Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 5

‫استحقاقات المراحل االنتقالية في دول الثورات العربية‬

‫لم تسفر الث ورات العربي ة عن تأس يس نظم سياس ية تحكمه ا‬


‫ص يغ مس تقرة لت داول الس لطة‪ ،‬إذ إن حال ة الض بابية ال تي‬
‫اتسمت بها المراح ل االنتقالي ة في كاف ة دول الث ورات أدت إلى‬
‫إع ادة إنت اج أزم ات الش رعية نتيج ة العج ز عن الوف اء‬
‫باالس تحقاقات الثوري ة‪ ،‬واالفتق اد لعق د اجتم اعي يض بط آلي ات‬
‫تداول الس لطة وأداء الدول ة لوظائفه ا االقتص ادية واألمني ة‪ ،‬في‬
‫خض م ح راك اجتم اعي احتج اجي يكش ف عن تآك ل س ريع‬
‫لش رعية النظم البديل ة "المنتخب ة" ال تي ت ولت مقالي د الحكم‬
‫محل النظم السابقة‪ ،‬فيما يعرف بـ"اإلحالل السلطوي"‪.‬‬

‫ددة‬ ‫اد متع‬ ‫أبع‬

‫تعرض ت النظم الص اعدة في دول اإلقليم لتآك ل س ريع في‬


‫شرعيتها في ظل إحباط ثورة التوقع ات بم ا يمكن تحقيق ه على‬
‫إثر الثورات‪ ،‬وتصاعد النزوع للعنف‪ ،‬والحراك االحتجاجي "الفئوي"‬
‫الذي أنتجته المشكالت االقتص ادية الح ادة‪ ،‬والفش ل في ط رح‬
‫نم وذج تنم وي يحق ق العدال ة االجتماعي ة‪ ،‬فض ال عن اس تمرار‬
‫النزعة الس لطوية‪ ،‬م ع اختالف الح دة واألبع اد الحاكم ة ألزم ات‬
‫الشرعية‪ ،‬فبينما يعاني النظام السوري من انهيار كامل ألسس‬
‫الشرعية؛ ف إن النظ امين الح اكمين في مص ر وت ونس يواجه ان‬
‫أع راض االنح دار المض طرد في الرض اء الع ام عن سياس اتهما‪،‬‬
‫ومناوأة تيارات المعارضة المدنية‪ ،‬في حين تواجه النظم الحاكمة‬
‫في البح رين وليبي ا واليمن معض الت االنقس امات المذهبي ة‬
‫والقبلية والميليشيات المسلحة والعنف المتص اعد بين الفص ائل‬
‫السياسية المختلفة‪ ،‬وفي هذا الص دد تتمث ل أهم أبع اد أزم ات‬
‫رعية في اآلتي‪:‬‬ ‫الش‬

‫‪    -1‬الحراك االحتجاجي العنيف‪ ،‬إذ لم تنجح النظم السياس ية‬


‫في الوفاء باستحقاقات الثورات العربية‪ ،‬وه و م ا أدى إلى تفج ر‬
‫موج ة أك ثر عن ًف ا من الح راك االحتج اجي؛ حيث أدى اغتي ال‬
‫المع ارض اليس اري التونس ي ش كري بلعي د‪ ،‬في ‪ 6‬ف براير‬
‫الج اري‪ ،‬إلى ان دالع احتجاج ات وتنظيم عص يان م دني وح رق‬
‫لمقرات حركة النهضة التابعة لجماعة اإلخوان المسلمين‪ ،‬بينم ا‬
‫لم تنقض بعد الموجات االرتدادية لذكرى ثورة ‪ 25‬ين اير في مص ر‬
‫وما تبعها من أعمال عنف في مختلف محافظات الجمهورية‪ ،‬في‬
‫حين ال تزال البح رين تش هد أعم ال ش غب متقطع ة من ج انب‬
‫المنتمين لجمعية الوف اق الش يعية وق وى المعارض ة الرئيس ية‪.‬‬

‫‪    -2‬افتقاد األسس الدستورية‪ ،‬حيث لم تتمكن النظم الصاعدة‬


‫من تأسيس ُأطر دستورية حاكمة للتفاعالت السياس ية وت داول‬
‫السلطة‪ ،‬فعلى الرغم من تمرير الدستور المصري في ديس مبر‬
‫الماضي‪ ،‬فإن اتساع نطاق الفئات الرافضة ل ه يق وض من قدرت ه‬
‫على ضبط التفاعالت السياسية في ظل ما يتض منه من قواع د‬
‫ُتثير خالفات كونه ا تف رض قي و ًدا على الحري ات العام ة والعدال ة‬
‫االجتماعية والمساواة‪ ،‬في حين لم تتمكن أي من دول الث ورات‬
‫األخ رى من ص ياغة دس اتير في ظ ل الخالف ات المحتدم ة بين‬
‫ية‪.‬‬ ‫ارات السياس‬ ‫ف التي‬ ‫مختل‬

‫‪    -3‬تق ويض االحتك ار الش رعي للق وة‪ ،‬ال س يما وأن انتش ار‬
‫الميليشيات المسلحة يحول دون فرض القانون في مختلف دول‬
‫الثورات العربية‪ ،‬ففي ليبيا ال تزال سطوة الميليشيات المسلحة‬
‫حاكمة للمش هد السياس ي‪ ،‬في حين ي زداد األم ر تعقي ًدا في‬
‫اليمن‪ ،‬في ظل الصراع بين الميليشيات القبلي ة وفص ائل تنظيم‬
‫القاعدة من ج انب‪ ،‬والص دامات المتقطع ة بين الحوث يين وأنص ار‬
‫حزب التجم ع الوط ني لإلص الح الت ابع لإلخ وان المس لمين من‬
‫جانب آخر‪ ،‬والتي تكشف عن افتقاد الدولة للس يطرة‪ ،‬في ظ ل‬
‫انقس ام الق وات المس لحة اليمني ة بين أنص ار نج ل ال رئيس‬
‫السابق علي عبد هللا صالح واللواء محس ن األحم ر‪ ،‬وه و وض ع‬
‫يصل ح ده األقص ى في الحال ة الس ورية في إط ار ح رب أهلي ة‬
‫كامل ة بين الجيش النظ امي وفص ائل الجيش الس وري الح ر‪.‬‬
‫‪    -4‬فقدان شرعية اإلنج از‪ ،‬بس بب فش ل مختل ف الحكوم ات‬
‫في دول الث ورات في إنج از أي من االس تحقاقات الثوري ة‪ ،‬في‬
‫ظ ل تف اقم األزم ات االقتص ادية‪ ،‬واحت دام مش كالت البطال ة‪،‬‬
‫تثمارات‪.‬‬ ‫اض حجم االس‬ ‫عار‪ ،‬وانخف‬ ‫اع األس‬ ‫وارتف‬

‫باب مختلفة‬ ‫أس‬

‫ترتبط أزمات الشرعية السياسية في دول الثورات العربي ة بع دد‬


‫من األس باب ال تي يمكن تناوله ا على النح و الت الي‪:‬‬

‫‪    -1‬الصراع الس لطوي‪ ،‬فق د انتقص ت المواجه ة المس تحكمة‬


‫بين جماعة اإلخوان المسلمين وق وى المعارض ة في مص ر‪ ،‬من‬
‫شرعية النظام المستمدة من االمتناع عن اس تخدام الق وة في‬
‫مواجهة المتظ اهرين‪ ،‬بينم ا أدى االنقس ام بين ق وى المعارض ة‬
‫وحركة النهضة الممثلة لجماعة اإلخ وان المس لمين في ت ونس‬
‫إلى تفك ك االئتالف الحك ومي‪ ،‬وه و م ا أث ر س لبيً ّا على إدارة‬
‫ة‪.‬‬ ‫ة االنتقالي‬ ‫المرحل‬

‫‪    -2‬التصدع المجتمعي‪ ،‬حيث باتت االنقسامات األولية حاكمة‬


‫للتف اعالت السياس ية‪ ،‬ففي س وريا أدت الح رب األهلي ة إلى‬
‫تفكك المجتمع تحت وطأة الص راع بين األقلي ة العلوي ة الحاكم ة‬
‫والجيش السوري الحر الممثل للفصائل السنية‪ ،‬واألك راد ال ذين‬
‫نجحوا في السيطرة على مناطق تمركزهم بعد انس حاب ق وات‬
‫النظ ام الس وري‪ ،‬في حين تس يطر االنقس امات الجهوي ة على‬
‫الص راع السياس ي في اليمن‪ ،‬في ظ ل المط الب االنفص الية‬
‫لفص ائل الح راك الجن وبي والحوث يين في ص عدة‪ ،‬واالنقس امات‬
‫القبلي ة بين مؤي دي علي عب د هللا ص الح وال داعمين لمحس ن‬
‫ر‪.‬‬ ‫األحم‬

‫‪     -3‬االنهيار المؤسسي‪ ،‬إذ قوض ت ت داعيات الث ورات العربي ة‬


‫من تماس ك مؤسس ات الدول ة ال س يما المؤسس ات األمني ة‪،‬‬
‫حيث تعرضت أجهزة الشرطة في مصر وتونس لتصدع لم تتمكن‬
‫ح تى اآلن من تج اوز تبعات ه في ظ ل تعرض ها للتس ييس‬
‫واستهدافها من جانب الفصائل الثورية‪ ،‬بينما ترتب على انخ راط‬
‫المؤسسة العسكرية في الثورات واالحتجاجات إشكاليات طالت‬
‫تماس كها على غ رار م ا ح دث في اليمن‪ ،‬ويح دث اآلن بش كل‬
‫وريا‪.‬‬ ‫وى في س‬ ‫أق‬

‫‪    -4‬االخ تراق الخ ارجي‪ ،‬فق د أض عف الت دخل اإلي راني ل دعم‬
‫الحوث يين والحرك ات االنفص الية في اليمن‪ ،‬من ق درة الحكوم ة‬
‫االنتقالية على إدارة المرحلة االنتقالية‪ ،‬بينما أدت التجاذبات بين‬
‫المح اور اإلقليمي ة إلى احت دام الص راع في س وريا‪ ،‬في ظ ل‬
‫تناقض المصالح بين محور إيران والعراق وح زب هللا ال ذي ي دعم‬
‫النظام السوري من جانب‪ ،‬ومحور تركيا والس عودية وقط ر ال ذي‬
‫يقدم مساعدات لفصائل الجيش الس وري الح ر من ج انب آخ ر‪.‬‬
‫واء‬ ‫ات االحت‬ ‫آلي‬

‫ج ا مثاليً ّ ا في احت واء أزم ات‬


‫لم تق دم دول الث ورات العربي ة نموذ ً‬
‫الش رعية‪ ،‬في ظ ل بيئ ة داخلي ة وإقليمي ة ض اغطة تس تنزف‬
‫ق دراتها‪ ،‬فض ال عن خص ائص التي ارات السياس ية المتص درة‬
‫للمشهد السياسي التي يغلب على توجهاتها االنغالق وجم ود‬
‫المواقف بما يعرقل التوافق السياس ي‪ ،‬ومن ثم لم تخ رج آلي ات‬
‫مواجه ة أزم ات الش رعية في تل ك ال دول عن توظي ف األدوات‬
‫األمني ة في قم ع المعارض ة‪ ،‬وتب ني خط اب التخ وين واإلقص اء‬
‫لل دفاع عن ش رعية اس تحواذها على الس لطة‪ ،‬فض ال عن‬
‫االرتك ان لمص ادر الش رعية التقليدي ة الديني ة‪ ،‬به دف حش د‬
‫الجم اهير في مواجه ة المعارض ة المدني ة ال تي تواج ه رموزه ا‬
‫حمالت تش كيك وتش ويه‪ ،‬وإع ادة بن اء ش بكات المص الح بين‬
‫البيروقراطي ة ورج ال األعم ال وش اغلي الس لطة‪ ،‬ال تي أبقت‬
‫على احتك ار النظم الس ابقة للس لطة لف ترات طويل ة‪ ،‬وه و م ا‬
‫يط رح مس ارات متع ددة يمكن أن تتج ه إليه ا أزم ات الش رعية‪:‬‬
‫أولها‪ ،‬انهيار كامل للشرعية مصحوبًا بث ورات جدي دة على النظم‬
‫الحاكم ة‪ .‬وثانيه ا‪ ،‬اس تمرار تآك ل الش رعية دون س قوط النظم‬
‫الحالية‪ .‬وثالثها‪ ،‬صياغة معادالت جديدة لش رعية تب ادل المن افع‬
‫واالعتماد على الش رعية التقليدي ة‪ .‬ورابعه ا‪ ،‬اس تعادة ش رعية‬
‫اإلنج از لتمأل ف راغ ش رعية التواف ق ال ديمقراطي‪.‬‬

‫‪ ‬مدرس مساعد في العلوم السياسية ‪ -‬جامعة القاهرة(*)‬

You might also like