Professional Documents
Culture Documents
من الزمن الجميل مع السيّد فضل الله
من الزمن الجميل مع السيّد فضل الله
محمد الموسوي
شفيق ّ
لقاءات فيها
ٌ ورسالية..
ّ وإنسانية
ّ روحية
ّ لقاءات
ٌ من الزمن الجميل،
وسمو الوجدان ...هو الزمن الجميل، ـق الروح، نبض القلبَ ،
وأ َل ُ ُ
ّ
زمن
زمن ليس كاألزمنة ،إنّه ٌ السيد ٌ ... تفيأنا ظالله مع أبينا ّ الذي ّ
وح َز ُم النور،
شلالت المعرفةُ ، من ّأيام الله التي كانت تتدفّق فيها ّ
وانبعاث المواقف التي تستضيء بنور حقائق القرآن ،وبوهج ما نطق
زمن السيد
زمن عشنا فيه َ وأئمة أهل البيتٌ ...R به رسول اللهّ P
السيد ...مواقف شاهدتُها عيان ًا مع ّ
السيد خط إسالم ّ السيد وفي ّومع ّ
سجلتها على مدى سنوات في أكثر السيدّ ... وسمعتها من منابع ثقة عن ّ
السيد
وواكبت حركة ّ ْ عاصرت
ْ من 200لقاء وحوار مع شخصيات
وحررتها لتكون ّ سجلتها على مدى سنوات في لبنان وخارج لبنانّ ،
درساً ومنهجاً وأصالةً إسالميّة تستفيد منها األجيال ...وستصدر هذه
ال ّلقاءات تِباع ًا على حلقات بإذن الله تعالى ،وأضع بين ّ
يدي القراء
ال المولى ُحسن العاقبة ،والتوفيق الكرام الحلقة األولى منها ..سائ ً
والتسديد ،إنّه سميع مجيب...
مدير المركز اإلسالمي الثقافي
محمد الموسوي
شفيق ّ
شعبان / ١٤٤٢آذار ٢٠٢١
5
السيد فضل الله:
ّ
ّ
أستقل التاكسي كنت
أجمل أيام حياتي عندما ُ
من النبعة إلى برج البراجنة
فتيان ًا ك ّنا نجري ،أحيان ًا سير ًا على األقدام لنستمع إلى سماحة ّ
السيد
الشياح والغبيري
ّ حي الس ّلم ،إلى
فضل الله من برج البراجنة إلى ّ
وإلى النبعة(((.
ك ّنا في برج البراجنة في أوائل السبعينيات ،شباب ًا وشيوخ ًا وفتيان ًا
السيد في منزل شقيقة الحاج طارق الخليل رحمهما نلتقي مع سماحة ّ
السيد في حسينية الشياح ،حيث كان الله ،وفي الشياح نستمع إلى ّ
المرحوم الشيخ محمد حسن القبيسي إمام ًا لمسجد الشياح ،وفي
الغبيري في حسينية آل الخنسا كان لقا ًء أسبوعي ًا للسيد مع الشباب
المتنوعة ،وفي حي السلم يكون اللقاء على ّ والمثقفين من االتجاهات
غساني..
سطح منزل المرحوم الحاج أبي حسين ّ
الكبير فينا
ُ دينية يفهمها الجميع،
يخاطبنا بلغة ّ السيد
ّ كان
حب رسول الله Pوعلى حب اإلسالم ،على ّ
يربينا على ّ
والصغيرّ ،
السيد
والحب في قاموس ّّ حب األئمة المعصومين األطهار ،R ّ
للتمسك بعقيدتنا،
ّ هو االلتزام بهذا النهج اإلسالمي الذي يدعونا
7
يغرس فينا االلتزام
ُ الحق ،وكان
ّ خالص وسي ٍر في ا ّتجاه
ٍ طريق
ُ وبأنّها
والحب
ّ باألخالق اإلسالمية كمفردات الصدق واألمانة واالستقامة
يرسخ في وجداننا في الله والبغض في الله ،وكان يحرص على أن ّ
أن نكون يد ًا واحدة وأن نواظب على الحضور إلى المساجد ،وأ ّ
ال
نتفوق
نترك المواعظ والمحاضرات الدينية ،وأن نحرص على أن ّ
في واجباتنا المدرسية والجامعية ،ألنّ ذلك هو السبيل لبناء شخصية
الرسالي..
ّ اإلنسان
السيد ،من جامعة إلى جامعة ومن كلية إلى وكبرنا وبقينا نتابع ّ
كلية ومن حسينية ومسجد إلى حسينية ومسجد لنرتوي من معين
قلت للسيد بعد محاضرة فكره اإلسالمي الصافي ..وكم من مرة ُ
أو ندوة أو موعظة ،بأنّ بيانه كان بيان ًا موفّق ًا ،كان يقول « :إنّ الله
فتح علينا وهذا رزق ساقه إلينا» وكان يقول أحيان ًا بأنّ كثير ًا من األفكار
التي طرحها لم يكن بوارد أن يطرحها ،فجاءت األفكار تلد أفكار ًا،
والطروحات تزحف وراء الطروحات ،وعندما ك ّنا نُثني ونمدح ونتو ّدد
نتحدث عن محاضرته أو موعظته ،كان يقول «ال ّل ّ
هم إنّا ّ إليه ونحن
نسألك حسن العاقبة».
السيد فضل الله يبادر إلى سؤالنا عن تأثير المحاضرةوأحيان ًا كان ّ
في الجمهور وعن بيانه في المحاضرة ،وكان بعضنا يشير إلى ما كان
السيد في محاضرته أو خطبته أكثر ،أو يتناول هذايفصل به ّ يمكن أن ّ
السيد عدم تناوله لفكرة أو
يبرر ّ ألهميته ،ولكن أحيان ًا قد ّ
ّ الموضوع
ٍ
لظروف خاصة قد تكون غائبة عن أذهاننا.. لموضوع آخر،
يهم
مرة وهو ّ
ّ وأذكر أنّ األخ الحاج هاني عبد لله ،سأله ّ
السي ُد
8
بالنزول من على درج منبر خطبة الجمعة في مسجد اإلمامين الحسنين
بأبوة
السيد كان يتعامل مع الجميع ّ ّ Lعن رأيه بالخطبة ،وألنّ
وانفتاح وبعيد ًا عن «وهرة» المرجع ،ودائم ًا كان يقول« :أنا ال ّ
أفكر
رد علىفكروا معي» ،فإنّ الحاج هاني ومن هذا المنطلق َّ عنكم ،بل ّ
أنت ع ّلمتنا أن ال نجامل ،أنا أشعر أنّكم في بعض الخطب الَ :السيد قائ ً
ّ
تكررون بعض األفكار والمفاهيم والرؤى ،وأنا سيدنا من هذا الجيل ّ
جوع إلى أفكارك الجديدة ،ألنّك في ّ
كل ربي َته حيث عندنا ٌ ك ّله الذي ّ
خطبة وموعظة ومحاضرة تعطي شيئ ًا جديد ًا ..نظر ّ
السيد إليه نظرة أبوية
كأي أحد ،أنا
لست ِّ أكرر ،أنا ُ
ال له« :حاج هاني ..أنا شغلي أن ّ حانية قائ ً
أربيها ،أنا أؤ ّدي دور
لم أعش من أجل جيلك فقط ،هناك أجيال جديدة ّ
أكرر»..
المربي ولذلك أنا ّ
لعل الذكرى السيد هي ثقافة قرآنيةّ ،
إنَّ ثقافة التكرار التي أتقنها ّ
لعل الشباب والفتياتلعل الضمائر تستيقظّ ،لعل القلوب تنفتحَّ ، تنفعّ ،
يحفظون ما كان ير ّدده من آيات قرآنية وأحاديث نبوية شريفة ومقاطع
غنية بالمفاهيم من نهج البالغة والصحيفة السجادية ،وكم كان ّ
يسأل الحضور وهو على المنبر في خطبه ومواعظه ،للداللة على هجر
الناس للقرآن أو على عدم حفظ أدعية الصحيفة السجادية ،أو عدم
االطالععلي Qفي نهج البالغة ،أو عدم ّ معرفة أحاديث اإلمام ّ
على السيرة النبوية الشريفة ،يسألهم كم يحفظون من هذا التراث
الضخم ليح ّفزنا نحو الحفظ واالهتمام بذلك التراث ،وبالتالي لاللتزام
بما نحفظ ..وهذا بالفعل ما ترك أثره الكبير في نفوسنا ،حيث من تحت
السيد ليس إرضا ًء له
مما أوصانا به ّمنبره أنعم الله علينا بأن نتقن الكثير ّ
بل إرضاء لله سبحانه وتعالى..
9
وبالعودة إلى األخ الحاج هاني عبد الله المستشار اإلعالمي
المربي التي قالها
ّ يتو ّقف عند كلمة السيد
والسياسي في حياة ّ
كنت في زيارة للوزير اللبناني السابق محمد
مدة ُ السيد ،يقول :منذ ّ
ّ
السيد فضل الله ،والمعروف أنَّ الوزير
فنيش ،وقد جئنا على سيرة ّ
حب
السيد على ّ رباها ّ فنيش كان من ّ
الطالئع اإلسالمية األولى التي ّ
الله واإلسالم والناس ،وهنا يقول الوزير محمد فنيش« :أرقى ما في
السيد فضل اللهوأفضله هو ّ السيد فضل الله
شخصية سماحة ّ
سيدنا،
قلت للسيدّ :السيد في آخر سنة في حياتهُ ،
زرت ّ المربي ،فعندما ُ
ّ
إنَّ أجمل ّأيام حياتي عشتها معكم ،عندما كنت تزورنا في جلسات
ثقافية ونجلس مع مجموعة من الشباب على الشرفة في منزلي وتعطينا
السيد « :أجمل أيام حياتي أيض ًا عندما
الدروس اإلسالمية» ،أجابني ّ
ّ
استقل التاكسي من النبعة (من الضاحية الشرقية في بيروت) إلى كنت
ُ
برج البراجنة ،وأجلس مع الناس»..
القراء األعزاء ـ أنا لِ َي الشرف أنّني ُ
كنت واحد ًا من (بالمناسبة ـ ّ
هؤالء الناس ألنّ مسقط رأسي برج البراجنة) ..يكمل ّ
السيد« :إن
كانوا شخص ًا واحد ًا (هؤالء الناس) أو اثنين ،أو خمسة ألعطيهم ما في
جعبتي من فكر»...
السيد أيض ًا:
وفي هذا المجال يقول سماحة ّ
بكل هذا الجيل الذي شاركت في ُص ْنعِ فكرهِ ..
وق ّمة أعتز ّ
«إنّني ّ
االعتزاز في هذا الجيل المجاهد الحركي ،سواء الجيل الذي انطلق
وامتد إلى أبعد منها ،أو الجيل الذي
ّ من الحركة اإلسالمية في العراق
يحرر لبنان من االحتالل ...إنّني أشعر بأنّي
انطلق في لبنان واستطاع أن ّ
10
كل انطالقة مجاهد وفي ّ
كل انفتاحة كل حركة شهيد وفي ّ موجود في ّ
وثقافي ًا..
ّ سياسي ًا
ّ هذا الجيل الذي ينطلق
إنني عندما أفارق الحياة ،أشعر بأنّي موجود في ّ
كل هذه الطالئع
معينة ،وال َّأدعي أنّي أستقطب وجود هؤالء ،ولكن أشعر أنّي جزء
بنسبة ّ
ال أكون قد أخطأتمن حركتهم الجهادية والسياسية والثقافية ،وأرجو أ ّ
والبد ّ
لكل هذا ّ انفتحت فيه هناك.
ُ في فكرة غرستها هنا ،وفي شعور
الجيل أن يعيش على أساس أن يصنع المستقبل في ّ
خط اإلسالم ،وأن
السير من خالل وضوح يكون حركة دائمة في اكتشاف الحقيقة وفي َّ
[أيها األحبة ،ص]44الرؤية»ّ .
السيد في العقل والقلب والوجدان..
ويبقى ّ
11
السيد نصر الله:
ّ
والمربي
ّ أترك المنبر للمرشد واألستاذ
12
وتعليمهم وتنشئتهم على اإلسالم في ّ
خط أهل البيت ..R
السيد حسن نصر
رثاه سماحة األمين العام ّ السيد
ولما تُوفي ّ
الله ،فقال:
العلي العظيم ،لقد ال ِ
بالله قو َة إ ّ راجعون وال َ
َ إنّا لله وإنّا ِ
ِّ حول وال ّ إليه
فقدنا اليوم أب ًا رحيم ًا ومرشد ًا حكيم ًا وكهف ًا حصين ًا وسند ًا قوي ًا في ِّ
كل
ولكل هذا الجيل المؤمن والمجاهد ِّ المراحل .هكذا كان لنا سماحته
والمقاوم منذ أن ك ّنا فتي ًة نص ّلي في جماعته ونتع ّلم تحت منبره ونهتدي
بكلماته ونتمثّل أخالقه ونقتدي بسيرته.
ع ّلمنا في مدرسته أن نكون دعا ًة بالحكمة والموعظة الحسنة ،وأن
أهل الحوار مع اآلخر ،وأن نكون الرافضين للظلم والمقاومين نكون َ
أهللقاء مع الله تعالى من موقع اليقين ،وأن نكون َ وعشاق ٍ
َ لالحتالل
الصب ِر والثبات والعزم مهما أحاطت بنا الشدائد والمصاعب والفتن.
كل محنة، والنور الذي نستضيء به في ِّ فكان لنا األستا َذ والمع ّلم ِ
والع ْل َم
َ َ
ربه الكريم الذي جاهد في سبيله طيلةواليوم نفتقده إذ يفارقنا إلى جوار ّ
النير وكلمته الطيبة وابتسامته
الزكية وفكره ّ
ّ عمره الشريف ،إال أنَّ روحه
كل ذلك سيبقى فينا هادي ًا
العطوفة وسيرته العطرة ومواقفه الصلبةُّ ،
قوي ًا متجدِّ د ًا للعمل الدؤوب والجهاد المتواصل. ودلي ً
ال ودافع ًا ّ
أتقدم باسم المجاهدين والمقاومين وعوائل الشهداء والجرحى
إنّني ّ
وكل جمهور المقاومة إلى إمامنا صاحب الزمان عليه والمحررين ّ
َّ
مقدمتهم سماحة اإلمام الخامنئي
السالم وإلى مراجعنا العظام وفي ّ
وباألخص
ّ } وإلى جميع المسلمين عموم ًا واللبنانيين خصوص ًا
13
بأحر التعازي
ّ إلى أسرته أسرة العلم والفضل والجهاد والشرف،
وأصدق مشاعر المواساة في هذا المصاب الجلل الذي أصاب ّأمتنا.
سيدنا الجليل الراحل أنّنا سنبقى األوفياء لألهداف
ونعاهد روح ّ
وضحى في سبيلها ليل نهار،
ّ المقدسة التي عاش من أجلها وعمل لها
ّ
كل ٍ
غال ونفيس إن شاء الله. وأن نبذل في سبيلها َّ
السيد في العقل والقلب والوجدان
ويبقى ّ
14
عندما يص ّلي األستاذ خلف تلميذه
15
َّاها إِ َّل َّاها إِ َّل ا َّل ِذ َ
ين َص َب ُروا َو َما ُي َلق َ ﴿و َما ُي َلق َ
كان مصداق ًا لآلية المباركةَ :
ُذو َح ٍّظ َع ِظيم﴾ [فصلت..]35 :
وقد عايش األخ الحاج فؤاد بيضون المرحوم الشيخ حسن شحادة
عن كثب ،فكان ال يترك صالة الليل ،وال يص ّلي الصالة المفروضة إال
يؤم المص ّلين بد ً
ال من إمام الجماعة الذي في المسجد ،وكثير ًا ما كان ّ
كان ال يأتي إلى المسجد أحيان ًا...
يدخر بعض المال ،ويقول للحاج بيضون إنّه ال
ورغم فقره ،كان ّ
يدفع الخمس إال للسيد فضل الله ..
السيد به ،وهنا أعود للحادثة التي حصلت
بالسيد نابعة من ثقة ّ
ّ وثقته
في مسجد اإلمام الرضا Qفي بئر العبد في الضاحية الجنوبية
من بيروتُ ،رفع األذان في مسجد اإلمام الرضا Qولسبب من
السيد عن المجيء للصالة ،قام الشيخ حسن شحادة تأخر ّ األسباب ّ
ّ
اصطف السيد،
ّ وبدأ بالصالة ،وهنا وبسبب الثقة المعطاة له من
السيد ودخل
المؤمنون خلفه وبدأوا الصالة معه جماعة .وهنا وصل ّ
غرفته التي ُيفتح بابها على المسجد ،وقبل فتح الباب ،قيل له إنّ الشيخ
السيد نحو الباب الذي ُفتح
تقدم ّ حسن يص ّلي جماعة بالناس ،هنا ّ
ودخل إلى المسجد وبدأ الصالة خلف الشيخ حسن شحادة...
السيد كان تأكيد ًا منه على ثقته بهذا العبد الصالح،
وما فعله ّ
السيد وأخالقه العالية؛ وذلك بأن يشرع في ودلي ً
ال أيض ًا على تواضع ّ
ال للثقة بسبب ورعه وتقواه... ٍ
تلميذ من تالميذه كان أه ً الصالة خلف
السيد على هذا ،ترجمة لروحه الصافية ،وألخالقه المقترنة
إقدام ّ
16
وحبه واهتمامه ورعايته للذين أرادتهم الدنيا ولم
بالفعل وليس بالقولّ ،
يريدوها...
السيد في العقل والقلب والوجدان...
ويبقى ّ
17
شيخ أحمد
توجه إلى المسجد وال تتأخّ ر عن صالة الجماعة
ّ
سيدنا
الحمدلله على السالمة ّ ـ
: السيد
شيخ أحمد ،كم الساعة؟ ر ّد ّ ـ
السيد فضل الله على نقّالةُذهل سماحة الشيخ أحمد كورانيّ ،
المرضى با ّتجاه غرفة عمليات مستشفى المقاصد في بيروت ،حيث
يسيل من واحدة منهما ،واليد مكسورة ،والساق ُ عيناه مغطاتان والدم
السيد في ُ
تعرض له ّ
أصيبت بكسر كبير ،وكان ذلك بسبب حادث سيارة ّ
الليلة الماضية ،عندما كان عائد ًا من جنوب لبنان إلى النبعة في بيروت،
بعض من قرى الجنوب ٍ عدة في
بعد أن ألقى محاضرات ولقاءات ّ
كل أسبوع ،وكان ذلك في السبعينيات من القرن الماضي. كعادته في ِّ
وزجاج في عينهَ ،
وك ْس ٌر في اليد ٌ السيد في هذه الحالة الحرجة،
ّ
والسيد ُ
يسأل عن الوقت.. ّ والفخذ والساق
كانت الساعة تشير إلى ما قبل المغرب بقليل ،هكذا أجابه سماحة
الشيخ أحمد كوراني..
تتأخر عن صالة
ـ شيخ أحمد إلى المسجد في النبعة وال ّ
الجماعة..
18
وكان ذلك في شهر رمضان المبارك..
السيد..
وأكمل ّ
ـ «بعد اإلفطار ،ابقَ على برنامجنا اليومي في تالوة دعاء االفتتاح
والمحاضرة واإلجابة عن أسئلة األحكام الشرعية» ..وكان هذا
كل يوم طيلة شهر رمضان.. السيد في شهر رمضان مساء ّ برنامج ّ
المروع الذي حصل
ّ ّ
وتخطى التفكير بالحادث السيد أوجاعه
نسي ّ
يفكر للحظة برهبة الدخول إلى غرفة العمليات ،وكان تفكيرهمعه ،ولم ّ
ك ّله متع ّلق ًا بالمسجد والمص ّلين وأ ّ
ال تفوتهم بركة الصالة والدعاء
الديني..
ّ والفائدة من الدرس
وقوتكم وكرامتكم،
عزكم ّوالمسجد كما كان يقول « :هو موقع ّ
ورشدكم ،فال تتركوا ذلك ..وإنّ ابتعاد المسلم عن المسجد يعني
ابتعاده عن ساحتي الوعي الروحي ..وفي المسجد يعيش اإلنسان مع
الله حيث يمكن أن يشعر بحالة الصفاء والنقاء.»..
السيد ـ أنّ المسلمين الذين يبتعدون عن
«ونحن نعتقد ـ كما يقول ّ
مجرد كلمات
المسجد ،يبتعدون عن إسالمهم ،ويبقى اإلسالم عندهم ّ
وصراخات.»..
وحادثة أخرى..
زمنية
السيد في المستشفى (مستشفى بهمن) ،وقبل وفاته بفترة ّ ّ
الزوار والمرافقين ،ووقت
يوم جمعة ،نظر حوله فرأى ّواليوم ُ
ُ قصيرة،
وصمت مأل المكان..
ٌ الصالة يكاد يحين ..تص ّفح الوجوه،
19
تفوتوا على أنفسكم اكتساب فضيلة اليوم الجمعة ال ّ
ُ ـ ما بالكم
صالة الجمعة لو كان بإمكاني النزول إلى المسجد (ما بين
تأخرت عن االلتحاق
لما ّ أمتار قليلة) ّ
ٌ المستشفى والمسجد
ائتمام ًا بإمام الجمعة (وكان حينها ّ
يؤم الصالة نجله سماحة
السيد علي) ..إلى الصالة ،توكّ لوا على الله..
ّ
وحادثة ثالثة:
ـ أين أنت؟
أجبت األخ حسن قانصوه..
ُ ـ في المنزل،
يريدك...
السيد ُ
ـ قالّ :
سيدنا..
ـ نعم ّ
تتأخر..
السيد :نحن في المسجد ..ال ّ
قال ّ
العدو
ّ يوم جمعة والشهر تموز من عام ،2006طيران اليومُ ،
ُ
اإلسرائيلي فوق سماء الضاحية الجنوبية ،الليلة الماضيةُ ،د ّمرت
قسم من مناطق الضاحية ركام ًا ،القلق
وجسور وأماكن ،وصار ٌ ٌ أبنية
والخوف يسيطران على السكان ،الشوارع خالية من المارة والسيارت،
وتوجه مع عياله وأطفاله إلى
ّ البعض مع الفجر ترك الضاحية الجنوبية
أماكن أكثر أمان ًا.
رغم أنّي قد ُأجري لي عملية بسيطة قبل يومين ،على عجل ارتديت
وتوجهت بسرعة إلى المسجد..
ّ ثيابي،
السيد ينتظر رفع األذان..
ّ
20
وتح ّلق الطائرات اإلسرائيلية في ّ
الجو بكثافة أكثر..
السيد ِمنبر مسجد اإلمامين الحسنين ،Lفي حارة حريك
يعتلي ّ
في الضاحية الجنوبية في بيروت..
ألف ،ألفان ..ويمتلئالمص ّلون ،عشرة ،عشرون ،مئة ،مئتانٌ ،
وكلمات
ُ المسجد ..وإذاعة البشائر تنقل الخطبة على الهواء مباشرةً،
وشد األزر،
والتحدي والصبر والمواجهة ونصرة المجاهدينّ ، ّ اإليمان
السيد..
تنطلق من فم ّ
رضي الله بإقامة
همه أن ُي َ السيدّ ..
كل ِّ ّ ال أثر للقلق على وجه
يشد على أيدي المقاومين ،وأن يوصل رسالة
صالة الجمعة ،وأن ّ
للمتخاذلين..
السيد الخطبة والصالة ،زادت أعداد الطائرات اإلسرائيلية،
أنهى ّ
تفرقنا جميع ًا ..وحده بقي ّ
السيد مع مرافقيه في الطابق السفلي في ّ
ً
مته له موقدَ غاز ٍ صغيرا ومجموعة من فناجينقد ُ ُّ
المسجد ،كل ما ّ
السيد و َم ْن معه يسمع
أخذت عيالي إلى مكان آمن وتركت ّ ُ الشاي،
ُ
ويدخل الغبار إلى رئتيه اللتين بقيتا سقوط البنايات على األرض،
تضخان حيا ًة وعزيمة وإيمان ًا أصلب من الجبال ..رغم دخول غبارّ
الصهيوني األعمى إليهما.
ّ الحقد
السيد مرتفع ًا بعين الله وباقي ًا في ضمائرنا وعقولنا وقلوبنا..
وبقي ّ
السيد في العقل والقلب والوجدان
ويبقى ّ
21
فليسامحكم الله...
لن أكون حجر ٍ
عثرة في طريق مؤمن إلى الج ّنة َ
كما أنّه ـ يضيف األستاذ هاني عبدالله ـ ُعرف بتسامحه ،فكان يقول
السيد
للذين يأتون إليه ويطلبون المسامحة نتيجة مواقف ا ّتخذوها من ّ
ٍ
وتلفيق من البعض ،كان يقول لهم: بسبب شبهة ،أو بسبب تحريض
«أنتم من أوالدي ..حتى لو أسأتم فليسامحكم الله»...
سيدنا إنّنا اغتبناك ،فهل من
وأكثر من ذلك كانوا يقولون لهّ : ُ
السيد يجيب وباللغة العامية« :أنا مسامح اللي اغتابني
مسامحة؟ كان ّ
حجر عثرة في طريق
َ بدو يغتابني ..ولن أكون واللي عم يغتابني واللي ّ
ٍ
مؤمن إلى الج ّنة».
السيد شخصي ًا على ّ
علو أخالق ّ ّ وحول هذا الموضوع ،أنا أشهد
22
كنت مك ّلف ًا باإلشراف على
في مسامحته لبعض َمن أساؤوا إليه ،حيث ُ
السيد في قاعة الزهراء
األسبوعي لسماحة ّ
ّ القرآني
ّ تنظيم درس التفسير
كل مساء ثالثاء ،و َف ْرز األسئلة وتقديمها لسماحته ليجيب عنها
ّ O
سيدنا،
ذهل من عدد أوراق األسئلة المكتوب فيهاّ : كنت َأ ُ
مباشرةُ ..
السيد بالحرف حيثزلت أذكر كلمات ّ لقد أسأنا إليك ،سامحنا ،وما ُ
يقول« :سامحنا وسامحكم الله »..يطلب أو ً
ال المسامحة من الله لنفسه
ثم يسامح اآلخرين...
السيد يروي سماحة الشيخ محسن عطوي قائ ً
ال« :كان وعن أخالق ّ
صاحب ُخ ُلق نبيل ،ال ُيزعج سامعه بارتفاع صوت وال بغرابة مضمون
الحاضر عنده دائم ًا بفائدة ،بحيث يستفيد
ُ لفظي ،و َيخرج
ّ وال بنشاز
علم ًا أو حكم ًة أو أدب ًا ،إضاف ًة إلى أنَّ سلوكه كان فيه التسامح وفيه
الورع وفيه ال ُّنبل والتسامي ،وال أذكر أنّه ذكر أحد ًا بسوء أمامي ،وال
أخذت عليه ما ُيشينه في أمر حتى في أموره العادية كملبسه ُ أذكر أنْ
ومأكله و َذهابه وإيابه فإنّي ال أتذكّ ر عيب ًا في ذلك»..
وللتأكيد على كالم سماحة الشيخ عطوي ،فإنّني أذكر أنّنا ك ّنا
كل يوم جمعة لنستفيد من آرائه ّ
وليطلع كمجموعة نلتقي أسبوعي ًا صباح ّ
من بعض اإلخوة على مجريات بعض األمور ،وصدف أنّ الحملة على
السيد كانت في ذروتها ،فقام أحد اإلخوة المعاونين للسيد ،وقال له: ّ
السيد
عالم ديني ،بسرعة أوقفه ّ «موالنا إنّ فالن ًا» ولم يذكره بلقبه وهو ٌ
عن الكالم ،وقال لنا :في مجلسي تحترمون الناس ،وعليكم أن تقولوا
الشيخ فالن ،وليس فالن من دون لقبه ،وفالن الشيخ هذا كان حينها
السيد..
ضد ّ رأس حربة في مشروع الحرب الظالمة ّ
23
السيد محسن األمين وأعداؤه؟وكان يقول لنا :يا جماعة ،وين اليوم ّ
السيد موسى الصدر وأعداؤه؟ وين اإلمام الخميني وأعداؤه؟ وين وين ّ
يقصد أنّ المناوئين
ُ السيد
محمد باقر الصدر وأعداؤه ..وكان ّ ّ السيد
ّ
ربهم ،ولكن َمن ً
ربهم ،و َم ْن أشكل عليهم ذهبوا أيضا إلى ّ
ذهبوا إلى ّ
ِ
ذكرهم في فكرهم ورؤاهم ومنهجهم ُظلم من هؤالء العلماء القادة بقي ُ
مشع ًا نابض ًا بالحياة إلى اليوم..
اإلسالمي ّ
حدثني الدكتور محمد حكيمي Mعن أخالق ومن عميق أخالقهّ ،
جد ًا إلى أن
السيد كان يقول له« :أنا بصراحة أميل ّ ّ السيد وتواضعه بأنّ
ّ
أربي أنصار ًا ،وال أريد أتباع ًا وال أزالم ًا»...
أربي أصدقا ًء ورفاق ًا وال ّ
ّ
ير ّدد« :اعملوا لآلخرة وال تنظروا للوراء».. وكان
السيد أبو جهاد بدر الدين، حدثني األخ ّالسيدّ ،
علو أخالق ّ وعن ّ
السيد
ّ أنّه في الثمانينيات من القرن الماضي ،بعد محاولة اغتيال
بمتفجرة بئر العبد عام 1985م أثناء الحرب ّ بمحاولة أميركية ـ محلية
السيد يأخذونه من البيت على الضاحية الجنوبية ،كان مرافقو سماحة ّ
َعر ِ ٍ
ض حياته إلى مكان آمن خوف ًا من استهداف المنزل مرة أخرى ،وت ُّ
السيد ويكتب على ضوء الشموع ،كان يخ ُلد للخطر ،وبعد أن يقرأ ّ
إلى النوم بعد أن ينال منه التعب ،فكان ينام على (فرشة) من اإلسفنج،
كرسي من الخشب ،وتمضي فتر ُة نو ٍم ّ ويجلس األخ أبو جهاد قربه على
السيدفينظر ليجد أنّ األخ أبا جهاد قد أخذه التعب ،يقوم ّ
ُ للسيد،
قصير ٌة ّ
الفراش ،ويجلس هو من الفراش ،يطلب من أبي جهاد أن ينام على ِ
الكرسي طوال الليل بانتظار صالة الليل وصالة الفجر..
ّ على
الصديق الدكتور حيدر مكي من كبار األطباء النفسانيين في أميركا،
24
ال« :في حياتيحدثني قائ ً واكب ،في النبعة وبعد النبعة حيا َة ّ
السيدّ ،
ٍ السيد ،لم يتك ّلم ِّ
سيئة على إنسان ،وكانبأي كلمة ّ أتابع حرك َة ّ
كنت ُ
ُ
فيشجع
ّ يراقب اإليجابيات في اإلنسان وفي األعمال وفي الواقع،
السلبيات»..
ّ و ُيلقي الضوء على هذه اإليجابيات لينيرها ،ويبتعد عن
وفيما أذكر شخصي ًا ،وكوننا نقيم مجالس عاشوراء في مسجد
السيد يحرص على حضورها ّ اإلمامين الحسنين Lالتي كان
والحديث فيها ،وبعد أن ُيلقي محاضرته كان يجلس مع الناس على
السيد على
ّ األرض ليستمع إلى المجلس ،وللتخفيف من تعب
بادرت شخصي ًا لصناعة بساط من القماش ليجلس عليه مع ُ األرض،
وتوجه إلى المكان الذي يجلس ّ مسند للظهر ،نزل من على المنبر،
فيه عادة ،فوجد البساط والمسند ،بقي واقف ًا ولم يجلس ،وأمرنا ِّ
بكل
أدب وتهذيب أن نُزيل البساط والمسند ،ألنّه يريد أن يساوي بينه وبين
الناس.
السيد،
أحد معاوني ّ
حدثني به األخ السيد طاهرM
ّ وأختم بما ّ
ال على عظمة أخالقه وتواضعه ،فيقول« :ك ّنا ننام في منزل سماحة تدلي ً
السيد حرص ًا على أمنه وسالمته،
السيد في الغرفة المالصقة لغرفة ّ ّ
تعرض منزله في منطقة الغبيري في الضاحية الجنوبية للقصف بعد أن ّ
الشديد من ِق َبل قوى الظالم ..وفي الصباح كان يدخل علينا حام ً
ال بين
ٍ
بلطف نسميها باللبناني (الترويقة) ويخاطبنا
صينية الطعام والتي ّّ يديه
وأبوة قائ ً
ال لنا: وحنو ّ
ّ
يقدم لنا الطعام ..ويعود إلى شأنه»..
خير من النوم» ّ
«الترويقة ٌ
25
السيد..؟!
سيد هو هذا ّ
أي ّ
ُّ
ّ
الصف في نهاية الثمانينيات كانت هناك ٌ
فتنة في لبنان بين أبناء
الواحد ،وهذه الفتنة سقط فيها الكثير من الضحايا واألبرياء ،وحصل
السيد فضل الله في خطبه تهجير وتشريد لكثي ٍر من العائالت ،وكان ّ
ومواعظه يستحلف الفريقين بأن ي ّتقوا الله في دماء الناس وأرواحهم..
ولم يوفّر وسيل ًة إال واستخدمها لوقف هذه المشاكل ،وفيما أذكره أنّه
ك ّلفني شخصي ًا بزيارة إحدى القيادات اإلسالمية التي كانت منحازة
الشخصية
ّ السيد يرغب بأن ُيصدر هو وهذهّ معين وإبالغه بأنّ
لفريق ّ
حمام الدم ،وتوجيه البندقية إلى صدر بيان ًا مشترك ًا من أجل إيقاف ّ
العدو الصهيوني ،وبالفعل فإنّ البيان ُكتب ونُشر في الصحف وأذاعته ّ
وسائل اإلعالم كافة..
كل َمن كان يراجعه ألجل السيد نفسه ،أنّ ّ
كنت أسمعه من ّوفيما ُ
ال له« :اكتبيقدم له ورقة بيضاء قائ ً
تدخله لوقف المشاكل هذه ،كان ّّ
ما تريد ألن ّفذ ما يمكن أن يوقف الخالفات والمشاكل ويمنع القتال بين
الطرفين وأنا جاهز»..
السيد ومواقفه ك ّلها التي كان يطلب فيها ال ّتهدئة
ورغم كلمات ّ
السيد زور ًا وبهتان ًا والصلح فإنّ أجهزة كانت تعمل ليل نهار ّ
لتحمل ّ ّ
مسؤولية استمرار المشاكل..
ّ شيئ ًا من
وبقلب ملؤه الحزن ،كان يقف على منبر مسجد اإلمام الرضا Q
ّ ٍ
في بئر العبد ،ليخاطب الناس كافة وليقول:
الصحافة ومن الناس
كثير من الناس من الفعاليات ومن ّ
«هناك ٌ
26
يتحدثون ع ّني بطريقة غير مسؤولة عن فتاوى هنا ،وعن ّ المض َّللين،
تحليل وتحريم هناك ،وقد واجهت هذه الحالة .فإنّ هؤالء و َم ْن وراءهم
علي بمختلف الوسائلُ ،قصف بيتي بعشرات القذائف صبوا حقدهم ّ ّ
ً ُ
ولوال لطف الله لكانت الكارثة ،وكان القصف مركّ زا ،وكانت هناك
اعترافات من جهات مسؤولة وغير مسؤولة بأنّ البيت كان مستهدَ ف ًا
وأنّ هجوم ًا كان يهدف الحتالل البيت ،وهذه أمور ثبتت عندي بطريقة
يتحدثون ّ كل هؤالء الذين الصحة ،إنّني أريد أن أقول أمام ّ
كبيرة من ّ
بهذه الطريقة من فعاليات دينية ،أو فعاليات سياسية ،أو فعاليات
تنظيمية ،أو فعاليات حزبية أقول لهم :لن أر ّد عليكم بكلمة ،لن أك ّلف
نفسي أن أر ّد عليكم ،لن أك ّلف نفسي أن أدخل في نقاش ،لن أك ّلف
ألبرىء نفسي،نفسي أن أدخل في مهاترات ،لن أك ّلف نفسي أن أقف ّ
كل شيء ،إنّنيالله َو ْحدَ ُه هو الذي يعلم ما تخفي الصدور وهو يعلم ّ
أترك حسابكم على الله .لقد واجهت الهجمة األميركية على سمعتي
وعلى حياتي ،وقد واجهت الحملة اإلسرائيلية على سمعتي وعلى
حياتي ،وقد واجهت الهجمة الكتائبية على سمعتي وعلى حياتي ،وقد
ٍ
ضر أن نضيف واجهت هجمات عربي ًة على ُسمعتي وعلى حياتي ،ما ّ ُ
كل هؤالء جماع ًة هنا وجماعة هناك..إلى ّ
بكل الكلمات،سأترك حسابكم لله وسأتأسى برسول الله ّ P
جدي رسول الله Pوسأضرع لله كما ضرع، سأقول كما قال ّ
«اللهم اغفر لقومي فإنّهم ال يعلمون» ،سأستغفر لكم في الليل والنهار
ّ
ال يعاقبكم على ذلك ،أما قضية الموقع وأما قضية وسأطلب من الله أ ّ
كل ذلك ،دائم ًا أقرأ معكم وتقرأون معي« ،إلهي إن وضعتني فمن ذا ّ
27
الذي يرفعني ،وإن رفعتني فمن ذا الذي يضعني».
واألنام ِغ َض ُ
اب ُ وليتـك ترضى فليتـك تحلـو والحيـا ُة مريـر ٌة
خـراب
ُ العالمـين
َ وبـين
َ وبيني عامر
ٌ وليت الذي بيني وبي َن َك
َ
ّ
ولكل ولكل الناس المستضعفين ّ أريد أن أقول ّ
لكل الفعاليات
عشت ُ الطيبين في الجنوب وفي البقاع وفي بيروت ،لقد ّ الناس
معكم منذ النبعة ،لم أفارقكم لحظة؛ لقد عشت معكم في النبعة حتى
سقطت النبعة ،وعشت الخوف معكم كما عشتموه ،وقد عشت معكم
كل في الضاحية ّأيام االجتياح (عام 1982م) وقد عشت معكم في ّ
األوضاع ،فلم أتط ّلب في هذا البلد موقع ًا سياسي ًا ولم أتط ّلب في هذا
ّ
وسأظل البلد موقع ًا رسمي ًا ولن أتط ّلب وسأظل معكم ..اشتموني
كل قلبي،أحبكم من ّوسأظل أخدمكم وأعظكم ،إنّي ّ ّ سبونيمعكم ّ
الحرية ا ّلتي أحملها وأحمل
ّ قضية
كل األخطار من أجل ّ أتحمل ّّ إنّي
ّ
سأظل معكم ّأيها كل ال ّناس ما يقولون، ليقل ّ
خشبتي على كتفيْ ،
المؤمنون المستضعفون ح ّتى لو رجمتموني بالحجارة ،ألنّني أعرف
أنّكم ستكتشفون غد ًا من ا ّلذي يريد أن يستغ ّلكم ،ومن ا ّلذي يريد أن
ومحبة الله في ذلك
ّ يبلغ بكم حيث يريد الله أن تبلغوا رضوان الله
ك ّله»[ .صالة الجمعة :منبر ومحراب ،ص 248ـ ]249
السيد في العقل والقلب والوجدان..
ويبقى ّ
28
شخصية مع أحد
ّ لدي مشكلة
ليس ّ
29
ما أذكره في ال ّلقاء ..أنّ األستاذ بالل شرارة جلس إلى يسار سماحة
السيد وبعد السالم السريع على سماحته قال له إنّ رئيس حركة أمل ّ
األستاذ نبيه ّبري أبلغه بأنّ عليه الذهاب إلى ّ
السيد فضل الله ليعتذر
السيد فضل الله اعتذارك تبقى في حركة أمل وإذا لم يقبل
منه ،وإذا قبل ّ
السيد اعتذارك فاعتبر نفسك خارج حركة أمل.. ّ
أتذكّ ر أنّ األستاذ بالل شرارة عندما بدأ بالحديث مع سماحة ّ
السيد
يبرر للسيد لماذا فعل ذلك وقال له أنت يا موالنا تعرف طبيعة
حاول أن ّ
الحزبي وأنا كنت جزء ًا من منظومة حزبية ..فلم يكن أنا من
ّ اإلعالم
الحزبي التنظيمي..
ّ يكتب وإنّما كنت أكتب ما كان يريده اإلعالم
السيد:
وأول تعليق قاله ّ بكل هدوءّ ..السيد إلى كالم بالل ّ استمع ّ
الحزبي..
ّ أنت يا بالل تريد أن تقول لي اآلن بأنّ السبب هو اإلعالم
السيد بأنّ هناك نوع ًا من
وأنت تعرفني وعائلتك تعرفني (هنا ع ّلق ّ
السيد وعائلة بالل) أنت يا بالل ال تعرفني؟ أنا
القرابة بين عائلة سماحة ّ
هيك يا بالل؟ (أي أنا من يبيح إراقة دماء الناس) هنا بدأنا بالبكاء ..أما
بشكل غريب وعجيب ..وهو يجيبه: ٍ بالل فقد شهق شهقة وبدأ بالبكاء
«ال أنت مش هيك»..
كل أعضاءالجو العاطفي الذي كان موجود ًا طلبت من ّ
بسبب ضغط ّ
السيد وبالل مع بعضهما ..فخرجناالوفد الخروج لكي يبقى سماحة ّ
وجربت أن أستمع من صالة االنتظار إن كان قد ّ إلى صالة االنتظار
الجو قد أصبح أكثر هدوء ًا ..وأنا قد
ّ أحسست بأنّ
ُ الجو أم ال..
ّ هدأ
لمست لألمانة بشخصية بالل الجانب العاطفي على الرغم من عدم
السيد هنا قد قال
وجود معرفة عميقة بيني وبينه ..فدخلت إليهما وكان ّ
30
وكل شيء بالنسبة لي أنا أتخ ّلى عنه ،ولكن علينا أن
لبالل أنت مسامح ّ
نعرف كيف نحفظ هذه األمة وهذه الساحة ..ك ّلكم أوالدي ..حزب
الله وحركة أمل..
وأذكر في المشهد شرار ًة في عيون بالل لم َأر في حياتي عيون ًا
«حمر ًا» بهذا المستوى بسبب ما ذرفه من دموع ..ولكن بالل شرارة
خرج مرتاح ًا نفسي ًا هو والوفد الذي كان معه..
السيد سيعفو عنهّ ال جاء وهو يعرف تمام ًا بأنّ أنا متأكّ د أنّ بال ً
وسيسامحه ..وأذكر في حادثة أخرى قريبة من هذه الحادثة أنّ أحد
السيد ،وربما هو األستاذ فيصل عبد الساتر، األشخاص جاء إلى سماحة ّ
يأتي لزيارتك وعلى الفور قال له وقال له بأنّ سعود المولى يريد أن َ
ال ..البيت بيتو» ..وهنا قلت له بأنّ ِحبر هذا الرجل ال وسه ً السيد« :أه ً
ّ
ضدك في جريدة «السفير» وكتب عن يجف بعد ..هذا الرجل يكتب ّ لم َّ
اإليرانيين وتناول العالقة
ّ موضوع والية الفقيه وكيف أنّ ّ
السيد كان مع
حد كبير وكان قاسي ًا في كتاباته عن بين حركة أمل وحزب الله إلى ّ
السيد .هذا الطلب جاء بعد وفاة المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس ّ
السيد م ّني وقال لي كالم ًا
سيد بهذه السرعة؟ فاقترب ّ فقلت له ّ
ُ الدين..
سبك في أذنك واعتذر فاقبل بما معناه َمن ّ
عن اإلمام الصادق Q
لدي مشكلة شخصية مع أحد ..وقال لي اعتذاره ..وقال له :أنا ليس ّ
جيد ..ولكن ضدي ليس ألنّهم مقتنعون بأنّني غير ّ إنّ هناك َمن وقفوا ّ
معين ًا ..ثم استقبله ّ
السيد.. ألنّهم يريدون أن يسايروا وضع ًا ّ
31
سيكون له شأن كبير في المستقبل
32
السيد
محمد حسين ـ يضيف سماحة ّ ومن هنا« ،فإنَّ شقيقي ّ
السيد ّ
محمد علي ـ من هذه المدرسة »..وفي هذا المجال أذكر شخصي ًا أنَّ
ّ
إنساني َته ،لذا
ّ ُ
اإلنسان السيد فضل الله كان يؤمن بضرورة أن يعيش ّ
إنسانيتك من خالل ّ الناس إلى
ُ ليتعرف
ّ ً يقولُ :
«ك ْن إنسانا في قلبك
ما يتمثّل في قلبك من مالمح وجهك ،كن إنسان ًا بلسانك ،فإنَّ الناس
حب القسوة في الكلمة حتىيخافون من قسوتك ،واإلنسان بطبعه ال ُي ُّ
الغلظة والقسوة في قلبك ،ألنّك عندمامن أقرب الناس إليه ،فال ت َِعش ِ
ال تعيش في قلبك معنى الناس ،فإنَّ قلوب الناس لن تنفتح عليك».
السيد ،ج ،6ص.]209 [الكالم ّ
محمد علي فضل الله عن ّ وجواب ًا عن سؤال لي لسماحة ّ
السيد
أكبر
محمد حسين كان َ السيد ّّ السيد ،يقول سماحته« :إنَّ بداية شباب ّ
من عمره ،كان يذهب إلى األماكن التي يستفيد منها و ُيفيد منها ،ومن
السيد كان يذهب إلى ِّبر النجف ،إلى الصحراء فيلتقي ّ المعروف أنَّ
بالرعاة ،ويع ّلمهم كيفية الوضوء والصالة ،وعندما ُيسأل عن ذلك،
المرجعية ـ طبع ًا هو عبارة عن دينار أو
ّ كان يقول :أنا أستلم راتب ًا من
فعلي أن أقوم بواجب التبليغ والوعظ واإلرشاد، َّ دينارين في الشهر ـ
بالزوار
ّ سأسأل عن هذا المال أمام الله ،إضاف ًة إلى أنّه يلتقي ألنّي ُ
علي Qفكان يقرأ ال ّلبنانيين عندما يأتون لزيارة مقام أمير المؤمنين ٍّ
لهم الزيارة ودعاء ُكميل ،و ُيشعرهم بالروحانية العالية وهم بين يدي
الله تعالى»..
السيد
ّ السيد محمد علي« :وما أذكره أنَّ
ويضيف المرحوم ّ
عندما كان في الحادية عشرة أو الثانية عشرة من عمره ،كان أصدقاؤه
33
أكبر منه س ّن ًا بكثير ،حتى أنّه عندما انطلق في الجانب األدبي ،وكان َ
الشباب في مثل عمره يعيشون أجواء الشباب الخاصة ّ
واللهية ،كان
أكبر من عمره،
واألدبي الذي هو ُ
ّ والفكري
ّ الثقافي
ّ الجو
هو ينطلق في ِّ
السيد ِ ِ
فكان من أصدقائه الشعراء العلماء في تلك الفترة ،المرحوم ّ
مصطفى جمال الدين ،والمرحوم الشيخ أحمد الوائلي ،وكان له صديق
في النجف األشرف وهو المرحوم الشيخ عبد الرزاق السماوي ،وكان
السيد يذهب للمشاركة في المناسبات أعز أصدقائه ،وهكذا كان ّ من ِّ
سن الثالثة عشرة والرابعة عشرة وأمام الدينية ،ويلقي قصائده وهو في ّ
جمهور من الشعراء الكبار الذين كانوا يستحسنون شعره ،وذلك نسبة
إلى ِصغَ ر س ّنه»..
وبالعودة إلى كتاب (مسيرة قائد شيعي) ننقل ما كتبه (الشيخ جمال
يعبر عن نفسه السيد فضل الله ّسنكري) قال« :وفي الخمسينيات ،بدأ ّ
عندما ّ
أطل على عالم الشِّ عر الحديث ،من خالل ما نُشر له من أعمال متتالية
في مج ّلة «األدب» الواسعة االنتشار في تلك المرحلة ،وقد تأ ّثر بالشاعر
السياب الذي بدوره تأ ّثر بالشعر اإلنكليزي الحديث ،كما تأ ّثر
بدر شاكر ّ
بالكاتب المصري طه حسين ،وبالشاعر اللبناني إلياس أبو شبكة ..وقد
السيد فضل الله في نتاج الشعراء التقليديين المعاصرين ،وأشهرهم نقّب ّ
ومحمد مهدي الجواهري من ّ أحمد شوقي وحافظ إبراهيم من مصر،
النجف في العراق ،وإلياس أبو شبكة وخليل مطران من لبنان ،وقد
محمد مهدي الجواهري،
السيد فضل الله بتأثره العميق بالشاعر ّ
اعترف ّ
وأحمد شوقي[ »..مسيرة قائد شيعي ،ص.]56
أمام ذلك وجد بعض علماء النجف أنَّ اهتمامه بالشعر قد يصرفه
34
المقدس
ّ عمه المرحوم عن التحصيل العلمي الحوزوي ،فذهب إلى ّ
محمد سعيد فضل الله الذي كان ثقة المرجع الديني حينها آية السيد ّ ّ
السيد عبد الهادي الشيرازي ،والذي كان يجلس ُ
للفتيا الله العظمى ّ
السيد الشيرازي إلى إيران أو إلى مكان آخر، ّ مكانه عندما يذهب
محمد سعيد معروف ًا لدى علماء الحوزة باالجتهاد والورع السيد ّ وكان ّ
ويحبه
ّ محمد حسين أثير ًا لديه يحضنه السيد ّ
والتقوى والزهد ،وكان ّ
ال زاهر ًا ،ذهب ّ
السيد إليه لينقل له رأي علماء ويربيه ويتو ّقع له مستقب ً
ّ
النجف في تو ّقفه عن نظم الشعر وما هي نصيحته في هذا المجال ،فما
ال أن يشير إليه بأ ّ
ال يعبأ بما يقولون، محمد سعيد { إ ّ السيد ّكان من ّ
يتوجه في االستنباط
هامة لالجتهاد الذي ّ ألنَّ الذوق األدبي يمثّل حاجة ّ
والس ّنة»..
إلى القرآن ُّ
ليحدثنا عن مرحلة
ّ محمد علي فضل الله
السيد ّ
ونعود إلى سماحة ّ
تفوقه العلمي حيث يقول:
السيد فضل الله النجفية وعن ّ
ّ
المقدس
ّ بد من اإلشارة إلى رأي المرحوم «وفي هذا المجال ،ال ّ
محمد سعيد فضل الله الذي كان يعقد آما ً
ال كبيرة عليه ،لما السيد ّ
عمي ّ ّ
ٍ
لفتات مشرقة كان يراه فيه من ِجدِّ ية الدراسة والتحصيل العلمي ،ومن
السيد الوالد:
المقدس ّ ّ في مناقشاته معه ،حتى قال لسماحة المرحوم
شأن كبير في المستقبل ،في المجال العلمي إنَّ هذا الشاب سيكون له ٌ
الدعوة والتبليغ».
والديني وحركة ّ
محمد سعيد فضل الله هو من أبرز العلماءّ السيد
ّ وللتذكير ،فإنّ
العامليين في النجف األشرف في النصف األول من القرن الماضي،
ّ
لح عليه
السيد عبد الهادي الشيرازي ُي ُّ
ولهذا فقد كان سماحة المرجع ّ
35
ويتصدى للمرجعية ،وقد قال عنه سماحة العالم ّ عملية
ّ أن ينشر رسالة
الكبير المجتهد الشيخ حسين الح ّلي حين سمع بوفاته« :لقد تُوفّي
السيد محمد علي« :وقد أفقه فقيه في النجف» .ويضيف المرحوم ّ
الجمال وهو من كبار شخصيات ّ سمعت من المرحوم الشيخ علي
السيد محسن األمين إلى َمن يرشدنا (في الشيعة في دمشق أنّه سأل ّ
يطمئن (في التقليد) في اللبنانيين
ّ التقليد) بعد وفاته ..فأشار إلى أنّه ال
السيد محمد سعيد فضل الله وإذا لم يوافق كما إال لشخصين ،أحدهما ّ
السيد عبد الرؤوف..أتصور فإلى أخيه ّ
ّ
السيد الوالد سماحةمرة ،من ّ يبقى أن أشير إلى ما سمعته غير ّ
السيد عبد الرؤوف فضل الله .وهو الذي تو ّلى المقدس ّ
ّ المرحوم
المقدمات والسطوح ،مع ُث ّلة
ّ السيد فضل الله ـ في
تدريسه ـ أي لألخ ّ
ممن ُيشار إليهم بالبنان من العلماء،
الطلبة الذين أصبحوا فيما بعد َّمن ّ
تميز بعضهم مرة عن طالبه من هذه الطبقة ،فأشار إلى ّ حيث سألته ّ
المتميزين،
ّ المقدس األخ ،ثم سألته عن األفضل بين هؤالء ّ ومنهم
السيد محمد حسين كان أفضلهم وأكثرهم بشكل قاطع أنَّ أخي ّ ٍ فأشار
السيد الوالد ،أمامي وأمام غيري باجتهاده، عمق ًا واجتهاد ًا ،وقد شهد ّ
ومن المعروف للقاصي والداني ،أنّه { لم يكن ُيراعي في ُحكمه
للبنوة والقرابة ،بل كان شديد الحسم
أي اعتبار ّ في هذه األمور الشرعية َّ
وكثير االحتياط في هذا المجال.
السيد الوالد { أرجع عدد ًا من المؤمنينوأذكر أنّ المرحوم ّ
محمد حسين ـ
السيد ّوالمؤمنات إلى رأيه ـ أي إلى رأي سماحة األخ ّ
يسبب لهم مشقّة
في بعض األحكام االحتياطية التي كان التزامهم بها ّ
36
وحرج ًا َ
كبيرين.
ففي مسألة طهارة أهل الكتاب ،حيث كان بعض المؤمنين من
المغتربين ،أو من الطالب الذين يسافرون إلى أوروبا لمتابعة دراستهم،
جراء التزامهم بالفتوى التي تحكم
أو غيرهم ..يواجهون الحرج الشديد ّ
بنجاسة أهل الكتاب ،فاإلمام الخوئي { كان يرى نجاستهم من
باب االحتياط الوجوبي ،واإلمام الخميني { كان ُيفتي بنجاستهم،
وإل فال يمكن لمق ّلدي ّ
السيد الخوئي الرجوع إليه في هذه المسألة إذا ّ
أرادوا التح ّلل من قيد الحكم بنجاستهم والتخ ّلص من الحرج الناشىء
السيد الوالد { ليجد
عن التزامهم به .ولهذا فقد رجعوا إلى سماحة ّ
الرخصة في هذه المسألة ،فأرجعهم فيها إلى رأي سماحة األخ لهم ُّ
محمد حسين فضل الله الذي كان يرى طهارة أهل الكتاب، السيد ّّ
بل وطهارة اإلنسان مطلق ًا ،هذا مع العلم أنّ سماحة السيد الوالد {
ّ
كان ـ هو نفسه ـ أيض ًا يرى في فتواه طهارة أهل الكتاب.
وفي مسألة جوا ِز كشف الوجه والك ّفين للمرأة ،التي كان ّ
السيد
الخوئي { يحتاط فيها احتياط ًا وجوبي ًا بعدم الكشف ،أيض ًا أرجع
السيد الوالد { كثير ًا من المؤمنين والمؤمنات الذين ّ سماحة
السيد فضل الله.
راجعوه في هذه المسألة إلى رأي سماحة األخ ّ
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفّق المؤمنين والمؤمنات ـ خصوص ًا
طلبة العلوم الدينية ـ لالستفادة من هذا اإلرث العلمي االجتهادي
السيد
المقدس األخ ّ
ّ والثقافي والفكري الكبير ك ّله الذي تركه سماحة
سيما في الفقه واألصول
محمد حسين في المجاالت العلمية ش ّتى ،ال ّ
المجددين العاملين
ّ والتفسير ،وأن يتابعوا مسيرته ،ومسيرة سائر العلماء
37
في ِّ
خط الوعي واإلصالح والتجديد األصيل المستند إلى دعائم مدرسة
النبي Pوأئمة أهل البيت .»R
38
الدنيا يا أخي هواء في َش َبك
39
ملف مشكلة ،وأن أسيطر على موقع ألم ،أن يوحي واستطعت أن أغلق ّ
ُ
اإلنسان إلى نفسه في آخر اليوم ،أنّه استطاع أن يكفكف بعض الدموع،
إنسانيته
ّ الب َسمات ويفتح بعض القلوب ،أن يشعر أنَّ ويصنع بعض َ
تعطي الناس شيئ ًا ،وعندما يشعر اإلنسان بأنَّ حياته التي
َ استطاعت أن
قضاها استطاعت أن تجعل كثير ًا من الناس يعيشون في حياته ،فإنّ تلك
ويتحول إلى نُفايات،
ّ هي السعادة .سنترك ّ
كل المال الذي نحصل عليه،
ُ
واللمسة ُ
الحانية وهكذا ّ
كل الطعام الذي نأكله ،ولكن تبقى النظر ُة
واليد التي تداوي ،والعقل الذي يع ّلم ،يبقى ذلك ،هو الحياة، ُ
والبسمةُ ،
نفكر في هذا اال ّتجاه»[.خطاب نفكر في العيش علينا أن ّ
ونحن عندما ّ
العقل والروح ،ج ،2ص 51ـ .]52
السيد محمد علي فضل الله قائ ً
ال« :إنَّ عالقة ّ السيد ّ
ويضيف سماحة ّ
محبة ،وقد كان عمري بين العاشرة والحادية عشرة به كانت عالقة ّ
عندما أخبرته برغبتي بدراسة ألفية ابن مالك ،وهي كتاب في النحو،
مكان لي في مدرسة الخليلي (في النجف األشرف)، ٍ فبادر إلى حجز
وكانت له غرفة في تلك المدرسة يعطي دروس ًا ويطالع ويكتب فيها،
ثم
ال في ألفية ابن مالكّ ، درست قلي ً
ُ وكان هو في عمر الثامنة عشرة،
درسني الباقي في النواصب والجوازم واالستثناء والتمييز.. ّ
جميعها إلى لبنان ،حاول أن يع ّلمني ال ّلغة
ُ وعندما انتقلت العائلة
اإلنكليزية ،فاشترى لي بنفسه كتاب (تع ّلم اللغة اإلنكليزية) ،الجزء
األول ،والجزء الثاني ،ألنّني بدأت أتع ّلمها في المدرسة وأراد لي أن
أكمل تع ّلمي لها..
حب العلم ،وكانت ميزته أنّه يمتلك روح ًا
حريص ًا على ّ كان
40
يحب لألشخاص الذين معه أن يكونواّ رسالية منذ بداية شبابه ،فكان
ّ
الحق
ّ ورساليين ،وعندها من خالل العلم والرسالية يدركون
ّ متع ّلمين
ويعملون لتطبيقه في جميع المناحي»..
الحق من خالله. ّ نحرك عقولنا لندرك بد أن ّ ولذلك يقول « :ال ّ
بد أن من هنا كان عدم جواز تجميد عقلك أو سمعك أو بصرك ألنّه ال ّ
الحق ،فالله لم يجعل الجهل عذر ًا للجاهل ،إال إذا ّ تتلمس ّ
كل موارد ّ
يفكر .فإنَّ القلم في هذه الحالة كان الجاهل ال يستطيع أن يتع ّلم ،أو ّ
ُيرفع عنهّ .أما إذا كان يعيش في ظروف وأوضاع طبيعية ،يستطيع أن
عما ال يعرفه ،ويتع ّلم ما يجهله ،فإنَّ الله لن يعذره غد ًا على يسأل ّ
اإلطالق .فاإلنسان عندما يقف بين يدي الله سبحانه وتعالى ،سيطالبه
الحق والعمل به ،وسيسأله عن وقوفه بجانب الباطل، ّ بعدم البحث عن
الحق ،وقريبة من الباطل، ّ ولماذا كانت حركته في الحياة بعيدة عن
وال مجال في ذلك لألعذار .لذلك فالحديث الشريف يقولُ « :يؤتى
باإلنسان يوم القيامةُ ،فيقال له :لِ َم َل ْم تعمل؟ فيقول :لم أعلمُ ،فيقال
الحج ُة البالغة» .فالله
ّ ِ
قوله تعالى :فل ّله تفسير ال تع ّلمت وذلك
له :ه ّ
ُ
يحتج
ُّ تقدم جهلك أمامه كعذر، يحتج عليك إذا كنت ّ ّ سبحانه وتعالى
عليك بأنّك كنت قادر ًا على العلم ،وعلى تحريك عقلك ،ولذلك ،فإنّ
تفكر ،وتبحث وتسأل ما دمت تحتمل أنّك عقلك يفرض عليك أن ّ
الحق ،فالجهل ّ خط معرفة تتحرك في ّ ّ ستواجه المسؤولية عندما ال
كل عقولنا بد لنا أن نستنفر ّ ليس عذر ًا لمن يستطيع أن يتع ّلم ّ
ويفكر .فال ّ
خط المعرفة ،لنقرأ ما يمكن أن تحقّقه لنحركها في ّ
وأسماعنا وأبصارناّ ،
الحق ،ولنسمع ما يمكن أن يحقّقه السماع من معرفة
ّ القراءة من معرفة
41
حذرنا الحق ،وقد ّ ّ ولنفكر بما يمكن أن يحقّقه الفكر من معرفة ّ الحق،
ّ
الله أنّنا سنواجه الحساب غـد ًا في هذه المسائل وخصوص ًا في قضية
ِ ِ ﴿و َال َتق ُ
س َل َك بِه ع ْل ٌم إِ َّن َّ
الس ْم َع َوا ْل َب َص َر َوا ْل ُفؤَ ا َد ُك ُّل ْف َما َل ْي َ الجهلَ :
ُأولـئِ َك َكانَ َع ْن ُه َم ْسؤُ و ًال﴾ [اإلسراء .]36 :أ َل ْم تسمع؟ ألم تبصر؟
تفكر؟ إذا سمعت فكيف سمعت؟ وكيف وعيت؟ وإذا أبصرت ألم ّ
فكرت؟» [صالة الجمعة :الكلمة فكرت فكيف ّ فكيف أبصرت؟ وإذا ّ
والموقف ،1989 ،ص 216ـ.]217
السيد محمدعلي فضل الله Mحيث سألت ُ
وأكمل مع سماحة ّ
السيد أجابني بالقول:
روحانية ّ
ّ سماحته عن
عاطفي ،بالرغم من أنّه ّ السيد يذوب مع الله ،وهو بطبيعته
كان ّ
ولكن العاطفة عنده ّ ّ
ويتحكم باألمور من خالل تفكيره وعقله، عقالني،
ّ
كانت تنطلق مع الله بال حدود ،وأعتقد أنَّ هذه العاطفة أخذها من ّ
جدنا
السيد الحكيم {، زوج إحدى بناته للمرجع ّ الحاج حسن ّبزي الذي ّ
وكان الحاج حسن بزي Mعندما يأتي إلى النجف األشرف ،كان
محمد حسين في عمر ما بين الحادية عشرة والثانية عشرة السيد ّشقيقي ّ
جدي يبكي طوال النهار لجده عن أحوال يوم القيامة ،فكان ّ
فكان يقرأ ّ
يتوجه بالدعاء،محمد حسين ..وعندما كان ّ السيد ّويبكي معه شقيقي ّ
كان يعيش حالة البكاء والتفاعل ،خصوص ًا وهو يقرأ دعاء ُكميل،
ومكارم األخالق ،ودعاء الصباح ،وقد كان يقرأ هذه األدعية غيب ًا.
السيد في العقل والقلب والوجدان..
ويبقى ّ
42
األئمة
أخالف إجماع العلماء وأعمل بإجماع ّ
الشرعي
ّ السيد فضل الله يؤمن بأنّه كفقيه ،عندما يقوم الدليل
كان ّ
والسنة النبوية الشريفة فإنّه ُيفتي
عنده والمستند إلى القرآن الكريم ُّ
ٍ
ومعرفة رباني
ومن دون تر ّدد وذلك بما أفاض الله تعالى عليه من علم ّ
كلالحق هي هدفه من ّ ّ مجبولة بالورع والتقوى ،ولذلك كانت كلمة
بشكل عام ،ومن هنا ،فإنّه كان ٍ حركته الفقهية والعقائدية والرسالية
كأمة وكأفراد وكمجتمع ،هي أن يؤكّ د على أنّ مسؤوليتنا في الحياة ّ
بالحق يشعر
ّ الحق ،واإلنسان الذي يؤمن
ّ الحق ،وأن نقول كلمة
ّ نتع ّلم
للحق ،فعليه أن يقولها في
ّ مسؤوليته ،فإذا كانت هناك فرصة
ّ الحق
ّ أنَّ
جانب من الجوانب كانت ،ألنّ الذين يسقطون هم الحياديون بينٍ أي
ِّ
الحق والباطل..
ّ
الحق ،مهما حاول
ّ روحية إعالن
ّ يعيش السيد
ّ وهكذا كان
يسم َي ما ليس
البعض أن يحجب نور الشمس عن العين ،أو حاول أن ّ
بالحق..
ّ ح ّق ًا
في وكشاهد على ذلك ،فإنّ أحد المالزمين لسماحة ّ
السيد
السيد الخوئي السيد وبعد أن ألقى كلمته في ذكرى ّ
ّ حدثني بأنّ
دمشقّ ،
{ وذلك في أوائل التسعينيات في حسينية السبطين بدمشق ،قريب ًا
حظ ًا منؤت ّ
معمم أفغاني لم ُي َ
تقدم منه ّ
السيدة زينب ّ ،O من مقام ّ
43
االستداللي
ّ السيد ونهجه
اطالع واسع على أفكار ّ العلم ،ولم يكن على ّ
في الفقه واألصول أو العقائد أو السيرة ،وقال له« :إنّك تخالف إجماع
العلماء».
وس َعة صدره ونُبل أخالقه
السيد وبرصانته وكظمه للغيظَ ،بهدوء ّ
والنفسي ،قال له« :نعم
ّ الروحي
ّ وعدم انفعاله ،ومحافظته على هدوئه
األئمة». ُ
أعمل بإجماع ّ إجماع العلماء ،ولكن أنا
َ ُ
أخالف أنا
عن مسؤولية عالِم الدين في السيد
يحضرني ما يقوله ّ
ُ وهنا
الحياة:
الدين إنسان يملك ثقافة دينية منفتحة على ّ
كل ما له عالقة «إنّ عالم ّ
التفصيلية
ّ الدين في اإلنسان وفي الحياة ،من خالل الخطوط بحركة ّ
الديني
بد للعالم ّ
في القانون واألخالق والقيم وما إلى ذلك .لذلك ،ال ّ
الدين في وجدان اإلنسان وفي ملم ًا ّ
بكل ما ي ّتصل بحركة ّ من أن يكون ّ
واقع الحياة».
العلمية القائمة على
ّ وحول الذين ال يعرفون الوصول إلى المطالب
الح ّجة والبرهان والدليل يقول:
ُ
والعلم
ُ العلم ليس ِعمامة،
ُ عالم دين،
َ الطبيعي أنّه ليس ُّ
كل شيخٍ ّ «من
كأي علمٍ آخر ..إنّ الموقع ال يمنحكالديني هو ّالعلم ّ
ُ ليس موقع ًا،
كأيالدين ّ
ينية ..عالم ّ
الد ّ
الدرجة ّ العلمية ،وإنّ ِّ
الز ّي ال يمنحك ّ ّ الدرجة
ّ
إنسان ،إذا كان له العلم ا ّلذي يمكن أن يجعله في مستوى موقعه ،على
أي شخص صاحب علم ،وإذا لم يكن له ذلك ،ووضع يقدروا ّال ّناس أن ّ
نفسه في موقع ،فعلى ال ّناس أن يرفضوه ،حتى ال يسيء إلى القيمة
44
العلمية ،من خالل جهلـه أو مـن خـالل انحرافـه.»...
ّ ينية والقيمة
الد ّ
ّ
[ لإلنسان والحياة ،ص 238ـ .]239
يرد على هذا الشيخ وعلى غيره من الذين َث َبتوا ُّ وأحسب أنّ ّ
السيد
تقليدي جامد ال يصمد أمام النقد ،فيقول« :لو ثبت عندنا ّ على منهج
ٌ
خرافة ،نقف لنقول ،إنّها حقيقة، حقيقة قرآنية ،وقال الناس ك ّلهم إنّها
لكن علينا أن نو ّثق النصوص الدينية ،هل صدرت عن المعصوم وكيف
صدرت وما هو مفهومها؟ ال يكفي أن نقول ،قال الشيخ المفيد ،وقال
الشيخ الطوسي ،بل علينا أن نناقش الشيخ المفيد في فهمه ،والشيخ
دوق في فهمه، الص َ َ
الشيخ ّ المفيد
ُ الشيخ
ُ الصدوق في فهمه ،كما ناقش
وهكذا ،نحن نقول :علينا أن نفهم اإلسالم من خالل قناعاتنا وأدواتنا
نحرك
في وسائل الفهم ،وأن نفهم روح العصر لنعرف كيف نستطيع أن ّ
اإلسالم في عقول الناس وحياتهم ،من خالل األساليب التي تنسجم
الجو العام والذهنية العامة»[ .لإلنسان والحياة ،ص.]247 مع ّ
السيد في العقل والقلب والوجدان...
ويبقى ّ
45
مسؤوليتي أن أرسخ في أذهان الناس أسماء األئمةR
ّ ّ ّ
الدعوة إلى الله من خالل حركة السيد فضل الله يؤكّ د على ّ كان ّ
كون أئمة أهل البيت Rهم ِع ْد ُلخط أهل البيت ُ R اإلسالم في ّ
الصامت هو كتاب الله ،والقرآن الناطق هم أهل البيت
ُ القرآن ،فالقرآن
وقوة ونظام في حياتهم.. ٍ
حولوا القرآن إلى حركة وواقع ّ
Rالذين ّ
السياسي
ّ األمة بالقرآن ولتأخذ منه عقيدتها وشريعتها ونظامها
لتقتدي ّ
َ
واإلنساني وما إلى هنالك..
ّ واألخالقي
ّ والتربوي
ّ واالجتماعي
ّ
السيد إلى لبنان في الستينيات ،كان يحرص بعد الصالة
ومنذ مجيء ّ
وأئمة أهل البيت ،Rوعند النبي ّ P ّ وبعد الدعاء على زيارة
مجيئه كان الكثيرون من أتباع أهل البيت في لبنان ال يحفظون أسماء
أئمتهم فيدرسون حياتهم
يعرف الناس ّ
السيد أن ّ
أئمتهم ،لذا ،كان هدف ّ ّ
الرباني..
ّ ومسارهم اإلسالمي ويلتزمون بنهجهم
مرة الصديق األخ الدكتور أحمد نصر الله ،أنّه سأل سماحة
حدثني ّ
ّ
لماذا تك ّلف نفسك وأنت تبذل الجهدَ الكبير في الدعوة السيد
ّ
واألئمة P النبي
ّ واإلرشاد والموعظة ،لماذا تك ّلف نفسك بزيارة
األطهار Rللجموع التي ص ّلت خلفك؟
أرسخ في أذهان الناس أسما َء
مسؤوليتي أن ّ
ّ السيد:
كان جواب ّ
الناس أفكارهم ورؤاهم وتط ّلعاتهم
ُ أئمة أهل البيت Rليعيش
ّ
اإلسالمية..
46
يقول: ومن هنا ،فإنّ ّ
السيد
القرآني
َّ يجسدون األسلوب ّ أئمة أهل البيت Rكانوا «إنّ ّ
الحركي في الدعوة في مفردات حياتهم ك ّلها على مستوى الدعوة ّ
الخط ّ خط العقيدة ،أو على مستوى الدعوة إلى الله في إلى الله في ّ
نتصور أنَّ األئمة
ّ األخالقي وفي المجاالت الحياتية ك ِّلها ،لذلك ،فإنّنا
ّ
محمداً خاص في الدعوة ،فإذا أردنا أن نقرأ ّ ٌّ أسلوب
ٌ Rلم يكن لهم
،Pفعلينا أن نقرأ القرآن ،وإذا أردنا أن نقرأ أهل البيت ،فعلينا أن نقرأ
القرآن ،ألنّ أهل البيت يمثّلون التجسيد العملي للقرآن ،كما كان ّ
النبي
Pفي ما قالته إحدى زوجاته« :كان ُخ ُلقُ ه القرآن» [حوارات في الفكر
والسياسة واالجتماع ،ص.]512
ولذلك نقول« :إنّ قولهم شريعة وفعلهم شريعة ،ال بمعنى أنّهم
يشرعه الرسول Pولك ّنهم كما قالوا« :حديثي يشرعون لنا ما لم ّ ّ
جدي حديث جدي ،وحديث ّ حديث أبي ،وحديث أبي حديث ّ
الحسين ،وحديث الحسين حديث الحسن ،وحديث الحسن حديث
أمير المؤمنين عليه السالم ،وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله
عز وجل»[ .حوارات صلى الله عليه وآله وحديث رسول الله قول الله ّ
في الفكر والسياسة واالجتماع ،ص.]521
وأئمة أهل البيت Rذاكر ًا
النبي ّ P ّ يزور السيد
وكان ّ
ومرة جاءني األخ بالل الخليل وطلب م ّني أن
أسماءهم وألقابهمّ ،
أنقل للسيد رغبة بعض اإلخوة في مسجد اإلمامين الحسنين L
ّ
يضم، السيد إلى زيارة أبي عبد الله الحسين Qأن ّ
أنّه عندما يصل ّ
نقلت
ُ فقرات الزيارة المكتوبة على ضريح اإلمام الحسين ..Q
47
للسيد الذي كان من طبعه
رغبة األخ الحاج بالل الخليل ورغبة اإلخوة ّ
ّ
الخط ويلبي رغبات اآلخرين إذا كانت منسجمة مع
أن يستمع لآلخرين ّ
اإليماني وتحمل فائدة للناس ،وبالفعل فإنّ ّ
السيد عندما كان يقرأ زيارة ّ
كان يقرأ هذه Q النبي وأهل البيت ،وعندما يصل إلى الحسين
ّ
الفقرات حتى نهاية عمره المبارك..
وهذه الزيارة هي:
«السالم عليك يا أبا عبد الله ،السالم عليك يا ابن رسول الله ،السالم
عليك يا ابن أمير المؤمنين ،السالم عليك يا ابن خديجة الكبرى ،السالم
عليك يا ابن فاطمة الزهراء ،السالم عليك يا ابن الهادين المهد ِّيين،
السالم عليك يا صريع الدمعة الساكبة وصاحب المصيبة الراتبة ،السالم
عليك وعلى جدِّ ك وأبيك ،السالم عليك وعلى أ ِّمك وأخيك ،السالم
بك التراب، طيب الله َ
األئمة من بنيك ..أشهدُ يا موالي لقد َّ
عليك وعلى ّ
وجدك
َّ بك الثواب ،وأعظم بك المصاب ،وجعلك وأخاك وأجزل َ
وأباك وأ ّمك وبنيك عبر ًة ألولي األلباب ،يا ابن الميامين األطياب،
صلوات الله وسالمه عليك ،ما
ُ هت سالمي إليك، وج ُالتالين الكتابَّ ،
تمسك بك وأمن من لجأ إليك ،ص ّلى الله عليك ،ص ّلى الله خاب من ّ
عليك ،ص ّلى الله عليك ،السالم عليك وعلى ولديك ّ
العليين الشهيدَ ين
وعلى أخيك أبي الفضل العباس ،وعلى أختك الحوراء زينب وعلى
الم ْس َتشْ َهدين معك».
سائر ُ
وجد الحسين وأبي الحسين في السيد ألنّه بقي على ّ
خط الحسين ّ ويبقى ّ
العقل والقلب والوجدان..
48
ليس في حسابي في ِّ
كل ما قمت به
شيء اسمه محمد حسين فضل الله
49
وكثير منهم انساق مع العقل الجمعي ،وتركوا ٌ وأبوتك،
ّ
لآلخرين أن يستأجروا عقولهم ،فلم يهتدوا إلى ركن وثيق...
للسيد ـ أن تكون كفالن ،فالن الذي ال
قلت ّ وعليك ـ هكذا ُ
يخرج أحدٌ من تحت عباءته ،وإذا ما حاول أحدٌ ذلك،
َ يجرؤ أن
فإنّه يخضع للتعنيف والتشهير ،وال يستطيع أن ينبس ببنت شفة
لست كغيرك ،رغم نبل عاطفتك سيدنا َفأنت ّ
ولي نعمتهَ ،على ّ
وإحسانك»..
السيد وقال:
إلي ّحنو ولطف وابتسامة ،نظر ّ ّ
بكل ّ
السيد عبد
المقدس ّ
ّ ـ «مشكلتنا» يا أخي أنَّ أبانا ـ وهو المرحوم
ربانا تربية أخالقية ،نحن ال نعرف
الرؤوف فضل الله { ـ ّ
نعادي وقال بالعامي :نحنا ما منعرف نقاتل ..أنا فاشل َ أن
بالمقاتلة..
ثم أردف قائ ً
الّ :يل ..معلش ..خ ّليها لله تعالى ،واآلخرون أخطأوا
أو أصابوا أسأل الله أن يعذرهم..
﴿خ ِذ ا ْل َع ْف َو َو ْأ ُم ْر
الحب ،وهو كان ير ّددُ :
ّ السيد لم يعرف إ ّ
ال لغة ّ
ين﴾ [األعراف .]199 : ِ ِ ْ
ض َع ِن ال َجاهل َ ِ َ
ف َوأ ْعر ْ بِا ْل ُعر ِ
ْ
الحب هذه بقاموسه هي لغة الحياة:
ّ ولغة
والمحبة حياة..
ّ الحقد موت
والسيد لم يتو ّقف عند مصالحه الخاصة وهو ّ
يقدم المعونة لمن ّ
يحتاج هذه المعونة ،لم ينتظر ال أجر ًا وال مدح ًا ،وهو القائل« :اإلسالم
ُ
50
همه
يفرض على اإلنسان المؤمن أن ينفتح على أخيه المؤمن ليحمل ّ
وليقضي حاجته ،وليعيش معه في جميع أموره ،وليحفظه
َ وليفرج كربه،
ّ
في ماله ونفسه وعرضه».
ولقد َع ِه ْدنا ّ
السيد في مسيرة حياته ك ّلها أنّه ُ
يقابل اإلساء َة باإلحسان،
والشر بالمعروف ،وهذا ديدنه طوال حياته حيث ا ّتخذ من رسول الله َّ
ّ ً
Pأسو ًة وقدو ًة ومثاال له ،وكان يقول« :لقد تعلمت من رسول الله
أحب اإلنسان المؤمن وأتعاون معه، َّ Pأن ُأ ِح َّب الناس جميع ًا،
وأحب اإلنسان غير المؤمن ألنفتح معه على كثير من القضايا»[ .الكالم ّ
السيد ،ج ،6ص]345 ّ
يحبنا الله فإنّ قلوبنا وأرواحنا تنتعش بهذا
ويضيف « :عندما ّ
الروحي ،ومن هنا،
ّ ِ
واألمن والفرح بالسكينة والطمأنينة الحب ،ونشعر َّ
ّ
ِ
محبة الله و ُب ِ ما ُ
غض الناس الناس و َي ْبغُ َضنا الله ،وما قيمة ّ
ُ يحبنا
قيمة أن َّ
السيد ،ج ،6ص]345 لنا[ »..الكالم ّ
السيد Pفي خطبة له بتاريخ
حب الناس أو ُبغضهم ،يقول ّ
وحول ِّ
:2002/03/21
بعض األفكار اإلسالمية التي أعتقد أنّها هي كنت ُأطلق َ«عندما ُ
واجهت
ُ الحق ،فإنّي
ّ الحق أو بعض األفكار الفقهية التي أعتقد أنّها
ُّ
الكثير من الناس من أصدقائي من مختلف المستويات يقولون لي:
نحن معك ،ولكن لماذا تتك ّلم هكذا ،سوف يتك ّلمون عليك ،سوف
األمة ..لم
الحق أو انتبه على ّ
ّ يهاجمونك ،انتبه لنفسكّ ...أما انتبه على
أسمع هذه الكلمة».
51
السيد « :عندما يكون عندنا أزمة تخ ّلف الذهنية العامة
ويضيف ّ
غلو ،كيف ال نتك ّلم..
للمسلمين ،وأزمة خرافة في غير موقع ،وأزمة ّ
محمد حسين فضل الله، ّ لذلك ،نحن نقول لهم ،المسألة ليست
محمد حسين فضل الله مرحلة مثل الذين سبقوه والذين يأتون السيد ّ
ّ
لمحمد حسين فضل الله ،نحن نشتغل لإلسالم، ّ بعده ،نحن ال نشتغل
نضح َي في سبيل اإلسالم« ،خلي» الناس تشتم، ّ مستعدون أنّ ونحن
تسب« ،خلي» الناس ال تأتي إلى «خلي» الناس ت ّتهم« ،خلي» الناس ّ
صالة الجماعة ،ليست مشكلة ،وكما قال أمير المؤمنين علي Q
ٌّ
ِ
(والله إنّها أعظم من ونحن تراب أقدامه ،يقول وهو يشير إلى نعله:
أدفع باط ً
ال)». إمرتكم هذه إ ّال أن ُأ َ
قيم ح ّق ًا أو َ
همه اإلسالم ،وفي
السيد ،كان ّ
شخص َّ السيد ك ّله ،ليس
هم ّ
فكان ّ
سيدنا ،قال:
مرة ما هو مشروعكم ّ
السيد ّ
سألت ّ ُ هذا المجال
«مشروعي منذ انطلقت في العمل اإلسالمي منذ ما يقارب الخمسين
خط أهل البيت ..Rهذا هو سنة ،هو اإلسالم ،واإلسالم في ّ
مشروعي الذي عشت حياتي من أجله ،لذلك كنت وما أزال أقف
إسالمي يريد تغيير الواقع الفاسد لمصلحة اإلسالم،
ّ كل مشروع في ِّ
ولذلك انفتحت على الحركات اإلسالمية ك ّلها وواقع المستضعفين
ولكن المشكلة عند اآلخرين أنَّ لهم مشروعهم الخاص َّ ك ّله...
ويحاولون ا ّتهام اآلخرين بالمشاريع الذاتية ..ليس في حسابي في ّ
كل
«محمد حسين فضل الله» فمشروعيّ ما قمت به منذ البداية شيء اسمه
يتغزل بالنساء
هو كلمة الله ..وإذا كان الشاعر الغزلي عمر بن أبي ربيعة ّ
52
حتى أثناء الطواف حول الكعبة ،وقد ُسئل أبمثل هذا الموقف؟ قال :أنا
[بينات،
موكل بالجمال أتبعه .فأنا أقول :إنّي موكل باإلسالم أتبعهّ »..
ص.]428
للسيد ولنهجه ،قال له :نحن مرة أنَّ أحدهم ومن باب ّ
محبته ّ وأذكر ّ
ُ
سيدنا ،أنّنا من جماعتك..نفخر ّ
« :علينا أن نفخر أنّنا جميعنا من جماعة اإلسالم».. السيد
قال له ّ
كان العمل لإلسالم في ِّ
خط أهل البيت R السيد
هم ّ كل ُّّ
فهو المنجاة في الدنيا واآلخرة ..ومن دون هذا اإلسالم الذي يرسم
ّ
الخط المستقيم لإلنسان والكون والحياة ،تكون حياتنا عبث ًا ولهو ًا،
هذه اآلية المباركة: وكان ير ّدد
﴿أ َف َح ِس ْب ُت ْم َأن ََّما َخ َل ْق َن ُ
اك ْم َع َبث ًا َو َأن َُّك ْم إِ َل ْي َنا َل ت ُْر َج ُعونَ ﴾ [المؤمنون: َ
.]115
السيد ،وكان حزنُه على رفاقه الذين قلب ّ سكن ََ وحب اللهُّ
أخذوا طريق ًا آخر ،في ذلك ك ِّله يقول شعر ًا:
الس ِ
باق ه إذا َه ْم َه َمت ُخ ُيول ِّ امتدادات دنيا
ُ عمريَ ،
منك رب ْ
ِّ
ِ ِ ِ َ َ
االنطالق موعد بروح ْي في َح حب َك َّ
الس ْمـ أهواك ،ألتقي َّ أنا
الطريق ِرفاقي
ُ ـك إنْ َأبعدَ نِـ َ در ِ
ب ُر ْضوا أهوى الحيا َة في ْ
أنا َ
ماي عبر ِ
الف ِ
راق َح ويروي َظ َ الرو ِ أع ِطني ِم ْن ن َ
َ َداك ما ُيخص ُب ُّ ْ
ِ
واإلرهاق... ِ
بالجهد ـعين عمري الس ْبـ يا ُل َ
َ تين هل يبلغُ َّ
الس َ
هاث ِّ
53
ِ
ِ
والنفاق َها بعيد ًا عن الهوى للحقيقة أج ُلو َأعطني ُ
الع ْم َر
الر ِ
قاق ِ ِهي وال َّ
الز ُ الع َب ُث ّ َه َو ُّ
يف في الوجوه ِّ الل كل الطموحِ ال َ
اي الباقي؟
موج في َمدَ َ ِ خطو ًة خطو ًة متى أب ُلغُ الشا
ط َئ يا ُ
ال ِق ِ
المهيمن الخ ّ ِم ْن عطايا فيضإلهي ـ ٌ
َ العم ِر ـ يا ُ
رحلة ْ
ٌ
حبيبة في اشتياقي ودمــوع
ٌ ُ
ابتهال خشو ٍع وأنــا ها هنا
[ديوان في دروب السبعين ،ص 47ـ ]48
54
عدو ًا للراحة
كان ّ
55
فكان الكثير من الطالب يتهافتون للدراسة على يديه في حوزة النجف
األشرف..
وما يو ّثق ذلك ما نقله الحاج ميثم كاظم عبد الحسين ،أنّه في السنة
السيد،
ّ السيد فضل الله زار الحاج ميثم سماح َة ّ األخيرة من حياة
محمد آصف ّ وصادف أنّ سماحة الفقيه المجتهد آية الله الشيخ
رحب السيد ،وبعد أن ّ
محسني كان في الوقت ذاته في زيارة لسماحة ّ
السيد وخالل تذكّ رهما ألحوالهما عندما كانا في السيد بهما ،قال له ّ
ّ
السيد« :أنا أعرفك منذ أربعين عام ًا» ،فقال له
النجف األشرف ،قال له ّ
تدرس الشيخ محسني« :أنا أعرفك منذ خمسين سنة وذلك عندما كنت ّ
يدل على مدى رصد الفضالء من الطالب في مسجد الهندي» ،وهذا ّ
السيد العلمية من قبل علماء الحوزة العلمية وطالبها في النجف
حركة ّ
األشرف..
وهو في النجف األشرف السيد
ّ وما تجدر اإلشارة إليه أنّ
وطوال ّأيام حياته ،لم يعرف الراحة أبد ًا ،ألنّ الراحة التي ال تعني إ ّ
ال
السيد
وتضييع الوقت لم تكن على اإلطالق في قاموس ّ َ االسترخا َء
فضل الله ،لذلك كان يقول:
ولكن المسألة في ّ ونحب االسترخاء،
ّ نحب الراحة، ّ «مشكلتنا أنّنا
ت ال َّل ِه
ين ُيب ِّلغُ ونَ ِر َس َال ِ ِ
أن ننطلق ،لنكون ،كما قال الله تعالى﴿ :ا َّلذ َ َ
َو َي ْخشَ ْو َن ُه َو َل َي ْخشَ ْونَ َأ َحد ًا إِ َّل ال َّل َه َو َك َفى بِال َّل ِه َح ِسيب ًا﴾ [األحزاب:
[ .]39لإلنسان والحياة ،ص]241
: ويقول
56
بد أن همته ال ينجح ،فال ّ يحب ُم ّّ «نحن نقول :إنّ اإلنسان الذي ال
ول ِّم ْن َأ ُنف ِس ُك ْم َع ِز ٌيز نحب الناسَ ﴿ :ل َق ْد َج ُ
اءك ْم َر ُس ٌ مهمتنا ،وأن ّ نحب ّ ّ
يم﴾ [التوبة.]128 : ِ ِ ِ َع َل ْي ِه َما َعن ُّت ْم َح ِر ٌ
يص َع َل ْي ُكم بِا ْل ُم ْؤمن َ
ين َرؤُ ٌ ِ
وف َّرح ٌ
بد من إدخالها إلى الوجدان والشعور كلمات نقولها ال ّ ٌ هذه
يحتاج إلى جهاد أكبر، متجذر داخل النفس ،وهذا ّ ِ
وتحويلها إلى أم ٍر
ُ
لذلك أقول لنفسي وأقول لكم :علينا أن نَدخل في حسابات مع الداخل
نهتم بمحاسبة أنفسنا أمام الله قبل أن نُجري حسابات مع الخارج ،أن ّ
نهتم بمحاسبة اآلخرين ..علينا دائم ًا أن نقرأ قوله تعالىَ ﴿ :ل َق ْد قبل أن ّ
ول ال َّل ِه ُأ ْس َو ٌة َح َس َن ٌة ِّل َمن َكانَ َي ْر ُجو ال َّل َه َوا ْل َي ْو َم ْال ِخ َر
َكانَ َل ُكم ِفي َر ُس ِ
ْ
َو َذ َك َر ال َّل َه َكثِير ًا﴾ [األحزاب[ .]21 :لإلنسان والحياة ،ص.]252
57
كم بقي من العمر..؟ عليك أ ّال ترتاح
58
بقية»
«ما زال في العمر ّ
ألنّ أمله بالله كان كبير ًا ،كان يريد أن ُينجز الكثير من األعمال التي
ولألمة..
ّ كان يشعر أنّه بحاجة إلتمامها خدم ًة للمجتمع وللناس
لذلك عندما ُسئل عن الموت ،إن كان يخاف منه؟
59
الشمال إلى الجنوب ،من حمص إلى حلب وعودة إلى درعا..
السيد ،والتي كانت تلقى الصدى الواسع
محاضرات ولقاءات يقوم بها ّ
والمهتمين..
ّ لدى جمهور المثقفين
السيد الحسيني ،وال تزال السيد يقول ّ كنت ألمس وأعاين تعب ّ
السيد فيها
الصورة حاضرة في ذهني ،وأذكر بعد رحلة طويلة ألقى ّ
السيد
محاضرات عدة ،وعند عودتنا من حمص وفي السيارة ،نزع ّ
عمامته وأسند رأسه إلى مسند مقعد السيارة ،وهو يشكر الله على نعمة
العمل ..فجر ًا حوالي الثانية ،نزل من السيارة عند وصوله إلى دمشق
قول الله تعالى روحية عاليةَ ، ّ م ّتكئ ًا على عصاه ،وهو يتمثّل بسعادة
نبي الله موسىَ ﴿ :Qل َق ْد َل ِقي َنا ِمن َس َف ِرنَا َه َذا ن ََصب ًا﴾ على لسان ّ
[الكهف.»]62 :
مرة ِ
همة عالية ،ال يعرف الكلل والملل والضجر ،وقد سأله ّ
صاح ُب ّ
ابني حسن وكان صغير ًا عن عدد ساعات نومه في الليل ،سمعته يجيبه
بأنّه ينام أربع ساعات فقط..
وظف ساعات يومه بالعمل من أجل اإلسالم والناس، لقد ّ
ليجدد نشاطه وليقوم الحق ًا
ّ وكان يقول ،بأنّ على اإلنسان أن يرتاح
بمسؤولياته.
ٍ
رحلة له إلى إيران ،وبعد ّأيام طويلة يذكر أحد معاونيه أنَّه في أثناء
وقم ومشهد، من المؤتمرات وال ّلقاءات والمحاضرات بين طهران ّ
السيد إلى منطقة بحر قزوينأرتأى المسؤولون في إيران أن يذهب ّ
للراحة واالستجمام..
60
السيد وسافر إلى منطقة بحر قزوين حيث الطبيعة الخالبة َقبِل ّ
أي مواعيد أو لقاءات ..طبع ًا
السيد ُّ والمناظر الجميلة ،وليس في ّ
مفكرة ّ
يتنزه ولم يضع لنفسه برنامج ًا استجمامي ًا ،بل كان الكتاب بين يديه،
لم ّ
واألوراق والقلم ال تتركهم أصابعه..
يوم ..يومان ..ثالثة:
ـ إخوان ـ خاطب المرافقين ـ إلى طهران..
السيد على نفسه
يفوت ّ
أصيب الجميع بالذهول ،وتساءلوا لماذا ّ
فرصة راحة من الفرص الجميلة.
السيد عن قراره ،ألنّهم يعرفون جيد ًا
ّ ثني
لم يحاول أحد أن ُي َ
حساسيته من عدم اإلنتاج ووجود ساعات فرا ٍغ كثيرة في ّ
مفكرته.. ّ
ويحدث َمن كان يصعد معه في السيارة إلى ّ يسابق الزمن،
ُ السيد
كان ّ
السيد يفتح حقيبته ،ويبدأ بالكتابة ،إما تدوين ًا لفكرة أو ردود ًا
دمشق ،أنّ ّ
كنت أعاينشخصي ًا ُ
ّ على استفتاءات أو مراجعة لبعض األفكار ،وأنا
ذلك ،فإنّه عندما أس ّلمه بعض األبحاث التي كان قد ك ّلفني بإعدادها
متعرجة ،ومن المعروف أنَّ َّ
خط وتنسيقها ،فإنه كان يعيدها لي بخطوط ّ
السيد
ّ خط أنيق وجميل ،وبعد فترة عرفت وبعد االستفسار أنّ السيد ٌ
ّ
يفوت على نفسه فرصة العمل حتى في السيارة وهي تصعد كان ال ّ
متعرج ًا ولك ّنه ّ
الخط ّ وتهبط وتميل تارة يسار ًا وتارة يمين ًا ،ولذا ،كان
مفهوم جد ًا..
الراحة فيه حرام إ َّ
ال التي ُ ومن هنا ،كان ير ّدد« :إنّنا في عص ٍر
تحتاجها من أجل تجديد نشاطك ،أما الراحة االسترخاء ،فهي التي
61
عاطل ،تضحك وتلهو، ٌ سدى وأنت
ً تذهب فيها الساعات والساعات
تعطي من عمرك شيئ ًا لحياتك وحياة
َ وبذلك تقتل عمرك من دون أن
الناس»..
62
الج ْيب يأتِك ما في الغيب ْ
اصرف ما في َ
63
اصرف ما في الجيب يأتِ َك ما في الغيب.. ـ
ولذا ،كان يوصي معاونيه في مجال الخدمات والمساعدات بأن
تدخروا شيئ ًا ،فالله ثقوا بالله تعالى ،واصرفوا َّ
كل ما في الصندوق ،وال ّ
كفيل ِّ
بكل شيء.. ٌ
أساسية في حياتنا ،قضية ّ السيد يؤكّ د على قضية ولطالما كان ّ
بإنسانية اآلخرين وآالمهم ،وهي مسألة ّ تجعل من اإلنسان إنسان ًا يشعر
ين َوا ْل ُم َّصدِّ َق ِ
ات العطاء ،فكان يستشهد باآلية القرآنية﴿ :إِ َّن ا ْل ُم َّصدِّ ِق َ
َ َو َأ ْق َر ُضوا ال َّل َه َق ْرض ًا َح َسن ًا ُي َض َ
يم﴾ [الحديد: اع ُف َل ُه ْم َو َل ُه ْم أ ْج ٌر َك ِر ٌ
السيد من هذه اآلية المباركة أنَّ الله يريد لإلنسان، .]18ويستوحي ّ
ال كان أم امرأة ،أن يعيش روحية العطاء ،وذلك بما تمثّله كلمة رج ً
الصدقة من مفهوم العطاء قرب ًة إلى الله سبحانه وتعالى .وربما تكون
ويتصدق على الفقراء ّ لإلنسان بعض القدرة المالية على أن ُينفق اآلن
والمحرومين ،فليغتنمِ الفرصة ،ألنّ الصدقة عبادة ..فأنت إذا أعطيت
إنسان ًا فقير ًا محروم ًا قرب ًة إلى الله تعالى ،فإنَّ عطاءك هذا صال ٌة تص ّليها،
بالركعات والسجدات وقد تكون بالصدقات.. ألنّ الصالة قد تكون ُّ
يتصدق بخاتمه وهو في ّ وهذا هو ما دفع أمير المؤمنين علي ًا Qألن
حال الركوع ،ألنّه Qال يرى فرق ًا بين الصالة وبين الصدقة.
يعتبر الصدقة خسارةً ،ألنّه سبحانه ال َ والله تعالى طلب من اإلنسان أ ّ
والمتصدقات ُي َوفّيه
ّ للمتصدقين
ّ وضع في حسابه يعتبر الصدقة قرض ًا ُي َ
ال َو َل َب ُنونَ *
لهـم مضاعفـ ًا مئة بالمئـة يوم القيامـة ﴿ َي ْو َم َل َين َف ُع َم ٌ
يضاع ُف هذاَ يم﴾ [الشعراء 88 :ـ .]89وال ب َس ِل ٍإِ َّل َم ْن َأتَى ال َّل َه بِ َق ْل ٍ
َ
يم﴾ [الحديد ]18 :وهذا األجر ﴿و َل ُه ْم أ ْج ٌر َك ِر ٌ
القرض مئة بالمئة فقط َ
64
مضاعف لهم.
َ الكريم يأتي فوق ما هو
وهذا هو الذي يجعلنا ّ
نفكر دائم ًا أن ننتهز فرصة إمكاناتنا حتى ن َ
ُعين
الناس الذين يحتاجون إلى معونتنا ..وقد يعتبر الكثيرون م ّنا حاجة
«إن من نِ َعم الله
الناس إليهم عبئ ًا عليهم ،ولكن جاء في الحديثَّ :
عليكم حاجة الناس إليكم» ألنّ الناس عندما يحتاجونك وتعطيهم ّ
مما
أنعم الله عليك ،فإنَّ ذلك يرفع درجتك عنده سبحانه ّ
ويقربك إليه .وقد
ورد في بعض األحاديث عن أئمة أهل البيت Rأنّهم إذا جاءهم
علي :Q سائل أو صاحب حاجة استعجلوا قضاء حاجته ،فيقول ّ
قضي حاجته». َ
يستغني ع ّني قبل أن أ َ
َ «أخاف أن
السيد
طرحت على سماحة ّ ُ وأذكر أنّني في لقاء الثالثاء المباشر
ُنف ُقو ْا ِم َّما ِ
منطلق ًا فيه من اآلية القرآنيةَ ﴿ :لن َت َنا ُلو ْا ا ْلبِر َح َّتى ت ِ سؤا ً
ال
َّ
ت ُِح ُّبونَ ﴾ [آل عمران ..]92 :ماذا تستوحي من هذه اآلية المباركة؟
السيد:
أجاب سماحة ّ
مفردات
ٌ «نستوحي من هذه اآلية المباركة أنّ الصدقة والخير والعطاء
تنطلق من روح الخير في نفس اإلنسان ،وأنَّ على اإلنسان إذا أراد أن
البر والخير وعن روح العطاء في نفسه ،وعن التعاطف مع يعبر عن ِّ
ّ
يعطي األشياء التي يريد
َ يحبه ،ال أن
اآلخر ،عليه أن يعطي الشيء الذي ُّ
ُ
يعيش التخ ّلص منها ،أو رميها ألنّها ال تنفعه .إنَّ على المحسن الذي
يحب من الطعام أو المال أو األثاث ،وما
يعطي ما َّ البر أن
في ذاته فكرة ّ
روحي َة العطاء في ذاته ،وروحي َة الخير في قناعاته».
ّ إلى ذلك ،ليؤكّ د
[بينات ،ص.]352 ّ
ال عن ُّ
يستدل على ذلك برواية نق ً وفي تفسير (من وحي القرآن)
65
فتصدق به، ّ تفسير مجمع البيان أنَّ علي ًا Qاشترى ثوب ًا فأعجبه،
رسول ال ّله Pيقولَ :من آثر على نفسه آثره ال ّله يوم َ «سمعت
ُ وقال:
أحب شيئ ًا ،فجعله ل ّله ،قال ال ّله تعالى يوم القيامة: القيامة بالج ّنة ،و َم ْن ّ
قد كان العباد يكافوك فيما بينهم بالمعروف ،وأنا أكافيك اليوم بالج ّنة».
بالسكر يتصدقان ُّ ّ علي والصادق Lأنَّهما كانا وعن الحسين بن ّ
أحب األشياء إلينا ،وقد قال تعالىَ ﴿ :لن َت َنا ُلو ْا ا ْلبِ َّر َح َّتى
ويقوالن« :إنَّه ُّ
ُنف ُقو ْا ِم َّما ت ُِح ُّبونَ ﴾» [آل عمران.»]92 :
ت ِ
66
هذه الحرب في القتل العشوائي والتدمير الواسع ونهب الممتلكات
أقرب الناس إلى
َ وجرح المدنيين وإصابتهم بالعاهات ،فكان هؤالء
والمبرات والمعاهد والمستشفيات والمراكز
ّ قلبه ،فبنى المدارس
الصحية ،ليساهم في رفع مستوى المستضعفين ،وليمسح الدموع من
خير سند
المتعبين ،وليكون بعد اللهَ ،
َ مآقي األيتام ،وليخ ّفف من وجع
روح الفرح..
لكل الذين قست عليهم الحياة ،وصادرت منهم َ ّ
67
ِدير با َلك على الفقراء
يا حاج موسى
68
خير الناس ،فقال« :Pخير الناس من ينفع الناس ،فكن نافع ًا لهم» ،إذا
أردت أن تكون خير الناس ،فادرس إمكاناتك ،وادرس حاجات الناس
مما تملكه من طاقات ،سواء كانت طاقات
تقدمه لهم ّ
وما تستطيع أن ّ
عقلية وعلمية أو ما إلى ذلك من أعمال ،كن النافع للناس تكن خير
الناس .وعنه « :Pخير الناس من نفع الناس».
69
الس َماء َم ًاء َف َسا َل ْت َأ ْو ِد َي ٌة بِ َقدَ ِر َها َف ْ ِ َ
اح َت َم َل َّ
الس ْي ُل زَ َبد ًا تعالى﴿ :أ َنز َل م َن َّ
اع زَ َبدٌ ِّم ْث ُل ُه َك َذلِ َكوقدُ ونَ َع َل ْي ِه ِفي ال َّنا ِر ْابتِغَ َاء ِح ْل َي ٍة َأ ْو َم َت ٍرابِي ًا َو ِمما ُي ِ
َّ َّ
اس الز َبدُ َف َي ْذ َه ُب ُج َف ًاء َو َأ َّما َما َين َف ُع ال َّن َ اط َل َف َأ َّما َّ
َي ْض ِر ُب ال ّل ُه ا ْل َح َّق َوا ْلب ِ
َ
َال﴾ [الرعد[ .]17 :صالة َ
ض َك َذل َك َي ْض ِر ُب ال ّل ُه األ ْمث َِ َفيم ُك ُث ِفي َ
األ ْر ِ َْ
الجمعة :الكلمة والموقف ،ص]387
70
ال أفعل شيئ ًا في ّ
السر أستحي منه في العالنية
71
يطبق كالم المعصومين Rالذي جاء السيد في هذا المجال ّ
كان ّ
يفوض له أن َّ
يذل نفسه». فوض إلى المؤمن أموره ك ّلها ولم ّ
«إن الله ّ
فيهّ :
﴿ولِ َّل ِه ا ْل ِع َّز ُة َولِ َر ُسولِ ِه
عزة الله ورسوله َ
وعزته من ّ
فالمؤمن عزيزّ ،
َولِ ْل ُم ْؤ ِمنِ َ
ين﴾ [المنافقون.]8 :
السيد ينطلق من إيمانه بالحرية التي أعطاها الله لإلنسان، كان ّ
وحر ًا أمام العالم ك ّله».
«كن عبد ًا لله ّ
ولطالما كان ير ّدد ُ
إنسانيته ،وينسحق أمام إراداتّ حريته ،يفقد
فاإلنسان الذي يفقد ّ
يفكرون عنه ،ويرسمون صدى لآلخرين الذين ّ ً اآلخرين ،بل ويصبح
ويكبل
ّ منهج الحياة الذي ينبغي أن يسير عليه ،وبالتالي يفقد إرادته،َ
نفسه بسالسل العبودية لمن أرادوا له أن يكون عبد ًا مطيع ًا ال قدرة له
على إثبات وجوده...
ُيوصي بالتأكيـد على حريـة اإلنسان وفي هذا المجـال كان
ويقول:
ونفكر في أنّ الله أكّ د لنا هذه الحقيقة ّ نفكر بهذه األمور دعونا ّ
وهي ﴿إِ َّن ال ّل َه َال ُيغَ ِّي ُر َما بِ َق ْو ٍم َح َّتى ُيغَ ِّي ُرو ْا َما بِ َأن ُْف ِس ِه ْم﴾ [الرعد]11 :
إنّ الله جعل تركيبة الوجود اإلنساني خاضعة ،لهذه الخطوط .فنحن
في المجاالت العامة يمكن لنا أن نكون أحرار ًا إذا نزعنا من أنفسنا
مستعد ًا ،من
ّ روح العبودية لآلخرين ،وبقينا عبيد ًا لله وحده .فما دمت
وملذاتك ألن تبيع نفسك لآلخرين ،فإنّك ّ أجل أطماعك وشهواتك
حررتلو انطلقت في شعارات الحرية ك ّلها فستبقى عبد ًا؛ ولك ّنك إذا ّ
حرة ،ويريدنفسك من عبودية اآلخرين وشعرت بأنّ الله خلق إرادتك ّ
72
حر ًا ،إذا
حر ًا ،ويريدك أن تبقى ّ
حرة ،وأنّ الله خلق كيانك ّ
لها أن تبقى ّ
آمنت بالحرية كأساس في عقلك وفي إرادتك؛ فلو أنّ الكون أطبق
عليك ،ليستعبدك فإنّه ال يستطيع أن ينال من حريتك شيئ ًا .وهذا ما ّ
عبر
حر على جميع الحر ّ«إن ّ
عنه إمامنا جعفر الصادق Qعندما قالّ :
تداكت عليه المصائب لم تكسره وإن أحواله إن نابته نائبة صبر لها وإن ّ
ُأسر و ُق ِهر واس ُتبدل باليسر عسر ًا».
عندما تعيش عقلية الحرية في داخل كيانك ،فلن يستطيع أن
يستعبدك أحد ،ألنَّ الحرية تصرخ من أعماق نفسك إذا حاصر اآلخرون
يحررك أحد،جسدك .وإذا عشت العبودية في نفسك ،فلن يستطيع أن ّ
ألنّ العبودية تكون جزء ًا من ذاتك .لهذا عندما نريد أن ّ
نتحرر فعلينا أن
نزرع الحرية في أعماقنا ،وعندما نريد أن نرفض االستعباد في واقعنا
فعلينا أن نعمل على أساس أن ننزع االستعباد من نفوسنا .ولهذا كان
اإلسالم يركّ ز على الداخل ،كما يركّ ز على الخارج .هناك كلمة اإلمام
علي Qيقول فيها« :الراضي بفعل قو ٍم كالداخل فيه معهم وعلى ّ
إثم العمل به وإثم الرضا» يعني أنت حين كل داخل في باطل إثمانُ ، ّ
حق فالن أنّ يستعبد فالن ًا فإنّك
ترى أناس ًا يستعبدون آخرين وتقول من ّ
تتحرك خطوة ،ألنّك تد ّلل على نفسية ّ
تشجع الظلم .إنّ آثم حتى لو لم ّ
الله ال يريدك أن تكون ظالم ًا في عقليتك ،كما ال يريدك أن تكون ظالم ًا
في حركتك في الحياة .تبدأ القيم في اإلسالم من الداخل ،والله يريد
الروحي .وهذا ما نريد أن نؤكّ ده
ّ للناس أن يؤمنوا بالقيم في الجانب
في حركة حياتنا عندما نواجه االستعباد الذي يريد أن يفرضه الشرق
والغرب علينا ،واالستعباد الذي تريد أن تفرضه الصهيونية علينا،
73
واالستعباد الذي يريد أن يفرضه الظالمون في الداخل علينا[ .الجمعة
منبر ومحراب :1988ص 389ـ]390
74
أبا جهاد ..هل تأ ّمن المنزل؟
75
السيد
أبو جهاد ..ناداه ّ ـ
وبسرعة اقترب أبو جهاد منه..
السيد سيطلبّ ظن أبو جهاد للوهلة األولى أنَّ
سيدناَّ ..
ـ نعمّ ،
أي شيء يتع َّلقأمر ًا له عالقة بغرفة الرنين المغناطيسي ،أو َّ
الصحي .. ّ بالمستشفى لناحية االنتباه إلى وضعه
همتك واهتمامك بقضاء حوائج إخوانك، ـ أبو جهاد ،أعرف ّ
األخ الحاج فالن َّادخر مبلغ ًا من المال ،وضاقت عليه وعلى
الشقّة التي يسكن فيها ،باعها ،وبقي عليه مبلغٌ من المال،
عائلته ُّ
بقية المبلغ..
ويبقى عليك أن تؤ ِّمن ّ
صحي
ّ هم الناس وهو في وضع فالسيد يحمل ّ ّ ُذ ِه َل أبو جهاد..
السيد إلى غرفة (.)MRI
منومات ،أدخلوا ّ مهدئات أو ِّ
حرج ،ومن دون ّ
والسيد يخفق قلبه بالتخفيف عن آالم الناسّ السيد،
قلبهم على ّ
فأحب خلقه إليه أنفعهم لعياله»..
ُّ «الخلق ك ّلهم عيال الله،
ُ مر ّدد ًا:
ترب ْوا على يديه ،وجعل منهم
السيد َّ ُ
وهؤالء الشباب واألخوة عيال ّ
إسالمي ًة رائدة..
ّ طالئع
َ
صمت ،قطعه أبو جهاد:
ٌ ساد
سيدنا..
ـ من عيوني ّ
السيد أن يتابع ،هل يقول كلمته ويمشي؟ ال ..ال يمشي
وهل ينسى ّ
السيد في هذا المجال إ ّ
ال في قضاء الحوائج ..وحاجاتهم ـ أي الناس ـ ّ
يؤمن الدواء ،حاجتهم للمسكن، للعلم يع ّلمهم ،حاجتهم ّ
لحبة الدواءّ ،
يعمل جهده في هذا السبيل..
76
وح ِسب أبو
السيد من المستشفى ،وأبو جهاد في زيارتهَ ، يخرج ّ
سيحجم عن مطالبته فيما كان طلبه منه من تأمين المنزل جهاد أنّ ّ
السيد ُ
لألخ المحتاج إليه بسبب مشاغله الكثيرة..
تأمن المنزل؟
ـ أبو جهادّ ..
َ
ـ أ ّمنا المنزل سيدنا؟ ..فاطمأنّ ّ
السيد..
ير ّدد على الدوام.. السيد
ولذا كان ّ
إنسانيتنا في اآلخر ،وهذا
ّ األحبة ،إنّ ما نحتاجه هو أن نكتشفّ ّأيها
ما أكّ ده نبينا األعظم Pعندما ربط اإليمان بهذه الغيرية« ،ال يؤمن
الحب الذي إذا دخل
ّ يحب لنفسه» ..هذاحب ألخيه ما ُّ أحدكم حتى ُي َّ
نتصور ما عالقة اإليمان بهذا؟! ما عالقة
ّ ذاتك انفتح على اآلخر ،قد
أنك شخص لن تكون مؤمن ًا إال إذا أحببت ألخيك ما ّ
تحبه لنفسك؟
المعادلة واضحة ،أن تكون مؤمن ًا بالله أن تنفتح على الله ّ
رب العالمين،
وتتصوره فإنّك ال يمكن أن تحصر فكرك في ذاتك،ّ عندما تؤمن بالله
ألنّ الخلق ك َّلهم عيال الله ،وتكتشف من خالل الله ّ
رب العالمين
َ
ورزق إنسان عند إنسان آخر، علم إنسان عند إنسان آخر،الذي جعل َ
وقو َة إنسان عند إنسان آخر .عندما تكتشف ذلك فإنك ال يمكن إال أن ّ
تتوحدان بالله ،أنت شيء وهو
ُحبه لنفسك ،ألنّكما ّتحب لإلنسان ما ت ّ ّ
تتوحدون
شيء آخر من مفردات الوجود ،ولكن أنت وهو واآلخرون ّ
ونظم الكون في وحدتهبالله الذي خلقكم جميع ًا ،وأعطاكم جميع ًاّ ،
المتنوعة لكم جميع ًا.
ّ
السيد في العقل والقلب والوجدان..
ويبقى ّ
77
طيبوا خاطر إم جوزيف
ّ
َ
اإلنسان تستعبد قلوبهم» ـ لطالما استعبد
ْ ِ
الناس «أ ْح ِسن إلى َ
إحسان ،وليس اإلحسان بالمال واألعطيات المادية وحسب ،بل يكون ٌ
يكون بالبسمة ،والنظرة السيد فضل الله
اإلحسان ،وكما يقول ّ
الحانية وال ّلفتة الكريمة والكلمة الهادئة..
ليتعرف ال ّناس
ّ «ك ْن إنسان ًا في قلبك
وكان يحرص على القولُ :
الرقيقَ ال ّل َ
طيف، ين ّإنسانيتك ،كن إنسان ًا بلسانك ،ليكن لسانُك ال ّل َ
ّ إلى
تعش الغلظة والقسوة في قلبك ألنّك عندما ال تعيش في قلبك معنى فال ِ
ال ّناس ،فإنّ قلوب ال ّناس لن تنفتح عليك»[ .الندوة ،ج ،5ص.]102
السيد،
أحد معاوني ّيدفع إلى االستشهاد بهذا الكالم ما أخبرني به ُ
ما ُ
َ
القول بالفعل :يقول هذا األخ بأنّه السيد كان يقرن
ّ الذي ّ
يدل على أنّ
في سنة من سنوات الحرب األهلية في لبنان ،وبعد أن حصلت عمليات
ٌ
مجموعة من تهجير من قبل المسيحيين والمسلمين من مناطقهم ،بقيت
السيد فضل الله
العوائل المسيحية في حارة حريك تسكن بجوار منزل ّ
ويقدم لهم الحماية والرعاية و ُيبعد عنهم
السيد ُيوصي بهمّ ، وكان ّ
متميزة ما بين
يكدر لهم صفو عيشهم وهذا ما أوجد عالقة ّ ما يمكن أن ّ
المسيحيين ،فكانوا يزورونه باستمرار ،وحتى
ّ السيد وبين جيرانه من
ّ
جو الحرب الخانق إلى الهواء السيد كان عندما يريد أن يخرج من ّ ّ أنّ
78
الطلق ،يدخل إلى حديقة أبي إيلي المزروعة بأنواع ش ّتى من األشجار
المثمرة ،وهذا ما ُيدخل السرور على قلب أبي أيلي الذي كان في موسم
للسيد الذي يبادر
محبته ّ
ال على ّ السيد دلي ً
الفواكه يحمل الهدايا منها إلى ّ
إلى توزيعها على المرافقين والمعاونين كونه ال يتناول الفواكه المشبعة
بالسكر..
ُّ
وألنّ مرافقي ّ
السيد كان ُيو ّدون جيرانه المسيحيين ويحترمونهم،
يقدمون
المسيحيونّ ،
ّ ويقضون بعض حوائجهم ،كان هؤالء الجيران
للمرافقين بعض الفواكه التي ينتجونها من أراضيهم ،أو يحملون إليهم
بعض صحون الحلوى..
السيد
حراس بيت ّ مرة أنّ ّأم جوزف وفي شهر رمضان كان ّ وحدث ّ
صائمين كالعادة ،فحملت ُّأم جوزف الذي غاب عن ذهنها أنّ هذه
األيام هي ّأيام صيام عند المسلمين ،إلى أحد الحراس الواقف أمام
البوابة الرئيسية للمنزل صحن ًا من التبولة اللبنانيةّ ،
وقدمته إليه وكان
ولكن هذا األخ المرافق بادرها بالقول :أنا
ّ السرور بادي ًا على وجهها..
صائم من دون أن ُيشعرها بشيء من االمتنان ،وهنا كان في ر ّدة فعلها
الحدة قائلة :شو أنا نجسة؟؟!!..
شيء من ّ ٌ
ال له :كان يجباألخ ،قائ ً
السيد باألمر ،فاستدعى هذا َ عرف ّ
عليك أن تأخذ منها الصحن ،وعند اإلفطار تناوله مع أفطارك ،كان
عليك أن تُشعرها بامتنانك وشكرك لتو ّددها منك ،وهي المرأة العجوز
تشعر بالضيق والحرج..
َ الطيبة حتى ال
السيد ينطلق في ذلك ،من منهج أهل البيت Rالذين
وكان ّ
79
كانوا يوصون شيعتهم بأن يكونوا زين ًا لهم وال يكونوا عليهم شين ًا،
َ
المثال الذي ُيحتذى به والقدو َة التي ينظر إليها الواحد منهم
ُ فيكون
بكل االحترام والتقدير لما يعيشه من أدب وأخالق وورع اآلخرون ّ
وأمانة وقد ورد عن اإلمام الصادق « :Qيا معشر الشيعة ،إنّكم قد
نُسبتم إلينا ،كونوا لنا زين ًا وال تكونوا علينا شين ًا» ،وعن اإلمام الحسن
« :اتقوا الله وكونوا زين ًا وال تكونوا شين ًاّ ،
جروا إلينا العسكري Q
ّ
كل مو ّدة وادفعوا ع ّنا ّ
كل قبيح». ّ
ينادي في المسيحيين دوم ًا: السيد فضل الله
وقد كان ّ
«إنّنا نقول لكم ت ََعا َل ْوا إلى الكلمة السواء ،فهناك غير فكر مشترك،
روحي وأخالقي مشترك ،وهناك غير أرض مشتركة، ّ وهناك غير ّ
خط
ت ََعا َل ْوا ننطلق على أساس الكلمة السواء في ّ
كل ما نلتقي فيه ،ونبني
ومحمد
ّ الحياة على أساس الروحية التي جاء بها السيد المسيح Q
ّ
ألن عيسى Q ّ
،Pتعالوا إلى أن نعيش مع المستضعفين كلهمّ ،
محمد ًا Pكان مستضعف ًا وولِد في بيئة مستضعفةّ ،
وألن ّ كان مستضعف ًا ُ
وولد في بيئة مستضعفة.. ُ
ونبي المستضعفين هناك ،لنقف نبي المستضعفين هناّ ، ت ََعا َل ْوا مع ّ
ضد الكفر ،ت ََعا َلوا إلى الكلمة السواء
ضد االستكبار في العالم ولنقف ّ ّ
كل ما نلتقي عليه ،ت ََعا َل ْوا إلى الحوار فيما نختلف فيه ،وعلينا جميع ًافي ّ
المحبة التي هي عنوان اإلسالم، ّ نوقف الحقد والبغضاء لننطلق مع َ أن
المحبة والرحمة والعدالة»[ .الحوار ّ تعالوا إلى مجتمع نعيش فيه
اإلسالمي المسيحي ،ص]236
80
يعيش فكرة العيش المشترك بين المسلمين السيد
هكذا كان ّ
والمسيحيين منطلق ًا من رؤية قرآنية واضحة تجمع وال ّ
تفرق ،تبني وال
تهدم ،وتحقّق االستقرار والسالم بين الناس على اختالف أديانهم..
81
مهمة قلوبنا أن تصنع الفرح للعيون التي تبكي
ّ
السيد يطلبك
ّ ـ
سيدنا؟
ـ نعم ّ
ـ متى ستو ّقعون االتفاقية مع وزارة الثقافة؟
والسيد ليس في البيت أو المكتب، ّ ّ
الخط اآلخر.. السيد علىّ
كنت قد
السيد على سرير المستشفى ي ّتصل ،يريد أن يطمئن على ما ُ ّ
زمن من دخوله المستشفى ،بأنَّ وزارة الثقافة اللبنانية أخبرته به قبل ٍ
تواصلت معنا ،لتوقيع عقد شراكة بين الوزارة وبين المكتبة العامة
السيد والتي تُعتبر من كبريات المكتبات العامة في ّ المسماة باسم
ّ
لبنان ..وهذه الشراكة تعني إعالن ًا من وزارة الثقافة ال ّلبنانية بأنّها ّ
تقدم
للقراء والباحثين والطالب ،وبأنّها تقوم بنشاطات
الخدمة األفضل ّ
مميزة لألعمار كافة..
ّ
وحددت له موعد توقيع ّ عدة
السيد بذلك قبل شهور ّ ّ أخبرت
االتفاقية في اليوم الفالني من شهر شباط 2010؛ في اليوم نفسه ي ّتصل
ولكن
َّ السيد ليسألني عن توقيع االتفاقية ..هو مريض في المستشفى، ّ
العصية على النسيان تبقى م ّتقدة لتتذكّ ر المفاصل األساسية في
ّ ذاكرته
مؤسساته..
يتابع جميع أعمال ّ العمل ،حيث كان
82
السيد يسألني باستمرار عن عدد وعلى ذكر المكتبة العامة ،كان ّ
الكتب التي وفّرتها المكتبة للمستفيدين ،وك ّنا قد وفّرنا حينها ما يقارب
بكل التفاؤل واألمل ،عليكم أن ترسموا المائة ألف كتاب ،فكان يجيبني ّ
رؤية وهدف ًا واضحين لتصبح المكتبة تحتوي على مليون كتاب..
وفي لقاء لي مع األخ الحاج حسين هزيمة مسؤول المشروع
يقدم آالف الخدمات الصحية فيالصحي الرائد ،مشروع التآخي الذي ّ
ّ
المناحي الطبية ش ّتى ،في بيروت والجنوب والبقاع من خالل مراكز
الخبرات ِ
والخ ْدمات والتقديمات ،يقول لي، ِ
صحية تتوفّر فيها أفضل ْ ّ
السيد فضل الله عندما رعى المشروع في بداياته ،كان يقول ّ بأنّ
لألخ حسين هزيمة :ال تنظر للوراء ،ضع أهدافك أمامك ،وتوكّ ل على
تقدم الخدمة للناس ،ألنّ أهلنا محتاجون إلى هذه
يهمني أن ّ الله ،وما ّ
ُ
خدمة الناس».. الخدماتِ ،
«وق ّمة العبادة هي
ُ
صناعة الفرح للعيون التي تبكي، «مهمة قلوبنا
ّ السيد ير ّدد:
وكان ّ
يتجمدون». ُ
وصناعة الحركة للذين ّ ُ
وصناعة األمل للقلوب التي تيأس،
[قوة اإلنسانية ،ص.]27
ّ
الطيبة التي تواسي اليتيم وتؤنس الله الكلمة ّ
وكان يقول« :جعل ُ
الحزين وتُدخل السرور إلى اآلخرين جعلها الله مفتاح ًا للج ّنة ..فقيمة
ّ
ويفكر كل يومالحياة هي عندما يضع اإلنسان رأسه على الوسادة في ِّ
فتحت عقل إنسان على علم ومعرفة، ُ يغفو أنّني في هذا اليوم
قبل أن َ
وفتحت قلب إنسان على أمل بالحياة و ُيوحي لنفسه أنّه استطاع أن ُ
ويفتح بعض القلوب». َ ويصنع بعض البسمات
َ يكفكف َ
بعض الدموع
[خطاب العقل والروح ،ج ،2ص.]51
83
مرة أنّه عندما خرج من المستشفى ،ك ّنا مجموع ًة حوله، وأذكر ّ
مكة عن المشروع الذي ُيشرف على تأسيسه خارج السيد جمال ّسأل ّ
مبرات األيتام وفقرائها ،سأله عن جدواه،
لبنان والذي يعود ريعه أليتام ّ
يقدمها
وعن سياسة المشروع ،وعن رؤية الناس به ،وما الخدمات التي ّ
السيد ويسأله سؤا ً
ال السيد مكة ،يعاود ّ للمغتربين ،وكان ك ّلما أجابه ّ
السيد بهذا المشروع وبأنّه يجب أن يحقّق
يدل على مدى اهتمام ّ جديد ًا ُّ
النجاح المطلوب ،ألنَّ نجاحه يوفّر للمستضعفين من الناس مداخيل
شر الحاجة والعوز.. تقيهم ّ
السيد نجيب نور الدين يسأله وفي الجلسة نفسها ،ينظر إلى الدكتور ّ
السيد نور الدين
السيد بتحريره وإعداده ،يجيبه ّ عن كتاب كان قد ك ّلفه ّ
السيد متمني ًا له التوفيق..
ويطمئنه بأنّ الكتاب أصبح جاهز ًا ،يشكره ّ
وفيما يذكره لي أحد معاونيه األخ أبو حسين علي موسى ،بأنّ ّ
السيد
كتاب له ،وهو عبارة عن تقرير فقهيٍ والسيد يسأل عنّ في المستشفى،
بالسيد ألن
ّ تأخير دفع
ٌ سيطبع قريب ًا ،ولكن حدثوكانوا قد وعدوه ،بأنّه ُ
يتوجه مباشرة إلى مدير
مبرر التأخير ،فطلب من األخ أبي حسين أن ّ يرفض ّ
الدار المك ّلفة بالطباعة ليحثّه على اإلسراع بالطباعة ..يذهب أبو حسين
يجهز بسرعة نسخ ًة واحدة من هذا التقرير الفقهي
إلى المدير ويطلب أن ّ
السيد يحرص على إنجازالسيد ،ألنّ األخ أبا حسين يعرف أنَّ ّ
ليأخذها إلى ّ
أعماله ،وإذا ُأنجزت فإنّه يرتاح نفسي ًا ويشعر أنّه رغم مرضه وتعبه والوهن
الذي أصاب جسده ،ما زال قادر ًا على العمل واإلنتاج ،وهذا ما حدث
بالفعل حتى جاء بالنسخة (وهي ثمار البحر :نظرة فقهية جديدة) ووضعها
بين يديه ،عندها ظهرت عالمات السرور على وجهه رغم تعبه..
السيد في العقل والقلب والوجدان
ويبقى ّ
84
هذا المبلغ ثمن علبة بسكويت
السيد
ّ وأنتقل إلى النرويج ،إلى أوسلو تحديد ًا ،إلى مشروع
الذي عمل على تنفيذه ومتابعته سماحة الشيخ محمود جلول ،وهذا
المشروع تُقام فيه صالة الجمعة ،وإحياء ليالي رمضان وليالي القدر
ويضم حوزة دينية للرجال والنساء وقسم ًا خاص ًا
ُّ ومجالس عاشوراء،
للترجمة من اللغة العربية إلى اللغة النرويجية ،وحسينية ومكتبة عامة،
المتنوعة..
ّ وفيه قاعة لالحتفاالت والندوات واللقاءات والنشاطات
ٌ
وصفوف لتعليم القرآن الكريم ،واللغة العربية والمفاهيم اإلسالمية..
وهذا المشروع هو ملتقى للجاليات العربية واإلسالميةَ ،ت َتداول فيه
العامة ..إضافة إلى أنَّ هذا المشروع الذي يشرفّ وأوضاعها
َ شؤونَها
عليه ويديره الشيخ جلول الذي استطاع في محاضراته في الجامعة
السيد فضل الله التي القت رواج ًا واحترام ًا وتقدير ًا من
طرح أفكار ّ
النخبة المثقفة النرويجية.
حدثني الشيخ محمود
وقصة هذا المشروع نسردها باختصار كما ّ
ّ
جلول..
ال عنه إلىالسيد ،سماحة الشيخ محمود جلول وكي ً أرسل سماحة ّ
أوسلو في النرويج ،وألنّ الشيخ جلول يتم ّتع بحيوية وحركية عالية،
السيد عارض ًا عليه بناء
عاد إلى لبنان عام 2009قبل سنة من وفاة ّ
متحمس ًا للمشروع وكان ير ّدد
ّ تحدثنا عنه آنِف ًا ،فكان
المشروع الذي ّ
85
مرةُ :ح ُلمي أن أرى المسجد في أوسلو..
غير ّ
السيد بأحد المؤمنين األثرياء يقول الشيخ جلول :جمعني سماحة ّ
من أهل الخير ،طالب ًا م ّني أن أشرح له معالم المشروع ،ولكن قبل
السيد لهذا الميسور المؤمن :هناك مشروع في أوسلو ُيشرف ذلك ،قال ّ
عليه الشيخ محمود وهؤالء المؤمنون في أوسلو كاأليتام ،ومشروعهم
يحتاج إلى دعمكم ..ثم استلم دفّة الحديث الشيخ محمود جلول
وبعدما عرض له تكاليف المشروع التي تبلغ مليوني دوالر ،قال هذا
بكل محبةالسيد ّ الغني المؤمن :أنا أدفع مبلغ ربع مليون دوالر ..أجابه ّ
ّ
حجي ،هذا المبلغ ثمن علبة بسكويت ،بمعنى أنَّ هذا ولطف قائ ً
ال لهّ :
الغني الطيب ،أجابه الغني :حسن ًا ّ المبلغ ال قيمة له في حساب هذا
سيدنا ،نجعل المبلغ نصف مليون دوالر ،قال له ممازح ًا :إذ ًا المبلغ ّ
سيدنا ما هي طلباتكم؟ قال ثمن علبتي بسكويت ..التفت إليه وقالّ :
السيد :إنّ المشروع ّأيها الحاج الكريم يك ّلف بمجمله قيمة ثماني علب ّ
بسكويت ،وأريدك أن تتب ّنى المشروع؛ أي مليونَي دوالر ،وتذكّ ر أنّك
متقدم ،وأنت من أهل الخير ،والموت سيأتيك ويأتينا، أصبحت بعمر ّ
ال ،فإنّك تكون قد أرسلت والمال لمن تتركه؟ وإذا ما دفعت المبلغ كام ً
أموالك أمامك إلى الج ّنة..
86
ّقت ُح ُل َم ّ
السيد ،هكذا يقول الشيخ محمود وقوته ،حق ُ
وبحول الله ّ
وكتبت
ُ معبرة له
ووضعت صور ًة ّ
ُ جلول ،وقام المشروع بعين الله
«ح ُلمي أن أرى المسجد في أوسلو». ما كان قد قالهُ :
: السيد
وأختم بما كان يقوله ّ
أتصور أنَّ على العاملين لإلسالم إن على مستوى العلماء أو ّ «إنّني
على مستوى طالب العلم أو الحركيين أو المب ّلغين أن يقتدوا برسول
الله Pفي ذلك وأن يعيشوا مع ال ّناس على أساس احتضان مشاعرهم
جميعهمَ ﴿ :ل َق ْد َ يحب الناسُّ وأحاسيسهم .فلقد كان رسول الله P
ينيص َع َل ْي ُكم بِا ْل ُم ْؤ ِمنِ َ
ول ِّم ْن َأ ُنف ِس ُك ْم َع ِز ٌيز َع َل ْي ِه َما َعنِ ُّت ْم َح ِر ٌاءك ْم َر ُس ٌ
َج ُ
يم﴾ [التوبة[ .]128 :دنيا الشباب.]274 : َرؤُ ٌ ِ
وف َّرح ٌ
السيد في العقل والقلب والوجدان..
ويبقى ّ
87
باب الله سيكون مفتوح ًا لك
88
وجدت نفسي وبقرار م ّني
ُ تحت رعايتنا ..وفي لحظة من ال ّلحظات،
المؤسسة التي أعطيتها دمع العين..
ّ خارج هذه
عما في الصدر من َكدَ ر
وبعد الله ،لمن ألجأ من البشر ،ألن ّفس ّ
البعد عن الذين رعايتهم واحتضانهم جواز مروروانزعاج بسبب هذا ُ
ليكون اإلنسان مع رسول الله Pفي الجنة..
السيد فضل الله أنّه أبو الحالة اإلسالمية كنت أنظر إلى ّ وألنّني ُ
بكل ما للكلمة من معنى،لجأت إليه باعتباره قدوة وأب ًا وإنسان ًا رسالي ًا ّ
يطمئن
ُ وهذه كانت أيض ًا نصيح َة أحد اإلخوة الذي رأى أنّ ّ
السيد هو َمن
الهم عن الصدر بما يحمله عقله الكبير من مخارج القلب إليه ،ويجلو ّ
ألزمات كهذه..
يؤمن لي
أي عمل آخر ّ لدي ّ
خرجت من المؤسسة لم يكن ُّ عندما
ٌ
أعمال كثيرة ولك ّنها لم تكن ظروف عيش كريم ًة ،وقد ُعرضت َّ
علي
تنسجم مع رغباتي وتط ّلعاتي..
ٍ
وجه بكل ترحاب وبشاشة السيد ،استقبلني ّ ُح ّدد الموعد مع ّ
الوبادرت قائ ً
ُ جلست إليه،
ُ السيد..
وهي الصورة المعهودة عن سماحة ّ
مظلوميتي ،كونك أب ًا للجميع ،وسأذكر
ّ سيدنا أشكو
جئت إليك ّ
بأنّني ُ
لك أمور ًا عام ًة ومن دون ذكر ألسرار المؤسسة ،وهنا بادرني ّ
السيد
بالقول :بارك الله بك وأنا ُأكبر فيك بأنّك ما زلت محافظ ًا على أسرار
أسرد له بعض ُ عملك ..ويضيف األستاذ حسن رحال :وهنا بدأت
عز وذكرت له أنّه ّ
ُ األمور التي كانت بالنسبة لي أساسيات في العمل،
كنت أعتبره باب ًا من األبواب إلى الله ،وهو ثمر ٌة علي ُ
ترك العمل ألنّني ُ ّ
89
بكل ما ُأوتيت من
من الثمرات التي سهرت عليها بالرعاية واالهتمام ّ
كنت أطمع في هذا العمل وهذه الخدمة في قوة وطاقة وإمكانية ..وأنا ُ
هذه المؤسسة أن تكون لي رصيد ًا في اآلخرة عند الله تعالى ..وكوني
فكنت أعتبر أطفال هذه المؤسسة أطفالي..ُ لم يرزقني الله أطفا ً
ال،
يشع منهما حنانبكل إنصات ،وكانت عيناه ُّ إلي ِّكان يستمع ّ
عما حدث معي أبد ًا ..وعندما أتحدث ّّ يغمرني ،ولم يقاطعني وأنا
أتأسف ألنّه ُأغلق بوجهي باب خدمة األيتام والفقراء .هنا بدأت ُّ
الس ُبل إلى الله كثيرة ،وهي كعدد أنفاس البشر، قاطعني ليقول لي :بأنّ ُّ
التقرب إليه سبحانه
ّ وإنّ رضى الله ليس محصور ًا في أمر واحد ،وأنّ
النية
المهم في ذلك أن ُيخلص اإلنسان ُّّ متعددة،ال ّ وتعالى ،يأخذ أشكا ً
ويطلب وج َه الله تعالى في ذلك.
وأوصاني بأن ال آسف على ترك العمل ،فقد يكون الله تعالى اختار
﴿و َع َسى كنت فيه َ العمل الذي َ َ ال يوازي وقد يفوق في األجر لك عم ً
َأن ت َْك َر ُهو ْا َش ْيئ ًا َو ُه َو َخ ْي ٌر َّل ُك ْم َو َع َسى َأن ت ُِح ُّبو ْا َش ْيئ ًا َو ُه َو َش ٌّر َّل ُك ْم﴾
[البقرة.]216 :
ويكمل المرحوم األستاذ األخ حسن رحال :وهنا أفصحت لسماحة
السيد بأنّ هناك عم ً
ال في المجال التربوي ُيعنى بشؤون الطالب الفقراء ّ
وبإرشادهم وتوجيههم وبالمنح وإكمال االختصاص الجامعي من
خالل المساعدات والقروض المالية ولك ّني ال أنسجم كثير ًا مع هذا
المجال..
ُ
أعيد حساباتي ك ّلها ،وأ ّ
غير قناعاتي، ليجعلني ُ السيد
تدخل ّ
وهنا ّ
90
وذلك عندما خاطبني بالروح األبوية التي جعلتني أقبل بهذا العمل،
وذلك حين خاطبني ،بأنّ باب الله سيكون مفتوح ًا لك عندما يرسل
طالب حاجة ُ إليك سبحانه إنسان ًا محتاج ًا قد تستطيع مساعدته ،أو يأتيك
تخصصه فتعمل على تأمين ذلك له ،خصوص ًا إذا وصل ّ ألن يكمل
متقدمة يستفيد منها الناس والمجتمع، هذا الطالب إلى َم ْرتَبة علمية ّ
شك بأنّ لك يد ًا في ذلك من ووصول هذا الطالب إلى هذا الموقع ال ّ
شك أيض ًا ستكون شريك ًا له فيما قدمت له من مساعدة ،وال ّ خالل ما ّ
يقدمه من منفعة للناس من حوله ،وخصوص ًا إذا صار مع ّلم ًا أو طبيب ًا أو ّ
صاحب مهنة ما..َ مهندس ًا أو
السيد استيقظت من حالة اإلرباك التي وما إن أكمل سماحة ّ
السيد ،خرجت من عنده ،وقبلت هذا العمل الذي شكرت ّ ُ أعيشها..
أجد فيه اآلن الراحة النفسية والروحية ،وأنا أشاهد عشرات الشباب
كل في مجال اختصاصه ،وأحمد يتخرجون وينتشرون في سوق العملٌّ ، ّ
الله تعالى أنّني ومنذ عام 2001وإلى اآلن أعمل في هذا المجال شاكراً
المولى على هذه ال ّنعمة العظيمة»...
يسير في الطريق األفضل من خالل
السيد هي التي جعلته ُ فنصيحة ّ
النصيحة اإليمانية التي أسداها له ،لذا ،يقول « :علينا أن نفتح قلوبنا
تتحرك بالنصيحة لهم ..وهذا هو الذي يجمع ّ للمؤمنين وأن نجعلها
القوة[ »..الندوة ،ج،5
يوحده ،وهذا هو الذي يعطيه ّ
المجتمع ،وهذا ما ّ
ص.]183
السيد في العقل والقلب والوجدان..
ويبقى ّ
91
روجيه غارودي:
أعتز بالشيخ فضل الله
ّ
92
نتيجة الصحوة اإلسالمية في الثمانينيات َي ْن َك ّبون على دراسة اإلسالم
في شريعته وأحكامه ورؤاه ،وكان المئات منهم يدخلون في اإلسالم،
يدعون الدفاع
ولكن مع بداية ممارسة العنف الذي قام به بعض الذين ّ
بريء منهم ومن أفعالهم ،انكفأ هؤالء الباحثون ٌ واإلسالم
ُ عن اإلسالم
عن الدخول في اإلسالم..
93
أعتز بذلك شديدَ االعتزاز بالرجل الذي ترجموا لي َ
بعض كتاباته وإنّني ّ
ومقاالته..
سأله الوزير دلول :و َمن هو هذا الرجل؟ قال غارودي :هو الشيخ
محمد حسين فضل الله... ّ
وهنا أعود بالذاكرة إلى السؤال الذي طرح ُته أنا شخصي ًا على
السيد فضل الله إثر الحملة الحاقدة على روجيه غارودي سماحة ّ
عندما فضح مزاعم اليهود في كتاباته في مسألة المحرقة عندما زعموا أنّ
هتلر كان يضعهم في المحارق وهم أحياء ،وقد ف ّند أكاذيب الصهيونية
الجميع من
ُ في هذا المجال ،حيث أحالوه إلى المحاكمة وتخ ّلى عنه
السيد عن ذلك بقوله:
أصدقائه إرضا ًء للصهيونية ..وقد أجابني ّ
الحريات وحقوق اإلنسان من ّ تتحدث عن
ّ «إنّ الدول الكبرى
خالل مصالحها ال من خالل الحقيقة ،والدليل على ذلك محاكمة
روجيه غارودي الذي لم يفعل شيئ ًا سوى أنّه فضح أكذوبة اليهود في
مسألة حجم المحرقة التي تُنسب إلى هتلر ،وأنّه فضح الكثير من ِ
الك ْذبة
علمية اإلسرائيلية حول معاداة السامية وما إلى ذلك .وكان يتك ّلم ٍ
بلغة
ّ
قدم اآلن إلى المحاكمة في فرنسا ،وفرنسا كما أكاديمية بحتة ،فلماذا ُي َّ
سلمان رشدي في ُ قدسالحريات ،وفي الوقت نفسه ُي َّ ّ تدعي أنّها أم
ّ
تحدث بسوء عن رسول الله Pوعن اإلسالم فرنسا وبريطانيا ألنّه ّ
ٍ
بلغة بعيدة عن الفكر والثقافة..
السيد ـ أنّه تجاوز الخطوط
مشكلة روجيه غارودي ـ هكذا يقول ّ
الحمراء ،صار مسلم ًا ،وانطلقت العقدة األوروبية «المسماة» حضارية
94
ضد اإلسالم لتحاكم إسالم غارودي»[ .بينات ص]109
ّ
السيد فضل الله في الجماعات التكفيرية ،يقول« :إنّهاوعن رأي ّ
ِ
وكهوفه المظلمة ،ومغاراته الموحشة ،وإنّ غارقة في القرون الوسطى
اإلسالم القرآني ..إنَّ َ
مثل هؤالء ال يمثّلون األصولية َ هؤالء لم يفهموا
اإلسالمية إذا كانت األصولية تعني الرجوع إلى األصول ،ألنّ هؤالء
لم يرجعوا إلى أصول الفكر اإلسالمي من خالل ما نزل على قلب
[بينات
في س ّنته»ّ .
تحدث به P
رسول الله Pمن القرآن الكريم وما ّ
ص.]62
95
يقدم الطعام لأليتام بنفسه
كان ّ
97
بمسؤوليته اإلسالمية تجاه هؤالء الذين فقدوا َم ْن ُيعيلهم»..
ّ
السيد كان يتفقّد األيتام
ّ ويكمل األستاذ أمين قعيق« :ما أذكره أنَّ
ويوجههم
ّ ويطلع على مستوياتهم الدراسية، في صفوفهم الدراسيةّ ،
باألبوة الحانية
ّ بكلماته التي تتناسب مع عقولهم ومشاعرهم ،فيشعرون
تعوضهم َفقْدَ األب ،وتزرع في نفوسهم األمل المشرق بمستقبل التي ّ
السيد أحيان ًا ـ وكما يقول
ُيزهر بالنجاح وتحقيق األماني واآلمال ،وكان ّ
األستاذ قعيق ـ يدخل إلى قاعات الطعام في مبرة اإلمام الخوئي {
ّ
وكان يوزّ ع الطعام بنفسه على األيتام تأسي ًا بأمير المؤمنين علي Q
ٍّ ّ
السيد في
ورغبة ّ ُ وهو القائل« :الل َه الل َه في األيتام فال يضيعوا بحضرتكم»
منطلقة من وعد الحبيب المصطفى Pبأنّه وكافل اليتيم ٌ هذه الرعاية
الس َّبابة والوسطى من ك ّفه األيمن المبارك».. مع ًا في الج ّنة ،وأشار إلى َ
المبرات أن يؤكّ د
السيد على الدوام في لقاءاته مع مسؤولي ّوحرص ّ
يتيم منحرف، على مسألة غاية في األهمية ،وهي أنّه ال ينبغي أن يوجد ٌ
يتيم غير متع ّلم ،أو يتيم من دون رعاية واهتمام ..وذلك ينتفي عندما
أو ٌ
نصب اهتمامنا في اتجاه رعاية وكفالة وحضانة وتعليم هذا اليتيم إنّ
مسؤوليتنا أمام الله جميع ًا ،فإذا
ّ المبرة ..وهذه
ّ كان في أسرته أو في
تنكرنا لهذه المسؤولية ،فإنّ الفوضى واالنحراف والعبث والضياع، ّ
ذلك ك ُّله سيمسك بمفاصل المجتمع حتى ّ
يدمرها...
السيد أن نزرع الفرح في قلوب هؤالء ومسؤوليتنا كما كان يرى ّ
يمتد ليكون حال ًة
شخصية ،بل إنّه ّ
ّ مجرد حالة انفعال
و«الفرح ليس ّ
قلب اإلنسان ويضحك فيها عقله وشعوره وحياته، إنساني ًة ،ينفتح فيها ُ
يمسح دمع ًة وعندما يستطيع أن يؤكّ د
َ عندما يستطيع أن ّ
يحل مشكلة أو
98
يتحمل مسؤولية..
ّ حريته وأن
ّ
إنّ الشمس تعيش الفرح ألنّها تعطي النور للحياة ك ّلها ،وأنت إذا
لكل الناس الذين يحتاجون إليها ،فأنت كالشمس َ
طاقتك ّ أعطيت
َ
ت ّتصل بنفس عملك ..عملك يبتسم لك وللناس من حولك..
ولكن البسمة هي ما
ّ ُ
البسمة فقط ما ينطلق على شفتيك، ليست
جيد ًا،
كل نشاطك وعملك ،لهذا حاول أن تفهم إنسانيتك ّ يتحرك في ِّ
ّ
لنحاول جميع ًا ،أنا وأنتم واآلخرون»..
99
ِ
ساع ْدهم ..ففي ذلك األجر عظيم
السيد فضل الله يؤمن أنّ إقامة المؤسسات الخيرية ومراكز كان ّ
صحية) هي ّ مبرات ،مراكزالعبادة (حسينيات ،مساجد ،مدارسّ ،
الطريق األسلم إلى الغايات المنشودة من خالل بناء اإلنسان وبالتالي
أي جهة دينية كل مؤسسة تقوم على ِ
يد ّ بناء المجتمع ،فكان يعتبر أنَّ ّ
ُ
تشرد
أو اجتماعية هي عنوان من عناوين الخير ،ألنّها تساعد في منع ّ
المؤسسات
ّ األيتام والمحتاجين وذوي الحاجات الخاصة كون هذه
تلبي حاجة هؤالء في العلم والرعاية وتركيز األخالق واآلداب في ّ
النفوس وفي منع عوامل االنحراف والفساد في المجتمع..
يشجع
السيد في مسألة دعم هذه المؤسسات الخيرية بالمالّ ، وكان ّ
الخيرية
ّ المبرات ّ جمعية
ّ لمؤسساته من خاللّ على ذلك إن كان الدعم
جمعيات أخرى ،وكانت ّ للمؤسسات األخرى التي ترعاهاّ أو الدعم
الجمعيات
ّ السيد في تسابق محل الشاهد دوم ًا عند ّّ القرآنية اآلتية
ّ اآلية
س ا ْل ُم َت َن ِاف ُسونَ ﴾
﴿و ِفي َذلِ َك َف ْل َي َت َنا َف ِ
لعمل الخير ،وهي قوله تعالىَ :
[المطففين.]26 :
يحدثني الحاج علي بيضون Mأنّه بعد أن وفي هذا المجال ّ
الجنوبي،
ّ مبرة اإلمام الخوئي في الدوحة عند مدخل بيروت
اكتمل بناء ّ
مبرة لأليتام في جنوب لبنان ،وكان
خيرية بفكرة إنشاء ّ
ّ جمعية
ّ قامت
100
يشرف على الفكرة أحد العلماء الذين لم يكونوا على عالقة و ّدية
مبرة لأليتام في الجنوب،
السيد ..فقامت الجهة التي تنوي إنشاء ّ مع ّ
وطلبت المساعدة من الحاج بيضون ،الذي ا ّتصل على الفور بسماحة
السيد الذي كانت تربطه به الثقة الدينية العالية يريد أن يأخذ اإلذنّ
الشرعي بذلك؛ كان الحاج علي بيضون يتو ّقع أن يكون ر ّد ّ
السيد ّ
وحبه
السيد ،بتسامحه ،وانفتاحهّ ،
ولكن ّّ توهم خاص لديه،سلبي ًا نتيجة ّ
للخير ،وإيمانه الدائم بأنّ هذه المشاريع هي لخدمة الناس ،بعيد ًا عن
ربهم وتبقى هذه الجهة التي تديرها ،وإنَّ َمن يقومون بها يرحلون إلى ّ
المؤسسات عنوان ًا من عناوين المعروف واإلحسان ،ولذا ،قال ّ
السيد
للحاج بيضون« ،ساعدهم ففي ذلك األجر العظيم لك»..
يهتم بأمور المسلمين
السيد بالحديث الشريفَ « :من لم ّ يستشهد ّ
ال تخضعها فليس بمسلم» ويقول« :اهتماماتُك يريد الله منك أ ّ
كل موقع منبد لك من أن تتفاعل نفسي ًا مع ّ وألنانيتك فال ّ
ّ النفعاالتك
همبد من أن تحمل في فكرك وفي وعيك وفي إحساسك ّ المواقع ،وال ّ
تفكر معهمّ ،
وتفكر المسلمين جميع ًا ،وأن تالحق قضاياهم ك ّلها ،وأن ّ
بكل ما عندك منتخطط في نفسك كيف تستطيع أن تنصرهم ّ لهم ،وأن ّ
جزء
بد أن يشعر بأنّه ٌإمكانات النصر في الحياة ،ألنّ اإلنسان المسلم ال ّ
من ّأمة»[ .الجمعة منبر ومحراب ،1988 ،ص.]42
دائم ًا على أن ال يضمر في قلبه حقد ًا السيد فضل الله
حرص ّ
على أحد ،ولطالما كان ير ّدد« :لن أكون حجر عثرة في طريق مؤمن إلى
الج ّنة »..كان يتم ّنى الخير للناس ك ّلهم ،والتوفيق للعاملين ك ّلهم في
مجال رعاية الناس المستضعفين والفقراء والمحتاجين..
101
السيد يوصي بتج ّنب األحقاد ،فيقول« :في هذا ومن هنا ،كان ّ
تتحركّ نطل على واقعنا ك ّله الذي نريده أن يكون واقع ًا
بد أن ّ الجو ال ّ
ّ
نفكر في نفكر مادي ًا ،وأن ّ
نفكر روحي ًا كما ّفيه الروحانية التي تجعلنا ّ
فلعل بعض مشاكلنا أنَّ ّ نفكر في حسابات الناس، حسابات الله كما ّ
تفكيرنا ك ّله يستغرق في النظر إلى حساباتنا المادية وال يستغرق في
فكرنا ونحن نتنازع ونختلف ونتقاتل النظر إلى حساباتنا الروحية ،هل ّ
كل إنسان كيف فكرنا كيف يكون موقفنا أمام الله ،أم ّ
فكر ّ ونتحاقد ،هل ّ
يكون موقفه من هذا اإلنسان أو ذاك؟ لماذا نستغرق فيمن نعبدهم
من دون الله وهم ال يستطيعون أن ينصرونا ،ولماذا ال ّ
نفكر بالله ،إنّ
حسابات الدنيا البعيدة عن اآلخرة تموت في الدنيا ،أين األغنياء الذين
تمأل دفاترهم ُدور ًا وأماكن واسعة ،أين ذهبت تلك الدفاتر ك ّلها؟ هل
أخذوها معهم ومع نتائجها إلى قبورهم ،نتائجها اإليجابية ونتائجها
السلبية ،أين الملوك ك ّلهم والطغاة ك ّلهم والجبابرة ك ّلهم وهؤالء ك ّلهم
كل ما عندهم؟ تركوه الذين َطغَ ْوا في البالد وأكثروا فيها الفساد ،أين ّ
وراءهم واستقبلوا الله بنتائج الحسابات ك ّلها[ .الجمعة منبر ومحراب،
،1988ص]193
102
وأفاع
ٍ بأن هذا المال عقارب
أشعر ّ
صرف في وجهته الشرعية
إن لم ُي َ
103
شاب يبدو أنّه من العاملين معه ،وقال لنا« :هنيئ ًا لكما ،لقد قال عنكما
السيد الذي
ظن ّ السيد بأنّكما من «األوادم» ،وك ّنا بحمد الله عند حسن ّ ّ
يؤجل
ال محتاجان للمال ،وقد كان باستطاعته أن ّ أدرك بحدسه أنّنا فع ً
وضعيتنا وأمانتنا وما إلى ذلك
ّ دفع المال ليوم آخر ،حتى يستفسر عن
ولك ّنه لم يفعل»..
أحد
حرص شديد ،وما رواه لي ُ ٌ للسيد في موضوع المال ّ وكان
السيد
ّ معاونيه وهو األخ الشيخ حسن بشير ،أنّه عندما كان يستلم
الحقوق الشرعية من بعض المؤمنين ،وأثناء استالمه المال ،وكتابة
قوة إال بالله»
مرة يقول« :ال حول وال ّالسيد لغير ّ
اإليصال بذلك ،كان ّ
السيد وال أع ّلق..
الله ونعم الوكيل» كنت أستمع لما يقوله ّ و«حسبي ُ
َ
المرات ،وبعد أن كتب إشعار ًا باستالم مال أحد المؤمنين،
مرة من ّ في ّ
ور ِّدد الذكر المعهود ،هنا سألته:
سيدنا عندما تستلم المال ،ما ر ّددتَه اآلن؟
ـ لماذا ّتردد ّ
أجابني بالقول:
ٌ
ووحوش مفترسة عقارب ،وأفا ٍع
ُ ـ «أشعر بأنّ هذا المال
صرف هذا المال في ُوجهته الشرعية .هؤالء تطوقني ،إن لم ُي َ
ّ
الناس يثقون بي ويدفعون أموالهم الشرعية لمساندة مؤسساتنا
ال يذهب هذا المال في وفقرائنا وأيتامنا ،ولكن ما أخشاه أ ّ
االتجاه الصحيح »...لذا ،كان دائم ًا يراقب ويد ّقق رغم ثقته
ويوجه ويحرص على التذكير بضرورة مراعاة ّ بالعاملين معه،
السيد
الشرعية في صرف هذا المال .لذلك ،لم يكن ّ ّ القواعد
104
أشد الحرص على
َيصرف المال كيفما ا ّتفق ،بل كان َيحرص ّ
صرف»...
صرفه في المكان الذي يجب فيه أن ُي َ
السيد بأنّ المك ّلف بجمع األخماس والزكوات
ويحدثني أحد أبناء ّ
ّ
أرسل شخص ًا إلى ّ
السيد والصدقات عند أحد المراجع الكبار M
َّ
مستعد بأن يذهب إلى المفاتيح
ٌّ بأنّه أي (المك ّلف بجمع الخمس)
ال وفير ًا من الخمس والصدقات ،ولكن بشرطللسيد ما ً
المالية ويجلب ّ
السيد بالرفض ..قائ ً
ال :المال أن يأخذ من هذا المال نسبة ..%15أجاب ّ
الشرعي ليس عليه «كومسيون»..
سيدنا ال يوجد كيمياء شخصي ًا ّ
مرة ،لماذا ّ ّ وفي هذا المجال سألته أنا
بينك وبين بعض طلبة العلم ـ المشايخ ـ؟
ال ،ولكن قبل المعمم يريد ما ًَّ السيد ،وقال« :اسمع ..يأتيني
ابتسم ّ
ذلك أطلب منه كشف ًا بعمله وتبليغه وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر،
ٍ
بعمل تبليغي وكم جلس ًة ودرس ًا يعقدهما خالل األسبوع ،أو أنّني ُأك ّلفه
يحدد له حاجاته بالقدر الذي يستغني فيه عن معين ،والمكتب عندنا ّ ّ
السيد ـ قصدني أحد ً
الناس إذا ما قام بواجباته كامال ..أذكر ـ يتابع ّ
ال ،أبديت استعدادي لدفع المال له ،ولكن بشرط طلبة العلم يريد ما ً
أن يستلم مسؤولية التبليغ في إحدى قرى بعلبك ويكون إمام ًا للمسجد
جد ًا في الشتاء ..وعدته أكفهر وجهه ،وقال :منطقة بعلبك باردة ّّ فيها..
بأن أوفّر له وسائل التدفئة ك ّلها ..قال لي :ولكن ال يوجد مستوى
تعليمي مقبول في مدرسة هذه القرية وأنا أريد ألوالدي أن يتلقَّوا تعليم ًا
يسجلجيد ًا ،حاولت أن أخ ّفف من ضغوط هواجسه عليهَ ،و َع ْدتُه بأن ّ ّ
ونؤمن لهم النقليات وعليه أن أوالده في إحدى مدارس مدينة بعلبكّ ،
105
يطمئن من هذه الناحية ..عندها ُأسقط في يده ،قال لي ،بأنّ عائلته (أي
اقترحت عليه
ُ زوجته) قد ال ترضى بالذهاب إلى البقاع والعيش هناك..
ِ
قنعها بذلك ..ذهب هذا الطالب أن يذهب ويأتي بعائلته (زوجته) وأنا ُأ ُ
(الشيخ) ولم َي ُعد..
بد أن أذكر بأنّه في إحدى سنوات الحرب في وفي هذا المجال ال َّ
السيد يقيم المجلس العاشورائي في مسجد اإلمام الرضا لبنان ،وكان ّ
Qفي بئر العبد ،وصدف أنَّ الخطيب الحسيني الذي كان يتلو
محرم (مجلس المصرع تغيب عن مجلس العاشر من ّ كل ليلةّ ،السيرة َّ
السيد بذلك وآالف الناس ّ الحسيني) لسبب من األسباب ..عرف
في المسجد والشوارع المحيطة به تنتظر أن تستمع لقراءة المصرع،
السيد أبو جهاد بدر الدين إلى
السيد إال أن أرسل األخ ّ فما كان من ّ
الشيخ فالن طالب ًا منه المجيء لقراءة المصرع ،أخبرني أبو جهاد الحق ًا
بأنّه ذهب إلى ذلك الشيخ وناداه من أسفل البناية ،ألنّه ال يوجد في
البناية مصعد كهربائي وال كهرباء من األساس وكان ذلك أثناء الحرب
يرتديَ طلبت منه أن
ُ األهلية في لبنانَّ ..
أطل هذا الشيخ من الشرفة،
بكلثيابه وينزل بسرعة ألنَّ الحشود الحسينية تنتظر قراءة المصرعِّ ..
للسيد بأنّني أريد
استخفاف وعدم اكتراث ،قال هذا الشيخ :اذهب وقل ّ
للسيد عدت ّ
ُ شقة للسكن لقاء تالوة المصرع ..يقول األخ أبو جهاد:
السيد لمن حوله« :لنا نصيب نحصل على وأخبرته بما جرى معي ،قال ّ
السيد الكتاب ،وصعد إلى
الثواب» أين كتاب المصرع؟ بسرعة أخذ ّ
المنبر؟ وقرأ المصرع الحسيني من بدايته حتى نهايته..
وفي موضوع المال أيض ًا أذكر أنَّنا خالل سنوات عديدة ،كان لنا
106
الحج ..ومن المعروف أنَّ طالب العلم ّ السيد في بعثته إلى
شرف مرافقة ّ
الحج ويس ّلمون على رؤوسائها ،فيبادر ّ يزورون بعثات المراجع في
معمم كهدية من بعثة المرجع.. لكل ّ معين ًا ِّ
هؤالء إلى تسليمهم مبلغ ًا ّ
تغص بالزوار ،كان من بينهم بعض طالب العلم، السيد ُّ
ولما كانت بعثة ّ
ولألمانة هؤالء ال يطلبون الهدية المالية ،ولكن أفراد البعثة وخصوص ًا
من أهل الفضل والعلم يعرفون أنَّ زيارة بعض هؤالء قد تكون بهذه
الغاية ،ما أذكره أنَّ اثنين من علماء البعثة وأعضائها ،دخال على ّ
السيد،
يعطي هدي ًة مالية ولو رمزية للذين يزورون َ وأشارا عليه بضرورة أن
عطي قرش ًا واحد ًا ،ولماذا ُ
السيد ..لن أ َ المعممين ..يجيبهم ّ ّ البعثة من
الحج ألنّه لم تتوفّر
ّ فالمستحق ال يأتي إلى
ّ ُأعطي؟ فإذا كانوا مستحقّين،
الحج ..إضاف ًة إلى ذلك ،ماذا أجيب الله فيما لو أعطيت ّ مؤونة
عنده ُ
المستحق..
ّ غير
107
السيد بنفسه يطلب لي يدَ خطيبتي
ّ
108
السيد من مساعده ذلك ،أنّه سيذهب هو بنفسه ليطلب يدَ خطيبته،
طلب ّ
وحل مشاكل الناس وإلقاء المحاضرات ّ مثقل بالمشاغل، ٌ والسيد
ّ
أحسب ـ هكذا يقول
ُ يومي ًا للمسجد إلى الصالةُ ...
كنت والحضور ّ
سيك ّلف أحد ًا من مشايخ مكتبه ليرافقني
ُ األخ أبو يعقوب ـ أنّ ّ
السيد
يأتي ُ
أهل خطيبتي إليه ولعقد ِ
إلى جلسة الخطبة ،أو أنّه سيطلب م ّني أن َ
ِ
القران..
السيد بنفسه إلى منزل أهل خطيبتي، المحدد ،جاء ّ
ّ في الموعد
طلب يدها منهم لي مع تأكيده على ثقته بي ،وبأنّي ٌ
أهل ألن أكون
َخبِرني أنا ومجموعة من الشباب، زوج ًا صالح ًا البنتهم ،ألنّ ّ
السيد
شخصياتنا
ّ وأوالنا ثقته ،ألنّنا نهلنا من معين اإلسالم على يديه ،وبنى لنا
بخط أئمة أهل البيت Rفي التقوى نتمسك ّاإلسالمية ،وجعلنا ّ
والحب في الله..
ّ والورع واالستقامة والصالح
109
نموذج عاش الرسالة فكر ًا وتطبيق ًا عملي ًا،
ٌ السيد فضل الله ، ّ
ولذلك كان يؤكّ د على صفات الداعية اإلسالمي بقوله:
ال ...إنّك مهما امتلكت «كن عالم ًاُ ،كن زاهد ًاُ ،كن ُشجاع ًاُ ،كن َب َط ً
ُ
الصفات وكنت بدون أخالق ،فستعجز عن أن تَفتح الحياة من هذه ّ
الم ِه ّم
لنفسك ،ألنّك تفتح الحياة بمقدار ما تفتح قلوب ال ّناس عليكُ .
والعنف َموقف اإلنسان، بالقوة ُ أن تربح قلب اإلنسان ...إنّك قد تربح ّ
ولك ّنك إذا لم تربح قلبه ،ولم تربح قناعته ،فإنّك ستفقده ..افتح قلبك
وأحبه حتى تتعاون معه وافتح قلبك لغير المؤمن حتى تستعين ّ للمؤمن
بذلك على هدايته إلى الطريق ،ألنّ أقرب طريق إلى عقول الناس هو
أن تربح قلوبهم..
يحبونك ،وإذا كان أسلوبك جا ّف ًا معهم ،وإذا كنت
إذا كان الناس ال ّ
ال تعرف االبتسامة عندما تلتقي بهم ،تعاشرهم بوجه عبوس وطبع حا ّد
سيىء ،فكيف يمكن لك أن تطمع بأنّ الناس سيقتنعون بما ومزاج ّ
تقول..؟
افتح قلبك له ـ لإلنسان ـ وليكن في عينيك لمعان المحبة حتى
قلوب الناس ،فإذا اجتذبت قلوب الناس بأخالقك،
َ تستطيع أن تجتذب
فإنّك تستطيع أن تجتذب عقولهم بمنطقك ..ولهذا كان رسول الله
Pهو المبتسم الدائم ،كانت بسمته تسبق كلماته ،وتُشرق في عقول
الناس ،وعندما نفذت بسمته إلى قلوبهم ،نفذت كلمته إلى عقولهم».
[الجمعة منبر ومحراب ،ص]520
السيد في العقل والقلب والوجدان..
ويبقى ّ
110
للسيد َد ْي ٌن في عنقي إلى يوم القيامة
ّ
111
بأي ٍ
بدل ما ّدي ،فليست غايتنا من المكتبة غاي ًة المكتبة دون أن تثقلهم ِّ
تجارية»..
﴿و َسا ِر ُعو ْا
وفي هذا المجال كان وفي تفسيره لآلية المباركةَ :
إِ َلى َمغْ ِف َر ٍة ِّمن َّر ِّب ُك ْم﴾ [آل عمران ]133 :سارعوا إلى العمل كأفراد أو
كجماعة ،سارعوا إلى أن تحصلوا على مغفرة الله في ما تعملون من
خيرة ..وفي ما تُنشئونه أعمال صالحة ،وفي ما تَدخلون فيه من مشاريع ّ
مشروع خي ٍر
ُ من عالقات خالصة مخلصة في رضى الله ..إذ كان هناك
ُ
موقف غيرك ،وإذا كان هناك
تتري ْث بل سارع إليه حتى ال يأخذه ُ فال ّ
صدق فسارع إليه قبل أن يسبقك اآلخرون إليه ،ألنّك عندما تحصل ٍ
ربك ،فقد حصلت على الخير ك ّله والسعادة»[ .الجمعة
على مغفرة من ّ
منبر ومحراب ،1988 ،ص]324
السيد فضل الله (رضوان الله ٍ
في سياق آخر ،كان من المعروف عن ّ
وربطهم بالمسجد ،حيث المسجد من خالل ُ عليه) احتضانُه للشباب
شخصي ًة إسالمية ِ
وتالوة الدعاء تبني ِ
وقراءة القرآن الخطب والمواعظ
ّ
حدثنيواعية ورسالية ،وهذا ما يؤكّ ده األخ الحاج وفيق وزني الذي ّ
يوم ًا قائ ً
ال:
فت إلى السيد في مسجد اإلمام الرضا Q
«في بداية شبابي ،تعر ُ
ّ ّ
في بئر العبد ،في الضاحية الجنوبية ،حينها كانت الحياة مفتوحة أمام
ال وتجار ًة وأسفار ًا ،وفتحت لِ َي الدنيا
عيني على مصراعيها ،عم ً
ّ
ذراعيها ...وعندما تع ّلقت بالمسجد ،والمسجد ليس أحجار ًا ،بل
عرفني بهذا السيد في ُخطبه ومواعظه وتوجيهاتهّ ،
روح ّالمسجد هو ُ
فت روحي لمعرفة سيرة أئمة أهل البيت محمد ًا ّ P
تله ْ عشقت ّ
ُ الدين،
112
.Rوما أ ّثر بي هو وفاؤه وإخالصه لإلسالم ألنّه أمسك بيدي ألن
أعيش الدنيا بحجمها الطبيعي دون أن أستغرق بها ،أو أن أعيشها لهو ًا
للسيد َد ْين ًا في عنقي إلى يوم القيامة..
ّ وعبث ًا ،ولهذا ،فإنّ
السيد كان يحرص دوم ًا على تشجيع الشباب على
ّ ولذلك ،فإنّ
المداومة على الحضور إلى المسجد ،فيقول :
«أن تعيش في المسجد ،أن تُخلص بك ّلك لله ،أن تُسقط اآلمال ك ّلها
كل شيء، بغير الله ،فالله َو ْحدَ ُه هو األمل والرجاء ،والله َو ْحدَ ه هو ّ
كنت مع الله فقد يموت جسدك بحكمته الكل يموتون ويبقى الله ،وإذا َ ُّ
ولكن روحك تح ّلق معه ،وتعيش معه ،كما عاش اإلمام زين َّ سبحانه،
العابدين Qمعه ،حيث يقول في دعائه:
لله ا َّلذي ال أ ْد ُعو َغ ْي َر ُه َو َل ْو َد َع ْو ُت َغ ْي َر ُه َل ْم َي ْس َت ِج ْب لي « َا ْل َحمدُ ِ
ْ
َ
ألخل َف َ ِ
ُدعائيَ ،وا ْل َح ْمدُ لله ا َّلذي ال ْأر ُجو َغ ْي َر ُه َول ْو َر َج ْو ُت َغ ْي َر ُه ْ
اس لله ا َّلذي َو َك َلني ا ِ َل ْي ِه َف َا ْك َر َمني َو َل ْم َي ِك ْلني ا ِ َلى ال ّن ِ
َرجائيَ ،وا ْل َحمدُ ِ
ْ
لله ا َّلذي ت ََحب َب إلي َو ُه َو َغنِي َع ّنيَ ،وا ْل َحمدُ للهِ َفيهي ُنونيَ ،وا ْل َحمدُ ِ
ْ ٌّ َّ َّ ْ ُ
ىء ِع ْندي َو َ
أح ُّق ا َّلذي َي ْح ُلم َع ّني َح ّتى َك َأنّي ال َذن َْب ليَ ،فربي َا ْح َمدُ َشي ٍ
ْ َّ ُ
بِ َح ْمدي».
هذا هو اإلمام زين العابدين Qالذي كان يعيش في المسجد مع
السيد ،أن نعيش في المسجد الله ،وإذا أردنا ـ ّأيها األحبة ـ هكذا يقول ّ
لنتطهر في المسجد بالله من ّ
كل هذه ّ مع الله ،فعلينا أن نطرد أحقادنا
العصبيات بال ّلقاء مع
ّ لنذوب هذه
عصبيتنا ّ
ّ األحقاد ،وعلينا أن نطرد
نتطهر من ِّ
كل ّ المحبة المطلقة بالله ،وإذا دخلنا المسجد فعلينا أن
ّ
113
ٍ
واحد وعشائرياتنا ،لينطلق ُّ
كل وطائفياتنا وحزبياتنا وذاتياتنا أنانياتنا
ّ ّ ّ ّ ّ
محمد ًا
ّ م ّنا بصفة واحدة تمام ًا كما هي صفة رسول الله Pوأشهد أنّ
عبده ورسوله»[ .خطاب العقل والروح ،ج ،2ص 58ـ ]59
األحبة..
ّ ّأيها
نجمد مساجدنا ،أن ال نجعلها حجر ًا ُصلب ًا ،بل أن ال ّ لذلك علينا أ ّ
يال ِ«الخ ْل ُق ك ُّلهم ِع ُ
الله بالمحبةَ ،
ّ ويتفجر
ّ نجعلها َينبوع ًا ّ
يتفجر بالخير،
لعيالِه».
أنفع ُهم ِ
الله ُوأحبهم إلى ِ
ُّ
السيد في العقل والقلب والوجدان..
ويبقى ّ
114
أبوي لم يخمد حرارته:
عطف ٌّ
تعرض نفسك للخطر
ال أجيز لك أن ّ
115
يؤكّ د على حرمة الخطف ،وكان يعتبر الخطف ـ كما يقول الحاج هاني
عبدالله ـ جزء ًا من العدوان على الحرية الشخصية للناس ،حتى وإن
أي دولة غربية انتموا ،ونحن وإن ك ّنا
كان المخطوفون من األجانب وإلى ّ
ضد
نختلف مع إدارات الحكومات الغربية بسبب سياساتها العدوانية ّ
للعدو الصهيوني وجرائمهّ شعوب المنطقة ،وتحديد ًا بسبب انحيازها
في فلسطين ،باإلضافة إلى سياساتها االقتصادية والثقافية واالجتماعية
التي تعمل على إرباك اقتصادنا وثقافتنا وواقعنا االجتماعي بما تبثّه من
واقع العالم العربي واإلسالمي وحتى دول العالم خطط ومشاريع تربك َ
يبرر عمليات الخطف أبد ًا. السيد ـ ال ّالثالث ،ولكن هذا ك ّله ـ برأي ّ
السيد ليتوقف عند خطف األجانب ،بل كان ينتقد أيض ًا
ولم يكن ّ
ومرة في إحدى خطبه ،قال عنبشدة خطف ال ّلبنانيين لبعضهم البعضّ ،
ّ
للمسيحيين وخطف المسيحيين للمسلمين« :لقد
ّ خطف المسلمين
تساوينا في التخ ّلف»..
تحدث سماحته وفيما أذكره أنّه في ُخطبة عيد الفطر أو األضحى ّ
التوجه إلى
ّ مجدد ًا عن الخطف ،وكان بعد الصالة والخطبة يريد ّ
دمشق ،وكوني المسؤول اإلعالمي في مكتبه أوصاني بأن أرسل الخبر
متضمن ًا رأيه بالخطف ،وقال لي:
ّ للصحف ووسائل اإلعالم األخرى،
وضمنه رأيي
ّ أنت تعرف منهجي وما أريده أنا ،فأنت ،أكمل الموضوع
حسب معرفتك بالمسألة وقدرتك على الكتابة ألنّك تعرف أسلوبي
بالكتابة تمام ًا ..تصور هكذا يقول األخ هاني ـ أنّني ما زلت جديدَ ٍ
عهد ّ
بالحنو ،فقد
ّ ً ً
ومتخرجا حديثا ـ وعلى طريقة الثقة
ّ في العمل اإلعالمي
أعطاني الثقة الكاملة في هذا المجال ،بحيث إنّه عندما رجع من دمشق،
116
وكنت قد ن ّفذت ما طلبه مني وأرسلت الخبر إلى وسائل اإلعالم ونُشر ُ
السيد قد قرأه ،وعندما جئت إلى الدوام صباح ًا ،وبعد
في حينها ،وكان ّ
وربت على كتفي السالم عليكم وعليكم السالم ،أثنى على ما كتبتهّ ..
احترام ًا وتقدير ًا لما كتبته..
وتقديره
َ السيد
احترام ّ
َ و ُيكمل األستاذ هاني عبدالله مستعرض ًا
وأنا في السيد فضل الله
للعاملين معه ،فيقول :بدأت العمل مع ّ
السيد هو
حررته لسماحة ّ الحادية والعشرين من عمري ،وكان ّأو َل خبر ّ
السيد فضل الله بأنّه هو من دفع إلى تفجير المارينز
رد على َم ْن ي ّتهم ّ
ٌّ
بالقرب من مطار بيروت الدولي ،وكان هذا في عام 1983م ،حيث
كتبت الر ّد باالتفاق مع سماحته ،وكان الخبر منشور ًا في جريدة األنوار،
محرر جريدة األنوار الر ّد ،وجدت ألعطي ّ
َ دخلت إلى غرفتي
ُ وعندما
معطل ،فدخلت إلى غرفة الحرس ،والغرفة كانت غرفة منامة أنَّ هاتفي ّ
والهاتف موضوع على األرض ،ا ّتصلت باألنوار ،واستلقيت على
المحرر الخبر ..في هذه ال ّلحظة دخل ّ
السيد ّ ظهري وبدأت أعطي
إلى غرفة الحرس ،فوجدني مستلقي ًا ،فما كان م ّني إال أن نهضت واقف ًا
احترام ًا لوجوده ،اقترب مني وقال لي« :ابقَ كما أنت مرتاح ًا ..وال
لمحرر جريدة األنوار ّ تُتعب نفسك وال تقف »..أكملت إعطاء الخبر
السيد إال أن ّقبلني على كتابتي للخبر بد ّقة وإ ّتقان..
فما كان من ّ
السيد يقول الحاج هاني عبد وفي حادثة أخرى ،تد ّلل على ّ
محبة ّ
الله :عندما كان هناك تبادل للقصف في أواخر عام 1990م ،حيث
ُس ّميت هذه الحرب بحرب «التحرير» ،وسقط فيها المئات من الشهداء
ُ
علي أن أوصل تصريح ًا لسماحة ّ
السيد إلى الوكالة والجرحى ،كان َّ
117
الدولية لصاحبها المرحوم مصطفى ناصر التي بدورها توصله إلى
وسائل اإلعالم .ولما لم يكن هناك وسائل اتصال هاتفية اضطررت
ّ
أستقل سيارتي المتهالكة من الضاحية الجنوبية إلى بيروت الغربية، أن
وبعد أن انطلقت بالسيارة ،صارت القذائف تنهمر كالمطر ،من شارع
حي ،وأنا ُأسرع بسيارتي حيث كانت القذائف حي إلى ّ
إلى شارع ،ومن ٍّ
تسقط إما ورائي أو أمامي حتى وصلت إلى الوكالة الدولية وس ّلمت
توجهت إلىبالسيد ،وعندما هدأ القصف ّ ّ المادة اإلخبارية الخاصة
السيد ،وعند وصولي ،رأيت أحد الحراس عملي في منزل سماحة ّ
ٌ
مشغول عليك.. السيد با ُله
مضطرب ًا وبلهفة قال لي :أسرع ..سماحة ّ
وهو متو ّتر بشأنك ،وينتظرك في الملجأ تحت البيت ،ألنَّ القصف
وقفت أمامه ،قال
ُ أسرعت الخطى..
ُ السيد..
حينها طال محيط منزل ّ
تعرض نفسك للخطر بسبب المادة اإلخبارية، لي :أنا ال أجيز لك أن ّ
مضطر ًا لذلك ..في هذه ال ّلحظة خامرني ذلك الشعور بالعطف
ّ ولست
َ
السيد ،وبقي في عقلي وروحي..األبوي الذي الزمني طوال حياة ّ
ّ
السيد في القلب والعقل والوجدان..
ويبقى ّ
118
طعم آخر
السيد ٌ
للحج مع ّ
ّ
119
موجهة ،بتبيان حكم شرعي، لمشكلة ،بنصيحة ما ،باستشارة ،بكلمة ّ
ثقافي..
ّ اجتماعي أو
ّ سياسي أو
ّ بشرحٍ لمسألة عقائدية أو تاريخية أو أمر
المكرمة وفد من عشائر
ّ مكةمقر البعثة في ّ
وفيما أذكره أنّه دخل عليه في ِّ
وية،
اله ّ
المتعصبين والطائفيين ُيذ ِّبحون على ُ
ّ العراق أخبروه بأنّ بعض
سمعت
ُ ويمارسون التهجير والتدمير ،فما هي مسؤوليتهم أمام ذلك،
ينجروا إلى الحرب الطائفية ..وبأنّ العراق ّ السيد ينصحهم بأن ال
ّ
بأمن وسالم ،وبأنّ هؤالء التكفيريين والطائفيين ٍ يستأهل أن يعيش
ال تأخذ البريء بجريرة مصيرهم إلى الزوال ،وعلى العشائر العراقية أ ّ
ال يرتهنوا للقوى األجنبية التي تعمل على تسعير الفتنة بين المجرم ،وأ ّ
وس ّنة ،أو من مسلمين ومسيحيين، أطياف المجتمع العراقي ،من شيعة ُ
ألنّ في ذلك تمزيق ًا للعراق ،وتشتيت ًا لطاقات شعبه ،وهذا لألسف ما
السيد فضل الله يستشرف المستقبل ،نتيجة حدث الحق ًا ،حيث كان ّ
المشاكل وبروز العصبية والطائفية واالنسياق خلف بعض السياسات
الخارجية..
الحج ،طلبت إدارة البعثة م ّنا
ّ وأذكر أنّه بعد قيامنا بأعمال فريضة
كجهاز للبعثة ومن وكالء منتشرين في العالم االجتماع بسماحته
الحج وتقديم االقتراحات من جهازّ لتقييم األعمال والبرامج في موسم
البعثة ومن الوكالء لسماحته..
السيد إلينا وإلى الوكالء القادمين من العراق
في بداية االجتماع ،نظر ّ
للسيد ذاكرة قوية لم َير أحد
ّ ولبنان والخليج وأوروبا وأميركا ،وألنّ
الوكالء موجود ًا (وهو سماحة الشيخ علي غلوم من الكويت) ّ
توجه
إلدارة البعثة بالسؤال عنه الفت ًا نظرهم إلى ضرورة إخباره باالجتماع،
120
مسؤولياتهم وبأن ال يغفلوا عن قضايا
ّ يؤكّ د عليهم االنتباه إلى فكأنّه
أي وكيل عن االجتماع..
أساسية وجوهرية كمثل عدم إخبار ِّ
الحج إلى
ّ السيد الذي كان يرافقه في يحدثني به أحد معاوني ّ وما ّ
حجة له في عام 2008 السيد في آخر ّ ّ بيت الله الحرام باستمرار أنّ
ال ،واستقباله لجموع الحجيج للميالد ،وكان المرض قد نال منه منا ً
القادمين من بقاع العالم شتى أرهقه لدرجة أنّه كان يتن ّفس بصعوبة ،لذا
السيد بالعمرة المفردة دون
السيد أن يكتفي ّ قرر طبيب البعثة وبموافقة ّ ّ
الحج..
السيد بذلك وفي صباح يوم عرفة ارتدى ثياب اإلحرام بعد أن قام ّ
يفوت علىالحج وصعد مع الحجيج إلى عرفة ،حتى ال ّ ّ ومن دون ّنية
نفسه ثواب الوقوف في عرفة ،وقرأ دعاء اإلمام زين العابدين ودعاء
بصوت رخيم حزين ،كان البعض يستمع إليه ٍ اإلمام الحسين L
بكل خشوع وضراعة إلى الله تعالى..ّ
وكان ير ّدد دعا َء الحسين Qويقول:
منك أهل لذلك َ محمدٌ ٌ محمد ،كما ّ محمد وآل ّ فصل على ّ ِّ «اللهم
ّ
أجمعين، الطاهرين بين
الطي َ ِ ِ ِّ
َ َ بين ّ المنتج َ
َ فصل عليه وعلى آله عظيم،
ُ يا
غات فاجعل لنا بصنوف ال ّل ِ
ِ األصوات
ُ تعج ِ َ
فإليك ّ وتغم ْدنا بعف ِو َك ع ّنا، ّ
كل خي ٍر ُتق ِْس ُم ُه بين عبادك ونو ٍر تهدي العشي ِة نصيب ًا من ِّ
ّ اللهم في هذه
َّ
أرحم ُ ٍ ُ ٍ ُ ٍ
تنشرها وبركة ُت ْنزلها ،وعافية تج ّللها ورزق تبسطه يا ٍ
َ به ،ورحمة ُ
مبرورين
َ حين، حين ُم ِ
فل َ ِ
الوقت ُم ْن ِج َ الراحمين ،اللهم ِ
اقل ْبنا في هذا
غانمين وال تجعلنا من القانطين وال ت ُْخ ِلنا من رحمتِك ،وال ت َْح ِرمنا ما َ
121
لفضل ما نؤ ّم ُله
ِ محرومين وال
َ فضل َك ،وال تجع ْلنا من رحمتِك نؤ ّم ُله من ِ
مطرودين ،يا أجو َد
َ خائبين ،وال من بابِ َك َ قانطين وال ت َُر ّدناَ من عطائِ َك
ينموقنين ،ولِ َب ْيتِك الحرام آ ّم ََ إليك َأ ْق َب ْلنا
األكرمينَ ،
َ األجودين ،وأكر َم
َ
واعف ع ّنا ،وعافنا فقد ُ حجنا،وأكمل لنا ّ ْ قاصدين فأع ّنا على مناسكنا، َ
اللهم َفأ ْع ِطنا في هذه َّ ٌ
موسومة، ِ
االعتراف إليك أيدينا ،فهي بِ ِذ ّل ِة َمدَ ْدنا َ
رب لنا كافي لنا سواك ،وال َّ العشي ِة ما سألناك ْ ِ
واكفنا ما استكفيناك ،فال َ ّ
اقض لنا علمكَ ،ع ْدل فينا قضاؤكِ ، محيط بنا ُ ٌ كمك نافذ فينا ُح ُ غيرك ٌ ُ
عظيم األجر، ِ
بجود َك أوجب لنا اللهم الخير ،واجعلنا من أهل الخير،
َ ْ ّ َ
اليسر ،واغفر لنا ذنو َبنا أجمعين ،وال تُهلكنا مع الذخر ،ودوا َم ُ وكريم ّ
َ
الراحمين»..
َ أرحم
َ رأفتك ورحمتك يا َ الهالكين وال ت َْص ِر ْف ع ّنا
122
السيد فضل الله للعالِم الفيزيائي يوسف ّ
مروة: ّ
إنّني أتابعك في كتاباتك واكتشافاتك وآمل أن تعرف األمة َق ْدرك
123
والدول العربية..
اهتم بالشؤون الفكرية والثقافية،
ّ العلمي،
ّ باإلضافة إلى اإلنتاج
عبقري من بالدي ..العبقرية
ّ من أبرز كتبه المنشورة :كامل الصباح:
العربي في العلم الحديثّ ،
مؤشرات العلوم الطبيعية ّ المنسية ..األثر
ّ
مؤشرات العلوم الطبيعية ورموزها في تراث ورموزها في القرآنّ ،
علي ،محنة المثقف العربي ،الله والكون واإلنسان ،مفهوم اإلمام ّ
العربي المعاصر ،وله
ّ الله في الفيزياء الحديثة ،النقد الديني في الفكر
أيض ًا الكثير من المساهمات الثقافية والفكرية في بالد االغتراب عن
الحضارة العربية واإلسالمية..
العربي معه ،واآلن
ّ منذ ما يزيد عن نصف قرن هاجر حام ً
ال الحلم
رحل للمرة األخيرة ولم يتحقّق الكثير من آماله وطموحاته في لبنان
والدول العربية ،وقد نعاه سماحة الشيخ حسين الخشن بقوله« :تعود
مروة إلى ثمانينيات القرن الميالدي المنصرم من معرفتي بالدكتور ّ
قدم له
خالل مطالعتي لكتابه «العلوم الطبيعية في القرآن» ،والذي ّ
ثم تو ّثقت معرفتي
السيد موسى الصدر في سنة 1968مّ ، ّ الع ّ
المة
سيدنا الراحل
بالرجل ،دون أن ألتقيه ،من خالل أنّه كان معتمدً ا عند ّ
السيد يأخذ رأي محمد حسين فضل الله ،فقد كان ّ السيد ّالمرجع ّ
مروة بعين االعتبار عند إفتائه ببداية الشهور الفلكية.الدكتور ّ
وكانت معرفتي الشخصية بالرجل عند لقائي به في زيارتي إلى
كندا في العام 2007م ،وقد زاد إعجابي بالرجل ،والحظت أنّ يوسف
التخصصية ـ ُخ ُلق ًا رفيع ًا
ّ مروة يمتلك ـ باإلضافة إلى الجدارة العلميةّ
يجسد تواضع العلماء وسمات إنساني ًا مرهف ًا ،وهو في سلوكه ّ
ّ وحس ًا
ّ
124
عرفني
الصالحين واألتقياء ،وال أنسى أنّه قد منحني الكثير من وقتهُ ،لي ّ
على تاريخ ذاك البلد «كندا» وبالتحديد مدينة «تورونتو» ومعالمها،
حتى أنّه تجشّ م عناء الذهاب إلى محطة القطار ليو ّدعني هناك حيث
آخر لقاء جمعني به.
كان َ
الحظت أنّه كان يعيش هموم أمته ومآسي وطنه .ويتألم لما يراهُ وقد
ُ
اختالف ولشد ما كان يؤذيه
َّ تأخر المسلمين وتش ّتتهم وتناحرهم، من ّ
المسلمين في بالد الغرب على قضية بداية الشهور القمرية ،كان يرغب
جمعهم على رؤية واحدة تأخذ المعطيات الفلكية الدقيقة بنظر ِ في
قص ًة طريف ًة في هذا الشأن ،ومفادها :أنّه ذات
االعتبار ،وأذكر أنّه ذكر لي ّ
وحرصا منه على تعريف علماء الدين المسلمين في كندا على ما ً يوم
وصلت إليه المراصد الفلكية من د ّقة في رصد الهالل ،قام برفقة كوكبة
المتخصصة هناك ،وقد كان في استقبالهم ّ منهم بزيارة إحدى الكليات
في مدخل الجامعة عميد الكلية ،ولما نظر العميد المذكور إلى هؤالء
ويتهم ،تداعى العلماء وهم بلباسهم الديني التقليدي الذي ُيفصح عن ُه ّ
إلى ذهنه ماضي المسلمين المجيد ،فقال بعد الترحيب بهم :لقد ك ّنا في
ال على العلوم التي أرسى قواعدَ ها أسال ُفكم ،وكانت بالد الغرب عيا ً
بصمات ّبينة ،ولطالما استفدنا من كتب ابن سينا والبيروني ٌ لهم فيها
وغيرهما من العلماء المسلمين ،فمتى سيعود المسلمون إلى أداء
دورهم المرتجى في بناء الحضارة؟!»
السيد فضل الله بتاريخ
وجهها سماحة ّ
وأختم هنا بالرسالة التي كان ّ
مروة حيث جاء فيها:
10ت1998 2م للعالم الفيزيائي يوسف ّ
مروة...
الدكتور يوسف ّ
«الصديق العزيز ّ
ّ
125
الممتد،
ّ إنّني ُأتابعك في كتاباتك ،وفي اكتشافاتك ،وفي هذا العطاء
المسؤولية ،على أساس أنّ اإلنسان الواعي يرى أنّ طاقة
ّ في ّ
خط
مسؤوليته بقدر ما يحتاج الناس إليه وما تريده الحياة منه.
ّ
تقدر عطاءك األمة قدرك ،وأن ّ
إنّني أدعو لك ،وآمل أن تعرف ّ
أمر رجوعك إلى بلدك،المتنوع في أبعاده الكثيرة .وأرجو أن تبحث َ
ّ
الواقعية التي تسمح لك بذلك ،فإنَّ بلدك
ّ من خالل دراسة ّ
الظروف
بحاجة إليك من خالل علمك وإخالصك وإيمانك»...
محمد حسين فضل الله
ّ
السيد في العقل والقلب والوجدان..
ويبقى ّ
126
محتويات الكتاب
المقدّ مة5...........................................................
ّ
أستقل التاكسي كنت
أجمل أيام حياتي عندما ُ
من النبعة إلى برج البراجنة 7........................................
السيد نصر الله:
ّ
أترك المنبر للمرشد واألستاذ والمر ّبي12............................
عندما يص ّلي األستاذ خلف تلميذه15................................
توجه إلى المسجد وال تتأخر عن صالة الجماعة18..... شيخ أحمدّ ،
فليسامحكم الله..
حجر ٍ
عثرة في طريق مؤمن إلى الج ّنة22.................... َ لن أكون
شخصية مع أحد29..............................
ّ لدي مشكلة ليست ّ
سيكون له شأن كبير في المستقبل 32................................
الدنيا يا أخي هواء في َش َبك 39......................................
األئمة 43.....................
أخالف إجماع العلماء وأعمل بإجماع ّ
األئمة46......... R أرسخ في أذهان الناس أسماء ّ مسؤوليتي أن ّ
ّ
كل ما قمت به شيء ليس في حسابي في ِّ
اسمه محمد حسين فضل الله 49....................................
عدو ًا للراحة55.................................................
كان ّ
ال ترتاح58.............................كم بقي من العمر..؟ عليك أ ّ
127
الج ْيب يأتِك ما في الغيب 63.......................... ْ
اصرف ما في َ
ِدير با َلك على الفقراء يا حاج موسى68..............................
ال أفعل شيئ ًا في ّ
السر أستحي منه في العالنية 71.....................
أبا جهاد ..هل تأ ّمن المنزل؟ 75.....................................
طيبوا خاطر إم جوزيف 78.......................................... ّ
مهمة قلوبنا أن تصنع الفرح للعيون التي تبكي 82.................... ّ
هذا المبلغ ثمن علبة بسكويت ٨٥...................................
باب الله سيكون مفتوح ًا لك ٨٨.....................................
أعتز بالشيخ فضل الله ٩٢..........................
روجيه غاروديّ :
كان يقدّ م الطعام لأليتام بنفسه ٩٦....................................
ساعدْ هم ..ففي ذلك األجر عظيم ١٠٠.............................. ِ
أشعر ّ
بأن هذا المال عقارب وأفا ٍع
صرف في وجهته الشرعية ١٠٣............................... إن لم ُي َ
السيد بنفسه يطلب لي يدَ خطيبتي ١٠٨.............................. ّ
للسيد َد ْي ٌن في عنقي إلى يوم القيامة١١١.............................ّ
أبوي لم يخمد حرارته:
عطف ّ ٌ
تعرض نفسك للخطر ١١٥........................... ال أجيز لك أن ّ
طعم آخر ١١٩......................................
السيد ٌللحج مع ّ ّ
السيد فضل الله للعالِم الفيزيائي يوسف ّ
مروة: ّ
إنّني أتابعك في كتاباتك واكتشافاتك وآمل أن تعرف األمة َقدْ رك ١٢٣....
128