ذ. أحمد بوزيان، وحدة الاقتصاد الاجتماعي، الحصة الخامسة،عودة إلى الجذور التاريخية للاقتصاد الاجتماعي

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 3

‫وحدة االقتصاد االجتماعي‬

‫الحصة الخامسة ‪ :‬الجذور التاريخية لالقتصاد االجتماعي‬


‫(بطاقة تقنية ‪ :‬أهداف الحصة‪ ،‬مضمونها ومراجعها)‬
‫‪ .1‬أهداف الحصة‬
‫تهدف هذه الحصة إلى ‪:‬‬
‫‪-‬االلمام بالجذور التاريخية لالقتصاد االجتماعي‬
‫‪-‬االلمام بالتيارات الفكرية التي أثرت في االقتصاد االجتماعي‬

‫‪ .2‬وصف موجز لمحتوى الحصة‬


‫‪ .1.2‬عودة إلى الجذور التاريخية لالقتصاد االجتماعي‬
‫جذور االقتصاد االجتماعي ضاربة في القدم وتشمل كل المجتمعات البشرية‪ .‬فقيم التعاون‬
‫وأشكال التنظيم االجتماعي لتحقيقه بما في ذلك في مجالي اإلنتاج والتوزيع إرث مشترك‬
‫للبشرية‪ .‬إال أن الشكل العصري لالقتصاد االجتماعي تبلور بأوروبا في رد فعل على اآلثار‬
‫االجتماعية المدمرة للثورة الصناعية ولسيطرة نظام اإلنتاج الرأسمالي على الحياة االقتصادية‬
‫واالجتماعية (القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين)‪ .‬فقد دفع ضعف األجور والبطالة‬
‫الناتجة عن المكننة بالنساء واألطفال إلى أتون الشغل كأجراء في شروط قاسية وبأجور زهيدة‬
‫جدا‪ .‬في هذا السياق الذي يعلي من شأن اإلنتاج والربح الفردي ومن شأن االقتصاد على‬
‫حساب اإلنسان‪ .‬في هذا السياق‪ ،‬جاء "االقتصاد االجتماعي وليدا إلرادة الحد من الفوارق بل‬
‫وضع أسس مجتمع مختلف يكون األفراد فيه متساوون قدر اإلمكان" (تيري جانطط‪ ،‬االقتصاد‬
‫االجتماعي ‪ :‬التضامن أمام تحدي الفعالية‪ ،‬دار التوثيق الفرنسية‪) .2016 ،‬‬
‫أحد األشكال األولى التي اتخذها االقتصاد االجتماعي في بداية القرن التاسع عشر بفرنسا هي‬
‫عصب اإلسعاف التعاضدي التي أنشأتها فئة العمال المتخصصين والتي اضطلعت بثالثة‬
‫وظائف‪ ،‬وظيفة تنظيم االحتياط االجتماعي (جمع المساهمات) وتنظيم االحسان (تدبير‬
‫مساعدات المحسنين) والمقاومة‪ .‬فقد كانت تؤمن ضد المخاطر االجتماعية (األمراض)‬
‫وتساعد الناس األكثر ضعفا (األيتام واألرامل) وتؤمن الحماية المهنية (صندوق البطالة‪،‬‬
‫صندوق االضراب)‪.‬‬
‫انبثقت عن هذا الشكل األولي أشكال للتعاون والتضامن أكثر مباشرة مثل جمعيات توزيع‬
‫المواد األولية األساسية أو إنتاجها وتوزيعها‪.‬‬
‫كانت هناك أشكال عديدة ونشيطة من اإلسعاف واإلحسان خالل القرون الوسطى‪ ،‬لكن‬
‫المبادرات الكثيفة للطبقات العمالية أعطت لإلسعاف واإلحسان خالل القرن التاسع عشر زخما‬
‫وطابعا جديدين جسدتهما الجمعيات الشعبية والتعاونيات والتعاضديات‪ .‬وقد كان طبيعيا أن‬
‫تكون أنكلترا‪ ،‬بلد الرأسمالية والصناعة األول‪ ،‬الفضاء األساسي النبثاق الحركة التعاونية‬
‫الجمعوية التعاضدية العمالية بشكلها الجديد‪ .‬وستتخذ هذه الحركة لنفسها تعبيرات مشابهة في‬
‫مختلف بلدان أروبا‪ ،‬بألمانيا وإيطاليا وإسبانيا‪ .‬كما ستعرف زخما خاصا بفرنسا سيجعل من‬
‫هذا البلد السياق التاريخي األساسي لتبلور االقتصاد االجتماعي الحديث‪ .‬وستلعب األفكار‬
‫االشتراكية‪ ،‬خصوصا أفكار النزعة الجمعويوية عند سان سيمون وفورييه دورا هاما في‬
‫تأطير هذه الحركة وتحديد آفاقها وفي ربطها بالحركة العمالية في بعدها النقابي وفي بعدها‬
‫السياسي‪ .‬ويقدر المؤرخون عدد المنظمات ذات الطابع الجمعوي‪ ،‬التعاوني أو التعاضدي‬
‫النشيطة في فرنسا نهاية النصف األول من القرن التاسع عشر بما يناهز ‪ 2500‬منظمة تضم‬
‫‪ 400000‬منخرط ويستفيد من أنشطتها ما يربو عن مليون وستمائة ألف مستفيد‪.‬‬
‫وقد تغذى االقتصاد االجتماعي وتعضد من بعض التيارات الفكرية التي أعطته زخما وجعلته‬
‫ال يكتفي باالستجابة لحاجات المنخرطين فيه وإنما ينحو منحى الحركة االجتماعية التي ترمي‬
‫إلى تحقيق أهداف أعمق‪ ،‬من قبيل التأثير على حركة المجتمع في اتجاه عدالة ومساواة أكبر‪.‬‬
‫ومن أهم التيارات الفكرية التي ألهمت االقتصاد االجتماعي االشتراكية ممثلة في أفكار‬
‫اإلنجليزي روبرت أوين والفرنسيان كلود هنري دو سان سيمون وشارل فورييه‪.‬‬

‫وقد نظر لهذا الشكل الجديد من الفعل االقتصادي الذي تقوم به الجمعيات والتعاونيات‬
‫والتعاضديات في نهاية القرن التاسع عشر ثالثة اقتصاديين كبار هم الليبراليان اإلنجليزي‬
‫جون ستيوارت ميل والفرنسي ليون فالراس من جهة والوسطي الفرنسي شارل جيد من جهة‬
‫أخرى‪.‬‬
‫رأى جون ستيوارت ميل في هذه الحركة (حركة التضامن التي ينطوي عليها االقتصاد‬
‫االجتماعي) فائدة للرأسمالية يجب االستفادة منها‪ .‬فجمعيات العمال تمثل وسيلة لتحقيق توزيع‬
‫أفضل للثروات التي تنتجها المقاوالت‪.‬‬

‫أما ليون فالراس (انظر كتابه "دراسات في االقتصاد االجتماعي ‪ :‬نظرية توزيع الثروة‬
‫االجتماعية" (وهو كتاب نشر حديثا ‪(Léon Walras, Etudes d’économie sociale :‬‬
‫)‪théorie de la répartition de la richesse sociale, Economia, Paris, 1990‬‬
‫فقد دافع على فكرة أن التعاونيات (الشكل التنظيمي األبرز لالقتصاد االجتماعي في تلك‬
‫الفترة) يمكن أن تلعب دورا هاما في معالجة النزاعات االجتماعية باضطالعها بدور اقتصادي‬
‫أساسي‪ ،‬ليس من خالل القضاء على الرأسمال وإنما من خالل جعل العالم أقل رأسمالية‪،‬‬
‫وبدور أخالقي ال يقل أهمية من خالل إدخال الديموقراطية إلى ميدان اإلنتاج‪.‬‬
‫أما شارل جيد فقد كان في الحقيقة داعية لالقتصاد االجتماعي وخصوصا للتعاون منطلقا في‬
‫ذلك من مسلمة أن "كل فرد هو بطبيعته كائن تعاوني او متعاون" ومن أن سيادة المستهلك‬
‫في "الجمهورية التعاونية" قادمة‪ .‬وهو يعتبر االقتصاد االجتماعي اقتصادا تضامنيا يمكنه أن‬
‫يلعب دورا في تغيير المجتمع إلى األفضل‪ .‬كما أنه يرى أن هناك تكامال بين االقتصاد‬
‫االجتماعي واالقتصاد السياسي‪.‬‬
‫في هذا السياق ستتبلور المعالم األساسية لمفهوم االقتصاد االجتماعي كما نعرفه اليوم أي‬
‫حركة ترتكز على قيم التضامن التي اعتملت في أحشاء الحركة العمالية الناشئة وتجسدت في‬
‫تنظيمات جمعوية‪ ،‬تعاونية‪ ،‬تعاضدية ديموقراطية‪.‬‬

You might also like