بعض آداب وأحكام الطب والتداوي

You might also like

Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 16

‫‪ 1‬من ‪16‬‬

‫بعض آداب وأحكام الطب والتداوي‬ ‫عنوان اخلطبة‬


‫‪/1‬مكانة علم الطب وأمهيته ‪/2‬عناية اإلسالم بالطب‬ ‫عناصر اخلطبة‬
‫ودالئل ذلك ‪/3‬الطبيب املاهر رمحة ومواساة ‪/4‬بعض‬
‫أحكام التداوي وحماذيره ‪/5‬التحذير من أدعياء الطب‬
‫وخطرهم ‪/6‬وجوب الصرب على مجيع أقدار اهلل تعاىل‬
‫صالح البدير‬ ‫الشيخ‬
‫عدد الصفحات ‪16‬‬
‫الخطبة األولى‪:‬‬

‫أوى‪ ،‬وأش هد أاَّل إل هَ إال اهللُ وح َده ال‬


‫احلمد هلل‪ ،‬آوى مَْن إىل لطفه َ‬
‫ريك ل ه‪ ،‬داوى بإنعامه مَْن يئس من أس قامه الطب وال دوا‪ ،‬وأش هد َّ‬
‫أن‬ ‫ش َ‬
‫ومْن عصاه‬
‫عبده ورسولُه‪َ ،‬مِن اتَّبََعه كان على اهلدى‪َ ،‬‬
‫حممدا ُ‬
‫وسيدنا ً‬‫نبيَّنا َ‬
‫ضلَّ ويف خ زيِ الغوايةِ غ وى‪ ،‬ص لى اهلل عليه وعلى آله وص حبه‪ ،‬ص الة‬
‫تبقى وسالمًا يرتى‪.‬‬
‫‪ 2‬من ‪16‬‬

‫أما بع ُد‪ :‬فيا أيها المسلمون‪ :‬اتقوا اهلل؛ فتقواه أفضل مكتسَب‪ ،‬وطاعته‬
‫ين َآمنُوا َّات ُقوا اللَّهَ َح َّق ُت َقاتِ ِه َواَل مَتُوتُ َّن إِاَّل َوأَْنتُ ْم‬ ‫َّ ِ‬
‫نسب‪( ،‬يَا أَيُّ َها الذ َ‬
‫أعلى َ‬
‫)[آل ِع ْمَرا َن‪.]102 :‬‬ ‫مسلِمو َن ِ‬
‫ُْ ُ‬
‫أجل العل وم نفعً ا وأعظمها َوْق ًع ا‪،‬‬ ‫أيها المس لمون‪ُ :‬‬
‫علم الطب من ِّ‬
‫واحلَ ْذقُ فيه من ذوائب العز والش رف‪ ،‬ودون ذلك عقبة َك ْأَداء‪ ،‬ش اقَّة‬
‫وصعادًا درجة‬
‫رقاء عليها َّ‬ ‫املرتقى‪ ،‬ال ي زال ط الب الطب َّ‬
‫املص عد‪ ،‬ص عبة َ‬
‫درجة‪ ،‬حىت يبلغ املنزلة الس امقة واملرتبة الباس قة‪ ،‬اليت ال يناهلا إال اجلاد‬
‫ً‬
‫الدئِب املص ابر‪ ،‬وال حيص ِّلها إال املواظب املالزم املث ابِر‪ ،‬ق ال اإلم ام‬
‫َّ‬
‫وعْلم طبِّ‬
‫الش افعي ‪-‬رمحه اهلل‪" :-‬العِْلُم ِعْلم انِ‪ :‬عِْلم فقه األدي ان‪ِ ،‬‬
‫الشافعي يقول‪ :‬ال أعلم علمً ا بعد احلالل‬
‫َّ‬ ‫األبدان"‪ ،‬وقال الربيع‪" :‬مسعتُ‬
‫حيميك‪،‬‬
‫َ‬ ‫أنبل من الطب"‪ ،‬وقيل‪" :‬ال تَسُْكْن بلدًا ليس فيه سلطانٌ‬ ‫واحلرام َ‬
‫عالٌم ُيفتيكَ‪ ،‬وال طبيبٌ يداويكَ"‪.‬‬
‫يرويك‪ ،‬وال ِ‬
‫َ‬ ‫وال ٌ‬
‫ماء‬

‫وقد عُِنيَ اإلس الم ب الطب غايةَ العناي ة‪ ،‬وانظر كت اب الطب يف ص حيح‬
‫والرَقى يف صحيح مسلم‪ ،‬وكتاب الطب‬‫البخاري‪ ،‬وباب الطب واملرض ُّ‬
‫يف سنن أيب داود‪ ،‬وكتاب الطب عن رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪-‬‬
‫‪ 3‬من ‪16‬‬

‫يف س نن الرتم ذي‪ ،‬وكت اب الطب يف الس نن الك ربى للنس ائي‪ ،‬وكت اب‬
‫الطب يف سنن ابن ماجه‪.‬‬

‫ي أنَّ ابن ماس ويه الط بيب َلَّما ق رأ ح ديثَ النيب ‪-‬ص لى اهلل عليه‬‫ُرِو َ‬
‫شرا من بطن‪ ،‬حبسب ابن آدم أُُكالت‬ ‫وس لم‪" :-‬ما مأل آدميٌّ وع اءً ًّ‬
‫وثلث لش رابه‪ٌ ،‬‬
‫وثلث‬ ‫فثلث لطعام ه‪ٌ ،‬‬ ‫قمن ص لبَه‪ ،‬ف إن ك ان ال حمالة ٌ‬ ‫يُ َ‬
‫ات َلسَِلموا من األم راض‬
‫لنفس ه"‪ ،‬ق ال‪" :‬لو اس تعمَل الن اسُ ه ذه الكلم ِ‬
‫واألس قام‪ ،‬ولتعطَّلت املارس تاناتُ ودك اكنيُ الص يادلةِ"‪ ،‬وق الت الع رب‪:‬‬
‫"خري الغداء بواكره‪ ،‬وخري العَشاء بواصره"‪.‬‬

‫والط بيب احلاذق املاهر الب ارع‪ ،‬يس تدلُّ على األدواء اخلوايف ويُزيل‬
‫شرطه شفقةً‪،‬‬
‫رمحة‪ ،‬ومِ َ‬‫جع ل اهلل مِبضََعه ً‬
‫الغواشي‪ ،‬عن العيون العواشي‪َ ،‬‬
‫وجراحته جناة‪ ،‬ووصله ِحباء‪ ،‬ورباطه دواء‪ ،‬وعقاقريه شفاء‪ ،‬مسَّْته العربُ‬
‫يرف ق ب املريض ويالطفه ويواس يه‪ ،‬واهلل هو ال ذي‬ ‫احلكيمَ والرفيقَ؛ ألنه ُ‬
‫يُربئه ويعافي ه‪ ،‬وال يقدِّر األطب اء ولو اجتمع وا على سَْوق الش فاء ملريض‬
‫وحده‪ -‬الشايف‪ ،‬الذي ابتلى باألدواء‪ ،‬وأعان‬‫إال بإذن اهلل‪-‬تعاىل؛ ألنه ‪َ -‬‬
‫ورِحَم بالشفاء‪.‬‬
‫بالدواء‪َ ،‬‬
‫‪ 4‬من ‪16‬‬

‫اإلله هلا طبيبُ؟!‬


‫يَُمنِِّيني الطبيبُ شفاءَ َعيِْني *** وهل غريُ ِ‬

‫وملا ك ان الش فاء من أص ول النِّعَم اليت ال يناهلا املريضُ إال من اهلل ال من‬
‫ت َف ُه و يَ ْش ِف ِ‬
‫ني)‬ ‫(وإِذَا َم ِر ْ‬
‫ض ُ َ‬ ‫الطب‪ ،‬ق ال إب راهيم ‪-‬عليه الس الم‪َ :-‬‬
‫[الش َعَر ِاء‪ ،]80 :‬وعن ص هيب ‪-‬رضي اهلل عن ه‪ -‬يف قصة الغالم‪ ،‬ال ذي‬ ‫ُّ‬
‫ك ان ُي ربئ األكمهَ واألب رصَ وي داوي س ائرَ األدواء ب إذن اهلل‪ ،‬فسَِمَع به‬
‫للمِل ك كان قد عمي‪ ،‬فأتى الغالمَ هبدايا كثرية‪ ،‬فقال‪" :‬ما هاهنا‬ ‫جليسٌ َ‬
‫اهلل‪ ،‬فإن‬
‫أمجع إن أنتَ شفيتَين"‪ ،‬قال‪" :‬إين ال أشفي أحدًا‪ ،‬إمنا يشفي ُ‬ ‫لك ُ‬ ‫َ‬
‫بصره‪.‬‬
‫ورد عليه َ‬ ‫اهلل َّ‬
‫اهلل فش فاكَ"‪ ،‬ف آمَن باهلل فش فاه ُ‬
‫آمنتَ باهلل دع وتُ َ‬
‫(أخرجها مسلم)‪.‬‬

‫نزَل القَْطِر‬
‫أدعوك يا ُم ِ‬
‫َ‬ ‫لطبه *** ِ‬
‫ولكنَّيِن‬ ‫وأصبحتُ ال أدعو طبيبًا ِّ‬

‫ولألطباء واملمرضني فضل يقصُر القول عن ِكفائه واستيفائه‪.‬‬

‫الدِّر البحورُ؟!‬
‫ك ال ُيجازى *** وهل ُتجازى على ُّ‬
‫وأعلم أنَّ طَْوَل َ‬
‫ُ‬
‫‪ 5‬من ‪16‬‬

‫جهدهم‬
‫ُمِّرضني ق درَهم‪ ،‬واش كروا هلم َ‬ ‫ف احفَظوا لألطب اء مك انتَهم‪ ،‬وللم َ‬
‫رفيع ا حلماية الناس من‬
‫وتضحياتِهم‪ ،‬وقد وقفوا مجيعً ا حصنًا منيعً ا وذرًى ً‬
‫وموافِق ال تتكي‪.‬‬
‫حومة املوت وغمرة "كورونا"‪ ،‬بقلوب ال تشتكي‪َ ،‬‬

‫ستنشُق‬
‫وتفوح من طيب الثناء روائح *** هلمو بكل مكانة تُ َ‬

‫مدحناهم فلم ُندرك مبدحٍ *** مآثَِرهم ومل نرتُْك مقالَا‬

‫املمادح طاب يف أمثالكم *** ماذا أقول وأنتمُ ما‬


‫ِ‬ ‫وممرضينا‪ :‬نَْظُم‬
‫أطباءنا ِّ‬
‫أنتمُ‬
‫ف مِنكُُم‬
‫عر ُ‬
‫واحلبُّ واإليثارُ ُي َ‬
‫آثَْرتُُموا املرضى على أوالدكم *** ُ‬

‫أيها المس لمون‪ :‬ويُس تحبُّ الت داوي‪ ،‬ف إن ك ان تركه ُيفضي إىل اهللكة‬
‫واجب ا‪ ،‬عن أس امة بن ش ريك ‪-‬رضي اهلل عن ه‪ -‬أن رس ول اهلل‬ ‫ص ار ً‬
‫أنزل‬
‫داء َّإلا وقد َ‬
‫نزل ً‬
‫‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬تداوَْوا؛ فإن اهلل مل يُ ِ‬
‫السام واهلَ َرم" (أخرجه أمحد وأصحاب السنن‪ ،‬وابن حبان‪،‬‬ ‫له شفاءً‪ ،‬إال َ‬
‫األمر احملت وم‪ ،‬وانقضى األمد‬
‫نزل ُ‬ ‫واللفظ ل ه)‪ ،‬والس ام يعين املوت‪ ،‬ف إذا َ‬
‫املقسوم‪ ،‬خانت العقاقريُ وبطلت التدابريُ‪.‬‬
‫‪ 6‬من ‪16‬‬

‫كل طبيبِ‬
‫دواء املوتِ َّ‬
‫قبلنا *** وأَْعيَا ُ‬
‫وقد فارَق الناسُ األحبةَ َ‬

‫الردى *** فنجا ومات طبيبُه والعَُّوُد‬


‫كم من عليل قد ختطاه َّ‬

‫والذراعَا‬
‫ك ِّ‬ ‫جس كفَّ َ‬
‫يقول لك الطبيب‪ :‬دواكَ عندي *** إذا ما َّ‬

‫زاعا‬
‫يرد املوتَ ما قاسى النِّ َ‬
‫داء *** ُّ‬
‫عرف الطبيبُ دواءَ ٍ‬
‫ولو َ‬

‫ضنا *** وهل يشفي من املوت الدواءُ؟‬


‫نعلل بالدواء إذا َمِر ْ‬
‫ِّ‬
‫يقدمه القضاءُ؟‬
‫يؤخر ما ِّ‬
‫وخنتار الطبيبَ وهل طبيبٌ *** ِّ‬

‫حساب *** وما حركاتُنا إال َف ُ‬


‫ناء‬ ‫ٌ‬ ‫وما أنفاسُنا إال‬

‫وتطميعه يف العافية‪،‬‬
‫ُ‬ ‫تشجيع املريض‬
‫ُ‬ ‫أيها المسلمون‪ :‬وجيب على الطبيب‬
‫والرفق‬
‫والتلطُّف معه يف املقال‪ ،‬والتنفيس والتوسيع والتفريج والرتفيه له‪ِّ ،‬‬
‫به‪ ،‬وتبديد خوفه وقلقه‪ ،‬وتسكني َرْوعه وفزعه‪ ،‬وتذكريه وتطمينه‪ ،‬وقد‬
‫خيفف‬
‫قي ل‪" :‬لطفُ الط بيبِ نصفُ ال دواءِ"‪ ،‬والتبس ُّم يف وجه املريض ِّ‬
‫عظيم وقع ه‪ ،‬وجليل نفع ه‪،‬‬
‫آالم ه‪ ،‬وإدخ ال الس رور علي ه‪ ،‬ال خيفى ُ‬
‫‪ 7‬من ‪16‬‬

‫الفظ الغليظ اجلافي مير على املريض ك الريح اهلج وم‪ ،‬اليت تقتلع‬ ‫والط بيب ُّ‬
‫روع املريض بالعلة الفاجع ة‪،‬‬‫ما أمامَه ا‪ ،‬وت دمِّر يف النف وس آمالَه ا‪ ،‬ومَْن َّ‬
‫علة‪.‬‬
‫الطني بَِّلًة‪ ،‬واملرضَ ً‬
‫تذليل فقد زاد َ‬‫متهيد وال ٍ‬
‫بال توطئةٍ وال ٍ‬

‫التحلي بالص رب‪ ،‬ومراع اة حق وق املرض ى‪ ،‬وجرب‬ ‫وجيب على الط بيب ِّ‬
‫وعظَمت‬
‫ضعَفت ق واه ُ‬ ‫املص اب‪ ،‬والعطف على املريض املبتََلى‪ ،‬ال ذي ُ‬
‫شكواه‪ ،‬فخذوا ‪-‬أيها األطباءُ‪ -‬بأيدي مرضاكم من ضيق األمل إىل سعة‬
‫األمل‪ ،‬ومن وطأة احلرج إىل فضاء الفَ َرج‪ ،‬وجيب على الطبيب أن ُي نزل‬
‫سره‪ ،‬ويكتم عيبَ ه‪ ،‬ويكفَّ‬ ‫املريضَ منزلةَ نفسِه‪ ،‬فيص ون عرضَه‪ ،‬وحيفظ َّ‬
‫ضرر عليه‪ ،‬وجيب ألَّا يكشف‬ ‫عن إفشاء علته‪ ،‬اليت قد يكون يف كشفها ٌ‬
‫التحري والتوقِّي والرتوِّي‬
‫عورتَه إال لضرورة العالج‪ ،‬وجيب على الطبيب ِّ‬
‫يف التش خيص والتوص يف‪ ،‬والتثبُّت من علة املرض‪ ،‬واالستش ارة يف‬
‫وحيرم‬
‫العجل ة‪ ،‬وت رك اإلق دام على ما ال يُِتقن‪ُ ،‬‬
‫وت ْرك َ‬ ‫األم ور امللتَِبس ة‪َ ،‬‬
‫تعاطي الطب من اجلاهل الذي ال علم له‪ ،‬وال حذق لديه‪ ،‬وال إتقان وال‬
‫غرر‬
‫راس‪ ،‬ومىت تع اطى املتطببُ اجلاهل الطب وم داواة املرض ى‪ ،‬فقد َّ‬ ‫مِ َ‬
‫بالتهور وإساءة العالج‬
‫ُّ‬ ‫وأقدم‬
‫وهجم جبهله على إتالف األنفس‪َ ،‬‬ ‫بالناس‪َ ،‬‬
‫‪ 8‬من ‪16‬‬

‫وتضمينه؛ حلديث عمرو بن شعيب عن‬‫ُ‬ ‫تعزيره‬


‫تعمد الضرر‪ ،‬فيلزم ُ‬ ‫على ُّ‬
‫تطبب‬
‫أبيه عن جده‪ ،‬قال‪" :‬قال رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ :-‬مَْن َّ‬
‫ب فهو ض امنٌ" (أخرجه أبو داود والنس ائي)‪( ،‬وعند‬ ‫وال ُيعلمَ منه طِ ٌّ‬
‫معروف ا‬
‫ً‬ ‫تطبب ومل يكن ب الطب‬‫ال دارقطين وص ححه احلاكم)‪" :‬من َّ‬
‫ضامن"‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫سا فما دونَها فهو‬‫فأصاب َنفْ ً‬

‫وال جيوز للمتطبب اجلاه ل‪ ،‬أو الط بيب غري احلاذق إج راء العملي ات‬
‫وظلم‪ ،‬وضَِمَن ما‬ ‫وأجرم َ‬
‫أجراها فقد أَِثَم َ‬
‫اجلراحي ة‪ ،‬وال مباش َُرتها‪ِ ،‬فإنْ َ‬
‫ت ي داه‪ ،‬وأخطأ خطأً ال‬ ‫أخطأ فيه وس رايته‪ ،‬والط بيب ذو املهن ة‪ ،‬إذا َجنَ ْ‬
‫امن‪ ،‬ق ال اخلط ايبُّ‪" :‬ال‬
‫فرط فهو ض ٌ‬ ‫يقع فيه أمثالُ ه أو أمهَ ل أو قصَّر أو َّ‬
‫ضامنا‪ ،‬واملتعاطي‬
‫خالف ا يف أن املعالِج إذا تعدَّى فتلف املريضُ كان ً‬ ‫أعلم ً‬
‫التلف ض َِمَن الديةَ"‪،‬‬
‫عملا ال يعرفه متعدٍّ‪ ،‬ف إذا تولَّد من ِفعِْل ه ُ‬
‫علمً ا أو ً‬
‫املخاوف‪ ،‬وينشر املهالكَ‪.‬‬
‫َ‬ ‫والطبيب اجلاهل يستحثُّ املوتَ‪ ،‬ويزرع‬

‫تفريط الطبيبِ‬
‫ُ‬ ‫ح ُرَّم على فساد *** تبيَّن فيه‬
‫فإذا ما اجلُْر ُ‬
‫‪ 9‬من ‪16‬‬

‫وحيرم حشو‬
‫وحيرم على الط بيب ص رفُ أدوية ال حيت اج هلا املريضُ‪ُ ،‬‬ ‫ُ‬
‫التحقق من علت ه‪ ،‬بل مبج رد‬
‫ويحقن‪ ،‬ب دون ُّ‬ ‫املريض مبا ُيس قى ويسفُّ ُ‬
‫اخلَ ْرص‪ ،‬والتوقيع ب الظن‪ ،‬والتخيُّل لل داء‪ ،‬ك ان يف الوج ود أم مل يكن‪،‬‬
‫وحسب‪ ،‬بل‬
‫ُ‬ ‫والس قام ال ُت داوى باألوه ام‪ ،‬وليس املقص ود زوال املرض‬
‫أشد‪.‬‬
‫علة ُّ‬
‫آخُر‪ ،‬أو ٌ‬
‫مرض َ‬
‫زواله على وجه مأمون‪ ،‬ال ينشأ عنه ٌ‬

‫وحيرم استغالل املرضى‪ ،‬بإجراء الفحوصات والكشوفات والتحاليل اليت‬ ‫ُ‬


‫االجتار وس لبُ أم وال‬
‫ُ‬ ‫ال ض رورةَ تس تدعيها‪ ،‬وال غايةَ من إجرائه ا‪ ،‬إال‬
‫ج ر ب آالم املرضى‬ ‫املرض ى‪ ،‬وبئس ال ثراءُ‪ ،‬ث راءٌ ال ينمو إال على التَّ ْ‬
‫واملوعوكني‪.‬‬

‫عايل الثمن‪ ،‬مع وجود‬ ‫ومن األطباء والصيادلة َمْن يصرف للمرضى دواءً َ‬
‫مماث ل يف األث ر‪ ،‬رخيص يف الثمن‪ ،‬يفعل ذلك بقصد ال رتويج‬ ‫ب ديل مالئم ِ‬
‫فيقدم‬
‫قدم منه ا‪ِّ ،‬‬ ‫لشركات األدوي ة‪ ،‬واحلص ول على بعض الع روض اليت تُ َّ‬
‫مص لحتَه على مص لحة املريض‪ ،‬وال يفعل ذلك إال َمْن خال قلبُ ه أو ك اد‬
‫أن خيلو من الرمحة واخلش ية‪ ،‬وحفظ العهد وص َْون األمان ة‪ ،‬عن أنس‬
‫‪-‬رضي اهلل عن ه‪ -‬ق ال‪" :‬قلَّما خطََبنا رس ول اهلل ‪-‬ص لى اهلل عليه وس لم‪-‬‬
‫‪ 10‬من ‪16‬‬

‫عهد ل ه" (أخرجه‬


‫دين ملَْن ال َ‬
‫إميان َملْن ال أمانةَ ل ه‪ ،‬وال َ‬
‫إال ق ال‪ :‬ال َ‬
‫البيهقي)‪.‬‬

‫أيها المس لمون‪ :‬اح ذروا دجاجلة الطب‪ ،‬ال ذين يفتح ون العي ادات‬
‫ويدعون القدرة على عالج‬ ‫املشبوهة‪ ،‬ويستقبلون املرضى بدون تصريح‪َّ ،‬‬
‫وحنذر املس لمني من‬
‫بعض األم راض‪ ،‬وي بيعون املستحضَرات املغشوش ة‪ِّ ،‬‬
‫تصديق غري املتخصِّصني يف الطب‪ ،‬الذين ينشرون الوصفات الطبية‪ ،‬عرب‬
‫ويعبَث ون حبي اة املرض ى‪،‬‬
‫وس ائل التواصل االجتم اعي‪ ،‬وي بيعون ال وهمَ‪َ ،‬‬
‫لحق ون الض ررَ ال بيَِّن املس تيقََن بص حة الن اس وأب داهنم‪ ،‬وينش رون‬
‫ويُ ِ‬
‫األخطارَ ويتقحمون األسوارَ‪ ،‬فاحذروا االخنداعَ هبؤالء الظلمة املفسدينَ‬
‫اجملرمني يف حق النفس البش رية‪ ،‬اليت ج اء اإلس الم بوج وب‬
‫َ‬ ‫يف األرض‪،‬‬
‫محايتها وصيانتها وحترمي االعتداء عليها‪.‬‬

‫أيها المس لمون‪ :‬لقد أزهق اهلل أباطيل الكَُّهان بالفُْرق ان والق رآن‪،‬‬
‫يدعون علم‬ ‫دجالني واملنجِّمني واملش عوِذينَ‪ ،‬ال ذين َّ‬
‫فاح ذروا الكهنة وال َّ‬
‫املغيَّب ات‪ ،‬وكشف املضمَرات‪ ،‬ومعرفة اخلفيَّات‪ ،‬اح ذروا دجاجلة الرق اة‪،‬‬
‫وأدخل وا فيها الب دعَ‬
‫الرقى الش رعية‪ ،‬وزادوا عليه ا‪َ ،‬‬ ‫ال ذين خرج وا عن ُّ‬
‫‪ 11‬من ‪16‬‬

‫يدعون‬‫الكذابني‪ ،‬ال ذين َّ‬‫املقيتة البغيض ة‪ ،‬اح ذروا املخ ادِعني املموِّهني َّ‬
‫ني‪ ،‬واملص روعني ب اخلنق والش نق والربط‬ ‫عالج املس حورِين واملمسُوس ِ َ‬
‫جب واجلوامع والتم ائم‬ ‫وال وخز والطالسم والش عوذة‪ ،‬وي بيعون احلُ ُ‬
‫ويروج ون‬
‫واحلروز‪ ،‬ويص نعون التعاويذ واملعلَّق ات وال رقى الش ركية‪ِّ ،‬‬
‫اخلرافة وي بيعون األوه ام اليت ال تنطلي إال على ض عيف العقل والعقي دة‪،‬‬
‫عن عمران بن حصني ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬قال‪" :‬قال رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل‬
‫تطير أو تُِطَّير ل ه‪ ،‬أو تكََّهن أو تُُكِّهَن ل ه‪ ،‬أو‬
‫عليه وس لم‪ :-‬ليس منا مَْن َّ‬
‫فصدَقه مبا قال فقد‬‫عقدة‪ ،‬ومن أتى كاهنً ا َّ‬ ‫حَر له‪ ،‬ومن عقد ً‬ ‫حَر أو سُ ِ‬ ‫سَ َ‬
‫البزُار)‪.‬‬
‫نزَل على حممد ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪("-‬أخرجه َّ‬ ‫كفَر مبا ُأ ِ‬

‫ومن أتى ه ؤالء الدجاجلة فهو ش ريك هلم يف اإلمث؛ ألنه كثَّر س وادَهم‪،‬‬
‫تبليغ اجله ات األمنية عن ه ذه األوك ار اخلبيث ة‪،‬‬
‫وروج ب اطلَهم‪ ،‬وجيب ُ‬
‫َّ‬
‫السرت عليهم والسكوتُ عليهم‪.‬‬
‫وحيرم ُ‬‫ُ‬

‫سَلَم أعراضٌ لنا وعقولُ‬


‫ون علينا أن تصاب جسومنا *** وتَ ْ‬
‫يَُه ُ‬
‫‪ 12‬من ‪16‬‬

‫اهلل يل ولكم‪ ،‬ولسائر املسلمنيَ من كل ذنب‬


‫أقول ما تسمعون وأستغفِر َ‬
‫غفورا‪.‬‬
‫لألوابني ً‬
‫وخطيئة فاستغفِروه‪ ،‬إنه كان َّ‬
‫‪ 13‬من ‪16‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫احلمد هلل ذي اآلالء والنِّعَم‪ ،‬ومُ ودِع الس مع واألبص ار والكَِلم‪ ،‬مَْن حيمد‬
‫اهلل يأتيه املزيد ومن يكفر فكم نعم آلت إىل ِنقَم‪.‬‬

‫عبده ورسولُه‪ ،‬صلى‬


‫حممدا ُ‬
‫وسيدنا ً‬ ‫اهلل‪ ،‬وأشهد َّ‬
‫أن نبيَّنا َ‬ ‫وأشهد َّألا إلهَ إال ُ‬
‫كثريا‪.‬‬ ‫اهلل عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم ً‬
‫تسليما ً‬
‫وراقبوه وأطيعوه وال تعصوه‪( ،‬يَا‬ ‫أما بع ُد‪ :‬فيا أيها المسلمون‪ :‬اتقوا اهلل ِ‬
‫ني)[الت َّْوبَِة‪.]119 :‬‬‫أَيُّها الَّ ِذين آمنوا َّات ُقوا اللَّه و ُكونُوا مع َّ ِ ِ‬
‫الصادق َ‬ ‫ََ‬ ‫ََ‬ ‫َ َُ‬ ‫َ‬
‫دمت يف ه ذه ال دار‬ ‫أيها املس لمون‪ :‬الربايا أه داف البالي ا‪ ،‬وقد قي ل‪" :‬ما َ‬
‫وج ِز َ‬
‫ع‬ ‫ع َ‬ ‫فال تس تغرب وق وعَ األك دار‪ ،‬فال تكن َّممن أص ابَه الضُُّّر َف ِز َ‬
‫س من رمحة رب ه‪ ،‬وت ذكَّْر ق ولَ النيبِّ ‪-‬ص لى اهلل عليه‬ ‫واخنلع قلبُ ه‪ ،‬وأَِي َ‬
‫ت له من اهلل منزلةٌ‪ ،‬مل يبلغها بعمله‪ ،‬ابتاله اهلل‬ ‫سبقَ ْ‬
‫وسلم‪" :-‬إن العبد إذا َ‬
‫يف جس ده‪ ،‬أو يف مال ه‪ ،‬أو يف ول ده‪ ،‬مث صبََّره على ذل ك‪ ،‬حىت ُيِّبلغَ ه‬
‫املنزلةَ اليت سبََقتْ له من اهلل ‪-‬تع اىل‪("-‬أخرجه أبو داود)‪ ،‬ق ال أحد‬
‫‪ 14‬من ‪16‬‬

‫الس لف‪" :‬ل وال مص ائب ال دنيا َلَوَرْدنا القيامةَ مف اليسَ"‪ ،‬وق ال قيس بن‬
‫ساعات اخلطايا"‪.‬‬
‫ِ‬ ‫الوجع ُيذهنبَ‬
‫ِ‬ ‫عباد‪" :‬ساعاتُ‬

‫اهلل العافيةَ‪ ،‬عن أنس ‪-‬رضي‬ ‫يتمنى املؤمنُ تعجيل العقوب ة‪ ،‬بل يس أل َ‬ ‫وال َّ‬
‫رجلا من املسلمني‬ ‫اهلل عنه‪ -‬أن رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬عاد ً‬
‫ت‪ ،‬فص ار مثل الفَ ْرخ‪ ،‬فق ال له رس ول اهلل ‪-‬ص لى اهلل عليه‬ ‫قد َخفَ َ‬
‫ول‪:‬‬‫ت أَقُ ُ‬ ‫ال‪َ :‬ن َع ْم‪ُ .‬كْن ُ‬ ‫ت تَ ْدعُو بِ َش ْي ٍء‪ ،‬أ َْو تَ ْسأَلُهُ إِيَّاهُ؟ قَ َ‬
‫"ه ْل ُكْن َ‬
‫وسلم‪َ :-‬‬
‫ول ِ‬
‫اهلل‬ ‫ال َر ُس ُ‬ ‫ت ُم َعاقِيِب بِِه يِف اآْل ِخ َر ِة َف َع ِّج ْل هُ يِل يِف ُّ‬
‫الد ْنيَا‪َ .‬ف َق َ‬ ‫الله َّم َما ُكْن َ‬
‫ُ‬
‫اهلل اَل تُ ِطي ُق هُ‪َ ،‬واَل تَ ْس تَ ِطيعُهُ‪َ ،‬ف َهاَّل‬ ‫‪-‬ص لَّى اهلل علَي ِه وس لَّم‪ :-‬س بحا َن ِ‬
‫ُ َْ َ َ َ ُ َْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الله َّم آتِنَا يِف ُّ‬
‫اب النَّا ِر"‪.‬‬ ‫الد ْنيَا َح َس نَةً‪َ ،‬ويِف اآْل خ َر ِة َح َس نَةً‪َ ،‬وقنَا َع َذ َ‬ ‫ت‪ُ :‬‬ ‫ُق ْل َ‬
‫‪-‬عَّز َو َج َّل‪("-‬أخرجه مسلم)‪.‬‬ ‫‪-‬عَّز َو َج َّل‪ ،-‬فَ َش َفاهُ اهللُ َ‬ ‫"فَ َد َعا اهللَ َ‬
‫فإن أمرض فما مرض اصطباري *** وإن ُأْحَمْم فما ُحَّم اعتزامي‬
‫احلمامِ إىل احلِ ِ‬
‫مام‬ ‫سلمت من ِ‬
‫ُ‬ ‫وإن أَْسَلْم فما أبقى ولكِْن ***‬

‫فمن صلَّى عليه ص الة‬ ‫وسلموا على أمحد ش فيع ال ورى طُ ًّرا‪َ ،‬‬
‫وصلُّوا ِّ‬
‫وسلم على نبيِّنا حمم د‪ ،‬بشري‬
‫صل ِّ‬ ‫عشرا‪ ،‬اللهم ِّ‬
‫اهلل عليه هبا ً‬
‫واح دةً صلَّى ُ‬
‫‪ 15‬من ‪16‬‬

‫الرمحة والث واب‪ ،‬ون ذير الس طوة والعق اب‪ ،‬الش افع املشفَّع ي وم احلس اب‪،‬‬
‫وهاب‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫وارض عن مجيع اآلل واألصحاب‪ ،‬وعنَّا معهم يا كرميُ يا‬
‫َ‬ ‫اللهم‬

‫ود ِّمر أع داءَ‬


‫ركني‪َ ،‬‬ ‫لمني‪ ، ،‬وأ َِذ َّل الش َ‬
‫رك واملش َ‬ ‫الم واملس َ‬
‫ِ‬
‫اللهم أَع َّز اإلس َ‬
‫واحلروب والنزاع اتِ عن مجيع أوط ان املس لمني‪ ،‬يا‬
‫َ‬ ‫ال دِّي ِن‪ ،‬وادفع َ‬
‫الفنت‬
‫مني‪.‬‬
‫الراح َ‬
‫أرحمَ ِ‬

‫خادم احلرمني الشريفني‪ ،‬ملا حتب وترضى‪،‬‬ ‫وويل أمرنا‪َ ،‬‬ ‫وفق إمامَنا َّ‬
‫اللهم ِّ‬
‫وويل عه ده لِ َما فيه عز اإلس الم‬ ‫وخذ بناص يته للرب والتق وى‪ ،‬اللهم ِّ‬
‫وف ْقه َّ‬
‫العاملني‪.‬‬
‫َ‬ ‫رب‬
‫وصالح املسلمني‪ ،‬يا َّ‬

‫املني‪ ،‬اللهم ِ‬
‫داو‬ ‫َ‬ ‫رب الع‬
‫اللهم احفظ ح دودنا‪ ،‬وانصر جنودن ا‪ ،‬يا َّ‬
‫جرحاهم‪ ،‬واشفِ مرضاهم‪ ،‬وتقبَّلموتاهم يف الشهداء يا كرميُ‪.‬‬

‫اللهم اشفِ مرض انا‪ ،‬وع افِ مبتالن ا‪ ،‬وارحم موتان ا‪ ،‬وانص رنا على مَنْ‬
‫أحدا‪ ،‬وال جتعل لك افر‬
‫ت بنا ً‬ ‫رزقنا َر َغ ًدا‪ ،‬وال ُتشمِ ْ‬
‫عادان ا‪ ،‬اللهم اجعل َ‬
‫يدا‪ ،‬اللهم اغفر آلبائن ا‪ ،‬اغفر آلبائن ا‪ ،‬اللهم اغفر ألمهاتن ا‪ ،‬اللهم‬
‫علينا ً‬
‫‪ 16‬من ‪16‬‬

‫مرفوع ا‪،‬‬
‫ً‬ ‫صغارا‪ ،‬اللهم اجعل دعاءنا مسموعًا‪ ،‬ونداءنا‬
‫ربْونا ً‬‫ارمحهم كما َّ‬
‫يا كرمي يا عظيم يا رحيم‪.‬‬

You might also like