Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 199

‫مواضيع االستعداد للمباراة املهنية‬

‫بوزارة العدل‬

‫مجع وترتيب‪:‬‬
‫عمر املوريف‬
‫‪ -12‬التخليق في اإلدارة القضائية‬
‫‪ .1‬مسطرة الصلح في القانون المغربي‬
‫‪ -13‬الحكامة الشاملة والتنمية البشرية‬
‫‪ .2‬دور المجلس األعلى للسلطة القضائية‬
‫‪ -14‬الدستور واستقالل السلطة القضائية‬
‫في تطبيق ضمانات المحاكمة العادلة‬
‫‪ -15‬السياسات العمومية والرأسمال‬
‫‪ .3‬أثر المعلوميات في مجال القضاء –‬
‫البشري‬
‫تطبيق كتابة الضبط‪-‬‬
‫‪ -16‬دورة االدارة القضائية في مشروع‬
‫‪ .4‬التجربة المغربية في مجل القضاء‬
‫التنظيم القضائي‬
‫االلكتروني‬
‫‪ -17‬تحديث اإلدارة القضائية وتقريبها من‬
‫‪ .5‬الجريمة المعلوماتية في التشريع‬
‫المواطن‬
‫المغربي‬
‫‪ -18‬آليات ومساطر إبرام الصفقات‬
‫‪ .6‬اشكالية تنفيذ األحكام والمقررات‬
‫العمومية‬
‫القضائية‬
‫‪ -19‬إستقالل النيابة العامة‬
‫‪ .7‬إشكالية التنفيذ المدني‬
‫‪ -21‬الحجز لدى الغير وإشعار الغير‬
‫‪ .8‬إدارة الموارد البشرية‬
‫الحائز‪ :‬المقاربة والمفارقة‬
‫‪ .9‬األمن القضائي ودوره في التنمية‬
‫‪ -21‬مسطرة القيم بين اإلبقاء واإللغاء‬
‫‪ .11‬اإلدارة المغربية ومتطلبات التحديث‬
‫‪ -22‬التنمية اإلدارية بين النسق المغربي‬
‫‪ .11‬أزمة العالقة بين اإلدارة والمواطن‬
‫والتحدي الدولي‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ - 1‬مسطرة الصلح يف القانون املغربي‬
‫الصلح آلية حضارية الستبدال العقوبة ولفض النزاع قبل تحريك الدعوى العمومية‬

‫يعتبر مبدأ الصلح أو املصالحة من التقاليد النافذة في التراث الديني والثقافي املغربي‪ ،‬حيث‬
‫كان رب القبيلة أو رب ألاسرة يلعب دور الوسيط في حل النزاعات العائلية واملالية والفالحية‬
‫التي تنشأ بين أفراد ألاسرة أو القبيلة‪ .‬وأسوة بالعديد من التشريعات املقارنة عمد املشرع‬
‫املغربي في قانون املسطرة الجنائية إلى تبني مبدأ الصلح باملادة ‪ 11‬من ق‪.‬م‪.‬ج كآلية حديثة‬
‫وحضارية الستبدال العقوبة السالبة للحرية ولفض النزاع قبل تحريك الدعوى العمومية‪،‬‬
‫وتكمن إيجابيات هذه املسطرة في عدة مزايا منها تخفيف العبء على املحاكم وربح الوقت‪،‬‬
‫وجعل القضاء يركز مجهوده على القضايا ألاساسية‪ ،‬وتخفيف الاكتظاظ الذي تعاني منه‬
‫السجون وتحقيق نوع من التوازن بين حقوق إلانسان وحقوق املجتمع‪.‬‬
‫في دراسة لقسم الدراسات والتشريع بوزارة العدل عولج موضوع الصلح من جوانب‬
‫متعددة‪ ،‬نوجزها أسفله تعميما للفائدة ‪:‬‬
‫مجاالت الصلح‬
‫يمكن القول إن املادة ‪ 11‬من قانون املسطرة الجنائية املغربي خرجت من رحم املادة ‪11‬‬
‫من قانون املسطرة الجنائية الفرنسية ال من حيث الطابع الاختياري ملسطرة الصلح وسلطة‬
‫النيابة العامة بشأنها أو مصادقة املحكمة في النهاية على مقرر الصلح‪ ،‬باستثناء ما نص‬
‫عليه املشرع الفرنس ي من منح طرف أجنبي مباشرة مسطرة الصلح وهو ما لم تأخذ به‬
‫املادة ‪ 11‬موضوع الدراسة‪.‬‬
‫وعموما فمسطرة الصلح هي من وحي إحدى آلاليات البديلة لفض النزاعات والتي ما فتئت‬
‫تأخذ لها مكانة متميزة في فض النزاعات ويتعلق ألامر بالوساطة‪ ،‬إذ بدأت تترسخ نظرة‬
‫عاملية جديدة تتمثل في إيجاد ميكانيزمات بديلة ‪ -‬خارج إلاطار التقليدي للقضاء واملحاماة ‪-‬‬
‫تساهم في حل النزاعات والتخفيف على املحاكم‪...‬‬
‫الصلح في القوانين الجنائية‪ :‬ترى الدراسة أن القوانين الجنائية كلها من النظام العام وال‬
‫يملك ألاطراف صالحية تحديد نطاقها لالضطراب الاجتماعي الذي قد تخلقه‪ ،‬وفي جرائم‬
‫‪2‬‬
‫معينة فإن املشرع‪ ،‬ونظرا للطابع الاجتماعي وألاسري الذي يهيمن عليها‪ ،‬سمح لألطراف‬
‫بإبرام مصالحة بشأنها يترتب عنها وضع حد للمتابعة‪ ،‬و من أهم هذه الجرائم الواردة في‬
‫القانون الجنائي قضايا إهمال ألاسرة (الفصل ‪ 181‬من ق‪.‬ج)‪ ،‬الخيانة الزوجية (الفصل‬
‫‪ 191‬من ق‪.‬ج) والسرقة بين ألاقارب (الفصل ‪ 535‬من ق‪.‬ج) فهذه الجرائم ال تحرك املتابعة‬
‫بشأنها إال بناء على شكوى من املجنــي عليه و يؤدي التنازل عن الشكاية إلى انقضاء املتابعة‬
‫وسقوط الدعوى العمومية‪.‬‬
‫الصلح في القوانين املدنية ‪ :‬يعتبر امليدان املدني ألاصيل ألعمال الصلح‪،‬حسب الدراسة‪،‬‬
‫فهناك مقتضيات مدنية توجب اللجوء إلى الصلح‪ ،‬ومقتضيات مدنية أخرى تجيزه فقط‪.‬‬
‫وهكذا يمكن إيجاز املقتضيات املدنية التي توجب الصلح في مقتض ى الفصل ‪ 212‬من‬
‫ق‪.‬م‪.‬م املتعلق بمحاولة التصالح عند تقديم مقال التطليق لدى املحكمة أو عند تقديم‬
‫مقال الطالق من طرف الزوج لدى السيد قاض ي التوثيق (املادة ‪ 18‬من م‪.‬ح‪.‬ش)‪،‬‬
‫وفي القضايا الاجتماعية نص الفصل ‪ 222‬من ق‪.‬م‪.‬م على وجوب إجراء محاولة التصالح‬
‫بين ألاطراف من قبل القاض ي قبل البت في النزاع وفي قضايا الكراء املعد لالستعمال‬
‫التجاري والصناعي نص الفصل ‪ 22‬من ظهير ‪ 21‬ماي ‪ 1955‬على إجبارية الصلح‪ ،‬كما نص‬
‫ظهير ‪ 2‬أكتوبر ‪ 1981‬املتعلق بالتعويض عن حوادث السير في املادة ‪ 18‬على ضرورة لجوء‬
‫شركة التأمين ملحاولة املصالحة بينها وبين املطالبين بالتعويض‪.‬‬
‫إلى جانب هذه املقتضيات التي أوجبت مسطرة الصلح هناك مقتضيات قانونية أجازت‬
‫اللجوء إلى الصلح‪ ،‬منها قانون التحفيظ العقاري ظهير ‪ 12‬غشت ‪ 1913‬الذي نص في‬
‫الفصل ‪ 31‬منه على إمكانية دعوة املحافظ لكل من املتعرضين وطالبي التحفيظ إلجراء‬
‫الصلح وتحرير محضر بذلك في حالة نجاحه‪ ،‬وإذا فشل الصلح وجه املحافظ امللف إلى‬
‫املحكمة‪..‬‬
‫الصلح في املهن الحرة‪ :‬نص الفصل ‪ 33‬من ق‪.‬م‪.‬م على اعتماد الخبير الذي تنتدبه املحكمة‬
‫لالستئناس برأيه في نقطة ذات صبغة تقنية على اعتماد الصلح قبل إنجاز املهمة املسندة‬
‫إليه ويتعين عليه إلاشارة في تقريره املرفوع للمحكمة على إجراء محاولة الصلح أو تعذرها‪.‬‬
‫وأخيرا نصت املادة ‪ 11‬من الظهير الشريف رقم ‪ 1.11.298‬الصادر بتاريخ ‪ 9‬دجنبر ‪2111‬‬
‫بشأن إحداث ديوان املظالم على قيام هذا ألاخير بكل املساعي الحبية للتوفيق بين‬
‫املتظلمين وإلادارة استنادا لقواعد القانون ومبادئ العدل وإلانصاف‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫دور النيابة العامة واملحكمة‬
‫أكدت املادة ‪ 11‬من قانون املسطرة الجنائية الجديد على الطابع الاختياري وليس إلالزامي‬
‫للصلح وجعله من اختصاص النيابة العامة علما بأن القانون الجديد حافظ لها على‬
‫اختصاصاتها التقليدية في حماية املجتمع وإقامة الدعوى العمومية واستعمال حق املالئمة‪،‬‬
‫كما سمح فقط باملصالحة في بعض القضايا للحفاظ على عالقات الاستقرار الاجتماعي‪.‬‬
‫ويتوفر قاض ي النيابة العامة على سلطة تقديرية في التحري والبحث عند مباشرته إلجراء‬
‫الصلح‪ ،‬وهو بهذه الصفة ال ينصب نفسه مكان أطراف النزاع بل يقترح وال يلزم‪ ،‬كما أنه‬
‫يوضح ويفسر وال يمارس أي ضغط‪.‬‬
‫وترى الدراسة أن القانون املقارن لم يجمع على منح الاختصاص في مسطرة الصلح للقضاء‬
‫الجالس ألن الغاية من اعتماد الصلح هي التخفيف على قضاة الحكم والحد من تراكم‬
‫امللفات والقضايا‪.‬‬
‫وحول دور املحكمة في مسطرة الصلح‪ ،‬أفادت الدراسة أنه وفق املادة ‪ 11‬من ق‪.‬م‪.‬ج‬
‫«يحيل وكيل امللك محضر الصلح على رئيس املحكمة الابتدائية أو من ينوب عنه للتصديق‬
‫عليه بحضور ألاطراف بغرفة املشورة بمقتض ى أمر قضائي ال يقبل أي طعن‪».‬‬
‫وبعد إحاطة الدراسة على تخوفات وانتقادات تم التعبير عنها بخصوص دور رئيس‬
‫املحكمة أثناء مناقشة مشروع قانون املسطرة الجنائية‪ ،‬أكدت أن املحضر املنجز بالصلح‬
‫أمام وكيل امللك يعد من قبيل التوثيق التعاقدي الرسمي الذي ال يمكن الطعن فيه إال‬
‫بالزور‪...‬‬
‫وخلصت الدراسة إلى أن دور املحكمة يسمح بالتوفيق بين مبادئ قانونية متعددة‬
‫ومتعارضة في نفس الوقت بأسلوب مرن ومحاط بجملة من الضمانات (املتابعة وحفظ‬
‫املسطرة)‪ ،‬كما أن املصادقة على مقرر الصلح ال تعتبر حكما باتا ومبرما‪ ،‬بل هي تصديق‬
‫قضائي من نوع خاص من أهدافه تطويق النزاعات والتخفيف على القضاء‪.‬‬
‫الجرائم املشمولة بالصلح‬
‫نص املشرع املغربي في مطلع املادة ‪ 11‬من ق‪.‬م‪.‬ج‪ .‬على أنه «يمكن للمتضرر أو املشتكى به‬
‫من قبل إقامة الدعوى العمومية وكلما تعلق ألامر بجريمة يعاقب عليها بسنتين حبسا أو‬
‫أقل أو بغرامة مالية ال يتجاوز حدها ألاقص ى ‪ 5111‬درهم أن يطلب من وكيل امللك تضمين‬
‫الصلح الحاصل بينهما بمحضر‪».‬‬

‫‪4‬‬
‫إن أول ما يستنتج من منطوق هذه املادة أن الجرائم التي يمكن التصالح بشأنها تتميز في‬
‫معظمها بطابعها البسيط وارتباطها بالجوانب الاجتماعية والعائلية‪ ،‬كما أن إلاحصائيات‬
‫تؤكد أن هذه القضايا تمثل صدارة القضايا املدرجة حاليا أمام املحاكم العادية من قبيل‬
‫إلايذاء العمدي الخفيف‪ ،‬إهمال ألاسرة‪ ،‬السرقة الزهيدة‪...‬إلخ‬
‫وإلى جانب حصر الصلح في الجنح الضبطية تتسم مسطرة الصلح بالحضورية حيث يجب‬
‫على الطرفين أن يحضرا أو على ألاقل املشتكي به ألن املشتكي قد يتغيب خاصة في الحالة‬
‫التي يدلي فيها بتنازله‪.‬‬
‫تنفيذ مقـرر الصلح‬
‫أسند املشرع للنيابة العامة مهمة السهر على تنفيذ مقرر الصلح بعد املصادقة عليه بغرفة‬
‫املشورة‪ ،‬ويطرح التساؤل في هذا الصدد حول جزاء إلاخالل بمقرر الصلح‪ ،‬وحول ما إذا‬
‫كان ألامر القضائي يسقط الدعوى العمومية‪.‬‬
‫إن ألامر القضائي يتمتع بقوة الش يء املقض ي به مادام أنه ال يقبل أي طعن فهو يصدر باسم‬
‫جاللة امللك وبشكل انتهائي‪ ،‬ومن ثم يمكن لوكيل امللك تحريك املتابعة في حالة عدم تنفيذ‬
‫الالتزامات التي صادق عليها القاض ي‪.‬‬

‫أما الجواب عن التساؤل الثاني فهو أن الصلح ال يؤدي إلى سقوط الدعوى العمومية بل إلى‬
‫إيقافها فقط بصريح املادة ‪ 11‬من ق‪.‬م‪.‬ج‪ .‬فإذا ما ظهرت عناصر جديدة تمس الدعوى‬
‫العمومية يمكن للنيابة العامة تحريك املتابعة رغم مقرر الصلح ما لم يطل التقادم‬
‫املسقط الجريمة موضوع املقرر الصادر‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫‪ - 2‬اجمللس األعلى للسلطة القضائية‬
‫ودوره يف حتقيق ضمانات‬
‫احملاكمة العادلة‬
‫يعتبر الحق في املحاكمة العادلة من الحقوق ألاساسية لإلنسان‪ .‬وهناك جملة من‬
‫املعايير الدولية لضمان املحاكمة العادلة‪.‬‬
‫وال يمكن الحديث عن محاكمة عادلة يشهد لها الجميع بالعدل وإلانصاف إال إذا توفر‬
‫شرطان‪ .‬أولهما الالتزام بإجراء املحاكمة من بدايتها إلى نهايتها حسب املعايير املنصوص عليها‬
‫في املواثيق الدولية لحقوق إلانسان‪ ،‬وثانيهما من الضروري أن تكون السلطة القضائية‬
‫سلطة مستقلة ومحايدة‪.‬‬
‫فاإلعالن العالمي لحقوق إلانسان ينص في مادته العاشرة على أن‪:‬‬
‫" لكل إنسان على قدم املساواة التامة مع آلاخرين في أن تنظر قضيته محكمة مستقلة‬
‫ومحايدة نظرا منصفا وعلنيا‪ ،‬للفصل في حقوقه والتزاماته وفي أية تهمة جزائية توجه إليه‪".‬‬
‫أما العهد الدولي املتعلق بالحقوق املدنية والسياسية فقد نصت املادة ‪ 11‬منه على ما‬
‫يلي ‪ " :‬من حق كل فرد أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة‬
‫مستقلة حيادية منشأة بحكم القانون‪".‬‬
‫والهدف من املحاكمة العادلة هو الوصول إلى الحقيقة بسرعة وفعالية لتحقيق‬
‫املصلحة العامة‪ ،‬أما ضماناتها هي أن يتحقق هذا الهدف على يد قضاء محايد ومستقل‪.‬‬
‫وموضوع استقالل القضاء شأن يتجاوز بكثير حدود القضاة أنفسهم‪ ،‬إذ أنه في جوهره‬
‫وثيق الصلة بقضية العدل وميزان الحرية في املجتمع‪ ،‬ففي الدول الديمقراطية قيمتي‬
‫العدل والحرية تتأثران سلبا وإيجابا بمقدار ما هو متوافر من استقالل للقضاء في كل بلد‪،‬‬
‫لذلك فإننا حين ندافع عن استقالل القضاء ونتشبث به‪ ،‬فإنما ندافع عن أنفسنا في‬
‫حقيقة ألامر‪ ،‬وحين يستشعر القضاة قلقا من جراء نقصان استقاللهم‪ ،‬فإن ذلك القلق‬
‫ينبغي أن ينسحب علينا تلقائيا‪ ،‬إذ ال يمكن للقاض ي أن يمارس مهامه مطمئنا هادئا دون‬
‫ضمانات تحصنه وتؤكد استقالله‪ ،‬إذ ال سلطان عليه في قضائه لغير القانون‪ ،‬ولضميره‬
‫‪6‬‬
‫وتجرده ضمانا لحرية ألافراد وإنصافهم‪ ،‬وهذه الحصانة مقررة للقضاء بموجب دستور‬
‫اململكة لسنة ‪ 2111‬ويسهر املجلس ألاعلى للسلطة القضائية على تطبيقها من حيث‬
‫التعيين والترقية والتقاعد والتأديب‪.‬‬
‫وفي انتظار املصادقة على مشروع القانون التنظيمي رقم ‪ 111.13‬املتعلق باملجلس‬
‫ألاعلى للسلطة القضائية وإخراج هذه املؤسسة الدستورية إلى الوجود بما تمثله من رمزية‬
‫الستقالل السلطة القضائية عن باقي السلط خاصة السلطة التنفيذية‪ ،‬وما منحت من‬
‫صالحيات واختصاصات بموجب الدستور في تسيير وتدبير السلطة القضائية‪ ،‬يحق لنا أن‬
‫نتساءل عن دور املجلس ألاعلى للسلطة القضائية في بلورة املحاكمة العادلة ؟ هذا‬
‫التساؤل املحوري تتفرع عنه مجموعة من التساؤالت الفرعية من قبيل ما هي مكونات هذا‬
‫املجلس؟ وما هي اختصاصاته؟ ما هي الضمانات التي يقدمها لتحقيق محاكمات عادلة؟‬
‫كيف يساهم في تخليق الحقل القضائي؟‪.‬‬
‫نظرا لندرة الكتابات في هذا املوضوع إن لم نقل انعدامها لحداثته‪ ،‬فان هذه‬
‫التساؤالت سنحاول إلاجابة عنها من خالل تحليل واستقراء فصول الدستور وما جاء به‬
‫مشروع القانون التنظيمي رقم ‪ 111.13‬املتعلق باملجلس ألاعلى للسلطة القضائية وفق‬
‫املنهجية التالية‪:‬‬
‫املبحث ألاول‪ :‬التنظيم الهيكلي للمجلس واختصاصاته‬
‫املبحث الثاني‪ :‬دور املجلس في ضمان املحاكمة العادلة‬
‫وسيرا على نهج املادة ‪ 1‬من مشروع القانون التنظيمي ‪ 111.13‬املتعلق باملجلس ألاعلى‬
‫للسلطة القضائية‪ ،‬فإننا سنشير إلى هذا ألاخير بمصطلح املجلس وإلى ألاول بمصطلح‬
‫املشروع تفاديا لإلطناب‪.‬‬
‫املبحث ألاول‪ :‬تأليف املجلس واختصاصاته‬
‫إن الدور املحوري واملركزي الذي ينتظر من املجلس أن يضطلع به مباشرة بعد إنشائه‬
‫وفق مقتضيات الدستور الجديد‪ ،‬واملتمثل في السهر على تطبيق الضمانات املمنوحة‬
‫للقضاة‪ ،‬ووضع تقارير حول وضعية القضاء ومنظومة العدالة‪ ،‬إضافة إلى إصدار أراء‬
‫مفصلة حول كل مسألة تتعلق بسير القضاء‪ .‬وكذا ما يمثله املجلس من رمزية لالستقاللية‬
‫املنشودة والتي ركز عليها الدستور نفسه في الفصل ‪ 112‬حيث نص على أن السلطة‬
‫القضائية مستقلة عن باقي السلط من غير إهمال التعاون بينهما‪ ،‬وأن امللك هو الضامن‬

‫‪7‬‬
‫لهذه إلاستقاللية من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى فاملجلس يستمد قوته من الفصل ‪ 115‬الذي‬
‫ينص على أن امللك هو الذي يرأس املجلس‪ ،‬مع وجود تمثيليات من خارج أسرة القضاء‬
‫ضمانا للشفافية‪.‬‬
‫على أساس ما سبق سنقسم هذا املبحث إلى مطلبين حيث سنتناول في املطلب ألاول‬
‫تأليف املجلس‪ ،‬بينما سنخصص املطلب الثاني الختصاصات وصالحيات املجلس‪.‬‬
‫املطلب ألاول‪ :‬تأليف املجلس‬
‫حسب املادة ‪ 5‬من املشروع وطبقا للفصل ‪ 115‬من الدستور املغربي‪ ،‬فإن امللك يرأس‬
‫املجلس ألاعلى للسلطة القضائية‪ ،‬ويتألف هذا املجلس من ثالث فئات‪:‬‬
‫‪ü‬فئة ألاعضاء الدائمون‪:‬‬
‫‪-‬الرئيس ألاول ملحكمة النقض‪ ،‬رئيسا منتدبا‬
‫‪-‬الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض‬
‫‪-‬رئيس الغرفة ألاولى بمحكمة النقض‬
‫‪-‬الوسيط‬
‫‪-‬رئيس املجلس الوطني لحقوق إلانسان‬
‫‪ü‬فئة ألاعضاء املنتخبون‪:‬‬
‫‪-‬أربعة ممثلين لقضاة محاكم الاستئناف‪ ،‬ينتخبهم هؤالء القضاة من بينهم‬
‫‪-‬ستة ممثلين لقضاة محاكم أول درجة‪ ،‬ينتخبهم هؤالء القضاة من بينهم‬
‫ويجب ضمان تمثيلية النساء القاضيات من بين ألاعضاء العشرة املنتخبين‪ ،‬بما‬
‫يتناسب مع حضورهن داخل السلك القضائي‪.‬‬
‫‪ü‬فئة ألاعضاء املعينون‪:‬‬
‫‪-‬خمس شخصيات يعينها امللك‪ ،‬مشهود لها بالكفاءة والتجرد والنزاهة‪ ،‬والعطاء املتميز‬
‫في سبيل استقالل القضاء وسيادة القانون من بينهم عضو يقترحه ألامين العام للمجلس‬
‫العلمي ألاعلى‪]1[.‬‬
‫واملالحظ في هذه التشكيلة أنها تتسم بالتنوع وال تقتصر على من يحملون الصفة‬
‫القضائية فقط‪ ،‬وهذه مسألة جد إيجابية تمثل ضمانا من ضمانات املحاكمة العادلة‬
‫وتجسد الروح الديمقراطية للدستور القائمة على مبدأ التشاركية‪ ،‬كما أنها تعكس املبادئ‬
‫الدولية بشأن تشكيل املجالس العليا للقضاء‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫كما تم التعرض أيضا ملسألة تعويضات السادة ألاعضاء من لهم الصفة القضائية‬
‫بمناسبة قيامهم بمهامهم في املجلس وعدم الجمع بينها وبين تعويضات أو أجور أخرى وهذا‬
‫ما نصت عليه املادة ‪ 11‬من املشروع‪ ،‬وبالنسبة ملدة العضوية التي تم تحديدها في خمس‬
‫سنوات غير قابلة للتجديد بالنسبة لألعضاء املنتخبين‪ ،‬وقابلة للتجديد مرة واحدة بالنسبة‬
‫لألعضاء املعينين من طرف العاهل املغربي‪ ،‬باإلضافة إلى حاالت انتهاء العضوية املنصوص‬
‫عليها في املادة ‪ 13‬من املشروع‪ ،‬ونشير هنا إلى مالحظة بشأن هذه ألاخيرة حيث ورد فيها‬
‫لفظ "إلاحالة "على التقاعد بالنسبة لألعضاء املنتخبين كحالة من حاالت انتهاء العضوية‪،‬‬
‫والحال أن إلاحالة هي نوع من العقوبة‪ ،‬وكان ألاولى استبدالها بكلمة "بلوغ" سن التقاعد‪]2[.‬‬
‫هذا وقد نصت كل من املواد ‪ 13-15-11‬من املشروع على أن استقالة ألاعضاء تقدم‬
‫إلى الرئيس املنتدب للمجلس‪ ،‬فتباشر مسطرة تعيين من يخلفه خالل مدة ‪ 15‬عشر يوما‬
‫من تاريخ رفع ألامر إلى امللك‪.‬‬
‫وبعد استكمال تشكيلة املجلس يبقى لنا أن نستعرض اختصاصاته‪ ،‬وهو ما سنعرج‬
‫عليه من خالل املطلب الثاني‪.‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬اختصاصات املجلس‬
‫مبدئيا يمكن القول أن املجلس تبرز فعاليته القصوى في تكريس ضمانات املحاكمة‬
‫العادلة انطالقا من الدور الاختصاص ي املنوط به دستوريا وتنظيميا‪.‬‬
‫ولنا في ذلك مرجعيتين اثنتين‪ ،‬مرجعية دستورية ومرجعية تنظيمية‪.‬‬
‫أوال ‪ :‬املرجعية الدستورية املؤطرة الختصاصات وصالحيات املجلس‪.‬‬
‫تتأطر هذه املرجعية ضمن مقتضيات الفصل ‪ 113‬من الدستور[‪ ،]3‬والتي تتيح إمكانية‬
‫تحديد الاختصاصات التي بواسطتها يمكن للمجلس أن يسهم بدور فاعل في بلورة املحاكمة‬
‫العادلة‪.‬‬
‫ويمكن أن نجري في ضوء نص هذا الفصل قراءتين اثنتين‪.‬‬
‫أولها ‪ :‬عبر مدخل منطوق النص‬
‫وثانيها‪ :‬عبر مدخل مفهوم النص‬
‫ـ أـ القراءة املنطوقة للنص‬
‫تفرز لنا هذه القراءة مجموعة من املعطيات التي نبرزها فيما يلي‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫ـ املجلس له وظيفة السهر على تطبيق الضمانات املمنوحة للقضاة‪ ،‬إذن فهو ال يطبق‬
‫هذه الضمانات فحسب‪ ،‬وإنما يطبقها ويسهر على تطبيقها في آن واحد‪.‬‬
‫ـ املجلس له وظيفة وضع تقارير تنصرف نحو رصد وضعية منظومة العدالة‪.‬‬
‫ـ املجلس له وظيفة إصدار توصيات بشأن وضعية منظومة العدالة‪.‬‬
‫ـ املجلس له وظيفة استشارية‪ ،‬ذلك أن الدستور في هذا الفصل خول للمجلس‬
‫صالحية إصدار آراء مفصلة حول كل املشاكل املتعلقة بسير القضاء‪.‬‬
‫كل هذه الاختصاصات نستخلصها بشكل مباشر من منطوق الفصل ‪ 113‬من‬
‫الدستور‪ ،‬وهي اختصارا تتحدد في أربعة وظائف تختزلها أربع كلمات وهي‪ (:‬سهر‪ ،‬تقرير‪،‬‬
‫توصية‪ ،‬واستشارة‪).‬‬
‫ـ ب ـ القراءة املفهومية للنص[‪]1‬‬
‫املقصود بالقراءة املفهومية للنص تلك الاستنتاجات التي تستشف من جوهر النص‬
‫وليس من شكله‪ ،‬وتحيلنا مقتضيات الفصل ‪ 113‬من الدستور على مجموعة من‬
‫املستنتجات‪:‬‬
‫ـ املجلس تربطه بباقي السلط عالقة اتصال وانفصال في آن واحد‪ ،‬اتصال يتوخى‬
‫التكامل وانفصال يبتغي تحقيق التوازن‪ ،‬وذلك مسالة تستنتج من حيث كون الدستور‬
‫خول للمجلس صالحية تقديم آلاراء للبرملان أو الحكومة‪.‬‬
‫ـ املجلس تربطه باملحاكمة العادلة عالقة إشراف أحيانا وحماية أحيانا أخرى‪ ،‬أما‬
‫عالقة إلاشراف على املحاكمة العادلة فتتجلى في كونه يمتلك وظيفة السهر على تطبيق‬
‫الضمانات املمنوحة للقضاة‪ ،‬استقالال‪ ،‬تعيينا‪ ،‬ترقية‪ ،‬وتأديبا‪.‬‬
‫وحيث إن استقالل القضاة جزء من استقالل العدالة فإن املجلس بهذا يكون مساهما‬
‫مباشرا في بلورة املحاكمة العادلة من نافذة القضاة وليس من جهة املتقاضين‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬املرجعية التنظيمية املؤطرة الختصاصات وصالحيات املجلس‬
‫يتجاذب هذه املرجعية ثالث مواد تنظيمية وهي كما يلي‪.‬‬
‫ـ أ ـ املادة ‪ ]5[ 32‬من املشروع‬
‫بتدقيق النظر في بنود هذه املادة نستشف على أنها جاءت متفاعلة ومتكاملة مع‬
‫الفصل ‪ 113‬من الدستور‪ ،‬إن على مستوى تأسيس املبدأ أو على مستوى تفصيل القاعدة‪،‬‬

‫‪11‬‬
‫املقصود هنا تأسيس مبدأ استقاللية القاض ي ضمانا للمحاكمة العادلة‪ ،‬وتفصيل قاعدة‬
‫الجودة املهنية للقضاة‪ ،‬هذه ألاخيرة جعلتها املادة ‪ 32‬مرتكزة على مجموعة من ألاسس‪.‬‬
‫أولها‪ :‬تكافؤ الفرص والاستحقاق‬
‫وثانيها‪ :‬الكفاءة والشفافية‬
‫وثالثها‪ :‬الحياد والسعي نحو املناصفة‪.‬‬
‫كل هذه املرتكزات تمنح في إطارها الجمعي اختصاصا تدبيريا للمجلس يضاف إلى‬
‫الاختصاصات الدستورية آلانف ذكرها‪.‬‬
‫ـ ب ـ املادتان ‪ 92‬و ‪ ]3[111‬من املشروع‬
‫بلمحة سريعة إلى مقتضيات هذين البندين نجد أن املشروع أضاف في املادة ‪92‬‬
‫اختصاصا آخر للمجلس أال وهو الاختصاص الحمائي‪ ،‬وفحوى هذا الاختصاص عميق جدا‬
‫لكونه ال ينصرف نحو حماية القاض ي أو املتقاض ي‪ ،‬وإنما ينصرف بالدرجة ألاولى نحو حماية‬
‫القيم القضائية صونا ونشرا لقيم النزاهة والتخليق‪.‬‬
‫أما املادة ‪ 111‬من املشروع فيمكن وصفها باملادة الجردية‪ ،‬لكونها جاءت على شاكلة‬
‫جرد فيها املشرع املضامين التي ينبغي توافرها في التقارير املوضوعية واملصدرة من لدن‬
‫املجلس‪ ،‬هذه التقارير منحها املشرع جملة من الصفات‪ ،‬أهمها الصفة الاقتراحية التي‬
‫حددها في كون املجلس يقترح دعم حقوق السبل الكفيلة بدعم (حقوق املتقاضين‪،‬‬
‫تحسين أداء القضاة‪ ،‬دعم نزاهتهم واستقاللهم‪ ،‬تنمية النجاعة القضائية‪ ،‬تأهيل املوارد‬
‫البشرية وتحسين ألاوضاع املادية والاجتماعية للقضاة‪).‬‬
‫املبحث الثاني ‪ :‬دور املجلس في ضمان املحاكمة العادلة‬
‫من أهم ألادوار التي يجب على املجلس أن يضطلع بها بعد إنشائه‪ ،‬ضمان استقاللية‬
‫السلطة القضائية عن باقي السلط‪ ،‬مما سيضع حدا ألي تدخل في شؤون القضاء‬
‫خصوصا من طرف السلطة التنفيذية التي سحب من تحت أقدامها بساط رئاسة القضاء‬
‫وبساط رئاسة النيابة العامة وإسناد رئاستها على التوالي إلى كل من الرئيس ألاول ملحكمة‬
‫النقض رئيسا منتدبا للمجلس‪ ،‬والوكيل العام لدى محكمة النقض رئيسا للنيابة العامة‬
‫بدل وزير العدل‪ ،‬وكذا من أهم ألادوار أيضا التي منحت له‪ ،‬تخليق منظومة العدالة بصفة‬
‫عامة والقضاء بصفة خاصة عن طريق وضع مدونات السلوك ألاخالقية واملهنية‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫على أساس ما سبق سنقسم هذا املبحث إلى مطلبين حيث سنتناول في املطلب ألاول‬
‫املحاكمة العادلة من خالل استقاللية املجلس‪ ،‬بينما سنخصص املطلب الثاني للمحاكمة‬
‫العادلة من خالل تخليق القضاء‪.‬‬
‫املطلب ألاول‪ :‬املحاكمة العادلة من خالل استقاللية املجلس‪.‬‬
‫وفق الدستور الجديد يعتبر املجلس بمثابة هيئة عليا تسهر على استقالل القضاء‬
‫وتطبيق الضمانات املمنوحة للقضاة‪ ،‬ومن الواضح أن التعديل الدستوري الجديد الذي‬
‫طرأ على هذه املؤسسة لم يغير في التسمية فقط‪ ،‬وإنما امتد ليشمل أيضا املقتضيات‬
‫املتعلقة باختصاصاتها وتنظيمها وتشكيلتها‪ ،‬حيث أصبحت هذه املؤسسة الدستورية‬
‫تحض ى باالستقالل إلاداري واملالي‪ ،‬إضافة إلى منحه صالحيات جديدة كما ذكرنا في املبحث‬
‫ألاول من هذا العرض‪.‬‬
‫وباستقراء الفصل ‪ 113‬من الدستور في فقرته الثانية التي تنص على أن املجلس يتوفر‬
‫على الاستقالل إلاداري واملالي‪ ،‬وكذا املادة ‪ 1‬في فقرته ألاولى من املشروع‪ ،‬يمكن القول على‬
‫أن ما نصت عليه املقتضيات الدستورية الجديدة واملشروع‪ ،‬أصبح هذا ألاخير هيأة‬
‫مستقلة متمتعة بالشخصية الاعتبارية والاستقالل إلاداري واملالي‪ ،‬وأن الدولة ملزمة بتوفير‬
‫كافة الوسائل املادية والبشرية‪ ،‬وكذا مقر خاص كي يتسنى له القيام باملهام املسندة إليه‪.‬‬
‫وأيضا لتدعيم هذا الاستقالل إلاداري واملالي للمجلس جاء في املادة ‪ 59‬من املشروع أن‬
‫للمجلس ميزانية خاصة به‪ ،‬ويسجل الاعتمادات املرصودة له في امليزانية العامة للدولة‬
‫تحت فصل يحمل عنوان "ميزانية املجلس ألاعلى للسلطة القضائية‪".‬‬
‫تكمن أيضا استقالليته إلى إسناد رئاسة املجلس للرئيس ألاول ملحكمة النقض كرئيس‬
‫منتدبا ‪-‬املادة ‪ 5‬من املشروع التنظيمي للمجلس‪ -‬وتخويل الوكيل العام للملك لدى محكمة‬
‫النقض رئاسة النيابة العامة وتتبع أعمال هذه ألاخيرة هذا من جهة ومن جهة أخرى البد‬
‫من تعديل املادة ‪ 51‬من قانون املسطرة الجناية التي تخول لوزير العدل إلاشراف على‬
‫تنفيذ السياسة الجنائية وبالتالي هيمنته على النيابة العامة وذلك في تنافر واضح مع تركيبة‬
‫املجلس ومبدأ استقالل السلطة القضائية ‪.‬‬
‫فاستقاللية النيابة العامة عن وزير العدل يعتبر من املبررات الدستورية‪ ،‬فأحكام‬
‫الدستور أقرت بجالء على ضمان استقاللية السلطة القضائية على باقي السلطتين‪ ،‬وعليه‬

‫‪12‬‬
‫ال يمكن القول على أن السلطة القضائية مستقلة إلى حين فصل النيابة العامة عن وزارة‬
‫العدل‪.‬‬
‫أما فيما يخص التفتيش القضائي فاملادة ‪ 13‬من ظهير التنظيم القضائي تبرز دور وزير‬
‫العدل في ألامر بإجراء تفتيش ودوره في البحث في الوقائع كما تنص على ما يتوفر عليه‬
‫املفتشون من سلطة عامة للتحري والتحقق لكن في املقابل جاءت مسودة التنظيم‬
‫القضائي بمستجد في املادة ‪" 113‬يشرف الرئيس ألاول ملحكمة النقض على الرؤساء ألاولين‬
‫ملحاكم ثاني درجة وعلى رؤساء محاكم أول درجة‪ ،‬للوكيل العام للملك لدى محكمة‬
‫النقض سلطة على كافة أعضاء النيابة العامة باملحاكم " فمن خالل استقراء الفصل ‪113‬‬
‫من املسودة واملادة ‪ 81‬من املشروع التنظيمي للمجلس يتضح على أن املشرع نهج نحو‬
‫إحداث مفتنشية عامة باملجلس تتولى التفتيش القضائي وإنشاء مفتشية عامة بوزارة‬
‫العدل تتولى التفتيش إلاداري واملالي‪ ،‬وهذا يدل على مدى تكريس املشرع الستقاللية‬
‫املجلس من أجل ضمان محاكمة عادلة‪.‬‬
‫لكن يبقي السؤال املطروح هل املفتشية العامة للشؤون القضائية تابعة للمجلس أم‬
‫أنها مستقلة عنه؟ ونحن نعلم أن الفصل ‪ 113‬من الدستور ينص على ما يلي ‪ ..." :‬يساعد‬
‫املجلس ألاعلى للسلطة القضائية في املادة التأديبية قضاة مفتشون من ذوي الخبرة"‪،‬‬
‫فمصطلح املساعدة الوارد بالدستور ال يعني بالضرورة الخضوع لسلطة املجلس‪.‬‬
‫املطلب الثاني ‪ :‬املحاكمة العادلة من خالل تخليق القضاء‬
‫يلعب تخليق القضاء دورا حاسما في ضمان عدالة املحاكمات‪ ،‬وذلك بفرضه مجموعة‬
‫من املبادئ وألاخالقيات التي تتصف باإللزام‪ ،‬لكن مع ذلك فمنظومة العدالة تعاني بكل‬
‫مكوناتها من نقص في الشفافية وضعف في آليات املراقبة واملساءلة‪ ،‬وتراجع في أخالقيات‬
‫املمارسة املهنية[‪ ،]2‬ألامر الذي يفسح املجال ملمارسات منحرفة يساهم فيها بعض‬
‫املتقاضين عن قصد أو غير قصد‪ ،‬مما يحول دون تحصين وتخليق منظومة العدالة بصفة‬
‫عامة والقضاء بصفة خاصة‪ ،‬وبالتالي تأثيره على دور القضاء في تخليق الحياة العامة‬
‫كأساس لضمان املحاكمة العادلة‪.‬‬
‫وكنتيجة لذلك فقد نص ميثاق إصالح منظومة العدالة على العديد من إلاجراءات‬
‫القانونية لتخليق القضاء‪ ،‬وهو ما تم صياغته بمشروع القانون التنظيمي للمجلس ألاعلى‬
‫للسلطة القضائية‪ ،‬نسرد أهمها على سبيل املثال ال الحصر‪:‬‬

‫‪13‬‬
‫وضع مدونة السلوك ألاخالقية واملهنية من طرف املجلس حيث نصت املادة ‪ 99‬من‬
‫املشروع أن املجلس يضع بعد استشارة الجمعيات املهنية للقضاة مدونة لألخالقيات‬
‫القضائية تتضمن القيم واملبادئ والقواعد التي يتعين على القضاة الالتزام بها أثناء‬
‫ممارستهم ملهامهم ومسؤولياتهم القضائية‪ ،‬وذلك من أجل‪:‬‬
‫‪Ø‬الحفاظ على استقاللية القضاء وتمكينهم من ممارسة مهامهم بكل نزاهة وتجرد‬
‫ومسؤولية‪.‬‬
‫‪Ø‬صيانة هيبة الهيئة القضائية التي ينتسبون إليها والتقيد باألخالقيات النبيلة للعمل‬
‫القضائي والالتزام بحسن تطبيق قواعد سير العدالة‪.‬‬
‫‪Ø‬حماية حقوق املتقاضين وسائر مرتفقي القضاء والسهر على حسن معاملتهم في إطار‬
‫الاحترام التام للقانون‪.‬‬
‫‪Ø‬تأمين استمرارية مرفق القضاء والعمل على ضمان حسن سيره‪.‬‬
‫وسوف تنشر هذه املدونة في الجريدة الرسمية إلطالع العموم عليها‪ ،‬كما سيشكل‬
‫املجلس لجنة لألخالقيات القضائية تسهر على تتبع ومراقبة التزام القضاة باملدونة‬
‫املذكورة[‪].8‬‬
‫وقد عهد املشروع أيضا للرئيس املنتدب مهمة تتبع وتقدير ثروة القضاة بواسطة‬
‫املفتشية العامة للشؤون القضائية وهو ما نصت عليه املادة ‪ 111‬من املشروع حيث يتابع‬
‫تأديبيا كل قاض ثبتت زيادة ممتلكاته خالل فترة ممارسة مهامه زيادة ملحوظة ال يستطيع‬
‫تبريرها بصورة معقولة[‪].9‬‬
‫وخالفا ملا هو معمول به حاليا‪ ،‬نص املشروع على حق القاض ي املتابع في إلاطالع على‬
‫الوثائق املتعلقة بملفه التأديبي وأخد نسخ منها‪ ،‬وإمكانية مؤازرته بواسطة أحد زمالئه أو‬
‫بمحامي[‪ ،]11‬مع تخويله حق الطعن في املقررات املتعلقة بالوضعية الفردية الصادرة عن‬
‫املجلس بسبب الشطط في استعمال السلطة أمام الغرفة إلادارية بمحكمة النقض داخل‬
‫أجل ثالثون يوما من تاريخ تبليغها للمعني باألمر[‪ ،]11‬لكن هذا الطعن ال يوقف تنفيذها‪،‬‬
‫بل يمكن للغرفة إلادارية أن تأمر بصورة استثنائية بوقف تنفيذ املقرر املطلوب إيقافه إذا‬
‫التمس ذلك منها طالب إلالغاء صراحة‪ ،‬وما يعاب على هذه املادة التي جاءت كتطبيق ملا‬
‫تضمنه الفصل ‪ 111‬من دستور ‪ ،2111‬أنه كيف يتصور إلغاء مقرر صادر عن املجلس‬
‫ألاعلى للسلطة القضائية الذي يرأسه عمليا الرئيس ألاول ملحكمة النقض كرئيس منتدب‪،‬‬

‫‪14‬‬
‫من طرف مستشاري الغرفة إلادارية بمحكمة النقض والذين يخضعون أيضا لرئاسة‬
‫الرئيس ألاول ملحكمة النقض؟ أي بعبارة أخرى ما هو تأثير إلغاء قرار صادر عن الرئيس من‬
‫طرف املرؤوس في العالقة بينهما خصوصا على مستوى تنقيط املستشار أو الهيئة التي‬
‫قامت بإلغاء القرار؟‬
‫خاتمة‪:‬‬
‫ال شك أن الدستور املغربي الجديد لسنة ‪ ،2111‬وانطالقا من مرجعياته‪ ،‬قد نص على‬
‫استقاللية القضاء والقضاة خدمة لحرية إلانسان وحقوقه أي ضمانا للمحاكمة العادلة‪،‬‬
‫وتباعا لذلك‪ ،‬فاستقاللية القضاء تقتض ي لزوما التنصيص على استقاللية القاض ي ال‬
‫كشخص بل كفاعل نبيل ترك له املشرع الدستوري‪ ،‬كلما تم املس باستقالليته‪ ،‬حق إحالة‬
‫ذلك على املجلس ألاعلى للسلطة القضائية؛ هذا علما بأن كل إخالل باالستقاللية اعتبره‬
‫النص الدستوري خطأ مهنيا جسيما أو غشا‪ ،‬ونص كذلك على عقاب الجهة املؤثرة[‪].12‬‬
‫القاض ي ملزم بتطبيق القانون الذي هو أسمى تعبير عن إرادة ألامة والذي يعتبر املعبر‬
‫عن طموحاتها وخيارات نمط عيشها‪ .‬ينص الفصل ‪ 111‬الفقرة ألاولى‪ ":‬ال يلزم قضاة‬
‫ألاحكام إال بتطبيق القانون وال تصدر أحكام القضاء إال على أساس التطبيق العادل‬
‫للقانون"‪ .‬وفي كل هذا منح النص الدستوري القضاة حق ومسؤولية إصدار ألاحكام‬
‫القضائية مع لزوم استحضار الحياد والابتعاد عن الشبهات‪.‬‬
‫إن ضمان حصول استقاللية السلطة القضائية عن التنفيذية الذي هو شرط العدالة‬
‫وا ملساواة‪ ،‬ولجم الشطط والتسلط‪ ،‬تجسد في املجلس ألاعلى للسلطة القضائية وهي هيئة‬
‫عليا ضامنة الستقاللية سلطة القضاء وكذا تشخيصه للوقوف على مكامن الخلل‬
‫وصياغتها في شكل توصيات وتقارير من أجل العمل على تجاوزها بحثا عن الحفاظ على أمن‬
‫وسعادة املواطن املغربي وصونا لحقوقه‪ ،‬هذا دون نسيان تحملها مسؤولية إصدار آراء‬
‫مفصلة بطلب من امللك أو الحكومة أو البرملان حول سير القضاء [‪].13‬‬
‫وتجدر إلاشارة إلى أن السلطة القضائية املغربية تمر بمرحلة جد حساسة‪ ،‬تتميز‬
‫بالنقاش املجتمعي الذي يتركز على مشروعي القانونين التنظيميين للمجلس ألاعلى للسلطة‬
‫القضائية والنظام ألاساس ي للقضاة‪ ،‬بحيث عبرت مجموعة من الهيئات املمثلة للقضاة عن‬
‫ارتياحها ودعمها للتقدم الحاصل خاصة فيما يخص الضمانات املمنوحة للقضاة حيث‬
‫سيكون بإمكانهم الاستعانة بالدفاع أمام املجلس كما سيصبح بإمكانهم الطعن في مقررات‬

‫‪15‬‬
‫املجلس أمام الغرفة إلادارية بمحكمة النقض وهذا أمر ال يتاح لهم حاليا أمام املجلس‬
‫ألاعلى للقضاء‪ .‬كما أنهم عبروا عن مجموعة من التحفظات والتخوفات من التنزيل الغير‬
‫السليم ملقتضيات الدستور وقدموا في ذلك مذكرات يبينوا من خاللها تصوراتهم‬
‫ومقترحاتهم كان أهمها هو‪:‬‬
‫‪ü‬إقرار مبدأ الانتخاب كأسلوب الختيار الرئيس ألاول ملحكمة النقض والوكيل العام‬
‫للملك لديها مع تحديد عدد الواليات تجسيدا ملبدأ ربط املسؤولية باملحاسبة‪.‬‬
‫‪ü‬عدم تعيين شخصيات تنتمي إلى إحدى السلطتين في املجلس‪.‬‬
‫‪ü‬تمكين املجلس من موظفين تابعين له‪.‬‬
‫‪ü‬العمل على إنشاء مجلس للدولة للطعن في مقررات املجلس بدل الغرفة إلادارية‬
‫بمحكمة النقض خصوصا وان رئيس محكمة النقض هو الرئيس املنتدب للمجلس‪.‬‬
‫وفي ألاخير ال يسعنا إال أن نردد ما قاله جاللة امللك بمناسبة الذكرى ‪ 11‬لعيد العرش‬
‫‪ 31‬يوليوز ‪ 2113‬حيث قال‪ " :‬ما فتئنا منذ تولينا أمانة قيادتك‪ ،‬نضع إصالح القضاء‪،‬‬
‫وتخليقه وعصرنته‪ ،‬وترسيخ استقالله‪ ،‬في صلب اهتماماتنا‪ ،‬ليس فقط إلحقاق الحقوق‬
‫ورفع املظالم‪ .‬وإنما أيضا لتوفير مناخ الثقة‪ ،‬كمحفز على التنمية والاستثمار‪ .‬وفي هذا‬
‫الصدد‪ ،‬نسجل بارتياح التوصل إلى ميثاق إلصالح املنظومة القضائية‪ .‬حيث توافرت له كل‬
‫الظروف املالئمة‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فإنه يجب أن نتجند جميعا‪ ،‬من أجل إيصال هذا إلاصالح‬
‫الهام‪ ،‬إلى محطته النهائية‪.‬‬
‫ومهما تكن أهمية هذا إلاصالح‪ ،‬وما عبأنا له من نصوص تنظيمية‪ ،‬وآليات فعالة‪،‬‬
‫فسيظل “الضمير املسؤول” للفاعلين فيه‪ ،‬هو املحك الحقيقي إلصالحه‪ ،‬بل وقوام نجاح‬
‫هذا القطاع برمته‪".‬‬
‫مشروع قانون تنظيمي رقم ‪ 111.13‬يتعلق باملجلس ألاعلى للسلطة القضائية‪ ،‬ألامانة‬
‫العامة للحكومة (املطبعة الرسمية)‪-‬الرباط ‪]1[1133/2111‬‬
‫دة‪ /‬نزهة مسافر‪ ،‬قراءة في مشروع قانون املجلس ألاعلى للسلطة القضائية[‪]2‬‬
‫]‪[3‬ـ ينص الفصل ‪ 113‬من الدستور على ما يلي‪:‬‬
‫يسهر املجلس ألاعلى للسلطة على تطبيق الضمانات املمنوحة للقضاة وال سيما فيما‬
‫يخص استقاللهم وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهم وتاديبهم ‪ .‬يضع املجلس الاعلى للسلطة‬
‫القضائية بمبادرة منه تقارير حول وضعية القضاء ومنظومة العدالة ويصدر التوصيات‬

‫‪16‬‬
‫املالئمة بشأنها ‪ .‬يصدر املجلس ألاعلى للسلطة القضائية بطلب من امللك أو الحكومة او‬
‫البرملان آراء مفصلة حول كل مسألة تتعلق بسير القضاء مع مراعاة مبدأ فصل السلط‪.‬‬
‫]‪[4‬ـ املقصود بالقراءة املفهومية ذلك الصنف من أصناف قراءة اللفظ لدى علماء‬
‫أصول الفقه الذين يستعملون مفهوم النص أو منطوق النص أو إشارة النص ‪ .‬للتوسع‬
‫يرجى الاطالع على كتب أصول الفقه‪.‬‬
‫]‪[5‬تنص املادة ‪ 32‬من مشروع قانون تنظيمي رقم ‪ 111.13‬على ما يلي‪:‬‬
‫طبقا ألحكام الفقرة ألاولى من الفصل ‪ 113‬من الدستور ‪ ،‬يسهر املجلس ألاعلى على‬
‫تطبيق الضمانات املمنوحة للقضاة ‪ ،‬ومن أجل ذلك يقوم بتدبير وضعيتهم املهنية وفق‬
‫مبادئ تكافؤ الفرص والاستحقاق والكفاءة والشفافية والحياد والسعي نحو املناصفة ‪،‬‬
‫وكذا املعايير املنصوص عليها في هذا القانون التنظيمي والشروط املحددة في النظام‬
‫ألاساس ي للقضاة‬
‫]‪[6‬ـ تنص املادة ‪ 92‬من مشروع القانون التنظيمي اعاله على ما يلي‪:‬‬
‫يسهر املجلس على ضمان احترام القيم القضائية والتشبث بها وإشاعة ثقافة النزاهة‬
‫واتخليق بما يعزز استقالل القضاء ‪ .‬ويتخذ لجل ذلك كل كل ألاجراءات التي يراها مناسبة ‪.‬‬
‫وتطبيقا ألحكام الفقرة الثانية من الفصل ‪ 119‬من الدستور‪ .‬يجب على كل قاض اعتبر ان‬
‫استقالله مهدد أن يحيل ألامر إلى املجلس ألاعلى للسلطة القضائية‪.‬‬
‫وتنص املادة ‪ 111‬من نفس املشروع على ما يلي‪:‬‬
‫طبقا ألحكام الفقرة الثانية من الفصل ‪ 113‬من الدستور‪ ،‬يضع املجلس ألاعلى‬
‫للسلطة القضائية بمبادرة منه تقارير حول وضعية القضاة ومنظومة العدالة ‪ ،‬ويصدر‬
‫التوصيات املالئمة بشأنها‪ .‬تتضمن هذه التقارير بصفة خاصة املقترحات الرامية إلى‪:‬‬
‫ـ دعم حقوق املتقاضين والسهر على حسن تطبيق قواعد سير العدالة‬
‫ـ تحسين أداء القضاة‬
‫ـ دعم نزاهة واستقالل القضاء‬
‫ـ الرفع من النجاعة القضائية‬
‫ـ تأهيل املوارد البشرية‬
‫ـ تحسين ألاوضاع املادية والاجتماعية للقضاة‬
‫‪[7] -‬ميثاق إصالح منظومة العدالة الصادر بتاريخ يوليو ‪ 2113‬صفحة ‪11‬‬

‫‪17‬‬
‫]‪[8‬املادة ‪ 99‬من مشروع قانون تنظيمي رقم ‪ 13_111‬املتعلق باملجلس ألاعلى للسلطة‬
‫القضائية‪.‬‬
‫‪[9] -‬املادة ‪ 111‬من مشروع قانون تنظيمي رقم ‪ 13_111‬املتعلق باملجلس ألاعلى‬
‫للسلطة القضائية‪.‬‬
‫]‪[10‬املادة ‪ 88‬من مشروع قانون تنظيمي رقم ‪ 13_111‬املتعلق باملجلس ألاعلى‬
‫للسلطة القضائية‪.‬‬
‫]‪[11‬املادة ‪ 95‬من مشروع قانون تنظيمي رقم ‪ 13_111‬املتعلق باملجلس ألاعلى‬
‫للسلطة القضائية‪.‬‬
‫]‪[12‬ينص الفصل ‪" :119‬يمنع كل تدخل في القضايا املعروضة على القضاء وال يتلقى‬
‫القاض ي بشأن مهمته القضائية أي أوامر أو تعليمات وال يخضع ألي ضغط‪.‬‬
‫يجب على القاض ي‪ ،‬كلما اعتبر استقالله مهددا‪ ،‬أن يحيل ألامر إلى املجلس ألاعلى‬
‫للسلطة القضائية‪.‬‬
‫يعد كل إخالل من القاض ي بواجب الاستقالل والتجرد خطأ مهنيا جسيما‪ ،‬بصرف‬
‫النظر عن املتابعات القضائية املحتملة‪ .‬يعاقب القانون كل من حاول من حاول التأثير على‬
‫القاض ي بكيفية غير مشروعة "‪.‬‬
‫]‪[13‬ينص الفصل ‪" :113‬يسهر املجلس ألاعلى للسلطة القضائية على تطبيق‬
‫الضمانات املمنوحة للقضاة وال سيما فيما يخص استقاللهم وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهم‬
‫وتأديبهم‪ .‬يضع املجلس ألاعلى للسلطة القضائية‪،‬بمبادرة منه‪ ،‬تقارير حول وضعية القضاء‬
‫ومنظومة العدالة‪ ،‬ويصدر التوصيات املالئمة بشأنها‪.‬‬
‫يصدر املجلس ألاعلى للسلطة القضائية‪ ،‬بطلب من امللك أو الحكومة أو البرملان‪ ،‬آراء‬
‫مفصلة حول كل مسألة تتعلق بسير القضاء مع مراعاة مبدأ فصل السلط"‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫‪ - 3‬أثر املعلوميات يف جمال القضاء‬
‫_تطبيق على كتابة الضبط_‬

‫الفصل األول‪:‬‬
‫تقديم‬
‫املعلوميات ظاهرة تقنية تترتب عليها آثار اقتصادية واجتماعية وقانونية‪ ،‬فخالل هذا القرن‬
‫عرفت الحياة في مختلف مجاالتها تطورا هائال في استعمال املعلوميات التي أضحت أداة‬
‫فعالة في إنجاز مختلف ألاعمال والخدمات‪.‬‬
‫ولم تخرج املجاالت القانونية والقضائية عن هذا التطور خاصة بالنسبة للدول املتقدمة‬
‫حيث عرف التوثيق القانوني آلالي تطورا استطاعت بواسطته التغلب على الكثير من‬
‫الصعوبات والعراقيل التي تقف في وجه السير العادي ملختلف املجاالت القانونية‬
‫والقضائية‪.‬‬
‫وبالدنا أخذت في بداية العقد ألاخير تميل إلى استعمال املعلوميات في محيط عملها القانوني‬
‫والقضائي على الخصوص‪ ،‬ورغم ذلك فما يزال أمامها طريق طويل وطويل جدا لتطوير هذا‬
‫الاستعمال باعتماد التقنيات املعلوماتية في تسيير عملها القضائي سواء على مستوى العمل‬
‫في املؤسسات القضائية أو على مستوى التشريع والاجتهاد‪.‬‬
‫والخطر الذي يهددنا من جراء عدم ألاخذ باستعمال التقنيات ال يتمثل في تأخرنا عن الركب‬
‫بالنسبة لدول العالم فحسب ولكن أيضا في التطور الهائل والسريع الذي يعرفه العالم‬
‫الجديد في مجال املعلوميات مقارنة مع بطء حركتنا في هذا املجال‪.‬‬
‫وألن أجيال الحاسوب تتعاقب بسرعة مدهشة‪ .‬ومع التطور السريع واملتتابع في ابتكار أجيال‬
‫جديدة في عالم الحاسوب سنكون ال محالة في مؤخرة الركب إن لم نتدارك ألامر بالسرعة‬
‫املطلوبة‪.‬‬
‫فإذا كانت مؤسسات كثيرة مالية وتجارية وصناعية أخذت تطور عملها باعتمادها على‬
‫املكننة واستعمال املعلوميات وحققت بذلك ربحا في الجهد والوقت فإن مؤسستنا‬
‫القضائية اليوم مضطرة إلى استعمال هذه التقنيات في سير عملها ليس فقط في مجال‬
‫التشريع والاجتهاد والتأهيل فحسب بل في إلادارة القضائية ككل (املحاكم مثال) بدءا من‬

‫‪19‬‬
‫تسجيل القضايا على تنظيم الجلسات وتسجيل ألاحكام والقرارات وتدوين البيانات وأقسام‬
‫الحفظ وحركة املوظفين وألاعوان وامليزانية والتجهيز‪.‬‬
‫فال أحد منا يجهل مدى ما تعرفه محاكمنا من تضخم في عدد القضايا‪ ،‬فعلى سبيل املثال‬
‫أصبح رقم ما يسجل يتخطى املليون قضية في السنة الواحدة‪ .‬وال نجهل ما يساور‬
‫املتقاضين من رغبة في الحصول على نتائج سريعة عندما يلتجئون إلى القضاء‪ .‬واستعمال‬
‫التقنيات الحديثة وإدخال املكننة في أعمال محاكمنا من شأنه أن يخفف العبء الثقيل‬
‫امللقى على عاتق عدالتنا‪.‬‬
‫وفيما يلي بعض الصور عما يحصل في بعض الدول املتقدمة كالواليات املتحدة ألامريكية‬
‫وفرنسا في مجال التوثيق القضائي آلالي من جهة‪ ،‬وفي مجال املحاكمات والتأهيل القضائي‬
‫من جهة ثانية‪:‬‬
‫‪-‬ففي مجال التوثيق آلالي‪ :‬على سبيل املثال‪ ،‬هناك معهد فيدرالي للتأهيل القضائي بوالية‬
‫كولورادو يتلقى باستمرار آخر الاجتهادات القضائية من املحاكم الفيدرالية خالل مدة ال‬
‫تتعدى ستين دقيقة من صدورها ليجعلها رهن إشارة منتسبي املعهد وأساتذته وكذا رهن‬
‫الاتصال‪.‬‬ ‫بشبكة‬ ‫املرتبطة‬ ‫املحاكم‬ ‫باقي‬ ‫إشارة‬
‫وفي زيارتنا فرنسا حضرنا جلستي محاكمة ألاولى جنائية والثانية مدنية تتم عبر الاتصال‬
‫التلفزيوني ‪ visioconférence‬بين قاعتين ألاولى بباريس وألاخرى بسان بيير وال حاجة إلى‬
‫التنقل إذا ما رض ي املتقاضون وقبلوا املحاكمة على هذا النحو وذلك تالفيا ألعباء التنقل‬
‫إلى مسافات بعيدة عن باريس‪.‬‬
‫هذه الطريقة وفرت لوزارة العدل بفرنسا عدة ماليين من ألاورو كانت تصرف لنقل‬
‫السجناء من سان بيير إلى باريس كما سهلت ألامر على ألاطراف ومحاميهم من جراء التنقل‬
‫والتكاليف علما أن هنا رحلة واحدة كل أسبوع بين باريس وسان بيير‪.‬‬
‫إن تعميم هذه الوسائل سيجعل من السهل ربط الاتصال بين املحاكم وإلادارة القضائية‬
‫بوجه عام لتبادل املعلومات وتبادل الخبرات والاستفادة من تجارب آلاخرين‪.‬‬
‫إن تطور ألانظمة املعلوماتية واتساع شبكاتها وخلق أنظمة جديدة ومتطورة خالل آماد‬
‫قريبة زمنيا جعل تبادل املعلومات بين مختلف الدول وفي مختلف املجاالت أمرا ميسورا ملن‬
‫رغب في تحقيق ذلك‪.‬‬
‫‪-‬وفي مجال التشريع‪ :‬تعرف التشريعات حركة دائبة‪ ،‬وأمام كثرة النصوص القانونية‬
‫واختالف موضوعاتها‪ ،‬واعتبارا لحاجة جهاز العدل والقضاء للتعامل مع مختلف تلك‬
‫النصوص‪ ،‬ال بد من التفكير في تيسير طريقة التعامل هذه بتقريبها إلى القاض ي ورجل‬

‫‪21‬‬
‫القانون عن طريق التخزين املبوب ومكننة وسائل العمل وهو دور املعلوميات القانونية كما‬
‫سنرى الحقا‪.‬‬
‫المبحث األول‪ :‬المعلوميات في مجال التشريع واالجتهاد القضائي‬
‫إن أهمية املعلوميات في ميدان التشريع تكمن في أن الباحث القانوني مهما كانت موهبته‬
‫وعبقريته سيبقى عمله مضنيا ومتعبا أمام تراكم املعلومات وذلك في غياب إلامكانيات التي‬
‫أخذت توفرها املعلوميات القانونية في املساعدة على إنجاز ألابحاث والدراسات‪ .‬والقيام‬
‫بعملية جمع املراجع وسائر الوثائق التي يتعين الاعتماد عليها أخذ يستغرق وقتا طويال في‬
‫الظروف الراهنة‪ ،‬كما يسبب إرهاقا تتجلى انعكاساته على مستوى البحث القانوني‪،‬‬
‫فالوقت لم يعد كافيا إلنجاز البحث على الوجه املطلوب بالوسائل التقليدية كما أن‬
‫املشاكل الحالية املتعلقة بالبحث القانوني في الجهاز القضائي قد تكون حاجزا في الوصول‬
‫إلى حل سريع للنزاعات القضائية‪.‬‬
‫وتكتس ي املعلوميات القانونية أهمية بالغة في الوقت الذي تكون فيه املقتضيات القانونية‬
‫التي تغير أو تعدل القانون املوجود تتضاعف بسرعة هائلة‪ .‬والواقع أن ظاهرة إصدار تدفق‬
‫القوانين تشكل إحدى العقبات الرئيسية التي تقف أمام إدارة قضائية سريعة وتحول دون‬
‫إلاحاطة املتطلبة بالقانون‪ ،‬فمجموع النصوص القانونية التي يجب أن يعرفها رجل القانون‬
‫كثيرة جدا‪ .‬فلم يعد إذن مستغربا أن تصبح أجهزة الحاسوب مساعدة وحتى بديلة لإلنسان‬
‫في بعض ألاحيان في أن تعمل على معالجة واستغالل املعطيات الحالية ومالءمتها للحالة‬
‫الراهنة‪.‬‬
‫وتنبغي إلاشارة إلى أن إلاحصائيات القانونية بواسطة الحاسوب (املعلوميات إلاحصائية‬
‫القانونية) ال تخلو بدورها من أهمية في مستوى البحث امليداني وإلاحاطة بالظاهرة‬
‫القانونية أو القضائية املدروسة‪ ،‬وهكذا تسمح هذه ألاخيرة مثال بمعرفة ألاحكام أو القرارات‬
‫الصادرة عن املحاكم ومقارنتها والتعرف على القضايا املزمنة وسير مساطرها‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬المعلوميات في مجال التأهيل القانوني والقضائي‬
‫لقد تم إدخال املعلوميات إلى الكثير من القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في‬
‫بالدنا بحيث أن التكوين في مؤسسات علمية كاملعهد الوطني لإلحصاء والاقتصاد التطبيقي‬
‫واملدرسة املحمدية للمهندسين وكليات العلوم أخذت طريق تطبيقه الصحيح‪ .‬ولم تخف‬
‫مؤسسات التعليم القانوني والقضائي من جهتها ضرورة التعامل مع هذه التقنيات الجديدة‪.‬‬
‫والواقع أن إدخال املعلوميات في برامج التعليم القانوني والتأهيل القضائي‪ ،‬سواء تعلق‬
‫ألامر باملعلوميات القانونية في معناها الضيق أو في معناها الواسع الذي تلحق به معلوميات‬
‫تسيير املؤسسات القانونية والقضائية‪ ،‬قد عرف طريقه إلى "مستوى التخصص في السلك‬
‫الثالث ‪" .‬‬
‫‪21‬‬
‫وفي إطار هذا الاهتمام العلمي باملعلوميات‪ ،‬نشير إلى أن بالدنا أخذت تتطلع وبشكل جدي‬
‫إلى تدريس املعلوميات القانونية في كليات الحقوق واملعهد الوطني للدراسات القضائية وباقي‬
‫املعاهد واملدارس املتخصصة‪.‬‬
‫ويتطلب تدريس املعلوميات القانونية تعاونا متبادال بين املهتم باملعلوميات ورجل القانون‪.‬‬
‫فكما ال يمكن للمختص في املعلوميات في إطار إنجاز بعض التطبيقات القانونية أن يعمل‬
‫بدون التعرف على حاجة املشتغل بالقانون وبدون أعمال تحضيرية يتم إعدادها من قبل‬
‫هذا ألاخير‪ ،‬فكذلك الشأن حينما يتعلق ألامر بتدريس املعلوميات القانونية وذلك لكون‬
‫مادة القانون هي املنطلق والهدف‪ .‬لذلك يتعين في نظرنا أن يسند تدريس مادة املعلوميات‬
‫القانونية أمام ندرة املتخصصين في املعلوميات القانونية‪ ،‬إلى من يهتم بعالقة املعلوميات‬
‫بالقانون سواء كان قانونيا أو مختصا في املعلوميات‪.‬‬
‫من جهة أخرى فاهتمامنا بتطوير أساليب العمل في جهاز العدالة ومكننته‪ ،‬وألاخذ بأحدث‬
‫الوسائل في إلادارة القضائية وسير املحاكم مرتبط أساسا بتطوير أساليب التأهيل القضائي‪.‬‬
‫فالعنصر البشري يعتبر إلادارة ألاساسية في العمل بالنسبة لجهازنا القضائي‪ ،‬فما زالت‬
‫عدالتنا تعتمد إلى حد كبير في إنجاز أعمالها على اليد العاملة‪ .‬وهذا يتطلب إعداد ألاطر‬
‫وتأهيلها بكيفية تجعلها قادرة على مواكبة املستجدات‪ .‬فتأهيل كل من رجال القضاء‪ ،‬أطر‬
‫وموظفي كتابة الضبط ومساعدي القضاء أضحى أمرا حتميا إذا كنا نرغب أو نسعى لتطوير‬
‫هذا الجهاز وأساليب التأهيل هي نفسها غذت خاضعة للتطور‪ ،‬هذا التطور الذي غزا كل‬
‫امليادين‪.‬‬
‫واستعمال املعلوميات في مجال التأهيل القضائي يتطلب دراسة تقنية لآلليات التي يمكن‬
‫استعمالها وللمجاالت الضرورية التي يمكن أن تتفاعل مع تلك آلاليات‪ .‬على أن عصرنة‬
‫أساليب التأهيل تدعونا إلى العناية بتطوير املكونين أنفسهم أي أولئك الذين يوكل إليهم‬
‫تأهيل أطرنا القضائية وألاطر إلادارية العاملة في محيط العدالة ككل وكذلك بتطوير‬
‫ألاساليب املعتمدة كما هو الشأن لدى بعض الدول التي أصبحت تعتمد الوسائل السمعية‬
‫البصرية في هذا املجال وأصبحت املعلومات التي يتلقاها الخاضعون للتأهيل مشاهدة لهم‬
‫عن قرب حيث يعيشون وقائع حية وكأنهم داخل قاعة من قاعات جلسات الحكم في أكبر‬
‫املحاكم‪ ،‬ثم يخضعون هذه الوقائع للتحليل واملناقشة‪.‬‬
‫كما أن تجميع الاجتهادات القضائية واملذكرات التي تحفظ عادة بأرشيف املحاكم في جهاز‬
‫كمبيوتر وجعلها رهن إشارة طالبنا من شأنها أن تساعدهم كلما كانوا في حاجة إليها‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫ويتطلب ألامر ضرورة إعطاء محاضرات في املعلوميات القانونية وتيهئ الطلبة القضاة وأطر‬
‫وزارة العدل وتدريبهم على استعمال الحاسوب وجميع آلاليات ألاخرى املمكن استخدامها في‬
‫هذا املجال ‪.‬‬
‫فالعمل داخل املؤسسة القضائية عمل متكامل‪ ،‬وكل واحد من هؤالء له ضلع في إنجازه‪،‬‬
‫حتى أولئك الذين ال ينتسبون عضويا إلى وزارة العدل نجد عملهم ذا صلة لصيقة بالعمل‬
‫القضائي‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬مكننة المعطيات القضائية‪( :‬نموذج المعالجة بواسطة الحاسوب)‬
‫أمام التزايد الهائل في حجم املعلومات التي هي ظاهرة تعرفها جميع إلادارات واملؤسسات‪،‬‬
‫أصبحت الحاجة ماسة إلى البحث عن أنجع وسيلة تقنية ملعالجة املعطيات‪ .‬وتتمثل هذه‬
‫الوسيلة في الوقت الراهن في املعلوميات‪ ،‬التي تعني معالجة املعلومات بشكل آلي أي‬
‫الحاسوب‪.‬‬ ‫بواسطة‬
‫وقد غزت املعلوميات جميع املرافق واملؤسسات الخصوصية والعمومية بما فيها جهاز‬
‫القضاء‪ .‬وقد أخذنا نلمس بالفعل انعكاسات املعلوميات في معالجة القانون وفي تسيير هذا‬
‫الجهاز‪.‬‬
‫لذلك وبعد أن نعطي فكرة عامة عن املعالجة املعلوماتية في هذا املجال بصورة مجردة‬
‫كنموذج نظري (في مبحث أول) نتعرض إلى واقع استعمال املعلوميات في الجهاز القضائي‬
‫ثان‪).‬‬ ‫مبحث‬ ‫(في‬ ‫املغربي‬
‫المبحث األول‪ :‬تحديد المعالجة المعلوماتية للمعطيات القضائية‬
‫تتمثل املعطيات القضائية في القاعدة القانونية التي قد تكون نصا قانونيا أو حكما قضائيا‬
‫أو غيرهما من مصادر القانون والتي يتعين تطبيقها مرورا باإلجراءات التي يجب مراعاتها في‬
‫سير القضايا‪ .‬وبعبارة أخرى إن املعالجة آلالية للمعطيات القضائية تصنف إلى صنفين هما‪:‬‬
‫ن َ ُ‬
‫تع َّرف باملعلوميات القانونية‪.‬‬ ‫•املعالجة آلالية ملصادر القانو و‬
‫َ َّ ُ‬
‫•املعالجة آلالية للتسيير القضائي و تعرف باملعلوميات القضائية‪.‬‬
‫أوال‪ :‬املعلوميات القانونية‬
‫انطالقا من أن املعلوميات هي معالجة املعلومات بواسطة الحاسوب‪ ،‬يمكن تحديد‬
‫املعلوميات القانونية في أنها املعالجة آلالية للمعلومات القانونية املتمثلة في مصادر القانون‪.‬‬
‫وتكتس ي املعلوميات القانونية أهمية بالغة إذ أنها تمكن من السيطرة على تدفق محتوى‬
‫التنظيمات القانونية الغزيرة‪ ،‬والتغلب على التعرجات القضائية‪ .‬فالهدف هو ممارسة‬
‫سلطة نشر قواعد القانون بدون أي اضطراب محتمل وصياغة قرارات قضائية أكثر مالئمة‬
‫مع الوسط الذي يجب تنظيمه ‪ ،‬وبالتالي تمكين الباحثين ومطبقي القانون من تتبع التطور‬
‫السريع الذي تعرفه التشريعات في جميع امليادين الاجتماعية والاقتصادية‬
‫‪23‬‬
‫‪ .‬وترجع أهمية هاته املصادر من جهة إلى تكاثر النصوص التشريعية والتنظيمية كنتيجة‬
‫لتدخل الدولة في كل املجاالت‪ ،‬ومن جهة ثانية إلى ألاهمية الخاصة التي يكتسيها القضاء ‪.‬‬
‫والواقع أن املعلومة القانونية في مفهومها الحالي يصعب التوصل إليها حتى من قبل‬
‫الباحثين املختصين ألن فيها ثغرات لم تنشر أو أمامها حواجز أو أن مناهج تقديمها ليست‬
‫منسجمة‪.‬‬
‫وإن نطاق املعلوميات القانونية يتحدد بطبيعة الحال في املعلومات القانونية والتي تتمثل‬
‫كما هو معروف في مصادر القانون‪.‬‬
‫فالقاعدة القانونية املطبقة تنشأ من مصادر أصلية (التشريع والعرف ومبادئ القانون‬
‫الطبيعي وقواعد العدالة)‪ ،‬وتفسيرية (القضاء والفقه‪).‬‬
‫واملعالجة املعلوماتية للقانون تتم انطالقا من خالل معالجة مصادره في العصر الحديث‬
‫أصلية كانت أو تفسيرية‪ .‬وألامر يتعلق بطبيعة الحال بالتشريع والقضاء والفقه دون العرف‬
‫‪ .‬وكل واحد من املصادر الرئيسية هو مجموع ملصادر ثانوية‪ .‬فالتشريع يغطي مثال الدستور‬
‫واملعاهدات الدولية املصادق عليها والقوانين واملراسيم والقرارات‪.‬‬
‫من املعلوم أن هناك طريقتين للمعالجة في مادة املعلوميات‪:‬‬
‫‪ - 1‬تقنية النص الكامل بالنسبة للنص التشريعي أو التنظيمي‬
‫‪2-‬تقنية املوجز بالنسبة للحكم أو القرار القضائي باإلضافة إلى كلمات مفتاح ‪Mots‬‬
‫‪clés‬‬ ‫‪.‬‬
‫ويبدو أن التقنية ألاخيرة‪ ،‬رغم تكلفتها هي التي تبنتها أهم املراكز في مجال املعلوميات‬
‫القانونية‪.‬‬

‫أ– طريقة معاجلة التشريع‬


‫إن املصدر القانوني الذي يصعب التوصل إلى معالجته أكثر من غيره هو التشريع‪،‬‬
‫فاملجال القانوني والتنظيمي مقسم إلى تقسيمات فرعية مشتتة تتمثل في ظهائر‬
‫وقوانين ومراسيم وقرارات ومناشير التطبيق التي يبدو على املستوى العملي أحيانا‬
‫أكثر أهمية من التشريع نفسه ‪ .‬ثم إن كل كلمة واردة في النص التشريعي يعد لها‬
‫حسابها‪ ،‬وكذلك عالمات التنقيط التي يؤدي تبديلها إلى تغيير معنى الجملة‪ .‬وأيضا ال‬
‫يتوافق ألاسلوب القانوني املجموع بصورة خاصة في نصوص بأن يمثل في أسلوب‬
‫َب ْرقي ‪ .‬ومن ثم ال يمكن معالجة التشريع إال بطريقة النص الكامل‪.‬‬
‫ب– طريقة معاجلة االجتهاد القضائي‬

‫‪24‬‬
‫إن ألاحكام أو القرارات القضائية املنشورة خصوصا هي املصدر القانوني الذي يمكن‬
‫معالجته بسهولة ملالءمته مع التحليل‪ .‬فالقرارات القضائية مهيكلة ودقيقة بحيث‬
‫أنه من القرار املحرر بصورة جيدة يمكن استخراج املفاهيم التي يرتكز عليها بمجرد‬
‫القراءة البسيطة ‪ .‬فالناشرون يضبطون تقنية تقليدية للقرارات القضائية معلنة‬
‫بواسطة مجموعة من الكلمات املجردة املصحوبة بملخصات واملعالجة املعلوماتية‬
‫لالجتهاد القضائي ال تتطلب إذن إال ضبط وتوحيد الكلمات املفتاح التي تتألف من‬
‫كلمات مجردة باإلضافة إلى ملخص للحكم أو القرار ويمكن اختياريا تسجيل النص‬
‫الكامل للقرار الذي يكتس ي أهمية خاصة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬املعلوميات القضائية‬
‫ُ َ َّ ُ‬
‫واملعلوميات القضائية هي املعلوميات الخاصة بتسيير املحاكم‪ ،‬وهي تعرف أيضا‬
‫بمعلوميات التسيير القضائي‪ .‬غير أنه يعبر عنها في أغلب ألاحيان وبكل اختصار‬
‫املعلوميات القضائية‪ .‬ويمكن التعرف على مفهوم هذه املادة ومضمونها باستعراض‬
‫ما تعرفه من أنواع ‪:‬‬
‫‪ - 1‬معلوميات قضائية نوعية ‪ Informatique spécifiquement judiciaire‬وتهتم‬
‫باملسائل التالية‪:‬‬
‫•خلق جذاذيات كبرى مرتبطة بالنشاط القضائي (مثل جذاذيات السجل‬
‫العدلي‪).‬‬
‫•مساعدة التسيير باملحاكم (كتابة الضبط‪ ،‬ألاوامر الجنائية)‪...‬‬
‫‪2-‬معلوميات إدارية تقليدية تتعلق بمصالح إلادارة املركزية (تسيير املوظفين‪،‬‬
‫إلاحصائيات‪ )...‬أو املؤسسات السجنية‪.‬‬
‫واملعلوميات القانونية عرفت قبل املعلوميات القضائية التي تعبر عن معلوميات‬
‫التسيير وتترجم غزو فكرة التسيير في عالم القضاء‪ .‬والجدير بالذكر أن هذه ألاخيرة‬
‫قد أقحمت في بنيات مصالح وزارة العدل بالدول ألاجنبية املتقدمة بصورة خاصة‪.‬‬
‫فقد أخذت تتطور مثال في فرنسا ابتداء من التوجيهات املحددة سنة ‪ 1929‬والتي‬
‫تأكدت في التطبيق منذ ذلك الحين ‪ .‬أما املعلوميات القانونية فقد لوحظ تطبيقها‬
‫منذ بداية الستينات على ألاقل في الواليات املتحدة‬
‫وعادة ما تدمج عملية إلاحصائيات القانونية أو القضائية على مستوى املحاكم في عملية‬
‫التسيير نظرا لالرتباط الوثيق بينهما‪ .‬ولقد عملت وزارة العدل على استغالل املعطيات‬
‫إلاحصائية بالدرجة ألاولى نظرا ملا يكتسيه إلاحصاء من أهمية خاصة في صنع القرار‬
‫إلاداري‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫وترجع أهمية معالجة إلاحصائيات بواسطة املعلوميات بطبيعة الحال إلى قصور‬
‫إلاحصائيات اليدوية في تلبية حاجيات املستعملين في جميع القطاعات الاجتماعية‬
‫والقانونية والاقتصادية‪.‬‬

‫ويسمح استغالل إحصاء القضايا بواسطة الحاسوب في امليدان القضائي بصورة خاصة‬
‫بتخفيف عبء ألاعمال املتكررة ومعرفة ألاحكام الصادرة عن مختلف املحاكم ومقارنتها‬
‫قصد الوقوف على مدى تقاربها أو تباعدها‪ .‬كما يسمح هذا التطبيق من إعطاء معطيات‬
‫دقيقة تساهم في حسن التخطيط وتوزيع ألاطر إلادارية والقضائية ويمكن أيضا الباحثين‬
‫القانونيين من دراسة مختلف الظواهر القانونية والاقتصادية والاجتماعية التي تمر أمام‬
‫املحاكم‬
‫‪.‬‬
‫)‪(...‬‬
‫إعداد‪:‬ذ‪/‬مودام زكرياء وذ‪/‬رضوان بلهيص ي‬

‫‪ -4‬التجربة املغربية يف جمال القضاء‬


‫اإللكرتوني‬
‫مقدمة‬
‫•ان وضعية املغرب الجغرافية املتميزة بحكم تواجده في اقص ى الوطن العربي وملتقى‬
‫القارتين الافريقية و ألاوروبية وفي منطقة لها واجهتان بحريتان تقرب احداهما من أوروبا‬
‫ب‪ 11‬كلمترا‬
‫•كما ان حضارته املتأصلة والغنية برصيد ثقافي عربي اسالمي جعلته ينفتح على العالم‬
‫وجعلت منه حلقة وصل بين حضارات مختلفة‪.‬‬
‫•فهو العربي الاسالمي املتوسطي والافريقي املشبع بتراث مزدوج شرقي وغربي وصاحب‬
‫ديمقراطية قديمة متأصلة تقوم على اساس نظام ملكية دستورية قائمة على حرية التعبير‬
‫والتعددية الحزبية وناهج لسياسة اقتصادية لبرالية تقوم على ميكنزمات السوق وعلى‬
‫تشجيع املبادرات الخاصة‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫•كل ذلك جعل منه محط عناية خاصة وتقدير من طرف املجتمع الدولي ‪ ،‬مما ادى الى‬
‫استقطاب استثمارات داخلية و خارجية‪.‬‬
‫•و من اجل مواكبة التطور الاقتصادي الذي يعرفه العالم فقد اتخذت عدة تدابير إلصالح‬
‫الاطار القانوني و املؤسساتي لالستثمارات لتشجيع املبادرات الخاصة للمستثمرين املغاربة و‬
‫الاجانب من خالل دعم مسلسل العالقات املالية مع الخارج وتشجيع القطاعات املنتجة‬
‫على الانفتاح على العالم الخارجي‬
‫•كما قامت الدولة املغربية باصالحات هيكلية في كافة القطاعات الانتاجية‬
‫و هكذا صدرت‬
‫• ‪:‬مدونة التجارة‬
‫•كما أحدثت محاكم تجارية مختصة‬
‫•وقانون التجمعات الاقتصادية ذات املنفعة العامة‬
‫•وقانون تحرير الاسعار و املنافسة‬
‫•وقانون حماية امللكية الفكرية الصناعية‬
‫•مدونة الشغل‬
‫•قوانين إصالح البورصة و املؤسسات املالية‬
‫•ميثاق الاستثمار يهم املقاوالت الصغيرة و املتوسطة‬
‫• إلاصالح الضريبي و الجمركي‬
‫•صدرت مجموعة من القوانين تهم الاستثمار تحت إشراف السيد الوزير الاول‪.‬‬
‫و من جهة أخرى فقد تم احدات مجموعة من املراكز الجهورية لالستثمار ( الشباك الوحيد‬
‫لخلق املقاوالت‬
‫و وكالة وطنية للمحافظة العقارية‬
‫•واكبت هذا الاصالح الذي يندرج في إطار تهيئة املناخ املالئم لالستثمار ترسانة قانونية‪ -‬كما‬
‫سبقت الاشارة اليها من قبل‪ -‬لتقوية الحماية القضائية في مجال الاعمال‪.‬الن املطلوب من‬
‫القاض ي في ظل هذه التغيرات الكبرى التي تعرفها البشرية في الالفية الثالثة ان يكون هو‬
‫املحرك لالنتاج عوض ان يبقى الحارس على القانون وعلى تفسيره‬

‫‪27‬‬
‫•كما أضحت هذه املبادرات التلقائية ايضا ضرورية لتوسعة إطار العالقات التجارية‬
‫الدولية و عوملة الاقتصاد و ارتفاع وثيرة املنافسة و الاكراهات التي تتطلبها ضمان الجودة‪.‬‬
‫•أخذ املغرب بعين الاعتبار في سياسته الاقتصادية والقضائية إلاكراهات املتعلقة بسنة‬
‫‪ 2111‬و ما تتطلبه السياسة الجديدة لحسن الجوار مع الاتحاد ألاوروبي و خاصة في بعدها‬
‫الاقتصادي‪.‬‬
‫•و من اهم التدابير املتخذة في مجال الدعم و التشجيع لالستثمارات نشير الى ‪:‬‬
‫إحداث املحاكم التجارية سنة ‪ 1998‬وذلك من أجل تمكين اململكة املغربية من مؤسسات‬
‫قضائية مختصة في أعلى مستوياتها للبث في النزاعات التجارية‪.‬‬
‫•ونذكر من بين القضايا التي ثبت فيها املحـ ــاكم التجارية و املرتبطة مباشرة باملناخ‬
‫الاقتصادي على سبيل املثال ألاوامر باألداء التي تصدر بشأن الكمبياالت والتي تكتس ي‬
‫سرعة في البث باعتبار أن هذه القضايا تعمل على تحريك عجلة الاقتصاد‪.‬‬
‫•وتشكل هذه القضايا ما يعادل ‪ %12.82‬من مجموع القضايا املسجلة باملحاكم التجارية‪.‬‬
‫•تجدر الاشارة الى ان هذه املحاكم تبث في قضايا صعوبة املقاولة ‪ ،‬خاصة املقاوالت ذات‬
‫ألانشطة املهمة و التي ال تدخل ضمن اختصاص املحاكم العادية التي تقتصر على البث في‬
‫القضايا الغير التجارية‬
‫بيانات وإحصائيات عن القضاء املغربي‬

‫•املحاكم العادية‬

‫‪o‬املجلس ألاعلى(محكمة النقض حاليا )‬


‫‪o 21‬محكمة استئنافية‬
‫‪o 70‬محكمة ابتدائية‬
‫•املحاكم املختصة‬
‫‪o 3‬محاكم استئنافية تجارية‬
‫‪o 8‬محاكم ابتدائية تجارية‬
‫‪o 7‬محاكم إدارية‬
‫•محاكم أخرى‬

‫‪28‬‬
‫‪o‬املحكمة العسكرية‬
‫•محاكم الجماعات و املقاطعات(قضاء القرب حاليا)‬
‫‪o 706‬محكمة جماعية‬
‫‪o 131‬محاكم مقاطعة‪.‬‬
‫•املعهد العالي للقضاء‬
‫•مديرية السجون ( ‪ 51‬مؤسسة سجنية )‬
‫‪• 3000‬قاض ي‬
‫‪• 18000‬موظف‬
‫•ثالثة ماليين قضية مسجلة سنة ‪2115‬‬
‫•حكم منها خالل نفس السنةنحو‪111/81‬‬
‫•مجموعة من الحواسب ‪ 1911‬حاسوب‬
‫•تم تكوين ‪ 5211‬قاضيا و موظفا في إطار الشراكة بين وزارة الع ــدل و املكتب الوطني‬
‫للتكوين املنهي على أساس أن املشروع يهدف الى تكوين ‪ 8111‬قاض ي و موظف‪.‬‬
‫املشاريع املمولة من طرف الشركاء (صندوق النقد الدولي والاتحاد الاوروبي وأمريكا)‬
‫لتحديت وعصرنة القضاء املغربي‬
‫مشروع البنك الدولي ‪ 21‬مليار درهم‬
‫يخص هذا املشروع ‪:‬‬
‫‪o‬تحديث املحاكم التجارية لتقوية مؤهالت التدبير داخل النظام القضائي و السجل‬
‫التجاري‬
‫‪o‬تحسين إلاطار التشريعي و التنظيمي لألنشطة التجارية وفض النزاعات‬
‫‪o‬تقوية مؤهالت التكوين و التدبير داخل املعهد العالي للقضاء‬
‫‪o‬تقوية القدرات التواصلية داخل وزارة العدل‪.‬‬
‫مشـ ــروع الوكالـة الامريكي ــة ‪ USAID= 50‬مليار درهم‬
‫•يقدم املشروع دعما للمحاكم التجارية لجهة سوس ماسة درعة و املصالح املركزية‪ ،‬و‬
‫يضم هذا املشروع‬
‫‪o‬تحيين القوانين التنظيمية التي تهم امليدان التجاري و ألاعمال‪.‬‬
‫‪o‬تحسين آليات العمل القضائي باعتماد نظام جديد لإلحصائيات القضائية‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫‪o‬تحسين أداء املحاكم التجارية ألكادير و مراكش و محكمة الاستئناف التجارية بمراكش (‬
‫التجهيز – التكوين في املعلوميات و املكتبيات‪).‬‬
‫مشروع ميدا ‪ = MEDA 350‬مليار درهم ملدة ‪ 33‬شهرا‬
‫•تحسين املؤهالت البنيوية و التنظيمية ل ‪ 11‬محكمة‬
‫‪o‬تحديث آليات العمل‬
‫‪o‬تسريع املساطر و الاجراءات من اجل بث سريع للقضايا‬
‫‪o‬تسهيل تتبع القضايا بالنسبة للمتقاضين‬
‫‪o‬تقديم معلومات ذات جودة عالية للمتقاضين‬
‫‪o‬الرفع من مستوى املعرفة القانونية‬
‫‪o‬آليات فعالة لإلطالع و ألارشيف‬
‫•يتعلق الامر بإنشاء ‪ 3‬وحدات‬
‫‪o‬بنية تحتية و معلوماتية‬
‫‪‬نظام معلوماتي مدمج‬
‫*تدبير القضايا‬
‫*قاعدة املعطيات القانونية و القضائية‬
‫‪‬تجهيز خمس مراكز جهوية لألرشفة‬
‫‪‬نظام مكتبي لتدابير الوثائق‬
‫‪‬إنشاء شباك للشكايات و املعلومات‬
‫‪‬تنظيم حمالت تحسيسية للمستعملين و املتقاضين‪.‬‬
‫‪o‬التكوين‬
‫‪o‬التقوية املؤسساتية ( وضع نظام معلوماتي مؤسساتي قضائي‪).‬‬
‫مشروع ميدا ‪ MEDA :‬تدبير القضايا‬
‫•خلق نظام معلوماتي مدمج يتكون من نظام مرجعي و نظام لتدبير القضايا يعتمد على‬
‫بنية تحتية تقنية مالئمة‬
‫‪o‬إعادة تأهيل البنيات التحتية (الشبكة الكهربائية واملعلوماتية) داخل املحاكم‬
‫‪o‬ربط الشبكة املعلوماتية و نظام الاتصال الشامل‬
‫‪o‬اقتناء ‪ 1111‬حاسوب ‪ :‬من أجل نشر الثقافة املعلوماتية‬

‫‪31‬‬
‫‪‬استغالل التطبيقات املعلوماتية املحدثة باملحاكم‬
‫‪‬إعادة تنظيم وتوحيد العمل بصناديق املحاكم‬
‫‪o‬خلق برنامج معلوماتي لتدبير املساطر املدنية و الجنائيـ ـ ــة و الصندوق مع إبالء اهتمام‬
‫لقضاء الاسرة‪.‬‬
‫املحاكم املعنية بالتحديث‬
‫مشروع ميدا ‪ :‬قاعدة املعطيات القضائية و القانونية‬
‫•إنشاء قاعدة بيانات قانونية و قضائية للعموم عن طريق شبكة الانترنيت تتضمن‪:‬‬
‫‪o‬النصوص القانونية الجاري بها العمل‬
‫‪o‬القوانين و املساطر‬
‫‪o‬اختيار الاجتهادات القضائية ( املجلس الاعلى محاكم الاستيناف و محاكم أخرى‪).‬‬
‫مشروع ميدا ‪ :‬الربا ئد أو الارشفة‬
‫•إحداث نظام خاص باالرشيف‬
‫‪o‬خلق و تجهيز ‪ 5‬مراكز جهوية للحفظ و ألارشفة‬
‫‪o‬خلق وظيفة خاصة باألرشفة‬
‫‪o‬خلق ميثاق ألارشفة‬
‫‪o‬إحداث نظام معلوماتي لتدبير الارشيف بطريقة أتوماتيكية‪.‬‬
‫مشروع ميدا ‪ :‬نظام الوثائق‬
‫•خلق نظام معلوماتي خاص بالوثائق يتضمن ثالث محاور ‪:‬‬
‫‪o‬التنظيمي ‪ :‬إنشاء مراكز للمعلومات و الوثائق وهو عبارة عن شبكة وحدات وثائقية‪.‬‬
‫‪o‬املنهي( يهم الوثائق)‪ :‬مساعدة الوحدات في اختيارها للوثائق التي يتم اقتناؤها و السهر على‬
‫عقلنة و ترشيد نفقاتها‬
‫‪o‬الجانب املعلوماتي التجهيزي و اللوجستيكي ‪ :‬تمكين مركز املعلومات و الوثائ ـ ــق القضائية و‬
‫الوحدات الوثائقية من برامج معلوماتية و تجهيزات أخرى‬
‫مشروع ميدا ‪ :‬شباك الشكايات و املعلومات‬
‫•إنشاء شبابيك للشكايات و املعلومات القضائية داخل املحاكم من اجل تسهيل التواصل‬
‫مع املستعملين داخل املحاكم‬
‫‪o‬مصلحة الاستقباالت‬

‫‪31‬‬
‫‪o‬إنشاء نقط الانطالق الخاصة بمختلف املساطر‬
‫مشروع ميدا ‪ :‬الاخبار و التحسيس‬
‫•تنظيم حملة إخبارية و تحسيسية للمستعملين و املتقاضين‬
‫‪o‬تنظيم حملة إخبارية و تحسيسية داخلية لفائدة املستعملين‬
‫‪o‬تنظيم حملة إخبارية و تحسيسية خارجية لفائدة املستعملين و املتقاضين و املواطنين‪.‬‬
‫مشروع ميدا ‪ :‬التكوين‬
‫•يهدف الى تأهيل آليات التدبير املعلوماتي للقطاع القضائي و كذا البث املستمر و املعصرن‬
‫للمعلومات القضائية ‪.‬‬
‫•ألاهداف الرئيسية للتكوين هي ‪:‬‬
‫‪o‬تمكين تبادل املؤهالت و املعارف التقنية للفرق التقنية بالوزارة و باملحاكم‬
‫‪o‬خلق فريق تقني للمكونين بوزارة العدل و داخل املحاك ــم و باملديريات الفرعية الاقليمية‬
‫‪o‬من أجل إحداث مشروع تحديث مقبول من طرف جميع املتدخلين و املساهمين في‬
‫القطاع و الحد من ظاهرة مقاومة التغيير‪.‬‬
‫‪o‬جعل هذه آلالية املعلوماتية كآلية عمل يومية‪.‬‬
‫مشروع ميدا ‪ :‬التقوية املؤسساتية‬
‫•تهدف الى إعادة تنظيم الوظيفة ( الاخبار و إدراج املعلوميات باملحاكم ) داخل وزارة العدل‬
‫من اجل مواصلة أشغال التحديث و ذلك بعد انتهاء مشروع ميدا ‪:‬‬
‫‪o‬من خالل التعريف التنظيمي للوظيفة ( إخبار و إدراج املعلوميات داخل املحاكم )‬
‫‪o‬إنشاء مرجع موحد للمساطر و توصيف املهام داخل املحكمة‬
‫‪o‬التتبع و املساعدة من أجل إنشاء النظام الجديد‬
‫برنامج ميدا ‪ :‬التنظيم‬
‫املحاور الكبرى‬
‫•البنية التحتية و التجهيز‬
‫‪o‬تأهيل البنية التحتية الكهربائية‬
‫‪o‬برنامج الشبكة املعلوماتية داخل املحاكم‬
‫‪o‬خلق شبكة تواصلية شاملة خاصة بالصوت و املعطيات‬
‫‪o‬اقتناء ‪ 5111‬حاسوبا مخصصا ‪:‬‬

‫‪32‬‬
‫‪‬لنشر الثقافة املعلوماتية‬
‫‪‬الستغالل البرامج املعلوماتية املنجزة من طرف الوزارة و املثبتة بمختلف املحاكم‪.‬‬
‫•إحداث برنامج معلوماتي مدمج للتدبير على مستوى املصالح املركزية و الوحدات إلاقليمية‬
‫و يهم ‪:‬‬
‫‪o‬تدبير املوارد البشرية‬
‫‪o‬تدبير الصفقات العمومية و امليزانية‬
‫‪o‬تدبير املمتلكات و العقارات‬
‫‪o‬تدبير املتطلبات و الصفقات العمومية‬
‫‪o‬تدبير املراسالت‬
‫•إحداث نظام معلوماتي خاص باملحاكم ( املعالجة املعلوماتية للمهام – إعادة تصورها في‬
‫إطار مشروع ميدا‪).‬‬
‫‪o‬تدبير السجل التجاري‬
‫‪o‬تدبير كتابة الضبط‬
‫‪o‬تتبع التبليغ و التنفيذ‬
‫‪o‬تدبير صناديق املحاكم‬
‫التكنولوجيا الجديدة للتواصل و إلاعالم‬
‫*كتابة الضبط الرقمية*‬
‫الشفافية و الانفتاح على املواطن‬
‫حواسيب مخصصة للمواطنين من اجل الاطالع على السجل التجاري و القضايا الخاصة‬
‫بهم‪.‬‬
‫املحاور الكبرى‬
‫•التدبير املعلوماتي للسجل العدلي‬
‫•الانفتاح على املواطن عن طريق ‪:‬‬
‫‪o‬نشر املعلومات القضائية‪:‬‬
‫‪‬معلومات عملية على املوقع‬
‫‪‬خدمات إلكترونية عبر الانترنيت ( مثل السجل العام التتبع و الاطالع عن بعد على‬
‫القضايا)‬

‫‪33‬‬
‫‪‬نشر و تعميم الاجتهادات القضائية (عن طريق الانترنيت أو الاقراص املدمجة)‬
‫‪‬حدود الاطالع على املعلومات داخل املحاكم‬
‫‪o‬إحداث أو خلق عالقة تفاعلية مع املتقاضين من خالل‬
‫‪‬تعميم الرسائل إلالكترونية ( قضاة و كتاب الضبط )‬
‫‪‬إنشاء مركز استقبال املكاملات‬
‫‪‬تجريد املساطر و تطوير آليات املساطر عن بعد‪.‬‬
‫•تأسيس ثقافة تواصلية جديدة من خالل ‪:‬‬
‫‪o‬إحداث شبكة داخلية ( أنترا نيت ) من أجل‪:‬‬
‫‪‬العمل التشاركي ( فضاء للحوار و التعاون من أجل معالجة النصوص )‬
‫‪‬تبادل التجارب و الخبرات في مجال الاجتهاد القضائي بالنسبة للقضاء‪.‬‬
‫•الانفتاح على الشركاء عن طريق التبادل الالكتروني للمعلومات‬
‫مراكز جهوية لالستثمار‬
‫‪o‬البنوك ‪ ،‬مساعدي القضاء (محامون و مفوضون قضائيون)‪.‬‬
‫‪o‬الخزينة العامة ‪ ،‬الجمارك‪....‬‬
‫مشاريع إلادارة الالكترونية املحدثة من طرف وزارة العدل‬
‫•الاعالن الالكتروني عن طلبات العروض‬
‫‪o‬تبني املوقع إلالكتروني املنشأ من طرف وزارة الاقتصاد من اجل التعاون في الاستثمار‬
‫املعتمد من طرف الادارة‬
‫•الاعالن عن نتائج املباريات املنظمة من طرف وزارة العدل باملوقع‪.‬‬
‫•التنسيق بين الخريطــة القضائية و الخريطة الادارية للمملكة‬
‫•املعاينة إلالكترونية للسجل التجاري‬
‫•التتبع إلالكتروني للملفات القضائية‬
‫•التتبع إلالكتروني لتنفيذ ألاحكام من طرف مؤسسات التأمين‬
‫•السحب إلالكتروني للسجل العدلــي‬
‫•القضاء الالكتروني املتعدد القنوات‬
‫املواقع القيادية املعتمدة لإلدارة إلالكترونية‬
‫•املحكمة التجارية بالدار البيضاء ( السجل التجاري)‬
‫‪34‬‬
‫•املحكمة التجارية بالرباط‬
‫•املحكمة الابتدائية بالدار البيضاء – أنفا‬
‫‪o‬تنفيذ ألاحكام الصادرة في مواجهة شركات التأمين (تضم جميع القضايا الصادرة عن‬
‫محاكم اململكة)‬
‫استبيانات توضيحية‬
‫•السجل التجاري إلالكتروني‬
‫•املعاينة إلالكترونية مللفات كتابة الضبط‬
‫•الخريطة إلالكترونية‬
‫•القضاء إلالكتروني متعدد القنوات‬
‫السجل التجاري إلالكتروني‪ :‬خصوصياته‬
‫•معلومات عملية ‪ :‬مرشد خاص باملعلومات‬
‫•املعلومات والارشادات‬
‫‪o‬إرشادات قضائية حول السجل التجاري املسجل ‪ :‬مع آخر وضعية للسجل املذكور‬
‫السجل التجاري إلالكتروني ‪ :‬خصوصياته‬
‫‪o‬معلومات عامة حول ‪:‬‬
‫‪‬الرهن‬
‫‪‬الحجز‬
‫‪‬الاحكام‬
‫‪‬البيع و التعرض عليه‬
‫‪o‬معلومات مالية ‪:‬يتعلق الامر باملعلومات الخاصة بالحسابات الختامية للشركات ‪ ،‬بالنظام‬
‫ألاساس ي للشركات و بتوزيع الرأسمال‪،‬ألاصول و الخصوم ‪.‬‬
‫السجل التجاري في سطور‬
‫•تصنيف مختلف ألانشطة التي تتطلب الترخيص بالعمل‬
‫•نماذج ‪ :‬إمكانية تحميل النماذج إلكترونيا املستعملة في إطار التسجيالت و التعديالت و‬
‫التشطيبات ‪.‬‬
‫•أرقام أساسية ‪ :‬إحصائيات خاصة بنشاط السجل التجاري‪.‬‬
‫•أسئلة و أجوبة ‪ :‬معالجة الحاالت الاستثنائية‬

‫‪35‬‬
‫•تحقيق العينات إلكترونيا حول الخدمات املقدمة ‪.‬‬
‫تدبير كتابة الضبط‬
‫•مرشد املساطر ‪ :‬وصف مفصل ملختلف مصالح كتابة الضبط‬
‫•تتبع امللفات املسجلة بكتابة الضبط‬
‫•معلومات عاملة حول امللف عن طريق رقمه أو أطراف الدعوى ‪ /‬مختلف الجلسات و‬
‫التدابير املتخذة لغاية الحكم النهائي وعلى مستوى كل مرحلة ‪.‬‬
‫•ألاحكام ‪ :‬يتعلق الامر بخالصة ألاحكام الصادرة‪.‬‬
‫•ألاوامر باألداء ‪ :‬معلومات شاملة حول الامر باألداء‪.‬‬
‫•الحجوزات ‪ :‬معلومات حولها‬
‫•التبليغات و التنفيذات ‪ :‬تتبع مختلف إلاجراءات املتخذة بشأنها‪.‬‬
‫•مساعدي القضاء ‪ :‬جداول املحامون و الخبراء‬
‫•أرقام مهمة ‪ :‬إحصائيات حول نشاط كتابة الضبط‬
‫مكتب التبليغات و التنفيذات القضائية‬
‫•معاينة مآل ألاحكام املنطوق بها في مواجهة شركات التأمين‪.‬‬
‫الخريطة القضائية إلالكترونية‬
‫ألاهداف‬
‫•تقديم مساعدة للمواطنين و املتقاضين في تحديد املحاكم املختصة‬
‫•تقديم آليات للمساعدة في اتخاذ القرارات من أجل تحديد الخريطة القضائية املالئمة‬
‫للمملكة‬
‫الخريطة إلالكترونية‬
‫القضاء إلالكتروني املتعدد القنوات‬
‫ألاهـ ــداف ‪:‬‬
‫•الحصول على املعلومة من أجل استفادة أكبر عدد ممكن من املتقاضين عن طريق تنويع‬
‫وسائل التواصل‬
‫‪o‬الانترنيت‬
‫‪o‬الرسائل إلالكترونية‬
‫‪o‬الرسائل الهاتفية‬

‫‪36‬‬
‫‪o‬موزع صوتي صوتي تفاعلي ‪ -‬الفاكس‬
‫•إضافة وسائل أخرى للتواصل‬
‫‪o‬النشر و البث‬
‫‪‬نشر الرسائل إلاخبارية املتنوعة ( رسائل هاتفية – الفاكس – الرسائل إلالكترونية)‬
‫‪o‬تنبيه‬
‫‪‬تنبيه حول وضعية حكم أو عقد جلسة ووسائل أخرى‬
‫‪o‬عند الطلب‬
‫‪‬معاينة عند الطلب عبر جميع القنوات‬
‫‪o‬ما بين القنوات‬
‫‪‬إرسال مقاالت باستعمال قناة و استقبال الجواب عبر قناة أخرى‪.‬‬
‫من الحكومة إلالكترونية إلى الحكومة املتعددة القنوات‬
‫مالحظات‬
‫‪o 100 %‬من مجموع القضايا املسجلة باملحاكم التجارية يمكن معاينتها عبر الانترنيت‬
‫‪o 100 %‬من إلارشادات املتعلقة باألشخاص املعنوية يمكن معاينتها من خالل شبكة‬
‫الانترنيت‪.‬‬
‫•الخدمات إلالكترونية‬
‫•معاينة السجل التجاري‪.‬‬
‫‪o‬بالدار البيضاء‬
‫‪o‬الرباط‬
‫‪o‬مراكش‬
‫‪o‬آكادير‬
‫‪o‬مكناس‬
‫•الخدمات إلالكترونية‬
‫‪o‬معاينة ملفات كتابة الضبط‬
‫‪o‬املحكمة التجارية بالدار البيضاء بالدار البيضاء‬
‫‪o‬املحكمة التجارية الرباط‬
‫‪o‬املحكمة التجارية مراكش‬

‫‪37‬‬
‫عناوين للمواقـع إلالكترونية‬
‫‪o‬محكمة الاستئناف بفاس‬
‫‪o‬محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء‬
‫‪o‬املحكمة التجارية مكناس‬
‫‪o‬املحكمة التجارية باكادير‬
‫‪o‬املحكمة الابتدائية بالدار البيضاء أنفا‬
‫‪o‬املحكمة الابتدائية بالرباط‬
‫‪o‬معاينة مكتب التبليغات و التنفيذات القضائية‬
‫‪o‬الخريطة القضائية إلالكترونية‪.‬‬
‫•الانترنيت املتحرك‬
‫‪o‬معاينة السجل التجاري بالدار البيضاء‬
‫‪o‬معاينة ملفات كتابة الضبط‬
‫‪o‬املحكمة التجارية بالدار البيضاء‬
‫‪o‬املحكمة التجارية بالرباط‬
‫‪o‬املحكمة التجارية بالدار البيضاء أنفا‬
‫‪o‬معاينة مكتب التبليغات و التنفيذات القضائية‬
‫التدابير الضرورية للمواكبة‬
‫•قانون التوقيع إلالكتروني‬
‫•القيمـ ـ ــة القانونية للوثائق عبر الانترنيت ( نسخة الحكم الشواهد نموذج ً ج ً)‬
‫•إنشاء نظام سيكما ‪ SIGMA‬على مستوى تمويل الخدمات الخاصة بنظام إلانذار املقدمة‬
‫من طرف املحاكم‪.‬حيث يمكن ارسال رسالة الكترونية ‪ émail‬او رسالة عبر الهاتف النقال‬
‫‪SMS‬الى املحامي املشترك بالنظام الخباره بمآل الاجراءات املتخذة في امللفات التي ينوب فيها‬
‫‪o‬تمويل الخدمات الخاصة بنظام إلانذار املقدمة من طرف املحاكم‬
‫‪o‬إحداث تكوين ملساعدي القضاء‬
‫•مشروع اتفاق مع نقابات املحامين‬
‫•تنظيم تكوين للمتقاضين‬
‫•تنظيم تكوين للموظفين و القضاة‬

‫‪38‬‬
‫عوامل نجاح املشروع‬
‫•حركية تحديث معلنة‬
‫•إلادارة السياسية لتسريع وثيرة التحديث‬
‫•املوارد املالية املتوفرة‬
‫‪o‬مشروع ميدا ‪ 35‬مليار درهم‬
‫‪o‬الحساب الخاص للوزارة‬
‫•الانخراط الفعلي ملختلف الفاعلين في هذا الحقل‬
‫النتائ ــج املنتظرة‬
‫•عدالة أكثر سرعة‬
‫•شفافة‬
‫•منتظرة‬
‫•ذات مصداقية‬
‫•تخصيص الخدمات‬
‫•املنتوج بأقل تكلفة مع الرفع من مستوى جودة الخدمات لصالح املواطن و املقاوالت‬
‫إعداد‪:‬ذ‪/‬محمد برادة غزيول‬

‫‪39‬‬
‫‪ -5‬اجلرمية املعلوماتية يف التشريع‬
‫املغربي‬

‫أفرزت العقود ألاخيرة ثورة من نوع آخر متعلقة بوسائل الاتصال واملعلومات‪ ،‬نتيجة‬
‫التطور الذي تجسد أساسا في انتشار أجهزة حاسب آلي ذات مستوى عالي متطورة بشكل‬
‫مستمر‪ ،‬وبرامج متقدمة‪ ،‬وشبكات اتصال قربت ماليير البشر بعضهم البعض‪،‬وأتاحت‬
‫فرصا جديدة لإلطالع على املعلومات وتبادلها‪ ،‬وحتى التفاوض وإبرام عقود مختلفة‬
‫خصوصا عبر شبكة الانترنت‪ ،‬بل ألاكثر من ذلك يمكن عبر هذه ألاخيرة تسليم املنتجات‬
‫كالبرامج أو القطع املوسيقية أو الصحف الالكترونية أو تقديم الخدمات مثل الاستشارات‬
‫القانونية أو الطبية‪.‬‬
‫لكن ما دامت الجريمة ظاهرة اجتماعية‪ ،‬تتأثر طبيعتها وحجمها بالتحوالت الاقتصادية‬
‫والاجتماعية والثقافية دوليا ووطنيا‪ ،‬فقد ظهر للوجود نمط جديد من إلاجرام‪ ،‬تجسد في‬
‫انتشار الجرائم املعلوماتية أو الالكترونية‪ ،‬والتي تعتبر من أكبر السلبيات التي خلفتها الثورة‬
‫املعلوماتية‪ ،‬لكون هذه الجرائم تشمل في اعتداءاتها قيما جوهرية تخص ألافراد‬
‫واملؤسسات وحتى الدول في كافة نواحي الحياة‪ ،‬كما أن هذه الجرائم تركت في النفوس‬
‫شعورا بعدم الثقة بخصوص التعامل والاستفادة من ثمار هذه الثورة الجديدة‪.‬‬
‫وأمام هذا الوضع املقلق اهتم املجتمع الدولي بمسألة مكافحة الجريمة املعلوماتية‪ ،‬وفي‬
‫هذا الصدد نشير إلى أن منظمة ألامم املتحدة قد أولت مسألة مواجهة الجرائم املعلوماتية‬
‫ً‬
‫اهتماما كبيرا خصوصا خالل مؤتمر ألامم املتحدة العاشر ملنع الجريمة ومعاملة املجرمين‬
‫الذي انعقد في فيينا أيام ‪ 12 – 11‬ابريل ‪ ،2111‬وكذلك خالل مؤتمر ألامم املتحدة الحادي‬
‫عشر ملنع الجريمة والعدالة الجنائية الذي انعقد في بانكوك أيام ‪ 25-18‬ابريل ‪])1[(.2115‬‬
‫ومن ناحية أخرى قامت اللجنة ألاوربية بشأن مشاكل الجريمة ولجنة الخبراء في مجال‬
‫جرائم الحاسب آلالي بإعداد مشروع إتفاقية دولية تتعلق بجرائم الحاسب آلالي‪ ،‬وقد أعلن‬
‫املجلس ألاوربي مشروع هذه الاتفاقية في ‪ 22‬ابريل ‪ ,)]2[(2111‬وأكد املجلس‬
‫املذكور([‪)]3‬أن الاعتداءات الحديثة على مواقع إلانترنت التجارية‪ ]1[،‬هي التي لفتت نظر‬
‫‪41‬‬
‫املجتمع الدولي إلى املخاطر والتحديات التي تواجهها الشبكة الدولية للمعلومات وشبكات‬
‫الحاسب آلالي‪ ،‬وأن الجرائم املعلوماتية أصبحت قبل أي وقت مض ى تهدد بشكل واضح‬
‫التجارة واملصالح الحكومية‪ ،‬وعليه فقد بادر املجلس ألاوربي إلى وضع مشروع إتفاقية‬
‫خاصة بجرائم الحاسب آلالي‪ ,‬مع ألاخذ في الاعتبار الطابع الدولي الذي يميز هذه النوعية من‬
‫الجرائم([‪ ,)]5‬وبعد سنة ونصف تقريبا من املناقشات والتعديالت على هذا املشروع ّ‬
‫تم‬
‫التوقيع على اتفاقية بودابست بتاريخ ‪ 23‬نوفمبر ‪ 2111‬بشأن إلاجرام الكوني([‪)]3‬أو‬
‫ً‬
‫املعلوماتي إيمانا من الدول ألاعضاء في املجلس ألاوربي والدول ألاخرى املوقعة على هذه‬
‫الاتفاقية بضرورة مواجهة هذا النمط الجديد من إلاجرام([‪.)]2‬ونشير إلى أن هذه الاتفاقية‬
‫تتكون من ثمان وأربعين مادة موزعة على أربعة أبواب‪ ,‬يعالج الباب ألاول منها استخدام‬
‫املصطلحات‪ ،‬أما الباب الثاني فهو مخصص لإلجراءات الواجب اتخاذها على املستوي‬
‫الوطني‪ ،‬سواء من الناحية املوضوعية أو إلاجرائية‪ ،‬أما الباب الثالث فقد تم تخصيصه‬
‫للتعاون الدولي في حين يتعرض الباب الرابع فقد تعرض للشروط الختامية‪.‬‬
‫وكما هو الحال في كل دول العالم استفحلت الجريمة املعلوماتية في اململكة املغربية خالل‬
‫العقود ألاخيرة‪ ،‬وأصبح القضاء املغربي في محك حقيقي‪ ،‬عندما وضعت أمامه قضايا تتعلق‬
‫بالجرائم املعلوماتية‪ ،‬ومن أمثلة هذه القضايا التي طرحت على املحاكم املغربية نجد أول‬
‫قضية ذات عالقة باإلجرام املعلوماتي سنة ‪ 1985‬بشأن تسهيل مستخدمي املكتب الوطني‬
‫للبريد واملواصالت لتحويالت هاتفية لفائدة بعض املشتركين بصورة غير مشروعة‪ ،‬ولقد‬
‫توبع املتهمون بمقتض ى الفصول ‪212‬و‪211‬و‪218‬و‪251‬و‪ 129‬من مجموعة القانون الجنائي‬
‫املغربي‪ ،‬وقد تمت إلادانة في املرحلة الابتدائية على أساس الفصل ‪ 521‬املتعلق باالختالس‬
‫العمدي لقوى كهربائية‪ ،‬في حين تمت تبرئتهم في مرحلة الاستئناف‪])8[(.‬‬
‫كما أدانت نفس املحكمة في قضية أخرى حائزا لبطاقة الائتمان وألاداء استعملها بصورة‬
‫تعسفية‪ ،‬وذلك استنادا للفصلين‪511‬و‪ 521‬من مجموعة القانون الجنائي املتعلقين‬
‫بالنصب وخيانة ألامانة‪ ،‬حيث تمت إدانتهم بثالثة سنوات حبسا‪ ،‬لكن القضاء أالستئنافي‬
‫برا ساحة املتهم بحجة أن العناصر املكونة لهذه الجرائم ال تتوفر في النازلة املعروضة‪])9[(.‬‬
‫وتبقى قضية فيروس ‪ZOTOB‬من أشهر القضايا التي عرضت على القضاء املغربي‪ ،‬نظرا‬
‫لحجم الخسائر الناجمة عن ألافعال املجرمة‪ ،‬وكذا لكون املواقع املعتدى عليها خاصة‬
‫بالكونجرس الامريكي‪ ،‬وكذا موااقع مؤسسات إعالمية ضخمة بالواليات املتحدة ألامريكية‪،‬‬

‫‪41‬‬
‫باإلضافة ملوقع مطار سان فرانسيسكو ألامريكي ومواقع عديدة ملستعملي ‪windows2000...‬‬
‫وقد اتهم في هذه القضية الشاب املغربي فريد الصبار(‪18‬سنة)كمتهم رئيس ي‪ ،‬ومتهم ثان‬
‫أشرف بهلول(‪21‬سنة)‪ ،‬وقد وجهت لهما تهمة تكوين عصابة إجرامية(افصل ‪ 293‬من‬
‫مجموعة القانون الجنائي)‪،‬وتهمة السرقة املوصوفة(الفصل‪519‬من م ق ج م)‪،‬وتهمة‬
‫استعمال بطاقات ائتمان مزورة(الفصل‪331‬من م ق ج م)‪،‬وتهمة الولوج غير املشروع لنظم‬
‫املعالجة آلالية للمعطيات وتزوير وثائق معلوماتية(الفصول ‪312-3‬و‪.)..312-2‬وقد أدانت‬
‫غرفة الجنايات الابتدائية‪ ،‬بملحقة محكمة الاستئناف بسال‪ ،‬فريد الصبار بسنتين حبس‬
‫نافذا‪ ،‬كما قضت بالحبس سنة واحدة في حق اشرف بهلول‪ ،‬لكن القرار الاستئنافي خفض‬
‫العقوبة إلى سنة واحدة حبسا نافذا في حق فريد الصبار‪،‬و‪3‬اشهر في حق اشرف‬
‫بهلول‪])11[(.‬‬
‫إذن أمام إلاشكاليات التي كان يجدها القاض ي املغربي‪ ،‬وخصوصا وجود فراغ تشريعي في‬
‫مجال مكافحة الجرائم املعلوماتية‪ ،‬اضطر املشرع املغربي إلى سن تشريعات حديثة أو‬
‫إضافة نصوص أخرى ملجموعة القانون الجنائي املغربي تتالءم وخصوصية الجريمة‬
‫املعلوماتية‪ ،‬وبالفعل شهد العقد الحالي طفرة تشريعية غير معهودة‪ ،‬شملت عموما كل ما‬
‫يتعلق بالتكنولوجيات الحديثة لإلعالم والاتصال([‪ ،)]11‬لكن ما يهمنا هو تلك التشريعات‬
‫أو النصوص املستحدثة ملكافحة الجرائم املعلوماتية‪.‬‬
‫وحتى نعالج بشكل شمولي التجربة التشريعية املغربية في هذا املجال‪ ،‬ارتأينا أوال أن نعرض‬
‫ملسألة مواجهة الجرائم املعلوماتية في ضوء مجموعة القانون الجنائي املغربي(املحور ألاول)‪،‬‬
‫قبل التطرق ملوضوع مواجهة الجرائم املعلوماتية في ضوء التشريعات املغربية ذات العالقة‬
‫باملعامالت الالكترونية(املحور الثاني‪).‬‬

‫املحور ألاول مواجهة الجريمة املعلوماتية في ضوء مجموعة القانون الجنائي املغربي‬

‫أوال‪ -‬القانون املغربي رقم ‪ 121-3‬املتعلق باإلخالل بسير نظم املعالجة آلالية للمعطيات‬
‫(الفصول‪ 312-3‬إلى ‪ 312-11‬من مجموعة القانون الجنائي املغربي)‬
‫اتخذت الجريمة املعلوماتية في اململكة املغربية خالل العقود ألاخيرة صورا متعددة‪ ،‬مما‬
‫دفع املشرع إلى سن تشريع مهم‪ ،‬لكونه صدر لسد الفراغ التشريعي في مجال مكافحة‬

‫‪42‬‬
‫الجرائم املعلوماتية‪ ،‬وهو القانون رقم ‪ 12-13‬بشأن تتميم مجموعة القانون الجنائي فيما‬
‫يتعلق باإلخالل بسير نظم املعالجة آلالية للمعطيات‪ ،‬ويحتوي هذا القانون على تسعة‬
‫فصول(من الفصل ‪ 312-3‬إلى الفصل‪ 312-11‬من مجموعة القانون الجنائي‬
‫املغربي)([‪ .)]12‬وأول ما يالحظ هو عدم قيام املشرع املغربي بوضع تعريف لنظام املعالجة‬
‫آلالية للمعطيات‪ ،‬ويبدو أن املشرع قصد ذلك‪ ,‬بحيث ترك ذلك للفقه والقضاء‪ ،‬هذا ألاخير‬
‫املكلف بتطبيق بنود هذا التشريع‪ ،‬ثم إن املجال املعلوماتي هو مجال حديث ومتجدد‪،‬‬
‫ً‬
‫وبالتالي فإن أي تعريف يتم وضعه قد يصبح متجاوزا فيما بعد‪ ,‬في ضوء التطور املذهل‬
‫لقطاع تكنولوجيات الاتصاالت واملعلومات‪ ،‬وعليه‪ ،‬فقد أحسن املشرع املغربي عند عدم‬
‫وضعه لتعريف خاص بنظام املعالجة آلالية للمعطيات‪.‬‬
‫وعند رجوعنا للقانون الفرنس ي مثال بشأن الغش املعلوماتي لسنة ‪ ،)]13[(1988‬نالحظ أن‬
‫هذا التشريع كذلك لم يحدد مفهوم نظام املعالجة آلالية للمعطيات‪ ،‬بل اقتصر على بيان‬
‫أوجه الانتهاكات املتعلقة بهذا النظام وعقوباتها‪.‬‬
‫ولعل القراءة الشمولية ملقتضيات هذا التشريع املغربي تمكننا من حصر ألافعال املجرمة‬
‫التالية‪:‬‬
‫‪1-‬الدخول الاحتيالي إلى مجموع أو بعض نظام للمعالجة آلالية للمعطيات‪.‬‬
‫‪2-‬البقاء في نظام للمعالجة آلالية للمعطيات بعد الدخول خطأ فيه‪.‬‬
‫‪3-‬حذف أو تغيير املعطيات املدرجة في نظام املعالجة آلالية للمعطيات أو التسبب في‬
‫اضطراب في سيره‪.‬‬
‫‪4-‬العرقلة العمدية لسير نظام املعالجة آلالية للمعطيات أو إحداث خلل فيه‪.‬‬
‫‪5-‬إدخال معطيات في نظام للمعالجة آلالية للمعطيات أو إتالفها أو حذفها منه أو تغيير‬
‫املعطيات املدرجة فيه‪ ،‬أو تغيير طريقة معالجتها أو طريقة إرسالها بشكل احتيالي‪.‬‬
‫‪6-‬التزوير أو التزييف لوثائق املعلوميات أيا كان شكلها إذا كان من شان التزوير أو التزييف‬
‫الحاق ضرر بالغير‪.‬‬
‫‪7-‬استعمال وثائق معلوميات مزورة أو مزيفة‪.‬‬
‫‪8-‬صنع تجهيزات أو أدوات أو إعداد برامج للمعلوميات أو أية معطيات أعدت أو اعتمدت‬
‫خصيصا ألجل ارتكاب هذه الجرائم أو تملكها أو حيازتها أو التخلي عنها للغير أو عرضها رهن‬
‫إشارة الغير‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫‪9-‬محاولة ارتكاب الجرائم املذكورة‪.‬‬
‫‪10-‬املشاركة في عصابة أو اتفاق ألجل إلاعداد لواحدة أو أكثر من هذه الجرائم‪])11[(.‬‬
‫*قراءة تحليلية لنصوص القانون املغربي رقم‪12-13‬‬
‫ينص الفصل ‪ 312-3‬على ما يلي (يعاقب بالحبس من شهر إلى ثالثة أشهر وبالغرامة من‬
‫‪ 2111‬إلى ‪ 11111‬درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل من دخل إلى مجموع أو بعض‬
‫نظام املعالجة آلالية للمعطيات عن طريق الاحتيال‪.‬‬
‫ويعاقب بنفس العقوبة من بقي في نظام للمعالجة آلالية للمعطيات أو في جزء منه‪ ,‬كان قد‬
‫دخله عن طريق الخطأ وهو غير مخول له حق دخوله‪.‬‬
‫تضاعف العقوبة إذا نتج عن ذلك حذف أو تغيير املعطيات املدرجة في نظام للمعالجة‬
‫آلالية للمعطيات‪ ,‬أو اضطراب في سيره)‪.‬‬
‫إذن نالحظ أن الفقرة ألاولى من هذا الفصل‪ ,‬تجرم الدخول إلى مجموع أو بعض نظام‬
‫املعالجة آلالية للمعطيات‪ ،‬لكن يجب أن يتم ذلك عن طريق الاحتيال‪ ،‬وعليه فإن اشتراط‬
‫هذا ألاخير لقيام الجريمة‪ ,‬يعني أن الجريمة هنا عمدية‪ ،‬ثم إن املشرع املغربي لم يشترط في‬
‫هذا النص القانوني كون النظام محميا أم ال‪ ،‬ولم يشترط حدوث النتيجة إلاجرامية‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فاملشرع يجرم كل حالة يدخل فيها شخص إلى نظام املعالجة آلالية للمعطيات ‪،‬‬
‫ً‬
‫وبالتالي ففعل الدخول وحده بدون حق مجرم قانونا ‪ ،‬وقد عاقب املشرع املغربي مقترف‬
‫هذه الجريمة – حسب الفقرة ألاولى من الفصل ‪ – 312-3‬بالحبس من شهر إلى ثالثة أشهر‬
‫وبالغرامة من ‪ 2111‬إلى ‪ 11111‬أو بإحدى هاتين العقوبتين‪.‬‬
‫أما الفقرة الثانية من الفصل‪ 312-3‬فتعاقب على البقاء في النظام املعلوماتي أو في جزء‬
‫منه‪ ,‬إذا كان دخول الجاني لهذا النظام قد تم عن طريق الخطأ‪ ,‬وهو غير مخول له حق‬
‫دخوله‪ ،‬ويعاقب على هذه الجريمة بنفس العقوبة املقررة في الفقرة ألاولى‪.‬‬
‫أما الفقرة الثالثة من نفس املادة فتضاعف العقوبة املقررة‪ ،‬إذا نتج عن فعل الدخول أو‬
‫البقاء حذف أو تغيير املعطيات املدرجة في نظام املعالجة آلالية للمعطيات أو اضطراب في‬
‫سيره‪])15[(.‬‬
‫أما الفصل ‪ 312-1‬فينص على ما يلي‪:‬‬
‫(دون إلاخالل باملقتضيات الجنائية ألاشد‪ ,‬يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين‬
‫وبالغرامة من ‪ 11111‬إلى ‪ 111111‬درهم كل من ارتكب ألافعال املشار إليها في الفصل‬

‫‪44‬‬
‫السابق في حق مجموع أو بعض نظام للمعالجة آلالية للمعطيات يفترض أنه يتضمن‬
‫معلومات تخص ألامن الداخلي أو الخارجي للدولة أو أسرارا تهم الاقتصاد الوطني‪.‬‬
‫دون إلاخالل باملقتضيات الجنائية ألاشد‪ ,‬ترفع العقوبة إلى الحبس من سنتين إلى خمس‬
‫سنوات وبالغرامة من ‪ 111111‬إلى ‪ 211111‬درهم إذا نتج عن ألافعال املعاقب عليها في‬
‫الفقرة ألاولى من هذا الفصل تغيير املعطيات املدرجة في نظام للمعالجة آلالية للمعطيات أو‬
‫حذفها أو اضطراب في سير النظام‪ ,‬أو إذا ارتكبت ألافعال من طرف موظف أو مستخدم‬
‫أثناء مزاولة مهامه أو بسببها‪ ,‬أو إذا سهل للغير القيام بها)‪.‬‬
‫إذن‪ ,‬نالحظ بأن املشرع املغربي من خالل هذا الفصل في فقرته ألاولى‪ ,‬قد حدد عقوبة أشد‬
‫ً‬
‫من تلك الواردة بالفصل السابق‪ ،‬وهذا طبيعي نظرا لقيمة املعلومات محل الحماية‬
‫الجنائية‪ ،‬حيث إنها تتعلق باألمن الداخلي أو الخارجي للدولة أو متعلقة بأسرار مرتبطة‬
‫باالقتصاد الوطني‪ ،‬فمثل هذه املعلومات يمثل الاعتداء عليها اعتداءا على مقومات الدولة‬
‫من الناحية السياسية‪ ,‬أو الاجتماعية‪ ,‬أو الاقتصادية‪.‬‬
‫وقد شدد املشرع العقوبة في حالة ما إذا أدى فعل الدخول‪ ,‬أو البقاء غير املشرع داخل‬
‫النظام‪ ،‬إلى تغيير أو حذف املعطيات أو اضطراب في سير النظام‪ ،‬وتشدد العقوبة كذلك في‬
‫حالة ارتكاب ألافعال املذكورة في الفقرة ألاولى من الفصل ‪ 312-1‬من طرف موظف أو‬
‫مستخدم أثناء مزاولة مهامه أو بسببها‪ .‬وقد حدد املشرع العقوبة في مثل هذه الحاالت‪ ،‬في‬
‫الحبس من سنتين إلى خمس سنوات والغرامة من ‪ 111111‬إلى ‪ 211111‬درهم كما جاء في‬
‫الفقرة الثانية من الفصل ‪ ،1/312‬في حين أن الفقرة ألاولى حددت العقوبة في الحبس من‬
‫ستة أشهر إلى سنتين والغرامة من ‪ 11111‬إلى ‪ 111111‬درهم مغربي‪.‬‬
‫أما الفصل ‪ 312-5‬فينص على ما يلي‪:‬‬
‫(يعاقب بالحبس من سنة إلى ثالث سنوات وبالغرامة من ‪ 11111‬إلى ‪ 211111‬درهم أو‬
‫ً‬
‫بإحدى هاتين العقوبتين كل من عرقل عمدا سير نظام للمعالجة آلالية للمعطيات أو أحدث‬
‫فيه إخالال)‬
‫يالحظ أن هذا الفصل قد عاقب على عرقلة سير نظام املعالجة آلالية للمعطيات‪ ،‬والعرقلة‬
‫ً‬
‫قد تتخذ صورا كثيرة منها‪ :‬إرسال الفيروسات املدمرة للمعطيات املوجودة داخل النظام‪،‬‬
‫وقد حدد املشرع عقوبة هذا الفعل في الحبس من سنة إلى ثالث سنوات والغرامة من‬
‫‪ 111111‬إلى ‪ 211111‬درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين‪ .‬ويبدو جليا من خالل هذا الفصل‬

‫‪45‬‬
‫أن املشرع املغربي اشترط العمد لقيام الجريمة‪ ,‬وبالتالي البد أن تتجه إرادة الجاني إلى‬
‫عرقلة سير نظام املعالجة مع علمه بذلك‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى عاقب املشرع املغربي كذلك من خالل هذا الفصل على فعل إحداث خلل‬
‫ً‬
‫في نظام للمعالجة آلالية للمعطيات‪ ،‬والخلل قد يتخذ صورا متعددة من بينها بطئ عمل‬
‫النظام املعلوماتي أو توقف املعالجة آلالية للمعطيات‪ ،‬ويعاقب على هذا الفعل بنفس‬
‫العقوبة املقررة للعرقلة‪.‬‬
‫أما الفصل ‪ 312-3‬فينص على ما يلي‪:‬‬
‫)يعاقب بالحبس من سنة إلى ثالث سنوات والغرامة من ‪ 11111‬إلى ‪ 211111‬درهم أو‬
‫بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل من أدخل معطيات في نظام للمعالجة آلالية للمعطيات‬
‫غير طريقة معالجتها أو طريقة‬ ‫غير املعطيات املدرجة فيه‪ ،‬أو ّ‬ ‫أو أتلفها أو حذفها منه أو ّ‬
‫إرسالها عن طريق الاحتيال(‪.‬‬
‫يبدو أن املشرع املغربي‪-‬في رأينا‪ -‬سار على نهج املشرع الفرنس ي املذكور سلفا‪ ,‬والذي خصص‬
‫ً‬
‫املادة ‪ 323-3‬لتجريم إدخال معطيات غشا داخل نظام املعالجة آلالية للمعطيات أو حذف‬
‫أو تعديل هذه املعطيات املوجودة داخل هذا النظام‪ )]13[(.‬لكن املالحظ هو أن املشرع‬
‫جرم كذلك مسألة تغيير طريقة معالجة أو إرسال‬ ‫املغربي من خالل الفصل ‪ّ 312-3‬‬
‫املعطيات عن طريق الاحتيال‪ .‬وقد حدد املشرع عقوبة الجريمة املذكورة في هذا الفصل في‬
‫الحبس من سنة إلى ثالث سنوات والغرامة من ‪ 11111‬إلى ‪ 211111‬أو إحدى العقوبتين‪.‬‬
‫وملواجهة ظاهرة التزوير املعلوماتي جرم املشرع املغربي فعل تزوير أو تزييف الوثائق‬
‫املعلوماتية‪ ,‬إذا أدى ذلك إلى إحداث ضرر بالغير‪ ،‬بحيث إن الفصل ‪ 312-2‬نص على ما‬
‫يلي‪:‬‬
‫)دون إلاخالل باملقتضيات الجنائية ألاشد‪ ,‬يعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات‬
‫وبالغرامة من ‪ 11111‬إلى ‪ 1111111‬درهم كل من ّزور أو زّيف وثائق املعلوميات أيا كان‬
‫شكلها إذا كان من شأن التزوير أو التزييف إلحاق ضرر بالغير‪.‬‬
‫دون إلاخالل باملقتضيات الجنائية ألاشد ‪ ،‬تطبق نفس العقوبة‪ ،‬على كل من استعمل‬
‫وظائف املعلوميات املشار إليها في الفقرة السابقة وهو يعلم أنها مزورة او مزيفة(‪.‬‬
‫يبدو من خالل الفصل املذكور‪ ,‬أن جريمة التزوير املعلوماتي هي جريمة عمدية‪ ,‬سواء تلك‬
‫املذكورة في الفقرة ألاولى‪ ,‬والخاصة بتزوير أو تزييف الوثيقة املعلوماتية إذا كان ذلك يضر‬

‫‪46‬‬
‫بالغير‪ ،‬أو تلك املذكورة في الفقرة الثانية‪ ,‬والخاصة باستعمال الوثيقة املعلوماتية املزورة‪,‬‬
‫مع العلم بطبيعتها املزورة أو املزيفة‪.‬‬
‫·ومن وجهة نظرنا نرى أنه يحسب للمشرع املغربي أن استغل فرصة إصدار تشريع‬
‫ً‬
‫معلوماتي‪ ،‬ووضع نصا قانونيا يجرم فيه التزوير الالكتروني أو املعلوماتي‪ ،‬ألنه قبل صدور‬
‫هذا القانون لم يكن من املمكن باملغرب الحديث عن تزوير إال في ظل كتابة تقليدية‪ ،‬أما‬
‫آلان فإن القضاء املغربي يملك آلية قانونية يمكن بموجبها متابعة الجاني الذي زور وثائق‬
‫معلوماتية‪ ،‬ثم إن النص لم يحدد شكل هذه الوثائق‪ ،‬وبالتالي يمكن – بدون شك –‬
‫املتابعة عن فعل صنع بطاقات الائتمان املزورة‪ ,‬أو التزوير في مجال العقود إلالكترونية‬
‫وغيرها … فكل ذلك يصب في إطار توفير حماية قانونية للمعامالت إلالكترونية‪.‬‬
‫أما فيما يخص املحاولة أو الشروع في الجرائم الواردة بهذا القانون‪ ،‬فقد جعل املشرع‬
‫ً‬
‫املغربي عقوبة املحاولة مماثلة لتلك املطبقة على الجريمة التامة‪ ،‬ويبدو ذلك جليا من خالل‬
‫الفصل ‪ 312-8‬الذي ينص‪:‬‬
‫(يعاقب على محاولة ارتكاب الجنح املنصوص عليها في الفصول ‪ 312-3‬إلى ‪ 312-2‬أعاله‬
‫والفصل ‪ 312-11‬بعده بالعقوبة املطبقة على الجريمة التامة)‪.‬‬
‫أما الفصل ‪ 312-9‬فينص على ما يلي‪:‬‬
‫( تطبق عقوبة نفس الجريمة املرتكبة أو العقوبة املطبقة على الجريمة ألاشد على كل من‬
‫اشترك في عصابة أو اتفاق تم ألجل إلاعداد لواحدة أو أكثر من الجرائم املنصوص عليها في‬
‫هذا الباب إذا تمثل إلاعداد في فعل أو أكثر من ألافعال املادية)([‪])12‬‬
‫يبدو من صياغة نص الفصل املذكور‪ ,‬أن الاشتراك في عصابة أو اتفاق لإلعداد لجريمة أو‬
‫أكثر من الجرائم الواردة في هذا القانون‪ ،‬يجب أن يظهر من خالل فعل أو أفعال مادية‪،‬‬
‫ومن بين ألامثلة الواقعية لذلك نجد مثال إعداد فيروس مخصص لتدمير نظام ملعالجة‬
‫املعطيات أو إعطاء كروت بنكية ملزور من أجل فك شفراتها‪.‬‬
‫ونشير إلى أن جريمة الاشتراك في عصابة أو اتفاق‪ ,‬واملذكورة في الفصل ‪ ،312-9‬يجب أن‬
‫يتوافر فيها العمد لقيامها‪ ,‬وبالتالي البد أن تتجه إرادة الجاني إلى النشاط الحقيقي للعصابة‬
‫أو ذلك الاتفاق‪.‬‬
‫أما الفصل ‪ 312-11‬فينص على ما يلي (يعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات‬
‫والغرامة من ‪ 51111‬إلى ‪ 2111111‬درهم كل من صنع تجهيزات أو أدوات أو أعد برامج‬

‫‪47‬‬
‫للمعلوميات أو أية معطيات أعدت أو اعتمدت خصيصا ألجل ارتكاب الجرائم املعاقب عليها‬
‫في هذا الباب أو تملكها أو حازها أو تخلي عنها للغير أو عرضها أو وضعها رهن إشارة الغير)‬
‫وقد اختتم املشرع املغربي الباب العاشر الخاص باملس بنظم املعالجة آلالية للمعطيات‬
‫بالفصل ‪ 312-11‬والذي ينص على‪:‬‬
‫(يجوز للمحكمة مع مراعاة حقوق الغير حسن النية أن تحكم بمصادرة ألادوات التي‬
‫استعملت في ارتكاب الجرائم املنصوص عليها في هذا الباب واملتحصل عليها منها‪.‬‬
‫يمكن عالوة على ذلك الحكم على الفاعل بالحرمان من ممارسة واحد أو أكثر من الحقوق‬
‫املنصوص عليها في الفصل ‪ 11‬من هذا القانون ملدة تتراوح بين سنتين وعشر سنوات‪.‬‬
‫يمكن أيضا الحكم بالحرمان من مزاولة جميع املهام والوظائف العمومية ملدة تتراوح بين‬
‫سنتين وعشر سنوات وبنشر أو بتعلق الحكم الصادر باإلدانة)‪.‬‬
‫إن هذا النص يعطي للمحكمة الحق في إمكانية الحكم بمجموعة من العقوبات‬
‫التكميلية([‪ )]18‬كمصادرة ألادوات املستعملة في ارتكاب الجرائم املشار إليها في هذا القانون‬
‫أو ألادوات املتحصل عليها من هذه الجرائم‪ ،‬ويمكن للمحكمة كذلك بموجب الفقرة الثانية‬
‫من الفصل ‪ 312-11‬الحكم على الجاني بالحرمان من ممارسة الحقوق الواردة في الفصل‬
‫‪)]19[(11‬من القانون الجنائي املغربي ملدة تتراوح بين سنتين وعشر سنوات‪ .‬ولإلشارة فان‬
‫هذه الحقوق تتجلي في الحقوق الوطنية أو املدنية أو العائلية املنصوص عليها في الفصل‬
‫‪])21[( .23‬‬
‫ويمكن للمحكمة كذلك الحكم على الجاني بالحرمان من مزاولة أية وظيفة عمومية ملدة‬
‫تتراوح بين سنتين إلى عشر سنوات‪ .‬وكذلك يمكن للمحكمة بعد صدور الحكم أن تحكم‬
‫بنشر أو تعليق الحكم الصادر باإلدانة‪.‬‬
‫*وفي ألاخير نرى أن مصطلح ألادوات الوارد في الفصل املذكور‪ ,‬يعني في اللغة املعلوماتية كل‬
‫ما هو مادي‪ ،‬دون أن يشمل ذلك البرامج املعلوماتية والتي تكون دائما أكثر قيمة وأهمية‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬القانون املغربي رقم ‪ 13-13‬املتعلق بمكافحة إلارهاب([‪()]21‬الفصول‪218-1‬الى‪218-9‬‬
‫من مجموعة القانون الجنائي املغربي)‬
‫فطن املشرع املغربي لخطورة انتشار إلاجرام املعلوماتي وأثر ذلك على امن واستقرار املجتمع‬
‫املغربي‪ ،‬وقد ظهر ذلك مع عرض مشروع القانون املتعلق باإلرهاب على مجلس الوزراء‬

‫‪48‬‬
‫بتاريخ‪ 13‬يناير‪ ،)]22[(2113‬حيث وردت ألول مرة إلاشارة إلى إمكانية ارتكاب أفعال‬
‫إجرامية إرهابية عن طريق املعالجة آلالية للمعطيات‪])23[(.‬‬
‫وما يلفت النظر هو أن القانون املغربي رقم‪ 13-13‬املتعلق باإلرهاب يعد أول تشريع مغربي‬
‫يشير بشكل صريح لإلجرام املعلوماتي كوسيلة للقيام بأفعال إرهابية لها عالقة عمدية‬
‫بمشروع فردي أو جماعي يهدف إلى املس الخطير بالنظام العام بواسطة التخويف أو‬
‫الترهيب أو العنف‪ ،‬فالفصل ‪ 218-1‬حدد بعض ألافعال املجرمة على سبيل الحصر‪ ،‬من‬
‫بينها الجرائم املتعلقة بنظم املعالجة آلالية للمعطيات(الفقرة‪ ،)]21[()2‬وذلك بعد محاولة‬
‫تحديد مفهوم إلارهاب في مستهل هذا الفصل‪.‬‬
‫لكن إلاشارة في الفقرة‪ 2‬من الفصل ‪ 1-218‬إلى الجرائم املتعلقة بنظم املعالجة آلالية‬
‫للمعطيات كنمط من أنماط الجرائم إلارهابية طرح في ذلك الوقت التساؤل حول ألاساس‬
‫القانوني للجرائم املتعلقة بنظم املعالجة آلالية للمعطيات‪ ،‬بحيث أن القانون الجنائي‬
‫املغربي لم يكن يحتوي على تكييفات خاصة بهذا النوع من الجرائم‪ ،‬لذلك أسرع املشرع‬
‫املغربي بتبني قانون خاص بهذا النمط الجديد من الجرائم‪ ،‬حيث تم ذلك عبر القانون –‬
‫الذي تمت دراسته سلفا‪ -‬رقم ‪ 12-13‬املتعلق باإلخالل بسير نظم املعالجة آلالية‬
‫للمعطيات‪ ،‬وبالتالي أصبح هذا القانون بمثابة مرجعية قانونية للفصل‪ 218-1‬من قانون‬
‫إلارهاب‪ ،‬يراعي خصوصية إلاجرام املعلوماتي بفضل صدور التشريع املغربي الجديد رقم‪-31‬‬
‫‪ 12‬املذكور سابقا‪.‬‬
‫وباستقراء القانون املغربي املتعلق بمكافحة إلارهاب نستشف أن املشرع عاقب من خالل‬
‫الفقرة‪)]25[(8‬من الفصل ‪ 1-218‬على كل تزوير أو تزييف للشيكات أو أي وسيلة أداء أخرى‬
‫تمت إلاشارة إليها في املادتين‪313‬و‪ 331‬من مدونة التجارة املغربية‪ .‬وبرجوعنا للمادة ‪ 331‬من‬
‫املدونة املذكورة نجدها متعلقة بموضوع الدراسة‪ ،‬بحيث فرضت العقوبات املنصوص عليها‬
‫في املادة ‪ 313‬في حالة تزوير أو تزييف وسيلة أداء‪ ،‬أو استعمالها أو محاولة ذلك‪ ،‬وحتى‬
‫قبول ألاداء‪-‬عن علم‪-‬بوسيلة أداء مزيفة أو مزورة‪.‬وبطبيعة الحال يدخل ضمن وسائل ألاداء‬
‫املشار إليها وسائل ألاداء الحديثة مثل بطاقات الدفع الالكتروني‪.‬‬
‫ومما تجدر إلاشارة إليه عند الحديث عن القانون املغربي رقم ‪ 13-13‬املتعلق بمكافحة‬
‫إلارهاب أن الفصل‪ 218-2‬منه عاقب على استعمال وسائل إلاعالم ومنها الالكترونية في‬
‫إلاشادة باألعمال إلارهابية‪ ،‬وقد حدد الفصل املذكور العقوبة في الحبس من سنتين الى‬

‫‪49‬‬
‫ست سنوات وبغرامة بين ‪ 11‬أالف و‪ 211‬ألف درهم‪)]23[(.‬ومعلوم أن وسائل إلاعالم‬
‫الالكترونية متعددة من أبرزها الشبكة الدولية للمعلومات‪-‬الانترنت‪-.‬‬
‫ثالثا‪-‬القانون رقم ‪ 21-13‬املتعلق بتعزيز الحماية الجنائية للطفل واملرأة‪()]22[(.‬الفصل‪-1‬‬
‫‪ 513‬والفصل‪ 513-2‬من مجموعة القانون الجنائي املغربي)‬
‫لقد شكلت سنة ‪ 2113‬مصادفة محطة زمنية لالهتمام باإلجرام املعلوماتي باملغرب‪ ،‬بحيث‬
‫تم تمت إضافة جديدة للترسانة التشريعية املغربية فيما يخص مكافحة هذا النمط‬
‫الجديد من الجرائم‪ ،‬بحيث صدر في نفس السنة القانون رقم ‪ 21-13‬املتعلق بتعزيز‬
‫الحماية الجنائية للطفل واملرأة‪ ،‬وقد عمل هذا التشريع على تغيير وتتميم بعض نصوص‬
‫مجموعة القانون الجنائي املغربي خصوصا فيما يخص الجرائم املاسة بنظام ألاسرة‬
‫وألاخالق العامة‪])28[(.‬‬
‫وباستقراء مقتضيات هذا التشريع ‪ ،‬نالحظ ان هناك فصلين مرتبطين بموضوع هذه‬
‫الدراسة‪ ،‬وهما الفصل‪ 513-1‬والفصل‪ ،513-2‬فالفصل ‪ 513-1‬من املجموعة الجنائية‬
‫املغربية مأل فراغا تشريعيا‪ ،‬بحيث عاقب على جريمة التحرش الجنس ي‪ .‬وفي رأينا قد جاء‬
‫هذا النص بصيغة تسمح للقاض ي بتطبيقه على كل صور التحرش الجنس ي التي تقع عبر‬
‫وسائل الاتصال الحديثة كاالنترنت‪.‬وقد حدد هذا الفصل العقوبة من سنة الى سنتين‬
‫حبسا والغرامة من خمسة أالف إلى خمسين الف درهم‪])29[(.‬‬
‫أما الفصل ‪ 513-2‬من املجموعة الجنائية املغربية فقد جرم كل صور التحريض أو‬
‫التشجيع أو تسهيل استغالل أطفال تقل سنهم عن ثمان عشرة سنة في مواد اباحية‪ ،‬وهو‬
‫ما يصطلح عليه في مجال القانون املعلوماتي بالبورنوغرافية الطفولية([‪ )]31‬التي تستخدم‬
‫فيها الوسائل املعلوماتية بشكل مكثف‪ ،‬والحقيقة يحسب للمشرع املغربي انه استغل‬
‫فرصة إصدار القانون رقم ‪ 21-13‬بإضافة هذا الفصل املهم بعقوبات مشددة‪ ،‬والذي‬
‫يحقق بدون شك حماية فعالة للطفل املغربي من مخاطر املواد إلاباحية الطفولية املوجودة‬
‫في مواقع الانترنت على وجه الخصوص‪ ،‬وبالتالي يمأل فراغا تشريعيا في مجموعة القانون‬
‫الجنائية املغربي‪])31[(.‬‬
‫املحور الثاني‪:‬مواجهة الجريمة املعلوماتية في ضوء التشريعات املغربية ذات الصلة‬
‫باملعامالت الالكترونية‬

‫‪51‬‬
‫أوال‪ :‬القانون املغربي رقم ‪ 19-18‬املتعلق بحماية ألاشخاص الذاتيين تجاه معالجة املعطيات‬
‫ذات الطابع الشخص ي الصادر بتاريخ ‪ 18‬فبراير ‪])32[(2119‬‬
‫تثير املعامالت إلالكترونية مشكالت عديدة بشأن توفير الحماية القانونية للمستهلك عند‬
‫قيامه بالتعاقد الالكتروني‪ ،‬ومن أهم هذه املشكالت تلك املتعلقة بحمايته من إلاطالع على‬
‫بياناته الاسمية أو الشخصية([‪)]33‬التي يقدمها قبل أو أثناء عملية إبرام العقد‪ ،‬كما يتم‬
‫الوصول إلى البيانات الشخصية للمستهلك عن طريق تتبع استخدامه لالنترنت للكشف عن‬
‫رغباته‪ ،‬ولذلك كان املستهلك في حاجة لتوفير حماية قانونية للبيانات الاسمية أو‬
‫الشخصية‪ ،‬ويستخدم بعض التجار البيانات الاسمية والعناوين الالكترونية عبر الانترنت‬
‫إلغراق املستخدمين بالدعاية ملنتجاتهم‪ ،‬بما قد يؤدى إلى إعاقة شبكة الاتصاالت أحيانا‪،‬‬
‫باإلضافة إلى تحمل املستهلكين لتكاليف باهظة بسبب إنزال الدعاية التي تتخذ شكل البريد‬
‫الالكتروني وإلاطالع عليها([‪ ،)]31‬ويمكن استخدام املعلومات التي تمت معالجتها في غير‬
‫ألاغراض املخصصة لها ‪ ،‬مما أدى إلى املطالبة إلى أن تكون املعامالت غير اسمية‪ ،‬وان تكون‬
‫عملية تتبع ألاثر خاضعة للمراقبة([‪،)]35‬خصوصا انه ظهرت جهات متخصصة في التعامل‬
‫والاتجار في البيانات الشخصية املتواجدة على قواعد البيانات الخاصة ببعض‬
‫الجهات‪])33[(.‬‬
‫وبخصوص تحديد مفهوم البيانات الشخصية اختلف الفقه القانوني في تحديدها فمثال‬
‫البعض يرى بان هذه البيانات هي تلك املتعلقة بالحياة الخاصة للفرد‪ ،‬كتلك الخاصة‬
‫بحالته الصحية واملالية واملهنية والوظيفية والعائلية‪)]32[(.‬ويرى البعض بان البيانات‬
‫الشخصية تتفرع ألنواع‪ :‬فهناك بيانات تتعلق بحرمة الحياة الخاصة لإلنسان‪ ،‬وهناك‬
‫بيانات تسمح برسم صورة التجاهاته وميوله‪ ،‬ومنها تلك املتعلقة باتجاهاته السياسية‬
‫ومعتقداته الدينية وتعامالته املالية والبنكية وجنسيته وهوايته([‪]).38‬‬
‫وقد أصبحت البيانات الشخصية املعالجة الكترونيا ذات أهمية على املستوى الدولي‪ ،‬وهذا‬
‫ما جعل ألامم املتحدة تتبنى عام ‪ 1989‬دليال يتعلق باستخدام الحوسبة في عملية تدفق‬
‫البيانات الشخصية ‪ ،‬وبتاريخ ‪ ,1991/12/11‬تبنت الهيئة العامة دليل تنظيم استخدام‬
‫املعالجة آلالية للبيانات الشخصية ([‪]).39‬‬
‫وقد سار املشرع املغربي مع التوجه التشريعي في العديد من الدول التي تهدف تحقيق حماية‬
‫فعالة للبيانات الشخصية‪ ،‬فأصدر القانون رقم ‪ 19-18‬املتعلق بحماية ألاشخاص الذاتيين‬

‫‪51‬‬
‫تجاه معالجة املعطيات ذات الطابع الشخص ي بتاريخ ‪ 18‬فبراير ‪ ،)]11[(2119‬ويتضمن هذا‬
‫التشريع ‪ 51‬مادة موزعة على ثمانية أبواب‪.‬وتبدو أهمية هذا القانون في كونه سيساهم في‬
‫تقوية ثقة املستهلك املغربي في املعامالت الالكترونية والاستفادة من مزايا التجارة‬
‫الالكترونية‪ ،‬وسيشكل هذا التشريع كذلك أداة هامة لحماية الحياة الخاصة والبيانات‬
‫الشخصية للمواطن املغربي خصوصا في مجال املعلوميات‪ ،‬وقد أوضح املشرع ذلك صراحة‬
‫في مستهل املادة ألاولى من هذا القانون‪ ،‬بحيث تنص املادة ألاولى‪:‬‬
‫(املعلوميات في خدمة املواطن وتتطور في إطار التعاون الدولي‪ .‬ويجب الا تمس بالهوية‬
‫والحقوق والحريات الجماعية أو الفردية لإلنسان‪.‬وينبغي أال تكون أداة إلفشاء أسرار الحياة‬
‫الخاصة للمواطنين‪............).‬‬
‫وقد جاءت املادة ألاولى بمجموعة من التعريفات لبعض املصطلحات ذات العالقة بتطبيق‬
‫هذا التشريع الجديد‪ ،‬نختار منها مصطلح معطيات ذات طابع شخص ي([‪)]11‬ومصطلح‬
‫معالجة([‪ .)]12‬ففيما يخص املصطلح ألاول فيمكن تعريفه وفق املادة املذكورة بكونه كل‬
‫معلومة كيفما كان نوعها بغض النظر عن دعامتها‪ ،‬بما في ذلك الصوت والصورة‪ ،‬واملتعلقة‬
‫بشخص ذاتي معرف أو قابل للتعرف عليه‪.‬أما املصطلح الثاني فيعني وفق نفس املادة كل‬
‫عملية أو مجموعة من العمليات تنجز بمساعدة طرق آلية أو بدونها وتطبق على معطيات‬
‫ذات طابع شخص ي‪ ،‬مثل التجميع أو التسجيل أو الحفظ أو املالءمة أو التغيير أو الاستخراج‬
‫أو الاطالع‪....‬‬
‫وقد نص هذا التشريع على إحداث اللجنة الوطنية ملراقبة حماية املعطيات ذات الطابع‬
‫الشخص ي([‪ ،)]13‬وهذه اللجنة هي املكلفة بتفعيل أحكام هذا القانون والسهر على التقيد‬
‫به‪ ،‬وضبط عمل املسؤولين عن معالجة املعطيات الشخصية باملغرب(املادة‪).22‬‬
‫وما يهمنا ضمن القانون املغربي رقم ‪ 19-18‬هو الباب السابع الخاص بالعقوبات‪ ،‬والذي‬
‫جاء بمجموعة من النصوص التي تحمي عمليات املعالجة وتحمي املعطيات الشخصية‬
‫املعالجة‪ ،‬ومن أهم املواد نجد املادة‪ 53‬التي عاقبت بالغرامة من ‪21111‬درهم إلى ‪211111‬‬
‫درهم في حالة رفض املسؤول عن املعالجة حقوق الولوج أو التصريح أو التعرض املنصوص‬
‫عليها في املواد‪ 2‬و ‪ 8‬و‪ 9‬من القانون رقم ‪])11[(.19- 18‬‬
‫كما جرمت املادة ‪ 33‬عملية نقل معطيات ذات طابع شخص ي نحو دولة أجنبية خرقا‬
‫ألحكام املادتين ‪13‬و‪ 11‬من هذا القانون‪])15[(.‬‬

‫‪52‬‬
‫كما نجد هذا التشريع الجديد تطرق للحاالت التي تؤدي لالستعمال التعسفي أو التدليس ي‬
‫للمعطيات املعالجة أو إيصالها ألغيار غير مؤهلين من طرف املسؤول عن املعالجة او كل‬
‫معالج من الباطن أو كل شخص مكلف‪-‬بفعل مهامه‪-‬بمعالجة معطيات ذات طابع شخص ي‪،‬‬
‫وقد حددت العقوبة من ‪ 3‬أشهر إلى سنة وبغرامة من ألف درهم إلى ‪ 311‬ألف درهم‪])13[(.‬‬
‫أما املادة‪ )]12[(33‬فقد عاقبت كل مسؤول عن املعالجة في حالة رفضه تطبيق قرارات‬
‫اللجنة الوطنية‪ ،‬املذكورة سلفا‪ ،‬والتي أحدثها القانون املغربيرقم‪.19-18‬‬
‫وتجدر إلاشارة إلى انه وفق التشريع املذكور تضاعف عقوبات الغرامة الواردة في نصوص‬
‫هذا التشريع إذا كان مرتكب إحدى املخالفات شخصا معنويا‪ ،‬دون املساس بالعقوبات التي‬
‫قد تطبق على املسيرين‪.‬مع إمكانية معاقبة الشخص املعنوي باملصادرة وإلاغالق‪])18[(.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الحماية الجنائية للمصنفات الرقمية في إطار القانون رقم ‪ 12-11‬املتعلق بحقوق‬
‫املؤلف والحقوق املجاورة‪.‬‬
‫أثر تطور قطاع املعلومات والاتصال بشكل فاعل على مختلف قواعد النظام القانوني‬
‫ومرتكزاته‪ ،‬وكان أثرها ألاوضح في حقل امللكية الفكرية‪ ،‬وتحديدا فيما يتصل بتوفير‬
‫الحماية للمصنفات الجديدة التي أفرزتها ثورة املعلومات والتقدم العلمي في حقلي الحاسب‬
‫آلالي والاتصاالت‪ ،‬أو توفير الحماية ملختلف أنماط املصنفات املحمية بسبب ما أتاحته‬
‫التقنية من سهولة الاعتداء عليها‪.‬‬
‫ومن الوجهة القانونية‪ ،‬تعاملت الدراسات القانونية والقواعد التشريعية مع املصنفات‬
‫املعلوماتية الجديدة بوصفها مصنفات جديرة بالحماية شأنها شأن املصنفات التقليدية‪،‬‬
‫وقد شملت هذه املصنفات الحديثة ابتداء من منتصف أوائل السبعينات وحتى وقتنا‬
‫الحاضر ثالثة أنواع من املصنفات‪ :‬البرمجيات‪ ،‬وقواعد البيانات([‪ )]19‬وطبوغرافيا الدوائر‬
‫املتكاملة‪ ،‬وقد ظهرت أنماط جديدة من املصنفات تثير مسألة الحاجة إلى الحماية القانونية‬
‫وهي ‪ :‬أسماء الحقول أو املجاالت على شبكة الانترنت‪ ،‬وعناوين البريد الالكتروني‪ ،‬وقواعد‬
‫البيانات على الخط التي تضمها مواقع الانترنت([‪ ،)]51‬وهو تطور ملفهوم قواعد البيانات‬
‫الذي كان سائدا السائدة قبل انتشار الشبكات‪ ،‬هذا املفهوم الذي كان ينحصر في أنها‬
‫مخزنة داخل النظام‪ ,‬أو تنقل على وسائط مادية تحتويها‪ ،‬بل امتد هذا املفهوم ليشمل كل‬
‫مادة أو محتوى موقع الانترنت من نصوص ورسوم وأصوات ومؤثرات حركية‪])51[.‬‬

‫‪53‬‬
‫*مواجهة املشرع املغربي لجريمة تقليد برامج الحاسب آلالي(كصورة من صور الاعتداء على‬
‫املصنفات الرقمية)‬
‫أقرت أغلب التشريعات حماية برامج الحاسب آلالي بقانون حق املؤلف‪ ،‬بحيث أدرجت‬
‫برامج الحاسب آلالي ضمن املصنفات الفكرية الخاضعة لنصوص قانون حق‬
‫املؤلف([‪ ،)]52‬فلم يعد ألامر كما كان من قبل متعلقا بالبحث عن مدى اعتبار برنامج‬
‫الحاسب آلالي مصنفا مبتكرا أم ال‪ ،‬فقد تم حسم ألامر من خالل مواقف املشرع الصريحة‬
‫بالنص على حماية برامج الحاسب آلالي بقانون حق املؤلف ومنها القانون املغربي رقم ‪2-11‬‬
‫املتعلق بحقوق املؤلف والحقوق املجاورة([‪ ،)]53‬وتبقى جريمة تقليد هذه البرامج من أهم‬
‫صور الاعتداء على حقوق مؤلفيها‪ .‬وقد بين املشرع املغربي أحكام هذه الجريمة من خالل‬
‫الفصول ‪ 525‬حتى ‪ 529‬من القانون الجنائي املغربي‪.‬‬
‫و يتمثل النشاط إلاجرامي في جريمة التقليد عموما في قيام الجاني بأحد أفعال التقليد‬
‫املنصوص عليها الفصل ‪ 525‬من القانون الجنائي املغربي‪ ,‬وتتحقق النتيجة إلاجرامية بمجرد‬
‫الانتهاء من أي فعل منه‪ ،‬وال بد من توافر عالقة السببية بين النشاط إلاجرامي وتلك‬
‫النتيجة‪ ،‬وواضح هنا أن النشاط إلاجرامي يجتمع فيه السلوك والنتيجة وعالقة السببية‬
‫بينهما‪ ،‬إذ يكاد يعاصر السلوك النتيجة ويتزاوج العنصران داخل إطار عالقة السببية‬
‫بينهما([‪.)]51‬ويتجلى محل النشاط إلاجرامي في جريمة التقليد بصفة عامة هو املصنف‬
‫املحمي([‪ .)]55‬وارتباطا باملجال املعلوماتي يمكن الجزم بأنه لحد آلان تعتبر برامج الحاسوب‬
‫أبرز أنواع املصنفات الالكترونية نظرا لقيمتها املادية وأدوارها املتعددة في مختلف امليادين‪،‬‬
‫وفي هذا إلاطار ‪،‬وكما ذكرنا سلفا‪ ،‬أدخل املشرع املغربي برامج الحاسب آلالي ضمن‬
‫املصنفات املشمولة بالحماية بموجب قانون حق املؤلف والحقوق املجاورة‪)]53[(.‬وتأتي‬
‫أهمية ذلك في كون أنه في حالة ارتكاب جريمة تقليد لبرنامج الحاسب آلالي‪ ,‬فانه تطبق‬
‫أحكام جريمة التقليد املنصوص عليها في القانون الجنائي املغربي من خالل الفصول ‪525‬‬
‫حتى ‪ 529‬من هذا القانون الجنائي‪.‬‬
‫أما بخصوص العقوبات فان العقوبة في صورتها العادية هي الغرامة من ‪ 121‬إلى ‪11111‬‬
‫درهم تطبيقا للمادتين ‪525‬و‪ ، 523‬سواء تم نشر املؤلفات املقلدة باملغرب أو خارجه‪ ،‬أو تم‬
‫عرضها للبيع أو استيرادها أو تصديرها‪،‬وتطبق نفس العقوبات في حالة إنتاج أو عرض أو‬
‫إذاعة مؤلف أدبي محمي قانونا‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫أما املادة‪ 522‬فقد عالجت عالجت حالة الاعتياد(الحبس من ثالثة شهور إلى سنتين‬
‫والغرامة من ‪ 511‬إلى ‪ 21111‬درهم)‪،‬ثم حالة العود إلى ارتكاب الجريمة بعد الحكم عليه‬
‫من اجل جريمة الاعتياد(الحبس والغرامة يمكن أن ترفع إلى الضعف مع إمكانية إلاغالق‬
‫الكلي أو الجزئي ملحل املقلد أو شركائه‪).‬‬
‫*القانون رقم ‪ 31.15‬الصادر في ‪ 11‬فبراير ‪ 2113‬املتعلق بتغيير و تتميم القانون رقم ‪2.11‬‬
‫املتعلق بحقوق املؤلف والحقوق املجاورة‪.‬‬
‫يجب إلاشارة إلى انه قبل صدور القانون رقم ‪ 31-15‬املعدل للقانون رقم‪ ،2-11‬كان هذا‬
‫ألاخير يحيل على مقتضيات القانون الجنائي‪ ،‬مما كان يضعف الحماية الجنائية لحقوق‬
‫املؤلف بسبب إلاحالة املجملة‪ ،‬لكن الوضع تغير بعد التعديل املذكور بموجب قانون‬
‫رقم‪ ،31-15‬بحيث تم وضع مقتضيات جنائية خاصة في القانون املتعلق بحقوق املؤلف‪،‬‬
‫ومن بينها ما جاءت به املادة ‪ 31‬التي عاقبت بالحبس من شهرين إلى ‪3‬أشهر وغرامة من‬
‫‪ 11111‬درهم إلى ‪ 111111‬درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط لكل من قام بطريقة غير‬
‫مشروعة بقصد الاستغالل التجاري بخرق متعمد‪ ،‬كما تطبق نفس العقوبة على أفعال‬
‫استيراد وتصدير نسخ منجزة خرقا للقانون وعدة أعمال ينص عليها القانون وباألخص ما له‬
‫عالقة بالتكنولوجيا الحديثة‪.‬‬
‫وتضاعف العقوبة في حالة الاعتياد على ارتكاب املخالفة([‪ ،)]52‬وترفع العقوبة الحبسية ملا‬
‫يتراوح بين سنة وأربع سنوات وغرامة ما بين ‪31111‬درهمو‪311111‬درهم أو بإحدى هاتين‬
‫العقوبتين في حالة العود داخل خمس سنوات بعد صدور حكم نهائي‪])58[(.‬‬
‫وقد جاء التعديل الجديد بتدابير وقائية وعقوبات إضافية تتجلى في خمسة‪])59[(.‬‬
‫‪1-‬حجز النسخ وألادوات وكذا الوثائق والحسابات وألاوراق إلادارية املتعلقة بهذه النسخ‬
‫‪2-‬مصادرة جميع ألاصول متى ثبت عالقتها بالنشاط غير القانوني‪.‬‬
‫‪3-‬إتالف النسخ وألادوات املستعملة من اجل إنجازها‪.‬‬
‫‪4-‬إلاغالق النهائي أو املؤقت للمؤسسة التي يستغلها مرتكب املخالفة او شركاؤه فيها‪.‬‬
‫‪5-‬نشر الحكم القاض ي باإلدانة في جريدة أو أكثر‪ ،‬يتم تحديدها من طرف املحكمة‬
‫املختصة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬القانون املغربي رقم ‪ 53/15‬املتعلق بالتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية وبعض‬
‫مقتضيات مدونة الجمارك والضرائب غير املباشرة([‪])31‬‬

‫‪55‬‬
‫‪1:‬القانون املغربي رقم ‪ 53/15‬املتعلق بالتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية‪])31[(.‬‬
‫طهر نمط جديد من املجتمعات هو املجتمع الرقمي أو مجتمع املعلومات‪ ،‬الذي عرف بكونه‬
‫املجتمع الذي يعتمد في تطوره أساسا على املعلومات والحاسب آلالي وشبكات الاتصال‬
‫الحديثة‪ ،‬وبالتالي كان ضروريا تدخل املشرع إلقرار حجية املراسالت والعقود الالكترونية‬
‫وكذا التوقيع الالكتروني‪ ،‬ملساعدة القضاء على تسوية املنازعات املتصلة باملعامالت‬
‫الالكترونية‪.‬‬
‫ولقد سعى املشرع املغربي إلى تهيئة بيئة قانونية تناسب التطور املذهل في مجال املعامالت‬
‫التي تتم بطرق الكترونية‪ ،‬وبالتالي الانتقال من مرحلة التعامل الورقي إلى مرحلة التعامل‬
‫الالكتروني‪ ،‬ويأتي في هذا السياق صدور القانون املغربي رقم ‪ 15-53‬املتعلق بالتبادل‬
‫الالكتروني للمعطيات القانونية‪)]32[(.‬وقد وضع هذا القانون النظام املطبق على املعطيات‬
‫القانونية التي يتم تبادلها بطريقة الكترونية وعلى املعادلة بين الوثائق املحررة على الورق‪،‬‬
‫وتلك املعدة على دعامة الكترونية‪ ،‬وعلى التوقيع الالكتروني‪ ،‬كما يحدد هذا القانون إلاطار‬
‫القانوني املطبق على العمليات املنجزة من قبل مقدمي خدمات املصادقة الالكترونية وكذا‬
‫القواعد الواجب التقيد بها من لدن مقدمي الخدمة املذكورين ومن لدن الحاصلين على‬
‫الشهادات الالكترونية املسلمة‪.‬‬
‫وإذا كان القانون رقم ‪ 53-15‬أثر بشكل أساس ي على فصول قانون الالتزامات والعقود‬
‫املغربي بفعل تعديل بعض نصوصه أو إضافة أخرى جديدة متصلة بالبيئة املعلوماتية‪ ،‬إال‬
‫انه يتضمن كذلك مجموعة من النصوص الزجرية([‪ ،)]33‬والتي تساهم في مكافحة الجرائم‬
‫املعلوماتية‪ ،‬نذكر منها املادة ‪ 29‬التي تعاقب كل من يقدم خدمات للمصادقة الالكترونية‬
‫املؤمنة خالفا للمادة‪ 21‬أو دون أن يكون معتمدا أو من يواصل نشاطه رغم سحب‬
‫اعتماده‪])31[(.‬‬
‫أما املادة‪ 31‬فتعاقب على إلادالء العمدي بتصاريح كاذبة أو تسليم وثائق مزورة إلى مقدم‬
‫خدمات املصادقة الالكترونية‪])35[(.‬‬
‫ومن اجل ضمان سالمة تبادل املعطيات القانونية بطريقة الكترونية وضمان سريتها‬
‫وصحتها‪ ،‬فرض املشرع حماية خاصة لوسائل التشفير من خالل املادة‪ 32‬التي تجرم استيراد‬
‫أو استغالل أو استعمال إحدى الوسائل أو خدمة من خدمات التشفير دون إلادالء‬

‫‪56‬‬
‫بالتصريح أو الحصول على الترخيص‪ ،‬كما انه يمكن للمحكمة الحكم بمصادرة وسائل‬
‫التشفير املعنية‪])33[(.‬‬
‫كما جرم املشرع املغربي كل استعمال لوسيلة تشفير لتمهيد أو ارتكاب جناية أو جنحة أو‬
‫لتسهيل تمهيدها أو ارتكابها لكن ذلك ال يطبق على مرتكب الجريمة أو املشارك في ارتكابها‬
‫الذي يسلم إلى السلطات القضائية أو إلادارية‪ ،‬بطلب منها‪ ،‬النص الواضح للرسائل املشفرة‬
‫وكل ما يلزم لقراءة النص املشفر‪])32[(.‬‬
‫ولتحقيق حماية جنائية للتوقيع الالكتروني عاقبت املادة ‪ 35‬كل استعمال غير قانوني‬
‫للعناصر الشخصية إلنشاء التوقيع املتعلقة بتوقيع الغير‪])38[(.‬‬
‫كما حمى املشرع املغربي‪ ،‬من خالل املادة‪ ،32‬حجية الشهادة الالكترونية عبر تجريم‬
‫الاستمرار في استعمالها بعد مدة صالحيتها أو بعد إلغائها‪])39[(.‬‬
‫وتجدر إلاشارة إلى أن الغرامات ‪-‬املنصوص عليها في هذا القانون‪ -‬ترفع إلى الضعف‪ ،‬إذا كان‬
‫مرتكب الجريمة شخصا معنويا‪ ،‬دون إلاخالل بالعقوبات املمكن تطبيقها على املسيرين‬
‫الرتكاب إحدى الجرائم املذكورة في هذا القانون‪.‬كما يمكن أن يتعرض الشخص املعنوي‬
‫لعقوبات أخرى تتجلى في املصادرة أو إلاغالق‪])21[(.‬‬
‫‪2:‬بعض مقتضيات مدونة الجمارك والضرائب غير املباشرة([‪])21‬‬
‫أعطى املشرع املغربي من خالل مدونة الجمارك مفهوما حديثا للوثيقة أو املحرر ليتناسب‬
‫مع املجتمع الرقمي‪ ،‬ويبدو ذلك جليا من الفصل ألاول من املدونة‪ ،‬حيث نص على ما يلي‪:‬‬
‫(يقصد في هذه املدونة والنصوص املتخذة لتطبيقها من‪:..........................‬‬
‫د‪/‬الوثيقة‪:‬كل حامل يتضمن مجموعة من املعطيات أو املعلومات كيفما كانت نوعية‬
‫الطريقة التقنية املستعملة مثل الورق وألاشرطة املمغنطة والاسطوانات اللينة وألافالم‬
‫الدقيقة)‪.........‬‬
‫يتضح لنا من هذا الفصل أن املشرع املغربي كرس مفهوما جديدا للوثيقة يتماش ى مع‬
‫خصوصية املجتمع الرقمي‪])22[(.‬‬
‫والجدير ذكره أن مدونة الجمارك والضرائب غير املباشرة نظمت طريقة إيداع التصاريح‬
‫وأوراق الطريق والابراءات املكفولة والوثائق امللحقة بها بكيفية الكترونية أو معلوماتية‪ ،‬وفي‬
‫هذا الباب‪ ،‬جاء في الفصل ‪ 213‬مكرر من الجزء الثامن املكرر ما نصه‪:‬‬

‫‪57‬‬
‫(في مكاتب الجمرك املجهزة بالنظم املعلوماتية لالستخالص الجمركي‪ ،‬يباشر بطريقة‬
‫الكترونية أو معلوماتية إيداع التصاريح املفصلة واملوجزة وسندات إلاعفاء مقابل‬
‫كفالة‪...........‬‬
‫ويمكن بإذن من إلادارة أن يباشر بطريقة معلوماتية أو الكترونية إيداع الوثائق املرفقة‬
‫بالتصريحات املفصلة واملوجزة وسندات إلاعفاء مقابل كفالة)‬
‫وارتباطا بمسألة مكافحة الجرائم املعلوماتية‪ ،‬فقد وضع املشرع مقتضيات زجرية تنظم‬
‫الجرائم الجمركية التي تنجز بطرق الكترونية ضمن القسم ألاول من الباب الثالث‪ ،‬حيث‬
‫ورد في الفقرة السابعة من الفصل ‪ 281‬من مدونة الجمارك ما يلي‪:‬‬
‫(تشكل الجنح الجمركية من الطبقة الثانية‪:‬‬
‫‪............‬‬
‫‪7-‬كل عمل أو أو مناولة تنجز بطرق معلوماتية أو الكترونية ترمي إلى إتالف واحد أو أكثر من‬
‫املعلومات املختزنة في النظم املعلوماتية لإلدارة‪ ،‬عندما يكون الغرض من هذا إلاتالف هو‬
‫التملص من رسم أو مكس أو الحصول بصفة غير قانونية على امتياز معين)‪....‬‬
‫وعليه يكون هذا الفصل قد حسم في مسألة اعتبار املعلومات املخزنة بالحاسب آلالي نوع‬
‫من الوثائق إلادارية‪])23[(.‬‬

‫خاتمة‬
‫تطرقنا في هذه الدراسة للتجربة التشريعية املغربية في مجال مكافحة الجرائم املعلوماتية‪،‬‬
‫واتضح أن مجموعة القانون الجنائي املغربي تتضمن فصوال تشكل ألاداة ألاساسية ملكافحة‬
‫هذا النمط الجديد من إلاجرام‪ ،‬كما أن هناك مجموعة من املقتضيات الزجرية املتفرقة في‬
‫تشريعات أخرى ذات عالقة باملجال املعلوماتي‪ ،‬والتي تكمل تلك املوجودة باملجموعة‬
‫الجنائية‪ .‬وعموما لدينا بعض املالحظات حول التجربة التشريعية املغربية في هذا املجال‪:‬‬
‫‪-‬خطى املشرع املغربي خطوات ايجابية في مجال سن تشريعات حديثة ملواجهة الجريمة‬
‫املعلوماتية‪ ،‬وبالتالي أصبح للقاض ي املغربي آليات البث في قضايا الجريمة الالكترونية‪ ،‬بما‬
‫يضمن عدم املس بمبدأ مقدس في مجال العدالة الجنائية(مبدأ الشرعية الجنائية‪).‬‬
‫‪-‬يتضح بأن بعض التشريعات التي تمت دراستها قد تأثرت بالتجربة التشريعية الفرنسية‪،‬‬
‫وعلى ألاخص القانون املغربي رقم ‪ 121-3‬املتعلق باإلخالل بسير نظم املعالجة آلالية‬

‫‪58‬‬
‫للمعطيات(الفصول‪ 312-3‬إلى ‪ 312-11‬من مجموعة القانون الجنائي املغربي) الذي ال‬
‫يختلف كثيرا عن القانون الفرنس ي املتعلق بالغش املعلوماتي الصادر عام‪ 1988‬في العديد‬
‫من مقتضياته‪ ،‬مع اختالف على مستوى العقوبات‪.‬‬
‫‪-‬ال يمكن الجزم بان الرصيد التشريعي املغربي في هذا الصدد كاف ملكافحة كل صور‬
‫الجرائم املعلوماتية‪ ،‬بل البد من تكملته‪ ،‬بحيث يشمل جرائم أخرى لم تشملها املبادرات‬
‫التشريعية الجديدة‪ ،‬مثل قرصنة أسماء املواقع املجاالت على شبكة الانترنت‪ ،‬كما أن‬
‫مقتضيات املسطرة الجنائية املغربية وآليات التعاون القضائي الدولي الزالت قاصرة على أن‬
‫تكون مالئمة لإلجرام املعلوماتي الذي يصعب فيه إثبات الفعل املجرم أو ضبط الجاني‬
‫بسبب طبيعة الدليل الالكتروني‪ ،‬ولكون الجريمة املعلوماتية في اغلب ألاحوال عابرة‬
‫للحدود لكونها ترتكب عبر شبكات الاتصال الحديثة خصوصا الانترنت‪.‬‬
‫‪-‬بما أن ظاهرة إلاجرام املعلوماتي جديدة ومتجددة‪ ،‬ألن قطاع تكنولوجيات إلاعالم‬
‫والاتصال في تطور مستمر‪ ،‬فهذا يعني أنه يمكن أن تظهر مستقبال أنواع أخرى من الجرائم‬
‫املعلوماتية‪ ،‬مما يجعل املشرع املغربي ملزم بمواكبة التطورات املتالحقة عبر سن تشريعات‬
‫جديدة أو تعديل أخرى‪ ،‬مع إمكانية الانضمام التفاقية بودابست بتاريخ ‪ 23‬نوفمبر ‪2111‬‬
‫بشأن إلاجرام املعلوماتي‪ ،‬بعد تطوير البنية التكنولوجية وألامنية والقضائية حتى يمكن‬
‫تطبيق بنود هذه الاتفاقية الدولية‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫‪ -6‬إشكالية تنفيذ األحكام والقرارات‬
‫القضائية النهائية‬
‫ال يخفى أن تنفيذ ألاحكام القضائية هو الهدف املتوخى من اللجوء إلى القضاء‪ ،‬إذ ال ينفع‬
‫التكلم بحق ال نفاذ له‪ ،‬كما أن عدم التنفيذ أو التأخير فيه يلحق ضررا جسيما باملحكوم‬
‫له‪ ،‬ويؤثر بالتالي على مصداقية ألاحكام وعلى ثقة املواطنين في الجهاز القضائي‪.‬‬
‫نظرا ألهمية موضوع تنفيذ ألاحكام والقرارات القضائية باعتبارها أسمى تعبير من كل‬
‫ألاطراف املعنية عن تمجيد القضاء وتكريم السلطة القضائية‪ ،‬وفي الوقت ذاته اعترافا‬
‫بحقوق املواطنين واحتراما وتكريسا لحقوق إلانسان‪ ،‬ما فتئت الحكومة تدعو إلى ضرورة‬
‫الالتزام بقرارات القضاء ومراعاة ألاحكام القضائية النهائية التي اكتسبت قوة الش يء‬
‫املقض ي به‪ ،‬وذلك بالعمل على تنفيذها سواء صدرت ضد الدولة أو ضد أحد ألاجهزة أو‬
‫املؤسسات التي تتولى الوصاية عليها طبقا ملا أكده صاحب الجاللة امللك محمد السادس‪،‬‬
‫نصره هللا‪ ،‬خالل ترؤس افتتاح أشغال دورة املجلس ألاعلى للقضاء حيث أكد حفظه هللا‬
‫أنه‪« :‬من البديهي أنه لن يحقق القضاء هذا املبتغى‪ ،‬إال إذا ضمنا لهيئته الحرمة الالزمة‬
‫والفعالية الضرورية بجعل أحكامه الصادرة باسمنا تستهدف إلانصاف وفورية البت‬
‫والتنفيذ‪ ،‬وجريان مفعولها على من يعنيهم ألامر‪».‬‬
‫وللوقوف عند حقيقة إشكالية تنفيذ ألاحكام سنقوم بعرض الوضعية العامة لعملية تنفيذ‬
‫ألاحكام القضائية الصادرة عن القضاء املدني‪ ،‬ثم عرض الوضعية الخاصة لعملية تنفيذ‬
‫ألاحكام الصادرة ضد أشخاص القانون العام وكذا شركات التأمين‪.‬‬
‫‪1-‬الوضعية العامة لعملية تنفيذ ألاحكام القضائية‬
‫إن الغاية املستهدفة من استصدار حكم قضائي هو التوصل إلى نفاذ منطوقه تبعا للصيغة‬
‫التنفيذية املذيلة به‪ ،‬وعدم تحقيق هذه النتيجة يفقد ألاحكام القضائية قدسيتها وينحدر‬
‫بها إلى مصاف القرارات منعدمة املفعول‪ ،‬ما من شأنه أن ينعكس سلبا على ضبط‬
‫العالقات القانونية بين ألافراد‪ ،‬ويسهم في تعطيل استفادة املتقاضين من الحقوق املقررة‬
‫لفائدتهم بواسطة القانون‪ ،‬والتي تعمل ألاحكام القضائية على حمايتها‪ .‬ومن تم فإن تفعيل‬

‫‪61‬‬
‫ألاثر القانوني والواقعي املقرر بموجب حكم قضائي يقتض ي توظيف كل الوسائل القانونية‬
‫املمكنة لتنفيذه‪ ،‬ومن جملتها تسخير القوة العمومية‪ ،‬ما لم يتعلق ألامر باعتبارات‬
‫استثنائية من شأنها أن تبرر عدم التقيد بحجية الش يء املقض ي به‪ ،‬والتي تعد قرينة‬
‫قانونية قاطعة على أن الحكم هو عنوان الحقيقة‪.‬‬
‫وفي هذا إلاطار اتخذت وزارة العدل مجموعة من التدابير لتفعيل عملية التنفيذ‪ ،‬خاصة‪:‬‬
‫‪.‬إنشاء خلية مركزية ملتابعة تنفيذ ألاحكام القضائية والتي وفرت منذ إنشائها سنة ‪2113‬‬
‫تشخيصا مرقما لوضع تنفيذ ألاحكام القضائية‪.‬‬
‫‪.‬تنظيم تعبئة سنوية لتصفية املخلف من ملفات التنفيذ‪ ،‬والتي بفضلها تم رفع درجة‬
‫الوعي بأهمية تنفيذ ألاحكام القضائية داخل أجل معقول‪ ،‬وتجنيد كل الطاقات لذلك‪.‬‬
‫‪.‬تكليف قاض في كل محكمة لإلشراف على عمليات التنفيذ وتتبع إجراءاته‪.‬‬
‫‪.‬تعميم دوريات ومناشير على مختلف املتدخلين في عملية التنفيذ وهمت بالتحديد إعمال‬
‫الصرامة الالزمة للحد من التهرب من تنفيذ ألاحكام القضائية عن طريق اللجوء إلى املساطر‬
‫الخاصة بصعوبات التنفيذ ‪.‬‬
‫‪.‬إقرار العمل بسياسة الاجتماعات الثنائية الدورية مع القطاعات الحكومية املختلفة‪ ،‬ما‬
‫أفض ى إلى تصفية كثير من امللفات العالقة ‪ ،‬وتشخيص ملفات كانت مفقودة ‪ ،‬وتحديد‬
‫جدولة زمنية لتصفية املخلف من ملفات التنفيذ‪.‬‬
‫‪.‬العمل على تصفية امللفات التنفيذية القديمة وإيالئها كامل العناية‪.‬‬
‫‪.‬العمل على دعم وتقوية جهاز التنفيذ وتعزيزه على مستوى املحاكم باملوارد الالزمة‪.‬‬
‫لكن رغم كل هذه التدابير‪ ،‬مازالت مجموعة من الصعوبات تعيق حسن سير عملية‬
‫التنفيذ‪.‬‬
‫‪2-‬الصعوبات التي تواجه تنفيذ ألاحكام القضائية‪:‬‬
‫لقد تم رصد مجموعة من الصعوبات التي تعوق تنفيذ ألاحكام القضائية والتي يمكن‬
‫تلخيصها في ما يلي‪:‬‬
‫أ‪ -‬الصعوبات القانونية‪.‬‬
‫ب‪ -‬الصعوبات البشرية واللوجيستيكية‪.‬‬
‫ج‪ -‬الصعوبات املوضوعية‪.‬‬
‫أ ‪ -‬الصعوبات القانونية‪ ،‬وتتمثل في ما يلي‪:‬‬

‫‪61‬‬
‫‪-‬سلوك املساطر الفرعية والكيدية لعرقلة التنفيذ من قبيل استحقاق املنقوالت املحجوزة‬
‫بتواطؤ مع املنفذ عليهم‪ ،‬أو تدخل ألاغيار لوقف التنفيذ بدعوى مساس التنفيذ بحقوقهم‪.‬‬
‫‪-‬عدم وضوح منطوق بعض ألاحكام باستعمال عبارات عامة كإرجاع الحالة إلى ما كانت‬
‫عليه‪ ،‬أو عدم تحديد الحدود في العقارات‪.‬‬
‫‪-‬اللجوء إلى طلب مهل استرحامية الش يء الذي يتحول في أحيان كثيرة إلى مصدر إلفراغ‬
‫عملية تنفيذ ألاحكام من محتواها‪ ،‬بحيث تستغل في ربح الوقت انتظارا للحصول على قرار‬
‫استئنافي يقض ي بإيقاف التنفيذ‪ ،‬أو تأخير عملية التنفيذ حتى يتمكن املنفذ عليه من إخالء‬
‫املحل موضوع التنفيذ من شواغله التي يمكن حجزها‪ ،‬وإما خلق صعوبات واقعية كإسكان‬
‫الغير باملحل موضوع إلافراغ‪.‬‬
‫‪-‬املشاكل املرتبطة بإجراءات التبليغ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الصعوبات البشرية واللوجيستيكية ‪ :‬تأخذ مجموعة من ألاشكال من أهمها‪:‬‬
‫‪-‬نقص في عدد أعوان التنفيذ واملفوضين القضائيين بكثير من محاكم اململكة‪ ،‬كما أشارت‬
‫بعض التقارير إلى الانخراط الضعيف لهؤالء في تصفية ما بأيديهم من ملفات‪.‬‬
‫‪-‬ضعف وسائل العمل إن لم يكن انعدامها في بعض املحاكم خاصة منها التي يمتد نفوذها‬
‫الترابي للبوادي و املناطق الوعرة جغرافيا‪.‬‬
‫‪-‬عدم توفر كثير من املحاكم على قاعة خاصة بالبيوعات‪.‬‬
‫‪-‬ضعف وسائل إلاخبار و عدم فعاليتها في تعميم وإشهار البيوعات‪.‬‬
‫‪-‬اعتماد تدبير ملفات التنفيذ لسائر املحاكم على الوسائل اليدوية وعدم توظيف‬
‫املعلوميات على هذا املستوى‪.‬‬
‫‪-‬صعوبة تدبير إلانابات القضائية وتأخرها‪.‬‬
‫ج ‪ -‬الصعوبات املوضوعية‪ ،‬تتركز في مايلي‪:‬‬
‫‪-‬عدم فعالية السلطات املحلية في استعمال القوة العمومية‪.‬‬
‫‪-‬عجز املتقاضين في املناطق البدوية والفقيرة عن أداء مصاريف التنفيذ‪.‬‬
‫‪-‬سلبية كثير من ألاطراف كالبنوك والخزينة العامة‪ ،‬واملحاسبين العموميين إذ يستنكفون‬
‫عن تقديم املساعدة وتسهيل عمليات التنفيذ في ما هو مودع لديهم خصوصا في مسطرة‬
‫الحجز التنفيذي لدى الغير‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫‪-‬صعوبة بيع املحجوز الذي يترك بيد املنفذ عليه الذي قد ال يسمح بمعاينته قبل يوم‬
‫البيع‪ ،‬أو يقوم بتبديده‪.‬‬
‫‪-‬إهمال طالب التنفيذ أو محاميهم متابعة ملفاتهم‪ ،‬وما تتطلبه أحيانا من إيداع بعض‬
‫املصاريف املرتبطة بعملية التنفيذ‪.‬‬
‫صعوبة العثور على املنفذ عليه أو موتهم‪ ،‬وما يتبع ذلك من صعوبة تبليغ الورثة‪ .‬ورغم‬
‫هذه الصعوبات فقد عرفت نسبة تنفيذ ألاحكام القضائية املدنية تحسنا ملحوظا خالل‬
‫سنة ‪ 2111‬والنصف ألاول من سنة‪.2111‬‬
‫‪3 -‬وضعية عملية تنفيذ ألاحكام القضائية الصادرة ضد أشخاص القانون العام‪:‬‬
‫إن الحياد عن تحقيق غاية ضمان تنفيذ ألاحكام القضائية املكتسبة لقوة الش يء املقض ي‬
‫به من شأنه أن ينأى بالوظيفة القضائية إلى سبيل آخر ينزع عنها فعاليتها الحمائية لحقوق‬
‫املتقاضين‪ .‬فاإلدارة ملزمة قانونا بسلوك نهج «الرجل الشريف»‪ ،‬بالخضوع إداريا وتلقائيا‬
‫للقاعدة القانونية بمفهومها الواسع مادام تفعيل مفهوم العدالة إلادارية يستند إلى إجبارية‬
‫خضوع إلادارة تلقائيا وبحسن نية ملبدأ الشرعية القانونية‪ ،‬ليس فقط سلبا‪ ،‬باالستنكاف‬
‫عن مخالفة ما قرره القضاء‪ ،‬بل كذلك إيجابا بالعمل على اتخاذ جميع إلاجراءات والتدابير‬
‫الالزمة لتنفيذ ما قرره القضاء‪.‬‬
‫وفي هذا إلاطار‪ ،‬دأب القضاء على اعتبار أن تجاهل السلطات إلادارية لألحكام نافذة‬
‫املفعول واملذيلة بالصيغة التنفيذية يشكل‪ ،‬ماعدا في الظروف الاستثنائية‪ ،‬شططا في‬
‫استعمال السلطة ملا يترتب عن ذلك من خرق للقواعد ألاساسية للتنظيم القضائي‬
‫وإلاجراءات القضائية التي باحترامها يحترم النظام العام‪ ،‬كما اعتبر أن الامتناع عن تنفيذ‬
‫ألاحكام القضائية ‪ ،‬من غير مسوغ قانوني ولفترة تتجاوز ألاجل املعقول يؤثر سلبا على السير‬
‫املنتظم ملرفق القضاء ويسهم في تعطيل استفادة املعنيين باألمر من الحقوق املقررة لهم‬
‫بواسطة هذه ألاحكام‪ ،‬وهو ما من شأنه أن يشكل خطأ مرفقيا في حق الجهة املخاطبة‬
‫بالتنفيذ‪ ،‬علما أن الامتناع الذي ينهض سببا إلثارة مسؤولية الدولة عن عدم التنفيذ‪ ،‬هو‬
‫الامتناع الصريح أو الذي يمكن أن يستشف من وقائع ثابتة تفيد تعنت إلادارة وإحجامها‬
‫عن الخضوع لقوة الش يء املقض ي به‪ .‬وفي هذا الصدد‪ ،‬عملت مديرية الشؤون املدنية‬
‫بوزارة العدل والحريات على تشخيص الوضعية الحالية لعملية تنفيذ ألاحكام الصادرة ضد‬
‫أشخاص القانون العام‪ ،‬كما عملت على وضع تصور شامل يمكن من اتخاذ تدابير‬

‫‪63‬‬
‫تصحيحية من خالل بناء استراتيجية تتعلق بتدبير شامل وفعال مللف التنفيذ في مواجهة‬
‫أشخاص القانون العام‪.‬‬
‫أوال‪ :‬وضعية عملية تنفيذ ألاحكام القضائية ضد أشخاص القانون العام‬
‫لئن كان كل مجهود أو استثمار في مجال العدل ال يمكن معاينته إال من خالل تحقيق غاية‬
‫مسطرة التقاض ي املتمثلة في إرجاع الحق إلى صاحبه داخل أجل معقول ‪ ،‬فإن تفعيل وتيرة‬
‫إلاصالح وتفعيل مبادرة التغيير لن يكون لها وقع على نفسية املتقاضين‪ ،‬إذا لم يعمل الجهاز‬
‫القضائي على الدفع بعملية التنفيذ لألمام والعمل على تجاوز الصعاب واملعيقات التي‬
‫تحول دون الوصول إلى الغاية من التقاض ي‪.‬‬
‫وألن تنفيذ ألاحكام والقرارات القضائية النهائية يشكل مظهرا من مظاهر دولة الحق‬
‫والقانون‪ ،‬فقد تم اتخاذ مجموعة من التدابير لتفعيل عملية التنفيذ من خالل‪:‬‬
‫‪-‬إنشاء خلية مركزية ملتابعة عملية تنفيذ ألاحكام القضائية والتي وفرت منذ إنشائها‪ ،‬سنة‬
‫‪ ،2113‬تشخيصا مرقما لوضع تنفيذ ألاحكام القضائية‪.‬‬
‫‪-‬تنظيم تعبئة سنوية لتصفية املخلف من ملفات التنفيذ‪ ،‬والتي بفضلها تم رفع درجة‬
‫الوعي بأهمية تنفيذ ألاحكام القضائية داخل أجل معقول‪ ،‬وتجنيد كل الطاقات لذلك‪.‬‬
‫‪-‬تكليف قاض في كل محكمة لإلشراف على عمليات التنفيذ وتتبع إجراءاته‪.‬‬
‫‪-‬تعميم دوريات ومناشير على مختلف املتدخلين في عملية التنفيذ‪ ،‬همت بالتحديد إعمال‬
‫الصرامة الالزمة للحد من التهرب من تنفيذ ألاحكام القضائية عن طريق تحريك املساطر‬
‫الخاصة بصعوبات التنفيذ‪ ،‬مجاراة للعمل القضائي الذي يعتبر أن صعوبات التنفيذ هي‬
‫املنازعات التي تعترض تنفيذ ألاحكام الحائزة لقوة الش يء املقض ي به وتشكل صعوبات‬
‫مادية أو قانونية تحدث بعد صدور الحكم‪ ،‬وهي إما وقتية تهدف إلى تأجيل التنفيذ مؤقتا‬
‫لغاية تصحيح إجراء من إجراءاته أو موضوعية تهدف إلى إيقاف التنفيذ نهائيا لغاية صدور‬
‫حكم حاسم حول النزاع موضوع التنفيذ‪ ،‬ومن تم ال تجدي الصعوبة إذا كان مبناها وقائع‬
‫سابقة على صدور الحكم الذي يتم التنفيذ بمقتضاه باعتبارها منازعة استنفدت‬
‫موضوعها بصدور الحكم القابل للتنفيذ الذي يفترض أنه أجاب عنها بصورة صريحة أو‬
‫ضمنية‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫‪-‬إقرار العمل بسياسة الاجتماعات الثنائية الدورية مع القطاعات الحكومية املختلفة‪ ،‬مما‬
‫أفض ى إلى تصفية كثير من امللفات العالقة‪ ،‬وتشخيص ملفات كانت مفقودة‪ ،‬وتحديد‬
‫جدولة زمنية لتصفية املخلف من ملفات التنفيذ‪.‬‬
‫‪-‬العمل على تصفية امللفات التنفيذية القديمة وإيالئها كامل العناية‪.‬‬
‫‪-‬العمل على دعم وتقوية جهاز التنفيذ وتعزيزه على مستوى املحاكم باملوارد الالزمة‪.‬‬
‫ثانيا‪:‬صعوبات التنفيذ في مواجهة أشخاص القانون العام‬
‫ال يخفى أن تنفيذ ألاحكام القضائية هو الهدف املتوخى من اللجوء إلى القضاء‪ ،‬إذ ال ينفع‬
‫التكلم بحق ال نفاذ له‪ ،‬كما أن عدم التنفيذ أو التأخير فيه يلحق ضررا جسيما باملحكوم‬
‫له‪ ،‬ويؤثر بالتالي على مصداقية ألاحكام وعلى ثقة املواطنين في الجهاز القضائي‪ .‬إن تفعيل‬
‫هذه التدابير ال يعني تدليل كل الصعوبات املتعلقة بتنفيذ ألاحكام الصادرة عن القضاء‬
‫إلاداري والتي يمكن رصدها في ما يلي‪:‬‬
‫‪1-‬إلاشكاالت املرتبطة بالجانب املالي ‪:‬‬
‫لقد تم إحداث قضاء إداري متخصص قصد تأكيد إيمان بلدنا بسمو القانون ووجوب‬
‫احترام مبدأ الشرعية املتمثل في خضوع الدولة لحكم القانون‪ ،‬إال أنه لوحظ وجود حاالت‬
‫كثيرة من الامتناع والتماطل في تنفيذ ألاحكام الصادرة في مواجهة أشخاص القانون العام‪،‬‬
‫بعلة عدم وجود اعتمادات مالية لتنفيذ ألاحكام إلادارية‪ ،‬كما يتم التذرع بالتعقيدات‬
‫املتعلقة بقانون املالية ألجل برمجة املبالغ املالية املحكوم بها على الشخص الخاضع للقانون‬
‫العام‪ ،‬وبعدم وجود مناصب مالية شاغرة لتفادي تنفيذ ألاحكام املتعلقة بإلغاء قرارات‬
‫عزل املوظفين‪.‬‬
‫‪2-‬إلاشكاالت املرتبطة بالجانب القانوني واملؤسساتي‪:‬‬
‫تكمن هذه إلاشكاالت خاصة في تعدد املتدخلين وتداخل الاختصاصات وتعقد إلاجراءات‬
‫إلادارية املتعلقة بالتنفيذ‪ ،‬وتعارض بعض النصوص الخاصة املنظمة ملسؤولية بعض‬
‫املخاطبين بعملية التنفيذ‪ ،‬خاصة مسؤولية مراقب الالتزام بنفقات الدولة واملحافظ على‬
‫ألامالك العقارية‪ ،‬مع إلزامية التقيد بحجية الش يء املقض ي به‪ ،‬وامتناع الخزينة العامة‪،‬‬
‫عمدا في بعض الحاالت‪ ،‬عن إلادالء بالتصريح إلايجابي في حالة طلب املصادقة على‬
‫الحجز‪ ،‬هذا فضال عن عدم جدوى تنفيذ الغرامة التهديدية في مواجهة إلادارة باعتبار أن‬
‫هذه الغرامة تنقلب إلى تعويض وتصطدم بامتناع جديد لإلدارة عن التنفيذ‪ ،‬وكذا عدم‬

‫‪65‬‬
‫جواز الحجز على ألاموال العمومية في ضوء قاعدة ضرورة سير املرفق بانتظام وعدم تعطيل‬
‫وظيفته‪ ،‬علما أنه إذا كان ال يجوز الحجز على ألاموال العامة للدولة وألاشخاص الاعتبارية‬
‫العامة باعتبار أن الحجز والتنفيذ عليه من شأنه أن يعرقل ويعطل وظيفة النفع العام‬
‫امللقاة على عاتقها‪ ،‬فإنه استثناء من ذلك يجوز الحجز على ألاموال الخاصة ألشخاص‬
‫القانون العام متى كان الحجز‪ ،‬بحسب تقدير السلطة القضائية املقررة للحجز‪ ،‬ليس من‬
‫شأنه عرقلة سير املرفق العمومي أو تعطيل خدمات جمهور الناس به أو متى تم رصد‬
‫ألاموال للتنفيذ ولسداد التعويضات املعنية باألحكام‪.‬‬
‫ورغم هذه إلاشكاالت فقد قامت الوزارة باتخاذ مجموعة من التدابير التي أثمرت رفع نسبة‬
‫تنفيذ ألاحكام الصادرة ضد إلادارات واملؤسسات العمومية‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬استراتيجية الوزارة املتعلقة بتدبير ملف التنفيذ في مواجهة إلادارات واملؤسسات‬
‫العمومية ‪:‬‬
‫عملت وزارة العدل على وضع تصور شامل لتدبير ملف التنفييذ على مستويين‪:‬‬
‫‪-‬مستوى التدبير إلاداري‪.‬‬
‫مستوى تحديد املرجعية القانونية‪.‬‬
‫أ‪ -‬على مستوى التدبير إلاداري‪:‬‬
‫عملت وزارة العدل على خلق بنك للمعطيات املتعلقة بتنفيذ ألاحكام القضائية‪ ،‬وكذا‬
‫متابعة العمل بالتدابير التالية‪:‬‬
‫تخصيص خلية مركزية ملتابعة تنفيذ ألاحكام القضائية‪.‬‬
‫تنظيم التعبئة السنوية لتصفية املخلف من ملفات التنفيذ‪.‬‬
‫‪-‬مواصلة العمل بسياسة الاجتماعات الثنائية الدورية مع القطاعات الحكومية املختلفة‬
‫على املستويين الجهوي واملركزي‪.‬‬
‫‪-‬تحديد القاض ي املكلف بمتابعة التنفيذ على مستوى مختلف املحاكم الذي سيصبح ملزما‬
‫بإعداد تقرير مفصل كل ثالثة أشهر حول وضعيات ملفات التنفيذ‪.‬‬
‫ب‪ -‬وضع منظومة قانونية متكاملة ملعالجة إشكالية عدم تنفيذ أحكام القضاء إلاداري‪:‬‬
‫يتعلق ألامر بوضع مقتضيات قانونية خاصة بتنفيذ ألاحكام والقرارات النهائية الصادرة في‬
‫املادة إلادارية‪ ،‬في إطار مشروع قانون املسطرة املدنية الجديد الذي تتم صياغته من طرف‬

‫‪66‬‬
‫لجنة مراجعة ومواكبة التشريع‪ ،‬وذلك من خالل اقتراح تبني آلية قانونية لضمان تنفيذ‬
‫ألاحكام وفق مايلي‪:‬‬
‫الحالة التي يكتسب فيها الحكم القاض ي بأداء مبالغ مالية قوة الش يء املقض ي به‪ ،‬يتم‬
‫إصدار أمر بالدفع داخل أجل محدد قانونا‪.‬‬
‫إذا كانت الاعتمادات غير كافية‪ ،‬يتم إصدار أمر بالدفع في حدود املبالغ املتوفرة على أن يتم‬
‫إصدار أمر بدفع تكميلي في أجل أقصاه السنة املالية املوالية‪.‬‬
‫في حالة عدم إصدار أمر بالدفع وفقا للكيفية املحددة أعاله‪ ،‬يتم تسديد املبالغ املحكوم بها‬
‫فورا من طرف املحاسب العمومي املكلف بمجرد تقديم نسخة الحكم باعتبارها سندا‬
‫تنفيذيا‪.‬‬
‫في حالة إحجام املحاسب عن التنفيذ‪ ،‬يمكن اللجوء إلى‪:‬‬
‫‪-‬آلية الغرامة التهديدية‪.‬‬
‫‪-‬آلية الحجز التنفيذي‪.‬‬
‫إقرار املسؤولية الشخصية والتأديبية للممتنع عن التنفيذ‪.‬‬
‫وقد تم إعداد هذا التصور بناء على دراسة سوسيو قانونية إلشكالية تنفيذ ألاحكام‬
‫الصادرة ضد أشخاص القانون العام تجدونها رفقة هذه املذكرة‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬وضعية تنفيذ ألاحكام القضائية الصادرة ضد شركات التأمين‪:‬‬
‫لقد أفضت الاجتماعات التنسيقية التي عقدتها وزارة العدل مع شركات التأمين املنضوية‬
‫تحت لواء الجامعة املغربية لشركات التأمين وإعادة التأمين‪ ،‬في إطار مواكبة وتتبع عملية‬
‫تنفيذ ألاحكام في هذا املجال خالل النصف ألاول من سنة ‪ ،2118‬إلى دراسة املشاكل التي‬
‫تواجهها عملية تنفيذ ألاحكام الصادرة بالتعويض في مواجهة هذه الشركات سواء عن‬
‫حوادث السير أو حوادث الشغل‪ ،‬وقد مكنت هذه الاجتماعات من تجاوز الكثير من‬
‫الصعوبات وأثمرت نتائج هامة بالنسبة إلى العديد من امللفات التي كانت متعثرة في التنفيذ‪،‬‬
‫بحيث أمكن القضاء بشكل تام على املخلف من امللفات غير املنفذة بالنسبة إلى سنوات‬
‫معينة‪ ،‬وأصيح حجم املخلف من امللفات غير املنفذة يسجل كل سنة انخفاضا ملحوظا ‪،‬‬
‫كما أصبحت نسبة ألاحكام املنفذة تعرف ارتفعا هاما كل سنة‪ ،‬إذ بلغ مجموع ألاحكام‬
‫املطلوبة في التنفيذ خالل سنة ‪ 2111‬ما مجموعه ‪ 111111‬ملف نفذ منها ‪ 82882‬ملفا‪ ،‬أي‬

‫‪67‬‬
‫ما نسبته ‪ 38,8‬في املائة‪ ،‬مع العلم أنه تمت تصفية جل امللفات التي ترجع إلى ما قبل سنة‬
‫‪.2119‬‬
‫ولم يكن من املمكن تحقيق هذه النتائج لوال اتخاذ مجموعة من التدابير لتفعيل عملية‬
‫التنفيذ خاصة‪:‬‬
‫‪-‬عقد لقاءات شهرية مع شركات التأمين املنضوية تحت لواء الجامعة املغربية لشركات‬
‫التأمين وإعادة التأمين‪.‬‬
‫‪-‬عقد لقاءات ثنائية مع شركات التأمين التي كان لها أكبر مخلف قصد حثها على تصفيته‪.‬‬
‫غير أن هذا ال يعني عدم وجود صعوبات وإشكاليات حقيقية تعترض التنفيذ في مواجهة‬
‫شركات التأمين‪.‬‬
‫أوال‪ -‬إشكاليات التنفيذ في مواجهة شركات التأمين ‪:‬تتلخص هذه إلاشكاالت في ما يلي‪:‬‬
‫‪-‬عدم تخصيص هذه الشركات لجهة مختصة ملتابعة عملية التنفيذ‪.‬‬
‫‪-‬عدم إقدام بعض الشركات على بيع رصيدها العقاري لتوفير السيولة املالية رغم حصولها‬
‫على املوافقة على ذلك‪.‬‬
‫‪-‬عدم فعالية الحجز لدى الغير في مواجهة شركات التأمين البتداعها طريقة الحساب الجاري‬
‫التي تجعل رصيدها مدينا باستمرار‪ ،‬واختيارها لنظام التسهيالت البنكية ‪.‬‬
‫‪-‬تنفيذ ألاحكام من طرف شركات التأمين يتوقف عمليا خالل العطلة الصيفية وفي آخر‬
‫شهر من السنة‪.‬‬
‫‪-‬جعل عمليات تنفيذ ألاحكام من طرف شركات التأمين محصور في عدد معين وغالف مالي‬
‫محدد مسبقا (الكوطا‪).‬‬
‫‪-‬بعض شركات التأمين ال تنفذ ألاحكام الصادرة في حوادث الشغل القاضية بالرأسمال رغم‬
‫النفاذ املعجل معللة ذلك باستئنافها لهذه ألاحكام‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬استراتيجية وزارة العدل لتدبير ملف التنفيذ في مواجهة شركات التأمين ‪:‬تتشكل هذه‬
‫الاستراتيجية من خالل اتخاذ التدابير التالية‪:‬‬
‫‪-‬تحريك مساطر التنفيذ الجبري وهو ما من شأنه أن يعمل على نقل شركات التأمين من‬
‫حالة الاطمئنان إلى حالة اليقظة‪ ،‬ويدفع بها إلى إيالء عملية التنفيذ الاهتمام الالزم‪.‬‬
‫تتبع أقسام التنفيذ بكافة املحاكم للوقوف على مكامن الخلل وكل ما من شأنه أن يعرقل‬
‫إجراءات التنفيذ‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫‪-‬حث وزارة املالية على إجراء تفتيش لشركات التأمين للوقوف على إخالالت التسيير‪.‬‬
‫متابعة سياسة الاجتماعات الثنائية مع شركات التأمين ‪.‬‬
‫‪-‬موافاة الوزارة باسم القاض ي املكلف بمتابعة التنفيذ في مختلف املحاكم والذي يكون‬
‫ملزما بإعداد تقرير كمفصل كل ثالثة أشهر حول وضعية ملفات التنفيذ‪.‬‬

‫‪-7‬إشكاالت تنفيذ األحكام املدنية‬


‫إن موضوع التنفيذ قديم بقدم إلانسانية وقد حظي باهتمام الباحثين من ألاولين‬
‫وآلاخرين‪ ،‬فهذا عمر بن الخطاب في رسالته إلى قاضيه أبي موس ى ألاشعري يقول‪ ":‬ال ينفع‬
‫تكلم بحق ال نفاذ له"‪.‬‬
‫وقد كان القاض ي في صدر إلاسالم‪ ،‬هو املكلف بتنفيذ أحكامه‪ ،‬وغالبا ما يكون ذلك فور‬
‫صدور الحكم‪ ،‬إال أن يكون املحكوم عليه ذي عسرة‪ ،‬فنضرة إلى ميسرة"‪.‬‬
‫وتنفيذ ألاحكام نوعان‪ :‬اختياري وجبري‪.‬‬
‫وإذا كان التنفيذ الاختياري ال يطرح أي إشكال يذكر‪ ،‬فإن التنفيذ الجبري هو الذي حظي‬
‫باهتمام كبير من طرف الباحثين في مادة القانون‪ ،‬وقد ألف فيه بعض الباحثين كتاب‬
‫مستقلة‪.‬‬
‫كما أن وزارة العدل نفسها‪ ،‬قد أعدت منشورات كثيرة في هذا الباب تهدف كلها إلى تبسيط‬
‫مسطرة التنفيذ الجبري‪ ،‬ومع ذلك فقد ظلت عدة أحكام بدون تنفيذ فترات ال يستهان بها‪،‬‬
‫وذلك راجع إلى ما يعترض عملية التنفيذ من صعوبات قانونية‪ ،‬وأخرى واقعية تحول دون‬
‫مواصلة التنفيذ إلى نهايته بشكل ينسجم مع مقتضيات الحكم‪.‬‬
‫وملا كانت الصعوبة املشار إليها‪ ،‬قد تغير مجرى ألاحداث التي انتهت إليها املخاصمة أمام‬
‫القضاء‪ ،‬فإننا سنحاول التعرف على تلك الصعوبة أوال‪ ،‬وعلى نوع القضاء املختص‬
‫ملعالجتها ثانيا ثم على أطراف دعوى صعوبة التنفيذ ثالثا‪ ،‬ونختم بحول هللا باآلثار التي‬
‫تخلفها‪.‬‬
‫‪69‬‬
‫‪ .1‬التعريف بصعوبة التنفيذ‪:‬‬
‫إن املشرع املغربي‪ ،‬لم يعرف صعوبة التنفيذ على غرار الكثير من تشريعات العالم‪ ،‬وحسنا‬
‫فعل ألن مهمة التعريف‪ ،‬غالبا ما توكل إلى الفقهاء الباحثين‪ ،‬واملشرع ال يلجأ إلى التعريف‬
‫إال نادرا‪ ،‬وفي حاالت معدودة‪ ،‬تفاديا لخلط في مفهوم‪ ،‬أو دفعا اللتباس متوقع‪.‬‬
‫وكنموذج للتعاريف الفقهية نورد التعريف الذي أورده ألاستاذ علي راتب إذ قال‪ ":‬إنها تلك‬
‫الصعوبات التي تعترض تنفيذ ألاحكام واملستندات الواجبة التنفيذ‪ ،‬وهي منازعات قانونية‬
‫يتقدم بها الشخص املراد التنفيذ على أمواله‪ ،‬ملنع التنفيذ عليها‪ ،‬أو الحيلولة دون إتمامه‪.‬‬
‫أو هي منازعة قانونية‪ ،‬يتقدم بها الشخص الحاصل التنفيذ بناء على طلبه‪ ،‬يتضرر فيها من‬
‫عدم تمكينه من التنفيذ لسبب ما‪ ،‬ويطلب فيها مساعدته على ذلك‪.‬‬
‫كما عرفها آخرون‪ ،‬بأنها إحدى العقبات القانونية‪ ،‬التي يجعلها املنفذ عليه في وجه املحكوم‬
‫له‪ ،‬في محاولة لدرء التنفيذ‪ ،‬أو تأجيله ولو مؤقتا‪.‬‬
‫فصعوبة التنفيذ بهاذ املفهوم‪ ،‬نوعان‪ :‬نوع ينصب على الحكم ذاته‪ ،‬ونوع ينصب على‬
‫ألاحداث التي تطرأ بعد صدور الحكم‪.‬‬
‫فالنوع ألاول عالجه املشرع في الفصل ‪ 23‬من ق‪.‬م‪.‬م‪ .‬ويتعلق ألامر بطريقة استجالء‬
‫الغموض الذي يعتري أحيانا بعض ألاحكام تفسيرا أو تأويال‪.‬‬
‫أما النوع الثاني فقد عالجه املشرع في الفصول ‪ 138 ،133 ،119‬من قانون املسطرة‬
‫املدنية‪ ،‬ويتعلق ألامر باإلشكاالت التي تطرأ بعد صدور الحكم‪.‬‬
‫وإذا كانت إلاشكاالت التي عالجتها مقتضيات الفصل ‪ 23‬من ق‪.‬م‪.‬م‪ .‬تعد إشكاالت التنفيذ‬
‫البسيطة ألن أمرها سيعود إلى املحكمة املصدرة للحكم التي هل أعلم بظروف ومالبسات‬
‫الخصومة‪ ،‬فإن ألامر ليس كذلك بخصوص الحاالت ألاخرى‪ ،‬إذ أن املر في الحالة الثانية‬
‫يختلف عن ألاولى‪ ،‬سواء من حيث الزمان‪ ،‬أو الظروف لطارئة‪ ،‬خاصة وأن هذه الحالة أي‬
‫الثانية ال تثار غالبا‪ ،‬إال واملنفذ قد شرع في مسطرة التنفيذ‪ ،‬وبذلك فإن ظروف ومالبسات‬
‫القضية‪ ،‬تستدعي الفصل في الاعتراض بصفة مستعجلة‪ ،‬وعن طريق القضاء املستعجل‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫لذلك فإن املشرع أسند مهمة الفصل في صعوبات التنفيذ‪ ،‬للقضاء املستعجل (ف ‪،119‬‬
‫‪ 138 ،133‬من ق‪.‬م‪.‬م‪ ).‬وملا كان ألامر كذلك‪ ،‬فإن دعوى صعوبة التنفيذ يجب أن تتوفر فيها‬
‫مواصفات الدعوى الاستعجالية التي من أهمها‪ :‬توفر حالة الاستعجال من جهة‪ ،‬وعدم‬
‫املساس بأصل الحق من جهة أخرى‪ ،‬باإلضافة إلى جدية املنازعة التي نصت عليها‬
‫مقتضيات الفصل ‪ 133‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬‬
‫وحالة الاستعجال‪ ،‬تتمثل في دعوى صعوبة التنفيذ‪ ،‬في دفع الضرر املؤكد الذي يتعذر‬
‫تداركه أو إصالحه إذا ما حدث كهدم بناء مثال‪.‬‬

‫وعدم املساس بالحق يقتض ي بأن ال يتطرق موضوع الصعوبة في التنفيذ إلى تفسير الحكم‬
‫املراد تنفيذه‪ ،‬أو تأويله‪ ،‬ألن مثل هذه املهمة قد أسندت إلى املحكمة املصدرة للحكم‪.‬‬
‫هذا مع العلم بأن عدم املساس بأصل الحق‪ ،‬ال يقتض ي عدم إلاضرار بطرفي الحكم‪ ،‬أو‬
‫أحدهما‪ ،‬بل إن التدبير الذي قد يتخذه قاض ي املستعجالت‪ ،‬يكون مضرا أحيانا بطالب‬
‫التنفيذ بحرمانه مؤقتا من تنفيذ الحكم‪ ،‬كما يمكن أن يضر بمصالح املحكوم عليه‬
‫بحرمانه من أشياء كان يعتقدان أن الحكم ال يشملها‪.‬‬
‫وبذلك فإن عدم املساس بالحق في هذه الدعوى يعني فقط عدم تأويل أو تفسير الحكم‬
‫املراد تنفيذه‪.‬‬
‫‪.2‬القضاء املختص ملعالجة صعوبة التنفيذ‪:‬‬
‫إذا كان القضاء املستعجل هو املختص بالنظر في دعوى صعوبة التنفيذ فإن لقضاء‬
‫املستعجالت جهات متعددة‪ ،‬إذ أن هذه املهمة وإن كانت مسندة أساسا إلى رئيس املحكمة‬
‫الابتدائية‪ ،‬فإنها قد تسند إلى الرئيس ألاول في حاالت معينة‪ ،‬كما أنه ملا كان تنفيذ الحكم‪،‬‬
‫قد يكون خارج الدائرة الترابية للمحكمة املصدرة له فإن للبعض أن يتساءل عن القضاء‬
‫املستعجل الذي سينظر في دعوى صعوبة التنفيذ أهو رئيس املحكمة املصدرة للحكم‪ ،‬أو‬
‫هو رئيس املحكمة التي يجري التنفيذ في دائرتها؟‪.‬‬
‫ولتوضيح ذلك نقول‪:‬‬

‫‪71‬‬
‫إن ألاحكام القابلة للتنفيذ نوعان‪:‬‬
‫أ)أحكام نهائية بحكم استئنافي أو حكم ابتدائي أصبح نهائيا‪ ،‬وفي هذه الحالة ال يمكن أن‬
‫تثار صعوبة التنفيذ في ألاحكام آلانفة الذكر إال أمام رئيس املحكمة قاض ي املستعجالت‪.‬‬
‫ب)أحكام غير نهائية ولكنها مشفوعة بالتنفيذ ملعجل بنص الحكم أو القانون‪ ،‬وفي هذه‬
‫الحالة فإنه إذا ما أثيرت صعوبة في تنفيذها فعلينا أن نحدد موقع ومكان نزاع ألاصل‪،‬‬
‫وعلى ضوئه يمكن أن نحدد القضاء املستعجل املختص‪ ،‬ذلك أنه إذا كان نزاع ألاصل قد‬
‫عرض على محكمة الاستئناف‪ ،‬كان الرئيس ألاول هو املختص بالنظر في مثل هذه الدعوى‬
‫(الفقرة ألاخيرة من ف ‪ 119‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.).‬‬
‫ومفهوم نزاع ألاصل الذي يكون قد عرض على محكمة الاستئناف‪ ،‬يبتدئ مفعوله منذ‬
‫وضع مقال الاستئناف في صندوق املحكمة‪ ،‬ولو لم يكن امللف أحيل بعد على محكمة‬
‫الاستئناف‪.‬‬
‫كما أن الرئيس ألاول‪ ،‬يبقى مختصا حتى في حالة التعرض على قرار محكمة الاستئناف‪،‬أو‬
‫أثيرت أمام محكمة الاستئناف دعوى تعرض الغير الخارج عن الخصومة‪ ،‬أما إذا انتهى نزاع‬
‫ألاصل أمام محكمة الاستئناف فإن حق النظر في صعوبة التنفيذ يعود إلى رئيس املحكمة‪.‬‬
‫أما فيما يخص الصعوبة املثارة حول تنفيذ حكم يباشر خارج الدائرة القضائية للمحكمة‬
‫املصدرة للحكم فإن ألاصل كما هو معلوم هو أن تعمل كل محكمة على تنفيذ ألاحكام التي‬
‫تصدرها‪( ،‬ف ‪ 115‬من ق‪.‬م‪.‬م‪ ).‬لكن ملا كانت كتابة الضبط التي تعمل في املحكمة املصدرة‬
‫للحكم ال يمكنها الانتقال للتنفيذ خارج الدائرة القضائية‪ ،‬فإن كتابة الضبط املذكورة‪،‬‬
‫توجه الحكم بإنابة قضائية إلى نظيرتها بمحكمة مكان التنفيذ‪( ،‬ف ‪ 139‬من ق‪.‬م‪.‬م‪ ،).‬وإذا‬
‫ما أثيرت صعوبة في تنفيذ الحكم آلانف الذكر‪ ،‬فإن قاض ي املستعجالت ملحكمة مكان‬
‫التنفيذ‪ ،‬ويستفاد هذا الاتجاه من سياق الفصل ‪ 133‬من ق‪.‬م‪.‬م‪ ،.‬الذي يشير إلى أن‬
‫لصعوبة املشار بمناسبة التنفيذ تحال على الرئيس بالتعريف‪ ،‬والتعريف في اصطالح‬
‫النحويين ال يكون إال ملعلوم‪ ،‬والرئيس املعلوم لدى كتابة الضبط املنفذة‪ ،‬هو الذي تعمل‬

‫‪72‬‬
‫بتوجيهاته‪ ،‬وتحت إمرته‪ ،‬وبذلك فإن صعوبة التنفيذ ال يمكن أن تثار في مثل هذه الحالة‪،‬‬
‫إال أمام رئيس محكمة مكان التنفيذ؟‬
‫‪.3‬أطراف الصعوبة‪:‬‬
‫أطراف صعوبة التنفيذ حسب مفهوم قانون املسطرة املدنية نوعان‪:‬‬
‫نوع يتعلق باألطراف املباشرة للحكم ونوع يتعلق بطرف غير مباشر في الحكم املراد تنفيذه‪.‬‬
‫أ)ألاطراف املباشرة‪ :‬لقد نص الفصل ‪ 133‬من ق‪.‬م‪.‬م‪ .‬الذي عالج مسطرة إثارة صعوبة‬
‫التنفيذ‪ ،‬على أن لألطراف‪ ،‬الحق في إثارة صعوبة التنفيذ‪ ،‬وتحال على رئيس املحكمة من‬
‫املحكوم عليه‪ ،‬أو املحكوم له‪ ،‬من املنفذ نفسه‪.‬‬

‫إال أن الذي يالحظ بخصوص مقتضيات الفصل املذكور أن البعض يخلط بين إثارة‬
‫الصعوبة ـ وال يكون ذلك إال ألطراف الحكم املراد تنفيذه وإحالتها على رئيس املحكمة‪ ،‬إذا‬
‫اعتقد البعض بأن لألطراف‪ ،‬كما للمنفذ الحق في إثارة صعوبة التنفيذ‪ ،‬وهذا نهج ال‬
‫يستقيم مع نسبية ألاحكام من جهة‪ ،‬وال مع مهمة املنفذ التي يجب أن يطبعها الحياد‬
‫واملوضوعية من جهة أخرى‪ ،‬وإذا ما أثار املنفذ صعوبة في التنفيذ‪ ،‬فإنه سيكون قد حاد‬
‫عن املبادئ املشار إليها‪.‬‬
‫وفي هذا الاتجاه صدر قرار املجلس ألاعلى عدد‪ 812 :‬الصادر بتاريخ ‪ 1991/1/11‬في امللف‬
‫املدني عدد ‪ 88/513‬املنشور في مجلة قضاء املجلس ألاعلى عدد‪ 15 :‬صفحة ‪ 25‬وقد جاء‬
‫في حيثيات املجلس ما يلي‪ :‬لكن حيث أن الصعوبة في التنفيذ ال يثيرها رئيس كتابة الضبط‪،‬‬
‫وإنما يثيرها ألاطراف‪،‬وفي النازلة‪ ،‬ألاطراف هم البنك ش من جهة‪ ،‬والسيد عبد هللا الرافعي‬
‫ومن معه‪ ،‬أما رئيس كتابة الضبط الذي رفع استفسار إلى السيد رئيس املحكمة الابتدائية‪،‬‬
‫حول وجود صعوبة في التنفيذ فقد رفعها بالنيابة عن الطرف الثاني في الدعوى‪ ،‬وليس‬
‫طرفا أصليا في رفع الاستئناف ضده ولذلك كان على الطرف الثاني املستأنف أن يرفع‬
‫الاستئناف ضد الخصم والطرف ألاصلي مما كن معه القرار معلال تعليال سليما فالوسيلة‬
‫غير مرتكزة على أساس‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫ب)الطرف غير املباشر‪ :‬فالطرف غير املباشر هو الذي لم يكن طرفا في نزاع الحكم املراد‬
‫تنفيذه وله حالتان‪.‬‬
‫‪.1‬حالة الغير التي ال صلة له البتة بأطراف النزاع‪ ،‬وهي الحالة التي عالجها املشرع في‬
‫الفصلين ‪ 182 ،138‬من ق‪.‬م‪.‬م‪:‬‬
‫ذلك أن املشرع قد خول للغير الذي تحجز أمواله تنفيذا لحكم لم يكن طرفا فيه‪ ،‬إمكانية‬
‫انتزاع ممتلكاته من يده للتنفيذ عليها‪ ،‬باللجوء إلى رئيس املحكمة‪ ،‬الستصدار أمر بتأجيل‬
‫التنفيذ على املحجوزات إن كانت من النوع املنقول‪ ،‬إلى حين الفصل في استحقاقها من‬
‫طرف محكمة املوضوع‪.‬‬
‫أما إذا تعلق ألامر بحجز عقار الغير الذي ليس طرفا في الحكم املراد تنفيذه فإن لهذا ألاخير‬
‫الحق في إبطال ذلك الحجز بإقامة دعوى استحقاق العقار املذكور‪ ،‬ولكن قد يحدث‪ ،‬أن‬
‫املنفذ يصر على متابعة مسطرة التنفيذ رغم إقامة دعوى استحقاق لسبب ما كما الختال‬
‫في حدود العقار أو نوعه‪ ،‬وفي هذه الحالة ال يمكن تفادي ذلك إال بعرض ألامر على رئيس‬
‫املحكمة‪ ،‬الستصدار أمر بتأجيل التنفيذ على العقار املحجوز إلى حين الفصل في دعوى‬
‫الاستحقاق‪.‬‬
‫‪.2‬حالة الغير الذي ليس طرفا في النزاع ولكن له آصرة باملنفذ عليه وتصبح مصالحه مهددة‬
‫كما هو الحال بالنسبة للخلف الخاص للمنفذ عليه كالذي يكون قد اشترى سيارة املنفذ‬
‫عليه لكن عملية نقل امللكية الزالت لم تتم بعد فعمد ملنفذ إلى حجزها حجزا تنفيذيا‪،‬وفي‬
‫هذه الحالة‪ ،‬لم يكن ملعني باألمر بد من الالتجاء إلى مسطرة تعرض الغير الخارج عن‬
‫الخصومة أمام الجهة املصدرة للحكم‪ ،‬كما قد يلجأ إلى رئيس املحكمة للمطالبة بإيقاف‬
‫التنفيذ دفعا ملا سيلحقه من ضرر‪ ،‬وهذه الدعوى يرى البعض أنها تندرج في إطار صعوبة‬
‫التنفيذ بينما يرى آخرون أنها ليست كذلك‪ ،‬وبخصوص النظر في هذا النوع من إشكاالت‬
‫التنفيذ‪ ،‬ظهرت عدة اتجاهات في القضاء املغربي‪ ،‬اتجاه اعتبر أن املتعرض تعرض الغير‬
‫الخارج عن الخصومة أصبح معنيا بالخصومة التي كانت بين ألاطراف الظاهرة للحكم‪،‬‬
‫فخولته الحق في إثارة صعوبة التنفيذ‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫بينما الاتجاه الثاني‪ ،‬اعتبر أن املتعرض تعرض الغير الخارج عن الخصومة ليس طرفا في‬
‫الخصومة ويعد أجنبيا عن النزاع‪ ،‬وإذا كان ألامر كذلك‪ ،‬فليس من حقه إثارة صعوبة‬
‫التنفيذ أمام رئيس املحكمة‪ ،‬وال يمكن أن يكون ادعاءه عرقلة في التنفيذ‪ ،‬وهذا الاتجاه هو‬
‫الذي كرسه قرار املجلس ألاعلى الصادر بتاريخ ‪ 91/13/13‬تحت عدد ‪ 315‬في امللف املدني‬
‫عدد ‪ 83/1221‬املنشور في مجلة قضاء املجلس ألاعلى عدد ‪ 15‬ص ‪ 33‬وقد جاء في حيثيات‬
‫املجلس‪:‬‬

‫"حيث تبين صحة ما عابه الطالب على القرار‪ ،‬ذلك أنه بناء على مبدأ نسبية ألاحكام‪،‬‬
‫فاملطلوبة لم تكن طرفا في ألامر عدد‪ ،83/232 :‬الذي لم يصدر في مواجهتها‪ ،‬وبذلك لم تكن‬
‫لها الصفة في إثارة الصعوبة التي أناطها الفصل ‪ 133‬من قانون املسطرة املدنية باألطراف‬
‫دون غيرها‪ ،‬وكان السبيل الوحيد بيد املطلوبة للدفاع عن حقوقها هو سلوك مسطرة‬
‫تعرض الخارج عن الخصومة فالوسيلة مرتكزة على أساس وتعرض القرار للنقض"‪.‬‬
‫لكن إذا لم يكن من حق املتعرض الغير الخارج عن الخصومة الحق في إثارة صعوبة‬
‫التنفيذ فإن من حقه أن يلجأ إلى قاض ي املستعجالت بطلب تأجيل التنفيذ في إطار الفصل‬
‫‪ 119‬في انتظار الفصل في دعوى تعرض الغير الخارج عن الخصومة دفعا للضرر الذي‬
‫يتهدده‪.‬‬
‫‪.1‬آثار دعوى صعوبة التنفيذ‪:‬‬
‫إن دعوى صعوبة التنفيذ ككل دعوى يجب أن يتوفر فيها ما يتوفر في كل دعوى من صفة‬
‫وأهلية ومصلحة باإلضافة إلى جدية الطلب الذي هو العنصر املميز لهذه الدعوى مع إرفاقها‬
‫بالحجج التي ينوي املدعي اعتمادها أو الاحتفاظ بحقه في تقديمها أثناء املناقشة‪ ،‬لذلك فإن‬
‫قوة حجج املدعي وضعفها ستنتهي حتما بقبول الدعوى أو ردها‪.‬‬
‫وإذا كان عدم قبول دعوى صعوبة التنفيذ ال يثير أي إشكال بخصوص مواصلة مسطرة‬
‫التنفيذ‪ ،‬فإن عدة تساؤالت تطرح عند الاستجابة لطلب مثير الصعوبة إذ في هذه الحالة‬
‫يصدر ألامر بوقف إجراءات التنفيذ بصفة مؤقتة‪ ،‬والسؤال ألاهم الذي يتبادر إلى الذهن‬
‫هو إلى متى ستظل هذه الوقتية معرقلة لتنفيذ حكم أصبح قابال للتنفيذ‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫إن مقتضيات الفصل ‪ 133‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬تنص على أنه إذا ثبت للرئيس جدية الطلب‪ ،‬أمكنه‬
‫إصدار ألامر بوقف التنفيذ إلى أن يبث في ألامر‪.‬‬

‫ويقصد بالبث في ألامر لجوء من يعنيه ألامر من الطرفين إلى املحكمة املصدرة للحكم املراد‬
‫تنفيذه لتوضيح إلاشكال الذي ارتأى الرئيس بأنه يشكل صعوبة في التنفيذ‪ ،‬ولم يحدد‬
‫املشرع أجال لرفع هذه الدعوى‪ ،‬على غرار ما فعل في الفصل ‪ 138‬من ق‪.‬م‪.‬م‪ .‬ورغم ذلك‬
‫فإن مسطرة التنفيذ تظل موقوفة إلى حين إقامة الدعوى املشار إليها والفصل فيها بحكم‬
‫نهائي‪ ،‬وإال فإن التوقف سيظل ساري املفعول إلى حين تقادم مسطرة التنفيذ‪ ،‬أو استصدار‬
‫أمر استعجالي آخر بالعدول عنه إذا تغيرت الظروف التي صدر في ظلها ألامر ألاول‪.‬‬
‫هذا فيما يخص صعوبة التنفيذ املثارة من بل أطراف النزاع في إطار الفصل ‪ 133‬من‬
‫ق‪.‬م‪.‬م‪.‬‬
‫أما فيما يخص صعوبة التنفيذ التي يمكن إثارتها من طرف ألاغيار (ف ‪ 138‬من ق‪.‬م‪.‬م‪ ).‬فإن‬
‫الاستجابة للطلب تقتض ي وقف إجراءات التنفيذ على تلك املحجوزات في انتظار الفصل في‬
‫دعوى استحقاقها بحكم نهائي‪ ،‬ودعوى الاستحقاق يجب أن تعرض على قضاء املوضوع‬
‫داخل أجل ثمانية أيام من تاريخ ألامر بوقف التنفيذ ما ملتكن أقيمت قبل ذلك‪.‬‬
‫إذن فقرار محكمة املوضوع‪ ،‬أو مض ي أجل الثمانية أيام دون إقامة تلك الدعوى هو الذي‬
‫سيقرر مصير إجراءات التنفيذ التي صدر ألامر بوقفها مؤقتا‪.‬‬
‫فغذ حكمت محكمة الستحقاق برفض دعوى الغير‪ ،‬أو حكمت بعدم قبولها‪ ،‬أو أن دعوى‬
‫الاستحقاق لم تقم داخل أجل الثمانية أيام املنصوص عليها قانونا‪ ،‬فإن املنفذ يواصل‬
‫إجراءات التنفيذ على املحجوزات إلى نهاية مسطرة التنفيذ‪.‬‬
‫غير أن ما تجدر إلاشارة إليه بخصوص مقتضيات الفصل ‪ 138‬من ق‪.‬م‪.‬م‪ .‬هو أن لطالب‬
‫التنفيذ الذي واجهه الغير بأن ألاموال التي انصب عليها الحجز ليست ملكا للمنفذ عليه‪ ،‬أن‬
‫يعدل عن ذلك الحجز‪ ،‬ويطالب بحجز أموال أخرى للمنفذ عليه‪،‬تفاديا لوقف إجراءات‬
‫التنفيذ‪ ،‬وفي ذلك تنازل ضمني عن الحجز السابق وإن اقتض ى الحال قدم إشهادا مكتوبا‬

‫‪76‬‬
‫للمنفذ بالتنازل عن الحجز املشار إليه حسما لكل منازعة قد تثار في شأن ذلك الحجز‬
‫السابق‪.‬‬
‫كانت هذه أيها السادة والسيدات‪ ،‬باختصار مجمل إشكاالت التنفيذ التي قد تحول مؤقتا‬
‫دون تنفيذ حكم ما‪ ،‬فتطيل أمد النزاع بين الطرفين أحيانا‪ ،‬وبين املحكوم له والغير أحيانا‬
‫أخرى‪.‬‬
‫هللا‪.‬‬ ‫وهللا املوفق للصواب والسالم عليكم ورحمة‬

‫‪ -8‬إدارة املوارد البشرية وموقعها يف‬


‫اهليكل التنظيمي للمؤسسة احلديثة‬
‫لقد اختلفت وجهات نظر املديرين في الحياة العملية في تحديد مفهوم موحد ومتفق عليه‬
‫إلدارة املوارد البشرية ويمكن التمييز بين وجتهي نظر أساسيتين هما‪:‬‬
‫أ‪ :‬وجهة النظر التقليدية‬
‫يرى بعض املديرين أن إدارة املوارد البشرية ما هي إال مجرد وظيفة قليلة ألاهمية في املنشأة‬
‫وتقتصر على القيام بأعمال روتينية تنفيذية من أمثلتها حفظ املعلومات على العاملين في‬
‫ملفات وسجالت معينة ومتابعة النواحي املتعلقة بالعاملين مثل ضبك أوقات الحضور‬
‫والانصراف والانجازات والترقيات ويبدو أن إدارة املوارد البشرية لم تخص باالهتمام هؤالء‬
‫املديرين ‪ ،‬حيث يرون أن تأثيرها ضئيل على كفاءة ونجاح املنشأة وقد انعكس ذلك على‬
‫الدور الذي به مدير إدارة املوارد البشرية ‪ ،‬وكذلك على الوضع التنظيمي لهذه إلادارة‪)1(.‬‬
‫ب‪ :‬وجهة النظر الحديثة‪:‬‬
‫يرى البعض آلاخر من املديرين أو إدارة املوارد البشرية تعتبر من أهم الوظائف إلادارية في‬
‫املنشاة وهي ال تقل أهمية عن باقي الوظائف ألاخرى ‪ :‬كالتسويق وإلانتاج واملالية وكذلك‬
‫ألهمية العنصر البشري وتأثيره على الكفاءة إلانتاجية للمنشأة ‪ ،‬وكذلك اتسع مفهوم إدارة‬

‫‪77‬‬
‫املوارد البشرية ليشمل أنشطة رئيسية من أهمها تحليل وتوصيف الوظائف ‪ ،‬تخطيط‬
‫املوارد البشرية ‪ ،‬جذب واستقطاب املوارد البشرية ‪ ،‬تحفيز املوارد البشرية ‪ ،‬تنمية وتدريب‬
‫املوارد البشرية ‪ ،‬باإلضافة إلى النشاط التقليدي املتعلق بشؤون املوارد البشرية في‬
‫املنشأة‪)2(.‬‬
‫ج‪-‬أهم التعاريف إلدارة املوارد البشرية‬
‫التعريف ألاول‪:‬‬
‫هي إلادارة التي تؤمن بان ألافراد العاملين في مختلف املستويات أو نشاطات املؤسسة هم‬
‫أهم املوارد ومن واجبها أن تعمل على تزويدهم بكافة الوسائل التي تمكنهم من القيام‬
‫بأعمالهم ملا فيه مصلحتها ومصلحتهم وأن تراقبهم وتسهر عليهم باستمرار لضمان نجاحهم‬
‫ونجاح العامة‪)3( .‬‬
‫التعريف الثاني‪:‬‬
‫إدارة املوارد البشرية هي سلسلة القرارات الخاصة بالعالقات الوظيفية املؤثرة في فعالية‬
‫املنظمة والعاملين فيها‪)1(.‬‬
‫التعريف الثالث‪:‬‬
‫يعرف فرانراش إدارة املوارد البشرية بأنها عملية اختيار واستخدام وتنمية وتعويض املوارد‬
‫البشرية العاملة في املؤسسة‪.‬‬
‫التعريف الرابع‪:‬‬

‫يعرف فيليبو إدارة املوارد البشرية بأنها تخطيط وتنظيم وتوجيه ومراقبة النواحي املتعلقة‬
‫بالحصول على ألافراد وتنميتهم وتعويضهم واملحافظة عليهم بغرض تحقيق أهداف املنشأة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬تطور إدارة املوارد البشرية‬
‫أ‪ :‬أسباب ظهورها‬

‫‪1-‬التوسع والتطور الصناعي الذي تم في العصر الحديث ساعد على ظهور التنظيمات‬
‫العاملية ‪ ،‬وبدأت نظهر املشاكل والصعوبات والصراعات بين إلادارة واملوارد البشرية‬
‫وحاولت الغدارة استخدام بعض ألاساليب ملواجهة هذه املشاكل ولكن ذلك لم يقلل من‬
‫الحاجة إلى وجود إدارة متخصصة تراعي املوارد البشرية وتعالج مشاكلها‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫‪2-‬التوسع الكبير في التعليم وفرض الثقافة العامة أمام املوارد البشرية أدى إلى زيادة وعي‬
‫القوى العاملة نتيجة ارتفاع مستواهم التعليمي والثقافي وتطلب ألامر وجود متخصصين في‬
‫إدارة املوارد البشرية ووسائل حديثة أكثر للتعامل مع هذه النوعيات الحديثة من املوارد‬
‫البشرية‪.‬‬

‫‪3-‬زيادة التدخل الحكومي في عالقات العمل بين العمال وأصحاب ألاعمال عن طريق إصدار‬
‫القوانين حتى ال تقع املنشأة في مشاكل مع الحكومة نتيجة لعدم التزامها بهذه القوانين‪.‬‬
‫‪4-‬ظهور النقابات والتنظيمات العاملية التي تدافع العن املوارد البشرية وتطلب املر ضرورة‬
‫الاهتمام بعالقات إلادارة واملنظمات العاملية من ثم كانت أهمية وجود إدارة متخصصة‬
‫لخلق جو من التعاون الفعال بين إلادارة واملنظمات العاملية وإعادة سياسات جديدة‬
‫للعالقات الصناعية‪.‬‬

‫‪5-‬تشريع العمل الذي ظهر هو آلاخر والتزامات املؤسسة في ميادين إلاعالم واملشاركة وتسيير‬
‫التشاور بمعنى آخر الديمقراطية لغدارة‪.‬‬
‫ب ‪ :‬تطور تسيير املوارد البشرية‬
‫عادة ما يتم تجميع نشاطات إدارة ألافراد في وحدة تنظيمية واحدة يطلق عليها أحيانا‬
‫إلادارة إلادارية ‪ ،‬في البداية يمكن القول أنها وظيفة تضمن أو تؤمن مجموع النشاطات التي‬
‫تضع تحت تصرف املؤسسة العناصر البشرية الضرورية عدديا ونوعيا أي كما وكيفا لتكون‬
‫في خدمتها ‪ ،‬وعلى مر العقود الزمنية ألاخيرة نجد أن الوظيفة قد تميزت بتطورين إثمين إلى‬
‫حد ما التطور ألاول أدى على التطور الثاني‪.‬‬

‫•التطور ألاول‪:‬‬
‫كان فيما يتعلق بإصالح املستعمل في املنظمات من أجل إلاشارة والتدليل على مسئول‬
‫وظيفة تسيير املوظفين أو ألافراد وهذا املصطلح إلى حد ما ‪ ،‬وحسب التسلسل الزمني أخذ‬
‫ألاشكال التالية‪:‬‬
‫‪-‬رئيس املوظفين‬
‫‪-‬مدير ألافراد‬

‫‪79‬‬
‫‪-‬مدير الشؤون الاجتماعية‬
‫‪-‬مدير املوارد البشرية‬
‫كتوصيف للدور الذي غالبا ما كانت تعهد به إدارة املوارد البشرية هذه ألاخيرة التي يرمز لها‬
‫بالرمز ‪ DRH‬فاملسير أو املدير من املستوى العالي يمكن له أن يبحث في أوج حاجات املنظمة‬
‫وكذلك طموحات ألافراد غير أن هذا التصنيف مختصر وذلك ألن هناك رؤساء مستخدمين‬
‫يمكن أن يتورطوا في املسائل إلانسانية والسبب هو بيروقراطية البعض منهم‪.‬‬
‫•التطور الثاني‪:‬‬
‫لقد حصل في محتوى أو تنظيم وظيفة تسيير ألافراد نفسها خاصة أهدافها وغاياتها‬
‫وسياساتها تطور واسع بفضل بعض الدراسات ‪ .‬ولكن تجاهل بعض املفكرين وعلماء‬
‫التسيير وإلادارة ما ظهر منها بعد الثورة الصناعية وتخصيص نظام املصنع وبروز دور‬
‫املنضمين واملسيرين لذلك كله برزت الحاجة إلى علم وممارسات مستقلة للموارد البشرية‬
‫عندما بدأت عالقات العمل والعاملين في التعقيد وظهر ذلك جليا بعد الثورة الصناعية‬
‫وظهور آلاالت واملجتمعات‪.‬‬
‫وهذه ملحة سريعة عن محتوى إدارة ألافراد وتسيير املوارد البشرية‬
‫‪-‬الثورة الصناعية‬
‫‪-‬ظهور الحركات العاملية و الاتحادات والنقابات‪.‬‬
‫‪-‬ظهور إدارة ألافكار العلمية‪.‬‬
‫‪-‬ظهور حركة العالقات إلانسانية‬
‫‪-‬بداية ظهور بعض ممارسات ألافراد‬
‫‪-‬بداية ظهور بعض املتخصصين في تسيير املوارد البشرية‬
‫ثالثا‪:‬أهمية وأهداف إدارة املوارد البشرية‬

‫أ ‪ :‬أهمية إدارة املوارد البشرية‬


‫تكمن أهمية إدارة املوارد البشرية فيما يلي‪:‬‬
‫‪-‬تهتم باملوارد الرئيسية في املنظمة و هم ألافراد‬
‫‪-‬ال توجد مؤسسة دون إدارة موارد بشرية‬
‫‪-‬تقوم بتطوير مهارات ألافراد العاملين باملؤسسة‬

‫‪81‬‬
‫‪-‬تصنع الخطط املناسبة للتدريب‪.‬‬
‫‪-‬تقوم بدراسة مشاكل ألافراد ومعالجتها‪.‬‬
‫‪-‬تختار ألافراد املناسبين لشغل الوظائف‪.‬‬
‫ب‪ :‬أهداف إدارة املوارد البشرية‬
‫هناك نوعين من ألاهداف هما املشاركة والفعالية‪.‬‬
‫‪1-‬املشاركة ‪ :‬وتتمثل فيما يلي‬
‫•استقطاب واختيار املوارد البشرية القادرة على تحقيق أهداف املؤسسة‬
‫•التعريف باملؤسسة بشكل سليم بحيث يرغب طالبي العمل في الانضمام إلى املنظمة‪.‬‬

‫•الاحتفاظ باألفراد الناجحين في عمليات الاختيار‪.‬‬


‫•استقرار اليد العاملة في املنظمة‪)5(.‬‬
‫‪2-‬الفعالية‪:‬‬
‫وهي جعل القوى العاملة تنجز ما يطلب منها بنجاح ومثابرة وهي مرتبطة بعدة عوامل منها‪:‬‬
‫•تحفيز ألافراد‬
‫•تطوير قدراتهم ومهاراتهم‬
‫•مدهم بمهارات جديدة واملواد الكفيلة لتحقيق ذلك‪.‬‬
‫•مساعدتهم على التواصل إلى ألاداء املرغوب فيه‪.‬‬
‫رابعا‪:‬وظائف إدارة املوارد البشرية‬
‫أ‪ :‬الوظائف الرئيسية إلدارة املوارد البشرية‬
‫أ‪ :1-‬الوظائف ألاولى إلدارة املوارد البشرية وتتمثل فيما يلي‪:‬‬
‫‪-‬تحليل العمل‪:‬‬
‫وتعني هذه الوظيفة التعرف على ألانشطة واملهام املكونة للوظيفة وتحديد املسؤوليات‬
‫امللقاة على عاتقها وتصمم الوظيفة بشكل مناسب وتحديد مواصفات من يشغلها‪.‬‬

‫‪-‬تخطيط القوى العاملة‪:‬‬

‫‪81‬‬
‫تعني تحديد احتياجات املنظمة من أنواع وأعداد العاملين ويتطلب هذا تحديد طلب‬
‫املؤسسة من العاملين وتحديد ما هو معروف ومتاح منها واملقارنة بينها لتحديد صافي العجز‬
‫والزيادة في القوى العاملة للمؤسسة‬
‫‪-‬الاختيار والتعيين‪:‬‬
‫وتهتم هذه الوظيفة بالبحث عن العاملين في سوق العمل وتصفيتهم من خالل طلبات‬
‫التوظيف والاختيار واملقابالت الشخصية وذلك لوضع الفرد املناسب في املكان املناسب‪.‬‬
‫‪-‬تصميم هيكل الجور‪:‬‬
‫وتهتم هذه الوظيفة بتحديد القيمة وألاهمية النسبية لكل وظيفة وتحديد أجرها وتحديد‬
‫الدرجات ألاجرية للوظائف كما تهتم الوظيفة بإدارة سليمة لنظام ألاجور حتى يتم ضمان‬
‫مقابل للقيم والهيئات املختلفة للوظائف املختلفة‪.‬‬
‫أ‪ :2-‬الوظائف الثانية‬
‫أي الوظائف التي تأتي بعد تحسين الفرد في عمله‬
‫–تصميم أنظمة الحوافز‪:‬‬
‫وتعني منح مقابل عادل لألداء املتميز ويمكن تحفيز العاملين على أدائهم الجماعي فتظهر‬
‫الحوافز الفردية والحوافز الجماعية وأيضا هناك حوافز على آداء املنظمة ككل‪.‬‬
‫‪-‬تصميم أنظمة مزايا وخدمات العاملين‪:‬‬

‫تهتم املؤسسة بمنح عامليها كمزايا معينة مثل املعاشات والتأمينات الخاصة باملرض‬
‫والبطالة كما تهتم املنظمات بتقسيم خدمات للعاملين في شكل خدمات مالية واجتماعية‬
‫رياضية وقانونية وقد تمتد إلى إلاسكان واملواصالت وغيرها‪.‬‬
‫‪-‬تقييم ألاداء‪:‬‬
‫تهتم كل مؤسسة تقريبا بتقييم أداء موظفيها ويتم ذلك من خالل أساليب معينة وغالبا ما‬
‫تقوم بتقسيم الرؤساء املباشرين بهدف التعرف على الكفاءة العامة للعاملين وبغرض‬
‫التعرف على أوجه التطور في ألاداء‪.‬‬
‫‪-‬التدريب‪:‬‬

‫‪82‬‬
‫تمارس املؤسسة أنشطة التدريب بعرض رفع كفاءة ألافراد ومعارفهم ومهاراتهم وتوجيه‬
‫واتجاهاتهم نحو أنشطة معينة على الشركة أن تحدد احتياجات املرؤوسين للتدريب وان‬
‫تستخدم ألاساليب والطرق املناسبة وأن تقيم فعالية هذا التدريب‪.‬‬
‫‪-‬تخطيط املسار الوظيفي‪:‬‬
‫تهتم هذه الوظيفة بالتخطيط للحركات الوظيفية املختلفة للعاملين في املؤسسة وعلى‬
‫ألاخص فيما يخص النقل والترقية والتدريب ويحتاج هذا إلى التعرف على نقاط القوى لدى‬
‫الفرد ونقاط الضعف لديه‪.‬‬
‫ب‪ -‬الوظائف املساعدة إلدارة املوارد البشرية‬
‫‪1-‬العالقة مع النقابات‪:‬‬

‫وهي وظيفة تهتم بتنظيم العالقات مع التنظيمات العمالية (النقابات) والتطرق إلى‬
‫املوضوعات مثل الشكاوي والنزاعات العاملية والفصل من الخدمة‪.‬‬
‫‪2-‬أمن وسالمة العاملين‪ :‬وهي تهتم بإجراءات الحفاظ على سالمة العاملين وألامن والصحة‬
‫الاتجاهات النفسية السليمة لهم‪.‬‬
‫‪3-‬ساعات وجداول العمل ‪ :‬وتهتم هذه الوظيفة بتحديد ساعات العمل والراحة وإلايجارات‬
‫وفقا لنظام يناسب طبيعة املؤسسة ووضع نظام بتكفل بكفاءة العامل‪.‬‬
‫خامسا ‪ :‬موقع إدارة املوارد البشرية في الهيكل التنظيمي للمؤسسة‬
‫إن الهيكل التنظيمي يعني الصرح الرسمي املقرر من قبل إدارة املؤسسة بحيث أنها تبين‬
‫جميع النشاطات والعمليات التنسيقية واملهام املختلفة التي يوكل بها أعضاء املؤسسة ‪.‬‬
‫ومن هنا فإن كل زيادة في حجم ألاعمال والنشاطات التي تتطلبها املشاريع عادة ما يتبعها‬
‫تعديل في الهيكليات ‪ ،‬وأحيانا تغيير في تصميمها ‪ ،‬فاملالك الوحيد ال يحتاج لهيكلة إدارية‬
‫ألنه باستطاعته أن يقوم لوحده بكافة العمال إلادارية التي تتطلبها نشاطات مشاريعه‬
‫الصغيرة ‪ ،‬سواء إنتاجية أو تسويقية أو ماليا ‪ ،‬لكن مع زيادة حجم املشاريع وكميات إلانتاج‬
‫‪ ،‬ويتعذر على صاحب العمل أن يؤدي لوحده الوظائف إلادارية ومنها وظيفة إدارة ألافراد ‪،‬‬
‫ومن هنا بدأ التفكير جديا في تحدي وخلف إدارة ألافراد وتحديد موقعها من الهيكل‬
‫التنظيمي للمؤسسة ‪ ،‬كنتيجة لتطور إدارة املؤسسات وتعدد أنواع املؤسسات وازدياد‬
‫أحجامها وتعدد مالكيها وانتشارهم في كل مكان ‪ ،‬وثم رافق هذا التطور إلدارة املوارد‬

‫‪83‬‬
‫البشرية تطورا في صالحياتها وكان من بين غاياتها دعم إلادارات عن طريق تزويدها باملوارد‬
‫البشرية الفاعلة والقادرة على تحقيق ألاهداف املرجوة ‪.‬بالرغم من تعدد الهياكل في‬
‫املؤسسة فإننا!‬
‫نجد أنم املؤسسات املتوسطة والكبيرة الحجم تعمد إلى تجميع وتقسيم الوظائف ضمن‬
‫وحدة أو وحدات متخصصة في شؤون املوارد البشرية سواء عن طريق خلق جهاز مركزي‬
‫إلدارة ألافراد له حق إلاشراف الوظيفي على إدارة الفروع أو عن طريق اعتماد ال مركزي له‬
‫حق التنسيق مع الفروع مع ترك الاستقاللية التامة لنشاطاتها الداخلية ‪ .‬من أكثر‬
‫التقسيمات الهيكلية املعتمدة وخاصة لدى املؤسسات الصناعية وإلانتاجية ‪ ،‬هو التنظيم‬
‫الوظيفي على أساس العمليات أو النشاطات ذات الاختصاص الواحد أو الاختصاصات‬
‫املتشابهة‪ .‬بحيث أن كل قسم ‪ ،‬وحده وظائفيا القيام بالنشاطات املسندة إليه‪.‬‬
‫خاتمة‪:‬‬
‫من خالل ما تقدم تبين لتا بأن إدارة املوارد البشرية تعتبر بمثابة القلب النابض لإلدارة‬
‫الحديثة وذلك ألنها تضطلع بوظائف ومهام تعزز مكانتها في الهيكل التنظيمي للمؤسسة‬
‫وتجعلها وسيلة من وسائل البقاء والديمومة في النشاط والنجاح‪.‬‬

‫‪ -9‬األمن القضائي ودوره يف حتقيق‬


‫التنمية‬
‫لقد أوضحت التجربة وبينت جليا أن مصلحة ألافراد والجماعات ال تكمن فقط في سن‬
‫القوانين أو النصوص التنظيمية للقول بوجوب الانصياع لها وفرض تطبيقها بتبرير وجود‬
‫دولة الحق والقانون‪ ،‬بل إن ألامر يتعدى ذلك ويتطلب باإلضافة إلى النصوص التشريعية‬
‫والتنظيمية املحكمة واملستجيبة للمصالح الاجتماعية والاقتصادية تحقيق ما يسمى باألمن‬
‫القضائي‪.‬‬
‫هذا الاخير يتجلى في توفير الاطمئنان للمتقاضين لدى املؤسسة القضائية‪ ،‬وهذا ال يتأتى إال‬
‫بالرقي بمستوى الخدمات التي يؤديها من خالل جودة ألاداء واستقرار الاجتهاد والعمل‬

‫‪84‬‬
‫القضائيين بما يتوازن وروح التشريع وتحقيق العدل بين مكونات املجتمع‪ ،‬وال يختلف لديه‬
‫في ذلك ألافراد أو الجماعات وألاشخاص املعنوية أو إلادارة واملؤسسات العمومية‪ ،‬إذ أن‬
‫ألامن القضائي يعتبر حقيقة مالذا للكل لدرء تعسف البعض وطغيانه‪.‬‬
‫كما أثبتت التجارب إلانسانية العاملية أنه مهما وضعت النصوص القانونية املالئمة فإنها‬
‫تبقى دائما قاصرة عن إيجاد الحلول لكل النوازل والقضايا‪ ،‬ألنها تبقى أوال من صنع البشر‬
‫املتسم بطبيعته بالنقص‪ ،‬وألنها ‪ -‬أي النصوص‪ -‬تتناهى باعتبار عددها‪ ،‬علما ان الوقائع ال‬
‫تتناهى من حيث دالالتها فيبقى املالذ إذن هو القضاء لتدبر هاته الوقائع الال متناهية‬
‫والاجتهاد الخالق في إيجاد حلول لها‪.‬‬
‫وعليه فانه لتوفير ألامن القضائي ينبغي تأهيل مهنييه‪ ،‬كما جاء في خطاب جاللة امللك‬
‫محمد السادس بمناسبة عيد العرش والذي جاء فيه " يتعين على الجميع التجند لتحقيق‬
‫إصالح شمولي للقضاء لتعزيز استقالله الذي نحن له ضامنون‪ ،‬هدفنا ترسيخ الثقة في‬
‫العدالة وضمان ألامن القضائي الذي يمر عبر ألاهلية املهنية والنزاهة والاستقامة وسيلتنا‬
‫صيانة حرمة القضاء وأخالقياته ومواصلة تحديثه وتأهيله"‪...‬‬
‫وبالتالي فان الامن القضائي يعتبر احدى الوظائف الاساسية للدولة‪ ،‬هذا الاخير له دور‬
‫فعال في حماية الحقوق واستقرار املعامالت والتحفيز على الاستثمار من اجل تحقيق التنمية‬
‫الاقتصادية والاجتماعية‪ ،‬حيث اولى املشرع املغربي عناية خاصة للجهاز القضائي‪ ،‬وذلك‬
‫بجعله كسلطة مستقلة عن السلطة التشريعية والتنفيذية ‪ ،‬والتي تعتبر من اولى الخطوات‬
‫لتحقيق الامن القضائي‪.‬‬
‫إذا كان تاريخ املغرب قد أفرد للقضاء مكانة هامة ومحورية في ترسيخ وحدة الدولة‬
‫والحفاظ على مقوماتها‪ ،‬وذلك بوجود سلطة قضائية مستقلة بكل ما تحمله هذه الكلمة‬
‫من معاني ودالالت‪ ،‬يكون هدفها خدمة املواطن وحماية حقوقه وحرياته وأمنه القضائي‬
‫والتطبيق العادل للقانون‪.‬‬
‫حيث أصبحت حقوقا دستورية لفائدة املواطن والتزاما يقع على عاتق القضاء أداؤه‬
‫وتنفيذه على أحسن وجه‪ ،‬وفي هذا السياق فإن أهمية املرحلة التي يعرفها املغرب بعدما‬
‫أصبحت الوثيقة الدستورية الجديدة سارية املفعول بعد استنفاد كافة آلاليات القانونية‬
‫والديمقراطية وإتباع منهج تشاركي تشاوري سواء في اقتراحها أو إعدادها أو بلورتها ومن ثم‬
‫نشرها في الجريدة الرسمية‪ ،‬تفرض علينا آلان إنزالها إلى أرض الواقع وتفعيلها ليحس‬

‫‪85‬‬
‫املواطن واملتقاض ي بآثارها امللموسة على أمنه القضائي‪ .‬هذا التفعيل إلايجابي يقتض ي منا‬
‫تحليل املوضوع من كافة جوانبه املتشعبة ومناهجه املتنوعة‪ ،‬إذ يحمل أبعادا قانونية‬
‫وحقوقية واقتصادية واجتماعية ودينية وأخالقية وسياسية‪ ،‬ويكتس ي أبعادا وطنية ودولية‬
‫ويطرح الكثير من املقاربات واملداخل ويفرض الكثير من التساؤالت والتصورات‪.‬‬
‫والحقيقة ان موضوع الامن القضائي هو من املواضيع التي تحتفظ براهنيتها املمتدة في‬
‫الزمن املستقبل‪ ،‬فهو مقياس اصيل في بناء دولة الحق والقانون وسيادة ثقافة حقوق‬
‫الانسان والحكامة الجيدة في تدبير الشان العام عموما والشان القضائي على وجه‬
‫الخصوص‪ ،‬سيما وان معدل الثقة في القانون وفي جهاز العدالة اصبح يتراجع يوما بعد يوم‬
‫وهو ما اثر سلبا على فرص الاستثمار الاجنبي ببالدنا باعتباره املعول عليه من اجل تحقيق‬
‫التنمية الاقتصادية والاجتماعية املنشودة ‪ .‬كل هذا يدفعنا الى التساؤل الى أي حد يلعب‬
‫الامن القضائي دوره في تحقيق التنمية؟‬
‫لإلجابة على هذا إلاشكال سوف تعتمد على املنهجية التالية‬

‫املبحث ألاول‪ :‬دور القضاء في توفير ألامن‪.‬‬


‫املبحث الثاني‪ :‬دور ألامن القضائي في تحقيقالتنمية‬

‫املبحث ألاول‪ :‬دور القضاء في توفير ألامن‬


‫إن للقضاء تأثير كبير على ألامن القضائي‪ ،‬فبقدر ما يكون ناجعا و متطورا بقدر ما يوفر ثقة‬
‫كبيرة للمجتمع فيه و للفرد في اللجوء إليه لكي يسترد له حقوقه‪ ،‬و تتجلى نجاعة القضاء في‬
‫مدى استقالله و تحديثه‪ ،‬لكن من جهة أخرى نرى بأن اجتهاد القاض ي في عمله يعطي‬
‫صورة مباشرة للمتقاض ي ملعرفة مدا نزاهته و حياده‪ ،‬لذلك سنحاول أن نتناول في هذا‬
‫املبحث دور استقالل القضاء و تحديثه ( املطلب ألاول) و دور الاجتهاد القضائي في تحقيق‬
‫ألامن (املطلب الثاني)‬

‫املطلب ألاول‪ :‬دور استقالل القضاء و تحديثه في تحقيق ألامن القضائي‬


‫يعتبر مبدأ استقالل القضاء من الضمانات ألاساسية للمحاكمة العادلة‪ ،‬و معنى ذلك أن‬
‫تصدر ألاحكام عن سلطة قضائية مستقلة و محايدة و مشكلة بحكم القانون‪ ،‬و بالتالي فهو‬

‫‪86‬‬
‫يعتبر رهانا قويا لتوفير أمن قضائي بجودة عالية للمترفقين ‪ -‬أي املترددين على مرفق‬
‫القضاء ‪ ،-‬و استقالل القضاء هو مبدأ دستوري و عالمي عملت جل الدساتير على الاخذ به‪.‬‬
‫كل هذا يدفعنا الى مناقشة دور استقالل السلطة القضائية في توفير ألامن ( الفقرة ألاولى) و‬
‫مسألة استقالل القاض ي و نزاهته و دورهما في تحقيق ألامن القضائي ( الفقرة الثانية‪).‬‬

‫الفقرة ألاولى‪ :‬دور استقالل السلطة القضائية في توفير ألامن‬


‫يعتبر استقالل السلطة القضائية مبدءا عامليا نصت عليه مختلف إلاتفاقيات و املواثيق‬
‫الدولية‪ ،‬ووضعت له مبادئ‪ ،‬و املغرب بدوره تماش ى مع السير العالمي لتكريس هذا املبدأ‪،‬‬
‫حيث يقصد به ‪ -‬مبدأ استقالل السلطة القضائية ‪ ،-‬استقالل القضاء عن السلطتين‬
‫التشريعية و التنفيذية‪ ،‬و يعتبر هذا املبدأ من النقط الفاصلة و املساهمة في إحساس الفرد‬
‫و املجتمع بالثقة أثناء اللجوء إليه‪ ،‬لذلك جاء الدستور الجديد ليكرسه بقوة‪ ،‬من خالل‬
‫الفصل ‪ 112‬منه‪.‬‬
‫لذلك يعتبر أي تدخل في أعمالها يشكل مساسا باستقاللها وفعال معاقبا عليه‪ ،‬ومنع‬
‫القضاة وهم يمارسون مهامهم من تلقي أي أوامر أو تعليمات ومن الخضوع ألي ضغوط‬
‫كيفما كان شكلها أو مصدرها‪ ،‬وألزمهم بإحالة كل تهديد الستقاللهم على املجلس ألاعلى‬
‫للسلطة القضائية تحت طائلة املساءلة والعقاب‪.‬‬
‫فترسيخا ملبدأ الاستقالل تم إذن إحداث مؤسسة املجلس ألاعلى للسلطة القضائية بتركيبة‬
‫ووظائف جديدة مع فك ارتباطها إداريا وماليا عن وزارة العدل‪ ،‬انسجاما مع املعايير‬
‫واملواثيق الدولية بخصوص استقالل السلطة القضائية التي تفرض على الدولة أن تكفل‬
‫استقالل السلطة القضائية مؤسساتيا وماليا عن السلطتين التشريعية والتنفيذية‪ ،‬وتلزم‬
‫القضاء بالبت في القضايا املعروضة عليه وفقا للقانون دون تحيز وبعيدا عن أي قيود أو‬
‫ضغوط أو تهديدات أو تدخالت‪.‬‬
‫و املقصود باستقالل السلطة القضائية ليس فقط قضاة ألاحكام بل املقصود حتى قضاة‬
‫النيابة العامة‪ ،‬بحيث أن املشرع الدستوري أوكل لقضاة النيابة العامة السهر على التطبيق‬
‫السليم للقانون ترسيخا للعدالة وحقوق إلانسان والحريات ألاساسية لألفراد‪.‬‬
‫علما ان إحساس املجتمع بالثقة في املؤسسة القضائية رهين بإصالحها و إبعادها عن أي‬
‫تدخل خارجي الذي يمكن أن يضر بحقوق الناس و حرياتهم‪ ،‬و بالتالي فإن ذلك لن يتأتى إال‬

‫‪87‬‬
‫بإرادة حقيقة وواعية بأن استقالل السلطة القضائية هو من بين الخطوات لبناء دولة‬
‫الحق و القانون و توفير ألامن القضائي‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬تحديث القضاء وتطويره لتوفير ألامن‬


‫يعتبر تحديث القضاء و تطويره إحدى أهم أوراش إلاصالح القضائي‪ ،‬فمن خالل الدراسات‬
‫ألاخيرة في املوضوع تبين أن املؤسسة القضائية ال ترقى إلى املستوى املطلوب‪ ،‬و بالتالي فهو‬
‫يعيق رحى التنمية الاقتصادية و الاجتماعية‪.‬‬
‫وعليه فإن جودة و فعالية العمل القضائي رهينة بنوعية الوسائل و املناهج املتبعة من قبل‬
‫القاض ي‪ ،‬و من بين هذه الوسائل املواد القانونية التي يعتمدها في الفصل في القضايا‪ ،‬و‬
‫بالتالي فإن ألامن القضائي لن يتأتى إال باستعمال املادة القضائية بطريقة سليمة‪.‬‬
‫ومهما يكن من امر‪ ،‬فان مهمة القضاء هي السهر على التطبيق السليم للقانون‪ ،‬لدى فهو‬
‫ينقل القاعدة القانونية من حالة السكون إلى الحركة ‪ ،‬لكن هذا التطبيق املنشود رهين‬
‫بسالمة الترسان القانونية‪ ،‬و من خالل اطالعنا على القواعد القانونية املغربية‪ ،‬نجد أن‬
‫املغرب يمش ي في إلاتجاه الصحيح لتوفير ألامن القضائي‪.‬‬
‫فلكي يمنح املشرع قضاء فعاال وذا جودة عالية‪ ،‬عمل ‪ -‬املشرع املغربي‪ -‬على إدخال مجموع‬
‫من التعديالت على القوانين‪ ،‬تتعلق هذه ألاخيرة بقانون الشركات و مدونة التجارة ومدونة‬
‫التأمينات و قانون حرية ألاسعار و‪ ،‬مدونة ألاسرة‪ ،‬و مدونة الشغل‪ ،‬و املساطر الجنائية و‬
‫املدنية‪ ،‬و القانون الجنائي و املدني‪ ،‬و غيرها من القوانين‪.‬‬
‫أما على املستوى العمودي للقضاء‪ ،‬فقد سهر املشرع على اعتماد مبدأ التخصص في‬
‫الفصل في القضايا‪ ،‬فقد تم إحداث محاكم إدارية و تجارية و محاكم استئناف إدارية و‬
‫تجارية‪ ،‬و أقسام لقضاء ألاسرة وقضاء القرب‪.‬‬
‫كذلك‪ ،‬ملواجهة ظاهرة البطء التي يسير بها العمل القضائي‪ ،‬أدخلت و زارة العدل نظام‬
‫املعلوميات ملختلف املحاكم قصد إلانفتاح على قضاء العالم و القوانين املقارنة‪ ،‬كل ذلك‬
‫من أجل مواكبة املرحلة و تحديث آلالة القانونية للقاض ي لكي يوظفها في عمله‪ ،‬تحقيقا‬
‫لألمن القضائي املنشود و بالجودة املطلوبة‪.‬‬

‫املطلب الثاني ‪ :‬ظاهرة تحوالت الاجتهاد القضائي و انعكاسها على ألامن القضائي‬

‫‪88‬‬
‫تأسيسا على الدستور الجديد الذي شكل طفرة نوعية في مجال حقوق إلانسان‪ ،‬بتكريسه‬
‫للحق في ألامن القضائي ‪ ،‬بخالف التشريع املقارن فالدستور الفرنس ي الحالي ال يشير مطلقا‬
‫إلى الحق في ألامن القانوني أو القضائي‪ ،‬مما دفع املجلس الدستوري إلى رفض اعتبار ألامن‬
‫القانوني مبدأ دستوريا قائم الذات‪ ،‬و إنما اعتبره مجرد معيار ضمني ملراقبة دستورية‬
‫القوانين‪.‬‬
‫و بالرجوع للدستور املغربي نجد الفصل ‪ 111‬من الدستور نص على أنه "ال يلزم قضاة‬
‫ألاحكام إال بتطبيق القانون وال تصدر أحكام القضاء إال على أساس التطبيق العادل‬
‫للقانون‪" .‬‬
‫فإن تطبيق مبدأ دولة الحق و القانون يفرض على املجتمعات أن تضمن الاستقرار و عدم‬
‫التراجع عن القواعد التي تم الاعتراف بها داخلها‪ ،‬وهو أمر ينطبق على جميع مؤسساتها بما‬
‫فيها القضاء‪ .‬فاعتماد تفسير موحد للقانون من طرف القضاة هو عنصر من عناصر‬
‫استتباب ألامن داخل الدولة‪ ،‬فبفضله يمكن للمتقاضين توقع نتيجة أفعالهم‪ ،‬بمنأى عن‬
‫كل تعسف‪.‬‬
‫حيث يستشف أن ظاهرة التحوالت الطارئة على الاجتهاد القضائي تعتبر جزءا ال يتجزأ من‬
‫حياة القضاء‪ ،‬وعالمة على تالؤمه مع الواقع وعدم تخلفه عن ركب التطور‪ ،‬إال أنها تشكل‬
‫خطرا حقيقيا على ألامن القضائي‪ .‬وانطالقا مما أشرنا إليه سنحاول إبراز مدى تأثير السلبي‬
‫لتحوالت الاجتهاد القضائي على ألامن القضائي (الفقرة ألاولى) ثم السبيل ملعالجة هذا‬
‫التأثير(الفقرة الثانية‪) .‬‬

‫الفقرة ألاولى ‪ :‬مدى تأثير السلبي لظاهرة تحوالت الاجتهاد القضائي على ضمان ألامن‬
‫القضائي‬
‫من املؤكد أن تحوالت الاجتهاد القضائي بصرف النظر عن مسبباتها و شرعيتها من شأنها أن‬
‫تخلق جوا من الاضطراب و عدم الاستقرار‪ ،‬و عدم الشفافية في تطبيق القاعدة القانونية‪،‬‬
‫كما أنها تجهز على الثقة املشروعة للمواطن‪ ،‬و التي تولدت لديه في سياق استتباب ألاوضاع‬
‫القانونية التي أجرى تصرفاته في ظلها‪ ،‬و ألاخطر من ذلك أنها قد تسطو في غفلة منه ودون‬
‫توقعه على حقوقه املكتسبة في ظل الاجتهاد السابق‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫فاالجتهاد القضائي الجديد يطبق بقوة القانون و بأثر رجعي على جميع ما كان بإمكان‬
‫ألاشخاص القيام به أو الامتناع عنه استنادا لنص و روح الاجتهاد القضائي القديم‪.‬‬
‫و حتى مع اعتبار أن القرار القضائي موضوع الاجتهاد الجديد دعوى ال يهم سوى أطرافه‬
‫وفق مبدأ نسبية ألاحكام‪ ،‬فإن رجعية الاجتهاد القضائي تشمل الجميع‪ ،‬أطراف الدعوى أو‬
‫غيرهم‪ ،‬ذلك أن مفعول الاجتهاد القضائي الجديد يسري عليهم بشكل غير مباشر و يخالف‬
‫توقعاتهم ومبادراتهم‪ ،‬بل إنهم قد يتعرضون للجزاء دون تنبيه أو إخطار من أجل فعل أو‬
‫امتناع لم يكن غير شرعي وقت اقترافه‪.‬‬
‫حيث أن قواعد الاجتهاد القضائي الثابتة و املستقرة تمنح الفاعلين مع مرور الوقت رؤية‬
‫واضحة و إطار لتصرفاتهم‪ ،‬بينما تحوالت الاجتهاد القضائي ورجعيته تؤثر سلبا على هذا‬
‫النظام‪.‬‬
‫وقد عبر الفقه بقوله أن" تحول الاجتهاد يترتب عنه عدم ألامن القانوني‪ ،‬فالحل الجديد‬
‫الناتج عن التحول يطبق بقوة القانون على القضايا التي ارتبطت على ضوء الثقة في الحل‬
‫القديم‪" .‬‬
‫و يمكن القول أن املشرع عندما وضع مبدأ عدم رجعية القوانين لم يضع مبدأ لعدم رجعية‬
‫الاجتهاد القضائي‪ ،‬ربما يمكن تبرير ذلك أنه لم يكن واعيا حينها لالجتهاد القضائي من قيمة‬
‫قانونية و ما لتحوله من أثر على ألاوضاع القانونية‪.‬‬
‫وإلبراز أهمية تحوالت الاجتهاد على املراكز القانونية للخصوم في الدعوى و إطارها القانوني‬
‫سنورد بعض النماذج من العمل القضائي‪:‬‬
‫قرار املجلس ألاعلى ‪"،‬أتاح ملن تجاوز أرضه إلى أرض غيره ولو كانت عقارا محفظا وبنى فيها‬
‫بحسن نية أن يمتلك هذا البناء استنادا لحكم املحكمة التي يحق لها في إطار تطبيقها‬
‫للقاعدة الفقهية بإزالة الضرر أن توازن بين الضررين اللذين التقيا‪ ،‬وهما الضرر الذي‬
‫سيحصل للباني من جراء هدم ما بناه في ملك الغير ‪ ،‬و الضرر الذي سيحصل للمالك‬
‫بسبب تخليه دون إرادته عن جزء من ملكه مقابل حصوله على تعويض بالقيمة‪ ،‬و أن‬
‫تقرر تغليب أخفهما‪ ،‬وهو ما يفيذ ضمنيا إجبار مالك العقار على التخلي عن ملكه بمقتض ى‬
‫حكم نهائي‪ ،‬في حين أن الاجتهاد القضائي املستقر أن البناء في ملك الغير ال يخول للباني ولو‬
‫كان حسن النية حق تملك البناء أو العقار الذي بني فيه‪" .‬‬

‫‪91‬‬
‫نلمس من القرار أن ألاوضاع و املراكز القانونية القائمة قبل الاجتهاد القضائي يطرأ عليها‬
‫بفعله و بصورة فجائية تغيير جذري و حاسم‪ ،‬بل ألاكثر من ذلك أن تحول الاجتهاد‬
‫القضائي في مجال القضاء الجنائي يمس في الصميم مبدأ شرعية الجرائم‪ ،‬والذي بمقتضاه‬
‫يوكل للسلطة التشريعية و حدها تحديد صور السلوك املعاقب عليه‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬سبل معالجة التأثير السلبي لتحوالت الاجتهاد على ضمان ألامن القضائي‬
‫استنادا ملا أقرت محكمة النقض الفرنسية ‪ ،‬بقولها " إن متطلبات ألامن القانوني و حماية‬
‫الثقة املشروعة املثارين من طرف الطاعن في وسيلة النقض للمنازعة في تطبيق املحكمة‬
‫املطعون في قرارها الجتهاد قضائي جديد يحد من حقه في التقاض ي‪ ،‬ليس من شأنها تكريس‬
‫حق مكسب الجتهاد قضائي جامد وغير متحرك‪ ،‬والذي يبقى تطويره من صميم و ظيفة‬
‫القاض ي في تطبيقه للقانون‪".‬‬
‫و رأينا أنه يمكن تبرير ذلك إلى حد ما‪ ،‬بما جاء في تعبير سابق‪ ،‬لكن يجب أن نسجل أن‬
‫الاجتهاد القضائي و تحوله يطبقان بأثر رجعي‪ ،‬وهذه الرجعية من شأنها املساس باألمن‬
‫القانوني و القضائي و إلاضرار بالحقوق املكتسبة ‪ ،‬و إلاخالل بمبدأ املساواة أمام القانون و‬
‫القضاء‪.‬‬
‫ونؤكد في هذا السياق على أن الاجتهاد القضائي ال يعتبر محايدا باملرة‪ ،‬و اعتبار الاجتهاد‬
‫القضائي ال يخلق القاعدة القانونية‪ ،‬و إنما هو مجرد تفسير بريء لها ‪ ،‬و أن تحوالته ماهي‬
‫إال فهم جديد ملعنى قائم في النص القانوني وقت إنشائه ‪ ،‬لن يحقق لنا العدالة القانونية‪.‬‬
‫وينبغي الانطالق مما جاء به الدستور الجديد بتكريسه الحق الدستوري في ألامن القضائي‪،‬‬
‫بتحقيق ضمان ألامن القضائي بالحفاظ على ألاوضاع القانونية القائمة و تجنب الحكم‬
‫عليها بأثر رجعي‪ ،‬وعند الاقتضاء وضع مقتضيات انتقالية للقاعدة الاجتهادية حتى يتمكن‬
‫الشخص من مالئمة تصرفاته وفقها‪.‬‬
‫كذلك نجد أن القضاء املقارن اعتمد تقنيات متنوعة لتخفيف من حدة تحول الاجتهاد‬
‫القضائي و فجائيته‪ ،‬ففي انجلترا توجد تقنية ‪ overruling‬وتقنية ‪ ، obiter dictum‬أما في‬
‫فرنسا أبدت محكمة النقض انشغاال بالتحوالت العديدة الجتهادها و أحدثت فريق عمل‬
‫للتفكير في إمكانية سن قانون انتقالي لتحوالت الاجتهاد القضائي في خلق القاعدة القانونية‪،‬‬
‫إال أنه لم يوص بسنه‪ ،‬مالم يتم الاعتراف رسميا بدور الاجتهاد القضائي في خلق القاعدة‬

‫‪91‬‬
‫القانونية‪ ،‬لكن باملقابل أوص ى بأن تعمد التشكيالت القضائية املوسعة بمحكمة النقض إلى‬
‫إقرار مبادئ بهذا الشأن‪ ،‬وهذا ما أكدته محكمة النقض الفرنسية بتفعيلها بمقتض ى‬
‫قرارها الذي جاء فيه" يمكن تقييد ألاثر الرجعي للقاعدة الاجتهادية إذا كان من شأنه‬
‫حرمان الشخص من الحق في محاكمة عادلة طبقا ملدلول الفصل ‪ 3‬من الاتفاقية ألاوربية‬
‫لحماية حقوق إلانسان والحريات ألاساسية "‪ ،‬ويمكن القول هنا أن تقييد ألاثر الرجعي‬
‫لالجتهاد القضائي الجديد لم يأت بمناسبة تطبيق قانون وطني‪ ،‬وإنما أتى احتكاما لقانون‬
‫دولي مما يبين محدوديته‪.‬‬
‫وعلى املستوى الوطني أحدث املجلس ألاعلى سنة ‪ 2111‬هيئة لليقظة القانونية تحت‬
‫تسمية " مرصد الاجتهاد القضائي " انكبت في بداية عملها على معالجة ظاهرة تضارب‬
‫الاجتهاد القضائي عن طريق التنسيق والتواصل بين الهيئات القضائية املتعددة داخله و‬
‫التي بلغ عددها ‪ ،22‬ويعول عليه مستقبال لرصد و دراسة باقي أوضاع الاجتهاد القضائي و‬
‫تأثيره على املستويين القانوني و الاجتماعي‪.‬‬
‫ونأمل بمثل هذا النوع من التوجهات الجديدة‪ ،‬و الضوابط املسطرية و غيرها من الضوابط‬
‫املوضوعية التي يمكن لها التخفيف من آلاثار السلبية لتحوالت الاجتهاد القضائي مما‬
‫يضمن حقوق ألاشخاص و تحقيق ألامن القضائي‪.‬‬

‫املبحث الثاني‪ :‬دور ألامن القضائي في تحقيق التنمية‬


‫يعتبر ألامن القضائي مجاال خصبا في تحقيق التنمية إلاقتصادية و إلاجتماعية‪ ،‬بحيث‬
‫هناك مجموعة من العوامل التي كان لها دور كبير في الاستثمار و واستقطابه بدءا باالستقرار‬
‫السياس ي مرورا باالنفتاح الاقتصادي‪ ،‬و الحقيقة أن الدول اليوم تراهن على الاستثمار من‬
‫أجل تحقيق التنمية الاقتصادية و الاجتماعية‪ ،‬و ذلك من خالل توفير مناخ مالئم يتجلى في‬
‫ألامن القضائي‪ ،‬هذا ألاخير عمل املشرع املغربي على إدخال جملة من التعديالت عليه‪،‬‬
‫همت باألساس مبدأ استقالل السلطة القضائية‪ ،‬مما يدفعنا إلى التساؤل عن الدور الذي‬
‫قد يلعبه ألامن القضائي في مجال إلاستثمار و استقطابه ( املطلب ألاول) ثم دور ألامن‬
‫القضائي في تحقيق التنمية إلاجتماعية ( املطلب الثاني‪).‬‬

‫املطلب ألاول‪ :‬دورألامن القضائي في تحقيق إلاستثمار و استقطابه‬

‫‪92‬‬
‫اعتبارا إلى الدور الذي يلعبه املغرب في مجال حقوق إلانسان و ذلك بانخراطه في مجموعة‬
‫الاتفاقيات و املعاهدات الدولية بمختلف أشكالها‪ ،‬مما ساهم في العمل على إحداث محاكم‬
‫مختصة تماشيا مع القوانين الدولية ( الفقرة ألاولى) وكذلك مسألة ألازمة التي يعرفها ألامن‬
‫القضائي في ميدان ألاعمال(الفقرة الثانية)‬

‫الفقرة ألاولى‪ :‬دور املحاكم املتخصصة في جلب إلاستثمار‬


‫لقد كان للمحاكم املختصة دور كبير في جلب الاستثمار‪ ،‬بحيث ثم إحداث محاكم إدارية و‬
‫محاكم استئناف إدارية و محاكم تجارية و محاكم استئناف تجارية‪ ،‬و غني عن البيان أن‬
‫الدور الذي أصبحت تلعبه املحاكم املختصة عموما و املحاكم التجارية على وجه‬
‫الخصوص في الدفع بعجلة التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و ذلك من خالل الضمانات‬
‫التي تمنحها هذه املحاكم على مستوى فض املنازعات املعروضة عليها والتي تتسم بالسرعة‬
‫و الفعالية و الاحترافية‪ ،‬ألن مجال املال و ألاعمال من ألامور التي تعرف نوع من الحركية و‬
‫السرعة في التداول‪.‬‬
‫علما أن عدد املحاكم الابتدائية التجارية في املغرب هو ‪ 2‬محاكم ‪ ،‬موزعين بين الرباط و‬
‫الدار البيضاء‪ ،‬فاس‪ ،‬مراكش‪ ،‬طنجة‪ ،‬مكناس‪ ،‬أكادير‪ ،‬أما محاكم الاستئناف التجارية لم‬
‫يتجاوز عددها ثالث محاكم متواجدة في كل من الدار البيضاء‪ ،‬فاس‪ ،‬مراكش‪ ،‬على أن‬
‫النقض في ألاحكام التي تصدر من طرف هذه املحاكم يتم على مستوى الغرفة التجارية‬
‫ملحكمة النقض‪.‬‬
‫و عليه‪ ،‬يرى جانب من الفقه أن املشرع املغربي لم يكن موفقا في التقسيم الذي خص به‬
‫املحاكم التجارية‪ ،‬بحيث لم يكن منسجما مع عدد الجهات الاقتصادية باململكة‪ ،‬كما تم‬
‫تهميش املركز على حساب الجهة على مستوى املحاكم التجارية بالدار البيضاء‪ ،‬و هو ما أدى‬
‫إلى تمركز الاستثمار في مناطق دون أخرى كالقطب إلاقتصادي ( الدار البيضاء – طنجة –‬
‫أكادير) ما انعكس على التنمية الاجتماعية في املناطق املهمشة كان من نتائجها ارتفاع نسبة‬
‫البطالة و ارتفاع نسبة الجريمة‪.‬‬
‫و تجدر إلاشارة إلى أن املحاكم التجارية على مختلف درجاتها ال تساهم فقط في جلب‬
‫الاستثمار و استقطابه‪ ،‬و إنما تلعب دورا مهما في تثبيته من خالل اختصاصها ألاصيل في‬
‫مادة صعوبة املقاولة‪ ،‬و إن لم تشر إليه صراحة املادة ‪ 5‬من القانون املحدث للمحاكم‬

‫‪93‬‬
‫التجارية و الخاصة باالختصاص النوعي‪ ،‬علما أن العديد من املقاوالت اتجهت نحو‬
‫التصفية القضائية ال سيما في قطاع النسيج‪ ،‬سواء املقاوالت الوطنية التي لم تقوى على‬
‫التنافسية أو املقاوالت ألاجنبية التي ذهبت تبحث عن فضاءات اقتصادية واعدة و أكثر‬
‫تحفيزا كما في تركيا و دول أوربا الشرقية سابقا‪ ،‬بعد أن حققت أرباحا استطاعت في ظل‬
‫اقتصاد السوق تحويلها إلى بلدانها بكل يسر‪ ،‬و النتيجة هي آالف العاطلين الجدد ينظمون‬
‫إلى جيوش العاطلين من الشباب القادر عن العمل‪ ،‬مما أدى إلى فقد الثقة في سياسة‬
‫الحكومة التي تراهن على القطاع الخاص في الرفع من مؤشر التنمية ببالدنا عن طريق‬
‫إلاستثمار‪.‬‬
‫ورغم الدور الذي أصبحت تلعبه املحاكم التجارية على مستوى فض املنازعات التجارية‪،‬‬
‫فإن منازعات الاستثمار ال زالت يتم فضها خارج مؤسسات القضاء باالعتماد على التحكيم‬
‫و التوفيق و املصالحة التي تشكل بدائل حقيقية لحل املنازعات خارج مؤسسات القضاء‪،‬‬
‫فهل هذا يعني أن ألامن القضائي في ميدان ألاعمال ال زال يعيش أزمة تكون عائقا في‬
‫التنمية بالرغم من وجود محاكم تجارية مختصة؟‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬أزمة ألامن القضائي في ميدان ألاعمال و كيفية تدبيرها‬


‫لقد عمل املشرع املغربي في نزاعات عقود التجارة و الاستثمار‪ ،‬على وضع ترسانة قانونية‬
‫لفضها سواء على مستوى القضاء املغربي أو اعتماد الوسائل البديلة ‪ ،‬فإن نزاعات عقود‬
‫التجارة الدولية و الاستثمار ألاجنيي في املغرب ال زالت تعرف مجموعة من املعيقات‪ ،‬سواء‬
‫على مستوى القانون الواجب التطبيق أو على مستوى الاختصاص القضائي‪.‬‬
‫ومن ألاهمية بمكان أن نشير إلى أن املستثمر ألاجنبي يعلل نفوره من تطبيق القانون املغربي‬
‫ومن الاختصاص القضائي الوطني بضعف ألامناء القانونيين‪ ،‬وعدم الاطمئنان لهما بسبب‬
‫تفش ي ظاهرة الرشوة والبيروقراطية‪ ،‬وانعدام الاحترافية‪ ،‬هذا فضال عن اختالف العائالت‬
‫القانونية ‪ ،‬وهو لذلك وبالنظر ملركزه القوي كمستثمر يفرض شروطه التي غالبا ما ترتكز‬
‫على اعتبار قانون بلده سواء املسطري أو املوضوعي و الذي يكون هو الواجب التطبيق ألنه‬
‫يجد في عدالة بلده من الحماية ماال يجدها في غيره‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫وفي ظل ألازمة التي خلقتها الروابط العقدية الدولية على مستوى تنازع القوانين و‬
‫الاختصاص القضائي ‪ ،‬اهتدى الفكر البشري إلى حل النزاع خارج مؤسسة القضاء‬
‫باالعتماد مثال على التحكيم أو الوساطة أو التوفيق‪.‬‬
‫كل هذا إن دل على ش يء فإنما يدل كما سبق بيانه على أن الروابط العقدية الدولية سواء‬
‫تعلق ألامر بعقود التجارة الدولية أو عقود الاستثمار أو عقود ألاحوال الشخصية التي يكون‬
‫أحد أطرافها عنصر أجنبي من الصعب الحسم فيها ولو في ظل وجود قواعد قانونية من‬
‫قبيل قواعد قانون الدولي الخاص‪ ،‬أو وجود اتفاقيات ثنائية دولية خاصة بالتعاون‬
‫القضائي كما هو الحال مع فرنسا و بلجيكا‪ ،‬وهو ما خلق أزمة تعرف بأزمة القانون الدولي‬
‫الخااص الناتجة باألساس عن اختالف ألانظمة القانونية عبر العالم‪ ،‬و هو ما أصبحت تهتم‬
‫بالحد منه بعض املعاهدات الدولية ‪ ،‬حيث أصبحت ترتكز على التقريب بين العائالت‬
‫القانونية الرومانية الجرمانية و ألانكلوسكسونية‪ ،‬بهدف عوملة الفكر القانوني كإحدى آلاثار‬
‫املباشرة لعوملة الاقتصاد الذي تتزعمه الواليات املتحدة الامريكية باعتبارها رائدة الاقتصاد‬
‫الليبرالي الحديث‪.‬‬
‫أما على مستوى التشريع الوطني و الذي هو بدوره يعاني من غياب مقتضيات تهم التحكيم‬
‫التجاري الدولي ألامر الذي كان يشكل إحدى املعيقات التي تحول دون استثمار ألاجنبي‬
‫ببالدنا‪ ،‬مما يعيق التنمية في هذا البلد‪ ،‬إال أنه تم تدارك هذا الفراغ التشريعي من خالل‬
‫إلاضافة التي تمت على مستوى قانون املسطرة املدنية حيث أصبح تشريعنا الوطني يتضمن‬
‫مقتضيات تخص التحكيم التجاري الداخلي و أخرى تعنى بالتحكيم التجاري الدولي‪ ،‬و‬
‫يتعلق ألامر بقانون ‪ 18.15‬و الذي تأثر فيه املشرع املغربي فضال عن جده الفرنس ي باتفاقية‬
‫نيويورك لسنة ‪ ،1958‬وكذلك القانون النموذجي لتحكيم الصادر عن اليونسترال ‪ ،‬وكذلك‬
‫بعض بنود اتفاقية تسوية منازعات الاستثمار لسنة ‪ ، 1935‬مما عزز ألامن القضائي ببالدنا‬
‫ليكون حافزا للمستثمر الوطني و ألاجنبي من أجل الاستثمار الذي يبقى املعول عليه بالدرجة‬
‫ألاولى في تحقيق التنمية الاقتصادية و الاجتماعية املستدامة‪.‬‬

‫املطلب الثاني ‪ :‬دور ألامن القضائي في التنمية الاجتماعية‬


‫ال طاملا كانت ‪ ،‬وال زالت املجتمعات تقاس تنميتها الاجتماعية اعتمادا على منظومتها‬
‫القضائية بحيث كلما كانت املؤسسة القضائية مستقلة و نزيهة‪ ،‬كانت التنمية الاجتماعية‬

‫‪95‬‬
‫فعالة و مستدامة‪ ،‬تكفي حاجيات ساكنتها‪ ،‬و كلما كانت املؤسسة القضائية ال تراعي و ال‬
‫تحترم حقوق ألافراد‪ ،‬وذلك من خالل ألاحكام و القرارت التي تصدرها و التي تكون مشوبة‬
‫بعيب من العيوب مما ينعكس سلبا على التنمية على اعتبار أن الفرد هو أساس املجتمع‪،‬‬
‫وال يمكن تطور مجتمع بدون أفراد كما ال يمكن استمرارهم إذا لم تكن هناك تنمية‪،‬‬
‫انطالقا من ألاسرة (الفقرة ألاولى ) ثم مدى أثر ألامن القضائي في عالقات الشغل (الفقرة‬
‫الثانية‪) .‬‬

‫الفقرة ألاولى ‪ :‬دور ألامن القضائي في مجال ألاسرة‬


‫ولئن كانت ألاسرة هي الخلية الرئيسية التي تنشأ لنا أجيال الغد‪ ،‬فإن املشرع املغربي حاول‬
‫قدر املستطاع أن يركز اهتمامه مؤخرا على توفير مناخ مالئم لألسرة‪ ،‬وذلك من خالل‬
‫إحداث أقسام لألسرة تابعة للمحاكم الابتدائية بعد أن كانت تدخل ضمن الوالية العامة‬
‫للمحاكم الابتدائية‪ ،‬حيث تزامن ذلك مع التعديل الذي عرفته مدونة ألاحوال الشخصية و‬
‫التي حلت محلها مدونة ألاسرة‪ ،‬حيث تم إنشاء قضاء أسري متطور و متخصص‪ ،‬القصد‬
‫منه حماية ألاسرة املغربية‪ ،‬بجميع مكوناتها بما في ذلك الزوج و الزوجة و ألاطفال‪ ،‬علما أن‬
‫ألاسرة تعد في صلب التنمية الاجتماعية‪ ،‬وعليه فإنها املستهدف الرئيس ي في مجال الروابط‬
‫ألاسرية‪ ،‬بحيث لم تكن لترى النور لوال إلارادة امللكية السامية و التي كان القصد منها إعادة‬
‫التوازن ألسرة املغربية‪ ،‬و جعلها تنخرط بكل مكوناتها في التنمية بعدما أبانت الدراسات‬
‫املنجزة في املوضوع أن جزءا مهما من هذه ألاسرة (املرأة) كان مهمشا وغائبا في مجال‬
‫التنمية وهو ما اشتغلت عليه كتابة الدولة املكلفة بالرعاية الاجتماعية و ألاسرة و الطفولة‬
‫من خالل ما عرف وقتها بالخطة الوطنية إلدماج املرأة في التنمية‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬الامن القضائي وعالقته بالشغل‬


‫لقد ظل الشغل وألمد طويل يعرف نقاشا فقهيا وقضائيا نظرا ملا يمتاز به من اهمية بالغة‬
‫بعتباره احد اسباب خلق الثروة وسد الحاجيات بالنسبة لألجير واملشغل باعتبارهما من‬
‫مكونات املجتمع‪ ،‬وبالنظر الى كون عالقتهما ذات طبيعة خاصة تمتاز برجحان كفة املشغل‬
‫في اغلب الحاالت على كفة الاجير‪ ،‬كان البد من تاطير عالقتهما بنصوص قانونية تراعي‬
‫خصوصيات هذه العالقة‪ ،‬خاصة بعد ان تبين ان املشغلين كانو يفرضون ما شاؤوا من‬

‫‪96‬‬
‫الشروط على الطبقة العاملة‪ ،‬مما دفعهم الى التكتل في تجمعات مهنية للدفاع عن‬
‫حقوقهم‪ ،‬وكان من نتائجها تدخل الدولة منذ اواسط القرن التاسع عشر لتنظيم هذه‬
‫العالقة بموجب قواعد قانونية واملتمثلة في قانون الشغل ‪ ،‬من اجل توفير ارضية للعمل‬
‫خالية من النزاعات والصراعات من اجل تشجيع الاستثمار والتنمية والتشغيل‪.‬‬
‫كما ان القضاء ظل وفيا في توفير الامن القضائي الطراف العالقة الشغلية سيما في جانبها‬
‫الفردي‪ ،‬علما ان حل خالفات الشغل الجماعية لها طرق تسويو اخرى تتم خارج مؤسسة‬
‫القضاء باالعتماد على املصالحة والتحكيم‪.‬‬
‫وعليه فان القضاء لعب وال يزال ياعب دور مهما في استقرار عالقات الشغل الفردية من‬
‫خالل الرقابة التي يمارسها على سلطة املشغل الائتمارية ‪ -‬الاشراف والتوجيه – والتدبيرية‬
‫والتاديبية‪ ،‬حيث تتجلى مظاهر الامن القضائي بوضوح في هذا املجال عندما يكون الاجير‬
‫محقا في الاستماع اليه داخل الاجل القانوني بحضور املمثل النقابي ومندوب الاجراء ان‬
‫وجدو قبل تسليمه مقرر الفصل ولو تعلق الامر بخطا جسيم‪ ،‬وان عدم احترام املشغل‬
‫لهذه الشكلية الجوهرية واملقررة في الفصول ‪ 32‬و ‪ 33‬من مدونة الشغل املغربية يجعل‬
‫الفصل تعسفيا يستلزم اما الحكم بالرجوع الى العمل او الحكم بالتعويض حسب ما تراه‬
‫املحكمة مناسبا‪.‬‬
‫ومن مظاهر الامن القضائي كذلك في عالقات الشغل الفردية اعادة تكييف املحكمة‬
‫لطبيعة العقد الذي يجمع الاجير واملشغل‪ ،‬ذلك ان الاجير عادة ما يدعي كون العقد هو‬
‫عقد شغل محدد املدة ليس الا‪ ،‬وان كان القضاء اليوم في اطار التمييز بين عقد الشغل‬
‫املحدد املدة وغير املحدد املدة ال يعتمد على الوصف الذي اضفاه املتعاقدان على العالقة‬
‫العقدية وانما على طبيعة العمل املنجز‪ ،‬علما ان العمل القضائي ال يتجسد عمليا الا‬
‫بتنفيذ الاحكام القضائية بعد ان تصبح حائزة لقوة الش ئ املقض ي بها‪.‬‬
‫ومهما يكن من امر فان عدم الثقة في القضاء والتشكيك في عدم قدرته على توفير الامن‬
‫القضائي الالزم يقاس كذلك من خالل تعثر عملية تنفيذ الاحكام والقرارات القضائية‪ ،‬تلك‬
‫العملية التي رصدت لها وزارة العدل والحريات امكانيات هامة لتخفبف من حدتها وهي‬
‫تدخل ضمن الاولويات في السياسة الاصالحية العامة للقضاء‪.‬‬

‫خـاتـ ــمة‬

‫‪97‬‬
‫سيظل أمر الامن القضائي‬يشغل بال الرأي‬‬العام ببالدنا لكونه احدى الركائز الاساسية في‬
‫املغرب‪ ،‬وباعتبار املغرب دولة الحق والقانون ودولة املؤسسات وذلك عبر‬وتطوره كسلطة‬
‫التي‬توفر ألامن والاستقرار‪‬ ‬‬،‬‬
‫وتعطي‬ ‫‬‬ ‬‬ ‫تنبني‬عليها أسس العدالة‪،‬‬
‫مؤسساتية دستورية‪‬ ‬‬،‬‬
‫‬الضمانة القوية لحقوق املواطنين وواجباتهم‪‬‬،‬وتقوي‬‬املؤسسات العامة والخاصة‪‬‬،‬وتوفر‬
‫املناخ املالئم لالزدهار الاقتصادي‬‬والاجتماعي من اجل تحقيق التنمية املنشودة التي يراهن‬
‫التي‬تفتح آلافاق‬
‫عليها املغرب‪‬‬،‬وذلك من خالل التشجيع على الاستثمار‪‬‬،‬وجلب املشاريع‪‬ ‬‬،‬‬
‫الشهادات‬‪.‬‬
‫‬‬ ‫الواسعة لسوق الشغل للعاملين‪‬‬،‬وتوظيف ألاطر والكفاءات لحاملي‬‬‬
‫‬‬يختل توازنها الطبيعي‪‬‬،‬فيتدخل ليكون‬
‫‬والقضاء وحده من‬‬يرعى حماية هذه املجاالت حينما‬
‫حكمه‪‬،‬قويا في‬‬قراره‪‬‬،‬صائبا في‬‬نصوصه القانونية‪‬‬،‬سريعا في‬‬تنفيذ مقرراته‬‬‪.‬‬
‫عادال في‬‬ ‬‬
‫إن قضاء اليوم املنفتح على كل الواجهات لم بيق هو قضاء ألامس املنغلق على نفسه‬‪.‬‬
‫‬قضاء اليوم قضاء واسع‪‬‬،‬أصبحت له مسؤوليات متعددة بتعدد اختصاصاته‪‬‬،‬سواء في‬‬
‫الذي‬كثرت شعبه أمام كثرة الجرائم املرتبطة به‪‬‬،‬والحاصلة من ألافراد‪‬‬،‬أو‬
‫‬امليدان الجنائي‪‬ ‬‬،‬‬
‫‬‬أصبحت لها‬
‫يوم‪‬،‬بتضخم الجريمة املعاصرة التي‬
‫املؤسسات تتضخم بشكل خطير‬‬يوما بعد‬‬ ‬‬
‫مدارس متخصصة‪‬‬،‬تتطلب نوعا من املعالجة النفسية‪‬‬،‬وإلانسانية لردعها أكثر من املعالجة‬
‫العقابية التي‬‬أبانت كل الدراسات الجنائية العاملية عن عدم جدواها وحدها‪‬‬،‬أو في‬‬امليدان‬
‫في‬كل املعامالت‪‬‬،‬خصوصا حينما انخرط في‬‬
‫ه‪‬ ‬،‬‬
‫الذي‬هو آلاخر توسعت دائرة نزاعات ‬‬
‫املدني‪‬ ‬،‬‬
‫‬‬
‫التي‬صارت تتخذ أشكاال وأنماطا من الارتباطات‪‬‬،‬والتعهدات بين‬
‫‬الالتزامات الدولية‪‬ ‬‬،‬‬
‫جنسيات مختلفة بحكم تأسيس الشركات املدنية‪‬‬،‬وتنشيط سوق العقارات‪‬‬،‬وشراء‬
‫والتي‬تجري‬‬على أكثر من صعيد‬
‫‬‪.‬‬
‫‬‬ ‫ألاراض ي‪‬‬،‬وما إلى ذلك من ألانشطة املواكبة لها‪‬ ‬‬،‬‬
‫كما‬يواجه القضاء في‬‬امليدان التجاري‬‬قضايا شائكة محلية‪‬‬،‬ودولية بحكم النزاعات‬ ‫‬‬
‫املطروحة‪‬،‬وبفعل املعامالت املالية‪‬‬،‬والتجارية التي‬‬أصبحت قطب الرحى في‬‬كل ميدان‪‬‬،‬حيث‬
‫‬‬
‫أضحت املحاكم التجارية‪‬‬،‬فاعلة قضائيا‪‬‬،‬محكوم عليها بالفصل السريع فيما‬‬يعرض عليها‬
‫من القضايا ذات الصبغة التجارية بتعدداتها‪‬‬،‬وكثرة تشعباتها‪‬‬،‬سواء بين ألافراد‪‬‬،‬أو بين‬
‫املؤسسات الوطنية‬‬‪،‬أو ذات الجنسيات املتعددة‪‬‬،‬أو املختلطة‬‬‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫ورغم أن املغرب بذل قصارى الجهد لتحديث القوانين‪‬‬،‬وتفعيل النصوص حتى يكون هناك‬
‫امن قضائي بالشكل املطلوب‪‬‬،‬وذلك من خالل إحداث املحاكم املتخصصة‪‬‬،‬وقطع أشواطا‬
‫بعيدة لالندماج مع القوانين الدولية‪‬‬،‬وتطبيق إلاتفاقيات التي‬‬وقع عليها‪‬‬،‬فإنه رغم الترسانة‬
‫القانونية في‬‬املنظومة القضائية التي‬‬يشتغل عليها‪‬‬،‬فإن آليات تطبيقها وتنفيذها‬‬غير متوفرة‪‬،‬‬
‫‬لغياب من جهة الوسائل التكنولوجية‪‬‬،‬وإلالكترونية التي‬‬تساعد على تحديث العمل‬
‫وهي‬معوقات تعطي‬‬بعد آخر لتخلف‬
‫والفعالية‪‬ ‬،‬‬
‫‬‬ ‫بما‬يضمن له السرعة‪‬‬،‬‬
‫ببالدنا‪‬ ‬،‬‬
‫‬‬ ‫القضائي‬‬
‫‬‬
‫وفي‬مقدمتها‬
‫يتطلبها‪‬ ‬،‬‬
‫‬‬ ‫التي‬‬
‫حات‪‬ ‬،‬‬
‫القضاء عندنا‪‬‬،‬وعدم مسايرته بعد للجيل الجديد من إلاصال ‬‬
‫التكوين‪‬،‬والتكوين الصالح للقضاة‪‬‬،‬لتأهيلهم لخطة القضاء على أرضية صلبة من‬ ‫‬‬
‫التي‬تقوم اليوم على عمليات مدققة لها عالقة بقوانين فنية‪ ،‬وتقنية تتطلب‬‫التخصصات‪‬ ‬،‬‬
‫‬‬
‫وفرة املعلومات العلمية في مجال ألاعمال والاستثمار‪ ،‬ودنيا القروض‪ ،‬وعالم التجارة من‬
‫بابه الواسع‪.‬‬
‫وبدون ان يكون هناك امن قضائي ال يمكن ملناخ التنمية أن ينمو‪ ،‬باعتباره املحرك‬
‫الديناميكي الذي يضمن الحقوق‪ ،‬ويوفر ألامن‪ ،‬وألامان والاستقرار‪ ،‬وهذا ما يراهن عليه‬
‫املغرب حاال‪ ،‬في إصالح القضاء لتحقيق سرعة التنمية‪ ،‬وملواجهة العوملة التي أصبحت قاب‬
‫قوسين‪ ،‬أو أدنى ‪،‬لتحتل العالم بنظرياتها‪ ،‬وتطبيقاتها‪ ،‬التي تراعي فيها مصالحها الذاتية‪،‬‬
‫وليست مصالح الشعوب املستضعفة‪ ،‬أو النامية‪ ،‬واملغرب ال يريد أن يكون بلدا تابعا لهذه‬
‫العوملة‪ ،‬بل متبوعا‪ ،‬ومقتدى به‪ ،‬إنه إذن رهاننا جميعا من أجل الحاضر واملستقبل‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫‪ -11‬اإلدارة املغربية ومتطلبات التحديث‬
‫تجسد إلادارة مظهرا أساسيا لنشاط الدولة الرامي إلى تلبية الحاجيات املختلفة لألفراد في‬
‫شتى املجاالت إلادارية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في إطار من الجودة والفعالية‪.‬‬
‫وقد زاد حجم تدخل إلادارة في العديد من املشاريع ‪ ،‬نظرا لحاجة ألافراد للخدمات مما‬
‫يفرض عليها بشكل ملح تطوير آليات اشتغالها وتوفير مقومات عملها من موارد بشرية‬
‫ومالية وعلمية وتكنولوجية حتى تكون مواكبة للمستجدات الدولية‪.‬‬
‫تبعا لذلك يشكل تطوير إلادارة عنصرا أساسيا ضمن عناصر الحكامة إلادارية ‪،‬إذ بتطور‬
‫وتنامي حاجيات ألافراد وتعدد الخدمات التي تتوالها إلادارة ‪ ،‬أضحى من الالزم الارتقاء‬
‫بأدائها وتطوير مقومات تسييرها حتى تستجيب بفعالية ملختلف الحاجيات في مختلف‬
‫املجاالت الضرورية‪.‬‬
‫فقد باتت إلادارة في الوقت الحالي مطالبة باالنصياع ملتطلبات التحديث والتجديد ‪ ،‬السيما‬
‫في ظل التحوالت العاملية الكبرى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وآلاثار الاقتصادية‬
‫الناتجة عن العوملة التي تهم إلانتاجية والتنافسية ‪ ،‬وبروز مفاهيم جديدة كحسن التدبير‬
‫والحكامة الجيدة ‪ ،‬مما يجعل املرفق العمومي أمام تحديات كبرى‪ ،‬إذ بات مفروضا عليها‬
‫أن تطور وتجدد أساليب اشتغالها ووسائل عملها حتى تستجيب النتظارات املواطنين وتكون‬
‫أداة محورية في خدمة التنمية‪.‬‬
‫فإلى أي أحد أصبحت الدولة واعية بأهمية إصالح إلادارة ؟ وماهي أهم معوقات التحديث‬
‫إلاداري ؟ وهل هناك إرادة حقيقية إلصالح إلادارة وجعلها في خدمة التنمية ؟‬

‫الفرع ألاول‪ :‬محطات إلاصالح إلاداري ببالدنا‪.‬‬

‫تلعب إلادارة في ألانظمة املعاصرة املتطورة دورا محوريا في عملية التنمية ‪ ،‬بحيث يعتبر‬
‫أداة ليس فقط إلدارة الخدمات أو توفير وثائق معينة ‪ ،‬بل ركيزة لخلق الثروة وتحريك‬
‫دواليب الاقتصاد الوطني وإلاسهام في إنعاش الاستثمار وخلق الرأسمال املادي بمعية‬
‫القطاع الخاص‪ ،‬املساهمة في حل إشكاليات التشغيل‪ ،‬وتعميم الخدمات الاجتماعية‬

‫‪111‬‬
‫(التعليم ‪ ،‬التطبيب‪ )..‬والرفع من قدرات التنمية البشرية وتوفير شروط حياة أفضل‬
‫للمواطنين‪.‬‬
‫أما بالنسبة لواقع إلادارة املغربية فالبر غم من تجارب إلاصالح التي مرت لعقود ‪ ،‬فال زال‬
‫إصالح إلادارة يبدو كأمر بعيد املنال ويدور في حلقة مفرغة‪،‬على اعتبار أن إلادارة العمومية‬
‫الزالت تعاني من عدة أعطاب واختالالت متنوعة (مسطرية ‪ ،‬مالية‪ ،‬بشرية‪ ،‬ثقافية‪،‬‬
‫سلوكية‪…).‬‬

‫أوال‪ :‬سياقات إلاصالح إلاداري باملغرب‬

‫بدأت بوادر إصالح إلادارة العمومية مع تشكيل املغرب سنة ‪ 1981‬لجنة وطنية لإلصالح‪ ،‬إذ‬
‫فحصت املشاكل التي تواجه إلادارة ‪،‬وأصدرت مجموعة من التوصيات إال أن غالبيتها‬
‫تمحورت حول املشاكل القانونية كمراجعة النظام ألاساس ي للوظيفة العمومية‪ ،‬وإصالح‬
‫الهياكل إلادارية‪.‬‬
‫وقد كان التقرير الذي أصدره البنك الدولي حول إلادارة املغربية سنة ‪ 1995‬قد رصد‬
‫مجموعة من الاختالالت البنيوية التي عرفتها إلادارة أهمها (عدم فعالية املساطروإلاجراءات‬
‫إلادارية‪ ،‬التسيير الروتيني املتميز بالتأخر في مسلسل اتخاذ القرارات‪ ،‬تمركز الخدمات‬
‫وسلطة القرار بالعاصمة‪ ،‬ضعف إلانتاجية‪]1[.‬‬
‫إضافة على إشكاليات أخرى مرتبطة بنظام عدم التمركز إلاداري ‪ ،‬وتحديث نظام الوظيفة‬
‫العمومية ‪ ،‬وعقلنة املوارد البشرية‪.‬‬
‫وبمجيء حكومة التناوب السياس ي‪ ،‬عرف مسار إلاصالح منعطفا آخر حيث جاءت تلك‬
‫الحكومة بفكرة “ميثاق حسن التدبير” وذلك خالل سنة [‪ 1999]2‬حيث تمركزت أهم‬
‫أهدافه حول املداخل ألاساسية التالية ؛‬
‫تخليق املرفق العمومي‪ :‬عبر إنعاش ثقافة ألاخالق باملرفق العمومي ‪ ،‬من خالل مقاومة كل‬
‫أشكال الانحراف التي تعرفها إلادارة العمومية والشطط والتعسف في استعمال السلطة ‪،‬‬
‫والنهوض بمبادئ الشفافية وعقلنة املال العام‪ ،‬وأخيرا حسن إلانصات للمواطنين‬
‫واستقبالهم‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫عقلنة التدبير ‪ :‬من خالل التخفيف من حدة البيروقراطية وإعادة تنظيم هياكل إلادارة‬
‫‪،‬وإقرار سياسة فعلية للتمركز إداري ولسياسة الالمركزية الفعلية‪ ،‬عبر منح اختصاصات‬
‫فعلية املصالح الخارجية ومدها باملوارد البشرية واملالية ‪،‬في املقابل إعطاء إلادارة املركزية‬
‫مهام الضبط والتأطير والتخطيط والتشريع والتقويم‪.‬‬
‫نهج سياسة فعالة للتواصل إلاداري مع املواطنين؛‬
‫وكانت املناظرة الوطنية ألاولى حول إلاصالح إلاداري باملغرب التي انعقدت سنة ‪ 2113‬قد‬
‫رصدت مجموعة من مظاهر القصور في أداء إلادارة املغربية في النقط التالية؛‬
‫–غياب رؤية شمولية لإلصالح‪ ،‬أي انعدام إستراتيجية واضحة املعالم ؛‬
‫–التمركزاملفرط للمصالح والسلطات والوسائل وضعف إلامكانيات؛‬
‫تضخم أعداد البنايات إلادارية (قرابة ‪ 11‬وزارة في تلك الفترة‪).‬‬
‫هزالة الخدمات إلادارية وخصوصا بالعالم القروي؛‬
‫تفش ي مظاهر الزبونية واملحسوبية والرشوة وإهدار املال العام؛‬
‫تعقد املساطر وإلاجراءات إلادارية وتشعب املسالك؛‬
‫إشكالية منظومة ألاجور؛‬
‫غياب املحاسبة واملساءلة وتقييم ألاداء إلاداري وقصور أداء التفتيش‪.‬‬
‫وخالل سنة ‪ 2111‬ظهرت محاوالت أخرى إلصالح إلادارة ‪ ،‬انطالقا من املحاور التالية‬

‫عقلنة وإعادة تنظيم الهياكل إلادارية؛‬


‫مواجهة إشكالية التعقيد والبطء إلاداري؛‬
‫محاربة كل ألافعال املنافية لألخالقيات والعمل بمبادئ النزاهة والحياد؛‬
‫إقامة عالقات جيدة بين إلادارة واملواطنين ترتكز على الشفافية وتحسين الجودة؛‬
‫تأهيل وتثمين املوارد البشرية؛‬
‫ترشيد التدبير العمومي‬
‫وقد أصبح خطاب إصالح إلادارة وتحديثها أكثر جدية مما قبل‪ ،‬وتم تكريس هذا التوجه في‬
‫دستور ‪ ،2111‬الذي حث على تغيير أنماط التدبير إلاداري واملالي‪ ،‬والالتجاء إلى التقنيات‬
‫الحديثة للتنظيم املتمثلة في الحكامة الجيدة‪ ،‬والاستغناء عن الطرق البيروقراطية العتيقة‬

‫‪112‬‬
‫ومع مجيء الحكومة الجديدة تم اعتماد برنامج عمل تحديث إلادارة لسنوات (‪)2113-2111‬‬
‫وذلك من خالل التدابير واملحاور ألاساسية التالية ؛‬

‫تثمين الرأسمال البشري من خالل تقوية إلاطار املؤسساتي وتطوير منظومة املوارد البشرية‬
‫…‪،‬‬

‫تعزيز عالقة إلادارة باملواطن من خالل إعادة الثقة بين إلادارة واملواطنين والرفع من‬
‫مستوى أدائها ومردوديتها ‪ ،‬وتحسين جودة الخدمات املقدمة للمرتفقين وتسهيل الولوج‬
‫إليها‪ ،‬تحسين الاستقبال وتبسيط املساطر إلادارية ودعم إلادارة إلالكترونية…؛‬

‫ترسيخ الحكامة من خالل تخليق املرفق العمومي ودعم الشفافية في التدبير العمومي‪.‬‬

‫إعادة تنظيم هياكل إلادارة من خالل اعتماد تصور استراتيجي إلدارة الممركزة تواكب‬
‫الجهوية املتقدمة وإعداد ميثاق للمرفق العمومي ‪]3[.‬‬

‫من خالل تأمل مسارات وبرامج إلاصالح إلاداري على مدى العقود السابقة حتى آلان نطرح‬
‫تساؤالت ملحة ‪ ،‬هل إلادارة املغربية عرفت انتقاال من حالة التقليد والجمود إلى حالة‬
‫التحديث؟ هل عرفت تغييرا حقيقيا من إدارة تحكمية بيروقراطية إلى إدارة مواطنة وفعالة‬
‫تعمل لصالح املر تفق؟‪.‬‬

‫الشك أن إلادارة العمومية قد راكمت بعض املكتسبات الهامة التي تم تحقيقها في مجال‬
‫تحديثها ‪ ،‬لكن بالرغم من املجهودات التي تم القيام بها في هذا املجال ‪ ،‬فإنها ال ترقى إلى‬
‫مستوى الطموحات والتطلعات ‪ ،‬وذلك بالنظرإلى كون العديد من املشاريع والبرامج املسطرة‬
‫في عهد الحكومات السابقة والتي في معظمها تتشابه مع بعضها البعض لم تجد الطريق إلى‬
‫تفعيلها‪ ،‬هذا راجع باألساس إلى غياب الالتزام باإلصالح إلاداري ‪،‬إذ غالبا ما تنشغل إلادارة‬
‫بإكراهات التسيير اليومي ‪ ،‬في غياب رؤية أو استراتيجية واضحة لإلصالح ‪ ،‬مع عدم تفعيل‬

‫‪113‬‬
‫التدبير التشاركي‪ ،‬زد على ذلك هناك نقص في وجود قيادات إدارية كفئة قادرة على تنزيل‬
‫البرامج واملخططات الكفيلة باالرتقاء بأداء إلادارة‪.‬‬

‫فجوهر إلاشكالية الحقيقية التي تعرفها إلادارة هي إشكالية حكامة‪،‬إشكالية أزمة تدبير‬
‫إشكالية تخطيط ‪ ،‬إشكالية غياب الرؤية‪ ،‬وغياب ثقافة التقويم واملحاسبة والتدبير‬
‫العقالني للسياسات العمومية‪.‬‬

‫الفرع الثاني ‪ :‬في أفق تحديث إداري فعال‬

‫إن التحديث إلاداري يتطلب من املسؤولين والقائمين على تدبير الشأن العام النظر في‬
‫وسائل وعمل إلادارة أي أن ألامر يتطلب التجديد والتغيير في بنيات إلادارة العمومية من‬
‫خالل تطوير آلاليات القانونية واملؤسساتية والعملية ‪ ،‬بما يحقق أسلوب إلادارة الحديثة‬
‫العصرية أساسه عمل إلادارة باألهداف ‪ ،‬والتدبير بالنتائج ‪ ،‬وجعل املوظف في قلب عملية‬
‫إلاصالح باعتباره فاعال ومؤثرا في إنجاح أي عملية لإلصالح‪.‬‬

‫ألجل تحقيق أسلوب إلادارة العصرية والحديثة فإن ألامر يتطلب نهج إستراتيجية شمولية‬
‫متعددة ألابعاد إداريا‪ ،‬تنمويا‪ ،‬ووظيفيا‪ ،‬وتأخذ في الحسبان الجوانب القانونية والتنظيمية‬
‫‪ ،‬وجوانب الحكامة إلادارية والرقابة املالية وعملية التقييم وربط املسؤولية باملحاسبة‪،‬‬
‫وإدارة وتخطيط املوارد البشرية‪،‬وجوانب التكوين املستمر‪،‬وكذلك الحوافزاملالية‪ ،‬وظروف‬
‫وإمكانيات العمل من آليات ومعدات ‪ ، ..‬وجوانباستقراراملوظف والرعاية الاجتماعية‪.‬‬

‫هذه بعض املقترحات الكفيلة بتحديث إلادارة؛‬

‫وضع سياسة كفيلة باالرتقاء بالعنصر البشري ‪ ،‬بداية إن الحديث عن تجديد وتحديث‬
‫إلادارة العمومية يبقى دون جدوى إن لم يتم إعمال التدابير الهادفة إلى الارتقاء بوسائل‬
‫تدبيرها ‪ ،‬السيما فيما يخص العنصر البشري الذي يشكل الحلقة الجوهرية في أي‬
‫استراتيجيه لتحديث عمل إلادارة ‪ ،‬فالعنصر البشري يشكل محور كل إصالح يستهدف‬

‫‪114‬‬
‫تحسين ألاداء ‪ ،‬من هنا فإن برنامج وخطط التحديث يتعين أن تهتم بتطوير كفاءة املوارد‬
‫البشرية وتكوينها املستمر وتنمية مهاراتها ومعارفها ‪ ،‬والعمل على توجيهها إلى الجوانب‬
‫والتخصصات التي تفتقر إليها إلادارات العامة‪ ،‬وذلك في إطار واضح املعالم ووفق‬
‫إستراتيجية محكمة غايتها تحديث إلادارة وجعلها متطورة قادرة على تحقيق التنمية‬
‫املستدامة‪.‬‬

‫الاهتمام بالوضع املادي واملعنوي للموظف وخلق آلاليات الكفيلة بتحفيزه وإنجاح ظروف‬
‫اشتغاله‪ ،‬لتكون لديه الرغبة في املزيد من العطاء والتجديد‪ ،‬واعتبارا لدوره الفعال في‬
‫سيرورة إلانتاج داخل املرفق العام‪ ،‬لذا ينبغي تبني نظام تحفيزي فعال عبر إيجاد أسس‬
‫ومعايير موضوعية وعادلة لتنفيذ عملية التحفيز والتي تتمثل في الاستحقاق والكفاءة أي‬
‫ربط املنح التحفيزية بالجهود املبذولة من قبل املوظفين؛‬

‫اعتبار لكون العنصر البشري يبقى هو القلب النابض واملحرك الحقيقي للفعل إلاداري في‬
‫كل جوانبه ‪ ،‬فإن ألامر يتطلب بدل جهود قصوى إلقرار سيادة ألاخالق داخل إلادارة‪.‬‬

‫الاهتمام بعملية تدبير املوارد البشرية ستكون لها انعكاسات إيجابية على أداء إلادارة‪،‬‬
‫وبالتالي سينعكس على عالقاتها مع املتعاملين معها ‪ ،‬مما يقتض ي وضع سياسة جديدة‬
‫مفادها اختيار أصلح وأحسن العناصر وإعطاء أهمية للتدريب والتعليم والتحفيز( طبقا‬
‫للمبدأ املعروف في نظام إلادارة وضع الرجل املناسب في املكان املناسب)‪ .‬لتحقيق الفعالية‬
‫والرفع من مستوى املردودية ‪ ،‬مع نهج سياسة اختيار تتسم باملوضوعية والحياد؛‬

‫إعادة النظر في منظومة ألاجوربشكل يجعله أكثر انسجاما وشفافية ‪ ،‬وذلك بالحد من‬
‫الفوارق الكبيرة بين ألاجور ‪ ،‬وجعل هذا النظام يساير التغييرات الاقتصادية للبالد للرفع‬
‫من القدرة الشرائية لدى املوظف‪ ،‬والحد من ألانظمة الفئوية بين املوظفين ؛‬

‫تحقيق ديمقراطية إدارية من خالل إشراك املوظف في مناقشة مشاكل العمل وطرح‬
‫وجهات نظره في املشاريع والبرامج القطاعية ؛ أي إعطاء املوظف دورا في اتخاذ القرار داخل‬

‫‪115‬‬
‫املنظومة إلادارية ‪ ،‬وتأسيس مبادئ الحوار والتشاور بين إلادارة واملواطنين ‪ ،‬وإشراك كل‬
‫الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين في املسلسل التقريري كما هو الحال في إعداد املشاريع‬
‫الوطنية للتنمية وتيهئ وثائق التعمير وإعداد التراب الوطني‪..‬؛*‬
‫البحث عن ظروف استمرارية واستقرار املوظف في عمله بشكل يخلصه من هاجس الخوف‬
‫والقلق ألن املوظف غير املطمئن على عمله يكون عاجزا عن إلابداع والابتكار؛*[‪]1‬‬

‫تعزيز آليات الحكامة إلادارية من خالل ترشيد النفقات العمومية ‪ ،‬نهج تدبير أمثل للشأن‬
‫العام عبر إقرار مبادئ التدبير العقالني وتبني نموذج التدبير التشاركي بين جميع الفاعلين في‬
‫بلورة السياسات العمومية من قطاع خاص ومجتمع مدني وجماعات ترابية ‪ ،‬وتيهئ إلادارة‬
‫الحكومية املناخ املالئم النخراط هؤالء الفاعلين في عملية التنمية؛‬

‫تبسيط إلاجراءات إلادارية وتحيين النصوص القانونية؛‬

‫تحسين مبادئ الشفافية في املرفق العام وربط املسؤولية باملحاسبة كما أقرها الدستور‬
‫الجديد وتعزيز آليات مراقبة صرف املال العام؛‬
‫تعزيز وتثمين املوراد التكنولوجية العصرية‪ ،‬في سياق العوملة والتنافسية على إلادارة أن‬
‫تتحكم في التقنيات الحديثة ‪ ،‬ذلك أن الاستفادة من تقنيات التواصل واملعلوميات يساهم‬
‫بال شك في تغيير كبير ملنظومة العمل إلاداري من خالل تنظيم املصالح وعالقات العمل‪.‬‬
‫للتذكير هنا فاملخطط الحالي لتحديث إلادارة العمومية يسعى إلى تبسيط املساطر إلادارية‬
‫ودعم إلادارة إلالكترونية من خالل مشروع مرسوم في شأن تبسيط املساطر إلادارية لضبط‬
‫حكامتها وتفعيل إلزامية العمل بها‪ ،‬وتبسيط ‪ 38‬مسطرة تهم املواطنين‪ ،‬وتبسيط ‪21‬‬
‫مسطرة تهم املقاوالت‪ ،‬وتطوير بوابة الخدمات العمومية من خالل تزويدها بنظام معلوماتي‬
‫لتحديد املواقع الجغرافية للمصالح إلادارية‪ ،‬وإحداث مرصد لتتبع استعمال تكنولوجيا‬
‫املعلومات والاتصال في القطاع العمومي‪]5[.‬‬
‫تكريس دولة والقانون ‪ ،‬من خالل جعل إلادارة محايدة وفي خدمة الجميع ‪ ،‬ووضع حد‬
‫ألساليب الشطط والتعسف في استعمال السلطة‪ ،‬ونهج ثقافة جديدة ترتكز على مبادئ‬
‫الحق والعدل وإلانصاف ويسودها الاحترام الكامل لحقوق املواطنين مع تحسيسهم‬

‫‪116‬‬
‫بالحقوق والواجبات أثناء تعاملهم مع إلادارة ‪ ،‬وضرورة احترام إلادارة ملبدأ الشرعية من‬
‫خالل الامتثال للقوانين وتنفيذ ألاحكام القضائية الصادرة ضدها؛‬
‫خالصة القول أن عملية التحديث إلاداري باملغرب يعتبر مطلبا أساسيا في املرحلة الراهنة‪،‬‬
‫وذلك نظرا للمستجدات والتحوالت التي يعرفها املغرب على جميع املستويات ألامر الذي‬
‫يتطلب من السلطات العمومية أن تخطو خطوات جريئة إلى ألامام في جميع امليادين التي‬
‫تساعد على تحديث إلادارة وتطويرها ‪ ،‬لكن ذلك يقتض ي وجود إرادة سياسية واضحة من‬
‫خالل التعبير عن الرغبة في إلاصالح ‪ ،‬وإعادة النظر في الطرق التدبيرية السابقة والتي‬
‫أصبحت متجاوزة‪.‬‬
‫لذا فاألمر يتطلب وضع إستراتيجية شاملة ومتكاملة ‪ ،‬بحيث ينبغي مراجعة وإعادة النظر‬
‫في كل ما من شأنه قيام سياسة إدارية فعالة وناجعة ‪ ،‬كما يجب العمل على تجاوز جميع‬
‫إلاكراهات والصعوبات التي تم الحديث عنها سلفا ‪ ،‬السيما أن معظمها ترتبط باإلرادة‬
‫السياسية والعنصر البشري‪.‬‬
‫– ]‪[4‬لإلشارة هناك مشروع املرسوم رقم ‪ 2-13-133‬الذي أنهت إعداده وزارة الوظيفة‬
‫العمومية واملتعلق بإعادة انتشار املوظفين املنتمين إلى الهيئات املشتركة بين الوزارات إما‬
‫بناء على طلبهم أو إلزاميا إن اقتضت ضرورة املصلحة ذلك‪ ،‬وهو يسمح بإطالق يد إلادارة‬
‫في إعادة انتشار أزيد من ‪ 125‬ألف من موظفي الدولة‪ ،‬املنتمين لألطر املشتركة بين‬
‫الوزارات‪.‬‬

‫– ]‪[5‬الحكومة إلالكترونية‪ ،‬هي أوال قبل كل ش يء هي نتيجة طبيعية لثورة املعلومات وبزوغ‬
‫فجر مجتمع املعرفة‪ ،‬لهذا فإن تفعيل الحكومة إلالكترونية في مرافق الدولة كلها هو جزء‬
‫من السعي إلى الولوج إلى عالم املعلومات والاتصاالت الحديثة من أوسع ألابواب‪ .‬وقد تم‬
‫اعتماد برنامج الحكومة إلالكترونية من أجل استغالل التكنولوجيات الحديثة لخدمة‬
‫املواطن واملقاولة ووضع الحكومة في وضع خاضع أكثر للمساءلة‪ ،‬ولفسح الفرص ملزيد من‬
‫التنمية‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫‪ -11‬أزمة العالقة بني اإلدارة‬
‫واملواطن‪:‬األبعاد واحملددات‬
‫إن وظائف إلادارة تشكل بحق أساسا مهما في تنفيذ السياسات العمومية‪ ،‬وتكريس هيبة‬
‫الدولة‪ ،‬وإنشاء جسر تواصلي بين املواطنين والدولة‪.‬‬

‫وإلادارة هي الوجه العملي لنشاط الدولة‪ ،‬املتمثل في الحكومة‪ ،‬وانطالقا من الدستور‬


‫املغربي والدساتير املقارنة‪ ،‬فإن إلادارة تعتبر جهازا في يد الحكومة‪ ،‬تنفذ مختلف توجهاتها‬
‫العامة‪.‬‬

‫إن هذا الاعتبار السابق يجعل إلادارة تمثال للسلطة العامة‪ ،‬لذلك فمن الالزم ضبط‬
‫عالقتها باملواطن‪ ،‬وأيضا ملا يشكله إشكال السلطة الحرية من حضور قوي في ذهنية‬
‫املواطن‪ ،‬وكذلك في تصرفات إلادارة‪.‬‬

‫يزداد تعقد إشكال إلادارة باملواطن‪ ،‬ألن إلادارة في كثير من ألاحيان تمارس تصرفاتها في إطار‬
‫ضبط ممارسات املواطن‪ ،‬وفي هذا إلاطار تظهر إلادارة متشبعة بسلطتها العامة املستمدة‬
‫من الدولة‪ ،‬وكذلك استعمالها لبعض املفاهيم بطريقة مبالغ فيها‪.‬‬

‫كما أنه ال يمكن القول بأن الشق الخدماتي في أنشطة إلادارة يسلم من اختالل العالقة بين‬
‫إلادارة واملواطن‪ ،‬بل إن املرفق العام إذا اختلت تصرفاته وأعماله املوجهة لخدمة املواطن‪،‬‬
‫فإنها تؤدي إلى اختالل العالقة مع املواطن‪.‬‬

‫يتضح من الطرح السابق أن رصد الاختالالت وقراءتها بطريقة نقدية‪ ،‬يتوجب النظر لها من‬
‫خالل رصد أوجه السلطة وانحرافاتها في تطبيق املفاهيم في القانون إلاداري ويمكن تحديد‬

‫‪118‬‬
‫هذا الوجه من الاختالل باملحدد الداخلي‪ ،‬كما أن قراءة الوضعية الخدماتية لإلدارة أمر‬
‫مهم الستجالء العلل املؤثرة في عالقة إلادارة باملواطن‪ ،‬من خالل التحديد الخارجي‪.‬‬

‫املحور ألاول‪ :‬البعد الداخلي إلشكالية عالقة إلادارة باملواطن‬

‫إن البعد الداخلي الختالل عالقة إلادارة باملواطن‪ ،‬تتماهى فيه مجموعة من املحددات التي‬
‫تعصف بالعالقة الجيدة بين إلادارة واملواطن‪ ،‬وهاته املحددات مرتبطة إرتباطا وثيقا‬
‫بالسلطة العامة كمدخل ألعمال إلادارة‪ ،‬وهو بحق محدد داخلي يروم للكشف عن إلادارة‬
‫– السلطة في عالقتها باملواطن‪ ،‬الش يء الذي يفسر لصالح إلادارة – السلطة في مقابل‬
‫املواطن‪ ،‬وهذا ما تم تحديده بإشكالية تأويل املفاهيم إلادارية لصالح إلادارة في الغالب‬
‫ألاعم‪.‬‬

‫إن تأويل املفاهيم يكمن في مجموعة من املفاهيم التي لها حساسية في العمل إلاداري‬
‫وأهمها‪ ،‬مفهومي املنفعة العامة واملصلحة العامة‪ ،‬وهما مفهومان يكرسان في كثير من‬
‫ألاحيان هيمنة إلادارة في الفعل إلاداري‪ ،‬مما يشكل في كثير من ألاحيان اختالال واضحا في‬
‫عالقة إلادارة باملواطن‪.‬‬

‫عندما نذكر مفهوم املنفعة العامة مثال‪ ،‬فإننا نستحضر عدة مفاهيم أخرى مثل‪ :‬نزع‬
‫امللكية واحتالل امللك الخواص‪ ،‬والتي ترتبط ارتباطا وثيقا باملنفعة العامة‪ ،‬وليس من‬
‫املبالغة في ش يء إذا ما تم نعت هاته املفاهيم بالغطاء الشرعي ألعمال إلادارة في ما يخص‬
‫نزع امللكية‪ ،‬ويطرح هذا املفهوم إشكاال من ناحية تفسير العمل الذي تقوم به الدولة على‬
‫أنه منفعة عامة‪ ،‬وعند قراءتنا لقانون نزع امللكية من أجل املنفعة العامة والاحتالل‬
‫املؤقت‪ ،‬وبالخصوص الفصل الثاني منه الذي جاء فيه‪":‬يتم نزع امللكية ألجل املنفعة‬
‫العامة بحكم قضائي‪".‬‬

‫ونستشف من الفصل أعاله أننا لم نجد أي تعريف أو تحديد ملفهوم املنفعة العامة من‬
‫قبل املشرع مما يجعل انحراف إلادارة أمر بالغ الوقوع‪ ،‬وان جعل مثل هذا املفهوم املهم‪،‬‬

‫‪119‬‬
‫فضفاضا في تعريفه وتحديده‪ ،‬يؤدي إلى نزع امللكية من طرف إلادارة‪ ،‬تحث ذريعة املنفعة‬
‫العامة‪.‬‬

‫إلاشكال ألاخر يكمن في تفسير املصلحة العامة تفسيرا سيئا وغير قانوني من أجل تنفيذ‬
‫املصلحة الخاصة لإلدارة‪ ،‬فكثيرا ما تم إهدار الحقوق الخاصة وحرية املواطنين بدعوى‬
‫املصلحة العامة‪,‬‬

‫وفي ألاخير ففكرة املصلحة العامة هي ضرورية وال محيد عنها لكن وجب تعريفها وتحديدها‬
‫تحديدا محكما‪ ،‬ومنع الانحرافات عنها املتجلية على عدة مستويات‪:‬‬

‫*املستوى ألاول‪ :‬املصلحة الخاصة تكون غرضا في العمل إلاداري؛‬

‫*املستوى الثاني‪ :‬تحقيق الانتفاع الشخص ي؛‬

‫*املستوى الثالث‪ :‬الانتقام في القرار إلاداري؛‬

‫*املستوى الرابع‪ :‬حالة املحاباة أو تقرب من شخص ذو مال أو نفوذ؛‬

‫*املستوى الخامس‪ :‬تطبيق القانون الالمتساوي‪ ،‬أو سكيزوفرينيا القانون‪.‬‬

‫املحور الثاني‪ :‬البعد الخارجي إلشكالية عالقة إلادارة باملواطن‬

‫عند الحديث عن الاختالل الخارجي لعالقة إلادارة باملواطن‪ ،‬يتبادر إلى الذهن أمران مؤثران‬
‫بشكل على هاته العالقة‪ ،‬باعتبارهما إشكاليتين رئيسيتين في حديثنا عن املشاكل التي‬
‫تعرقل عمل إلادارة‪ ،‬هما البيروقراطية إلادارية‪ ،‬وكذلك الفساد إلاداري‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫والفساد إلاداري ظاهرة تحد من فاعلية إلادارة‪ ،‬وتحيدها عن السكة الصحيحة لعملها‬
‫املتسم واملتميز بخدمة املواطن وضبط سلوكياته بطريقة مشروعة غير منحرفة‪ ،‬وبحيث أنه‬
‫عندما يوجد الفساد فإن إلادارة تتحول مع مرور الوقت إلى جهاز يلبي الرغبات الشخصية‪.‬‬

‫ويذكر أن الفساد يأخذ منطلقات منعه من القران الكريم‪ ،‬فقد ورد في القران الكريم في‬
‫مواضع متعددة‪ ،‬وبسياقات ودالالت متنوعة أبدع في تصويرها‪ ،‬فما كان من القران الكريم‬
‫إال وأن وضع لهاته الكلمة مجموعة من املواضع املختلفة دالة على ظواهر فاسدة‪.‬‬

‫ومعرفة وجود الفساد من عدمه‪ ،‬تتم بطريقة معقدة‪ ،‬هذا التعقيد ناتج باألساس عن تعدد‬
‫صور الفساد إلاداري‪.‬‬

‫لقد اختلف حول املعايير املحددة للفساد إلاداري‪ ،‬ملا يشكله تعريف الفساد إلاداري من‬
‫تعقيد وصعوبة الاتفاق على تعريف واحد‪.‬‬

‫وأمكن القول بأن الفساد إلاداري يمكن إجماله ولو بصورة غير كاملة بأنه‪:‬‬

‫‪1.‬هو فعل ال أخالقي‪ ،‬يخالف القانون‪ ،‬وينحرف عن سكة املصلحة العامة‪.‬‬


‫‪2.‬هو فعل صادر عن سلطة عامة أو عن رجل إلادارة أو املوظف العام‪.‬‬
‫‪3.‬الفساد إلاداري له أسباب اقتصادية واجتماعية‪ ،‬وله تأثير مستمر على النظام السياس ي‪.‬‬
‫‪4.‬يمكن وضع صور للفساد إلاداري‪ ،‬فهو إما فساد تنظيمي‪ ،‬أي عالقة الرئيس باملرؤوس أو‬
‫عدم تنفيذ الخدمات وألاعمال التي يختص بها املوظف العام‪ ،‬ويتخذ الفساد إلاداري‬
‫كذلك طابعا سلوكيا من خالل ممارسة أفعال فردية ذات طبيعة سلوكية‪ ،‬مثل الرشوة‪،‬‬
‫استعمال النفوذ في توصيل ش يء بغير وجه حق‪.‬‬
‫وعلى غرار الفساد إلاداري الذي يؤثر في عالقة إلادارة باملواطن‪ ،‬فإن البيروقراطية إلادارية‬
‫لها تأثير معين في هذه العالقة التي تعتبر صعبة التنزيل باعتبارها أحد أهم املظاهر العملية‬
‫إلشكالية عالقة الحرية بالسلطة كأصل عام في القانون العام‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫ويمكن التأكيد في بداية ألامر أن البيروقراطية ليست إشكاال واقعيا‪ ،‬بمعنى أنها طريقة في‬
‫نظام الحكم تم ابتكاره قصد تدبير املؤسسات بطريقة هرمية – شخصية‪ ،‬ملتزمة بالقانون‬
‫بطريقة حرفية‪ ،‬وهو مصطلح تم تداوله في أغلب الكتابات املتعلقة بعلم السياسية وعلم‬
‫الاجتماع السياس ي‪ ،‬واملالحظة املسجلة في هذا إلاطار أن البيروقراطية هي فكرة مثالية‬
‫ارتبطت بنظام الحكم واملؤسسات املثالية‪ ،‬لكن مع مرور الوقت أصبحت ترتبط‬
‫البيروقراطية باإلدارة‪ ،‬فأصبحت عبارة "البيروقراطية إلادارية" أكثر العبارات املستعملة من‬
‫لدن رجال القانون‪ ،‬اشتهرت على باقي ألانواع ألاخرى‪.‬‬

‫لقد كان الاحتياج العام لنظام بيروقراطي بسبب تزايد تطور الدولة في ظل الثورة‬
‫الصناعية التي كانت قد اجتاحت العالم بأسره‬

‫لكن ومع مرور الوقت انحرفت البيروقراطية كنسق مفاهيمي‪ ،‬ويمكن أن نضرب مثال‬
‫بوضعية البيروقراطية إلادارية باملغرب والذي كان يتجه في البداية نحو البيروقراطية‬
‫العقالنية‪ ،‬لكن في واقع ألامر ظهرت البيروقراطية في ألاخير ككلمة قدحية تستعمل للتعبير‬
‫عن الوضع املزري لإلدارة العامة باملغرب‪ ،‬وفي حقيقة ألامر كانت تتوغل البيروقراطية‬
‫باملغرب أبعد مما يتصور زمنيا في الحقل إلاداري والسلطوي باملغرب‪.‬‬

‫فاالتجاه نحو الهبة في العالقات السياسية قبل الاستعمار كون إدارة رهيبة حسب العالم‬
‫ألانتروبولوجي املغربي "عبد هللا حمودي"‪ ،‬وفي هذا النظام الذي كان قائما في املغرب ساعد‬
‫على تقوية البيروقراطيون وتصدرهم السلطة وإلادارة بالغرب‪ - ،‬عبد هللا حمودي‪ ،‬الشيخ‬
‫واملريد‪ :‬النسق التفافي للسلطة في املجتمعات العربية الحديثة‪ ،‬ترجمة‪ :‬عبد املجيد جحفة‪،‬‬
‫دار توبقال للنشر‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة الرابعة ‪ ،2111‬ص‪-81 .‬‬

‫ورغم إلاصالحات التي همت البيروقراطية في أواخر القرن التاسع عشر‪ ،‬وفي عهد الاستعمار‬
‫على وجه الخصوص‪ ،‬إال أنها كانت إصالحات تخدم املستعمر فقط‪ ،‬فمن غير املعقول أن‬
‫تنجز فرنسا مشروعا أو فكرة أو قانونا سيخدم املغرب‪ ،‬بل العكس من ذلك فقد زاد ألازمة‬
‫السياسية وإلادارية باملغرب‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫بحيث أن البيروقراطية املغربية تعاني من إشكال مهم وهو عدم الفصل بين املهام‪ ،‬وهذا ما‬
‫عمق من إلاشكالية بعد إلاستعمار ليزيد من مشاكل البيروقراطية باملغرب وتنحرف عن‬
‫املبدأ‪.‬‬

‫وإن أهم مثال يمكن أن نسوقه في هذا إلاطار هو تحكم وزارة الداخلية في التقطيع‬
‫الانتخابي وإعالن نتائج الانتخابات‪.‬‬

‫إن هذا املنطق السلطوي في التدبير يجعل التواصل بين املواطن وإلادارة غير ممكن تماما‪،‬‬
‫وتتزايد إشكالية تعقيد القرارات في تداخل املعين (عدم التركيز إلاداري) مع املنتخب محليا‬
‫(الالمركزية إلادارية)‪ ،‬وهو من بين مسببات الكسل والروتين وانتظار التعليمات من طرف‬
‫الرئيس‪ ،‬فال يتم خلق روح إلابداع في إنتاج الفكر إلاداري‪ ،‬إن هاته إلاشكالية غدت أهم‬
‫املشاكل املؤثر بشكل كبير في العمل إلاداري املغربي‪.‬‬

‫وتشكل ألانماط الشكلية الروتينية كذلك‪ ،‬أمرا يعطل عمل إلادارة باملغرب‪ ،‬وهذا ناتج عن‬
‫التمسك باألنماط الشكلية من خالل الروتين الذي يعاني منه عمل إلادارة‪ ،‬من خالل‬
‫تقديس القانون والتمسك بالنصوص التنظيمية بطريقة جافة ال تراعي الجانب إلانساني‪،‬‬
‫أو روح القانون‪ ،‬وتزداد فداحة هذا املشكل من استعمال إلادارة لقوانين ونصوص تنظيمية‬
‫قديمة تم تنسخها بقوانين جديدة ‪ -‬محمد بوجيدة‪ ،‬محاضرات في مادة تحليل النصوص‬
‫القانونية والتنظيمية‪ ،‬ألقيت على طلبة ماستر قانون املنازعات العمومية‪ ،‬بكلية الحقوق‬
‫سال‪ ،‬جامعة محمد الخامس الرباط‪ ،‬السنة الجامعية‪.-.2115-2111 :‬‬

‫وسبب هذا الخطأ الفادح هو غموض النصوص القانونية والتنظيمية التي تتشعب وتتشتت‬
‫في عدة أماكن من دون محاولة تجميعها في إطار مدونات تعنى بالنصوص القانون‬
‫والتنظيمية املنظمة لألعمال إلادارية‪ ،‬كما أن املوظف ال يبحث وال ينقب على القوانين بل‬
‫يعمل في ظل الروتين املتوارث من موظف إلى أخر‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫وفي نفس إلاطار تطفو إلى السطح مشكلة أخرى وهي تعقد املساطر وإلاجراءات إلادارية‪.‬‬

‫لذلك فإن البيروقراطية في عمقها الداللي تؤدي إلى اختالل عالقة إلادارة باملواطن وتزيد‬
‫الشرخ بينهما‪ ،‬ملا يشكله هذا املفهوم من جفاف في مرونة التعامل مع إلاجراءات والنصوص‬
‫القانونية املنظمة للعمل إلاداري‪ ،‬كما أنه للصرامة الزائدة في اتخاذ القرارات بالغ ألاثر‬
‫السلبي على عالقة إلادارة باملواطن‪.‬‬

‫إن إعادة النظر في طريقة تدبير العمل إلاداري أمر مهم وإستراتيجي‪ ،‬وذلك من خالل تعزيز‬
‫أفاق تطوير عالقة إلادارة باملواطن‪ ،‬كإدارة خدومة‪ ،‬تقرب خدماتها من املواطن‪ ،‬وتخضع‬
‫الفعل إلاداري للمساءلة الذاتية والخارجية‪ ،‬وتصبغ العمل إلاداري باملبدأ الشفافية من‬
‫خالل إتاحة املعلومات الضرورية للمواطن وضمان حق إلاطالع عليها‪.‬‬

‫إن املشاكل إلادارية تزيد من شرخ العالقة‪ ،‬وتعطي انطباعا سيئا في ذهن املواطن تجاه‬
‫إلادارة العمومية‪.‬‬
‫إعداد‪:‬ذ‪/‬أحمد السكسيوي‬

‫‪114‬‬
‫‪ -12‬التخليق يف اإلدارة القضائية ‪:‬املسار‬
‫واآلفاق‬

‫ال شك أن التخليق ومحاربة الفساد في مرافق العدالة ورش كبير ومهم ال يقل أهمية عن‬
‫ورش إصالح املنظومة التشريعية وتبسيط إلاجراءات املسطرية‪ ،‬ذلك أن ألاخالق "هي‬
‫أساس من أسس الدولة تقوم بقيامها‪ ،‬وتنهار بانهيارها"‪ ،‬كما جاء في الرسالة امللكية املوجهة‬
‫إلى املشاركين في الندوة الوطنية "حول دعم ألاخالقيات باملرفق العام" في ‪ 29‬و ‪ 31‬أكتوبر‬
‫‪ ،1999‬ولن تتحقق العدالة وترسو دولة الحق والقانون وتثبت مبادئ الديمقراطية وحقوق‬
‫إلانسان‪ ،‬ولو كانت "الخرسانة" التشريعية صلبة ودقيقة في كل جزئياتها‪ ،‬ما لم تكن‬
‫مصحوبة بالتزام أخالقي رصين وضمير منهي حي ممن يعملون في الجهاز القضائي على اختالف‬
‫درجاتهم وتخصصاتهم‪.‬‬
‫ومساهمة منا في بسط النقاش حول هذا املوضوع‪ ،‬فإننا سنحاول في هذه الورقة مقاربة‬
‫مسار التخليق في إلادارة القضائية و كذا آلاليات العملية وألادبية الكفيلة بتحقيق ذلك‪،‬‬
‫مع رسم بعض آلافاق املنظورة لهذا الورش الحيوي في منظومة العدالة‪.‬‬
‫أوال‪ /‬أهداف التخليق باإلدارة القضائية‪:‬‬
‫لم يعد في وسع أحد أن ينكر أن ثمة أنماط سلوكية مشينة‪ ،‬وتجليات أفعال منحرفة في‬
‫عدد من املرافق القضائية التي تس يء إلى سمعة الجهاز القضائي برمته وتتطلب ضرورة‬
‫املعالجة الفورية بل والتصدي الصارم‪ ،‬ويمكن تصنيفها إلى ثالث مستويات من الاختالالت‪:‬‬
‫أوال‪ /‬اختالالت على مستوى املهام‪ ،‬حيث تطفو سلوكيات التماطل والتقاعس والالمباالة‬
‫والتوظيف السلبي للسلطة التقديرية وافتعال أسباب غير معقولة للتغيب وغيرها‪..‬‬
‫ثانيا‪ /‬اختالالت على مستوى التدبير إلاداري‪ ،‬حيث تنتشر سلوكيات الاختالس واستغالل‬
‫النفوذ وتحصيل املنافع غير املشروعة والتبذير في املمتلكات العامة وغيرها‪..‬‬

‫‪115‬‬
‫ثالثا‪ /‬اختالالت تجاه الوافدين على مرافق العدالة‪ ،‬سواء كانوا أشخاصا ذاتيين أو معنويين‪،‬‬
‫حيث تبرز سلوكيات الارتشاء واملحسوبية والشطط في استعمال السلطة والنصب‬
‫والاحتيال واملعاملة التفضيلية وضحالة الخدمات إلادارية والقضائية وغيرها‪..‬‬
‫إن مواجهة الاختالالت بمستوياتها الثالث املشار إليها‪ ،‬تتطلب جرأة وصرامة قانونية‬
‫وأخالقية من طرف جميع الفاعلين في إلادارة القضائية رؤساء ومرؤوسين ومساعدي قضاء‬
‫وحتى وافدين؛ ألن من شأن ذلك أن يحقق جملة من ألاهداف إلاجرائية وآلانية ملنظومة‬
‫العدالة وعلى جميع املستويات الداخلية والخارجية‪ ،‬نوجزها فيما يلي‪:‬‬
‫‪-‬خلق صورة إيجابية لدى الوافدين على مؤسسات العدالة وجعلهم يطمئنون إلى العاملين‬
‫بها‪ ،‬خاصة وأن غالبية املواطنين‪ ،‬من املتقاضين أو غيرهم‪ ،‬انطبعت في أذهانهم صورة‬
‫نمطية سلبية وقاتمة عن هذه املؤسسات‪ ،‬مؤداها أن فضاءات العدالة أماكن لالبتزاز‬
‫وممارسة الظلم والتعسف املادي واملعنوي بما يجعلها بعيدة كل البعد عن مجرد التحلي‬
‫ْ‬
‫بشعار "القضاء قي خدمة املواطن" بله تحقيقه وتنزيله على أرض الواقع‪..‬‬
‫‪-‬الرفع من جودة الخدمات القضائية وإلادارية املقدمة للوافدين على إلادارة القضائية‪،‬‬
‫وذلك بالتعامل الجدي مع طلبات املتقاضين‪ ،‬واملحافظة على التوازن بين املصلحة الفردية‬
‫واملصلحة العامة‪ ،‬دون املساس بجوهر القانون املنظم للعمل‪.‬‬
‫‪-‬تطهير الجسد املنهي من استفحال بعض السلوكيات والتصرفات املشينة التي تضر بصورة‬
‫إلادارة القضائية‪ ،‬إذ من شأن انتشار القيم إلايجابية في املرفق محاصرة العناصر الفاسدة‬
‫والتحجيم من تأثير سلوكياتها الشاذة‪ ،‬وفي املقابل إعادة املصداقية والاعتبار للعناصر‬
‫الصالحة واملصلحة‪.‬‬
‫‪-‬تخفيف عبء العمل والتحبيب في املهام املمارسة من خالل خلق جو منهي واجتماعي سليم‬
‫بين كافة العاملين بالجهاز القضائي‪ ،‬بعيدا عن أجواء التوتر والاحتقان الناتجة عن‬
‫البيروقراطية املفرطة و هيمنة "الخشبية" في التواصل الداخلي و "عمودية" القرار القائمة‬
‫على أساس "افعل" و"ال تفعل‪"...‬‬
‫‪-‬التقليل من الصراعات الشخصية والحد من النزعات ألانانية والتحديات والتحالفات‬
‫الخفية واملقالب والرغبة في إلايقاع باآلخرين في محيط العمل‪،‬‬
‫‪-‬املساعدة في التنزيل السليم ألحكام القضاء وقراراته العادلة‪ ،‬بحكم أن القواعد ألاخالقية‬
‫تقوم بدور املكمل للقاعدة القانونية وتساعد على انتشار تطبيقها واحترامها‪..‬‬

‫‪116‬‬
‫ثانيا‪ /‬آليات ترسيخ التخليق باإلدارة القضائية‪:‬‬
‫إن بلوغ هذه ألاهداف‪ ،‬يتطلب وضع آليات إجرائية مصاحبة قادرة على جعل التخليق أمرا‬
‫واقعيا وليس مجرد حلم يراود أذهان املخلصين‪ ،‬أو شعارا يوظف لالستهالك وتأثيث‬
‫منظومة إلاصالح املنشود‪ ..‬ويمكن التمييز في هذا إلاطار بين نوعين من آلاليات‪:‬‬
‫أ – آليات التحسيس والتوعية‪:‬‬
‫انخراطا في إلاصالح الشامل ملنظومة للعدالة التي أعلنها جاللة امللك منذ خطاب ‪ 21‬غشت‬
‫‪ ،2119‬وخاصة في الشق املتعلق بتخليق الجهاز القضائي‪ ،‬قامت بعض الجمعيات الفاعلة‬
‫في قطاع العدل بخطوة مهمة تمثلت في مبادرتها إلى إصدار مدونات خاصة بالقيم املهنية‬
‫وقواعد السلوك؛ وهكذا أصدرت الودادية الحسنية للقضاة سنة ‪ّ" 2119‬مدونة القيم‬
‫القضائية"‪ ،‬ضمنتها‪ ،‬كما جاء في كلمة رئيس الودادية الحسنية‪" :‬مجموعة من القيم‬
‫والتقاليد و ألاعراف التي تحكم سلوك القاض ي وتروم طمأنينة املجتمع إليه واحترامه‪،‬‬
‫باعتبارها تدعم استقالله وحصانته وكفاءته ونزاهته‪ ،‬فمدونة القيم القضائية – من هذه‬
‫املنطلقات – إطار يتعرف القاض ي واملجتمع من خاللها على الصفات واملزايا الواجب التحلي‬
‫بها من طرف القضاة‪".‬‬
‫ومن جهتها أصدرت ودادية موظفي العدل سنة ‪" 2111‬ميثاق قيم وسلوك كتابة الضبط"‪،‬‬
‫ليكون بمثابة مرجع أخالقي ودليل قيمي يرشد كتاب الضبط في حياتهم املهنية‪ ،‬ويساعدهم‬
‫في ضبط عالقاتهم مع كافة العاملين بمحيطهم وكذا مع الوافدين على مرافق العدالة"‪،‬‬
‫وذلك إيمانا من كتاب الضبط بأن "الالتزام بالقيم ألاخالقية واملمارسات الفضلى من طرف‬
‫العاملين باملرافق القضائية بصفة عامة ومن طرف أطر كتابة الضبط بصفة خاصة‪،‬‬
‫يشكل شرطا ضروريا لتحقيق العدالة وإرساء دولة الحق والقانون وتثبيت الديمقراطية التي‬
‫هي أساس التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية‪".‬‬
‫وحيث إنني كنت من ضمن خلية إعداد وصياغة ومناقشة مختلف مضامين هذا "امليثاق"‪،‬‬
‫فال بأس من التوقف عند تفاصيله الجزئية مذ كان فكرة في الذهن إلى أن استوى وثيقة‬
‫متداولة تسمى "ميثاق قيم وسلوك كتابة الضبط‪".‬‬
‫فعلى مستوى إلاعداد‪:‬‬

‫‪117‬‬
‫تم إنجاز هذا امليثاق بعد أن تم تكوين لجنة من ألاطر الفاعلة في مجاالت التكوين والتأطير‬
‫والعمل املدني والنقابي املرتبط بقطاع العدل‪ ،‬وذلك تحت إشراف السيد مدير تكوين كتاب‬
‫الضبط باملعهد العالي للقضاء آنذاك ألاستاذ عبد الرافع أرويحن‪،‬‬
‫وقامت هذه اللجنة بعقد لقاءات تشاورية أولية بكل من الرباط ومراكش الستعراض‬
‫التصورات ألاولية حول كيفية إعداد مدونات السلوك –سواء على املستوى العربي أو‬
‫الغربي – كما تمت الاستعانة بخبير دولي في هذا املجال من دولة إيرلندا‪،‬‬
‫وبعد إعداد املشروع ألاولي املتفق عليه بين أعضاء اللجنة‪ ،‬قامت اللجنة بعدة "مشاورات‬
‫جهوية موسعة" شارك فيها أزيد من ‪ 1111‬موظف وإطار من كتابة الضبط بمختلف‬
‫درجاتهم إلادارية وانتماءاتهم الفكرية وقناعاتهم ألايديولوجية وتوجهاتهم النقابية‪ ،‬وقد‬
‫عقدت تلك اللقاءات بكل من طنجة‪ ،‬وفاس‪ ،‬ووجدة‪ ،‬وأكادير‪ ،‬والدار البيضاء‪ ،‬والرباط‪.‬‬
‫وعرفت نقاشات حرة وديمقراطية راقية‪ ،‬كما جاءت بعدة اقتراحات ّنيرة أفادت منها اللجنة‬
‫في تعديل وإضافة وحذف العديد من املبادئ وتطبيقاتها التي جاءت في املشروع ألاولي‬
‫للميثاق‪ .‬ثم توج هذا العمل الجبار الذي استغرق حوالي سنة كاملة باإلعالن الرسمي عن‬
‫"ميثاق قيم وسلوك كتابة الضبط" يوم الجمعة ‪ 11‬يونيو ‪ 2111‬باملعهد العالي للقضاء‬
‫بحضور عدد من املدراء املركزيين بوزارة العدل وكذا املدير العام للمعهد للقضاء آنذاك‬
‫ألاستاذ محمد سعيد بناني‪ ،‬وعدد من املسؤوليين القضائيين وإلاداريين وأطر وموظفي وزارة‬
‫العدل‪.‬‬
‫أما على مستوى لغة امليثاق فتتميز بما يلي‪:‬‬
‫‪-‬الاعتماد على البساطة في الصياغة التي تحقق سالسة في الفهم وحسن إلادراك الذي ال‬
‫يوقع في التأويل في الس يء أو التعسف في الفهم‪،‬‬
‫‪-‬تجنب ألاساليب التحقيرية أو التي تحط من كرامة موظفي كتابة الضبط‪،‬‬
‫‪-‬عدم اعتماد أساليب إلالزام التي تبدأ بـ "يجب"‪ ،‬حتى ال يفهم من "امليثاق" على أنه قانون‬
‫ملزم يستوجب العقاب في حال املخالفة أو عدم الامتثال‪..‬‬
‫‪-‬إال أنه في املقابل جاء غنيا بأساليب التحفيز من مثل "يتفانى في كذا"‪ ،‬و"ينأى بنفسه عن‬
‫كذا"‪ ،‬و"يقاوم كذا"‪ ،‬و "يسهر على كذا" وغيرها كثير‪ ،‬أو أساليب الدعم والتوجيه من مثل‬
‫"يرفض كذا"‪ ،‬و "يتفادى كذا" و"يلتزم بكذا"‪ ،‬و "يحترم كذا"‪،‬‬

‫‪118‬‬
‫‪-‬افتتاح القواعد املبينة ملبادئ امليثاق‪ ،‬وكذا تطبيقاتها بفعل املضارعة‪ ،‬للداللة على أن‬
‫نته‪ ،‬وإنما هو فعل مستصحب للحركية‬ ‫الفعل ألاخالقي املطلوب الالتزام به غير جامد أو ُم ٍ‬
‫والديمومة سواء في الحال أوالاستقبال‪.‬‬
‫أما على مستوى املضمون‪،‬‬
‫فإن امليثاق جاء متضمنا لتسعة مبادئ أخالقية تبدو في ظاهرها على أنها مجرد عناوين‬
‫منقولة من هنا وهناك ال يحكمها أي منهج‪ ،‬إال أن لجنة الصياغة وضعتها وفق نسق معرفي‬
‫ومنهجي محكم ومتكامل يمكن إيضاح معامله كاآلتي‪:‬‬
‫أوال‪ /‬مراعاة النسقية في ترتيب املبادئ‪ ،‬حيث جاءت الشرعية في مقدمتها‪ ،‬للداللة على أن‬
‫أي فعل أخالقي أو قانوني مهما كان ساميا‪ ،‬إذا لم يكن مؤطرا بالقواعد الشرعية املنظمة‬
‫للعمل ال يمكن القبول به بتاتا‪ ،‬إال أن ممارسة الشرعية في الواقع العملي تحتاج إلى‬
‫دعامات إضافية كاشفة ومؤيدة لحسن تصريف إلاجراءات وضمان قواعد الشفافية‬
‫املطلوبة مع املتقاضين‪ ،‬ولذا جاءت على التوالي مبادئ التجرد والنزاهة واملساواة‪.‬‬
‫‪-‬وبعد هذه املبادئ العامة‪ ،‬جاء مبدأ الكفاءة‪ ،‬ليكون واسطة العقد بين املبادئ التي تبدو‬
‫أكثر نظرية‪ ،‬واملبادئ ذات الصبغة العملية الصرفة‪ ،‬إذ بالكفاءة العلمية والعقلية تدرك‬
‫املعارف النظرية‪ ،‬وبالكفاءة العملية تنجز املهام املهنية باقتدار‪ ،‬وذلك من أجل بلوغ‬
‫النجاعة الالزمة لتحقيق أفضل النتائج في املرفق القضائي‪ ،‬كما جاء في املبدأ السادس من‬
‫ميثاق السلوك‪،‬‬
‫‪-‬إال أن هذه النجاعة‪ ،‬التي تتطلب الانخراط الجدي في العمل‪ ،‬والتحلي بروح املبادرة‬
‫وإلابداع في املهام قدر إلامكان‪ ،‬تتطلب – كذلك ‪ -‬عدم املساس بجوهر القوانين املنظمة‬
‫للعمل‪ ،‬وفي طليعتها كتمان السر املنهي وعدم إفشائه ألي جهة غير مرخص لها‪ ،‬على حد‬
‫تعبير املبدأ السابع من امليثاق‪،‬‬
‫‪-‬وألن الالتزام الصارم بجملة املبادئ السالفة يفترض أن يتحلى فيه كاتب الضبط بش يء‬
‫من الصرامة التي قد تؤدي إلى نوع من الاحتكاكات مع العاملين في الجهاز القضائي أو‬
‫قيد ذلك – في املبدأ الثامن ‪ -‬بضرورة التزام اللياقة في املظهر‬‫الوافدين عليه‪ ،‬فإن امليثاق ّ‬
‫واللباقة في التصرف سواء على املستوى الداخلي أو عند استقبال الوافدين وتصريف‬
‫إلاجراءات املطلوبة منهم‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫‪-‬ووعيا من لجنة الصياغة بأن فعل التخليق في إلادارة القضائية‪ ،‬وفي أي إدارة أخرى‪ ،‬ال‬
‫يمكن أن يؤتي ثماره‪ ،‬إال إذا تم في نسق جماعي متضامن ومتعاضد‪ ،‬جعلت آخر مبدأ من‬
‫هذا امليثاق بعنوان "التضامن"‪ ،‬وأكدت فيه على الخصوص على ضرورة الاعتزاز باالنتماء‬
‫لجهاز كتابة الضبط‪ ،‬والسعي إلى تقوية العمل الجماعي داخل إلادارة القضائية‪ ،‬وكذا‬
‫توطيد أواصر التعاون بين كافة الفئات املهنية العاملة بفضاء املحكمة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬اختيار التطبيقات الدالة والصريحة على القيمة ألاخالقية املعبر عنها في القاعدة‪،‬‬
‫وذلك ضمانا لحسن الفهم وسالمة التنزيل‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬التوسع في مفهوم التخليق وعدم حصره فيما يحيل على املتداول لدى العموم‬
‫كالرشوة واستغالل املرفق مثال‪ ،‬ولذا جاء امليثاق متضمنا لعديد كبير من القواعد‬
‫السلوكية الالزمة في املحيط املنهي‪ ،‬يمكن تصنيفها إلى‪:‬‬
‫‪-‬أخالقيات ناظمة للعالقات الداخل بين عموم العاملين باإلدارة القضائية‪ ،‬كالتأكيد على‬
‫مسألة الاحترام املتبادل بين الرؤساء واملرؤوسين‪ ،‬وتفادي املحسوبية أو الوقوع في التمييز‬
‫تجاه املرؤوسين‪ ،‬والالتزام بقواعد املروءة والشهامة في التعامل بين الزمالء والزميالت‪،‬‬
‫والامتناع عن إيذاء زمالء العمل أو الكيد لهم‪ ،‬وعدم التدخل في الحياة الشخصية والعائلية‬
‫بما يس يء إليها‪ ،‬والالتزام بالتضامن والعمل بروح الفريق وغيرها كثير‪...‬‬
‫‪ -‬أخالقيات ناظمة للعالقة مع فضاء العمل‪ ،‬مثل التأكيد على تبني قيم إيجابية تثمن‬
‫املرفق والوظيفة واملهام‪ ،‬واملحافظة على املمتلكات العامة املوضوعة رهن إشارة املوظف‬
‫وحسن استغاللها فيما أعدت له‪ ،‬وتنظيم مكاتب العمل بما يحقق جودة تصريف‬
‫إلاجراءات للمتقاضين‪ ،‬والسرعة في إنجاز املهام‪ ،‬والالتزام بأوقات الدخول والخروج‪ ،‬وعدم‬
‫افتعال أسباب للتغيب عن العمل‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫‪-‬أخالقيات ناظمة للعالقات مع القضاة ومساعدي القضاء‪ ،‬كالتأكيد على عدم التوسط أو‬
‫التدخل في القضايا لدى قضاة الحكم أو النيابة العامة‪ ،‬والامتناع عن تقديم استشارات‬
‫قانونية ألي طرف من أطراف الدعوى أثناء سريان املسطرة من شأنها أن تضر بمصالح‬
‫أحدهم‪ ،‬وعدم السماح ملساعدي القضاء باستعمال مكتبه أو أي مرفق تحت إمرته كمقر‬
‫الستقبال الزبناء‪ ،‬والامتناع عن توجيه املتقاضين نحو أي محام أو موثق أو خبير أو عدل أو‬
‫مفوض قضائي‪...‬‬

‫‪121‬‬
‫‪-‬أخالقيات ناظمة للعالقات مع عموم الوافدين على إلادارة القضائية‪ ،‬كالتأكيد على‬
‫ضرورة التزام املساواة وعدم التمييز بين الوافدين سواء على أساس العرق أو الدين أو‬
‫الجنس أو الانتماء الجغرافي أو الاجتماعي أو الحزبي أو النقابي‪ ،‬وتمكين ذوي الصفة‬
‫واملصلحة من إلاجراءات املطلوبة‪ ،‬وتسهيل وولوج املتقاضين إلى الخدمات القضائية من‬
‫خالل شفافية الخدمة وتجنب أساليب املماطلة أو تجريح الكرامة‪ ،‬وتعليل القرارات‬
‫الصادرة عن إلادارة القضائية‪ ،‬وتجنب الشطط في استعمال السلطة‪ ،‬وتوخي الحذر‬
‫والتحفظ تجاه دعوات املناسبات والوالئم من ألاشخاص الذين تحوم حولهم شبهات أو‬
‫املعروفين بترددهم على املحاكم‪...‬‬
‫‪-‬أخالقيات داعمة ملفهوم النجاعة القضائية‪ ،‬مثل الدعوة إلى الانخراط الجدي في العمل‬
‫لتحقيق ألاهداف املساهمة في تحقيق العدالة‪ ،‬والتحلي بروح إلابداع والابتكار وتتبع‬
‫املستجدات التي تنهض باإلدارة القضائية‪ ،‬واملساهمة في تطوير الجهاز القضائي من خالل‬
‫البحوث ألاكاديمية وامليدانية‪ ،‬واحترام قواعد املحاسبة والصفقات العمومية وعدم تبديد‬
‫املال العام‪..‬‬
‫ب – آليات التنفيذ واملتابعة واملراقبة‬
‫إن مجرد إصدار مدونات للقيم والسلوك املنهي للعاملين في املرافق القضائية‪ ،‬ال يمكن أن‬
‫يؤتي ثماره املرجوة على مستوى التخليق ما لم يكن مصحوبا بعدد من آليات التنفيذ‬
‫هما يوميا ال مجرد شعار مناسباتي‪ ،‬وفي أفق‬ ‫واملتابعة واملراقبة الكفيلة بجعل التخليق ّ‬
‫تحقيق هذا املبتغى نقترح ما يلي‪:‬‬
‫‪-‬تنمية الرقابة الذاتية‪ ،‬فاملوظف الناجح هو الذي يراقب هللا تعالى في عمله قبل أن يراقبه‬
‫املسؤول‪ ،‬وهو الذي يراعي املصلحة الوطنية قبل املصلحة الشخصية‪ ،‬وهو الذي يحب‬
‫عمله ووظيفته ويتفانى في خدمة الناس‪ ،‬مهما كانت الظروف وألاحوال‪ ،‬ويلتزم بالواجبات‬
‫قبل املطالبة بالحقوق‪.‬‬
‫فإذا ترسخت هذه املعاني الكبيرة في نفس املوظف فستنجح املؤسسة التي ينتمي إليها بال‬
‫شك ؛ ألن ذلك دليل قوي على إخالص العاملين في وظائفهم‪.‬‬ ‫ّ‬
‫فالرقابة الذاتية تنمي كل الصفات الحميدة املتفق عليها بين بني البشر في كل بقاع‬
‫العالم‪...‬فتمنع الخيانة‪ ،‬وتعين على ألامانة‪ ،‬وترسخ النزاهة والشفافيةـ وتقوي إلاحساس‬
‫باملسؤولية‪ ،‬وتزرع الثقة بين الناس‪..‬‬

‫‪121‬‬
‫‪-‬التعريف الواسع بميثاق قيم وسلوك كتابة الضبط على كافة العاملين بالجهاز القضائي‬
‫(قضاة‪ ،‬كتاب ضبط‪ ،‬محامون‪ ،‬عدول خبراء‪ ،‬موثقين‪ ،‬تراجمة‪ )..‬وذلك بتعميم نشره‬
‫ومدارسته من خالل حلقات تكوينية مشتركة‪ ،‬في أفق إيجاد مدونة موحدة تستهدف جميع‬
‫شركاء إلادارة القضائية‪،‬‬
‫‪-‬إحياء ألايام الوطنية الخاصة بالتخليق في املحاكم (اليوم الوطني ملحاربة الرشوة‪ ،‬اليوم‬
‫الوطني لسياسة الجودة‪ )..‬عبر ندوات دراسية وتوزيع ملصقات وغيرها‪...‬‬
‫‪-‬تسهيل الولوج للمعلومة القضائية وإلادارية باملحاكم (مكاتب استقبال عصرية ومجهزة‪:‬‬
‫موظفون أكفاء ‪ +‬مطويات إجرائية ‪ +‬ونوافذ إلكترونية تفاعلية)‪...‬‬
‫‪-‬التكثيف من الحلقات التكوينية الخاصة بمادة القيم والسلوك مركزيا وجهويا ومحليا مع‬
‫ضرورة تعميمها على كافة املوظفين والقضاة ومساعدي القضاء‪،‬‬
‫‪-‬التكثيف من الدورات التكوينية الخاصة بتقنيات التواصل مع الوافدين على املحاكم‪،‬‬
‫‪-‬تفعيل سياسة ألابواب املفتوحة باملحاكم وإشراك جميع الفاعلين في الجهاز القضائي في‬
‫إلاعداد والتأطير‪،‬‬
‫‪-‬إحداث أوسمة تقديرية للعنصر املثالي العامل باملحاكم سواء أكان قاضيا أو كاتب ضبط‬
‫أو عون خدمة‪( ...‬وسام النزاهة‪ ،‬وسام الانضباط‪ ،‬وسام احترام الوقت‪ ،‬وسام الالتزام‬
‫بالواجبات املهنية)‪،...‬‬
‫‪-‬إحداث شهادات تشجيعية للموظف املبدع واملبتكر في املجال املنهي‪،‬‬
‫‪-‬العناية بمفهوم "ثقافة خدمة املرفق العام" وذلك من خالل التذكير املستمر بأهمية هذا‬
‫املرفق في خدمة املواطن‪،‬‬
‫‪-‬تفعيل نظام املحاسبة من خالل النصوص القانونية الزاجرة للسلوكيات املشينة مثل‬
‫{الارتشاء (الفصل ‪ 218‬و ‪ 219‬من ق ‪ .‬ج) ‪ ،‬اختالس ألاموال ( الفصول ‪ 211‬و ‪ 212‬من ق ‪.‬‬
‫ج )‪ ،‬استغالل النفوذ (الفصل ‪ 251‬من ق ‪ .‬ج )‪ ،‬الغدر (الفصول ‪ 213‬و ‪ 211‬من ق ‪ .‬ج)‪،‬‬
‫تحصيل منافع غير قانونية (الفصول ‪ 215‬و ‪ ،)213‬املحسوبية (الفصل ‪ 251‬من ق‪.‬ج)‪،‬‬
‫الشطط في استعمال السلطة وخيانة ألامانة (الفصلين ‪ 512‬و ‪ 555‬من ق‪.‬ج)‪ ،‬التزوير‬
‫(الفصلين ‪331‬و ‪ 332‬من ق‪ .‬ج})‪،‬‬
‫‪-‬التأكيد على عنصر القدوة الحسنة في املجال العملي أفقيا وعموديا؛ وذلك ألن الكثير من‬
‫القيم ألاخالقية والقواعد السلوكية املهنية‪ ،‬ال تحتاج في العمل بها إلى مواثيق أو مدونات‬

‫‪122‬‬
‫سلوكيات‪ ،‬بقدر ما يمكن اكتسابها عن طريق القدوة الحسنة التي يقدمها الرئيس للمرؤوس‬
‫أو املوظف ألاعلى للموظف ألادنى‪ ،‬أو املوظف النشيط للمتقاعس‪ ..‬باعتبارها تنزيال عمليا‬
‫وممارسة واقعية يومية مشاهدة ال تحتاج إلى كثير من التعابير والشرح‪.‬‬
‫ويمكن أن تظهر هذه القدوة الحسنة في العمل إلاداري في جوانب كثيرة‪ ،‬كالتقيد بالقوانين‬
‫وأنظمة العمل‪ ،‬وفي الالتزام بأوقات العمل في الحضور والانصراف‪ ،‬وفي تنظيم العمل‬
‫وجودة الخدمة املقدمة للمتقاضين‪ ،‬وفي حسن التواصل مع املحيط الداخلي والخارجي‪ ،‬وفي‬
‫الهندام واملظهر الخارجي‪ ...‬وفي غيرها من الجوانب التي تحتاج إلى ألاعمال أكثر من ألاقوال‪.‬‬
‫‪-‬إصدار مذكرات توجيهية بخصوص بعض املظاهر السلوكية غير الالئقة في إلادارة‬
‫القضائية‪،‬‬
‫‪-‬تفعيل املساءلة التأديبية بكامل الشفافية والنزاهة عند وجود اختالالت أخالقية أو‬
‫مهنية‪،‬‬
‫‪-‬إشهار العقوبات التأديبية للعاملين في الجهاز القضائي بكافة املحاكم أو عبر البوابة‬
‫إلالكترونية ملديرية املوارد البشرية لوزارة العدل أو ودادية موظفي العدل أو الودادية‬
‫الحسنية للقضاة أو نادي القضاة أو جمعية املحامين باملغرب أو الهيئة الوطنية للعدول أو‬
‫هيئة املفوضين القضائيين‪ ،‬ألن من شأن ذلك أن يفضح العناصر الفاسدة في الجهاز‬
‫القضائي ويحد من توسع دائرة املظاهر السلبية في مرافق العدالة‪..‬‬

‫وأخيرا‪،‬‬
‫نقول إن نجاح التخليق في مرافق العدالة عامة وإلادارة القضائية على وجه الخصوص‪،‬‬
‫كفيل بأن يعيد الثقة في القضاء املغربي ومحيطه الداخلي والخارجي‪ ،‬وأن يجعل كل من‬
‫يفد عليه غير يائس من عدل قوانينه وال خائفا من شطط أهله‪.‬‬

‫إعداد‪:‬ذ‪/‬محمد إكيج‬

‫‪123‬‬
‫‪ -13‬احلكامة الشاملة‬

‫والتنمية البشرية‬
‫في إطار الدرس الافتتاحي للموسم الجامعي ‪ ،2115-2113‬استقبلت الكلية املتعددة‬
‫التخصصات القاض ي عياض بآسفي ألاستاذ "محمد حركات"‪ .‬أستاذ الاقتصاد بكلية العلوم‬
‫القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالرباط‪ .‬وصاحب عدد كبير من املؤلفات العلمية‬
‫القيمة من بينها ‪" :‬تقييم العمل العمومي" و"‪. " GOUVERNANCE LOCALE AU MAROC‬‬
‫وقد تناول بالشرح والتحليل موضوع {الحكامة الشاملة والتنمية البشرية }‪ .‬ونظرا ملا‬
‫للموضوع من أهمية بالغة ‪ ،‬حاولنا تلخيص مداخلة ألاستاذ حركات لتعميم الفائدة‪.‬‬
‫**************‬

‫مفهوم الحكامة من املفاهيم الجديدة التي أحدثت ثورة على املستوى البيداغوجي‬
‫لعالقته بكافة التخصصات‪ .‬وإذا حاولنا التأصيل له نجد أن كال من املدرستين الفرنسية‬
‫والانجلوساكسونية تنسبانه إليهما‪ .‬إال أنه من املؤكد انه ظهر في القرن ‪ ، 18‬ولم يتم تداوله‬
‫إال في أواخر القرن ‪19‬مع ظهور املقاولة الصناعية نظرا للحاجة إلى حفظ التوازن‬
‫الاقتصادي بنهج املراقبة على املستوى الصناعي ‪.‬ثم طفا إلى السطح من جديد في‬
‫الخمسينات من القرن املاض ي بطرحه من طرف البنك الدولي ‪ .‬ليتم تداوله بقوة في‬
‫الثمانينات في إطار البرنامج ألاممي ‪.‬وبعدها صار من املفاهيم الرائجة من طرف املختصين‬
‫والخبراء والصحفيين‪.‬دون تحديد معناه الدقيق في غالب ألاحيان‪.‬‬

‫وفي تحديد ملفهوم الحكامة ‪ ،‬يقارن ألاستاذ حركات بينه وبين مفهوم حكومة ‪ .‬فإذا‬
‫كانت الحكومة هي سلطة عمومية تتشكل من هرم يضم مجموعة من البنيات إلادارية على‬
‫رأسها الجهاز الحكومي الذي يحتكر القرار ‪ ،‬فان مفهوم الحكامة يقلب هذا الهرم ليجعل‬

‫‪124‬‬
‫الحكومة مجرد فاعل في صنع القرار إلى جانب فاعلين آخرين يكتسون بدورهم أهمية بالغة‬
‫كالشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين ومكونات املجتمع املدني‪.‬ويتميز مفهوم الحكامة‬
‫الشاملة بديناميته ألنه يهتم بدور املجتمع في خلق وتحريك البنيات الاقتصادية و إلادارية‪.‬‬
‫حتى إن بعض املختصين ذهب إلى التعليق بان الحكامة ما هي إال تسمية خجولة ملفهوم‬
‫الديمقراطية أو أنها الديمقراطية تحت اسم جديد‪ .‬أما مضمونه ‪ ،‬فهو يعبر عن الكثير دون‬
‫التعبير عن معنى محدد نظرا لدخوله في كل الاختصاصات وتميزه بأبعاد كثيرة‪ .‬فالبنك‬
‫الدولي يتعامل مع بعده الاقتصادي‪ ،‬بينما ترى ألامم املتحدة أن له بعدا إنسانيا‪ ،‬أي أن‬
‫هذه الحكامة يجب أن تكون في خدمة إلانسان قبل كل ش يء‪.‬‬

‫ويميز ألاستاذ "حركات" بين نوعين من الحكامة ‪ :‬حكامة جيدة وحكامة رديئة‪ .‬ويبين‬
‫كيف أن الحكامة الجيدة ترتكز على مجموعة عناصر اختزلها في أربعة ‪:‬‬

‫‪ /1‬وجود مخطط استراتيجي واضح وعملي‪ :‬أي ضرورة وجود رؤية محددة وبرامج مدروسة‬
‫في كل امليادين‪.‬‬

‫‪ /2‬وجود هياكل ‪ :‬حيث أن كل البرامج مسارها إلى الفشل في غياب هياكل املناسبة‬
‫‪.‬واملقصود بالهياكل هنا العنصر البشري املتميز بالكفاءة واملرونة والتكوين العالي‬
‫واملستمر في كافة املجاالت لتكون لديه الرؤية الشمولية ‪ .‬وهذا ليس بغريب في ظل‬
‫اقتصاد عالمي اصبح ينعت باقتصاد املعرفة‪.‬‬

‫‪ /3‬وجود منظومة إعالم وتواصل ‪ :‬إذ يعاب على الثقافة في املجتمعات العربية كونها تتسم‬
‫بالطابع الشفوي وال تخضع لتدوين للمعرقة‪ .‬ومثال ذلك أننا ال نتوفر على بنك‬
‫للمعلومات وال حتى تحت قبة البرملان للمساعدة على اتخاذ قرارات تتصف بالرؤية‬
‫املنطقية الشاملة‪.‬وال إنتاج نظريات خاصة بمجتمعاتنا ‪ .‬ومن هنا دور إلاعالم في خلق‬
‫التواصل بين املفكر واملسؤول واملواطن العادي‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫‪ /1‬التقويم املستمر لألخطار ‪ : EVALUATION :‬فكل عمل اقتصادي اجتماعي أو مؤسساتي‬
‫يجب أن يخضع للتقويم واملراقبة الداخلية باستمرار‪ .‬فقد تبين من تقرير املغرب حول‬
‫"‪ 51‬سنة من التنمية البشرية" غياب ثقافة التقويم في بالدنا مما اثر عمليا على عدد‬
‫من املشاريع والاوراش الكبرى التي دخلها كسياسة السدود مثال ‪ .‬واملقصود بمفهوم‬
‫التقويم هو املراقبة الدائمة ألي مشروع اقتصادي اجتماعي ‪...‬أو أي عمل مؤسساتي‬
‫‪.‬بتناول ما حققه من انجازات وكذا ما شاب تطبيقه من عيوب‪ ،‬و ألاسباب الكامنة‬
‫وراءها ‪ .‬واستخالص العبرة من تلك النتائج حتى يمكن تجنبها في املستقبل ‪.‬وهذا دور‬
‫الدراسات إلاستراتيجية التي ال تدرس في بالدنا لألسف إال في املدارس العسكرية‪.‬‬

‫ومن صور التقويم املستمر لألخطار ‪ ،‬أن يتمكن كل ‪ -‬شخص خاصة إذا كان‬
‫مسؤوال‪ -‬من معرفة ما عليه القيام به في الظروف الاستثنائية قبل العادية‪.‬الن ذلك من‬
‫شانه تجنيب املجتمع والدولة العديد من الخسائر الناتجة عن الحوادث الفجائية من‬
‫حرائق وأمراض وحوادث ‪...‬كما من شانه حماية املال العام من سوء التدبير نتيجة خضوع‬
‫تسييره ملراقبة دائمة من طرف املجتمع‪.‬‬

‫أما بخصوص الحكامة الرديئة فهي تتميز بكل ما يخالف املبادئ السابقة الذكر ‪ ،‬مع‬
‫كل ما يصاحب ذلك من مظاهر الرشوة وسوء تدبير للمال العام‪...‬‬

‫وملفهوم الحكامة الشاملة أبعاد دولية وأخرى محلية‪.‬‬

‫البعد الدولي ‪:‬‬

‫يعيش العالم منذ سقوط جدار برلين حالة عدم استقرار نظرا لنظام القطب‬
‫الوحيد بزعامة الواليات املتحدة‪.‬وما أنتجه من حروب وانعدام العدالة في التعامل مع‬
‫القضايا الدولية‪ ،‬وانتشار لتجارة ألاسلحة‪،‬وسيطرة للشركات املتعددة الجنسيات وما إلى‬
‫ذلك‪.‬ومن أهم مبادئ الحكامة حق الشعوب في صنع قراراتها وسيادتها التامة في التعامل مع‬
‫مشاكلها الداخلية‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫وعلى املستوى الاممي نجد مجموعة من الفقهاء والباحثين يطالبون بمراجعة‬
‫التنظيم الاممي إلنصاف بعض جهات العالم كالقارة إلافريقية مثال ‪.‬ونظرا لتنامي دور‬
‫املنظمات غير الحكومية في تبني قضايا الشعوب والدفاع عنها في املحافل الدولية ‪ ،‬مما خلق‬
‫مجتمعا مدنيا نشيطا موازيا للدولة‪ ،‬فقد صارت تطالب بتمثيليتها في ألامم املتحدة‪.‬‬

‫البعد املحلي‪:‬‬

‫تلعب الجماعات املحلية دورا كبيرا في تفعيل هذا املفهوم‪ ،‬لدرايتها بخصائص كل‬
‫منطقة واحتياجاتها‪ .‬غير أن طبيعة املنتخبين وعدم اطالعهم على الداللة الحقيقية لهذا‬
‫املفهوم ‪ ،‬إضافة إلى غياب مراكز للدراسات إلاستراتيجية على املستوى الوطني هما عامالن‬
‫يحوالن دون تأهيل هذه الجماعات للقيام بدورها‪ .‬وأكثر منهما القوانين املالية املستهلكة‬
‫والتي تشجع على التبديد { كإلغاء كل املصاريف التي لم يتم استهالكها من ميزانية الجماعة‬
‫على سبيل املثال}‪ .‬هذه القوانين بحاجة إلى مراجعة شاملة لتتماش ى مع املستجدات‬
‫الاقتصادية الوطنية والدولية‪.‬بإعادة النظر في املنظومة املحاسبية‪ -‬التي ترجع في اغلبها إلى‬
‫نص ‪ – 1935‬قصد العمل على تنمية املوارد من خالل البحث عن شراكات جديدة ‪ ،‬وتبني‬
‫رؤية شاملة ذات أهداف محددة‪.‬‬

‫تجدر إلاشارة إلى أن التعامل مع مفهوم الحكامة يجب أن يتسم بنوع من الحذر نظرا‬
‫لخلفياته الديماغوجية والاديولوجي { إذ يعتبر من املفاهيم التي يوظفها صندوق النقد‬
‫الدولي لدفع الدول إلنعاش اقتصادها قصد استرداد ديونه }‪،‬غير أن له جوانب ايجابية‬
‫عديدة قد تكون لها نتائج مستقبلية هامة إذا وظف بطريقة جيدة‪.‬‬

‫وداد الرنامي‬

‫‪127‬‬
‫‪ -11‬الدستور اجلديد واستقالل السلطة‬
‫القضائية‬

‫يأتي دستور ‪ 2111‬في ظرفية سياسية خاصة يعيشها املغرب‪ ،‬وفي سياق غير منفصل عن‬
‫يروج له البعض‬ ‫جو الثورات العربية وموجات الاحتجاج من املحيط إلى الخليج‪ ،‬خالفا ملا ّ‬
‫عن الاستثناء املغربي في كل ش يء‪ ،‬وعلى الصعيد الوطني‪ ،‬وكما هو معلوم‪ ،‬نادت حركة ‪21‬‬
‫فبراير بامللكية البرملانية كشكل للنظام السياس ي املقبل‪ ،‬إال أن الدستور جاء مخيبا آلمالها‬
‫َ‬
‫ورأت بالتالي الحل في استمرار الاحتجاجات إلى أن يتحقق مطلبها السياس ي‪ ،‬وت َـوخيا‬
‫ُ‬
‫للموضوعية فقد جاء الدستور بنقاط إيجابية تحسب له كما أنه كرس مجموعة من‬
‫سلبيات دستور ‪. 1993‬‬

‫املبحث ألاول ‪ :‬الدستور املغربي الجديد‪ ..‬بين الطموحات وآلامال‬


‫تكمن أهمية الحديث عن الدستور املغربي‪ ،‬من جهة‪ ،‬كونه أول تعديل دستوري يتم في‬
‫عهد ُحكم العاهل املغربي محمد السادس‪ ،‬منذ اعتالئه العرش سنة ‪ ،1999‬وهو التعديل‬
‫السادس في تاريخ اململكة املغربية‪ ،‬ومن جهة أخرى‪ ،‬يتضمن الدستور الجديد بعض سمات‬
‫دساتير الدول الديمقراطية‪ ،‬أهمها فرض املزيد من محاسبة املسؤولين‪ ،‬وجعل املؤسسة‬
‫التشريعية أكثر دينامية‪ ،‬ومنح الجهاز التنفيذي سلطات جوهرية وتقوية سلطات الوزير‬
‫ألاول "رئيس الحكومة"‪ ،‬والذي يتم تعيينه بناء على نتائج اقتراع عام مباشر‪.‬‬

‫ً‬
‫كما تم التغاض ي عن بعض املصطلحات والكلمات التي كانت تثير اللبس‪ ،‬فبدال من شخص‬
‫امللك ُمقدس "في الدستور القديم"‪ ،‬إلى شخص ال تنتهك حرمته‪ ،‬وللملك واجب التوقير‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫والاحترام‪ ،‬وقد أثارت هذه الكلمة لغطا كثيرا في الصحافة املغربية‪ ،‬أجاب عنه امللك عبر‬
‫ً‬
‫مستشاره حين اجتمع بقادة ألاحزاب قائال‪" :‬سيدنا ‪ -‬ويعني امللك‪ُ -‬يبلغكم بأنه ملك مواطن‬
‫والقدسية هلل"‪ ،‬كما استبدل اسم الوزير ألاول باسم رئيس الحكومة‪ ،‬ومن الحديث عن‬

‫‪128‬‬
‫"القضاء" بصفة عامة‪ ،‬إلى الحديث عن "السلطة القضائية" ومن "املجلس الدستوري" إلى‬
‫الحديث عن "محكمة دستورية‪.‬‬

‫وترتكز مكونات الدستور على أن مكونات الهوية املغربية هي العربية ‪ -‬إلاسالمية وألامازيغية‬
‫والصحراوية الحسانية‪ ،‬والغنية بروافدها إلافريقية وألاندلسية والعبرية واملتوسطية‪،‬‬
‫ونظام الحكم باملغرب نظام ملكية دستورية برملانية ديمقراطية واجتماعية‪ ،‬وإلاسالم دين‬
‫الدولة‪ ،‬والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية‪ ،‬إقرار ألامازيغية كلغة‬
‫رسمية إلى جانب اللغة العربية‪ ،‬وإحداث مجلس أمنى أعلى برئاسة امللك‪.‬‬

‫وينص الدستور الجديد على أن امللك ُيعين رئيس الحكومة من الحزب السياس ي‪ ،‬الذي‬
‫تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب‪ ،‬ويعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها‪ ،‬وأن‬
‫الحكومة مسؤولة أمام مجلس النواب‪ ،‬وأنها ستتمتع بسلطات أكبر‪ ،‬كما أن أعضاءها‬
‫ً‬
‫مسؤولون جنائيا أمام محاكم اململكة عما يرتكبون من جنايات وجنح أثناء ُممارستهم‬
‫مهامهم‪.‬‬

‫وتكرس الوثيقة الدستورية الجديدة‪ ،‬امللكية واملواطنة الضامنة للخيارات ألاساسية لألمة‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مع التمييز بين صالحيات امللك بصفته أميرا للمؤمنين وبين صالحياته بصفته رئيسا للدولة‪،‬‬
‫والارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة لتكون في خدمة الحماية الفعلية للحقوق وضمان‬
‫ً‬
‫احترام القوانين‪ ،‬والالتزام بحقوق إلانسان كما هي ُمتعارف عليها دوليا مع رفض كافة‬
‫ُ‬
‫أشكال التمييز واملمارسات املهينة لكرامة إلانسان‪.‬‬
‫وسيكون باستطاعة رئيس الوزراء حل مجلس النواب بعد التشاور مع امللك ورئيس مجلس‬
‫ُ‬
‫النواب ورئيس املحكمة الدستورية‪ ،‬ويكرس الدستور دور البرملان في املصادقة على‬
‫القوانين ُومراقبة عمل الحكومة‪.‬‬

‫وبرزت أهم التعديالت في دستور ‪ 2111‬في الباب املتعلق باألحكام العامة الفصل ‪ 12‬وهو‬
‫فصل جديد يتعلق باملعارضة والتي ستمثل في أجهزة البرملان لتقويتها ُوممارسة دورها‬
‫الرقابي‪ ،‬وتمت إضافة ثالثة فصول تتعلق بمغاربة الخارج؛ حيث أصبح من حقهم‬

‫‪129‬‬
‫التصويت والترشح ‪ ..‬إضافة إلى دسترة هيئات الحكامة الجيدة‪ ،‬كما احتفظ امللك بالثالوث‬
‫ُ‬
‫"ألامن والجيش والدين" وتم فصل للسلطات وغير ذلك من الحقوق املتعارف عليها‬
‫والحريات العامة‪.‬‬

‫ويرى املحللون السياسيون أن إلاصالحات الجديدة التي تضمنها الدستور كسبت املزيد من‬
‫املؤيدين وحركت الكثير من مواقع املعارضين واملتحفظين باتجاه التأييد والتفهم واملناصرة‪،‬‬
‫وساهمت في اتساع مساحة الرضا والتأييد وتضييق مساحة املعارضة والاحتجاج وهكذا‬
‫نجح النظام املغربي في ممارسة سياسة الاحتواء باإلصالح ذي الخطوات امللموسة‪...‬‬

‫وفي الوقت الذي يرى فيه الكثيرون بأن هذه إلاصالحات الدستورية بمثابة ثورة سياسية‬
‫ً‬
‫هادئة‪ ،‬وثورة أخرى للملك والشعب‪ ،‬وخطوة في الاتجاه الصحيح‪ ،‬إال أن هناك فريقا يرى‬
‫أن الدستور الجديد ال يختلف عن دستور ‪1993‬؛ على اعتبار أن بنية النظام السياس ي‬
‫املغربي لم يطرأ عليها أي تغيير جذري‪ ،‬وال يزال امللك يحظى بصالحيات واسعة ويحكم‬
‫ويسود‪.‬‬

‫لم تكن املشكلة املغربية يوما قضية قوانين و مؤسسات‪ ،‬بقدر ما كانت على الدوام مشكلة‬
‫تطبيق القوانين وتفعيل املؤسسات‪ ،‬كمؤسسة حقوق إلانسان واملواطنة و الحريات العامة‬
‫و التي تحتاج إلى تجسيد فعلي و حقيقي لترجمة روح القانون إلى واقع ملحوظ‪ ،‬حيث ال‬
‫ُيسجن أمثال رشيد نيني الصحفي وال ُيضرب أمثال علي سباه ألاستاذ‪ ...‬كما يجب تفعيل‬
‫دور البرملان في التمثيل الفعلي للمواطن في نقل همومه و مشاكله و تحسين ألاداء الحكومي‬
‫من خالل السعي إلى حل مشاكل املواطن بشكل إجرائي و ملموس ينعكس على حياته‬
‫الواقعية إيجابا‪ .‬إن املواطن البسيط‪ ،‬و لو أنه ال يفهم فصول الدستور‪ ،‬إال أنه يريد حياة‬
‫أفضل و مستقبال أكثر أمانا له و ألبنائه‪.‬‬

‫املبحث الثاني ‪ :‬إستقالل القضاء في ظل الدستور الجديد‬


‫إن استقالل القضاء‪ ،‬كان والزال وسيظل مجاال خصبا للنقاش الدائر بين الحقوقيين من‬
‫جهة وأصحاب القرار من جهة أخرى‪ .‬والحديث عن استقالل القضاء هو حديث في قلب‬

‫‪131‬‬
‫الجدل والكتابات و املحاضرات التي كان موضوعها التشكي من عدم استقالل القضاء في‬
‫بالدنا‪.‬‬
‫فهل الدستور ‪ 2111‬حمل جديدا بخصوص هذه ألاشكال أم ال ؟‬

‫من املفيد التذكير بكون الخطاب حول استقالل القضاء أو النقاش حوله هو خطاب‬
‫ونقاش موجه باألساس إلى الدولة التهامها بكونها تستغل القضاء في قضايا سياسية‪ ،‬وال‬
‫تترك له الحرية في إصدار أحكامه وفق ما يتبين له‪.‬‬

‫وما كان يعزز هذا الاتهام هو أن سلطة التعيين وسلطة العزل هي بين يدي امللك الذي‬
‫يترأس املجلس ألاعلى من جهة و بين يدي وزير العدل الذي ينوب في رئاسة املجلس املذكور‪.‬‬

‫كما أن وزير العدل يعطيه القانون في الفصل ‪ 12‬من النظام ألاساس ي للقضاء سلطة تتبع و‬
‫تفتيش ثروة القاض ي و زوجته وأبنائه القاصرين بل وله الحق في تكليف مفتشين في تقدير‬
‫تلك الثروة وهذا ما اعتبر ‪ ,‬من قبل عدة آراء انه الوسيلة القاتلة التي تملكها الدولة للتحكم‬
‫في القضاء‪.‬‬

‫لكن هل دستور ‪ 2111‬أحدث تحوال في هذه القضايا أم أنه تركها كما هي؟‬

‫إن دستور ‪ 2111‬لم يكتف فقط بإزاحة وزير العدل من املجلس ألاعلى للسلطة القضائية‬
‫وإنما خلق مؤسسة جديدة خالفا لتلك املنصوص عليها في الفصل ‪ 83‬من دستور ‪ 1993‬في‬
‫النقطة املتعلقة بمن يمثل جاللة امللك في املجلس‪.‬‬

‫فإذا كان الفصل ‪ 83‬ينص على أن وزير العدل ينوب على امللك في املجلس ألاعلى‪ ،‬فإن‬
‫الفصل ‪ 115‬من دستور ‪ 2111‬استغنى عن قاعدة النيابة ‪ ،‬وعوضها بقاعدة الانتداب في‬
‫العالقة مع رئاسة امللك للمجلس ألاعلى للسلطة القضائية‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫ومن املعلوم أن القواعد القانونية املنضمة للنيابة هي قواعد ال تسمح للنائب إال بمجال‬
‫ضيق للتصرف‪ ،‬بينما الرئيس املنتدب عن الرئيس الدستوري ‪ ،‬فإن مجال تحركه يكون‬
‫أوسع‪ ،‬وبالتالي يكون مجال مسؤولية رئيس املنتدب أكبر‪.‬‬

‫ولهذا حذفت كلمة النيابة من صياغة الفصل ‪ 115‬وحلت مكانها كلمة الرئيس املنتدب‬
‫علما أن الرئيس املنتدب ليس فقط ال لون حزبي له بل ال يحق له أن يكون له ذلك‬
‫بمقتض ى الفصل ‪ 111‬من الدستور‪.‬‬
‫كما أن سلطة مراقبة ثروة القاض ي الذي كانت من صالحيات وزير العدل‪ ،‬انتقلت إلى‬
‫مؤسسة دستورية أخرى‪ ،‬وهي املجلس ألاعلى للحسابات الذي تنص في الفقرة ألاخيرة من‬
‫الفصل ‪ 112‬من الدستور أن من مهام ذلك املجلس تتبع التصريح باملمتلكات‪ ،‬بينما لم‬
‫يجعل الدستور لهذه القاعدة أي استثناء‪ ،‬مما يعني أن التصريح بممتلكات القاض ي و‬
‫زوجته و أوالده القاصرين ستصبح من اختصاص املجلس ألاعلى للحسابات مثلهم مثل باقي‬
‫املسؤولين ‪ ،‬و املنتخبين في الدولة‪ ،‬كما أصبح دستور‪ 2111‬يلزم املجلس ألاعلى ببعث تقرير‬
‫سنوي عن نشاطه إلى مجلس النواب‪.‬‬

‫فاستقالل القضاء‪ ،‬إذن‪ ،‬سيأخذ وجها آخر‪ ،‬لن يتجه الخطاب أو النقاش حوله للدولة كما‬
‫هو عليه الان ‪ ،‬وإنما سيوجه إلى املؤسسة القضائية و القاض ي الذي حماه الدستور من أي‬
‫تدخل عمال بمقتضيات الفصل ‪ 119‬من دستور ‪.2111‬‬

‫املفهوم الجديد الستقالل القضاء‪ ،‬سيكون على رجال القانون وأصحاب القرار الاشتغال‬
‫عليه لتدقيقه وتحصينه‪،‬وهذا يعني أن البرملان املقبل الذي سيمثل جميع املغاربة في ظل‬
‫دستور ‪ 2111‬هو املؤهل للجواب‪ ،‬قانونا‪ ،‬على تلك ألاسئلة وتلك إلاشكاالت ألن القوانين‬
‫التنظيمية هو من سيحررها و يصوت عليها ‪.‬‬

‫إن القضاء وإن تم الارتقاء به على مستوى املصطلح إلى "سلطة"‪ ،‬فإنها تبقى سلطة مشوبة‬
‫بعدد من عوامل الالتوازن‪ ،‬من خالل رئاسة امللك ملا سمي "املجلس ألاعلى للسلطة‬
‫القضائية" ‪ ،‬والنص على صالحياته في تعيين خمسة من أعضاء هذا املجلس من خارج‬

‫‪132‬‬
‫رجال القضاء ‪ ،‬وهذا قد يلتمس له مبررا في كون امللك هو الضامن الستقاللية القضاء‬
‫حسب الفصل ‪ 112‬من الدستور‪ ...‬لكنها صالحيات مرفوضة مبدئيا اعتبارا لكونها آلية تخل‬
‫باستقاللية السلطة القضائية‪.‬‬

‫والاستقالل الكامل للسلطة القضائية يعني أنه ال يجوز باسم أي سلطة سياسية أو إدارية‪،‬‬
‫أو أي نفوذ مادي أو معنوي‪ ،‬التدخل في أي عمل من أعمال القضاء‪ ،‬أو التأثير عليه بأي‬
‫شكل من ألاشكال‪ ،‬وال يجوز ألي شخص أو مؤسسة من السلطة التنفيذية‪ ،‬ولو كان وزير‬
‫العدل أو رئيس الدولة‪ ،‬أن يتدخل لدى القضاء بخصوص أي قضية معروضة عليه للبت‬
‫فيهـا‪ ،‬أو ممارسة ضغط مباشر أو غير مباشر للتأثير على املحاكم فيما تصدره من أحكام‬
‫قضائية‪ ،‬وأال يخضع القضاة وهم يزاولون مهامهم إال لضمائرهم‪ ،‬وال سلطان عليهم لغير‬
‫القانون‪.‬‬

‫وال زالت بعض املحاكمات وألاحكام القضائية في املغرب تثير استغراب الحقوقيين واملهتمين‬
‫بشؤون القضاء‪ ،‬فضال عن املعنيين املباشرين بها‪ ،‬ويحدث ذلك بصفة خاصة في قضايا لها‬
‫عالقة بالحياة السياسية‪ ،‬أو باألمن العام‪ ،‬أو تتعلق بممارسات بعض املسؤولين في الدولة‪،‬‬
‫أو في املتابعات التي تطال بعض الصحف‪ ،‬مما يجعل استقالل القضاء املغربي موضع‬
‫تساؤل كبير لدى الرأي العام على الصعيدين الوطني والدولي‪.‬‬

‫ورغم أن السلك القضائي في املغرب‪ ،‬يضم الكثير من القضاة ألاكفاء والنزهاء‪ ،‬فإن ما‬
‫يجري في املحاكم‪ ،‬وما يقترفه عدد من املرتشين واملنحرفين‪ ،‬يس يء إلى سمعة القضاء بصفة‬
‫عامة‪ ،‬وال يمنح الاطمئنان للمتقاضين على مصالحهم وحقوقهم‪ ،‬وال يبعث على ثقة‬
‫املواطنين‪ ،‬واملستثمرين املغاربة وألاجانب‪ ،‬وما ينجم عن ذلك من انكماش اقتصادي‪،‬‬
‫واستفحال للبطالة‪.‬‬

‫ويضاف إلى كل ذلك عدم التزام بعض الجهات إلادارية بأحكام وقرارات القضاء‪ ،‬واملشاكل‬
‫املتعلقة بالجسم القضائي‪ ،‬كالوضعية املادية واملعنوية للقضاة‪ ،‬والنقص في إلامكانيات‬
‫املوضوعة رهن إشارتهم في املحاكم‪ ،‬وتراكم امللفات وكثرة عددها باملقارنة مع عدد القضاة‬

‫‪133‬‬
‫املوكول إليهم البت فيها‪ ،‬والنقص في التكوين بالنسبة لكتاب الضبط‪...‬كل ذلك يؤثر بشكل‬
‫سلبي على سير العدالة‪.‬‬

‫ولضمان الاستقالل التام للقضاء‪ ،‬وتحصينه في مواجهة الضغوط واملغريات‪ ،‬وضمان‬


‫نزاهته وفعاليته‪ ،‬البد من اعتباره سلطة قائمة بذاتها‪ ،‬وتوفير الشروط املادية واملعنوية‬
‫الضرورية لحسن سير العمل القضائي‪ ،‬وتوفير الضمانات الكافية لتنفيذ ألاحكام والقرارات‬
‫القضائية في مواجهة كل الجهات التي ُيحكم ضدها على قدم املساواة‪ ،‬وإسناد كل ما يتعلق‬
‫بتسيير الجهاز القضائي‪ ،‬إلى هيئة عليا تتكون من القضاة أنفسهم‪ ،‬وال تتدخل في شؤونها أي‬
‫سلطة أخرى‪ ،‬وال أي جهة من خارج القضاء‪ ،‬وتتولى هذه الهيئة البت في الوضعيات إلادارية‬
‫واملادية للقضاة بجميع مستوياتهم‪ ،‬واتخاذ القرارات املتعلقة بترقياتهم‪ ،‬أو بتغيير أماكن‬
‫عملهم‪ ،‬أو بتأديبهم عندما يثبت لها ما يدع إلى ذلك‪ ،‬دون أن يكون ألي سلطة أخرى حق‬
‫التدخل أو التأثير أو التوجيه‪ ،‬ال في تسيير الجهاز القضائي‪ ،‬وال فيما يزاوله القضاة من عمل‪،‬‬
‫وما يصدرونه من أحكام‪ .‬كما يجب أن تسهر نفس الهيئة على أن توفر للقضاة الظروف‬
‫املالئمة‪ ،‬والوسائل املادية واملعنوية التي تصون كرامتهم‪ ،‬وتحصنهم في مواجهة أي إغراء أو‬
‫تأثير يمكن أن يمارس عليهم من لدن ذوي النفوذ‪ ،‬أو املال‪ ،‬أو الجاه‪.‬‬

‫ولذلك فإن إلاصالحات املنشودة في موضوع استقالل القضاء في هذه املرحلة‪ ،‬ال تنحصر في‬
‫تعديالت دستورية لتأكيد املبدأ‪ ،‬وإنما ينبغي أن تشمل تغييرات جوهرية للقوانين املتعلقة‬
‫بالجسم القضائي‪ ،‬وتوفير الضمانات والوسائل الضرورية لترجمة املبدأ إلى واقع‪.‬‬

‫خاتمة‪:‬‬
‫وما نريد أن نستخلصه‪ ،‬هو أن املغرب في حاجة إلى ولوج عهد جديد‪ ،‬تكون ميزته إقامة‬
‫ديمقراطية حقيقية‪ ،‬ال تنحصر في ترديد مجموعة من الشعارات‪ ،‬وكتابة بعض املبادئ في‬
‫الدستور‪ ،‬وإقامة واجهات شكلية‪ ،‬وإنما ديمقراطية تتبلور من خاللها سيادة الشعب‪،‬‬
‫ودولة املؤسسات التي تكون فيها السلطة القضائية مستقلة وبعيدة عن أي تأثير‪ ،‬لتضطلع‬
‫بدورها كضمانة أساسية الحترام حقوق إلانسان‪ ،‬وحماية الحريات الفردية والجماعية‪،‬‬
‫وإقامة العدل في املجتمع‪ ،‬في ظل املساواة وسيادة القانون‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫إن املغرب في حاجة إلى طي مرحلة الانتقال التي امتدت سنوات طويلة وولوج عهد‬
‫الديمقراطية‪ ،‬وفق قواعدها الجوهرية‪ ،‬ومقوماتها ألاساسية املتعارف عليها‪ ،‬ومن أهمها‬
‫فصل السلط واستقالل ونزاهة السلطة القضائية‪ ،‬واحترام سيادة القانون؛ وبذلك‬
‫سيتمكن املغرب من تدارك ما ضاع من الزمن‪ ،‬ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية‪،‬‬
‫وربح رهان التنمية الشاملة واملستدامة‪.‬‬

‫‪ -15‬السياسات العمومية و الرأمسال‬


‫البشري‬
‫يرتبط املسار التنموي للبلدان بمدى نجاعة تنفيذ السياسات العمومية املتبعة في جميع‬
‫املجاالت السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية…إلخ‪ .‬ومن املعلوم أن تنفيذ السياسات‬
‫العمومية يتطلب شروطا قبلية كتوفير إلامكانيات املالية و املادية و كذا البشرية الضرورية‬
‫التي لها ارتباط وثيق باملالية العمومية للدولة‪ ،‬إال أن تحقيق الشروط القبلية ال يؤدي حتما‬
‫إلى تحقيق ألاهداف املتوخاة من السياسة العمومية‪ ،‬حيث أن كل إخفاق على مستوى‬
‫النتائج املرجوة من شأنه أن يشكل هدرا هائال للموارد العمومية و تكلفة تتحملها أجيال‬
‫متتالية‪ ،‬فضال عن حالة الغليان و الاحتقان السياس ي و الاجتماعي الذي يمكن أن يحدثه‬
‫فشل أي سياسة عمومية ما‪.‬‬

‫إن تحقيق املبتغى يتوقف باإلضافة إلى ما سبق إلاشارة إليه‪ ،‬على توظيف أمثل لكل‬
‫إلامكانيات املرصودة لكي تساهم في مسار التنمية بشكل عام و تعزز روح الثقة لدى‬
‫املواطن و تحقق كذلك الرفاه الاجتماعي لألجيال القادمة بشكل خاص‪ .‬تبعا لذلك ينبغي‬
‫التفكير في الطرق القمينة بإنجاح السياسات العمومية‪ .‬و بعيدا عن التطاحنات السياسية‬
‫التي يمكن أن يحدثها فشل السياسات العمومية و على افتراض جدوى و أهمية هذه ألاخيرة‬

‫‪135‬‬
‫البد من إلاشارة إلى أن أسباب الفشل متنوعة‪ :‬قصور التقييم القبلي لإلشكالية العمومية أو‬
‫خلل في املنهجية املتبعة في مرحلة التنفيذ أو بروز مستجدات تبعثر املسار العادي للسياسة‬
‫العمومية‪ ،‬غير أن أهم عامل يتحكم بشكل كبير في نجاح أو فشل أي عمل حكومي يتثمل في‬
‫موقف الفئة املستهدفة من السياسة العمومية و عدم تجاوبها مع فلسفة و توجه البرنامج‬
‫الجديد‪ ،‬حيث أن هذه الفئة تأخذ موقفا سلبيا و تحاول أن تقاوم كل تغيير قد يؤثر بشكل‬
‫من ألاشكال على الوضع الحالي[‪ .]1‬و لكي نسلط الضوء على هذا املشكل البنوي ( الذي‬
‫يمكن أن يصيب مقاولة خاصة أو منظمة غير حكومية أو اي تجمع لألفراد) سيتم في هذا‬
‫املقال عرض أسباب مقاومة التغيير في مرحلة أولى‪ ،‬على أن يتم الانتقال فيما بعد إلى‬
‫الخطوات الواجب اتباعها لتذويب هذه املقاومة و الرقي بسلوك الفرد‪.‬‬

‫املبحث ألاول‪ :‬أسباب مقاومة التغيير‪.‬‬

‫حسب الباحثة فاينز (‪ )1983‬فإن السلوك املقاوم للتغيير هو أمر بشري عادي يجب توقعه و‬
‫يستحيل تفاديه‪ ،‬حتى و لو كان البرنامج الجديد في صالح الفئة املستهدفة‪ ،‬و بالتالي وجب‬
‫على كل القائمين على إعداد و تنفيذ وتقييم السياسات العمومية استحضار هذا املعطى و‬
‫اتخاذ إلاجراءات املالئمة ملواجهة هذه املعضلة البنيوية‪ .‬حسب علماء النفس‪ ،‬تعتبر مقاومة‬
‫التغيير معطى مسلم به يجد تفسيره في سلوك إلانسان الذي يخش ى كل تغيير و يخش ى‬
‫املجهول‪ ،‬و ما يمكنه أن يحدث في وضعه الحالي املعلوم‪ ,‬سواء كانت إدارة عمومية أو مقاولة‬
‫خاصة‪ .‬ذلك أن كل تغيير للتركيبة البنيوية أو لطريقة الاشتغال أو التنظيم الوظيفي لهيئة‬
‫معينة يخلق حالة من الخوف و عدم الاطمئنان لدى املوظف أو املستخدم‪ .‬في هذا إلاطار‬
‫يقر علماء التحليل النفس ي ببديهية السلوك القائم على مقاومة التغيير و بكون كل رد فعل‬
‫غير ذلك هو سلوك غير سوي‪ ،‬ألن إلانسان‪ ،‬في نظرهم‪ ،‬يحتاج إلى وقت من الزمن حتى‬
‫يتمكن من التأقلم و فهم الوضع الجديد‪ .‬حسب فاينز‪ ،‬يمكن لسوء البرمجة من طرف‬
‫املسؤولين أن يؤدي إلى بروز سلوك مقاوم للتغيير‪ ،‬ذلك أن عدم العلم بمتطلبات‬
‫املساعدين أو املوظفين عامة يمكن أن يخلق لديهم حالة من النفور و عدم الرض ى اتجاه‬
‫البرنامج أو السياسة ‪.‬الجديدة‬

‫‪136‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬ماهي الحلول الكفيلة ملقاومة التغيير؟‬

‫حسب روزابيت (‪ ،)2112‬مواجهة معضلة مقاومة التغيير تقتض ي من املسؤولين على التغيير‬
‫فهم سلوك مقاومة التغيير و معرفة مختلف مصادره و ترسيم استراتيجية دقيقة لكل‬
‫مصدر‪ .‬باإلضافة لذلك وجب منح الوقت للمعنيين بالنظام الجديد لفهمه و لتقييمه (فاينز‬
‫‪ ،)1983‬كما يجب عليهم الشروع في البحث و التقص ي حول ألاسباب الحقيقية التي تدفع‬
‫املقاومين للتغيير إلى اتخاذ هذا السلوك ملدة طويلة‪ ،‬و نهج أسلوب التواصل و الحوار مع‬
‫الفئة املستهدفة و تذويب املخاوف و تجاوز الرؤى التي تدفع إلى مقاومة التغيير‪ ،‬فمثال‬
‫بالنسبة ملقاولة خاصة وجب تنظيم ورشات عمل للتحاور و التواصل بين املسيرين و العمال‬
‫بحضور وسطاء و خبراء مختصين في هذا املجال‪ ،‬البد من إلاشارة إلى أن الوقت املستثمر‬
‫في هذه العملية اليعتبر هدرا بل عامال يساعد على تحقيق ألاهداف املرجوة على املدى‬
‫املتوسط و البعيد كما سيمكن كذلك من فهم الديناميات إلاجتماعية للفئة املستهدفة‪ .‬كل‬
‫تواصل بين املسيرين و العمال سيقوي روح الفريق الذي المحالة ينعكس إيجابا على‬
‫مردودية املقاولة ككل و يزيد من درجة رض ى العمال على املناخ السائد داخل املقاولة‪.‬‬

‫ثاني الحلول التي تمكن من تقليص شدة مقاومة التغيير هي طريقة تقديم البرنامج أو‬
‫النظام الجديد )وينباش‪ )) 1983( ،‬بشكل يذوب مخاوف الفئة املستهدفة‪ ،‬و ذلك عبر تقديم‬
‫املعلومات الكافية حول النظام الجديد‪ ،‬و تقديم الشروحات الالزمة لألسباب و الدوافع‬
‫وراء سنه‪ ،‬كما يجب خلق قنوات التواصل مع املوظفين و إلاجابة على تساؤالتهم و تبديد‬
‫مخاوفهم‪ .‬و في هذا الصدد يؤكد لوكس (‪ )1921‬على ضرورة إشراك املوظفين في عملية‬
‫التغيير مما يمكن من انخراط أكبر في تنفيذ السياسات أو البرامج الجديدة‪.‬‬

‫الحل الثالث يتمثل في ضرورة خلق املناخ املالئم لتحقيق التغيير املنشود عبر إيالء الفرصة‬
‫للموظفين إلبداء أراءهم و تقديم مقترحات حول التدبير اليومي‪ ،‬ذلك أن كل تدبير تشاركي‬
‫من شأنه تسهيل عملية الانخراط في النظام الجديد‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫ختاما يمكن أن نعتبر أن مقاومة التغيير هو سلوك طبيعي في إلانسان وجب على املسؤولين‪،‬‬
‫سواء تعلق ألامر بمقاولة خاصة أو إدارة عمومية أو أي مجموعة أفراد يحاولون تحقيق‬
‫أهداف محددة‪ ،‬إيالء إشكالية تذويب مقاومة التغيير الاهتمام الالزم و اعتماد الحلول‬
‫املناسبة مما يساعد على ترشيد و تحسين مردودية املوارد البشرية املوكولة لكل سياسة أو‬
‫استراتيجية جديدة‪.‬‬
‫إعداد‪:‬ذ‪/‬أنوار حسباوي‬

‫‪ -13‬أي دور لإلدارة القضائية يف ظل‬


‫مشروع قانون التنظيم القضائي‬
‫للمملكة؟‬
‫يروم مشروع القانون املتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة‪،‬الذي بلغت مناقشته مرحلة‬
‫متقدمة بعد أن تمت املصادقة عليه من طرف مجلس الحكومة بتاريخ ‪ 18‬فبراير ‪،2113‬‬
‫وأحيل على لجنة العدل والتشريع وحقوق إلانسان بمجلس النواب بتاريخ ‪ 18‬مارس ‪2113‬‬
‫‪ ،‬يروم هذا املشروع من خالل ما تم إلاعالن عنه تحقيق جملة من ألاهداف من بينها‬
‫مراجعة إلاطار القانوني الحالي لهذا التنظيم‪ ،‬وفق مقاربة تهدف إلى توفير النجاعة القضائية‬
‫والفعالية على مستوى مختلف املحاكم‪ ،‬وذلك في إطار تنزيل مختلف مبادئ الدستور ذات‬
‫الارتباط بالتنظيم القضائي‪ ،‬وكذا تنزيل توصيات ميثاق إصالح منظومة العدالة‪ ،‬إلى غيرها‬
‫من ألاهداف التي تم التعبير عنها من خالل الورقة التقديمية للمشروع‪.‬‬

‫وإذا كنا نسجل بإيجابية مجموعة من املقتضيات التي حملها املشروع الجديد‪ ،‬والتي نعتقد‬
‫أنه بفضلها سنتمكن من تجاوز الكثير من سلبيات املاض ي‪ ،‬فإن ما يهمنا في هذا املقال هو‬
‫استطالع موقع إلادارة القضائية وباألخص هيئة كتابة الضبط ‪ -‬باعتبارها الجهة التي‬

‫‪138‬‬
‫سيوكل لها النهوض بالجزء ألاكبر من مقتضياته ‪ -‬ضمن مشروع القانون موضوع الحديث‪،‬‬
‫وخاصة على مستوى التسيير إلاداري للمحاكم‪ ،‬وإن تحقيق هذا الهدف ليقتض ي منا مقاربة‬
‫املوضوع من خالل البنود التي لها ارتباط مباشر بعمل إلادارة القضائية‪ ،‬ومحاولة رصد‬
‫عناصر التجديد بين هذا املشروع واملسودة السابقة التي أسالت حبرا كثيرا لتغييبها إلادارة‬
‫القضائية‪ ،‬وعدم إعطائها املكانة الالئقة بها ‪ .‬فإلى أي حد تجاوز املشروع الجديد السلبيات‬
‫واملحاذير التي وقعت فيها املسودة ألاولى ؟ أو بصيغة أخرى ما الجديد الذي أتى به املشروع‬
‫الجديد إلنصاف إلادارة القضائية والرقي بمركزها القانوني اعتبارا للدور املحوري الذي‬
‫تطلع به في العملية القضائية ؟‬

‫من خالل مطالعتنا ملشروع قانون التنظيم القضائي الجاري مناقشته أمام البرملان يتضح‬
‫أنه لم يختلف من حيث الشكل عن املسودة السابقة‪ ،‬فعدد املواد التي تضمنتها هذه‬
‫ألاخيرة ظلت هي نفسها‪ ،‬مع استثناء بسيط يتعلق بإعادة ترتيب بعض املواد وإعادة صياغة‬
‫أخرى من جديد بما ال يخل بمضامينها السابقة إال في نطاق ضيق‪ ،‬فعلى سبيل املثال تم‬
‫حسم النقاش حول تنظيم موضوع الرأي املخالف عند البت في قضية من اختصاص‬
‫القضاء الجماعي‪ ،‬حيث تم النص على أن أحكامها تصدر باإلجماع أو ألاغلبية‪...‬‬

‫أما من حيث املضمون فإن أهم ما حمله املشروع الجديد هو إحداث منصب الكاتب العام‬
‫للمحكمة ليخلف منصب "املسير إلاداري" الذي ورد باملسودة ألاولى‪ ،‬والذي كان قد أثار‬
‫لغطا كبيرا سيما بالطريقة التي كان قد حشر بها ضمن بنودها‪ ،‬وقد حدد املشروع مهامه‬
‫من خالل املادة ‪ 21‬في التسيير والتدبير إلاداري باملحكمة‪ ،‬وضبط عمل مختلف مصالح‬
‫كتابة الضبط واملصالح املحاسبية بها‪ ،‬وإلاشراف على موظفي هيئة كتابة الضبط‬
‫بمساعدة رؤساء مصالح؛ كما نص املشروع على أن الكاتب العام للمحكمة يخضع إداريا‬
‫للسلطة الحكومية املكلفة بالعدل‪ ،‬ويمارس مهامه تحت السلطة املباشرة للمسؤولين‬
‫القضائيين باملحكمة التي يعمل بها‪.‬‬

‫إال أن هذه الصورة الناصعة التي ترسمها املادة املشار إليها أعاله سرعان ما يكتنفها‬
‫الغموض عند مطالعة مواد أخرى تناولت دور الكاتب العام للمحكمة كما هو حال املادة‬

‫‪139‬‬
‫‪ 18‬التي ذكرت أنه عضو ضمن لجنة املحكمة املكلفة ببحث صعوبات سير العمل بها‪.‬وهي‬
‫اللجنة التي يشرف عليها رئيس املحكمة وتضم في عضويتها وكيل امللك والكاتب العام‬
‫للمحكمة لكن بصفته مقررا فقط‪ ،‬وكأن من صاغ هذه املادة ندم على جعل الكاتب العام‬
‫ضمن أعضائها‪ ،‬رغم أن هذه اللجنة تشرك أطرافا ال عالقة لهم بتدبير العمل باملحكمة‬
‫كهيئة املحامين وربما باقي املهن القضائية‪ .‬ومما زاد الطين بلة ما نصت عليه املادة ‪ 19‬من‬
‫املشروع خاصة بالطريقة التي صيغت بها والتي تعتبر إشكاال في حد ذاتها‪ ،‬إذ في الوقت الذي‬
‫نصت فيه على أن موظفي هيئة كتابة الضبط يعملون تحت سلطة وزير العدل‪ ،‬نصت في‬
‫املقابل على أنهم يمارسون مهامهم تحت السلطة املباشرة للمسؤولين القضائيين باملحكمة‪،‬‬
‫وهذا يعني ببساطة أن بإمكان املسؤول القضائي إلغاء دور الكاتب العام‪ ،‬وهو ما يطرح‬
‫إشكاال حقيقيا حول السلطة التي يخضع لها أطر وموظفو هيئة كتابة الضبط‪.‬‬

‫على أن ما يسترعي الانتباه هو تكرار عبارة " بما ال يتنافى واستقالل السلطة القضائية" حتى‬
‫أنني وددت لو أن واضعي هذا املشروع تفضلوا بشرح معنى هذه الجملة الركيكة والغامضة‬
‫والتي ستظل مفتوحة على كل التأويالت!‬

‫ولم يقف املشروع عند هذا الحد بل واصل إصراره على تقزيم دور كتابة الضبط من خالل‬
‫املادة ‪ 21‬عند حديثه عن مكتب املحكمة الذي يرأسه على مستوى محاكم الدرجة ألاولى‬
‫رئيس املحكمة‪ ،‬ويضم في عضويته نائب رئيس املحكمة ورؤساء ألاقسام ورؤساء الغرف‬
‫وأقدم القضاة باملحكمة وأصغرهم سنا‪ ،‬إضافة إلى وكيل امللك ونائبه املعين من قبله؛‬
‫حيث أن الكاتب العام وهو املسؤول ألاول عن هيئة كتابة الضبط يحضر اجتماعات‬
‫املكتب بصفة استشارية فقط ؟! والحال نفسه ينطبق على محاكم الدرجة الثانية‪ .‬وتظل‬
‫الغاية من حضوره ألشغال الجمعية العمومية حسب منطوق املادة ‪ 23‬هي إنجاز محضر‬
‫بأشغال املكتب تدون فيه املناقشات والقرارات املتخذة‪ .‬بل إن املشروع أقر أن توزع هذه‬
‫القرارات على جميع قضاة املحكمة دون أن يأتي على ذكر أطر وموظفي إلادارة القضائية وال‬
‫رؤسائها‪ ،‬وكأنهم غير معنيين بما يجري داخل فضاء املحكمة أو أن املشرع استكثر عليهم‬
‫ذلك! والسؤال الذي قد نواجه به هو‪ :‬ما املطلوب إذن؟‬

‫‪141‬‬
‫والجواب بسيط ‪ ،‬وهو أن يكون مكتب املحكمة مؤسسة تصاغ فيها القرارات بشكل تشاركي‬
‫بين رئيس املحكمة ووكيل امللك بها والكاتب العام للمحكمة على مستوى محاكم الدرجة‬
‫ألاولى‪ ،‬ونفس ألامر على مستوى محاكم الدرجة الثانية وكذلك محكمة النقض‪ ،‬مع مراعاة‬
‫خصوصيات هذه ألاخيرة‪ ،‬وبذلك يكون مكتب املحكمة هو املوجه لعملها في إطار من التجرد‬
‫وتحمل املسؤولية‪ ،‬حتى إذا حدث نزاع بين أعضائه استعص ى حله داخل هذا املكتب رفع‬
‫إلى آلية التنسيق املنصوص عليها في الفصل ‪ 51‬من القانون التنظيمي للسلطة القضائية‪.‬‬
‫أما أن نخلق مؤسسة صورية بدون صالحيات‪ ،‬أو أن نغير تسمية رئيس املصلحة ب" الكاتب‬
‫العام " فأعتقد أنه كان من ألافضل أن تبقى ألامور على ما هي عليه ربحا للوقت والجهد‪.‬‬

‫إال أنه ورغم هذا الحيف الظاهر فإن هناك نقطة واحدة تحققت فيها املساواة بين أطر‬
‫وموظفي إلادارة القضائية ونظرائهم في سلك القضاء‪ ،‬وذلك في الباب املتعلق بالتجريح‬
‫واملخاصمة‪ ،‬حيث نصت املادة ‪ 11‬من املشروع على أنه " ال يسوغ ملوظفي هيئة كتابة‬
‫الضبط القيام بأي عمل يدخل ضمن وظيفتهم ‪ ،‬في الدعاوى الخاصة بهم أو بأزواجهم أو‬
‫أقاربهم أو أصهارهم إلى درجة العمومة أو الخؤولة أو أبناء إلاخوة!! "‬

‫على أن ما يشكل استهتارا واستخفافا واضحا بعمل إلادارة القضائية وأشخاصها هو ما‬
‫أوردته املادة ‪ 31‬من املشروع التي تناولت مواضيع جدول أعمال الجمعية العامة للمحكمة‪،‬‬
‫التي قلنا إن الكاتب العام للمحكمة يحضرها بصفة استشارية فقط ‪ ،‬حيث ذكرت من‬
‫جملتها‪« :‬عرض النشاط القضائي للمحكمة‪ ،‬دراسة الطرق الكفيلة بالرفع من النجاعة‬
‫القضائية باملحكمة وتحديث أساليب العمل بها‪ ،‬دراسة البرنامج الثقافي والتواصلي‬
‫للمحكمة‪ ،‬حصر مواضيع التكوين املستمر‪ ،‬و تحديد حاجيات املحكمة من املوارد البشرية‬
‫واملادية‪».‬‬

‫والسؤال الذي يفرض نفسه هنا‪ :‬ملاذا إلاصرار على تغييب النشاط إلاداري للمحكمة‬
‫والنشاط املالي الذي ظل يشكل هاجسا لكل املسؤولين الذين تعاقبوا على هذه الوزارة ودور‬
‫كتابة الضبط في استخالص الغرامات وإلادانات النقدية والرسوم القضائية؟ ثم أليست‬
‫إلادارة القضائية هي ألاولى بتحديد حاجياتها التكوينية وحاجياتها من املوارد البشرية‬

‫‪141‬‬
‫واملادية؟ أو على ألاقل أن تكون هذه النقاط موضع تداول ومناقشة بين الطرفين؟ كيف‬
‫يسمح الجهاز القضائي لنفسه بمناقشة أمور تدخل في صميم عمل إلادارة القضائية؟ هل‬
‫الجهاز القضائي مثال أكثر خبرة من أطر وموظفي إلادارة القضائية في استخالص الرسوم‬
‫القضائية وتحصيل الغرامات وإلادانات النقدية واحتساب الرسوم التكميلية؟ أو مباشرة‬
‫إلاجراءات امليدانية في قضايا التنفيذ‪ ...‬؟‬

‫إننا ال نهدف من وراء هذه التساؤالت تبخيس العمل الذي يطلع به السادة القضاة‪ ،‬أنى لنا‬
‫ذلك وهم املنوط بهم الفصل في املنازعات ؟!‪ ،‬لكنا نعتبر احترام التخصص أمرا مطلوبا حتى‬
‫بالنسبة للسادة القضاة أنفسهم‪ ،‬وهذا ما تم إلاقرار به من خالل امليثاق الوطني إلصالح‬
‫منظومة العدالة؛ وإال هل من املعقول مثال تكليف قاض بتدبير جلسة تتعلق باملنازعات‬
‫العقارية أو قضايا التلبس بعدما يكون قد قض ى خمسة عشر سنة منتدبا في صعوبات‬
‫املقاولة؟‬

‫ويبدو أن وزارة العدل والحريات وجدت الظرفية مالئمة لتمرير رؤيتها بشأن خصوصية‬
‫القطاع وما يفرضه ذلك من تقييد ملمارسة حق إلاضراب‪ ،‬وجعله رهينا باملحافظة على‬
‫مبدأ استمرارية الخدمة القضائية وعدم جواز تأجيلها‪ ،‬مثلما نصت على ذلك املادة ‪ 2‬من‬
‫املشروع والتي شددت على أن املحاكم تمارس مهامها بما يؤمن انتظام واستمرارية‬
‫الخدمات القضائية‪ ،‬وأنها تعقد جلساتها دون انقطاع وبكيفية ال يترتب عنها توقفها أو‬
‫تأجيلها‪.‬‬

‫إن هذا التدخل السافر في عمل إلادارة القضائية يؤكد مدى التخبط الذي وقعت فيه‬
‫وزارة العدل والحريات بشأن وضعية إلادارة القضائية‪ ،‬هل هي جزء ال يتجزأ من السلطة‬
‫القضائية وبالتالي وجب أن يتمتع أفرادها بما يتمتع به املنتمون لهذه السلطة من حقوق‬
‫وامتيازات وحماية قانونية‪ ،‬أم أنها وبحكم تصنيف عملها ضمن أعمال السلطة التنفيذية‬
‫ينطبق عليها ما ينطبق على هذه ألاخيرة من حماية أعمالها من تدخل السلطة القضائية؟‪.‬‬
‫لكنه يكشف في النهاية أن ال مصداقية للكالم الذي يردده الفاعلون من أن كتابة الضبط‬
‫هي "العمود الفقري" للمحاكم‪ ،‬وأن ما يضمرونه لهذه الفئة هو ش يء آخر!‪ ،‬و يطرح أكثر من‬

‫‪142‬‬
‫عالمة استفهام حول مقتضيات املادة ‪ 51‬من القانون التنظيمي املتعلق باملجلس ألاعلى‬
‫للسلطة القضائية‪ ،‬والتي جاء فيها " تحدث هيئة مشتركة بين املجلس ألاعلى للسلطة‬
‫القضائية والسلطة الحكومية املكلفة بالعدل‪ ،‬تتولى التنسيق في مجال إلادارة القضائية‪.‬‬
‫تعمل تحت إشراف كل من الرئيس املنتدب للمجلس والوزير املكلف بالعدل كل فيما‬
‫يخصه "‪ .‬أي توازن للسلط وأي تعاون هذا الذي يجري فيه السطو على اختصاصات إلادارة‬
‫القضائية ليصبح أفرادها مجرد أدوات بيد السلطة القضائية‪ ،‬مع أن مهامها تندرج ضمن‬
‫أعمال السلطة التنفيذية؟ أال ينم ذلك عن عقلية تسلطية تعتقد أن القضاء جاه وليس‬
‫مسؤولية؟ مع العلم أن كتابة الضبط ال تملك أي ضمانات للحفاظ على املكتسبات‬
‫اليتيمة الواردة بهذا املشروع على ضآلتها‪ ،‬وأن منصب الكاتب العام للمحكمة الذي تم‬
‫إحداثه بمقتض ى هذا املشروع يظل هو الشجرة التي تخفي الغابة‪ ،‬غابة املشاكل التي‬
‫سترزح تحتها إلادارة القضائية في املستقبل القريب ما لم تسارع لتدارك نفسها‪.‬‬

‫و ال أريد أن أنهي هذا املقال دون أن أستحضر جملة قالها الراحل " جوليانو أندريوتي "‪،‬‬
‫وهو واحد من أهم السياسيين الذين عرفتهم إيطاليا في النصف الثاني من القرن املاض ي‪،‬‬
‫حينما حاصره الصحفيون ملعرفة رأيه في قضية الصحراء‪ ،‬لخص جوابه في جملة يرى‬
‫املتتبعون أنها ما تزال تلخص واقع القضية إلى اليوم‪ ،‬قائال – والكالم موجه للمغاربة طبعا‬
‫بمحام فاشل »؛ فقضية كتابة الضبط عادلة والبقية‬ ‫ٍ‬ ‫‪« : -‬لديكم قضية عادلة ولكن‬
‫تعرفونها‪...‬‬

‫إعداد‪:‬ذ‪/‬عبد الناصر ابـراهمـي_باحث في املســاطر القضائية‬

‫‪143‬‬
‫‪ -12‬حتديث اإلدارة القضائية‬

‫و تقريبها من املواطن‬
‫سنتناول في هذا املبحث تعزيز البنية التحتية بهدف تقريب إلادارة القضائية من املواطن و‬
‫كذا إقامة محكمة رقمية ( املطلب ألاول ) ثم تبسيط املساطر القضائية ( املطلب الثاني)‬

‫املطلب ألاول ‪ :‬الرفع من مستوى البنية التحتية و إقامة محاكم رقمية‬

‫إن اختيار املغرب للمنهج الديمقراطي و الانفتاح على املجتمع‪ ،‬ال يمكن الجزم بنجاحه إال‬
‫إذا قيس ذلك بمدى قدرة العدالة على مواكبة هذا النهج الذي رسمته الدولة‪ ،‬ألامر الذي‬
‫فرض على وزارة العدل الانخراط في سلسلة إلاصالحات الجذرية من أجل تحديث و عصرنة‬
‫جهاز القضاء‪ ،‬ليواكب التطورات التي يشهدها املجتمع‪ ،‬و يعد إعداد البنية التحتية و‬
‫إقامة محاكم رقمية من أهم إلاصالحات التي تجعل املواطن أقرب ما يكون لإلدارة‬
‫القضائية و أكثر إحساسا بمادية إلاصالح املنشود‪.‬‬

‫إن عصرنة و تحديث إلادارة القضائية رهين بمدى توفر هذه ألاخيرة على بنيات جيدة تحقق‬
‫ألاهداف املرسومة و املهام املوكولة إليها‪ ،‬فأمام ما يعرفه املجتمع من تطور و تشعب‬
‫العالقات‪،‬و اختالف أنواع القضايا املعروضة على العدالة و تعقدها‪ ،‬زيادة على ارتفاع‬
‫معدل السكان و ما ينجم عنه من تزايد الطلب على خدمات العدالة‪،‬لذلك كان البد من‬
‫إحداث بنايات جديدة نظرا لهشاشة بناية املحاكم القائمة و قدمها‪ ،‬مما ال يتناسب و قيمة‬
‫القضاء و دوره‪ ،‬فال بد أن تكون كل بناية بشكل هندس ي مميز يجعل مرتديها يشعرون و‬
‫هيبتها‪ ،‬فباإلضافة إلى الزيادة في عدد املحاكم و إدخال إصالحات عليها استجابة ملطلب‬
‫الجودة في ألاداء و الخدمة اللذان يعتبران الغاية ألاساسية لجميع فئات املجتمع ‪،‬فإن هذا‬

‫‪144‬‬
‫إلاصالح هو كذلك استجابة لسياسة تقريب القضاء من املتقاضين ‪ ،‬و عدم تمركزه في‬
‫مناطق محددة‪.‬‬

‫و املتتبع ملسار وزارة العدل في مجال البنية التحتية يالحظ أنها حاولت تجاوز الخطوات‬
‫الصعبة ‪ ،‬إذ لم تقتصر فقط على الزيادة في عدد املحاكم و إنما واكبتها بإحداث محاكم‬
‫متخصصة ‪ ،‬إدارية‪،‬تجارية‪،‬أقسام قضاء ألاسرة‪ ،‬كما هو الشأن بالنسبة لفرنسا التي‬
‫زاوجت في إحداث املحاكم بين النوع و الكم‪.‬‬

‫غير أن املالحظ هو أن الطريقة التي يتم بها إحداث املحاكم و الزيادة في عددها‪ ،‬دون إعداد‬
‫البنايات التي ستحتضنها‪ ،‬يبرهن على أن هناك قصور في تصور دور البناية و هندستها و‬
‫عالقته باملردودية ‪ ،‬فحالة أمكن العمل قد تكون وراء تعطيله‪ ،‬كما يساهم شكلها أو عدم‬
‫مالئمتها للعمل القضائي الذي تحتاجه إلى هدوء النفس و راحة الفكر في ضعف املردودية و‬
‫إلانتاج‪ .‬فال يكفي املنظر الخارجي و إنما يتعين تقسيمها و تنظيمها بشكل جيد ييسر أمر‬
‫الولوج إليها فهندستها تحدد بشكل كبير القدرة على تنظيم املصالح و املكاتب و تباعدها أو‬
‫تقاربها ‪ ،‬لذلك يجب ن يراعى في البناية العديد من الشروط من بينها التوفر على‬
‫الولوجياتبالنسبة لألشخاص املعاقين و الشيوخ و النساء الحوامل و بناء مصاعد مريحة في‬
‫حالة التوفر على طابق علوي‪ ،‬و يتعين أيضا عدم الشبابيك في مكاتب املوظفين لكونها‬
‫أصبحت مصدر تباعد و بالتالي عدم تحقيق الشفافية‪.‬‬

‫و يعد تحسين عملية إلاستقبال يشكل إحدى الدعائم ألاساسية لبروز إدارة منفتحة في وجه‬
‫مرتفقيها‪ ،‬فعالقة املواطنين باإلدارة كانت و الزالت محط عناية فقهية و قانونيىة كبيرة و‬
‫ذلك على مختلف ألاصعدة لكون أهم سمات إلادارة الحديثة هي العمل على تقريب إلادارة‬
‫من املواطنين‪ ،‬فكلما تدرجت إلادارة نحو عموم املواطنين زادت قدرتها على معرفة‬
‫متطلباتهم و إلاستجابة لها‪ ،‬و تيسرت سبل تنفيذ مقرراتها‪ ،‬و زادت إمكانات التأطير إلاداري‪،‬‬
‫و لعل أول مرحلة تربط بين إلادارة و املواطن‪ ،‬هي مرحلة إلاسنتقبال التي تمثل أهم حلقات‬
‫التواصل‪ ،‬فهذه املرحلة كافية ألخذ فكرة عن إلادارة تبقى مسجلة بذاكرته طيلة فترات‬

‫‪145‬‬
‫تعامله معها ‪ ،‬فاملوطن ليس في حاجة إلى خطابات ووعودو دراسات تقنية‪ ،‬بقدر ما هو في‬
‫حاجة إلى إدارة فعالة‪ ،‬شفافة‪ ،‬و إنسانية قيل كل ش يء‪.‬‬

‫و ما دمنا نتحدث عن تقريب إلادارة من املتقاضين فإن استعمال التكنولوجيا املعلوماتية‬


‫باإلدارة القضائية " معلوميات التسيير القضائي" تعتبر الية جديدة ملعالجة التسيير‬
‫باملحاكم‪ ،‬عن طريق تبسيط إلاجراءات لتحسين سير العمل القضائي و محاولة التخفيف‬
‫من ألاعباء على كل العاملين و املرتفقين داخل املحاكم‪ ،‬و ذلك كله من أجل الرفع من‬
‫جودة الخدمات املقدمة للمواطنين و تمكينهم من الحصول على حقوقهم في أقرب الاجال‪.‬‬

‫فإحداث محاكم رقمية سيساهم ل محالة في توحيد العمل بين مختلف املحاكم ألامر الذي‬
‫سيكون له تأثير إيجابي على إلادارة القضائية و املتقاضين و مساعدي القضاء‪ ،‬و لعل أهم‬
‫ميزة للمحكم الرقمية و التي تخص املواطن بصفة مباشرة هو متابعة القضايا و ضبطها و‬
‫معرفة ألاطوار التي قطعتها القضايا‪.‬‬

‫إذن إلادارة إلالكترونية بصفة عامة و املحكمة الرقمية بصفة خاصة يساهم بشكل مباشر‬
‫في دعم شفافية عمل إلادارة‪ ،‬و تطوير ما يعرف بمبدأ الحكامة الجيدة‪ ،‬و هذا ما سيمنح‬
‫املوطن سواء كان شخصا ذاتيا أو معنويا خدمة ذات جودة عالية من حيث التكلفة و‬
‫آلاجال و القرب ‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬تبسيط املساطر القضائية خدمة للمواطن‪.‬‬

‫يعتبر تحديث و إصالح إلادارة القضائية أهم املحاور الهامة التي شملت إصالح منظومة‬
‫العدالة‪ ،‬وذلك لكون إصالح إلادارة القضائية ورش قائم بذاته يتعين إنجازه بكامل‬
‫الفعالية‪.‬‬

‫وتبسيط املساطر القضائية ملا لها من دور فعال في تحديث و إصالح إلادارة القضائية‬
‫يشكل خطوة هامة نحو إصالح العدالة وحعل املواطن في قلب إلاصالح‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫فنتيجة للملفات الضخمة والعدد الكبير لها‪ ،‬فإن املحاكم املغربية تظطر للمعاناة من طول‬
‫املساطر وتعقيدها‪ ،‬وهذا ما يجعل املواطن يفقد الثقة ‪ ،‬هذه ألاخيرة التي تشكل بؤرة‬
‫التواصل بين املواطن وإلادارة القضائية‪.‬‬

‫ومما ال شك فيه أن املواطن عند لجوئه إلى القضاء غرضه الحصول على نتائج سريعة‪،‬‬
‫وهذا لن يتحقق إال في نطاق تبسيط املساطر وتحسين مشارب العمل والتخفيف من حدة‬
‫الشكليات إلادارية‪ .‬ولعل أهم املساطر التي تثير العديد من إلاشكاليات التبليغ و التنفيذ ملا‬
‫لها من تأثير على فعالية و جودة جذمات العدالة مما يستوجب العمل على تبسيطها‪.‬‬

‫والتبليغ هو إيصال أمر أو واقعة ثابتة إلى شخص معين على يد أعوان كتابة الضبط أو‬
‫ألاعوان القضائيين أو الطريقة إلادارية أو عن طريق البريد برسالة مضمونة مع إلاشعار‬
‫بالتوصل ( الفصل ‪ 32‬من ق م م‪).‬‬

‫وتكمن أهمية التبليغ في عدم جواز احتجاج املبلغ بجهله ملا تم تبليغه به حتى أن بعض‬
‫الفقه اعتبر حجية التبليغ كحجية نشر التشريع بالجريدة الرسمية‪.‬‬

‫ولعل السبب الرئيس ي في بطء تصفية القضايا أمام املحاكم يعود ألسباب منها مشاكل‬
‫التبليغ منها املتعلقة بشكليات التبليغ‪ ،‬حيث أن املشرع لم يرتب جزاء على إغفال الاسم‬
‫العائلي والشخص ي بورقة التبليغ‪ ،‬أيضا من الاشكاالت التي تثار في مرحلة التبليغ الحالة‬
‫التي يمتنع فيها املتسلم إليه أو الشخص املوجود بموطنه عن التسليم وإلادالء بهويته و أن‬
‫عدم ترتيب ألاثر القانوني على هذه التبليغات يخدم مصلحة املتقاضين بسوء نية الذين‬
‫يسعون بشتى الوسائل إلى عرقلة العدالة‪ .‬هذه بعض إلاشكاالت التي تثار في مرحلة التبليغ‪.‬‬

‫أما عن مرحلة التنفيذ‪ ،‬فاإلشكاالت املطروحة في هذه املرحلة تعيق السير الطبيعي‬
‫للمحاكم‪ ،‬فهو مشكل مطروح بشدة في الساحة الوطنية لكونه يساهم في بطء وطول‬
‫املساطر مما يولد ضعف الثقة بين إلادارة القضائية واملواطن‪ .‬و من أهم إلاشكاالت التي تثار‬

‫‪147‬‬
‫في مرحلة التنفيذ الصعوبة القانونية حيث أصبحت تثار أمام القضاء بصورة مستمرة ولو‬
‫تعلق ألامر بأحكام مشمولة بالنفاذ املعجل‪ ،‬إضافة إلى املشاكل امليدانية التي يتسبب فيها‬
‫املحكوم عليه من خالل إعطاء أسماء وعناوين وهمية في املقاالت‪ ،‬إضافة إلى ألاحكام‬
‫القاضية بالتعويض الصادرة في مواجهة شركات التأمين فتنفيذ هذه ألاحكام يعد من‬
‫أصعب صور التنفيذ‪.‬‬

‫انطالقا من كل هذه إلاشكاالت كيف يمكن لإلدارة القضائية التقليل منها حتى تكتمل الثقة‬
‫بين إلادارة القضائية واملواطن؟‬

‫إن قانون املسطرة املدنية الصادر في بتاريخ ‪ 28/19/21‬قد حان الوقت لكي يتدخل املشرع‬
‫من أجل سد ثغراته‪ ،‬مع الاستفادة من التشريعات املقارنة الحديثة والقواعد التي رسخها‬
‫الاجتهاد القضائي‪ ،‬ومن الثغرات التي تستدعي تدخل املشرع إحداث نظام الغرامة املدنية‪،‬‬
‫كجزاء للقضاء على التحايل والغش أو إلاهمال في التبليغ وكذلك التنفيذ على جميع‬
‫ألاطراف املدنية‪ ،‬وذلك لسد الطريق أمام املتقاضين ذوي سوء النية الستغالل هذه‬
‫الدعوى لعرقلة البت في القضايا والتملص من تنفيذ ألاحكام وكما يجب الرفع من مستوى‬
‫املكلفين بالتبليغ ماديا و معنويا و إحداث نظام محكم ملراقبة عملهم تسند مهمته إلى أطر‬
‫كتابة الضبط‪.‬‬

‫كما من ألاجدر أن يسمح املشرع في حالة العجز عن التوقيع‪ ،‬بالتوقيع بالبصمة وأال تعاد‬
‫الشهادة إلى كتابة الضبط‪ ،‬والسند في ذلك هو التقليل من حدة طول إلاجراءات التي عادة‬
‫ما تعزي تطبيق قواعد املسطرة‪ .‬و أيضا التعامل مع مساطر تنفيذ ألاحكام واملقررات‬
‫القضائية بفعالية ونجاعة أكثرحتى تكون هناك ثقة بين إلادارة القضائية واملواطن‪.‬‬

‫إعداد‪:‬ذ‪/‬زهير العمراني‬

‫‪148‬‬
‫‪ -18‬آليات ومساطر إبرام الصفقات‬
‫العمومية‬
‫بقلم صوفيا بومنينة‬
‫محامية متمرنة بهيئة طنجة‬
‫باحثة في قانون األعمال‬

‫يتحدد إلاطار القانوني للصفقات العمومية في ظل التشريع املغربي من خالل املرسوم رقم‬
‫‪ 2.12.319‬املتعلق بالصفقات العمومية الصادر بتاريخ ‪ 21‬مارس ‪ ،2113‬كما تم تعديله‬
‫‪ ،‬والذي يعد بمثابة ألاساس القانوني للصفقات العمومية‪ ،‬حيث حدد القواعد ]‪[1‬وتتميمه‬
‫املتعلقة بتدبير الصفقات ومراقبتها‪ ،‬وكذلك الشروط وألاشكال التي تبرم وفقها صفقات‬
‫ألاشغال والتوريدات والخدمات لحساب الدولة واملؤسسات العمومية الواردة في الالئحة‬
‫املحددة بقرار وزير املالية املنصوص عليها في املادة ‪ 19‬من القانون رقم ‪ 39.11‬املتعلق‬
‫‪[2].‬باملراقبة املالية للدولة على املنشآت العامة‪ ،‬وهيئات أخرى كما وقع تغييره وتتميمه‬

‫وبالرجوع ملقتضيات املادة ‪ 3‬من نفس املرسوم الذي دخل حيز التنفيذ بتاريخ فاتح يناير‬
‫‪ 2111‬فإن املشرع استثنى الاتفاقات أو العقود املبرمة وفقا لقواعد القانون العادي ؛‬
‫وكذلك عقود التدبير املفوض للمرافـق واملنشآت العامة ؛ وتفويتات ألاموال بين مرافق‬
‫الدولة أو بين الدولة والجهات والعماالت وألاقاليم والجماعات‪ ،‬وألاعمال املنجزة بين مرافق‬
‫الدولة الخاضعة للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل ؛ بما في ذلك العقود‬
‫املتعلقة باملعامالت املالية املنجزة في السوق املالي الدولي‪ ،‬وكذا الخدمات املرتبطة بها‪ .‬إال أنه‬
‫يمكن الحيد عن مقتضيات هذا املرسوم فيما يتعلق بالصفقات املبرمة في إطار الاتفاقيات‬
‫أو املعاهدات التي وقعها املغرب مع هيئات دولية أو دول أجنبية إذا نصت هذه الاتفاقيات‬
‫‪.‬أو املعاهدات صراحة على تطبيق شروط وأشكال خاصة بإبرام الصفقات‬

‫هذا علما بأنه باستثناء أعمال الهندسة املعمارية الخاضعة ملقتضيات الباب الخامس من‬

‫‪149‬‬
‫مرسوم الصفقات العمومية‪ ،‬تبرم صفقات ألاشغال والتوريدات والخدمات عن طريق طلب‬
‫‪.‬العروض أو املباراة أو حسب املسطرة التفاوضية‬

‫وتبعا لذلك‪ ،‬فما هي نوعية آلاليات التي حاول بها املشرع تحصين الصفقات العمومية ؟‬
‫وما هي مساطر إبرامها ؟‬

‫وعليه‪ ،‬ولإلحاطة باملوضوع يقتض ي ألامر التطرق في البداية لطلبات العروض والتباري‬
‫(املطلب ألاول)‪ ،‬قبل الوقوف تفصيال على أنواع‬

‫‪).‬الصفقات وسندات الطلب (املطلب الثاني‬


‫املطلب ألاول ‪ :‬طلبات العروض والتباري‬

‫تعد الصفقات العمومية‪ ،‬ألاداة إلاستراتيجية التي وضعها املشرع املغربي في أيدي السلطة‬
‫العامة النجاز العمليات املالية املتعلقة بإنجاز‪ ،‬تسيير وتجهيز املرافق العامة‪ ،‬على اعتبار أن‬
‫‪.‬نظام الصفقات يعد الوسيلة ألامثل الستغالل وتسيير ألاموال العامة‬
‫وتبعا لذلك‪ ،‬سنتناول في الفقرة ألاولى من هذا املطلب مختلف أشكال طلبات العروض‬
‫ومجاالت تطبيقها‪ ،‬وأهم إلاجراءات املتعلقة بها‪ ،‬فيما سنتطرق في الفقرة الثانية إلى‬
‫‪.‬املنافسة عن طريق املباراة‬

‫طلبات العروض ‪ :‬الفقرة ألاولى‬

‫يكون طلب العروض مفتوحا أو محدودا‪ ،‬ويدعى " مفتوحا " عندما يمكن لكل متنافس‬
‫الحصول على ملف الاستشارة وتقديم ترشيحه‪ ،‬ويدعى " محدودا " عندما ال يسمح بتقديم‬
‫‪.‬العروض إال للمتنافسين الذين قرر صاحب املشروع استشارتهم‬
‫ويدعى طلب العروض " باالنتقاء املسبق " عندما ال يسمح بتقديم العروض‪ ،‬بعد استشارة‬
‫لجنة للقبول‪ ،‬إال للمتنافسين الذين يتوفرون على املؤهالت الكافية السيما من الناحية‬
‫‪.‬التقنية واملالية‬

‫‪151‬‬
‫كما يمكن أن يكون طلب العروض " بتخفيض أو زيادة " أو " بعروض أثمان " وفي هاته‬
‫الحالة يوقع املتنافسون التزاما بإنجاز ألاشغال أو الخدمات أو تسليم التوريدات التي يقدر‬
‫‪.‬صاحب املشروع ثمنها عن طريق تخفيض (أو زيادة) يعبر عنها بنسبة مئوية‬
‫علما أن ملفات طلبات العروض " بعروض أثمان "‪ ،‬ال تبين للمتنافسين إال طبيعة وأهمية‬
‫ألاشغال أو التوريدات أو الخدمات التي يتولى املتنافسون اقتراح أثمانها‪ ،‬وحصر مبلغها‬
‫‪.‬النهائي في عروضهم‬
‫هذا وتجدر إلاشارة إلى أن ألانظمة القانونية العاملية استقرت على أن املناقصة واملزايدة‬
‫هما طريقتان أساسيتان إلبرام العقود إلادارية‪ ،‬وفي كلتا الطريقتين فإن إلادارة تلتزم‬
‫باختيار أفضل من يتقدمون للتعاقد معها سواء من الناحية املالية أو من ناحية الخدمة‬
‫‪.‬املطلوبة‬
‫فأسلوب املزايدة تلجأ إليه إلادارة العمومية عندما تريد أن تبيع أو تؤجر شيئا من أمالكها‪،‬‬
‫في حين تستعمل املناقصة عندما تريد الحصول على توريدات‪ ،‬فتلتزم إلادارة في الحالة‬
‫ألاولى باختيار الطرف املتعاقد الذي يقدم أعلى ثمن ممكن‪ ،‬مثل ‪ :‬قيام جماعة حضرية أو‬
‫‪.‬قروية بمزايدة لكراء موقف للسيارات أو كراء سوق أسبوعي ‪ ...‬إلخ‬
‫أما في الحالة الثانية‪ ،‬فإن إلادارة تلتزم باختيار الطرف املتعاقد الذي يقدم العرض ألاقل‬
‫‪.‬ثمنا‬
‫‪ :‬وفي هذا الصدد‪ ،‬يخضع طلب العروض املفتوح أو املحدود للمبادئ التالية‬
‫دعوة إلى املنافسة؛‬ ‫‪.1‬‬
‫فتح ألاظرفة في جلسة عمومية؛‬ ‫‪.2‬‬
‫) فحص العروض من طرف لجنة طلب العروض؛‬ ‫‪.3‬‬
‫اختيار العرض ألاكثر أفضلية من طرف لجنة طلب العروض الواجب اقتراحه على‬ ‫‪.1‬‬
‫صاحب املشروع؛‬
‫) وجوب قيام صاحب املشروع الذي يجري طلب العروض بتبليغ الثمن التقديري‬ ‫‪.5‬‬
‫املنصوص عليه في املادة ‪ 5‬من مرسوم الصفقات العمومية إلى أعضاء لجنة طلب‬
‫العروض]‪.[3‬‬
‫ولإلملام أكثر بهذا الجانب من املوضوع سنتعرض بصفة خاصة إلى طلب العروض املحدود‬
‫‪().‬أوال)‪ ،‬قبل أن نعرج على طلب العروض باالنتقاء املسبق (ثانيا‬

‫‪151‬‬
‫‪ :‬طلب العروض املحدود ‪ -‬أوال‬

‫قنن املشرع طلبات العروض املحدودة‪ ،‬إذ ال يجوز إبرامها إال بالنسبة لألعمال التي ال يمكن‬
‫تنفيذها من طرف جميع املقاولين أو املوردين أو الخدماتيين‪ ،‬اعتبارا لطبيعتها وخصوصيتها‬
‫وألهمية الكفاءات واملوارد الواجب تسخيرها‪ ،‬والوسائل واملعدات التي يتعين استعمالها‪ ،‬مع‬
‫‪.‬وجوب أن يقل مبلغ هذه ألاعمال أو يساوي مليوني درهم باحتساب الرسوم‬
‫كما يجب على صاحب املشروع أن يستشير ثالثة متنافسين على ألاقل بوسعهم الاستجابة‬
‫‪[4].‬على أحسن وجه للحاجات املراد تلبيتها‬
‫هذا علما بأن اللجوء إلى طلب العروض املحدود يستوجب إعداد شهادة إدارية من طرف‬
‫السلطة املختصة أو من طرف آلامر بالصرف املساعد توضح ألاسباب التي أدت إلى اختيار‬
‫‪.‬هذه املسطرة‬
‫ويمكن لكل متنافس أن يطلب من صاحب املشروع‪ ،‬بواسطة مراسلة محمولة أو مضمونة‬
‫مع إشعار بالتسلم أو بفاكس مؤكد أو بطريقة إلكترونية‪ ،‬أن يقدم إليه توضيحات أو‬
‫معلومات تتعلق بطلب العروض أو بالوثائق املرتبطة به‪ .‬وال يجوز قبول هذا الطلب إال إذا‬
‫توصل به صاحب املشروع سبعة أيام على ألاقل قبل التاريخ املحدد لجلسة فتح ألاظرفة‪،‬‬
‫وفي هذه الحالة‪ ،‬يتعين على صاحب املشروع أن يجيب على كل طلب معلومات أو‬
‫‪.‬توضيحات يتوصل به داخل ألاجل املقرر أعاله‬

‫‪ :‬طلب العروض باالنتقاء املسبق ‪ -‬ثانيا‬

‫يمكن إبرام صفقات بناء على طلب عروض باالنتقاء املسبق عندما تتطلب ألاعمال موضوع‬
‫الصفقة‪ ،‬بحكم تعقدها أو طبيعتها الخاصة‪ ،‬القيام بانتقاء مسبق للمتنافسين في مرحلة‬
‫‪.‬أولى قبل دعوة املقبولين منهم إليداع عروض في مرحلة ثانية‬
‫ويخضع طلب العروض باالنتقاء املسبق للمبادئ التالية‬

‫دعوة إلى املنافسة؛ )أ‬

‫‪152‬‬
‫فتح ألاظرفة في جلسة عمومية؛ )ب‬
‫فحص العروض من طرف لجنة طلب العروض باالنتقاء املسبق؛ )ج‬
‫اختيار العرض ألاكثر أفضلية من طرف لجنة طلب العروض باالنتقاء املسبق؛ )د‬
‫وجوب قيام صاحب املشروع الذي يجري طلب العروض باالنتقاء املسبق بتبليغ الثمن )ه‬
‫التقديري املنصوص عليه في املادة ‪ 5‬من مرسوم الصفقات العمومية إلى أعضاء لجنة طلب‬
‫‪[5].‬العروض باالنتقاء املسبق‬
‫هذا علما بأنه يتعين أن يكون كل طلب عروض باالنتقاء املسبق موضوع نظام استشارة‬
‫‪ :‬يعده صاحب املشروع قبل الشروع في املسطرة يبين فيه بالخصوص ما يلي‬

‫‪ :‬بالنسبة ملرحلة الانتقاء )‪1‬‬


‫الئحة الوثائق التي يجب أن يدلي بها املتنافسون طبقا ملقتضيات املادة ‪ 51‬من مرسوم‬ ‫‪‬‬

‫الصفقات العمومية؛‬
‫مقاييس الانتقاء املسبق للمتنافسين‪ .‬وتختلف هذه املقاييس بحسب طبيعة ألاعمال‬ ‫‪‬‬

‫املراد إنجازها‪ .‬ويمكن أن تأخذ هذه بعين الاعتبار على وجه الخصوص الضمانات‬
‫واملؤهالت القانونية والتقنية واملالية ؛ باإلضافة إلى املراجع املهنية للمتنافسين‪ ،‬عند‬
‫الاقتضاء‪.‬‬
‫ويتم تقييم هذه املقاييس بالرجوع إلى العناصر والوثائق املضمنة في امللف إلاداري والتقني‬
‫‪ :‬بالنسبة ملرحلة تقييم العروض )‪. 2‬وإلاضافي‬

‫‪ :‬في هاته املرحلة يتعين على صاحب املشروع إعداد‬


‫الئحة الوثائق التي يجب على املتنافس املقبول تقديمها طبقا ملقتضيات املادة ‪ 51‬من‬ ‫‪‬‬

‫مرسوم الصفقات العمومية؛‬


‫مقاييس تقييم عروض املتنافسين وإسناد الصفقة والتي يجب أن تكون موضوعية‬ ‫‪‬‬

‫وغير تمييزية‪ ،‬كما يجب أن تكون ذات صلة مباشرة بموضوع الصفقة املـراد إبرامها‬
‫ومتناسبة مع محتوى ألاعمال‪.‬‬
‫ويمكن إرفاق مقاييس تقييم عروض املتنافسين املبينة أعاله بمعامالت ترجيح‪ .‬إال أنه ال‬
‫يمكن أن يكون الترجيح‪ ،‬بأي حال من ألاحوال‪ ،‬وسيلة للحد من املنافسة‪ .‬هذا علما بأن‬

‫‪153‬‬
‫مقاييس تقييم عروض املتنافسين وإسناد الصفقة تختلف بحسب طبيعة ألاعمال املراد‬
‫املباراة ‪ :‬الفقرة الثانية ‪.‬إنجازها‬
‫تتيح مسطرة املباراة لصاحب املشروع‪ ،‬بعد استشارة لجنة املباراة‪ ،‬اختيار تصور ملشروع‬
‫‪.‬وإنجاز الدراسة املتعلقة به معا‪ ،‬وتتبع ومراقبة إنجازه‬

‫وفي هذا الصدد‪ ،‬سنتطرق لخصائص املباراة (أوال)‪ ،‬وعناصرها (ثانيا)‪ ،‬قبل دراسة نظامها‬
‫‪().‬ثالثا‬

‫‪ :‬أوال ‪ -‬خصائص املباراة‬

‫تمكن املباراة من إجراء تنافس بين مرشحين‪ ،‬على أساس برنامج‪ ،‬من أجل إنجاز عمل‬
‫‪.‬يستوجب أبحاثا خاصة ذات طابع تقني أو جمالي أو مالي‬
‫ويمكن لألعمال التي تكون موضوع مباراة أن تهم‪ ،‬على وجه الخصوص‪ ،‬املجاالت املتعلقة‬
‫‪.‬بتهيئة التراب الوطني‪ ،‬وبالتعمير‪ ،‬أو بالهندسة‪ ،‬تصور وإنجاز‬
‫‪.‬وفي هذا إلاطار‪ ،‬تنظم املباراة على أساس برنامج يعده صاحب املشروع‬
‫وتتضمن املباراة دعوة عمومية للمنافسة‪ ،‬هذا ويمكن للمتنافسين الذين يرغبون في‬
‫املشاركة إيداع طلب القبول‪ .‬إال أن إيداع املشاريع يقتصر على املتنافسين املقبولين من‬
‫طرف لجنة املباراة إثر جلسة القبول طبقا للشروط املحددة في املادة ‪ 21‬من مرسوم‬
‫‪.‬الصفقات العمومية‬
‫وتبعا لذلك‪ ،‬تقوم لجنة املباراة بفحص وترتيب املشاريع التي اقترحها املتنافسون املقبولون‪،‬‬
‫‪.‬إال أنه يتعين وجوبا فتح ألاظرفة في جلسة عمومية‬

‫‪ :‬ثانيا ‪ -‬عناصر برنامج املباراة‬

‫يبين برنامج املباراة الحاجيات واملحتويات التوقعية التي يتعين أن يستجيب لها العمل‪،‬‬
‫‪ :‬ويحدد املبلغ ألاقص ى للنفقة املتوقعة لتنفيذ العمل ؛ كما يبين أيضا العناصر التالية‬
‫إلاعالن عن الهدف املتوخى من املباراة وعرض الجوانب الرئيسية التي يجب اعتبارها؛‬ ‫‪‬‬

‫‪154‬‬
‫تحديد مكونات املشروع ومحتواه؛‬ ‫‪‬‬

‫واتساقا مع ذلك‪ ،‬يجب أن ينص البرنامج على منح جوائز إلى الخمسة مشاريع ألاحسن‬
‫ترتيبا من بين املشاريع املقبولة‪ .‬هذا مع تحديد مبالغ هذه الجوائز‪ ،‬ومصير املشاريع‬
‫الحاصلة على جائزة‪ ،‬هل ستصبح جزئيا أو كليا ملكا لصاحب املشروع ؟ كما يتم خصم‬
‫مبلغ الجائزة املمنوحة لنائل الصفقة‪ ،‬ويطبق هذا املقتض ى أيضا على نائل صفقة "تصور‬
‫‪ ".‬وإنجاز‬
‫‪ :‬ثالثا ‪ -‬نظام برنامج املباراة‬

‫‪ :‬تكون املباراة موضوع نظام مباراة يعده صاحب املشروع‪ ،‬ويبين خصوصا ما يلي‬
‫‪ .1‬الئحة املستندات التي يتعين على املتنافسين تقديمها طبقا للمادة ‪ 51‬من مرسوم‬
‫الصفقات العمومية؛‬
‫‪ .2‬مقاييس انتقاء املتنافسين التي تأخذ بعين الاعتبار على وجه الخصوص الضمانات‬
‫واملؤهالت القانونية والتقنية واملالية‪ ،‬وكذلك املراجع املهنية للمتنافسين‪ ،‬عند‬
‫الاقتضاء‪.‬‬
‫ويتم تقييم هذه املقاييس حسب العناصر والوثائق املضمنة في امللف إلاداري والتقني‬
‫وإلاضافي عند الاقتضاء؛‬
‫‪ .1‬مقاييس التقييم وترتيب املشاريع‪.‬‬
‫أما عندما تتعلق املباراة بتصور مشروع فقط فإن مقاييس تقييم املشروع تهم على‬
‫‪ :‬الخصوص ما يلي‬
‫التكلفة املتوقعة للمشروع‪ ،‬الطابع الابتكاري‪ ،‬درجة نقل الكفاءات‪ ،‬الجودة الجمالية‬
‫‪.‬والوظيفية‪ ،‬النجاعة املتعلقة باملحافظة على البيئة وتنمية الطاقات النظيفة‬
‫أما عندما تتعلق املباراة بتصور مشروع وإنجاز الدراسة املتعلقة به و‪ /‬أو تتبع أو مراقبة‬
‫إنجاز هذا املشروع أو بصفقة بتصور وإنجاز ؛ فإن مقاييس تقييم املشاريع والعروض تهم‬
‫‪ :‬خصوصا ما يلي‬
‫التكلفة املتوقعة للمشروع‪ ،‬املنهجية املقترحة‪ ،‬املوارد البشرية واملعدات الواجب تسخيرها‬
‫للعمل املزمع انجازه‪ ،‬البرنامج الزمني لرصد املوارد البشرية‪ ،‬الطابع الابتكاري للمشروع‪،‬‬
‫جودة املواكبة التقنية‪ ،‬درجة نقل الكفاءات‪ ،‬الضمانات املقدمة‪ ،‬جدول إلانجاز املقترح‪،‬‬

‫‪155‬‬
‫التجربة الخاصة وتخصص املستخدمين بالنسبة لطبيعة ألاعمال‪ ،‬الجودة الجمالية‬
‫‪.‬والوظيفية‪ ،‬تنمية الطاقات املتجددة والنجاعة الطاقية‬
‫هذا علما بأن نظام املباراة يستوجب الحصول على نقطة تقنية دنيا إجمالية للقبول‪ ،‬وعند‬
‫الحاجة بالنسبة لكل مقياس‪ .‬ويجب أن تكون املقاييس املختارة من طرف صاحب املشروع‬
‫‪.‬موضوعية وغير تمييزية وذات صلة مباشرة بموضوع املباراة‬
‫‪[6].‬كما يتعين على صاحب املشروع أن يوقع نظام املباراة قبل طرح مسطرة إبرام الصفقة‬

‫املطلب الثاني ‪ :‬الطلبات العمومية املختلفة‬

‫بحثا عن ضرورة مالئمة وتنميط مسار الاقتناء العمومي بالنسبة لجميع الفاعلين‪،‬‬
‫وخصوصا بالنسبة للمقاوالت املرشحة للطلبيات العمومية‪ ،‬اعتمد إلاصالح مرسوما موحدا‬
‫‪.‬لصفقات الدولة واملؤسسات واملقاوالت العمومية والجماعات املحلية ومجموعاتها‬
‫وفي هذا السياق‪ ،‬ونظرا ألهمية وخصوصية الطلبات العمومية سنتعرض في هذا املطلب‬
‫للصفقات التفاوضية‪ ،‬وصفقات أعمال الهندسة املعمارية وصفقات الدراسات (الفقرة‬
‫‪).‬ألاولى)‪ ،‬قبل أن نعرج على سندات الطلب (الفقرة الثانية‬

‫الصفقات ‪ :‬الفقرة ألاولى‬

‫أخد إلاصالح الجديد بعين الاعتبار الخصوصيات املرتبطة بمختلف املؤسسات العمومية‪،‬‬
‫‪.‬رغم حرص املشرع على تدعيم مبدأ وحدة ألانظمة في مجال الصفقات العمومية‬
‫وعليه‪ ،‬سنتطرق في هاته الفقرة بالدراسة للصفقات التفاوضية (أوال)‪ ،‬وصفقات أعمال‬
‫‪).‬الهندسة املعمارية (ثانيا)‪ ،‬ثم صفقات الدراسات (ثالثا‬

‫‪ :‬صفقات التفاوضية ‪ -‬أوال‬

‫تعد الصفقات التفاوضية قاعدة استثنائية إلبرام وعقد مختلف أشكال الصفقات‬
‫‪.‬العمومية‪ ،‬إذ ال يمكن اعتمادها إال في حاالت محددة‬

‫‪156‬‬
‫ويتميز أسلوب التفاوض باختصار إلاجراءات الطويلة التي تستغرقها غالبا مختلف أنواع‬
‫الصفقات‪ .‬كما تتيح املسطرة التفاوضية لصاحب املشروع إجراء مفاوضات حول شروط‬
‫الصفقة مع متنافس أو عدة متنافسين طبقا للشروط املنصوص عليها في الفصل الثالث‬
‫‪.‬من الباب الرابع من مرسوم الصفقات العمومية‬

‫‪ :‬أ) خصائص الصفقات التفاوضية‬

‫الصفقة التفاوضية هي طريقة إلبرام الصفقات العمومية تختار بموجبها‪ ،‬لجنة تفاوض‪،‬‬
‫‪.‬نائال للصفقة بعد استشارة متنافس أو أكثر للتفاوض بشأن شروط الصفقة‬
‫وتتعلق هذه املفاوضات على الخصوص بالثمن وأجل التنفيذ أو تاريخ الانتهاء أو التسليم‬
‫وشروط إنجاز وتسليم العمل‪ .‬إال أنه ال يمكن أن تخص هذه املفاوضات موضوع الصفقة‬
‫‪.‬ومحتواها‬
‫وفي هذا الجانب‪ ،‬تعين لجنة التفاوض من طرف السلطة املختصة أو آلامر بالصرف‬
‫املساعد‪ ،‬وتتكون من رئيس وممثلين عن صاحب املشروع‪ .‬كما يمكن لصاحب املشروع‬
‫‪.‬استدعاء أي شخص آخر خبيرا أو تقنيا‪ ،‬تعتبر مساهمته مفيدة ألشغال اللجنة‬
‫هذا وتبرم الصفقة التفاوضية حسب الحالة إما بإشهار مسبق وبعد إجراء منافسة أو بدون‬
‫‪.‬إشهار مسبق وبدون إجراء منافسة‬
‫وتبعا لذلك‪ ،‬يجب على كل مرشح لنيل صفقة تفاوضية أن يقدم في بداية املسطرة ملفا‬
‫إداريا‪ ،‬وملفا تقنيا‪ ،‬وملفا إضافيا عند الاقتضاء يضم مجموع املستندات املنصوص عليها‬
‫‪.‬في املادة ‪ 25‬مرسوم الصفقات العمومية‬
‫علما بأنه يستوجب إلبرام صفقة تفاوضية من طرف السلطة املختصة أو من طرف آلامر‬
‫بالصرف املساعد إعداد شهادة إدارية تبين الاستثناء الذي يبرر إبرام الصفقة على الشكل‬
‫‪.‬املذكور‪ ،‬وتوضح بوجه خاص ألاسباب التي أدت إلى تطبيقه في هذه الحالة‬
‫هذا باستثناء الحالة املشار إليها في الفقرة ‪ 2‬من البند الثاني من املادة ‪ 83‬من مرسوم‬
‫الصفقات العمومية‪ ،‬والتي تتعلق باألعمال التي تقتضيها حاجيات الدفاع الوطني أو ألامن‬
‫‪.‬العام الحفاظ على سريتها‬
‫ويمكن للسلطة املختصة أو آلامر بالصرف املساعد‪ ،‬دون تحمل أية مسؤولية عن هذا‬

‫‪157‬‬
‫الفعل اتجاه املتنافسين‪ ،‬أن ينهي املسطرة في أي وقت بمقرر معد وموقع من طرفها‪ ،‬مع‬
‫‪.‬وجوب الاحتفاظ باملقرر في ملف الصفقة‬

‫‪ :‬ب) حاالت اللجوء إلى املسطرة التفاوضية‬

‫تكون املسطرة التفاوضية بإشهار مسبق يدعو إلى املنافسة ينشر على ألاقل في جريدة ذات‬
‫توزيع وطني يختارها صاحب املشروع وفي بوابة الصفقات العمومية‪ .‬ويمكن تبليغ هذا‬
‫إلاعالن بشكل مواز إلى علم املتنافسين املحتملين‪ ،‬وعند الاقتضاء‪ ،‬إلى الهيئات املهنية‪،‬‬
‫‪.‬بواسطة نشرات متخصصة أو بأية وسيلة إشهار أخرى‪ ،‬والسيما إلالكترونية منها‬
‫‪ :‬وال يجوز إبرام صفقات تفاوضية إال في الحاالت التالية‬
‫‪ .1‬يمكن أن تكون موضوع صفقات تفاوضية بعد إشهار مسبق وإجراء منافسة ألاعمال‬
‫التي كانت موضوع مسطرة طلب عروض تم إعالنها عديمة الجدوى وفق الشروط‬
‫املنصوص عليها في املادتين ‪ 12‬و‪ 31‬من مرسوم الصفقات العمومية ؛ وفي هذه‬
‫الحالة‪ ،‬يجب أال يطرأ أي تغيير على الشروط ألاصلية للصفقة وأال تزيد املدة‬
‫الفاصلة بين تاريخ التصريح بعدم جدوى املسطرة وتاريخ نشر إعالن الصفقة‬
‫التفاوضية عن واحد وعشرين يوما؛‬
‫‪ .2‬ألاعمال التي يعهد صاحب املشروع بتنفيذها إلى الغير حسب الشروط الواردة في‬
‫الصفقة ألاصلية على إثر تقصير من صاحب الصفقة‪.‬‬
‫وفي ضوء ما سبق بيانه‪ ،‬يمكن كذلك أن تكون موضوع صفقات تفاوضية بدون إشهار‬
‫‪:‬مسبق وبدون إجراء منافسة‬
‫‪ ‬ألاعمال التي ال يمكن أن يعهد بإنجازها لصاحب أعمال معين اعتبارا لضرورات تقنية‬
‫أو لصبغتها املعقدة التي تستلزم خبرة خاصة؛‬
‫‪ ‬ألاعمال التي تقتض ي ضرورات الدفاع الوطني أو ألامن العام الحفاظ على سريتها‪.‬‬
‫ويجب أن تكون هذه الصفقات موضوع ترخيص مسبق من رئيس الحكومة بالنسبة‬
‫لكل حالة على حدة بناء على تقرير خاص من السلطة املختصة املعنية؛‬
‫‪ ‬ألاعمال التي يجب إنجازها في حالة الاستعجال القصوى والناجمة عن ظروف غير‬
‫متوقعة بالنسبة لصاحب املشروع‪ ،‬وغير ناتجة عن عمل منه‪ ،‬والتي ال تتالءم مع‬

‫‪158‬‬
‫آلاجال التي يستلزمها إشهار وإجراء منافسة مسبقين‪ ،‬لكون موضوع هذه ألاعمال على‬
‫الخصوص جاء ملواجهة خصاص أو حدث فاجع مثل زلزال أو فيضانات أو مد بحري‬
‫أو جفاف أو وباء أو جائحة أو وباء حيواني أو أمراض نباتية مدمرة أو اجتياح الجراد‬
‫أو حرائق أو بنايات أو منشآت مهددة باالنهيار أو حدث يهدد صحة املستهلك أو الثورة‬
‫الحيوانية أو الطبيعية]‪[7‬؛‬
‫ألاعمال املستعجلة التي تهم الدفاع عن حوزة التراب الوطني أو أمن السكان أو سالمة‬ ‫‪‬‬

‫السير الطرقي أو املالحة الجوية أو البحرية‪ ،‬والتي يجب الشروع في تنفيذها قبل‬
‫تحديد جميع شروط الصفقة طبقا للشروط املقررة في البند " ب " من املادة ‪ 82‬من‬
‫مرسوم الصفقات العمومية؛‬
‫ألاشياء التي يختص بصنعها حصريا حاملو براءات الاختراع؛‬ ‫‪‬‬

‫ألاعمال املتعلقة بتنظيم الحفالت أو الزيارات الرسمية والتي تكتس ي صبغة‬ ‫‪‬‬

‫استعجاليه وغير متوقعة‪ ،‬وغير املتالئمة مع آلاجال الالزمة لإلشهار وإجراء املنافسة‬
‫املسبقين‪.‬‬
‫ألاعمال إلاضافية التي يعهد بها إلى مقاول أو مورد خدماتي سبق أن أسندت إليه‬ ‫‪‬‬

‫صفقة إذا كان من املفيد‪ ،‬بالنظر ألجل التنفيذ أو حسن سير هذا التنفيذ‪ ،‬عدم‬
‫إدخال مقاول أو مورد أو خدماتي جديد‪ ،‬وعندما يتبين أن هذه ألاعمال غير املتوقعة‬
‫وقت إبرام الصفقة الرئيسية مكملة لها ؛ على أساس أن ال تتجاوز نسبة عشرة في‬
‫املائة من مبلغها‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق باألشغال‪ ،‬فيتعين أيضا أن يعتمد في تنفيذها على معدات منصبة أو تم‬
‫استعمالها من طرف املقاول في عين املكان‪ ،‬وتبرم هذه الصفقات على شكل عقود ملحقة‬
‫‪.‬بالصفقات ألاصلية املرتبطة بها‬
‫‪ :‬صفقات أعمال الهندسة املعمارية – ثانيا‬

‫تبرم العقود املتعلقة بأعمال الهندسة املعمارية عن طريق الاستشارة املعمارية أو املباراة‬
‫‪.‬املعمارية أو الاستشارة املعمارية التفاوضية‬
‫ويحدد عقد املهندس املعماري املقتضيات إلادارية والتقنية واملالية املطبقة على العمل‬
‫املراد تنفيذه‪ ،‬بما في ذلك تفصيل أتعاب املهندس املعماري وكيفيات أداءها‪ ،‬كما يحدد‬

‫‪159‬‬
‫عتبة التسامح بالنسبة للتقدير املوجز الذي كان أساس إسناد العقد‪ ،‬وكذا التبعات التي‬
‫‪.‬قد يتحملها املهندس املعماري إذا تم تجاوز هذا الحد‬
‫وتجدر إلاشارة إلى أن الاستشارة املعمارية تمكن صاحب املشروع من اختيار املهندس‬
‫املعماري الذي قدم العرض ألاكثر أفضلية‪ ،‬بعد إجراء تباري مفتوح في وجه جميع‬
‫املهندسين املعماريين على أساس برنامج لالستشارة املعمارية ؛ وبعد استطالع رأي اللجنة‬
‫‪.‬املكلفة بذلك‬
‫علما أنه يتم اللجوء إلى الاستشارة املعمارية بالنسبة للمشاريع التي تقل امليزانية إلاجمالية‬
‫‪.‬املتوقعة لألشغال املرتبطة بها عن عشرين مليون درهم دون احتساب الرسوم‬
‫إجباريا بالنسبة لعقود أعمال الهندسة املعمارية التي تعادل أو ]‪[8‬ويعتبر اللجوء إلى املباراة‬
‫تفوق ميزانيتها إلاجمالية املتوقعة لألشغال املتعلقة باملشروع عشرون مليون درهم دون‬
‫احتساب الرسوم ؛ إال أنه يمكن لصاحب املشروع اللجوء إلى هذه املسطرة حتى بالنسبة‬
‫‪.‬للمشاريع التي يقل مبلغها عن هذا الحد‬
‫وفي هذا السياق‪ ،‬تتيح املسطرة التفاوضية لصاحب املشروع التفاوض بشأن شروط العقد‬
‫مع مهندس أو عدة مهندسين معماريين ضمن الشروط املبينة في الباب الخامس من مرسوم‬
‫‪.‬الصفقات العمومية‬
‫والتي تتعلق على الخصوص ]‪[9‬هذا علما بأنه يمكن اللجوء لالستشارة املعمارية التفاوضية‬
‫باألتعاب وآلاجال وشروط تنفيذ العمل‪ ،‬على اعتبار أن هذه املفاوضات ال يمكن أن تخص‬
‫‪.‬املوضوع والبرنامج املعد من طرف صاحب املشروع‬
‫تأسيسا على ما سلف‪ ،‬ال يجوز إبرام عقود أعمال الهندسة املعمارية وفق املسطرة‬
‫التفاوضية إال في الحاالت املنصوص عليها في البند الثاني من املادة ‪ 129‬من مرسوم‬
‫‪.‬الصفقات العمومية‬

‫‪ :‬صفقات الدراسات – ثالثا‬

‫يجوز لصاحب املشروع اللجوء إلى صفقات الدراسات عندما يتعذر عليه القيام اعتمادا‬
‫‪.‬على وسائله الخاصة بالدراسات الالزمة‬
‫ويجب أن تكون هذه الصفقات محددة بكل دقة من حيث موضوعها ومداها ومدة تنفيذها‬

‫‪161‬‬
‫‪.‬حتى يتسنى إجراء منافسة بين أصحاب ألاعمال‬
‫ويمكن أن تضم صفقات الدراسات مرحلة أولية تسمى مرحلة " التعريف " ألجل تحديد‬
‫ألاهداف والفعالية املرجو بلوغهما أو التقنيات التي يجب استعمالها أو الوسائل البشرية‬
‫‪.‬واملادية التي يجب توفيرها‬
‫كما يمكن أن تنص هذه الصفقات على إمكانية توقيف الدراسة إما بعد انصرام أجل‬
‫‪.‬معين أو عندما يصل مبلغ النفقات حدا معينا‬
‫وإذا كانت طبيعة وأهمية الدراسة تبرران ذلك‪ ،‬تقسم الدراسة إلى عدة مراحل‪ ،‬لكل مرحلة‬
‫ثمن وفي هذه الحالة يمكن أن تنص الصفقة على توقيف تنفيذها عند انتهاء كل مرحلة‬
‫‪.‬من هذه املراحل‬
‫ويتصرف صاحب املشروع في نتائج الدراسة حسبما تقتضيه حاجاته الخاصة‪ ،‬وحاجات‬
‫‪.‬الجماعات والهيئات املشار إليها في الصفقة‬
‫هذا وتكون حقوق امللكية الصناعية التي قد تنشأ بمناسبة الدراسة أو خاللها مكسبا‬
‫لصاحبها الدراسة‪ ،‬ما عدا إذا احتفظ صاحب املشروع لنفسه بهذه الحقوق كليا أو جزئيا‬
‫‪.‬بموجب أحد شروط الصفقة‬

‫سندات الطلب ‪ :‬الفقرة الثانية‬

‫يمكن القيام بناء على سندات طلب‪ ،‬باقتناء توريدات وبإنجاز أشغال أو خدمات‪ ،‬وذلك في‬
‫‪.‬حدود مائتي ألف درهم مع احتساب الرسوم‬
‫وفي هذا املضمار‪ ،‬يراعى حد مائتي ألف درهم املشار إليه أعاله في إطار سنة مالية واحدة‪،‬‬
‫وحسب نوع امليزانية‪ ،‬مع اعتبار كل آمر بالصرف أو آمر بالصرف مساعد وحسب أعمال من‬
‫‪.‬نفس النوع‬
‫ويتم التنصيص على قائمة ألاعمال التي يمكن أن تكون موضوع سندات الطلب بامللحق‬
‫‪[10].‬رقم ‪ 1‬من مرسوم الصفقات العمومية‬
‫هذا وتحدد سندات الطلب مواصفات ومحتوى ألاعمال املراد تلبيتها ؛ وعند الاقتضاء أجل‬
‫‪.‬التنفيذ أو تاريخ التسليم وشروط الضمان‬
‫كما أن ألاعمال الواجب إنجازها بسندات الطلب يجب أن تكون موضوع منافسة مسبقة‪،‬‬

‫‪161‬‬
‫ما عدا في الحاالت التي يستحيل فيها اللجوء إليها أو كانت غير متالئمة مع العمل‪ .‬لهذه‬
‫الغاية على صاحب املشروع أن يستشير كتابة ثالث متنافسين على ألاقل‪ ،‬وأن يقدم كذلك‬
‫ثالثـة بيانات مختلفة لألثمان على ألاقل مقدمة من طرف املتنافسين املعنيين‪ ،‬ما عدا في‬
‫‪.‬حالة الاستحالة أو عدم املالءمة‬
‫علما أنه في حالة عدم مالءمة إجراء منافسة أو استحالة تقديم ثالثة بيانات لألثمان يعد‬
‫آلامر بالصرف أو آلامر بالصرف املساعد أو الشخص املؤهل‪ ،‬عند الاقتضاء‪ ،‬مذكرة تبرر‬
‫‪.‬هذه الاستحالة أو عدم التطابق‬
‫واتساقا مع ذلك‪ ،‬وبصفة استثنائية ومراعاة لخصوصيات بعض القطاعات الوزارية‪ ،‬يمكن‬
‫لرئيس الحكومة أن يأذن فيما يتعلق ببعض ألاعمال برفع حد مائتي ألف درهم مع‬
‫احتساب الرسوم بموجب مقرر يتخذه بعد استطالع رأي لجنة الصفقات وتأشيرة الوزير‬
‫‪.‬املكلف باملالية‪ ،‬وذلك دون تجاوز خمس مائة ألف درهم مع احتساب الرسوم‬
‫أما بالنسبة للمؤسسات العمومية‪ ،‬فيمكن رفع حد مائتي ألف درهم مع احتساب الرسوم‬
‫بموجب مقرر ملدير املؤسسة العمومية يتخذه بعد موافقة مجلس إلادارة وتأشيرة‬
‫‪.‬الوزيراملكلف باملالية‪ ،‬وذلك دون تجاوز خمس مائة ألف درهم مع احتساب الرسوم‬

‫‪ :‬خاتمة‬

‫حدد املشرع مختلف إلاجراءات التي يجب اتباعها‪ ،‬واملبادئ التي يجب مراعاتها في مجال‬
‫الصفقات العمومية عبر مختلف مراحلها‪ ،‬انطالقا من مرحلة تحضير الصفقة إلى غاية‬
‫الانتهاء من تنفيذها‪ .‬وأهم هذه املراحل بالنسبة ملوضوع الصفقات العمومية هي مرحلة‬
‫إبرام الصفقة العمومية وكيفية اختيار املتعامل املتعاقد‪ .‬نظرا لكون معظم القضايا‬
‫املطروحة في ساحة القضاء تتعلق بهذه املرحلة‪ ،‬وما يمكن أن يقوم به املوظفون‬
‫‪.‬العموميون املكلفون بإبرام الصفقة من تجاوزات ومخالفات يعاقب عليها القانون‬
‫كما أحاط القانون عملية إبرام وعقد الصفقات العمومية بالعديد من القيود وإلاجراءات‪،‬‬
‫وذلك بغرض حماية املال العام‪ ،‬وضمان مبدأ املساواة بين املتعاملين قصد تمكين إلادارة‬
‫‪.‬من اختيار أفضل املتقدمين للتعاقد معه‬
‫على أساس ما سبق‪ ،‬وبالنظر إلى التنظيمات التي مر بها قانون الصفقات العمومية باملغرب‬

‫‪162‬‬
‫يمكن القول بأنه عرف الكثير من التطورات حسب التغيرات التي كانت تعرفها البالد‪ ،‬على‬
‫اعتبار أن الصفقات العمومية تعد رافعة إستراتيجية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية‬
‫‪.‬ومكونا أساسيا داخل النشاط الاقتصادي الوطني‬

‫‪-19‬استقالل النيابة العامة‬


‫خليل سعدي‪ :‬باحث في علم السياسة والقانون الدستوري‬
‫من ألامور الجوهرية التي أثارت النقاش لدى الباحثين واملهتمين (قانونيين‪ ،‬سياسيين‪،‬‬
‫حقوقيين‪ ،‬إعالميين) بشأن العدالة‪ ،‬تلك املتعلقة باستقالل النيابة العامة عن سلطة وزير‬
‫العدل والحريات وإخضاعها إلشراف الوكيل العام لدى محكمة النقض‪ ،‬هذا الاهتمام‬
‫يرجع لكون استقالل النيابة العامة عن السلطة التنفيذية لم يصبح شأنا قضائيا فقط بل‬
‫صار شأنا مجتمعيا بامتياز أجمعت عليه كل الفعاليات واملنظمات الحقوقية وهيئات‬
‫املجتمع املدني‪.‬‬
‫ورغم وجود إجماع حول استقاللية القضاء‪ ،‬إال أن موضوع استقالل النيابة العامة عن‬
‫سلطة وزير العدل والحريات برز فيه رأيان‪ ،‬ألاول يتمسك بضرورة استمرارية تبعية قضاة‬
‫النيابة العامة لوزير العدل والحريات‪ ،‬والثاني ينادي باستقالل النيابة العامة عن سلطة‬
‫وزير العدل والحريات‪ .‬هذا الخالف جعل املجلس الحكومي املنعقد بتاريخ ‪ 1‬سبتمبر ‪2111‬‬
‫يؤجل مناقشة مشروع القانون التنظيمي رقم ‪ 111 – 13‬املتعلق باملجلس ألاعلى للسلطة‬
‫القضائية واملصادقة عليه في مجلس حكومي الحق‪ ،‬الش يء الذي أثار حفيظة الباحثين‬
‫القانونيين واملهتمين بالحقل القضائي للبحث عن ألاسباب الكامنة وراء ذلك‪ ،‬وألجل فهم‬
‫أوجه الاختالف بين الرأيين سنحاول بسط وجهة نظر كل منهما في هذه املقالة من خالل‬
‫نقطتين ألاولى سنخصصها لطرح وجهة نظر أنصار الفكرة الداعمة الستقاللية النيابة‬
‫العامة عن سلطة وزير العدل‪ ،‬والفقرة الثانية للفكرة التي تدعم استمرارية تبعية قضاة‬
‫النيابة العامة لوزير العدل‪ ،‬مع طرح وجهة نظرنا في ألاخير ملا لهذا املوضوع من وقع على‬
‫القضاء‪.‬‬
‫أوال‪ :‬استقالل النيابة العامة عن سلطة وزير العدل‪.‬‬

‫‪163‬‬
‫ينطلق أصحاب هذا الرأي من توصيات تقررين مهمين عرفهما املغرب خالل املرحلة‬
‫ألاخيرة‪ ،‬تقرير هيئة إلانصاف واملصالحة‪ ،‬وتوصيات الهيئة العليا للحوار الوطني حول‬
‫إلاصالح العميق والشامل ملنظومة العدالة‪.‬‬
‫نصت توصيات هيئة إلانصاف واملصالحة على تقوية استقالل القضاء وإلاقرار باستقالله‬
‫الذاتي بشريا وماليا وتمكينه من سلطات واسعة في مجال تنظيم املهنة ووضع ضوابطها‬
‫وأخالقياتها وتقييم عمل القضاة وتأديبهم وتخويله إعداد تقرير سنوي عن سير العدالة‪،‬‬
‫هذه التوصيات وضعت اللبنة ألاولى ملعالم استقالل النيابة العامة عن رجل السياسة‬
‫بإقرارها ضرورة اعتماد تأهيل العدالة وتقوية استقالليته‪.‬‬
‫أما توصيات الهيئة العليا للحوار الوطني حول إلاصالح العميق والشامل ملنظومة العدالة‬
‫اعتبرت أن أحكام الدستور أقرت بجالء استقالل السلطة القضائية عن السلطتين‬
‫التشريعية والتنفيذية‪ ،‬ويجب فصل النيابة العامة عن السلطة التنفيذية وإسناد رئاستها‬
‫إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض‪ ،‬مع تخويل وزير العدل صالحية إعداد‬
‫السياسة الجنائية التي سيتم إقرارها من طرف السلطات املختصة‪ ،‬وتبليغ مقتضياتها‬
‫كتابة إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض‪ ،‬مع إحاطة الوكيل العام للملك لدى‬
‫محكمة النقض ووزير العدل علما باإلجراءات والتدابير املتخذة بشأن السياسة الجنائية‪،‬‬
‫على أن يقوم الوكيل العام للملك بتقديم تقرير سنوي إلى املجلس ألاعلى للسلطة القضائية‬
‫بشأن تنفيذ السياسة الجنائية وسير جهاز النيابة العامة يكون موضوع نقاش داخل‬
‫املجلس‪.‬‬
‫كما ينطلق أصحاب الطرح املنادي باستقاللية النيابة العامة عن سلطة وزير العدل من‬
‫املبررات الدستورية استنادا على ما تضمنته الوثيقة الدستورية بعد تعديل فاتح يوليوز‬
‫‪ 2111‬التي كرست استقاللية سلطة القضاء عن السلطتين التشريعية و التنفيذية في باب‬
‫مستقل (الباب السابع من دستور ‪ ،)2111‬وأنه من خالل القراءة العادية للفقرة ألاولى من‬
‫الفصل ‪ 112‬يتبين أن إلارادة الدستورية توجهت نحو فك الارتباط نهائيا بين السلطة‬
‫القضائية وباقي السلط ألاخرى‪ ،‬هذا الاستقالل يعتبره أصحاب هذا الطرح بأنه استقالل‬
‫كامل للسلطة القضائية تهم القضاء الجالس و القضاء الواقف (قضاة أحكام و قضاة‬
‫نيابة عامة)‪ .‬وأن الدستور لم يميز بينهما‪ ،‬اللهم في الشق املتعلق بآليات اشتغال كل منهما‪،‬‬
‫على اعتبار أن للنيابة العامة خصوصيات تميزها عن قضاء الحكم‪ ،‬وهو ما يؤكده الفصل‬

‫‪164‬‬
‫‪ 111‬من الدستور « ال يلزم قضاة ألاحكام إال بتطبيق القانون‪ ،‬وال تصدر أحكام القضاء إال‬
‫على أساس التطبيق العادل للقانون‪.‬‬
‫وإجماال يمكن طرح أهم ألافكار التي تدعم استقاللية النيابة العامة عن سلطة وزير العدل‬
‫ما خلصت إليه الندوة الدولية التي نظمها النسيج املدني للدفاع عن استقالل السلطة‬
‫القضائية والتي خلصت إلى‪:‬‬
‫–تخويل الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض باعتباره رئيس النيابة العامة إلاشراف‬
‫وتتبع أعمال النيابة العامة؛‬
‫–استقالل سلطة النيابة العامة عن السلطة التنفيذية بشكل مطلق‪ ،‬للطالق البائن بين‬
‫السياس ي والقضائي؛‬
‫–صالحية السلطة الحكومية املكلفة بالعدل في تبليغ السياسة الجنائية العامة للوكيل‬
‫العام للملك بمحكمة النقض على أن تكون كتابة وغير متعلقة بحاالت محددة؛‬
‫–نقل إلاشراف الكلي على الضابطة القضائية إلى سلطة النيابة العامة‪ ،‬و جعلها من أجهزة‬
‫السلطة القضائية؛‬
‫–إحداث مجلس الوكالء العامين للملك تحت السلطة املباشرة للوكيل العام للملك‬
‫بمحكمة النقض يخول له إقتراح موجهات السياسة الجنائية والسهر على تنفيذها؛‬
‫–تخويل هذا املجلس حق مراجعة قرارات النيابة العامة املتصلة بحفظ الشكايات‪ ،‬و سائر‬
‫التظلمات ضد القرارات املتعلقة بها؛‬
‫–تخويل مجلس الوكالء العامين للملك صالحية مراقبة أعمال النيابة العامة؛‬
‫–تعزيز إستقاللية قاض النيابة العامة‪ ،‬في إبداء آرائه بكل حرية وإستقالل في الجلسات‬
‫العلنية؛‬
‫–تنظيم قاعدة التبعية و التسلسل الرئاس ي و حدوده التي يخضع لها قضاة النيابة العامة؛‬
‫–تمتيع قضاة النيابة العامة بنفس الحصانة ضد النقل والعزل التي يتمتع بها قضاة‬
‫ألاحكام؛‬
‫هذا التوجه الداعم الستقاللية النيابة العامة عن سلطة وزير العدل والحريات يعتبر‬
‫بالنسبة لبعض الفاعلين في مجال القضاء خطوة إلى إلامام‪ ،‬وانتصار للتوجه الحقوقي‬
‫الشامل الذي يفصل بين السلط ويضع الحدود الضرورية التي تمنع تدخل السلطة‬
‫التنفيذية في السلطة القضائية‪ ،‬وتتويجا لإلجماع الوطني والحقوقي املنبثق عن ميثاق‬

‫‪165‬‬
‫إصالح العدالة واملصادق عليه من طرف الهيئة الوطنية مليثاق إصالح العدالة الذي حظي‬
‫باملوافقة امللكية في حفل رسمي أعلن فيه أنه مشروع مجتمعي إلصالح القضاء وتطوير‬
‫العدالة شاركت فيه كل الهيئات واملنظمات الوطنية‪.‬‬
‫‪2-‬استمرارية تبعية قضاة النيابة العامة لوزير العدل والحريات‬
‫يتفق أصحاب هذا الطرح في كون أن إصالح مؤسسة النيابة العامة يشكل عنصرا أساسيا‬
‫ضمن نسق إصالح منظومة العدالة كونها مؤسسة قضائية أساسية‪ ،‬وأن أي إصالح دون‬
‫أن يشملها يجعل الجسم القضائي عليال ومعاقا‪ ،‬إال إنه في املقابل ينتاب أصحاب هذا‬
‫الاتجاه هاجس كبير بشأن ضمانات الجهة التي ستشرف على النيابة العامة و الجهة التي‬
‫ستسهر على توفير الاستقالل الفعلي لها‪ ،‬وكيفية محاسبتها عن أخطائها وتقاعسها عن‬
‫القيام بواجبها‪.‬‬
‫ويضيف أصحاب هذا الرأي أنه بالرغم من املبادئ الدستورية الضامنة الستقالل السلطة‬
‫القضائية‪ ،‬فإن املمارسة والتطبيق يشهدان على تدخل صارخ في ألاعمال ذات الصبغة‬
‫القضائية‪ ،‬بل هناك من اعتبر أن وضع النيابة العامة تحت مسؤولية الوكيل العام لدى‬
‫محكمة النقض أنها خطوة للوراء ولن تكون سوى امتيازا قضائيا في ظل الوضع الحالي‬
‫للجهاز القضائي وستكون معها النيابة العامة بدون محاسبة و ال رقيب‪.‬‬
‫وحجة أصحاب هذا الرأي بما تعرفه ألارضية ألاساسية لجهاز القضاء ببالدنا التي ال زالت‬
‫هشة‪ ،‬واملتمثلة أساسا في الفساد إلاداري وغياب النزاهة في بعض عناصر النيابة العامة‪،‬‬
‫وهو ما تؤكده الكثير من القرارات وألاوامر الجائرة وغير املؤسسة قانونا سواء تعلق ألامر‬
‫باالعتقال أو السراح املؤقت أو حفظ امللفات حسب ما جاء في الرسالة التي بعث بها‬
‫الدكتور خالد السموني الشرقاوي‪ ،‬مدير مركز الرباط للدراسات السياسية وإلاستراتيجية‪،‬‬
‫هذا الطرح في نظرنا ال مبرر له طاملا أن قضاة النيابة العامة يشتغلون تحت سلطة وزير‬
‫العدل و يمكن له توجيه التعليمات في جميع امللفات بل أحيانا أن وزير العدل هو من‬
‫يتحكم في املتابعات و ردهات املحاكم مليئة بملفات حساسة كان لوزير العدل اليد القوية‬
‫في نحريك املتابعات بخصوصها‪.‬‬
‫املسألة ألاخرى التي يطرحها أصحاب هذا الاتجاه‪ ،‬مسألة الرقابة التي ستخضع لها النيابة‬
‫العامة في حالة إخضاعها إلشراف الوكيل العام لدى محكمة النقض كونه لن تخضع ألي‬
‫رقابة مؤسساتية في الدولة‪ ،‬في حين يرى هذا الاتجاه أن استمرارية تبعية النيابة العامة‬

‫‪166‬‬
‫لوزير العدل والحريات يمكنها من الخضوع لرقابتين أساسيتين ألاولى رقابة رئيس الحكومة‬
‫باعتباره الرئيس الفعلي املباشر للوزير يمارسها مباشرة أو من خالل اجتماعات مجلس‬
‫الحكومة‪ ،‬والرقابة البرملانية‪ ،‬عندما يمثل وزير العدل والحريات أمام البرملان بمجلسيه‬
‫ملساءلته عن قراراته عندما تكون خارجة عن نطاق القانون أو تمس بمبدأ استقالل‬
‫القضاء ويبقى مسؤوال عن قراراته وسياسته الجنائية أمام البرملان في إطار ديمقراطي يربط‬
‫املسؤولية باملحاسبة‪.‬‬
‫لهذا يرى أصحاب هذا الاتجاه أن أعضاء الهيئة جانبوا الصواب‪ ،‬باقتراحهم في مشروع‬
‫إصالح القضاء استقاللية النيابة العامة بشكل تام عن وزير العدل‪ ،‬وأن همهم الوحيد هو‬
‫تفعيل مبدأ فصل السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية تطبيقا ملقتضيات الدستور‪،‬‬
‫كما اعتبروا أن بعض الحقوقيين الذين طالبوا ودافعوا عن استقالل النيابة العامة عن‬
‫وزير العدل لم يعوا خطورة هذا املطلب‪ ،‬نظرا لغياب ضمانات قانونية تتعلق باختيار‬
‫الوكيل العام وآليات محاسبته بعيدا عن السلطة التنفيذية‪ ،‬وأن إبعاد النيابة العامة عن‬
‫وزارة العدل في غياب ضمانات دستورية وقانونية يعتبر خطا تاريخيا سنتحمل تبعاته في‬
‫املستقبل‪.‬‬
‫في ضوء ما سبق‪ ،‬في نظرنا يمكن القول‪ ،‬أن موضوع استقاللية النيابة العامة عن وزير‬
‫العدل ليس الهدف منه ملن ستخضع النيابة العامة ومن سيراقبها‪ ،‬بل الهدف هو توطيد‬
‫دولة الحق والقانون والتطبيق السليم ملقتضيات دستور ‪ 2111‬وتكريس استقاللية‬
‫السلطة القضائية عن باقي السلط‪ ،‬والفصل الواضح بين السياس ي والقاض ي‪ ،‬والابتعاد عن‬
‫الاستغالل السياس ي للقضاء‪ ،‬لهذا يجب الدخول في تجربة جديدة‪ ،‬تجربة نيابة عامة‬
‫يترأسها الوكيل العام للملك بمحكمة النقض على أساس أن تتسم بالضمانات القضائية‬
‫وباالستقالل التام للقضاء‪ ،‬وما يمكن التأكيد عليه في الاخير أنه تم تغييب دور املجلس‬
‫ألاعلى للسلطة القضائية في مراقبة النيابة العامة من خالل التشكيلة املوسعة و املتنوعة‬
‫ألعضائه و التي من ضمنها من هو خارج السلك القضائي‪.‬‬

‫‪167‬‬
‫‪ -22‬مدى املقاربة واملفارقة بني احلجز‬
‫لدى الغري‬
‫واإلشعار للغري احلائز‬
‫مصطفى التراب‬

‫الرئيس األول لمحكمة االستئناف اإلدارية بالرباط‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫يطرح الحجز لدى الغير املنصوص عليه في الباب الخامس من القسم التاسع من قانون‬
‫املسطرة املدنية الذي خصصه املشرع لطرق التنفيذ ‪ ،‬وإلاشعار للغير الحائز املنصوص‬
‫عليه في القانون رقم‪ 15-92‬بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية‪ ،‬عدة إشكاالت قانونية‬
‫وصعوبات عملية وتطبيقية جعلت املحاكم تختلف في كثير من ألاحيان عن بعضها في‬
‫طريقة معالجتها لها‪ ،‬والخروج منها باتجاهات موحدة‪ ،‬وذلك نظرا ملا يكتنف صياغة‬
‫النصوص التشريعية املنظمة لهذه املقتضيات من غموض وتعقيد من جهة‪ ،‬ولعدم‬
‫استقرار العمل القضائي خصوصا منه املتعلق باملجلس ألاعلى ‪ -‬عند تطبيقه لهذه‬
‫النصوص ‪ -‬على مبادئ واحدة وقواعد متواترة من شأنها أن توحد توجهات قضاة املوضوع‬
‫من جهة أخرى‪.‬‬
‫فإذا كان كل من الحجز لدى الغير وإلاشعار للغير الحائز‪ ،‬يشكالن معا آلية قانونية تمكن‬
‫الدائن بدين خصوص ي بالنسبة لألول‪ ،‬والدائن بدين عمومي بالنسبة للثاني من استخالص‬
‫دينه من يد الغير‪ ،‬ويتحدان بالتالي في النتيجة التي يرغب كل دائن في الوصول إليها‪ ،‬وهي‬
‫استخالص الدين بطريق غير مباشر من يد الغير بدل استخالصه مباشرة من يد الدائن‪ ،‬وال‬
‫يختلفان إال في التسمية أو املصطلح‪ ،‬فإنهما مع ذلك يتميزان عن بعضهما في كثير من‬
‫الجوانب‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫لذا فإننا سنعمل في هذه املحاولة التأصيلية للموضوع‪ ،‬أن نبين أوجه التشابه والخالف‬
‫بينهما‪ ،‬ونتطرق تباعا للحجز لدى الغير في إطاره التحفظي وأيضا حينما يكتس ي طابعا‬
‫تنفيذيا مع بيان الجهة القضائية املختصة بالنظر في املصادقة عليه حسب كل حالة‪،‬‬
‫ونطاق اختصاص قاض ي املستعجالت بالنظر في طلب رفعه‪ ،‬ثم نحاول بعد ذلك تأصيل‬
‫الجوانب املتعلقة باإلشعار للغير الحائز كإجراء تنفيذي لتحصيل الديون العمومية‪ ،‬وإبراز ما‬
‫إذا كانت املنازعة فيه ذات طبيعة وقتية يختص بالنظر فيها قاض ي املستعجالت‪ ،‬أم ذات‬
‫طبيعة موضوعية يرجع الاختصاص فيها ملحكمة املوضوع‪ ،‬مع بيان ما إذا كان يتعين على‬
‫املحصل إخضاع إلاشعار للغير الحائز لقاعدة تدرج املتابعات‪ ،‬أم يمكن مواجهة امللزم به في‬
‫أي مرحلة من مراحل مسطرة التحصيل‪ ،‬مع التركيز في كل ذلك على أحدث القرارات‬
‫الصادرة عن املجلس ألاعلى التي وإن كان بعضها متباينا في التوجه‪ ،‬فإن من شأنها مع ذلك‬
‫املساهمة إلى حد كبير في إغناء النقاش‪ ،‬والوصول باإلشكاالت املطروحة إلى ما يدعو إلى‬
‫تأصيل وتقعيد الحلول املمكنة لها‪.‬‬
‫أوال‪ :‬الحجز لدى الغير‬
‫لقد سبقت إلاشارة إلى أن املشرع في قانون املسطرة املدنية‪ ،‬أورد الحجز لدى الغير ضمن‬
‫القسم التاسع الذي خصصه لطرق التنفيذ‪ ،‬فهل معنى هذا أنه إجراء تنفيذي أي طريق‬
‫من طرق التنفيذ؟ أم يمكن أن يكون إجراء تحفظيا ولو أنه جاء ضمن املقتضيات القانونية‬
‫املتعلقة بالتنفيذ؟‬
‫باستقرائنا للفصل ‪ 191‬من قانون املسطرة املدنية]‪ [1‬يتضح لنا أن املشرع املغربي سار في‬
‫الاتجاه الذي يعطي للحجز لدى الغير طابعا مختلطا‪ ،‬بحيث حتى إذا لم يكن هناك سند‬
‫تنفيذي‪ ،‬فيمكن للدائن استصدار أمر بالحجز لدى الغير من رئيس املحكمة إذا كان يتوفر‬
‫على دين ثابت]‪ [2‬وذلك في إطار ألاوامر املبنية على طلب بشرط الرجوع إليه في حالة وجود‬
‫صعوبة‪ ،‬فالطابع التحفظي للحجز لدى الغير يتجلى في مرحلته ألاولى وهو غل يد املحجوز‬
‫عليه من التصرف في ألاموال املحجوزة‪ ،‬وفي نفس الوقت منع املحجوز لديه من تسديد ما‬
‫بذمته لفائدة املحجوز عليه‪ ،‬بينما يتجلى طابعه التنفيذي في مرحلته الالحقة املتعلقة‬
‫بالتصحيح أو املصادقة‪ ،‬بحيث ينقلب هذا الحجز من الطابع التحفظي إلى الطابع‬
‫التنفيذي‪.‬‬

‫‪169‬‬
‫أما الحجز لدى الغير الذي يتم بناء على سند تنفيذي‪ ،‬فيكون له الطابع التنفيذي منذ أن‬
‫يتولى مأمور التنفيذ القيام بإجراءات هذا الحجز في إطار قواعد التنفيذ الجبري وذلك‬
‫بصفة تلقائية أي بدون حاجة إلى استصدار أمر من رئيس املحكمة من قبل الدائن أو‬
‫طالب التنفيذ‪ ،‬وأن خضوع هذا النوع من الحجز لدى الغير أيضا ملسطرة املصادقة ليس‬
‫هو الذي يضفي عليه الطابع التنفيذي كما هو الشأن بالنسبة للحجز لدى الغير الذي يتم‬
‫بناء على أمر قضائي‪ ،‬وبمعنى آخر فإن الحجز لدى الغير حينما يتم مباشرة من قبل مأمور‬
‫التنفيذ‪ ،‬يكون له الطابع التنفيذي بداية ونهاية أي بدءا بتبليغ محضر الحجز لدى الغير إلى‬
‫غاية املصادقة عليه مادام قد تم بناء على سند تنفيذي‪ ،‬وحينما يتم بناء على أمر من‬
‫رئيس املحكمة في إطار ألاوامر املبنية على طلب‪ ،‬يكون له الطابع التحفظي بداية أي بمجرد‬
‫صدور ألامر وتبليغ محضر الحجز لألطراف‪ ،‬بينما يتحول إلى إجراء تنفيذي بعد املصادقة‬
‫عليه]‪.[3‬‬
‫الحجز لدى الغير بناء على أمر قضائي‪:‬‬
‫إذا كان الدائن يتوفر على دين ثابث بمعنى أن يكون هذا ألاخير محققا في وجوده ولو لم‬
‫يكن معلوما في مقداره‪ ،‬فإنه يمكن أن يستصدر من رئيس املحكمة]‪ [4‬أمرا بالحجز لدى‬
‫الغير في إطار ألاوامر املبنية على طلب وذلك عمال بمقتضيات الفصول‪ 118‬و‪ 188‬و‪ 191‬من‬
‫قانون املسطرة املدنية‪ ،‬وال يصح الدين الاحتمالي لجعل الحجز لدى الغير ضامنا له‪ ،‬كما لو‬
‫تعلق ألامر بدعوى تعويض لم يصدر حكم بشأنها بعد‪ ،‬أما الدين املقرون بأجل‪ ،‬فيمكن أن‬
‫يصدر أمر بالحجز لدى الغير لضمانه ولو قبل حلول أجله وذلك بمسعى من الدائن‪ ،‬إال أن‬
‫هذا الحجز يبقى تحفظيا طبقا للفصل ‪ 138‬من ق ع ل وال يتأتى تصحيحه ما لم يحل أجل‬
‫الدين أو يفقد املدين ( املحجوز عليه ) مزية ألاجل نتيجة ألحد ألاسباب الواردة في الفصل‬
‫‪ 139‬من نفس القانون‪.‬‬
‫كما يمكن إجراء حجز لدى الغير بناء على أمر قضائي في الحالة التي يكون فيها الدائن قد‬
‫صدر لفائدته حكم ابتدائي بأداء دين‪ ،‬إال أنه ال يتم تصحيح هذا الحجز إال بعد أن يصير‬
‫الحكم املذكور حائزا لقوة الش يء املقض ي به إما عن طريق البت في الاستئناف أو في‬
‫التعرض إذا كان ألامر يتعلق بقرار استئنافي غيابي‪.‬‬
‫ألاثر القانوني املترتب عن الحجز لدى الغير الصادر بناء على أمر قضائي‪:‬‬

‫‪171‬‬
‫إن من أهم آلاثار القانونية التي يمكن ترتيبها على الحجز لدى الغير الذي بني على أمر‬
‫قضائي‪ ،‬هو أنه يمكن الرجوع فيه إلى رئيس املحكمة عند وجود صعوبة‪ ،‬وهو ما نص عليه‬
‫الفصل ‪ 191‬من قانون املسطرة املدنية صراحة‪ ،‬ذلك أن ألامر بالحجز لدى الغير يصدر في‬
‫غيبة ألاطراف تحقيقا لعنصر املباغثة الذي يشكل دورا أساسيا في الحجز‪ ،‬وبالتالي فإنه ال‬
‫يتأتى للمحجوز عليه إبداء أوجه دفاعه حول الحجز املطلوب في مواجهته‪ ،‬إال أن املشرع‬
‫رغبة منه في تحقيق التوازن بين مصلحة الطرفين‪ ،‬منح للمحجوز عليه إمكانية اللجوء إلى‬
‫رئيس املحكمة املصدر لألمر بالحجز لدى الغير‪ ،‬وهذه املرة بصفته قاضيا للمستعجالت‬
‫طبقا للفصل ‪ 119‬من نفس القانون من أجل النظر‪ -‬في إطار مسطرة تواجهية ‪ -‬في‬
‫عوارض الحجز التي يطرحها الطالب ( املحجوز عليه) كأن يدعي الوفاء بالدين الذي تقرر‬
‫الحجز بسببه ‪ ،‬ويطلب تبعا لذلك بالتراجع عن ألامر بالحجز لدى الغير‪ ،‬أو برفع الحجز‪،‬‬
‫ويبقى لرئيس املحكمة بتلك الصفة املشار إليها أعاله‪ ،‬تقدير ما إذا كانت تلك العوارض‬
‫جدية أم ال‪ ،‬مع ألاخذ بعين الاعتبار طبعا ملدى توافر الشرطين اللذين ينعقد بهما‬
‫اختصاص قاض ي املستعجالت املنصوص عليهما في الفصلين ‪ 119‬و ‪ 152‬من قانون‬
‫املسطرة املدنية وهما‪ :‬الاستعجال وعدم املساس بما يمكن أن يقض ى به في الجوهر‪[5].‬‬
‫مسطرة املصادقة على الحجز لدى الغير الصادر بناء على أمر قضائي‪:‬‬
‫لقد سبق أن أشرنا من قبل إلى أن الحجز لدى الغير الذي يصدر بناء على أمر قضائي‪ ،‬يبقى‬
‫محتفظا بطابعه التحفظي‪ ،‬وال يتحول إلى إجراء تنفيذي إال بعد املصادقة عليه من قبل‬
‫الجهة القضائية املختصة‪ ،‬فبعد صدور ألامر بالحجز لدى الغير‪ ،‬يتقدم من صدر هذا ألامر‬
‫لصالحه (أي طالب الحجز) بطلب تبليغ وتنفيذ هذا ألامر إلى كتابة ضبط املحكمة التي‬
‫صدر عنها ألامر‪ ،‬فيتم فتح ملف الحجز لدى الغير بقسم التنفيذ‪ ،‬ويتولى مأمور التنفيذ على‬
‫الفور وبكيفية مستعجلة تحقيقا لعنصر املباغثة وطبقا للفصل ‪ 192‬من ق‪.‬م‪.‬م بتبليغ‬
‫محضر الحجز لدى الغير‪ -‬مرفقا بنسخة من ألامر بالحجز ونسخة من السند املثبت للدين‬
‫إن وجد ‪ -‬إلى املحجوز عليه ونفس املحضر يبلغ للمحجوز لديه]‪ ،[6‬ويضمن كاتب الضبط‬
‫جميع الحجوز لدى الغير في السجل املنصوص عليه في الفصل ‪ 193‬من القانون املذكور‪،‬‬
‫حتى يمكن التعرف على أسماء وعناوين الدائنين املسجلين به عند استدعائهم لجلسة‬
‫الاتفاق الودي على توزيع املبالغ املحجوزة املنصوص عليها في الفصل ‪ ، 191‬وهي الجلسة‬
‫التي يتولى رئيس املحكمة]‪ [7‬بصفته هاته ‪ -‬وليس بصفته قاضيا للمستعجالت – باستدعاء‬

‫‪171‬‬
‫ألاطراف إليها بعد أن تتولى كتابة الضبط فتح ملف الاتفاق الودي بصفة تلقائية ( أي‬
‫بدون حاجة إلى تقديم أي إجراء مسطري كطلب أو غيره من قبل طالب الحجز) وذلك‬
‫خالل الثمانية أيام املوالية للتبليغ املشار إليه أعاله‪ ،‬ويشعر املحجوز لديه في الاستدعاء‬
‫املوجه إليه‪ ،‬بضرورة إدالئه بالتصريح إلايجايي الذي يتعين عليه إلافضاء به‪ ،‬وإلى الجزاء‬
‫الذي يمكن أن يترتب عليه في حالة عدم حضوره الجلسة أو عدم إدالئه بهذا التصريح]‪، [8‬‬
‫الذي وإن تمت تسميته في النص " باإليجابي" فإنه قد يكون سلبيا كأن يصرح املحجوز بين‬
‫يديه ‪ -‬إن كان مؤسسة بنكية مثال ‪ -‬بأن املحجوز عليه ال يتوفر على رصيد دائن أو أن هذا‬
‫الرصيد ال يغطي الدين املضمون بالحجز ‪ ...‬كما أن هذا التصريح سواء كان إيجابيا أو سلبيا‬
‫يمكن أن يفض ي به املحجوز بين يديه ملأمور التتنفيذ ساعة تبليغه بمحضر الحجز والذي‬
‫يعمل على تأكيده في الجلسة املذكورة التي يستدعى إليها‪.‬‬
‫فإذا حصل الاتفاق في هذه الجلسة بين ألاطراف الذين تم استدعاؤهم إليها بمن فيهم‬
‫الدائنون الذين قد يكونون مسجلين في السجل املشار إليه أعاله على توزيع ألاموال‬
‫املحجوزة‪ ،‬فإنه يتم تحرير محضر بذلك وتسلم قوائم التوزيع فورا‪ ،‬أما إذا لم يحصل‬
‫اتفاق فيحرر محضر بذلك أيضا‪.‬‬
‫ونؤكد هنا على أن الدائن الذي يستصدر ألامر بالحجز لدى الغير من رئيس املحكمة‪ ،‬يكون‬
‫قد استند في طلبه له إلى سند مثبت للدين الذي قد يكون اعترافا بدين أو شيك أو كمبيالة‬
‫‪ ..‬بمعنى أن النزاع حول الدين لم يحسم قضائيا بعد‪ ،‬بحيث إذا لم يقع الاتفاق على توزيع‬
‫ألاموال املحجوزة بين ألاطراف بسبب منازعة املحجوز عليه في الدين‪ ،‬فإن رئيس املحكمة ال‬
‫يمكنه في هذه الحالة الحسم في هذه النقطة‪ ،‬ويتأكد فيما إذا كانت هناك دعوى املطالبة‬
‫بالدين رائجة أمام املحكمة أم ال‪ ،‬فإن كانت رائجة‪ ،‬فإنه يعمل على توقيف إجراءات‬
‫املصادقة على الحجز لدى الغير إلى أن يصدر حكم نهائي بشأن تلك الدعوى‪ ،‬أما إذا لم‬
‫تكن أي دعوى رائجة باملرة‪ ،‬فهنا ينتهي دور رئيس املحكمة عند إلاشهاد لألطراف على عدم‬
‫حصول الاتفاق بينهم على توزيع ألاموال املحجوزة‪ ،‬ويوجه طالب الحجز في املحضر‬
‫املتضمن لذلك بتقديم دعوى املصادقة على الحجز لدى الغير أمام الجهة القضائية‬
‫املختصة وهي محكمة املوضوع]‪ [9‬بصفتها الجهة املؤهلة لحسم النزاع املتعلق بالدين الذي‬
‫تقرر الحجز ضمانا له‪ ،‬وهذا يؤكد على أن محكمة املوضوع وهي تنظر في دعوى املصادقة‬
‫على الحجز لدى الغير إذا تبين لها بأن الدين ثابت‪ ،‬فإنها تصدر حكما باملصادقة على الحجز‬

‫‪172‬‬
‫لدى الغير والذي يتم تنفيذه بعد أن يصير نهائيا وحائزا لقوة الش يء املقض ي به وفقا‬
‫للفصل ‪ 128‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬‬
‫الحجز لدى الغير بناء على سند تنفيذي‪:‬‬
‫في حالة وجود سند تنفيذي‪ ،‬أمكن ملأمور التنفيذ في إطار التنفيذ الجبري‪ ،‬إجراء حجز ما‬
‫للمدين لدى الغير باعتباره طريقا من طرق التنفيذ وذلك بصفة تلقائية ومباشرة وبدون‬
‫حاجة إلى استصدار أمر قضائي عمال بمقتضيات الفصل ‪ 191‬من ق‪.‬م‪.‬م‪ ،‬بحيث أن الحجز‬
‫لدى الغير يكون في هذه الحالة حجزا تنفيذيا يباشره مأمور إلاجراءات الجارية مسطرة‬
‫التنفيذ أمامه]‪ ،[10‬والسند التنفيذي هو السند املذيل بالصيغة التنفيذية]‪ [11‬املنصوص‬
‫عليها في الفصل ‪ 133‬من ق‪.‬م‪.‬م ‪ ،‬ويدخل في عداده ما يلي‪:‬‬
‫ألاحكام النهائية أو ألاحكام القابلة للتنفيذ كاألوامر الاستعجالية وألاحكام املشمولة بالنفاذ‬ ‫‪-‬‬
‫املعجل؛‬
‫ألاحكام الصادرة عن محاكم أجنبية بعد تذييلها بالصيغة التنفيذية طبقا للفصل ‪131‬‬ ‫‪-‬‬
‫من ق‪.‬م‪.‬م؛‬
‫أحكام املحكمين بعد تذييلها بالصيغة التنفيذية طبقا للفصل ‪ 322‬من نفس القانون؛‬ ‫‪-‬‬
‫العقود املبرمة بالخارج أمام الضباط واملوظفين العموميين املختصين بعد إعطائها‬ ‫‪-‬‬
‫الصيغة التنفيذية طبقا للفصل ‪ 132‬من نفس القانون؛‬
‫ألاثر القانوني املترتب عن الحجز لدى الغير بناء على سند قانوني‪:‬‬
‫إن أهم أثر قانوني يترتب عن الحجز لدى الغير املنجز بناء على سند تنفيذي‪ ،‬هو أن‬
‫املطالبة برفعه أو بطالنه يقتض ي حتما الطعن في إجراءات التنفيذ‪ ،‬فالطعن في هذا الحجز‬
‫الذي يتسم بالطابع التنفيذي هو طعن موضوعي‪ ،‬وبالتالي فإن دعوى البطالن تقدم أمام‬
‫محكمة املوضوع‪،‬على اعتبار أن رفع الحجز لدى الغير في هذه الحالة يعني القول ببطالن‬
‫إجراء من إجراءات التنفيذ وهذا ألامر ال يتأتى إال لقاض ي املوضوع للفصل فيه‪ ،‬وال يتأتى‬
‫لقاض ي املستعجالت ملساس ذلك بجوهر الحق]‪ [12‬بخالف املطالبة برفع الحجز لدى الغير‬
‫الذي يصدر بناء على أمر قضائي‪ ،‬فإنها‪ -‬كما أشرنا إلى ذلك من قبل – تقدم أمام رئيس‬
‫املحكمة بصفته قاضيا للمستعجالت الذي يتم الرجوع إليه في حالة وجود صعوبة اعتبارا‬
‫للطابع الوقتي والتحفظي الذي يتسم به هذا الحجز‪.‬‬
‫املصادقة على الحجز لدى الغير املنجز بناء على سند تنفيذي‪:‬‬

‫‪173‬‬
‫يتضح من استقراء مقتضيات الفصل ‪ 191‬من ق‪.‬م‪.‬م أن املشرع لم يفرق بين الحجز لدى‬
‫الغير بناء على أمر قضائي‪ ،‬وبين الحجز لدى الغير بناء على سند قانوني‪ ،‬بل جعلهما معا‬
‫خاضعين ملسطرة واحدة تتعلق باملصادقة على الحجز‪ ،‬مع أن هناك فارقا أساسيا وجوهريا‬
‫بينهما يتمثل على وجه الخصوص‪ :‬في أن الحجز بناء على أمر قضائي وإن كان الدين الذي‬
‫تقرر الحجز كإجراء تحفظي لضمانه ثابتا‪ ،‬إال أن النزاع بشأنه غير محسوم‪ ،‬كأن يكون‬
‫الدين مقترنا بأجل أو معلقا على شرط أو صدر بشأنه حكم لم يصر بعد نهائيا‪ ...‬لذا فإن‬
‫خضوع الحجز لدى الغير هنا ملسطرة املصادقة‪ ،‬مسألة مستصاغة من الناحية املنطقية‪،‬‬
‫نظرا ملا يتطلبه ألامر من ضرورة فسح املجال للمحجوز عليه من أجل إبداء أوجه دفاعه في‬
‫إطار مناقشة الدين املضمون بالحجز‪ ،‬على اعتبار أن هذا ألاخير صدر في غيبته‪ ،‬وهو ما‬
‫يقتض ي من طالب الحجز كما قلنا – بعد أن يتم تحرير محضر عدم الاتفاق على توزيع‬
‫ألاموال املحجوزة‪ -‬تقديم طلب املصادقة على الحجز لدى الغير أمام محكمة املوضوع‬
‫وذلك في حالة عدم وجود دعوى رائجة من قبل تتعلق بالدين الذي تقررالحجز‬
‫بسببه]‪ ،[13‬بحيث أنه تتم في دعوى املصادقة هاته مناقشة الدين والحجج املثبتة له من‬
‫قبل أطراف النزاع وكأنها دعوى مبتدأة للمطالبة بالدين‪.‬‬
‫أما بخصوص الحجز لدى الغير الذي يجريه مأمور التنفيذ بناء على سند تنفيذي‪ ،‬فإنه‬
‫إجراء يدخل في إطار الحجز التنفيذي طبقا لقواعد التنفيذ الجبري لألحكام‪ ،‬بحيث أن هذه‬
‫املرحلة تأتي بعد استنفاد ألاطراف ملرحلة التقاض ي التي تمت فيها مناقشة الدين والحجج‬
‫والسندات املثبتة له‪ ،‬وبالتالي فإن النزاع حول هذا الدين أضحى محسوما بمقتض ى السند‬
‫التنفيذي الذي يشكل مبررا قانونيا لقيام مأمور التنفيذ بهذا إلاجراء‪ ،‬وهنا يطرح التساؤل‬
‫التالي‪ :‬ما الجدوى من سلوك مسطرة املصادقة على الحجز لدى الغير حتى في حالة وجود‬
‫سند تنفيذي؟‬
‫في تقديرنا أن سلوك هذه املسطرة مع وجود سند تنفيذي هو تحصيل للحاصل ومضيعة‬
‫للوقت وتأخير في إيصال الحقوق إلى أصحابها‪ ،‬بحيث ال يتصور الرجوع مرة أخرى إلى‬
‫ال قضاء بعد أن حسم في النزاع املتعلق بالدين‪ ،‬وبالتالي كان من ألاجدى أن يلزم املشرع‬
‫املحجوز لديه بأن يسلم املبالغ املحجوزة بين يديه إلى مأمور التنفيذ أو أن يحولها لحساب‬
‫املحكمة – بعد أن يتأكد بأنها كافية لتغطية الدين ‪ -‬ليسلمها بعد ذلك إلى طالب التنفيذ‬
‫بكل سهولة ويسر وسرعة ونجاعة‪ ،‬وحتى إن كان هناك دائنون متعددون‪ ،‬فيجري توزيع‬

‫‪174‬‬
‫املبالغ املتحصلة من هذا الحجز عن طريق املحاصة كما لو تعلق ألامر بحجز تنفيذي على‬
‫منقول أو عقار‪.‬‬
‫واملالحظ أن هذا اللبس والغموض الذي يطال املقتضيات القانونية الواردة في قانون‬
‫املسطرة املدنية املتعلقة بالحجز لدى الغير‪،‬جاء نتيجة لهذا الخلط بين الحجز لدى الغير‬
‫بناء على أمر قضائي‪ ،‬وبين الحجز لدى الغير بناء على سند تنفيذي رغم الفوارق الشاسعة‬
‫بينهما‪ ،‬ولهذا نرى أنه من ألافيد مسايرة املشرع املغربي للقانون املقارن‪ ،‬ملعالجة هذه‬
‫إلاشكالية القانونية‪ ،‬وخصوصا القانون املصري الذي أتى بقواعد واضحة تفرق بين الحجز‬
‫لدى الغير في الحالتين املذكورتين‪ ،‬بحيث أنه جعل مسطرة املصادقة على الحجز لدى الغير‬
‫مقتصرة على الحالة التي يكون فيها الحجز لدى الغير بناء على أمر قضائي‪،‬أما حينما يكون‬
‫الحجز لدى الغير بناء على سند تنفيذي فال ترفع دعوى بصحة هذا الحجز]‪.[14‬‬
‫ولكن في انتظار تدخل املشرع لسد هذا الفراغ التشريعي‪ ،‬نرى من ألانسب أن تعمل‬
‫محاكمنا على تفعيل ورقة العمل املتعلقة بموضوع " الحجز لدى الغير " التي أعدت من‬
‫قبل اللجينة املنبثقة عن اجتماع اللجنة القضائية املنعقد بمقر وزارة العدل ( مديرية‬
‫الشؤون املدنية) بتاريخ ‪ 2112/12/13‬بغية توحيد العمل القضائي في هذه النقطة‪ ،‬والحد‬
‫من التضارب والاختالف بشأنه‪ ،‬بحيث أعطت هذه الورقة بعض الحلول العملية واملفيدة‬
‫واملستقاة جلها من القرارات املتواترة للمجلس ألاعلى‪ ،‬التي من شأنها مساعدة السادة‬
‫القضاة الذين يمارسون قضايا الحجز لدى الغير‪ ،‬على فك اللبس والغموض الذي يطال‬
‫النصوص املتعلقة به بعد أن حاولت تطويعها على نحو يسهل فهم تلك النصوص وتطبيقها‬
‫التطبيق القانوني السليم‪.‬‬
‫إن ما استقر عليه املجلس ألاعلى‪ ،‬والذي سارت ورقة العمل املشار إليها أعاله على هديه‬
‫ومنواله‪ ،‬هو أن الجهة القضائية املختصة بالنظر في املصادقة على الحجز لدى الغير بناء‬
‫على سند تنفيذي هو رئيس املحكمة بصفته هاته أي بصفته الجهة املشرفة على التنفيذ‬
‫وليس بصفته قاضيا للمستعجالت‪ ،‬وكمثال على ذلك‪ ،‬فقد أيدت الغرفة إلادارية باملجلس‬
‫ألاعلى في قرارها الصادر بتاريخ ‪ [15] 1992/15/22‬الحكم الصادر عن رئيس املحكمة‬
‫إلادارية بالرباط القاض ي باملصادقة على الحجز لدى الغير ( املنجز من طرف مأمور التنفيذ‬
‫بناء على سند تنفيذي)‪ .‬وقد تواترت قرارات املجلس ألاعلى على هذا املنوال مؤكدة على‬
‫اختصاص رئيس املحكمة كجهة مختصة في املصادقة على الحجز لدى الغير بناء على سند‬

‫‪175‬‬
‫تنفيذي‪ ،‬وأن هذه املصادقة تتم تلقائيا أي بدون حاجة إلى تقديم دعوى أو مطالبة بشأنها‪،‬‬
‫بحيث أنه بعد استدعاء ألاطراف لحضور جلسة الاتفاق الودي على توزيع ألاموال‬
‫املحجوزة‪ ،‬وعدم حصول الاتفاق بينهم‪ ،‬يصدر رئيس املحكمة مباشرة حكما]‪ [16‬باملصادقة‬
‫على الحجز لدى الغير بعد التأكد من وجود املبالغ املحجوزة بين يدي املحجوز بين يديه‪،‬‬
‫ويأمر هذا ألاخير بتسليم تلك املبالغ إلى مأمور التنفيذ الذي يتولى تسليمها بدوره إلى‬
‫صاحب السند التنفيذي ( طالب التنفيذ)‪ ،‬والش يء املهم الذي أكدت عليه ورقة العمل‬
‫املذكورة في مثل هذه الحالة‪ ،‬هو أن رئيس املحكمة عند املصادقة على الحجز لدى الغير‬
‫املبني على سند تنفيذي‪ ،‬يمكنه اعتماد مقتضيات الفقرة ألاولى من الفصل ‪ 112‬من ق‪.‬م‪.‬م‬
‫التي توجب شمول الحكم بالنفاذ املعجل وذلك لوجود السند التنفيذي الذي هو بدون‬
‫منازع سند رسمي ‪ ،‬وال موجب بالتالي الحتجاج املحجوز لديه بالفصل ‪ 132‬من ق‪.‬م‪.‬م‬
‫مادامت مقتضياته تتنافى نصا وروحا مع وجود السند التنفيذي الذى حسم الدين بصفة‬
‫نهائية سواء في عالقة ألاطراف بعضهم مع بعض أو في عالقتهم مع ألاغيار‪ ،‬وهذا الاتجاه قد‬
‫أيدته الغرفة إلادارية في قرارها املشار إليه آنفا الذي ورد فيه ما يلي ‪ " :‬إن جعل الحكم‬
‫املذكور (وهو الصادر عن رئيس املحكمة القاض ي باملصادقة على الحجز لدى الغير) املطلوب‬
‫إيقاف تنفيذه مشموال بالنفاذ املعجل له ما يبرره ‪[17] "...‬‬
‫إال أنه على الرغم من تواتر قرارات املجلس ألاعلى فيما يتعلق باعتبار رئيس املحكمة الجهة‬
‫القضائية املختصة باملصادقة على الحجز لدى الغير املبني على سند تنفيذي‪ ،‬فقد صدر‬
‫قرار بتاريخ ‪ 2111/11/13‬عن الغرفة التجارية باملجلس ألاعلى أنكر على رئيس املحكمة هذا‬
‫الاختصاص‪ ،‬وأرجعنا إلى نقطة الصفر‪ ،‬بل أكثر من هذا أعطى تفسيرا للفصل ‪ 191‬من‬
‫ق‪.‬م‪.‬م من شأنه أن يعمق اللبس والغموض الذي يطاله أكثر مما يزيله‪ ،‬حيث ورد في هذا‬
‫القرار " بأن رئيس املحكمة وهو يبت في إطار الفصل ‪ 191‬من ق‪.‬م‪.‬م ال يدخل في‬
‫اختصاصه البت في املديونية واملصادقة على الحجز التي يقتض ي البت فيها معاينة املحكمة‬
‫لوثائق تلك املديونية ومدى صحتها والتأكد من توصل ألاطراف ملسطرة التوزيع الودي من‬
‫عدمه‪ ، [18] "...‬بحيث اعتبر هذا القرار بأن املقصود برئيس املحكمة الوارد في الفصل ‪191‬‬
‫املذكور هو قاض ي املستعجالت الذي ال يبت فيما يمكن أن يقض ى به في الجوهر‪ ،‬وبالتالي‬
‫فإنه ال يمكن أن يصادق على الحجز لدى الغير ألن ذلك يتطلب منه البحث في املديونية‬
‫وفحص وثائقها‪ ،‬في حين أن صفة رئيس املحكمة املقصودة في هذا الفصل هي كونه‬

‫‪176‬‬
‫املشرف على إجراءات التنفيذ الجارية بمحكمته‪ ،‬والتي ال عالقة لها على إلاطالق بصفته‬
‫كقاض للمستعجالت‪ ،‬هذا فضال عن أن هذا القرار لم يميز بين دور رئيس املحكمة في‬
‫الفصل ‪ 191‬حينما يكون الحجز لدى الغير مبنيا على أمر قضائي‪ ،‬وبين أن يكون هذه‬
‫الحجز مبنيا على سند تنفيذي وذلك ملا اعتبر بأن رئيس املحكمة ال صالحية له في املصادقة‬
‫على الحجز لدى الغير في الحالتين معا‪ ،‬بينما رئيس املحكمة في حالة وجود سند تنفيذي ‪-‬‬
‫كما هو الشأن في النازلة موضوع القرار املذكور‪ -‬ال يناقش املديونية وال يفحص وثائقها عند‬
‫النظر في املصادقة على الحجز لدى الغير مادام النزاع قد تم حسمه بمقتض ى السند‬
‫التنفيذي‪ ،‬بل إنه يقوم بتصحيح الحجز لدى الغير كإجراء تنفيذي بعد أن يتأكد من سالمة‬
‫هذا إلاجراء من الناحية القانونية‪ ،‬لذا فإن هذا الاتجاه الذي سارت عليه الغرفة التجارية‬
‫باملجلس ألاعلى‪ ،‬يخالف ما استقرت عليه الغرفة إلادارية بنفس املجلس في كثير من‬
‫قراراتها‪ ،‬مما كان يتعين على الغرفة املذكورة ( أي الغرفة التجارية) في نظرنا عندما رغبت‬
‫في تغيير هذا الاتجاه القار‪ ،‬إحالة القضية إلى غرفتين تفاديا لخلق تضارب وتعارض في‬
‫الاتجاهات بينها وبين الغرفة إلادارية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬إلاشعار للغير الحائز‪:‬‬
‫تم التنصيص على إلاشعار للغير الحائز في املادة ‪ 111‬وما يليه من القانون رقم ‪15-92‬‬
‫بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية‪ ،‬وهو وسيلة قانونية تمكن املحاسب املكلف‬
‫بالتحصيل بصفة مباشرة من استخالص الضرائب والرسوم وغيرها من الديون املتمتعة‬
‫بامتياز الخزينة من يد مديني امللزمين بهذه الديون ‪ ،‬وذلك عن طريق توجيه إشعار لألغيار‬
‫الحائزين ملبالغ يملكها امللزمون من أجل الوفاء عن هؤالء في حدود ما ترتب في ذمتهم من‬
‫ديون عمومية‪ ،‬وقد يكون ألاغيار الذين يوجه إليهم إلاشعار من املحاسبين العموميين أو‬
‫املقتصدين أو املكترين وبصفة عامة كل الحائزين أو املدينين بمبالغ تعود أو ينبغي أن تعود‬
‫إلى املدينين بتلك الديون‪[19].‬‬
‫ولئن كان إلاشعار للغير الحائز هو بمثابة حجز لدى الغير‪ ،‬إال أنه سمي بذلك إلاسم تمييزا له‬
‫عن هذا ألاخير لكونه مخصص فقط لتحصيل الديون العمومية من يد الحائزين ألاغيار‪،‬‬
‫وهذا إلاجراء الذي هو من ضمن إجراءات التحصيل التي يقوم بها القابض ( املحاسب‬
‫املكلف بالتحصيل) ليس من مستجدات مدونة التحصيل‪ ،‬وإنما كان قائما قبل ذلك‬
‫حسب الفصل ‪ 32‬من ظهير ‪ 1935/18/21‬والذي يتبين من استقراء مقتضياته أنه يشبه‬

‫‪177‬‬
‫ما ورد في املادة ‪ 111‬من املدونة‪ ،‬إال أن الفروق تظهر على وجه الخصوص في الصياغة‪،‬‬
‫وهذا ش يء طبيعي ألن مستوى الصياغة أو باألحرى الترجمة إلى اللغة العربية املستعملة‬
‫سنة ‪ 1935‬ال يمكن أن تكون على نفس مستوى الصياغة املستعملة سنة ‪ ، 2111‬كما‬
‫جاءت املادة ‪ 111‬بمصطلح جديد وهو "إلاشعار للغير الحائز" الذي لم يستعمله من قبل‬
‫الفصل ‪ 32‬املذكور‪ ،‬وأتت املادة ‪ 112‬بش يء جديد أيضا والذي يتعلق بالنتائج املترتبة عن‬
‫إلاشعار للغير الحائز]‪ [20‬وهي " التسليم الفوري للمبالغ املوجودة في حوزة ألاغيار‪" "...‬‬
‫ويمتد مفعول هذ التسليم إلى الديون بأجل أو الديون املشروطة التي للمدين على ألاغيار‬
‫الحائزين املتابعين"‪.‬‬
‫وإذا قلنا بأن إلاشعار للغير الحائز هو بمثابة حجز لدى الغير مادام كل منهما يستهدف إلى‬
‫استيفاء الدين من يد ألاغيار‪ ،‬إال أنهما وإن كانا يتفقان مع بعضهما في املبدأ‪ ،‬فهما يختلفان‬
‫في إلاجراءات واملسطرة ‪ .‬فما هي إذن أوجه التشابه والخالف بينهما ؟‬
‫أوجه التشابه بين الحجز لدى الغير وإلاشعار للغير الحائز‪:‬‬
‫تتجلى أوجه التشابه بين الحجز لدى الغير وإلاشعار للغير الحائز في التماثالت التالية‪:‬‬
‫يتم في كل منهما استيفاء الدين املترتب في ذمة املحجوز عليه من مدين هذا ألاخير في‬ ‫·‬
‫حدود املبالغ التي يحوزها أو املدين بها‪ ،‬وهو من ألاغيار ألنه أجنبي عن عالقة املديونية‬
‫موضوع الدين املستهدف بهذا إلاجراء؛‬
‫يشترط في كل منهما أن يكون الدين ثابتا؛‬ ‫·‬
‫يشترط في كل منهما أن يكون الدين عبارة عن مبالغ مالية؛‬ ‫·‬
‫أطراف العالقة في إلاجراءين معا ثالثة وهم‪:‬‬ ‫·‬
‫الدائن بدين خصوص ي في الحجز لدى الغير وهو طالب هذا إلاجراء في حالة الحجز لدى‬ ‫‪-‬‬
‫الغير بناء على أمر قضائي‪ ،‬ومأمور التنفيذ في حالة الحجز لدى الغير بناء على سند‬
‫تنفيذي‪ ،‬والدائن بدين عمومي في إلاشعار للغير الحائز وهو املحاسب املكلف بالتحصيل‬
‫الذي يوجه هذا إلاشعار للغير؛‬
‫املحجوز عليه وهو املدين بدين خصوص ي في الحجز لدى الغير‪ ،‬وهو نفسه املدين بدين‬ ‫‪-‬‬
‫عمومي في إلاشعار للغير الحائز؛‬
‫الغير وهو املدين للمحجوز عليه الذي هو املدين بدين خصوص ي في الحجز لدى الغير ‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫واملدين بدين عمومي في إلاشعار للغير الحائز؛‬

‫‪178‬‬
‫· يستوفى الدين في كال إلاجراءين سواء كان دينا خصوصيا أو عموميا بطريقة غير مباشرة‬
‫من يد الغير وليس بطريقة مباشرة من يد املدين بإحدى هذين الدينين‪.‬‬
‫· يعتبر الحجز لدى الغير طريقا من طرق التنفيذ الجبري عندما يتعلق ألامر بسند تنفيذي‪،‬‬
‫كما يعتبر إلاشعار للغير الحائز طريقا من طرق تنفيذ ألامر بالتحصيل وهو سند تنفيذي‬
‫أيضا‪.‬‬
‫أوجه الخالف بين الحجز لدى الغير وإلاشعار للغير الحائز‪:‬‬
‫على الرغم من التشابه القائم بين الحجز لدى الغير وإلاشعار للغير الحائز الذي يتجلى‬
‫أساسا في املبدأ كما قلنا‪ ،‬فهما يختلفان عن بعضهما في زوايا متعددة نذكر من بينها ما يلي‪:‬‬
‫· يكون الحجز لدى الغير طبقا للفصل ‪ 191‬من قانون املسطرة املدنية إما بناء على أمر‬
‫قضائي يصدره رئيس املحكمة في إطار ألاوامر املبنية على طلب‪ ،‬أو بناء على سند تنفيذي في‬
‫إطار التنفيذ الجبري الذي يجريه مأمور التنفيذ ‪ ،‬أما إلاشعار للغير الحائز فال يلجأ إليه‬
‫املحاسب املكلف بالتحصيل إال إذا كان هناك فعال أمر بالتحصيل أي سند تنفيذي طبقا‬
‫للمادة ‪ 111‬من مدونة التحصيل‪ ،‬وبالتالي ال يتصور استصدار املحاسب املذكور أمرا‬
‫قضائيا من أجل القيام بهذا إلاجراء‪.‬‬
‫ال يمكن تنفيذ الحجز لدى الغير سواء تم بناء على أمر قضائي أو على سند‬ ‫‪‬‬

‫تنفيذي إال بسلوك مسطرة املصادقة على هذا الحجز طبقا للفصل ‪ 191‬من قانون‬
‫املسطرة املدنية]‪ ، [21‬أما إلاشعار للغير الحائز فإن تنفيذه يتم مباشرة من قبل‬
‫املحاسب املكلف بالتحصيل‪ ،‬ويترتب عن توجيه هذا إلاشعار إلى الغير الحائز وجوب‬
‫تسليم هذا ألاخير تسليما فوريا املبالغ املوجودة في حيازته( أو املدين بها للملزم) إلى‬
‫املحاسب املذكور وذلك طبق للمادة ‪ 112‬من مدونة التحصيل‪ ،‬وبالتالي فإن‬
‫إلاشعار للغير الحائز ال يحتاج لتنفيذه سلوك مسطرة املصادقة‪ .‬وبخصوص هذا‬
‫الفارق نود أن نبسط املالحظة التالية‪ :‬وهي أن كال من الحكم القضائي القابل‬
‫للتنفيذ وألامر بالتحصيل يعتبر سندا تنفيذيا‪ ،‬ومع ذلك نجد أن املشرع فرض‬
‫املصادقة على الحجز لدى الغير ولو تم بناء على سند تنفيذي‪ ،‬ولم يفرض هذه‬
‫املصادقة عند تنفيذ إلاشعار للغير الحائز‪ ،‬فإذا كان البد من إعطاء ألافضلية لألمر‬
‫بالتحصيل وذلك من خالل تمتيع الخزينة العامة بحق ألاولوية والامتياز عند تزاحم‬
‫الدائنين وذلك نظرا للدور الكبير والاستراتيجي الذي تلعبه في تمويل ميزانية‬

‫‪179‬‬
‫الدولة ]‪ ،[22‬فإن هذه ألافضلية ال يمكن أن تمارس على مستوى إلاجراءات‬
‫والضمانات التشريعية بين الحكم القضائي وألامر بالتحصيل نظرا لصبغة إلالزام‬
‫والرسمية التي يتمتعان بها معا‪ ،‬لذا فإننا ننادي مرة أخرى بتدخل املشرع من أجل‬
‫حذف مسطرة املصادقة على الحجز لدى الغير الذي يتم بناء على سند تنفيذي‬
‫مادام هذا إلاجراء يعتبر طريقا من طرق التنفيذ الجبري الذي ال يحتاج مرة أخرى إلى‬
‫تدخل القضاء من أجل إقرار الدين الذي بوشر الحجز من أجل استيفائه بعد أن تم‬
‫الحسم في النزاع املتعلق به‪.‬‬
‫ال يمكن املصادقة على الحجز لدى الغير الذي تم بناء على أمر قضائي‬ ‫‪‬‬

‫لضمان دين مقرون بأجل أو معلق على شرط‪ ،‬إال بعد حلول ألاجل أو تحقق‬
‫الشرط‪ ،‬وبالتالي فإن الحجز لدى الغير‪ ،‬وإن كان يصح أن يكون إجراء تحفظيا‬
‫بالنسبة للديون املؤجلة واملشروطة‪ ،‬فإنه ال يمكن في مثل هذه الحالة أن يكون‬
‫إجراء تنفيذيا‪ .‬أما إلاشعار للغير الحائز‪ ،‬فيترتب عنه التسليم الفوري للمبالغ‬
‫املوجودة في حوزة ألاغيار سواء كانت الديون املتعلقة بها ديونا حالة أو مؤجلة أو‬
‫مشروطة‪[23].‬‬
‫في الحجز لدى الغير سواء تم بناء على أمر قضائي أو بناء على سند تنفيذي‪،‬‬ ‫‪‬‬

‫يعقد رئيس املحكمة جلسة الاتفاق الودي على توزيع ألاموال املحجوزة يحضرها‬
‫جميع ألاطراف بمن فيهم الدائنون املسجلون في السجل املنصوص عليه في الفصل‬
‫‪ 193‬من ق‪.‬م‪.‬م‪ ،‬ويفض ي املحجوز بين يديه بتصريحه إلايجابي الذي يوضح مقدار‬
‫املبالغ املحجوزة ومدى كفايتها لتغطية الدين‪ ،‬أما في إلاشعار للغير الحائز‪ ،‬فإنه ال‬
‫وجود ملسطرة الاتفاق على توزيع ألاموال املحجوزة‪ ،‬مادامت الخزينة تتمتع من أجل‬
‫تحصيل ديونها بحق ألاولوية والامتياز عن سائر الدائنين‪ ،‬كما أن املشرع لم يلزم‬
‫الغير الحائز باإلدالء بتصريحه إلايجابي‪ ،‬بل لم يمكنه من إبداء أي مالحظة أو‬
‫تحفظ حول املبالغ التي تقرر بناء على إلاشعار املوجه إليه تسليمها للمحاسب‬
‫املكلف بالتحصيل سواء من حيث كفايتها لتغطية الدين العمومي أم ال ‪ ،‬أو من‬
‫حيث قابلية هذه املبالغ نفسها للحجز أم ال‪ ،‬أو من حيث كون الديون التي للمدين‬
‫على الغير الحائز ثابتة ومحسوم فيها‪ ،‬أم أنها مازالت محط نزاع بينهما‪.‬‬
‫طبيعة املنازعة في إلاشعار للغير الحائز‪:‬‬

‫‪181‬‬
‫هناك إشكالية قانونية تتمثل في تحديد طبيعة املنازعة في إلاشعار للغير الحائز‪ ،‬فهل هي‬
‫منازعة وقتية يختص بالنظر فيها قاض ي املستعجالت‪ ،‬أم هي منازعة موضوعية يرجع فيها‬
‫الاختصاص ملحكمة املوضوع ؟‬
‫من خالل محاولتنا التأصيلية لهذا املوضوع‪ ،‬سنحاول إلاجابة عن هذا التساؤل على النحو‬
‫التالي‪:‬‬
‫من املؤكد على أن إلاشعار للغير الحائز هو وسيلة قانونية تمكن املحاسب املكلف‬
‫بالتحصيل من تنفيذ الديون العمومية تنفيذا جبريا في مواجهة املدين بها‪ ،‬فهي بمثابة حجز‬
‫تنفيذي على أموال هذا ألاخير‪ ،‬ونحن نعلم بأن الحجز هو من بين املتابعات التي تدخل‬
‫ضمن سلم إجراءات التحصيل‪ ،‬فإذا نازع امللزم في هذا إلاجراء على اعتبار أنه إجراء باطل‬
‫من الناحية القانونية وطالب برفع إلاشعار للغير الحائز‪ ،‬فإن البت في النزاع يقتض ي‬
‫بالضرورة فحص وتقييم هذا إلاجراء للقول بمدى صحته أو بطالنه‪ ،‬وهو ما يضفي على‬
‫هذه املنازعة الطابع املوضوعي املحض نظرا ملساسها الكامل بجوهر الحق وبالتالي تكون‬
‫املحكمة إلادارية كمحكمة موضوع هي املختصة بالنظر فيها وليس قاض ي املستعجالت‪ ،‬على‬
‫اعتبار أن تلك املنازعة ال عالقة لها بالطابع الوقتي على الرغم من توفر عنصر الاستعجال في‬
‫املطالبة القضائية مادام هذا العنصر ليس هو الشرط الوحيد الذي ينعقد به اختصاص‬
‫قاض ي املستعجالت‪ ،‬وإنما هناك شرط آخر أساس ي وهو عدم املساس بما يمكن أن يقض ى‬
‫به في الجوهر طبق للفصل ‪ 152‬من قانون املسطرة املدنية‪ ،‬ولكن مع ذلك يمكن في نظرنا‬
‫أن ينعقد اختصاص القضاء الاستعجالي للبت في طلب رفع إلاشعار للغير الحائز في الحالة‬
‫التي تكون فيها املراكز القانونية لألطراف واضحة وال تحتاج إلى فحص هذا إلاشعار أو‬
‫تقييمه من الناحية املوضوعية‪ ،‬كأن يكون الدين العمومي موضوع إلاشعار للغير الحائز قد‬
‫تم تسديده مسبقا من قبل امللزم ولهذا ألاخير الدليل املثبت لذلك‪ ،‬فهنا يكون دور قاض ي‬
‫املستعجالت‪ ،‬هو معاينة أن إلاشعار للغير الحائز لم يعد له مبرر بعد أن تم تسديد الدين‬
‫الذي وجه ذلك إلاشعار تنفيذا له‪ ،‬كما يمكن لقاض ي املستعجالت أن يتدخل في صورة‬
‫أخرى وذلك من باب إرجاع الحالة إلى ما كانت إليه‪ ،‬بحيث يمكنه حتى يتحاش ى الخوض في‬
‫جوهر الحق‪ ،‬أن يكيف طلب رفع إلاشعار للغير الحائز املرفوع إليه‪ ،‬بإيقاف تنفيذ هذا‬
‫إلاجراء وذلك في حالة ما إذا كانت هناك حالة استعجال قصوى ال تتحمل الانتظار فيما لو‬
‫نظر في النزاع طبقا لإلجراءات العادية‪ ،‬كأن انصب الحجز موضوع إلاشعار املذكور على راتب‬

‫‪181‬‬
‫امللزم بأكمله أو على جزء منه يفوق ما هو مسموح بحجزه قانونا‪ ،‬فهنا يمكن أن يآمر قاض ي‬
‫املستعجالت بإيقاف إلاشعار للغير الحائز و بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه قبل إنجاز هذا‬
‫إلاجراء على الرغم من أن الطالب قدم طلبه على أساس رفع إلاشعار للغير الحائز‪.‬‬
‫وفي غير هذه الحاالت‪ ،‬فإنه في نظرنا ال يمكن لقاض ي املستعجالت أن يآمر برفع إلاشعار‬
‫للغير الحائز ملا في ذلك من مساس بجوهر الحق‪ ،‬فعلى اعتبار أن هذا إلاجراء هو حجز‬
‫تنفيذي فإنه ال يملك قاض ي املستعجالت القول ببطالنه وبالتالي ألامر برفعه‪.‬‬
‫وقد صدرت عدة قرارات عن الغرفة إلادارية باملجلس ألاعلى تسير في هذا الاتجاه منها القرار‬
‫الصادر بتاريخ ‪ 2113/15/15‬جاء فيه ما يلي‪ " :‬يعتبر الحجز لدى الغير ( إلاشعار للغير الحائز)‬
‫الذي أوقعه القابض إجراء من إجراءات التحصيل‪ ،‬وأن القول بعدم تطابقه مع القانون‪،‬‬
‫يشكل منازعة موضوعية تمس بجوهر الحق الذي يخرج عن نطاق اختصاص قاض ي‬
‫املستعجالت‪ ،‬وأن ألامر املستأنف حينما اعتبر الحجز املذكور مخالفا للمادة ‪ 353‬من مدونة‬
‫التجارة وقض ى برفعه على هذا ألاساس‪ ،‬يكون قد تجاوز حدود اختصاص قاض ي‬
‫املستعجالت نظرا ملساسه بجوهر الحق‪ ،‬فيكون بذلك غير مصادف للصواب ويتعين إلغاؤه‬
‫والتصريح من جديد بعدم اختصاص قاض ي املستعجالت للبت في الطلب‪[24]".‬‬
‫وجاء في قرار مماثل صدر بتاريخ ‪ 2113/13/21‬ما يلي ‪ " :‬إن مناط انعقاد اختصاص قاض ي‬
‫املستعجالت‪ ،‬هو توفر عنصر الاستعجال في النازلة وعدم املساس بما يمكن أن يقض ى به في‬
‫الجوهر‪ ...‬إن طلب رفع إلاشعار للغير الحائز هو طلب يشكل منازعة موضوعية تقتض ي‬
‫النظر في مدى مشروعية إجراء التحصيل املتخذ من قبل القابض‪ ،‬وهو بذلك يخرج عن‬
‫نطاق اختصاص قاض ي املستعجالت ملساسه بجوهر الحق‪[25]" .‬‬
‫إال أن الغرفة إلادارية باملجلس ألاعلى سبق لها أن سارت من قبل في اتجاه مخالف معتبرة‬
‫بأن " قاض ي ألامور املستعجلة يختص بالنظر في طلب رفع حجز ما للمدين لدى الغير (‬
‫إلاشعار للغير الحائز ) باعتباره طلبا يكتس ي طابع الاستعجال وال يتعلق باملنازعة في املوضوع‬
‫‪ [26] ".‬وهذا الاتجاه في نظري وإن أمكن مسايرته عندما تكون املراكز القانونية لألطراف‬
‫واضحة – كما سبق الذكر – بشرط إعادة تكييف الطلب على أساس إيقاف تنفيذ إلاشعار‬
‫للغير الحائز ‪ ،‬فإنه ال يمكن في نظرنا أخذه كقاعدة وتعميمه على جميع الحاالت‪ ،‬وإال فإنه‬
‫سيفض ي إلى تحميل مؤسسة قاض ي املستعجالت أكثر مما تحتمله بمقتض ى القانون‪ ،‬ذلك‬

‫‪182‬‬
‫تغليب عنصر الاستعجال ال يمكن أن يكون على حساب العنصر الاخر الذي ينعقد به‬
‫اختصاص قاض ي املستعجالت وهو عدم املساس بما يمكن ان يقض ى به في الجوهر‪.‬‬
‫هل يخضع إلاشعار للغير الحائز لتدرج املتابعات ؟‬
‫إذا سلمنا بأن إلاشعار للغير الحائز يدخل في إطار إجراءات التنفيذ الجبري املباشرة ضد‬
‫امللزم‪ ،‬وهو –كما قلنا‪ -‬حجز تنفيذي‪ ،‬فإنه ال يمكن للقابض سلوك هذا إلاجراء في أي‬
‫مرحلة من مراحل مسطرة التحصيل‪ ،‬بل ال بد ان يخضعه للتسلسل الترتيبي للمتابعات‬
‫املنصوص عليه في املادة ‪ 39‬من مدونة التحصيل‪ ،‬وبالتالي يكون باطال كل إشعار للغير‬
‫الحائز يوجهه املحاسب املكلف بالتحصيل قبل توجيهه إنذارا قانونيا للملزم مادام الحجز‬
‫يأتي في املرحلة الثانية بعد إلانذار‪ .‬ومن جهة أخرى فإنه ال يمكن للمحاسب املذكور سلوك‬
‫إلاجراء املتعلق باإلشعار للغير الحائز من أجل تحصيل دين عمومي إذا أمكنه تحصيل الدين‬
‫بوسيلة قانونية أخرى تغني عن هذا إلاجراء‪ ،‬وفي هذا املعنى صدر قرار عن الغرفة إلادارية‬
‫باملجلس ألاعلى بتاريخ ‪ 2113/11/19‬جاء فيه " بأنه إذا كان بإمكان شركة القرض الفالحي‬
‫للمغرب بناء على املادة ‪ 15‬من القانون رقم ‪ 15/99‬بتاريخ ‪ 2113/11/11‬املتعلق بإصالح‬
‫القرض الفالحي مواصلة تحصيل مبالغ القروض املمنوحة من لدن الصندوق الوطني‬
‫للقرض الفالحي قبل تحويلها إلى شركة مساهمة وفقا للتشريع املتعلق بتحصيل الديون‬
‫العمومية ‪ ،‬فإنه ال يمكن لتلك الشركة استخالص الدين العمومي عن طريق سلوك‬
‫مسطرة الحجز لدى الغير إال بعد استنفاد مسطرة تحقيق الرهن املنصب مسبقا على‬
‫عقارات املدين وحصول عدم كفاية الضمانات الرهنية لتغطية مجموع الدين‪[27] ".‬‬
‫خاتمة ‪:‬‬
‫من خالل هذه املحاولة التأصيلية ملوضوع املقاربة واملفارقة بين الحجز لدى الغير وإلاشعار‬
‫للغير الحائز ألاول من أجل إلاجبار على تنفيذ الديون الخصوصية طبقا لقانون املسطرة‬
‫املدنية‪ ،‬والثاني من أجل إلاجبار على تنفيذ الديون العمومية طبقا ملدونة التحصيل ‪،‬‬
‫يتضح فعال بأن هذين إلاجراءين وإن كانا يتحدان في استخالص الدين من يد الغير عن‬
‫طريق الحجز على أموال املدين‪ ،‬إال أنهما يختلفان عن بعضهما في إلاجراءات املسطرية‪ ،‬فهي‬
‫وإن كانت سهلة وميسرة بالنسبة لإلشعار للغير الحائز كإجراء يباشره املحاسب املكلف‬
‫بتحصيل الديون العمومية‪ ،‬فهي طويلة ومعقدة بالنسبة للحجز لدى الغير الذي يباشره‬
‫مأمور التنفيذ لتنفيذ ديون خصوصية عند وجود سند تنفيذي ‪ ،‬فإن كانت املصلحة‬

‫‪183‬‬
‫العامة تقتض ي تفضيل الديون العمومية على الديون الخصوصية‪ ،‬فإن هذه املفاضلة في‬
‫نظرنا يجب أن تبقى في حدود ألاولوية والامتياز التي تتمتع بها ديون الخزينة والديون‬
‫العمومية بوجه عام‪ ،‬دون أن تتعداها إلى إلاجراءات املسطرية التي تمثل الضمانات‬
‫ألاساسية ألصحاب الحقوق سواء منهم إلادارة أو ألافراد‪ ،‬لذا فإننا نأمل تدخل املشرع من‬
‫أجل حذف مسطرة املصادقة على الحجز لدى الغير حينما يتم إنجاز هذا ألاخير بناء على‬
‫سند تنفيذي وهو الحكم القضائي القابل للتنفيذ الذي ال فرق بينه وبين ألامر بالتحصيل‬
‫من حيث الصبغة الرسمية وقوة إلالزام التي يتمتع بها كل منهما‪.‬‬

‫]‪ -[1‬ينص الفصل ‪ 194‬من قانون المسطرة المدنية على ما يلي‪ " :‬يتم حجز ما للمدين لدى الغير بناء‬
‫على سند تنفيذي أو بأمر يصدره رئيس المحكمة االبتدائية بناء على طلب بشرط الرجوع إليه عند‬
‫الحاجة"‪.‬‬
‫]‪ - [2‬ينص الفصل ‪ 144‬من ق‪.‬م‪.‬م على انه " يمكن لكل دائن ذاتي أو اعتباري يتوفر على دين ثابت‬
‫إجراء حجز بين يدي الغير بإذن من القاضي على مبالغ ومستندات لمدينه والتعرض على تسليمها له"‬
‫]‪ - [3‬في فرنسا ظلت محكمة النقض موزعة الرأي بين الطابع التنفيذي والطابع التحفظي للحجز لدى‬
‫الغير حقبة طويلة من الزمن‪ ،‬إلى أن صدر قرار بتاريخ ‪ 4444/14/41‬تبنى موقفا يضفي على الحجز‬
‫لدى الغير طابعا مختلطا‪ ،‬فهو إجراء تحفظي في إجراءاته األولى وينقلب إلى إجراء تنفيذي بعد ذلك ‪( ..‬‬
‫للمزيد من التوسع أنظر كتاب " طرق التنفيذ " لألستاذ جان فانسان – ساسلة دالوز ص ‪)414‬‬
‫]‪ - [4‬إما رئيس المحكمة االبتدائية أو التجارية أو اإلدارية حسب نوعية الدين الذي سيكون الحجز لدى‬
‫الغير ضامنا له‪.‬‬
‫]‪ -[5‬هناك إمكانية منحها المشرع المصري للمدين منصوص عليها في المادة ‪ 154‬من قانون المرافعات‬
‫للمطالبة بما يسمى " بعدم االعتداد بالحجز لدى الغير" يتقدم بها إلى قاضي التنفيذ بصفته قاضيا‬
‫للمستعجالت الذي يمكنه من خالل األمر الذي يصدره اإلذن للمحجوز عليه في قبض دينه من المحجوز‬
‫لديه وذلك في األحوا ل التالية‪ :‬إذا وقع الحجز بغير سند تنفيذي أو حكم أو أمر – إذا لم يبلغ الحجز إلى‬
‫المحجوز عليه في الميعاد‪ -‬إذا لم ترفع الدعوى بصحة الحجز في الميعاد في المادة ‪ 111‬من نفس القانون‬
‫( راجع في هذا الشأن المجلد الثاني من قضاء األمور المستعجلة للدكتور محمد علي راتب ص ‪) 4141‬‬
‫]‪ - [6‬من الناحية العملية يستحسن تبليغ محضر الحجز لدى الغير إلى المحجور لديه قبل المحجوز عليه‬
‫حتى ال يبادر هذا األخير إلى سحب ما سيتم حجزه من مبالغ مالية من يد المحجوز بين يديه الذي قد ال‬
‫يكون عالما وقته بواقعة الحجز‪.‬‬
‫]‪ -[7‬وهو إما رئيس المحكمة االبتدائية أو اإلدارية أو التجارية أي رئيس المحكمة التي يتم تنفيذ الحجز‬
‫لدى الغير لديها‪.‬‬
‫]‪ -[8‬وهذا الجزاء يتمثل في الحكم على المجوز لديه حكما قابال للتنفيذ بأداء االقتطاعات التي لم تقع‬
‫والمصاريف وذلك طبقا للفقرة الرابعة من الفصل ‪ 191‬من ق‪.‬م‪.‬م‬

‫‪184‬‬
‫]‪ - [9‬إن هذا اإلجراء غير وارد في قانون المسطرة المدنية وإنما ورد في ورقة العمل التي أعدتها اللجينة‬
‫( التي كان لي شرف المشاركة في عضويتها) المنبثقة عن اجتماع اللجنة القضائية التي تشرف عليها‬
‫مديرية الشؤون المدنية بوزارة العدل بتاريخ ‪ 0110/10/10‬وذلك من أجل وضع حد للخالف والتباين في‬
‫التطبيق بين مختلف محاكم المملكة بالنسبة لمسطرة المصادقة على الحجز لدى الغير بسبب ما يكتنفها من‬
‫لبس وغموض‪ ،‬وقد وجهت مذكرة وزارية بهذا الخصوص إلى كافة السادة رؤساء المحاكم لالستعانة بها‬
‫بعد المصادقة عليها من طرف اللجنة القضائية التي كانت تضم في عضويتها عددا من الرؤساء األولين‬
‫لمحاكم االستئناف والوكالء العامين ونقباء من عدة هيئات للمحامين باإلضافة إلى رئيس جمعية هيئات‬
‫المحامين بالمغرب‪.‬‬
‫]‪ - [10‬وفي هذا المعنى يتم الحجز لدى الغير بناء على سند تنفيذي أمام المحكمة الجاري التنفيذ أمامها‬
‫التي قد تكون نفس المحكمة المصدرة للحكم موضوع التنفيذ ( أي الصادر عنها السند التنفيذي ) أو محكمة‬
‫اإلنابة وهي المحكمة التي عهد إليها بتنفيذ اإلنابة القضائية الموجهة إليها من قبل المحكمة المصدرة للحكم‬
‫المقدم طلب التنفيذ أمامها‪.‬‬
‫]‪ - [11‬أنظر بحث ذ‪ /‬عبد هللا الشرقاوي حول " الحجز لدى الغير " المنشور بمجلة القضاء والقانون عدد‬
‫‪ 401‬السنة ‪ 4914‬ص‪10‬‬
‫]‪ -[12‬لقد جاء في كتاب " إشكاالت التنفيذ ومنازعات الحجز " للمستشار أنورطلبة ( المكتب الجامعي‬
‫الحديث – األسكندرية ) الطبعة سنة ‪ 0110‬ما يلي ‪ ":‬إن دعوى رفع الحجز هي دعوى تنفيذ موضوعية‬
‫شأنها في ذلك شأن باقي دعاوى التنفيذ الموضوعية وترمي إلى إزالة اآلثار التي رتبها الحجز فيعود‬
‫المحجوز عليه والمحجوز لديه إلى ما كانا عليه قبل توقيعه‪".‬‬
‫]‪ - [13‬أما في حالة وجود دعوى سبق أن تقدم بها طالب الحجز تتعلق بالمطالبة بالدين فهنا ال جدوى من‬
‫تقديم دعوى المصادقة على الحجز لدى الغير ما دامت محكمة الموضوع لم تحسم في مسألة الدين بحكم‬
‫نهائي‬
‫]‪ - [14‬تنص المادة ‪ 111‬من قانون المرافعات المصري على أنه " في األحوال التي يكون فيها الحجز‬
‫بأمر من قاضي التنفيذ‪ ،‬يجب على الحاجز خالل ثمانية ايام ‪ ...‬أن يرفع أمام المحكمة المختصة ( محكمة‬
‫الموضوع) الدعوى بثبوت الحق وصحة الحجز وإال اعتبر الحجز كأن لم يكنن ‪ ،‬وإذا كانت دعوى الدين‬
‫مرفوعة من قبل أمام محكمة أخرى قدمت دعوى صحة الحجز إلى نفس المحكمة لتنظر فيهما معا" وورد‬
‫في كتاب المستشار أنور طلبة – المرجع السابق – ص ‪ 500‬أنه " يمكن للدائن توقيع حجز ما للمدين لدى‬
‫الغير دون حاجة الستصدار أمر بذلك من قاضي التنفيذ إذا كان بيده سند تنفيذي وكذا بدون حاجة إلى‬
‫تقديمه لدعوى المصادقة على الحجز‪"..‬‬

‫]‪ -[15‬قرار عدد ‪ 550‬بتاريخ ‪ ( 4991/15/00‬منشورات المجلس األعلى في ذكراه األربعين ص‪) 111‬‬
‫]‪ - [16‬يصدر رئيس المحكمة عند المصادقة على الحجز لدى الغير حكما وليس أمرا حسب الصيغة‬
‫الواردة في الفصل ‪ 191‬من ق‪.‬م‪.‬م وهو ما يؤكد على أن اختصاصه هنا يختلف عن اختصاصه كقاض‬
‫للمستعجالت الذي يصدر في هذه الحالة أوامر وليس أحكاما ‪ ،‬ويترتب على ذلك أن أجل استئناف حكم‬
‫المصادقة على الحجز لدى الغير المبني على سند تنفيذي الصادر عن رئيس المحكمة هو ‪ 11‬يوما وليس‬
‫أجل ‪ 45‬يوما الخاص باستئناف األوامر االستعجالية وذلك طبقا للفقرة الخامسة من الفصل ‪ 191‬من ق‪.‬م‪.‬م‬
‫التي تنص على أنه يقع تنفيذ الحكم الذي يصدره رئيس المحكمة في مواحهة المحجوز لديه الذي لم يحضر‬
‫جلسة االتفاق الودي ولم يدل بتصريحه اإليجابي بمجرد انتهاء اجل االستئناف وفقا للفصل ‪ 104‬من هذا‬
‫القانون‪.‬‬
‫]‪ - [17‬قرار منشور بمنشورات المجلس العلى في ذكراه األربعين ( المرجع السابق )‬
‫]‪ - [18‬قرار عدد ‪ 4414‬صدر عن الغرفة التجارية بتاريخ ‪ 0111/41/41‬في الملف التجاري عدد‬
‫‪ 0111/495‬منشور بمجلة القضاء والقانون العدد‪ 01‬ص ‪404‬‬

‫‪185‬‬
‫]‪ - [19‬تنص المادة ‪ 414‬من مدونة التحصيل على ما يلي ‪ " :‬يتعين على المحاسبين العموميين‬
‫والمقتصدين والمكترين وكل الحائزين أو المدينين اآلخرين بمبالغ يملكها أو ينبغي أن تعود لفائدة الملزمين‬
‫بالضرائب والرسوم والديون األخرى المتمتعة بامتياز الخزينة أن يدفعوا وفاء عن الملزمين بناء على‬
‫طلب المحاسب المكلف بالتحصيل على شكل إشعار للغير الحائز األموال التي يحوزها أو التي يدينون بها‬
‫وذلك في حدود المبالغ الواجبة على هؤالء الملزمين ‪.‬‬
‫ويخضع لالتزامات المشار إليها في الفقرة األولى من هذه المادة مسيرو الشركات أو متصرفوها أو‬
‫مديروها بصفتهم أغيارا حائزين‪".‬‬
‫]‪ - [20‬األستاذان عبد اللطيف العمراني و مراد الخروبي في كتابهما " اإلصالح الجديد في ميدان تحصيل‬
‫الضرائب والديون العمومية " منشورات المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية – سلسلة مواضيع‬
‫الساعة العدد ‪ 00‬السنة ‪ 0111‬ص ‪415‬‬
‫]‪ - [21‬أنظر في هذا البحث مسطرة المصادقة على الحجز لدى الغير باء على أمر قضائي وكذا مسطرة‬
‫المصادقة على الحجز لدى الغير بناء على سند تنفيذي‬
‫]‪ -[22‬األستاذان عبد اللطيف العمراني ومراد الخروبي – المرجع السابق ص‪.411‬‬
‫]‪ - [23‬تنص الفقرة األخيرة من المادة ‪ 410‬من مدونة التحصيل على ما يلي ‪" :‬يمتد مفعول هذا التسليم‬
‫إلى الديون بأجل أو الديون المشروطة التي للمدين على األغيار المتابعين "‪.‬‬
‫]‪ - [24‬قرار عدد ‪ 119‬بتاريخ ‪ 0110/15/45‬في الملف رقم ‪ ( 0111/0/1/4114‬غير منشور)‬
‫]‪ -[25‬قرار عدد ‪ 510‬بتاريخ ‪ 0110/10/04‬في الملف رقم ‪0111/0/1/054‬‬
‫]‪ - [26‬قرار صدر عن الغرفة اإلدارية بالمجلس األعلى بتاريخ ‪ 0111/11/41‬تحت عدد ‪ 450‬في الملف‬
‫اإلداري رقم ‪ ( 0110/0/1/0441‬منشور في كتاب " المنازعات الجبائية المتعلقة بربط وتحصيل‬
‫الضريبة أمام القضاء اإلداري ذ‪ /‬محمد القصري – منشورات المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية‪-‬‬
‫ص ‪140‬‬
‫]‪ -[27‬منشور بمجلة القضاء والقانون عدد‬

‫‪186‬‬
‫مؤسسة القيم في قانون المسطرة المدنية بين التأصيل والتفعيل واإللغاء‬ ‫‪-21‬‬
‫في إطار الخطوات الجريئة التي يمليها إصالح منظومة العدالة ببالدنا‪ ،‬تم اقتراح تعديل‬
‫الفقرة ‪ 2‬من الفصل ‪ 39‬من قانون املسطرة املدنية بشأن إمكانية تعيين قيم من قبل‬
‫القاض ي إذا تعذر استدعاء طرف في الدعوى بسبب عدم العثور عليه بموطنه أو بمحل‬
‫إقامته‪ ،‬حيث تتجه مسودة املشروع إلاصالحي إلى نية إلالغاء الكلي ملسطرة القيم التي ثبت‬
‫تواضع تجربتها في حل هذه إلاشكالية‪ .‬على‬

‫أن ما يهمنا في هذه املداخلة ليس إلاشادة بالقيمة الحقوقية وإلاجرائية ملؤسسة القيم التي‬
‫تناولها البحث بما فيه الكفاية‪ ،‬ولكن يهمنا فقط التأكيد على تجذرها في ثقافتنا التشريعية‬
‫بشكل أسهم في فك مالبسات تخلف أطراف الدعوى عن حضور الجلسات‪ ،‬الش يء الذي‬
‫يحملنا على طرح التساؤل التالي‪ :‬أال يمكن القول بأن تأصيل مؤسسة القيم وتفعيلها أولى‬
‫‪.‬من اقتراح إلغائها باملرة؟‬

‫أوال‪ -‬التعريف بمؤسسة القيم في قانون املسطرة املدنية‬

‫لم يصغ املشرع املغربي مفهوما محددا ملؤسسة القيم في قانون املسطرة املدنية‪ ،‬وإنما‬
‫اعتمد منهجية في توصيف مهامها بكيفية تفض ي مراجعتها إلى تبين املفهوم وإدراك مالمحه‬
‫وأبعاده؛ إذ بإمكان املستقرئ امللملم لعناصر هذا التوصيف أن يبلور مفهوما محددا‬
‫للمؤسسة‪ ،‬وخيرا فعل املشرع‪ ،‬فترسيم املفاهيم شأن ال يدخل في دائرة اختصاصه‪ .‬تتبع‬
‫هذا التوصيف يفض ي إلى القول بأن مؤسسة القيم هي إدارة جماعية إلجراء تعذر على‬
‫املحكمة إعالم الشخص املعني به بسبب عدم العثور عليه؛ فهي تدبير وتسيير جماعي يمثله‬
‫فريق متكامل( القاض ي ‪ /‬كاتب الضبط ‪ /‬النيابة العامة ‪ /‬السلطة املحلية )‪ ،‬وال يقتصر على‬
‫فرد واحد يدعى القيم كما جرت العادة بشكل س يء‪ ،‬وموضوعها هو إجراء معين يصب في‬
‫مصلحة طرف تعذر تبليغه به نظرا لجهل املحكمة بعنوانه الصحيح‪ ،‬وال نتصور أن يكون‬

‫‪187‬‬
‫جهل املحكمة بعنوان أحد ألاطراف مبررا إللغاء مسطرة القيم حتى ولو كان السبب في هذا‬
‫‪.‬الجهل هو عدم قدرة الطرف الحاضر على إلادالء بالعنوان الصحيح لخصمه الغائب‬

‫فمن أهم املبادئ التي تنهض عليها صحة الدعوى‪ ،‬استدعاء املحكمة للخصوم ليواجه‬
‫بعضهم بعضا وليكشفوا عما تقوم عليه ادعاءاتهم من حجج ومستندات‪ ،‬والخطوة ألاولى‬
‫لوضع الدعوى في مسارها السليم تبدأ من استدعاء الخصوم إلى املواجهة البينية تحت نظر‬
‫القضاء‪ ،‬وما لم يحصل هذا الاستدعاء فال سبيل للحديث عن قيام حالة التقاض ي مبدئيا‪،‬‬
‫ولذلك ال يجوز للمحكمة أن تنظر في ادعاء خصم ما‪ ،‬ما لم تستدع من وجه ضده هذا‬
‫الادعاء ليسمعه ويبدي أوجه دفاعه فيه‪ ،‬وكذلك ال يجوز لها أن تسمع خصما دون‬
‫مواجهة خصمه أو على ألاقل دون دعوته لهذه املواجهة‪ ،‬وال أن تقبل ورقة أو مذكرة من‬
‫طرف دون اطالع الطرف آلاخر عليها‪ ،‬وفي جميع ألاحوال ال يترتب على إعمال هذا املبدأ‬
‫استحالة الخصومة بين حاضر وغائب وجه إليه استدعاء صحيح للمثول أمام القضاء‪،‬‬
‫لذلك كانت مؤسسة القيم بديال إجرائيا وحقوقيا ليس فقط لضمان حق الغائب في عدالة‬
‫موازية‪ ،‬ولكن أيضا لضمان حق الحاضر في التقاض ي ولو كان جاهال بعنوان خصمه‪،‬‬
‫فكيف نصادر هاذين الحقين بإلغاء مؤسسة القيم ملجرد الجهل بعنوان أحد أطراف‬
‫‪.‬الدعوى؟‬

‫ثانيا‪ -‬أصالة مؤسسة القيم في الثقافة التشريعية املغربية‬

‫القيم في التشريع العربي عامة واملغربي خاصة مصطلح أصيل في الثقافة والتشريع‬
‫العربيين‪ ،‬وتأويل ذلك حسب اعتقادنا املتواضع يؤول إلى أن استمرار التالوة القرآنية‬
‫املتوالية عبر العصور‪ ،‬وما كان يواكبها من رجوع مستمر إلى ألامهات من مصادر التفسير‬
‫والحديث ومراجع اللغة والتشريع‪ ،‬كل ذلك خلق مجاال تداوليا واسعا للكثير من املفاهيم‬
‫‪.‬إلاسالمية التي مارست حضورا قويا في الاصطالحات الفقهية والتشريعية‬

‫ذلك أنه عندما نحاول الجمع بين مدلوالت مصطلح القيم سواء على صعيد املنظومة‬
‫الفقهية أو على صعيد املنظومة القانونية‪ ،‬نلفي املنظومتين في توظيفهما لهذا املصطلح‪،‬‬

‫‪188‬‬
‫التزمتا بالوفاء للمدلول اللغوي كقاعدة مشتركة تقاطعت فيها مختلف الدالالت الاشتقاقية‬
‫لكلمة القيام؛ فلفظة القيام هاته بما تحدثه في النفس من إيحاءات متعددة‪ ،‬كالوقوف‬
‫والنهوض والتعهد والعزم والحفاظ والرعاية واللزوم والثبات والانتصاب وغيرها‪ ،‬ما فتئت‬
‫هي اللفظة املركزية التي تمثل جدعا مرجعيا أصليا ترتد إليه كل املعاني املتفرعة عن كلمة‬
‫” قام ” بحموالت داللية تبدو من أول وهلة أنها مختلفة بيد أنها عكس ذلك؛ وقد وفق‬
‫املشرع املغربي في توظيف هذه إلايحاءات بكيفية أعطت ملصطلح القيم مفهوما موسعا‬
‫جعل مؤسسة القيم تشمل مجاالت تتجاوز مجرد البحث عن الطرف املتغيب في الدعوى‪،‬‬
‫لتغطي مجاالت عدة تتصل باإلدارة والتسيير واملالية وتصريف ألاعمال ضمن دائرة‬
‫إلاجراءات القضائية‪ ،‬الش يء الذي منح هذه املؤسسة بعدا وظيفيا يبدو أكثر إثراء لها من‬
‫‪.‬مجرد التركيز على بعدها الشكلي‬

‫إن مسألة الترابط اللفظي بين مفهوم القيم كما تداولته املراجع التراثية في أدبيات الفقه‬
‫إلاسالمي‪ ،‬وبين مفهوم الوكيل أو القيم كما صيغ في قانون املسطرة املدنية‪ ،‬لم يأت عبثا أو‬
‫نتيجة لتصدع الجهاز املفاهيمي في قاموس الاصطالحات إبان مرحلة التأسيس لقانون‬
‫املسطرة املدنية الحديث‪ ،‬بل على العكس من ذلك؛ كانت املرحلة تؤرخ النتقال تشريعي‬
‫هام في القانون املغربي الذي له صلة وثيقة بالعدالة والقضاء‪ ،‬حيث دونت فيها الكثير من‬
‫النصوص املوضوعية واملسطرية التي ما يزال جلها ساري املفعول حتى آلان‪ .‬إال أن ما يسم‬
‫تلك املرحلة بشكل خاص‪ ،‬وهو ما يهمنا التنبيه إليه في سياق الدفاع عن مؤسسة هو‬
‫حضور الثقافة الفقهية إلاسالمية التي كان ينعشها التصاق النظرية الفقهية بتفاصيل‬
‫الواقع وجزئياته‪ ،‬فكان من الطبيعي أن تتبوأ بعض املفاهيم التقليدية مكانة الئقة ضمن‬
‫‪.‬مجموعة من القوانين إلاجرائية‬

‫ولهذا لم يشكل مصطلح القيم ضمن الترسانة القانونية‪ -‬ومنها قانون املسطرة املدنية‪-‬‬
‫وضعا نشازا بالنظر لحمولته القوية التي تكتسح القواعد إلاجرائية والقواعد املوضوعية‬
‫على حد سواء‪ .‬العامل الذي يحملنا على الاقتناع بأن امتداد مفهوم القيم كما ورد في إطار‬
‫املوجهات اللغوية والثقافية‪ ،‬هو نفس الامتداد الذي ظل يرخي بظالله على مؤسسة القيم‬
‫في قانون املسطرة املدنية‪ ،‬من أجل إقامة الحجة وتوفير الحق والعدل باالنتصاب الدائم‬

‫‪189‬‬
‫لحماية حقوق الغائبين معنى ( الصغار واملحاجير والبله واملجانين ) أو الغائبين حسا (‬
‫منقطعو ألاثر والخبر )؛ وظيفة من هذا النوع وبهذا الشكل‪ ،‬تجعل من أسندت إليه صفة‬
‫القيم داخل الجهاز إلاداري لهذه املؤسسة‪ ،‬ليس مجرد قائم بها أو عليها فقط‪ ،‬وإنما قيما‬
‫بصيغة املبالغة التي ال تخلو من داللة الاستقامة والعدل والاعتدال‪ .‬ومفهوم الاستقامة‬
‫والعدل والاعتدال في تدبير ألامور ظلت قائمة في تصور املشرع ملؤسسة القيم باعتبار أنها‬
‫تقيم التوازن بين مدع حاضر ومدعى عليه غائب‪ ،‬بين حاضر حامل لحجته وغائب ال ندري‬
‫‪.‬ما حجته‬

‫إن أول ما يثير اهتمام الباحث في تأصيل مصطلح القيم عبر استعماالته املتعددة في‬
‫التراث الثقافي عامة والقانوني خاصة‪ ،‬هو أن هذا الاصطالح انتقل من فضاء أدبي وديني إلى‬
‫فضاء فقهي عملي متصل بتدبير الحياة اليومية للمجتمع والناس‪ ،‬وظلت رغبة الفقهاء‬
‫قائمة في أن يحافظ املفهوم على مضمونه ألاخالقي املتأسس على التدبير الحكيم والنزاهة‬
‫والاستقامة في رعاية الحقوق‪ ،‬بيد أن احتكاك التشريعات إلاسالمية بالتشريعات الغربية‬
‫الالتينية‪ ،‬وما واكب هذا الاحتكاك من تفاعل غير متكافئ بين طرف ضعيف مثلته الدول‬
‫العربية إلاسالمية في عهد الانحطاط‪ ،‬وطرف قوي قادم من الغرب الاستعماري يعد‬
‫بالحماية والحضارة‪ ،‬ترتب عنه إفراغ املصطلح من مضمونه التعبدي القائم على الاستقامة‬
‫وحفظ التوازنات واملثل الكونية‪ ،‬والتي منها استقامة السلوك البشري في اتجاه تناغمه مع‬
‫استقامة الفيزياء الطبيعية واملثالية املنظمة لقوانين الحياة‪ ،‬فتغلغل املفاهيم الاستعمارية‬
‫وما تأسست عليه من نزوع مادية أدى إلى تطويق شمولية املصطلح لتجده أجيالنا الحالية‬
‫عبارة عن مهمة إجرائية بسيطة وخالية من موجهات الضمير الذي يحول دون العبث بها‪،‬‬
‫وهذا أمر طبيعي فالباحث عن املصدر الذي استمدت منه مسطرة القيم إجراءاتها في قانون‬
‫املسطرة املدنية‪ ،‬يجد جانبا من الفقه املعاصر يميل إلى القول بأن مقتضياتها إنما “هي‬
‫ترديد لنفس املقتضيات التي نص عليها ظهير ‪ 1921/1/22‬الذي أحدث مؤسسة القيم في‬
‫ظل القانون إلاجرائي القديم‪ ،‬والتي تم اقتباس أحكامها من مقتضيات الفصل ‪ 39‬من‬
‫القانون الفرنس ي لإلجراءات”‪ ،‬علما بأن فلسفة التشريع تتطلع باستمرار إلى النظر فيما هو‬
‫أعمق من مجرد إلاجراءات في صيغتها املادية‪ ،‬كما أن الفقيه الحقوقي مدعو إلى إزالة‬
‫الحواجز بين القانون وبين باقي العلوم إلانسانية لتحصيل املعرفة بالقانون في صورته‬

‫‪191‬‬
‫الكلية‪ .‬وقد كان من نتائج النظرة الضيقة ملفهوم القيم أن وقع ما يمكن تسميته باالنفصام‬
‫الاصطالحي الذي انعكس سلبا على نسق ألافكار القانونية وتناغمها وانسجامها‪ ،‬فأصبح‬
‫القيم موظف جامد ال يقوم إال بإجراء شكلي إجوف غالبا ما تختصره عبارة التالية‪:‬‬
‫للمحكمة املوقرة واسع النظر في اتخاذ ما تراه مناسبا‪ ،‬وذلك في غياب إلاحساس باملسؤولية‬
‫في حماية حقوق الغائب بنوع من إلاخالص والتفاني املوغل في الشعور باإلحسان الذي‬
‫تفتقر إليه جل املمارسات إلاجرائية ملؤسسة القيم في املحاكم املغربية‪ ،‬ولكن هل هذا‬
‫الوضع املتمثل في انحراف مؤسسة القيم عن مفهومها التشريعي ألاصيل وعن وظيفتها‬
‫‪.‬الحقوقية والانسانية كاف لتبرير مقترح إلغائها بدال من تأصيلها وتفعيلها؟‬

‫ثالثا‪ -‬مؤسسة القيم ضمانة لفك مالبسات الغياب‬

‫اعتمدت مؤسسة القيم في التشريع املغربي كآلية لفك مالبسات الغياب الذي يطرأ على‬
‫خصوم الدعوى أو على أحدهم بشكل يترتب عنه صعوبة انسياب إلاجراءات القضائية‬
‫بسالسة‪ ،‬لذلك فهي ضمانة افتراضية تستهدف إيصال الحقوق إلى مستحقيها بالكيفية التي‬
‫يمليها منطق العدالة‪ ،‬وإعمال هذه آلالية قرينة قوية على حسن سير العدالة وعلى حسن‬
‫نية الخصوم والقضاء نفسه في عدم اقتضاء الحقوق خارج املنطق الذي تفرضه العدالة‬
‫‪.‬بين املتقاضين‬

‫ومن هذا املنطلق ألفينا مؤسسة القيم تستغرق كافة مراحل التقاض ي ابتدائيا واستئنافيا‬
‫وحتى أمام محكمة النقض‪ ،‬مما يعني أن لحظات تدخلها تتوزع على مختلف مراحل‬
‫التقاض ي‪ ،‬بل وتتخللها في كل ألاوقات التي تقطعها الدعوى طاملا تغيب ألاطراف أو أحدهم‪،‬‬
‫سواء عند بداية سريان مسطرة التحقيق أو عند التبليغ أو عند التنفيذ‪ ،‬وعليه فمؤسسة‬
‫القيم إنما تشتغل من أجل تيسير البت وإنهاء التقاض ي‪ ،‬وليس من أجل إعداد الحجج‬
‫واملستندات‪ ،‬وبالتالي فالذي ال يمتلك الحجة الكافية لولوج التقاض ي‪ ،‬ليس من حقه‬
‫توظيف مؤسسة القيم إلعداد هذه الحجة‪ ،‬وإال صارت مطية لإلجهاز على الحقوق وخرجت‬
‫عن سياقها واستثنائيتها‪ ،‬ألنها شرعت من أجل تجاوز معوقات الاتصال والتواصل بين‬
‫املحكمة ومتقاضيها ليس غير‪ ،‬والهدف الذي يمليه سياقها في مراحل املشار إليها هو هدف‬

‫‪191‬‬
‫تبليغي جاء على سبيل الاستثناء‪ ،‬والاستثناء – كما هو معروف – ال يتوسع فيه‪ .‬ويتوقف‬
‫تشغيل مؤسسة القيم على عنصر الغياب الذي يناقض الحضور‪ ،‬والذي يعتبر مشكلة في‬
‫تحقيق العلم املنتج للتكليف واملسؤولية‪ ،‬وكل إجراء تنص املسطرة املدنية على ضرورة علم‬
‫الطرف املراد به‪ ،‬ولم تتمكن املحكمة من العثور على هذا الطرف بسبب الجهل بموطنه‬
‫تعرض للبطالن‪ ،‬وال سبيل لتجنب الوقوع في هذا البطالن إال بإعمال مؤسسة القيم‪ ،‬وليس‬
‫إعمالها بتنصيب موظف من موظفي املحكمة تسميه قيما فحسب‪ ،‬وإنما إعمالها بتجنيد‬
‫جهاز من العاملين النافذين ملساعدة هذا املوظف في العثور على املراد في التبليغ‪ ،‬بما في‬
‫ذلك القاض ي والنيابة العامة والسلطات إلادارية‪ ،‬كل ذلك من أجل فك مالبسات الغياب‬
‫‪.‬حماية لحقوق من سجلت غيبته في الدعوى‬

‫خاتمة‬

‫ختاما يمكن القول أنه طاملا كان الوازع املتوخى من مؤسسة القيم هو إلاحسان ومراعاة‬
‫منطق العدالة من أن يتم تدميره وإلاجهاز عليه‪ ،‬فإن أهم خطوة في عالج واقعها املتردي‬
‫ليس هو الاجتهاد في إبداع السبل القمينة بتأصيلها وتفعيلها فقط‪ -‬وإن كان ذلك ال يخلو‬
‫من أهمية‪ ،-‬وليس في إلغائها باملرة ملا في ذلك من الارتداد والنكوص بترسانتنا إلاجرائية التي‬
‫نعتز بثوابتها‪ ،‬ولكن أهم خطوة في عملية العالج وإلاصالح هو إحياء مدلولها ألاخالقي‬
‫‪.‬واعتباره ألاساس الذي بنيت عليه شكلياتها كسلوك إجرائي مادي‬

‫إعداد‪:‬ذ‪ /‬عبد الجبار بهم‬

‫‪192‬‬
‫‪ -22‬احلاجة إىل التنمية‬
‫اإلدارية ضرورة لتغيري النسق‬
‫اإلداري املغربي ومسايرة‬
‫التحدي العاملي‬
‫بما أن التنمية إلادارية جزء أساس ي من خطط التنمية ومحور فعال وبعد رئيس ي في‬
‫استراتيجية التنمية الشاملة‪ ،‬فإن التجارب أثبتت أنه إذا لم يتم التطوير إلاداري ملواكبة‬
‫التغيرات الداخلية والخارجية‪ ،‬فإن سمات مرضية ستطبع املرفق العام وستلح على ضرورة‬
‫إحداث التطوير والتنمية‪ .‬ومن املعروف أن كل الدول النامية واملتقدمة على حد سواء‬
‫يواجهان جنبا إلى جنب إشكالية التنمية إلادارية‪ .‬إال أن الثانية تسعى إلى تطوير أساليبها‬
‫وإدارتها كي تسعى إلى التكيف مع التطورات اليومية بشكل ديناميكي‪ ،‬وهذا عكس الدول‬
‫النامية التي تعرف مرافقها العامة نوعا من الفتور في إحداث التطوير إلاداري‪ ،‬ويعزى سبب‬
‫ذلك إلى تعدد املسائل والقضايا التي تهتم بها هذه البلدان وهذا ما يلقي عبئا ثقيال على‬
‫كاهل السلطات املركزية‪ .‬وال يتاح لها بالتالي الوقت الكافي إليالء التنمية إلادارية ما تستحق‬
‫من اهتمام ‪.‬‬

‫ويمكننا معرفة وإدراك أهمية التنمية إلادارية من خالل الحاجة إليها من أجل تغيير النسق‬
‫إلاداري املغربي (الفرع ألاول) ولغاية مسايرة التحديات العاملية التي تفرضها الليبرالية‬
‫الجديدة (الفرع الثاني)‪.‬‬
‫‪193‬‬
‫الفرع ألاول ‪ :‬التنمية إلادارية من أجل تغيير النسق إلاداري املغربي‬

‫مضمون التنمية إلادارية ليس مجرد إجراءات إدارية أو مسطرية تأخذ شكل تدابير ضابطة‬
‫للعمل‪ .‬بل هي بمثابة إطار مرجعي لتطوير العمل والسلوك داخل إلادارة تغذيه روح املواطنة‬
‫الصادقة وتحكمه قواعد الالتزام وتحمل املسؤولية املشتركة في التنفيذ‪ .‬وتحتاج كل إدارة‬
‫ملمارسة مهامها توافر ثالثة عناصر أساسية كالتالي ‪:‬‬
‫‪ -‬العنصر القانوني املتمثل أساسا في التنظيمات والقرارات والعقود‪.‬‬
‫‪ -‬العنصر البشري املتميز بين سائر عناصر إلانتاج ألاخرى ‪.‬‬
‫‪ -‬العنصر املالي والتقني‪.‬‬
‫أ‪ -‬بالنسبة للجانب القانوني والتنظيمي‪ ،‬فاملغرب يتوفر على ترسانة قانونية مهمة‪ ،‬لكن‬
‫املطلوب تحيينها وتفعيلها قصد املساهمة في برامج التنمية إلادارية الهادفة على تحسين‬
‫كيفية تقديم الخدمات للمرتفقين وذلك عن طريق املنهجة الواضحة للمساطير وإلاجراءات‬
‫إلادارية أوال‪ ،‬وهذا ما جاء في الرسالة امللكية املوجهة إلى أشغال الندوة الوطنية لتخليق‬
‫املرفق العام‪ .‬إذا جاء " أن هدف إلاجراءات العمومية‪ ،‬التسهيل والتسيير وليس التعقيد‬
‫والتعسير‪ ،‬وهو منهاج لترسيخ روح الاستقامة والوضوح والشفافية والتعجيل في إيصال‬
‫النفع للناس‪ ...‬لذلك أمرنا بتبسيط إلاجراءات وتحيين النصوص إلادارية وتحديث وسائل‬
‫التدبير والعمل على التوفيق املستمر بين املقتضيات إلادارية وروح العصر التي طبعت اليوم‬
‫كل العالقات البشرية" ‪.‬‬
‫وفي هذا الاتجاه فإن مصالح املعالجة ملشاريع التبسيط إلاداري يكون من خالل آلاتي ‪:‬‬
‫‪ -‬من حيث الزمن ‪ :‬بالتقليص في آجال تنفيذ املساطر إلادارية‪.‬‬
‫‪ -‬من حيث التكلفة ‪ :‬بتخفيض التكلفة الناتجة عن تعقيد املساطر إلاجرائية‪.‬‬
‫‪ -‬من حيث الفاعلين ‪ :‬بالحد من عدد املتدخلين في املسطرة ومن املراحل التي تمر منها‪.‬‬
‫‪ -‬من حيث الوثائق ‪ :‬بالتقليص من عدد الوثائق املطلوبة من املواطنين‪ ،‬فالتبسيط بهذا‬
‫املفهوم يؤدي إلى إحداث تقليص في مسافات التعقيد املحدثة بفعل املمارسات العملية وإلى‬
‫الربح في الوقت والتكلفة ورفع الجودة ‪ ،‬ومن خاللها يتم تسيير الحياة اليومية للمرتفق‬

‫‪194‬‬
‫ولنشاط املرفق العام من خالل استعمال إلادارة ملساطير بسيطة سليمة وفعالة‪ ،‬ومعاملة‬
‫املواطنين في إطار من املشروعية واملساواة‪.‬‬
‫وفي الاتجاه آلاخر وتوطيدا للجانب القانوني للتنمية إلادارية نستحظر مسألة احترام‬
‫القوانين وتنفيذا لألحكام القضائية‪ .‬إذ يجب على املرفق العام احترام مبدأ الشرعية‬
‫والخضوع لقرارات العدالة دون أي تردد أو تحفظ ‪ ،‬وذلك عن طريق ‪:‬‬
‫‪ -‬أوال ‪ :‬وجوبية تطبيق قانون تعليل القرارات إلادارية‪.‬‬
‫‪ -‬ثانيا ‪ :‬تفعيل قانون إلاقرار باملمتلكات بشكل جيد‪.‬‬
‫‪ -‬ثالثا ‪ :‬تنفيذ ألاحكام القضائية‪.‬‬
‫وتوطيدا وتدعيما للجانب القانوني هناك ضرورة إكمال صرحها بتدعيم البنية التنظيمية‪.‬‬
‫وذلك من خالل دعم الالتركيز وإعادة تحديد مهام املرفق العام‪ ،‬إذ أن إلادارة الحديثة‬
‫اليوم ال تعتمد فقط على الخطط السياسية والتنموية التي تقرر على صعيد الحكومة‬
‫املركزية‪ ،‬بل تعتمد كذلك على ألاسلوب الذي تؤدي به الخدمات الحكومية لكل منطقة وفي‬
‫كل جزء من أجزاء البالد‪ .‬ومن ثمة تبدو الالمركزية إلادارية بما تعنيه ترك جزء من‬
‫الوظيفة إلادارية على جماعات ترابية تدبير شؤونها بنفسها في نطاق استقالل إداري ومالي ‪،‬‬
‫وهذا ما يعني أن الالتركيز إلاداري يشكل أحد ألاولويات في مجال التنمية إلادارية إلعادة‬
‫تنظيم املرافق العامة بهدف الرفع من فعاليتها‪.‬‬
‫ب‪ -‬أما على املستوى الثاني وهو تثمين العنصر البشري فقد جاء بشأنه على لسان امللك‬
‫محمد السادس ‪ ... " :‬ومن ثمة كان توجهنا الاستثمار في املوارد البشرية‪ ،‬باعتبار رأس املال‬
‫البشري رافعة للتقدم وخلق الثروات‪ ،‬ونظرا لدوره في تحويل وتدبير باقي الثروات وإدماج‬
‫هذا الاستثمار في مسيرة التنمية البشرية " وفي هذا إلاطار فإن ألامر يتطلب من أجل الرقي‬
‫بالعنصر البشري ضرورة خلق مناخ جيد لعمل املوظفين‪ ،‬وذلك اعتبارا لدورهم الفعال في‬
‫السيرورة إلانتاجية داخل املرفق العام‪ ،‬وكذا تعزيز مختلف الجهود إلقرار مبدأ سيادة‬
‫ألاخالق داخله*‪ ،‬إضافة إلى إيجاد وسائل كفيلة إلقامة عالقة مرنة بينه وبين املرتفق‪.‬‬
‫وتكون على هذا الشكل التنمية إلادارية ليست مجرد تغيرات هيكلية وقانونية للمرفق العام‬
‫بل هي تفاعل مع خصوصيات املجتمع ومحدداته الثقافية‪ ،‬وكما يرى ميشيل روس ي "‬
‫معرفة الوسط إلانساني الذي تتم فيه العملية إلادارية شرط ضروري لتكيفها مع الواقع‬
‫لضمان النجاح‪".‬‬

‫‪195‬‬
‫وإذا كانت التنمية إلادارية عنصرا هاما من ورائه تجلى هدف تغيير وتحيين املنظومة‬
‫القانونية والتنظيمية للجهاز إلاداري املغربي أوال‪ .‬وأيضا عامال للرقي بالعنصر البشري‬
‫باعتباره العنصر ألاهم داخل املنظمات كيفما كان نوعها أو حجمها‪ .‬فإنها كذلك دافعا‬
‫أساسيا من أجل ترشيد فعال للنفقات العامة‪ .‬ومن خاللها يمكن استرجاع الثقة في املرافق‬
‫العمومية وهو شرط رهين بتحسين آليات املراقبة املالية إضافة على تنمية تكنولوجيا‬
‫املعلوميات والاتصال ثانيا‪ .‬وهذا ما أكدته الرسالة امللكية املوجهة على املشاركين في‬
‫املناظرة املنظمة من لدن كتابة الدولة املكلفة بالبريد وتقنيات الاتصال وإلاعالم‪ ،‬إذ جاء "‬
‫وسيظل إصالح إلادارة العمومية وعصرنتها من بين الرهانات الرئيسية التي يطرحها تقدم‬
‫بالدنا‪ .‬إذ يتعين أن نوفر ألجهزتنا ما يلزم من أدوات تكنولوجية عصرية بما فيها ألانترنيت‬
‫لتمكينها من الانخراط في الشبكة العاملية وتوفير خدمات أكثر جودة ملتطلبات ألافراد‬
‫واملقاوالت‪" .‬‬
‫وعموما إذا كانت التنمية إلادارية تصب في مبتغى تغيير النسق إلاداري املغربي فإنها في‬
‫جوهرها تؤكد محاولة مسايرة التحديات التي تطرحها املتغيرات العاملية على كل الدول‪،‬‬
‫سواء املتقدمة منها أو النامية‪ ،‬وعلى هذا ألاساس نجد أن الارتقاء نحو التنمية إلادارية‬
‫معناه مسايرة التحديات العاملية بنوع من إلايجابية والتحكم والتبصر‪.‬‬

‫الفرع الثاني ‪ :‬التنمية إلادارية من أجل مسايرة تحديات الظرفية الدولية‬

‫شكلت إلاكراهات الدولية عامال أساسيا في فتح أوراش متعددة باملغرب وعلى رأسها الارتقاء‬
‫على مستوى التنمية إلادارية‪ .‬فكانت مسألة الاستفادة من إعانة وقروض املؤسسات‬
‫الدولية (صندوق النقد الدولي والبنك العالمي) تخضع لقيود من الشروط تتمثل في إقامة‬
‫إصالحات هيكلية على املستوى السياس ي والاقتصادي والاجتماعي وإلاداري‪ ،‬وذلك ملوازاة‬
‫الظرفية العاملية والتماهي معها املتجهة نحو تشجيع املبادرة الخاصة والاستثمار‪.‬‬
‫وجاء في هذا إلاطار تقرير البنك الدولي في شتنبر ‪ ،1995‬كاشفا لحالة إلادارة املغربية ومن‬
‫خاللها أبان عن نواقصها واختالالتها‪ .‬وحسب هذا التقرير؛ فاملغرب يمتلك قطاعا خاصا‬
‫جيدا‪ ،‬إلى جانب ذلك موقع جغرافي متميز قريب من الاتحاد ألاوربي‪ ،‬ويتمتع باستقرار‬

‫‪196‬‬
‫سياس ي فضال عن توفره على خصوصيات تؤهله لجذب الاستثمارات ألاجنبية قصد تحقيق‬
‫تنمية مدعمة ومستدامة‪ ،‬وفي مقابل هذه املميزات فإن املنافسة الدولية والتطور‬
‫التكنولوجي تفرض على املغرب إعادة النظر في نماذج التسيير العمومي املتقادمة وذات كلفة‬
‫عالية غير منسجمة لطموحات املواطنين وألاجانب ‪ .‬وتضمن هذا التقرير املحاور التالية* ‪:‬‬
‫‪ -‬أوال ‪ :‬مكامن تقادم إلادارة املغربية تحدد من خالل ‪:‬‬
‫• أ‪ -‬التسيير الروتيني املتميز بالبطء والتأخر في مسلسل اتخاذ القرارات‪.‬‬
‫• ب‪ -‬كثرة املوظفين وألاعوان تمتص كتلة أجور مرتفعة‪.‬‬
‫• ج‪ -‬مساطر مالية جامدة وقليلة الشفافية في صرف امليزانية‪.‬‬
‫‪ -‬ثانيا ‪ :‬تدبير الشأن العام الذي يتميز باملركزية املفرطة والالمركزية الهشة‪ .‬وفي الحقيقة لم‬
‫يكن هذا إنذارا إلى إلادارة املغربية بقدر ما كان إنذارا موجها إلى الدولة املغربية وذلك قصد‬
‫مراجعة آليات اشتغالها في امليادين الاقتصادية والاجتماعية ملسايرة تطابقها مع بروز الفكر‬
‫الليبرالي الجديد ومضمونه يكمن في تراجع الدولة عن وظيفتها التدخلية أي يجب أن تواكب‬
‫موجة العاملية املتسمة باملساعدة عوض الفعل والتنظيم عوض التدبير وذلك من منطلق‬
‫أن ألاسواق العاملية هي أسواق شاسعة وغنية‪ ،‬نظرا لسيادة التدبير التقليدي في معظم‬
‫دول العالم ‪.‬‬
‫ويبقى الجدل حاليا حول الرقي نحو التنمية إلادارية يدور في خلق ثنائية الدولتية ‪ /‬قوى‬
‫السوق‪ ،‬التي قد تم الحسم فيه لصالح هذه ألاخيرة وذلك باتجاه تحويل دور الدولة‬
‫واعتناق مبادئ جديدة للتنظيم والتسيير ‪ .‬ويمكن أن نضيف إلى الثنائية السابقة التي‬
‫أصبحت تتمحور حولها التنمية إلادارية‪ ،‬دور املجموعات الاقتصادية الكبرى التي تدفع نحو‬
‫القيام بمجانسة العلوم والتقنيات الانتاجية والتسييرية وأنماط العيش والثقافة‬
‫والاستهالك بتحقيق اندماج ايديولوجي واجتماعي وسياس ي واقتصادي‪ ،‬معلنة بنهاية قومية‬
‫رأس املال وتعددية أنماط التسيير‪ .‬وكما يرى ألاستاذ علي سدجاري " أن توحيد الشكل‬
‫يتهيكل فوق الفوض ى الظاهرة للمنافسات واملزاحمات الوطنية‪ ،‬إذ يتعلق بأنماط التسيير‬
‫والضبط والتنظيم‪ ،‬أي بقطيعة مع الامتيازات الضخمة التي تتمتع بها الدولة ‪ -‬ألامة‪،‬‬
‫وأساليبها التقليدية في تسيير املرافق العمومية‪ .‬إن البيروقراطية‪ ،‬والتسلسلية والتراتبية ال‬
‫تقوم سوى بإلحاق الضرر بنجاعة أنشطة املصالح التي يتوجه نشاطها نحو الخارج‪.‬‬

‫‪197‬‬
‫خصوصا عندما يكون الشركاء املفضلون للبلدان النامية منظمات دولية ودول متقدمة‬
‫تعرف إدارتها تطورا وتحوال مضطردين"‪.‬‬
‫وفي خضم تبلور مفاهيم تروم حول توحيد ألانماط‪ ،‬تجد املرافق العامة نفسها اليوم في‬
‫موقف الدفاع عن اقتصاد السوق بإطار قانوني يمارس من خالله ‪ ،‬جوهره تراجع دولة‬
‫العناية وتقوية دولة القانون‪.‬‬
‫والواقع أنه إذا كانت العاملية في حموالتها شكال من أشكال التحديث فهذا يعني مما ال يدع‬
‫مجاال للشك أن املفاهيم التقليدية للتنمية في طريقها إلى التالش ي نتيجة لعدم الاستقرار‬
‫الذي أخذ يطبع العالقات القائمة بين املجتمع والدولة من جهة وبين املرتفق واملرفق العام‬
‫من جهة أخرى أمام املعطيات التكنولوجية الجديدة للنشاط الاقتصادي ولعل ذلك ما‬
‫يعني أن منطق التنمية أصبح يرتكز على موارد جديدة كاملورد التكنولوجي ومورد املعرفة‬
‫ومورد التواصل واملورد البشري وأخيرا الاستثمار السياس ي الذي يقر بمجال أوسع من‬
‫الاستقاللية والحرية‪.‬‬
‫وعلى هذا ألاساس فإن إدارة املرفق العام ونظرا ألهمية الدور الذي تلعبه في نجاح أو‬
‫إخفاق جهود الدولة في تحقيق التنمية الشاملة‪ ،‬فإن هذه ألاخيرة تحمل على عاتقها ‪-‬‬
‫املرافق العامة ‪ -‬أولوية تحقيق تنمية إدارية فعالة من خاللها تستطيع مواجهة التحديات‬
‫الجديدة‪ ،‬وخاصة كما يرى ألاستاذ علي سدجاري " أن تجربة الكثير من الدول النامية‬
‫أثبتت الفرق الكبير بين طموحات خطط التنمية وبين واقع تحمل ألاعباء امللقاة على عاتقه‪،‬‬
‫ذلك ألن تحقيق أهداف التنمية على الوجه املأمول سوف يظل مرهونا بمدى كفاءة الجهاز‬
‫إلاداري للدولة على تحمل مسؤولياته من أجل تحويل ألاماني إلى حقائق " ‪.‬‬
‫وإذا كان ربح رهان التنمية إلادارية مرهونا بمدى تطابق الخطط التنموية فإن سؤال ما هي‬
‫إلامكانيات التي تقدمها التنمية إلادارية للمرفق العام كأرضية للتبلور مع املتغيرات املستمرة‬
‫واملتالحقة يجرنا وبقوة ملالمسة تحقيق هذا الرهان من عدمه‪.‬‬

‫إعداد‪:‬ذ‪/‬فؤاد الكرت‬

‫‪198‬‬
‫الفهرس‬
‫مسطرة الصلح يف القانون املغربي‪2...............................................................................................................‬‬ ‫‪1-‬‬

‫اجمللس األعلى للسلطة القضائية ودوره يف حتقيق ضمانات احملاكمة العادلة ‪6.....................................................‬‬ ‫‪2-‬‬

‫أثر املعلوميات يف جمال القضاء ‪19 ............................................................................................................‬‬ ‫‪-3‬‬

‫‪ -4‬التجربة املغربية يف جمال القضاء اإللكرتوني ‪26 ................................................................................................‬‬

‫‪ -5‬اجلرمية املعلوماتية يف التشريع املغربي ‪41 ........................................................................................................‬‬


‫‪ -6‬إشكالية تنفيذ األحكام والقرارات القضائية النهائية ‪61 ...................................................................................‬‬

‫‪-7‬إشكاالت تنفيذ األحكام املدنية ‪69 ................................................................................................................‬‬

‫‪ -8‬إدارة املوارد البشرية وموقعها يف اهليكل التنظيمي للمؤسسة احلديثة ‪77 .................................................................‬‬

‫‪ -9‬األمن القضائي ودوره يف حتقيق التنمية ‪84 ........................................................................................................‬‬

‫‪ -11‬اإلدارة املغربية ومتطلبات التحديث ‪111 ............................................................................................................‬‬

‫‪ -11‬أزمة العالقة بني اإلدارة واملواطن‪:‬األبعاد واحملددات ‪118 .........................................................................................‬‬

‫‪ -12‬التخليق يف اإلدارة القضائية ‪:‬املسار واآلفاق ‪115 .................................................................................................‬‬

‫‪ -13‬احلكامة الشاملة والتنمية البشرية‪124 ..........................................................................................................‬‬

‫‪ -11‬الدستور اجلديد واستقالل السلطة القضائية ‪128 ...............................................................................................‬‬

‫‪ -15‬السياسات العمومية و الرأمسال البشري ‪135 ......................................................................................................‬‬

‫‪ -13‬أي دور لإلدارة القضائية يف ظل مشروع قانون التنظيم القضائي للمملكة؟ ‪138 ......................................................‬‬

‫‪ -12‬حتديث اإلدارة القضائية و تقريبها من املواطن ‪144 ...............................................................................................‬‬

‫‪ -18‬آليات ومساطر إبرام الصفقات العمومية ‪149 ......................................................................................................‬‬

‫‪ 19‬استقالل النيابة العامة ‪163 ..........................................................................................................................‬‬

‫‪ -21‬مدى املقاربة واملفارقة بني احلجز لدى الغري ‪168 ...................................................................................................‬‬

‫‪-21‬مؤسسة القيم في قانون المسطرة المدنية بين التأصيل والتفعيل واإللغاء ‪187 ..................................................................‬‬

‫‪ -22‬احلاجة إىل التنمية اإلدارية ضرورة لتغيري النسق اإلداري املغربي ومسايرة التحدي العاملي‪193 .........................................‬‬

‫‪199‬‬

You might also like