تحديات

You might also like

Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 10

‫حتديات "حضارة الصورة" ‪ ..

‬طه عبد الرمحان يف ّكك "آفة التفرج"‬

‫حممد نافع العشريي‬

‫السبت ‪ 8‬فرباير ‪02:00 - 2020‬‬

‫لق ‪33 3‬د أح ‪33 3‬دثت الث ‪33 3‬ورة التكنولوجي ‪33 3‬ة حتوال كب ‪33 3‬ريا‪ 3‬يف جمال الص ‪33 3‬ورة‪ ،‬إىل درج ‪33 3‬ة جعلت البعض‪ 3‬يقارهنا‬
‫باكتشاف الكتابة‪ 3.‬فقد غزت الصورة‪ 3‬جماالت ثقافية وغ‪3‬ري ثقافي‪3‬ة‪ ،‬وأص‪3‬بحت حاض‪3‬رة يف أغلب من‪3‬احي‬
‫احلي ‪33‬اة ك‪33 3‬التعليم واإلعالم‪ 3‬والفض‪33 3‬اءات العام‪33 3‬ة وقاع‪33 3‬ات الع‪33 3‬رض وشاش‪33 3‬ات التلف‪33 3‬زة ومواق‪33 3‬ع اإلن ‪33‬رتنيت‬
‫واهلوات ‪3‬ف‪ 3‬احملمول ‪33‬ة واملخت ‪33‬ربات‪ 3‬العلمي ‪33‬ة… ب ‪33‬ل جتاوز األم ‪33‬ر احلض ‪33‬ور الكمي إىل احلض ‪33‬ور الكيفي؛ إذ مل‬
‫تع ‪33‬د الص ‪33‬ورة وس ‪33‬يطا حماي ‪33‬دا لنق ‪33‬ل الواق ‪33‬ع وحماكات ‪33‬ه‪ ،‬ب ‪33‬ل أص ‪33‬بحت تعي ‪33‬د ص ‪33‬ياغة ه ‪33‬ذا الواق ‪33‬ع‪ ،‬جتميال أو‬
‫تقبيحا أو أرشفة أو تركيبا أو خلقا جديدا‪.‬‬

‫وال شك يف أن هلذا احلضور الطاغي للص‪3‬ورة انعكاس‪3‬ات‪ 3‬كث‪3‬رية على اإلنس‪3‬ان‪ ،‬جس‪3‬ديا ونفس‪3‬يا وفكري‪3‬ا‬
‫واجتماعي‪33‬ا وروحي‪33‬ا… وق‪33‬د أث‪33‬ارت ه‪33‬ذه اآلث‪33‬ار جمموع‪33‬ة من ردود الفع‪33‬ل واملواق ‪3‬ف‪ 3‬املتباين ‪3‬ة‪ 3‬يف جماالت‬
‫وختصص ‪33 3‬ات علمي ‪33 3‬ة خمتلف ‪33 3‬ة‪ ،‬طبي ‪33 3‬ة وس ‪33 3‬يكولوجية‪ 3‬وسوس ‪33 3‬يولوجية‪ .‬ومل تكن الفلس ‪33 3‬فة بعي ‪33 3‬دة عن ه‪33 3‬ذا‬
‫املوض ‪33‬وع‪ 3‬ال ‪33‬ذي ميس ج ‪33‬وانب خمتلف ‪33‬ة من اإلنس ‪33‬ان‪ 3،‬حيث ان ‪33‬ربى الكث ‪33‬ري من الفالس ‪33‬فة‪ 3‬لتحلي ‪33‬ل الظ ‪33‬اهرة‬
‫وبيان آثارها‪.‬‬
‫ومن بني ه‪33‬ؤالء‪ ،‬الفيلس‪33‬وف املغ‪33‬ريب ط‪33‬ه عب‪33‬د الرمحان من خالل اجلزء الث‪33‬اين من كتاب‪33‬ه “دين احلي‪33‬اء من‬
‫الفق ‪33‬ه االئتم ‪33‬اري إىل الفق ‪33‬ه االئتم ‪33‬اين”‪ ،‬املعن ‪33‬ون بـ”التح ‪33‬ديات األخالقي ‪33‬ة لث ‪33‬ورة اإلعالم‪ 3‬واالتص ‪33‬ال”‪،‬‬
‫منشورات املؤسسة العربية للفكر واإلب‪3‬داع؛ حيث ح‪3‬اول في‪3‬ه اختب‪33‬ار فلس‪3‬فته االئتماني‪3‬ة‪ 3‬يف اإلجاب‪33‬ة على‬
‫التح‪33 3‬ديات األخالقي ‪33 3‬ة حلض ‪33 3‬ارة الص ‪33 3‬ورة‪ ،‬مس ‪33 3‬تندا إىل خلفي ‪33 3‬ة فلس ‪33 3‬فية أخالقي ‪33 3‬ة‪ ،‬ومنفتح ‪33 3‬ا على نت‪33 3‬ائج‬
‫الفيزيولوجيا والتحليل النفسي‪ 3‬وعلم االجتماع… وقد شيد معمار الكتاب على نسق يب‪3‬دأ بتق‪3‬دمي ك‪3‬ل‬
‫آف ‪33‬ة من آف ‪33‬ات الص ‪33‬ورة ال ‪33‬يت قس ‪33‬مها إىل ثالث هي‪ :‬آف ‪33‬ة التف ‪33‬رج‪ ،‬وآف ‪33‬ة التجس ‪33‬س‪ ،‬وآف ‪33‬ة التكش ‪33‬ف‪ ،‬مث‬
‫أتبعها مبوقف الفقه التقليدي االئتماري وطريق تعامله مع هذه اآلفة‪ ،‬مث مبوقف الفقه االئتماين‪.‬‬

‫ينطلق الفيلسوف املغريب طه عبد الرمحان من التمييز بني احلضارة اإلسالمية‪ 3‬اليت هي حضارة فق‪33‬ه‪ ،‬مميزا‬
‫في ‪33‬ه بني الفق ‪33‬ه االئتم ‪33‬اري (الفق ‪33‬ه املس ‪33‬موع) والفق ‪33‬ه االئتم ‪33‬اين (فق ‪33‬ه األمان ‪33‬ات) ال ‪33‬ذي يق ‪33‬وم على مب ‪33‬دأ‬
‫الشاهدية اليت جتمع بني السمع والبصر‪ ،‬ومن مث فهذه احلضارة هي حضارة نظر‪ ،‬وبني احلض‪3‬ارة الغربي‪3‬ة‬
‫اليت وإن بنيت على النظر يف األشياء‪ ،‬فإن مستندها النظر إىل األشياء‪.‬‬

‫وعلي‪3‬ه‪ ،‬ف‪3‬ان النظ‪3‬ر العقلي يف ه‪33‬ذه احلض‪33‬ارة ت‪33‬ابع لنظره‪3‬ا احلس‪3‬ي‪ .‬فعقله‪3‬ا من حس‪3‬ها كم‪33‬ا يق‪3‬ول ط‪33‬ه عب‪33‬د‬
‫الرمحان‪ .‬وقد نتج عن ذلك طغيان الصيغة‪ 3‬املادية على ه‪3‬ذه احلض‪3‬ارة إىل درج‪3‬ة أن م‪3‬ا يعت‪3‬رب روحي‪3‬ا فيه‪3‬ا‬
‫ه‪33‬و جمرد مش‪33‬خص بعي‪33‬د التش‪33‬خيص‪ .‬وق‪33‬د س‪33‬امهت يف إب‪33‬راز ه‪33‬ذه احلقيق‪33‬ة تقان‪33‬ات اإلعالم‪ 3‬والتواص‪33‬ل ال‪33‬يت‬
‫جعلت الكل يتحدث عن حضارة الصورة وحضارة الفرجة‪ ،‬وكأن هذه التقانة أصولية جديدة أعادت‬
‫احلض‪33‬ارة الغربي‪33‬ة إىل جوهره‪33‬ا ال‪33‬ذي غطت‪33‬ه العقالني‪33‬ة الفلس‪33‬فية ال‪33‬يت س‪33‬ادت أوروب‪33‬ا من‪33‬ذ عص‪33‬ر النهض‪3‬ة‪ 3‬إىل‬
‫اآلن‪.‬‬
‫لق‪3‬د ح‪3‬اول ط‪33‬ه عب‪33‬د الرمحان يف كتاب‪3‬ه ه‪3‬ذا الوق‪3‬وف على اآلف‪33‬ات ال‪33‬يت خلفته‪3‬ا حض‪3‬ارة الص‪33‬ورة‪ ،‬الس‪3‬يما‬
‫يف اجلزء الث‪3‬اين اخلاص بالتح‪3‬ديات األخالقي‪3‬ة لث‪3‬ورة اإلعالم‪ 3‬واالتص‪3‬ال‪ ،‬حيث قص‪33‬ر ه‪3‬ذه التح‪3‬ديات ال‪33‬يت‬
‫أفرزهتا ثورة اإلعالم‪ 3‬على ثالث آفات هي‪“ :‬آفة التفرج” و”آفة التجسس” و”آفة التكشف”‪ 3.‬كم‪33‬ا‬
‫ق‪33‬دم جمموع‪33‬ة من الص‪33‬يغ ل‪33‬درء ه‪33‬ذه اآلف‪33‬ات‪ ،‬منه‪33‬ا الص‪33‬يغة‪ 3‬اآلمري‪33‬ة ال‪33‬يت يق‪33‬دمها الفق‪33‬ه التقلي‪33‬دي‪ ،‬والص‪33‬يغة‬
‫االئتمانية اليت تقدمها فلسفته األخالقية االئتمانية‪.‬‬

‫سنحاول يف هذه احللقة األوىل الوقوف عن‪3‬د أهم مالمح آف‪3‬ة التف‪3‬رج‪ ،‬على أن خنص‪3‬ص احللق‪3‬ات القادم‪3‬ة‬
‫آلفيت التجسس والتكشف‪.‬‬

‫حيدد الفيلس‪33‬وف ط‪33‬ه عب‪33‬د الرمحان آف‪33‬ة التف‪33‬رج يف س‪33‬ت خص‪33‬ائص هي‪“ :‬التوس‪33‬ط بالص‪33‬ور”‪ ،‬و”متل‪33‬ك‬
‫املصورات”‪ 3،‬و”اإلض‪3‬رار بالق‪3‬درات”‪ ،‬و”اس‪3‬تبدال ال‪3‬وهم مك‪3‬ان احلقيق‪3‬ة”‪ ،‬و”اإليق‪3‬اع‪ 3‬يف التلص‪3‬ص”‪3،‬‬
‫و”التعرض للعنف”‪.‬‬

‫ويقص‪33‬د ب‪33‬التفرج لغ‪33‬ة “النظ‪33‬ر إىل األش‪33‬ياء عن ق‪33‬رب لالس‪33‬تمتاع”‪ 3،‬وه‪33‬ذا التعري‪33‬ف ال يبتع‪33‬د عن التعري‪33‬ف‬
‫االصطالحي الذي قدمه طه‪ ،‬حيث يقول عن التفرج إنه “االستمتاع بالنظر إىل الصور عن قرب”‪.‬‬
‫وتتم‪33‬يز الص‪33‬ورة عن غريه‪33‬ا مبالزمته‪33‬ا حلاس‪33‬ة البص‪33‬ر وك‪33‬ثرة توارده‪33‬ا واختالفه‪33‬ا عن الش‪33‬يء املص‪33‬ور‪ ،‬كم‪33‬ا‬
‫تتم‪33‬يز بص‪33‬ناعيتها وجتزيئيته‪33‬ا وس‪33‬طحيتها ومكانيته‪33‬ا وس‪33‬كونيتها‪ ،‬باإلض‪33‬افة إىل تكاثره‪33‬ا ونس‪33‬بيتها‪ .‬لكنه‪33‬ا‬
‫وحبكم الكثرة والتنوع‪ 3‬أصبح هلا سلطان غري مسبوق على النفوس‪ ،‬جع‪33‬ل البعض يفض‪33‬لها على املص‪33‬ور‪.‬‬
‫وكان من نتائج ذلك‪ ،‬آفة التوسط‪ 3‬بالصور‪.‬‬

‫فلئن كانت عالقة احلواس بالعامل عالقة غري مباشرة؛ ألهنا عالقة حمكومة من جهة ببني‪33‬ة العض‪33‬و (تركيب‪33‬ة‬
‫العني مثال)‪ ،‬ومن جهة أخرى بالعادات املكتسبة واملعلوم‪33‬ات املختزن‪33‬ة والتص‪33‬رفات املق‪33‬ررة واالعتب‪33‬ارات‬
‫املق‪33‬درة‪ ،‬أو ق‪33‬ل الثقاف‪33‬ة‪ ،‬ف‪33‬إن احلض‪33‬ارة املعاص‪33‬رة ق‪33‬د أولت للص‪33‬ورة أمهي‪33‬ة خاص‪33‬ة مبوجب أص‪33‬وهلا اليوناني‪33‬ة‬
‫والرومانية ومعتقداهتما الدينية‪ 3‬اليت عُرفت بكثرة التماثيل والرسوم واأليقونات‪ 3‬وبعقيدة التجسيد (اآلهلة‬
‫عند اليونان‪ 3‬والثالوث املسيحي عند الرومان)‪.‬‬

‫وعلي ‪33‬ه‪ ،‬تع ‪33‬د الص ‪33‬ور احلديث ‪33‬ة متوس ‪33‬طة بالص ‪33‬ور القدمية‪“ ،‬فأص ‪33‬الة ص ‪33‬ور املتف ‪33‬رج ترج ‪33‬ع إىل كوهنا غ ‪33‬ري‬
‫م ‪33‬ردودة إىل غ ‪33‬ري الص ‪33‬ور”‪ ،‬كم ‪33‬ا يق ‪33‬ول ط ‪33‬ه عب ‪33‬د الرمحان‪ .‬كم ‪33‬ا أن ه ‪33‬ذه الوس ‪33‬اطة تع ‪33‬دت األص ‪33‬لية إىل‬
‫الكلي‪33‬ة؛ إذ أص‪33‬بحت الص‪33‬ورة هي الواس‪33‬طة‪ 3‬إىل االدراك‪33‬ات احلس‪33‬ية األخ‪33‬رى كالص‪33‬وت واللمس والش‪33‬م‬
‫وال‪33 3‬ذوق؛ حبيث أص ‪33 3‬بح املش‪33 3‬اهد يس ‪33 3‬تمتع ب‪33 3‬أن ي ‪33 3‬رى املدركات األخ‪33 3‬رى على اختالفاهتا م‪33 3‬ردودة إىل‬
‫الصورة‪ .‬ونتج عن ذلك حتوهلا إىل واسطة يتعامل هبا املتفرج مع كل شيء يف هذا العامل‪.‬‬

‫كما أصبحت هذه الوساطة‪ 3‬ندية‪ ،‬حبيث تصبح الصورة نسخة من الواقع الذي متثله فتزيد قيمت‪33‬ه بزي‪33‬ادة‬
‫قيمته‪33‬ا وتنقص بنقص‪33‬اهنا‪ ،‬وينتج عن ه‪33‬ذه الندي‪33‬ة حب املظ‪33‬اهر وحب اجلاه ولفت األنظ‪33‬ار والتظ‪33‬اهر مبا‬
‫ال يرقى إليه‪ ،‬واختاذ طقوس مظهرية ومسلكية خاصة‪.‬‬

‫ومن آفات التفرج “متل‪3‬ك املص‪3‬ورات”؛‪ 3‬إذ تق‪3‬وم بني املتف‪3‬رج والص‪3‬ورة‪ 3‬عالق‪3‬ة تق‪3‬رب؛ حيث ق‪3‬ربت إلي‪3‬ه‬
‫ك ‪33‬ل ش ‪33‬يء‪ ،‬فيت ‪33‬وهم أن ‪33‬ه ل ‪33‬و ازداد منه ‪33‬ا قرب ‪33‬ا لك ‪33‬انت‪ 3‬هي عني م ‪33‬ا تص ‪33‬وره‪ ،‬وألص ‪33‬بح بإمكان ‪33‬ه أن يلمس‬
‫الصورة بعينه‪ ،‬وأن خيلع على نفسه صفات اللمس‪.‬‬

‫وقد انعكس ذلك على بنيات اللغة من قبي‪3‬ل “م‪3‬د بص‪33‬ره” و”ألقى بص‪3‬ره” و”رمى ببص‪3‬ره”‪ 3‬و”رش‪33‬قه‬
‫ببص‪33‬ره”… كم‪33‬ا أن اللغ‪33‬ة املعاص‪33‬رة ال حتي‪33‬د عن ه‪33‬ذا التش‪33‬اكل بني البص‪33‬ر واللمس من قبي‪33‬ل “أخ‪33‬ذ ل‪33‬ه‬
‫ص‪3‬ورة” و”التق‪3‬ط‪ 3‬ص‪3‬ورة” و”أمس‪3‬ك ب‪3‬ه وض‪3‬بطه…”‪ ،‬ولكن األخط‪3‬ر‪ ،‬يف نظ‪3‬ر ط‪3‬ه عب‪3‬د الرمحان‪ ،‬ه‪3‬و‬
‫حتول رغب‪33‬ة اإلمس‪33‬اك إىل رغب‪33‬ة املتف‪33‬رج يف التمل‪33‬ك‪ ،‬فكأن‪33‬ه وه‪33‬و ينظ‪33‬ر إىل الص‪33‬ورة يلمس املص‪33‬ور‪ .‬ف‪33‬إذا‬
‫مل‪33‬ك الص‪33‬ورة فكأن‪33‬ه مل‪33‬ك املص‪33‬ور‪ .‬وه‪33‬ذا راج‪33‬ع إىل أن الرغب‪33‬ة يف التمل‪33‬ك تك‪33‬ون حبس‪33‬ب م‪33‬دى اإلدراك‬
‫احلسي‪ ،‬وليس هناك حاسة أوسع مدى وال أبعد من النظر‪.‬‬
‫كم‪33‬ا أن‪33‬ه ليس هن‪33‬اك حاس‪33‬ة أدعى إليق‪33‬اظ غري‪33‬زة التمل‪33‬ك من‪33‬ه‪ ،‬ألن النظ‪33‬ر ي‪33‬ورث املعرف‪33‬ة‪ .‬وكلم‪33‬ا ع‪33‬رف‬
‫الن‪33‬اظر ش‪33‬يئا‪ ،‬ت ‪33‬وهم أن باإلمك‪33‬ان‪ 3‬التس‪33‬لط علي‪33‬ه‪ ،‬كم ‪33‬ا أن ‪33‬ه ليس هن‪33‬اك حاس‪33‬ة أك‪33‬ثر إليق ‪33‬اظ الش ‪33‬هوة من‬
‫النظر‪ ،‬ألن هذه اإلثارة حتصل عن بعد ال عن قرب‪ ،‬كما أهنا حترك باقي احلواس اليت ال تتصل باملنظور‬
‫إلي‪33‬ه إال بالتمل‪33‬ك املباش‪33‬ر‪ ،‬فيك‪33‬ون‪ 3‬ذل‪33‬ك س‪33‬ببا إلث‪33‬ارة االش‪33‬تهاء‪ 3‬يف مجي‪33‬ع جوارح‪33‬ه‪ .‬ب‪33‬ل ينعكس ذل‪33‬ك على‬
‫عالقت‪33‬ه م‪33‬ع اآلخ‪33‬رين؛ إذ يت‪33‬وهم أن‪33‬ه ميتل‪33‬ك املنظ‪33‬ور إلي‪33‬ه أك‪33‬ثر مما يتملك‪33‬ه اآلخ‪33‬رون‪ ،‬فيق‪33‬ع يف آف‪33‬ة التس‪33‬لط‬
‫على اآلخر أثناء التعامل معه‪.‬‬

‫ومن آفات التفرج تضرر القدرات؛ إذ يسلمه التعود على التف‪33‬رج إىل اإلدم‪33‬ان على الص‪33‬ور‪ ،‬في‪33‬ؤثر ذل‪33‬ك‬
‫على نش‪33‬اطه اجلس‪33‬مي والفك‪33‬ري والنفس‪33‬ي كض‪33‬مور العض‪33‬الت‪ 3‬وتص‪33‬لب املفاص‪33‬ل‪ ،‬وض‪33‬عف البص‪33‬ر واحلد‬
‫من إمكانات‪3‬ه‪ .‬كم‪3‬ا أن نش‪3‬اطه الفك‪3‬ري يتض‪3‬رر وتتوق‪3‬ف قدرات‪3‬ه على التجري‪3‬د والتأم‪3‬ل واملقارن‪3‬ة والتعلي‪3‬ل‬
‫والتحلي‪3‬ل والتأوي‪3‬ل‪ 3‬والتق‪33‬ومي‪ 3،‬بس‪3‬بب الت‪33‬دفق الس‪3‬ريع للص‪33‬ور‪ .‬باإلض‪3‬افة إىل نق‪33‬ل الكث‪3‬ري من الص‪3‬ور ملن‪3‬اظر‬
‫انفعالية ومشاهد مثرية تؤثر على العمليات الفكرية السالفة‪.‬‬

‫كم ‪33‬ا أن الت ‪33‬دفق م ‪33‬ع س ‪33‬ابق اعتق ‪33‬اده‪ 3‬بص ‪33‬دق النب ‪3‬أ‪ 3‬ينتهي بش ‪33‬ل عمل ‪33‬ه العقلي‪ .‬وق ‪33‬د يلح ‪33‬ق الض ‪33‬رر اجلانب‬
‫النفس ‪3‬ي‪ 3‬للمتف ‪33‬رج؛ حيث يبل ‪33‬د ت ‪33‬دفق الص ‪33‬ور إحساس ‪33‬ه‪ ،‬فال يع ‪33‬ود يت ‪33‬أثر برؤيته ‪33‬ا مهم ‪33‬ا اش ‪33‬تد عنفه ‪33‬ا أو‬
‫إثارهتا‪ ،‬كما أن ذاكرته ال حتفظ إال ظالال باهتة منه‪33‬ا في‪33‬ؤثر ذل‪33‬ك على تعامل‪33‬ه م‪33‬ع الواق‪33‬ع احلي‪ ،‬فيم‪33‬وت‬
‫ش‪33‬عوره اإلنس‪33‬اين أو يك‪33‬اد‪ .‬كم‪33‬ا يع ُقم خيال‪33‬ه بس‪33‬بب التخم‪33‬ة ال‪33‬يت يص‪33‬اب هبا‪ ،‬فال يك‪33‬اد جيد ال‪33‬وقت لكي‬
‫يطلق العنان‪ 3‬خلياله سارحا يف عامل املمكنات‪.‬‬
‫ومن اآلف‪33‬ات أيض‪33‬ا “إب‪33‬دال ال‪33‬وهم باحلقيق‪33‬ة”؛‪ 3‬إذ األص‪33‬ل أن الص‪33‬ور حماك‪33‬اة ومتثي‪33‬ل للواق‪33‬ع‪ ،‬لكن التط‪33‬ور‬
‫التقين غري هذا األص‪3‬ل‪ ،‬حيث مت تق‪3‬دمي الص‪3‬ورة على اخلرب‪ ،‬ويتجلى ذل‪3‬ك يف نق‪3‬ل ص‪3‬ور ال تناس‪3‬ب اخلرب‬
‫ك‪3‬أن تك‪3‬ون مؤرش‪3‬فة أو مركب‪3‬ة أو معزول‪3‬ة عن س‪3‬ياقاهتا‪ .‬وم‪3‬ع ذل‪3‬ك يظ‪3‬ل املتف‪3‬رج م‪3‬أخوذا بالص‪3‬ورة‪ ،‬ب‪3‬ل‬
‫يتوهم أن فيها غناء عن اخلرب‪ .‬كما أن الصورة فقدت طبيعتها‪ 3‬اإلعالنية‪ 3‬وأص‪33‬بحت ق‪33‬ادرة على مض‪33‬اهاة‬
‫املصور يف كشفه وحفظه وإظهاره وحتريكه‪ ،‬فأضحى املتفرج شغوفا بالصورة أكثر من املصور؛ إذ إهنا‬
‫تضيف إليه ما ال يوجد أو تسقط منه ما يوجد فيزداد تومها وبعدا‪.‬‬

‫وإىل جانب هذه األمور‪ ،‬يؤدي إدمان املتفرج على الص‪3‬ور إىل إس‪3‬قاط كيفي‪33‬ات تعامل‪3‬ه االفرتاض‪3‬ي‪ 3‬معه‪3‬ا‬
‫على تعامل ‪33‬ه م ‪33‬ع املص ‪33‬ورات الواقعي ‪33‬ة‪ ،‬فتغلب على تص ‪33‬رفاته معهم أوص ‪33‬اف االنفع ‪33‬ال واإلمهال والتش ‪33‬هي‪3‬‬
‫والتحكم والتقلب‪ 3،‬ب ‪33‬ل ق ‪33‬د يص ‪33‬ل ب ‪33‬ه األم ‪33‬ر إىل قط ‪33‬ع أس ‪33‬باب االس ‪33‬تئناس بالن ‪33‬اس واالجتم ‪33‬اع إليهم‪ ،‬فال‬
‫يعترب وجودهم أو حيرتم حقوقهم كما ال يأنس بكالمهم‪.‬‬

‫ومن آف‪3‬ات التف‪3‬رج “تلف‪3‬زة الواق‪3‬ع”‪ ،‬وه‪3‬و م‪3‬ا يق‪3‬وم ب‪3‬ه تلفزي‪3‬ون الواق‪3‬ع‪ ،‬لكن‪3‬ه على ادعاءات‪3‬ه الواقعي‪3‬ة‪ 3‬فه‪3‬و‬
‫يزي‪33‬ف الواق‪33‬ع بانتق‪33‬اء الص‪33‬ور واألص‪33‬وات ال‪33‬يت تناس‪33‬ب األه‪33‬داف املرس‪33‬ومة‪ ،‬كم‪33‬ا ختض‪33‬ع لعملي‪33‬ات اإلنت‪33‬اج‬
‫واإلخ‪33‬راج‪ ،‬كم‪33‬ا أن الشخص‪33‬يات منتق‪33‬اة‪ 3‬بعناي‪33‬ة‪ ،‬وموض‪33‬وعة يف أم‪33‬اكن خمصوص‪33‬ة‪ ،‬مما يبع‪33‬د عنه‪33‬ا التمثي‪33‬ل‬
‫احلقيقي حلياهتم اليومية‪ .‬وعليه‪ ،‬فإن الواقع الذي تقدمه هذه الربامج هو واقع مبين موسوط‪.‬‬
‫أما خامس اآلفات اليت يؤدي إليها التفرج فهي آفة التلصص‪ .‬واملقص‪33‬ود ب‪33‬ه النظ‪33‬ر إىل س‪33‬وءات الغ‪33‬ري من‬
‫وراء س ‪33‬تار‪ .‬وق ‪33‬د أش ‪33‬ار ط ‪33‬ه إىل أن ه ‪33‬ذه اآلف ‪33‬ة ناجتة عن طغي ‪33‬ان النظ ‪33‬ر على ب ‪33‬اقي احلواس بس ‪33‬بب هيمن ‪33‬ة‬
‫الصورة وحتول متع‪3‬ة النظ‪3‬ر من نط‪3‬اق األث‪3‬ر احلاص‪3‬ل باتص‪3‬ال عني بالع‪3‬امل إىل نط‪3‬اق اش‪3‬تهاء ه‪3‬ذا االتص‪3‬ال‬
‫لذات‪33‬ه؛ حيث يش‪33‬تهي املتف‪33‬رج أن ينظ‪33‬ر إىل الص‪33‬ورة ال بش‪33‬هوة النظ‪33‬ر فحس‪33‬ب‪ ،‬ب‪33‬ل أيض‪33‬ا بش‪33‬هوة اجلنس‪،‬‬
‫أي بشهوة النظر املفضي‪ 3‬إىل املتعة‪ 3‬اجلنسية‪ ،‬ويستبدل بالنظر شهوة النظر اليت تفضي ب‪33‬دورها إىل تعقب‬
‫ص‪33‬ور الس ‪33‬وءات‪ ،‬مس ‪33‬تبدال بش‪33‬هوة النظ ‪33‬ر ش‪33‬هوة الف ‪33‬رج‪ ،‬فينقلب نظ‪33‬ره إىل س ‪33‬وأة مس‪33‬ترتة لكنه ‪33‬ا تطلب‬
‫الشهوة يف كل شيء‪.‬‬

‫وق‪33‬د دعم ه‪33‬ذا التح‪33‬ول الث‪33‬ورة اجلنس‪33‬ية يف الس‪33‬بعينات‪ 3‬وظه‪33‬ور الفن اإلب‪33‬احي ال‪33‬ذي ق‪33‬ام على تع‪33‬دي ك‪33‬ل‬
‫القيم األخالقي ‪33‬ة واألع ‪33‬راف االجتماعي ‪33‬ة والس ‪33‬نن اخللقي ‪33‬ة ال ‪33‬يت تض ‪33‬بط أعم ‪33‬ال االتص ‪33‬ال اجلنس ‪33‬ي‪ ،‬وحتوي ‪33‬ل‬
‫املتف‪3‬رج إىل متلص‪33‬ص كل‪33‬ه وس‪3‬وأة كل‪33‬ه‪ ،‬باإلض‪3‬افة إىل اس‪3‬تخدام مؤسس‪33‬ات اإلش‪33‬هار لش‪3‬ىت مظ‪33‬اهر اجلنس‬
‫يف إعالناهتا ل‪33‬رتويج البض‪33‬ائع وإغ‪33‬راء املس‪33‬تهلكني‪ ،‬ف‪33‬زاد الطلب على الص‪33‬ور اجلنس‪33‬ية س‪33‬عيا إلمخاد ن‪33‬ريان‬
‫الشهوة‪ ،‬لكنهم مل يزيدوها إال طلبا ملزيد منها‪ ،‬أما إمخادها وتنظيمها فلم يعد يشغل باهلم‪.‬‬

‫أما اآلفة األخرية للتفرج فهي “التعرض لعنف الصور”‪ ،‬ويتجلى ذلك من خالل اتصاف تدفق الص‪33‬ور‬
‫ب‪33‬اهلجوم‪ ،‬واتص‪33‬اف مض‪33‬امينها بالقس‪33‬وة‪ 3،‬وإث‪33‬ارة ش‪33‬هوة البطش يف املتف‪33‬رج؛ إذ تق‪33‬وم العالق‪33‬ة بني وس‪33‬ائط‬
‫اإلعالم واملتف ‪33‬رج على االتص ‪33‬ال ب ‪33‬دل التواص ‪33‬ل؛ حيث تس ‪33‬ري يف اجتاه واح ‪33‬د جتربه على قب ‪33‬ول ق ‪33‬رارات‬
‫وحتمل تصرفات مل يرغب فيها‪ ،‬فهي عالقة مبنية‪ 3‬أصال على العنف‪.‬‬
‫ومن مظ ‪33 3‬اهره املفاج ‪33 3‬أة‪ 3‬واملباغت‪33 3‬ة‪ ،‬حبيث يتلقى ص ‪33 3‬ورا ال يستش‪33 3‬ار يف فوائ ‪33 3‬دها وال يف نتائجه‪33 3‬ا وال يف‬
‫عائ‪33‬داهتا وال يف مواعي‪33‬د بثه‪33‬ا‪ ،‬كم‪33‬ا أهنا ال ت‪33‬راعي طاقت‪33‬ه االس‪33‬تيعابية‪ 3،‬وال مش‪33‬اعره ال‪33‬يت هتزه‪33‬ا ه‪33‬زا‪ ،‬وال‬
‫قدراته الفكرية‪ ،‬كما جتعله يساوي بني الصورة والواقع واحلقيقة‪3.‬‬

‫وب‪33‬الرغم من ذل‪33‬ك‪ ،‬يتح‪33‬ول ه‪33‬ذا العن‪33‬ف م‪33‬ع األلف‪33‬ة واالعتي‪33‬اد إىل ن‪33‬وع من املازوخي‪33‬ة أو التل‪33‬ذذ ب‪33‬التعنيف‪3،‬‬
‫أو قد يتحول إىل عنف متعد حبيث ال يلبث املتفرج أن ينق‪3‬ل عالقت‪3‬ه العنيف‪33‬ة بالشاش‪3‬ة إىل عالقت‪3‬ه بالن‪3‬اس‬
‫هتجما وإيذاء واندفاعا وامتالكا للحقيقة‪ ،‬مع حرصه على احملافظة على عالقته هبم‪.‬‬

‫وإىل جانب هذا‪ ،‬تطفح مضامني الصور بالقسوة البالغة كمش‪3‬اهد القت‪3‬ل والتع‪3‬ذيب والقص‪3‬ف والت‪3‬دمري‪،‬‬
‫منزل‪33‬ة ب‪33‬املتفرجني م‪33‬ا أنزل‪33‬ه األش‪33‬رار بض‪33‬حاياهم‪ .‬كم‪33‬ا أهنا تتالعب بعق‪33‬ول املتف‪33‬رجني حبيث ت‪33‬ومههم ب‪33‬أن‪3‬‬
‫احلرب اخلاطفة باألسلحة املتطورة‪ 3‬أرحم باإلنسان من احلرب الطويلة باألسلحة التقليدية‪.‬‬

‫وق ‪33‬د تع ‪33‬دى ه ‪33‬ذا األم ‪33‬ر القن ‪33‬وات‪ 3‬اإلخباري ‪33‬ة إىل ص ‪33‬ناعة الس ‪33‬ينما ال ‪33‬يت حتول فيه ‪33‬ا العن ‪33‬ف إىل ض ‪33‬رب من‬
‫ض‪33‬روب التس‪33‬لية واللعب‪ .‬وال ش‪33‬ك أن التع‪33‬ود على ه‪33‬ذه املش‪33‬اهد يش‪33‬رب قلب املتف‪33‬رج القس‪33‬وة‪ ،‬فيتبل‪33‬د‬
‫حس ‪33‬ه ومتوت مش ‪33‬اعره اإلنس ‪33‬انية‪ ،‬فال يب ‪33‬ايل بأفع ‪33‬ال العن ‪33‬ف احلقيقي ‪33‬ة ال ‪33‬يت حتدث حول ‪33‬ه‪ ،‬كم ‪33‬ا يتح ‪33‬ول‬
‫س‪33‬لوكه إىل س‪33‬لوك ع‪33‬نيف‪ ،‬ف‪33‬ريى أن إرادت‪33‬ه هي ال‪33‬يت ينبغي‪ 3‬أن تك‪33‬ون‪ 3،‬وأن عالقت‪33‬ه ب‪33‬اآلخرين هي عالق‪33‬ة‬
‫ازدح‪33‬ام ال عالق‪3‬ة متاكن‪ ،‬مقتنع‪33‬ا ب‪3‬أن‪ 3‬احلي‪3‬اة ال تتس‪33‬ع هلم‪3‬ا مع‪33‬ا‪ .‬كم‪3‬ا ال يع‪33‬ري اهتمام‪33‬ا للق‪33‬وانني واألع‪33‬راف‬
‫كما حتصل يف العامل االفرتاضي‪ 3،‬فال يرتدد يف انتهاك كل الضوابط‪ 3‬يف تعامل مع حميطه‪.‬‬

‫باإلضافة إىل ذلك‪ ،‬تس‪33‬اق عني املتف‪33‬رج مبوجب تعرض‪33‬ها هلج‪33‬وم الص‪33‬ور وقس‪33‬وة مض‪33‬امينها إىل أن تبطش‬
‫باملنظور عن بع‪3‬د كم‪3‬ا تبطش الي‪3‬د ب‪3‬امللموس عن ق‪3‬رب؛ ذل‪3‬ك أن‪3‬ه ال يس‪3‬عى إىل اإلمس‪3‬اك ب‪3‬املنظور فق‪3‬ط‪،‬‬
‫ب‪33‬ل يس‪33‬عى إىل أن يس‪33‬تقل مبنظ‪33‬وره حبيث ال ينازع‪33‬ه في‪33‬ه آخ‪33‬ر‪ ،‬كم‪33‬ا يتح‪33‬ول إمس‪33‬اكه إىل إمس‪33‬اك معانف‪33‬ة؛‬
‫ألن ص‪33‬ور العن‪33‬ف ال‪33‬يت تلقاه‪33‬ا جتعل‪33‬ه يعتق‪33‬د أن ك‪33‬ل ممس‪33‬وك م‪33‬أخوذ ب‪33‬العنف؛ أي إن‪33‬ه “بطش”‪ .‬ومييز ط‪33‬ه‬
‫عبد الرمحان بني نوعني من البطش؛ بطش زالق وهو ممارسة العنف من أجل اإليذاء‪ ،‬و”بطش ماحق”‬
‫وهو العنف من أجل البقاء‪ .‬كما يتحول بطشه إىل شهوة “ش‪3‬هوة‪ 3‬البطش”؛ إذ تورث‪33‬ه مش‪33‬اهدة الص‪33‬ور‬
‫العنيفة‪ 3‬ال اشتهاء النظر فحسب‪ ،‬بل شهوة البطش‪ ،‬أي شهوة النظر احلاملة على إيقاع البطش‪.‬‬

You might also like