Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 130

‫الطبعة األوىل‬

‫بريوت ‪1442‬هـ ـ ‪2021‬م‬


‫‪1‬‬

‫محمد الموسوي‬
‫شفيق ّ‬
‫لقاءات فيها‬
‫ٌ‬ ‫ورسالية‪..‬‬
‫ّ‬ ‫وإنسانية‬
‫ّ‬ ‫روحية‬
‫ّ‬ ‫لقاءات‬
‫ٌ‬ ‫من الزمن الجميل‪،‬‬
‫وسمو الوجدان‪ ...‬هو الزمن الجميل‪،‬‬ ‫ـق الروح‪،‬‬ ‫نبض القلب‪َ ،‬‬
‫وأ َل ُ‬ ‫ُ‬
‫ّ‬
‫زمن‬
‫زمن ليس كاألزمنة‪ ،‬إنّه ٌ‬ ‫السيد ‪ٌ ...‬‬ ‫تفيأنا ظالله مع أبينا ّ‬ ‫الذي ّ‬
‫وح َز ُم النور‪،‬‬
‫شلالت المعرفة‪ُ ،‬‬ ‫من ّأيام الله التي كانت تتدفّق فيها ّ‬
‫وانبعاث المواقف التي تستضيء بنور حقائق القرآن‪ ،‬وبوهج ما نطق‬
‫زمن السيد‬
‫زمن عشنا فيه َ‬ ‫وأئمة أهل البيت‪ٌ ...R‬‬ ‫به رسول الله‪ّ P‬‬
‫السيد‪ ...‬مواقف شاهدتُها عيان ًا مع ّ‬
‫السيد‬ ‫خط إسالم ّ‬ ‫السيد وفي ّ‬‫ومع ّ‬
‫سجلتها على مدى سنوات في أكثر‬ ‫السيد‪ّ ...‬‬ ‫وسمعتها من منابع ثقة عن ّ‬
‫السيد‬
‫وواكبت حركة ّ‬ ‫ْ‬ ‫عاصرت‬
‫ْ‬ ‫من ‪ 200‬لقاء وحوار مع شخصيات‬
‫وحررتها لتكون‬ ‫ّ‬ ‫سجلتها على مدى سنوات‬ ‫في لبنان وخارج لبنان‪ّ ،‬‬
‫درساً ومنهجاً وأصالةً إسالميّة تستفيد منها األجيال‪ ...‬وستصدر هذه‬
‫ال ّلقاءات تِباع ًا على حلقات بإذن الله تعالى‪ ،‬وأضع بين ّ‬
‫يدي القراء‬
‫ال المولى ُحسن العاقبة‪ ،‬والتوفيق‬ ‫الكرام الحلقة األولى منها‪ ..‬سائ ً‬
‫والتسديد‪ ،‬إنّه سميع مجيب‪...‬‬
‫مدير المركز اإلسالمي الثقافي‬
‫محمد الموسوي‬
‫شفيق ّ‬
‫شعبان ‪ / ١٤٤٢‬آذار ‪٢٠٢١‬‬
‫‪5‬‬
‫السيد فضل الله‪:‬‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫أستقل التاكسي‬ ‫كنت‬
‫أجمل أيام حياتي عندما ُ‬
‫من النبعة إلى برج البراجنة‬

‫فتيان ًا ك ّنا نجري‪ ،‬أحيان ًا سير ًا على األقدام لنستمع إلى سماحة ّ‬
‫السيد‬
‫الشياح والغبيري‬
‫ّ‬ ‫حي الس ّلم‪ ،‬إلى‬
‫فضل الله من برج البراجنة إلى ّ‬
‫وإلى النبعة(((‪.‬‬
‫ك ّنا في برج البراجنة في أوائل السبعينيات‪ ،‬شباب ًا وشيوخ ًا وفتيان ًا‬
‫السيد في منزل شقيقة الحاج طارق الخليل رحمهما‬ ‫نلتقي مع سماحة ّ‬
‫السيد في حسينية الشياح‪ ،‬حيث كان‬ ‫الله‪ ،‬وفي الشياح نستمع إلى ّ‬
‫المرحوم الشيخ محمد حسن القبيسي إمام ًا لمسجد الشياح‪ ،‬وفي‬
‫الغبيري في حسينية آل الخنسا كان لقا ًء أسبوعي ًا للسيد مع الشباب‬
‫المتنوعة‪ ،‬وفي حي السلم يكون اللقاء على‬ ‫ّ‬ ‫والمثقفين من االتجاهات‬
‫غساني‪..‬‬
‫سطح منزل المرحوم الحاج أبي حسين ّ‬
‫الكبير فينا‬
‫ُ‬ ‫دينية يفهمها الجميع‪،‬‬
‫يخاطبنا بلغة ّ‬ ‫السيد‬
‫ّ‬ ‫كان‬
‫حب رسول الله ‪ P‬وعلى‬ ‫حب اإلسالم‪ ،‬على ّ‬
‫يربينا على ّ‬
‫والصغير‪ّ ،‬‬
‫السيد‬
‫والحب في قاموس ّ‬‫ّ‬ ‫حب األئمة المعصومين األطهار ‪،R‬‬ ‫ّ‬
‫للتمسك بعقيدتنا‪،‬‬
‫ّ‬ ‫هو االلتزام بهذا النهج اإلسالمي الذي يدعونا‬

‫((( مناطق شعبية في ضواحي بيروت الجنوبية والشرقية‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫يغرس فينا االلتزام‬
‫ُ‬ ‫الحق‪ ،‬وكان‬
‫ّ‬ ‫خالص وسي ٍر في ا ّتجاه‬
‫ٍ‬ ‫طريق‬
‫ُ‬ ‫وبأنّها‬
‫والحب‬
‫ّ‬ ‫باألخالق اإلسالمية كمفردات الصدق واألمانة واالستقامة‬
‫يرسخ في وجداننا‬ ‫في الله والبغض في الله‪ ،‬وكان يحرص على أن ّ‬
‫أن نكون يد ًا واحدة وأن نواظب على الحضور إلى المساجد‪ ،‬وأ ّ‬
‫ال‬
‫نتفوق‬
‫نترك المواعظ والمحاضرات الدينية‪ ،‬وأن نحرص على أن ّ‬
‫في واجباتنا المدرسية والجامعية‪ ،‬ألنّ ذلك هو السبيل لبناء شخصية‬
‫الرسالي‪..‬‬
‫ّ‬ ‫اإلنسان‬
‫السيد‪ ،‬من جامعة إلى جامعة ومن كلية إلى‬ ‫وكبرنا وبقينا نتابع ّ‬
‫كلية ومن حسينية ومسجد إلى حسينية ومسجد لنرتوي من معين‬
‫قلت للسيد بعد محاضرة‬ ‫فكره اإلسالمي الصافي‪ ..‬وكم من مرة ُ‬
‫أو ندوة أو موعظة‪ ،‬بأنّ بيانه كان بيان ًا موفّق ًا‪ ،‬كان يقول ‪« :‬إنّ الله‬
‫فتح علينا وهذا رزق ساقه إلينا» وكان يقول أحيان ًا بأنّ كثير ًا من األفكار‬
‫التي طرحها لم يكن بوارد أن يطرحها‪ ،‬فجاءت األفكار تلد أفكار ًا‪،‬‬
‫والطروحات تزحف وراء الطروحات‪ ،‬وعندما ك ّنا نُثني ونمدح ونتو ّدد‬
‫نتحدث عن محاضرته أو موعظته‪ ،‬كان يقول «ال ّل ّ‬
‫هم إنّا‬ ‫ّ‬ ‫إليه ونحن‬
‫نسألك حسن العاقبة»‪.‬‬
‫السيد فضل الله يبادر إلى سؤالنا عن تأثير المحاضرة‬‫وأحيان ًا كان ّ‬
‫في الجمهور وعن بيانه في المحاضرة‪ ،‬وكان بعضنا يشير إلى ما كان‬
‫السيد في محاضرته أو خطبته أكثر‪ ،‬أو يتناول هذا‬‫يفصل به ّ‬ ‫يمكن أن ّ‬
‫السيد عدم تناوله لفكرة أو‬
‫يبرر ّ‬ ‫ألهميته‪ ،‬ولكن أحيان ًا قد ّ‬
‫ّ‬ ‫الموضوع‬
‫ٍ‬
‫لظروف خاصة قد تكون غائبة عن أذهاننا‪..‬‬ ‫لموضوع آخر‪،‬‬
‫يهم‬
‫مرة وهو ّ‬
‫ّ‬ ‫وأذكر أنّ األخ الحاج هاني عبد لله‪ ،‬سأله ّ‬
‫السي ُد‬

‫‪8‬‬
‫بالنزول من على درج منبر خطبة الجمعة في مسجد اإلمامين الحسنين‬
‫بأبوة‬
‫السيد كان يتعامل مع الجميع ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ L‬عن رأيه بالخطبة‪ ،‬وألنّ‬
‫وانفتاح وبعيد ًا عن «وهرة» المرجع‪ ،‬ودائم ًا كان يقول‪« :‬أنا ال ّ‬
‫أفكر‬
‫رد على‬‫فكروا معي»‪ ،‬فإنّ الحاج هاني ومن هذا المنطلق َّ‬ ‫عنكم‪ ،‬بل ّ‬
‫أنت ع ّلمتنا أن ال نجامل‪ ،‬أنا أشعر أنّكم في بعض الخطب‬ ‫ال‪َ :‬‬‫السيد قائ ً‬
‫ّ‬
‫تكررون بعض األفكار والمفاهيم والرؤى‪ ،‬وأنا سيدنا من هذا الجيل‬ ‫ّ‬
‫جوع إلى أفكارك الجديدة‪ ،‬ألنّك في ّ‬
‫كل‬ ‫ربي َته حيث عندنا ٌ‬ ‫ك ّله الذي ّ‬
‫خطبة وموعظة ومحاضرة تعطي شيئ ًا جديد ًا‪ ..‬نظر ّ‬
‫السيد إليه نظرة أبوية‬
‫كأي أحد‪ ،‬أنا‬
‫لست ِّ‬ ‫أكرر‪ ،‬أنا ُ‬
‫ال له‪« :‬حاج هاني‪ ..‬أنا شغلي أن ّ‬ ‫حانية قائ ً‬
‫أربيها‪ ،‬أنا أؤ ّدي دور‬
‫لم أعش من أجل جيلك فقط‪ ،‬هناك أجيال جديدة ّ‬
‫أكرر‪»..‬‬
‫المربي ولذلك أنا ّ‬
‫لعل الذكرى‬ ‫السيد هي ثقافة قرآنية‪ّ ،‬‬
‫إنَّ ثقافة التكرار التي أتقنها ّ‬
‫لعل الشباب والفتيات‬‫لعل الضمائر تستيقظ‪ّ ،‬‬‫لعل القلوب تنفتح‪َّ ،‬‬ ‫تنفع‪ّ ،‬‬
‫يحفظون ما كان ير ّدده من آيات قرآنية وأحاديث نبوية شريفة ومقاطع‬
‫غنية بالمفاهيم من نهج البالغة والصحيفة السجادية‪ ،‬وكم كان‬ ‫ّ‬
‫يسأل الحضور وهو على المنبر في خطبه ومواعظه‪ ،‬للداللة على هجر‬
‫الناس للقرآن أو على عدم حفظ أدعية الصحيفة السجادية‪ ،‬أو عدم‬
‫االطالع‬‫علي ‪ Q‬في نهج البالغة‪ ،‬أو عدم ّ‬ ‫معرفة أحاديث اإلمام ّ‬
‫على السيرة النبوية الشريفة‪ ،‬يسألهم كم يحفظون من هذا التراث‬
‫الضخم ليح ّفزنا نحو الحفظ واالهتمام بذلك التراث‪ ،‬وبالتالي لاللتزام‬
‫بما نحفظ‪ ..‬وهذا بالفعل ما ترك أثره الكبير في نفوسنا‪ ،‬حيث من تحت‬
‫السيد ليس إرضا ًء له‬
‫مما أوصانا به ّ‬‫منبره أنعم الله علينا بأن نتقن الكثير ّ‬
‫بل إرضاء لله سبحانه وتعالى‪..‬‬

‫‪9‬‬
‫وبالعودة إلى األخ الحاج هاني عبد الله المستشار اإلعالمي‬
‫المربي التي قالها‬
‫ّ‬ ‫يتو ّقف عند كلمة‬ ‫السيد‬
‫والسياسي في حياة ّ‬
‫كنت في زيارة للوزير اللبناني السابق محمد‬
‫مدة ُ‬ ‫السيد‪ ،‬يقول‪ :‬منذ ّ‬
‫ّ‬
‫السيد فضل الله‪ ،‬والمعروف أنَّ الوزير‬
‫فنيش‪ ،‬وقد جئنا على سيرة ّ‬
‫حب‬
‫السيد على ّ‬ ‫رباها ّ‬ ‫فنيش كان من ّ‬
‫الطالئع اإلسالمية األولى التي ّ‬
‫الله واإلسالم والناس‪ ،‬وهنا يقول الوزير محمد فنيش‪« :‬أرقى ما في‬
‫السيد فضل الله‬‫وأفضله هو ّ‬ ‫السيد فضل الله‬
‫شخصية سماحة ّ‬
‫سيدنا‪،‬‬
‫قلت للسيد‪ّ :‬‬‫السيد في آخر سنة في حياته‪ُ ،‬‬
‫زرت ّ‬ ‫المربي‪ ،‬فعندما ُ‬
‫ّ‬
‫إنَّ أجمل ّأيام حياتي عشتها معكم‪ ،‬عندما كنت تزورنا في جلسات‬
‫ثقافية ونجلس مع مجموعة من الشباب على الشرفة في منزلي وتعطينا‬
‫السيد ‪« :‬أجمل أيام حياتي أيض ًا عندما‬
‫الدروس اإلسالمية»‪ ،‬أجابني ّ‬
‫ّ‬
‫استقل التاكسي من النبعة (من الضاحية الشرقية في بيروت) إلى‬ ‫كنت‬
‫ُ‬
‫برج البراجنة‪ ،‬وأجلس مع الناس‪»..‬‬
‫القراء األعزاء ـ أنا لِ َي الشرف أنّني ُ‬
‫كنت واحد ًا من‬ ‫(بالمناسبة ـ ّ‬
‫هؤالء الناس ألنّ مسقط رأسي برج البراجنة)‪ ..‬يكمل ّ‬
‫السيد‪« :‬إن‬
‫كانوا شخص ًا واحد ًا (هؤالء الناس) أو اثنين‪ ،‬أو خمسة ألعطيهم ما في‬
‫جعبتي من فكر‪»...‬‬
‫السيد أيض ًا‪:‬‬
‫وفي هذا المجال يقول سماحة ّ‬
‫بكل هذا الجيل الذي شاركت في ُص ْنعِ فكره‪ِ ..‬‬
‫وق ّمة‬ ‫أعتز ّ‬
‫«إنّني ّ‬
‫االعتزاز في هذا الجيل المجاهد الحركي‪ ،‬سواء الجيل الذي انطلق‬
‫وامتد إلى أبعد منها‪ ،‬أو الجيل الذي‬
‫ّ‬ ‫من الحركة اإلسالمية في العراق‬
‫يحرر لبنان من االحتالل‪ ...‬إنّني أشعر بأنّي‬
‫انطلق في لبنان واستطاع أن ّ‬
‫‪10‬‬
‫كل انطالقة مجاهد وفي ّ‬
‫كل انفتاحة‬ ‫كل حركة شهيد وفي ّ‬ ‫موجود في ّ‬
‫وثقافي ًا‪..‬‬
‫ّ‬ ‫سياسي ًا‬
‫ّ‬ ‫هذا الجيل الذي ينطلق‬
‫إنني عندما أفارق الحياة‪ ،‬أشعر بأنّي موجود في ّ‬
‫كل هذه الطالئع‬
‫معينة‪ ،‬وال َّأدعي أنّي أستقطب وجود هؤالء‪ ،‬ولكن أشعر أنّي جزء‬
‫بنسبة ّ‬
‫ال أكون قد أخطأت‬‫من حركتهم الجهادية والسياسية والثقافية‪ ،‬وأرجو أ ّ‬
‫والبد ّ‬
‫لكل هذا‬ ‫ّ‬ ‫انفتحت فيه هناك‪.‬‬
‫ُ‬ ‫في فكرة غرستها هنا‪ ،‬وفي شعور‬
‫الجيل أن يعيش على أساس أن يصنع المستقبل في ّ‬
‫خط اإلسالم‪ ،‬وأن‬
‫السير من خالل وضوح‬ ‫يكون حركة دائمة في اكتشاف الحقيقة وفي َّ‬
‫[أيها األحبة‪ ،‬ص‪]44‬‬‫الرؤية»‪ّ .‬‬
‫السيد في العقل والقلب والوجدان‪..‬‬
‫ويبقى ّ‬

‫‪11‬‬
‫السيد نصر الله‪:‬‬
‫ّ‬
‫والمربي‬
‫ّ‬ ‫أترك المنبر للمرشد واألستاذ‬

‫يحدثني الصديق األخ أحمد سويدي أنّه في عام ‪1984‬م‪ ،‬أقيم‬


‫ّ‬
‫احتفال ألربعة من شهداء المقاومة اإلسالمية في حسينية المجلس‬
‫ٌ‬
‫كلمة في هذا‬ ‫البلدي في برج البراجنة‪ ،‬وكان للسيد فضل الله‬
‫بعض‬
‫ُ‬ ‫السيد في المجيء‪ ،‬فصار هناك‬ ‫ّ‬ ‫تأخر‬
‫االحتفال‪ ،‬فحدث أن ّ‬
‫السيد حسن نصر الله‪ ،‬وبدأ بإلقاء‬ ‫ُ‬
‫سماحة ّ‬ ‫اإلرباك‪ ،‬وهنا أخذ المباردة‪،‬‬
‫السيد ‪ ،‬وما هي إال دقائق يسيرة حتى وصل‬ ‫كلمته لحين وصول ّ‬
‫المخصص له‪ ،‬وأعطى سمعه‬ ‫ّ‬ ‫السيد ومباشرة جلس على المقعد‬ ‫ّ‬
‫السيد نصر الله قال‪« :‬وأترك المنبر‬
‫ولكن سماحة ّ‬ ‫َّ‬ ‫للسيد نصر الله‪،‬‬
‫التيمم عند وجود الماء‬
‫والمربي‪ ،‬على قاعدة بطالن ّ‬ ‫ّ‬ ‫للمرشد واألستاذ‬
‫السيد أشار بيديه‪،‬‬
‫ولكن ّ‬‫ّ‬ ‫السيد أن يستلم المنبر‪،‬‬
‫الطاهر» وطلب من ّ‬
‫وأصر على‬
‫ّ‬ ‫السيد حسن رفض‪،‬‬‫ولكن سماحة ّ‬ ‫ّ‬ ‫تفضل أكمل‪..‬‬
‫بمعنى‪ّ :‬‬
‫السيد‬
‫السيد أن يصعد إلى المنبر‪ ،‬وهكذا كان بعد أن أبدى ّ‬ ‫سماحة ّ‬
‫السيد حسن نصر الله‪..‬‬ ‫شكره لسماحة ّ‬
‫المستمد ُة من أخالق اإلسالم‪ ،‬وهذا‬
‫ّ‬ ‫هذه هي أخالق التواضع‬
‫وكثير منهم‬ ‫وكوادرها‪،‬‬ ‫ِ‬
‫قيادات الحالة اإلسالمية‬ ‫السيد‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ربى عليه ّ‬‫ما ّ‬
‫خطه الفكري‪ ،‬فلم َينسوا فضله عليهم بتربيتهم‬‫للسيد في ّ‬
‫َب َقوا أوفياء ّ‬

‫‪12‬‬
‫وتعليمهم وتنشئتهم على اإلسالم في ّ‬
‫خط أهل البيت ‪..R‬‬
‫السيد حسن نصر‬
‫رثاه سماحة األمين العام ّ‬ ‫السيد‬
‫ولما تُوفي ّ‬
‫الله‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫العلي العظيم‪ ،‬لقد‬ ‫ال ِ‬
‫بالله‬ ‫قو َة إ ّ‬ ‫راجعون وال َ‬
‫َ‬ ‫إنّا لله وإنّا ِ‬
‫ِّ‬ ‫حول وال ّ‬ ‫إليه‬
‫فقدنا اليوم أب ًا رحيم ًا ومرشد ًا حكيم ًا وكهف ًا حصين ًا وسند ًا قوي ًا في ِّ‬
‫كل‬
‫ولكل هذا الجيل المؤمن والمجاهد‬ ‫ِّ‬ ‫المراحل‪ .‬هكذا كان لنا سماحته‬
‫والمقاوم منذ أن ك ّنا فتي ًة نص ّلي في جماعته ونتع ّلم تحت منبره ونهتدي‬
‫بكلماته ونتمثّل أخالقه ونقتدي بسيرته‪.‬‬
‫ع ّلمنا في مدرسته أن نكون دعا ًة بالحكمة والموعظة الحسنة‪ ،‬وأن‬
‫أهل الحوار مع اآلخر‪ ،‬وأن نكون الرافضين للظلم والمقاومين‬ ‫نكون َ‬
‫أهل‬‫لقاء مع الله تعالى من موقع اليقين‪ ،‬وأن نكون َ‬ ‫وعشاق ٍ‬
‫َ‬ ‫لالحتالل‬
‫الصب ِر والثبات والعزم مهما أحاطت بنا الشدائد والمصاعب والفتن‪.‬‬
‫كل محنة‪،‬‬ ‫والنور الذي نستضيء به في ِّ‬ ‫فكان لنا األستا َذ والمع ّلم ِ‬
‫والع ْل َم‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ربه الكريم الذي جاهد في سبيله طيلة‬‫واليوم نفتقده إذ يفارقنا إلى جوار ّ‬
‫النير وكلمته الطيبة وابتسامته‬
‫الزكية وفكره ّ‬
‫ّ‬ ‫عمره الشريف‪ ،‬إال أنَّ روحه‬
‫كل ذلك سيبقى فينا هادي ًا‬
‫العطوفة وسيرته العطرة ومواقفه الصلبة‪ُّ ،‬‬
‫قوي ًا متجدِّ د ًا للعمل الدؤوب والجهاد المتواصل‪.‬‬ ‫ودلي ً‬
‫ال ودافع ًا ّ‬
‫أتقدم باسم المجاهدين والمقاومين وعوائل الشهداء والجرحى‬
‫إنّني ّ‬
‫وكل جمهور المقاومة إلى إمامنا صاحب الزمان عليه‬ ‫والمحررين ّ‬
‫َّ‬
‫مقدمتهم سماحة اإلمام الخامنئي‬
‫السالم وإلى مراجعنا العظام وفي ّ‬
‫وباألخص‬
‫ّ‬ ‫} وإلى جميع المسلمين عموم ًا واللبنانيين خصوص ًا‬

‫‪13‬‬
‫بأحر التعازي‬
‫ّ‬ ‫إلى أسرته أسرة العلم والفضل والجهاد والشرف‪،‬‬
‫وأصدق مشاعر المواساة في هذا المصاب الجلل الذي أصاب ّأمتنا‪.‬‬
‫سيدنا الجليل الراحل أنّنا سنبقى األوفياء لألهداف‬
‫ونعاهد روح ّ‬
‫وضحى في سبيلها ليل نهار‪،‬‬
‫ّ‬ ‫المقدسة التي عاش من أجلها وعمل لها‬
‫ّ‬
‫كل ٍ‬
‫غال ونفيس إن شاء الله‪.‬‬ ‫وأن نبذل في سبيلها َّ‬
‫السيد في العقل والقلب والوجدان‬
‫ويبقى ّ‬

‫‪14‬‬
‫عندما يص ّلي األستاذ خلف تلميذه‬

‫البعد األخالقي واإلنساني والتقوائي لسماحة‬ ‫في حادثة تد ّلل على ُ‬


‫السيد فضل الله ‪ ،‬أعرض لِ َصالته خلف أحد المؤمنين الموثوقين‪..‬‬ ‫ّ‬
‫أتحدث بإيجاز عن هذا الرجل المؤمن‪،‬‬‫ّ‬ ‫وسأعود لهذه الحادثة بعد أن‬
‫وهو المرحوم الشيخ حسن شحادة المعروف بحبه لرسول الله ‪P‬‬
‫ّ‬
‫وألئمة أهل البيت ‪ R‬وبسيره على هداهم في الورع والتقوى ونظافة‬
‫وسمو األخالق‪ ،‬وكان مواظب ًا على الدعاء‪ ،‬وقراءة مجالس أبي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الكف‬
‫الغلو والخرافة واألساطير‪.‬‬
‫ّ‬ ‫عبد الله الحسين ‪ Q‬بعيد ًا عن‬
‫اشتدت الحرب في لبنان‪ ،‬هاجر إلى أميركا‪ ..‬وهناك كما‬ ‫ّ‬ ‫وعندما‬
‫الصديق الحاج فؤاد بيضون‪ ،‬أنّ الشيخ حسن شحادة‪ ،‬كان ثقة‬ ‫يحدثني ّ‬
‫ّ‬
‫يرتق بِ ِع ْلمه إلى مستوى بعض العلماء في‬
‫الناس جميع ًا‪ ،‬وصحيح أنّه لم ِ‬
‫حبه للدنيا واألخذ من ِح ّلها‬
‫تدينه وورعه وعدم ّ‬‫أميركا‪ ،‬ولكن بسبب ّ‬
‫وحرامها‪ ،‬كان الناس يثقون به ويص ّلون خلفه جماعة‪..‬‬
‫كان مسالم ًا‪ ،‬غيور ًا على دينه‪ ،‬ليس لديه وقت للعبث وال ّلهو‪ ،‬بل‬
‫يقضي أيامه في الصالة والدعاء والعمل‪ ،‬ورغم أنّ أوالده كانوا يعيشون‬
‫معه في البيت نفسه‪ ،‬حيث إنّ أربعة منهم كانوا من ذوي االحتياجات‬
‫يتحمل بسبب ذلك من وقت يصرفه على رعايتهم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الخاصة‪ ،‬وكم كان‬
‫ّ‬
‫ومن مال يوفّره لعالجهم‪ ،‬وما إلى ذلك‪ ،‬ولم ُيعرف عنه إال الصبر‪ .‬وقد‬

‫‪15‬‬
‫َّاها إِ َّل‬ ‫َّاها إِ َّل ا َّل ِذ َ‬
‫ين َص َب ُروا َو َما ُي َلق َ‬ ‫﴿و َما ُي َلق َ‬
‫كان مصداق ًا لآلية المباركة‪َ :‬‬
‫ُذو َح ٍّظ َع ِظيم﴾ [فصلت‪..]35 :‬‬
‫وقد عايش األخ الحاج فؤاد بيضون المرحوم الشيخ حسن شحادة‬
‫عن كثب‪ ،‬فكان ال يترك صالة الليل‪ ،‬وال يص ّلي الصالة المفروضة إال‬
‫يؤم المص ّلين بد ً‬
‫ال من إمام الجماعة الذي‬ ‫في المسجد‪ ،‬وكثير ًا ما كان ّ‬
‫كان ال يأتي إلى المسجد أحيان ًا‪...‬‬
‫يدخر بعض المال‪ ،‬ويقول للحاج بيضون إنّه ال‬
‫ورغم فقره‪ ،‬كان ّ‬
‫يدفع الخمس إال للسيد فضل الله ‪..‬‬
‫السيد به‪ ،‬وهنا أعود للحادثة التي حصلت‬
‫بالسيد نابعة من ثقة ّ‬
‫ّ‬ ‫وثقته‬
‫في مسجد اإلمام الرضا ‪ Q‬في بئر العبد في الضاحية الجنوبية‬
‫من بيروت‪ُ ،‬رفع األذان في مسجد اإلمام الرضا ‪ Q‬ولسبب من‬
‫السيد عن المجيء للصالة‪ ،‬قام الشيخ حسن شحادة‬ ‫تأخر ّ‬ ‫األسباب ّ‬
‫ّ‬
‫اصطف‬ ‫السيد‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وبدأ بالصالة‪ ،‬وهنا وبسبب الثقة المعطاة له من‬
‫السيد ودخل‬
‫المؤمنون خلفه وبدأوا الصالة معه جماعة‪ .‬وهنا وصل ّ‬
‫غرفته التي ُيفتح بابها على المسجد‪ ،‬وقبل فتح الباب‪ ،‬قيل له إنّ الشيخ‬
‫السيد نحو الباب الذي ُفتح‬
‫تقدم ّ‬ ‫حسن يص ّلي جماعة بالناس‪ ،‬هنا ّ‬
‫ودخل إلى المسجد وبدأ الصالة خلف الشيخ حسن شحادة‪...‬‬
‫السيد كان تأكيد ًا منه على ثقته بهذا العبد الصالح‪،‬‬
‫وما فعله ّ‬
‫السيد وأخالقه العالية؛ وذلك بأن يشرع في‬ ‫ودلي ً‬
‫ال أيض ًا على تواضع ّ‬
‫ال للثقة بسبب ورعه وتقواه‪...‬‬ ‫ٍ‬
‫تلميذ من تالميذه كان أه ً‬ ‫الصالة خلف‬
‫السيد على هذا‪ ،‬ترجمة لروحه الصافية‪ ،‬وألخالقه المقترنة‬
‫إقدام ّ‬

‫‪16‬‬
‫وحبه واهتمامه ورعايته للذين أرادتهم الدنيا ولم‬
‫بالفعل وليس بالقول‪ّ ،‬‬
‫يريدوها‪...‬‬
‫السيد في العقل والقلب والوجدان‪...‬‬
‫ويبقى ّ‬

‫‪17‬‬
‫شيخ أحمد‬
‫توجه إلى المسجد وال تتأخّ ر عن صالة الجماعة‬
‫ّ‬

‫سيدنا‬
‫الحمدلله على السالمة ّ‬ ‫ـ ‬
‫‪:‬‬ ‫السيد‬
‫شيخ أحمد‪ ،‬كم الساعة؟ ر ّد ّ‬ ‫ـ ‬
‫السيد فضل الله على نقّالة‬‫ُذهل سماحة الشيخ أحمد كوراني‪ّ ،‬‬
‫المرضى با ّتجاه غرفة عمليات مستشفى المقاصد في بيروت‪ ،‬حيث‬
‫يسيل من واحدة منهما‪ ،‬واليد مكسورة‪ ،‬والساق‬ ‫ُ‬ ‫عيناه مغطاتان والدم‬
‫السيد في‬ ‫ُ‬
‫تعرض له ّ‬
‫أصيبت بكسر كبير‪ ،‬وكان ذلك بسبب حادث سيارة ّ‬
‫الليلة الماضية‪ ،‬عندما كان عائد ًا من جنوب لبنان إلى النبعة في بيروت‪،‬‬
‫بعض من قرى الجنوب‬ ‫ٍ‬ ‫عدة في‬
‫بعد أن ألقى محاضرات ولقاءات ّ‬
‫كل أسبوع‪ ،‬وكان ذلك في السبعينيات من القرن الماضي‪.‬‬ ‫كعادته في ِّ‬
‫وزجاج في عينه‪َ ،‬‬
‫وك ْس ٌر في اليد‬ ‫ٌ‬ ‫السيد في هذه الحالة الحرجة‪،‬‬
‫ّ‬
‫والسيد ُ‬
‫يسأل عن الوقت‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫والفخذ والساق‬
‫كانت الساعة تشير إلى ما قبل المغرب بقليل‪ ،‬هكذا أجابه سماحة‬
‫الشيخ أحمد كوراني‪..‬‬
‫تتأخر عن صالة‬
‫ـ شيخ أحمد إلى المسجد في النبعة وال ّ‬
‫الجماعة‪..‬‬

‫‪18‬‬
‫وكان ذلك في شهر رمضان المبارك‪..‬‬
‫السيد‪..‬‬
‫وأكمل ّ‬
‫ـ «بعد اإلفطار‪ ،‬ابقَ على برنامجنا اليومي في تالوة دعاء االفتتاح‬
‫والمحاضرة واإلجابة عن أسئلة األحكام الشرعية»‪ ..‬وكان هذا‬
‫كل يوم طيلة شهر رمضان‪..‬‬ ‫السيد في شهر رمضان مساء ّ‬ ‫برنامج ّ‬
‫المروع الذي حصل‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وتخطى التفكير بالحادث‬ ‫السيد أوجاعه‬
‫نسي ّ‬
‫يفكر للحظة برهبة الدخول إلى غرفة العمليات‪ ،‬وكان تفكيره‬‫معه‪ ،‬ولم ّ‬
‫ك ّله متع ّلق ًا بالمسجد والمص ّلين وأ ّ‬
‫ال تفوتهم بركة الصالة والدعاء‬
‫الديني‪..‬‬
‫ّ‬ ‫والفائدة من الدرس‬
‫وقوتكم وكرامتكم‪،‬‬
‫عزكم ّ‬‫والمسجد كما كان يقول ‪« :‬هو موقع ّ‬
‫ورشدكم‪ ،‬فال تتركوا ذلك‪ ..‬وإنّ ابتعاد المسلم عن المسجد يعني‬
‫ابتعاده عن ساحتي الوعي الروحي‪ ..‬وفي المسجد يعيش اإلنسان مع‬
‫الله حيث يمكن أن يشعر بحالة الصفاء والنقاء‪.»..‬‬
‫السيد ـ أنّ المسلمين الذين يبتعدون عن‬
‫«ونحن نعتقد ـ كما يقول ّ‬
‫مجرد كلمات‬
‫المسجد‪ ،‬يبتعدون عن إسالمهم‪ ،‬ويبقى اإلسالم عندهم ّ‬
‫وصراخات‪.»..‬‬
‫وحادثة أخرى‪..‬‬
‫زمنية‬
‫السيد في المستشفى (مستشفى بهمن)‪ ،‬وقبل وفاته بفترة ّ‬ ‫ّ‬
‫الزوار والمرافقين‪ ،‬ووقت‬
‫يوم جمعة‪ ،‬نظر حوله فرأى ّ‬‫واليوم ُ‬
‫ُ‬ ‫قصيرة‪،‬‬
‫وصمت مأل المكان‪..‬‬
‫ٌ‬ ‫الصالة يكاد يحين‪ ..‬تص ّفح الوجوه‪،‬‬

‫‪19‬‬
‫تفوتوا على أنفسكم اكتساب فضيلة‬ ‫اليوم الجمعة ال ّ‬
‫ُ‬ ‫ـ ما بالكم‬
‫صالة الجمعة لو كان بإمكاني النزول إلى المسجد (ما بين‬
‫تأخرت عن االلتحاق‬
‫لما ّ‬ ‫أمتار قليلة) ّ‬
‫ٌ‬ ‫المستشفى والمسجد‬
‫ائتمام ًا بإمام الجمعة (وكان حينها ّ‬
‫يؤم الصالة نجله سماحة‬
‫السيد علي)‪ ..‬إلى الصالة‪ ،‬توكّ لوا على الله‪..‬‬
‫ّ‬
‫وحادثة ثالثة‪:‬‬
‫ـ أين أنت؟‬
‫أجبت األخ حسن قانصوه‪..‬‬
‫ُ‬ ‫ـ في المنزل‪،‬‬
‫يريدك‪...‬‬
‫السيد ُ‬
‫ـ قال‪ّ :‬‬
‫سيدنا‪..‬‬
‫ـ نعم ّ‬
‫تتأخر‪..‬‬
‫السيد‪ :‬نحن في المسجد‪ ..‬ال ّ‬
‫قال ّ‬
‫العدو‬
‫ّ‬ ‫يوم جمعة والشهر تموز من عام ‪ ،2006‬طيران‬ ‫اليوم‪ُ ،‬‬
‫ُ‬
‫اإلسرائيلي فوق سماء الضاحية الجنوبية‪ ،‬الليلة الماضية‪ُ ،‬د ّمرت‬
‫قسم من مناطق الضاحية ركام ًا‪ ،‬القلق‬
‫وجسور وأماكن‪ ،‬وصار ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫أبنية‬
‫والخوف يسيطران على السكان‪ ،‬الشوارع خالية من المارة والسيارت‪،‬‬
‫وتوجه مع عياله وأطفاله إلى‬
‫ّ‬ ‫البعض مع الفجر ترك الضاحية الجنوبية‬
‫أماكن أكثر أمان ًا‪.‬‬
‫رغم أنّي قد ُأجري لي عملية بسيطة قبل يومين‪ ،‬على عجل ارتديت‬
‫وتوجهت بسرعة إلى المسجد‪..‬‬
‫ّ‬ ‫ثيابي‪،‬‬
‫السيد ينتظر رفع األذان‪..‬‬
‫ّ‬

‫‪20‬‬
‫وتح ّلق الطائرات اإلسرائيلية في ّ‬
‫الجو بكثافة أكثر‪..‬‬
‫السيد ِمنبر مسجد اإلمامين الحسنين ‪ ،L‬في حارة حريك‬
‫يعتلي ّ‬
‫في الضاحية الجنوبية في بيروت‪..‬‬
‫ألف‪ ،‬ألفان‪ ..‬ويمتلئ‬‫المص ّلون‪ ،‬عشرة‪ ،‬عشرون‪ ،‬مئة‪ ،‬مئتان‪ٌ ،‬‬
‫وكلمات‬
‫ُ‬ ‫المسجد‪ ..‬وإذاعة البشائر تنقل الخطبة على الهواء مباشرةً‪،‬‬
‫وشد األزر‪،‬‬
‫والتحدي والصبر والمواجهة ونصرة المجاهدين‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫اإليمان‬
‫السيد‪..‬‬
‫تنطلق من فم ّ‬
‫رضي الله بإقامة‬
‫همه أن ُي َ‬ ‫السيد‪ّ ..‬‬
‫كل ِّ‬ ‫ّ‬ ‫ال أثر للقلق على وجه‬
‫يشد على أيدي المقاومين‪ ،‬وأن يوصل رسالة‬
‫صالة الجمعة‪ ،‬وأن ّ‬
‫للمتخاذلين‪..‬‬
‫السيد الخطبة والصالة‪ ،‬زادت أعداد الطائرات اإلسرائيلية‪،‬‬
‫أنهى ّ‬
‫تفرقنا جميع ًا‪ ..‬وحده بقي ّ‬
‫السيد مع مرافقيه في الطابق السفلي في‬ ‫ّ‬
‫ً‬
‫مته له موقدَ غاز ٍ صغيرا ومجموعة من فناجين‬‫قد ُ‬ ‫ُّ‬
‫المسجد‪ ،‬كل ما ّ‬
‫السيد و َم ْن معه يسمع‬
‫أخذت عيالي إلى مكان آمن وتركت ّ‬ ‫ُ‬ ‫الشاي‪،‬‬
‫ُ‬
‫ويدخل الغبار إلى رئتيه اللتين بقيتا‬ ‫سقوط البنايات على األرض‪،‬‬
‫تضخان حيا ًة وعزيمة وإيمان ًا أصلب من الجبال‪ ..‬رغم دخول غبار‬‫ّ‬
‫الصهيوني األعمى إليهما‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الحقد‬
‫السيد مرتفع ًا بعين الله وباقي ًا في ضمائرنا وعقولنا وقلوبنا‪..‬‬
‫وبقي ّ‬
‫السيد في العقل والقلب والوجدان‬
‫ويبقى ّ‬

‫‪21‬‬
‫فليسامحكم الله‪...‬‬
‫لن أكون حجر ٍ‬
‫عثرة في طريق مؤمن إلى الج ّنة‬ ‫َ‬

‫الزم األستاذ هاني عبد الله كمستشار سياسي وإعالمي سماحة‬


‫أكثر من خمسة وعشرين عام ًا‪ّ ،‬‬
‫يحدث‬ ‫السيد فضل الله على مدى َ‬ ‫ّ‬
‫السيد فيقول‪:‬‬
‫عن أخالقيات ّ‬
‫كان لبق ًا في أعلى درجات األخالق‪ ،‬يتعامل معنا ال بأحجامنا‪ ،‬بل‬
‫نقدم الكثير‪ .‬وكان يحرص على أن‬ ‫أكبر ُليشعرنا بأنّنا نستطيع أن ّ‬
‫بحجمٍ َ‬
‫أصحاب مبادرات‪..‬‬
‫َ‬ ‫كل شيء‪ ،‬أن نكون‬ ‫نبادر في ِّ‬

‫كما أنّه ـ يضيف األستاذ هاني عبدالله ـ ُعرف بتسامحه‪ ،‬فكان يقول‬
‫السيد‬
‫للذين يأتون إليه ويطلبون المسامحة نتيجة مواقف ا ّتخذوها من ّ‬
‫ٍ‬
‫وتلفيق من البعض‪ ،‬كان يقول لهم‪:‬‬ ‫بسبب شبهة‪ ،‬أو بسبب تحريض‬
‫«أنتم من أوالدي‪ ..‬حتى لو أسأتم فليسامحكم الله‪»...‬‬
‫سيدنا إنّنا اغتبناك‪ ،‬فهل من‬
‫وأكثر من ذلك كانوا يقولون له‪ّ :‬‬ ‫ُ‬
‫السيد يجيب وباللغة العامية‪« :‬أنا مسامح اللي اغتابني‬
‫مسامحة؟ كان ّ‬
‫حجر عثرة في طريق‬
‫َ‬ ‫بدو يغتابني‪ ..‬ولن أكون‬ ‫واللي عم يغتابني واللي ّ‬
‫ٍ‬
‫مؤمن إلى الج ّنة»‪.‬‬
‫السيد‬ ‫شخصي ًا على ّ‬
‫علو أخالق ّ‬ ‫ّ‬ ‫وحول هذا الموضوع‪ ،‬أنا أشهد‬

‫‪22‬‬
‫كنت مك ّلف ًا باإلشراف على‬
‫في مسامحته لبعض َمن أساؤوا إليه‪ ،‬حيث ُ‬
‫السيد في قاعة الزهراء‬
‫األسبوعي لسماحة ّ‬
‫ّ‬ ‫القرآني‬
‫ّ‬ ‫تنظيم درس التفسير‬
‫كل مساء ثالثاء‪ ،‬و َف ْرز األسئلة وتقديمها لسماحته ليجيب عنها‬
‫‪ّ O‬‬
‫سيدنا‪،‬‬
‫ذهل من عدد أوراق األسئلة المكتوب فيها‪ّ :‬‬ ‫كنت َأ ُ‬
‫مباشرة‪ُ ..‬‬
‫السيد بالحرف حيث‬‫زلت أذكر كلمات ّ‬ ‫لقد أسأنا إليك‪ ،‬سامحنا‪ ،‬وما ُ‬
‫يقول‪« :‬سامحنا وسامحكم الله‪ »..‬يطلب أو ً‬
‫ال المسامحة من الله لنفسه‬
‫ثم يسامح اآلخرين‪...‬‬
‫السيد يروي سماحة الشيخ محسن عطوي قائ ً‬
‫ال‪« :‬كان‬ ‫وعن أخالق ّ‬
‫صاحب ُخ ُلق نبيل‪ ،‬ال ُيزعج سامعه بارتفاع صوت وال بغرابة مضمون‬
‫الحاضر عنده دائم ًا بفائدة‪ ،‬بحيث يستفيد‬
‫ُ‬ ‫لفظي‪ ،‬و َيخرج‬
‫ّ‬ ‫وال بنشاز‬
‫علم ًا أو حكم ًة أو أدب ًا‪ ،‬إضاف ًة إلى أنَّ سلوكه كان فيه التسامح وفيه‬
‫الورع وفيه ال ُّنبل والتسامي‪ ،‬وال أذكر أنّه ذكر أحد ًا بسوء أمامي‪ ،‬وال‬
‫أخذت عليه ما ُيشينه في أمر حتى في أموره العادية كملبسه‬ ‫ُ‬ ‫أذكر أنْ‬
‫ومأكله و َذهابه وإيابه فإنّي ال أتذكّ ر عيب ًا في ذلك‪»..‬‬
‫وللتأكيد على كالم سماحة الشيخ عطوي‪ ،‬فإنّني أذكر أنّنا ك ّنا‬
‫كل يوم جمعة لنستفيد من آرائه ّ‬
‫وليطلع‬ ‫كمجموعة نلتقي أسبوعي ًا صباح ّ‬
‫من بعض اإلخوة على مجريات بعض األمور‪ ،‬وصدف أنّ الحملة على‬
‫السيد كانت في ذروتها‪ ،‬فقام أحد اإلخوة المعاونين للسيد‪ ،‬وقال له‪:‬‬ ‫ّ‬
‫السيد‬
‫عالم ديني‪ ،‬بسرعة أوقفه ّ‬ ‫«موالنا إنّ فالن ًا» ولم يذكره بلقبه وهو ٌ‬
‫عن الكالم‪ ،‬وقال لنا‪ :‬في مجلسي تحترمون الناس‪ ،‬وعليكم أن تقولوا‬
‫الشيخ فالن‪ ،‬وليس فالن من دون لقبه‪ ،‬وفالن الشيخ هذا كان حينها‬
‫السيد‪..‬‬
‫ضد ّ‬ ‫رأس حربة في مشروع الحرب الظالمة ّ‬

‫‪23‬‬
‫السيد محسن األمين وأعداؤه؟‬‫وكان يقول لنا‪ :‬يا جماعة‪ ،‬وين اليوم ّ‬
‫السيد موسى الصدر وأعداؤه؟ وين اإلمام الخميني وأعداؤه؟ وين‬ ‫وين ّ‬
‫يقصد أنّ المناوئين‬
‫ُ‬ ‫السيد‬
‫محمد باقر الصدر وأعداؤه‪ ..‬وكان ّ‬ ‫ّ‬ ‫السيد‬
‫ّ‬
‫ربهم‪ ،‬ولكن َمن‬ ‫ً‬
‫ربهم‪ ،‬و َم ْن أشكل عليهم ذهبوا أيضا إلى ّ‬
‫ذهبوا إلى ّ‬
‫ِ‬
‫ذكرهم في فكرهم ورؤاهم ومنهجهم‬ ‫ُظلم من هؤالء العلماء القادة بقي ُ‬
‫مشع ًا نابض ًا بالحياة إلى اليوم‪..‬‬
‫اإلسالمي ّ‬
‫حدثني الدكتور محمد حكيمي‪ M‬عن أخالق‬ ‫ومن عميق أخالقه‪ّ ،‬‬
‫جد ًا إلى أن‬
‫السيد كان يقول له‪« :‬أنا بصراحة أميل ّ‬ ‫ّ‬ ‫السيد وتواضعه بأنّ‬
‫ّ‬
‫أربي أنصار ًا‪ ،‬وال أريد أتباع ًا وال أزالم ًا‪»...‬‬
‫أربي أصدقا ًء ورفاق ًا وال ّ‬
‫ّ‬
‫ير ّدد‪« :‬اعملوا لآلخرة وال تنظروا للوراء‪»..‬‬ ‫وكان‬
‫السيد أبو جهاد بدر الدين‪،‬‬ ‫حدثني األخ ّ‬‫السيد‪ّ ،‬‬
‫علو أخالق ّ‬ ‫وعن ّ‬
‫السيد‬
‫ّ‬ ‫أنّه في الثمانينيات من القرن الماضي‪ ،‬بعد محاولة اغتيال‬
‫بمتفجرة بئر العبد عام ‪1985‬م أثناء الحرب‬ ‫ّ‬ ‫بمحاولة أميركية ـ محلية‬
‫السيد يأخذونه من البيت‬ ‫على الضاحية الجنوبية‪ ،‬كان مرافقو سماحة ّ‬
‫َعر ِ‬ ‫ٍ‬
‫ض حياته‬ ‫إلى مكان آمن خوف ًا من استهداف المنزل مرة أخرى‪ ،‬وت ُّ‬
‫السيد ويكتب على ضوء الشموع‪ ،‬كان يخ ُلد‬ ‫للخطر‪ ،‬وبعد أن يقرأ ّ‬
‫إلى النوم بعد أن ينال منه التعب‪ ،‬فكان ينام على (فرشة) من اإلسفنج‪،‬‬
‫كرسي من الخشب‪ ،‬وتمضي فتر ُة نو ٍم‬ ‫ّ‬ ‫ويجلس األخ أبو جهاد قربه على‬
‫السيد‬‫فينظر ليجد أنّ األخ أبا جهاد قد أخذه التعب‪ ،‬يقوم ّ‬
‫ُ‬ ‫للسيد‪،‬‬
‫قصير ٌة ّ‬
‫الفراش‪ ،‬ويجلس هو‬ ‫من الفراش‪ ،‬يطلب من أبي جهاد أن ينام على ِ‬
‫الكرسي طوال الليل بانتظار صالة الليل وصالة الفجر‪..‬‬
‫ّ‬ ‫على‬
‫الصديق الدكتور حيدر مكي من كبار األطباء النفسانيين في أميركا‪،‬‬

‫‪24‬‬
‫ال‪« :‬في حياتي‬‫حدثني قائ ً‬ ‫واكب‪ ،‬في النبعة وبعد النبعة حيا َة ّ‬
‫السيد‪ّ ،‬‬
‫ٍ‬ ‫السيد‪ ،‬لم يتك ّلم ِّ‬
‫سيئة على إنسان‪ ،‬وكان‬‫بأي كلمة ّ‬ ‫أتابع حرك َة ّ‬
‫كنت ُ‬
‫ُ‬
‫فيشجع‬
‫ّ‬ ‫يراقب اإليجابيات في اإلنسان وفي األعمال وفي الواقع‪،‬‬
‫السلبيات‪»..‬‬
‫ّ‬ ‫و ُيلقي الضوء على هذه اإليجابيات لينيرها‪ ،‬ويبتعد عن‬
‫وفيما أذكر شخصي ًا‪ ،‬وكوننا نقيم مجالس عاشوراء في مسجد‬
‫السيد يحرص على حضورها‬ ‫ّ‬ ‫اإلمامين الحسنين‪ L‬التي كان‬
‫والحديث فيها‪ ،‬وبعد أن ُيلقي محاضرته كان يجلس مع الناس على‬
‫السيد على‬
‫ّ‬ ‫األرض ليستمع إلى المجلس‪ ،‬وللتخفيف من تعب‬
‫بادرت شخصي ًا لصناعة بساط من القماش ليجلس عليه مع‬ ‫ُ‬ ‫األرض‪،‬‬
‫وتوجه إلى المكان الذي يجلس‬ ‫ّ‬ ‫مسند للظهر‪ ،‬نزل من على المنبر‪،‬‬
‫فيه عادة‪ ،‬فوجد البساط والمسند‪ ،‬بقي واقف ًا ولم يجلس‪ ،‬وأمرنا ِّ‬
‫بكل‬
‫أدب وتهذيب أن نُزيل البساط والمسند‪ ،‬ألنّه يريد أن يساوي بينه وبين‬
‫الناس‪.‬‬
‫السيد‪،‬‬
‫أحد معاوني ّ‬
‫حدثني به األخ السيد طاهر‪M‬‬
‫ّ‬ ‫وأختم بما ّ‬
‫ال على عظمة أخالقه وتواضعه‪ ،‬فيقول‪« :‬ك ّنا ننام في منزل سماحة‬ ‫تدلي ً‬
‫السيد حرص ًا على أمنه وسالمته‪،‬‬
‫السيد في الغرفة المالصقة لغرفة ّ‬ ‫ّ‬
‫تعرض منزله في منطقة الغبيري في الضاحية الجنوبية للقصف‬ ‫بعد أن ّ‬
‫الشديد من ِق َبل قوى الظالم‪ ..‬وفي الصباح كان يدخل علينا حام ً‬
‫ال بين‬
‫ٍ‬
‫بلطف‬ ‫نسميها باللبناني (الترويقة) ويخاطبنا‬
‫صينية الطعام والتي ّ‬‫ّ‬ ‫يديه‬
‫وأبوة قائ ً‬
‫ال لنا‪:‬‬ ‫وحنو ّ‬
‫ّ‬
‫يقدم لنا الطعام‪ ..‬ويعود إلى شأنه»‪..‬‬
‫خير من النوم» ّ‬
‫«الترويقة ٌ‬

‫‪25‬‬
‫السيد‪..‬؟!‬
‫سيد هو هذا ّ‬
‫أي ّ‬
‫ُّ‬
‫ّ‬
‫الصف‬ ‫في نهاية الثمانينيات كانت هناك ٌ‬
‫فتنة في لبنان بين أبناء‬
‫الواحد‪ ،‬وهذه الفتنة سقط فيها الكثير من الضحايا واألبرياء‪ ،‬وحصل‬
‫السيد فضل الله في خطبه‬ ‫تهجير وتشريد لكثي ٍر من العائالت‪ ،‬وكان ّ‬
‫ومواعظه يستحلف الفريقين بأن ي ّتقوا الله في دماء الناس وأرواحهم‪..‬‬
‫ولم يوفّر وسيل ًة إال واستخدمها لوقف هذه المشاكل‪ ،‬وفيما أذكره أنّه‬
‫ك ّلفني شخصي ًا بزيارة إحدى القيادات اإلسالمية التي كانت منحازة‬
‫الشخصية‬
‫ّ‬ ‫السيد يرغب بأن ُيصدر هو وهذه‬‫ّ‬ ‫معين وإبالغه بأنّ‬
‫لفريق ّ‬
‫حمام الدم‪ ،‬وتوجيه البندقية إلى صدر‬ ‫بيان ًا مشترك ًا من أجل إيقاف ّ‬
‫العدو الصهيوني‪ ،‬وبالفعل فإنّ البيان ُكتب ونُشر في الصحف وأذاعته‬ ‫ّ‬
‫وسائل اإلعالم كافة‪..‬‬
‫كل َمن كان يراجعه ألجل‬ ‫السيد نفسه‪ ،‬أنّ ّ‬
‫كنت أسمعه من ّ‬‫وفيما ُ‬
‫ال له‪« :‬اكتب‬‫يقدم له ورقة بيضاء قائ ً‬
‫تدخله لوقف المشاكل هذه‪ ،‬كان ّ‬‫ّ‬
‫ما تريد ألن ّفذ ما يمكن أن يوقف الخالفات والمشاكل ويمنع القتال بين‬
‫الطرفين وأنا جاهز‪»..‬‬
‫السيد ومواقفه ك ّلها التي كان يطلب فيها ال ّتهدئة‬
‫ورغم كلمات ّ‬
‫السيد زور ًا وبهتان ًا‬ ‫والصلح فإنّ أجهزة كانت تعمل ليل نهار ّ‬
‫لتحمل ّ‬ ‫ّ‬
‫مسؤولية استمرار المشاكل‪..‬‬
‫ّ‬ ‫شيئ ًا من‬
‫وبقلب ملؤه الحزن‪ ،‬كان يقف على منبر مسجد اإلمام الرضا ‪Q‬‬
‫ّ‬ ‫ٍ‬
‫في بئر العبد‪ ،‬ليخاطب الناس كافة وليقول‪:‬‬
‫الصحافة ومن الناس‬
‫كثير من الناس من الفعاليات ومن ّ‬
‫«هناك ٌ‬

‫‪26‬‬
‫يتحدثون ع ّني بطريقة غير مسؤولة عن فتاوى هنا‪ ،‬وعن‬ ‫ّ‬ ‫المض َّللين‪،‬‬
‫تحليل وتحريم هناك‪ ،‬وقد واجهت هذه الحالة‪ .‬فإنّ هؤالء و َم ْن وراءهم‬
‫علي بمختلف الوسائل‪ُ ،‬قصف بيتي بعشرات القذائف‬ ‫صبوا حقدهم ّ‬ ‫ّ‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫ولوال لطف الله لكانت الكارثة‪ ،‬وكان القصف مركّ زا‪ ،‬وكانت هناك‬
‫اعترافات من جهات مسؤولة وغير مسؤولة بأنّ البيت كان مستهدَ ف ًا‬
‫وأنّ هجوم ًا كان يهدف الحتالل البيت‪ ،‬وهذه أمور ثبتت عندي بطريقة‬
‫يتحدثون‬ ‫ّ‬ ‫كل هؤالء الذين‬ ‫الصحة‪ ،‬إنّني أريد أن أقول أمام ّ‬
‫كبيرة من ّ‬
‫بهذه الطريقة من فعاليات دينية‪ ،‬أو فعاليات سياسية‪ ،‬أو فعاليات‬
‫تنظيمية‪ ،‬أو فعاليات حزبية أقول لهم‪ :‬لن أر ّد عليكم بكلمة‪ ،‬لن أك ّلف‬
‫نفسي أن أر ّد عليكم‪ ،‬لن أك ّلف نفسي أن أدخل في نقاش‪ ،‬لن أك ّلف‬
‫ألبرىء نفسي‪،‬‬‫نفسي أن أدخل في مهاترات‪ ،‬لن أك ّلف نفسي أن أقف ّ‬
‫كل شيء‪ ،‬إنّني‬‫الله َو ْحدَ ُه هو الذي يعلم ما تخفي الصدور وهو يعلم ّ‬
‫أترك حسابكم على الله‪ .‬لقد واجهت الهجمة األميركية على سمعتي‬
‫وعلى حياتي‪ ،‬وقد واجهت الحملة اإلسرائيلية على سمعتي وعلى‬
‫حياتي‪ ،‬وقد واجهت الهجمة الكتائبية على سمعتي وعلى حياتي‪ ،‬وقد‬
‫ٍ‬
‫ضر أن نضيف‬ ‫واجهت هجمات عربي ًة على ُسمعتي وعلى حياتي‪ ،‬ما ّ‬ ‫ُ‬
‫كل هؤالء جماع ًة هنا وجماعة هناك‪..‬‬‫إلى ّ‬
‫بكل الكلمات‪،‬‬‫سأترك حسابكم لله وسأتأسى برسول الله ‪ّ P‬‬
‫جدي رسول الله ‪ P‬وسأضرع لله كما ضرع‪،‬‬ ‫سأقول كما قال ّ‬
‫«اللهم اغفر لقومي فإنّهم ال يعلمون»‪ ،‬سأستغفر لكم في الليل والنهار‬
‫ّ‬
‫ال يعاقبكم على ذلك‪ ،‬أما قضية الموقع وأما قضية‬ ‫وسأطلب من الله أ ّ‬
‫كل ذلك‪ ،‬دائم ًا أقرأ معكم وتقرأون معي‪« ،‬إلهي إن وضعتني فمن ذا‬ ‫ّ‬

‫‪27‬‬
‫الذي يرفعني‪ ،‬وإن رفعتني فمن ذا الذي يضعني»‪.‬‬

‫واألنام ِغ َض ُ‬
‫اب‬ ‫ُ‬ ‫وليتـك ترضى‬ ‫فليتـك تحلـو والحيـا ُة مريـر ٌة‬
‫خـراب‬
‫ُ‬ ‫العالمـين‬
‫َ‬ ‫وبـين‬
‫َ‬ ‫وبيني‬ ‫عامر‬
‫ٌ‬ ‫وليت الذي بيني وبي َن َك‬
‫َ‬
‫ّ‬
‫ولكل‬ ‫ولكل الناس المستضعفين‬ ‫ّ‬ ‫أريد أن أقول ّ‬
‫لكل الفعاليات‬
‫عشت‬ ‫ُ‬ ‫الطيبين في الجنوب وفي البقاع وفي بيروت‪ ،‬لقد‬ ‫ّ‬ ‫الناس‬
‫معكم منذ النبعة‪ ،‬لم أفارقكم لحظة؛ لقد عشت معكم في النبعة حتى‬
‫سقطت النبعة‪ ،‬وعشت الخوف معكم كما عشتموه‪ ،‬وقد عشت معكم‬
‫كل‬ ‫في الضاحية ّأيام االجتياح (عام ‪1982‬م) وقد عشت معكم في ّ‬
‫األوضاع‪ ،‬فلم أتط ّلب في هذا البلد موقع ًا سياسي ًا ولم أتط ّلب في هذا‬
‫ّ‬
‫وسأظل‬ ‫البلد موقع ًا رسمي ًا ولن أتط ّلب وسأظل معكم‪ ..‬اشتموني‬
‫كل قلبي‪،‬‬‫أحبكم من ّ‬‫وسأظل أخدمكم وأعظكم‪ ،‬إنّي ّ‬ ‫ّ‬ ‫سبوني‬‫معكم ّ‬
‫الحرية ا ّلتي أحملها وأحمل‬
‫ّ‬ ‫قضية‬
‫كل األخطار من أجل ّ‬ ‫أتحمل ّ‬‫ّ‬ ‫إنّي‬
‫ّ‬
‫سأظل معكم ّأيها‬ ‫كل ال ّناس ما يقولون‪،‬‬ ‫ليقل ّ‬
‫خشبتي على كتفي‪ْ ،‬‬
‫المؤمنون المستضعفون ح ّتى لو رجمتموني بالحجارة‪ ،‬ألنّني أعرف‬
‫أنّكم ستكتشفون غد ًا من ا ّلذي يريد أن يستغ ّلكم‪ ،‬ومن ا ّلذي يريد أن‬
‫ومحبة الله في ذلك‬
‫ّ‬ ‫يبلغ بكم حيث يريد الله أن تبلغوا رضوان الله‬
‫ك ّله»‪[ .‬صالة الجمعة‪ :‬منبر ومحراب‪ ،‬ص‪ 248‬ـ ‪]249‬‬
‫السيد في العقل والقلب والوجدان‪..‬‬
‫ويبقى ّ‬

‫‪28‬‬
‫شخصية مع أحد‬
‫ّ‬ ‫لدي مشكلة‬
‫ليس ّ‬

‫في مجال آخر‪:‬‬


‫يحدثني األخ األستاذ هاني عبد الله المستشار السياسي واإلعالمي‬
‫ّ‬
‫السيد ‪ P‬فيقول‪:‬‬
‫لسماحة ّ‬
‫في أعقاب المعارك والفتنة الداخلية التي جرت بين حركة أمل‬
‫السيد فضل الله‪.‬‬
‫وحزب الله‪ ،‬قام وفد من حركة أمل بزيارة سماحة ّ‬
‫أتصور سنة ‪1992‬م أو ‪1993‬م وهذه‬
‫ّ‬ ‫الزيارة التي جرت على ما‬
‫واستمرت إلى ما بعد حصار الضاحية‬
‫ّ‬ ‫الحرب بدأت في سنة ‪1988‬م‬
‫المهم بعد انتهاء المشاكل بين الحزب وأمل وحصول‬
‫ّ‬ ‫والجنوب‪..‬‬
‫السيد في سنة‬
‫سياسي بينهما‪ ..‬جاء هذا الوفد لزيارة سماحة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ا ّتفاق‬
‫‪1993‬م على األغلب‪ ..‬وكان وفد ًا كبير ًا ومن الذين كانوا من ضمن‬
‫الوفد األستاذ بالل شرارة‪ M‬وطارق إبراهيم الكاتب في مجلة‬
‫العواصف‪ ،‬وأيض ًا األستاذ أيوب حميد‪..‬‬
‫أتذكّ ر في هذه الزيارة أنّ األستاذ بالل وأثناء المعارك بين الحزب‬
‫وأمل كتب‪َ « :‬م ْن أصدر الفتوى؟» وقيل إنّه كان المسؤول عن رسم‬
‫مصاص الدماء‪ ،‬وقيل إنّه هو الذي كتب‬
‫السيد على طريقة راسبوتين أو ّ‬
‫ّ‬
‫السيد فضل الله‬
‫ضد ّ‬ ‫عدة ُكتبت ّ‬ ‫عنه بأنّه مهدي هاشمي لبنان‪ ..‬مقاالت ّ‬
‫وا ّتهامه بأنّه المسؤول عن الدماء وعن الفتاوى في مواجهة حركة أمل‪..‬‬

‫‪29‬‬
‫ما أذكره في ال ّلقاء‪ ..‬أنّ األستاذ بالل شرارة جلس إلى يسار سماحة‬
‫السيد وبعد السالم السريع على سماحته قال له إنّ رئيس حركة أمل‬ ‫ّ‬
‫األستاذ نبيه ّبري أبلغه بأنّ عليه الذهاب إلى ّ‬
‫السيد فضل الله ليعتذر‬
‫السيد فضل الله اعتذارك تبقى في حركة أمل وإذا لم يقبل‬
‫منه‪ ،‬وإذا قبل ّ‬
‫السيد اعتذارك فاعتبر نفسك خارج حركة أمل‪..‬‬ ‫ّ‬
‫أتذكّ ر أنّ األستاذ بالل شرارة عندما بدأ بالحديث مع سماحة ّ‬
‫السيد‬
‫يبرر للسيد لماذا فعل ذلك وقال له أنت يا موالنا تعرف طبيعة‬
‫حاول أن ّ‬
‫الحزبي وأنا كنت جزء ًا من منظومة حزبية‪ ..‬فلم يكن أنا من‬
‫ّ‬ ‫اإلعالم‬
‫الحزبي التنظيمي‪..‬‬
‫ّ‬ ‫يكتب وإنّما كنت أكتب ما كان يريده اإلعالم‬
‫السيد‪:‬‬
‫وأول تعليق قاله ّ‬ ‫بكل هدوء‪ّ ..‬‬‫السيد إلى كالم بالل ّ‬ ‫استمع ّ‬
‫الحزبي‪..‬‬
‫ّ‬ ‫أنت يا بالل تريد أن تقول لي اآلن بأنّ السبب هو اإلعالم‬
‫السيد بأنّ هناك نوع ًا من‬
‫وأنت تعرفني وعائلتك تعرفني (هنا ع ّلق ّ‬
‫السيد وعائلة بالل) أنت يا بالل ال تعرفني؟ أنا‬
‫القرابة بين عائلة سماحة ّ‬
‫هيك يا بالل؟ (أي أنا من يبيح إراقة دماء الناس) هنا بدأنا بالبكاء‪ ..‬أما‬
‫بشكل غريب وعجيب‪ ..‬وهو يجيبه‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫بالل فقد شهق شهقة وبدأ بالبكاء‬
‫«ال أنت مش هيك‪»..‬‬
‫كل أعضاء‬‫الجو العاطفي الذي كان موجود ًا طلبت من ّ‬
‫بسبب ضغط ّ‬
‫السيد وبالل مع بعضهما‪ ..‬فخرجنا‬‫الوفد الخروج لكي يبقى سماحة ّ‬
‫وجربت أن أستمع من صالة االنتظار إن كان قد‬ ‫ّ‬ ‫إلى صالة االنتظار‬
‫الجو قد أصبح أكثر هدوء ًا‪ ..‬وأنا قد‬
‫ّ‬ ‫أحسست بأنّ‬
‫ُ‬ ‫الجو أم ال‪..‬‬
‫ّ‬ ‫هدأ‬
‫لمست لألمانة بشخصية بالل الجانب العاطفي على الرغم من عدم‬
‫السيد هنا قد قال‬
‫وجود معرفة عميقة بيني وبينه‪ ..‬فدخلت إليهما وكان ّ‬
‫‪30‬‬
‫وكل شيء بالنسبة لي أنا أتخ ّلى عنه‪ ،‬ولكن علينا أن‬
‫لبالل أنت مسامح ّ‬
‫نعرف كيف نحفظ هذه األمة وهذه الساحة‪ ..‬ك ّلكم أوالدي‪ ..‬حزب‬
‫الله وحركة أمل‪..‬‬
‫وأذكر في المشهد شرار ًة في عيون بالل لم َأر في حياتي عيون ًا‬
‫«حمر ًا» بهذا المستوى بسبب ما ذرفه من دموع‪ ..‬ولكن بالل شرارة‬
‫خرج مرتاح ًا نفسي ًا هو والوفد الذي كان معه‪..‬‬
‫السيد سيعفو عنه‬‫ّ‬ ‫ال جاء وهو يعرف تمام ًا بأنّ‬ ‫أنا متأكّ د أنّ بال ً‬
‫وسيسامحه‪ ..‬وأذكر في حادثة أخرى قريبة من هذه الحادثة أنّ أحد‬
‫السيد‪ ،‬وربما هو األستاذ فيصل عبد الساتر‪،‬‬ ‫األشخاص جاء إلى سماحة ّ‬
‫يأتي لزيارتك وعلى الفور قال له‬ ‫وقال له بأنّ سعود المولى يريد أن َ‬
‫ال‪ ..‬البيت بيتو»‪ ..‬وهنا قلت له بأنّ ِحبر هذا الرجل‬ ‫ال وسه ً‬ ‫السيد‪« :‬أه ً‬
‫ّ‬
‫ضدك في جريدة «السفير» وكتب عن‬ ‫يجف بعد‪ ..‬هذا الرجل يكتب ّ‬ ‫لم َّ‬
‫اإليرانيين وتناول العالقة‬
‫ّ‬ ‫موضوع والية الفقيه وكيف أنّ ّ‬
‫السيد كان مع‬
‫حد كبير وكان قاسي ًا في كتاباته عن‬ ‫بين حركة أمل وحزب الله إلى ّ‬
‫السيد‪ .‬هذا الطلب جاء بعد وفاة المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس‬ ‫ّ‬
‫السيد م ّني وقال لي كالم ًا‬
‫سيد بهذه السرعة؟ فاقترب ّ‬ ‫فقلت له ّ‬
‫ُ‬ ‫الدين‪..‬‬
‫سبك في أذنك واعتذر فاقبل‬ ‫بما معناه َمن ّ‬
‫عن اإلمام الصادق ‪Q‬‬

‫لدي مشكلة شخصية مع أحد‪ ..‬وقال لي‬ ‫اعتذاره‪ ..‬وقال له‪ :‬أنا ليس ّ‬
‫جيد‪ ..‬ولكن‬ ‫ضدي ليس ألنّهم مقتنعون بأنّني غير ّ‬ ‫إنّ هناك َمن وقفوا ّ‬
‫معين ًا‪ ..‬ثم استقبله ّ‬
‫السيد‪..‬‬ ‫ألنّهم يريدون أن يسايروا وضع ًا ّ‬

‫‪31‬‬
‫سيكون له شأن كبير في المستقبل‬

‫محمد علي فضل الله ‪ M‬شقيق‬ ‫ّ‬ ‫السيد‬


‫في جلسة مع سماحة ّ‬
‫السيد بوالده المرحوم‬
‫السيد فضل الله ‪ ،‬سألته عن عالقة ّ‬
‫سماحة ّ‬
‫السيد عبد الرؤوف فضل الله {‪ ،‬يقول المرحوم سماحة‬
‫المقدس ّ‬
‫ّ‬
‫محمد علي‪:‬‬
‫السيد ّ‬
‫ّ‬
‫محمد حسين‪ ،‬ألنَّه‬ ‫السيد ّ‬‫يعتز اعتزاز ًا كبير ًا بابنه ّ‬
‫السيد الوالد ُّ‬
‫كان ّ‬
‫وربى ورعى إنسان ًا يعمل لخدمة الرسالة‪ ،‬لخدمة اإلسالم وخدمة‬ ‫أوجد ّ‬
‫يت من‬ ‫الدين‪ ،‬فكان الوالد ‪ M‬يقول لي‪« :‬بأنَّ َّ‬
‫أهم األشياء التي تم ّن ُ‬
‫ذرية صالحة‪ ،‬وعلى رأس هذه الذرية‬ ‫أوجدت ّ‬ ‫ُ‬ ‫الله أن يحقّقها لي أنّي‬
‫محمد حسين‪..‬‬ ‫السيد ّ‬‫ولدي ّ‬
‫السيد الوالد الذي كان ينطلق‬ ‫تربى في مدرسة ّ‬‫ّ‬ ‫السيد‬
‫ّ‬ ‫ولذا‪ ،‬فإنَّ‬
‫‪ ،‬وكان شعار‬ ‫محمد نجيب‬
‫ّ‬ ‫السيد‬
‫رباها عليه أبوه ّ‬ ‫أخالقية ّ‬
‫ّ‬ ‫من‬
‫السيد الوالد‬
‫ّ‬ ‫رد اإلساءة باإلحسان‪ ،‬وهذا ما ترجمه‬ ‫هذه المدرسة َّ‬
‫ِ‬
‫وربانا عليه‪ ،‬وتأكيد ًا على ذلك‪َ ،‬عل َم ّ‬
‫السيد الوالد أنَّ‬ ‫على الدوام‪ّ ،‬‬
‫ونيل من شخصه‪ ،‬وعرف‬ ‫تحدث عنه بكال ٍم فيه إساءة ٌ‬ ‫العالم الفالني ّ‬
‫جد ًا‪ ،‬وقد ع ّلق ّ‬
‫السيد‬ ‫ٌ‬
‫مسيئة ّ‬ ‫كلمات‬
‫ٌ‬ ‫تفوه بها‪ ،‬وهي‬
‫بالكلمات التي ّ‬
‫فالن معذور ًا عند الله‬
‫ال لي‪ :‬أسأل الل َه أن يكون ٌ‬ ‫الوالد على ذلك‪ ،‬قائ ً‬
‫عندما صدرت منه هذه الكلمات المسيئة مكتفي ًا بذلك»‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫السيد‬
‫محمد حسين ـ يضيف سماحة ّ‬ ‫ومن هنا‪« ،‬فإنَّ شقيقي ّ‬
‫السيد ّ‬
‫محمد علي ـ من هذه المدرسة‪ »..‬وفي هذا المجال أذكر شخصي ًا أنَّ‬
‫ّ‬
‫إنساني َته‪ ،‬لذا‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان‬ ‫السيد فضل الله كان يؤمن بضرورة أن يعيش‬ ‫ّ‬
‫إنسانيتك من خالل‬ ‫ّ‬ ‫الناس إلى‬
‫ُ‬ ‫ليتعرف‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫يقول‪ُ :‬‬
‫«ك ْن إنسانا في قلبك‬
‫ما يتمثّل في قلبك من مالمح وجهك‪ ،‬كن إنسان ًا بلسانك‪ ،‬فإنَّ الناس‬
‫حب القسوة في الكلمة حتى‬‫يخافون من قسوتك‪ ،‬واإلنسان بطبعه ال ُي ُّ‬
‫الغلظة والقسوة في قلبك‪ ،‬ألنّك عندما‬‫من أقرب الناس إليه‪ ،‬فال ت َِعش ِ‬
‫ال تعيش في قلبك معنى الناس‪ ،‬فإنَّ قلوب الناس لن تنفتح عليك»‪.‬‬
‫السيد‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص‪.]209‬‬ ‫[الكالم ّ‬
‫محمد علي فضل الله عن‬ ‫ّ‬ ‫وجواب ًا عن سؤال لي لسماحة ّ‬
‫السيد‬
‫أكبر‬
‫محمد حسين كان َ‬ ‫السيد ّ‬‫ّ‬ ‫السيد‪ ،‬يقول سماحته‪« :‬إنَّ‬ ‫بداية شباب ّ‬
‫من عمره‪ ،‬كان يذهب إلى األماكن التي يستفيد منها و ُيفيد منها‪ ،‬ومن‬
‫السيد كان يذهب إلى ِّبر النجف‪ ،‬إلى الصحراء فيلتقي‬ ‫ّ‬ ‫المعروف أنَّ‬
‫بالرعاة‪ ،‬ويع ّلمهم كيفية الوضوء والصالة‪ ،‬وعندما ُيسأل عن ذلك‪،‬‬
‫المرجعية ـ طبع ًا هو عبارة عن دينار أو‬
‫ّ‬ ‫كان يقول‪ :‬أنا أستلم راتب ًا من‬
‫فعلي أن أقوم بواجب التبليغ والوعظ واإلرشاد‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫دينارين في الشهر ـ‬
‫بالزوار‬
‫ّ‬ ‫سأسأل عن هذا المال أمام الله‪ ،‬إضاف ًة إلى أنّه يلتقي‬ ‫ألنّي ُ‬
‫علي ‪ Q‬فكان يقرأ‬ ‫ال ّلبنانيين عندما يأتون لزيارة مقام أمير المؤمنين ٍّ‬
‫لهم الزيارة ودعاء ُكميل‪ ،‬و ُيشعرهم بالروحانية العالية وهم بين يدي‬
‫الله تعالى‪»..‬‬
‫السيد‬
‫ّ‬ ‫السيد محمد علي‪« :‬وما أذكره أنَّ‬
‫ويضيف المرحوم ّ‬
‫عندما كان في الحادية عشرة أو الثانية عشرة من عمره‪ ،‬كان أصدقاؤه‬

‫‪33‬‬
‫أكبر منه س ّن ًا بكثير‪ ،‬حتى أنّه عندما انطلق في الجانب األدبي‪ ،‬وكان‬ ‫َ‬
‫الشباب في مثل عمره يعيشون أجواء الشباب الخاصة ّ‬
‫واللهية‪ ،‬كان‬
‫أكبر من عمره‪،‬‬
‫واألدبي الذي هو ُ‬
‫ّ‬ ‫والفكري‬
‫ّ‬ ‫الثقافي‬
‫ّ‬ ‫الجو‬
‫هو ينطلق في ِّ‬
‫السيد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فكان من أصدقائه الشعراء العلماء في تلك الفترة‪ ،‬المرحوم ّ‬
‫مصطفى جمال الدين‪ ،‬والمرحوم الشيخ أحمد الوائلي‪ ،‬وكان له صديق‬
‫في النجف األشرف وهو المرحوم الشيخ عبد الرزاق السماوي‪ ،‬وكان‬
‫السيد يذهب للمشاركة في المناسبات‬ ‫أعز أصدقائه‪ ،‬وهكذا كان ّ‬ ‫من ِّ‬
‫سن الثالثة عشرة والرابعة عشرة وأمام‬ ‫الدينية‪ ،‬ويلقي قصائده وهو في ّ‬
‫جمهور من الشعراء الكبار الذين كانوا يستحسنون شعره‪ ،‬وذلك نسبة‬
‫إلى ِصغَ ر س ّنه»‪..‬‬
‫وبالعودة إلى كتاب (مسيرة قائد شيعي) ننقل ما كتبه (الشيخ جمال‬
‫يعبر عن نفسه‬ ‫السيد فضل الله ّ‬‫سنكري) قال‪« :‬وفي الخمسينيات‪ ،‬بدأ ّ‬
‫عندما ّ‬
‫أطل على عالم الشِّ عر الحديث‪ ،‬من خالل ما نُشر له من أعمال متتالية‬
‫في مج ّلة «األدب» الواسعة االنتشار في تلك المرحلة‪ ،‬وقد تأ ّثر بالشاعر‬
‫السياب الذي بدوره تأ ّثر بالشعر اإلنكليزي الحديث‪ ،‬كما تأ ّثر‬
‫بدر شاكر ّ‬
‫بالكاتب المصري طه حسين‪ ،‬وبالشاعر اللبناني إلياس أبو شبكة‪ ..‬وقد‬
‫السيد فضل الله في نتاج الشعراء التقليديين المعاصرين‪ ،‬وأشهرهم‬ ‫نقّب ّ‬
‫ومحمد مهدي الجواهري من‬ ‫ّ‬ ‫أحمد شوقي وحافظ إبراهيم من مصر‪،‬‬
‫النجف في العراق‪ ،‬وإلياس أبو شبكة وخليل مطران من لبنان‪ ،‬وقد‬
‫محمد مهدي الجواهري‪،‬‬
‫السيد فضل الله بتأثره العميق بالشاعر ّ‬
‫اعترف ّ‬
‫وأحمد شوقي‪[ »..‬مسيرة قائد شيعي‪ ،‬ص‪.]56‬‬
‫أمام ذلك وجد بعض علماء النجف أنَّ اهتمامه بالشعر قد يصرفه‬

‫‪34‬‬
‫المقدس‬
‫ّ‬ ‫عمه المرحوم‬ ‫عن التحصيل العلمي الحوزوي‪ ،‬فذهب إلى ّ‬
‫محمد سعيد فضل الله الذي كان ثقة المرجع الديني حينها آية‬ ‫السيد ّ‬ ‫ّ‬
‫السيد عبد الهادي الشيرازي‪ ،‬والذي كان يجلس ُ‬
‫للفتيا‬ ‫الله العظمى ّ‬
‫السيد الشيرازي إلى إيران أو إلى مكان آخر‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫مكانه عندما يذهب‬
‫محمد سعيد معروف ًا لدى علماء الحوزة باالجتهاد والورع‬ ‫السيد ّ‬ ‫وكان ّ‬
‫ويحبه‬
‫ّ‬ ‫محمد حسين أثير ًا لديه يحضنه‬ ‫السيد ّ‬
‫والتقوى والزهد‪ ،‬وكان ّ‬
‫ال زاهر ًا‪ ،‬ذهب ّ‬
‫السيد إليه لينقل له رأي علماء‬ ‫ويربيه ويتو ّقع له مستقب ً‬
‫ّ‬
‫النجف في تو ّقفه عن نظم الشعر وما هي نصيحته في هذا المجال‪ ،‬فما‬
‫ال أن يشير إليه بأ ّ‬
‫ال يعبأ بما يقولون‪،‬‬ ‫محمد سعيد { إ ّ‬ ‫السيد ّ‬‫كان من ّ‬
‫يتوجه في االستنباط‬
‫هامة لالجتهاد الذي ّ‬ ‫ألنَّ الذوق األدبي يمثّل حاجة ّ‬
‫والس ّنة‪»..‬‬
‫إلى القرآن ُّ‬
‫ليحدثنا عن مرحلة‬
‫ّ‬ ‫محمد علي فضل الله‬
‫السيد ّ‬
‫ونعود إلى سماحة ّ‬
‫تفوقه العلمي حيث يقول‪:‬‬
‫السيد فضل الله النجفية وعن ّ‬
‫ّ‬
‫المقدس‬
‫ّ‬ ‫بد من اإلشارة إلى رأي المرحوم‬ ‫«وفي هذا المجال‪ ،‬ال ّ‬
‫محمد سعيد فضل الله الذي كان يعقد آما ً‬
‫ال كبيرة عليه‪ ،‬لما‬ ‫السيد ّ‬
‫عمي ّ‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫لفتات مشرقة‬ ‫كان يراه فيه من ِجدِّ ية الدراسة والتحصيل العلمي‪ ،‬ومن‬
‫السيد الوالد‪:‬‬
‫المقدس ّ‬ ‫ّ‬ ‫في مناقشاته معه‪ ،‬حتى قال لسماحة المرحوم‬
‫شأن كبير في المستقبل‪ ،‬في المجال العلمي‬ ‫إنَّ هذا الشاب سيكون له ٌ‬
‫الدعوة والتبليغ»‪.‬‬
‫والديني وحركة ّ‬
‫محمد سعيد فضل الله هو من أبرز العلماء‬‫ّ‬ ‫السيد‬
‫ّ‬ ‫وللتذكير‪ ،‬فإنّ‬
‫العامليين في النجف األشرف في النصف األول من القرن الماضي‪،‬‬
‫ّ‬
‫لح عليه‬
‫السيد عبد الهادي الشيرازي ُي ُّ‬
‫ولهذا فقد كان سماحة المرجع ّ‬
‫‪35‬‬
‫ويتصدى للمرجعية‪ ،‬وقد قال عنه سماحة العالم‬ ‫ّ‬ ‫عملية‬
‫ّ‬ ‫أن ينشر رسالة‬
‫الكبير المجتهد الشيخ حسين الح ّلي حين سمع بوفاته‪« :‬لقد تُوفّي‬
‫السيد محمد علي‪« :‬وقد‬ ‫أفقه فقيه في النجف»‪ .‬ويضيف المرحوم ّ‬
‫الجمال وهو من كبار شخصيات‬ ‫ّ‬ ‫سمعت من المرحوم الشيخ علي‬
‫السيد محسن األمين إلى َمن يرشدنا (في‬ ‫الشيعة في دمشق أنّه سأل ّ‬
‫يطمئن (في التقليد) في اللبنانيين‬
‫ّ‬ ‫التقليد) بعد وفاته‪ ..‬فأشار إلى أنّه ال‬
‫السيد محمد سعيد فضل الله وإذا لم يوافق كما‬ ‫إال لشخصين‪ ،‬أحدهما ّ‬
‫السيد عبد الرؤوف‪..‬‬‫أتصور فإلى أخيه ّ‬
‫ّ‬
‫السيد الوالد سماحة‬‫مرة‪ ،‬من ّ‬ ‫يبقى أن أشير إلى ما سمعته غير ّ‬
‫السيد عبد الرؤوف فضل الله‪ .‬وهو الذي تو ّلى‬ ‫المقدس ّ‬
‫ّ‬ ‫المرحوم‬
‫المقدمات والسطوح‪ ،‬مع ُث ّلة‬
‫ّ‬ ‫السيد فضل الله ـ في‬
‫تدريسه ـ أي لألخ ّ‬
‫ممن ُيشار إليهم بالبنان من العلماء‪،‬‬
‫الطلبة الذين أصبحوا فيما بعد َّ‬‫من ّ‬
‫تميز بعضهم‬ ‫مرة عن طالبه من هذه الطبقة‪ ،‬فأشار إلى ّ‬ ‫حيث سألته ّ‬
‫المتميزين‪،‬‬
‫ّ‬ ‫المقدس األخ‪ ،‬ثم سألته عن األفضل بين هؤالء‬ ‫ّ‬ ‫ومنهم‬
‫السيد محمد حسين كان أفضلهم وأكثرهم‬ ‫بشكل قاطع أنَّ أخي ّ‬ ‫ٍ‬ ‫فأشار‬
‫السيد الوالد‪ ،‬أمامي وأمام غيري باجتهاده‪،‬‬ ‫عمق ًا واجتهاد ًا‪ ،‬وقد شهد ّ‬
‫ومن المعروف للقاصي والداني‪ ،‬أنّه { لم يكن ُيراعي في ُحكمه‬
‫للبنوة والقرابة‪ ،‬بل كان شديد الحسم‬
‫أي اعتبار ّ‬ ‫في هذه األمور الشرعية َّ‬
‫وكثير االحتياط في هذا المجال‪.‬‬
‫السيد الوالد { أرجع عدد ًا من المؤمنين‬‫وأذكر أنّ المرحوم ّ‬
‫محمد حسين ـ‬
‫السيد ّ‬‫والمؤمنات إلى رأيه ـ أي إلى رأي سماحة األخ ّ‬
‫يسبب لهم مشقّة‬
‫في بعض األحكام االحتياطية التي كان التزامهم بها ّ‬

‫‪36‬‬
‫وحرج ًا َ‬
‫كبيرين‪.‬‬
‫ففي مسألة طهارة أهل الكتاب‪ ،‬حيث كان بعض المؤمنين من‬
‫المغتربين‪ ،‬أو من الطالب الذين يسافرون إلى أوروبا لمتابعة دراستهم‪،‬‬
‫جراء التزامهم بالفتوى التي تحكم‬
‫أو غيرهم‪ ..‬يواجهون الحرج الشديد ّ‬
‫بنجاسة أهل الكتاب‪ ،‬فاإلمام الخوئي { كان يرى نجاستهم من‬
‫باب االحتياط الوجوبي‪ ،‬واإلمام الخميني { كان ُيفتي بنجاستهم‪،‬‬
‫وإل فال يمكن لمق ّلدي ّ‬
‫السيد الخوئي الرجوع إليه في هذه المسألة إذا‬ ‫ّ‬
‫أرادوا التح ّلل من قيد الحكم بنجاستهم والتخ ّلص من الحرج الناشىء‬
‫السيد الوالد { ليجد‬
‫عن التزامهم به‪ .‬ولهذا فقد رجعوا إلى سماحة ّ‬
‫الرخصة في هذه المسألة‪ ،‬فأرجعهم فيها إلى رأي سماحة األخ‬ ‫لهم ُّ‬
‫محمد حسين فضل الله الذي كان يرى طهارة أهل الكتاب‪،‬‬ ‫السيد ّ‬‫ّ‬
‫بل وطهارة اإلنسان مطلق ًا‪ ،‬هذا مع العلم أنّ سماحة السيد الوالد {‬
‫ّ‬
‫كان ـ هو نفسه ـ أيض ًا يرى في فتواه طهارة أهل الكتاب‪.‬‬

‫وفي مسألة جوا ِز كشف الوجه والك ّفين للمرأة‪ ،‬التي كان ّ‬
‫السيد‬
‫الخوئي { يحتاط فيها احتياط ًا وجوبي ًا بعدم الكشف‪ ،‬أيض ًا أرجع‬
‫السيد الوالد { كثير ًا من المؤمنين والمؤمنات الذين‬ ‫ّ‬ ‫سماحة‬
‫السيد فضل الله‪.‬‬
‫راجعوه في هذه المسألة إلى رأي سماحة األخ ّ‬
‫نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفّق المؤمنين والمؤمنات ـ خصوص ًا‬
‫طلبة العلوم الدينية ـ لالستفادة من هذا اإلرث العلمي االجتهادي‬
‫السيد‬
‫المقدس األخ ّ‬
‫ّ‬ ‫والثقافي والفكري الكبير ك ّله الذي تركه سماحة‬
‫سيما في الفقه واألصول‬
‫محمد حسين في المجاالت العلمية ش ّتى‪ ،‬ال ّ‬
‫المجددين العاملين‬
‫ّ‬ ‫والتفسير‪ ،‬وأن يتابعوا مسيرته‪ ،‬ومسيرة سائر العلماء‬

‫‪37‬‬
‫في ِّ‬
‫خط الوعي واإلصالح والتجديد األصيل المستند إلى دعائم مدرسة‬
‫النبي ‪ P‬وأئمة أهل البيت ‪.»R‬‬

‫السيد في العقل والقلب والوجدان‪....‬‬


‫ويبقى ّ‬

‫‪38‬‬
‫الدنيا يا أخي هواء في َش َبك‬

‫محمد علي فضل‬ ‫السيد ّ‬


‫في جلسات أخرى لي مع المرحوم سماحة ّ‬
‫حدثني عن بعض المواقف‬ ‫السيد فضل الله ‪ّ ،‬‬
‫الله شقيق سماحة ّ‬
‫السيد كثير ًا‬ ‫ٍ‬
‫خبرة واسعة في الحياة‪ ،‬منها أنَّ‬ ‫تنم عن‬
‫ّ‬ ‫للسيد التي كانت ُّ‬ ‫ّ‬
‫قدم الوضيع‬ ‫وتنسد اآلفاق‪ ،‬و ُي َّ‬
‫ُّ‬ ‫ما كان يقول له عندما تتراكم المشاكل‪،‬‬
‫هواء في شبك»‪ ،‬أي‬ ‫ؤخر الشريف‪ :‬كان يقول ألخيه‪« :‬الدنيا يا أخي ٌ‬ ‫و ُي َّ‬
‫خط‬ ‫قيمة‪ ،‬القيمة للعمل‪ ،‬ولإلنسان بقدر ما يكون سائر ًا في ّ‬ ‫أي ٍ‬ ‫ليس لها ُّ‬
‫رضى‪..‬‬‫ً‬ ‫يؤخر أخرى‪ ،‬إال أن يعلم أنّ في ذلك لله‬ ‫ال وال ّ‬‫قدم ِرج ً‬‫الله‪ ،‬ال ُي ّ‬
‫محمد علي ـ التي‬
‫السيد ّ‬
‫مرة بكلمته ـ يقول سماحة ّ‬ ‫وعندما ذكّ رته ّ‬
‫وكنت أستحضرها عند تقييمي‬
‫ُ‬ ‫كان يقولها لي والتي َر َس َخ ْت في فكري‪،‬‬
‫لكثير من األمور‪ ،‬أجابني‪« :‬أنت عندما تطرح الشبك في البحر وتكون‬
‫ٌ‬
‫سمكة واحدة‪،‬‬ ‫(الشِّ باك) منتفخة بالماء والهواء‪ ،‬وليس في هذا الشبك‬
‫فكذلك هي الدنيا‪»..‬‬
‫السيد يحرص على أن نعرف معنى قيمة الدنيا وقيمة‬ ‫وقد كان ّ‬
‫الحياة فكان يقول‪« :‬قيمة الحياة إذا تجاوزنا حاجاتنا في الحياة هي‬
‫ّ‬
‫ويفكر قبل أن‬ ‫كل يوم‬‫عندما يضع اإلنسان رأسه على الوسادة في ّ‬
‫وفتحت‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫إنسان على علم ومعرفة‪،‬‬ ‫يغفو‪ ،‬أنّني في هذا اليوم فتحت عقل‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫وفتحت واقع إنسان على فرصة جديدة‬
‫ُ‬ ‫قلب إنسان على أمل بالحياة‪،‬‬

‫‪39‬‬
‫ملف مشكلة‪ ،‬وأن أسيطر على موقع ألم‪ ،‬أن يوحي‬ ‫واستطعت أن أغلق ّ‬
‫ُ‬
‫اإلنسان إلى نفسه في آخر اليوم‪ ،‬أنّه استطاع أن يكفكف بعض الدموع‪،‬‬
‫إنسانيته‬
‫ّ‬ ‫الب َسمات ويفتح بعض القلوب‪ ،‬أن يشعر أنَّ‬ ‫ويصنع بعض َ‬
‫تعطي الناس شيئ ًا‪ ،‬وعندما يشعر اإلنسان بأنَّ حياته التي‬
‫َ‬ ‫استطاعت أن‬
‫قضاها استطاعت أن تجعل كثير ًا من الناس يعيشون في حياته‪ ،‬فإنّ تلك‬
‫ويتحول إلى نُفايات‪،‬‬
‫ّ‬ ‫هي السعادة‪ .‬سنترك ّ‬
‫كل المال الذي نحصل عليه‪،‬‬
‫ُ‬
‫واللمسة‬ ‫ُ‬
‫الحانية‬ ‫وهكذا ّ‬
‫كل الطعام الذي نأكله‪ ،‬ولكن تبقى النظر ُة‬
‫واليد التي تداوي‪ ،‬والعقل الذي يع ّلم‪ ،‬يبقى ذلك‪ ،‬هو الحياة‪،‬‬ ‫ُ‬
‫والبسمة‪ُ ،‬‬
‫نفكر في هذا اال ّتجاه»‪[.‬خطاب‬ ‫نفكر في العيش علينا أن ّ‬
‫ونحن عندما ّ‬
‫العقل والروح‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪ 51‬ـ ‪.]52‬‬
‫السيد‬ ‫محمد علي فضل الله قائ ً‬
‫ال‪« :‬إنَّ عالقة ّ‬ ‫السيد ّ‬
‫ويضيف سماحة ّ‬
‫محبة‪ ،‬وقد كان عمري بين العاشرة والحادية عشرة‬ ‫به كانت عالقة ّ‬
‫عندما أخبرته برغبتي بدراسة ألفية ابن مالك‪ ،‬وهي كتاب في النحو‪،‬‬
‫مكان لي في مدرسة الخليلي (في النجف األشرف)‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫فبادر إلى حجز‬
‫وكانت له غرفة في تلك المدرسة يعطي دروس ًا ويطالع ويكتب فيها‪،‬‬
‫ثم‬
‫ال في ألفية ابن مالك‪ّ ،‬‬ ‫درست قلي ً‬
‫ُ‬ ‫وكان هو في عمر الثامنة عشرة‪،‬‬
‫درسني الباقي في النواصب والجوازم واالستثناء والتمييز‪..‬‬ ‫ّ‬
‫جميعها إلى لبنان‪ ،‬حاول أن يع ّلمني ال ّلغة‬
‫ُ‬ ‫وعندما انتقلت العائلة‬
‫اإلنكليزية‪ ،‬فاشترى لي بنفسه كتاب (تع ّلم اللغة اإلنكليزية)‪ ،‬الجزء‬
‫األول‪ ،‬والجزء الثاني‪ ،‬ألنّني بدأت أتع ّلمها في المدرسة وأراد لي أن‬
‫أكمل تع ّلمي لها‪..‬‬
‫حب العلم‪ ،‬وكانت ميزته أنّه يمتلك روح ًا‬
‫حريص ًا على ّ‬ ‫كان‬

‫‪40‬‬
‫يحب لألشخاص الذين معه أن يكونوا‬‫ّ‬ ‫رسالية منذ بداية شبابه‪ ،‬فكان‬
‫ّ‬
‫الحق‬
‫ّ‬ ‫ورساليين‪ ،‬وعندها من خالل العلم والرسالية يدركون‬
‫ّ‬ ‫متع ّلمين‬
‫ويعملون لتطبيقه في جميع المناحي‪»..‬‬
‫الحق من خالله‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫نحرك عقولنا لندرك‬ ‫بد أن ّ‬ ‫ولذلك يقول ‪« :‬ال ّ‬
‫بد أن‬ ‫من هنا كان عدم جواز تجميد عقلك أو سمعك أو بصرك ألنّه ال ّ‬
‫الحق‪ ،‬فالله لم يجعل الجهل عذر ًا للجاهل‪ ،‬إال إذا‬ ‫ّ‬ ‫تتلمس ّ‬
‫كل موارد‬ ‫ّ‬
‫يفكر‪ .‬فإنَّ القلم في هذه الحالة‬ ‫كان الجاهل ال يستطيع أن يتع ّلم‪ ،‬أو ّ‬
‫ُيرفع عنه‪ّ .‬أما إذا كان يعيش في ظروف وأوضاع طبيعية‪ ،‬يستطيع أن‬
‫عما ال يعرفه‪ ،‬ويتع ّلم ما يجهله‪ ،‬فإنَّ الله لن يعذره غد ًا على‬ ‫يسأل ّ‬
‫اإلطالق‪ .‬فاإلنسان عندما يقف بين يدي الله سبحانه وتعالى‪ ،‬سيطالبه‬
‫الحق والعمل به‪ ،‬وسيسأله عن وقوفه بجانب الباطل‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫بعدم البحث عن‬
‫الحق‪ ،‬وقريبة من الباطل‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ولماذا كانت حركته في الحياة بعيدة عن‬
‫وال مجال في ذلك لألعذار‪ .‬لذلك فالحديث الشريف يقول‪ُ « :‬يؤتى‬
‫باإلنسان يوم القيامة‪ُ ،‬فيقال له‪ :‬لِ َم َل ْم تعمل؟ فيقول‪ :‬لم أعلم‪ُ ،‬فيقال‬
‫الحج ُة البالغة»‪ .‬فالله‬
‫ّ‬ ‫ِ‬
‫قوله تعالى‪ :‬فل ّله‬ ‫تفسير‬ ‫ال تع ّلمت وذلك‬
‫له‪ :‬ه ّ‬
‫ُ‬
‫يحتج‬
‫ُّ‬ ‫تقدم جهلك أمامه كعذر‪،‬‬ ‫يحتج عليك إذا كنت ّ‬ ‫ّ‬ ‫سبحانه وتعالى‬
‫عليك بأنّك كنت قادر ًا على العلم‪ ،‬وعلى تحريك عقلك‪ ،‬ولذلك‪ ،‬فإنّ‬
‫تفكر‪ ،‬وتبحث وتسأل ما دمت تحتمل أنّك‬ ‫عقلك يفرض عليك أن ّ‬
‫الحق‪ ،‬فالجهل‬ ‫ّ‬ ‫خط معرفة‬ ‫تتحرك في ّ‬ ‫ّ‬ ‫ستواجه المسؤولية عندما ال‬
‫كل عقولنا‬ ‫بد لنا أن نستنفر ّ‬ ‫ليس عذر ًا لمن يستطيع أن يتع ّلم ّ‬
‫ويفكر‪ .‬فال ّ‬
‫خط المعرفة‪ ،‬لنقرأ ما يمكن أن تحقّقه‬ ‫لنحركها في ّ‬
‫وأسماعنا وأبصارنا‪ّ ،‬‬
‫الحق‪ ،‬ولنسمع ما يمكن أن يحقّقه السماع من معرفة‬
‫ّ‬ ‫القراءة من معرفة‬

‫‪41‬‬
‫حذرنا‬ ‫الحق‪ ،‬وقد ّ‬ ‫ّ‬ ‫ولنفكر بما يمكن أن يحقّقه الفكر من معرفة‬ ‫ّ‬ ‫الحق‪،‬‬
‫ّ‬
‫الله أنّنا سنواجه الحساب غـد ًا في هذه المسائل وخصوص ًا في قضية‬
‫ِ ِ‬ ‫﴿و َال َتق ُ‬
‫س َل َك بِه ع ْل ٌم إِ َّن َّ‬
‫الس ْم َع َوا ْل َب َص َر َوا ْل ُفؤَ ا َد ُك ُّل‬ ‫ْف َما َل ْي َ‬ ‫الجهل‪َ :‬‬
‫ُأولـئِ َك َكانَ َع ْن ُه َم ْسؤُ و ًال﴾ [اإلسراء ‪ .]36 :‬أ َل ْم تسمع؟ ألم تبصر؟‬
‫تفكر؟ إذا سمعت فكيف سمعت؟ وكيف وعيت؟ وإذا أبصرت‬ ‫ألم ّ‬
‫فكرت؟» [صالة الجمعة‪ :‬الكلمة‬ ‫فكرت فكيف ّ‬ ‫فكيف أبصرت؟ وإذا ّ‬
‫والموقف‪ ،1989 ،‬ص‪ 216‬ـ‪.]217‬‬
‫السيد محمدعلي فضل الله ‪ M‬حيث سألت‬ ‫ُ‬
‫وأكمل مع سماحة ّ‬
‫السيد أجابني بالقول‪:‬‬
‫روحانية ّ‬
‫ّ‬ ‫سماحته عن‬
‫عاطفي‪ ،‬بالرغم من أنّه‬ ‫ّ‬ ‫السيد يذوب مع الله‪ ،‬وهو بطبيعته‬
‫كان ّ‬
‫ولكن العاطفة عنده‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ويتحكم باألمور من خالل تفكيره وعقله‪،‬‬ ‫عقالني‪،‬‬
‫ّ‬
‫كانت تنطلق مع الله بال حدود‪ ،‬وأعتقد أنَّ هذه العاطفة أخذها من ّ‬
‫جدنا‬
‫السيد الحكيم {‪،‬‬ ‫زوج إحدى بناته للمرجع ّ‬ ‫الحاج حسن ّبزي الذي ّ‬
‫وكان الحاج حسن بزي ‪ M‬عندما يأتي إلى النجف األشرف‪ ،‬كان‬
‫محمد حسين في عمر ما بين الحادية عشرة والثانية عشرة‬ ‫السيد ّ‬‫شقيقي ّ‬
‫جدي يبكي طوال النهار‬ ‫لجده عن أحوال يوم القيامة‪ ،‬فكان ّ‬
‫فكان يقرأ ّ‬
‫يتوجه بالدعاء‪،‬‬‫محمد حسين‪ ..‬وعندما كان ّ‬ ‫السيد ّ‬‫ويبكي معه شقيقي ّ‬
‫كان يعيش حالة البكاء والتفاعل‪ ،‬خصوص ًا وهو يقرأ دعاء ُكميل‪،‬‬
‫ومكارم األخالق‪ ،‬ودعاء الصباح‪ ،‬وقد كان يقرأ هذه األدعية غيب ًا‪.‬‬
‫السيد في العقل والقلب والوجدان‪..‬‬
‫ويبقى ّ‬

‫‪42‬‬
‫األئمة‬
‫أخالف إجماع العلماء وأعمل بإجماع ّ‬

‫الشرعي‬
‫ّ‬ ‫السيد فضل الله يؤمن بأنّه كفقيه‪ ،‬عندما يقوم الدليل‬
‫كان ّ‬
‫والسنة النبوية الشريفة فإنّه ُيفتي‬
‫عنده والمستند إلى القرآن الكريم ُّ‬
‫ٍ‬
‫ومعرفة‬ ‫رباني‬
‫ومن دون تر ّدد وذلك بما أفاض الله تعالى عليه من علم ّ‬
‫كل‬‫الحق هي هدفه من ّ‬ ‫ّ‬ ‫مجبولة بالورع والتقوى‪ ،‬ولذلك كانت كلمة‬
‫بشكل عام‪ ،‬ومن هنا‪ ،‬فإنّه كان‬ ‫ٍ‬ ‫حركته الفقهية والعقائدية والرسالية‬
‫كأمة وكأفراد وكمجتمع‪ ،‬هي أن‬ ‫يؤكّ د على أنّ مسؤوليتنا في الحياة ّ‬
‫بالحق يشعر‬
‫ّ‬ ‫الحق‪ ،‬واإلنسان الذي يؤمن‬
‫ّ‬ ‫الحق‪ ،‬وأن نقول كلمة‬
‫ّ‬ ‫نتع ّلم‬
‫للحق‪ ،‬فعليه أن يقولها في‬
‫ّ‬ ‫مسؤوليته‪ ،‬فإذا كانت هناك فرصة‬
‫ّ‬ ‫الحق‬
‫ّ‬ ‫أنَّ‬
‫جانب من الجوانب كانت‪ ،‬ألنّ الذين يسقطون هم الحياديون بين‬‫ٍ‬ ‫أي‬
‫ِّ‬
‫الحق والباطل‪..‬‬
‫ّ‬
‫الحق‪ ،‬مهما حاول‬
‫ّ‬ ‫روحية إعالن‬
‫ّ‬ ‫يعيش‬ ‫السيد‬
‫ّ‬ ‫وهكذا كان‬
‫يسم َي ما ليس‬
‫البعض أن يحجب نور الشمس عن العين‪ ،‬أو حاول أن ّ‬
‫بالحق‪..‬‬
‫ّ‬ ‫ح ّق ًا‬
‫في‬ ‫وكشاهد على ذلك‪ ،‬فإنّ أحد المالزمين لسماحة ّ‬
‫السيد‬
‫السيد الخوئي‬ ‫السيد وبعد أن ألقى كلمته في ذكرى ّ‬
‫ّ‬ ‫حدثني بأنّ‬
‫دمشق‪ّ ،‬‬
‫{ وذلك في أوائل التسعينيات في حسينية السبطين بدمشق‪ ،‬قريب ًا‬
‫حظ ًا من‬‫ؤت ّ‬
‫معمم أفغاني لم ُي َ‬
‫تقدم منه ّ‬
‫السيدة زينب ‪ّ ،O‬‬ ‫من مقام ّ‬

‫‪43‬‬
‫االستداللي‬
‫ّ‬ ‫السيد ونهجه‬
‫اطالع واسع على أفكار ّ‬ ‫العلم‪ ،‬ولم يكن على ّ‬
‫في الفقه واألصول أو العقائد أو السيرة‪ ،‬وقال له‪« :‬إنّك تخالف إجماع‬
‫العلماء»‪.‬‬
‫وس َعة صدره ونُبل أخالقه‬
‫السيد وبرصانته وكظمه للغيظ‪َ ،‬‬‫بهدوء ّ‬
‫والنفسي‪ ،‬قال له‪« :‬نعم‬
‫ّ‬ ‫الروحي‬
‫ّ‬ ‫وعدم انفعاله‪ ،‬ومحافظته على هدوئه‬
‫األئمة»‪.‬‬ ‫ُ‬
‫أعمل بإجماع ّ‬ ‫إجماع العلماء‪ ،‬ولكن أنا‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫أخالف‬ ‫أنا‬
‫عن مسؤولية عالِم الدين في‬ ‫السيد‬
‫يحضرني ما يقوله ّ‬
‫ُ‬ ‫وهنا‬
‫الحياة‪:‬‬
‫الدين إنسان يملك ثقافة دينية منفتحة على ّ‬
‫كل ما له عالقة‬ ‫«إنّ عالم ّ‬
‫التفصيلية‬
‫ّ‬ ‫الدين في اإلنسان وفي الحياة‪ ،‬من خالل الخطوط‬ ‫بحركة ّ‬
‫الديني‬
‫بد للعالم ّ‬
‫في القانون واألخالق والقيم وما إلى ذلك‪ .‬لذلك‪ ،‬ال ّ‬
‫الدين في وجدان اإلنسان وفي‬ ‫ملم ًا ّ‬
‫بكل ما ي ّتصل بحركة ّ‬ ‫من أن يكون ّ‬
‫واقع الحياة»‪.‬‬
‫العلمية القائمة على‬
‫ّ‬ ‫وحول الذين ال يعرفون الوصول إلى المطالب‬
‫الح ّجة والبرهان والدليل يقول‪:‬‬
‫ُ‬
‫والعلم‬
‫ُ‬ ‫العلم ليس ِعمامة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫عالم دين‪،‬‬
‫َ‬ ‫الطبيعي أنّه ليس ُّ‬
‫كل شيخٍ‬ ‫ّ‬ ‫«من‬
‫كأي علمٍ آخر‪ ..‬إنّ الموقع ال يمنحك‬‫الديني هو ّ‬‫العلم ّ‬
‫ُ‬ ‫ليس موقع ًا‪،‬‬
‫كأي‬‫الدين ّ‬
‫ينية‪ ..‬عالم ّ‬
‫الد ّ‬
‫الدرجة ّ‬ ‫العلمية‪ ،‬وإنّ ِّ‬
‫الز ّي ال يمنحك ّ‬ ‫ّ‬ ‫الدرجة‬
‫ّ‬
‫إنسان‪ ،‬إذا كان له العلم ا ّلذي يمكن أن يجعله في مستوى موقعه‪ ،‬على‬
‫أي شخص صاحب علم‪ ،‬وإذا لم يكن له ذلك‪ ،‬ووضع‬ ‫يقدروا ّ‬‫ال ّناس أن ّ‬
‫نفسه في موقع‪ ،‬فعلى ال ّناس أن يرفضوه‪ ،‬حتى ال يسيء إلى القيمة‬

‫‪44‬‬
‫العلمية‪ ،‬من خالل جهلـه أو مـن خـالل انحرافـه‪.»...‬‬
‫ّ‬ ‫ينية والقيمة‬
‫الد ّ‬
‫ّ‬
‫[ لإلنسان والحياة‪ ،‬ص ‪ 238‬ـ ‪.]239‬‬
‫يرد على هذا الشيخ وعلى غيره من الذين َث َبتوا‬ ‫ُّ‬ ‫وأحسب أنّ ّ‬
‫السيد‬
‫تقليدي جامد ال يصمد أمام النقد‪ ،‬فيقول‪« :‬لو ثبت عندنا‬ ‫ّ‬ ‫على منهج‬
‫ٌ‬
‫خرافة‪ ،‬نقف لنقول‪ ،‬إنّها حقيقة‪،‬‬ ‫حقيقة قرآنية‪ ،‬وقال الناس ك ّلهم إنّها‬
‫لكن علينا أن نو ّثق النصوص الدينية‪ ،‬هل صدرت عن المعصوم وكيف‬
‫صدرت وما هو مفهومها؟ ال يكفي أن نقول‪ ،‬قال الشيخ المفيد‪ ،‬وقال‬
‫الشيخ الطوسي‪ ،‬بل علينا أن نناقش الشيخ المفيد في فهمه‪ ،‬والشيخ‬
‫دوق في فهمه‪،‬‬ ‫الص َ‬ ‫َ‬
‫الشيخ ّ‬ ‫المفيد‬
‫ُ‬ ‫الشيخ‬
‫ُ‬ ‫الصدوق في فهمه‪ ،‬كما ناقش‬
‫وهكذا‪ ،‬نحن نقول‪ :‬علينا أن نفهم اإلسالم من خالل قناعاتنا وأدواتنا‬
‫نحرك‬
‫في وسائل الفهم‪ ،‬وأن نفهم روح العصر لنعرف كيف نستطيع أن ّ‬
‫اإلسالم في عقول الناس وحياتهم‪ ،‬من خالل األساليب التي تنسجم‬
‫الجو العام والذهنية العامة»‪[ .‬لإلنسان والحياة‪ ،‬ص‪.]247‬‬ ‫مع ّ‬
‫السيد في العقل والقلب والوجدان‪...‬‬
‫ويبقى ّ‬

‫‪45‬‬
‫مسؤوليتي أن أرسخ في أذهان الناس أسماء األئمة‪R‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫الدعوة إلى الله من خالل حركة‬ ‫السيد فضل الله يؤكّ د على ّ‬ ‫كان ّ‬
‫كون أئمة أهل البيت ‪ R‬هم ِع ْد ُل‬‫خط أهل البيت ‪ُ R‬‬ ‫اإلسالم في ّ‬
‫الصامت هو كتاب الله‪ ،‬والقرآن الناطق هم أهل البيت‬
‫ُ‬ ‫القرآن‪ ،‬فالقرآن‬
‫وقوة ونظام في حياتهم‪..‬‬ ‫ٍ‬
‫حولوا القرآن إلى حركة وواقع ّ‬
‫‪ R‬الذين ّ‬
‫السياسي‬
‫ّ‬ ‫األمة بالقرآن ولتأخذ منه عقيدتها وشريعتها ونظامها‬
‫لتقتدي ّ‬
‫َ‬
‫واإلنساني وما إلى هنالك‪..‬‬
‫ّ‬ ‫واألخالقي‬
‫ّ‬ ‫والتربوي‬
‫ّ‬ ‫واالجتماعي‬
‫ّ‬
‫السيد إلى لبنان في الستينيات‪ ،‬كان يحرص بعد الصالة‬
‫ومنذ مجيء ّ‬
‫وأئمة أهل البيت ‪ ،R‬وعند‬ ‫النبي ‪ّ P‬‬ ‫ّ‬ ‫وبعد الدعاء على زيارة‬
‫مجيئه كان الكثيرون من أتباع أهل البيت في لبنان ال يحفظون أسماء‬
‫أئمتهم فيدرسون حياتهم‬
‫يعرف الناس ّ‬
‫السيد أن ّ‬
‫أئمتهم‪ ،‬لذا‪ ،‬كان هدف ّ‬ ‫ّ‬
‫الرباني‪..‬‬
‫ّ‬ ‫ومسارهم اإلسالمي ويلتزمون بنهجهم‬
‫مرة الصديق األخ الدكتور أحمد نصر الله‪ ،‬أنّه سأل سماحة‬
‫حدثني ّ‬
‫ّ‬
‫لماذا تك ّلف نفسك وأنت تبذل الجهدَ الكبير في الدعوة‬ ‫السيد‬
‫ّ‬
‫واألئمة‬ ‫‪P‬‬ ‫النبي‬
‫ّ‬ ‫واإلرشاد والموعظة‪ ،‬لماذا تك ّلف نفسك بزيارة‬
‫األطهار ‪ R‬للجموع التي ص ّلت خلفك؟‬
‫أرسخ في أذهان الناس أسما َء‬
‫مسؤوليتي أن ّ‬
‫ّ‬ ‫السيد‪:‬‬
‫كان جواب ّ‬
‫الناس أفكارهم ورؤاهم وتط ّلعاتهم‬
‫ُ‬ ‫أئمة أهل البيت ‪ R‬ليعيش‬
‫ّ‬
‫اإلسالمية‪..‬‬

‫‪46‬‬
‫يقول‪:‬‬ ‫ومن هنا‪ ،‬فإنّ ّ‬
‫السيد‬
‫القرآني‬
‫َّ‬ ‫يجسدون األسلوب‬ ‫ّ‬ ‫أئمة أهل البيت ‪ R‬كانوا‬ ‫«إنّ ّ‬
‫الحركي في الدعوة في مفردات حياتهم ك ّلها على مستوى الدعوة‬ ‫ّ‬
‫الخط‬ ‫ّ‬ ‫خط العقيدة‪ ،‬أو على مستوى الدعوة إلى الله في‬ ‫إلى الله في ّ‬
‫نتصور أنَّ األئمة‬
‫ّ‬ ‫األخالقي وفي المجاالت الحياتية ك ِّلها‪ ،‬لذلك‪ ،‬فإنّنا‬
‫ّ‬
‫محمداً‬ ‫خاص في الدعوة‪ ،‬فإذا أردنا أن نقرأ ّ‬ ‫ٌّ‬ ‫أسلوب‬
‫ٌ‬ ‫‪ R‬لم يكن لهم‬
‫‪ ،P‬فعلينا أن نقرأ القرآن‪ ،‬وإذا أردنا أن نقرأ أهل البيت‪ ،‬فعلينا أن نقرأ‬
‫القرآن‪ ،‬ألنّ أهل البيت يمثّلون التجسيد العملي للقرآن‪ ،‬كما كان ّ‬
‫النبي‬
‫‪ P‬في ما قالته إحدى زوجاته‪« :‬كان ُخ ُلقُ ه القرآن» [حوارات في الفكر‬
‫والسياسة واالجتماع‪ ،‬ص‪.]512‬‬
‫ولذلك نقول‪« :‬إنّ قولهم شريعة وفعلهم شريعة‪ ،‬ال بمعنى أنّهم‬
‫يشرعه الرسول ‪ P‬ولك ّنهم كما قالوا‪« :‬حديثي‬ ‫يشرعون لنا ما لم ّ‬ ‫ّ‬
‫جدي حديث‬ ‫جدي‪ ،‬وحديث ّ‬ ‫حديث أبي‪ ،‬وحديث أبي حديث ّ‬
‫الحسين‪ ،‬وحديث الحسين حديث الحسن‪ ،‬وحديث الحسن حديث‬
‫أمير المؤمنين عليه السالم‪ ،‬وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله‬
‫عز وجل»‪[ .‬حوارات‬ ‫صلى الله عليه وآله وحديث رسول الله قول الله ّ‬
‫في الفكر والسياسة واالجتماع‪ ،‬ص‪.]521‬‬
‫وأئمة أهل البيت ‪ R‬ذاكر ًا‬
‫النبي ‪ّ P‬‬ ‫ّ‬ ‫يزور‬ ‫السيد‬
‫وكان ّ‬
‫ومرة جاءني األخ بالل الخليل وطلب م ّني أن‬
‫أسماءهم وألقابهم‪ّ ،‬‬
‫أنقل للسيد رغبة بعض اإلخوة في مسجد اإلمامين الحسنين ‪L‬‬
‫ّ‬
‫يضم‪،‬‬ ‫السيد إلى زيارة أبي عبد الله الحسين‪ Q‬أن ّ‬
‫أنّه عندما يصل ّ‬
‫نقلت‬
‫ُ‬ ‫فقرات الزيارة المكتوبة على ضريح اإلمام الحسين ‪..Q‬‬

‫‪47‬‬
‫للسيد الذي كان من طبعه‬
‫رغبة األخ الحاج بالل الخليل ورغبة اإلخوة ّ‬
‫ّ‬
‫الخط‬ ‫ويلبي رغبات اآلخرين إذا كانت منسجمة مع‬
‫أن يستمع لآلخرين ّ‬
‫اإليماني وتحمل فائدة للناس‪ ،‬وبالفعل فإنّ ّ‬
‫السيد عندما كان يقرأ زيارة‬ ‫ّ‬
‫كان يقرأ هذه‬ ‫‪Q‬‬ ‫النبي وأهل البيت‪ ،‬وعندما يصل إلى الحسين‬
‫ّ‬
‫الفقرات حتى نهاية عمره المبارك‪..‬‬
‫وهذه الزيارة هي‪:‬‬
‫«السالم عليك يا أبا عبد الله‪ ،‬السالم عليك يا ابن رسول الله‪ ،‬السالم‬
‫عليك يا ابن أمير المؤمنين‪ ،‬السالم عليك يا ابن خديجة الكبرى‪ ،‬السالم‬
‫عليك يا ابن فاطمة الزهراء‪ ،‬السالم عليك يا ابن الهادين المهد ِّيين‪،‬‬
‫السالم عليك يا صريع الدمعة الساكبة وصاحب المصيبة الراتبة‪ ،‬السالم‬
‫عليك وعلى جدِّ ك وأبيك‪ ،‬السالم عليك وعلى أ ِّمك وأخيك‪ ،‬السالم‬
‫بك التراب‪،‬‬ ‫طيب الله َ‬
‫األئمة من بنيك‪ ..‬أشهدُ يا موالي لقد َّ‬
‫عليك وعلى ّ‬
‫وجدك‬
‫َّ‬ ‫بك الثواب‪ ،‬وأعظم بك المصاب‪ ،‬وجعلك وأخاك‬ ‫وأجزل َ‬
‫وأباك وأ ّمك وبنيك عبر ًة ألولي األلباب‪ ،‬يا ابن الميامين األطياب‪،‬‬
‫صلوات الله وسالمه عليك‪ ،‬ما‬
‫ُ‬ ‫هت سالمي إليك‪،‬‬ ‫وج ُ‬‫التالين الكتاب‪َّ ،‬‬
‫تمسك بك وأمن من لجأ إليك‪ ،‬ص ّلى الله عليك‪ ،‬ص ّلى الله‬ ‫خاب من ّ‬
‫عليك‪ ،‬ص ّلى الله عليك‪ ،‬السالم عليك وعلى ولديك ّ‬
‫العليين الشهيدَ ين‬
‫وعلى أخيك أبي الفضل العباس‪ ،‬وعلى أختك الحوراء زينب وعلى‬
‫الم ْس َتشْ َهدين معك»‪.‬‬
‫سائر ُ‬
‫وجد الحسين وأبي الحسين في‬ ‫السيد ألنّه بقي على ّ‬
‫خط الحسين ّ‬ ‫ويبقى ّ‬
‫العقل والقلب والوجدان‪..‬‬

‫‪48‬‬
‫ليس في حسابي في ِّ‬
‫كل ما قمت به‬
‫شيء اسمه محمد حسين فضل الله‬

‫محمد علي فضل الله ‪ M‬شقيق‬ ‫السيد ّ‬


‫في لقاء آخر مع سماحة ّ‬
‫طلبت منه أن يذكر لي بعض ًا من ذكرياته‬
‫ُ‬ ‫السيد فضل الله‬
‫سماحة ّ‬
‫السيد‬
‫السيد من نقاشات وحوارات حول حياة ّ‬ ‫وما كان يجري بينه وبين ّ‬
‫وحركته في الحياة‪.‬‬
‫محمد حسين‬
‫السيد ّ‬
‫‪« :‬في جلسة مع شقيقي سماحة ّ‬
‫فأجاب ‪M‬‬

‫الهوج وحفالت األضاليل‪ ،‬وحلقات الغيبة‬


‫‪ ،‬وبعد العواصف ُ‬
‫قلت له‪:‬‬
‫السيد‪ُ ،‬‬
‫وتزوير الحقائق التي تحاول النيل من فكر وشخص ّ‬
‫«سيدنا‪ ،‬هناك الكثيرون من الناس الذين فتحت لهم قلبك‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ـ ‬
‫وقفت معهم‪ ،‬وتب َّنيتهم‪ ،‬وانطلقوا في حياتهم من خالل تأييدك‬
‫متقدمة في المجتمع‪،‬‬‫ّ‬ ‫وتزكيتك لهم‪ ،‬وصارت لهم مواقع‬
‫وساندتهم مالي ًا واجتماعي ًا وعلمي ًا‪ ،‬وأعطيتهم دفع ًا ّ‬
‫وقوة‪،‬‬
‫ال ألنّك أعطيتهم ثقتك وصار الناس‬ ‫اهتم بهم الناس إ ّ‬
‫وما ّ‬
‫يحترمونهم من خالل هذه الثقة التي أوليتهم إياها‪..‬‬
‫قلت له ـ ّ‬
‫تنكروا‪ ،‬ومالوا مع الريح‬ ‫سيدنا ـ هكذا ُ‬
‫ولكن لألسف ـ ّ‬ ‫ ‬
‫كيفما مالت‪ ،‬ونَسوا إحسانك وتعليمك وفضلك ورعايتك‬

‫‪49‬‬
‫وكثير منهم انساق مع العقل الجمعي‪ ،‬وتركوا‬ ‫ٌ‬ ‫وأبوتك‪،‬‬
‫ّ‬
‫لآلخرين أن يستأجروا عقولهم‪ ،‬فلم يهتدوا إلى ركن وثيق‪...‬‬
‫للسيد ـ أن تكون كفالن‪ ،‬فالن الذي ال‬
‫قلت ّ‬ ‫وعليك ـ هكذا ُ‬ ‫ ‬
‫يخرج أحدٌ من تحت عباءته‪ ،‬وإذا ما حاول أحدٌ ذلك‪،‬‬
‫َ‬ ‫يجرؤ أن‬
‫فإنّه يخضع للتعنيف والتشهير‪ ،‬وال يستطيع أن ينبس ببنت شفة‬
‫لست كغيرك‪ ،‬رغم نبل عاطفتك‬ ‫سيدنا َ‬‫فأنت ّ‬
‫ولي نعمته‪َ ،‬‬‫على ّ‬
‫وإحسانك‪»..‬‬
‫السيد وقال‪:‬‬
‫إلي ّ‬‫حنو ولطف وابتسامة‪ ،‬نظر ّ‬ ‫ّ‬
‫بكل ّ‬
‫السيد عبد‬
‫المقدس ّ‬
‫ّ‬ ‫ـ «مشكلتنا» يا أخي أنَّ أبانا ـ وهو المرحوم‬
‫ربانا تربية أخالقية‪ ،‬نحن ال نعرف‬
‫الرؤوف فضل الله { ـ ّ‬
‫نعادي وقال بالعامي‪ :‬نحنا ما منعرف نقاتل‪ ..‬أنا فاشل‬ ‫َ‬ ‫أن‬
‫بالمقاتلة‪..‬‬
‫ثم أردف قائ ً‬
‫ال‪ّ :‬يل‪ ..‬معلش‪ ..‬خ ّليها لله تعالى‪ ،‬واآلخرون أخطأوا‬
‫أو أصابوا أسأل الله أن يعذرهم‪..‬‬
‫﴿خ ِذ ا ْل َع ْف َو َو ْأ ُم ْر‬
‫الحب‪ ،‬وهو كان ير ّدد‪ُ :‬‬
‫ّ‬ ‫السيد لم يعرف إ ّ‬
‫ال لغة‬ ‫ّ‬
‫ين﴾ [األعراف ‪.]199 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬
‫ض َع ِن ال َجاهل َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ف َوأ ْعر ْ‬ ‫بِا ْل ُعر ِ‬
‫ْ‬
‫الحب هذه بقاموسه هي لغة الحياة‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ولغة‬

‫والمحبة حياة‪..‬‬
‫ّ‬ ‫الحقد موت‬
‫والسيد لم يتو ّقف عند مصالحه الخاصة وهو ّ‬
‫يقدم المعونة لمن‬ ‫ّ‬
‫يحتاج هذه المعونة‪ ،‬لم ينتظر ال أجر ًا وال مدح ًا‪ ،‬وهو القائل‪« :‬اإلسالم‬
‫ُ‬

‫‪50‬‬
‫همه‬
‫يفرض على اإلنسان المؤمن أن ينفتح على أخيه المؤمن ليحمل ّ‬
‫وليقضي حاجته‪ ،‬وليعيش معه في جميع أموره‪ ،‬وليحفظه‬
‫َ‬ ‫وليفرج كربه‪،‬‬
‫ّ‬
‫في ماله ونفسه وعرضه»‪.‬‬

‫ولقد َع ِه ْدنا ّ‬
‫السيد في مسيرة حياته ك ّلها أنّه ُ‬
‫يقابل اإلساء َة باإلحسان‪،‬‬
‫والشر بالمعروف‪ ،‬وهذا ديدنه طوال حياته حيث ا ّتخذ من رسول الله‬ ‫َّ‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫‪ P‬أسو ًة وقدو ًة ومثاال له‪ ،‬وكان يقول‪« :‬لقد تعلمت من رسول الله‬
‫أحب اإلنسان المؤمن وأتعاون معه‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫‪ P‬أن ُأ ِح َّب الناس جميع ًا‪،‬‬
‫وأحب اإلنسان غير المؤمن ألنفتح معه على كثير من القضايا»‪[ .‬الكالم‬ ‫ّ‬
‫السيد‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪]345‬‬ ‫ّ‬
‫يحبنا الله فإنّ قلوبنا وأرواحنا تنتعش بهذا‬
‫ويضيف ‪« :‬عندما ّ‬
‫الروحي‪ ،‬ومن هنا‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ِ‬
‫واألمن والفرح‬ ‫بالسكينة والطمأنينة‬ ‫الحب‪ ،‬ونشعر َّ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫محبة الله و ُب ِ‬ ‫ما ُ‬
‫غض الناس‬ ‫الناس و َي ْبغُ َضنا الله‪ ،‬وما قيمة ّ‬
‫ُ‬ ‫يحبنا‬
‫قيمة أن َّ‬
‫السيد‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪]345‬‬ ‫لنا‪[ »..‬الكالم ّ‬
‫السيد ‪ P‬في خطبة له بتاريخ‬
‫حب الناس أو ُبغضهم‪ ،‬يقول ّ‬
‫وحول ِّ‬
‫‪:2002/03/21‬‬
‫بعض األفكار اإلسالمية التي أعتقد أنّها هي‬ ‫كنت ُأطلق َ‬‫«عندما ُ‬
‫واجهت‬
‫ُ‬ ‫الحق‪ ،‬فإنّي‬
‫ّ‬ ‫الحق أو بعض األفكار الفقهية التي أعتقد أنّها‬
‫ُّ‬
‫الكثير من الناس من أصدقائي من مختلف المستويات يقولون لي‪:‬‬
‫نحن معك‪ ،‬ولكن لماذا تتك ّلم هكذا‪ ،‬سوف يتك ّلمون عليك‪ ،‬سوف‬
‫األمة‪ ..‬لم‬
‫الحق أو انتبه على ّ‬
‫ّ‬ ‫يهاجمونك‪ ،‬انتبه لنفسك‪ّ ...‬أما انتبه على‬
‫أسمع هذه الكلمة»‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫السيد ‪« :‬عندما يكون عندنا أزمة تخ ّلف الذهنية العامة‬
‫ويضيف ّ‬
‫غلو‪ ،‬كيف ال نتك ّلم‪..‬‬
‫للمسلمين‪ ،‬وأزمة خرافة في غير موقع‪ ،‬وأزمة ّ‬
‫محمد حسين فضل الله‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫لذلك‪ ،‬نحن نقول لهم‪ ،‬المسألة ليست‬
‫محمد حسين فضل الله مرحلة مثل الذين سبقوه والذين يأتون‬ ‫السيد ّ‬
‫ّ‬
‫لمحمد حسين فضل الله‪ ،‬نحن نشتغل لإلسالم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫بعده‪ ،‬نحن ال نشتغل‬
‫نضح َي في سبيل اإلسالم‪« ،‬خلي» الناس تشتم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫مستعدون أن‬‫ّ‬ ‫ونحن‬
‫تسب‪« ،‬خلي» الناس ال تأتي إلى‬ ‫«خلي» الناس ت ّتهم‪« ،‬خلي» الناس ّ‬
‫صالة الجماعة‪ ،‬ليست مشكلة‪ ،‬وكما قال أمير المؤمنين علي ‪Q‬‬
‫ٌّ‬
‫ِ‬
‫(والله إنّها أعظم من‬ ‫ونحن تراب أقدامه‪ ،‬يقول وهو يشير إلى نعله‪:‬‬
‫أدفع باط ً‬
‫ال)»‪.‬‬ ‫إمرتكم هذه إ ّال أن ُأ َ‬
‫قيم ح ّق ًا أو َ‬
‫همه اإلسالم‪ ،‬وفي‬
‫السيد‪ ،‬كان ّ‬
‫شخص ّ‬‫َ‬ ‫السيد ك ّله‪ ،‬ليس‬
‫هم ّ‬
‫فكان ّ‬
‫سيدنا‪ ،‬قال‪:‬‬
‫مرة ما هو مشروعكم ّ‬
‫السيد ّ‬
‫سألت ّ‬ ‫ُ‬ ‫هذا المجال‬
‫«مشروعي منذ انطلقت في العمل اإلسالمي منذ ما يقارب الخمسين‬
‫خط أهل البيت ‪ ..R‬هذا هو‬ ‫سنة‪ ،‬هو اإلسالم‪ ،‬واإلسالم في ّ‬
‫مشروعي الذي عشت حياتي من أجله‪ ،‬لذلك كنت وما أزال أقف‬
‫إسالمي يريد تغيير الواقع الفاسد لمصلحة اإلسالم‪،‬‬
‫ّ‬ ‫كل مشروع‬ ‫في ِّ‬
‫ولذلك انفتحت على الحركات اإلسالمية ك ّلها وواقع المستضعفين‬
‫ولكن المشكلة عند اآلخرين أنَّ لهم مشروعهم الخاص‬ ‫َّ‬ ‫ك ّله‪...‬‬
‫ويحاولون ا ّتهام اآلخرين بالمشاريع الذاتية‪ ..‬ليس في حسابي في ّ‬
‫كل‬
‫«محمد حسين فضل الله» فمشروعي‬‫ّ‬ ‫ما قمت به منذ البداية شيء اسمه‬
‫يتغزل بالنساء‬
‫هو كلمة الله‪ ..‬وإذا كان الشاعر الغزلي عمر بن أبي ربيعة ّ‬

‫‪52‬‬
‫حتى أثناء الطواف حول الكعبة‪ ،‬وقد ُسئل أبمثل هذا الموقف؟ قال‪ :‬أنا‬
‫[بينات‪،‬‬
‫موكل بالجمال أتبعه‪ .‬فأنا أقول‪ :‬إنّي موكل باإلسالم أتبعه‪ّ »..‬‬
‫ص‪.]428‬‬
‫للسيد ولنهجه‪ ،‬قال له‪ :‬نحن‬ ‫مرة أنَّ أحدهم ومن باب ّ‬
‫محبته ّ‬ ‫وأذكر ّ‬
‫ُ‬
‫سيدنا‪ ،‬أنّنا من جماعتك‪..‬‬‫نفخر ّ‬
‫‪« :‬علينا أن نفخر أنّنا جميعنا من جماعة اإلسالم‪»..‬‬ ‫السيد‬
‫قال له ّ‬
‫كان العمل لإلسالم في ِّ‬
‫خط أهل البيت ‪R‬‬ ‫السيد‬
‫هم ّ‬ ‫كل ّ‬‫ُّ‬
‫فهو المنجاة في الدنيا واآلخرة‪ ..‬ومن دون هذا اإلسالم الذي يرسم‬
‫ّ‬
‫الخط المستقيم لإلنسان والكون والحياة‪ ،‬تكون حياتنا عبث ًا ولهو ًا‪،‬‬
‫هذه اآلية المباركة‪:‬‬ ‫وكان ير ّدد‬
‫﴿أ َف َح ِس ْب ُت ْم َأن ََّما َخ َل ْق َن ُ‬
‫اك ْم َع َبث ًا َو َأن َُّك ْم إِ َل ْي َنا َل ت ُْر َج ُعونَ ﴾ [المؤمنون‪:‬‬ ‫َ‬
‫‪.]115‬‬
‫السيد ‪ ،‬وكان حزنُه على رفاقه الذين‬ ‫قلب ّ‬ ‫سكن َ‬‫َ‬ ‫وحب الله‬‫ُّ‬
‫أخذوا طريق ًا آخر‪ ،‬في ذلك ك ِّله يقول شعر ًا‪:‬‬
‫الس ِ‬
‫باق‬ ‫ه إذا َه ْم َه َمت ُخ ُيول ِّ‬ ‫امتدادات دنيا‬
‫ُ‬ ‫عمري‪َ ،‬‬
‫منك‬ ‫رب ْ‬
‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ‬
‫االنطالق‬ ‫موعد‬ ‫بروح ْي في‬ ‫َح‬ ‫حب َك َّ‬
‫الس ْمـ‬ ‫أهواك‪ ،‬ألتقي َّ‬ ‫أنا‬
‫الطريق ِرفاقي‬
‫ُ‬ ‫ـك إنْ َأبعدَ‬ ‫نِـ َ‬ ‫در ِ‬
‫ب ُر ْضوا‬ ‫أهوى الحيا َة في ْ‬
‫أنا َ‬
‫ماي عبر ِ‬
‫الف ِ‬
‫راق‬ ‫َح ويروي َظ َ‬ ‫الرو‬ ‫ِ‬ ‫أع ِطني ِم ْن ن َ‬
‫َ‬ ‫َداك ما ُيخص ُب ُّ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫واإلرهاق‪...‬‬ ‫ِ‬
‫بالجهد‬ ‫ـعين عمري‬ ‫الس ْبـ‬ ‫يا ُل َ‬
‫َ‬ ‫تين هل يبلغُ َّ‬
‫الس َ‬
‫هاث ِّ‬

‫‪53‬‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫والنفاق‬ ‫َها بعيد ًا عن الهوى‬ ‫للحقيقة أج ُلو‬ ‫َأعطني ُ‬
‫الع ْم َر‬
‫الر ِ‬
‫قاق‬ ‫ِ‬ ‫ِهي وال َّ‬
‫الز ُ‬ ‫الع َب ُث ّ‬ ‫َه َو ُّ‬
‫يف في الوجوه ِّ‬ ‫الل‬ ‫كل الطموحِ ال َ‬
‫اي الباقي؟‬
‫موج في َمدَ َ‬ ‫ِ‬ ‫خطو ًة خطو ًة متى أب ُلغُ الشا‬
‫ط َئ يا ُ‬
‫ال ِق‬ ‫ِ‬
‫المهيمن الخ ّ‬ ‫ِم ْن عطايا‬ ‫فيض‬‫إلهي ـ ٌ‬
‫َ‬ ‫العم ِر ـ يا‬ ‫ُ‬
‫رحلة ْ‬
‫ٌ‬
‫حبيبة في اشتياقي‬ ‫ودمــوع‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫ابتهال خشو ٍع‬ ‫وأنــا ها هنا‬
‫[ديوان في دروب السبعين‪ ،‬ص ‪ 47‬ـ ‪]48‬‬

‫السيد في العقل والقلب والوجدان‪..‬‬


‫ويبقى ّ‬

‫‪54‬‬
‫عدو ًا للراحة‬
‫كان ّ‬

‫السيد منذ والدته في النجف األشرف‪ ،‬بين حوزاتها وجامعاتها‬


‫عاش ّ‬
‫وفي نواديها العلمية والثقافية واألدبية‪ ،‬وعاصر أكابر المراجع وتتلمذ‬
‫محمد‬
‫السيد ّ‬
‫على أيديهم‪ ،‬وصار مع مجموعة من الفضالء؛ كالشهيد ّ‬
‫تخرج على أيديهم الكثير من‬
‫مراجع كهؤالء المراجع‪ّ ،‬‬‫َ‬ ‫باقر الصدر‪،‬‬
‫العلماء والمب ّلغين والدعاة في سبيل الله‪..‬‬
‫ِ‬
‫ـد والبحـث‬
‫والج ّ‬ ‫وع ِر َف ّ‬
‫السيـد منـذ نعومـة أظافـره بالـدرس‬ ‫ُ‬
‫موضع احترام المراجع والعلماء والطالب‬
‫َ‬ ‫العلمي‪ ،‬فكان‬
‫ّ‬ ‫والتحصيل‬
‫وتقديرهم‪..‬‬
‫محمد‬
‫السيد ّ‬
‫مدير مكتبه في دمشق ّ‬
‫َ‬ ‫السيد‬ ‫ُ‬
‫سماحة ّ‬ ‫حدث به‬ ‫ومما ّ‬
‫ّ‬
‫السيد الخوئي{ سأل يوم ًا الشهيد ّ‬
‫محمد باقر‬ ‫ّ‬ ‫طاهر الحسيني‪ ،‬أنّ‬
‫والمتفوقين من طالب حوزة النجف من العرب‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الم َّبرزين‬
‫الصدر عن ُ‬
‫السيد الخوئي التي كان‬ ‫السيد الشهيد إ ّ‬
‫ال أن أتى بتقريرات ّ‬ ‫فما كان من ّ‬
‫السيد الخوئي؛ حيث أبدى‬ ‫في درس ّ‬ ‫السيد فضل الله‬ ‫يحررها ّ‬‫ّ‬
‫للسيد فضل الله الذي وبعد حوالي أكثر من عشرين‬‫إعجابه وتقديره ّ‬
‫السيد فضل الله الوكيل العام للسيد الخوئي { في لبنان‬ ‫عام ًا صار ّ‬
‫وخارج لبنان‪..‬‬
‫السيد معروف ًا لدى الجميع بورعه وتقواه وعمله ودماثة ُخ ُلقه‪،‬‬
‫صار ّ‬

‫‪55‬‬
‫فكان الكثير من الطالب يتهافتون للدراسة على يديه في حوزة النجف‬
‫األشرف‪..‬‬
‫وما يو ّثق ذلك ما نقله الحاج ميثم كاظم عبد الحسين‪ ،‬أنّه في السنة‬
‫السيد‪،‬‬
‫ّ‬ ‫السيد فضل الله زار الحاج ميثم سماح َة‬ ‫ّ‬ ‫األخيرة من حياة‬
‫محمد آصف‬ ‫ّ‬ ‫وصادف أنّ سماحة الفقيه المجتهد آية الله الشيخ‬
‫رحب‬ ‫السيد‪ ،‬وبعد أن ّ‬
‫محسني كان في الوقت ذاته في زيارة لسماحة ّ‬
‫السيد وخالل تذكّ رهما ألحوالهما عندما كانا في‬ ‫السيد بهما‪ ،‬قال له ّ‬
‫ّ‬
‫السيد‪« :‬أنا أعرفك منذ أربعين عام ًا»‪ ،‬فقال له‬
‫النجف األشرف‪ ،‬قال له ّ‬
‫تدرس‬ ‫الشيخ محسني‪« :‬أنا أعرفك منذ خمسين سنة وذلك عندما كنت ّ‬
‫يدل على مدى رصد‬ ‫الفضالء من الطالب في مسجد الهندي»‪ ،‬وهذا ّ‬
‫السيد العلمية من قبل علماء الحوزة العلمية وطالبها في النجف‬
‫حركة ّ‬
‫األشرف‪..‬‬
‫وهو في النجف األشرف‬ ‫السيد‬
‫ّ‬ ‫وما تجدر اإلشارة إليه أنّ‬
‫وطوال ّأيام حياته‪ ،‬لم يعرف الراحة أبد ًا‪ ،‬ألنّ الراحة التي ال تعني إ ّ‬
‫ال‬
‫السيد‬
‫وتضييع الوقت لم تكن على اإلطالق في قاموس ّ‬ ‫َ‬ ‫االسترخا َء‬
‫فضل الله‪ ،‬لذلك كان يقول‪:‬‬
‫ولكن المسألة في‬ ‫ّ‬ ‫ونحب االسترخاء‪،‬‬
‫ّ‬ ‫نحب الراحة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫«مشكلتنا أنّنا‬
‫ت ال َّل ِه‬
‫ين ُيب ِّلغُ ونَ ِر َس َال ِ‬ ‫ِ‬
‫أن ننطلق‪ ،‬لنكون‪ ،‬كما قال الله تعالى‪﴿ :‬ا َّلذ َ َ‬
‫َو َي ْخشَ ْو َن ُه َو َل َي ْخشَ ْونَ َأ َحد ًا إِ َّل ال َّل َه َو َك َفى بِال َّل ِه َح ِسيب ًا﴾ [األحزاب‪:‬‬
‫‪[ .]39‬لإلنسان والحياة‪ ،‬ص‪]241‬‬
‫‪:‬‬ ‫ويقول‬

‫‪56‬‬
‫بد أن‬ ‫همته ال ينجح‪ ،‬فال ّ‬ ‫يحب ُم ّ‬‫ّ‬ ‫«نحن نقول‪ :‬إنّ اإلنسان الذي ال‬
‫ول ِّم ْن َأ ُنف ِس ُك ْم َع ِز ٌيز‬ ‫نحب الناس‪َ ﴿ :‬ل َق ْد َج ُ‬
‫اءك ْم َر ُس ٌ‬ ‫مهمتنا‪ ،‬وأن ّ‬ ‫نحب ّ‬ ‫ّ‬
‫يم﴾ [التوبة‪.]128 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َع َل ْي ِه َما َعن ُّت ْم َح ِر ٌ‬
‫يص َع َل ْي ُكم بِا ْل ُم ْؤمن َ‬
‫ين َرؤُ ٌ‬ ‫ِ‬
‫وف َّرح ٌ‬
‫بد من إدخالها إلى الوجدان والشعور‬ ‫كلمات نقولها ال ّ‬ ‫ٌ‬ ‫هذه‬
‫يحتاج إلى جهاد أكبر‪،‬‬ ‫متجذر داخل النفس‪ ،‬وهذا‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬
‫وتحويلها إلى أم ٍر‬
‫ُ‬
‫لذلك أقول لنفسي وأقول لكم‪ :‬علينا أن نَدخل في حسابات مع الداخل‬
‫نهتم بمحاسبة أنفسنا أمام الله‬ ‫قبل أن نُجري حسابات مع الخارج‪ ،‬أن ّ‬
‫نهتم بمحاسبة اآلخرين‪ ..‬علينا دائم ًا أن نقرأ قوله تعالى‪َ ﴿ :‬ل َق ْد‬ ‫قبل أن ّ‬
‫ول ال َّل ِه ُأ ْس َو ٌة َح َس َن ٌة ِّل َمن َكانَ َي ْر ُجو ال َّل َه َوا ْل َي ْو َم ْال ِخ َر‬
‫َكانَ َل ُكم ِفي َر ُس ِ‬
‫ْ‬
‫َو َذ َك َر ال َّل َه َكثِير ًا﴾ [األحزاب‪[ .]21 :‬لإلنسان والحياة‪ ،‬ص‪.]252‬‬

‫السيد في العقل والقلب والوجدان‪....‬‬


‫ويبقى ّ‬

‫‪57‬‬
‫كم بقي من العمر‪..‬؟ عليك أ ّال ترتاح‬

‫«موالنا الزم تخ ّفف من برنامجك اليومي‪ ..‬أنت بحاجة للراحة‬


‫السيد األخ الشيخ‬
‫وهذا التعب ُيثقلك» (هذا ما قاله أحد معاوني ّ‬
‫إلي‬
‫السيد ّ‬
‫المحب‪ ..‬نظر ّ‬
‫ّ‬ ‫كنت أسمع إلى ما يقوله هذا‬‫حسن بشير‪ُ )..‬‬
‫وقرأ جزء ًا من الحديث الشريف‪« :‬ما َض ُع َف بدنٌ » فهمت من سماحته‬
‫النية» ويصبح الحديث‪:‬‬
‫«عما قويت عليه ّ‬ ‫أنّني ينبغي أن أكمل فقلت‪ّ :‬‬
‫«ما َض ُعف بدنٌ عما قويت عليه ّ‬
‫النية»‪.‬‬
‫َ‬
‫وأكمل الحديث مع الجالسين‪ ..‬ورغم المرض‪ ،‬كان يفيض حيوية‬
‫علي ‪ Q‬في وصف‬ ‫كلمات أمير المؤمنين ٍّ‬
‫ُ‬ ‫ونشاط ًا‪ ،‬وهنا حضرتني‬
‫الرسالي‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ّ‬ ‫المؤمن‬
‫لم ُه‪ ،‬كثير الر ِ‬
‫عظيم ِح ُ‬ ‫كثير ِع ْل ُم ُه‪،‬‬
‫حمة‪ ،‬ال َي ْع َجل وال‬ ‫ُ ّ‬ ‫ٌ‬ ‫كور‪ٌ ،‬‬‫«صبور َش ٌ‬
‫ٌ‬
‫للمسلمين‪ ،‬تراه بعيد ًا َك َس ُل ُه‪ ،‬دائم ًا‬
‫َ‬ ‫المؤمنين‪ٌ ،‬‬
‫كهف‬ ‫َ‬ ‫َي ْض َج ُر‪ُ ..‬محا ٍم عن‬
‫نفس ُه آلخرتِ ِه»‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫نشاط ُه‪ ،‬نفسه منه في ٍ‬ ‫ُ‬
‫اس منه في راحة‪ ،‬أتعب َ‬ ‫عناء‪ ،‬وال ّن ُ‬ ‫ُ‬
‫المحبين‪..‬‬
‫ّ‬ ‫يدخل عليه أحد‬
‫سيدنا لو ترتاح‪..‬‬
‫ّ‬
‫السيد‪ :‬كم بقي من العمر؟ عليك أ ّ‬
‫ال ترتاح‪..‬‬ ‫أجاب ّ‬
‫يسابق الزمن‪ ،‬وكان ير ّدد‪:‬‬ ‫كان‬

‫‪58‬‬
‫بقية»‬
‫«ما زال في العمر ّ‬
‫ألنّ أمله بالله كان كبير ًا‪ ،‬كان يريد أن ُينجز الكثير من األعمال التي‬
‫ولألمة‪..‬‬
‫ّ‬ ‫كان يشعر أنّه بحاجة إلتمامها خدم ًة للمجتمع وللناس‬
‫لذلك عندما ُسئل عن الموت‪ ،‬إن كان يخاف منه؟‬

‫قال‪ :‬أبد ًا! أنا ُأق ِْدم على ٍّ‬


‫رب كريم‪ ..‬ولكن ما يحزنني أنّي سأغادر‬
‫ومهمات قد ال أستطيع إنجازها‪...‬‬
‫ّ‬ ‫الدنيا وهناك مشاريع وأعمال‬
‫محمد طاهر الحسيني‪ ،‬كان يخفق قلبه‬ ‫السيد ّ‬
‫مدير مكتبه في دمشق ّ‬
‫السيد عندما يرى المرض بادي ًا على وجهه‪ ،‬ويكون على‬ ‫اضطراب ًا على ّ‬
‫السيد إعطاء درس بحث الخارج لطالب الدراسات العليا في الحوزة‪،‬‬ ‫ّ‬
‫السيد الحسيني‪ ،‬بأنّ الطالب لن يأتوا اليوم‪ ،‬فما عليه إ ّ‬
‫ال أن‬ ‫ُفيوحي إليه ّ‬
‫مصر على إعطاء‬‫ّ‬ ‫السيد كان يرفض التبرير‪ ،‬ويجيبه بأنّه‬
‫يرتاح‪ ..‬ولكن ّ‬
‫الدرس بمن حضر‪..‬‬
‫المثقل بالدروس والمحاضرات‬
‫السيد في دمشق ُ‬
‫وحول برنامج ّ‬
‫محمد الحسيني‪:‬‬
‫السيد ّ‬
‫والمواعيد‪ ،‬يقول ّ‬
‫كل يوم جمعة‪ ،‬بعد أن‬ ‫السيد أسبوعي ًا يصل إلى دمشق بعد ظهر ّ‬
‫«كان ّ‬
‫يكون قد فرغ من برنامجه في بيروت‪ ،‬وإلقائه للخطبتين وصالة الجمعة‬
‫في مسجد اإلمامين الحسنين‪ ..L‬وفي دمشق وعلى مدى يومين‬
‫السيد يعطي الدروس الحوزوية‪ ،‬ويعقد ال ّلقاءات العلمائية‬
‫متتاليين كان ّ‬
‫والشعبية‪ ،‬ويستقبل الوفود‪ ..‬وال يترك ندوة السبت األسبوعية‪..‬‬
‫وأحيان ًا‪ ،‬في اليوم الثالث ننطلق إلى المحافظات السورية من‬

‫‪59‬‬
‫الشمال إلى الجنوب‪ ،‬من حمص إلى حلب وعودة إلى درعا‪..‬‬
‫السيد‪ ،‬والتي كانت تلقى الصدى الواسع‬
‫محاضرات ولقاءات يقوم بها ّ‬
‫والمهتمين‪..‬‬
‫ّ‬ ‫لدى جمهور المثقفين‬
‫السيد الحسيني‪ ،‬وال تزال‬ ‫السيد يقول ّ‬ ‫كنت ألمس وأعاين تعب ّ‬
‫السيد فيها‬
‫الصورة حاضرة في ذهني‪ ،‬وأذكر بعد رحلة طويلة ألقى ّ‬
‫السيد‬
‫محاضرات عدة‪ ،‬وعند عودتنا من حمص وفي السيارة‪ ،‬نزع ّ‬
‫عمامته وأسند رأسه إلى مسند مقعد السيارة‪ ،‬وهو يشكر الله على نعمة‬
‫العمل‪ ..‬فجر ًا حوالي الثانية‪ ،‬نزل من السيارة عند وصوله إلى دمشق‬
‫قول الله تعالى‬ ‫روحية عالية‪َ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫م ّتكئ ًا على عصاه‪ ،‬وهو يتمثّل بسعادة‬
‫نبي الله موسى‪َ ﴿ :Q‬ل َق ْد َل ِقي َنا ِمن َس َف ِرنَا َه َذا ن ََصب ًا﴾‬ ‫على لسان ّ‬
‫[الكهف‪.»]62 :‬‬
‫مرة‬ ‫ِ‬
‫همة عالية‪ ،‬ال يعرف الكلل والملل والضجر‪ ،‬وقد سأله ّ‬
‫صاح ُب ّ‬
‫ابني حسن وكان صغير ًا عن عدد ساعات نومه في الليل‪ ،‬سمعته يجيبه‬
‫بأنّه ينام أربع ساعات فقط‪..‬‬
‫وظف ساعات يومه بالعمل من أجل اإلسالم والناس‪،‬‬ ‫لقد ّ‬
‫ليجدد نشاطه وليقوم الحق ًا‬
‫ّ‬ ‫وكان يقول‪ ،‬بأنّ على اإلنسان أن يرتاح‬
‫بمسؤولياته‪.‬‬
‫ٍ‬
‫رحلة له إلى إيران‪ ،‬وبعد ّأيام طويلة‬ ‫يذكر أحد معاونيه أنَّه في أثناء‬
‫وقم ومشهد‪،‬‬ ‫من المؤتمرات وال ّلقاءات والمحاضرات بين طهران ّ‬
‫السيد إلى منطقة بحر قزوين‬‫أرتأى المسؤولون في إيران أن يذهب ّ‬
‫للراحة واالستجمام‪..‬‬

‫‪60‬‬
‫السيد وسافر إلى منطقة بحر قزوين حيث الطبيعة الخالبة‬ ‫َقبِل ّ‬
‫أي مواعيد أو لقاءات‪ ..‬طبع ًا‬
‫السيد ُّ‬ ‫والمناظر الجميلة‪ ،‬وليس في ّ‬
‫مفكرة ّ‬
‫يتنزه ولم يضع لنفسه برنامج ًا استجمامي ًا‪ ،‬بل كان الكتاب بين يديه‪،‬‬
‫لم ّ‬
‫واألوراق والقلم ال تتركهم أصابعه‪..‬‬
‫يوم‪ ..‬يومان‪ ..‬ثالثة‪:‬‬
‫ـ إخوان ـ خاطب المرافقين ـ إلى طهران‪..‬‬
‫السيد على نفسه‬
‫يفوت ّ‬
‫أصيب الجميع بالذهول‪ ،‬وتساءلوا لماذا ّ‬
‫فرصة راحة من الفرص الجميلة‪.‬‬
‫السيد عن قراره‪ ،‬ألنّهم يعرفون جيد ًا‬
‫ّ‬ ‫ثني‬
‫لم يحاول أحد أن ُي َ‬
‫حساسيته من عدم اإلنتاج ووجود ساعات فرا ٍغ كثيرة في ّ‬
‫مفكرته‪..‬‬ ‫ّ‬
‫ويحدث َمن كان يصعد معه في السيارة إلى‬ ‫ّ‬ ‫يسابق الزمن‪،‬‬
‫ُ‬ ‫السيد‬
‫كان ّ‬
‫السيد يفتح حقيبته‪ ،‬ويبدأ بالكتابة‪ ،‬إما تدوين ًا لفكرة أو ردود ًا‬
‫دمشق‪ ،‬أنّ ّ‬
‫كنت أعاين‬‫شخصي ًا ُ‬
‫ّ‬ ‫على استفتاءات أو مراجعة لبعض األفكار‪ ،‬وأنا‬
‫ذلك‪ ،‬فإنّه عندما أس ّلمه بعض األبحاث التي كان قد ك ّلفني بإعدادها‬
‫متعرجة‪ ،‬ومن المعروف أنَّ َّ‬
‫خط‬ ‫وتنسيقها‪ ،‬فإنه كان يعيدها لي بخطوط ّ‬
‫السيد‬
‫ّ‬ ‫خط أنيق وجميل‪ ،‬وبعد فترة عرفت وبعد االستفسار أنّ‬ ‫السيد ٌ‬
‫ّ‬
‫يفوت على نفسه فرصة العمل حتى في السيارة وهي تصعد‬ ‫كان ال ّ‬
‫متعرج ًا ولك ّنه‬ ‫ّ‬
‫الخط ّ‬ ‫وتهبط وتميل تارة يسار ًا وتارة يمين ًا‪ ،‬ولذا‪ ،‬كان‬
‫مفهوم جد ًا‪..‬‬
‫الراحة فيه حرام إ َّ‬
‫ال التي‬ ‫ُ‬ ‫ومن هنا‪ ،‬كان ير ّدد‪« :‬إنّنا في عص ٍر‬
‫تحتاجها من أجل تجديد نشاطك‪ ،‬أما الراحة االسترخاء‪ ،‬فهي التي‬

‫‪61‬‬
‫عاطل‪ ،‬تضحك وتلهو‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫سدى وأنت‬
‫ً‬ ‫تذهب فيها الساعات والساعات‬
‫تعطي من عمرك شيئ ًا لحياتك وحياة‬
‫َ‬ ‫وبذلك تقتل عمرك من دون أن‬
‫الناس‪»..‬‬

‫وتبقى يا موالي في العقل والقلب والوجدان‪..‬‬

‫‪62‬‬
‫الج ْيب يأتِك ما في الغيب‬ ‫ْ‬
‫اصرف ما في َ‬

‫أيام الحرب األهلية في لبنان‪ ،‬ومع تزايد حاالت الفقر واليتم‬


‫ِّ‬
‫ولكل ما من شأنه أن يقيم أو َد الناس‪،‬‬ ‫والحاجة للدواء واالستشفاء‬
‫كانت أعداد الفقراء والمستضعفين واأليتام والمرضى والمحتاجين‬
‫تزداد يوم ًا بعد يوم‪..‬‬
‫السيد‪،‬‬
‫السيد فضل الله‪ ،‬ولثقة الناس الكبيرة بشخص ّ‬ ‫وكان مكتب ّ‬
‫لكل أصحاب الحاجات‪ ،‬وكان المشرفون على خدمة الناس‬ ‫مقصد ًا ِّ‬
‫ِ‬
‫مما أنعم الله‬ ‫والمك ّلفون من ق َبل ّ‬
‫السيد‪ ،‬يصرفون الميزانيات الكثيرة‪ّ ،‬‬
‫على هذا المكتب من الحقوق الشرعية والصدقات وما شابه ذلك‪..‬‬
‫وحدث أنّه في شهر من الشهور بدأ المال ينفد‪ ،‬ولم يعد هناك ما‬
‫أحد الثقاة‬
‫السيد ُ‬‫يكفي لسدِّ حاجات الناس‪ ،‬وكان المك ّلف من قبل ّ‬
‫متجهم الوجه‪،‬‬
‫ّ‬ ‫السيد‬
‫لديه وهو الحاج أبو علي الشاعر‪ ،‬دخل على ّ‬
‫السيد بابتسامته المعهودة‪:‬‬ ‫واالنزعاج ٍ‬
‫ولكن ّ‬
‫ّ‬ ‫باد على محياه‪،‬‬
‫السيد‪..‬‬
‫ـ ما بالك أبو علي؟ قال ّ‬
‫سيدنا‪ ،‬هكذا أجاب أبو‬
‫ـ صندوق المساعدات‪ ،‬بدأت أمواله تنفد ّ‬
‫علي‪..‬‬
‫السيد‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫والثقة بالله تعالى‪ ،‬خاطبه ّ‬ ‫بنظرات ملؤها األمل‬

‫‪63‬‬
‫اصرف ما في الجيب يأتِ َك ما في الغيب‪..‬‬ ‫ـ ‬
‫ولذا‪ ،‬كان يوصي معاونيه في مجال الخدمات والمساعدات بأن‬
‫تدخروا شيئ ًا‪ ،‬فالله‬ ‫ثقوا بالله تعالى‪ ،‬واصرفوا َّ‬
‫كل ما في الصندوق‪ ،‬وال ّ‬
‫كفيل ِّ‬
‫بكل شيء‪..‬‬ ‫ٌ‬

‫أساسية في حياتنا‪ ،‬قضية‬ ‫ّ‬ ‫السيد يؤكّ د على قضية‬ ‫ولطالما كان ّ‬
‫بإنسانية اآلخرين وآالمهم‪ ،‬وهي مسألة‬ ‫ّ‬ ‫تجعل من اإلنسان إنسان ًا يشعر‬
‫ين َوا ْل ُم َّصدِّ َق ِ‬
‫ات‬ ‫العطاء‪ ،‬فكان يستشهد باآلية القرآنية‪﴿ :‬إِ َّن ا ْل ُم َّصدِّ ِق َ‬
‫َ‬ ‫َو َأ ْق َر ُضوا ال َّل َه َق ْرض ًا َح َسن ًا ُي َض َ‬
‫يم﴾ [الحديد‪:‬‬ ‫اع ُف َل ُه ْم َو َل ُه ْم أ ْج ٌر َك ِر ٌ‬
‫السيد من هذه اآلية المباركة أنَّ الله يريد لإلنسان‪،‬‬ ‫‪ .]18‬ويستوحي ّ‬
‫ال كان أم امرأة‪ ،‬أن يعيش روحية العطاء‪ ،‬وذلك بما تمثّله كلمة‬ ‫رج ً‬
‫الصدقة من مفهوم العطاء قرب ًة إلى الله سبحانه وتعالى‪ .‬وربما تكون‬
‫ويتصدق على الفقراء‬ ‫ّ‬ ‫لإلنسان بعض القدرة المالية على أن ُينفق اآلن‬
‫والمحرومين‪ ،‬فليغتنمِ الفرصة‪ ،‬ألنّ الصدقة عبادة‪ ..‬فأنت إذا أعطيت‬
‫إنسان ًا فقير ًا محروم ًا قرب ًة إلى الله تعالى‪ ،‬فإنَّ عطاءك هذا صال ٌة تص ّليها‪،‬‬
‫بالركعات والسجدات وقد تكون بالصدقات‪..‬‬ ‫ألنّ الصالة قد تكون ُّ‬
‫يتصدق بخاتمه وهو في‬ ‫ّ‬ ‫وهذا هو ما دفع أمير المؤمنين علي ًا ‪ Q‬ألن‬
‫حال الركوع‪ ،‬ألنّه ‪ Q‬ال يرى فرق ًا بين الصالة وبين الصدقة‪.‬‬
‫يعتبر الصدقة خسارةً‪ ،‬ألنّه سبحانه‬ ‫ال َ‬ ‫والله تعالى طلب من اإلنسان أ ّ‬
‫والمتصدقات ُي َوفّيه‬
‫ّ‬ ‫للمتصدقين‬
‫ّ‬ ‫وضع في حسابه‬ ‫يعتبر الصدقة قرض ًا ُي َ‬
‫ال َو َل َب ُنونَ *‬
‫لهـم مضاعفـ ًا مئة بالمئـة يوم القيامـة ﴿ َي ْو َم َل َين َف ُع َم ٌ‬
‫يضاع ُف هذا‬‫َ‬ ‫يم﴾ [الشعراء‪ 88 :‬ـ ‪ .]89‬وال‬ ‫ب َس ِل ٍ‬‫إِ َّل َم ْن َأتَى ال َّل َه بِ َق ْل ٍ‬
‫َ‬
‫يم﴾ [الحديد‪ ]18 :‬وهذا األجر‬ ‫﴿و َل ُه ْم أ ْج ٌر َك ِر ٌ‬
‫القرض مئة بالمئة فقط َ‬
‫‪64‬‬
‫مضاعف لهم‪.‬‬
‫َ‬ ‫الكريم يأتي فوق ما هو‬
‫وهذا هو الذي يجعلنا ّ‬
‫نفكر دائم ًا أن ننتهز فرصة إمكاناتنا حتى ن َ‬
‫ُعين‬
‫الناس الذين يحتاجون إلى معونتنا‪ ..‬وقد يعتبر الكثيرون م ّنا حاجة‬
‫«إن من نِ َعم الله‬
‫الناس إليهم عبئ ًا عليهم‪ ،‬ولكن جاء في الحديث‪َّ :‬‬
‫عليكم حاجة الناس إليكم» ألنّ الناس عندما يحتاجونك وتعطيهم ّ‬
‫مما‬
‫أنعم الله عليك‪ ،‬فإنَّ ذلك يرفع درجتك عنده سبحانه ّ‬
‫ويقربك إليه‪ .‬وقد‬
‫ورد في بعض األحاديث عن أئمة أهل البيت ‪ R‬أنّهم إذا جاءهم‬
‫علي ‪:Q‬‬ ‫سائل أو صاحب حاجة استعجلوا قضاء حاجته‪ ،‬فيقول ّ‬
‫قضي حاجته»‪.‬‬ ‫َ‬
‫يستغني ع ّني قبل أن أ َ‬
‫َ‬ ‫«أخاف أن‬
‫السيد‬
‫طرحت على سماحة ّ‬ ‫ُ‬ ‫وأذكر أنّني في لقاء الثالثاء المباشر‬
‫ُنف ُقو ْا ِم َّما‬ ‫ِ‬
‫منطلق ًا فيه من اآلية القرآنية‪َ ﴿ :‬لن َت َنا ُلو ْا ا ْلبِر َح َّتى ت ِ‬ ‫سؤا ً‬
‫ال‬
‫َّ‬
‫ت ُِح ُّبونَ ﴾ [آل عمران‪ ..]92 :‬ماذا تستوحي من هذه اآلية المباركة؟‬
‫السيد‪:‬‬
‫أجاب سماحة ّ‬
‫مفردات‬
‫ٌ‬ ‫«نستوحي من هذه اآلية المباركة أنّ الصدقة والخير والعطاء‬
‫تنطلق من روح الخير في نفس اإلنسان‪ ،‬وأنَّ على اإلنسان إذا أراد أن‬
‫البر والخير وعن روح العطاء في نفسه‪ ،‬وعن التعاطف مع‬ ‫يعبر عن ِّ‬
‫ّ‬
‫يعطي األشياء التي يريد‬
‫َ‬ ‫يحبه‪ ،‬ال أن‬
‫اآلخر‪ ،‬عليه أن يعطي الشيء الذي ُّ‬
‫ُ‬
‫يعيش‬ ‫التخ ّلص منها‪ ،‬أو رميها ألنّها ال تنفعه‪ .‬إنَّ على المحسن الذي‬
‫يحب من الطعام أو المال أو األثاث‪ ،‬وما‬
‫يعطي ما ّ‬‫َ‬ ‫البر أن‬
‫في ذاته فكرة ّ‬
‫روحي َة العطاء في ذاته‪ ،‬وروحي َة الخير في قناعاته»‪.‬‬
‫ّ‬ ‫إلى ذلك‪ ،‬ليؤكّ د‬
‫[بينات‪ ،‬ص‪.]352‬‬ ‫ّ‬
‫ال عن‬ ‫ُّ‬
‫يستدل على ذلك برواية نق ً‬ ‫وفي تفسير (من وحي القرآن)‬

‫‪65‬‬
‫فتصدق به‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫تفسير مجمع البيان أنَّ علي ًا ‪ Q‬اشترى ثوب ًا فأعجبه‪،‬‬
‫رسول ال ّله ‪ P‬يقول‪َ :‬من آثر على نفسه آثره ال ّله يوم‬ ‫َ‬ ‫«سمعت‬
‫ُ‬ ‫وقال‪:‬‬
‫أحب شيئ ًا‪ ،‬فجعله ل ّله‪ ،‬قال ال ّله تعالى يوم القيامة‪:‬‬ ‫القيامة بالج ّنة‪ ،‬و َم ْن ّ‬
‫قد كان العباد يكافوك فيما بينهم بالمعروف‪ ،‬وأنا أكافيك اليوم بالج ّنة»‪.‬‬
‫بالسكر‬ ‫يتصدقان ُّ‬ ‫ّ‬ ‫علي والصادق ‪ L‬أنَّهما كانا‬ ‫وعن الحسين بن ّ‬
‫أحب األشياء إلينا‪ ،‬وقد قال تعالى‪َ ﴿ :‬لن َت َنا ُلو ْا ا ْلبِ َّر َح َّتى‬
‫ويقوالن‪« :‬إنَّه ُّ‬
‫ُنف ُقو ْا ِم َّما ت ُِح ُّبونَ ﴾» [آل عمران‪.»]92 :‬‬
‫ت ِ‬

‫سكرية وقد أثبتت ذلك في كتابها (هكذا‬ ‫وتسأله الصحافية منى ّ‬


‫علي ‪« :Q‬كاد‬ ‫تحدث‪ ..‬هكذا قال) عن معنى قول أمير المؤمنين ّ‬ ‫ّ‬
‫السيد‪« :‬عندما يفقد اإلنسان حاجاتِه‬
‫الفقر أن يكون كفر ًا»‪ ..‬أجابها ّ‬
‫الحيوية وعندما يعيش االضطهاد في أموره وقضاياه ك ّلها ينسى َّ‬
‫ربه‬
‫ويبتعد عن التوازن في حركة التفكير في هذا المجال‪ ،‬ألنّه عندما يعيش‬
‫ّ‬
‫وتتعطل‬ ‫ّ‬
‫ويتعطل تفكيره‬ ‫الجوع والمرض والحرمان ينسى ّ‬
‫كل شيء‪..‬‬
‫نظرته إلى الواقع وإلى الكون‪ ..‬وهذا ما يوحي إلينا بأنّ اإلسالم يحاول‬
‫دائم ًا أن يربط بين اإليمان وبين االكتفاء الذاتي في حاجات اإلنسان‪،‬‬
‫وقد ورد عن بعض األئمة ‪ R‬أنّ النفس إذا أحرزت رزقها اطمأنّت»‪.‬‬
‫تحدث‪ ،‬هكذا قال‪ ،‬ص‪.]123‬‬ ‫[هكذا ّ‬
‫انطالق ًا من إحساسه العميق بمشاعر المستضعفين‬ ‫والسيد‬
‫ّ‬
‫وأشدها حرمان ًا وبؤس ًا من أهالي النجف ّأو ً‬
‫ال‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ومخالطته ألفقر الفئات‬
‫ثم النبعة في الضاحية الشرقية من بيروت‪ ،‬ثم بعض مناطق الضاحية‬
‫الجنوبية من بيروت‪َ ،‬ك ِف َل ذلك تعاطفه الطبيعي واهتما َمه بهذه الفئة‬
‫المحرومة والمستضعفة‪ ،‬فشاهد أثناء الحرب األهلية في لبنان آثار‬

‫‪66‬‬
‫هذه الحرب في القتل العشوائي والتدمير الواسع ونهب الممتلكات‬
‫أقرب الناس إلى‬
‫َ‬ ‫وجرح المدنيين وإصابتهم بالعاهات‪ ،‬فكان هؤالء‬
‫والمبرات والمعاهد والمستشفيات والمراكز‬
‫ّ‬ ‫قلبه‪ ،‬فبنى المدارس‬
‫الصحية‪ ،‬ليساهم في رفع مستوى المستضعفين‪ ،‬وليمسح الدموع من‬
‫خير سند‬
‫المتعبين‪ ،‬وليكون بعد الله‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫مآقي األيتام‪ ،‬وليخ ّفف من وجع‬
‫روح الفرح‪..‬‬
‫لكل الذين قست عليهم الحياة‪ ،‬وصادرت منهم َ‬ ‫ّ‬

‫السيد في العقل والقلب والوجدان‪..‬‬


‫ويبقى ّ‬

‫‪67‬‬
‫ِدير با َلك على الفقراء‬
‫يا حاج موسى‬

‫وحبه للناس‪ ،‬وخصوص ًا الفقراء‬


‫السيد وعاطفته ّ‬ ‫حنو ّ‬‫نتو ّقف عند ّ‬
‫أحد منهم‪ ،‬يستمع إليهم‪ ،‬ويقضي حوائجهم‪،‬‬ ‫منهم‪ ،‬كان ال يغلق بابه عن ٍ‬
‫وكثير ًا ما كان يقصده أولياء أمور الطالب الذين ينتسب أوالدهم إلى‬
‫شخصي ًا باألخ الحاج موسى‬
‫ّ‬ ‫المبرات‪ ،‬فيعمد إلى االتصال‬
‫ّ‬ ‫مدارس‬
‫المبرات الخيرية‪ ،‬والمسؤول‬‫ّ‬ ‫شعيتو‪ ،‬الموظف المتقاعد من جمعية‬
‫الطلب المادية‪ ،‬وكان يوصيه بأن يعمل على‬ ‫عن تقدير أوضاع أهالي ّ‬
‫السيد‪ ،‬كما يقول لي األخ‬
‫تخفيف ما يستطيع من قيمة األقساط‪ ..‬وكان ّ‬
‫تلميذ من مدارس‬‫ٌ‬ ‫الحاج موسى شعيتو يرفض رفض ًا مطلق ًا أن ُيطرد‬
‫المتوجب عليه‪ ،‬وهذا ما راكم المبالغ‬
‫ّ‬ ‫يسدد أهله القسط‬
‫المبرات إذا لم ّ‬
‫ّ‬
‫يسددوا منها إالّ‬
‫المبرات على أولياء األمور دون أن ّ‬ ‫ّ‬ ‫الطائلة لمدارس‬
‫النزر اليسير‪..‬‬
‫السيد عندما يلتقي باألخ موسى شعيتو يبادره بالقول‪« :‬دير‬
‫وكان ّ‬
‫بالك يا حاج موسى على الفقراء‪ »..‬ودائم ًا ما كانت نداءات ّ‬
‫السيد في‬
‫هذا المجال تصل إلى العقول والقلوب فيقول ‪:‬‬
‫عن اإلمام الصادق ‪« :Q‬خياركم سمحاؤكم‪ ،‬وشراركم‬
‫أحب أن أكون‬
‫بخالؤكم»‪ ،‬وعن رسول الله‪ ،P‬لما سأله رجل قال لـه‪ّ :‬‬

‫‪68‬‬
‫خير الناس‪ ،‬فقال‪« :P‬خير الناس من ينفع الناس‪ ،‬فكن نافع ًا لهم»‪ ،‬إذا‬
‫أردت أن تكون خير الناس‪ ،‬فادرس إمكاناتك‪ ،‬وادرس حاجات الناس‬
‫مما تملكه من طاقات‪ ،‬سواء كانت طاقات‬
‫تقدمه لهم ّ‬
‫وما تستطيع أن ّ‬
‫عقلية وعلمية أو ما إلى ذلك من أعمال‪ ،‬كن النافع للناس تكن خير‬
‫الناس‪ .‬وعنه ‪« :P‬خير الناس من نفع الناس»‪.‬‬

‫لذلك‪ ،‬فإنّ الله تعالى يريد لإلنسان في الحياة أن ّ‬


‫يفجر طاقاته في‬
‫وحملنا مسؤولية أن‬
‫ّ‬ ‫نفع الناس‪ ،‬ألنّه سبحانه أعطانا هذه الطاقات‪،‬‬
‫نبذلها للناس في ما يحتاجون إليه‪ .‬وفي الحديث عن اإلمام الرضا‬
‫‪ ،Q‬وقد سئل‪َ :‬من أحسن الناس معاش ًا؟ فقال ‪« :Q‬من َح ُسن‬
‫معاش غيره في معاشه»‪ ،‬وسئل‪ :‬و َمن أسوأ الناس معاش ًا؟ فقال‪:Q‬‬
‫ُ‬
‫غيره في معاشه»‪.‬‬
‫« َم ْن لم يعش ُ‬
‫أي طاقة‪ ،‬ما ً‬
‫ال كانت أو جاه ًا أو علم ًا‬ ‫يحمل ّ‬
‫كل إنسان يملك ّ‬ ‫وهذا ّ‬
‫يحمله مسؤولية أن يصرف ذلك على الناس‪ .‬وقد ورد في‬
‫أو خبرة‪ّ ،‬‬
‫«إن الله لم ينعم على عبد بنعمة‬‫الحديث عن اإلمام الصادق ‪ّ :Q‬‬
‫موسع ًا عليه‬ ‫ِ‬
‫الح ّجة من ق َبله‪ ،‬فمن َم ّن الله عليه فجعله ّ‬
‫إال وقد ألزمه فيها ُ‬
‫من‬
‫فحجته عليه ماله‪ ،‬ثم تعاهده الفقراء بفرائضه ونوافله‪ ،‬ومن ّ‬‫في ماله‪ّ ،‬‬
‫قوي ًا في بدنه‪ُ ،‬‬
‫فح َّجته عليه القيام بما ك ّلفه‪ ،‬واحتمال من‬ ‫الله عليه فجعله ّ‬
‫من الله عليه فجعله شريف ًا في قومه‪،‬‬
‫هو دونه ممن هو أضعف منه‪ ،‬ومن ّ‬
‫َ‬
‫حقوق الضعفاء لحال شرفه‬ ‫َ‬
‫يغمط‬ ‫فح ّجته عليه أن ال‬ ‫جمي ً‬
‫ال في صورته‪ُ ،‬‬
‫الحق‬
‫ّ‬ ‫وجماله»‪ .‬وقد ورد في كالم الله سبحانه وتعالى في الحديث عن‬
‫الحق في بعض الموارد‪ ،‬هو ما ينفع الناس‪ ،‬يقول‬
‫ّ‬ ‫والباطل‪ ،‬أنّ معنى‬

‫‪69‬‬
‫الس َماء َم ًاء َف َسا َل ْت َأ ْو ِد َي ٌة بِ َقدَ ِر َها َف ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫اح َت َم َل َّ‬
‫الس ْي ُل زَ َبد ًا‬ ‫تعالى‪﴿ :‬أ َنز َل م َن َّ‬
‫اع زَ َبدٌ ِّم ْث ُل ُه َك َذلِ َك‬‫وقدُ ونَ َع َل ْي ِه ِفي ال َّنا ِر ْابتِغَ َاء ِح ْل َي ٍة َأ ْو َم َت ٍ‬‫رابِي ًا َو ِمما ُي ِ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫اس‬ ‫الز َبدُ َف َي ْذ َه ُب ُج َف ًاء َو َأ َّما َما َين َف ُع ال َّن َ‬ ‫اط َل َف َأ َّما َّ‬
‫َي ْض ِر ُب ال ّل ُه ا ْل َح َّق َوا ْلب ِ‬
‫َ‬
‫َال﴾ [الرعد‪[ .]17 :‬صالة‬ ‫َ‬
‫ض َك َذل َك َي ْض ِر ُب ال ّل ُه األ ْمث َ‬‫ِ‬ ‫َفيم ُك ُث ِفي َ‬
‫األ ْر ِ‬ ‫َْ‬
‫الجمعة‪ :‬الكلمة والموقف‪ ،‬ص‪]387‬‬

‫السيد في العقل والقلب والوجدان‪..‬‬


‫ويبقى ّ‬

‫‪70‬‬
‫ال أفعل شيئ ًا في ّ‬
‫السر أستحي منه في العالنية‬

‫الهمة‪ ،‬و ِرفعة روح ّ‬


‫العزة‬ ‫وعلو ّ‬‫ّ‬ ‫السيد فضل الله بإباء النفس‪،‬‬ ‫تميز ّ‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫عارض من حطام الدنيا‪ ،‬ولم َي ْض ُعف أمام‬ ‫والكرامة‪ ،‬فلم َي ُهن يوم ًا أمام‬
‫السيد في حركته مصداق ًا للحديث‬ ‫الكثير من مغريات الما ّدة‪ ..‬وكان ّ‬
‫إن الجبل ُي ُّ‬
‫ستقل منه بالمعاول‪،‬‬ ‫أعز من الجبل‪ّ ،‬‬‫«إن المؤمن ُّ‬ ‫الشريف‪َّ :‬‬
‫ستقل من دينه بشيء»‪.‬‬ ‫والمؤمن ال ُي ُّ‬
‫مرة اإلعالمي ياسر حريري عن مصدر تمويل المشاريع‬‫وقد سأله ّ‬
‫التي ُيشرف عليها‪ ،‬أجابه سماحته حينها‪:‬‬
‫«نحن لدينا في لبنان أكثر من عشرين مشروع ًا رعائي ًا واجتماعي ًا‬
‫أي تمويل لها‪ ،‬حتى إيران‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫دخل في ِّ‬ ‫ألي دولة‬ ‫ومهني ًا‪ ،‬ولكن ليس ّ‬
‫ّ‬
‫والتبرعات‬ ‫ّ‬ ‫الشرعية‬
‫ّ‬ ‫وإنّما هذه المشاريع ك ّلها ُم ّولت من الحقوق‬
‫أحد الملوك‬ ‫قدمه ُ‬ ‫رفضت مبلغ ًا كبير ًا من المال ّ‬
‫ُ‬ ‫العامة‪ ،‬بحيث إنّي‬
‫العرب بواسطة أحد رؤساء الحكومات اللبنانية‪ ،‬وقيل لي إنّ هذا المال‬
‫أي مستند‪ ،‬وليس للدولة‬ ‫لأليتام‪ ،‬ونحن ال نطلب منكم أن تو ّقع على ّ‬
‫فقلت له‬ ‫ُ‬ ‫أي دخل‪ ،‬بل هي من زكاته الخاصة‪،‬‬ ‫التي يمثّلها هذا الملك ُّ‬
‫السر أستحي منه في العالنية‪ ،‬لم أقبل المال ـ يتابع‬ ‫إنّني ال أفعل شيئ ًا في ّ‬
‫كنت فيه في أشدِّ حاالت الحاجة إليه‪ ،‬ألنَّ‬ ‫السيد ـ في الوقت الذي ُ‬ ‫ّ‬
‫المالي على ما يرام‪»...‬‬‫ّ‬ ‫مبرات األيتام في ذلك الحين لم يكن وضعها‬ ‫ّ‬
‫[اتجاهات وأعالم ص‪]57‬‬

‫‪71‬‬
‫يطبق كالم المعصومين ‪ R‬الذي جاء‬ ‫السيد في هذا المجال ّ‬
‫كان ّ‬
‫يفوض له أن َّ‬
‫يذل نفسه»‪.‬‬ ‫فوض إلى المؤمن أموره ك ّلها ولم ّ‬
‫«إن الله ّ‬
‫فيه‪ّ :‬‬
‫﴿ولِ َّل ِه ا ْل ِع َّز ُة َولِ َر ُسولِ ِه‬
‫عزة الله ورسوله َ‬
‫وعزته من ّ‬
‫فالمؤمن عزيز‪ّ ،‬‬
‫َولِ ْل ُم ْؤ ِمنِ َ‬
‫ين﴾ [المنافقون‪.]8 :‬‬
‫السيد ينطلق من إيمانه بالحرية التي أعطاها الله لإلنسان‪،‬‬ ‫كان ّ‬
‫وحر ًا أمام العالم ك ّله»‪.‬‬
‫«كن عبد ًا لله ّ‬
‫ولطالما كان ير ّدد ُ‬
‫إنسانيته‪ ،‬وينسحق أمام إرادات‬‫ّ‬ ‫حريته‪ ،‬يفقد‬
‫فاإلنسان الذي يفقد ّ‬
‫يفكرون عنه‪ ،‬ويرسمون‬ ‫صدى لآلخرين الذين ّ‬ ‫ً‬ ‫اآلخرين‪ ،‬بل ويصبح‬
‫ويكبل‬
‫ّ‬ ‫منهج الحياة الذي ينبغي أن يسير عليه‪ ،‬وبالتالي يفقد إرادته‪،‬‬‫َ‬
‫نفسه بسالسل العبودية لمن أرادوا له أن يكون عبد ًا مطيع ًا ال قدرة له‬
‫على إثبات وجوده‪...‬‬
‫ُيوصي بالتأكيـد على حريـة اإلنسان‬ ‫وفي هذا المجـال كان‬
‫ويقول‪:‬‬
‫ونفكر في أنّ الله أكّ د لنا هذه الحقيقة‬ ‫ّ‬ ‫نفكر بهذه األمور‬ ‫دعونا ّ‬
‫وهي ﴿إِ َّن ال ّل َه َال ُيغَ ِّي ُر َما بِ َق ْو ٍم َح َّتى ُيغَ ِّي ُرو ْا َما بِ َأن ُْف ِس ِه ْم﴾ [الرعد‪]11 :‬‬
‫إنّ الله جعل تركيبة الوجود اإلنساني خاضعة‪ ،‬لهذه الخطوط‪ .‬فنحن‬
‫في المجاالت العامة يمكن لنا أن نكون أحرار ًا إذا نزعنا من أنفسنا‬
‫مستعد ًا‪ ،‬من‬
‫ّ‬ ‫روح العبودية لآلخرين‪ ،‬وبقينا عبيد ًا لله وحده‪ .‬فما دمت‬
‫وملذاتك ألن تبيع نفسك لآلخرين‪ ،‬فإنّك‬ ‫ّ‬ ‫أجل أطماعك وشهواتك‬
‫حررت‬‫لو انطلقت في شعارات الحرية ك ّلها فستبقى عبد ًا؛ ولك ّنك إذا ّ‬
‫حرة‪ ،‬ويريد‬‫نفسك من عبودية اآلخرين وشعرت بأنّ الله خلق إرادتك ّ‬

‫‪72‬‬
‫حر ًا‪ ،‬إذا‬
‫حر ًا‪ ،‬ويريدك أن تبقى ّ‬
‫حرة‪ ،‬وأنّ الله خلق كيانك ّ‬
‫لها أن تبقى ّ‬
‫آمنت بالحرية كأساس في عقلك وفي إرادتك؛ فلو أنّ الكون أطبق‬
‫عليك‪ ،‬ليستعبدك فإنّه ال يستطيع أن ينال من حريتك شيئ ًا‪ .‬وهذا ما ّ‬
‫عبر‬
‫حر على جميع‬ ‫الحر ّ‬‫«إن ّ‬
‫عنه إمامنا جعفر الصادق ‪ Q‬عندما قال‪ّ :‬‬
‫تداكت عليه المصائب لم تكسره وإن‬ ‫أحواله إن نابته نائبة صبر لها وإن ّ‬
‫ُأسر و ُق ِهر واس ُتبدل باليسر عسر ًا»‪.‬‬
‫عندما تعيش عقلية الحرية في داخل كيانك‪ ،‬فلن يستطيع أن‬
‫يستعبدك أحد‪ ،‬ألنَّ الحرية تصرخ من أعماق نفسك إذا حاصر اآلخرون‬
‫يحررك أحد‪،‬‬‫جسدك‪ .‬وإذا عشت العبودية في نفسك‪ ،‬فلن يستطيع أن ّ‬
‫ألنّ العبودية تكون جزء ًا من ذاتك‪ .‬لهذا عندما نريد أن ّ‬
‫نتحرر فعلينا أن‬
‫نزرع الحرية في أعماقنا‪ ،‬وعندما نريد أن نرفض االستعباد في واقعنا‬
‫فعلينا أن نعمل على أساس أن ننزع االستعباد من نفوسنا‪ .‬ولهذا كان‬
‫اإلسالم يركّ ز على الداخل‪ ،‬كما يركّ ز على الخارج‪ .‬هناك كلمة اإلمام‬
‫علي ‪ Q‬يقول فيها‪« :‬الراضي بفعل قو ٍم كالداخل فيه معهم وعلى‬ ‫ّ‬
‫إثم العمل به وإثم الرضا» يعني أنت حين‬ ‫كل داخل في باطل إثمان‪ُ ،‬‬ ‫ّ‬
‫حق فالن أنّ يستعبد فالن ًا فإنّك‬
‫ترى أناس ًا يستعبدون آخرين وتقول من ّ‬
‫تتحرك خطوة‪ ،‬ألنّك تد ّلل على نفسية ّ‬
‫تشجع الظلم‪ .‬إنّ‬ ‫آثم حتى لو لم ّ‬
‫الله ال يريدك أن تكون ظالم ًا في عقليتك‪ ،‬كما ال يريدك أن تكون ظالم ًا‬
‫في حركتك في الحياة‪ .‬تبدأ القيم في اإلسالم من الداخل‪ ،‬والله يريد‬
‫الروحي‪ .‬وهذا ما نريد أن نؤكّ ده‬
‫ّ‬ ‫للناس أن يؤمنوا بالقيم في الجانب‬
‫في حركة حياتنا عندما نواجه االستعباد الذي يريد أن يفرضه الشرق‬
‫والغرب علينا‪ ،‬واالستعباد الذي تريد أن تفرضه الصهيونية علينا‪،‬‬

‫‪73‬‬
‫واالستعباد الذي يريد أن يفرضه الظالمون في الداخل علينا‪[ .‬الجمعة‬
‫منبر ومحراب ‪ :1988‬ص‪ 389‬ـ‪]390‬‬

‫السيد في العقل والقلب والوجدان‬


‫ويبقى ّ‬

‫‪74‬‬
‫أبا جهاد‪ ..‬هل تأ ّمن المنزل؟‬

‫ومحبون‪ ..‬وانتظار‬ ‫إداريون‪ ،‬أقرباء‬ ‫ِ‬


‫ُّ‬ ‫عجقة مرافقين‪ ،‬الطبيب المعالج‪ّ ،‬‬
‫على باب المصعد للنزول إلى الطابق السفلي ‪ B2‬حيث قسم األشعة‬
‫حمالة نقل المرضى‪ ،‬يصل‬ ‫السيد على (الشاريو) ّ‬
‫في مستشفى بهمن‪ّ ..‬‬
‫الحمالة إلى األمام‪ ،‬إلى حيث غرفة (‪)MRI‬‬ ‫الجميع إلى البهو‪ ،‬يدفعون ّ‬
‫الرنين المغناطيسي التي تحدِّ د بد ّقة المرض الذي يعاني منه المريض‪،‬‬
‫والداخل إلى هذه الغرفة حيث اآللة الضخمة التي يشعر المريض عندما‬
‫ُيوضع داخلها أنَّها غرفة االختناق ومصادرة الروح‪ ،‬و َم ْن دخلها يعرف‬
‫حجم المعاناة التي يعانيها المريض‪ ،‬ويكفي أن يستمع إلى أصوات‬
‫الضربات المهولة التي تصدر عنها فوق رأس المريض‪ ..‬الذي يتو ّتر‬
‫التحمل‪ ..‬ولذا‪ ،‬فإنّ‬
‫ُّ‬ ‫ويشعر بضغط يفوق قدرة‬‫ُ‬ ‫كل عرق ون َْبض فيه‪،‬‬‫ّ‬
‫مهدئات أو‬ ‫الكثيرين ُيحجمون عن الدخول فيها‪ ،‬أو أنَّهم يتناولون ّ‬
‫منومات ح ّتى يستطيعوا الدخول إليها‪..‬‬
‫ّ‬
‫بكل اطمئنان‪ ،‬وإيمان‪ ،‬وصفاء نفس‪،‬‬ ‫السيد عند باب هذه الغرفة‪ِّ ،‬‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫وإشراقة وجه‪ ،‬وبسمة ملؤها التفاؤل واألمل‪ ،‬بانتظار إدخاله إلى الغرفة‬
‫بالسيد تنطبع عليها‬
‫ّ‬ ‫يتص َّفح الوجوه‪ ،‬يوزِّ ع نظراته‪ ،‬وجه المحيطين‬
‫والسيد في عا َلمٍ آخر‪،‬‬
‫ّ‬ ‫السيد‪..‬‬
‫صحة ّ‬ ‫أمارات القلق وبعض خوف على ّ‬
‫السيد أبي جهاد بدر الدين‪..‬‬
‫ينظر حوله‪ ،‬فيقع نظره على األخ ّ‬
‫ُ‬

‫‪75‬‬
‫السيد‬
‫أبو جهاد‪ ..‬ناداه ّ‬ ‫ـ ‬
‫وبسرعة اقترب أبو جهاد منه‪..‬‬
‫السيد سيطلب‬‫ّ‬ ‫ظن أبو جهاد للوهلة األولى أنَّ‬
‫سيدنا‪َّ ..‬‬
‫ـ نعم‪ّ ،‬‬
‫أي شيء يتع َّلق‬‫أمر ًا له عالقة بغرفة الرنين المغناطيسي‪ ،‬أو َّ‬
‫الصحي ‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫بالمستشفى لناحية االنتباه إلى وضعه‬
‫همتك واهتمامك بقضاء حوائج إخوانك‪،‬‬ ‫ ـ أبو جهاد‪ ،‬أعرف ّ‬
‫األخ الحاج فالن َّادخر مبلغ ًا من المال‪ ،‬وضاقت عليه وعلى‬
‫الشقّة التي يسكن فيها‪ ،‬باعها‪ ،‬وبقي عليه مبلغٌ من المال‪،‬‬
‫عائلته ُّ‬
‫بقية المبلغ‪..‬‬
‫ويبقى عليك أن تؤ ِّمن ّ‬
‫صحي‬
‫ّ‬ ‫هم الناس وهو في وضع‬ ‫فالسيد يحمل ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُذ ِه َل أبو جهاد‪..‬‬
‫السيد إلى غرفة (‪.)MRI‬‬
‫منومات‪ ،‬أدخلوا ّ‬ ‫مهدئات أو ِّ‬
‫حرج‪ ،‬ومن دون ّ‬
‫والسيد يخفق قلبه بالتخفيف عن آالم الناس‬‫ّ‬ ‫السيد‪،‬‬
‫قلبهم على ّ‬
‫فأحب خلقه إليه أنفعهم لعياله»‪..‬‬
‫ُّ‬ ‫«الخلق ك ّلهم عيال الله‪،‬‬
‫ُ‬ ‫مر ّدد ًا‪:‬‬
‫ترب ْوا على يديه‪ ،‬وجعل منهم‬
‫السيد َّ‬ ‫ُ‬
‫وهؤالء الشباب واألخوة عيال ّ‬
‫إسالمي ًة رائدة‪..‬‬
‫ّ‬ ‫طالئع‬
‫َ‬
‫صمت‪ ،‬قطعه أبو جهاد‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫ساد‬
‫سيدنا‪..‬‬
‫ـ من عيوني ّ‬
‫السيد أن يتابع‪ ،‬هل يقول كلمته ويمشي؟ ال‪ ..‬ال يمشي‬
‫وهل ينسى ّ‬
‫السيد في هذا المجال إ ّ‬
‫ال في قضاء الحوائج‪ ..‬وحاجاتهم ـ أي الناس ـ‬ ‫ّ‬
‫يؤمن الدواء‪ ،‬حاجتهم للمسكن‪،‬‬ ‫للعلم يع ّلمهم‪ ،‬حاجتهم ّ‬
‫لحبة الدواء‪ّ ،‬‬
‫يعمل جهده في هذا السبيل‪..‬‬

‫‪76‬‬
‫وح ِسب أبو‬
‫السيد من المستشفى‪ ،‬وأبو جهاد في زيارته‪َ ،‬‬ ‫يخرج ّ‬
‫سيحجم عن مطالبته فيما كان طلبه منه من تأمين المنزل‬ ‫جهاد أنّ ّ‬
‫السيد ُ‬
‫لألخ المحتاج إليه بسبب مشاغله الكثيرة‪..‬‬
‫تأمن المنزل؟‬
‫ـ أبو جهاد‪ّ ..‬‬
‫َ‬
‫ـ أ ّمنا المنزل سيدنا؟‪ ..‬فاطمأنّ ّ‬
‫السيد‪..‬‬
‫ير ّدد على الدوام‪..‬‬ ‫السيد‬
‫ولذا كان ّ‬
‫إنسانيتنا في اآلخر‪ ،‬وهذا‬
‫ّ‬ ‫األحبة‪ ،‬إنّ ما نحتاجه هو أن نكتشف‬‫ّ‬ ‫ّأيها‬
‫ما أكّ ده نبينا األعظم ‪ P‬عندما ربط اإليمان بهذه الغيرية‪« ،‬ال يؤمن‬
‫الحب الذي إذا دخل‬
‫ّ‬ ‫يحب لنفسه»‪ ..‬هذا‬‫حب ألخيه ما ُّ‬ ‫أحدكم حتى ُي َّ‬
‫نتصور ما عالقة اإليمان بهذا؟! ما عالقة‬
‫ّ‬ ‫ذاتك انفتح على اآلخر‪ ،‬قد‬
‫أنك شخص لن تكون مؤمن ًا إال إذا أحببت ألخيك ما ّ‬
‫تحبه لنفسك؟‬
‫المعادلة واضحة‪ ،‬أن تكون مؤمن ًا بالله أن تنفتح على الله ّ‬
‫رب العالمين‪،‬‬
‫وتتصوره فإنّك ال يمكن أن تحصر فكرك في ذاتك‪،‬‬‫ّ‬ ‫عندما تؤمن بالله‬
‫ألنّ الخلق ك َّلهم عيال الله‪ ،‬وتكتشف من خالل الله ّ‬
‫رب العالمين‬
‫َ‬
‫ورزق إنسان عند إنسان آخر‪،‬‬ ‫علم إنسان عند إنسان آخر‪،‬‬‫الذي جعل َ‬
‫وقو َة إنسان عند إنسان آخر‪ .‬عندما تكتشف ذلك فإنك ال يمكن إال أن‬ ‫ّ‬
‫تتوحدان بالله‪ ،‬أنت شيء وهو‬
‫ُحبه لنفسك‪ ،‬ألنّكما ّ‬‫تحب لإلنسان ما ت ّ‬ ‫ّ‬
‫تتوحدون‬
‫شيء آخر من مفردات الوجود‪ ،‬ولكن أنت وهو واآلخرون ّ‬
‫ونظم الكون في وحدته‬‫بالله الذي خلقكم جميع ًا‪ ،‬وأعطاكم جميع ًا‪ّ ،‬‬
‫المتنوعة لكم جميع ًا‪.‬‬
‫ّ‬
‫السيد في العقل والقلب والوجدان‪..‬‬
‫ويبقى ّ‬

‫‪77‬‬
‫طيبوا خاطر إم جوزيف‬
‫ّ‬

‫َ‬
‫اإلنسان‬ ‫تستعبد قلوبهم» ـ لطالما استعبد‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫الناس‬ ‫«أ ْح ِسن إلى‬ ‫َ‬
‫إحسان‪ ،‬وليس اإلحسان بالمال واألعطيات المادية وحسب‪ ،‬بل يكون‬ ‫ٌ‬
‫يكون بالبسمة‪ ،‬والنظرة‬ ‫السيد فضل الله‬
‫اإلحسان‪ ،‬وكما يقول ّ‬
‫الحانية وال ّلفتة الكريمة والكلمة الهادئة‪..‬‬
‫ليتعرف ال ّناس‬
‫ّ‬ ‫«ك ْن إنسان ًا في قلبك‬
‫وكان يحرص على القول‪ُ :‬‬
‫الرقيقَ ال ّل َ‬
‫طيف‪،‬‬ ‫ين ّ‬‫إنسانيتك‪ ،‬كن إنسان ًا بلسانك‪ ،‬ليكن لسانُك ال ّل َ‬
‫ّ‬ ‫إلى‬
‫تعش الغلظة والقسوة في قلبك ألنّك عندما ال تعيش في قلبك معنى‬ ‫فال ِ‬
‫ال ّناس‪ ،‬فإنّ قلوب ال ّناس لن تنفتح عليك»‪[ .‬الندوة‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.]102‬‬
‫السيد‪،‬‬
‫أحد معاوني ّ‬‫يدفع إلى االستشهاد بهذا الكالم ما أخبرني به ُ‬
‫ما ُ‬
‫َ‬
‫القول بالفعل‪ :‬يقول هذا األخ بأنّه‬ ‫السيد كان يقرن‬
‫ّ‬ ‫الذي ّ‬
‫يدل على أنّ‬
‫في سنة من سنوات الحرب األهلية في لبنان‪ ،‬وبعد أن حصلت عمليات‬
‫ٌ‬
‫مجموعة من‬ ‫تهجير من قبل المسيحيين والمسلمين من مناطقهم‪ ،‬بقيت‬
‫السيد فضل الله‬
‫العوائل المسيحية في حارة حريك تسكن بجوار منزل ّ‬
‫ويقدم لهم الحماية والرعاية و ُيبعد عنهم‬
‫السيد ُيوصي بهم‪ّ ،‬‬ ‫وكان ّ‬
‫متميزة ما بين‬
‫يكدر لهم صفو عيشهم وهذا ما أوجد عالقة ّ‬ ‫ما يمكن أن ّ‬
‫المسيحيين‪ ،‬فكانوا يزورونه باستمرار‪ ،‬وحتى‬
‫ّ‬ ‫السيد وبين جيرانه من‬
‫ّ‬
‫جو الحرب الخانق إلى الهواء‬ ‫السيد كان عندما يريد أن يخرج من ّ‬ ‫ّ‬ ‫أنّ‬

‫‪78‬‬
‫الطلق‪ ،‬يدخل إلى حديقة أبي إيلي المزروعة بأنواع ش ّتى من األشجار‬
‫المثمرة‪ ،‬وهذا ما ُيدخل السرور على قلب أبي أيلي الذي كان في موسم‬
‫للسيد الذي يبادر‬
‫محبته ّ‬
‫ال على ّ‬ ‫السيد دلي ً‬
‫الفواكه يحمل الهدايا منها إلى ّ‬
‫إلى توزيعها على المرافقين والمعاونين كونه ال يتناول الفواكه المشبعة‬
‫بالسكر‪..‬‬
‫ُّ‬
‫وألنّ مرافقي ّ‬
‫السيد كان ُيو ّدون جيرانه المسيحيين ويحترمونهم‪،‬‬
‫يقدمون‬
‫المسيحيون‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ويقضون بعض حوائجهم‪ ،‬كان هؤالء الجيران‬
‫للمرافقين بعض الفواكه التي ينتجونها من أراضيهم‪ ،‬أو يحملون إليهم‬
‫بعض صحون الحلوى‪..‬‬
‫السيد‬
‫حراس بيت ّ‬ ‫مرة أنّ ّأم جوزف وفي شهر رمضان كان ّ‬ ‫وحدث ّ‬
‫صائمين كالعادة‪ ،‬فحملت ُّأم جوزف الذي غاب عن ذهنها أنّ هذه‬
‫األيام هي ّأيام صيام عند المسلمين‪ ،‬إلى أحد الحراس الواقف أمام‬
‫البوابة الرئيسية للمنزل صحن ًا من التبولة اللبنانية‪ّ ،‬‬
‫وقدمته إليه وكان‬
‫ولكن هذا األخ المرافق بادرها بالقول‪ :‬أنا‬
‫ّ‬ ‫السرور بادي ًا على وجهها‪..‬‬
‫صائم من دون أن ُيشعرها بشيء من االمتنان‪ ،‬وهنا كان في ر ّدة فعلها‬
‫الحدة قائلة‪ :‬شو أنا نجسة؟؟!!‪..‬‬
‫شيء من ّ‬ ‫ٌ‬
‫ال له‪ :‬كان يجب‬‫األخ‪ ،‬قائ ً‬
‫السيد باألمر‪ ،‬فاستدعى هذا َ‬ ‫عرف ّ‬
‫عليك أن تأخذ منها الصحن‪ ،‬وعند اإلفطار تناوله مع أفطارك‪ ،‬كان‬
‫عليك أن تُشعرها بامتنانك وشكرك لتو ّددها منك‪ ،‬وهي المرأة العجوز‬
‫تشعر بالضيق والحرج‪..‬‬
‫َ‬ ‫الطيبة حتى ال‬
‫السيد ينطلق في ذلك‪ ،‬من منهج أهل البيت ‪ R‬الذين‬
‫وكان ّ‬

‫‪79‬‬
‫كانوا يوصون شيعتهم بأن يكونوا زين ًا لهم وال يكونوا عليهم شين ًا‪،‬‬
‫َ‬
‫المثال الذي ُيحتذى به والقدو َة التي ينظر إليها‬ ‫الواحد منهم‬
‫ُ‬ ‫فيكون‬
‫بكل االحترام والتقدير لما يعيشه من أدب وأخالق وورع‬ ‫اآلخرون ّ‬
‫وأمانة وقد ورد عن اإلمام الصادق ‪« :Q‬يا معشر الشيعة‪ ،‬إنّكم قد‬
‫نُسبتم إلينا‪ ،‬كونوا لنا زين ًا وال تكونوا علينا شين ًا»‪ ،‬وعن اإلمام الحسن‬
‫‪« :‬اتقوا الله وكونوا زين ًا وال تكونوا شين ًا‪ّ ،‬‬
‫جروا إلينا‬ ‫العسكري ‪Q‬‬
‫ّ‬
‫كل مو ّدة وادفعوا ع ّنا ّ‬
‫كل قبيح»‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ينادي في المسيحيين دوم ًا‪:‬‬ ‫السيد فضل الله‬
‫وقد كان ّ‬
‫«إنّنا نقول لكم ت ََعا َل ْوا إلى الكلمة السواء‪ ،‬فهناك غير فكر مشترك‪،‬‬
‫روحي وأخالقي مشترك‪ ،‬وهناك غير أرض مشتركة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وهناك غير ّ‬
‫خط‬
‫ت ََعا َل ْوا ننطلق على أساس الكلمة السواء في ّ‬
‫كل ما نلتقي فيه‪ ،‬ونبني‬
‫ومحمد‬
‫ّ‬ ‫الحياة على أساس الروحية التي جاء بها السيد المسيح ‪Q‬‬
‫ّ‬
‫ألن عيسى ‪Q‬‬ ‫ّ‬
‫‪ ،P‬تعالوا إلى أن نعيش مع المستضعفين كلهم‪ّ ،‬‬
‫محمد ًا ‪ P‬كان مستضعف ًا‬ ‫وولِد في بيئة مستضعفة‪ّ ،‬‬
‫وألن ّ‬ ‫كان مستضعف ًا ُ‬
‫وولد في بيئة مستضعفة‪..‬‬ ‫ُ‬
‫ونبي المستضعفين هناك‪ ،‬لنقف‬ ‫نبي المستضعفين هنا‪ّ ،‬‬ ‫ت ََعا َل ْوا مع ّ‬
‫ضد الكفر‪ ،‬ت ََعا َلوا إلى الكلمة السواء‬
‫ضد االستكبار في العالم ولنقف ّ‬ ‫ّ‬
‫كل ما نلتقي عليه‪ ،‬ت ََعا َل ْوا إلى الحوار فيما نختلف فيه‪ ،‬وعلينا جميع ًا‬‫في ّ‬
‫المحبة التي هي عنوان اإلسالم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫نوقف الحقد والبغضاء لننطلق مع‬ ‫َ‬ ‫أن‬
‫المحبة والرحمة والعدالة»‪[ .‬الحوار‬ ‫ّ‬ ‫تعالوا إلى مجتمع نعيش فيه‬
‫اإلسالمي المسيحي‪ ،‬ص‪]236‬‬

‫‪80‬‬
‫يعيش فكرة العيش المشترك بين المسلمين‬ ‫السيد‬
‫هكذا كان ّ‬
‫والمسيحيين منطلق ًا من رؤية قرآنية واضحة تجمع وال ّ‬
‫تفرق‪ ،‬تبني وال‬
‫تهدم‪ ،‬وتحقّق االستقرار والسالم بين الناس على اختالف أديانهم‪..‬‬

‫السيد في القلب والعقل والوجدان‪..‬‬


‫ويبقى ّ‬

‫‪81‬‬
‫مهمة قلوبنا أن تصنع الفرح للعيون التي تبكي‬
‫ّ‬

‫السيد يطلبك‬
‫ّ‬ ‫ـ ‬
‫سيدنا؟‬
‫ـ نعم ّ‬
‫ـ متى ستو ّقعون االتفاقية مع وزارة الثقافة؟‬
‫والسيد ليس في البيت أو المكتب‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الخط اآلخر‪..‬‬ ‫السيد على‬‫ّ‬
‫كنت قد‬
‫السيد على سرير المستشفى ي ّتصل‪ ،‬يريد أن يطمئن على ما ُ‬ ‫ّ‬
‫زمن من دخوله المستشفى‪ ،‬بأنَّ وزارة الثقافة اللبنانية‬ ‫أخبرته به قبل ٍ‬
‫تواصلت معنا‪ ،‬لتوقيع عقد شراكة بين الوزارة وبين المكتبة العامة‬
‫السيد والتي تُعتبر من كبريات المكتبات العامة في‬ ‫ّ‬ ‫المسماة باسم‬
‫ّ‬
‫لبنان‪ ..‬وهذه الشراكة تعني إعالن ًا من وزارة الثقافة ال ّلبنانية بأنّها ّ‬
‫تقدم‬
‫للقراء والباحثين والطالب‪ ،‬وبأنّها تقوم بنشاطات‬
‫الخدمة األفضل ّ‬
‫مميزة لألعمار كافة‪..‬‬
‫ّ‬
‫وحددت له موعد توقيع‬ ‫ّ‬ ‫عدة‬
‫السيد بذلك قبل شهور ّ‬ ‫ّ‬ ‫أخبرت‬
‫االتفاقية في اليوم الفالني من شهر شباط ‪2010‬؛ في اليوم نفسه ي ّتصل‬
‫ولكن‬
‫َّ‬ ‫السيد ليسألني عن توقيع االتفاقية‪ ..‬هو مريض في المستشفى‪،‬‬ ‫ّ‬
‫العصية على النسيان تبقى م ّتقدة لتتذكّ ر المفاصل األساسية في‬
‫ّ‬ ‫ذاكرته‬
‫مؤسساته‪..‬‬
‫يتابع جميع أعمال ّ‬ ‫العمل‪ ،‬حيث كان‬

‫‪82‬‬
‫السيد يسألني باستمرار عن عدد‬ ‫وعلى ذكر المكتبة العامة‪ ،‬كان ّ‬
‫الكتب التي وفّرتها المكتبة للمستفيدين‪ ،‬وك ّنا قد وفّرنا حينها ما يقارب‬
‫بكل التفاؤل واألمل‪ ،‬عليكم أن ترسموا‬ ‫المائة ألف كتاب‪ ،‬فكان يجيبني ّ‬
‫رؤية وهدف ًا واضحين لتصبح المكتبة تحتوي على مليون كتاب‪..‬‬
‫وفي لقاء لي مع األخ الحاج حسين هزيمة مسؤول المشروع‬
‫يقدم آالف الخدمات الصحية في‬‫الصحي الرائد‪ ،‬مشروع التآخي الذي ّ‬
‫ّ‬
‫المناحي الطبية ش ّتى‪ ،‬في بيروت والجنوب والبقاع من خالل مراكز‬
‫الخبرات ِ‬
‫والخ ْدمات والتقديمات‪ ،‬يقول لي‪،‬‬ ‫ِ‬
‫صحية تتوفّر فيها أفضل ْ‬ ‫ّ‬
‫السيد فضل الله عندما رعى المشروع في بداياته‪ ،‬كان يقول‬ ‫ّ‬ ‫بأنّ‬
‫لألخ حسين هزيمة‪ :‬ال تنظر للوراء‪ ،‬ضع أهدافك أمامك‪ ،‬وتوكّ ل على‬
‫تقدم الخدمة للناس‪ ،‬ألنّ أهلنا محتاجون إلى هذه‬
‫يهمني أن ّ‬ ‫الله‪ ،‬وما ّ‬
‫ُ‬
‫خدمة الناس‪»..‬‬ ‫الخدمات‪ِ ،‬‬
‫«وق ّمة العبادة هي‬
‫ُ‬
‫صناعة الفرح للعيون التي تبكي‪،‬‬ ‫«مهمة قلوبنا‬
‫ّ‬ ‫السيد ير ّدد‪:‬‬
‫وكان ّ‬
‫يتجمدون»‪.‬‬ ‫ُ‬
‫وصناعة الحركة للذين ّ‬ ‫ُ‬
‫وصناعة األمل للقلوب التي تيأس‪،‬‬
‫[قوة اإلنسانية‪ ،‬ص‪.]27‬‬
‫ّ‬
‫الطيبة التي تواسي اليتيم وتؤنس‬ ‫الله الكلمة ّ‬
‫وكان يقول‪« :‬جعل ُ‬
‫الحزين وتُدخل السرور إلى اآلخرين جعلها الله مفتاح ًا للج ّنة‪ ..‬فقيمة‬
‫ّ‬
‫ويفكر‬ ‫كل يوم‬‫الحياة هي عندما يضع اإلنسان رأسه على الوسادة في ِّ‬
‫فتحت عقل إنسان على علم ومعرفة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫يغفو أنّني في هذا اليوم‬
‫قبل أن َ‬
‫وفتحت قلب إنسان على أمل بالحياة و ُيوحي لنفسه أنّه استطاع أن‬ ‫ُ‬
‫ويفتح بعض القلوب»‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ويصنع بعض البسمات‬
‫َ‬ ‫يكفكف َ‬
‫بعض الدموع‬
‫[خطاب العقل والروح‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.]51‬‬

‫‪83‬‬
‫مرة أنّه عندما خرج من المستشفى‪ ،‬ك ّنا مجموع ًة حوله‪،‬‬ ‫وأذكر ّ‬
‫مكة عن المشروع الذي ُيشرف على تأسيسه خارج‬ ‫السيد جمال ّ‬‫سأل ّ‬
‫مبرات األيتام وفقرائها‪ ،‬سأله عن جدواه‪،‬‬
‫لبنان والذي يعود ريعه أليتام ّ‬
‫يقدمها‬
‫وعن سياسة المشروع‪ ،‬وعن رؤية الناس به‪ ،‬وما الخدمات التي ّ‬
‫السيد ويسأله سؤا ً‬
‫ال‬ ‫السيد مكة‪ ،‬يعاود ّ‬ ‫للمغتربين‪ ،‬وكان ك ّلما أجابه ّ‬
‫السيد بهذا المشروع وبأنّه يجب أن يحقّق‬
‫يدل على مدى اهتمام ّ‬ ‫جديد ًا ُّ‬
‫النجاح المطلوب‪ ،‬ألنَّ نجاحه يوفّر للمستضعفين من الناس مداخيل‬
‫شر الحاجة والعوز‪..‬‬ ‫تقيهم ّ‬
‫السيد نجيب نور الدين يسأله‬ ‫وفي الجلسة نفسها‪ ،‬ينظر إلى الدكتور ّ‬
‫السيد نور الدين‬
‫السيد بتحريره وإعداده‪ ،‬يجيبه ّ‬ ‫عن كتاب كان قد ك ّلفه ّ‬
‫السيد متمني ًا له التوفيق‪..‬‬
‫ويطمئنه بأنّ الكتاب أصبح جاهز ًا‪ ،‬يشكره ّ‬
‫وفيما يذكره لي أحد معاونيه األخ أبو حسين علي موسى‪ ،‬بأنّ ّ‬
‫السيد‬
‫كتاب له‪ ،‬وهو عبارة عن تقرير فقهي‬‫ٍ‬ ‫والسيد يسأل عن‬‫ّ‬ ‫في المستشفى‪،‬‬
‫بالسيد ألن‬
‫ّ‬ ‫تأخير دفع‬
‫ٌ‬ ‫سيطبع قريب ًا‪ ،‬ولكن حدث‬‫وكانوا قد وعدوه‪ ،‬بأنّه ُ‬
‫يتوجه مباشرة إلى مدير‬
‫مبرر التأخير‪ ،‬فطلب من األخ أبي حسين أن ّ‬ ‫يرفض ّ‬
‫الدار المك ّلفة بالطباعة ليحثّه على اإلسراع بالطباعة‪ ..‬يذهب أبو حسين‬
‫يجهز بسرعة نسخ ًة واحدة من هذا التقرير الفقهي‬
‫إلى المدير ويطلب أن ّ‬
‫السيد يحرص على إنجاز‬‫السيد‪ ،‬ألنّ األخ أبا حسين يعرف أنَّ ّ‬
‫ليأخذها إلى ّ‬
‫أعماله‪ ،‬وإذا ُأنجزت فإنّه يرتاح نفسي ًا ويشعر أنّه رغم مرضه وتعبه والوهن‬
‫الذي أصاب جسده‪ ،‬ما زال قادر ًا على العمل واإلنتاج‪ ،‬وهذا ما حدث‬
‫بالفعل حتى جاء بالنسخة (وهي ثمار البحر‪ :‬نظرة فقهية جديدة) ووضعها‬
‫بين يديه‪ ،‬عندها ظهرت عالمات السرور على وجهه رغم تعبه‪..‬‬
‫السيد في العقل والقلب والوجدان‬
‫ويبقى ّ‬

‫‪84‬‬
‫هذا المبلغ ثمن علبة بسكويت‬

‫السيد‬
‫ّ‬ ‫وأنتقل إلى النرويج‪ ،‬إلى أوسلو تحديد ًا‪ ،‬إلى مشروع‬
‫الذي عمل على تنفيذه ومتابعته سماحة الشيخ محمود جلول‪ ،‬وهذا‬
‫المشروع تُقام فيه صالة الجمعة‪ ،‬وإحياء ليالي رمضان وليالي القدر‬
‫ويضم حوزة دينية للرجال والنساء وقسم ًا خاص ًا‬
‫ُّ‬ ‫ومجالس عاشوراء‪،‬‬
‫للترجمة من اللغة العربية إلى اللغة النرويجية‪ ،‬وحسينية ومكتبة عامة‪،‬‬
‫المتنوعة‪..‬‬
‫ّ‬ ‫وفيه قاعة لالحتفاالت والندوات واللقاءات والنشاطات‬
‫ٌ‬
‫وصفوف لتعليم القرآن الكريم‪ ،‬واللغة العربية والمفاهيم اإلسالمية‪..‬‬
‫وهذا المشروع هو ملتقى للجاليات العربية واإلسالمية‪َ ،‬ت َتداول فيه‬
‫العامة‪ ..‬إضافة إلى أنَّ هذا المشروع الذي يشرف‬‫ّ‬ ‫وأوضاعها‬
‫َ‬ ‫شؤونَها‬
‫عليه ويديره الشيخ جلول الذي استطاع في محاضراته في الجامعة‬
‫السيد فضل الله التي القت رواج ًا واحترام ًا وتقدير ًا من‬
‫طرح أفكار ّ‬
‫النخبة المثقفة النرويجية‪.‬‬
‫حدثني الشيخ محمود‬
‫وقصة هذا المشروع نسردها باختصار كما ّ‬
‫ّ‬
‫جلول‪..‬‬
‫ال عنه إلى‬‫السيد‪ ،‬سماحة الشيخ محمود جلول وكي ً‬ ‫أرسل سماحة ّ‬
‫أوسلو في النرويج‪ ،‬وألنّ الشيخ جلول يتم ّتع بحيوية وحركية عالية‪،‬‬
‫السيد عارض ًا عليه بناء‬
‫عاد إلى لبنان عام ‪ 2009‬قبل سنة من وفاة ّ‬
‫متحمس ًا للمشروع وكان ير ّدد‬
‫ّ‬ ‫تحدثنا عنه آنِف ًا‪ ،‬فكان‬
‫المشروع الذي ّ‬

‫‪85‬‬
‫مرة‪ُ :‬ح ُلمي أن أرى المسجد في أوسلو‪..‬‬
‫غير ّ‬
‫السيد بأحد المؤمنين األثرياء‬ ‫يقول الشيخ جلول‪ :‬جمعني سماحة ّ‬
‫من أهل الخير‪ ،‬طالب ًا م ّني أن أشرح له معالم المشروع‪ ،‬ولكن قبل‬
‫السيد لهذا الميسور المؤمن‪ :‬هناك مشروع في أوسلو ُيشرف‬ ‫ذلك‪ ،‬قال ّ‬
‫عليه الشيخ محمود وهؤالء المؤمنون في أوسلو كاأليتام‪ ،‬ومشروعهم‬
‫يحتاج إلى دعمكم‪ ..‬ثم استلم دفّة الحديث الشيخ محمود جلول‬
‫وبعدما عرض له تكاليف المشروع التي تبلغ مليوني دوالر‪ ،‬قال هذا‬
‫بكل محبة‬‫السيد ّ‬ ‫الغني المؤمن‪ :‬أنا أدفع مبلغ ربع مليون دوالر‪ ..‬أجابه ّ‬
‫ّ‬
‫حجي‪ ،‬هذا المبلغ ثمن علبة بسكويت‪ ،‬بمعنى أنَّ هذا‬ ‫ولطف قائ ً‬
‫ال له‪ّ :‬‬
‫الغني الطيب‪ ،‬أجابه الغني‪ :‬حسن ًا‬ ‫ّ‬ ‫المبلغ ال قيمة له في حساب هذا‬
‫سيدنا‪ ،‬نجعل المبلغ نصف مليون دوالر‪ ،‬قال له ممازح ًا‪ :‬إذ ًا المبلغ‬ ‫ّ‬
‫سيدنا ما هي طلباتكم؟ قال‬ ‫ثمن علبتي بسكويت‪ ..‬التفت إليه وقال‪ّ :‬‬
‫السيد‪ :‬إنّ المشروع ّأيها الحاج الكريم يك ّلف بمجمله قيمة ثماني علب‬ ‫ّ‬
‫بسكويت‪ ،‬وأريدك أن تتب ّنى المشروع؛ أي مليونَي دوالر‪ ،‬وتذكّ ر أنّك‬
‫متقدم‪ ،‬وأنت من أهل الخير‪ ،‬والموت سيأتيك ويأتينا‪،‬‬ ‫أصبحت بعمر ّ‬
‫ال‪ ،‬فإنّك تكون قد أرسلت‬ ‫والمال لمن تتركه؟ وإذا ما دفعت المبلغ كام ً‬
‫أموالك أمامك إلى الج ّنة‪..‬‬

‫ويضيف الشيخ جلول‪ ،‬بأنَّ أحد معاوني ّ‬


‫السيد وهو األخ الشيخ‬
‫التبرعات‬
‫حسن بشير ا ّتصل بي وأنا في رحلة إلى دولة عربية لجمع ّ‬
‫متحمس ًا لمشرو ٍع ِ‬
‫مثل‬ ‫ّ‬ ‫السيد‬
‫ال‪ :‬شيخ محمود‪ ،‬لم َأر ّ‬ ‫للمشروع‪ ،‬قائ ً‬
‫ويشج ُعهم‬
‫ّ‬ ‫يحدث ّ‬
‫كل َمن يأتي لزيارته حول هذا المشروع‬ ‫هذا‪ ،‬وهو ّ‬
‫لدعمه‪..‬‬

‫‪86‬‬
‫ّقت ُح ُل َم ّ‬
‫السيد‪ ،‬هكذا يقول الشيخ محمود‬ ‫وقوته‪ ،‬حق ُ‬
‫وبحول الله ّ‬
‫وكتبت‬
‫ُ‬ ‫معبرة له‬
‫ووضعت صور ًة ّ‬
‫ُ‬ ‫جلول‪ ،‬وقام المشروع بعين الله‬
‫«ح ُلمي أن أرى المسجد في أوسلو»‪.‬‬ ‫ما كان قد قاله‪ُ :‬‬
‫‪:‬‬ ‫السيد‬
‫وأختم بما كان يقوله ّ‬
‫أتصور أنَّ على العاملين لإلسالم إن على مستوى العلماء أو‬ ‫ّ‬ ‫«إنّني‬
‫على مستوى طالب العلم أو الحركيين أو المب ّلغين أن يقتدوا برسول‬
‫الله ‪ P‬في ذلك وأن يعيشوا مع ال ّناس على أساس احتضان مشاعرهم‬
‫جميعهم‪َ ﴿ :‬ل َق ْد‬ ‫َ‬ ‫يحب الناس‬‫ُّ‬ ‫وأحاسيسهم‪ .‬فلقد كان رسول الله ‪P‬‬
‫ين‬‫يص َع َل ْي ُكم بِا ْل ُم ْؤ ِمنِ َ‬
‫ول ِّم ْن َأ ُنف ِس ُك ْم َع ِز ٌيز َع َل ْي ِه َما َعنِ ُّت ْم َح ِر ٌ‬‫اءك ْم َر ُس ٌ‬
‫َج ُ‬
‫يم﴾ [التوبة‪[ .]128 :‬دنيا الشباب‪.]274 :‬‬ ‫َرؤُ ٌ ِ‬
‫وف َّرح ٌ‬
‫السيد في العقل والقلب والوجدان‪..‬‬
‫ويبقى ّ‬

‫‪87‬‬
‫باب الله سيكون مفتوح ًا لك‬

‫«عطاء الكلمة الطيبة ليس له‬


‫ُ‬ ‫السيد فضل الله ير ّدد‪:‬‬ ‫لطالما كان ّ‬
‫حين»‪..‬‬ ‫معين‪ ،‬فهي تؤتِي ُأك َلها ّ‬
‫كل ٍ‬ ‫موسم ّ‬
‫ٌ‬
‫ُ‬
‫تدخل إلى القلب فتزيده سعادة‪ ،‬وتدخل إلى‬ ‫الطيبة هذه‬
‫والكلمة ّ‬
‫العقل فتزيده تفاؤ ً‬
‫ال‪ ،‬ولذا‪ ،‬فإنَّ الله تعالى عندما وصف رسوله ‪P‬‬
‫اللين في لسانك‪ ،‬فال‬ ‫وصفه بالرحمة‪ ،‬وكأنّه يخاطبه‪ ،‬بأنّك «كنت ّ‬
‫يتحسس‬‫ّ‬ ‫اللين في قلبك‪ ،‬فال‬
‫وكنت َ‬
‫َ‬ ‫يستمع الناس إلى قسوة في كالمك‪،‬‬
‫متحجر ًا قاسي ًا جامد ًا‬
‫ّ‬ ‫يتحسسون قلب ًا‬
‫ّ‬ ‫الناس قسوة في كالمك‪ ،‬فهم ال‬
‫ُ‬
‫يتحسسون قلب ًا ّلين ًا يعيش مع الناس‬‫ّ‬ ‫ُي ِط ُّل على الناس من فوق ولك ّنهم‬
‫في نبضاته ك ّلها»‪[ .‬الندوة‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.]102‬‬
‫رحال‬ ‫حدثني الصديق المرحوم األستاذ حسن ّ‬ ‫ٌ‬
‫ومصداق لهذا‪ ،‬فقد ّ‬
‫«بأم ٍر حدث معه عام ‪ ،2001‬وذلك عندما ترك عم ً‬
‫ال اجتماعي ًا ورعائي ًا‬
‫المؤسسات اإلسالمية أعطاه زهرة شبابه‪ ،‬وبذل فيه الجهد‬ ‫ّ‬ ‫في إحدى‬
‫يقدم الكثير من الخدمات‬ ‫وج ْعله عم ً‬
‫ال كبير ًا ّ‬ ‫والتعب والعرق إلنجاحه َ‬
‫معينة ـ كما‬
‫والرعاية أليتام فقدوا آباءهم وصاروا بال معيل‪ ..‬ولظروف ّ‬
‫عشرين من‬
‫َ‬ ‫تركت العمل في هذه المؤسسة بعد‬ ‫ُ‬ ‫رحال ـ‬ ‫يقول األخ ّ‬
‫السنوات‪ ،‬قضيتها في المواقع ك ِّلها‪ ،‬وفي جميع الظروف في الحرب‬
‫ال بين المناطق اللبنانية أبحث عن كفالء لأليتام الذين‬ ‫وفي السلم‪ ،‬متن ّق ً‬

‫‪88‬‬
‫وجدت نفسي وبقرار م ّني‬
‫ُ‬ ‫تحت رعايتنا‪ ..‬وفي لحظة من ال ّلحظات‪،‬‬
‫المؤسسة التي أعطيتها دمع العين‪..‬‬
‫ّ‬ ‫خارج هذه‬
‫عما في الصدر من َكدَ ر‬
‫وبعد الله‪ ،‬لمن ألجأ من البشر‪ ،‬ألن ّفس ّ‬
‫البعد عن الذين رعايتهم واحتضانهم جواز مرور‬‫وانزعاج بسبب هذا ُ‬
‫ليكون اإلنسان مع رسول الله ‪ P‬في الجنة‪..‬‬
‫السيد فضل الله أنّه أبو الحالة اإلسالمية‬ ‫كنت أنظر إلى ّ‬ ‫وألنّني ُ‬
‫بكل ما للكلمة من معنى‪،‬‬‫لجأت إليه باعتباره قدوة وأب ًا وإنسان ًا رسالي ًا ّ‬
‫يطمئن‬
‫ُ‬ ‫وهذه كانت أيض ًا نصيح َة أحد اإلخوة الذي رأى أنّ ّ‬
‫السيد هو َمن‬
‫الهم عن الصدر بما يحمله عقله الكبير من مخارج‬ ‫القلب إليه‪ ،‬ويجلو ّ‬
‫ألزمات كهذه‪..‬‬
‫يؤمن لي‬
‫أي عمل آخر ّ‬ ‫لدي ّ‬
‫خرجت من المؤسسة لم يكن ّ‬‫ُ‬ ‫عندما‬
‫ٌ‬
‫أعمال كثيرة ولك ّنها لم تكن‬ ‫ظروف عيش كريم ًة‪ ،‬وقد ُعرضت َّ‬
‫علي‬
‫تنسجم مع رغباتي وتط ّلعاتي‪..‬‬
‫ٍ‬
‫وجه‬ ‫بكل ترحاب وبشاشة‬ ‫السيد ‪ ،‬استقبلني ّ‬ ‫ُح ّدد الموعد مع ّ‬
‫ال‬‫وبادرت قائ ً‬
‫ُ‬ ‫جلست إليه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫السيد‪..‬‬
‫وهي الصورة المعهودة عن سماحة ّ‬
‫مظلوميتي‪ ،‬كونك أب ًا للجميع‪ ،‬وسأذكر‬
‫ّ‬ ‫سيدنا أشكو‬
‫جئت إليك ّ‬
‫بأنّني ُ‬
‫لك أمور ًا عام ًة ومن دون ذكر ألسرار المؤسسة‪ ،‬وهنا بادرني ّ‬
‫السيد‬
‫بالقول‪ :‬بارك الله بك وأنا ُأكبر فيك بأنّك ما زلت محافظ ًا على أسرار‬
‫أسرد له بعض‬ ‫ُ‬ ‫عملك‪ ..‬ويضيف األستاذ حسن رحال‪ :‬وهنا بدأت‬
‫عز‬ ‫وذكرت له أنّه ّ‬
‫ُ‬ ‫األمور التي كانت بالنسبة لي أساسيات في العمل‪،‬‬
‫كنت أعتبره باب ًا من األبواب إلى الله‪ ،‬وهو ثمر ٌة‬ ‫علي ُ‬
‫ترك العمل ألنّني ُ‬ ‫ّ‬

‫‪89‬‬
‫بكل ما ُأوتيت من‬
‫من الثمرات التي سهرت عليها بالرعاية واالهتمام ّ‬
‫كنت أطمع في هذا العمل وهذه الخدمة في‬ ‫قوة وطاقة وإمكانية‪ ..‬وأنا ُ‬
‫هذه المؤسسة أن تكون لي رصيد ًا في اآلخرة عند الله تعالى‪ ..‬وكوني‬
‫فكنت أعتبر أطفال هذه المؤسسة أطفالي‪..‬‬‫ُ‬ ‫لم يرزقني الله أطفا ً‬
‫ال‪،‬‬
‫يشع منهما حنان‬‫بكل إنصات‪ ،‬وكانت عيناه ُّ‬ ‫إلي ِّ‬‫كان يستمع ّ‬
‫عما حدث معي أبد ًا‪ ..‬وعندما‬ ‫أتحدث ّ‬‫ّ‬ ‫يغمرني‪ ،‬ولم يقاطعني وأنا‬
‫أتأسف ألنّه ُأغلق بوجهي باب خدمة األيتام والفقراء‪ .‬هنا‬ ‫بدأت ّ‬‫ُ‬
‫الس ُبل إلى الله كثيرة‪ ،‬وهي كعدد أنفاس البشر‪،‬‬ ‫قاطعني ليقول لي‪ :‬بأنّ ُّ‬
‫التقرب إليه سبحانه‬
‫ّ‬ ‫وإنّ رضى الله ليس محصور ًا في أمر واحد‪ ،‬وأنّ‬
‫النية‬
‫المهم في ذلك أن ُيخلص اإلنسان ّ‬‫ُّ‬ ‫متعددة‪،‬‬‫ال ّ‬ ‫وتعالى‪ ،‬يأخذ أشكا ً‬
‫ويطلب وج َه الله تعالى في ذلك‪.‬‬
‫وأوصاني بأن ال آسف على ترك العمل‪ ،‬فقد يكون الله تعالى اختار‬
‫﴿و َع َسى‬ ‫كنت فيه َ‬ ‫العمل الذي َ‬ ‫َ‬ ‫ال يوازي وقد يفوق في األجر‬ ‫لك عم ً‬
‫َأن ت َْك َر ُهو ْا َش ْيئ ًا َو ُه َو َخ ْي ٌر َّل ُك ْم َو َع َسى َأن ت ُِح ُّبو ْا َش ْيئ ًا َو ُه َو َش ٌّر َّل ُك ْم﴾‬
‫[البقرة‪.]216 :‬‬
‫ويكمل المرحوم األستاذ األخ حسن رحال‪ :‬وهنا أفصحت لسماحة‬
‫السيد بأنّ هناك عم ً‬
‫ال في المجال التربوي ُيعنى بشؤون الطالب الفقراء‬ ‫ّ‬
‫وبإرشادهم وتوجيههم وبالمنح وإكمال االختصاص الجامعي من‬
‫خالل المساعدات والقروض المالية ولك ّني ال أنسجم كثير ًا مع هذا‬
‫المجال‪..‬‬
‫ُ‬
‫أعيد حساباتي ك ّلها‪ ،‬وأ ّ‬
‫غير قناعاتي‪،‬‬ ‫ليجعلني ُ‬ ‫السيد‬
‫تدخل ّ‬
‫وهنا ّ‬

‫‪90‬‬
‫وذلك عندما خاطبني بالروح األبوية التي جعلتني أقبل بهذا العمل‪،‬‬
‫وذلك حين خاطبني‪ ،‬بأنّ باب الله سيكون مفتوح ًا لك عندما يرسل‬
‫طالب حاجة‬ ‫ُ‬ ‫إليك سبحانه إنسان ًا محتاج ًا قد تستطيع مساعدته‪ ،‬أو يأتيك‬
‫تخصصه فتعمل على تأمين ذلك له‪ ،‬خصوص ًا إذا وصل‬ ‫ّ‬ ‫ألن يكمل‬
‫متقدمة يستفيد منها الناس والمجتمع‪،‬‬ ‫هذا الطالب إلى َم ْرتَبة علمية ّ‬
‫شك بأنّ لك يد ًا في ذلك من‬ ‫ووصول هذا الطالب إلى هذا الموقع ال ّ‬
‫شك أيض ًا ستكون شريك ًا له فيما‬ ‫قدمت له من مساعدة‪ ،‬وال ّ‬ ‫خالل ما ّ‬
‫يقدمه من منفعة للناس من حوله‪ ،‬وخصوص ًا إذا صار مع ّلم ًا أو طبيب ًا أو‬ ‫ّ‬
‫صاحب مهنة ما‪..‬‬‫َ‬ ‫مهندس ًا أو‬
‫السيد استيقظت من حالة اإلرباك التي‬ ‫وما إن أكمل سماحة ّ‬
‫السيد‪ ،‬خرجت من عنده‪ ،‬وقبلت هذا العمل الذي‬ ‫شكرت ّ‬ ‫ُ‬ ‫أعيشها‪..‬‬
‫أجد فيه اآلن الراحة النفسية والروحية‪ ،‬وأنا أشاهد عشرات الشباب‬
‫كل في مجال اختصاصه‪ ،‬وأحمد‬ ‫يتخرجون وينتشرون في سوق العمل‪ٌّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫الله تعالى أنّني ومنذ عام ‪ 2001‬وإلى اآلن أعمل في هذا المجال شاكراً‬
‫المولى على هذه ال ّنعمة العظيمة‪»...‬‬
‫يسير في الطريق األفضل من خالل‬
‫السيد هي التي جعلته ُ‬ ‫فنصيحة ّ‬
‫النصيحة اإليمانية التي أسداها له‪ ،‬لذا‪ ،‬يقول ‪« :‬علينا أن نفتح قلوبنا‬
‫تتحرك بالنصيحة لهم‪ ..‬وهذا هو الذي يجمع‬ ‫ّ‬ ‫للمؤمنين وأن نجعلها‬
‫القوة‪[ »..‬الندوة‪ ،‬ج‪،5‬‬
‫يوحده‪ ،‬وهذا هو الذي يعطيه ّ‬
‫المجتمع‪ ،‬وهذا ما ّ‬
‫ص‪.]183‬‬
‫السيد في العقل والقلب والوجدان‪..‬‬
‫ويبقى ّ‬

‫‪91‬‬
‫روجيه غارودي‪:‬‬
‫أعتز بالشيخ فضل الله‬
‫ّ‬

‫شوهوا صورة اإلسالم‪ ،‬ذبحوا‪ ،‬قتلوا‪ ،‬أحرقوا‪ ،‬أكلوا األكباد‪،‬‬ ‫ّ‬


‫ورموا األطفال من شاهق‪ ،‬بقروا بطون النساء‪ ،‬لم يراعوا في اآلمنين‬
‫أشد من‬
‫حجرية‪ ،‬بل ّ‬
‫ّ‬ ‫ٍ‬
‫وقلوب‬ ‫ًّإل وال ّ‬
‫ذمة‪ ،‬قرأوا اإلسالم بعيون حاقدة‪،‬‬
‫الحجارة‪ ،‬فهموا القرآن بغير ما أراد الله والرسول فعاثوا في األرض‬
‫العزة‬
‫ألد الخصام‪ ،‬أخذتهم ّ‬ ‫َ‬
‫الحرث والنسل‪ ،‬وهم ُّ‬ ‫فساد ًا‪ ،‬وأهلكوا‬
‫تفوقوا على فرعون باستكبارهم وحقدهم ولؤمهم وكفرهم‬ ‫باإلثم‪ّ ،‬‬
‫الظ َلمة في التاريخ‪،‬‬
‫كل َّ‬
‫تفوقوا على ّ‬
‫وهم يحملون راية ال إله إال الله‪ّ ،‬‬
‫بفقئهم للعيون‪ ،‬وسحلهم لألجساد‪ ،‬وقطعهم للرؤوس وهم ينادون‬
‫مما يفعلون‪..‬‬
‫(الله أكبر) والله بريء ّ‬
‫شوهوا صفاء مفاهيم اإلسالم ونقاءها‬ ‫أمام هذه الصورة البشعة‪ّ ،‬‬
‫َ‬
‫خوف التفجير‬ ‫ونب َلها‪ ،‬وصار الناس يرتجفون من كلمة (الله أكبر)‬
‫النفوس من الخوف‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫يزلزل‬ ‫كلمة اإلسالم بعبع ًا‬ ‫ِ‬
‫وقتل األبرياء‪ ..‬فصارت ُ‬
‫والقلق‪ ،‬فشيطنوا إسالمنا العظيم‪ ،‬وأبلسوا عقيدتنا الصافية‪ ،‬فصارت‬
‫وحب اإلسالم وبا ً‬
‫ال وشنار ًا‪...‬‬ ‫ُّ‬ ‫رحمة اإلسالم بنظر اآلخرين عذاب ًا‪،‬‬
‫ُ‬
‫ولمناسبة هذا الكالم‪ ،‬أقول إنّ أحد األصدقاء كان يدرس في جامعة‬
‫السوربون في فرنسا‪ ،‬وكان الكثيرون من الباحثين وأساتذة الجامعة‬

‫‪92‬‬
‫نتيجة الصحوة اإلسالمية في الثمانينيات َي ْن َك ّبون على دراسة اإلسالم‬
‫في شريعته وأحكامه ورؤاه‪ ،‬وكان المئات منهم يدخلون في اإلسالم‪،‬‬
‫يدعون الدفاع‬
‫ولكن مع بداية ممارسة العنف الذي قام به بعض الذين ّ‬
‫بريء منهم ومن أفعالهم‪ ،‬انكفأ هؤالء الباحثون‬ ‫ٌ‬ ‫واإلسالم‬
‫ُ‬ ‫عن اإلسالم‬
‫عن الدخول في اإلسالم‪..‬‬

‫وحتى أنّ المسلمين الغربيين صاروا يعيشون الحرج الشديد ّ‬


‫مما‬
‫يفرقوا بين اإلسالم الحضاري‬
‫يفعله هؤالء‪ ،‬ويحاولون جاهدين أن ّ‬
‫العصبية والجهل‬
‫ّ‬ ‫شوهه َمن أعمت‬ ‫واإلنساني وبين اإلسالم الذي ّ‬
‫والتخ ّلف قلوبهم‪ ،‬ولك ّنهم لم يصلوا إلى نتائج ملموسة‪..‬‬
‫ومن هؤالء‪ ،‬الباحث والمفكر اإلسالمي الدكتور روجيه غارودي‬
‫ُ‬
‫وأترك لكم هنا‬ ‫‪ M‬الذي عاش حال َة مرارة بسبب ما يصنعه هؤالء‪،‬‬
‫ما سمعه سماحة الشيخ فؤاد خريس والدكتور علي رفعت مهدي من‬
‫الوزير اللبناني السابق محسن دلول مباشرة والذي كان صديق ًا لروجيه‬
‫غارودي أيام الشيوعية‪ ،‬وبقيت عالقتهما مستمرة بعد إسالم غارودي‪..‬‬
‫يقول األخ د‪ .‬مهدي‪ :‬إنَّ الوزير دلول زار غارودي في باريس قبل‬
‫وفاته‪ ،‬سأل دلول غارودي‪ :‬هل ما زلت مؤمن ًا باإلسالم بعدما رأيت من‬
‫ُ‬
‫وبقية التنظيمات التكفيرية‪..‬؟‬ ‫أفعال وحشية‪ ،‬يقوم بها تنظيم القاعدة‬
‫مما أراه يحدث على‬ ‫ير ّد غارودي على الوزير دلول‪ :‬فع ً‬
‫ال أنا أخجل ّ‬
‫متمسك ًا‬
‫ّ‬ ‫زلت‬
‫يدعون االنتماء لإلسالم‪ ،‬ولك ّني ما ُ‬
‫أيدي هؤالء الذين ّ‬
‫باإلسالم‪ ،‬من خالل ما ترجمه لي البعض من العربية عن اإلسالم‬
‫وسماحته‪ ،‬عن هذا الدين العظيم في حركته وتشريعاته ومفاهيمه‪،‬‬

‫‪93‬‬
‫أعتز بذلك شديدَ االعتزاز بالرجل الذي ترجموا لي َ‬
‫بعض كتاباته‬ ‫وإنّني ّ‬
‫ومقاالته‪..‬‬
‫سأله الوزير دلول‪ :‬و َمن هو هذا الرجل؟ قال غارودي‪ :‬هو الشيخ‬
‫محمد حسين فضل الله‪...‬‬ ‫ّ‬
‫وهنا أعود بالذاكرة إلى السؤال الذي طرح ُته أنا شخصي ًا على‬
‫السيد فضل الله إثر الحملة الحاقدة على روجيه غارودي‬ ‫سماحة ّ‬
‫عندما فضح مزاعم اليهود في كتاباته في مسألة المحرقة عندما زعموا أنّ‬
‫هتلر كان يضعهم في المحارق وهم أحياء‪ ،‬وقد ف ّند أكاذيب الصهيونية‬
‫الجميع من‬
‫ُ‬ ‫في هذا المجال‪ ،‬حيث أحالوه إلى المحاكمة وتخ ّلى عنه‬
‫السيد عن ذلك بقوله‪:‬‬
‫أصدقائه إرضا ًء للصهيونية‪ ..‬وقد أجابني ّ‬
‫الحريات وحقوق اإلنسان من‬ ‫ّ‬ ‫تتحدث عن‬
‫ّ‬ ‫«إنّ الدول الكبرى‬
‫خالل مصالحها ال من خالل الحقيقة‪ ،‬والدليل على ذلك محاكمة‬
‫روجيه غارودي الذي لم يفعل شيئ ًا سوى أنّه فضح أكذوبة اليهود في‬
‫مسألة حجم المحرقة التي تُنسب إلى هتلر‪ ،‬وأنّه فضح الكثير من ِ‬
‫الك ْذبة‬
‫علمية‬ ‫اإلسرائيلية حول معاداة السامية وما إلى ذلك‪ .‬وكان يتك ّلم ٍ‬
‫بلغة‬
‫ّ‬
‫قدم اآلن إلى المحاكمة في فرنسا‪ ،‬وفرنسا كما‬ ‫أكاديمية بحتة‪ ،‬فلماذا ُي َّ‬
‫سلمان رشدي في‬ ‫ُ‬ ‫قدس‬‫الحريات‪ ،‬وفي الوقت نفسه ُي َّ‬ ‫ّ‬ ‫تدعي أنّها أم‬
‫ّ‬
‫تحدث بسوء عن رسول الله ‪ P‬وعن اإلسالم‬ ‫فرنسا وبريطانيا ألنّه ّ‬
‫ٍ‬
‫بلغة بعيدة عن الفكر والثقافة‪..‬‬
‫السيد ـ أنّه تجاوز الخطوط‬
‫مشكلة روجيه غارودي ـ هكذا يقول ّ‬
‫الحمراء‪ ،‬صار مسلم ًا‪ ،‬وانطلقت العقدة األوروبية «المسماة» حضارية‬

‫‪94‬‬
‫ضد اإلسالم لتحاكم إسالم غارودي»‪[ .‬بينات ص‪]109‬‬
‫ّ‬
‫السيد فضل الله في الجماعات التكفيرية‪ ،‬يقول‪« :‬إنّها‬‫وعن رأي ّ‬
‫ِ‬
‫وكهوفه المظلمة‪ ،‬ومغاراته الموحشة‪ ،‬وإنّ‬ ‫غارقة في القرون الوسطى‬
‫اإلسالم القرآني‪ ..‬إنَّ َ‬
‫مثل هؤالء ال يمثّلون األصولية‬ ‫َ‬ ‫هؤالء لم يفهموا‬
‫اإلسالمية إذا كانت األصولية تعني الرجوع إلى األصول‪ ،‬ألنّ هؤالء‬
‫لم يرجعوا إلى أصول الفكر اإلسالمي من خالل ما نزل على قلب‬
‫[بينات‬
‫في س ّنته»‪ّ .‬‬
‫تحدث به ‪P‬‬
‫رسول الله ‪ P‬من القرآن الكريم وما ّ‬
‫ص‪.]62‬‬

‫السيد في العقل والقلب والوجدان‪...‬‬


‫ويبقى ّ‬

‫‪95‬‬
‫يقدم الطعام لأليتام بنفسه‬
‫كان ّ‬

‫وألفة واحتضان آلالم اآلخر‪،‬‬ ‫حب وعطاء ُ‬ ‫اإلنسانية بما تمثّل من ّ‬


‫ورقيه‪ ،‬ووصوله إلى أهدافه السامية‪ ،‬هي‬‫ّ‬ ‫لتقدمه‬
‫وتبن آلماله‪ ،‬وسعي ّ‬
‫ٍّ‬
‫إنسانيته إلى أفعال خير‬
‫ّ‬ ‫السيد فضل الله وترجم‬ ‫ما طبعت حياة ّ‬
‫والتقدم نحو‬
‫ّ‬ ‫تعود على األمة والمجتمع بالسعادة والهناء والطمأنينة‬
‫النجاحات واإلبداعات باستمرار‪..‬‬
‫﴿و َسا ِر ُعو ْا إِ َلى َمغْ ِف َر ٍة ِّمن‬
‫لذلك‪ ،‬فإنّه يستوحي من اآلية القرآنية َ‬
‫يشكل منهج ًا إسالمي ًا وإنساني ًا‪ ،‬فيقول‪:‬‬ ‫َّر ِّب ُك ْم﴾ [آل عمران‪ ]133 :‬ما ّ‬
‫«سارعوا إلى العمل كأفراد أو كجماعة‪ ،‬سارعوا إلى أن تحصلوا على‬
‫مغفرة الله في ما تعملون من أعمال صالحة‪ ،‬وفي ما ت َْد ُخلون فيه من‬
‫خالصة مخلصة في رضى‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫عالقات‬ ‫خيرة وفي ما تُنشئونه من‬
‫مشاريع ّ‬
‫الله»‪[ .‬الجمعة منبر ومحراب ‪ ،1988‬ص‪.]324‬‬
‫السيد َأ ْولى مسألة‬
‫ّ‬ ‫وكترجمة عملية لهذا الموقف اإلسالمي فإنَّ‬
‫تضم‬
‫ُّ‬ ‫المبرات التي‬
‫ّ‬ ‫وغير العادي‪ ،‬فأنشأ‬
‫َ‬ ‫األيتام االهتمام االستثنائي‬
‫اليوم آالف األيتام‪.‬‬
‫يحدث الرسام والفنان‬
‫الشخصي بهؤالء األيتام ّ‬
‫ّ‬ ‫السيد‬
‫وعن اهتمام ّ‬
‫مبرة اإلمام الخوئي { فيقول‪:‬‬
‫خريج ّ‬
‫األستاذ أمين قعيق ّ‬
‫لمبرة اإلمام الخوئي {‬ ‫السيد فضل الله‬
‫ّ‬ ‫«كانت زيارات ّ‬
‫‪96‬‬
‫المبرة يعرفون مسبق ًا بأنّ‬
‫ّ‬ ‫دائمة وباستمرار‪ ،‬فأحيان ًا كان المسؤولون في‬
‫المبرة‬
‫ّ‬ ‫يتوجه إلى‬ ‫قادم لزيارة األيتام‪ ،‬وأحيان ًا أخرى‪ ،‬كان ّ‬
‫السيد ّ‬ ‫السيد ٌ‬
‫ّ‬
‫من دون أن يعلموا بقدومه‪..‬‬
‫فاجأ‬
‫السيد من السيارة ُلي َ‬ ‫ٍ‬
‫وفي ليلة من ليالي الشتاء الباردة‪ ،‬ينزل ّ‬
‫السيد‬
‫ّ‬ ‫الموظفون هناك بقدومه‪ ،‬فيستقبله مسؤول الرعاية في حينه‬ ‫ّ‬
‫ّنواف الموسوي‪ ،‬النائب السابق في البرلمان اللبناني‪ ،‬وكان هذا في‬
‫األوضاع األمنية في بيروت على غير ما‬ ‫ُ‬ ‫الثمانينيات‪ ،‬حيث كانت‬
‫عدة‪ ،‬فما كان‬ ‫تعرض لمحاوالت اغتيال ّ‬ ‫السيد وقتها قد ّ‬
‫يرام‪ ،‬وكان ّ‬
‫السيد إال أن بادره‬ ‫السيد نواف الموسوي وحرص ًا على حياة ّ‬ ‫من ّ‬
‫سيىء وأنت في عين العاصفة‪ ،‬ومجيئك‬ ‫سيدنا‪ ،‬الوضع األمني ّ‬ ‫بالقول‪ّ :‬‬
‫السيد بصفاء قلبه‪ ،‬وهدوئه المعهود‬ ‫في هذه الساعة غير محمود‪ّ ..‬‬
‫بأم عينه‬ ‫أجابه بأنّه يس ّلم األمر لله تعالى وأنّه ٍ‬
‫آت ليتفقّد األيتام ليرى ِّ‬
‫مدى االهتمام والرعاية لهم‪ ،‬وهل ينامون مرتاحين من دون أن يشعروا‬
‫جو‬
‫الطرية كافية لخلق ّ‬
‫ّ‬ ‫تغطي أجسادهم‬ ‫بالبرد‪ ،‬وهل أنّ البطانيات التي ّ‬
‫من الدفء ألجسادهم أم ال؟ وهل أنّ البطانيات تبقى فوق أجسادهم أم‬
‫المستمرة من اليمين إلى الشمال وهم نائمون‪ ،‬ترمي هذه‬‫ّ‬ ‫أنّ حركتهم‬
‫البطانيات على األرض؟‬

‫السيد ّنواف الموسوي بأنّ الجميع ّ‬


‫سيدنا نائمون وال يعانون‬ ‫أجابه ّ‬
‫السيد‪ :‬ولكن أريد الدخول إلى غرف النوم‬
‫أي مشكلة في ذلك‪ ،‬قال له ّ‬ ‫ّ‬
‫نوعية البطانيات وهل نوعيتها وجودتها مطابقة للمواصفات‬
‫حتى أعرف ّ‬
‫في مثل هذه الليالي الباردة؟‬
‫يشعر‬ ‫السيد‬
‫ّ‬ ‫السيد فضل الله‬
‫ّ‬ ‫بهذه الروحية اإلنسانية كان‬

‫‪97‬‬
‫بمسؤوليته اإلسالمية تجاه هؤالء الذين فقدوا َم ْن ُيعيلهم‪»..‬‬
‫ّ‬
‫السيد كان يتفقّد األيتام‬
‫ّ‬ ‫ويكمل األستاذ أمين قعيق‪« :‬ما أذكره أنَّ‬
‫ويوجههم‬
‫ّ‬ ‫ويطلع على مستوياتهم الدراسية‪،‬‬ ‫في صفوفهم الدراسية‪ّ ،‬‬
‫باألبوة الحانية‬
‫ّ‬ ‫بكلماته التي تتناسب مع عقولهم ومشاعرهم‪ ،‬فيشعرون‬
‫تعوضهم َفقْدَ األب‪ ،‬وتزرع في نفوسهم األمل المشرق بمستقبل‬ ‫التي ّ‬
‫السيد أحيان ًا ـ وكما يقول‬
‫ُيزهر بالنجاح وتحقيق األماني واآلمال‪ ،‬وكان ّ‬
‫األستاذ قعيق ـ يدخل إلى قاعات الطعام في مبرة اإلمام الخوئي {‬
‫ّ‬
‫وكان يوزّ ع الطعام بنفسه على األيتام تأسي ًا بأمير المؤمنين علي ‪Q‬‬
‫ٍّ‬ ‫ّ‬
‫السيد في‬
‫ورغبة ّ‬ ‫ُ‬ ‫وهو القائل‪« :‬الل َه الل َه في األيتام فال يضيعوا بحضرتكم»‬
‫منطلقة من وعد الحبيب المصطفى ‪ P‬بأنّه وكافل اليتيم‬ ‫ٌ‬ ‫هذه الرعاية‬
‫الس َّبابة والوسطى من ك ّفه األيمن المبارك‪»..‬‬ ‫مع ًا في الج ّنة‪ ،‬وأشار إلى َ‬
‫المبرات أن يؤكّ د‬
‫السيد على الدوام في لقاءاته مع مسؤولي ّ‬‫وحرص ّ‬
‫يتيم منحرف‪،‬‬ ‫على مسألة غاية في األهمية‪ ،‬وهي أنّه ال ينبغي أن يوجد ٌ‬
‫يتيم غير متع ّلم‪ ،‬أو يتيم من دون رعاية واهتمام‪ ..‬وذلك ينتفي عندما‬
‫أو ٌ‬
‫نصب اهتمامنا في اتجاه رعاية وكفالة وحضانة وتعليم هذا اليتيم إن‬‫ّ‬
‫مسؤوليتنا أمام الله جميع ًا‪ ،‬فإذا‬
‫ّ‬ ‫المبرة‪ ..‬وهذه‬
‫ّ‬ ‫كان في أسرته أو في‬
‫تنكرنا لهذه المسؤولية‪ ،‬فإنّ الفوضى واالنحراف والعبث والضياع‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ذلك ك ُّله سيمسك بمفاصل المجتمع حتى ّ‬
‫يدمرها‪...‬‬
‫السيد أن نزرع الفرح في قلوب هؤالء‬ ‫ومسؤوليتنا كما كان يرى ّ‬
‫يمتد ليكون حال ًة‬
‫شخصية‪ ،‬بل إنّه ّ‬
‫ّ‬ ‫مجرد حالة انفعال‬
‫و«الفرح ليس ّ‬
‫قلب اإلنسان ويضحك فيها عقله وشعوره وحياته‪،‬‬ ‫إنساني ًة‪ ،‬ينفتح فيها ُ‬
‫يمسح دمع ًة وعندما يستطيع أن يؤكّ د‬
‫َ‬ ‫عندما يستطيع أن ّ‬
‫يحل مشكلة أو‬

‫‪98‬‬
‫يتحمل مسؤولية‪..‬‬
‫ّ‬ ‫حريته وأن‬
‫ّ‬
‫إنّ الشمس تعيش الفرح ألنّها تعطي النور للحياة ك ّلها‪ ،‬وأنت إذا‬
‫لكل الناس الذين يحتاجون إليها‪ ،‬فأنت كالشمس‬ ‫َ‬
‫طاقتك ّ‬ ‫أعطيت‬
‫َ‬
‫ت ّتصل بنفس عملك‪ ..‬عملك يبتسم لك وللناس من حولك‪..‬‬
‫ولكن البسمة هي ما‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫البسمة فقط ما ينطلق على شفتيك‪،‬‬ ‫ليست‬
‫جيد ًا‪،‬‬
‫كل نشاطك وعملك‪ ،‬لهذا حاول أن تفهم إنسانيتك ّ‬ ‫يتحرك في ِّ‬
‫ّ‬
‫لنحاول جميع ًا‪ ،‬أنا وأنتم واآلخرون‪»..‬‬

‫السيد في العقل والقلب والوجدان‪..‬‬


‫ويبقى ّ‬

‫‪99‬‬
‫ِ‬
‫ساع ْدهم‪ ..‬ففي ذلك األجر عظيم‬

‫السيد فضل الله يؤمن أنّ إقامة المؤسسات الخيرية ومراكز‬ ‫كان ّ‬
‫صحية) هي‬ ‫ّ‬ ‫مبرات‪ ،‬مراكز‬‫العبادة (حسينيات‪ ،‬مساجد‪ ،‬مدارس‪ّ ،‬‬
‫الطريق األسلم إلى الغايات المنشودة من خالل بناء اإلنسان وبالتالي‬
‫أي جهة دينية‬ ‫كل مؤسسة تقوم على ِ‬
‫يد ّ‬ ‫بناء المجتمع‪ ،‬فكان يعتبر أنَّ ّ‬
‫ُ‬
‫تشرد‬
‫أو اجتماعية هي عنوان من عناوين الخير‪ ،‬ألنّها تساعد في منع ّ‬
‫المؤسسات‬
‫ّ‬ ‫األيتام والمحتاجين وذوي الحاجات الخاصة كون هذه‬
‫تلبي حاجة هؤالء في العلم والرعاية وتركيز األخالق واآلداب في‬ ‫ّ‬
‫النفوس وفي منع عوامل االنحراف والفساد في المجتمع‪..‬‬
‫يشجع‬
‫السيد في مسألة دعم هذه المؤسسات الخيرية بالمال‪ّ ،‬‬ ‫وكان ّ‬
‫الخيرية‬
‫ّ‬ ‫المبرات‬ ‫ّ‬ ‫جمعية‬
‫ّ‬ ‫لمؤسساته من خالل‬‫ّ‬ ‫على ذلك إن كان الدعم‬
‫جمعيات أخرى‪ ،‬وكانت‬ ‫ّ‬ ‫للمؤسسات األخرى التي ترعاها‬‫ّ‬ ‫أو الدعم‬
‫الجمعيات‬
‫ّ‬ ‫السيد في تسابق‬ ‫محل الشاهد دوم ًا عند ّ‬‫ّ‬ ‫القرآنية اآلتية‬
‫ّ‬ ‫اآلية‬
‫س ا ْل ُم َت َن ِاف ُسونَ ﴾‬
‫﴿و ِفي َذلِ َك َف ْل َي َت َنا َف ِ‬
‫لعمل الخير‪ ،‬وهي قوله تعالى‪َ :‬‬
‫[المطففين‪.]26 :‬‬
‫يحدثني الحاج علي بيضون ‪ M‬أنّه بعد أن‬ ‫وفي هذا المجال ّ‬
‫الجنوبي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫مبرة اإلمام الخوئي في الدوحة عند مدخل بيروت‬
‫اكتمل بناء ّ‬
‫مبرة لأليتام في جنوب لبنان‪ ،‬وكان‬
‫خيرية بفكرة إنشاء ّ‬
‫ّ‬ ‫جمعية‬
‫ّ‬ ‫قامت‬

‫‪100‬‬
‫يشرف على الفكرة أحد العلماء الذين لم يكونوا على عالقة و ّدية‬
‫مبرة لأليتام في الجنوب‪،‬‬
‫السيد‪ ..‬فقامت الجهة التي تنوي إنشاء ّ‬ ‫مع ّ‬
‫وطلبت المساعدة من الحاج بيضون‪ ،‬الذي ا ّتصل على الفور بسماحة‬
‫السيد الذي كانت تربطه به الثقة الدينية العالية يريد أن يأخذ اإلذن‬‫ّ‬
‫الشرعي بذلك؛ كان الحاج علي بيضون يتو ّقع أن يكون ر ّد ّ‬
‫السيد‬ ‫ّ‬
‫وحبه‬
‫السيد‪ ،‬بتسامحه‪ ،‬وانفتاحه‪ّ ،‬‬
‫ولكن ّ‬‫ّ‬ ‫توهم خاص لديه‪،‬‬‫سلبي ًا نتيجة ّ‬
‫للخير‪ ،‬وإيمانه الدائم بأنّ هذه المشاريع هي لخدمة الناس‪ ،‬بعيد ًا عن‬
‫ربهم وتبقى هذه‬ ‫الجهة التي تديرها‪ ،‬وإنَّ َمن يقومون بها يرحلون إلى ّ‬
‫المؤسسات عنوان ًا من عناوين المعروف واإلحسان‪ ،‬ولذا‪ ،‬قال ّ‬
‫السيد‬
‫للحاج بيضون‪« ،‬ساعدهم ففي ذلك األجر العظيم لك»‪..‬‬
‫يهتم بأمور المسلمين‬
‫السيد بالحديث الشريف‪َ « :‬من لم ّ‬ ‫يستشهد ّ‬
‫ال تخضعها‬ ‫فليس بمسلم» ويقول‪« :‬اهتماماتُك يريد الله منك أ ّ‬
‫كل موقع من‬‫بد لك من أن تتفاعل نفسي ًا مع ّ‬ ‫وألنانيتك فال ّ‬
‫ّ‬ ‫النفعاالتك‬
‫هم‬‫بد من أن تحمل في فكرك وفي وعيك وفي إحساسك ّ‬ ‫المواقع‪ ،‬وال ّ‬
‫تفكر معهم‪ّ ،‬‬
‫وتفكر‬ ‫المسلمين جميع ًا‪ ،‬وأن تالحق قضاياهم ك ّلها‪ ،‬وأن ّ‬
‫بكل ما عندك من‬‫تخطط في نفسك كيف تستطيع أن تنصرهم ّ‬ ‫لهم‪ ،‬وأن ّ‬
‫جزء‬
‫بد أن يشعر بأنّه ٌ‬‫إمكانات النصر في الحياة‪ ،‬ألنّ اإلنسان المسلم ال ّ‬
‫من ّأمة»‪[ .‬الجمعة منبر ومحراب‪ ،1988 ،‬ص‪.]42‬‬
‫دائم ًا على أن ال يضمر في قلبه حقد ًا‬ ‫السيد فضل الله‬
‫حرص ّ‬
‫على أحد‪ ،‬ولطالما كان ير ّدد‪« :‬لن أكون حجر عثرة في طريق مؤمن إلى‬
‫الج ّنة‪ »..‬كان يتم ّنى الخير للناس ك ّلهم‪ ،‬والتوفيق للعاملين ك ّلهم في‬
‫مجال رعاية الناس المستضعفين والفقراء والمحتاجين‪..‬‬

‫‪101‬‬
‫السيد يوصي بتج ّنب األحقاد‪ ،‬فيقول‪« :‬في هذا‬ ‫ومن هنا‪ ،‬كان ّ‬
‫تتحرك‬‫ّ‬ ‫نطل على واقعنا ك ّله الذي نريده أن يكون واقع ًا‬
‫بد أن ّ‬ ‫الجو ال ّ‬
‫ّ‬
‫نفكر في‬ ‫نفكر مادي ًا‪ ،‬وأن ّ‬
‫نفكر روحي ًا كما ّ‬‫فيه الروحانية التي تجعلنا ّ‬
‫فلعل بعض مشاكلنا أنَّ‬ ‫ّ‬ ‫نفكر في حسابات الناس‪،‬‬ ‫حسابات الله كما ّ‬
‫تفكيرنا ك ّله يستغرق في النظر إلى حساباتنا المادية وال يستغرق في‬
‫فكرنا ونحن نتنازع ونختلف ونتقاتل‬ ‫النظر إلى حساباتنا الروحية‪ ،‬هل ّ‬
‫كل إنسان كيف‬ ‫فكرنا كيف يكون موقفنا أمام الله‪ ،‬أم ّ‬
‫فكر ّ‬ ‫ونتحاقد‪ ،‬هل ّ‬
‫يكون موقفه من هذا اإلنسان أو ذاك؟ لماذا نستغرق فيمن نعبدهم‬
‫من دون الله وهم ال يستطيعون أن ينصرونا‪ ،‬ولماذا ال ّ‬
‫نفكر بالله‪ ،‬إنّ‬
‫حسابات الدنيا البعيدة عن اآلخرة تموت في الدنيا‪ ،‬أين األغنياء الذين‬
‫تمأل دفاترهم ُدور ًا وأماكن واسعة‪ ،‬أين ذهبت تلك الدفاتر ك ّلها؟ هل‬
‫أخذوها معهم ومع نتائجها إلى قبورهم‪ ،‬نتائجها اإليجابية ونتائجها‬
‫السلبية‪ ،‬أين الملوك ك ّلهم والطغاة ك ّلهم والجبابرة ك ّلهم وهؤالء ك ّلهم‬
‫كل ما عندهم؟ تركوه‬ ‫الذين َطغَ ْوا في البالد وأكثروا فيها الفساد‪ ،‬أين ّ‬
‫وراءهم واستقبلوا الله بنتائج الحسابات ك ّلها‪[ .‬الجمعة منبر ومحراب‪،‬‬
‫‪ ،1988‬ص‪]193‬‬

‫السيد في العقل والقلب والوجدان‪..‬‬


‫ويبقى ّ‬

‫‪102‬‬
‫وأفاع‬
‫ٍ‬ ‫بأن هذا المال عقارب‬
‫أشعر ّ‬
‫صرف في وجهته الشرعية‬
‫إن لم ُي َ‬

‫«سيدنا‪ ،‬أنا وصديقي‪ُّ ،‬‬


‫كل واحد م ّنا بحاجة أللف وخمسماية ليرة‬
‫السبعينيات وكان مبلغ‬
‫ّ‬ ‫ونتزوج»‪ ...‬كان هذا في‬
‫ّ‬ ‫لنكمل نصف ديننا‬
‫عدة من الدوالرات‪.‬‬
‫األلف والخمسماية ليرة لبنانية يعادل آالف ّ‬
‫محمد دقدوق‪ ،‬قال‪ :‬قصدت‬‫ّ‬ ‫حدثني به الصديق الحاج‬
‫هذا ما ّ‬
‫السيد بهدف أن يعطينا المبلغ‬
‫أنا والمرحوم حسين دوالني منزل ّ‬
‫لنكمل تجهيزات ومستلزمات الزواج‪.‬‬
‫السيد ال يعرفنا‪ ،‬وهو وإن رآنا‬
‫جلسنا بين يديه وطلبنا منه المبلغ‪ّ ...‬‬
‫ٍ‬
‫لثوان‬ ‫السيد‬
‫في المسجد أو في المحاضرة ال ينتبه لحضورنا‪ ..‬أطرق ّ‬
‫يتفحص وجوهنا‪ ،‬وبعد برهة من الصمت‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫قليلة‪ ،‬ثم نظر إلينا ّ‬
‫مال ألعطيكما‪ ،‬وأنا آسف لذلك‪ ،‬ولكن عندي‬ ‫لدي ٌ‬‫ـ «ليس ّ‬
‫أمانات مالية لبعض األشخاص يضعونها عندي ويجيزون لِ َي‬
‫يستحق أن يستدينها ثم ُيعيدها‪ ،‬فإذا‬
‫ّ‬ ‫التصر َف بها لمن أرى أنّه‬
‫ّ‬
‫وافقتما فأنا حاضر إلعطائكما المبلغ‪»..‬‬
‫تعه ٍد أو حضو ِر‬
‫على الفور وافقنا‪َ ،‬س َّلمنا المبلغ‪ ،‬ومن دون كتابة ّ‬
‫يتم عاد ًة في مثل هذه األمور‪ ،‬وخرجنا من عنده‪ ..‬لحق بنا‬‫شهود‪ ،‬أو ما ُّ‬

‫‪103‬‬
‫شاب يبدو أنّه من العاملين معه‪ ،‬وقال لنا‪« :‬هنيئ ًا لكما‪ ،‬لقد قال عنكما‬
‫السيد الذي‬
‫ظن ّ‬ ‫السيد بأنّكما من «األوادم»‪ ،‬وك ّنا بحمد الله عند حسن ّ‬ ‫ّ‬
‫يؤجل‬
‫ال محتاجان للمال‪ ،‬وقد كان باستطاعته أن ّ‬ ‫أدرك بحدسه أنّنا فع ً‬
‫وضعيتنا وأمانتنا وما إلى ذلك‬
‫ّ‬ ‫دفع المال ليوم آخر‪ ،‬حتى يستفسر عن‬
‫ولك ّنه لم يفعل‪»..‬‬
‫أحد‬
‫حرص شديد‪ ،‬وما رواه لي ُ‬ ‫ٌ‬ ‫للسيد في موضوع المال‬ ‫ّ‬ ‫وكان‬
‫السيد‬
‫ّ‬ ‫معاونيه وهو األخ الشيخ حسن بشير‪ ،‬أنّه عندما كان يستلم‬
‫الحقوق الشرعية من بعض المؤمنين‪ ،‬وأثناء استالمه المال‪ ،‬وكتابة‬
‫قوة إال بالله»‬
‫مرة يقول‪« :‬ال حول وال ّ‬‫السيد لغير ّ‬
‫اإليصال بذلك‪ ،‬كان ّ‬
‫السيد وال أع ّلق‪..‬‬
‫الله ونعم الوكيل» كنت أستمع لما يقوله ّ‬ ‫و«حسبي ُ‬
‫َ‬
‫المرات‪ ،‬وبعد أن كتب إشعار ًا باستالم مال أحد المؤمنين‪،‬‬
‫مرة من ّ‬ ‫في ّ‬
‫ور ِّدد الذكر المعهود‪ ،‬هنا سألته‪:‬‬
‫سيدنا عندما تستلم المال‪ ،‬ما ر ّددتَه اآلن؟‬
‫ـ لماذا ّتردد ّ‬
‫أجابني بالقول‪:‬‬
‫ٌ‬
‫ووحوش مفترسة‬ ‫عقارب‪ ،‬وأفا ٍع‬
‫ُ‬ ‫ـ «أشعر بأنّ هذا المال‬
‫صرف هذا المال في ُوجهته الشرعية‪ .‬هؤالء‬ ‫تطوقني‪ ،‬إن لم ُي َ‬
‫ّ‬
‫الناس يثقون بي ويدفعون أموالهم الشرعية لمساندة مؤسساتنا‬
‫ال يذهب هذا المال في‬ ‫وفقرائنا وأيتامنا‪ ،‬ولكن ما أخشاه أ ّ‬
‫االتجاه الصحيح‪ »...‬لذا‪ ،‬كان دائم ًا يراقب ويد ّقق رغم ثقته‬
‫ويوجه ويحرص على التذكير بضرورة مراعاة‬ ‫ّ‬ ‫بالعاملين معه‪،‬‬
‫السيد‬
‫الشرعية في صرف هذا المال‪ .‬لذلك‪ ،‬لم يكن ّ‬ ‫ّ‬ ‫القواعد‬

‫‪104‬‬
‫أشد الحرص على‬
‫َيصرف المال كيفما ا ّتفق‪ ،‬بل كان َيحرص ّ‬
‫صرف‪»...‬‬
‫صرفه في المكان الذي يجب فيه أن ُي َ‬
‫السيد بأنّ المك ّلف بجمع األخماس والزكوات‬
‫ويحدثني أحد أبناء ّ‬
‫ّ‬
‫أرسل شخص ًا إلى ّ‬
‫السيد‬ ‫والصدقات عند أحد المراجع الكبار ‪M‬‬
‫َّ‬
‫مستعد بأن يذهب إلى المفاتيح‬
‫ٌّ‬ ‫بأنّه أي (المك ّلف بجمع الخمس)‬
‫ال وفير ًا من الخمس والصدقات‪ ،‬ولكن بشرط‬‫للسيد ما ً‬
‫المالية ويجلب ّ‬
‫السيد بالرفض‪ ..‬قائ ً‬
‫ال‪ :‬المال‬ ‫أن يأخذ من هذا المال نسبة ‪ ..%15‬أجاب ّ‬
‫الشرعي ليس عليه «كومسيون»‪..‬‬
‫سيدنا ال يوجد كيمياء‬ ‫شخصي ًا ّ‬
‫مرة‪ ،‬لماذا ّ‬ ‫ّ‬ ‫وفي هذا المجال سألته أنا‬
‫بينك وبين بعض طلبة العلم ـ المشايخ ـ؟‬
‫ال‪ ،‬ولكن قبل‬ ‫المعمم يريد ما ً‬‫َّ‬ ‫السيد‪ ،‬وقال‪« :‬اسمع‪ ..‬يأتيني‬
‫ابتسم ّ‬
‫ذلك أطلب منه كشف ًا بعمله وتبليغه وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر‪،‬‬
‫ٍ‬
‫بعمل تبليغي‬ ‫وكم جلس ًة ودرس ًا يعقدهما خالل األسبوع‪ ،‬أو أنّني ُأك ّلفه‬
‫يحدد له حاجاته بالقدر الذي يستغني فيه عن‬ ‫معين‪ ،‬والمكتب عندنا ّ‬ ‫ّ‬
‫السيد ـ قصدني أحد‬ ‫ً‬
‫الناس إذا ما قام بواجباته كامال‪ ..‬أذكر ـ يتابع ّ‬
‫ال‪ ،‬أبديت استعدادي لدفع المال له‪ ،‬ولكن بشرط‬ ‫طلبة العلم يريد ما ً‬
‫أن يستلم مسؤولية التبليغ في إحدى قرى بعلبك ويكون إمام ًا للمسجد‬
‫جد ًا في الشتاء‪ ..‬وعدته‬ ‫أكفهر وجهه‪ ،‬وقال‪ :‬منطقة بعلبك باردة ّ‬‫ّ‬ ‫فيها‪..‬‬
‫بأن أوفّر له وسائل التدفئة ك ّلها ‪ ..‬قال لي‪ :‬ولكن ال يوجد مستوى‬
‫تعليمي مقبول في مدرسة هذه القرية وأنا أريد ألوالدي أن يتلقَّوا تعليم ًا‬
‫يسجل‬‫جيد ًا‪ ،‬حاولت أن أخ ّفف من ضغوط هواجسه عليه‪َ ،‬و َع ْدتُه بأن ّ‬ ‫ّ‬
‫ونؤمن لهم النقليات وعليه أن‬ ‫أوالده في إحدى مدارس مدينة بعلبك‪ّ ،‬‬
‫‪105‬‬
‫يطمئن من هذه الناحية‪ ..‬عندها ُأسقط في يده‪ ،‬قال لي‪ ،‬بأنّ عائلته (أي‬
‫اقترحت عليه‬
‫ُ‬ ‫زوجته) قد ال ترضى بالذهاب إلى البقاع والعيش هناك‪..‬‬
‫ِ‬
‫قنعها بذلك‪ ..‬ذهب هذا الطالب‬ ‫أن يذهب ويأتي بعائلته (زوجته) وأنا ُأ ُ‬
‫(الشيخ) ولم َي ُعد‪..‬‬
‫بد أن أذكر بأنّه في إحدى سنوات الحرب في‬ ‫وفي هذا المجال ال َّ‬
‫السيد يقيم المجلس العاشورائي في مسجد اإلمام الرضا‬ ‫لبنان‪ ،‬وكان ّ‬
‫‪ Q‬في بئر العبد‪ ،‬وصدف أنَّ الخطيب الحسيني الذي كان يتلو‬
‫محرم (مجلس المصرع‬ ‫تغيب عن مجلس العاشر من ّ‬ ‫كل ليلة‪ّ ،‬‬‫السيرة َّ‬
‫السيد بذلك وآالف الناس‬ ‫ّ‬ ‫الحسيني) لسبب من األسباب‪ ..‬عرف‬
‫في المسجد والشوارع المحيطة به تنتظر أن تستمع لقراءة المصرع‪،‬‬
‫السيد أبو جهاد بدر الدين إلى‬
‫السيد إال أن أرسل األخ ّ‬ ‫فما كان من ّ‬
‫الشيخ فالن طالب ًا منه المجيء لقراءة المصرع‪ ،‬أخبرني أبو جهاد الحق ًا‬
‫بأنّه ذهب إلى ذلك الشيخ وناداه من أسفل البناية‪ ،‬ألنّه ال يوجد في‬
‫البناية مصعد كهربائي وال كهرباء من األساس وكان ذلك أثناء الحرب‬
‫يرتدي‬‫َ‬ ‫طلبت منه أن‬
‫ُ‬ ‫األهلية في لبنان‪َّ ..‬‬
‫أطل هذا الشيخ من الشرفة‪،‬‬
‫بكل‬‫ثيابه وينزل بسرعة ألنَّ الحشود الحسينية تنتظر قراءة المصرع‪ِّ ..‬‬
‫للسيد بأنّني أريد‬
‫استخفاف وعدم اكتراث‪ ،‬قال هذا الشيخ‪ :‬اذهب وقل ّ‬
‫للسيد‬ ‫عدت ّ‬
‫ُ‬ ‫شقة للسكن لقاء تالوة المصرع‪ ..‬يقول األخ أبو جهاد‪:‬‬
‫السيد لمن حوله‪« :‬لنا نصيب نحصل على‬ ‫وأخبرته بما جرى معي‪ ،‬قال ّ‬
‫السيد الكتاب‪ ،‬وصعد إلى‬
‫الثواب» أين كتاب المصرع؟ بسرعة أخذ ّ‬
‫المنبر؟ وقرأ المصرع الحسيني من بدايته حتى نهايته‪..‬‬
‫وفي موضوع المال أيض ًا أذكر أنَّنا خالل سنوات عديدة‪ ،‬كان لنا‬

‫‪106‬‬
‫الحج‪ ..‬ومن المعروف أنَّ طالب العلم‬ ‫ّ‬ ‫السيد في بعثته إلى‬
‫شرف مرافقة ّ‬
‫الحج ويس ّلمون على رؤوسائها‪ ،‬فيبادر‬ ‫ّ‬ ‫يزورون بعثات المراجع في‬
‫معمم كهدية من بعثة المرجع‪..‬‬ ‫لكل ّ‬ ‫معين ًا ِّ‬
‫هؤالء إلى تسليمهم مبلغ ًا ّ‬
‫تغص بالزوار‪ ،‬كان من بينهم بعض طالب العلم‪،‬‬ ‫السيد ُّ‬
‫ولما كانت بعثة ّ‬
‫ولألمانة هؤالء ال يطلبون الهدية المالية‪ ،‬ولكن أفراد البعثة وخصوص ًا‬
‫من أهل الفضل والعلم يعرفون أنَّ زيارة بعض هؤالء قد تكون بهذه‬
‫الغاية‪ ،‬ما أذكره أنَّ اثنين من علماء البعثة وأعضائها‪ ،‬دخال على ّ‬
‫السيد‪،‬‬
‫يعطي هدي ًة مالية ولو رمزية للذين يزورون‬ ‫َ‬ ‫وأشارا عليه بضرورة أن‬
‫عطي قرش ًا واحد ًا‪ ،‬ولماذا‬ ‫ُ‬
‫السيد‪ ..‬لن أ َ‬ ‫المعممين‪ ..‬يجيبهم ّ‬ ‫ّ‬ ‫البعثة من‬
‫الحج ألنّه لم تتوفّر‬
‫ّ‬ ‫فالمستحق ال يأتي إلى‬
‫ّ‬ ‫ُأعطي؟ فإذا كانوا مستحقّين‪،‬‬
‫الحج‪ ..‬إضاف ًة إلى ذلك‪ ،‬ماذا أجيب الله فيما لو أعطيت‬ ‫ّ‬ ‫مؤونة‬
‫عنده ُ‬
‫المستحق‪..‬‬
‫ّ‬ ‫غير‬

‫السيد في العقل والقلب والوجدان‪....‬‬


‫ويبقى ّ‬

‫‪107‬‬
‫السيد بنفسه يطلب لي يدَ خطيبتي‬
‫ّ‬

‫السيد فضل الله يستقطب الشباب من خالل أخالقه العالية‬ ‫كان ّ‬


‫وتوجيهاته الرسالية‪ ،‬ما جعلهم يقصدونه كما يقصد الولد والده من‬
‫يلب َي‬
‫عما يمكن لهذا األب أن ّ‬
‫أي حواجز تمنعهم ّ‬ ‫دون أن تكون هناك ّ‬
‫السيد الكثير من الذين صاروا طليعة‬
‫ربى عليه ّ‬ ‫طلبات أبنائه‪ ..‬وهذا ما ّ‬
‫الرسالي في الكثير من بلدان العالم‪..‬‬
‫ّ‬ ‫العمل‬
‫ولتبيان ذلك استعرض حادثة واحدة تد ّلل على ما نقوله‪:‬‬
‫حدثنا الصديق العزيز أبو يعقوب دقماق‪ ،‬أنّه عندما كان في العشرين‬
‫ّ‬
‫يكون أسرةً‪ ،‬فاختار فتا ًة مؤمنة وجد فيها الصالح‬
‫من عمره‪ ،‬أراد أن ّ‬
‫مسافر خارج‬
‫ٌ‬ ‫يتقدم لطلب يدها‪ ،‬وأبوه‬
‫والعفاف‪ ..‬ولكن من أين له أن ّ‬
‫أساسي في‬
‫ّ‬ ‫لبنان‪ ،‬ونعرف أنّ وجود األب عادة في طلب يد الفتاة ٌ‬
‫أمر‬
‫أمر غير متوفّر‪ ،‬فما كان من األخ أبي يعقوب‬
‫األعراف والتقاليد‪ ،‬وهذا ٌ‬
‫الذي واظب على الصالة خلف السيد‪ ،‬في مسجد اإلمام الرضا ‪Q‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫في بئر العبد وعلى حضور المحاضرات والمواعظ‪ ،‬ودفعه ذلك ألن‬
‫السيد ليخبره فيما‬
‫السيد فضل الله‪ ،‬إال أن قصد ّ‬‫ي ّتخذ أب ًا روحي ًا هو ّ‬
‫سيقدم عليه وبأنّ أباه مسافر‪ ،‬وليس عنده من يطلب يد خطيبته‪ ..‬على‬ ‫ُ‬
‫ّ‬
‫ليستدل على‬ ‫السيد أحدَ معاونيه‪ ،‬وطلب منه أن يذهب‬
‫الفور استدعى ّ‬
‫منزل الخطيبة‪ ..‬وهنا اعترت الدهشة والذهول األخ أبا يعقوب‪ ،‬ومعنى‬

‫‪108‬‬
‫السيد من مساعده ذلك‪ ،‬أنّه سيذهب هو بنفسه ليطلب يدَ خطيبته‪،‬‬
‫طلب ّ‬
‫وحل مشاكل الناس وإلقاء المحاضرات‬ ‫ّ‬ ‫مثقل بالمشاغل‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫والسيد‬
‫ّ‬
‫أحسب ـ هكذا يقول‬
‫ُ‬ ‫يومي ًا للمسجد إلى الصالة‪ُ ...‬‬
‫كنت‬ ‫والحضور ّ‬
‫سيك ّلف أحد ًا من مشايخ مكتبه ليرافقني‬
‫ُ‬ ‫األخ أبو يعقوب ـ أنّ ّ‬
‫السيد‬
‫يأتي ُ‬
‫أهل خطيبتي إليه ولعقد‬ ‫ِ‬
‫إلى جلسة الخطبة‪ ،‬أو أنّه سيطلب م ّني أن َ‬
‫ِ‬
‫القران‪..‬‬
‫السيد بنفسه إلى منزل أهل خطيبتي‪،‬‬ ‫المحدد‪ ،‬جاء ّ‬
‫ّ‬ ‫في الموعد‬
‫طلب يدها منهم لي مع تأكيده على ثقته بي‪ ،‬وبأنّي ٌ‬
‫أهل ألن أكون‬
‫َخبِرني أنا ومجموعة من الشباب‪،‬‬ ‫زوج ًا صالح ًا البنتهم‪ ،‬ألنّ ّ‬
‫السيد‬
‫شخصياتنا‬
‫ّ‬ ‫وأوالنا ثقته‪ ،‬ألنّنا نهلنا من معين اإلسالم على يديه‪ ،‬وبنى لنا‬
‫بخط أئمة أهل البيت ‪ R‬في التقوى‬ ‫نتمسك ّ‬‫اإلسالمية‪ ،‬وجعلنا ّ‬
‫والحب في الله‪..‬‬
‫ّ‬ ‫والورع واالستقامة والصالح‬

‫رغم ُك ْبرها لم تسعني الدنيا في تلك الليلة‪ّ ،‬‬


‫السيد فضل الله نفسه‪،‬‬
‫يطلب لي يد خطيبتي للزواج‪ ،‬وهو نفسه يجري عقدَ ِقراني‪ ،‬ويرفع‬
‫يديه بالدعاء لي ولزوجتي بالتوفيق والنجاح‪ ،‬وبناء أسرة مسلمة تبني‬
‫وجودها على رضى الله سبحانه وتعالى‪ ،‬وينصحنا بأن نكون على‬
‫مستوى المسؤولية‪ ،‬يخاطبني بالقول‪ :‬إنّها ـ أي زوجتي ـ أمانة الله‬
‫ِ‬
‫عندك‪ ،‬فاحفظا األمانة‪ ،‬واعمال‬ ‫عندك‪ ،‬ويخاطبها بالقول‪ :‬إنّه أمانة الله‬
‫بما يرضي الله‪..‬‬
‫ٍ‬
‫بنصيحة إسالمية حقّقت لنا أمانينا ببناء أسرة‬ ‫السيد‪،‬‬
‫وعملنا بنصيحة ّ‬
‫مسلمة صالحة بإذن الله‪..‬‬

‫‪109‬‬
‫نموذج عاش الرسالة فكر ًا وتطبيق ًا عملي ًا‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫السيد فضل الله ‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ولذلك كان يؤكّ د على صفات الداعية اإلسالمي بقوله‪:‬‬
‫ال‪ ...‬إنّك مهما امتلكت‬ ‫«كن عالم ًا‪ُ ،‬كن زاهد ًا‪ُ ،‬كن ُشجاع ًا‪ُ ،‬كن َب َط ً‬
‫ُ‬
‫الصفات وكنت بدون أخالق‪ ،‬فستعجز عن أن تَفتح الحياة‬ ‫من هذه ّ‬
‫الم ِه ّم‬
‫لنفسك‪ ،‬ألنّك تفتح الحياة بمقدار ما تفتح قلوب ال ّناس عليك‪ُ .‬‬
‫والعنف َموقف اإلنسان‪،‬‬ ‫بالقوة ُ‬ ‫أن تربح قلب اإلنسان‪ ...‬إنّك قد تربح ّ‬
‫ولك ّنك إذا لم تربح قلبه‪ ،‬ولم تربح قناعته‪ ،‬فإنّك ستفقده‪ ..‬افتح قلبك‬
‫وأحبه حتى تتعاون معه وافتح قلبك لغير المؤمن حتى تستعين‬ ‫ّ‬ ‫للمؤمن‬
‫بذلك على هدايته إلى الطريق‪ ،‬ألنّ أقرب طريق إلى عقول الناس هو‬
‫أن تربح قلوبهم‪..‬‬
‫يحبونك‪ ،‬وإذا كان أسلوبك جا ّف ًا معهم‪ ،‬وإذا كنت‬
‫إذا كان الناس ال ّ‬
‫ال تعرف االبتسامة عندما تلتقي بهم‪ ،‬تعاشرهم بوجه عبوس وطبع حا ّد‬
‫سيىء‪ ،‬فكيف يمكن لك أن تطمع بأنّ الناس سيقتنعون بما‬ ‫ومزاج ّ‬
‫تقول‪..‬؟‬
‫افتح قلبك له ـ لإلنسان ـ وليكن في عينيك لمعان المحبة حتى‬
‫قلوب الناس‪ ،‬فإذا اجتذبت قلوب الناس بأخالقك‪،‬‬
‫َ‬ ‫تستطيع أن تجتذب‬
‫فإنّك تستطيع أن تجتذب عقولهم بمنطقك‪ ..‬ولهذا كان رسول الله‬
‫‪ P‬هو المبتسم الدائم‪ ،‬كانت بسمته تسبق كلماته‪ ،‬وتُشرق في عقول‬
‫الناس‪ ،‬وعندما نفذت بسمته إلى قلوبهم‪ ،‬نفذت كلمته إلى عقولهم»‪.‬‬
‫[الجمعة منبر ومحراب‪ ،‬ص‪]520‬‬
‫السيد في العقل والقلب والوجدان‪..‬‬
‫ويبقى ّ‬

‫‪110‬‬
‫للسيد َد ْي ٌن في عنقي إلى يوم القيامة‬
‫ّ‬

‫السيد فضل الله طيل َة حياته فكرة الخير‪ّ ،‬‬


‫وطبقها على‬ ‫عاش ّ‬
‫ومؤسسات كثيرة‬
‫ّ‬ ‫خيرية‬
‫ّ‬ ‫أرض الواقع‪ ،‬من خالل ما أقامه من مشاريع‬
‫يشجع‬
‫تقدم الخير للفقراء والمعوزين والمرضى واأليتام‪ ،‬وهذا ما كان ّ‬
‫ّ‬
‫عليه طوال حياته‪..‬‬
‫وفيما أذكره أنّنا بعد أن افتتحنا المكتبة العامة التي أسميناها باسمه‬
‫من دون أن نستشيره في هذا األمر‪ ،‬أو َ‬
‫نأخذ اإلذن منه‪ ،‬خشية أن يرفض‬
‫السيد‪،‬‬
‫تسمية المكتبة باسمه‪ ،‬ألنّنا ك ّنا نعرف عمقَ التواضع الذي يعيشه ّ‬
‫الشخصانية التي تجعل الشخص‬
‫ّ‬ ‫ونعرف كم كان حا ّد ًا في حديثه عن‬
‫فوق ّ‬
‫كل اعتبار‪..‬‬
‫المهم‪ ،‬بعد أن افتتحنا المكتبة ووجدنا اإلقبال الكبير عليها‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كونها من كبريات المكتبات في لبنان ل َتو ُّفر العدد الهائل من الكتب‬
‫في المعارف والعلوم ش ّتى‪ ،‬إضافة إلى الترتيب والتنظيم اللذين هما‬
‫َ‬
‫نفرض على المستفيدين‬ ‫رأيت أن‬ ‫ِعنوانان رئيسيان في عمل المكتبة‪ُ ،‬‬
‫ورواد المكتبة رسم ًا سنوي ًا رمزي ًا‪ ،‬وعندما أعل ّنا عن ذلك‪ ،‬وقبل البدء‬
‫ّ‬
‫يريدك‬ ‫السيد باألمر‪ ،‬فأرسل لي من يخبرني أنّ ّ‬
‫السيد ُ‬ ‫بالتنفيذ‪ ،‬عرف ّ‬
‫ألمر‪..‬‬
‫السيد الذي بادرني بالقول‪« :‬اترك الناس يستفيدوا من‬
‫جلست إلى ّ‬
‫ُ‬

‫‪111‬‬
‫بأي ٍ‬
‫بدل ما ّدي‪ ،‬فليست غايتنا من المكتبة غاي ًة‬ ‫المكتبة دون أن تثقلهم ِّ‬
‫تجارية‪»..‬‬
‫﴿و َسا ِر ُعو ْا‬
‫وفي هذا المجال كان وفي تفسيره لآلية المباركة‪َ :‬‬
‫إِ َلى َمغْ ِف َر ٍة ِّمن َّر ِّب ُك ْم﴾ [آل عمران‪ ]133 :‬سارعوا إلى العمل كأفراد أو‬
‫كجماعة‪ ،‬سارعوا إلى أن تحصلوا على مغفرة الله في ما تعملون من‬
‫خيرة‪ ..‬وفي ما تُنشئونه‬ ‫أعمال صالحة‪ ،‬وفي ما تَدخلون فيه من مشاريع ّ‬
‫مشروع خي ٍر‬
‫ُ‬ ‫من عالقات خالصة مخلصة في رضى الله‪ ..‬إذ كان هناك‬
‫ُ‬
‫موقف‬ ‫غيرك‪ ،‬وإذا كان هناك‬
‫تتري ْث بل سارع إليه حتى ال يأخذه ُ‬ ‫فال ّ‬
‫صدق فسارع إليه قبل أن يسبقك اآلخرون إليه‪ ،‬ألنّك عندما تحصل‬ ‫ٍ‬
‫ربك‪ ،‬فقد حصلت على الخير ك ّله والسعادة»‪[ .‬الجمعة‬
‫على مغفرة من ّ‬
‫منبر ومحراب‪ ،1988 ،‬ص‪]324‬‬
‫السيد فضل الله (رضوان الله‬ ‫ٍ‬
‫في سياق آخر‪ ،‬كان من المعروف عن ّ‬
‫وربطهم بالمسجد‪ ،‬حيث المسجد من خالل‬ ‫ُ‬ ‫عليه) احتضانُه للشباب‬
‫شخصي ًة إسالمية‬ ‫ِ‬
‫وتالوة الدعاء تبني‬ ‫ِ‬
‫وقراءة القرآن‬ ‫الخطب والمواعظ‬
‫ّ‬
‫حدثني‬‫واعية ورسالية‪ ،‬وهذا ما يؤكّ ده األخ الحاج وفيق وزني الذي ّ‬
‫يوم ًا قائ ً‬
‫ال‪:‬‬
‫فت إلى السيد في مسجد اإلمام الرضا ‪Q‬‬
‫«في بداية شبابي‪ ،‬تعر ُ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫في بئر العبد‪ ،‬في الضاحية الجنوبية‪ ،‬حينها كانت الحياة مفتوحة أمام‬
‫ال وتجار ًة وأسفار ًا‪ ،‬وفتحت لِ َي الدنيا‬
‫عيني على مصراعيها‪ ،‬عم ً‬
‫ّ‬
‫ذراعيها‪ ...‬وعندما تع ّلقت بالمسجد‪ ،‬والمسجد ليس أحجار ًا‪ ،‬بل‬
‫عرفني بهذا‬ ‫السيد في ُخطبه ومواعظه وتوجيهاته‪ّ ،‬‬
‫روح ّ‬‫المسجد هو ُ‬
‫فت روحي لمعرفة سيرة أئمة أهل البيت‬ ‫محمد ًا ‪ّ P‬‬
‫تله ْ‬ ‫عشقت ّ‬
‫ُ‬ ‫الدين‪،‬‬

‫‪112‬‬
‫‪ .R‬وما أ ّثر بي هو وفاؤه وإخالصه لإلسالم ألنّه أمسك بيدي ألن‬
‫أعيش الدنيا بحجمها الطبيعي دون أن أستغرق بها‪ ،‬أو أن أعيشها لهو ًا‬
‫للسيد َد ْين ًا في عنقي إلى يوم القيامة‪..‬‬
‫ّ‬ ‫وعبث ًا‪ ،‬ولهذا‪ ،‬فإنّ‬
‫السيد كان يحرص دوم ًا على تشجيع الشباب على‬
‫ّ‬ ‫ولذلك‪ ،‬فإنّ‬
‫المداومة على الحضور إلى المسجد‪ ،‬فيقول ‪:‬‬
‫«أن تعيش في المسجد‪ ،‬أن تُخلص بك ّلك لله‪ ،‬أن تُسقط اآلمال ك ّلها‬
‫كل شيء‪،‬‬ ‫بغير الله‪ ،‬فالله َو ْحدَ ُه هو األمل والرجاء‪ ،‬والله َو ْحدَ ه هو ّ‬
‫كنت مع الله فقد يموت جسدك بحكمته‬ ‫الكل يموتون ويبقى الله‪ ،‬وإذا َ‬ ‫ُّ‬
‫ولكن روحك تح ّلق معه‪ ،‬وتعيش معه‪ ،‬كما عاش اإلمام زين‬ ‫َّ‬ ‫سبحانه‪،‬‬
‫العابدين ‪ Q‬معه‪ ،‬حيث يقول في دعائه‪:‬‬
‫لله ا َّلذي ال أ ْد ُعو َغ ْي َر ُه َو َل ْو َد َع ْو ُت َغ ْي َر ُه َل ْم َي ْس َت ِج ْب لي‬ ‫« َا ْل َحمدُ ِ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ألخل َف‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫ُدعائي‪َ ،‬وا ْل َح ْمدُ لله ا َّلذي ال ْأر ُجو َغ ْي َر ُه َول ْو َر َج ْو ُت َغ ْي َر ُه ْ‬
‫اس‬ ‫لله ا َّلذي َو َك َلني ا ِ َل ْي ِه َف َا ْك َر َمني َو َل ْم َي ِك ْلني ا ِ َلى ال ّن ِ‬
‫َرجائي‪َ ،‬وا ْل َحمدُ ِ‬
‫ْ‬
‫لله ا َّلذي ت ََحب َب إلي َو ُه َو َغنِي َع ّني‪َ ،‬وا ْل َحمدُ للهِ‬ ‫َفيهي ُنوني‪َ ،‬وا ْل َحمدُ ِ‬
‫ْ‬ ‫ٌّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ىء ِع ْندي َو َ‬
‫أح ُّق‬ ‫ا َّلذي َي ْح ُلم َع ّني َح ّتى َك َأنّي ال َذن َْب لي‪َ ،‬فربي َا ْح َمدُ َشي ٍ‬
‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫بِ َح ْمدي»‪.‬‬
‫هذا هو اإلمام زين العابدين ‪ Q‬الذي كان يعيش في المسجد مع‬
‫السيد‪ ،‬أن نعيش في المسجد‬ ‫الله‪ ،‬وإذا أردنا ـ ّأيها األحبة ـ هكذا يقول ّ‬
‫لنتطهر في المسجد بالله من ّ‬
‫كل هذه‬ ‫ّ‬ ‫مع الله‪ ،‬فعلينا أن نطرد أحقادنا‬
‫العصبيات بال ّلقاء مع‬
‫ّ‬ ‫لنذوب هذه‬
‫عصبيتنا ّ‬
‫ّ‬ ‫األحقاد‪ ،‬وعلينا أن نطرد‬
‫نتطهر من ِّ‬
‫كل‬ ‫ّ‬ ‫المحبة المطلقة بالله‪ ،‬وإذا دخلنا المسجد فعلينا أن‬
‫ّ‬

‫‪113‬‬
‫ٍ‬
‫واحد‬ ‫وعشائرياتنا‪ ،‬لينطلق ُّ‬
‫كل‬ ‫وطائفياتنا‬ ‫وحزبياتنا‬ ‫وذاتياتنا‬ ‫أنانياتنا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫محمد ًا‬
‫ّ‬ ‫م ّنا بصفة واحدة تمام ًا كما هي صفة رسول الله ‪ P‬وأشهد أنّ‬
‫عبده ورسوله»‪[ .‬خطاب العقل والروح‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪ 58‬ـ ‪]59‬‬
‫األحبة‪..‬‬
‫ّ‬ ‫ّأيها‬
‫نجمد مساجدنا‪ ،‬أن ال نجعلها حجر ًا ُصلب ًا‪ ،‬بل أن‬ ‫ال ّ‬ ‫لذلك علينا أ ّ‬
‫يال ِ‬‫«الخ ْل ُق ك ُّلهم ِع ُ‬
‫الله‬ ‫بالمحبة‪َ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ويتفجر‬
‫ّ‬ ‫نجعلها َينبوع ًا ّ‬
‫يتفجر بالخير‪،‬‬
‫لعيالِه»‪.‬‬
‫أنفع ُهم ِ‬
‫الله ُ‬‫وأحبهم إلى ِ‬
‫ُّ‬
‫السيد في العقل والقلب والوجدان‪..‬‬
‫ويبقى ّ‬

‫‪114‬‬
‫أبوي لم يخمد حرارته‪:‬‬
‫عطف ّ‬‫ٌ‬
‫تعرض نفسك للخطر‬
‫ال أجيز لك أن ّ‬

‫يحدثني الزميل األستاذ هاني عبد الله‪ ،‬المستشار السياسي‬ ‫ّ‬


‫واإلعالمي للسيد فضل الله أنّه عندما بدأ العمل في مكتب سماحة‬
‫السيد في الثمانينيات‪ ،‬كانت قضية المخطوفين األجانب في لبنان‬ ‫ّ‬
‫واللبناني يحاول من خالل‬
‫ّ‬ ‫الغربي‬
‫ّ‬ ‫ٍ‬
‫بشكل كبير‪ ،‬وكان اإلعالم‬ ‫تتفاعل‬
‫كون أصابع االتهام‬‫اإلسالميين في لبنان‪ُ ،‬‬
‫ّ‬ ‫يشوه صورة‬
‫هذه المسألة أن ّ‬
‫الصحافيون من بقاع العالم ش ّتى َي ِفدون إلى‬
‫ّ‬ ‫موجه ًة إليهم‪ ...‬وكان‬
‫ّ‬
‫السيد في هذه المسألة‪ ،‬والسؤال عن إمكانية‬‫ليطلعوا على رأي ّ‬ ‫لبنان ّ‬
‫المساهمة في إطالق سراح هؤالء المخطوفين األجانب‪.‬‬
‫السيد هو الشخصية‬‫ّ‬ ‫السيد انطالق ًا من أنّ‬ ‫وكانوا يتواصلون مع ّ‬
‫اإلسالمية األبرز في الحركة اإلسالمية في لبنان الذي قد يستطيع التأثير‬
‫على الخاطفين في إطالق سراح المخطوفين‪ ،‬إضاف ًة إلى أنّ بعض‬
‫المحرض على عمليات‬ ‫ّ‬ ‫السيد زور ًا بأنّه‬
‫الدوائر االستكبارية كانت ت ّتهم ّ‬
‫الخطف هذه‪..‬‬
‫في‬ ‫وتوضيح ًا للحقيقة وإبعاد ًا لال ّتهام كان ّ‬
‫السيد فضل الله‬
‫لقاءاته الصحفية وفي محاضراته العامة‪ ،‬وفي خطب الجمعة التي كان‬
‫السيد‬
‫في بئر العبد كان ّ‬
‫يلقيها من على منبر مسجد اإلمام الرضا ‪Q‬‬

‫‪115‬‬
‫يؤكّ د على حرمة الخطف‪ ،‬وكان يعتبر الخطف ـ كما يقول الحاج هاني‬
‫عبدالله ـ جزء ًا من العدوان على الحرية الشخصية للناس‪ ،‬حتى وإن‬
‫أي دولة غربية انتموا‪ ،‬ونحن وإن ك ّنا‬
‫كان المخطوفون من األجانب وإلى ّ‬
‫ضد‬
‫نختلف مع إدارات الحكومات الغربية بسبب سياساتها العدوانية ّ‬
‫للعدو الصهيوني وجرائمه‬‫ّ‬ ‫شعوب المنطقة‪ ،‬وتحديد ًا بسبب انحيازها‬
‫في فلسطين‪ ،‬باإلضافة إلى سياساتها االقتصادية والثقافية واالجتماعية‬
‫التي تعمل على إرباك اقتصادنا وثقافتنا وواقعنا االجتماعي بما تبثّه من‬
‫واقع العالم العربي واإلسالمي وحتى دول العالم‬ ‫خطط ومشاريع تربك َ‬
‫يبرر عمليات الخطف أبد ًا‪.‬‬ ‫السيد ـ ال ّ‬‫الثالث‪ ،‬ولكن هذا ك ّله ـ برأي ّ‬
‫السيد ليتوقف عند خطف األجانب‪ ،‬بل كان ينتقد أيض ًا‬
‫ولم يكن ّ‬
‫ومرة في إحدى خطبه‪ ،‬قال عن‬‫بشدة خطف ال ّلبنانيين لبعضهم البعض‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫للمسيحيين وخطف المسيحيين للمسلمين‪« :‬لقد‬
‫ّ‬ ‫خطف المسلمين‬
‫تساوينا في التخ ّلف»‪..‬‬
‫تحدث سماحته‬ ‫وفيما أذكره أنّه في ُخطبة عيد الفطر أو األضحى ّ‬
‫التوجه إلى‬
‫ّ‬ ‫مجدد ًا عن الخطف‪ ،‬وكان بعد الصالة والخطبة يريد‬ ‫ّ‬
‫دمشق‪ ،‬وكوني المسؤول اإلعالمي في مكتبه أوصاني بأن أرسل الخبر‬
‫متضمن ًا رأيه بالخطف‪ ،‬وقال لي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫للصحف ووسائل اإلعالم األخرى‪،‬‬
‫وضمنه رأيي‬
‫ّ‬ ‫أنت تعرف منهجي وما أريده أنا‪ ،‬فأنت‪ ،‬أكمل الموضوع‬
‫حسب معرفتك بالمسألة وقدرتك على الكتابة ألنّك تعرف أسلوبي‬
‫بالكتابة تمام ًا‪ ..‬تصور هكذا يقول األخ هاني ـ أنّني ما زلت جديدَ ٍ‬
‫عهد‬ ‫ّ‬
‫بالحنو‪ ،‬فقد‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ومتخرجا حديثا ـ وعلى طريقة الثقة‬
‫ّ‬ ‫في العمل اإلعالمي‬
‫أعطاني الثقة الكاملة في هذا المجال‪ ،‬بحيث إنّه عندما رجع من دمشق‪،‬‬

‫‪116‬‬
‫وكنت قد ن ّفذت ما طلبه مني وأرسلت الخبر إلى وسائل اإلعالم ونُشر‬ ‫ُ‬
‫السيد قد قرأه‪ ،‬وعندما جئت إلى الدوام صباح ًا‪ ،‬وبعد‬
‫في حينها‪ ،‬وكان ّ‬
‫وربت على كتفي‬ ‫السالم عليكم وعليكم السالم‪ ،‬أثنى على ما كتبته‪ّ ..‬‬
‫احترام ًا وتقدير ًا لما كتبته‪..‬‬
‫وتقديره‬
‫َ‬ ‫السيد‬
‫احترام ّ‬
‫َ‬ ‫و ُيكمل األستاذ هاني عبدالله مستعرض ًا‬
‫وأنا في‬ ‫السيد فضل الله‬
‫للعاملين معه‪ ،‬فيقول‪ :‬بدأت العمل مع ّ‬
‫السيد هو‬
‫حررته لسماحة ّ‬ ‫الحادية والعشرين من عمري‪ ،‬وكان ّأو َل خبر ّ‬
‫السيد فضل الله بأنّه هو من دفع إلى تفجير المارينز‬
‫رد على َم ْن ي ّتهم ّ‬
‫ٌّ‬
‫بالقرب من مطار بيروت الدولي‪ ،‬وكان هذا في عام ‪1983‬م‪ ،‬حيث‬
‫كتبت الر ّد باالتفاق مع سماحته‪ ،‬وكان الخبر منشور ًا في جريدة األنوار‪،‬‬
‫محرر جريدة األنوار الر ّد‪ ،‬وجدت‬ ‫ألعطي ّ‬
‫َ‬ ‫دخلت إلى غرفتي‬
‫ُ‬ ‫وعندما‬
‫معطل‪ ،‬فدخلت إلى غرفة الحرس‪ ،‬والغرفة كانت غرفة منامة‬ ‫أنَّ هاتفي ّ‬
‫والهاتف موضوع على األرض‪ ،‬ا ّتصلت باألنوار‪ ،‬واستلقيت على‬
‫المحرر الخبر‪ ..‬في هذه ال ّلحظة دخل ّ‬
‫السيد‬ ‫ّ‬ ‫ظهري وبدأت أعطي‬
‫إلى غرفة الحرس‪ ،‬فوجدني مستلقي ًا‪ ،‬فما كان م ّني إال أن نهضت واقف ًا‬
‫احترام ًا لوجوده‪ ،‬اقترب مني وقال لي‪« :‬ابقَ كما أنت مرتاح ًا‪ ..‬وال‬
‫لمحرر جريدة األنوار‬ ‫ّ‬ ‫تُتعب نفسك وال تقف‪ »..‬أكملت إعطاء الخبر‬
‫السيد إال أن ّقبلني على كتابتي للخبر بد ّقة وإ ّتقان‪..‬‬
‫فما كان من ّ‬
‫السيد يقول الحاج هاني عبد‬ ‫وفي حادثة أخرى‪ ،‬تد ّلل على ّ‬
‫محبة ّ‬
‫الله‪ :‬عندما كان هناك تبادل للقصف في أواخر عام ‪1990‬م‪ ،‬حيث‬
‫ُس ّميت هذه الحرب بحرب «التحرير»‪ ،‬وسقط فيها المئات من الشهداء‬
‫ُ‬
‫علي أن أوصل تصريح ًا لسماحة ّ‬
‫السيد إلى الوكالة‬ ‫والجرحى‪ ،‬كان َّ‬

‫‪117‬‬
‫الدولية لصاحبها المرحوم مصطفى ناصر التي بدورها توصله إلى‬
‫وسائل اإلعالم‪ .‬ولما لم يكن هناك وسائل اتصال هاتفية اضطررت‬
‫ّ‬
‫أستقل سيارتي المتهالكة من الضاحية الجنوبية إلى بيروت الغربية‪،‬‬ ‫أن‬
‫وبعد أن انطلقت بالسيارة‪ ،‬صارت القذائف تنهمر كالمطر‪ ،‬من شارع‬
‫حي‪ ،‬وأنا ُأسرع بسيارتي حيث كانت القذائف‬ ‫حي إلى ّ‬
‫إلى شارع‪ ،‬ومن ٍّ‬
‫تسقط إما ورائي أو أمامي حتى وصلت إلى الوكالة الدولية وس ّلمت‬
‫توجهت إلى‬‫بالسيد‪ ،‬وعندما هدأ القصف ّ‬ ‫ّ‬ ‫المادة اإلخبارية الخاصة‬
‫السيد‪ ،‬وعند وصولي‪ ،‬رأيت أحد الحراس‬ ‫عملي في منزل سماحة ّ‬
‫ٌ‬
‫مشغول عليك‪..‬‬ ‫السيد با ُله‬
‫مضطرب ًا وبلهفة قال لي‪ :‬أسرع‪ ..‬سماحة ّ‬
‫وهو متو ّتر بشأنك‪ ،‬وينتظرك في الملجأ تحت البيت‪ ،‬ألنَّ القصف‬
‫وقفت أمامه‪ ،‬قال‬
‫ُ‬ ‫أسرعت الخطى‪..‬‬
‫ُ‬ ‫السيد‪..‬‬
‫حينها طال محيط منزل ّ‬
‫تعرض نفسك للخطر بسبب المادة اإلخبارية‪،‬‬ ‫لي‪ :‬أنا ال أجيز لك أن ّ‬
‫مضطر ًا لذلك‪ ..‬في هذه ال ّلحظة خامرني ذلك الشعور بالعطف‬
‫ّ‬ ‫ولست‬
‫َ‬
‫السيد‪ ،‬وبقي في عقلي وروحي‪..‬‬‫األبوي الذي الزمني طوال حياة ّ‬
‫ّ‬
‫السيد في القلب والعقل والوجدان‪..‬‬
‫ويبقى ّ‬

‫‪118‬‬
‫طعم آخر‬
‫السيد ٌ‬
‫للحج مع ّ‬
‫ّ‬

‫المكرمة يخطب بالجمهور‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الحج في ّ‬


‫مكة‬ ‫ّ‬ ‫السيد في مركز بعثة‬‫ّ‬
‫عددهم‬ ‫ُ‬
‫وقد ضاقت غرف البعثة وباحاتها بالجميع‪ ،‬الواقفون يعادل ُ‬
‫الجالسين على األرض‪ ..‬ونحن كمسؤولين عن التنظيم في البعثة نروح‬
‫َ‬
‫لننظم جلوس ووقوف الحجيج اآلتين من جميع األقطار‬ ‫جيئة وذهاب ًا ّ‬
‫السيد فضل الله وإرشاداته ومواعظه‪.‬‬ ‫ليستمعوا إلى توجيهات ّ‬
‫لفت نظري امرأة خليجية تستند إلى الباب ألنّها لم تجد لها مكان ًا‬
‫السيد والدمعة في عينيها‪ ،‬وفي يدها‬‫بين النساء أو قريب ًا من مكان جلوس ّ‬
‫مت نحوها تطييب ًا لخاطرها واعتذار ًا منها لعدم وجود‬‫تقد ُ‬
‫قارورة ماء‪ّ ،‬‬
‫قدرت الموقف ولم تسمح لي باالسترسال باالعتذار‪،‬‬ ‫مكان لها‪ّ ..‬‬
‫بالسيد بأنّه من أهل الله‬
‫ّ‬ ‫ولك ّنها وبكثير من األدب طلبت مني ـ ولثقتها‬
‫ودعاؤه إن شاء الله مستجاب ـ أن أحمل قارورة الماء الصغيرة ليقرأ‬
‫بنية شفاء مريض أو ما شاكل ذلك‪،‬‬ ‫السيد على الماء آيات من القرآن ّ‬
‫ّ‬
‫وحتى هذه ال ّلحظة وبسبب تواجد وفود الحجيج الكثيرة‪ ،‬كانت تعتقد‬
‫السيد على مائها‬
‫السيد‪ ،‬أخذتُها منها وقرأ ّ‬‫أنّها لن تصل القارورة إلى ّ‬
‫بعض اآليات القرآنية‪ ،‬ثم أعدتُها لها‪ ،‬وكانت الفرحة ال تسعها‪ ،‬تحقّقت‬
‫السيد استجاب لطلبها‪..‬‬
‫أمنية غالية على قلبها‪ ،‬أن ّ‬
‫الحج ال ير ّد طلب ًا فيه للحجيج منفعة‪ٍّ ،‬‬
‫بحل‬ ‫ّ‬ ‫السيد في‬
‫وهكذا كان ّ‬

‫‪119‬‬
‫موجهة‪ ،‬بتبيان حكم شرعي‪،‬‬ ‫لمشكلة‪ ،‬بنصيحة ما‪ ،‬باستشارة‪ ،‬بكلمة ّ‬
‫ثقافي‪..‬‬
‫ّ‬ ‫اجتماعي أو‬
‫ّ‬ ‫سياسي أو‬
‫ّ‬ ‫بشرحٍ لمسألة عقائدية أو تاريخية أو أمر‬
‫المكرمة وفد من عشائر‬
‫ّ‬ ‫مكة‬‫مقر البعثة في ّ‬
‫وفيما أذكره أنّه دخل عليه في ِّ‬
‫وية‪،‬‬
‫اله ّ‬
‫المتعصبين والطائفيين ُيذ ِّبحون على ُ‬
‫ّ‬ ‫العراق أخبروه بأنّ بعض‬
‫سمعت‬
‫ُ‬ ‫ويمارسون التهجير والتدمير‪ ،‬فما هي مسؤوليتهم أمام ذلك‪،‬‬
‫ينجروا إلى الحرب الطائفية‪ ..‬وبأنّ العراق‬ ‫ّ‬ ‫السيد ينصحهم بأن ال‬
‫ّ‬
‫بأمن وسالم‪ ،‬وبأنّ هؤالء التكفيريين والطائفيين‬ ‫ٍ‬ ‫يستأهل أن يعيش‬
‫ال تأخذ البريء بجريرة‬ ‫مصيرهم إلى الزوال‪ ،‬وعلى العشائر العراقية أ ّ‬
‫ال يرتهنوا للقوى األجنبية التي تعمل على تسعير الفتنة بين‬ ‫المجرم‪ ،‬وأ ّ‬
‫وس ّنة‪ ،‬أو من مسلمين ومسيحيين‪،‬‬ ‫أطياف المجتمع العراقي‪ ،‬من شيعة ُ‬
‫ألنّ في ذلك تمزيق ًا للعراق‪ ،‬وتشتيت ًا لطاقات شعبه‪ ،‬وهذا لألسف ما‬
‫السيد فضل الله يستشرف المستقبل‪ ،‬نتيجة‬ ‫حدث الحق ًا‪ ،‬حيث كان ّ‬
‫المشاكل وبروز العصبية والطائفية واالنسياق خلف بعض السياسات‬
‫الخارجية‪..‬‬
‫الحج‪ ،‬طلبت إدارة البعثة م ّنا‬
‫ّ‬ ‫وأذكر أنّه بعد قيامنا بأعمال فريضة‬
‫كجهاز للبعثة ومن وكالء منتشرين في العالم االجتماع بسماحته‬
‫الحج وتقديم االقتراحات من جهاز‬‫ّ‬ ‫لتقييم األعمال والبرامج في موسم‬
‫البعثة ومن الوكالء لسماحته‪..‬‬
‫السيد إلينا وإلى الوكالء القادمين من العراق‬
‫في بداية االجتماع‪ ،‬نظر ّ‬
‫للسيد ذاكرة قوية لم َير أحد‬
‫ّ‬ ‫ولبنان والخليج وأوروبا وأميركا‪ ،‬وألنّ‬
‫الوكالء موجود ًا (وهو سماحة الشيخ علي غلوم من الكويت) ّ‬
‫توجه‬
‫إلدارة البعثة بالسؤال عنه الفت ًا نظرهم إلى ضرورة إخباره باالجتماع‪،‬‬

‫‪120‬‬
‫مسؤولياتهم وبأن ال يغفلوا عن قضايا‬
‫ّ‬ ‫يؤكّ د عليهم االنتباه إلى‬ ‫فكأنّه‬
‫أي وكيل عن االجتماع‪..‬‬
‫أساسية وجوهرية كمثل عدم إخبار ِّ‬
‫الحج إلى‬
‫ّ‬ ‫السيد الذي كان يرافقه في‬ ‫يحدثني به أحد معاوني ّ‬ ‫وما ّ‬
‫حجة له في عام ‪2008‬‬ ‫السيد في آخر ّ‬ ‫ّ‬ ‫بيت الله الحرام باستمرار أنّ‬
‫ال‪ ،‬واستقباله لجموع الحجيج‬ ‫للميالد‪ ،‬وكان المرض قد نال منه منا ً‬
‫القادمين من بقاع العالم شتى أرهقه لدرجة أنّه كان يتن ّفس بصعوبة‪ ،‬لذا‬
‫السيد بالعمرة المفردة دون‬
‫السيد أن يكتفي ّ‬ ‫قرر طبيب البعثة وبموافقة ّ‬ ‫ّ‬
‫الحج‪..‬‬
‫السيد بذلك وفي صباح يوم عرفة ارتدى ثياب اإلحرام‬ ‫بعد أن قام ّ‬
‫يفوت على‬‫الحج وصعد مع الحجيج إلى عرفة‪ ،‬حتى ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫ومن دون ّنية‬
‫نفسه ثواب الوقوف في عرفة‪ ،‬وقرأ دعاء اإلمام زين العابدين ودعاء‬
‫بصوت رخيم حزين‪ ،‬كان البعض يستمع إليه‬ ‫ٍ‬ ‫اإلمام الحسين ‪L‬‬
‫بكل خشوع وضراعة إلى الله تعالى‪..‬‬‫ّ‬
‫وكان ير ّدد دعا َء الحسين ‪ Q‬ويقول‪:‬‬
‫منك‬ ‫أهل لذلك َ‬ ‫محمدٌ ٌ‬ ‫محمد‪ ،‬كما ّ‬ ‫محمد وآل ّ‬ ‫فصل على ّ‬ ‫ِّ‬ ‫«اللهم‬
‫ّ‬
‫أجمعين‪،‬‬ ‫الطاهرين‬ ‫بين‬
‫الطي َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫بين ّ‬ ‫المنتج َ‬
‫َ‬ ‫فصل عليه وعلى آله‬ ‫عظيم‪،‬‬
‫ُ‬ ‫يا‬
‫غات فاجعل لنا‬ ‫بصنوف ال ّل ِ‬
‫ِ‬ ‫األصوات‬
‫ُ‬ ‫ت‬‫عج ِ‬ ‫َ‬
‫فإليك ّ‬ ‫وتغم ْدنا بعف ِو َك ع ّنا‪،‬‬ ‫ّ‬
‫كل خي ٍر ُتق ِْس ُم ُه بين عبادك ونو ٍر تهدي‬ ‫العشي ِة نصيب ًا من ِّ‬
‫ّ‬ ‫اللهم في هذه‬
‫َّ‬
‫أرحم‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫تنشرها وبركة ُت ْنزلها‪ ،‬وعافية تج ّللها ورزق تبسطه يا‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫به‪ ،‬ورحمة ُ‬
‫مبرورين‬
‫َ‬ ‫حين‪،‬‬ ‫حين ُم ِ‬
‫فل َ‬ ‫ِ‬
‫الوقت ُم ْن ِج َ‬ ‫الراحمين‪ ،‬اللهم ِ‬
‫اقل ْبنا في هذا‬
‫غانمين وال تجعلنا من القانطين وال ت ُْخ ِلنا من رحمتِك‪ ،‬وال ت َْح ِرمنا ما‬ ‫َ‬

‫‪121‬‬
‫لفضل ما نؤ ّم ُله‬
‫ِ‬ ‫محرومين وال‬
‫َ‬ ‫فضل َك‪ ،‬وال تجع ْلنا من رحمتِك‬ ‫نؤ ّم ُله من ِ‬
‫مطرودين‪ ،‬يا أجو َد‬
‫َ‬ ‫خائبين‪ ،‬وال من بابِ َك‬ ‫َ‬ ‫قانطين وال ت َُر ّدنا‬‫َ‬ ‫من عطائِ َك‬
‫ين‬‫موقنين‪ ،‬ولِ َب ْيتِك الحرام آ ّم َ‬‫َ‬ ‫إليك َأ ْق َب ْلنا‬
‫األكرمين‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫األجودين‪ ،‬وأكر َم‬
‫َ‬
‫واعف ع ّنا‪ ،‬وعافنا فقد‬ ‫ُ‬ ‫حجنا‪،‬‬‫وأكمل لنا ّ‬ ‫ْ‬ ‫قاصدين فأع ّنا على مناسكنا‪،‬‬ ‫َ‬
‫اللهم َفأ ْع ِطنا في هذه‬ ‫َّ‬ ‫ٌ‬
‫موسومة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫االعتراف‬ ‫إليك أيدينا‪ ،‬فهي بِ ِذ ّل ِة‬ ‫َمدَ ْدنا َ‬
‫رب لنا‬ ‫كافي لنا سواك‪ ،‬وال َّ‬ ‫العشي ِة ما سألناك ْ ِ‬
‫واكفنا ما استكفيناك‪ ،‬فال َ‬ ‫ّ‬
‫اقض لنا‬ ‫علمك‪َ ،‬ع ْدل فينا قضاؤك‪ِ ،‬‬ ‫محيط بنا ُ‬ ‫ٌ‬ ‫كمك‬ ‫نافذ فينا ُح ُ‬ ‫غيرك ٌ‬ ‫ُ‬
‫عظيم األجر‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بجود َك‬ ‫أوجب لنا‬ ‫اللهم‬ ‫الخير‪ ،‬واجعلنا من أهل الخير‪،‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫اليسر‪ ،‬واغفر لنا ذنو َبنا أجمعين‪ ،‬وال تُهلكنا مع‬ ‫الذخر‪ ،‬ودوا َم ُ‬ ‫وكريم ّ‬
‫َ‬
‫الراحمين‪»..‬‬
‫َ‬ ‫أرحم‬
‫َ‬ ‫رأفتك ورحمتك يا‬ ‫َ‬ ‫الهالكين وال ت َْص ِر ْف ع ّنا‬

‫السيد في العقل والقلب والوجدان‪..‬‬


‫ويبقى ّ‬

‫‪122‬‬
‫السيد فضل الله للعالِم الفيزيائي يوسف ّ‬
‫مروة‪:‬‬ ‫ّ‬
‫إنّني أتابعك في كتاباتك واكتشافاتك وآمل أن تعرف األمة َق ْدرك‬

‫السيد فضل الله على عالقة وثيقة مع كثير من المثقّفين‬ ‫كان ّ‬


‫والباحثين والك ّتاب وأهل الرأي واألطباء والمهندسين وعلماء في‬
‫والذرة وما إلى هنالك‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الفيزياء والكيمياء‬
‫مروة الذي وافته المنية‬
‫ومن هؤالء العالم الفيزيائي الدكتور يوسف ّ‬
‫السيد فضل الله يعتمد‬‫في كندا بتاريخ ‪2019/1/19‬م والذي كان ّ‬
‫على دراساته وأبحاثه في تحديد أوائل الشهور القمرية‪ ،‬وقد ولد ‪M‬‬
‫ُ‬
‫في مدينة النبطية في جنوب لبنان عام ‪1934‬م‪ ،‬الذي بعد أن انتهى من‬
‫دراسته الثانوية في لبنان هاجر إلى بريطانيا لمتابعة دراسته الجامعية في‬
‫الهندسة الفيزيائية‪ ،‬ثم تنقّل بين ألمانيا وكندا إلكمال دراساته العليا‪ ،‬وقد‬
‫عدة كرئيس لمختبر اإلشعاع النووي الجزائري‪ ..‬ومند‬ ‫عمل سنوات ّ‬
‫استقر في كندا حيث عمل كرئيس مختبر‪ ،‬وكمهندس‬ ‫ّ‬ ‫العام ‪1973‬م‬
‫عدة‬
‫خبير في ضبط النوعية النووية‪ ،‬وساهم ببناء منشآت نووية ّ‬
‫لتوليد الطاقة الكهربائية‪ ،‬يحمل شهادة الدكتوراه في فيزياء اإلشعاع‪،‬‬
‫وتمحورت دراساته العلمية حول التطبيقات الصناعية والتقنية للنظائر‬
‫أشعة الاليزر‪ ،‬فيزياء االنشطار‪ ،‬واالندماج النووي‪ ..‬له العديد‬ ‫المشعة‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫من المؤلفات والدراسات العلمية واالقتراحات البحثية والعلمية للبنان‬

‫‪123‬‬
‫والدول العربية‪..‬‬
‫اهتم بالشؤون الفكرية والثقافية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫العلمي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫باإلضافة إلى اإلنتاج‬
‫عبقري من بالدي‪ ..‬العبقرية‬
‫ّ‬ ‫من أبرز كتبه المنشورة‪ :‬كامل الصباح‪:‬‬
‫العربي في العلم الحديث‪ّ ،‬‬
‫مؤشرات العلوم الطبيعية‬ ‫ّ‬ ‫المنسية‪ ..‬األثر‬
‫ّ‬
‫مؤشرات العلوم الطبيعية ورموزها في تراث‬ ‫ورموزها في القرآن‪ّ ،‬‬
‫علي‪ ،‬محنة المثقف العربي‪ ،‬الله والكون واإلنسان‪ ،‬مفهوم‬ ‫اإلمام ّ‬
‫العربي المعاصر‪ ،‬وله‬
‫ّ‬ ‫الله في الفيزياء الحديثة‪ ،‬النقد الديني في الفكر‬
‫أيض ًا الكثير من المساهمات الثقافية والفكرية في بالد االغتراب عن‬
‫الحضارة العربية واإلسالمية‪..‬‬
‫العربي معه‪ ،‬واآلن‬
‫ّ‬ ‫منذ ما يزيد عن نصف قرن هاجر حام ً‬
‫ال الحلم‬
‫رحل للمرة األخيرة ولم يتحقّق الكثير من آماله وطموحاته في لبنان‬
‫والدول العربية‪ ،‬وقد نعاه سماحة الشيخ حسين الخشن بقوله‪« :‬تعود‬
‫مروة إلى ثمانينيات القرن الميالدي المنصرم من‬ ‫معرفتي بالدكتور ّ‬
‫قدم له‬
‫خالل مطالعتي لكتابه «العلوم الطبيعية في القرآن»‪ ،‬والذي ّ‬
‫ثم تو ّثقت معرفتي‬
‫السيد موسى الصدر في سنة ‪1968‬م‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫الع ّ‬
‫المة‬
‫سيدنا الراحل‬
‫بالرجل‪ ،‬دون أن ألتقيه‪ ،‬من خالل أنّه كان معتمدً ا عند ّ‬
‫السيد يأخذ رأي‬ ‫محمد حسين فضل الله‪ ،‬فقد كان ّ‬ ‫السيد ّ‬‫المرجع ّ‬
‫مروة بعين االعتبار عند إفتائه ببداية الشهور الفلكية‪.‬‬‫الدكتور ّ‬
‫وكانت معرفتي الشخصية بالرجل عند لقائي به في زيارتي إلى‬
‫كندا في العام ‪2007‬م‪ ،‬وقد زاد إعجابي بالرجل‪ ،‬والحظت أنّ يوسف‬
‫التخصصية ـ ُخ ُلق ًا رفيع ًا‬
‫ّ‬ ‫مروة يمتلك ـ باإلضافة إلى الجدارة العلمية‬‫ّ‬
‫يجسد تواضع العلماء وسمات‬ ‫إنساني ًا مرهف ًا‪ ،‬وهو في سلوكه ّ‬
‫ّ‬ ‫وحس ًا‬
‫ّ‬
‫‪124‬‬
‫عرفني‬
‫الصالحين واألتقياء‪ ،‬وال أنسى أنّه قد منحني الكثير من وقته‪ُ ،‬لي ّ‬
‫على تاريخ ذاك البلد «كندا» وبالتحديد مدينة «تورونتو» ومعالمها‪،‬‬
‫حتى أنّه تجشّ م عناء الذهاب إلى محطة القطار ليو ّدعني هناك حيث‬
‫آخر لقاء جمعني به‪.‬‬
‫كان َ‬
‫الحظت أنّه كان يعيش هموم أمته ومآسي وطنه‪ .‬ويتألم لما يراه‬‫ُ‬ ‫وقد‬
‫ُ‬
‫اختالف‬ ‫ولشد ما كان يؤذيه‬
‫َّ‬ ‫تأخر المسلمين وتش ّتتهم وتناحرهم‪،‬‬ ‫من ّ‬
‫المسلمين في بالد الغرب على قضية بداية الشهور القمرية‪ ،‬كان يرغب‬
‫جمعهم على رؤية واحدة تأخذ المعطيات الفلكية الدقيقة بنظر‬ ‫ِ‬ ‫في‬
‫قص ًة طريف ًة في هذا الشأن‪ ،‬ومفادها‪ :‬أنّه ذات‬
‫االعتبار‪ ،‬وأذكر أنّه ذكر لي ّ‬
‫وحرصا منه على تعريف علماء الدين المسلمين في كندا على ما‬ ‫ً‬ ‫يوم‬
‫وصلت إليه المراصد الفلكية من د ّقة في رصد الهالل‪ ،‬قام برفقة كوكبة‬
‫المتخصصة هناك‪ ،‬وقد كان في استقبالهم‬ ‫ّ‬ ‫منهم بزيارة إحدى الكليات‬
‫في مدخل الجامعة عميد الكلية‪ ،‬ولما نظر العميد المذكور إلى هؤالء‬
‫ويتهم‪ ،‬تداعى‬ ‫العلماء وهم بلباسهم الديني التقليدي الذي ُيفصح عن ُه ّ‬
‫إلى ذهنه ماضي المسلمين المجيد‪ ،‬فقال بعد الترحيب بهم‪ :‬لقد ك ّنا في‬
‫ال على العلوم التي أرسى قواعدَ ها أسال ُفكم‪ ،‬وكانت‬ ‫بالد الغرب عيا ً‬
‫بصمات ّبينة‪ ،‬ولطالما استفدنا من كتب ابن سينا والبيروني‬ ‫ٌ‬ ‫لهم فيها‬
‫وغيرهما من العلماء المسلمين‪ ،‬فمتى سيعود المسلمون إلى أداء‬
‫دورهم المرتجى في بناء الحضارة؟!»‬
‫السيد فضل الله بتاريخ‬
‫وجهها سماحة ّ‬
‫وأختم هنا بالرسالة التي كان ّ‬
‫مروة حيث جاء فيها‪:‬‬
‫‪ 10‬ت‪1998 2‬م للعالم الفيزيائي يوسف ّ‬
‫مروة‪...‬‬
‫الدكتور يوسف ّ‬
‫«الصديق العزيز ّ‬
‫ّ‬
‫‪125‬‬
‫الممتد‪،‬‬
‫ّ‬ ‫إنّني ُأتابعك في كتاباتك‪ ،‬وفي اكتشافاتك‪ ،‬وفي هذا العطاء‬
‫المسؤولية‪ ،‬على أساس أنّ اإلنسان الواعي يرى أنّ طاقة‬
‫ّ‬ ‫في ّ‬
‫خط‬
‫مسؤوليته بقدر ما يحتاج الناس إليه وما تريده الحياة منه‪.‬‬
‫ّ‬
‫تقدر عطاءك‬ ‫األمة قدرك‪ ،‬وأن ّ‬
‫إنّني أدعو لك‪ ،‬وآمل أن تعرف ّ‬
‫أمر رجوعك إلى بلدك‪،‬‬‫المتنوع في أبعاده الكثيرة‪ .‬وأرجو أن تبحث َ‬
‫ّ‬
‫الواقعية التي تسمح لك بذلك‪ ،‬فإنَّ بلدك‬
‫ّ‬ ‫من خالل دراسة ّ‬
‫الظروف‬
‫بحاجة إليك من خالل علمك وإخالصك وإيمانك‪»...‬‬
‫محمد حسين فضل الله‬
‫ّ‬
‫السيد في العقل والقلب والوجدان‪..‬‬
‫ويبقى ّ‬

‫‪126‬‬
‫محتويات الكتاب‬

‫المقدّ مة‪5...........................................................‬‬
‫ّ‬
‫أستقل التاكسي‬ ‫كنت‬
‫أجمل أيام حياتي عندما ُ‬
‫من النبعة إلى برج البراجنة ‪7........................................‬‬
‫السيد نصر الله‪:‬‬
‫ّ‬
‫أترك المنبر للمرشد واألستاذ والمر ّبي‪12............................‬‬
‫عندما يص ّلي األستاذ خلف تلميذه‪15................................‬‬
‫توجه إلى المسجد وال تتأخر عن صالة الجماعة‪18.....‬‬ ‫شيخ أحمد‪ّ ،‬‬
‫فليسامحكم الله‪..‬‬
‫حجر ٍ‬
‫عثرة في طريق مؤمن إلى الج ّنة‪22....................‬‬ ‫َ‬ ‫لن أكون‬
‫شخصية مع أحد‪29..............................‬‬
‫ّ‬ ‫لدي مشكلة‬ ‫ليست ّ‬
‫سيكون له شأن كبير في المستقبل ‪32................................‬‬
‫الدنيا يا أخي هواء في َش َبك ‪39......................................‬‬
‫األئمة ‪43.....................‬‬
‫أخالف إجماع العلماء وأعمل بإجماع ّ‬
‫األئمة‪46......... R‬‬ ‫أرسخ في أذهان الناس أسماء ّ‬ ‫مسؤوليتي أن ّ‬
‫ّ‬
‫كل ما قمت به شيء‬ ‫ليس في حسابي في ِّ‬
‫اسمه محمد حسين فضل الله ‪49....................................‬‬
‫عدو ًا للراحة‪55.................................................‬‬
‫كان ّ‬
‫ال ترتاح‪58.............................‬‬‫كم بقي من العمر‪..‬؟ عليك أ ّ‬

‫‪127‬‬
‫الج ْيب يأتِك ما في الغيب ‪63..........................‬‬ ‫ْ‬
‫اصرف ما في َ‬
‫ِدير با َلك على الفقراء يا حاج موسى‪68..............................‬‬
‫ال أفعل شيئ ًا في ّ‬
‫السر أستحي منه في العالنية ‪71.....................‬‬
‫أبا جهاد‪ ..‬هل تأ ّمن المنزل؟ ‪75.....................................‬‬
‫طيبوا خاطر إم جوزيف ‪78..........................................‬‬ ‫ّ‬
‫مهمة قلوبنا أن تصنع الفرح للعيون التي تبكي ‪82....................‬‬ ‫ّ‬
‫هذا المبلغ ثمن علبة بسكويت ‪٨٥...................................‬‬
‫باب الله سيكون مفتوح ًا لك ‪٨٨.....................................‬‬
‫أعتز بالشيخ فضل الله ‪٩٢..........................‬‬
‫روجيه غارودي‪ّ :‬‬
‫كان يقدّ م الطعام لأليتام بنفسه ‪٩٦....................................‬‬
‫ساعدْ هم‪ ..‬ففي ذلك األجر عظيم ‪١٠٠..............................‬‬ ‫ِ‬
‫أشعر ّ‬
‫بأن هذا المال عقارب وأفا ٍع‬
‫صرف في وجهته الشرعية ‪١٠٣...............................‬‬ ‫إن لم ُي َ‬
‫السيد بنفسه يطلب لي يدَ خطيبتي ‪١٠٨..............................‬‬ ‫ّ‬
‫للسيد َد ْي ٌن في عنقي إلى يوم القيامة‪١١١.............................‬‬‫ّ‬
‫أبوي لم يخمد حرارته‪:‬‬
‫عطف ّ‬ ‫ٌ‬
‫تعرض نفسك للخطر ‪١١٥...........................‬‬ ‫ال أجيز لك أن ّ‬
‫طعم آخر ‪١١٩......................................‬‬
‫السيد ٌ‬‫للحج مع ّ‬ ‫ّ‬
‫السيد فضل الله للعالِم الفيزيائي يوسف ّ‬
‫مروة‪:‬‬ ‫ّ‬
‫إنّني أتابعك في كتاباتك واكتشافاتك وآمل أن تعرف األمة َقدْ رك ‪١٢٣....‬‬

‫‪128‬‬

You might also like