضع مقال الاستئناف في صندوق املحكمة ،ولو لم يكن امللف أحيل بعد على محكمة
الاستئناف.
كما أن الرئيس ألاول ،يبقى مختصا حتى في حالة التعرض على قرار محكمة الاستئناف،أو
أثيرت أمام محكمة الاستئناف دعوى تعرض الغير الخارج عن الخصومة ،أما إذا انتهى نزاع
ألاصل أمام محكمة الاستئناف فإن حق النظر في صعوبة التنفيذ يعود إلى رئيس املحكمة.
أما فيما يخص الصعوبة املثارة حول تنفيذ حكم يباشر خارج الدائرة القضائية للمحكمة
املصدرة للحكم فإن ألاصل كما هو معلوم هو أن تعمل كل محكمة على تنفيذ ألاحكام التي
تصدرها( ،ف 115من ق.م.م ).لكن ملا كانت كتابة الضبط التي تعمل في املحكمة املصدرة
للحكم ال يمكنها الانتقال للتنفيذ خارج الدائرة القضائية ،فإن كتابة الضبط املذكورة،
توجه الحكم بإنابة قضائية إلى نظيرتها بمحكمة مكان التنفيذ( ،ف 139من ق.م.م ،).وإذا
ما أثيرت صعوبة في تنفيذ الحكم آلانف الذكر ،فإن قاض ي املستعجالت ملحكمة مكان
التنفيذ ،ويستفاد هذا الاتجاه من سياق الفصل 133من ق.م.م ،.الذي يشير إلى أن
لصعوبة املشار بمناسبة التنفيذ تحال على الرئيس بالتعريف ،والتعريف في اصطالح
النحويين ال يكون إال ملعلوم ،والرئيس املعلوم لدى كتابة الضبط املنفذة ،هو الذي تعمل
72
بتوجيهاته ،وتحت إمرته ،وبذلك فإن صعوبة التنفيذ ال يمكن أن تثار في مثل هذه الحالة،
إال أمام رئيس محكمة مكان التنفيذ؟
.3أطراف الصعوبة:
أطراف صعوبة التنفيذ حسب مفهوم قانون املسطرة املدنية نوعان:
نوع يتعلق باألطراف املباشرة للحكم ونوع يتعلق بطرف غير مباشر في الحكم املراد تنفيذه.
أ)ألاطراف املباشرة :لقد نص الفصل 133من ق.م.م .الذي عالج مسطرة إثارة صعوبة
التنفيذ ،على أن لألطراف ،الحق في إثارة صعوبة التنفيذ ،وتحال على رئيس املحكمة من
املحكوم عليه ،أو املحكوم له ،من املنفذ نفسه.
إال أن الذي يالحظ بخصوص مقتضيات الفصل املذكور أن البعض يخلط بين إثارة
الصعوبة ـ وال يكون ذلك إال ألطراف الحكم املراد تنفيذه وإحالتها على رئيس املحكمة ،إذا
اعتقد البعض بأن لألطراف ،كما للمنفذ الحق في إثارة صعوبة التنفيذ ،وهذا نهج ال
يستقيم مع نسبية ألاحكام من جهة ،وال مع مهمة املنفذ التي يجب أن يطبعها الحياد
واملوضوعية من جهة أخرى ،وإذا ما أثار املنفذ صعوبة في التنفيذ ،فإنه سيكون قد حاد
عن املبادئ املشار إليها.
وفي هذا الاتجاه صدر قرار املجلس ألاعلى عدد 812 :الصادر بتاريخ 1991/1/11في امللف
املدني عدد 88/513املنشور في مجلة قضاء املجلس ألاعلى عدد 15 :صفحة 25وقد جاء
في حيثيات املجلس ما يلي :لكن حيث أن الصعوبة في التنفيذ ال يثيرها رئيس كتابة الضبط،
وإنما يثيرها ألاطراف،وفي النازلة ،ألاطراف هم البنك ش من جهة ،والسيد عبد هللا الرافعي
ومن معه ،أما رئيس كتابة الضبط الذي رفع استفسار إلى السيد رئيس املحكمة الابتدائية،
حول وجود صعوبة في التنفيذ فقد رفعها بالنيابة عن الطرف الثاني في الدعوى ،وليس
طرفا أصليا في رفع الاستئناف ضده ولذلك كان على الطرف الثاني املستأنف أن يرفع
الاستئناف ضد الخصم والطرف ألاصلي مما كن معه القرار معلال تعليال سليما فالوسيلة
غير مرتكزة على أساس.
73
ب)الطرف غير املباشر :فالطرف غير املباشر هو الذي لم يكن طرفا في نزاع الحكم املراد
تنفيذه وله حالتان.
.1حالة الغير التي ال صلة له البتة بأطراف النزاع ،وهي الحالة التي عالجها املشرع في
الفصلين 182 ،138من ق.م.م:
ذلك أن املشرع قد خول للغير الذي تحجز أمواله تنفيذا لحكم لم يكن طرفا فيه ،إمكانية
انتزاع ممتلكاته من يده للتنفيذ عليها ،باللجوء إلى رئيس املحكمة ،الستصدار أمر بتأجيل
التنفيذ على املحجوزات إن كانت من النوع املنقول ،إلى حين الفصل في استحقاقها من
طرف محكمة املوضوع.
أما إذا تعلق ألامر بحجز عقار الغير الذي ليس طرفا في الحكم املراد تنفيذه فإن لهذا ألاخير
الحق في إبطال ذلك الحجز بإقامة دعوى استحقاق العقار املذكور ،ولكن قد يحدث ،أن
املنفذ يصر على متابعة مسطرة التنفيذ رغم إقامة دعوى استحقاق لسبب ما كما الختال
في حدود العقار أو نوعه ،وفي هذه الحالة ال يمكن تفادي ذلك إال بعرض ألامر على رئيس
املحكمة ،الستصدار أمر بتأجيل التنفيذ على العقار املحجوز إلى حين الفصل في دعوى
الاستحقاق.
.2حالة الغير الذي ليس طرفا في النزاع ولكن له آصرة باملنفذ عليه وتصبح مصالحه مهددة
كما هو الحال بالنسبة للخلف الخاص للمنفذ عليه كالذي يكون قد اشترى سيارة املنفذ
عليه لكن عملية نقل امللكية الزالت لم تتم بعد فعمد ملنفذ إلى حجزها حجزا تنفيذيا،وفي
هذه الحالة ،لم يكن ملعني باألمر بد من الالتجاء إلى مسطرة تعرض الغير الخارج عن
الخصومة أمام الجهة املصدرة للحكم ،كما قد يلجأ إلى رئيس املحكمة للمطالبة بإيقاف
التنفيذ دفعا ملا سيلحقه من ضرر ،وهذه الدعوى يرى البعض أنها تندرج في إطار صعوبة
التنفيذ بينما يرى آخرون أنها ليست كذلك ،وبخصوص النظر في هذا النوع من إشكاالت
التنفيذ ،ظهرت عدة اتجاهات في القضاء املغربي ،اتجاه اعتبر أن املتعرض تعرض الغير
الخارج عن الخصومة أصبح معنيا بالخصومة التي كانت بين ألاطراف الظاهرة للحكم،
فخولته الحق في إثارة صعوبة التنفيذ.
74
بينما الاتجاه الثاني ،اعتبر أن املتعرض تعرض الغير الخارج عن الخصومة ليس طرفا في
الخصومة ويعد أجنبيا عن النزاع ،وإذا كان ألامر كذلك ،فليس من حقه إثارة صعوبة
التنفيذ أمام رئيس املحكمة ،وال يمكن أن يكون ادعاءه عرقلة في التنفيذ ،وهذا الاتجاه هو
الذي كرسه قرار املجلس ألاعلى الصادر بتاريخ 91/13/13تحت عدد 315في امللف املدني
عدد 83/1221املنشور في مجلة قضاء املجلس ألاعلى عدد 15ص 33وقد جاء في حيثيات
املجلس:
"حيث تبين صحة ما عابه الطالب على القرار ،ذلك أنه بناء على مبدأ نسبية ألاحكام،
فاملطلوبة لم تكن طرفا في ألامر عدد ،83/232 :الذي لم يصدر في مواجهتها ،وبذلك لم تكن
لها الصفة في إثارة الصعوبة التي أناطها الفصل 133من قانون املسطرة املدنية باألطراف
دون غيرها ،وكان السبيل الوحيد بيد املطلوبة للدفاع عن حقوقها هو سلوك مسطرة
تعرض الخارج عن الخصومة فالوسيلة مرتكزة على أساس وتعرض القرار للنقض".
لكن إذا لم يكن من حق املتعرض الغير الخارج عن الخصومة الحق في إثارة صعوبة
التنفيذ فإن من حقه أن يلجأ إلى قاض ي املستعجالت بطلب تأجيل التنفيذ في إطار الفصل
119في انتظار الفصل في دعوى تعرض الغير الخارج عن الخصومة دفعا للضرر الذي
يتهدده.
.1آثار دعوى صعوبة التنفيذ:
إن دعوى صعوبة التنفيذ ككل دعوى يجب أن يتوفر فيها ما يتوفر في كل دعوى من صفة
وأهلية ومصلحة باإلضافة إلى جدية الطلب الذي هو العنصر املميز لهذه الدعوى مع إرفاقها
بالحجج التي ينوي املدعي اعتمادها أو الاحتفاظ بحقه في تقديمها أثناء املناقشة ،لذلك فإن
قوة حجج املدعي وضعفها ستنتهي حتما بقبول الدعوى أو ردها.
وإذا كان عدم قبول دعوى صعوبة التنفيذ ال يثير أي إشكال بخصوص مواصلة مسطرة
التنفيذ ،فإن عدة تساؤالت تطرح عند الاستجابة لطلب مثير الصعوبة إذ في هذه الحالة
يصدر ألامر بوقف إجراءات التنفيذ بصفة مؤقتة ،والسؤال ألاهم الذي يتبادر إلى الذهن
هو إلى متى ستظل هذه الوقتية معرقلة لتنفيذ حكم أصبح قابال للتنفيذ.
75
إن مقتضيات الفصل 133من ق.م.م.تنص على أنه إذا ثبت للرئيس جدية الطلب ،أمكنه
إصدار ألامر بوقف التنفيذ إلى أن يبث في ألامر.
ويقصد بالبث في ألامر لجوء من يعنيه ألامر من الطرفين إلى املحكمة املصدرة للحكم املراد
تنفيذه لتوضيح إلاشكال الذي ارتأى الرئيس بأنه يشكل صعوبة في التنفيذ ،ولم يحدد
املشرع أجال لرفع هذه الدعوى ،على غرار ما فعل في الفصل 138من ق.م.م .ورغم ذلك
فإن مسطرة التنفيذ تظل موقوفة إلى حين إقامة الدعوى املشار إليها والفصل فيها بحكم
نهائي ،وإال فإن التوقف سيظل ساري املفعول إلى حين تقادم مسطرة التنفيذ ،أو استصدار
أمر استعجالي آخر بالعدول عنه إذا تغيرت الظروف التي صدر في ظلها ألامر ألاول.
هذا فيما يخص صعوبة التنفيذ املثارة من بل أطراف النزاع في إطار الفصل 133من
ق.م.م.
أما فيما يخص صعوبة التنفيذ التي يمكن إثارتها من طرف ألاغيار (ف 138من ق.م.م ).فإن
الاستجابة للطلب تقتض ي وقف إجراءات التنفيذ على تلك املحجوزات في انتظار الفصل في
دعوى استحقاقها بحكم نهائي ،ودعوى الاستحقاق يجب أن تعرض على قضاء املوضوع
داخل أجل ثمانية أيام من تاريخ ألامر بوقف التنفيذ ما ملتكن أقيمت قبل ذلك.
إذن فقرار محكمة املوضوع ،أو مض ي أجل الثمانية أيام دون إقامة تلك الدعوى هو الذي
سيقرر مصير إجراءات التنفيذ التي صدر ألامر بوقفها مؤقتا.
فغذ حكمت محكمة الستحقاق برفض دعوى الغير ،أو حكمت بعدم قبولها ،أو أن دعوى
الاستحقاق لم تقم داخل أجل الثمانية أيام املنصوص عليها قانونا ،فإن املنفذ يواصل
إجراءات التنفيذ على املحجوزات إلى نهاية مسطرة التنفيذ.
غير أن ما تجدر إلاشارة إليه بخصوص مقتضيات الفصل 138من ق.م.م .هو أن لطالب
التنفيذ الذي واجهه الغير بأن ألاموال التي انصب عليها الحجز ليست ملكا للمنفذ عليه ،أن
يعدل عن ذلك الحجز ،ويطالب بحجز أموال أخرى للمنفذ عليه،تفاديا لوقف إجراءات
التنفيذ ،وفي ذلك تنازل ضمني عن الحجز السابق وإن اقتض ى الحال قدم إشهادا مكتوبا
76
للمنفذ بالتنازل عن الحجز املشار إليه حسما لكل منازعة قد تثار في شأن ذلك الحجز
السابق.
كانت هذه أيها السادة والسيدات ،باختصار مجمل إشكاالت التنفيذ التي قد تحول مؤقتا
دون تنفيذ حكم ما ،فتطيل أمد النزاع بين الطرفين أحيانا ،وبين املحكوم له والغير أحيانا
أخرى.
هللا. وهللا املوفق للصواب والسالم عليكم ورحمة
77
املوارد البشرية ليشمل أنشطة رئيسية من أهمها تحليل وتوصيف الوظائف ،تخطيط
املوارد البشرية ،جذب واستقطاب املوارد البشرية ،تحفيز املوارد البشرية ،تنمية وتدريب
املوارد البشرية ،باإلضافة إلى النشاط التقليدي املتعلق بشؤون املوارد البشرية في
املنشأة)2(.
ج-أهم التعاريف إلدارة املوارد البشرية
التعريف ألاول:
هي إلادارة التي تؤمن بان ألافراد العاملين في مختلف املستويات أو نشاطات املؤسسة هم
أهم املوارد ومن واجبها أن تعمل على تزويدهم بكافة الوسائل التي تمكنهم من القيام
بأعمالهم ملا فيه مصلحتها ومصلحتهم وأن تراقبهم وتسهر عليهم باستمرار لضمان نجاحهم
ونجاح العامة)3( .
التعريف الثاني:
إدارة املوارد البشرية هي سلسلة القرارات الخاصة بالعالقات الوظيفية املؤثرة في فعالية
املنظمة والعاملين فيها)1(.
التعريف الثالث:
يعرف فرانراش إدارة املوارد البشرية بأنها عملية اختيار واستخدام وتنمية وتعويض املوارد
البشرية العاملة في املؤسسة.
التعريف الرابع:
يعرف فيليبو إدارة املوارد البشرية بأنها تخطيط وتنظيم وتوجيه ومراقبة النواحي املتعلقة
بالحصول على ألافراد وتنميتهم وتعويضهم واملحافظة عليهم بغرض تحقيق أهداف املنشأة.
ثانيا :تطور إدارة املوارد البشرية
أ :أسباب ظهورها
1-التوسع والتطور الصناعي الذي تم في العصر الحديث ساعد على ظهور التنظيمات
العاملية ،وبدأت نظهر املشاكل والصعوبات والصراعات بين إلادارة واملوارد البشرية
وحاولت الغدارة استخدام بعض ألاساليب ملواجهة هذه املشاكل ولكن ذلك لم يقلل من
الحاجة إلى وجود إدارة متخصصة تراعي املوارد البشرية وتعالج مشاكلها.
78
2-التوسع الكبير في التعليم وفرض الثقافة العامة أمام املوارد البشرية أدى إلى زيادة وعي
القوى العاملة نتيجة ارتفاع مستواهم التعليمي والثقافي وتطلب ألامر وجود متخصصين في
إدارة املوارد البشرية ووسائل حديثة أكثر للتعامل مع هذه النوعيات الحديثة من املوارد
البشرية.
3-زيادة التدخل الحكومي في عالقات العمل بين العمال وأصحاب ألاعمال عن طريق إصدار
القوانين حتى ال تقع املنشأة في مشاكل مع الحكومة نتيجة لعدم التزامها بهذه القوانين.
4-ظهور النقابات والتنظيمات العاملية التي تدافع العن املوارد البشرية وتطلب املر ضرورة
الاهتمام بعالقات إلادارة واملنظمات العاملية من ثم كانت أهمية وجود إدارة متخصصة
لخلق جو من التعاون الفعال بين إلادارة واملنظمات العاملية وإعادة سياسات جديدة
للعالقات الصناعية.
5-تشريع العمل الذي ظهر هو آلاخر والتزامات املؤسسة في ميادين إلاعالم واملشاركة وتسيير
التشاور بمعنى آخر الديمقراطية لغدارة.
ب :تطور تسيير املوارد البشرية
عادة ما يتم تجميع نشاطات إدارة ألافراد في وحدة تنظيمية واحدة يطلق عليها أحيانا
إلادارة إلادارية ،في البداية يمكن القول أنها وظيفة تضمن أو تؤمن مجموع النشاطات التي
تضع تحت تصرف املؤسسة العناصر البشرية الضرورية عدديا ونوعيا أي كما وكيفا لتكون
في خدمتها ،وعلى مر العقود الزمنية ألاخيرة نجد أن الوظيفة قد تميزت بتطورين إثمين إلى
حد ما التطور ألاول أدى على التطور الثاني.
•التطور ألاول:
كان فيما يتعلق بإصالح املستعمل في املنظمات من أجل إلاشارة والتدليل على مسئول
وظيفة تسيير املوظفين أو ألافراد وهذا املصطلح إلى حد ما ،وحسب التسلسل الزمني أخذ
ألاشكال التالية:
-رئيس املوظفين
-مدير ألافراد
79
-مدير الشؤون الاجتماعية
-مدير املوارد البشرية
كتوصيف للدور الذي غالبا ما كانت تعهد به إدارة املوارد البشرية هذه ألاخيرة التي يرمز لها
بالرمز DRHفاملسير أو املدير من املستوى العالي يمكن له أن يبحث في أوج حاجات املنظمة
وكذلك طموحات ألافراد غير أن هذا التصنيف مختصر وذلك ألن هناك رؤساء مستخدمين
يمكن أن يتورطوا في املسائل إلانسانية والسبب هو بيروقراطية البعض منهم.
•التطور الثاني:
لقد حصل في محتوى أو تنظيم وظيفة تسيير ألافراد نفسها خاصة أهدافها وغاياتها
وسياساتها تطور واسع بفضل بعض الدراسات .ولكن تجاهل بعض املفكرين وعلماء
التسيير وإلادارة ما ظهر منها بعد الثورة الصناعية وتخصيص نظام املصنع وبروز دور
املنضمين واملسيرين لذلك كله برزت الحاجة إلى علم وممارسات مستقلة للموارد البشرية
عندما بدأت عالقات العمل والعاملين في التعقيد وظهر ذلك جليا بعد الثورة الصناعية
وظهور آلاالت واملجتمعات.
وهذه ملحة سريعة عن محتوى إدارة ألافراد وتسيير املوارد البشرية
-الثورة الصناعية
-ظهور الحركات العاملية و الاتحادات والنقابات.
-ظهور إدارة ألافكار العلمية.
-ظهور حركة العالقات إلانسانية
-بداية ظهور بعض ممارسات ألافراد
-بداية ظهور بعض املتخصصين في تسيير املوارد البشرية
ثالثا:أهمية وأهداف إدارة املوارد البشرية
81
-تصنع الخطط املناسبة للتدريب.
-تقوم بدراسة مشاكل ألافراد ومعالجتها.
-تختار ألافراد املناسبين لشغل الوظائف.
ب :أهداف إدارة املوارد البشرية
هناك نوعين من ألاهداف هما املشاركة والفعالية.
1-املشاركة :وتتمثل فيما يلي
•استقطاب واختيار املوارد البشرية القادرة على تحقيق أهداف املؤسسة
•التعريف باملؤسسة بشكل سليم بحيث يرغب طالبي العمل في الانضمام إلى املنظمة.
81
تعني تحديد احتياجات املنظمة من أنواع وأعداد العاملين ويتطلب هذا تحديد طلب
املؤسسة من العاملين وتحديد ما هو معروف ومتاح منها واملقارنة بينها لتحديد صافي العجز
والزيادة في القوى العاملة للمؤسسة
-الاختيار والتعيين:
وتهتم هذه الوظيفة بالبحث عن العاملين في سوق العمل وتصفيتهم من خالل طلبات
التوظيف والاختيار واملقابالت الشخصية وذلك لوضع الفرد املناسب في املكان املناسب.
-تصميم هيكل الجور:
وتهتم هذه الوظيفة بتحديد القيمة وألاهمية النسبية لكل وظيفة وتحديد أجرها وتحديد
الدرجات ألاجرية للوظائف كما تهتم الوظيفة بإدارة سليمة لنظام ألاجور حتى يتم ضمان
مقابل للقيم والهيئات املختلفة للوظائف املختلفة.
أ :2-الوظائف الثانية
أي الوظائف التي تأتي بعد تحسين الفرد في عمله
–تصميم أنظمة الحوافز:
وتعني منح مقابل عادل لألداء املتميز ويمكن تحفيز العاملين على أدائهم الجماعي فتظهر
الحوافز الفردية والحوافز الجماعية وأيضا هناك حوافز على آداء املنظمة ككل.
-تصميم أنظمة مزايا وخدمات العاملين:
تهتم املؤسسة بمنح عامليها كمزايا معينة مثل املعاشات والتأمينات الخاصة باملرض
والبطالة كما تهتم املنظمات بتقسيم خدمات للعاملين في شكل خدمات مالية واجتماعية
رياضية وقانونية وقد تمتد إلى إلاسكان واملواصالت وغيرها.
-تقييم ألاداء:
تهتم كل مؤسسة تقريبا بتقييم أداء موظفيها ويتم ذلك من خالل أساليب معينة وغالبا ما
تقوم بتقسيم الرؤساء املباشرين بهدف التعرف على الكفاءة العامة للعاملين وبغرض
التعرف على أوجه التطور في ألاداء.
-التدريب:
82
تمارس املؤسسة أنشطة التدريب بعرض رفع كفاءة ألافراد ومعارفهم ومهاراتهم وتوجيه
واتجاهاتهم نحو أنشطة معينة على الشركة أن تحدد احتياجات املرؤوسين للتدريب وان
تستخدم ألاساليب والطرق املناسبة وأن تقيم فعالية هذا التدريب.
-تخطيط املسار الوظيفي:
تهتم هذه الوظيفة بالتخطيط للحركات الوظيفية املختلفة للعاملين في املؤسسة وعلى
ألاخص فيما يخص النقل والترقية والتدريب ويحتاج هذا إلى التعرف على نقاط القوى لدى
الفرد ونقاط الضعف لديه.
ب -الوظائف املساعدة إلدارة املوارد البشرية
1-العالقة مع النقابات:
وهي وظيفة تهتم بتنظيم العالقات مع التنظيمات العمالية (النقابات) والتطرق إلى
املوضوعات مثل الشكاوي والنزاعات العاملية والفصل من الخدمة.
2-أمن وسالمة العاملين :وهي تهتم بإجراءات الحفاظ على سالمة العاملين وألامن والصحة
الاتجاهات النفسية السليمة لهم.
3-ساعات وجداول العمل :وتهتم هذه الوظيفة بتحديد ساعات العمل والراحة وإلايجارات
وفقا لنظام يناسب طبيعة املؤسسة ووضع نظام بتكفل بكفاءة العامل.
خامسا :موقع إدارة املوارد البشرية في الهيكل التنظيمي للمؤسسة
إن الهيكل التنظيمي يعني الصرح الرسمي املقرر من قبل إدارة املؤسسة بحيث أنها تبين
جميع النشاطات والعمليات التنسيقية واملهام املختلفة التي يوكل بها أعضاء املؤسسة .
ومن هنا فإن كل زيادة في حجم ألاعمال والنشاطات التي تتطلبها املشاريع عادة ما يتبعها
تعديل في الهيكليات ،وأحيانا تغيير في تصميمها ،فاملالك الوحيد ال يحتاج لهيكلة إدارية
ألنه باستطاعته أن يقوم لوحده بكافة العمال إلادارية التي تتطلبها نشاطات مشاريعه
الصغيرة ،سواء إنتاجية أو تسويقية أو ماليا ،لكن مع زيادة حجم املشاريع وكميات إلانتاج
،ويتعذر على صاحب العمل أن يؤدي لوحده الوظائف إلادارية ومنها وظيفة إدارة ألافراد ،
ومن هنا بدأ التفكير جديا في تحدي وخلف إدارة ألافراد وتحديد موقعها من الهيكل
التنظيمي للمؤسسة ،كنتيجة لتطور إدارة املؤسسات وتعدد أنواع املؤسسات وازدياد
أحجامها وتعدد مالكيها وانتشارهم في كل مكان ،وثم رافق هذا التطور إلدارة املوارد
83
البشرية تطورا في صالحياتها وكان من بين غاياتها دعم إلادارات عن طريق تزويدها باملوارد
البشرية الفاعلة والقادرة على تحقيق ألاهداف املرجوة .بالرغم من تعدد الهياكل في
املؤسسة فإننا!
نجد أنم املؤسسات املتوسطة والكبيرة الحجم تعمد إلى تجميع وتقسيم الوظائف ضمن
وحدة أو وحدات متخصصة في شؤون املوارد البشرية سواء عن طريق خلق جهاز مركزي
إلدارة ألافراد له حق إلاشراف الوظيفي على إدارة الفروع أو عن طريق اعتماد ال مركزي له
حق التنسيق مع الفروع مع ترك الاستقاللية التامة لنشاطاتها الداخلية .من أكثر
التقسيمات الهيكلية املعتمدة وخاصة لدى املؤسسات الصناعية وإلانتاجية ،هو التنظيم
الوظيفي على أساس العمليات أو النشاطات ذات الاختصاص الواحد أو الاختصاصات
املتشابهة .بحيث أن كل قسم ،وحده وظائفيا القيام بالنشاطات املسندة إليه.
خاتمة:
من خالل ما تقدم تبين لتا بأن إدارة املوارد البشرية تعتبر بمثابة القلب النابض لإلدارة
الحديثة وذلك ألنها تضطلع بوظائف ومهام تعزز مكانتها في الهيكل التنظيمي للمؤسسة
وتجعلها وسيلة من وسائل البقاء والديمومة في النشاط والنجاح.
84
القضائيين بما يتوازن وروح التشريع وتحقيق العدل بين مكونات املجتمع ،وال يختلف لديه
في ذلك ألافراد أو الجماعات وألاشخاص املعنوية أو إلادارة واملؤسسات العمومية ،إذ أن
ألامن القضائي يعتبر حقيقة مالذا للكل لدرء تعسف البعض وطغيانه.
كما أثبتت التجارب إلانسانية العاملية أنه مهما وضعت النصوص القانونية املالئمة فإنها
تبقى دائما قاصرة عن إيجاد الحلول لكل النوازل والقضايا ،ألنها تبقى أوال من صنع البشر
املتسم بطبيعته بالنقص ،وألنها -أي النصوص -تتناهى باعتبار عددها ،علما ان الوقائع ال
تتناهى من حيث دالالتها فيبقى املالذ إذن هو القضاء لتدبر هاته الوقائع الال متناهية
والاجتهاد الخالق في إيجاد حلول لها.
وعليه فانه لتوفير ألامن القضائي ينبغي تأهيل مهنييه ،كما جاء في خطاب جاللة امللك
محمد السادس بمناسبة عيد العرش والذي جاء فيه " يتعين على الجميع التجند لتحقيق
إصالح شمولي للقضاء لتعزيز استقالله الذي نحن له ضامنون ،هدفنا ترسيخ الثقة في
العدالة وضمان ألامن القضائي الذي يمر عبر ألاهلية املهنية والنزاهة والاستقامة وسيلتنا
صيانة حرمة القضاء وأخالقياته ومواصلة تحديثه وتأهيله"...
وبالتالي فان الامن القضائي يعتبر احدى الوظائف الاساسية للدولة ،هذا الاخير له دور
فعال في حماية الحقوق واستقرار املعامالت والتحفيز على الاستثمار من اجل تحقيق التنمية
الاقتصادية والاجتماعية ،حيث اولى املشرع املغربي عناية خاصة للجهاز القضائي ،وذلك
بجعله كسلطة مستقلة عن السلطة التشريعية والتنفيذية ،والتي تعتبر من اولى الخطوات
لتحقيق الامن القضائي.
إذا كان تاريخ املغرب قد أفرد للقضاء مكانة هامة ومحورية في ترسيخ وحدة الدولة
والحفاظ على مقوماتها ،وذلك بوجود سلطة قضائية مستقلة بكل ما تحمله هذه الكلمة
من معاني ودالالت ،يكون هدفها خدمة املواطن وحماية حقوقه وحرياته وأمنه القضائي
والتطبيق العادل للقانون.
حيث أصبحت حقوقا دستورية لفائدة املواطن والتزاما يقع على عاتق القضاء أداؤه
وتنفيذه على أحسن وجه ،وفي هذا السياق فإن أهمية املرحلة التي يعرفها املغرب بعدما
أصبحت الوثيقة الدستورية الجديدة سارية املفعول بعد استنفاد كافة آلاليات القانونية
والديمقراطية وإتباع منهج تشاركي تشاوري سواء في اقتراحها أو إعدادها أو بلورتها ومن ثم
نشرها في الجريدة الرسمية ،تفرض علينا آلان إنزالها إلى أرض الواقع وتفعيلها ليحس
85
املواطن واملتقاض ي بآثارها امللموسة على أمنه القضائي .هذا التفعيل إلايجابي يقتض ي منا
تحليل املوضوع من كافة جوانبه املتشعبة ومناهجه املتنوعة ،إذ يحمل أبعادا قانونية
وحقوقية واقتصادية واجتماعية ودينية وأخالقية وسياسية ،ويكتس ي أبعادا وطنية ودولية
ويطرح الكثير من املقاربات واملداخل ويفرض الكثير من التساؤالت والتصورات.
والحقيقة ان موضوع الامن القضائي هو من املواضيع التي تحتفظ براهنيتها املمتدة في
الزمن املستقبل ،فهو مقياس اصيل في بناء دولة الحق والقانون وسيادة ثقافة حقوق
الانسان والحكامة الجيدة في تدبير الشان العام عموما والشان القضائي على وجه
الخصوص ،سيما وان معدل الثقة في القانون وفي جهاز العدالة اصبح يتراجع يوما بعد يوم
وهو ما اثر سلبا على فرص الاستثمار الاجنبي ببالدنا باعتباره املعول عليه من اجل تحقيق
التنمية الاقتصادية والاجتماعية املنشودة .كل هذا يدفعنا الى التساؤل الى أي حد يلعب
الامن القضائي دوره في تحقيق التنمية؟
لإلجابة على هذا إلاشكال سوف تعتمد على املنهجية التالية
86
يعتبر رهانا قويا لتوفير أمن قضائي بجودة عالية للمترفقين -أي املترددين على مرفق
القضاء ،-و استقالل القضاء هو مبدأ دستوري و عالمي عملت جل الدساتير على الاخذ به.
كل هذا يدفعنا الى مناقشة دور استقالل السلطة القضائية في توفير ألامن ( الفقرة ألاولى) و
مسألة استقالل القاض ي و نزاهته و دورهما في تحقيق ألامن القضائي ( الفقرة الثانية).
87
بإرادة حقيقة وواعية بأن استقالل السلطة القضائية هو من بين الخطوات لبناء دولة
الحق و القانون و توفير ألامن القضائي.
املطلب الثاني :ظاهرة تحوالت الاجتهاد القضائي و انعكاسها على ألامن القضائي
88
تأسيسا على الدستور الجديد الذي شكل طفرة نوعية في مجال حقوق إلانسان ،بتكريسه
للحق في ألامن القضائي ،بخالف التشريع املقارن فالدستور الفرنس ي الحالي ال يشير مطلقا
إلى الحق في ألامن القانوني أو القضائي ،مما دفع املجلس الدستوري إلى رفض اعتبار ألامن
القانوني مبدأ دستوريا قائم الذات ،و إنما اعتبره مجرد معيار ضمني ملراقبة دستورية
القوانين.
و بالرجوع للدستور املغربي نجد الفصل 111من الدستور نص على أنه "ال يلزم قضاة
ألاحكام إال بتطبيق القانون وال تصدر أحكام القضاء إال على أساس التطبيق العادل
للقانون" .
فإن تطبيق مبدأ دولة الحق و القانون يفرض على املجتمعات أن تضمن الاستقرار و عدم
التراجع عن القواعد التي تم الاعتراف بها داخلها ،وهو أمر ينطبق على جميع مؤسساتها بما
فيها القضاء .فاعتماد تفسير موحد للقانون من طرف القضاة هو عنصر من عناصر
استتباب ألامن داخل الدولة ،فبفضله يمكن للمتقاضين توقع نتيجة أفعالهم ،بمنأى عن
كل تعسف.
حيث يستشف أن ظاهرة التحوالت الطارئة على الاجتهاد القضائي تعتبر جزءا ال يتجزأ من
حياة القضاء ،وعالمة على تالؤمه مع الواقع وعدم تخلفه عن ركب التطور ،إال أنها تشكل
خطرا حقيقيا على ألامن القضائي .وانطالقا مما أشرنا إليه سنحاول إبراز مدى تأثير السلبي
لتحوالت الاجتهاد القضائي على ألامن القضائي (الفقرة ألاولى) ثم السبيل ملعالجة هذا
التأثير(الفقرة الثانية) .
الفقرة ألاولى :مدى تأثير السلبي لظاهرة تحوالت الاجتهاد القضائي على ضمان ألامن
القضائي
من املؤكد أن تحوالت الاجتهاد القضائي بصرف النظر عن مسبباتها و شرعيتها من شأنها أن
تخلق جوا من الاضطراب و عدم الاستقرار ،و عدم الشفافية في تطبيق القاعدة القانونية،
كما أنها تجهز على الثقة املشروعة للمواطن ،و التي تولدت لديه في سياق استتباب ألاوضاع
القانونية التي أجرى تصرفاته في ظلها ،و ألاخطر من ذلك أنها قد تسطو في غفلة منه ودون
توقعه على حقوقه املكتسبة في ظل الاجتهاد السابق.
89
فاالجتهاد القضائي الجديد يطبق بقوة القانون و بأثر رجعي على جميع ما كان بإمكان
ألاشخاص القيام به أو الامتناع عنه استنادا لنص و روح الاجتهاد القضائي القديم.
و حتى مع اعتبار أن القرار القضائي موضوع الاجتهاد الجديد دعوى ال يهم سوى أطرافه
وفق مبدأ نسبية ألاحكام ،فإن رجعية الاجتهاد القضائي تشمل الجميع ،أطراف الدعوى أو
غيرهم ،ذلك أن مفعول الاجتهاد القضائي الجديد يسري عليهم بشكل غير مباشر و يخالف
توقعاتهم ومبادراتهم ،بل إنهم قد يتعرضون للجزاء دون تنبيه أو إخطار من أجل فعل أو
امتناع لم يكن غير شرعي وقت اقترافه.
حيث أن قواعد الاجتهاد القضائي الثابتة و املستقرة تمنح الفاعلين مع مرور الوقت رؤية
واضحة و إطار لتصرفاتهم ،بينما تحوالت الاجتهاد القضائي ورجعيته تؤثر سلبا على هذا
النظام.
وقد عبر الفقه بقوله أن" تحول الاجتهاد يترتب عنه عدم ألامن القانوني ،فالحل الجديد
الناتج عن التحول يطبق بقوة القانون على القضايا التي ارتبطت على ضوء الثقة في الحل
القديم" .
و يمكن القول أن املشرع عندما وضع مبدأ عدم رجعية القوانين لم يضع مبدأ لعدم رجعية
الاجتهاد القضائي ،ربما يمكن تبرير ذلك أنه لم يكن واعيا حينها لالجتهاد القضائي من قيمة
قانونية و ما لتحوله من أثر على ألاوضاع القانونية.
وإلبراز أهمية تحوالت الاجتهاد على املراكز القانونية للخصوم في الدعوى و إطارها القانوني
سنورد بعض النماذج من العمل القضائي:
قرار املجلس ألاعلى "،أتاح ملن تجاوز أرضه إلى أرض غيره ولو كانت عقارا محفظا وبنى فيها
بحسن نية أن يمتلك هذا البناء استنادا لحكم املحكمة التي يحق لها في إطار تطبيقها
للقاعدة الفقهية بإزالة الضرر أن توازن بين الضررين اللذين التقيا ،وهما الضرر الذي
سيحصل للباني من جراء هدم ما بناه في ملك الغير ،و الضرر الذي سيحصل للمالك
بسبب تخليه دون إرادته عن جزء من ملكه مقابل حصوله على تعويض بالقيمة ،و أن
تقرر تغليب أخفهما ،وهو ما يفيذ ضمنيا إجبار مالك العقار على التخلي عن ملكه بمقتض ى
حكم نهائي ،في حين أن الاجتهاد القضائي املستقر أن البناء في ملك الغير ال يخول للباني ولو
كان حسن النية حق تملك البناء أو العقار الذي بني فيه" .
91
نلمس من القرار أن ألاوضاع و املراكز القانونية القائمة قبل الاجتهاد القضائي يطرأ عليها
بفعله و بصورة فجائية تغيير جذري و حاسم ،بل ألاكثر من ذلك أن تحول الاجتهاد
القضائي في مجال القضاء الجنائي يمس في الصميم مبدأ شرعية الجرائم ،والذي بمقتضاه
يوكل للسلطة التشريعية و حدها تحديد صور السلوك املعاقب عليه.
الفقرة الثانية :سبل معالجة التأثير السلبي لتحوالت الاجتهاد على ضمان ألامن القضائي
استنادا ملا أقرت محكمة النقض الفرنسية ،بقولها " إن متطلبات ألامن القانوني و حماية
الثقة املشروعة املثارين من طرف الطاعن في وسيلة النقض للمنازعة في تطبيق املحكمة
املطعون في قرارها الجتهاد قضائي جديد يحد من حقه في التقاض ي ،ليس من شأنها تكريس
حق مكسب الجتهاد قضائي جامد وغير متحرك ،والذي يبقى تطويره من صميم و ظيفة
القاض ي في تطبيقه للقانون".
و رأينا أنه يمكن تبرير ذلك إلى حد ما ،بما جاء في تعبير سابق ،لكن يجب أن نسجل أن
الاجتهاد القضائي و تحوله يطبقان بأثر رجعي ،وهذه الرجعية من شأنها املساس باألمن
القانوني و القضائي و إلاضرار بالحقوق املكتسبة ،و إلاخالل بمبدأ املساواة أمام القانون و
القضاء.
ونؤكد في هذا السياق على أن الاجتهاد القضائي ال يعتبر محايدا باملرة ،و اعتبار الاجتهاد
القضائي ال يخلق القاعدة القانونية ،و إنما هو مجرد تفسير بريء لها ،و أن تحوالته ماهي
إال فهم جديد ملعنى قائم في النص القانوني وقت إنشائه ،لن يحقق لنا العدالة القانونية.
وينبغي الانطالق مما جاء به الدستور الجديد بتكريسه الحق الدستوري في ألامن القضائي،
بتحقيق ضمان ألامن القضائي بالحفاظ على ألاوضاع القانونية القائمة و تجنب الحكم
عليها بأثر رجعي ،وعند الاقتضاء وضع مقتضيات انتقالية للقاعدة الاجتهادية حتى يتمكن
الشخص من مالئمة تصرفاته وفقها.
كذلك نجد أن القضاء املقارن اعتمد تقنيات متنوعة لتخفيف من حدة تحول الاجتهاد
القضائي و فجائيته ،ففي انجلترا توجد تقنية overrulingوتقنية ، obiter dictumأما في
فرنسا أبدت محكمة النقض انشغاال بالتحوالت العديدة الجتهادها و أحدثت فريق عمل
للتفكير في إمكانية سن قانون انتقالي لتحوالت الاجتهاد القضائي في خلق القاعدة القانونية،
إال أنه لم يوص بسنه ،مالم يتم الاعتراف رسميا بدور الاجتهاد القضائي في خلق القاعدة
91
القانونية ،لكن باملقابل أوص ى بأن تعمد التشكيالت القضائية املوسعة بمحكمة النقض إلى
إقرار مبادئ بهذا الشأن ،وهذا ما أكدته محكمة النقض الفرنسية بتفعيلها بمقتض ى
قرارها الذي جاء فيه" يمكن تقييد ألاثر الرجعي للقاعدة الاجتهادية إذا كان من شأنه
حرمان الشخص من الحق في محاكمة عادلة طبقا ملدلول الفصل 3من الاتفاقية ألاوربية
لحماية حقوق إلانسان والحريات ألاساسية " ،ويمكن القول هنا أن تقييد ألاثر الرجعي
لالجتهاد القضائي الجديد لم يأت بمناسبة تطبيق قانون وطني ،وإنما أتى احتكاما لقانون
دولي مما يبين محدوديته.
وعلى املستوى الوطني أحدث املجلس ألاعلى سنة 2111هيئة لليقظة القانونية تحت
تسمية " مرصد الاجتهاد القضائي " انكبت في بداية عملها على معالجة ظاهرة تضارب
الاجتهاد القضائي عن طريق التنسيق والتواصل بين الهيئات القضائية املتعددة داخله و
التي بلغ عددها ،22ويعول عليه مستقبال لرصد و دراسة باقي أوضاع الاجتهاد القضائي و
تأثيره على املستويين القانوني و الاجتماعي.
ونأمل بمثل هذا النوع من التوجهات الجديدة ،و الضوابط املسطرية و غيرها من الضوابط
املوضوعية التي يمكن لها التخفيف من آلاثار السلبية لتحوالت الاجتهاد القضائي مما
يضمن حقوق ألاشخاص و تحقيق ألامن القضائي.
92
اعتبارا إلى الدور الذي يلعبه املغرب في مجال حقوق إلانسان و ذلك بانخراطه في مجموعة
الاتفاقيات و املعاهدات الدولية بمختلف أشكالها ،مما ساهم في العمل على إحداث محاكم
مختصة تماشيا مع القوانين الدولية ( الفقرة ألاولى) وكذلك مسألة ألازمة التي يعرفها ألامن
القضائي في ميدان ألاعمال(الفقرة الثانية)
93
التجارية و الخاصة باالختصاص النوعي ،علما أن العديد من املقاوالت اتجهت نحو
التصفية القضائية ال سيما في قطاع النسيج ،سواء املقاوالت الوطنية التي لم تقوى على
التنافسية أو املقاوالت ألاجنبية التي ذهبت تبحث عن فضاءات اقتصادية واعدة و أكثر
تحفيزا كما في تركيا و دول أوربا الشرقية سابقا ،بعد أن حققت أرباحا استطاعت في ظل
اقتصاد السوق تحويلها إلى بلدانها بكل يسر ،و النتيجة هي آالف العاطلين الجدد ينظمون
إلى جيوش العاطلين من الشباب القادر عن العمل ،مما أدى إلى فقد الثقة في سياسة
الحكومة التي تراهن على القطاع الخاص في الرفع من مؤشر التنمية ببالدنا عن طريق
إلاستثمار.
ورغم الدور الذي أصبحت تلعبه املحاكم التجارية على مستوى فض املنازعات التجارية،
فإن منازعات الاستثمار ال زالت يتم فضها خارج مؤسسات القضاء باالعتماد على التحكيم
و التوفيق و املصالحة التي تشكل بدائل حقيقية لحل املنازعات خارج مؤسسات القضاء،
فهل هذا يعني أن ألامن القضائي في ميدان ألاعمال ال زال يعيش أزمة تكون عائقا في
التنمية بالرغم من وجود محاكم تجارية مختصة؟
94
وفي ظل ألازمة التي خلقتها الروابط العقدية الدولية على مستوى تنازع القوانين و
الاختصاص القضائي ،اهتدى الفكر البشري إلى حل النزاع خارج مؤسسة القضاء
باالعتماد مثال على التحكيم أو الوساطة أو التوفيق.
كل هذا إن دل على ش يء فإنما يدل كما سبق بيانه على أن الروابط العقدية الدولية سواء
تعلق ألامر بعقود التجارة الدولية أو عقود الاستثمار أو عقود ألاحوال الشخصية التي يكون
أحد أطرافها عنصر أجنبي من الصعب الحسم فيها ولو في ظل وجود قواعد قانونية من
قبيل قواعد قانون الدولي الخاص ،أو وجود اتفاقيات ثنائية دولية خاصة بالتعاون
القضائي كما هو الحال مع فرنسا و بلجيكا ،وهو ما خلق أزمة تعرف بأزمة القانون الدولي
الخااص الناتجة باألساس عن اختالف ألانظمة القانونية عبر العالم ،و هو ما أصبحت تهتم
بالحد منه بعض املعاهدات الدولية ،حيث أصبحت ترتكز على التقريب بين العائالت
القانونية الرومانية الجرمانية و ألانكلوسكسونية ،بهدف عوملة الفكر القانوني كإحدى آلاثار
املباشرة لعوملة الاقتصاد الذي تتزعمه الواليات املتحدة الامريكية باعتبارها رائدة الاقتصاد
الليبرالي الحديث.
أما على مستوى التشريع الوطني و الذي هو بدوره يعاني من غياب مقتضيات تهم التحكيم
التجاري الدولي ألامر الذي كان يشكل إحدى املعيقات التي تحول دون استثمار ألاجنبي
ببالدنا ،مما يعيق التنمية في هذا البلد ،إال أنه تم تدارك هذا الفراغ التشريعي من خالل
إلاضافة التي تمت على مستوى قانون املسطرة املدنية حيث أصبح تشريعنا الوطني يتضمن
مقتضيات تخص التحكيم التجاري الداخلي و أخرى تعنى بالتحكيم التجاري الدولي ،و
يتعلق ألامر بقانون 18.15و الذي تأثر فيه املشرع املغربي فضال عن جده الفرنس ي باتفاقية
نيويورك لسنة ،1958وكذلك القانون النموذجي لتحكيم الصادر عن اليونسترال ،وكذلك
بعض بنود اتفاقية تسوية منازعات الاستثمار لسنة ، 1935مما عزز ألامن القضائي ببالدنا
ليكون حافزا للمستثمر الوطني و ألاجنبي من أجل الاستثمار الذي يبقى املعول عليه بالدرجة
ألاولى في تحقيق التنمية الاقتصادية و الاجتماعية املستدامة.
95
فعالة و مستدامة ،تكفي حاجيات ساكنتها ،و كلما كانت املؤسسة القضائية ال تراعي و ال
تحترم حقوق ألافراد ،وذلك من خالل ألاحكام و القرارت التي تصدرها و التي تكون مشوبة
بعيب من العيوب مما ينعكس سلبا على التنمية على اعتبار أن الفرد هو أساس املجتمع،
وال يمكن تطور مجتمع بدون أفراد كما ال يمكن استمرارهم إذا لم تكن هناك تنمية،
انطالقا من ألاسرة (الفقرة ألاولى ) ثم مدى أثر ألامن القضائي في عالقات الشغل (الفقرة
الثانية) .
96
الشروط على الطبقة العاملة ،مما دفعهم الى التكتل في تجمعات مهنية للدفاع عن
حقوقهم ،وكان من نتائجها تدخل الدولة منذ اواسط القرن التاسع عشر لتنظيم هذه
العالقة بموجب قواعد قانونية واملتمثلة في قانون الشغل ،من اجل توفير ارضية للعمل
خالية من النزاعات والصراعات من اجل تشجيع الاستثمار والتنمية والتشغيل.
كما ان القضاء ظل وفيا في توفير الامن القضائي الطراف العالقة الشغلية سيما في جانبها
الفردي ،علما ان حل خالفات الشغل الجماعية لها طرق تسويو اخرى تتم خارج مؤسسة
القضاء باالعتماد على املصالحة والتحكيم.
وعليه فان القضاء لعب وال يزال ياعب دور مهما في استقرار عالقات الشغل الفردية من
خالل الرقابة التي يمارسها على سلطة املشغل الائتمارية -الاشراف والتوجيه – والتدبيرية
والتاديبية ،حيث تتجلى مظاهر الامن القضائي بوضوح في هذا املجال عندما يكون الاجير
محقا في الاستماع اليه داخل الاجل القانوني بحضور املمثل النقابي ومندوب الاجراء ان
وجدو قبل تسليمه مقرر الفصل ولو تعلق الامر بخطا جسيم ،وان عدم احترام املشغل
لهذه الشكلية الجوهرية واملقررة في الفصول 32و 33من مدونة الشغل املغربية يجعل
الفصل تعسفيا يستلزم اما الحكم بالرجوع الى العمل او الحكم بالتعويض حسب ما تراه
املحكمة مناسبا.
ومن مظاهر الامن القضائي كذلك في عالقات الشغل الفردية اعادة تكييف املحكمة
لطبيعة العقد الذي يجمع الاجير واملشغل ،ذلك ان الاجير عادة ما يدعي كون العقد هو
عقد شغل محدد املدة ليس الا ،وان كان القضاء اليوم في اطار التمييز بين عقد الشغل
املحدد املدة وغير املحدد املدة ال يعتمد على الوصف الذي اضفاه املتعاقدان على العالقة
العقدية وانما على طبيعة العمل املنجز ،علما ان العمل القضائي ال يتجسد عمليا الا
بتنفيذ الاحكام القضائية بعد ان تصبح حائزة لقوة الش ئ املقض ي بها.
ومهما يكن من امر فان عدم الثقة في القضاء والتشكيك في عدم قدرته على توفير الامن
القضائي الالزم يقاس كذلك من خالل تعثر عملية تنفيذ الاحكام والقرارات القضائية ،تلك
العملية التي رصدت لها وزارة العدل والحريات امكانيات هامة لتخفبف من حدتها وهي
تدخل ضمن الاولويات في السياسة الاصالحية العامة للقضاء.
خـاتـ ــمة
97
سيظل أمر الامن القضائييشغل بال الرأيالعام ببالدنا لكونه احدى الركائز الاساسية في
املغرب ،وباعتبار املغرب دولة الحق والقانون ودولة املؤسسات وذلك عبروتطوره كسلطة
التيتوفر ألامن والاستقرار ،
وتعطي تنبنيعليها أسس العدالة،
مؤسساتية دستورية ،
الضمانة القوية لحقوق املواطنين وواجباتهم،وتقوياملؤسسات العامة والخاصة،وتوفر
املناخ املالئم لالزدهار الاقتصاديوالاجتماعي من اجل تحقيق التنمية املنشودة التي يراهن
التيتفتح آلافاق
عليها املغرب،وذلك من خالل التشجيع على الاستثمار،وجلب املشاريع ،
الشهادات.
الواسعة لسوق الشغل للعاملين،وتوظيف ألاطر والكفاءات لحاملي
يختل توازنها الطبيعي،فيتدخل ليكون
والقضاء وحده منيرعى حماية هذه املجاالت حينما
حكمه،قويا فيقراره،صائبا فينصوصه القانونية،سريعا فيتنفيذ مقرراته.
عادال في
إن قضاء اليوم املنفتح على كل الواجهات لم بيق هو قضاء ألامس املنغلق على نفسه.
قضاء اليوم قضاء واسع،أصبحت له مسؤوليات متعددة بتعدد اختصاصاته،سواء في
الذيكثرت شعبه أمام كثرة الجرائم املرتبطة به،والحاصلة من ألافراد،أو
امليدان الجنائي ،
أصبحت لها
يوم،بتضخم الجريمة املعاصرة التي
املؤسسات تتضخم بشكل خطيريوما بعد
مدارس متخصصة،تتطلب نوعا من املعالجة النفسية،وإلانسانية لردعها أكثر من املعالجة
العقابية التيأبانت كل الدراسات الجنائية العاملية عن عدم جدواها وحدها،أو فيامليدان
فيكل املعامالت،خصوصا حينما انخرط في
ه ،
الذيهو آلاخر توسعت دائرة نزاعات
املدني ،
التيصارت تتخذ أشكاال وأنماطا من الارتباطات،والتعهدات بين
الالتزامات الدولية ،
جنسيات مختلفة بحكم تأسيس الشركات املدنية،وتنشيط سوق العقارات،وشراء
والتيتجريعلى أكثر من صعيد
.
ألاراض ي،وما إلى ذلك من ألانشطة املواكبة لها ،
كمايواجه القضاء فيامليدان التجاريقضايا شائكة محلية،ودولية بحكم النزاعات
املطروحة،وبفعل املعامالت املالية،والتجارية التيأصبحت قطب الرحى فيكل ميدان،حيث
أضحت املحاكم التجارية،فاعلة قضائيا،محكوم عليها بالفصل السريع فيمايعرض عليها
من القضايا ذات الصبغة التجارية بتعدداتها،وكثرة تشعباتها،سواء بين ألافراد،أو بين
املؤسسات الوطنية،أو ذات الجنسيات املتعددة،أو املختلطة.
98
ورغم أن املغرب بذل قصارى الجهد لتحديث القوانين،وتفعيل النصوص حتى يكون هناك
امن قضائي بالشكل املطلوب،وذلك من خالل إحداث املحاكم املتخصصة،وقطع أشواطا
بعيدة لالندماج مع القوانين الدولية،وتطبيق إلاتفاقيات التيوقع عليها،فإنه رغم الترسانة
القانونية فياملنظومة القضائية التييشتغل عليها،فإن آليات تطبيقها وتنفيذهاغير متوفرة،
لغياب من جهة الوسائل التكنولوجية،وإلالكترونية التيتساعد على تحديث العمل
وهيمعوقات تعطيبعد آخر لتخلف
والفعالية ،
بمايضمن له السرعة،
ببالدنا ،
القضائي
وفيمقدمتها
يتطلبها ،
التي
حات ،
القضاء عندنا،وعدم مسايرته بعد للجيل الجديد من إلاصال
التكوين،والتكوين الصالح للقضاة،لتأهيلهم لخطة القضاء على أرضية صلبة من
التيتقوم اليوم على عمليات مدققة لها عالقة بقوانين فنية ،وتقنية تتطلبالتخصصات ،
وفرة املعلومات العلمية في مجال ألاعمال والاستثمار ،ودنيا القروض ،وعالم التجارة من
بابه الواسع.
وبدون ان يكون هناك امن قضائي ال يمكن ملناخ التنمية أن ينمو ،باعتباره املحرك
الديناميكي الذي يضمن الحقوق ،ويوفر ألامن ،وألامان والاستقرار ،وهذا ما يراهن عليه
املغرب حاال ،في إصالح القضاء لتحقيق سرعة التنمية ،وملواجهة العوملة التي أصبحت قاب
قوسين ،أو أدنى ،لتحتل العالم بنظرياتها ،وتطبيقاتها ،التي تراعي فيها مصالحها الذاتية،
وليست مصالح الشعوب املستضعفة ،أو النامية ،واملغرب ال يريد أن يكون بلدا تابعا لهذه
العوملة ،بل متبوعا ،ومقتدى به ،إنه إذن رهاننا جميعا من أجل الحاضر واملستقبل.
99
-11اإلدارة املغربية ومتطلبات التحديث
تجسد إلادارة مظهرا أساسيا لنشاط الدولة الرامي إلى تلبية الحاجيات املختلفة لألفراد في
شتى املجاالت إلادارية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في إطار من الجودة والفعالية.
وقد زاد حجم تدخل إلادارة في العديد من املشاريع ،نظرا لحاجة ألافراد للخدمات مما
يفرض عليها بشكل ملح تطوير آليات اشتغالها وتوفير مقومات عملها من موارد بشرية
ومالية وعلمية وتكنولوجية حتى تكون مواكبة للمستجدات الدولية.
تبعا لذلك يشكل تطوير إلادارة عنصرا أساسيا ضمن عناصر الحكامة إلادارية ،إذ بتطور
وتنامي حاجيات ألافراد وتعدد الخدمات التي تتوالها إلادارة ،أضحى من الالزم الارتقاء
بأدائها وتطوير مقومات تسييرها حتى تستجيب بفعالية ملختلف الحاجيات في مختلف
املجاالت الضرورية.
فقد باتت إلادارة في الوقت الحالي مطالبة باالنصياع ملتطلبات التحديث والتجديد ،السيما
في ظل التحوالت العاملية الكبرى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وآلاثار الاقتصادية
الناتجة عن العوملة التي تهم إلانتاجية والتنافسية ،وبروز مفاهيم جديدة كحسن التدبير
والحكامة الجيدة ،مما يجعل املرفق العمومي أمام تحديات كبرى ،إذ بات مفروضا عليها
أن تطور وتجدد أساليب اشتغالها ووسائل عملها حتى تستجيب النتظارات املواطنين وتكون
أداة محورية في خدمة التنمية.
فإلى أي أحد أصبحت الدولة واعية بأهمية إصالح إلادارة ؟ وماهي أهم معوقات التحديث
إلاداري ؟ وهل هناك إرادة حقيقية إلصالح إلادارة وجعلها في خدمة التنمية ؟
تلعب إلادارة في ألانظمة املعاصرة املتطورة دورا محوريا في عملية التنمية ،بحيث يعتبر
أداة ليس فقط إلدارة الخدمات أو توفير وثائق معينة ،بل ركيزة لخلق الثروة وتحريك
دواليب الاقتصاد الوطني وإلاسهام في إنعاش الاستثمار وخلق الرأسمال املادي بمعية
القطاع الخاص ،املساهمة في حل إشكاليات التشغيل ،وتعميم الخدمات الاجتماعية
111
(التعليم ،التطبيب )..والرفع من قدرات التنمية البشرية وتوفير شروط حياة أفضل
للمواطنين.
أما بالنسبة لواقع إلادارة املغربية فالبر غم من تجارب إلاصالح التي مرت لعقود ،فال زال
إصالح إلادارة يبدو كأمر بعيد املنال ويدور في حلقة مفرغة،على اعتبار أن إلادارة العمومية
الزالت تعاني من عدة أعطاب واختالالت متنوعة (مسطرية ،مالية ،بشرية ،ثقافية،
سلوكية…).
بدأت بوادر إصالح إلادارة العمومية مع تشكيل املغرب سنة 1981لجنة وطنية لإلصالح ،إذ
فحصت املشاكل التي تواجه إلادارة ،وأصدرت مجموعة من التوصيات إال أن غالبيتها
تمحورت حول املشاكل القانونية كمراجعة النظام ألاساس ي للوظيفة العمومية ،وإصالح
الهياكل إلادارية.
وقد كان التقرير الذي أصدره البنك الدولي حول إلادارة املغربية سنة 1995قد رصد
مجموعة من الاختالالت البنيوية التي عرفتها إلادارة أهمها (عدم فعالية املساطروإلاجراءات
إلادارية ،التسيير الروتيني املتميز بالتأخر في مسلسل اتخاذ القرارات ،تمركز الخدمات
وسلطة القرار بالعاصمة ،ضعف إلانتاجية]1[.
إضافة على إشكاليات أخرى مرتبطة بنظام عدم التمركز إلاداري ،وتحديث نظام الوظيفة
العمومية ،وعقلنة املوارد البشرية.
وبمجيء حكومة التناوب السياس ي ،عرف مسار إلاصالح منعطفا آخر حيث جاءت تلك
الحكومة بفكرة “ميثاق حسن التدبير” وذلك خالل سنة [ 1999]2حيث تمركزت أهم
أهدافه حول املداخل ألاساسية التالية ؛
تخليق املرفق العمومي :عبر إنعاش ثقافة ألاخالق باملرفق العمومي ،من خالل مقاومة كل
أشكال الانحراف التي تعرفها إلادارة العمومية والشطط والتعسف في استعمال السلطة ،
والنهوض بمبادئ الشفافية وعقلنة املال العام ،وأخيرا حسن إلانصات للمواطنين
واستقبالهم.
111
عقلنة التدبير :من خالل التخفيف من حدة البيروقراطية وإعادة تنظيم هياكل إلادارة
،وإقرار سياسة فعلية للتمركز إداري ولسياسة الالمركزية الفعلية ،عبر منح اختصاصات
فعلية املصالح الخارجية ومدها باملوارد البشرية واملالية ،في املقابل إعطاء إلادارة املركزية
مهام الضبط والتأطير والتخطيط والتشريع والتقويم.
نهج سياسة فعالة للتواصل إلاداري مع املواطنين؛
وكانت املناظرة الوطنية ألاولى حول إلاصالح إلاداري باملغرب التي انعقدت سنة 2113قد
رصدت مجموعة من مظاهر القصور في أداء إلادارة املغربية في النقط التالية؛
–غياب رؤية شمولية لإلصالح ،أي انعدام إستراتيجية واضحة املعالم ؛
–التمركزاملفرط للمصالح والسلطات والوسائل وضعف إلامكانيات؛
تضخم أعداد البنايات إلادارية (قرابة 11وزارة في تلك الفترة).
هزالة الخدمات إلادارية وخصوصا بالعالم القروي؛
تفش ي مظاهر الزبونية واملحسوبية والرشوة وإهدار املال العام؛
تعقد املساطر وإلاجراءات إلادارية وتشعب املسالك؛
إشكالية منظومة ألاجور؛
غياب املحاسبة واملساءلة وتقييم ألاداء إلاداري وقصور أداء التفتيش.
وخالل سنة 2111ظهرت محاوالت أخرى إلصالح إلادارة ،انطالقا من املحاور التالية
112
ومع مجيء الحكومة الجديدة تم اعتماد برنامج عمل تحديث إلادارة لسنوات ()2113-2111
وذلك من خالل التدابير واملحاور ألاساسية التالية ؛
تثمين الرأسمال البشري من خالل تقوية إلاطار املؤسساتي وتطوير منظومة املوارد البشرية
…،
تعزيز عالقة إلادارة باملواطن من خالل إعادة الثقة بين إلادارة واملواطنين والرفع من
مستوى أدائها ومردوديتها ،وتحسين جودة الخدمات املقدمة للمرتفقين وتسهيل الولوج
إليها ،تحسين الاستقبال وتبسيط املساطر إلادارية ودعم إلادارة إلالكترونية…؛
ترسيخ الحكامة من خالل تخليق املرفق العمومي ودعم الشفافية في التدبير العمومي.
إعادة تنظيم هياكل إلادارة من خالل اعتماد تصور استراتيجي إلدارة الممركزة تواكب
الجهوية املتقدمة وإعداد ميثاق للمرفق العمومي ]3[.
من خالل تأمل مسارات وبرامج إلاصالح إلاداري على مدى العقود السابقة حتى آلان نطرح
تساؤالت ملحة ،هل إلادارة املغربية عرفت انتقاال من حالة التقليد والجمود إلى حالة
التحديث؟ هل عرفت تغييرا حقيقيا من إدارة تحكمية بيروقراطية إلى إدارة مواطنة وفعالة
تعمل لصالح املر تفق؟.
الشك أن إلادارة العمومية قد راكمت بعض املكتسبات الهامة التي تم تحقيقها في مجال
تحديثها ،لكن بالرغم من املجهودات التي تم القيام بها في هذا املجال ،فإنها ال ترقى إلى
مستوى الطموحات والتطلعات ،وذلك بالنظرإلى كون العديد من املشاريع والبرامج املسطرة
في عهد الحكومات السابقة والتي في معظمها تتشابه مع بعضها البعض لم تجد الطريق إلى
تفعيلها ،هذا راجع باألساس إلى غياب الالتزام باإلصالح إلاداري ،إذ غالبا ما تنشغل إلادارة
بإكراهات التسيير اليومي ،في غياب رؤية أو استراتيجية واضحة لإلصالح ،مع عدم تفعيل
113
التدبير التشاركي ،زد على ذلك هناك نقص في وجود قيادات إدارية كفئة قادرة على تنزيل
البرامج واملخططات الكفيلة باالرتقاء بأداء إلادارة.
فجوهر إلاشكالية الحقيقية التي تعرفها إلادارة هي إشكالية حكامة،إشكالية أزمة تدبير
إشكالية تخطيط ،إشكالية غياب الرؤية ،وغياب ثقافة التقويم واملحاسبة والتدبير
العقالني للسياسات العمومية.
إن التحديث إلاداري يتطلب من املسؤولين والقائمين على تدبير الشأن العام النظر في
وسائل وعمل إلادارة أي أن ألامر يتطلب التجديد والتغيير في بنيات إلادارة العمومية من
خالل تطوير آلاليات القانونية واملؤسساتية والعملية ،بما يحقق أسلوب إلادارة الحديثة
العصرية أساسه عمل إلادارة باألهداف ،والتدبير بالنتائج ،وجعل املوظف في قلب عملية
إلاصالح باعتباره فاعال ومؤثرا في إنجاح أي عملية لإلصالح.
ألجل تحقيق أسلوب إلادارة العصرية والحديثة فإن ألامر يتطلب نهج إستراتيجية شمولية
متعددة ألابعاد إداريا ،تنمويا ،ووظيفيا ،وتأخذ في الحسبان الجوانب القانونية والتنظيمية
،وجوانب الحكامة إلادارية والرقابة املالية وعملية التقييم وربط املسؤولية باملحاسبة،
وإدارة وتخطيط املوارد البشرية،وجوانب التكوين املستمر،وكذلك الحوافزاملالية ،وظروف
وإمكانيات العمل من آليات ومعدات ، ..وجوانباستقراراملوظف والرعاية الاجتماعية.
وضع سياسة كفيلة باالرتقاء بالعنصر البشري ،بداية إن الحديث عن تجديد وتحديث
إلادارة العمومية يبقى دون جدوى إن لم يتم إعمال التدابير الهادفة إلى الارتقاء بوسائل
تدبيرها ،السيما فيما يخص العنصر البشري الذي يشكل الحلقة الجوهرية في أي
استراتيجيه لتحديث عمل إلادارة ،فالعنصر البشري يشكل محور كل إصالح يستهدف
114
تحسين ألاداء ،من هنا فإن برنامج وخطط التحديث يتعين أن تهتم بتطوير كفاءة املوارد
البشرية وتكوينها املستمر وتنمية مهاراتها ومعارفها ،والعمل على توجيهها إلى الجوانب
والتخصصات التي تفتقر إليها إلادارات العامة ،وذلك في إطار واضح املعالم ووفق
إستراتيجية محكمة غايتها تحديث إلادارة وجعلها متطورة قادرة على تحقيق التنمية
املستدامة.
الاهتمام بالوضع املادي واملعنوي للموظف وخلق آلاليات الكفيلة بتحفيزه وإنجاح ظروف
اشتغاله ،لتكون لديه الرغبة في املزيد من العطاء والتجديد ،واعتبارا لدوره الفعال في
سيرورة إلانتاج داخل املرفق العام ،لذا ينبغي تبني نظام تحفيزي فعال عبر إيجاد أسس
ومعايير موضوعية وعادلة لتنفيذ عملية التحفيز والتي تتمثل في الاستحقاق والكفاءة أي
ربط املنح التحفيزية بالجهود املبذولة من قبل املوظفين؛
اعتبار لكون العنصر البشري يبقى هو القلب النابض واملحرك الحقيقي للفعل إلاداري في
كل جوانبه ،فإن ألامر يتطلب بدل جهود قصوى إلقرار سيادة ألاخالق داخل إلادارة.
الاهتمام بعملية تدبير املوارد البشرية ستكون لها انعكاسات إيجابية على أداء إلادارة،
وبالتالي سينعكس على عالقاتها مع املتعاملين معها ،مما يقتض ي وضع سياسة جديدة
مفادها اختيار أصلح وأحسن العناصر وإعطاء أهمية للتدريب والتعليم والتحفيز( طبقا
للمبدأ املعروف في نظام إلادارة وضع الرجل املناسب في املكان املناسب) .لتحقيق الفعالية
والرفع من مستوى املردودية ،مع نهج سياسة اختيار تتسم باملوضوعية والحياد؛
إعادة النظر في منظومة ألاجوربشكل يجعله أكثر انسجاما وشفافية ،وذلك بالحد من
الفوارق الكبيرة بين ألاجور ،وجعل هذا النظام يساير التغييرات الاقتصادية للبالد للرفع
من القدرة الشرائية لدى املوظف ،والحد من ألانظمة الفئوية بين املوظفين ؛
تحقيق ديمقراطية إدارية من خالل إشراك املوظف في مناقشة مشاكل العمل وطرح
وجهات نظره في املشاريع والبرامج القطاعية ؛ أي إعطاء املوظف دورا في اتخاذ القرار داخل
115
املنظومة إلادارية ،وتأسيس مبادئ الحوار والتشاور بين إلادارة واملواطنين ،وإشراك كل
الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين في املسلسل التقريري كما هو الحال في إعداد املشاريع
الوطنية للتنمية وتيهئ وثائق التعمير وإعداد التراب الوطني..؛*
البحث عن ظروف استمرارية واستقرار املوظف في عمله بشكل يخلصه من هاجس الخوف
والقلق ألن املوظف غير املطمئن على عمله يكون عاجزا عن إلابداع والابتكار؛*[]1
تعزيز آليات الحكامة إلادارية من خالل ترشيد النفقات العمومية ،نهج تدبير أمثل للشأن
العام عبر إقرار مبادئ التدبير العقالني وتبني نموذج التدبير التشاركي بين جميع الفاعلين في
بلورة السياسات العمومية من قطاع خاص ومجتمع مدني وجماعات ترابية ،وتيهئ إلادارة
الحكومية املناخ املالئم النخراط هؤالء الفاعلين في عملية التنمية؛
تحسين مبادئ الشفافية في املرفق العام وربط املسؤولية باملحاسبة كما أقرها الدستور
الجديد وتعزيز آليات مراقبة صرف املال العام؛
تعزيز وتثمين املوراد التكنولوجية العصرية ،في سياق العوملة والتنافسية على إلادارة أن
تتحكم في التقنيات الحديثة ،ذلك أن الاستفادة من تقنيات التواصل واملعلوميات يساهم
بال شك في تغيير كبير ملنظومة العمل إلاداري من خالل تنظيم املصالح وعالقات العمل.
للتذكير هنا فاملخطط الحالي لتحديث إلادارة العمومية يسعى إلى تبسيط املساطر إلادارية
ودعم إلادارة إلالكترونية من خالل مشروع مرسوم في شأن تبسيط املساطر إلادارية لضبط
حكامتها وتفعيل إلزامية العمل بها ،وتبسيط 38مسطرة تهم املواطنين ،وتبسيط 21
مسطرة تهم املقاوالت ،وتطوير بوابة الخدمات العمومية من خالل تزويدها بنظام معلوماتي
لتحديد املواقع الجغرافية للمصالح إلادارية ،وإحداث مرصد لتتبع استعمال تكنولوجيا
املعلومات والاتصال في القطاع العمومي]5[.
تكريس دولة والقانون ،من خالل جعل إلادارة محايدة وفي خدمة الجميع ،ووضع حد
ألساليب الشطط والتعسف في استعمال السلطة ،ونهج ثقافة جديدة ترتكز على مبادئ
الحق والعدل وإلانصاف ويسودها الاحترام الكامل لحقوق املواطنين مع تحسيسهم
116
بالحقوق والواجبات أثناء تعاملهم مع إلادارة ،وضرورة احترام إلادارة ملبدأ الشرعية من
خالل الامتثال للقوانين وتنفيذ ألاحكام القضائية الصادرة ضدها؛
خالصة القول أن عملية التحديث إلاداري باملغرب يعتبر مطلبا أساسيا في املرحلة الراهنة،
وذلك نظرا للمستجدات والتحوالت التي يعرفها املغرب على جميع املستويات ألامر الذي
يتطلب من السلطات العمومية أن تخطو خطوات جريئة إلى ألامام في جميع امليادين التي
تساعد على تحديث إلادارة وتطويرها ،لكن ذلك يقتض ي وجود إرادة سياسية واضحة من
خالل التعبير عن الرغبة في إلاصالح ،وإعادة النظر في الطرق التدبيرية السابقة والتي
أصبحت متجاوزة.
لذا فاألمر يتطلب وضع إستراتيجية شاملة ومتكاملة ،بحيث ينبغي مراجعة وإعادة النظر
في كل ما من شأنه قيام سياسة إدارية فعالة وناجعة ،كما يجب العمل على تجاوز جميع
إلاكراهات والصعوبات التي تم الحديث عنها سلفا ،السيما أن معظمها ترتبط باإلرادة
السياسية والعنصر البشري.
– ][4لإلشارة هناك مشروع املرسوم رقم 2-13-133الذي أنهت إعداده وزارة الوظيفة
العمومية واملتعلق بإعادة انتشار املوظفين املنتمين إلى الهيئات املشتركة بين الوزارات إما
بناء على طلبهم أو إلزاميا إن اقتضت ضرورة املصلحة ذلك ،وهو يسمح بإطالق يد إلادارة
في إعادة انتشار أزيد من 125ألف من موظفي الدولة ،املنتمين لألطر املشتركة بين
الوزارات.
– ][5الحكومة إلالكترونية ،هي أوال قبل كل ش يء هي نتيجة طبيعية لثورة املعلومات وبزوغ
فجر مجتمع املعرفة ،لهذا فإن تفعيل الحكومة إلالكترونية في مرافق الدولة كلها هو جزء
من السعي إلى الولوج إلى عالم املعلومات والاتصاالت الحديثة من أوسع ألابواب .وقد تم
اعتماد برنامج الحكومة إلالكترونية من أجل استغالل التكنولوجيات الحديثة لخدمة
املواطن واملقاولة ووضع الحكومة في وضع خاضع أكثر للمساءلة ،ولفسح الفرص ملزيد من
التنمية.
117
-11أزمة العالقة بني اإلدارة
واملواطن:األبعاد واحملددات
إن وظائف إلادارة تشكل بحق أساسا مهما في تنفيذ السياسات العمومية ،وتكريس هيبة
الدولة ،وإنشاء جسر تواصلي بين املواطنين والدولة.
إن هذا الاعتبار السابق يجعل إلادارة تمثال للسلطة العامة ،لذلك فمن الالزم ضبط
عالقتها باملواطن ،وأيضا ملا يشكله إشكال السلطة الحرية من حضور قوي في ذهنية
املواطن ،وكذلك في تصرفات إلادارة.
يزداد تعقد إشكال إلادارة باملواطن ،ألن إلادارة في كثير من ألاحيان تمارس تصرفاتها في إطار
ضبط ممارسات املواطن ،وفي هذا إلاطار تظهر إلادارة متشبعة بسلطتها العامة املستمدة
من الدولة ،وكذلك استعمالها لبعض املفاهيم بطريقة مبالغ فيها.
كما أنه ال يمكن القول بأن الشق الخدماتي في أنشطة إلادارة يسلم من اختالل العالقة بين
إلادارة واملواطن ،بل إن املرفق العام إذا اختلت تصرفاته وأعماله املوجهة لخدمة املواطن،
فإنها تؤدي إلى اختالل العالقة مع املواطن.
يتضح من الطرح السابق أن رصد الاختالالت وقراءتها بطريقة نقدية ،يتوجب النظر لها من
خالل رصد أوجه السلطة وانحرافاتها في تطبيق املفاهيم في القانون إلاداري ويمكن تحديد
118
هذا الوجه من الاختالل باملحدد الداخلي ،كما أن قراءة الوضعية الخدماتية لإلدارة أمر
مهم الستجالء العلل املؤثرة في عالقة إلادارة باملواطن ،من خالل التحديد الخارجي.
إن البعد الداخلي الختالل عالقة إلادارة باملواطن ،تتماهى فيه مجموعة من املحددات التي
تعصف بالعالقة الجيدة بين إلادارة واملواطن ،وهاته املحددات مرتبطة إرتباطا وثيقا
بالسلطة العامة كمدخل ألعمال إلادارة ،وهو بحق محدد داخلي يروم للكشف عن إلادارة
– السلطة في عالقتها باملواطن ،الش يء الذي يفسر لصالح إلادارة – السلطة في مقابل
املواطن ،وهذا ما تم تحديده بإشكالية تأويل املفاهيم إلادارية لصالح إلادارة في الغالب
ألاعم.
إن تأويل املفاهيم يكمن في مجموعة من املفاهيم التي لها حساسية في العمل إلاداري
وأهمها ،مفهومي املنفعة العامة واملصلحة العامة ،وهما مفهومان يكرسان في كثير من
ألاحيان هيمنة إلادارة في الفعل إلاداري ،مما يشكل في كثير من ألاحيان اختالال واضحا في
عالقة إلادارة باملواطن.
عندما نذكر مفهوم املنفعة العامة مثال ،فإننا نستحضر عدة مفاهيم أخرى مثل :نزع
امللكية واحتالل امللك الخواص ،والتي ترتبط ارتباطا وثيقا باملنفعة العامة ،وليس من
املبالغة في ش يء إذا ما تم نعت هاته املفاهيم بالغطاء الشرعي ألعمال إلادارة في ما يخص
نزع امللكية ،ويطرح هذا املفهوم إشكاال من ناحية تفسير العمل الذي تقوم به الدولة على
أنه منفعة عامة ،وعند قراءتنا لقانون نزع امللكية من أجل املنفعة العامة والاحتالل
املؤقت ،وبالخصوص الفصل الثاني منه الذي جاء فيه":يتم نزع امللكية ألجل املنفعة
العامة بحكم قضائي".
ونستشف من الفصل أعاله أننا لم نجد أي تعريف أو تحديد ملفهوم املنفعة العامة من
قبل املشرع مما يجعل انحراف إلادارة أمر بالغ الوقوع ،وان جعل مثل هذا املفهوم املهم،
119
فضفاضا في تعريفه وتحديده ،يؤدي إلى نزع امللكية من طرف إلادارة ،تحث ذريعة املنفعة
العامة.
إلاشكال ألاخر يكمن في تفسير املصلحة العامة تفسيرا سيئا وغير قانوني من أجل تنفيذ
املصلحة الخاصة لإلدارة ،فكثيرا ما تم إهدار الحقوق الخاصة وحرية املواطنين بدعوى
املصلحة العامة,
وفي ألاخير ففكرة املصلحة العامة هي ضرورية وال محيد عنها لكن وجب تعريفها وتحديدها
تحديدا محكما ،ومنع الانحرافات عنها املتجلية على عدة مستويات:
عند الحديث عن الاختالل الخارجي لعالقة إلادارة باملواطن ،يتبادر إلى الذهن أمران مؤثران
بشكل على هاته العالقة ،باعتبارهما إشكاليتين رئيسيتين في حديثنا عن املشاكل التي
تعرقل عمل إلادارة ،هما البيروقراطية إلادارية ،وكذلك الفساد إلاداري.
111
والفساد إلاداري ظاهرة تحد من فاعلية إلادارة ،وتحيدها عن السكة الصحيحة لعملها
املتسم واملتميز بخدمة املواطن وضبط سلوكياته بطريقة مشروعة غير منحرفة ،وبحيث أنه
عندما يوجد الفساد فإن إلادارة تتحول مع مرور الوقت إلى جهاز يلبي الرغبات الشخصية.
ويذكر أن الفساد يأخذ منطلقات منعه من القران الكريم ،فقد ورد في القران الكريم في
مواضع متعددة ،وبسياقات ودالالت متنوعة أبدع في تصويرها ،فما كان من القران الكريم
إال وأن وضع لهاته الكلمة مجموعة من املواضع املختلفة دالة على ظواهر فاسدة.
ومعرفة وجود الفساد من عدمه ،تتم بطريقة معقدة ،هذا التعقيد ناتج باألساس عن تعدد
صور الفساد إلاداري.
لقد اختلف حول املعايير املحددة للفساد إلاداري ،ملا يشكله تعريف الفساد إلاداري من
تعقيد وصعوبة الاتفاق على تعريف واحد.
وأمكن القول بأن الفساد إلاداري يمكن إجماله ولو بصورة غير كاملة بأنه:
111
ويمكن التأكيد في بداية ألامر أن البيروقراطية ليست إشكاال واقعيا ،بمعنى أنها طريقة في
نظام الحكم تم ابتكاره قصد تدبير املؤسسات بطريقة هرمية – شخصية ،ملتزمة بالقانون
بطريقة حرفية ،وهو مصطلح تم تداوله في أغلب الكتابات املتعلقة بعلم السياسية وعلم
الاجتماع السياس ي ،واملالحظة املسجلة في هذا إلاطار أن البيروقراطية هي فكرة مثالية
ارتبطت بنظام الحكم واملؤسسات املثالية ،لكن مع مرور الوقت أصبحت ترتبط
البيروقراطية باإلدارة ،فأصبحت عبارة "البيروقراطية إلادارية" أكثر العبارات املستعملة من
لدن رجال القانون ،اشتهرت على باقي ألانواع ألاخرى.
لقد كان الاحتياج العام لنظام بيروقراطي بسبب تزايد تطور الدولة في ظل الثورة
الصناعية التي كانت قد اجتاحت العالم بأسره
لكن ومع مرور الوقت انحرفت البيروقراطية كنسق مفاهيمي ،ويمكن أن نضرب مثال
بوضعية البيروقراطية إلادارية باملغرب والذي كان يتجه في البداية نحو البيروقراطية
العقالنية ،لكن في واقع ألامر ظهرت البيروقراطية في ألاخير ككلمة قدحية تستعمل للتعبير
عن الوضع املزري لإلدارة العامة باملغرب ،وفي حقيقة ألامر كانت تتوغل البيروقراطية
باملغرب أبعد مما يتصور زمنيا في الحقل إلاداري والسلطوي باملغرب.
فاالتجاه نحو الهبة في العالقات السياسية قبل الاستعمار كون إدارة رهيبة حسب العالم
ألانتروبولوجي املغربي "عبد هللا حمودي" ،وفي هذا النظام الذي كان قائما في املغرب ساعد
على تقوية البيروقراطيون وتصدرهم السلطة وإلادارة بالغرب - ،عبد هللا حمودي ،الشيخ
واملريد :النسق التفافي للسلطة في املجتمعات العربية الحديثة ،ترجمة :عبد املجيد جحفة،
دار توبقال للنشر ،الدار البيضاء ،الطبعة الرابعة ،2111ص-81 .
ورغم إلاصالحات التي همت البيروقراطية في أواخر القرن التاسع عشر ،وفي عهد الاستعمار
على وجه الخصوص ،إال أنها كانت إصالحات تخدم املستعمر فقط ،فمن غير املعقول أن
تنجز فرنسا مشروعا أو فكرة أو قانونا سيخدم املغرب ،بل العكس من ذلك فقد زاد ألازمة
السياسية وإلادارية باملغرب.
112
بحيث أن البيروقراطية املغربية تعاني من إشكال مهم وهو عدم الفصل بين املهام ،وهذا ما
عمق من إلاشكالية بعد إلاستعمار ليزيد من مشاكل البيروقراطية باملغرب وتنحرف عن
املبدأ.
وإن أهم مثال يمكن أن نسوقه في هذا إلاطار هو تحكم وزارة الداخلية في التقطيع
الانتخابي وإعالن نتائج الانتخابات.
إن هذا املنطق السلطوي في التدبير يجعل التواصل بين املواطن وإلادارة غير ممكن تماما،
وتتزايد إشكالية تعقيد القرارات في تداخل املعين (عدم التركيز إلاداري) مع املنتخب محليا
(الالمركزية إلادارية) ،وهو من بين مسببات الكسل والروتين وانتظار التعليمات من طرف
الرئيس ،فال يتم خلق روح إلابداع في إنتاج الفكر إلاداري ،إن هاته إلاشكالية غدت أهم
املشاكل املؤثر بشكل كبير في العمل إلاداري املغربي.
وتشكل ألانماط الشكلية الروتينية كذلك ،أمرا يعطل عمل إلادارة باملغرب ،وهذا ناتج عن
التمسك باألنماط الشكلية من خالل الروتين الذي يعاني منه عمل إلادارة ،من خالل
تقديس القانون والتمسك بالنصوص التنظيمية بطريقة جافة ال تراعي الجانب إلانساني،
أو روح القانون ،وتزداد فداحة هذا املشكل من استعمال إلادارة لقوانين ونصوص تنظيمية
قديمة تم تنسخها بقوانين جديدة -محمد بوجيدة ،محاضرات في مادة تحليل النصوص
القانونية والتنظيمية ،ألقيت على طلبة ماستر قانون املنازعات العمومية ،بكلية الحقوق
سال ،جامعة محمد الخامس الرباط ،السنة الجامعية.-.2115-2111 :
وسبب هذا الخطأ الفادح هو غموض النصوص القانونية والتنظيمية التي تتشعب وتتشتت
في عدة أماكن من دون محاولة تجميعها في إطار مدونات تعنى بالنصوص القانون
والتنظيمية املنظمة لألعمال إلادارية ،كما أن املوظف ال يبحث وال ينقب على القوانين بل
يعمل في ظل الروتين املتوارث من موظف إلى أخر.
113
وفي نفس إلاطار تطفو إلى السطح مشكلة أخرى وهي تعقد املساطر وإلاجراءات إلادارية.
لذلك فإن البيروقراطية في عمقها الداللي تؤدي إلى اختالل عالقة إلادارة باملواطن وتزيد
الشرخ بينهما ،ملا يشكله هذا املفهوم من جفاف في مرونة التعامل مع إلاجراءات والنصوص
القانونية املنظمة للعمل إلاداري ،كما أنه للصرامة الزائدة في اتخاذ القرارات بالغ ألاثر
السلبي على عالقة إلادارة باملواطن.
إن إعادة النظر في طريقة تدبير العمل إلاداري أمر مهم وإستراتيجي ،وذلك من خالل تعزيز
أفاق تطوير عالقة إلادارة باملواطن ،كإدارة خدومة ،تقرب خدماتها من املواطن ،وتخضع
الفعل إلاداري للمساءلة الذاتية والخارجية ،وتصبغ العمل إلاداري باملبدأ الشفافية من
خالل إتاحة املعلومات الضرورية للمواطن وضمان حق إلاطالع عليها.
إن املشاكل إلادارية تزيد من شرخ العالقة ،وتعطي انطباعا سيئا في ذهن املواطن تجاه
إلادارة العمومية.
إعداد:ذ/أحمد السكسيوي
114
-12التخليق يف اإلدارة القضائية :املسار
واآلفاق
ال شك أن التخليق ومحاربة الفساد في مرافق العدالة ورش كبير ومهم ال يقل أهمية عن
ورش إصالح املنظومة التشريعية وتبسيط إلاجراءات املسطرية ،ذلك أن ألاخالق "هي
أساس من أسس الدولة تقوم بقيامها ،وتنهار بانهيارها" ،كما جاء في الرسالة امللكية املوجهة
إلى املشاركين في الندوة الوطنية "حول دعم ألاخالقيات باملرفق العام" في 29و 31أكتوبر
،1999ولن تتحقق العدالة وترسو دولة الحق والقانون وتثبت مبادئ الديمقراطية وحقوق
إلانسان ،ولو كانت "الخرسانة" التشريعية صلبة ودقيقة في كل جزئياتها ،ما لم تكن
مصحوبة بالتزام أخالقي رصين وضمير منهي حي ممن يعملون في الجهاز القضائي على اختالف
درجاتهم وتخصصاتهم.
ومساهمة منا في بسط النقاش حول هذا املوضوع ،فإننا سنحاول في هذه الورقة مقاربة
مسار التخليق في إلادارة القضائية و كذا آلاليات العملية وألادبية الكفيلة بتحقيق ذلك،
مع رسم بعض آلافاق املنظورة لهذا الورش الحيوي في منظومة العدالة.
أوال /أهداف التخليق باإلدارة القضائية:
لم يعد في وسع أحد أن ينكر أن ثمة أنماط سلوكية مشينة ،وتجليات أفعال منحرفة في
عدد من املرافق القضائية التي تس يء إلى سمعة الجهاز القضائي برمته وتتطلب ضرورة
املعالجة الفورية بل والتصدي الصارم ،ويمكن تصنيفها إلى ثالث مستويات من الاختالالت:
أوال /اختالالت على مستوى املهام ،حيث تطفو سلوكيات التماطل والتقاعس والالمباالة
والتوظيف السلبي للسلطة التقديرية وافتعال أسباب غير معقولة للتغيب وغيرها..
ثانيا /اختالالت على مستوى التدبير إلاداري ،حيث تنتشر سلوكيات الاختالس واستغالل
النفوذ وتحصيل املنافع غير املشروعة والتبذير في املمتلكات العامة وغيرها..
115
ثالثا /اختالالت تجاه الوافدين على مرافق العدالة ،سواء كانوا أشخاصا ذاتيين أو معنويين،
حيث تبرز سلوكيات الارتشاء واملحسوبية والشطط في استعمال السلطة والنصب
والاحتيال واملعاملة التفضيلية وضحالة الخدمات إلادارية والقضائية وغيرها..
إن مواجهة الاختالالت بمستوياتها الثالث املشار إليها ،تتطلب جرأة وصرامة قانونية
وأخالقية من طرف جميع الفاعلين في إلادارة القضائية رؤساء ومرؤوسين ومساعدي قضاء
وحتى وافدين؛ ألن من شأن ذلك أن يحقق جملة من ألاهداف إلاجرائية وآلانية ملنظومة
العدالة وعلى جميع املستويات الداخلية والخارجية ،نوجزها فيما يلي:
-خلق صورة إيجابية لدى الوافدين على مؤسسات العدالة وجعلهم يطمئنون إلى العاملين
بها ،خاصة وأن غالبية املواطنين ،من املتقاضين أو غيرهم ،انطبعت في أذهانهم صورة
نمطية سلبية وقاتمة عن هذه املؤسسات ،مؤداها أن فضاءات العدالة أماكن لالبتزاز
وممارسة الظلم والتعسف املادي واملعنوي بما يجعلها بعيدة كل البعد عن مجرد التحلي
ْ
بشعار "القضاء قي خدمة املواطن" بله تحقيقه وتنزيله على أرض الواقع..
-الرفع من جودة الخدمات القضائية وإلادارية املقدمة للوافدين على إلادارة القضائية،
وذلك بالتعامل الجدي مع طلبات املتقاضين ،واملحافظة على التوازن بين املصلحة الفردية
واملصلحة العامة ،دون املساس بجوهر القانون املنظم للعمل.
-تطهير الجسد املنهي من استفحال بعض السلوكيات والتصرفات املشينة التي تضر بصورة
إلادارة القضائية ،إذ من شأن انتشار القيم إلايجابية في املرفق محاصرة العناصر الفاسدة
والتحجيم من تأثير سلوكياتها الشاذة ،وفي املقابل إعادة املصداقية والاعتبار للعناصر
الصالحة واملصلحة.
-تخفيف عبء العمل والتحبيب في املهام املمارسة من خالل خلق جو منهي واجتماعي سليم
بين كافة العاملين بالجهاز القضائي ،بعيدا عن أجواء التوتر والاحتقان الناتجة عن
البيروقراطية املفرطة و هيمنة "الخشبية" في التواصل الداخلي و "عمودية" القرار القائمة
على أساس "افعل" و"ال تفعل"...
-التقليل من الصراعات الشخصية والحد من النزعات ألانانية والتحديات والتحالفات
الخفية واملقالب والرغبة في إلايقاع باآلخرين في محيط العمل،
-املساعدة في التنزيل السليم ألحكام القضاء وقراراته العادلة ،بحكم أن القواعد ألاخالقية
تقوم بدور املكمل للقاعدة القانونية وتساعد على انتشار تطبيقها واحترامها..
116
ثانيا /آليات ترسيخ التخليق باإلدارة القضائية:
إن بلوغ هذه ألاهداف ،يتطلب وضع آليات إجرائية مصاحبة قادرة على جعل التخليق أمرا
واقعيا وليس مجرد حلم يراود أذهان املخلصين ،أو شعارا يوظف لالستهالك وتأثيث
منظومة إلاصالح املنشود ..ويمكن التمييز في هذا إلاطار بين نوعين من آلاليات:
أ – آليات التحسيس والتوعية:
انخراطا في إلاصالح الشامل ملنظومة للعدالة التي أعلنها جاللة امللك منذ خطاب 21غشت
،2119وخاصة في الشق املتعلق بتخليق الجهاز القضائي ،قامت بعض الجمعيات الفاعلة
في قطاع العدل بخطوة مهمة تمثلت في مبادرتها إلى إصدار مدونات خاصة بالقيم املهنية
وقواعد السلوك؛ وهكذا أصدرت الودادية الحسنية للقضاة سنة ّ" 2119مدونة القيم
القضائية" ،ضمنتها ،كما جاء في كلمة رئيس الودادية الحسنية" :مجموعة من القيم
والتقاليد و ألاعراف التي تحكم سلوك القاض ي وتروم طمأنينة املجتمع إليه واحترامه،
باعتبارها تدعم استقالله وحصانته وكفاءته ونزاهته ،فمدونة القيم القضائية – من هذه
املنطلقات – إطار يتعرف القاض ي واملجتمع من خاللها على الصفات واملزايا الواجب التحلي
بها من طرف القضاة".
ومن جهتها أصدرت ودادية موظفي العدل سنة " 2111ميثاق قيم وسلوك كتابة الضبط"،
ليكون بمثابة مرجع أخالقي ودليل قيمي يرشد كتاب الضبط في حياتهم املهنية ،ويساعدهم
في ضبط عالقاتهم مع كافة العاملين بمحيطهم وكذا مع الوافدين على مرافق العدالة"،
وذلك إيمانا من كتاب الضبط بأن "الالتزام بالقيم ألاخالقية واملمارسات الفضلى من طرف
العاملين باملرافق القضائية بصفة عامة ومن طرف أطر كتابة الضبط بصفة خاصة،
يشكل شرطا ضروريا لتحقيق العدالة وإرساء دولة الحق والقانون وتثبيت الديمقراطية التي
هي أساس التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية".
وحيث إنني كنت من ضمن خلية إعداد وصياغة ومناقشة مختلف مضامين هذا "امليثاق"،
فال بأس من التوقف عند تفاصيله الجزئية مذ كان فكرة في الذهن إلى أن استوى وثيقة
متداولة تسمى "ميثاق قيم وسلوك كتابة الضبط".
فعلى مستوى إلاعداد:
117
تم إنجاز هذا امليثاق بعد أن تم تكوين لجنة من ألاطر الفاعلة في مجاالت التكوين والتأطير
والعمل املدني والنقابي املرتبط بقطاع العدل ،وذلك تحت إشراف السيد مدير تكوين كتاب
الضبط باملعهد العالي للقضاء آنذاك ألاستاذ عبد الرافع أرويحن،
وقامت هذه اللجنة بعقد لقاءات تشاورية أولية بكل من الرباط ومراكش الستعراض
التصورات ألاولية حول كيفية إعداد مدونات السلوك –سواء على املستوى العربي أو
الغربي – كما تمت الاستعانة بخبير دولي في هذا املجال من دولة إيرلندا،
وبعد إعداد املشروع ألاولي املتفق عليه بين أعضاء اللجنة ،قامت اللجنة بعدة "مشاورات
جهوية موسعة" شارك فيها أزيد من 1111موظف وإطار من كتابة الضبط بمختلف
درجاتهم إلادارية وانتماءاتهم الفكرية وقناعاتهم ألايديولوجية وتوجهاتهم النقابية ،وقد
عقدت تلك اللقاءات بكل من طنجة ،وفاس ،ووجدة ،وأكادير ،والدار البيضاء ،والرباط.
وعرفت نقاشات حرة وديمقراطية راقية ،كما جاءت بعدة اقتراحات ّنيرة أفادت منها اللجنة
في تعديل وإضافة وحذف العديد من املبادئ وتطبيقاتها التي جاءت في املشروع ألاولي
للميثاق .ثم توج هذا العمل الجبار الذي استغرق حوالي سنة كاملة باإلعالن الرسمي عن
"ميثاق قيم وسلوك كتابة الضبط" يوم الجمعة 11يونيو 2111باملعهد العالي للقضاء
بحضور عدد من املدراء املركزيين بوزارة العدل وكذا املدير العام للمعهد للقضاء آنذاك
ألاستاذ محمد سعيد بناني ،وعدد من املسؤوليين القضائيين وإلاداريين وأطر وموظفي وزارة
العدل.
أما على مستوى لغة امليثاق فتتميز بما يلي:
-الاعتماد على البساطة في الصياغة التي تحقق سالسة في الفهم وحسن إلادراك الذي ال
يوقع في التأويل في الس يء أو التعسف في الفهم،
-تجنب ألاساليب التحقيرية أو التي تحط من كرامة موظفي كتابة الضبط،
-عدم اعتماد أساليب إلالزام التي تبدأ بـ "يجب" ،حتى ال يفهم من "امليثاق" على أنه قانون
ملزم يستوجب العقاب في حال املخالفة أو عدم الامتثال..
-إال أنه في املقابل جاء غنيا بأساليب التحفيز من مثل "يتفانى في كذا" ،و"ينأى بنفسه عن
كذا" ،و"يقاوم كذا" ،و "يسهر على كذا" وغيرها كثير ،أو أساليب الدعم والتوجيه من مثل
"يرفض كذا" ،و "يتفادى كذا" و"يلتزم بكذا" ،و "يحترم كذا"،
118
-افتتاح القواعد املبينة ملبادئ امليثاق ،وكذا تطبيقاتها بفعل املضارعة ،للداللة على أن
نته ،وإنما هو فعل مستصحب للحركية الفعل ألاخالقي املطلوب الالتزام به غير جامد أو ُم ٍ
والديمومة سواء في الحال أوالاستقبال.
أما على مستوى املضمون،
فإن امليثاق جاء متضمنا لتسعة مبادئ أخالقية تبدو في ظاهرها على أنها مجرد عناوين
منقولة من هنا وهناك ال يحكمها أي منهج ،إال أن لجنة الصياغة وضعتها وفق نسق معرفي
ومنهجي محكم ومتكامل يمكن إيضاح معامله كاآلتي:
أوال /مراعاة النسقية في ترتيب املبادئ ،حيث جاءت الشرعية في مقدمتها ،للداللة على أن
أي فعل أخالقي أو قانوني مهما كان ساميا ،إذا لم يكن مؤطرا بالقواعد الشرعية املنظمة
للعمل ال يمكن القبول به بتاتا ،إال أن ممارسة الشرعية في الواقع العملي تحتاج إلى
دعامات إضافية كاشفة ومؤيدة لحسن تصريف إلاجراءات وضمان قواعد الشفافية
املطلوبة مع املتقاضين ،ولذا جاءت على التوالي مبادئ التجرد والنزاهة واملساواة.
-وبعد هذه املبادئ العامة ،جاء مبدأ الكفاءة ،ليكون واسطة العقد بين املبادئ التي تبدو
أكثر نظرية ،واملبادئ ذات الصبغة العملية الصرفة ،إذ بالكفاءة العلمية والعقلية تدرك
املعارف النظرية ،وبالكفاءة العملية تنجز املهام املهنية باقتدار ،وذلك من أجل بلوغ
النجاعة الالزمة لتحقيق أفضل النتائج في املرفق القضائي ،كما جاء في املبدأ السادس من
ميثاق السلوك،
-إال أن هذه النجاعة ،التي تتطلب الانخراط الجدي في العمل ،والتحلي بروح املبادرة
وإلابداع في املهام قدر إلامكان ،تتطلب – كذلك -عدم املساس بجوهر القوانين املنظمة
للعمل ،وفي طليعتها كتمان السر املنهي وعدم إفشائه ألي جهة غير مرخص لها ،على حد
تعبير املبدأ السابع من امليثاق،
-وألن الالتزام الصارم بجملة املبادئ السالفة يفترض أن يتحلى فيه كاتب الضبط بش يء
من الصرامة التي قد تؤدي إلى نوع من الاحتكاكات مع العاملين في الجهاز القضائي أو
قيد ذلك – في املبدأ الثامن -بضرورة التزام اللياقة في املظهرالوافدين عليه ،فإن امليثاق ّ
واللباقة في التصرف سواء على املستوى الداخلي أو عند استقبال الوافدين وتصريف
إلاجراءات املطلوبة منهم.
119
-ووعيا من لجنة الصياغة بأن فعل التخليق في إلادارة القضائية ،وفي أي إدارة أخرى ،ال
يمكن أن يؤتي ثماره ،إال إذا تم في نسق جماعي متضامن ومتعاضد ،جعلت آخر مبدأ من
هذا امليثاق بعنوان "التضامن" ،وأكدت فيه على الخصوص على ضرورة الاعتزاز باالنتماء
لجهاز كتابة الضبط ،والسعي إلى تقوية العمل الجماعي داخل إلادارة القضائية ،وكذا
توطيد أواصر التعاون بين كافة الفئات املهنية العاملة بفضاء املحكمة.
ثانيا :اختيار التطبيقات الدالة والصريحة على القيمة ألاخالقية املعبر عنها في القاعدة،
وذلك ضمانا لحسن الفهم وسالمة التنزيل.
ثالثا :التوسع في مفهوم التخليق وعدم حصره فيما يحيل على املتداول لدى العموم
كالرشوة واستغالل املرفق مثال ،ولذا جاء امليثاق متضمنا لعديد كبير من القواعد
السلوكية الالزمة في املحيط املنهي ،يمكن تصنيفها إلى:
-أخالقيات ناظمة للعالقات الداخل بين عموم العاملين باإلدارة القضائية ،كالتأكيد على
مسألة الاحترام املتبادل بين الرؤساء واملرؤوسين ،وتفادي املحسوبية أو الوقوع في التمييز
تجاه املرؤوسين ،والالتزام بقواعد املروءة والشهامة في التعامل بين الزمالء والزميالت،
والامتناع عن إيذاء زمالء العمل أو الكيد لهم ،وعدم التدخل في الحياة الشخصية والعائلية
بما يس يء إليها ،والالتزام بالتضامن والعمل بروح الفريق وغيرها كثير...
-أخالقيات ناظمة للعالقة مع فضاء العمل ،مثل التأكيد على تبني قيم إيجابية تثمن
املرفق والوظيفة واملهام ،واملحافظة على املمتلكات العامة املوضوعة رهن إشارة املوظف
وحسن استغاللها فيما أعدت له ،وتنظيم مكاتب العمل بما يحقق جودة تصريف
إلاجراءات للمتقاضين ،والسرعة في إنجاز املهام ،والالتزام بأوقات الدخول والخروج ،وعدم
افتعال أسباب للتغيب عن العمل ،وغيرها.
-أخالقيات ناظمة للعالقات مع القضاة ومساعدي القضاء ،كالتأكيد على عدم التوسط أو
التدخل في القضايا لدى قضاة الحكم أو النيابة العامة ،والامتناع عن تقديم استشارات
قانونية ألي طرف من أطراف الدعوى أثناء سريان املسطرة من شأنها أن تضر بمصالح
أحدهم ،وعدم السماح ملساعدي القضاء باستعمال مكتبه أو أي مرفق تحت إمرته كمقر
الستقبال الزبناء ،والامتناع عن توجيه املتقاضين نحو أي محام أو موثق أو خبير أو عدل أو
مفوض قضائي...
121
-أخالقيات ناظمة للعالقات مع عموم الوافدين على إلادارة القضائية ،كالتأكيد على
ضرورة التزام املساواة وعدم التمييز بين الوافدين سواء على أساس العرق أو الدين أو
الجنس أو الانتماء الجغرافي أو الاجتماعي أو الحزبي أو النقابي ،وتمكين ذوي الصفة
واملصلحة من إلاجراءات املطلوبة ،وتسهيل وولوج املتقاضين إلى الخدمات القضائية من
خالل شفافية الخدمة وتجنب أساليب املماطلة أو تجريح الكرامة ،وتعليل القرارات
الصادرة عن إلادارة القضائية ،وتجنب الشطط في استعمال السلطة ،وتوخي الحذر
والتحفظ تجاه دعوات املناسبات والوالئم من ألاشخاص الذين تحوم حولهم شبهات أو
املعروفين بترددهم على املحاكم...
-أخالقيات داعمة ملفهوم النجاعة القضائية ،مثل الدعوة إلى الانخراط الجدي في العمل
لتحقيق ألاهداف املساهمة في تحقيق العدالة ،والتحلي بروح إلابداع والابتكار وتتبع
املستجدات التي تنهض باإلدارة القضائية ،واملساهمة في تطوير الجهاز القضائي من خالل
البحوث ألاكاديمية وامليدانية ،واحترام قواعد املحاسبة والصفقات العمومية وعدم تبديد
املال العام..
ب – آليات التنفيذ واملتابعة واملراقبة
إن مجرد إصدار مدونات للقيم والسلوك املنهي للعاملين في املرافق القضائية ،ال يمكن أن
يؤتي ثماره املرجوة على مستوى التخليق ما لم يكن مصحوبا بعدد من آليات التنفيذ
هما يوميا ال مجرد شعار مناسباتي ،وفي أفق واملتابعة واملراقبة الكفيلة بجعل التخليق ّ
تحقيق هذا املبتغى نقترح ما يلي:
-تنمية الرقابة الذاتية ،فاملوظف الناجح هو الذي يراقب هللا تعالى في عمله قبل أن يراقبه
املسؤول ،وهو الذي يراعي املصلحة الوطنية قبل املصلحة الشخصية ،وهو الذي يحب
عمله ووظيفته ويتفانى في خدمة الناس ،مهما كانت الظروف وألاحوال ،ويلتزم بالواجبات
قبل املطالبة بالحقوق.
فإذا ترسخت هذه املعاني الكبيرة في نفس املوظف فستنجح املؤسسة التي ينتمي إليها بال
شك ؛ ألن ذلك دليل قوي على إخالص العاملين في وظائفهم. ّ
فالرقابة الذاتية تنمي كل الصفات الحميدة املتفق عليها بين بني البشر في كل بقاع
العالم...فتمنع الخيانة ،وتعين على ألامانة ،وترسخ النزاهة والشفافيةـ وتقوي إلاحساس
باملسؤولية ،وتزرع الثقة بين الناس..
121
-التعريف الواسع بميثاق قيم وسلوك كتابة الضبط على كافة العاملين بالجهاز القضائي
(قضاة ،كتاب ضبط ،محامون ،عدول خبراء ،موثقين ،تراجمة )..وذلك بتعميم نشره
ومدارسته من خالل حلقات تكوينية مشتركة ،في أفق إيجاد مدونة موحدة تستهدف جميع
شركاء إلادارة القضائية،
-إحياء ألايام الوطنية الخاصة بالتخليق في املحاكم (اليوم الوطني ملحاربة الرشوة ،اليوم
الوطني لسياسة الجودة )..عبر ندوات دراسية وتوزيع ملصقات وغيرها...
-تسهيل الولوج للمعلومة القضائية وإلادارية باملحاكم (مكاتب استقبال عصرية ومجهزة:
موظفون أكفاء +مطويات إجرائية +ونوافذ إلكترونية تفاعلية)...
-التكثيف من الحلقات التكوينية الخاصة بمادة القيم والسلوك مركزيا وجهويا ومحليا مع
ضرورة تعميمها على كافة املوظفين والقضاة ومساعدي القضاء،
-التكثيف من الدورات التكوينية الخاصة بتقنيات التواصل مع الوافدين على املحاكم،
-تفعيل سياسة ألابواب املفتوحة باملحاكم وإشراك جميع الفاعلين في الجهاز القضائي في
إلاعداد والتأطير،
-إحداث أوسمة تقديرية للعنصر املثالي العامل باملحاكم سواء أكان قاضيا أو كاتب ضبط
أو عون خدمة( ...وسام النزاهة ،وسام الانضباط ،وسام احترام الوقت ،وسام الالتزام
بالواجبات املهنية)،...
-إحداث شهادات تشجيعية للموظف املبدع واملبتكر في املجال املنهي،
-العناية بمفهوم "ثقافة خدمة املرفق العام" وذلك من خالل التذكير املستمر بأهمية هذا
املرفق في خدمة املواطن،
-تفعيل نظام املحاسبة من خالل النصوص القانونية الزاجرة للسلوكيات املشينة مثل
{الارتشاء (الفصل 218و 219من ق .ج) ،اختالس ألاموال ( الفصول 211و 212من ق .
ج ) ،استغالل النفوذ (الفصل 251من ق .ج ) ،الغدر (الفصول 213و 211من ق .ج)،
تحصيل منافع غير قانونية (الفصول 215و ،)213املحسوبية (الفصل 251من ق.ج)،
الشطط في استعمال السلطة وخيانة ألامانة (الفصلين 512و 555من ق.ج) ،التزوير
(الفصلين 331و 332من ق .ج})،
-التأكيد على عنصر القدوة الحسنة في املجال العملي أفقيا وعموديا؛ وذلك ألن الكثير من
القيم ألاخالقية والقواعد السلوكية املهنية ،ال تحتاج في العمل بها إلى مواثيق أو مدونات
122
سلوكيات ،بقدر ما يمكن اكتسابها عن طريق القدوة الحسنة التي يقدمها الرئيس للمرؤوس
أو املوظف ألاعلى للموظف ألادنى ،أو املوظف النشيط للمتقاعس ..باعتبارها تنزيال عمليا
وممارسة واقعية يومية مشاهدة ال تحتاج إلى كثير من التعابير والشرح.
ويمكن أن تظهر هذه القدوة الحسنة في العمل إلاداري في جوانب كثيرة ،كالتقيد بالقوانين
وأنظمة العمل ،وفي الالتزام بأوقات العمل في الحضور والانصراف ،وفي تنظيم العمل
وجودة الخدمة املقدمة للمتقاضين ،وفي حسن التواصل مع املحيط الداخلي والخارجي ،وفي
الهندام واملظهر الخارجي ...وفي غيرها من الجوانب التي تحتاج إلى ألاعمال أكثر من ألاقوال.
-إصدار مذكرات توجيهية بخصوص بعض املظاهر السلوكية غير الالئقة في إلادارة
القضائية،
-تفعيل املساءلة التأديبية بكامل الشفافية والنزاهة عند وجود اختالالت أخالقية أو
مهنية،
-إشهار العقوبات التأديبية للعاملين في الجهاز القضائي بكافة املحاكم أو عبر البوابة
إلالكترونية ملديرية املوارد البشرية لوزارة العدل أو ودادية موظفي العدل أو الودادية
الحسنية للقضاة أو نادي القضاة أو جمعية املحامين باملغرب أو الهيئة الوطنية للعدول أو
هيئة املفوضين القضائيين ،ألن من شأن ذلك أن يفضح العناصر الفاسدة في الجهاز
القضائي ويحد من توسع دائرة املظاهر السلبية في مرافق العدالة..
وأخيرا،
نقول إن نجاح التخليق في مرافق العدالة عامة وإلادارة القضائية على وجه الخصوص،
كفيل بأن يعيد الثقة في القضاء املغربي ومحيطه الداخلي والخارجي ،وأن يجعل كل من
يفد عليه غير يائس من عدل قوانينه وال خائفا من شطط أهله.
إعداد:ذ/محمد إكيج
123
-13احلكامة الشاملة
والتنمية البشرية
في إطار الدرس الافتتاحي للموسم الجامعي ،2115-2113استقبلت الكلية املتعددة
التخصصات القاض ي عياض بآسفي ألاستاذ "محمد حركات" .أستاذ الاقتصاد بكلية العلوم
القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالرباط .وصاحب عدد كبير من املؤلفات العلمية
القيمة من بينها " :تقييم العمل العمومي" و". " GOUVERNANCE LOCALE AU MAROC
وقد تناول بالشرح والتحليل موضوع {الحكامة الشاملة والتنمية البشرية } .ونظرا ملا
للموضوع من أهمية بالغة ،حاولنا تلخيص مداخلة ألاستاذ حركات لتعميم الفائدة.
**************
مفهوم الحكامة من املفاهيم الجديدة التي أحدثت ثورة على املستوى البيداغوجي
لعالقته بكافة التخصصات .وإذا حاولنا التأصيل له نجد أن كال من املدرستين الفرنسية
والانجلوساكسونية تنسبانه إليهما .إال أنه من املؤكد انه ظهر في القرن ، 18ولم يتم تداوله
إال في أواخر القرن 19مع ظهور املقاولة الصناعية نظرا للحاجة إلى حفظ التوازن
الاقتصادي بنهج املراقبة على املستوى الصناعي .ثم طفا إلى السطح من جديد في
الخمسينات من القرن املاض ي بطرحه من طرف البنك الدولي .ليتم تداوله بقوة في
الثمانينات في إطار البرنامج ألاممي .وبعدها صار من املفاهيم الرائجة من طرف املختصين
والخبراء والصحفيين.دون تحديد معناه الدقيق في غالب ألاحيان.
وفي تحديد ملفهوم الحكامة ،يقارن ألاستاذ حركات بينه وبين مفهوم حكومة .فإذا
كانت الحكومة هي سلطة عمومية تتشكل من هرم يضم مجموعة من البنيات إلادارية على
رأسها الجهاز الحكومي الذي يحتكر القرار ،فان مفهوم الحكامة يقلب هذا الهرم ليجعل
124
الحكومة مجرد فاعل في صنع القرار إلى جانب فاعلين آخرين يكتسون بدورهم أهمية بالغة
كالشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين ومكونات املجتمع املدني.ويتميز مفهوم الحكامة
الشاملة بديناميته ألنه يهتم بدور املجتمع في خلق وتحريك البنيات الاقتصادية و إلادارية.
حتى إن بعض املختصين ذهب إلى التعليق بان الحكامة ما هي إال تسمية خجولة ملفهوم
الديمقراطية أو أنها الديمقراطية تحت اسم جديد .أما مضمونه ،فهو يعبر عن الكثير دون
التعبير عن معنى محدد نظرا لدخوله في كل الاختصاصات وتميزه بأبعاد كثيرة .فالبنك
الدولي يتعامل مع بعده الاقتصادي ،بينما ترى ألامم املتحدة أن له بعدا إنسانيا ،أي أن
هذه الحكامة يجب أن تكون في خدمة إلانسان قبل كل ش يء.
ويميز ألاستاذ "حركات" بين نوعين من الحكامة :حكامة جيدة وحكامة رديئة .ويبين
كيف أن الحكامة الجيدة ترتكز على مجموعة عناصر اختزلها في أربعة :
/1وجود مخطط استراتيجي واضح وعملي :أي ضرورة وجود رؤية محددة وبرامج مدروسة
في كل امليادين.
/2وجود هياكل :حيث أن كل البرامج مسارها إلى الفشل في غياب هياكل املناسبة
.واملقصود بالهياكل هنا العنصر البشري املتميز بالكفاءة واملرونة والتكوين العالي
واملستمر في كافة املجاالت لتكون لديه الرؤية الشمولية .وهذا ليس بغريب في ظل
اقتصاد عالمي اصبح ينعت باقتصاد املعرفة.
/3وجود منظومة إعالم وتواصل :إذ يعاب على الثقافة في املجتمعات العربية كونها تتسم
بالطابع الشفوي وال تخضع لتدوين للمعرقة .ومثال ذلك أننا ال نتوفر على بنك
للمعلومات وال حتى تحت قبة البرملان للمساعدة على اتخاذ قرارات تتصف بالرؤية
املنطقية الشاملة.وال إنتاج نظريات خاصة بمجتمعاتنا .ومن هنا دور إلاعالم في خلق
التواصل بين املفكر واملسؤول واملواطن العادي.
125
/1التقويم املستمر لألخطار : EVALUATION :فكل عمل اقتصادي اجتماعي أو مؤسساتي
يجب أن يخضع للتقويم واملراقبة الداخلية باستمرار .فقد تبين من تقرير املغرب حول
" 51سنة من التنمية البشرية" غياب ثقافة التقويم في بالدنا مما اثر عمليا على عدد
من املشاريع والاوراش الكبرى التي دخلها كسياسة السدود مثال .واملقصود بمفهوم
التقويم هو املراقبة الدائمة ألي مشروع اقتصادي اجتماعي ...أو أي عمل مؤسساتي
.بتناول ما حققه من انجازات وكذا ما شاب تطبيقه من عيوب ،و ألاسباب الكامنة
وراءها .واستخالص العبرة من تلك النتائج حتى يمكن تجنبها في املستقبل .وهذا دور
الدراسات إلاستراتيجية التي ال تدرس في بالدنا لألسف إال في املدارس العسكرية.
ومن صور التقويم املستمر لألخطار ،أن يتمكن كل -شخص خاصة إذا كان
مسؤوال -من معرفة ما عليه القيام به في الظروف الاستثنائية قبل العادية.الن ذلك من
شانه تجنيب املجتمع والدولة العديد من الخسائر الناتجة عن الحوادث الفجائية من
حرائق وأمراض وحوادث ...كما من شانه حماية املال العام من سوء التدبير نتيجة خضوع
تسييره ملراقبة دائمة من طرف املجتمع.
أما بخصوص الحكامة الرديئة فهي تتميز بكل ما يخالف املبادئ السابقة الذكر ،مع
كل ما يصاحب ذلك من مظاهر الرشوة وسوء تدبير للمال العام...
يعيش العالم منذ سقوط جدار برلين حالة عدم استقرار نظرا لنظام القطب
الوحيد بزعامة الواليات املتحدة.وما أنتجه من حروب وانعدام العدالة في التعامل مع
القضايا الدولية ،وانتشار لتجارة ألاسلحة،وسيطرة للشركات املتعددة الجنسيات وما إلى
ذلك.ومن أهم مبادئ الحكامة حق الشعوب في صنع قراراتها وسيادتها التامة في التعامل مع
مشاكلها الداخلية.
126
وعلى املستوى الاممي نجد مجموعة من الفقهاء والباحثين يطالبون بمراجعة
التنظيم الاممي إلنصاف بعض جهات العالم كالقارة إلافريقية مثال .ونظرا لتنامي دور
املنظمات غير الحكومية في تبني قضايا الشعوب والدفاع عنها في املحافل الدولية ،مما خلق
مجتمعا مدنيا نشيطا موازيا للدولة ،فقد صارت تطالب بتمثيليتها في ألامم املتحدة.
البعد املحلي:
تلعب الجماعات املحلية دورا كبيرا في تفعيل هذا املفهوم ،لدرايتها بخصائص كل
منطقة واحتياجاتها .غير أن طبيعة املنتخبين وعدم اطالعهم على الداللة الحقيقية لهذا
املفهوم ،إضافة إلى غياب مراكز للدراسات إلاستراتيجية على املستوى الوطني هما عامالن
يحوالن دون تأهيل هذه الجماعات للقيام بدورها .وأكثر منهما القوانين املالية املستهلكة
والتي تشجع على التبديد { كإلغاء كل املصاريف التي لم يتم استهالكها من ميزانية الجماعة
على سبيل املثال} .هذه القوانين بحاجة إلى مراجعة شاملة لتتماش ى مع املستجدات
الاقتصادية الوطنية والدولية.بإعادة النظر في املنظومة املحاسبية -التي ترجع في اغلبها إلى
نص – 1935قصد العمل على تنمية املوارد من خالل البحث عن شراكات جديدة ،وتبني
رؤية شاملة ذات أهداف محددة.
تجدر إلاشارة إلى أن التعامل مع مفهوم الحكامة يجب أن يتسم بنوع من الحذر نظرا
لخلفياته الديماغوجية والاديولوجي { إذ يعتبر من املفاهيم التي يوظفها صندوق النقد
الدولي لدفع الدول إلنعاش اقتصادها قصد استرداد ديونه }،غير أن له جوانب ايجابية
عديدة قد تكون لها نتائج مستقبلية هامة إذا وظف بطريقة جيدة.
وداد الرنامي
127
-11الدستور اجلديد واستقالل السلطة
القضائية
يأتي دستور 2111في ظرفية سياسية خاصة يعيشها املغرب ،وفي سياق غير منفصل عن
يروج له البعض جو الثورات العربية وموجات الاحتجاج من املحيط إلى الخليج ،خالفا ملا ّ
عن الاستثناء املغربي في كل ش يء ،وعلى الصعيد الوطني ،وكما هو معلوم ،نادت حركة 21
فبراير بامللكية البرملانية كشكل للنظام السياس ي املقبل ،إال أن الدستور جاء مخيبا آلمالها
َ
ورأت بالتالي الحل في استمرار الاحتجاجات إلى أن يتحقق مطلبها السياس ي ،وت َـوخيا
ُ
للموضوعية فقد جاء الدستور بنقاط إيجابية تحسب له كما أنه كرس مجموعة من
سلبيات دستور . 1993
ً
كما تم التغاض ي عن بعض املصطلحات والكلمات التي كانت تثير اللبس ،فبدال من شخص
امللك ُمقدس "في الدستور القديم" ،إلى شخص ال تنتهك حرمته ،وللملك واجب التوقير
ً ً
والاحترام ،وقد أثارت هذه الكلمة لغطا كثيرا في الصحافة املغربية ،أجاب عنه امللك عبر
ً
مستشاره حين اجتمع بقادة ألاحزاب قائال" :سيدنا -ويعني امللكُ -يبلغكم بأنه ملك مواطن
والقدسية هلل" ،كما استبدل اسم الوزير ألاول باسم رئيس الحكومة ،ومن الحديث عن
128
"القضاء" بصفة عامة ،إلى الحديث عن "السلطة القضائية" ومن "املجلس الدستوري" إلى
الحديث عن "محكمة دستورية.
وترتكز مكونات الدستور على أن مكونات الهوية املغربية هي العربية -إلاسالمية وألامازيغية
والصحراوية الحسانية ،والغنية بروافدها إلافريقية وألاندلسية والعبرية واملتوسطية،
ونظام الحكم باملغرب نظام ملكية دستورية برملانية ديمقراطية واجتماعية ،وإلاسالم دين
الدولة ،والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية ،إقرار ألامازيغية كلغة
رسمية إلى جانب اللغة العربية ،وإحداث مجلس أمنى أعلى برئاسة امللك.
وينص الدستور الجديد على أن امللك ُيعين رئيس الحكومة من الحزب السياس ي ،الذي
تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب ،ويعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها ،وأن
الحكومة مسؤولة أمام مجلس النواب ،وأنها ستتمتع بسلطات أكبر ،كما أن أعضاءها
ً
مسؤولون جنائيا أمام محاكم اململكة عما يرتكبون من جنايات وجنح أثناء ُممارستهم
مهامهم.
وتكرس الوثيقة الدستورية الجديدة ،امللكية واملواطنة الضامنة للخيارات ألاساسية لألمة،
ً ً
مع التمييز بين صالحيات امللك بصفته أميرا للمؤمنين وبين صالحياته بصفته رئيسا للدولة،
والارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة لتكون في خدمة الحماية الفعلية للحقوق وضمان
ً
احترام القوانين ،والالتزام بحقوق إلانسان كما هي ُمتعارف عليها دوليا مع رفض كافة
ُ
أشكال التمييز واملمارسات املهينة لكرامة إلانسان.
وسيكون باستطاعة رئيس الوزراء حل مجلس النواب بعد التشاور مع امللك ورئيس مجلس
ُ
النواب ورئيس املحكمة الدستورية ،ويكرس الدستور دور البرملان في املصادقة على
القوانين ُومراقبة عمل الحكومة.
وبرزت أهم التعديالت في دستور 2111في الباب املتعلق باألحكام العامة الفصل 12وهو
فصل جديد يتعلق باملعارضة والتي ستمثل في أجهزة البرملان لتقويتها ُوممارسة دورها
الرقابي ،وتمت إضافة ثالثة فصول تتعلق بمغاربة الخارج؛ حيث أصبح من حقهم
129
التصويت والترشح ..إضافة إلى دسترة هيئات الحكامة الجيدة ،كما احتفظ امللك بالثالوث
ُ
"ألامن والجيش والدين" وتم فصل للسلطات وغير ذلك من الحقوق املتعارف عليها
والحريات العامة.
ويرى املحللون السياسيون أن إلاصالحات الجديدة التي تضمنها الدستور كسبت املزيد من
املؤيدين وحركت الكثير من مواقع املعارضين واملتحفظين باتجاه التأييد والتفهم واملناصرة،
وساهمت في اتساع مساحة الرضا والتأييد وتضييق مساحة املعارضة والاحتجاج وهكذا
نجح النظام املغربي في ممارسة سياسة الاحتواء باإلصالح ذي الخطوات امللموسة...
وفي الوقت الذي يرى فيه الكثيرون بأن هذه إلاصالحات الدستورية بمثابة ثورة سياسية
ً
هادئة ،وثورة أخرى للملك والشعب ،وخطوة في الاتجاه الصحيح ،إال أن هناك فريقا يرى
أن الدستور الجديد ال يختلف عن دستور 1993؛ على اعتبار أن بنية النظام السياس ي
املغربي لم يطرأ عليها أي تغيير جذري ،وال يزال امللك يحظى بصالحيات واسعة ويحكم
ويسود.
لم تكن املشكلة املغربية يوما قضية قوانين و مؤسسات ،بقدر ما كانت على الدوام مشكلة
تطبيق القوانين وتفعيل املؤسسات ،كمؤسسة حقوق إلانسان واملواطنة و الحريات العامة
و التي تحتاج إلى تجسيد فعلي و حقيقي لترجمة روح القانون إلى واقع ملحوظ ،حيث ال
ُيسجن أمثال رشيد نيني الصحفي وال ُيضرب أمثال علي سباه ألاستاذ ...كما يجب تفعيل
دور البرملان في التمثيل الفعلي للمواطن في نقل همومه و مشاكله و تحسين ألاداء الحكومي
من خالل السعي إلى حل مشاكل املواطن بشكل إجرائي و ملموس ينعكس على حياته
الواقعية إيجابا .إن املواطن البسيط ،و لو أنه ال يفهم فصول الدستور ،إال أنه يريد حياة
أفضل و مستقبال أكثر أمانا له و ألبنائه.
131
الجدل والكتابات و املحاضرات التي كان موضوعها التشكي من عدم استقالل القضاء في
بالدنا.
فهل الدستور 2111حمل جديدا بخصوص هذه ألاشكال أم ال ؟
من املفيد التذكير بكون الخطاب حول استقالل القضاء أو النقاش حوله هو خطاب
ونقاش موجه باألساس إلى الدولة التهامها بكونها تستغل القضاء في قضايا سياسية ،وال
تترك له الحرية في إصدار أحكامه وفق ما يتبين له.
وما كان يعزز هذا الاتهام هو أن سلطة التعيين وسلطة العزل هي بين يدي امللك الذي
يترأس املجلس ألاعلى من جهة و بين يدي وزير العدل الذي ينوب في رئاسة املجلس املذكور.
كما أن وزير العدل يعطيه القانون في الفصل 12من النظام ألاساس ي للقضاء سلطة تتبع و
تفتيش ثروة القاض ي و زوجته وأبنائه القاصرين بل وله الحق في تكليف مفتشين في تقدير
تلك الثروة وهذا ما اعتبر ,من قبل عدة آراء انه الوسيلة القاتلة التي تملكها الدولة للتحكم
في القضاء.
لكن هل دستور 2111أحدث تحوال في هذه القضايا أم أنه تركها كما هي؟
إن دستور 2111لم يكتف فقط بإزاحة وزير العدل من املجلس ألاعلى للسلطة القضائية
وإنما خلق مؤسسة جديدة خالفا لتلك املنصوص عليها في الفصل 83من دستور 1993في
النقطة املتعلقة بمن يمثل جاللة امللك في املجلس.
فإذا كان الفصل 83ينص على أن وزير العدل ينوب على امللك في املجلس ألاعلى ،فإن
الفصل 115من دستور 2111استغنى عن قاعدة النيابة ،وعوضها بقاعدة الانتداب في
العالقة مع رئاسة امللك للمجلس ألاعلى للسلطة القضائية.
131
ومن املعلوم أن القواعد القانونية املنضمة للنيابة هي قواعد ال تسمح للنائب إال بمجال
ضيق للتصرف ،بينما الرئيس املنتدب عن الرئيس الدستوري ،فإن مجال تحركه يكون
أوسع ،وبالتالي يكون مجال مسؤولية رئيس املنتدب أكبر.
ولهذا حذفت كلمة النيابة من صياغة الفصل 115وحلت مكانها كلمة الرئيس املنتدب
علما أن الرئيس املنتدب ليس فقط ال لون حزبي له بل ال يحق له أن يكون له ذلك
بمقتض ى الفصل 111من الدستور.
كما أن سلطة مراقبة ثروة القاض ي الذي كانت من صالحيات وزير العدل ،انتقلت إلى
مؤسسة دستورية أخرى ،وهي املجلس ألاعلى للحسابات الذي تنص في الفقرة ألاخيرة من
الفصل 112من الدستور أن من مهام ذلك املجلس تتبع التصريح باملمتلكات ،بينما لم
يجعل الدستور لهذه القاعدة أي استثناء ،مما يعني أن التصريح بممتلكات القاض ي و
زوجته و أوالده القاصرين ستصبح من اختصاص املجلس ألاعلى للحسابات مثلهم مثل باقي
املسؤولين ،و املنتخبين في الدولة ،كما أصبح دستور 2111يلزم املجلس ألاعلى ببعث تقرير
سنوي عن نشاطه إلى مجلس النواب.
فاستقالل القضاء ،إذن ،سيأخذ وجها آخر ،لن يتجه الخطاب أو النقاش حوله للدولة كما
هو عليه الان ،وإنما سيوجه إلى املؤسسة القضائية و القاض ي الذي حماه الدستور من أي
تدخل عمال بمقتضيات الفصل 119من دستور .2111
املفهوم الجديد الستقالل القضاء ،سيكون على رجال القانون وأصحاب القرار الاشتغال
عليه لتدقيقه وتحصينه،وهذا يعني أن البرملان املقبل الذي سيمثل جميع املغاربة في ظل
دستور 2111هو املؤهل للجواب ،قانونا ،على تلك ألاسئلة وتلك إلاشكاالت ألن القوانين
التنظيمية هو من سيحررها و يصوت عليها .
إن القضاء وإن تم الارتقاء به على مستوى املصطلح إلى "سلطة" ،فإنها تبقى سلطة مشوبة
بعدد من عوامل الالتوازن ،من خالل رئاسة امللك ملا سمي "املجلس ألاعلى للسلطة
القضائية" ،والنص على صالحياته في تعيين خمسة من أعضاء هذا املجلس من خارج
132
رجال القضاء ،وهذا قد يلتمس له مبررا في كون امللك هو الضامن الستقاللية القضاء
حسب الفصل 112من الدستور ...لكنها صالحيات مرفوضة مبدئيا اعتبارا لكونها آلية تخل
باستقاللية السلطة القضائية.
والاستقالل الكامل للسلطة القضائية يعني أنه ال يجوز باسم أي سلطة سياسية أو إدارية،
أو أي نفوذ مادي أو معنوي ،التدخل في أي عمل من أعمال القضاء ،أو التأثير عليه بأي
شكل من ألاشكال ،وال يجوز ألي شخص أو مؤسسة من السلطة التنفيذية ،ولو كان وزير
العدل أو رئيس الدولة ،أن يتدخل لدى القضاء بخصوص أي قضية معروضة عليه للبت
فيهـا ،أو ممارسة ضغط مباشر أو غير مباشر للتأثير على املحاكم فيما تصدره من أحكام
قضائية ،وأال يخضع القضاة وهم يزاولون مهامهم إال لضمائرهم ،وال سلطان عليهم لغير
القانون.
وال زالت بعض املحاكمات وألاحكام القضائية في املغرب تثير استغراب الحقوقيين واملهتمين
بشؤون القضاء ،فضال عن املعنيين املباشرين بها ،ويحدث ذلك بصفة خاصة في قضايا لها
عالقة بالحياة السياسية ،أو باألمن العام ،أو تتعلق بممارسات بعض املسؤولين في الدولة،
أو في املتابعات التي تطال بعض الصحف ،مما يجعل استقالل القضاء املغربي موضع
تساؤل كبير لدى الرأي العام على الصعيدين الوطني والدولي.
ورغم أن السلك القضائي في املغرب ،يضم الكثير من القضاة ألاكفاء والنزهاء ،فإن ما
يجري في املحاكم ،وما يقترفه عدد من املرتشين واملنحرفين ،يس يء إلى سمعة القضاء بصفة
عامة ،وال يمنح الاطمئنان للمتقاضين على مصالحهم وحقوقهم ،وال يبعث على ثقة
املواطنين ،واملستثمرين املغاربة وألاجانب ،وما ينجم عن ذلك من انكماش اقتصادي،
واستفحال للبطالة.
ويضاف إلى كل ذلك عدم التزام بعض الجهات إلادارية بأحكام وقرارات القضاء ،واملشاكل
املتعلقة بالجسم القضائي ،كالوضعية املادية واملعنوية للقضاة ،والنقص في إلامكانيات
املوضوعة رهن إشارتهم في املحاكم ،وتراكم امللفات وكثرة عددها باملقارنة مع عدد القضاة
133
املوكول إليهم البت فيها ،والنقص في التكوين بالنسبة لكتاب الضبط...كل ذلك يؤثر بشكل
سلبي على سير العدالة.
ولذلك فإن إلاصالحات املنشودة في موضوع استقالل القضاء في هذه املرحلة ،ال تنحصر في
تعديالت دستورية لتأكيد املبدأ ،وإنما ينبغي أن تشمل تغييرات جوهرية للقوانين املتعلقة
بالجسم القضائي ،وتوفير الضمانات والوسائل الضرورية لترجمة املبدأ إلى واقع.
خاتمة:
وما نريد أن نستخلصه ،هو أن املغرب في حاجة إلى ولوج عهد جديد ،تكون ميزته إقامة
ديمقراطية حقيقية ،ال تنحصر في ترديد مجموعة من الشعارات ،وكتابة بعض املبادئ في
الدستور ،وإقامة واجهات شكلية ،وإنما ديمقراطية تتبلور من خاللها سيادة الشعب،
ودولة املؤسسات التي تكون فيها السلطة القضائية مستقلة وبعيدة عن أي تأثير ،لتضطلع
بدورها كضمانة أساسية الحترام حقوق إلانسان ،وحماية الحريات الفردية والجماعية،
وإقامة العدل في املجتمع ،في ظل املساواة وسيادة القانون.
134
إن املغرب في حاجة إلى طي مرحلة الانتقال التي امتدت سنوات طويلة وولوج عهد
الديمقراطية ،وفق قواعدها الجوهرية ،ومقوماتها ألاساسية املتعارف عليها ،ومن أهمها
فصل السلط واستقالل ونزاهة السلطة القضائية ،واحترام سيادة القانون؛ وبذلك
سيتمكن املغرب من تدارك ما ضاع من الزمن ،ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية،
وربح رهان التنمية الشاملة واملستدامة.
إن تحقيق املبتغى يتوقف باإلضافة إلى ما سبق إلاشارة إليه ،على توظيف أمثل لكل
إلامكانيات املرصودة لكي تساهم في مسار التنمية بشكل عام و تعزز روح الثقة لدى
املواطن و تحقق كذلك الرفاه الاجتماعي لألجيال القادمة بشكل خاص .تبعا لذلك ينبغي
التفكير في الطرق القمينة بإنجاح السياسات العمومية .و بعيدا عن التطاحنات السياسية
التي يمكن أن يحدثها فشل السياسات العمومية و على افتراض جدوى و أهمية هذه ألاخيرة
135
البد من إلاشارة إلى أن أسباب الفشل متنوعة :قصور التقييم القبلي لإلشكالية العمومية أو
خلل في املنهجية املتبعة في مرحلة التنفيذ أو بروز مستجدات تبعثر املسار العادي للسياسة
العمومية ،غير أن أهم عامل يتحكم بشكل كبير في نجاح أو فشل أي عمل حكومي يتثمل في
موقف الفئة املستهدفة من السياسة العمومية و عدم تجاوبها مع فلسفة و توجه البرنامج
الجديد ،حيث أن هذه الفئة تأخذ موقفا سلبيا و تحاول أن تقاوم كل تغيير قد يؤثر بشكل
من ألاشكال على الوضع الحالي[ .]1و لكي نسلط الضوء على هذا املشكل البنوي ( الذي
يمكن أن يصيب مقاولة خاصة أو منظمة غير حكومية أو اي تجمع لألفراد) سيتم في هذا
املقال عرض أسباب مقاومة التغيير في مرحلة أولى ،على أن يتم الانتقال فيما بعد إلى
الخطوات الواجب اتباعها لتذويب هذه املقاومة و الرقي بسلوك الفرد.
حسب الباحثة فاينز ( )1983فإن السلوك املقاوم للتغيير هو أمر بشري عادي يجب توقعه و
يستحيل تفاديه ،حتى و لو كان البرنامج الجديد في صالح الفئة املستهدفة ،و بالتالي وجب
على كل القائمين على إعداد و تنفيذ وتقييم السياسات العمومية استحضار هذا املعطى و
اتخاذ إلاجراءات املالئمة ملواجهة هذه املعضلة البنيوية .حسب علماء النفس ،تعتبر مقاومة
التغيير معطى مسلم به يجد تفسيره في سلوك إلانسان الذي يخش ى كل تغيير و يخش ى
املجهول ،و ما يمكنه أن يحدث في وضعه الحالي املعلوم ,سواء كانت إدارة عمومية أو مقاولة
خاصة .ذلك أن كل تغيير للتركيبة البنيوية أو لطريقة الاشتغال أو التنظيم الوظيفي لهيئة
معينة يخلق حالة من الخوف و عدم الاطمئنان لدى املوظف أو املستخدم .في هذا إلاطار
يقر علماء التحليل النفس ي ببديهية السلوك القائم على مقاومة التغيير و بكون كل رد فعل
غير ذلك هو سلوك غير سوي ،ألن إلانسان ،في نظرهم ،يحتاج إلى وقت من الزمن حتى
يتمكن من التأقلم و فهم الوضع الجديد .حسب فاينز ،يمكن لسوء البرمجة من طرف
املسؤولين أن يؤدي إلى بروز سلوك مقاوم للتغيير ،ذلك أن عدم العلم بمتطلبات
املساعدين أو املوظفين عامة يمكن أن يخلق لديهم حالة من النفور و عدم الرض ى اتجاه
البرنامج أو السياسة .الجديدة
136
املبحث الثاني :ماهي الحلول الكفيلة ملقاومة التغيير؟
حسب روزابيت ( ،)2112مواجهة معضلة مقاومة التغيير تقتض ي من املسؤولين على التغيير
فهم سلوك مقاومة التغيير و معرفة مختلف مصادره و ترسيم استراتيجية دقيقة لكل
مصدر .باإلضافة لذلك وجب منح الوقت للمعنيين بالنظام الجديد لفهمه و لتقييمه (فاينز
،)1983كما يجب عليهم الشروع في البحث و التقص ي حول ألاسباب الحقيقية التي تدفع
املقاومين للتغيير إلى اتخاذ هذا السلوك ملدة طويلة ،و نهج أسلوب التواصل و الحوار مع
الفئة املستهدفة و تذويب املخاوف و تجاوز الرؤى التي تدفع إلى مقاومة التغيير ،فمثال
بالنسبة ملقاولة خاصة وجب تنظيم ورشات عمل للتحاور و التواصل بين املسيرين و العمال
بحضور وسطاء و خبراء مختصين في هذا املجال ،البد من إلاشارة إلى أن الوقت املستثمر
في هذه العملية اليعتبر هدرا بل عامال يساعد على تحقيق ألاهداف املرجوة على املدى
املتوسط و البعيد كما سيمكن كذلك من فهم الديناميات إلاجتماعية للفئة املستهدفة .كل
تواصل بين املسيرين و العمال سيقوي روح الفريق الذي المحالة ينعكس إيجابا على
مردودية املقاولة ككل و يزيد من درجة رض ى العمال على املناخ السائد داخل املقاولة.
ثاني الحلول التي تمكن من تقليص شدة مقاومة التغيير هي طريقة تقديم البرنامج أو
النظام الجديد )وينباش )) 1983( ،بشكل يذوب مخاوف الفئة املستهدفة ،و ذلك عبر تقديم
املعلومات الكافية حول النظام الجديد ،و تقديم الشروحات الالزمة لألسباب و الدوافع
وراء سنه ،كما يجب خلق قنوات التواصل مع املوظفين و إلاجابة على تساؤالتهم و تبديد
مخاوفهم .و في هذا الصدد يؤكد لوكس ( )1921على ضرورة إشراك املوظفين في عملية
التغيير مما يمكن من انخراط أكبر في تنفيذ السياسات أو البرامج الجديدة.
الحل الثالث يتمثل في ضرورة خلق املناخ املالئم لتحقيق التغيير املنشود عبر إيالء الفرصة
للموظفين إلبداء أراءهم و تقديم مقترحات حول التدبير اليومي ،ذلك أن كل تدبير تشاركي
من شأنه تسهيل عملية الانخراط في النظام الجديد.
137
ختاما يمكن أن نعتبر أن مقاومة التغيير هو سلوك طبيعي في إلانسان وجب على املسؤولين،
سواء تعلق ألامر بمقاولة خاصة أو إدارة عمومية أو أي مجموعة أفراد يحاولون تحقيق
أهداف محددة ،إيالء إشكالية تذويب مقاومة التغيير الاهتمام الالزم و اعتماد الحلول
املناسبة مما يساعد على ترشيد و تحسين مردودية املوارد البشرية املوكولة لكل سياسة أو
استراتيجية جديدة.
إعداد:ذ/أنوار حسباوي
وإذا كنا نسجل بإيجابية مجموعة من املقتضيات التي حملها املشروع الجديد ،والتي نعتقد
أنه بفضلها سنتمكن من تجاوز الكثير من سلبيات املاض ي ،فإن ما يهمنا في هذا املقال هو
استطالع موقع إلادارة القضائية وباألخص هيئة كتابة الضبط -باعتبارها الجهة التي
138
سيوكل لها النهوض بالجزء ألاكبر من مقتضياته -ضمن مشروع القانون موضوع الحديث،
وخاصة على مستوى التسيير إلاداري للمحاكم ،وإن تحقيق هذا الهدف ليقتض ي منا مقاربة
املوضوع من خالل البنود التي لها ارتباط مباشر بعمل إلادارة القضائية ،ومحاولة رصد
عناصر التجديد بين هذا املشروع واملسودة السابقة التي أسالت حبرا كثيرا لتغييبها إلادارة
القضائية ،وعدم إعطائها املكانة الالئقة بها .فإلى أي حد تجاوز املشروع الجديد السلبيات
واملحاذير التي وقعت فيها املسودة ألاولى ؟ أو بصيغة أخرى ما الجديد الذي أتى به املشروع
الجديد إلنصاف إلادارة القضائية والرقي بمركزها القانوني اعتبارا للدور املحوري الذي
تطلع به في العملية القضائية ؟
من خالل مطالعتنا ملشروع قانون التنظيم القضائي الجاري مناقشته أمام البرملان يتضح
أنه لم يختلف من حيث الشكل عن املسودة السابقة ،فعدد املواد التي تضمنتها هذه
ألاخيرة ظلت هي نفسها ،مع استثناء بسيط يتعلق بإعادة ترتيب بعض املواد وإعادة صياغة
أخرى من جديد بما ال يخل بمضامينها السابقة إال في نطاق ضيق ،فعلى سبيل املثال تم
حسم النقاش حول تنظيم موضوع الرأي املخالف عند البت في قضية من اختصاص
القضاء الجماعي ،حيث تم النص على أن أحكامها تصدر باإلجماع أو ألاغلبية...
أما من حيث املضمون فإن أهم ما حمله املشروع الجديد هو إحداث منصب الكاتب العام
للمحكمة ليخلف منصب "املسير إلاداري" الذي ورد باملسودة ألاولى ،والذي كان قد أثار
لغطا كبيرا سيما بالطريقة التي كان قد حشر بها ضمن بنودها ،وقد حدد املشروع مهامه
من خالل املادة 21في التسيير والتدبير إلاداري باملحكمة ،وضبط عمل مختلف مصالح
كتابة الضبط واملصالح املحاسبية بها ،وإلاشراف على موظفي هيئة كتابة الضبط
بمساعدة رؤساء مصالح؛ كما نص املشروع على أن الكاتب العام للمحكمة يخضع إداريا
للسلطة الحكومية املكلفة بالعدل ،ويمارس مهامه تحت السلطة املباشرة للمسؤولين
القضائيين باملحكمة التي يعمل بها.
إال أن هذه الصورة الناصعة التي ترسمها املادة املشار إليها أعاله سرعان ما يكتنفها
الغموض عند مطالعة مواد أخرى تناولت دور الكاتب العام للمحكمة كما هو حال املادة
139
18التي ذكرت أنه عضو ضمن لجنة املحكمة املكلفة ببحث صعوبات سير العمل بها.وهي
اللجنة التي يشرف عليها رئيس املحكمة وتضم في عضويتها وكيل امللك والكاتب العام
للمحكمة لكن بصفته مقررا فقط ،وكأن من صاغ هذه املادة ندم على جعل الكاتب العام
ضمن أعضائها ،رغم أن هذه اللجنة تشرك أطرافا ال عالقة لهم بتدبير العمل باملحكمة
كهيئة املحامين وربما باقي املهن القضائية .ومما زاد الطين بلة ما نصت عليه املادة 19من
املشروع خاصة بالطريقة التي صيغت بها والتي تعتبر إشكاال في حد ذاتها ،إذ في الوقت الذي
نصت فيه على أن موظفي هيئة كتابة الضبط يعملون تحت سلطة وزير العدل ،نصت في
املقابل على أنهم يمارسون مهامهم تحت السلطة املباشرة للمسؤولين القضائيين باملحكمة،
وهذا يعني ببساطة أن بإمكان املسؤول القضائي إلغاء دور الكاتب العام ،وهو ما يطرح
إشكاال حقيقيا حول السلطة التي يخضع لها أطر وموظفو هيئة كتابة الضبط.
على أن ما يسترعي الانتباه هو تكرار عبارة " بما ال يتنافى واستقالل السلطة القضائية" حتى
أنني وددت لو أن واضعي هذا املشروع تفضلوا بشرح معنى هذه الجملة الركيكة والغامضة
والتي ستظل مفتوحة على كل التأويالت!
ولم يقف املشروع عند هذا الحد بل واصل إصراره على تقزيم دور كتابة الضبط من خالل
املادة 21عند حديثه عن مكتب املحكمة الذي يرأسه على مستوى محاكم الدرجة ألاولى
رئيس املحكمة ،ويضم في عضويته نائب رئيس املحكمة ورؤساء ألاقسام ورؤساء الغرف
وأقدم القضاة باملحكمة وأصغرهم سنا ،إضافة إلى وكيل امللك ونائبه املعين من قبله؛
حيث أن الكاتب العام وهو املسؤول ألاول عن هيئة كتابة الضبط يحضر اجتماعات
املكتب بصفة استشارية فقط ؟! والحال نفسه ينطبق على محاكم الدرجة الثانية .وتظل
الغاية من حضوره ألشغال الجمعية العمومية حسب منطوق املادة 23هي إنجاز محضر
بأشغال املكتب تدون فيه املناقشات والقرارات املتخذة .بل إن املشروع أقر أن توزع هذه
القرارات على جميع قضاة املحكمة دون أن يأتي على ذكر أطر وموظفي إلادارة القضائية وال
رؤسائها ،وكأنهم غير معنيين بما يجري داخل فضاء املحكمة أو أن املشرع استكثر عليهم
ذلك! والسؤال الذي قد نواجه به هو :ما املطلوب إذن؟
141
والجواب بسيط ،وهو أن يكون مكتب املحكمة مؤسسة تصاغ فيها القرارات بشكل تشاركي
بين رئيس املحكمة ووكيل امللك بها والكاتب العام للمحكمة على مستوى محاكم الدرجة
ألاولى ،ونفس ألامر على مستوى محاكم الدرجة الثانية وكذلك محكمة النقض ،مع مراعاة
خصوصيات هذه ألاخيرة ،وبذلك يكون مكتب املحكمة هو املوجه لعملها في إطار من التجرد
وتحمل املسؤولية ،حتى إذا حدث نزاع بين أعضائه استعص ى حله داخل هذا املكتب رفع
إلى آلية التنسيق املنصوص عليها في الفصل 51من القانون التنظيمي للسلطة القضائية.
أما أن نخلق مؤسسة صورية بدون صالحيات ،أو أن نغير تسمية رئيس املصلحة ب" الكاتب
العام " فأعتقد أنه كان من ألافضل أن تبقى ألامور على ما هي عليه ربحا للوقت والجهد.
إال أنه ورغم هذا الحيف الظاهر فإن هناك نقطة واحدة تحققت فيها املساواة بين أطر
وموظفي إلادارة القضائية ونظرائهم في سلك القضاء ،وذلك في الباب املتعلق بالتجريح
واملخاصمة ،حيث نصت املادة 11من املشروع على أنه " ال يسوغ ملوظفي هيئة كتابة
الضبط القيام بأي عمل يدخل ضمن وظيفتهم ،في الدعاوى الخاصة بهم أو بأزواجهم أو
أقاربهم أو أصهارهم إلى درجة العمومة أو الخؤولة أو أبناء إلاخوة!! "
على أن ما يشكل استهتارا واستخفافا واضحا بعمل إلادارة القضائية وأشخاصها هو ما
أوردته املادة 31من املشروع التي تناولت مواضيع جدول أعمال الجمعية العامة للمحكمة،
التي قلنا إن الكاتب العام للمحكمة يحضرها بصفة استشارية فقط ،حيث ذكرت من
جملتها« :عرض النشاط القضائي للمحكمة ،دراسة الطرق الكفيلة بالرفع من النجاعة
القضائية باملحكمة وتحديث أساليب العمل بها ،دراسة البرنامج الثقافي والتواصلي
للمحكمة ،حصر مواضيع التكوين املستمر ،و تحديد حاجيات املحكمة من املوارد البشرية
واملادية».
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا :ملاذا إلاصرار على تغييب النشاط إلاداري للمحكمة
والنشاط املالي الذي ظل يشكل هاجسا لكل املسؤولين الذين تعاقبوا على هذه الوزارة ودور
كتابة الضبط في استخالص الغرامات وإلادانات النقدية والرسوم القضائية؟ ثم أليست
إلادارة القضائية هي ألاولى بتحديد حاجياتها التكوينية وحاجياتها من املوارد البشرية
141
واملادية؟ أو على ألاقل أن تكون هذه النقاط موضع تداول ومناقشة بين الطرفين؟ كيف
يسمح الجهاز القضائي لنفسه بمناقشة أمور تدخل في صميم عمل إلادارة القضائية؟ هل
الجهاز القضائي مثال أكثر خبرة من أطر وموظفي إلادارة القضائية في استخالص الرسوم
القضائية وتحصيل الغرامات وإلادانات النقدية واحتساب الرسوم التكميلية؟ أو مباشرة
إلاجراءات امليدانية في قضايا التنفيذ ...؟
إننا ال نهدف من وراء هذه التساؤالت تبخيس العمل الذي يطلع به السادة القضاة ،أنى لنا
ذلك وهم املنوط بهم الفصل في املنازعات ؟! ،لكنا نعتبر احترام التخصص أمرا مطلوبا حتى
بالنسبة للسادة القضاة أنفسهم ،وهذا ما تم إلاقرار به من خالل امليثاق الوطني إلصالح
منظومة العدالة؛ وإال هل من املعقول مثال تكليف قاض بتدبير جلسة تتعلق باملنازعات
العقارية أو قضايا التلبس بعدما يكون قد قض ى خمسة عشر سنة منتدبا في صعوبات
املقاولة؟
ويبدو أن وزارة العدل والحريات وجدت الظرفية مالئمة لتمرير رؤيتها بشأن خصوصية
القطاع وما يفرضه ذلك من تقييد ملمارسة حق إلاضراب ،وجعله رهينا باملحافظة على
مبدأ استمرارية الخدمة القضائية وعدم جواز تأجيلها ،مثلما نصت على ذلك املادة 2من
املشروع والتي شددت على أن املحاكم تمارس مهامها بما يؤمن انتظام واستمرارية
الخدمات القضائية ،وأنها تعقد جلساتها دون انقطاع وبكيفية ال يترتب عنها توقفها أو
تأجيلها.
إن هذا التدخل السافر في عمل إلادارة القضائية يؤكد مدى التخبط الذي وقعت فيه
وزارة العدل والحريات بشأن وضعية إلادارة القضائية ،هل هي جزء ال يتجزأ من السلطة
القضائية وبالتالي وجب أن يتمتع أفرادها بما يتمتع به املنتمون لهذه السلطة من حقوق
وامتيازات وحماية قانونية ،أم أنها وبحكم تصنيف عملها ضمن أعمال السلطة التنفيذية
ينطبق عليها ما ينطبق على هذه ألاخيرة من حماية أعمالها من تدخل السلطة القضائية؟.
لكنه يكشف في النهاية أن ال مصداقية للكالم الذي يردده الفاعلون من أن كتابة الضبط
هي "العمود الفقري" للمحاكم ،وأن ما يضمرونه لهذه الفئة هو ش يء آخر! ،و يطرح أكثر من
142
عالمة استفهام حول مقتضيات املادة 51من القانون التنظيمي املتعلق باملجلس ألاعلى
للسلطة القضائية ،والتي جاء فيها " تحدث هيئة مشتركة بين املجلس ألاعلى للسلطة
القضائية والسلطة الحكومية املكلفة بالعدل ،تتولى التنسيق في مجال إلادارة القضائية.
تعمل تحت إشراف كل من الرئيس املنتدب للمجلس والوزير املكلف بالعدل كل فيما
يخصه " .أي توازن للسلط وأي تعاون هذا الذي يجري فيه السطو على اختصاصات إلادارة
القضائية ليصبح أفرادها مجرد أدوات بيد السلطة القضائية ،مع أن مهامها تندرج ضمن
أعمال السلطة التنفيذية؟ أال ينم ذلك عن عقلية تسلطية تعتقد أن القضاء جاه وليس
مسؤولية؟ مع العلم أن كتابة الضبط ال تملك أي ضمانات للحفاظ على املكتسبات
اليتيمة الواردة بهذا املشروع على ضآلتها ،وأن منصب الكاتب العام للمحكمة الذي تم
إحداثه بمقتض ى هذا املشروع يظل هو الشجرة التي تخفي الغابة ،غابة املشاكل التي
سترزح تحتها إلادارة القضائية في املستقبل القريب ما لم تسارع لتدارك نفسها.
و ال أريد أن أنهي هذا املقال دون أن أستحضر جملة قالها الراحل " جوليانو أندريوتي "،
وهو واحد من أهم السياسيين الذين عرفتهم إيطاليا في النصف الثاني من القرن املاض ي،
حينما حاصره الصحفيون ملعرفة رأيه في قضية الصحراء ،لخص جوابه في جملة يرى
املتتبعون أنها ما تزال تلخص واقع القضية إلى اليوم ،قائال – والكالم موجه للمغاربة طبعا
بمحام فاشل »؛ فقضية كتابة الضبط عادلة والبقية ٍ « : -لديكم قضية عادلة ولكن
تعرفونها...
143
-12حتديث اإلدارة القضائية
و تقريبها من املواطن
سنتناول في هذا املبحث تعزيز البنية التحتية بهدف تقريب إلادارة القضائية من املواطن و
كذا إقامة محكمة رقمية ( املطلب ألاول ) ثم تبسيط املساطر القضائية ( املطلب الثاني)
إن اختيار املغرب للمنهج الديمقراطي و الانفتاح على املجتمع ،ال يمكن الجزم بنجاحه إال
إذا قيس ذلك بمدى قدرة العدالة على مواكبة هذا النهج الذي رسمته الدولة ،ألامر الذي
فرض على وزارة العدل الانخراط في سلسلة إلاصالحات الجذرية من أجل تحديث و عصرنة
جهاز القضاء ،ليواكب التطورات التي يشهدها املجتمع ،و يعد إعداد البنية التحتية و
إقامة محاكم رقمية من أهم إلاصالحات التي تجعل املواطن أقرب ما يكون لإلدارة
القضائية و أكثر إحساسا بمادية إلاصالح املنشود.
إن عصرنة و تحديث إلادارة القضائية رهين بمدى توفر هذه ألاخيرة على بنيات جيدة تحقق
ألاهداف املرسومة و املهام املوكولة إليها ،فأمام ما يعرفه املجتمع من تطور و تشعب
العالقات،و اختالف أنواع القضايا املعروضة على العدالة و تعقدها ،زيادة على ارتفاع
معدل السكان و ما ينجم عنه من تزايد الطلب على خدمات العدالة،لذلك كان البد من
إحداث بنايات جديدة نظرا لهشاشة بناية املحاكم القائمة و قدمها ،مما ال يتناسب و قيمة
القضاء و دوره ،فال بد أن تكون كل بناية بشكل هندس ي مميز يجعل مرتديها يشعرون و
هيبتها ،فباإلضافة إلى الزيادة في عدد املحاكم و إدخال إصالحات عليها استجابة ملطلب
الجودة في ألاداء و الخدمة اللذان يعتبران الغاية ألاساسية لجميع فئات املجتمع ،فإن هذا
144
إلاصالح هو كذلك استجابة لسياسة تقريب القضاء من املتقاضين ،و عدم تمركزه في
مناطق محددة.
و املتتبع ملسار وزارة العدل في مجال البنية التحتية يالحظ أنها حاولت تجاوز الخطوات
الصعبة ،إذ لم تقتصر فقط على الزيادة في عدد املحاكم و إنما واكبتها بإحداث محاكم
متخصصة ،إدارية،تجارية،أقسام قضاء ألاسرة ،كما هو الشأن بالنسبة لفرنسا التي
زاوجت في إحداث املحاكم بين النوع و الكم.
غير أن املالحظ هو أن الطريقة التي يتم بها إحداث املحاكم و الزيادة في عددها ،دون إعداد
البنايات التي ستحتضنها ،يبرهن على أن هناك قصور في تصور دور البناية و هندستها و
عالقته باملردودية ،فحالة أمكن العمل قد تكون وراء تعطيله ،كما يساهم شكلها أو عدم
مالئمتها للعمل القضائي الذي تحتاجه إلى هدوء النفس و راحة الفكر في ضعف املردودية و
إلانتاج .فال يكفي املنظر الخارجي و إنما يتعين تقسيمها و تنظيمها بشكل جيد ييسر أمر
الولوج إليها فهندستها تحدد بشكل كبير القدرة على تنظيم املصالح و املكاتب و تباعدها أو
تقاربها ،لذلك يجب ن يراعى في البناية العديد من الشروط من بينها التوفر على
الولوجياتبالنسبة لألشخاص املعاقين و الشيوخ و النساء الحوامل و بناء مصاعد مريحة في
حالة التوفر على طابق علوي ،و يتعين أيضا عدم الشبابيك في مكاتب املوظفين لكونها
أصبحت مصدر تباعد و بالتالي عدم تحقيق الشفافية.
و يعد تحسين عملية إلاستقبال يشكل إحدى الدعائم ألاساسية لبروز إدارة منفتحة في وجه
مرتفقيها ،فعالقة املواطنين باإلدارة كانت و الزالت محط عناية فقهية و قانونيىة كبيرة و
ذلك على مختلف ألاصعدة لكون أهم سمات إلادارة الحديثة هي العمل على تقريب إلادارة
من املواطنين ،فكلما تدرجت إلادارة نحو عموم املواطنين زادت قدرتها على معرفة
متطلباتهم و إلاستجابة لها ،و تيسرت سبل تنفيذ مقرراتها ،و زادت إمكانات التأطير إلاداري،
و لعل أول مرحلة تربط بين إلادارة و املواطن ،هي مرحلة إلاسنتقبال التي تمثل أهم حلقات
التواصل ،فهذه املرحلة كافية ألخذ فكرة عن إلادارة تبقى مسجلة بذاكرته طيلة فترات
145
تعامله معها ،فاملوطن ليس في حاجة إلى خطابات ووعودو دراسات تقنية ،بقدر ما هو في
حاجة إلى إدارة فعالة ،شفافة ،و إنسانية قيل كل ش يء.
فإحداث محاكم رقمية سيساهم ل محالة في توحيد العمل بين مختلف املحاكم ألامر الذي
سيكون له تأثير إيجابي على إلادارة القضائية و املتقاضين و مساعدي القضاء ،و لعل أهم
ميزة للمحكم الرقمية و التي تخص املواطن بصفة مباشرة هو متابعة القضايا و ضبطها و
معرفة ألاطوار التي قطعتها القضايا.
إذن إلادارة إلالكترونية بصفة عامة و املحكمة الرقمية بصفة خاصة يساهم بشكل مباشر
في دعم شفافية عمل إلادارة ،و تطوير ما يعرف بمبدأ الحكامة الجيدة ،و هذا ما سيمنح
املوطن سواء كان شخصا ذاتيا أو معنويا خدمة ذات جودة عالية من حيث التكلفة و
آلاجال و القرب .
يعتبر تحديث و إصالح إلادارة القضائية أهم املحاور الهامة التي شملت إصالح منظومة
العدالة ،وذلك لكون إصالح إلادارة القضائية ورش قائم بذاته يتعين إنجازه بكامل
الفعالية.
وتبسيط املساطر القضائية ملا لها من دور فعال في تحديث و إصالح إلادارة القضائية
يشكل خطوة هامة نحو إصالح العدالة وحعل املواطن في قلب إلاصالح.
146
فنتيجة للملفات الضخمة والعدد الكبير لها ،فإن املحاكم املغربية تظطر للمعاناة من طول
املساطر وتعقيدها ،وهذا ما يجعل املواطن يفقد الثقة ،هذه ألاخيرة التي تشكل بؤرة
التواصل بين املواطن وإلادارة القضائية.
ومما ال شك فيه أن املواطن عند لجوئه إلى القضاء غرضه الحصول على نتائج سريعة،
وهذا لن يتحقق إال في نطاق تبسيط املساطر وتحسين مشارب العمل والتخفيف من حدة
الشكليات إلادارية .ولعل أهم املساطر التي تثير العديد من إلاشكاليات التبليغ و التنفيذ ملا
لها من تأثير على فعالية و جودة جذمات العدالة مما يستوجب العمل على تبسيطها.
والتبليغ هو إيصال أمر أو واقعة ثابتة إلى شخص معين على يد أعوان كتابة الضبط أو
ألاعوان القضائيين أو الطريقة إلادارية أو عن طريق البريد برسالة مضمونة مع إلاشعار
بالتوصل ( الفصل 32من ق م م).
وتكمن أهمية التبليغ في عدم جواز احتجاج املبلغ بجهله ملا تم تبليغه به حتى أن بعض
الفقه اعتبر حجية التبليغ كحجية نشر التشريع بالجريدة الرسمية.
ولعل السبب الرئيس ي في بطء تصفية القضايا أمام املحاكم يعود ألسباب منها مشاكل
التبليغ منها املتعلقة بشكليات التبليغ ،حيث أن املشرع لم يرتب جزاء على إغفال الاسم
العائلي والشخص ي بورقة التبليغ ،أيضا من الاشكاالت التي تثار في مرحلة التبليغ الحالة
التي يمتنع فيها املتسلم إليه أو الشخص املوجود بموطنه عن التسليم وإلادالء بهويته و أن
عدم ترتيب ألاثر القانوني على هذه التبليغات يخدم مصلحة املتقاضين بسوء نية الذين
يسعون بشتى الوسائل إلى عرقلة العدالة .هذه بعض إلاشكاالت التي تثار في مرحلة التبليغ.
أما عن مرحلة التنفيذ ،فاإلشكاالت املطروحة في هذه املرحلة تعيق السير الطبيعي
للمحاكم ،فهو مشكل مطروح بشدة في الساحة الوطنية لكونه يساهم في بطء وطول
املساطر مما يولد ضعف الثقة بين إلادارة القضائية واملواطن .و من أهم إلاشكاالت التي تثار
147
في مرحلة التنفيذ الصعوبة القانونية حيث أصبحت تثار أمام القضاء بصورة مستمرة ولو
تعلق ألامر بأحكام مشمولة بالنفاذ املعجل ،إضافة إلى املشاكل امليدانية التي يتسبب فيها
املحكوم عليه من خالل إعطاء أسماء وعناوين وهمية في املقاالت ،إضافة إلى ألاحكام
القاضية بالتعويض الصادرة في مواجهة شركات التأمين فتنفيذ هذه ألاحكام يعد من
أصعب صور التنفيذ.
انطالقا من كل هذه إلاشكاالت كيف يمكن لإلدارة القضائية التقليل منها حتى تكتمل الثقة
بين إلادارة القضائية واملواطن؟
إن قانون املسطرة املدنية الصادر في بتاريخ 28/19/21قد حان الوقت لكي يتدخل املشرع
من أجل سد ثغراته ،مع الاستفادة من التشريعات املقارنة الحديثة والقواعد التي رسخها
الاجتهاد القضائي ،ومن الثغرات التي تستدعي تدخل املشرع إحداث نظام الغرامة املدنية،
كجزاء للقضاء على التحايل والغش أو إلاهمال في التبليغ وكذلك التنفيذ على جميع
ألاطراف املدنية ،وذلك لسد الطريق أمام املتقاضين ذوي سوء النية الستغالل هذه
الدعوى لعرقلة البت في القضايا والتملص من تنفيذ ألاحكام وكما يجب الرفع من مستوى
املكلفين بالتبليغ ماديا و معنويا و إحداث نظام محكم ملراقبة عملهم تسند مهمته إلى أطر
كتابة الضبط.
كما من ألاجدر أن يسمح املشرع في حالة العجز عن التوقيع ،بالتوقيع بالبصمة وأال تعاد
الشهادة إلى كتابة الضبط ،والسند في ذلك هو التقليل من حدة طول إلاجراءات التي عادة
ما تعزي تطبيق قواعد املسطرة .و أيضا التعامل مع مساطر تنفيذ ألاحكام واملقررات
القضائية بفعالية ونجاعة أكثرحتى تكون هناك ثقة بين إلادارة القضائية واملواطن.
إعداد:ذ/زهير العمراني
148
-18آليات ومساطر إبرام الصفقات
العمومية
بقلم صوفيا بومنينة
محامية متمرنة بهيئة طنجة
باحثة في قانون األعمال
يتحدد إلاطار القانوني للصفقات العمومية في ظل التشريع املغربي من خالل املرسوم رقم
2.12.319املتعلق بالصفقات العمومية الصادر بتاريخ 21مارس ،2113كما تم تعديله
،والذي يعد بمثابة ألاساس القانوني للصفقات العمومية ،حيث حدد القواعد ][1وتتميمه
املتعلقة بتدبير الصفقات ومراقبتها ،وكذلك الشروط وألاشكال التي تبرم وفقها صفقات
ألاشغال والتوريدات والخدمات لحساب الدولة واملؤسسات العمومية الواردة في الالئحة
املحددة بقرار وزير املالية املنصوص عليها في املادة 19من القانون رقم 39.11املتعلق
[2].باملراقبة املالية للدولة على املنشآت العامة ،وهيئات أخرى كما وقع تغييره وتتميمه
وبالرجوع ملقتضيات املادة 3من نفس املرسوم الذي دخل حيز التنفيذ بتاريخ فاتح يناير
2111فإن املشرع استثنى الاتفاقات أو العقود املبرمة وفقا لقواعد القانون العادي ؛
وكذلك عقود التدبير املفوض للمرافـق واملنشآت العامة ؛ وتفويتات ألاموال بين مرافق
الدولة أو بين الدولة والجهات والعماالت وألاقاليم والجماعات ،وألاعمال املنجزة بين مرافق
الدولة الخاضعة للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل ؛ بما في ذلك العقود
املتعلقة باملعامالت املالية املنجزة في السوق املالي الدولي ،وكذا الخدمات املرتبطة بها .إال أنه
يمكن الحيد عن مقتضيات هذا املرسوم فيما يتعلق بالصفقات املبرمة في إطار الاتفاقيات
أو املعاهدات التي وقعها املغرب مع هيئات دولية أو دول أجنبية إذا نصت هذه الاتفاقيات
.أو املعاهدات صراحة على تطبيق شروط وأشكال خاصة بإبرام الصفقات
هذا علما بأنه باستثناء أعمال الهندسة املعمارية الخاضعة ملقتضيات الباب الخامس من
149
مرسوم الصفقات العمومية ،تبرم صفقات ألاشغال والتوريدات والخدمات عن طريق طلب
.العروض أو املباراة أو حسب املسطرة التفاوضية
وتبعا لذلك ،فما هي نوعية آلاليات التي حاول بها املشرع تحصين الصفقات العمومية ؟
وما هي مساطر إبرامها ؟
وعليه ،ولإلحاطة باملوضوع يقتض ي ألامر التطرق في البداية لطلبات العروض والتباري
(املطلب ألاول) ،قبل الوقوف تفصيال على أنواع
تعد الصفقات العمومية ،ألاداة إلاستراتيجية التي وضعها املشرع املغربي في أيدي السلطة
العامة النجاز العمليات املالية املتعلقة بإنجاز ،تسيير وتجهيز املرافق العامة ،على اعتبار أن
.نظام الصفقات يعد الوسيلة ألامثل الستغالل وتسيير ألاموال العامة
وتبعا لذلك ،سنتناول في الفقرة ألاولى من هذا املطلب مختلف أشكال طلبات العروض
ومجاالت تطبيقها ،وأهم إلاجراءات املتعلقة بها ،فيما سنتطرق في الفقرة الثانية إلى
.املنافسة عن طريق املباراة
يكون طلب العروض مفتوحا أو محدودا ،ويدعى " مفتوحا " عندما يمكن لكل متنافس
الحصول على ملف الاستشارة وتقديم ترشيحه ،ويدعى " محدودا " عندما ال يسمح بتقديم
.العروض إال للمتنافسين الذين قرر صاحب املشروع استشارتهم
ويدعى طلب العروض " باالنتقاء املسبق " عندما ال يسمح بتقديم العروض ،بعد استشارة
لجنة للقبول ،إال للمتنافسين الذين يتوفرون على املؤهالت الكافية السيما من الناحية
.التقنية واملالية
151
كما يمكن أن يكون طلب العروض " بتخفيض أو زيادة " أو " بعروض أثمان " وفي هاته
الحالة يوقع املتنافسون التزاما بإنجاز ألاشغال أو الخدمات أو تسليم التوريدات التي يقدر
.صاحب املشروع ثمنها عن طريق تخفيض (أو زيادة) يعبر عنها بنسبة مئوية
علما أن ملفات طلبات العروض " بعروض أثمان " ،ال تبين للمتنافسين إال طبيعة وأهمية
ألاشغال أو التوريدات أو الخدمات التي يتولى املتنافسون اقتراح أثمانها ،وحصر مبلغها
.النهائي في عروضهم
هذا وتجدر إلاشارة إلى أن ألانظمة القانونية العاملية استقرت على أن املناقصة واملزايدة
هما طريقتان أساسيتان إلبرام العقود إلادارية ،وفي كلتا الطريقتين فإن إلادارة تلتزم
باختيار أفضل من يتقدمون للتعاقد معها سواء من الناحية املالية أو من ناحية الخدمة
.املطلوبة
فأسلوب املزايدة تلجأ إليه إلادارة العمومية عندما تريد أن تبيع أو تؤجر شيئا من أمالكها،
في حين تستعمل املناقصة عندما تريد الحصول على توريدات ،فتلتزم إلادارة في الحالة
ألاولى باختيار الطرف املتعاقد الذي يقدم أعلى ثمن ممكن ،مثل :قيام جماعة حضرية أو
.قروية بمزايدة لكراء موقف للسيارات أو كراء سوق أسبوعي ...إلخ
أما في الحالة الثانية ،فإن إلادارة تلتزم باختيار الطرف املتعاقد الذي يقدم العرض ألاقل
.ثمنا
:وفي هذا الصدد ،يخضع طلب العروض املفتوح أو املحدود للمبادئ التالية
دعوة إلى املنافسة؛ .1
فتح ألاظرفة في جلسة عمومية؛ .2
) فحص العروض من طرف لجنة طلب العروض؛ .3
اختيار العرض ألاكثر أفضلية من طرف لجنة طلب العروض الواجب اقتراحه على .1
صاحب املشروع؛
) وجوب قيام صاحب املشروع الذي يجري طلب العروض بتبليغ الثمن التقديري .5
املنصوص عليه في املادة 5من مرسوم الصفقات العمومية إلى أعضاء لجنة طلب
العروض].[3
ولإلملام أكثر بهذا الجانب من املوضوع سنتعرض بصفة خاصة إلى طلب العروض املحدود
().أوال) ،قبل أن نعرج على طلب العروض باالنتقاء املسبق (ثانيا
151
:طلب العروض املحدود -أوال
قنن املشرع طلبات العروض املحدودة ،إذ ال يجوز إبرامها إال بالنسبة لألعمال التي ال يمكن
تنفيذها من طرف جميع املقاولين أو املوردين أو الخدماتيين ،اعتبارا لطبيعتها وخصوصيتها
وألهمية الكفاءات واملوارد الواجب تسخيرها ،والوسائل واملعدات التي يتعين استعمالها ،مع
.وجوب أن يقل مبلغ هذه ألاعمال أو يساوي مليوني درهم باحتساب الرسوم
كما يجب على صاحب املشروع أن يستشير ثالثة متنافسين على ألاقل بوسعهم الاستجابة
[4].على أحسن وجه للحاجات املراد تلبيتها
هذا علما بأن اللجوء إلى طلب العروض املحدود يستوجب إعداد شهادة إدارية من طرف
السلطة املختصة أو من طرف آلامر بالصرف املساعد توضح ألاسباب التي أدت إلى اختيار
.هذه املسطرة
ويمكن لكل متنافس أن يطلب من صاحب املشروع ،بواسطة مراسلة محمولة أو مضمونة
مع إشعار بالتسلم أو بفاكس مؤكد أو بطريقة إلكترونية ،أن يقدم إليه توضيحات أو
معلومات تتعلق بطلب العروض أو بالوثائق املرتبطة به .وال يجوز قبول هذا الطلب إال إذا
توصل به صاحب املشروع سبعة أيام على ألاقل قبل التاريخ املحدد لجلسة فتح ألاظرفة،
وفي هذه الحالة ،يتعين على صاحب املشروع أن يجيب على كل طلب معلومات أو
.توضيحات يتوصل به داخل ألاجل املقرر أعاله
يمكن إبرام صفقات بناء على طلب عروض باالنتقاء املسبق عندما تتطلب ألاعمال موضوع
الصفقة ،بحكم تعقدها أو طبيعتها الخاصة ،القيام بانتقاء مسبق للمتنافسين في مرحلة
.أولى قبل دعوة املقبولين منهم إليداع عروض في مرحلة ثانية
ويخضع طلب العروض باالنتقاء املسبق للمبادئ التالية
152
فتح ألاظرفة في جلسة عمومية؛ )ب
فحص العروض من طرف لجنة طلب العروض باالنتقاء املسبق؛ )ج
اختيار العرض ألاكثر أفضلية من طرف لجنة طلب العروض باالنتقاء املسبق؛ )د
وجوب قيام صاحب املشروع الذي يجري طلب العروض باالنتقاء املسبق بتبليغ الثمن )ه
التقديري املنصوص عليه في املادة 5من مرسوم الصفقات العمومية إلى أعضاء لجنة طلب
[5].العروض باالنتقاء املسبق
هذا علما بأنه يتعين أن يكون كل طلب عروض باالنتقاء املسبق موضوع نظام استشارة
:يعده صاحب املشروع قبل الشروع في املسطرة يبين فيه بالخصوص ما يلي
الصفقات العمومية؛
مقاييس الانتقاء املسبق للمتنافسين .وتختلف هذه املقاييس بحسب طبيعة ألاعمال
املراد إنجازها .ويمكن أن تأخذ هذه بعين الاعتبار على وجه الخصوص الضمانات
واملؤهالت القانونية والتقنية واملالية ؛ باإلضافة إلى املراجع املهنية للمتنافسين ،عند
الاقتضاء.
ويتم تقييم هذه املقاييس بالرجوع إلى العناصر والوثائق املضمنة في امللف إلاداري والتقني
:بالنسبة ملرحلة تقييم العروض ). 2وإلاضافي
وغير تمييزية ،كما يجب أن تكون ذات صلة مباشرة بموضوع الصفقة املـراد إبرامها
ومتناسبة مع محتوى ألاعمال.
ويمكن إرفاق مقاييس تقييم عروض املتنافسين املبينة أعاله بمعامالت ترجيح .إال أنه ال
يمكن أن يكون الترجيح ،بأي حال من ألاحوال ،وسيلة للحد من املنافسة .هذا علما بأن
153
مقاييس تقييم عروض املتنافسين وإسناد الصفقة تختلف بحسب طبيعة ألاعمال املراد
املباراة :الفقرة الثانية .إنجازها
تتيح مسطرة املباراة لصاحب املشروع ،بعد استشارة لجنة املباراة ،اختيار تصور ملشروع
.وإنجاز الدراسة املتعلقة به معا ،وتتبع ومراقبة إنجازه
وفي هذا الصدد ،سنتطرق لخصائص املباراة (أوال) ،وعناصرها (ثانيا) ،قبل دراسة نظامها
().ثالثا
تمكن املباراة من إجراء تنافس بين مرشحين ،على أساس برنامج ،من أجل إنجاز عمل
.يستوجب أبحاثا خاصة ذات طابع تقني أو جمالي أو مالي
ويمكن لألعمال التي تكون موضوع مباراة أن تهم ،على وجه الخصوص ،املجاالت املتعلقة
.بتهيئة التراب الوطني ،وبالتعمير ،أو بالهندسة ،تصور وإنجاز
.وفي هذا إلاطار ،تنظم املباراة على أساس برنامج يعده صاحب املشروع
وتتضمن املباراة دعوة عمومية للمنافسة ،هذا ويمكن للمتنافسين الذين يرغبون في
املشاركة إيداع طلب القبول .إال أن إيداع املشاريع يقتصر على املتنافسين املقبولين من
طرف لجنة املباراة إثر جلسة القبول طبقا للشروط املحددة في املادة 21من مرسوم
.الصفقات العمومية
وتبعا لذلك ،تقوم لجنة املباراة بفحص وترتيب املشاريع التي اقترحها املتنافسون املقبولون،
.إال أنه يتعين وجوبا فتح ألاظرفة في جلسة عمومية
يبين برنامج املباراة الحاجيات واملحتويات التوقعية التي يتعين أن يستجيب لها العمل،
:ويحدد املبلغ ألاقص ى للنفقة املتوقعة لتنفيذ العمل ؛ كما يبين أيضا العناصر التالية
إلاعالن عن الهدف املتوخى من املباراة وعرض الجوانب الرئيسية التي يجب اعتبارها؛
154
تحديد مكونات املشروع ومحتواه؛
واتساقا مع ذلك ،يجب أن ينص البرنامج على منح جوائز إلى الخمسة مشاريع ألاحسن
ترتيبا من بين املشاريع املقبولة .هذا مع تحديد مبالغ هذه الجوائز ،ومصير املشاريع
الحاصلة على جائزة ،هل ستصبح جزئيا أو كليا ملكا لصاحب املشروع ؟ كما يتم خصم
مبلغ الجائزة املمنوحة لنائل الصفقة ،ويطبق هذا املقتض ى أيضا على نائل صفقة "تصور
".وإنجاز
:ثالثا -نظام برنامج املباراة
:تكون املباراة موضوع نظام مباراة يعده صاحب املشروع ،ويبين خصوصا ما يلي
.1الئحة املستندات التي يتعين على املتنافسين تقديمها طبقا للمادة 51من مرسوم
الصفقات العمومية؛
.2مقاييس انتقاء املتنافسين التي تأخذ بعين الاعتبار على وجه الخصوص الضمانات
واملؤهالت القانونية والتقنية واملالية ،وكذلك املراجع املهنية للمتنافسين ،عند
الاقتضاء.
ويتم تقييم هذه املقاييس حسب العناصر والوثائق املضمنة في امللف إلاداري والتقني
وإلاضافي عند الاقتضاء؛
.1مقاييس التقييم وترتيب املشاريع.
أما عندما تتعلق املباراة بتصور مشروع فقط فإن مقاييس تقييم املشروع تهم على
:الخصوص ما يلي
التكلفة املتوقعة للمشروع ،الطابع الابتكاري ،درجة نقل الكفاءات ،الجودة الجمالية
.والوظيفية ،النجاعة املتعلقة باملحافظة على البيئة وتنمية الطاقات النظيفة
أما عندما تتعلق املباراة بتصور مشروع وإنجاز الدراسة املتعلقة به و /أو تتبع أو مراقبة
إنجاز هذا املشروع أو بصفقة بتصور وإنجاز ؛ فإن مقاييس تقييم املشاريع والعروض تهم
:خصوصا ما يلي
التكلفة املتوقعة للمشروع ،املنهجية املقترحة ،املوارد البشرية واملعدات الواجب تسخيرها
للعمل املزمع انجازه ،البرنامج الزمني لرصد املوارد البشرية ،الطابع الابتكاري للمشروع،
جودة املواكبة التقنية ،درجة نقل الكفاءات ،الضمانات املقدمة ،جدول إلانجاز املقترح،
155
التجربة الخاصة وتخصص املستخدمين بالنسبة لطبيعة ألاعمال ،الجودة الجمالية
.والوظيفية ،تنمية الطاقات املتجددة والنجاعة الطاقية
هذا علما بأن نظام املباراة يستوجب الحصول على نقطة تقنية دنيا إجمالية للقبول ،وعند
الحاجة بالنسبة لكل مقياس .ويجب أن تكون املقاييس املختارة من طرف صاحب املشروع
.موضوعية وغير تمييزية وذات صلة مباشرة بموضوع املباراة
[6].كما يتعين على صاحب املشروع أن يوقع نظام املباراة قبل طرح مسطرة إبرام الصفقة
بحثا عن ضرورة مالئمة وتنميط مسار الاقتناء العمومي بالنسبة لجميع الفاعلين،
وخصوصا بالنسبة للمقاوالت املرشحة للطلبيات العمومية ،اعتمد إلاصالح مرسوما موحدا
.لصفقات الدولة واملؤسسات واملقاوالت العمومية والجماعات املحلية ومجموعاتها
وفي هذا السياق ،ونظرا ألهمية وخصوصية الطلبات العمومية سنتعرض في هذا املطلب
للصفقات التفاوضية ،وصفقات أعمال الهندسة املعمارية وصفقات الدراسات (الفقرة
).ألاولى) ،قبل أن نعرج على سندات الطلب (الفقرة الثانية
أخد إلاصالح الجديد بعين الاعتبار الخصوصيات املرتبطة بمختلف املؤسسات العمومية،
.رغم حرص املشرع على تدعيم مبدأ وحدة ألانظمة في مجال الصفقات العمومية
وعليه ،سنتطرق في هاته الفقرة بالدراسة للصفقات التفاوضية (أوال) ،وصفقات أعمال
).الهندسة املعمارية (ثانيا) ،ثم صفقات الدراسات (ثالثا
تعد الصفقات التفاوضية قاعدة استثنائية إلبرام وعقد مختلف أشكال الصفقات
.العمومية ،إذ ال يمكن اعتمادها إال في حاالت محددة
156
ويتميز أسلوب التفاوض باختصار إلاجراءات الطويلة التي تستغرقها غالبا مختلف أنواع
الصفقات .كما تتيح املسطرة التفاوضية لصاحب املشروع إجراء مفاوضات حول شروط
الصفقة مع متنافس أو عدة متنافسين طبقا للشروط املنصوص عليها في الفصل الثالث
.من الباب الرابع من مرسوم الصفقات العمومية
الصفقة التفاوضية هي طريقة إلبرام الصفقات العمومية تختار بموجبها ،لجنة تفاوض،
.نائال للصفقة بعد استشارة متنافس أو أكثر للتفاوض بشأن شروط الصفقة
وتتعلق هذه املفاوضات على الخصوص بالثمن وأجل التنفيذ أو تاريخ الانتهاء أو التسليم
وشروط إنجاز وتسليم العمل .إال أنه ال يمكن أن تخص هذه املفاوضات موضوع الصفقة
.ومحتواها
وفي هذا الجانب ،تعين لجنة التفاوض من طرف السلطة املختصة أو آلامر بالصرف
املساعد ،وتتكون من رئيس وممثلين عن صاحب املشروع .كما يمكن لصاحب املشروع
.استدعاء أي شخص آخر خبيرا أو تقنيا ،تعتبر مساهمته مفيدة ألشغال اللجنة
هذا وتبرم الصفقة التفاوضية حسب الحالة إما بإشهار مسبق وبعد إجراء منافسة أو بدون
.إشهار مسبق وبدون إجراء منافسة
وتبعا لذلك ،يجب على كل مرشح لنيل صفقة تفاوضية أن يقدم في بداية املسطرة ملفا
إداريا ،وملفا تقنيا ،وملفا إضافيا عند الاقتضاء يضم مجموع املستندات املنصوص عليها
.في املادة 25مرسوم الصفقات العمومية
علما بأنه يستوجب إلبرام صفقة تفاوضية من طرف السلطة املختصة أو من طرف آلامر
بالصرف املساعد إعداد شهادة إدارية تبين الاستثناء الذي يبرر إبرام الصفقة على الشكل
.املذكور ،وتوضح بوجه خاص ألاسباب التي أدت إلى تطبيقه في هذه الحالة
هذا باستثناء الحالة املشار إليها في الفقرة 2من البند الثاني من املادة 83من مرسوم
الصفقات العمومية ،والتي تتعلق باألعمال التي تقتضيها حاجيات الدفاع الوطني أو ألامن
.العام الحفاظ على سريتها
ويمكن للسلطة املختصة أو آلامر بالصرف املساعد ،دون تحمل أية مسؤولية عن هذا
157
الفعل اتجاه املتنافسين ،أن ينهي املسطرة في أي وقت بمقرر معد وموقع من طرفها ،مع
.وجوب الاحتفاظ باملقرر في ملف الصفقة
تكون املسطرة التفاوضية بإشهار مسبق يدعو إلى املنافسة ينشر على ألاقل في جريدة ذات
توزيع وطني يختارها صاحب املشروع وفي بوابة الصفقات العمومية .ويمكن تبليغ هذا
إلاعالن بشكل مواز إلى علم املتنافسين املحتملين ،وعند الاقتضاء ،إلى الهيئات املهنية،
.بواسطة نشرات متخصصة أو بأية وسيلة إشهار أخرى ،والسيما إلالكترونية منها
:وال يجوز إبرام صفقات تفاوضية إال في الحاالت التالية
.1يمكن أن تكون موضوع صفقات تفاوضية بعد إشهار مسبق وإجراء منافسة ألاعمال
التي كانت موضوع مسطرة طلب عروض تم إعالنها عديمة الجدوى وفق الشروط
املنصوص عليها في املادتين 12و 31من مرسوم الصفقات العمومية ؛ وفي هذه
الحالة ،يجب أال يطرأ أي تغيير على الشروط ألاصلية للصفقة وأال تزيد املدة
الفاصلة بين تاريخ التصريح بعدم جدوى املسطرة وتاريخ نشر إعالن الصفقة
التفاوضية عن واحد وعشرين يوما؛
.2ألاعمال التي يعهد صاحب املشروع بتنفيذها إلى الغير حسب الشروط الواردة في
الصفقة ألاصلية على إثر تقصير من صاحب الصفقة.
وفي ضوء ما سبق بيانه ،يمكن كذلك أن تكون موضوع صفقات تفاوضية بدون إشهار
:مسبق وبدون إجراء منافسة
ألاعمال التي ال يمكن أن يعهد بإنجازها لصاحب أعمال معين اعتبارا لضرورات تقنية
أو لصبغتها املعقدة التي تستلزم خبرة خاصة؛
ألاعمال التي تقتض ي ضرورات الدفاع الوطني أو ألامن العام الحفاظ على سريتها.
ويجب أن تكون هذه الصفقات موضوع ترخيص مسبق من رئيس الحكومة بالنسبة
لكل حالة على حدة بناء على تقرير خاص من السلطة املختصة املعنية؛
ألاعمال التي يجب إنجازها في حالة الاستعجال القصوى والناجمة عن ظروف غير
متوقعة بالنسبة لصاحب املشروع ،وغير ناتجة عن عمل منه ،والتي ال تتالءم مع
158
آلاجال التي يستلزمها إشهار وإجراء منافسة مسبقين ،لكون موضوع هذه ألاعمال على
الخصوص جاء ملواجهة خصاص أو حدث فاجع مثل زلزال أو فيضانات أو مد بحري
أو جفاف أو وباء أو جائحة أو وباء حيواني أو أمراض نباتية مدمرة أو اجتياح الجراد
أو حرائق أو بنايات أو منشآت مهددة باالنهيار أو حدث يهدد صحة املستهلك أو الثورة
الحيوانية أو الطبيعية][7؛
ألاعمال املستعجلة التي تهم الدفاع عن حوزة التراب الوطني أو أمن السكان أو سالمة
السير الطرقي أو املالحة الجوية أو البحرية ،والتي يجب الشروع في تنفيذها قبل
تحديد جميع شروط الصفقة طبقا للشروط املقررة في البند " ب " من املادة 82من
مرسوم الصفقات العمومية؛
ألاشياء التي يختص بصنعها حصريا حاملو براءات الاختراع؛
ألاعمال املتعلقة بتنظيم الحفالت أو الزيارات الرسمية والتي تكتس ي صبغة
استعجاليه وغير متوقعة ،وغير املتالئمة مع آلاجال الالزمة لإلشهار وإجراء املنافسة
املسبقين.
ألاعمال إلاضافية التي يعهد بها إلى مقاول أو مورد خدماتي سبق أن أسندت إليه
صفقة إذا كان من املفيد ،بالنظر ألجل التنفيذ أو حسن سير هذا التنفيذ ،عدم
إدخال مقاول أو مورد أو خدماتي جديد ،وعندما يتبين أن هذه ألاعمال غير املتوقعة
وقت إبرام الصفقة الرئيسية مكملة لها ؛ على أساس أن ال تتجاوز نسبة عشرة في
املائة من مبلغها.
أما فيما يتعلق باألشغال ،فيتعين أيضا أن يعتمد في تنفيذها على معدات منصبة أو تم
استعمالها من طرف املقاول في عين املكان ،وتبرم هذه الصفقات على شكل عقود ملحقة
.بالصفقات ألاصلية املرتبطة بها
:صفقات أعمال الهندسة املعمارية – ثانيا
تبرم العقود املتعلقة بأعمال الهندسة املعمارية عن طريق الاستشارة املعمارية أو املباراة
.املعمارية أو الاستشارة املعمارية التفاوضية
ويحدد عقد املهندس املعماري املقتضيات إلادارية والتقنية واملالية املطبقة على العمل
املراد تنفيذه ،بما في ذلك تفصيل أتعاب املهندس املعماري وكيفيات أداءها ،كما يحدد
159
عتبة التسامح بالنسبة للتقدير املوجز الذي كان أساس إسناد العقد ،وكذا التبعات التي
.قد يتحملها املهندس املعماري إذا تم تجاوز هذا الحد
وتجدر إلاشارة إلى أن الاستشارة املعمارية تمكن صاحب املشروع من اختيار املهندس
املعماري الذي قدم العرض ألاكثر أفضلية ،بعد إجراء تباري مفتوح في وجه جميع
املهندسين املعماريين على أساس برنامج لالستشارة املعمارية ؛ وبعد استطالع رأي اللجنة
.املكلفة بذلك
علما أنه يتم اللجوء إلى الاستشارة املعمارية بالنسبة للمشاريع التي تقل امليزانية إلاجمالية
.املتوقعة لألشغال املرتبطة بها عن عشرين مليون درهم دون احتساب الرسوم
إجباريا بالنسبة لعقود أعمال الهندسة املعمارية التي تعادل أو ][8ويعتبر اللجوء إلى املباراة
تفوق ميزانيتها إلاجمالية املتوقعة لألشغال املتعلقة باملشروع عشرون مليون درهم دون
احتساب الرسوم ؛ إال أنه يمكن لصاحب املشروع اللجوء إلى هذه املسطرة حتى بالنسبة
.للمشاريع التي يقل مبلغها عن هذا الحد
وفي هذا السياق ،تتيح املسطرة التفاوضية لصاحب املشروع التفاوض بشأن شروط العقد
مع مهندس أو عدة مهندسين معماريين ضمن الشروط املبينة في الباب الخامس من مرسوم
.الصفقات العمومية
والتي تتعلق على الخصوص ][9هذا علما بأنه يمكن اللجوء لالستشارة املعمارية التفاوضية
باألتعاب وآلاجال وشروط تنفيذ العمل ،على اعتبار أن هذه املفاوضات ال يمكن أن تخص
.املوضوع والبرنامج املعد من طرف صاحب املشروع
تأسيسا على ما سلف ،ال يجوز إبرام عقود أعمال الهندسة املعمارية وفق املسطرة
التفاوضية إال في الحاالت املنصوص عليها في البند الثاني من املادة 129من مرسوم
.الصفقات العمومية
يجوز لصاحب املشروع اللجوء إلى صفقات الدراسات عندما يتعذر عليه القيام اعتمادا
.على وسائله الخاصة بالدراسات الالزمة
ويجب أن تكون هذه الصفقات محددة بكل دقة من حيث موضوعها ومداها ومدة تنفيذها
161
.حتى يتسنى إجراء منافسة بين أصحاب ألاعمال
ويمكن أن تضم صفقات الدراسات مرحلة أولية تسمى مرحلة " التعريف " ألجل تحديد
ألاهداف والفعالية املرجو بلوغهما أو التقنيات التي يجب استعمالها أو الوسائل البشرية
.واملادية التي يجب توفيرها
كما يمكن أن تنص هذه الصفقات على إمكانية توقيف الدراسة إما بعد انصرام أجل
.معين أو عندما يصل مبلغ النفقات حدا معينا
وإذا كانت طبيعة وأهمية الدراسة تبرران ذلك ،تقسم الدراسة إلى عدة مراحل ،لكل مرحلة
ثمن وفي هذه الحالة يمكن أن تنص الصفقة على توقيف تنفيذها عند انتهاء كل مرحلة
.من هذه املراحل
ويتصرف صاحب املشروع في نتائج الدراسة حسبما تقتضيه حاجاته الخاصة ،وحاجات
.الجماعات والهيئات املشار إليها في الصفقة
هذا وتكون حقوق امللكية الصناعية التي قد تنشأ بمناسبة الدراسة أو خاللها مكسبا
لصاحبها الدراسة ،ما عدا إذا احتفظ صاحب املشروع لنفسه بهذه الحقوق كليا أو جزئيا
.بموجب أحد شروط الصفقة
يمكن القيام بناء على سندات طلب ،باقتناء توريدات وبإنجاز أشغال أو خدمات ،وذلك في
.حدود مائتي ألف درهم مع احتساب الرسوم
وفي هذا املضمار ،يراعى حد مائتي ألف درهم املشار إليه أعاله في إطار سنة مالية واحدة،
وحسب نوع امليزانية ،مع اعتبار كل آمر بالصرف أو آمر بالصرف مساعد وحسب أعمال من
.نفس النوع
ويتم التنصيص على قائمة ألاعمال التي يمكن أن تكون موضوع سندات الطلب بامللحق
[10].رقم 1من مرسوم الصفقات العمومية
هذا وتحدد سندات الطلب مواصفات ومحتوى ألاعمال املراد تلبيتها ؛ وعند الاقتضاء أجل
.التنفيذ أو تاريخ التسليم وشروط الضمان
كما أن ألاعمال الواجب إنجازها بسندات الطلب يجب أن تكون موضوع منافسة مسبقة،
161
ما عدا في الحاالت التي يستحيل فيها اللجوء إليها أو كانت غير متالئمة مع العمل .لهذه
الغاية على صاحب املشروع أن يستشير كتابة ثالث متنافسين على ألاقل ،وأن يقدم كذلك
ثالثـة بيانات مختلفة لألثمان على ألاقل مقدمة من طرف املتنافسين املعنيين ،ما عدا في
.حالة الاستحالة أو عدم املالءمة
علما أنه في حالة عدم مالءمة إجراء منافسة أو استحالة تقديم ثالثة بيانات لألثمان يعد
آلامر بالصرف أو آلامر بالصرف املساعد أو الشخص املؤهل ،عند الاقتضاء ،مذكرة تبرر
.هذه الاستحالة أو عدم التطابق
واتساقا مع ذلك ،وبصفة استثنائية ومراعاة لخصوصيات بعض القطاعات الوزارية ،يمكن
لرئيس الحكومة أن يأذن فيما يتعلق ببعض ألاعمال برفع حد مائتي ألف درهم مع
احتساب الرسوم بموجب مقرر يتخذه بعد استطالع رأي لجنة الصفقات وتأشيرة الوزير
.املكلف باملالية ،وذلك دون تجاوز خمس مائة ألف درهم مع احتساب الرسوم
أما بالنسبة للمؤسسات العمومية ،فيمكن رفع حد مائتي ألف درهم مع احتساب الرسوم
بموجب مقرر ملدير املؤسسة العمومية يتخذه بعد موافقة مجلس إلادارة وتأشيرة
.الوزيراملكلف باملالية ،وذلك دون تجاوز خمس مائة ألف درهم مع احتساب الرسوم
:خاتمة
حدد املشرع مختلف إلاجراءات التي يجب اتباعها ،واملبادئ التي يجب مراعاتها في مجال
الصفقات العمومية عبر مختلف مراحلها ،انطالقا من مرحلة تحضير الصفقة إلى غاية
الانتهاء من تنفيذها .وأهم هذه املراحل بالنسبة ملوضوع الصفقات العمومية هي مرحلة
إبرام الصفقة العمومية وكيفية اختيار املتعامل املتعاقد .نظرا لكون معظم القضايا
املطروحة في ساحة القضاء تتعلق بهذه املرحلة ،وما يمكن أن يقوم به املوظفون
.العموميون املكلفون بإبرام الصفقة من تجاوزات ومخالفات يعاقب عليها القانون
كما أحاط القانون عملية إبرام وعقد الصفقات العمومية بالعديد من القيود وإلاجراءات،
وذلك بغرض حماية املال العام ،وضمان مبدأ املساواة بين املتعاملين قصد تمكين إلادارة
.من اختيار أفضل املتقدمين للتعاقد معه
على أساس ما سبق ،وبالنظر إلى التنظيمات التي مر بها قانون الصفقات العمومية باملغرب
162
يمكن القول بأنه عرف الكثير من التطورات حسب التغيرات التي كانت تعرفها البالد ،على
اعتبار أن الصفقات العمومية تعد رافعة إستراتيجية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية
.ومكونا أساسيا داخل النشاط الاقتصادي الوطني
163
ينطلق أصحاب هذا الرأي من توصيات تقررين مهمين عرفهما املغرب خالل املرحلة
ألاخيرة ،تقرير هيئة إلانصاف واملصالحة ،وتوصيات الهيئة العليا للحوار الوطني حول
إلاصالح العميق والشامل ملنظومة العدالة.
نصت توصيات هيئة إلانصاف واملصالحة على تقوية استقالل القضاء وإلاقرار باستقالله
الذاتي بشريا وماليا وتمكينه من سلطات واسعة في مجال تنظيم املهنة ووضع ضوابطها
وأخالقياتها وتقييم عمل القضاة وتأديبهم وتخويله إعداد تقرير سنوي عن سير العدالة،
هذه التوصيات وضعت اللبنة ألاولى ملعالم استقالل النيابة العامة عن رجل السياسة
بإقرارها ضرورة اعتماد تأهيل العدالة وتقوية استقالليته.
أما توصيات الهيئة العليا للحوار الوطني حول إلاصالح العميق والشامل ملنظومة العدالة
اعتبرت أن أحكام الدستور أقرت بجالء استقالل السلطة القضائية عن السلطتين
التشريعية والتنفيذية ،ويجب فصل النيابة العامة عن السلطة التنفيذية وإسناد رئاستها
إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ،مع تخويل وزير العدل صالحية إعداد
السياسة الجنائية التي سيتم إقرارها من طرف السلطات املختصة ،وتبليغ مقتضياتها
كتابة إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ،مع إحاطة الوكيل العام للملك لدى
محكمة النقض ووزير العدل علما باإلجراءات والتدابير املتخذة بشأن السياسة الجنائية،
على أن يقوم الوكيل العام للملك بتقديم تقرير سنوي إلى املجلس ألاعلى للسلطة القضائية
بشأن تنفيذ السياسة الجنائية وسير جهاز النيابة العامة يكون موضوع نقاش داخل
املجلس.
كما ينطلق أصحاب الطرح املنادي باستقاللية النيابة العامة عن سلطة وزير العدل من
املبررات الدستورية استنادا على ما تضمنته الوثيقة الدستورية بعد تعديل فاتح يوليوز
2111التي كرست استقاللية سلطة القضاء عن السلطتين التشريعية و التنفيذية في باب
مستقل (الباب السابع من دستور ،)2111وأنه من خالل القراءة العادية للفقرة ألاولى من
الفصل 112يتبين أن إلارادة الدستورية توجهت نحو فك الارتباط نهائيا بين السلطة
القضائية وباقي السلط ألاخرى ،هذا الاستقالل يعتبره أصحاب هذا الطرح بأنه استقالل
كامل للسلطة القضائية تهم القضاء الجالس و القضاء الواقف (قضاة أحكام و قضاة
نيابة عامة) .وأن الدستور لم يميز بينهما ،اللهم في الشق املتعلق بآليات اشتغال كل منهما،
على اعتبار أن للنيابة العامة خصوصيات تميزها عن قضاء الحكم ،وهو ما يؤكده الفصل
164
111من الدستور « ال يلزم قضاة ألاحكام إال بتطبيق القانون ،وال تصدر أحكام القضاء إال
على أساس التطبيق العادل للقانون.
وإجماال يمكن طرح أهم ألافكار التي تدعم استقاللية النيابة العامة عن سلطة وزير العدل
ما خلصت إليه الندوة الدولية التي نظمها النسيج املدني للدفاع عن استقالل السلطة
القضائية والتي خلصت إلى:
–تخويل الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض باعتباره رئيس النيابة العامة إلاشراف
وتتبع أعمال النيابة العامة؛
–استقالل سلطة النيابة العامة عن السلطة التنفيذية بشكل مطلق ،للطالق البائن بين
السياس ي والقضائي؛
–صالحية السلطة الحكومية املكلفة بالعدل في تبليغ السياسة الجنائية العامة للوكيل
العام للملك بمحكمة النقض على أن تكون كتابة وغير متعلقة بحاالت محددة؛
–نقل إلاشراف الكلي على الضابطة القضائية إلى سلطة النيابة العامة ،و جعلها من أجهزة
السلطة القضائية؛
–إحداث مجلس الوكالء العامين للملك تحت السلطة املباشرة للوكيل العام للملك
بمحكمة النقض يخول له إقتراح موجهات السياسة الجنائية والسهر على تنفيذها؛
–تخويل هذا املجلس حق مراجعة قرارات النيابة العامة املتصلة بحفظ الشكايات ،و سائر
التظلمات ضد القرارات املتعلقة بها؛
–تخويل مجلس الوكالء العامين للملك صالحية مراقبة أعمال النيابة العامة؛
–تعزيز إستقاللية قاض النيابة العامة ،في إبداء آرائه بكل حرية وإستقالل في الجلسات
العلنية؛
–تنظيم قاعدة التبعية و التسلسل الرئاس ي و حدوده التي يخضع لها قضاة النيابة العامة؛
–تمتيع قضاة النيابة العامة بنفس الحصانة ضد النقل والعزل التي يتمتع بها قضاة
ألاحكام؛
هذا التوجه الداعم الستقاللية النيابة العامة عن سلطة وزير العدل والحريات يعتبر
بالنسبة لبعض الفاعلين في مجال القضاء خطوة إلى إلامام ،وانتصار للتوجه الحقوقي
الشامل الذي يفصل بين السلط ويضع الحدود الضرورية التي تمنع تدخل السلطة
التنفيذية في السلطة القضائية ،وتتويجا لإلجماع الوطني والحقوقي املنبثق عن ميثاق
165
إصالح العدالة واملصادق عليه من طرف الهيئة الوطنية مليثاق إصالح العدالة الذي حظي
باملوافقة امللكية في حفل رسمي أعلن فيه أنه مشروع مجتمعي إلصالح القضاء وتطوير
العدالة شاركت فيه كل الهيئات واملنظمات الوطنية.
2-استمرارية تبعية قضاة النيابة العامة لوزير العدل والحريات
يتفق أصحاب هذا الطرح في كون أن إصالح مؤسسة النيابة العامة يشكل عنصرا أساسيا
ضمن نسق إصالح منظومة العدالة كونها مؤسسة قضائية أساسية ،وأن أي إصالح دون
أن يشملها يجعل الجسم القضائي عليال ومعاقا ،إال إنه في املقابل ينتاب أصحاب هذا
الاتجاه هاجس كبير بشأن ضمانات الجهة التي ستشرف على النيابة العامة و الجهة التي
ستسهر على توفير الاستقالل الفعلي لها ،وكيفية محاسبتها عن أخطائها وتقاعسها عن
القيام بواجبها.
ويضيف أصحاب هذا الرأي أنه بالرغم من املبادئ الدستورية الضامنة الستقالل السلطة
القضائية ،فإن املمارسة والتطبيق يشهدان على تدخل صارخ في ألاعمال ذات الصبغة
القضائية ،بل هناك من اعتبر أن وضع النيابة العامة تحت مسؤولية الوكيل العام لدى
محكمة النقض أنها خطوة للوراء ولن تكون سوى امتيازا قضائيا في ظل الوضع الحالي
للجهاز القضائي وستكون معها النيابة العامة بدون محاسبة و ال رقيب.
وحجة أصحاب هذا الرأي بما تعرفه ألارضية ألاساسية لجهاز القضاء ببالدنا التي ال زالت
هشة ،واملتمثلة أساسا في الفساد إلاداري وغياب النزاهة في بعض عناصر النيابة العامة،
وهو ما تؤكده الكثير من القرارات وألاوامر الجائرة وغير املؤسسة قانونا سواء تعلق ألامر
باالعتقال أو السراح املؤقت أو حفظ امللفات حسب ما جاء في الرسالة التي بعث بها
الدكتور خالد السموني الشرقاوي ،مدير مركز الرباط للدراسات السياسية وإلاستراتيجية،
هذا الطرح في نظرنا ال مبرر له طاملا أن قضاة النيابة العامة يشتغلون تحت سلطة وزير
العدل و يمكن له توجيه التعليمات في جميع امللفات بل أحيانا أن وزير العدل هو من
يتحكم في املتابعات و ردهات املحاكم مليئة بملفات حساسة كان لوزير العدل اليد القوية
في نحريك املتابعات بخصوصها.
املسألة ألاخرى التي يطرحها أصحاب هذا الاتجاه ،مسألة الرقابة التي ستخضع لها النيابة
العامة في حالة إخضاعها إلشراف الوكيل العام لدى محكمة النقض كونه لن تخضع ألي
رقابة مؤسساتية في الدولة ،في حين يرى هذا الاتجاه أن استمرارية تبعية النيابة العامة
166
لوزير العدل والحريات يمكنها من الخضوع لرقابتين أساسيتين ألاولى رقابة رئيس الحكومة
باعتباره الرئيس الفعلي املباشر للوزير يمارسها مباشرة أو من خالل اجتماعات مجلس
الحكومة ،والرقابة البرملانية ،عندما يمثل وزير العدل والحريات أمام البرملان بمجلسيه
ملساءلته عن قراراته عندما تكون خارجة عن نطاق القانون أو تمس بمبدأ استقالل
القضاء ويبقى مسؤوال عن قراراته وسياسته الجنائية أمام البرملان في إطار ديمقراطي يربط
املسؤولية باملحاسبة.
لهذا يرى أصحاب هذا الاتجاه أن أعضاء الهيئة جانبوا الصواب ،باقتراحهم في مشروع
إصالح القضاء استقاللية النيابة العامة بشكل تام عن وزير العدل ،وأن همهم الوحيد هو
تفعيل مبدأ فصل السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية تطبيقا ملقتضيات الدستور،
كما اعتبروا أن بعض الحقوقيين الذين طالبوا ودافعوا عن استقالل النيابة العامة عن
وزير العدل لم يعوا خطورة هذا املطلب ،نظرا لغياب ضمانات قانونية تتعلق باختيار
الوكيل العام وآليات محاسبته بعيدا عن السلطة التنفيذية ،وأن إبعاد النيابة العامة عن
وزارة العدل في غياب ضمانات دستورية وقانونية يعتبر خطا تاريخيا سنتحمل تبعاته في
املستقبل.
في ضوء ما سبق ،في نظرنا يمكن القول ،أن موضوع استقاللية النيابة العامة عن وزير
العدل ليس الهدف منه ملن ستخضع النيابة العامة ومن سيراقبها ،بل الهدف هو توطيد
دولة الحق والقانون والتطبيق السليم ملقتضيات دستور 2111وتكريس استقاللية
السلطة القضائية عن باقي السلط ،والفصل الواضح بين السياس ي والقاض ي ،والابتعاد عن
الاستغالل السياس ي للقضاء ،لهذا يجب الدخول في تجربة جديدة ،تجربة نيابة عامة
يترأسها الوكيل العام للملك بمحكمة النقض على أساس أن تتسم بالضمانات القضائية
وباالستقالل التام للقضاء ،وما يمكن التأكيد عليه في الاخير أنه تم تغييب دور املجلس
ألاعلى للسلطة القضائية في مراقبة النيابة العامة من خالل التشكيلة املوسعة و املتنوعة
ألعضائه و التي من ضمنها من هو خارج السلك القضائي.
167
-22مدى املقاربة واملفارقة بني احلجز
لدى الغري
واإلشعار للغري احلائز
مصطفى التراب
مقدمة:
يطرح الحجز لدى الغير املنصوص عليه في الباب الخامس من القسم التاسع من قانون
املسطرة املدنية الذي خصصه املشرع لطرق التنفيذ ،وإلاشعار للغير الحائز املنصوص
عليه في القانون رقم 15-92بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية ،عدة إشكاالت قانونية
وصعوبات عملية وتطبيقية جعلت املحاكم تختلف في كثير من ألاحيان عن بعضها في
طريقة معالجتها لها ،والخروج منها باتجاهات موحدة ،وذلك نظرا ملا يكتنف صياغة
النصوص التشريعية املنظمة لهذه املقتضيات من غموض وتعقيد من جهة ،ولعدم
استقرار العمل القضائي خصوصا منه املتعلق باملجلس ألاعلى -عند تطبيقه لهذه
النصوص -على مبادئ واحدة وقواعد متواترة من شأنها أن توحد توجهات قضاة املوضوع
من جهة أخرى.
فإذا كان كل من الحجز لدى الغير وإلاشعار للغير الحائز ،يشكالن معا آلية قانونية تمكن
الدائن بدين خصوص ي بالنسبة لألول ،والدائن بدين عمومي بالنسبة للثاني من استخالص
دينه من يد الغير ،ويتحدان بالتالي في النتيجة التي يرغب كل دائن في الوصول إليها ،وهي
استخالص الدين بطريق غير مباشر من يد الغير بدل استخالصه مباشرة من يد الدائن ،وال
يختلفان إال في التسمية أو املصطلح ،فإنهما مع ذلك يتميزان عن بعضهما في كثير من
الجوانب.
168
لذا فإننا سنعمل في هذه املحاولة التأصيلية للموضوع ،أن نبين أوجه التشابه والخالف
بينهما ،ونتطرق تباعا للحجز لدى الغير في إطاره التحفظي وأيضا حينما يكتس ي طابعا
تنفيذيا مع بيان الجهة القضائية املختصة بالنظر في املصادقة عليه حسب كل حالة،
ونطاق اختصاص قاض ي املستعجالت بالنظر في طلب رفعه ،ثم نحاول بعد ذلك تأصيل
الجوانب املتعلقة باإلشعار للغير الحائز كإجراء تنفيذي لتحصيل الديون العمومية ،وإبراز ما
إذا كانت املنازعة فيه ذات طبيعة وقتية يختص بالنظر فيها قاض ي املستعجالت ،أم ذات
طبيعة موضوعية يرجع الاختصاص فيها ملحكمة املوضوع ،مع بيان ما إذا كان يتعين على
املحصل إخضاع إلاشعار للغير الحائز لقاعدة تدرج املتابعات ،أم يمكن مواجهة امللزم به في
أي مرحلة من مراحل مسطرة التحصيل ،مع التركيز في كل ذلك على أحدث القرارات
الصادرة عن املجلس ألاعلى التي وإن كان بعضها متباينا في التوجه ،فإن من شأنها مع ذلك
املساهمة إلى حد كبير في إغناء النقاش ،والوصول باإلشكاالت املطروحة إلى ما يدعو إلى
تأصيل وتقعيد الحلول املمكنة لها.
أوال :الحجز لدى الغير
لقد سبقت إلاشارة إلى أن املشرع في قانون املسطرة املدنية ،أورد الحجز لدى الغير ضمن
القسم التاسع الذي خصصه لطرق التنفيذ ،فهل معنى هذا أنه إجراء تنفيذي أي طريق
من طرق التنفيذ؟ أم يمكن أن يكون إجراء تحفظيا ولو أنه جاء ضمن املقتضيات القانونية
املتعلقة بالتنفيذ؟
باستقرائنا للفصل 191من قانون املسطرة املدنية] [1يتضح لنا أن املشرع املغربي سار في
الاتجاه الذي يعطي للحجز لدى الغير طابعا مختلطا ،بحيث حتى إذا لم يكن هناك سند
تنفيذي ،فيمكن للدائن استصدار أمر بالحجز لدى الغير من رئيس املحكمة إذا كان يتوفر
على دين ثابت] [2وذلك في إطار ألاوامر املبنية على طلب بشرط الرجوع إليه في حالة وجود
صعوبة ،فالطابع التحفظي للحجز لدى الغير يتجلى في مرحلته ألاولى وهو غل يد املحجوز
عليه من التصرف في ألاموال املحجوزة ،وفي نفس الوقت منع املحجوز لديه من تسديد ما
بذمته لفائدة املحجوز عليه ،بينما يتجلى طابعه التنفيذي في مرحلته الالحقة املتعلقة
بالتصحيح أو املصادقة ،بحيث ينقلب هذا الحجز من الطابع التحفظي إلى الطابع
التنفيذي.
169
أما الحجز لدى الغير الذي يتم بناء على سند تنفيذي ،فيكون له الطابع التنفيذي منذ أن
يتولى مأمور التنفيذ القيام بإجراءات هذا الحجز في إطار قواعد التنفيذ الجبري وذلك
بصفة تلقائية أي بدون حاجة إلى استصدار أمر من رئيس املحكمة من قبل الدائن أو
طالب التنفيذ ،وأن خضوع هذا النوع من الحجز لدى الغير أيضا ملسطرة املصادقة ليس
هو الذي يضفي عليه الطابع التنفيذي كما هو الشأن بالنسبة للحجز لدى الغير الذي يتم
بناء على أمر قضائي ،وبمعنى آخر فإن الحجز لدى الغير حينما يتم مباشرة من قبل مأمور
التنفيذ ،يكون له الطابع التنفيذي بداية ونهاية أي بدءا بتبليغ محضر الحجز لدى الغير إلى
غاية املصادقة عليه مادام قد تم بناء على سند تنفيذي ،وحينما يتم بناء على أمر من
رئيس املحكمة في إطار ألاوامر املبنية على طلب ،يكون له الطابع التحفظي بداية أي بمجرد
صدور ألامر وتبليغ محضر الحجز لألطراف ،بينما يتحول إلى إجراء تنفيذي بعد املصادقة
عليه].[3
الحجز لدى الغير بناء على أمر قضائي:
إذا كان الدائن يتوفر على دين ثابث بمعنى أن يكون هذا ألاخير محققا في وجوده ولو لم
يكن معلوما في مقداره ،فإنه يمكن أن يستصدر من رئيس املحكمة] [4أمرا بالحجز لدى
الغير في إطار ألاوامر املبنية على طلب وذلك عمال بمقتضيات الفصول 118و 188و 191من
قانون املسطرة املدنية ،وال يصح الدين الاحتمالي لجعل الحجز لدى الغير ضامنا له ،كما لو
تعلق ألامر بدعوى تعويض لم يصدر حكم بشأنها بعد ،أما الدين املقرون بأجل ،فيمكن أن
يصدر أمر بالحجز لدى الغير لضمانه ولو قبل حلول أجله وذلك بمسعى من الدائن ،إال أن
هذا الحجز يبقى تحفظيا طبقا للفصل 138من ق ع ل وال يتأتى تصحيحه ما لم يحل أجل
الدين أو يفقد املدين ( املحجوز عليه ) مزية ألاجل نتيجة ألحد ألاسباب الواردة في الفصل
139من نفس القانون.
كما يمكن إجراء حجز لدى الغير بناء على أمر قضائي في الحالة التي يكون فيها الدائن قد
صدر لفائدته حكم ابتدائي بأداء دين ،إال أنه ال يتم تصحيح هذا الحجز إال بعد أن يصير
الحكم املذكور حائزا لقوة الش يء املقض ي به إما عن طريق البت في الاستئناف أو في
التعرض إذا كان ألامر يتعلق بقرار استئنافي غيابي.
ألاثر القانوني املترتب عن الحجز لدى الغير الصادر بناء على أمر قضائي:
171
إن من أهم آلاثار القانونية التي يمكن ترتيبها على الحجز لدى الغير الذي بني على أمر
قضائي ،هو أنه يمكن الرجوع فيه إلى رئيس املحكمة عند وجود صعوبة ،وهو ما نص عليه
الفصل 191من قانون املسطرة املدنية صراحة ،ذلك أن ألامر بالحجز لدى الغير يصدر في
غيبة ألاطراف تحقيقا لعنصر املباغثة الذي يشكل دورا أساسيا في الحجز ،وبالتالي فإنه ال
يتأتى للمحجوز عليه إبداء أوجه دفاعه حول الحجز املطلوب في مواجهته ،إال أن املشرع
رغبة منه في تحقيق التوازن بين مصلحة الطرفين ،منح للمحجوز عليه إمكانية اللجوء إلى
رئيس املحكمة املصدر لألمر بالحجز لدى الغير ،وهذه املرة بصفته قاضيا للمستعجالت
طبقا للفصل 119من نفس القانون من أجل النظر -في إطار مسطرة تواجهية -في
عوارض الحجز التي يطرحها الطالب ( املحجوز عليه) كأن يدعي الوفاء بالدين الذي تقرر
الحجز بسببه ،ويطلب تبعا لذلك بالتراجع عن ألامر بالحجز لدى الغير ،أو برفع الحجز،
ويبقى لرئيس املحكمة بتلك الصفة املشار إليها أعاله ،تقدير ما إذا كانت تلك العوارض
جدية أم ال ،مع ألاخذ بعين الاعتبار طبعا ملدى توافر الشرطين اللذين ينعقد بهما
اختصاص قاض ي املستعجالت املنصوص عليهما في الفصلين 119و 152من قانون
املسطرة املدنية وهما :الاستعجال وعدم املساس بما يمكن أن يقض ى به في الجوهر[5].
مسطرة املصادقة على الحجز لدى الغير الصادر بناء على أمر قضائي:
لقد سبق أن أشرنا من قبل إلى أن الحجز لدى الغير الذي يصدر بناء على أمر قضائي ،يبقى
محتفظا بطابعه التحفظي ،وال يتحول إلى إجراء تنفيذي إال بعد املصادقة عليه من قبل
الجهة القضائية املختصة ،فبعد صدور ألامر بالحجز لدى الغير ،يتقدم من صدر هذا ألامر
لصالحه (أي طالب الحجز) بطلب تبليغ وتنفيذ هذا ألامر إلى كتابة ضبط املحكمة التي
صدر عنها ألامر ،فيتم فتح ملف الحجز لدى الغير بقسم التنفيذ ،ويتولى مأمور التنفيذ على
الفور وبكيفية مستعجلة تحقيقا لعنصر املباغثة وطبقا للفصل 192من ق.م.م بتبليغ
محضر الحجز لدى الغير -مرفقا بنسخة من ألامر بالحجز ونسخة من السند املثبت للدين
إن وجد -إلى املحجوز عليه ونفس املحضر يبلغ للمحجوز لديه] ،[6ويضمن كاتب الضبط
جميع الحجوز لدى الغير في السجل املنصوص عليه في الفصل 193من القانون املذكور،
حتى يمكن التعرف على أسماء وعناوين الدائنين املسجلين به عند استدعائهم لجلسة
الاتفاق الودي على توزيع املبالغ املحجوزة املنصوص عليها في الفصل ، 191وهي الجلسة
التي يتولى رئيس املحكمة] [7بصفته هاته -وليس بصفته قاضيا للمستعجالت – باستدعاء
171
ألاطراف إليها بعد أن تتولى كتابة الضبط فتح ملف الاتفاق الودي بصفة تلقائية ( أي
بدون حاجة إلى تقديم أي إجراء مسطري كطلب أو غيره من قبل طالب الحجز) وذلك
خالل الثمانية أيام املوالية للتبليغ املشار إليه أعاله ،ويشعر املحجوز لديه في الاستدعاء
املوجه إليه ،بضرورة إدالئه بالتصريح إلايجايي الذي يتعين عليه إلافضاء به ،وإلى الجزاء
الذي يمكن أن يترتب عليه في حالة عدم حضوره الجلسة أو عدم إدالئه بهذا التصريح]، [8
الذي وإن تمت تسميته في النص " باإليجابي" فإنه قد يكون سلبيا كأن يصرح املحجوز بين
يديه -إن كان مؤسسة بنكية مثال -بأن املحجوز عليه ال يتوفر على رصيد دائن أو أن هذا
الرصيد ال يغطي الدين املضمون بالحجز ...كما أن هذا التصريح سواء كان إيجابيا أو سلبيا
يمكن أن يفض ي به املحجوز بين يديه ملأمور التتنفيذ ساعة تبليغه بمحضر الحجز والذي
يعمل على تأكيده في الجلسة املذكورة التي يستدعى إليها.
فإذا حصل الاتفاق في هذه الجلسة بين ألاطراف الذين تم استدعاؤهم إليها بمن فيهم
الدائنون الذين قد يكونون مسجلين في السجل املشار إليه أعاله على توزيع ألاموال
املحجوزة ،فإنه يتم تحرير محضر بذلك وتسلم قوائم التوزيع فورا ،أما إذا لم يحصل
اتفاق فيحرر محضر بذلك أيضا.
ونؤكد هنا على أن الدائن الذي يستصدر ألامر بالحجز لدى الغير من رئيس املحكمة ،يكون
قد استند في طلبه له إلى سند مثبت للدين الذي قد يكون اعترافا بدين أو شيك أو كمبيالة
..بمعنى أن النزاع حول الدين لم يحسم قضائيا بعد ،بحيث إذا لم يقع الاتفاق على توزيع
ألاموال املحجوزة بين ألاطراف بسبب منازعة املحجوز عليه في الدين ،فإن رئيس املحكمة ال
يمكنه في هذه الحالة الحسم في هذه النقطة ،ويتأكد فيما إذا كانت هناك دعوى املطالبة
بالدين رائجة أمام املحكمة أم ال ،فإن كانت رائجة ،فإنه يعمل على توقيف إجراءات
املصادقة على الحجز لدى الغير إلى أن يصدر حكم نهائي بشأن تلك الدعوى ،أما إذا لم
تكن أي دعوى رائجة باملرة ،فهنا ينتهي دور رئيس املحكمة عند إلاشهاد لألطراف على عدم
حصول الاتفاق بينهم على توزيع ألاموال املحجوزة ،ويوجه طالب الحجز في املحضر
املتضمن لذلك بتقديم دعوى املصادقة على الحجز لدى الغير أمام الجهة القضائية
املختصة وهي محكمة املوضوع] [9بصفتها الجهة املؤهلة لحسم النزاع املتعلق بالدين الذي
تقرر الحجز ضمانا له ،وهذا يؤكد على أن محكمة املوضوع وهي تنظر في دعوى املصادقة
على الحجز لدى الغير إذا تبين لها بأن الدين ثابت ،فإنها تصدر حكما باملصادقة على الحجز
172
لدى الغير والذي يتم تنفيذه بعد أن يصير نهائيا وحائزا لقوة الش يء املقض ي به وفقا
للفصل 128من ق.م.م.
الحجز لدى الغير بناء على سند تنفيذي:
في حالة وجود سند تنفيذي ،أمكن ملأمور التنفيذ في إطار التنفيذ الجبري ،إجراء حجز ما
للمدين لدى الغير باعتباره طريقا من طرق التنفيذ وذلك بصفة تلقائية ومباشرة وبدون
حاجة إلى استصدار أمر قضائي عمال بمقتضيات الفصل 191من ق.م.م ،بحيث أن الحجز
لدى الغير يكون في هذه الحالة حجزا تنفيذيا يباشره مأمور إلاجراءات الجارية مسطرة
التنفيذ أمامه] ،[10والسند التنفيذي هو السند املذيل بالصيغة التنفيذية] [11املنصوص
عليها في الفصل 133من ق.م.م ،ويدخل في عداده ما يلي:
ألاحكام النهائية أو ألاحكام القابلة للتنفيذ كاألوامر الاستعجالية وألاحكام املشمولة بالنفاذ -
املعجل؛
ألاحكام الصادرة عن محاكم أجنبية بعد تذييلها بالصيغة التنفيذية طبقا للفصل 131 -
من ق.م.م؛
أحكام املحكمين بعد تذييلها بالصيغة التنفيذية طبقا للفصل 322من نفس القانون؛ -
العقود املبرمة بالخارج أمام الضباط واملوظفين العموميين املختصين بعد إعطائها -
الصيغة التنفيذية طبقا للفصل 132من نفس القانون؛
ألاثر القانوني املترتب عن الحجز لدى الغير بناء على سند قانوني:
إن أهم أثر قانوني يترتب عن الحجز لدى الغير املنجز بناء على سند تنفيذي ،هو أن
املطالبة برفعه أو بطالنه يقتض ي حتما الطعن في إجراءات التنفيذ ،فالطعن في هذا الحجز
الذي يتسم بالطابع التنفيذي هو طعن موضوعي ،وبالتالي فإن دعوى البطالن تقدم أمام
محكمة املوضوع،على اعتبار أن رفع الحجز لدى الغير في هذه الحالة يعني القول ببطالن
إجراء من إجراءات التنفيذ وهذا ألامر ال يتأتى إال لقاض ي املوضوع للفصل فيه ،وال يتأتى
لقاض ي املستعجالت ملساس ذلك بجوهر الحق] [12بخالف املطالبة برفع الحجز لدى الغير
الذي يصدر بناء على أمر قضائي ،فإنها -كما أشرنا إلى ذلك من قبل – تقدم أمام رئيس
املحكمة بصفته قاضيا للمستعجالت الذي يتم الرجوع إليه في حالة وجود صعوبة اعتبارا
للطابع الوقتي والتحفظي الذي يتسم به هذا الحجز.
املصادقة على الحجز لدى الغير املنجز بناء على سند تنفيذي:
173
يتضح من استقراء مقتضيات الفصل 191من ق.م.م أن املشرع لم يفرق بين الحجز لدى
الغير بناء على أمر قضائي ،وبين الحجز لدى الغير بناء على سند قانوني ،بل جعلهما معا
خاضعين ملسطرة واحدة تتعلق باملصادقة على الحجز ،مع أن هناك فارقا أساسيا وجوهريا
بينهما يتمثل على وجه الخصوص :في أن الحجز بناء على أمر قضائي وإن كان الدين الذي
تقرر الحجز كإجراء تحفظي لضمانه ثابتا ،إال أن النزاع بشأنه غير محسوم ،كأن يكون
الدين مقترنا بأجل أو معلقا على شرط أو صدر بشأنه حكم لم يصر بعد نهائيا ...لذا فإن
خضوع الحجز لدى الغير هنا ملسطرة املصادقة ،مسألة مستصاغة من الناحية املنطقية،
نظرا ملا يتطلبه ألامر من ضرورة فسح املجال للمحجوز عليه من أجل إبداء أوجه دفاعه في
إطار مناقشة الدين املضمون بالحجز ،على اعتبار أن هذا ألاخير صدر في غيبته ،وهو ما
يقتض ي من طالب الحجز كما قلنا – بعد أن يتم تحرير محضر عدم الاتفاق على توزيع
ألاموال املحجوزة -تقديم طلب املصادقة على الحجز لدى الغير أمام محكمة املوضوع
وذلك في حالة عدم وجود دعوى رائجة من قبل تتعلق بالدين الذي تقررالحجز
بسببه] ،[13بحيث أنه تتم في دعوى املصادقة هاته مناقشة الدين والحجج املثبتة له من
قبل أطراف النزاع وكأنها دعوى مبتدأة للمطالبة بالدين.
أما بخصوص الحجز لدى الغير الذي يجريه مأمور التنفيذ بناء على سند تنفيذي ،فإنه
إجراء يدخل في إطار الحجز التنفيذي طبقا لقواعد التنفيذ الجبري لألحكام ،بحيث أن هذه
املرحلة تأتي بعد استنفاد ألاطراف ملرحلة التقاض ي التي تمت فيها مناقشة الدين والحجج
والسندات املثبتة له ،وبالتالي فإن النزاع حول هذا الدين أضحى محسوما بمقتض ى السند
التنفيذي الذي يشكل مبررا قانونيا لقيام مأمور التنفيذ بهذا إلاجراء ،وهنا يطرح التساؤل
التالي :ما الجدوى من سلوك مسطرة املصادقة على الحجز لدى الغير حتى في حالة وجود
سند تنفيذي؟
في تقديرنا أن سلوك هذه املسطرة مع وجود سند تنفيذي هو تحصيل للحاصل ومضيعة
للوقت وتأخير في إيصال الحقوق إلى أصحابها ،بحيث ال يتصور الرجوع مرة أخرى إلى
ال قضاء بعد أن حسم في النزاع املتعلق بالدين ،وبالتالي كان من ألاجدى أن يلزم املشرع
املحجوز لديه بأن يسلم املبالغ املحجوزة بين يديه إلى مأمور التنفيذ أو أن يحولها لحساب
املحكمة – بعد أن يتأكد بأنها كافية لتغطية الدين -ليسلمها بعد ذلك إلى طالب التنفيذ
بكل سهولة ويسر وسرعة ونجاعة ،وحتى إن كان هناك دائنون متعددون ،فيجري توزيع
174
املبالغ املتحصلة من هذا الحجز عن طريق املحاصة كما لو تعلق ألامر بحجز تنفيذي على
منقول أو عقار.
واملالحظ أن هذا اللبس والغموض الذي يطال املقتضيات القانونية الواردة في قانون
املسطرة املدنية املتعلقة بالحجز لدى الغير،جاء نتيجة لهذا الخلط بين الحجز لدى الغير
بناء على أمر قضائي ،وبين الحجز لدى الغير بناء على سند تنفيذي رغم الفوارق الشاسعة
بينهما ،ولهذا نرى أنه من ألافيد مسايرة املشرع املغربي للقانون املقارن ،ملعالجة هذه
إلاشكالية القانونية ،وخصوصا القانون املصري الذي أتى بقواعد واضحة تفرق بين الحجز
لدى الغير في الحالتين املذكورتين ،بحيث أنه جعل مسطرة املصادقة على الحجز لدى الغير
مقتصرة على الحالة التي يكون فيها الحجز لدى الغير بناء على أمر قضائي،أما حينما يكون
الحجز لدى الغير بناء على سند تنفيذي فال ترفع دعوى بصحة هذا الحجز].[14
ولكن في انتظار تدخل املشرع لسد هذا الفراغ التشريعي ،نرى من ألانسب أن تعمل
محاكمنا على تفعيل ورقة العمل املتعلقة بموضوع " الحجز لدى الغير " التي أعدت من
قبل اللجينة املنبثقة عن اجتماع اللجنة القضائية املنعقد بمقر وزارة العدل ( مديرية
الشؤون املدنية) بتاريخ 2112/12/13بغية توحيد العمل القضائي في هذه النقطة ،والحد
من التضارب والاختالف بشأنه ،بحيث أعطت هذه الورقة بعض الحلول العملية واملفيدة
واملستقاة جلها من القرارات املتواترة للمجلس ألاعلى ،التي من شأنها مساعدة السادة
القضاة الذين يمارسون قضايا الحجز لدى الغير ،على فك اللبس والغموض الذي يطال
النصوص املتعلقة به بعد أن حاولت تطويعها على نحو يسهل فهم تلك النصوص وتطبيقها
التطبيق القانوني السليم.
إن ما استقر عليه املجلس ألاعلى ،والذي سارت ورقة العمل املشار إليها أعاله على هديه
ومنواله ،هو أن الجهة القضائية املختصة بالنظر في املصادقة على الحجز لدى الغير بناء
على سند تنفيذي هو رئيس املحكمة بصفته هاته أي بصفته الجهة املشرفة على التنفيذ
وليس بصفته قاضيا للمستعجالت ،وكمثال على ذلك ،فقد أيدت الغرفة إلادارية باملجلس
ألاعلى في قرارها الصادر بتاريخ [15] 1992/15/22الحكم الصادر عن رئيس املحكمة
إلادارية بالرباط القاض ي باملصادقة على الحجز لدى الغير ( املنجز من طرف مأمور التنفيذ
بناء على سند تنفيذي) .وقد تواترت قرارات املجلس ألاعلى على هذا املنوال مؤكدة على
اختصاص رئيس املحكمة كجهة مختصة في املصادقة على الحجز لدى الغير بناء على سند
175
تنفيذي ،وأن هذه املصادقة تتم تلقائيا أي بدون حاجة إلى تقديم دعوى أو مطالبة بشأنها،
بحيث أنه بعد استدعاء ألاطراف لحضور جلسة الاتفاق الودي على توزيع ألاموال
املحجوزة ،وعدم حصول الاتفاق بينهم ،يصدر رئيس املحكمة مباشرة حكما] [16باملصادقة
على الحجز لدى الغير بعد التأكد من وجود املبالغ املحجوزة بين يدي املحجوز بين يديه،
ويأمر هذا ألاخير بتسليم تلك املبالغ إلى مأمور التنفيذ الذي يتولى تسليمها بدوره إلى
صاحب السند التنفيذي ( طالب التنفيذ) ،والش يء املهم الذي أكدت عليه ورقة العمل
املذكورة في مثل هذه الحالة ،هو أن رئيس املحكمة عند املصادقة على الحجز لدى الغير
املبني على سند تنفيذي ،يمكنه اعتماد مقتضيات الفقرة ألاولى من الفصل 112من ق.م.م
التي توجب شمول الحكم بالنفاذ املعجل وذلك لوجود السند التنفيذي الذي هو بدون
منازع سند رسمي ،وال موجب بالتالي الحتجاج املحجوز لديه بالفصل 132من ق.م.م
مادامت مقتضياته تتنافى نصا وروحا مع وجود السند التنفيذي الذى حسم الدين بصفة
نهائية سواء في عالقة ألاطراف بعضهم مع بعض أو في عالقتهم مع ألاغيار ،وهذا الاتجاه قد
أيدته الغرفة إلادارية في قرارها املشار إليه آنفا الذي ورد فيه ما يلي " :إن جعل الحكم
املذكور (وهو الصادر عن رئيس املحكمة القاض ي باملصادقة على الحجز لدى الغير) املطلوب
إيقاف تنفيذه مشموال بالنفاذ املعجل له ما يبرره [17] "...
إال أنه على الرغم من تواتر قرارات املجلس ألاعلى فيما يتعلق باعتبار رئيس املحكمة الجهة
القضائية املختصة باملصادقة على الحجز لدى الغير املبني على سند تنفيذي ،فقد صدر
قرار بتاريخ 2111/11/13عن الغرفة التجارية باملجلس ألاعلى أنكر على رئيس املحكمة هذا
الاختصاص ،وأرجعنا إلى نقطة الصفر ،بل أكثر من هذا أعطى تفسيرا للفصل 191من
ق.م.م من شأنه أن يعمق اللبس والغموض الذي يطاله أكثر مما يزيله ،حيث ورد في هذا
القرار " بأن رئيس املحكمة وهو يبت في إطار الفصل 191من ق.م.م ال يدخل في
اختصاصه البت في املديونية واملصادقة على الحجز التي يقتض ي البت فيها معاينة املحكمة
لوثائق تلك املديونية ومدى صحتها والتأكد من توصل ألاطراف ملسطرة التوزيع الودي من
عدمه ، [18] "...بحيث اعتبر هذا القرار بأن املقصود برئيس املحكمة الوارد في الفصل 191
املذكور هو قاض ي املستعجالت الذي ال يبت فيما يمكن أن يقض ى به في الجوهر ،وبالتالي
فإنه ال يمكن أن يصادق على الحجز لدى الغير ألن ذلك يتطلب منه البحث في املديونية
وفحص وثائقها ،في حين أن صفة رئيس املحكمة املقصودة في هذا الفصل هي كونه
176
املشرف على إجراءات التنفيذ الجارية بمحكمته ،والتي ال عالقة لها على إلاطالق بصفته
كقاض للمستعجالت ،هذا فضال عن أن هذا القرار لم يميز بين دور رئيس املحكمة في
الفصل 191حينما يكون الحجز لدى الغير مبنيا على أمر قضائي ،وبين أن يكون هذه
الحجز مبنيا على سند تنفيذي وذلك ملا اعتبر بأن رئيس املحكمة ال صالحية له في املصادقة
على الحجز لدى الغير في الحالتين معا ،بينما رئيس املحكمة في حالة وجود سند تنفيذي -
كما هو الشأن في النازلة موضوع القرار املذكور -ال يناقش املديونية وال يفحص وثائقها عند
النظر في املصادقة على الحجز لدى الغير مادام النزاع قد تم حسمه بمقتض ى السند
التنفيذي ،بل إنه يقوم بتصحيح الحجز لدى الغير كإجراء تنفيذي بعد أن يتأكد من سالمة
هذا إلاجراء من الناحية القانونية ،لذا فإن هذا الاتجاه الذي سارت عليه الغرفة التجارية
باملجلس ألاعلى ،يخالف ما استقرت عليه الغرفة إلادارية بنفس املجلس في كثير من
قراراتها ،مما كان يتعين على الغرفة املذكورة ( أي الغرفة التجارية) في نظرنا عندما رغبت
في تغيير هذا الاتجاه القار ،إحالة القضية إلى غرفتين تفاديا لخلق تضارب وتعارض في
الاتجاهات بينها وبين الغرفة إلادارية.
ثانيا :إلاشعار للغير الحائز:
تم التنصيص على إلاشعار للغير الحائز في املادة 111وما يليه من القانون رقم 15-92
بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية ،وهو وسيلة قانونية تمكن املحاسب املكلف
بالتحصيل بصفة مباشرة من استخالص الضرائب والرسوم وغيرها من الديون املتمتعة
بامتياز الخزينة من يد مديني امللزمين بهذه الديون ،وذلك عن طريق توجيه إشعار لألغيار
الحائزين ملبالغ يملكها امللزمون من أجل الوفاء عن هؤالء في حدود ما ترتب في ذمتهم من
ديون عمومية ،وقد يكون ألاغيار الذين يوجه إليهم إلاشعار من املحاسبين العموميين أو
املقتصدين أو املكترين وبصفة عامة كل الحائزين أو املدينين بمبالغ تعود أو ينبغي أن تعود
إلى املدينين بتلك الديون[19].
ولئن كان إلاشعار للغير الحائز هو بمثابة حجز لدى الغير ،إال أنه سمي بذلك إلاسم تمييزا له
عن هذا ألاخير لكونه مخصص فقط لتحصيل الديون العمومية من يد الحائزين ألاغيار،
وهذا إلاجراء الذي هو من ضمن إجراءات التحصيل التي يقوم بها القابض ( املحاسب
املكلف بالتحصيل) ليس من مستجدات مدونة التحصيل ،وإنما كان قائما قبل ذلك
حسب الفصل 32من ظهير 1935/18/21والذي يتبين من استقراء مقتضياته أنه يشبه
177
ما ورد في املادة 111من املدونة ،إال أن الفروق تظهر على وجه الخصوص في الصياغة،
وهذا ش يء طبيعي ألن مستوى الصياغة أو باألحرى الترجمة إلى اللغة العربية املستعملة
سنة 1935ال يمكن أن تكون على نفس مستوى الصياغة املستعملة سنة ، 2111كما
جاءت املادة 111بمصطلح جديد وهو "إلاشعار للغير الحائز" الذي لم يستعمله من قبل
الفصل 32املذكور ،وأتت املادة 112بش يء جديد أيضا والذي يتعلق بالنتائج املترتبة عن
إلاشعار للغير الحائز] [20وهي " التسليم الفوري للمبالغ املوجودة في حوزة ألاغيار" "...
ويمتد مفعول هذ التسليم إلى الديون بأجل أو الديون املشروطة التي للمدين على ألاغيار
الحائزين املتابعين".
وإذا قلنا بأن إلاشعار للغير الحائز هو بمثابة حجز لدى الغير مادام كل منهما يستهدف إلى
استيفاء الدين من يد ألاغيار ،إال أنهما وإن كانا يتفقان مع بعضهما في املبدأ ،فهما يختلفان
في إلاجراءات واملسطرة .فما هي إذن أوجه التشابه والخالف بينهما ؟
أوجه التشابه بين الحجز لدى الغير وإلاشعار للغير الحائز:
تتجلى أوجه التشابه بين الحجز لدى الغير وإلاشعار للغير الحائز في التماثالت التالية:
يتم في كل منهما استيفاء الدين املترتب في ذمة املحجوز عليه من مدين هذا ألاخير في ·
حدود املبالغ التي يحوزها أو املدين بها ،وهو من ألاغيار ألنه أجنبي عن عالقة املديونية
موضوع الدين املستهدف بهذا إلاجراء؛
يشترط في كل منهما أن يكون الدين ثابتا؛ ·
يشترط في كل منهما أن يكون الدين عبارة عن مبالغ مالية؛ ·
أطراف العالقة في إلاجراءين معا ثالثة وهم: ·
الدائن بدين خصوص ي في الحجز لدى الغير وهو طالب هذا إلاجراء في حالة الحجز لدى -
الغير بناء على أمر قضائي ،ومأمور التنفيذ في حالة الحجز لدى الغير بناء على سند
تنفيذي ،والدائن بدين عمومي في إلاشعار للغير الحائز وهو املحاسب املكلف بالتحصيل
الذي يوجه هذا إلاشعار للغير؛
املحجوز عليه وهو املدين بدين خصوص ي في الحجز لدى الغير ،وهو نفسه املدين بدين -
عمومي في إلاشعار للغير الحائز؛
الغير وهو املدين للمحجوز عليه الذي هو املدين بدين خصوص ي في الحجز لدى الغير ، -
واملدين بدين عمومي في إلاشعار للغير الحائز؛
178
· يستوفى الدين في كال إلاجراءين سواء كان دينا خصوصيا أو عموميا بطريقة غير مباشرة
من يد الغير وليس بطريقة مباشرة من يد املدين بإحدى هذين الدينين.
· يعتبر الحجز لدى الغير طريقا من طرق التنفيذ الجبري عندما يتعلق ألامر بسند تنفيذي،
كما يعتبر إلاشعار للغير الحائز طريقا من طرق تنفيذ ألامر بالتحصيل وهو سند تنفيذي
أيضا.
أوجه الخالف بين الحجز لدى الغير وإلاشعار للغير الحائز:
على الرغم من التشابه القائم بين الحجز لدى الغير وإلاشعار للغير الحائز الذي يتجلى
أساسا في املبدأ كما قلنا ،فهما يختلفان عن بعضهما في زوايا متعددة نذكر من بينها ما يلي:
· يكون الحجز لدى الغير طبقا للفصل 191من قانون املسطرة املدنية إما بناء على أمر
قضائي يصدره رئيس املحكمة في إطار ألاوامر املبنية على طلب ،أو بناء على سند تنفيذي في
إطار التنفيذ الجبري الذي يجريه مأمور التنفيذ ،أما إلاشعار للغير الحائز فال يلجأ إليه
املحاسب املكلف بالتحصيل إال إذا كان هناك فعال أمر بالتحصيل أي سند تنفيذي طبقا
للمادة 111من مدونة التحصيل ،وبالتالي ال يتصور استصدار املحاسب املذكور أمرا
قضائيا من أجل القيام بهذا إلاجراء.
ال يمكن تنفيذ الحجز لدى الغير سواء تم بناء على أمر قضائي أو على سند
تنفيذي إال بسلوك مسطرة املصادقة على هذا الحجز طبقا للفصل 191من قانون
املسطرة املدنية] ، [21أما إلاشعار للغير الحائز فإن تنفيذه يتم مباشرة من قبل
املحاسب املكلف بالتحصيل ،ويترتب عن توجيه هذا إلاشعار إلى الغير الحائز وجوب
تسليم هذا ألاخير تسليما فوريا املبالغ املوجودة في حيازته( أو املدين بها للملزم) إلى
املحاسب املذكور وذلك طبق للمادة 112من مدونة التحصيل ،وبالتالي فإن
إلاشعار للغير الحائز ال يحتاج لتنفيذه سلوك مسطرة املصادقة .وبخصوص هذا
الفارق نود أن نبسط املالحظة التالية :وهي أن كال من الحكم القضائي القابل
للتنفيذ وألامر بالتحصيل يعتبر سندا تنفيذيا ،ومع ذلك نجد أن املشرع فرض
املصادقة على الحجز لدى الغير ولو تم بناء على سند تنفيذي ،ولم يفرض هذه
املصادقة عند تنفيذ إلاشعار للغير الحائز ،فإذا كان البد من إعطاء ألافضلية لألمر
بالتحصيل وذلك من خالل تمتيع الخزينة العامة بحق ألاولوية والامتياز عند تزاحم
الدائنين وذلك نظرا للدور الكبير والاستراتيجي الذي تلعبه في تمويل ميزانية
179
الدولة ] ،[22فإن هذه ألافضلية ال يمكن أن تمارس على مستوى إلاجراءات
والضمانات التشريعية بين الحكم القضائي وألامر بالتحصيل نظرا لصبغة إلالزام
والرسمية التي يتمتعان بها معا ،لذا فإننا ننادي مرة أخرى بتدخل املشرع من أجل
حذف مسطرة املصادقة على الحجز لدى الغير الذي يتم بناء على سند تنفيذي
مادام هذا إلاجراء يعتبر طريقا من طرق التنفيذ الجبري الذي ال يحتاج مرة أخرى إلى
تدخل القضاء من أجل إقرار الدين الذي بوشر الحجز من أجل استيفائه بعد أن تم
الحسم في النزاع املتعلق به.
ال يمكن املصادقة على الحجز لدى الغير الذي تم بناء على أمر قضائي
لضمان دين مقرون بأجل أو معلق على شرط ،إال بعد حلول ألاجل أو تحقق
الشرط ،وبالتالي فإن الحجز لدى الغير ،وإن كان يصح أن يكون إجراء تحفظيا
بالنسبة للديون املؤجلة واملشروطة ،فإنه ال يمكن في مثل هذه الحالة أن يكون
إجراء تنفيذيا .أما إلاشعار للغير الحائز ،فيترتب عنه التسليم الفوري للمبالغ
املوجودة في حوزة ألاغيار سواء كانت الديون املتعلقة بها ديونا حالة أو مؤجلة أو
مشروطة[23].
في الحجز لدى الغير سواء تم بناء على أمر قضائي أو بناء على سند تنفيذي،
يعقد رئيس املحكمة جلسة الاتفاق الودي على توزيع ألاموال املحجوزة يحضرها
جميع ألاطراف بمن فيهم الدائنون املسجلون في السجل املنصوص عليه في الفصل
193من ق.م.م ،ويفض ي املحجوز بين يديه بتصريحه إلايجابي الذي يوضح مقدار
املبالغ املحجوزة ومدى كفايتها لتغطية الدين ،أما في إلاشعار للغير الحائز ،فإنه ال
وجود ملسطرة الاتفاق على توزيع ألاموال املحجوزة ،مادامت الخزينة تتمتع من أجل
تحصيل ديونها بحق ألاولوية والامتياز عن سائر الدائنين ،كما أن املشرع لم يلزم
الغير الحائز باإلدالء بتصريحه إلايجابي ،بل لم يمكنه من إبداء أي مالحظة أو
تحفظ حول املبالغ التي تقرر بناء على إلاشعار املوجه إليه تسليمها للمحاسب
املكلف بالتحصيل سواء من حيث كفايتها لتغطية الدين العمومي أم ال ،أو من
حيث قابلية هذه املبالغ نفسها للحجز أم ال ،أو من حيث كون الديون التي للمدين
على الغير الحائز ثابتة ومحسوم فيها ،أم أنها مازالت محط نزاع بينهما.
طبيعة املنازعة في إلاشعار للغير الحائز:
181
هناك إشكالية قانونية تتمثل في تحديد طبيعة املنازعة في إلاشعار للغير الحائز ،فهل هي
منازعة وقتية يختص بالنظر فيها قاض ي املستعجالت ،أم هي منازعة موضوعية يرجع فيها
الاختصاص ملحكمة املوضوع ؟
من خالل محاولتنا التأصيلية لهذا املوضوع ،سنحاول إلاجابة عن هذا التساؤل على النحو
التالي:
من املؤكد على أن إلاشعار للغير الحائز هو وسيلة قانونية تمكن املحاسب املكلف
بالتحصيل من تنفيذ الديون العمومية تنفيذا جبريا في مواجهة املدين بها ،فهي بمثابة حجز
تنفيذي على أموال هذا ألاخير ،ونحن نعلم بأن الحجز هو من بين املتابعات التي تدخل
ضمن سلم إجراءات التحصيل ،فإذا نازع امللزم في هذا إلاجراء على اعتبار أنه إجراء باطل
من الناحية القانونية وطالب برفع إلاشعار للغير الحائز ،فإن البت في النزاع يقتض ي
بالضرورة فحص وتقييم هذا إلاجراء للقول بمدى صحته أو بطالنه ،وهو ما يضفي على
هذه املنازعة الطابع املوضوعي املحض نظرا ملساسها الكامل بجوهر الحق وبالتالي تكون
املحكمة إلادارية كمحكمة موضوع هي املختصة بالنظر فيها وليس قاض ي املستعجالت ،على
اعتبار أن تلك املنازعة ال عالقة لها بالطابع الوقتي على الرغم من توفر عنصر الاستعجال في
املطالبة القضائية مادام هذا العنصر ليس هو الشرط الوحيد الذي ينعقد به اختصاص
قاض ي املستعجالت ،وإنما هناك شرط آخر أساس ي وهو عدم املساس بما يمكن أن يقض ى
به في الجوهر طبق للفصل 152من قانون املسطرة املدنية ،ولكن مع ذلك يمكن في نظرنا
أن ينعقد اختصاص القضاء الاستعجالي للبت في طلب رفع إلاشعار للغير الحائز في الحالة
التي تكون فيها املراكز القانونية لألطراف واضحة وال تحتاج إلى فحص هذا إلاشعار أو
تقييمه من الناحية املوضوعية ،كأن يكون الدين العمومي موضوع إلاشعار للغير الحائز قد
تم تسديده مسبقا من قبل امللزم ولهذا ألاخير الدليل املثبت لذلك ،فهنا يكون دور قاض ي
املستعجالت ،هو معاينة أن إلاشعار للغير الحائز لم يعد له مبرر بعد أن تم تسديد الدين
الذي وجه ذلك إلاشعار تنفيذا له ،كما يمكن لقاض ي املستعجالت أن يتدخل في صورة
أخرى وذلك من باب إرجاع الحالة إلى ما كانت إليه ،بحيث يمكنه حتى يتحاش ى الخوض في
جوهر الحق ،أن يكيف طلب رفع إلاشعار للغير الحائز املرفوع إليه ،بإيقاف تنفيذ هذا
إلاجراء وذلك في حالة ما إذا كانت هناك حالة استعجال قصوى ال تتحمل الانتظار فيما لو
نظر في النزاع طبقا لإلجراءات العادية ،كأن انصب الحجز موضوع إلاشعار املذكور على راتب
181
امللزم بأكمله أو على جزء منه يفوق ما هو مسموح بحجزه قانونا ،فهنا يمكن أن يآمر قاض ي
املستعجالت بإيقاف إلاشعار للغير الحائز و بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه قبل إنجاز هذا
إلاجراء على الرغم من أن الطالب قدم طلبه على أساس رفع إلاشعار للغير الحائز.
وفي غير هذه الحاالت ،فإنه في نظرنا ال يمكن لقاض ي املستعجالت أن يآمر برفع إلاشعار
للغير الحائز ملا في ذلك من مساس بجوهر الحق ،فعلى اعتبار أن هذا إلاجراء هو حجز
تنفيذي فإنه ال يملك قاض ي املستعجالت القول ببطالنه وبالتالي ألامر برفعه.
وقد صدرت عدة قرارات عن الغرفة إلادارية باملجلس ألاعلى تسير في هذا الاتجاه منها القرار
الصادر بتاريخ 2113/15/15جاء فيه ما يلي " :يعتبر الحجز لدى الغير ( إلاشعار للغير الحائز)
الذي أوقعه القابض إجراء من إجراءات التحصيل ،وأن القول بعدم تطابقه مع القانون،
يشكل منازعة موضوعية تمس بجوهر الحق الذي يخرج عن نطاق اختصاص قاض ي
املستعجالت ،وأن ألامر املستأنف حينما اعتبر الحجز املذكور مخالفا للمادة 353من مدونة
التجارة وقض ى برفعه على هذا ألاساس ،يكون قد تجاوز حدود اختصاص قاض ي
املستعجالت نظرا ملساسه بجوهر الحق ،فيكون بذلك غير مصادف للصواب ويتعين إلغاؤه
والتصريح من جديد بعدم اختصاص قاض ي املستعجالت للبت في الطلب[24]".
وجاء في قرار مماثل صدر بتاريخ 2113/13/21ما يلي " :إن مناط انعقاد اختصاص قاض ي
املستعجالت ،هو توفر عنصر الاستعجال في النازلة وعدم املساس بما يمكن أن يقض ى به في
الجوهر ...إن طلب رفع إلاشعار للغير الحائز هو طلب يشكل منازعة موضوعية تقتض ي
النظر في مدى مشروعية إجراء التحصيل املتخذ من قبل القابض ،وهو بذلك يخرج عن
نطاق اختصاص قاض ي املستعجالت ملساسه بجوهر الحق[25]" .
إال أن الغرفة إلادارية باملجلس ألاعلى سبق لها أن سارت من قبل في اتجاه مخالف معتبرة
بأن " قاض ي ألامور املستعجلة يختص بالنظر في طلب رفع حجز ما للمدين لدى الغير (
إلاشعار للغير الحائز ) باعتباره طلبا يكتس ي طابع الاستعجال وال يتعلق باملنازعة في املوضوع
[26] ".وهذا الاتجاه في نظري وإن أمكن مسايرته عندما تكون املراكز القانونية لألطراف
واضحة – كما سبق الذكر – بشرط إعادة تكييف الطلب على أساس إيقاف تنفيذ إلاشعار
للغير الحائز ،فإنه ال يمكن في نظرنا أخذه كقاعدة وتعميمه على جميع الحاالت ،وإال فإنه
سيفض ي إلى تحميل مؤسسة قاض ي املستعجالت أكثر مما تحتمله بمقتض ى القانون ،ذلك
182
تغليب عنصر الاستعجال ال يمكن أن يكون على حساب العنصر الاخر الذي ينعقد به
اختصاص قاض ي املستعجالت وهو عدم املساس بما يمكن ان يقض ى به في الجوهر.
هل يخضع إلاشعار للغير الحائز لتدرج املتابعات ؟
إذا سلمنا بأن إلاشعار للغير الحائز يدخل في إطار إجراءات التنفيذ الجبري املباشرة ضد
امللزم ،وهو –كما قلنا -حجز تنفيذي ،فإنه ال يمكن للقابض سلوك هذا إلاجراء في أي
مرحلة من مراحل مسطرة التحصيل ،بل ال بد ان يخضعه للتسلسل الترتيبي للمتابعات
املنصوص عليه في املادة 39من مدونة التحصيل ،وبالتالي يكون باطال كل إشعار للغير
الحائز يوجهه املحاسب املكلف بالتحصيل قبل توجيهه إنذارا قانونيا للملزم مادام الحجز
يأتي في املرحلة الثانية بعد إلانذار .ومن جهة أخرى فإنه ال يمكن للمحاسب املذكور سلوك
إلاجراء املتعلق باإلشعار للغير الحائز من أجل تحصيل دين عمومي إذا أمكنه تحصيل الدين
بوسيلة قانونية أخرى تغني عن هذا إلاجراء ،وفي هذا املعنى صدر قرار عن الغرفة إلادارية
باملجلس ألاعلى بتاريخ 2113/11/19جاء فيه " بأنه إذا كان بإمكان شركة القرض الفالحي
للمغرب بناء على املادة 15من القانون رقم 15/99بتاريخ 2113/11/11املتعلق بإصالح
القرض الفالحي مواصلة تحصيل مبالغ القروض املمنوحة من لدن الصندوق الوطني
للقرض الفالحي قبل تحويلها إلى شركة مساهمة وفقا للتشريع املتعلق بتحصيل الديون
العمومية ،فإنه ال يمكن لتلك الشركة استخالص الدين العمومي عن طريق سلوك
مسطرة الحجز لدى الغير إال بعد استنفاد مسطرة تحقيق الرهن املنصب مسبقا على
عقارات املدين وحصول عدم كفاية الضمانات الرهنية لتغطية مجموع الدين[27] ".
خاتمة :
من خالل هذه املحاولة التأصيلية ملوضوع املقاربة واملفارقة بين الحجز لدى الغير وإلاشعار
للغير الحائز ألاول من أجل إلاجبار على تنفيذ الديون الخصوصية طبقا لقانون املسطرة
املدنية ،والثاني من أجل إلاجبار على تنفيذ الديون العمومية طبقا ملدونة التحصيل ،
يتضح فعال بأن هذين إلاجراءين وإن كانا يتحدان في استخالص الدين من يد الغير عن
طريق الحجز على أموال املدين ،إال أنهما يختلفان عن بعضهما في إلاجراءات املسطرية ،فهي
وإن كانت سهلة وميسرة بالنسبة لإلشعار للغير الحائز كإجراء يباشره املحاسب املكلف
بتحصيل الديون العمومية ،فهي طويلة ومعقدة بالنسبة للحجز لدى الغير الذي يباشره
مأمور التنفيذ لتنفيذ ديون خصوصية عند وجود سند تنفيذي ،فإن كانت املصلحة
183
العامة تقتض ي تفضيل الديون العمومية على الديون الخصوصية ،فإن هذه املفاضلة في
نظرنا يجب أن تبقى في حدود ألاولوية والامتياز التي تتمتع بها ديون الخزينة والديون
العمومية بوجه عام ،دون أن تتعداها إلى إلاجراءات املسطرية التي تمثل الضمانات
ألاساسية ألصحاب الحقوق سواء منهم إلادارة أو ألافراد ،لذا فإننا نأمل تدخل املشرع من
أجل حذف مسطرة املصادقة على الحجز لدى الغير حينما يتم إنجاز هذا ألاخير بناء على
سند تنفيذي وهو الحكم القضائي القابل للتنفيذ الذي ال فرق بينه وبين ألامر بالتحصيل
من حيث الصبغة الرسمية وقوة إلالزام التي يتمتع بها كل منهما.
] -[1ينص الفصل 194من قانون المسطرة المدنية على ما يلي " :يتم حجز ما للمدين لدى الغير بناء
على سند تنفيذي أو بأمر يصدره رئيس المحكمة االبتدائية بناء على طلب بشرط الرجوع إليه عند
الحاجة".
] - [2ينص الفصل 144من ق.م.م على انه " يمكن لكل دائن ذاتي أو اعتباري يتوفر على دين ثابت
إجراء حجز بين يدي الغير بإذن من القاضي على مبالغ ومستندات لمدينه والتعرض على تسليمها له"
] - [3في فرنسا ظلت محكمة النقض موزعة الرأي بين الطابع التنفيذي والطابع التحفظي للحجز لدى
الغير حقبة طويلة من الزمن ،إلى أن صدر قرار بتاريخ 4444/14/41تبنى موقفا يضفي على الحجز
لدى الغير طابعا مختلطا ،فهو إجراء تحفظي في إجراءاته األولى وينقلب إلى إجراء تنفيذي بعد ذلك ( ..
للمزيد من التوسع أنظر كتاب " طرق التنفيذ " لألستاذ جان فانسان – ساسلة دالوز ص )414
] - [4إما رئيس المحكمة االبتدائية أو التجارية أو اإلدارية حسب نوعية الدين الذي سيكون الحجز لدى
الغير ضامنا له.
] -[5هناك إمكانية منحها المشرع المصري للمدين منصوص عليها في المادة 154من قانون المرافعات
للمطالبة بما يسمى " بعدم االعتداد بالحجز لدى الغير" يتقدم بها إلى قاضي التنفيذ بصفته قاضيا
للمستعجالت الذي يمكنه من خالل األمر الذي يصدره اإلذن للمحجوز عليه في قبض دينه من المحجوز
لديه وذلك في األحوا ل التالية :إذا وقع الحجز بغير سند تنفيذي أو حكم أو أمر – إذا لم يبلغ الحجز إلى
المحجوز عليه في الميعاد -إذا لم ترفع الدعوى بصحة الحجز في الميعاد في المادة 111من نفس القانون
( راجع في هذا الشأن المجلد الثاني من قضاء األمور المستعجلة للدكتور محمد علي راتب ص ) 4141
] - [6من الناحية العملية يستحسن تبليغ محضر الحجز لدى الغير إلى المحجور لديه قبل المحجوز عليه
حتى ال يبادر هذا األخير إلى سحب ما سيتم حجزه من مبالغ مالية من يد المحجوز بين يديه الذي قد ال
يكون عالما وقته بواقعة الحجز.
] -[7وهو إما رئيس المحكمة االبتدائية أو اإلدارية أو التجارية أي رئيس المحكمة التي يتم تنفيذ الحجز
لدى الغير لديها.
] -[8وهذا الجزاء يتمثل في الحكم على المجوز لديه حكما قابال للتنفيذ بأداء االقتطاعات التي لم تقع
والمصاريف وذلك طبقا للفقرة الرابعة من الفصل 191من ق.م.م
184
] - [9إن هذا اإلجراء غير وارد في قانون المسطرة المدنية وإنما ورد في ورقة العمل التي أعدتها اللجينة
( التي كان لي شرف المشاركة في عضويتها) المنبثقة عن اجتماع اللجنة القضائية التي تشرف عليها
مديرية الشؤون المدنية بوزارة العدل بتاريخ 0110/10/10وذلك من أجل وضع حد للخالف والتباين في
التطبيق بين مختلف محاكم المملكة بالنسبة لمسطرة المصادقة على الحجز لدى الغير بسبب ما يكتنفها من
لبس وغموض ،وقد وجهت مذكرة وزارية بهذا الخصوص إلى كافة السادة رؤساء المحاكم لالستعانة بها
بعد المصادقة عليها من طرف اللجنة القضائية التي كانت تضم في عضويتها عددا من الرؤساء األولين
لمحاكم االستئناف والوكالء العامين ونقباء من عدة هيئات للمحامين باإلضافة إلى رئيس جمعية هيئات
المحامين بالمغرب.
] - [10وفي هذا المعنى يتم الحجز لدى الغير بناء على سند تنفيذي أمام المحكمة الجاري التنفيذ أمامها
التي قد تكون نفس المحكمة المصدرة للحكم موضوع التنفيذ ( أي الصادر عنها السند التنفيذي ) أو محكمة
اإلنابة وهي المحكمة التي عهد إليها بتنفيذ اإلنابة القضائية الموجهة إليها من قبل المحكمة المصدرة للحكم
المقدم طلب التنفيذ أمامها.
] - [11أنظر بحث ذ /عبد هللا الشرقاوي حول " الحجز لدى الغير " المنشور بمجلة القضاء والقانون عدد
401السنة 4914ص10
] -[12لقد جاء في كتاب " إشكاالت التنفيذ ومنازعات الحجز " للمستشار أنورطلبة ( المكتب الجامعي
الحديث – األسكندرية ) الطبعة سنة 0110ما يلي ":إن دعوى رفع الحجز هي دعوى تنفيذ موضوعية
شأنها في ذلك شأن باقي دعاوى التنفيذ الموضوعية وترمي إلى إزالة اآلثار التي رتبها الحجز فيعود
المحجوز عليه والمحجوز لديه إلى ما كانا عليه قبل توقيعه".
] - [13أما في حالة وجود دعوى سبق أن تقدم بها طالب الحجز تتعلق بالمطالبة بالدين فهنا ال جدوى من
تقديم دعوى المصادقة على الحجز لدى الغير ما دامت محكمة الموضوع لم تحسم في مسألة الدين بحكم
نهائي
] - [14تنص المادة 111من قانون المرافعات المصري على أنه " في األحوال التي يكون فيها الحجز
بأمر من قاضي التنفيذ ،يجب على الحاجز خالل ثمانية ايام ...أن يرفع أمام المحكمة المختصة ( محكمة
الموضوع) الدعوى بثبوت الحق وصحة الحجز وإال اعتبر الحجز كأن لم يكنن ،وإذا كانت دعوى الدين
مرفوعة من قبل أمام محكمة أخرى قدمت دعوى صحة الحجز إلى نفس المحكمة لتنظر فيهما معا" وورد
في كتاب المستشار أنور طلبة – المرجع السابق – ص 500أنه " يمكن للدائن توقيع حجز ما للمدين لدى
الغير دون حاجة الستصدار أمر بذلك من قاضي التنفيذ إذا كان بيده سند تنفيذي وكذا بدون حاجة إلى
تقديمه لدعوى المصادقة على الحجز"..
] -[15قرار عدد 550بتاريخ ( 4991/15/00منشورات المجلس األعلى في ذكراه األربعين ص) 111
] - [16يصدر رئيس المحكمة عند المصادقة على الحجز لدى الغير حكما وليس أمرا حسب الصيغة
الواردة في الفصل 191من ق.م.م وهو ما يؤكد على أن اختصاصه هنا يختلف عن اختصاصه كقاض
للمستعجالت الذي يصدر في هذه الحالة أوامر وليس أحكاما ،ويترتب على ذلك أن أجل استئناف حكم
المصادقة على الحجز لدى الغير المبني على سند تنفيذي الصادر عن رئيس المحكمة هو 11يوما وليس
أجل 45يوما الخاص باستئناف األوامر االستعجالية وذلك طبقا للفقرة الخامسة من الفصل 191من ق.م.م
التي تنص على أنه يقع تنفيذ الحكم الذي يصدره رئيس المحكمة في مواحهة المحجوز لديه الذي لم يحضر
جلسة االتفاق الودي ولم يدل بتصريحه اإليجابي بمجرد انتهاء اجل االستئناف وفقا للفصل 104من هذا
القانون.
] - [17قرار منشور بمنشورات المجلس العلى في ذكراه األربعين ( المرجع السابق )
] - [18قرار عدد 4414صدر عن الغرفة التجارية بتاريخ 0111/41/41في الملف التجاري عدد
0111/495منشور بمجلة القضاء والقانون العدد 01ص 404
185
] - [19تنص المادة 414من مدونة التحصيل على ما يلي " :يتعين على المحاسبين العموميين
والمقتصدين والمكترين وكل الحائزين أو المدينين اآلخرين بمبالغ يملكها أو ينبغي أن تعود لفائدة الملزمين
بالضرائب والرسوم والديون األخرى المتمتعة بامتياز الخزينة أن يدفعوا وفاء عن الملزمين بناء على
طلب المحاسب المكلف بالتحصيل على شكل إشعار للغير الحائز األموال التي يحوزها أو التي يدينون بها
وذلك في حدود المبالغ الواجبة على هؤالء الملزمين .
ويخضع لالتزامات المشار إليها في الفقرة األولى من هذه المادة مسيرو الشركات أو متصرفوها أو
مديروها بصفتهم أغيارا حائزين".
] - [20األستاذان عبد اللطيف العمراني و مراد الخروبي في كتابهما " اإلصالح الجديد في ميدان تحصيل
الضرائب والديون العمومية " منشورات المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية – سلسلة مواضيع
الساعة العدد 00السنة 0111ص 415
] - [21أنظر في هذا البحث مسطرة المصادقة على الحجز لدى الغير باء على أمر قضائي وكذا مسطرة
المصادقة على الحجز لدى الغير بناء على سند تنفيذي
] -[22األستاذان عبد اللطيف العمراني ومراد الخروبي – المرجع السابق ص.411
] - [23تنص الفقرة األخيرة من المادة 410من مدونة التحصيل على ما يلي " :يمتد مفعول هذا التسليم
إلى الديون بأجل أو الديون المشروطة التي للمدين على األغيار المتابعين ".
] - [24قرار عدد 119بتاريخ 0110/15/45في الملف رقم ( 0111/0/1/4114غير منشور)
] -[25قرار عدد 510بتاريخ 0110/10/04في الملف رقم 0111/0/1/054
] - [26قرار صدر عن الغرفة اإلدارية بالمجلس األعلى بتاريخ 0111/11/41تحت عدد 450في الملف
اإلداري رقم ( 0110/0/1/0441منشور في كتاب " المنازعات الجبائية المتعلقة بربط وتحصيل
الضريبة أمام القضاء اإلداري ذ /محمد القصري – منشورات المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية-
ص 140
] -[27منشور بمجلة القضاء والقانون عدد
186
مؤسسة القيم في قانون المسطرة المدنية بين التأصيل والتفعيل واإللغاء -21
في إطار الخطوات الجريئة التي يمليها إصالح منظومة العدالة ببالدنا ،تم اقتراح تعديل
الفقرة 2من الفصل 39من قانون املسطرة املدنية بشأن إمكانية تعيين قيم من قبل
القاض ي إذا تعذر استدعاء طرف في الدعوى بسبب عدم العثور عليه بموطنه أو بمحل
إقامته ،حيث تتجه مسودة املشروع إلاصالحي إلى نية إلالغاء الكلي ملسطرة القيم التي ثبت
تواضع تجربتها في حل هذه إلاشكالية .على
أن ما يهمنا في هذه املداخلة ليس إلاشادة بالقيمة الحقوقية وإلاجرائية ملؤسسة القيم التي
تناولها البحث بما فيه الكفاية ،ولكن يهمنا فقط التأكيد على تجذرها في ثقافتنا التشريعية
بشكل أسهم في فك مالبسات تخلف أطراف الدعوى عن حضور الجلسات ،الش يء الذي
يحملنا على طرح التساؤل التالي :أال يمكن القول بأن تأصيل مؤسسة القيم وتفعيلها أولى
.من اقتراح إلغائها باملرة؟
لم يصغ املشرع املغربي مفهوما محددا ملؤسسة القيم في قانون املسطرة املدنية ،وإنما
اعتمد منهجية في توصيف مهامها بكيفية تفض ي مراجعتها إلى تبين املفهوم وإدراك مالمحه
وأبعاده؛ إذ بإمكان املستقرئ امللملم لعناصر هذا التوصيف أن يبلور مفهوما محددا
للمؤسسة ،وخيرا فعل املشرع ،فترسيم املفاهيم شأن ال يدخل في دائرة اختصاصه .تتبع
هذا التوصيف يفض ي إلى القول بأن مؤسسة القيم هي إدارة جماعية إلجراء تعذر على
املحكمة إعالم الشخص املعني به بسبب عدم العثور عليه؛ فهي تدبير وتسيير جماعي يمثله
فريق متكامل( القاض ي /كاتب الضبط /النيابة العامة /السلطة املحلية ) ،وال يقتصر على
فرد واحد يدعى القيم كما جرت العادة بشكل س يء ،وموضوعها هو إجراء معين يصب في
مصلحة طرف تعذر تبليغه به نظرا لجهل املحكمة بعنوانه الصحيح ،وال نتصور أن يكون
187
جهل املحكمة بعنوان أحد ألاطراف مبررا إللغاء مسطرة القيم حتى ولو كان السبب في هذا
.الجهل هو عدم قدرة الطرف الحاضر على إلادالء بالعنوان الصحيح لخصمه الغائب
فمن أهم املبادئ التي تنهض عليها صحة الدعوى ،استدعاء املحكمة للخصوم ليواجه
بعضهم بعضا وليكشفوا عما تقوم عليه ادعاءاتهم من حجج ومستندات ،والخطوة ألاولى
لوضع الدعوى في مسارها السليم تبدأ من استدعاء الخصوم إلى املواجهة البينية تحت نظر
القضاء ،وما لم يحصل هذا الاستدعاء فال سبيل للحديث عن قيام حالة التقاض ي مبدئيا،
ولذلك ال يجوز للمحكمة أن تنظر في ادعاء خصم ما ،ما لم تستدع من وجه ضده هذا
الادعاء ليسمعه ويبدي أوجه دفاعه فيه ،وكذلك ال يجوز لها أن تسمع خصما دون
مواجهة خصمه أو على ألاقل دون دعوته لهذه املواجهة ،وال أن تقبل ورقة أو مذكرة من
طرف دون اطالع الطرف آلاخر عليها ،وفي جميع ألاحوال ال يترتب على إعمال هذا املبدأ
استحالة الخصومة بين حاضر وغائب وجه إليه استدعاء صحيح للمثول أمام القضاء،
لذلك كانت مؤسسة القيم بديال إجرائيا وحقوقيا ليس فقط لضمان حق الغائب في عدالة
موازية ،ولكن أيضا لضمان حق الحاضر في التقاض ي ولو كان جاهال بعنوان خصمه،
فكيف نصادر هاذين الحقين بإلغاء مؤسسة القيم ملجرد الجهل بعنوان أحد أطراف
.الدعوى؟
القيم في التشريع العربي عامة واملغربي خاصة مصطلح أصيل في الثقافة والتشريع
العربيين ،وتأويل ذلك حسب اعتقادنا املتواضع يؤول إلى أن استمرار التالوة القرآنية
املتوالية عبر العصور ،وما كان يواكبها من رجوع مستمر إلى ألامهات من مصادر التفسير
والحديث ومراجع اللغة والتشريع ،كل ذلك خلق مجاال تداوليا واسعا للكثير من املفاهيم
.إلاسالمية التي مارست حضورا قويا في الاصطالحات الفقهية والتشريعية
ذلك أنه عندما نحاول الجمع بين مدلوالت مصطلح القيم سواء على صعيد املنظومة
الفقهية أو على صعيد املنظومة القانونية ،نلفي املنظومتين في توظيفهما لهذا املصطلح،
188
التزمتا بالوفاء للمدلول اللغوي كقاعدة مشتركة تقاطعت فيها مختلف الدالالت الاشتقاقية
لكلمة القيام؛ فلفظة القيام هاته بما تحدثه في النفس من إيحاءات متعددة ،كالوقوف
والنهوض والتعهد والعزم والحفاظ والرعاية واللزوم والثبات والانتصاب وغيرها ،ما فتئت
هي اللفظة املركزية التي تمثل جدعا مرجعيا أصليا ترتد إليه كل املعاني املتفرعة عن كلمة
” قام ” بحموالت داللية تبدو من أول وهلة أنها مختلفة بيد أنها عكس ذلك؛ وقد وفق
املشرع املغربي في توظيف هذه إلايحاءات بكيفية أعطت ملصطلح القيم مفهوما موسعا
جعل مؤسسة القيم تشمل مجاالت تتجاوز مجرد البحث عن الطرف املتغيب في الدعوى،
لتغطي مجاالت عدة تتصل باإلدارة والتسيير واملالية وتصريف ألاعمال ضمن دائرة
إلاجراءات القضائية ،الش يء الذي منح هذه املؤسسة بعدا وظيفيا يبدو أكثر إثراء لها من
.مجرد التركيز على بعدها الشكلي
إن مسألة الترابط اللفظي بين مفهوم القيم كما تداولته املراجع التراثية في أدبيات الفقه
إلاسالمي ،وبين مفهوم الوكيل أو القيم كما صيغ في قانون املسطرة املدنية ،لم يأت عبثا أو
نتيجة لتصدع الجهاز املفاهيمي في قاموس الاصطالحات إبان مرحلة التأسيس لقانون
املسطرة املدنية الحديث ،بل على العكس من ذلك؛ كانت املرحلة تؤرخ النتقال تشريعي
هام في القانون املغربي الذي له صلة وثيقة بالعدالة والقضاء ،حيث دونت فيها الكثير من
النصوص املوضوعية واملسطرية التي ما يزال جلها ساري املفعول حتى آلان .إال أن ما يسم
تلك املرحلة بشكل خاص ،وهو ما يهمنا التنبيه إليه في سياق الدفاع عن مؤسسة هو
حضور الثقافة الفقهية إلاسالمية التي كان ينعشها التصاق النظرية الفقهية بتفاصيل
الواقع وجزئياته ،فكان من الطبيعي أن تتبوأ بعض املفاهيم التقليدية مكانة الئقة ضمن
.مجموعة من القوانين إلاجرائية
ولهذا لم يشكل مصطلح القيم ضمن الترسانة القانونية -ومنها قانون املسطرة املدنية-
وضعا نشازا بالنظر لحمولته القوية التي تكتسح القواعد إلاجرائية والقواعد املوضوعية
على حد سواء .العامل الذي يحملنا على الاقتناع بأن امتداد مفهوم القيم كما ورد في إطار
املوجهات اللغوية والثقافية ،هو نفس الامتداد الذي ظل يرخي بظالله على مؤسسة القيم
في قانون املسطرة املدنية ،من أجل إقامة الحجة وتوفير الحق والعدل باالنتصاب الدائم
189
لحماية حقوق الغائبين معنى ( الصغار واملحاجير والبله واملجانين ) أو الغائبين حسا (
منقطعو ألاثر والخبر )؛ وظيفة من هذا النوع وبهذا الشكل ،تجعل من أسندت إليه صفة
القيم داخل الجهاز إلاداري لهذه املؤسسة ،ليس مجرد قائم بها أو عليها فقط ،وإنما قيما
بصيغة املبالغة التي ال تخلو من داللة الاستقامة والعدل والاعتدال .ومفهوم الاستقامة
والعدل والاعتدال في تدبير ألامور ظلت قائمة في تصور املشرع ملؤسسة القيم باعتبار أنها
تقيم التوازن بين مدع حاضر ومدعى عليه غائب ،بين حاضر حامل لحجته وغائب ال ندري
.ما حجته
إن أول ما يثير اهتمام الباحث في تأصيل مصطلح القيم عبر استعماالته املتعددة في
التراث الثقافي عامة والقانوني خاصة ،هو أن هذا الاصطالح انتقل من فضاء أدبي وديني إلى
فضاء فقهي عملي متصل بتدبير الحياة اليومية للمجتمع والناس ،وظلت رغبة الفقهاء
قائمة في أن يحافظ املفهوم على مضمونه ألاخالقي املتأسس على التدبير الحكيم والنزاهة
والاستقامة في رعاية الحقوق ،بيد أن احتكاك التشريعات إلاسالمية بالتشريعات الغربية
الالتينية ،وما واكب هذا الاحتكاك من تفاعل غير متكافئ بين طرف ضعيف مثلته الدول
العربية إلاسالمية في عهد الانحطاط ،وطرف قوي قادم من الغرب الاستعماري يعد
بالحماية والحضارة ،ترتب عنه إفراغ املصطلح من مضمونه التعبدي القائم على الاستقامة
وحفظ التوازنات واملثل الكونية ،والتي منها استقامة السلوك البشري في اتجاه تناغمه مع
استقامة الفيزياء الطبيعية واملثالية املنظمة لقوانين الحياة ،فتغلغل املفاهيم الاستعمارية
وما تأسست عليه من نزوع مادية أدى إلى تطويق شمولية املصطلح لتجده أجيالنا الحالية
عبارة عن مهمة إجرائية بسيطة وخالية من موجهات الضمير الذي يحول دون العبث بها،
وهذا أمر طبيعي فالباحث عن املصدر الذي استمدت منه مسطرة القيم إجراءاتها في قانون
املسطرة املدنية ،يجد جانبا من الفقه املعاصر يميل إلى القول بأن مقتضياتها إنما “هي
ترديد لنفس املقتضيات التي نص عليها ظهير 1921/1/22الذي أحدث مؤسسة القيم في
ظل القانون إلاجرائي القديم ،والتي تم اقتباس أحكامها من مقتضيات الفصل 39من
القانون الفرنس ي لإلجراءات” ،علما بأن فلسفة التشريع تتطلع باستمرار إلى النظر فيما هو
أعمق من مجرد إلاجراءات في صيغتها املادية ،كما أن الفقيه الحقوقي مدعو إلى إزالة
الحواجز بين القانون وبين باقي العلوم إلانسانية لتحصيل املعرفة بالقانون في صورته
191
الكلية .وقد كان من نتائج النظرة الضيقة ملفهوم القيم أن وقع ما يمكن تسميته باالنفصام
الاصطالحي الذي انعكس سلبا على نسق ألافكار القانونية وتناغمها وانسجامها ،فأصبح
القيم موظف جامد ال يقوم إال بإجراء شكلي إجوف غالبا ما تختصره عبارة التالية:
للمحكمة املوقرة واسع النظر في اتخاذ ما تراه مناسبا ،وذلك في غياب إلاحساس باملسؤولية
في حماية حقوق الغائب بنوع من إلاخالص والتفاني املوغل في الشعور باإلحسان الذي
تفتقر إليه جل املمارسات إلاجرائية ملؤسسة القيم في املحاكم املغربية ،ولكن هل هذا
الوضع املتمثل في انحراف مؤسسة القيم عن مفهومها التشريعي ألاصيل وعن وظيفتها
.الحقوقية والانسانية كاف لتبرير مقترح إلغائها بدال من تأصيلها وتفعيلها؟
اعتمدت مؤسسة القيم في التشريع املغربي كآلية لفك مالبسات الغياب الذي يطرأ على
خصوم الدعوى أو على أحدهم بشكل يترتب عنه صعوبة انسياب إلاجراءات القضائية
بسالسة ،لذلك فهي ضمانة افتراضية تستهدف إيصال الحقوق إلى مستحقيها بالكيفية التي
يمليها منطق العدالة ،وإعمال هذه آلالية قرينة قوية على حسن سير العدالة وعلى حسن
نية الخصوم والقضاء نفسه في عدم اقتضاء الحقوق خارج املنطق الذي تفرضه العدالة
.بين املتقاضين
ومن هذا املنطلق ألفينا مؤسسة القيم تستغرق كافة مراحل التقاض ي ابتدائيا واستئنافيا
وحتى أمام محكمة النقض ،مما يعني أن لحظات تدخلها تتوزع على مختلف مراحل
التقاض ي ،بل وتتخللها في كل ألاوقات التي تقطعها الدعوى طاملا تغيب ألاطراف أو أحدهم،
سواء عند بداية سريان مسطرة التحقيق أو عند التبليغ أو عند التنفيذ ،وعليه فمؤسسة
القيم إنما تشتغل من أجل تيسير البت وإنهاء التقاض ي ،وليس من أجل إعداد الحجج
واملستندات ،وبالتالي فالذي ال يمتلك الحجة الكافية لولوج التقاض ي ،ليس من حقه
توظيف مؤسسة القيم إلعداد هذه الحجة ،وإال صارت مطية لإلجهاز على الحقوق وخرجت
عن سياقها واستثنائيتها ،ألنها شرعت من أجل تجاوز معوقات الاتصال والتواصل بين
املحكمة ومتقاضيها ليس غير ،والهدف الذي يمليه سياقها في مراحل املشار إليها هو هدف
191
تبليغي جاء على سبيل الاستثناء ،والاستثناء – كما هو معروف – ال يتوسع فيه .ويتوقف
تشغيل مؤسسة القيم على عنصر الغياب الذي يناقض الحضور ،والذي يعتبر مشكلة في
تحقيق العلم املنتج للتكليف واملسؤولية ،وكل إجراء تنص املسطرة املدنية على ضرورة علم
الطرف املراد به ،ولم تتمكن املحكمة من العثور على هذا الطرف بسبب الجهل بموطنه
تعرض للبطالن ،وال سبيل لتجنب الوقوع في هذا البطالن إال بإعمال مؤسسة القيم ،وليس
إعمالها بتنصيب موظف من موظفي املحكمة تسميه قيما فحسب ،وإنما إعمالها بتجنيد
جهاز من العاملين النافذين ملساعدة هذا املوظف في العثور على املراد في التبليغ ،بما في
ذلك القاض ي والنيابة العامة والسلطات إلادارية ،كل ذلك من أجل فك مالبسات الغياب
.حماية لحقوق من سجلت غيبته في الدعوى
خاتمة
ختاما يمكن القول أنه طاملا كان الوازع املتوخى من مؤسسة القيم هو إلاحسان ومراعاة
منطق العدالة من أن يتم تدميره وإلاجهاز عليه ،فإن أهم خطوة في عالج واقعها املتردي
ليس هو الاجتهاد في إبداع السبل القمينة بتأصيلها وتفعيلها فقط -وإن كان ذلك ال يخلو
من أهمية ،-وليس في إلغائها باملرة ملا في ذلك من الارتداد والنكوص بترسانتنا إلاجرائية التي
نعتز بثوابتها ،ولكن أهم خطوة في عملية العالج وإلاصالح هو إحياء مدلولها ألاخالقي
.واعتباره ألاساس الذي بنيت عليه شكلياتها كسلوك إجرائي مادي
192
-22احلاجة إىل التنمية
اإلدارية ضرورة لتغيري النسق
اإلداري املغربي ومسايرة
التحدي العاملي
بما أن التنمية إلادارية جزء أساس ي من خطط التنمية ومحور فعال وبعد رئيس ي في
استراتيجية التنمية الشاملة ،فإن التجارب أثبتت أنه إذا لم يتم التطوير إلاداري ملواكبة
التغيرات الداخلية والخارجية ،فإن سمات مرضية ستطبع املرفق العام وستلح على ضرورة
إحداث التطوير والتنمية .ومن املعروف أن كل الدول النامية واملتقدمة على حد سواء
يواجهان جنبا إلى جنب إشكالية التنمية إلادارية .إال أن الثانية تسعى إلى تطوير أساليبها
وإدارتها كي تسعى إلى التكيف مع التطورات اليومية بشكل ديناميكي ،وهذا عكس الدول
النامية التي تعرف مرافقها العامة نوعا من الفتور في إحداث التطوير إلاداري ،ويعزى سبب
ذلك إلى تعدد املسائل والقضايا التي تهتم بها هذه البلدان وهذا ما يلقي عبئا ثقيال على
كاهل السلطات املركزية .وال يتاح لها بالتالي الوقت الكافي إليالء التنمية إلادارية ما تستحق
من اهتمام .
ويمكننا معرفة وإدراك أهمية التنمية إلادارية من خالل الحاجة إليها من أجل تغيير النسق
إلاداري املغربي (الفرع ألاول) ولغاية مسايرة التحديات العاملية التي تفرضها الليبرالية
الجديدة (الفرع الثاني).
193
الفرع ألاول :التنمية إلادارية من أجل تغيير النسق إلاداري املغربي
مضمون التنمية إلادارية ليس مجرد إجراءات إدارية أو مسطرية تأخذ شكل تدابير ضابطة
للعمل .بل هي بمثابة إطار مرجعي لتطوير العمل والسلوك داخل إلادارة تغذيه روح املواطنة
الصادقة وتحكمه قواعد الالتزام وتحمل املسؤولية املشتركة في التنفيذ .وتحتاج كل إدارة
ملمارسة مهامها توافر ثالثة عناصر أساسية كالتالي :
-العنصر القانوني املتمثل أساسا في التنظيمات والقرارات والعقود.
-العنصر البشري املتميز بين سائر عناصر إلانتاج ألاخرى .
-العنصر املالي والتقني.
أ -بالنسبة للجانب القانوني والتنظيمي ،فاملغرب يتوفر على ترسانة قانونية مهمة ،لكن
املطلوب تحيينها وتفعيلها قصد املساهمة في برامج التنمية إلادارية الهادفة على تحسين
كيفية تقديم الخدمات للمرتفقين وذلك عن طريق املنهجة الواضحة للمساطير وإلاجراءات
إلادارية أوال ،وهذا ما جاء في الرسالة امللكية املوجهة إلى أشغال الندوة الوطنية لتخليق
املرفق العام .إذا جاء " أن هدف إلاجراءات العمومية ،التسهيل والتسيير وليس التعقيد
والتعسير ،وهو منهاج لترسيخ روح الاستقامة والوضوح والشفافية والتعجيل في إيصال
النفع للناس ...لذلك أمرنا بتبسيط إلاجراءات وتحيين النصوص إلادارية وتحديث وسائل
التدبير والعمل على التوفيق املستمر بين املقتضيات إلادارية وروح العصر التي طبعت اليوم
كل العالقات البشرية" .
وفي هذا الاتجاه فإن مصالح املعالجة ملشاريع التبسيط إلاداري يكون من خالل آلاتي :
-من حيث الزمن :بالتقليص في آجال تنفيذ املساطر إلادارية.
-من حيث التكلفة :بتخفيض التكلفة الناتجة عن تعقيد املساطر إلاجرائية.
-من حيث الفاعلين :بالحد من عدد املتدخلين في املسطرة ومن املراحل التي تمر منها.
-من حيث الوثائق :بالتقليص من عدد الوثائق املطلوبة من املواطنين ،فالتبسيط بهذا
املفهوم يؤدي إلى إحداث تقليص في مسافات التعقيد املحدثة بفعل املمارسات العملية وإلى
الربح في الوقت والتكلفة ورفع الجودة ،ومن خاللها يتم تسيير الحياة اليومية للمرتفق
194
ولنشاط املرفق العام من خالل استعمال إلادارة ملساطير بسيطة سليمة وفعالة ،ومعاملة
املواطنين في إطار من املشروعية واملساواة.
وفي الاتجاه آلاخر وتوطيدا للجانب القانوني للتنمية إلادارية نستحظر مسألة احترام
القوانين وتنفيذا لألحكام القضائية .إذ يجب على املرفق العام احترام مبدأ الشرعية
والخضوع لقرارات العدالة دون أي تردد أو تحفظ ،وذلك عن طريق :
-أوال :وجوبية تطبيق قانون تعليل القرارات إلادارية.
-ثانيا :تفعيل قانون إلاقرار باملمتلكات بشكل جيد.
-ثالثا :تنفيذ ألاحكام القضائية.
وتوطيدا وتدعيما للجانب القانوني هناك ضرورة إكمال صرحها بتدعيم البنية التنظيمية.
وذلك من خالل دعم الالتركيز وإعادة تحديد مهام املرفق العام ،إذ أن إلادارة الحديثة
اليوم ال تعتمد فقط على الخطط السياسية والتنموية التي تقرر على صعيد الحكومة
املركزية ،بل تعتمد كذلك على ألاسلوب الذي تؤدي به الخدمات الحكومية لكل منطقة وفي
كل جزء من أجزاء البالد .ومن ثمة تبدو الالمركزية إلادارية بما تعنيه ترك جزء من
الوظيفة إلادارية على جماعات ترابية تدبير شؤونها بنفسها في نطاق استقالل إداري ومالي ،
وهذا ما يعني أن الالتركيز إلاداري يشكل أحد ألاولويات في مجال التنمية إلادارية إلعادة
تنظيم املرافق العامة بهدف الرفع من فعاليتها.
ب -أما على املستوى الثاني وهو تثمين العنصر البشري فقد جاء بشأنه على لسان امللك
محمد السادس ... " :ومن ثمة كان توجهنا الاستثمار في املوارد البشرية ،باعتبار رأس املال
البشري رافعة للتقدم وخلق الثروات ،ونظرا لدوره في تحويل وتدبير باقي الثروات وإدماج
هذا الاستثمار في مسيرة التنمية البشرية " وفي هذا إلاطار فإن ألامر يتطلب من أجل الرقي
بالعنصر البشري ضرورة خلق مناخ جيد لعمل املوظفين ،وذلك اعتبارا لدورهم الفعال في
السيرورة إلانتاجية داخل املرفق العام ،وكذا تعزيز مختلف الجهود إلقرار مبدأ سيادة
ألاخالق داخله* ،إضافة إلى إيجاد وسائل كفيلة إلقامة عالقة مرنة بينه وبين املرتفق.
وتكون على هذا الشكل التنمية إلادارية ليست مجرد تغيرات هيكلية وقانونية للمرفق العام
بل هي تفاعل مع خصوصيات املجتمع ومحدداته الثقافية ،وكما يرى ميشيل روس ي "
معرفة الوسط إلانساني الذي تتم فيه العملية إلادارية شرط ضروري لتكيفها مع الواقع
لضمان النجاح".
195
وإذا كانت التنمية إلادارية عنصرا هاما من ورائه تجلى هدف تغيير وتحيين املنظومة
القانونية والتنظيمية للجهاز إلاداري املغربي أوال .وأيضا عامال للرقي بالعنصر البشري
باعتباره العنصر ألاهم داخل املنظمات كيفما كان نوعها أو حجمها .فإنها كذلك دافعا
أساسيا من أجل ترشيد فعال للنفقات العامة .ومن خاللها يمكن استرجاع الثقة في املرافق
العمومية وهو شرط رهين بتحسين آليات املراقبة املالية إضافة على تنمية تكنولوجيا
املعلوميات والاتصال ثانيا .وهذا ما أكدته الرسالة امللكية املوجهة على املشاركين في
املناظرة املنظمة من لدن كتابة الدولة املكلفة بالبريد وتقنيات الاتصال وإلاعالم ،إذ جاء "
وسيظل إصالح إلادارة العمومية وعصرنتها من بين الرهانات الرئيسية التي يطرحها تقدم
بالدنا .إذ يتعين أن نوفر ألجهزتنا ما يلزم من أدوات تكنولوجية عصرية بما فيها ألانترنيت
لتمكينها من الانخراط في الشبكة العاملية وتوفير خدمات أكثر جودة ملتطلبات ألافراد
واملقاوالت" .
وعموما إذا كانت التنمية إلادارية تصب في مبتغى تغيير النسق إلاداري املغربي فإنها في
جوهرها تؤكد محاولة مسايرة التحديات التي تطرحها املتغيرات العاملية على كل الدول،
سواء املتقدمة منها أو النامية ،وعلى هذا ألاساس نجد أن الارتقاء نحو التنمية إلادارية
معناه مسايرة التحديات العاملية بنوع من إلايجابية والتحكم والتبصر.
شكلت إلاكراهات الدولية عامال أساسيا في فتح أوراش متعددة باملغرب وعلى رأسها الارتقاء
على مستوى التنمية إلادارية .فكانت مسألة الاستفادة من إعانة وقروض املؤسسات
الدولية (صندوق النقد الدولي والبنك العالمي) تخضع لقيود من الشروط تتمثل في إقامة
إصالحات هيكلية على املستوى السياس ي والاقتصادي والاجتماعي وإلاداري ،وذلك ملوازاة
الظرفية العاملية والتماهي معها املتجهة نحو تشجيع املبادرة الخاصة والاستثمار.
وجاء في هذا إلاطار تقرير البنك الدولي في شتنبر ،1995كاشفا لحالة إلادارة املغربية ومن
خاللها أبان عن نواقصها واختالالتها .وحسب هذا التقرير؛ فاملغرب يمتلك قطاعا خاصا
جيدا ،إلى جانب ذلك موقع جغرافي متميز قريب من الاتحاد ألاوربي ،ويتمتع باستقرار
196
سياس ي فضال عن توفره على خصوصيات تؤهله لجذب الاستثمارات ألاجنبية قصد تحقيق
تنمية مدعمة ومستدامة ،وفي مقابل هذه املميزات فإن املنافسة الدولية والتطور
التكنولوجي تفرض على املغرب إعادة النظر في نماذج التسيير العمومي املتقادمة وذات كلفة
عالية غير منسجمة لطموحات املواطنين وألاجانب .وتضمن هذا التقرير املحاور التالية* :
-أوال :مكامن تقادم إلادارة املغربية تحدد من خالل :
• أ -التسيير الروتيني املتميز بالبطء والتأخر في مسلسل اتخاذ القرارات.
• ب -كثرة املوظفين وألاعوان تمتص كتلة أجور مرتفعة.
• ج -مساطر مالية جامدة وقليلة الشفافية في صرف امليزانية.
-ثانيا :تدبير الشأن العام الذي يتميز باملركزية املفرطة والالمركزية الهشة .وفي الحقيقة لم
يكن هذا إنذارا إلى إلادارة املغربية بقدر ما كان إنذارا موجها إلى الدولة املغربية وذلك قصد
مراجعة آليات اشتغالها في امليادين الاقتصادية والاجتماعية ملسايرة تطابقها مع بروز الفكر
الليبرالي الجديد ومضمونه يكمن في تراجع الدولة عن وظيفتها التدخلية أي يجب أن تواكب
موجة العاملية املتسمة باملساعدة عوض الفعل والتنظيم عوض التدبير وذلك من منطلق
أن ألاسواق العاملية هي أسواق شاسعة وغنية ،نظرا لسيادة التدبير التقليدي في معظم
دول العالم .
ويبقى الجدل حاليا حول الرقي نحو التنمية إلادارية يدور في خلق ثنائية الدولتية /قوى
السوق ،التي قد تم الحسم فيه لصالح هذه ألاخيرة وذلك باتجاه تحويل دور الدولة
واعتناق مبادئ جديدة للتنظيم والتسيير .ويمكن أن نضيف إلى الثنائية السابقة التي
أصبحت تتمحور حولها التنمية إلادارية ،دور املجموعات الاقتصادية الكبرى التي تدفع نحو
القيام بمجانسة العلوم والتقنيات الانتاجية والتسييرية وأنماط العيش والثقافة
والاستهالك بتحقيق اندماج ايديولوجي واجتماعي وسياس ي واقتصادي ،معلنة بنهاية قومية
رأس املال وتعددية أنماط التسيير .وكما يرى ألاستاذ علي سدجاري " أن توحيد الشكل
يتهيكل فوق الفوض ى الظاهرة للمنافسات واملزاحمات الوطنية ،إذ يتعلق بأنماط التسيير
والضبط والتنظيم ،أي بقطيعة مع الامتيازات الضخمة التي تتمتع بها الدولة -ألامة،
وأساليبها التقليدية في تسيير املرافق العمومية .إن البيروقراطية ،والتسلسلية والتراتبية ال
تقوم سوى بإلحاق الضرر بنجاعة أنشطة املصالح التي يتوجه نشاطها نحو الخارج.
197
خصوصا عندما يكون الشركاء املفضلون للبلدان النامية منظمات دولية ودول متقدمة
تعرف إدارتها تطورا وتحوال مضطردين".
وفي خضم تبلور مفاهيم تروم حول توحيد ألانماط ،تجد املرافق العامة نفسها اليوم في
موقف الدفاع عن اقتصاد السوق بإطار قانوني يمارس من خالله ،جوهره تراجع دولة
العناية وتقوية دولة القانون.
والواقع أنه إذا كانت العاملية في حموالتها شكال من أشكال التحديث فهذا يعني مما ال يدع
مجاال للشك أن املفاهيم التقليدية للتنمية في طريقها إلى التالش ي نتيجة لعدم الاستقرار
الذي أخذ يطبع العالقات القائمة بين املجتمع والدولة من جهة وبين املرتفق واملرفق العام
من جهة أخرى أمام املعطيات التكنولوجية الجديدة للنشاط الاقتصادي ولعل ذلك ما
يعني أن منطق التنمية أصبح يرتكز على موارد جديدة كاملورد التكنولوجي ومورد املعرفة
ومورد التواصل واملورد البشري وأخيرا الاستثمار السياس ي الذي يقر بمجال أوسع من
الاستقاللية والحرية.
وعلى هذا ألاساس فإن إدارة املرفق العام ونظرا ألهمية الدور الذي تلعبه في نجاح أو
إخفاق جهود الدولة في تحقيق التنمية الشاملة ،فإن هذه ألاخيرة تحمل على عاتقها -
املرافق العامة -أولوية تحقيق تنمية إدارية فعالة من خاللها تستطيع مواجهة التحديات
الجديدة ،وخاصة كما يرى ألاستاذ علي سدجاري " أن تجربة الكثير من الدول النامية
أثبتت الفرق الكبير بين طموحات خطط التنمية وبين واقع تحمل ألاعباء امللقاة على عاتقه،
ذلك ألن تحقيق أهداف التنمية على الوجه املأمول سوف يظل مرهونا بمدى كفاءة الجهاز
إلاداري للدولة على تحمل مسؤولياته من أجل تحويل ألاماني إلى حقائق " .
وإذا كان ربح رهان التنمية إلادارية مرهونا بمدى تطابق الخطط التنموية فإن سؤال ما هي
إلامكانيات التي تقدمها التنمية إلادارية للمرفق العام كأرضية للتبلور مع املتغيرات املستمرة
واملتالحقة يجرنا وبقوة ملالمسة تحقيق هذا الرهان من عدمه.
إعداد:ذ/فؤاد الكرت
198
الفهرس
مسطرة الصلح يف القانون املغربي2............................................................................................................... 1-
اجمللس األعلى للسلطة القضائية ودوره يف حتقيق ضمانات احملاكمة العادلة 6..................................................... 2-
-8إدارة املوارد البشرية وموقعها يف اهليكل التنظيمي للمؤسسة احلديثة 77 .................................................................
-13أي دور لإلدارة القضائية يف ظل مشروع قانون التنظيم القضائي للمملكة؟ 138 ......................................................
-21مؤسسة القيم في قانون المسطرة المدنية بين التأصيل والتفعيل واإللغاء 187 ..................................................................
-22احلاجة إىل التنمية اإلدارية ضرورة لتغيري النسق اإلداري املغربي ومسايرة التحدي العاملي193 .........................................
199