Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 22

‫في طبيعة اللسانيات العامة‪ :‬أوليات منهجية‬

‫‪                                             ‬‬
‫‪ ‬مصطفى غلفان‬
‫‪        ‬إن‪ ‬التعامل مع اللسانيات العامة يتطلب منا في مرحلة أولى القيام بشيئين اثنين‪ :‬‬
‫‪ -‬أوالً توض ((يح( طبيع ((ة اللس((انيات ذاته((ا‪ ،‬ثم بس((ط بعض المنطلق((ات النظري((ة والمنهجي ((ة‬
‫األساس في اللسانيات العامة‪.‬‬
‫‪ -‬فيما يتعلق بالمسألة األولى‪ ،‬يتعين علين((ا أن نجيب عن مجموع((ة من األس((ئلة‪ ،‬أو على‬
‫األصح‪ ،‬أن نعي((د األس((ئلة ح((ول م(ا هي ه(ذه اللس(انيات "ي(ا ت(رى ال((تي أص(بح يتح((دث عنه(ا‬
‫الك((ل‪ ،‬ويستش((هد( به((ا الك((ل‪ ،‬ويش((حن مراجع((ه ببعض منه((ا؟ م((ا هي ه((ذه اللس((انيات كعلم‬
‫ونش((اط تحليلي وكفلس(فة وكص((ورنة( إلخ؟ كي(ف نس((تطيع تمثله(ا؟ م((ا عالقته(ا بالثقاف(ة؟ م(ا‬
‫عالقتها بالعلوم األخرى الدقيقة وغ((ير الدقيق((ة؟ م((ا النش((اط اللس((اني بالمقارن((ة م((ع أنش((طة‬
‫علمية أخرى؟"[‪.]1‬‬
‫‪      ‬إن اإلجابة عن هذه األسئلة ليست مسألة سهلة كما قد يتبادر إلى بعض األذهان‪ .‬إن‬
‫األم ((ر ال يتعل ((ق باستحض ((ار أجوب ((ة مباش ((رة‪ ،‬أو تع ((اريف ج ((اهزة بالش ((كل ال ((ذي تقدم ((ه‬
‫المؤلفات المدرسية‪ .‬إنها إجاب(ات ذات خلفي(ة منهجي(ة( هام(ة‪ ،‬وتتمث(ل( في معرف(ة أبع(اد ك(ل‬
‫جواب وآث((اره ونتائج((ه على ال(درس اللس((اني في تعامل((ه م((ع النظري((ة اللس(انية( العام((ة من‬
‫جهة‪ ،‬وفي تعامله مع اللغات الطبيعية من جهة ثانية( ومن بينها اللغة العربية‪.‬‬
‫‪     ‬ومن‪ ‬الط(((((((((بيعي‪ ‬أن‪ ‬أي‪ ‬إجابة‪ ‬تقتضي‪ ‬أرض(((((((((ية‪ ‬نظرية(‪ ‬وفكرية‪ ‬ينطلق‪ ‬منها‪ ‬ويفسر‪ ‬في‬
‫ض((وئها‪ ‬العم((ل اللس((اني‪ ،‬س((واء في ص((ورته( العربي((ة‪ ،‬أو في ص((ورته( العام((ة‪ .‬تم((ثيال له((ذا‬
‫االلتب(((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((اس في فهم األبع(((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((اد‬
‫النظرية‪ ‬والمنهجية(‪ ‬للسانيات‪ ‬العامة‪،‬نشير‪ ‬من‪ ‬جديد‪ ‬للخلط‪ ‬المفهومي‪ ‬الذي‪ ‬تكشف‪ ‬عنه‪ ‬كثير(‪ ‬‬
‫من‪ ‬الكتاب((ات‪ ‬اللس((انية‪ ‬العربي((ة الحديث((ة فيم((ا يتعل((ق بتحدي((د بعض أبس((ط المف((اهيم األولي((ة‬
‫والجوهرية( مثل‪ ،‬علم اللغة وفقه اللغ((ة والنح((و والفيلولوجي((ا‪..‬من جه((ة ثاني((ة الح((ظ بعض‬
‫الب ((احثين اللس ((انيين الع ((رب‪ ،‬أن من أزم ((ات البحث اللس ((اني الع ((ربي "ادع ((اء العلمي( (ة( أو‬
‫المنهجية‪ ،‬وه((ذه الظ((اهرة تأخ((ذ أش((كاال متع((ددة من تص((ور خ((اطئ للعلم إلى تص((ور خ((اطئ‬
‫لالفتراضات العلمية إلى تصور خاطئ لما يعتبر تطبيقاً ما"‪.‬‬
‫‪        ‬وبالفع((ل‪ ،‬ف((إن خطابن((ا اللس((اني الع((ربي الح((ديث المحم((ل به((ذا الن((وع من التص((ورات‬
‫الخاطئة للعلم والمنهج وللنظرية( والتطبيق لم يكن بإمكانه أن يس((هم كث((يراً في نش((ر وعي‬
‫لساني حداثي يتجاوز حدود المحلية والثقافة الخاصة‪.‬‬
‫إن إجاب((ة واض((حة ومعقلن((ة عن األس((ئلة الس((الفة وغيره((ا من التس((اؤالت المنهجي((ة ال((تي‬
‫تص((ب في االتج((اه نفس((ه‪ ،‬تع((د في نظرن((ا خط((وة ض((رورية( وأساس((ية( إلرس((اء دع((ائم تفك((ير‬
‫لساني سليم في الثقافة اللغوية العربية الحديثة‪(.‬‬
‫لق((د ب((رزت اللس((انيات كمعطى جدي((د في الفك((ر اإلنس((اني الح((ديث‪ ،‬وه((و م((ا ال يع((ني‬
‫مطلقا أن البحث في اللغة بحث جديد‪ .‬ولن نضيف جدي((داً إذا قلن((ا إن البحث في اللغ((ة وم((ا‬
‫يرتبط( بها من قضايا فكرية‪ ،‬ليس شيئاً جديداً في حياة البشرية‪ (،‬وإ نما هو بحث ق((ديم ق((دم‬
‫اللغ(((ة البش(((رية( نفس(((ها‪ .‬ورغم أن لفظ(((ة لس(((انيات ‪ Linguistique‬حديث(((ة( العه ((د‪ ،‬فمن‬
‫الص((عب الح((ديث بدق((ة عن ت((اريخ ظه((ور اللس((انيات كعلم ق((ائم بذات((ه‪ .‬إن ت((اريخ اللس((انيات‬
‫يختلف بحسب وجهة النظر التي قد يتخذها الباحث‪ .‬وبناء عليه‪ ،‬فإن اللسانيات ق((د تك((ون‬
‫نشأت حوالي القرن الخامس قبل الميالد‪ ،‬أو م(ع ب(وب س(نة‪ ،1816‬أو م(ع سوس(ور س(نة‬
‫‪ ،1916‬أو مع تروبتسكوي سنة ‪ ،1926‬أو مع شومس(كي س(نة ‪  ]2[1956‬ليس بإمك(ان‬
‫أي ك(((((ان أن ينك(((((ر القطيع(((((ة ال(((((تي أح(((((دثتها اللس(((((انيات م(((((ع الفك(((((ر اللغ(((((وي الق(((((ديم‪.‬‬
‫ويمكن‪ ‬تحديد‪ ‬بعض‪ ‬مظاهر‪ ‬االختالف‪ ‬بين‪ ‬الفكرين‪ ‬فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬إن‪ ‬الفك((ر اللس((اني المعاص((ر فك((ر أك((ثر ش((مولية( من نظ((يره الق((ديم‪ .‬إن((ه ال ينفص((ل عن((ه‬
‫ولكنه يحتويه ما دام يعمل على تطويره وتدقيقه‪.‬‬
‫‪ -‬إن الفكر اللس(اني الح(ديث والمعاص((ر مراجع((ة دائم((ة ومس(تمرة للمف(اهيم األس((اس ال(تي‬
‫يقوم عليه((ا‪ .‬إن المف((اهيم اللس((انية وس((ائر األدوات اإلجرائي(ة( ال((تي ع((ولجت به((ا اللغ((ة من‬
‫قبل مختلف التصورات اللسانية روجعت أكثر من مرة‪.‬‬
‫‪ -‬إن الفكر اللساني المعاصر أكثر تفتحاً على معارف أخ((رى من منط((ق ورياض((يات وعلم‬
‫النفس وعلم االجتم((اع وفلس((فة وإ حص((اء وإ عالمي((ات‪ .‬وله((ذا الس((بب اس((تطاعت اللس((انيات‬
‫أن تفرض نفسها في إطار العلوم اإلنسانية كنظرية ومنهج‪.‬‬
‫‪      ‬لق((د ب((دأت علمي((ة اللس((انيات ب((التخلي الت((ام عن كث((ير من األفك((ار الفلس((فية العقيم((ة‬
‫المتعلق((ة بأص((ل اللغ((ات ونش((أتها وما‪ ‬ش((ابه ذل((ك‪ ،‬إض((افة إلى م((ا ج((اءت ب((ه اللس((انيات من‬
‫روح نظرية ومنهجية جديد قائمة على الوضوح والدقة في أدوات التحليل وتقنياته‪ .‬‬
‫‪     ‬إن القطيعة تتجلى إذن‪ ،‬في هذه المتطلبات ال((تي طرحته((ا اللس((انيات المتعلق((ة بتحدي((د‬
‫الموض((وع وض((بط المف((اهيم واألدوات اإلجرائي(ة( األساس((ية‪ ،‬عالوة على الرغب((ة المنهجي(ة(‬
‫في اس((تقاللية اللس((انيات ذاته((ا‪ ،‬واالس((تفادة من العل((وم األخ((رى إنس((انية ك((انت أم علوم((ا‬
‫بحتة‪.‬‬
‫‪      ‬في الثقافة العربية الحديثة‪ ،‬يبدو أن مساءلة العالقة بين الفكر اللغوي العربي القديم‬
‫ونظيره الح((ديث‪ ،‬تمت في إط((ار م((ا يع((رف ب((القراءة‪ ،‬ق((راءة الم((وروث اللغ((وي الع((ربي في‬
‫ضوء النظريات اللسانية‪ (.‬وقد انتهت كل القراءات إلى نتيج(ة( عام(ة‪ ،‬مفاده(ا أن(ه "م(ا ت(رك‬
‫األول لآلخ((ر ش((يئاً"‪ ،‬وأن ه((ذه اللس((انيات ليس((ت جدي((دة علين((ا‪ .‬وواض((ح أن من ش((أن ه((ذه‬
‫مث ((ل ه ((ذه األفك ((ار‪ ،‬أن ال تش ((جع‪  ‬الثقاف ((ة العربي( (ة( على االهتم ((ام باللس ((انيات[‪ .]3‬الس ((مات‬
‫المميزة( للممارسة العلمية‪:‬‬
‫اإلجاب((ة عن ه((ذه األس((ئلة وغيره((ا تقودن((ا إلى ال((دخول في مج((ال العلم وخص((ائص‬
‫النشاط العلمي الصحيح كما يمارس اليوم في ك((ل العل((وم‪ .‬تكمن أولى العقب((ات في أن((ه من‬
‫الصعب على أي كان أن يقدم تعريفاً عاماً وشامالً للعلم‪.‬ومن الغريب أن((ه في ال((وقت ال((ذي‬
‫يتحدث فيه الجميع عن اإلنج((ازات العلمي((ة النظري((ة منه((ا والتطبيقي((ة‪ .‬وعن من((اهج البحث‬
‫العلمي ومعايير التفكير العلمي وعن أسس العلم وما إلى ذل((ك من العب((ارات‪ ،‬ال نع((ثر على‬
‫تحديد واضح للعلم "هذا الواقع جعل بعضهم يقول إن العلم مفهوم مبهم"[‪.]4‬‬
‫‪     ‬وقد يستغنى عن التعريف المباشر للعلم بتقديم جوانبه( االبس((تمولوجية أو أس((لوبه أو‬
‫منهج((ه أو خطوات((ه أو منهجي((ة البحث العلمي وهي كله((ا عب((ارات تحي((ل في مجمله((ا إلى‬
‫نفس الشيء‪ .‬وقد يعرف العلم بغاياته وأهدافه‪ .‬يقول كارل بوبر‪" :‬ليس في ذه((ني ص((ورة‬
‫للعلم باعتباره ظاهرة بيولوجي((ة أو ك(أداة للمالءم((ة أو كمنهج غ((ير مباش((ر لإلنت((اج ولك((ني‬
‫أفك((ر في جوانب((ه اإلبس((تمولوجية"[‪ .]5‬وق((د يح((دد أس((لوب العلم في كون((ه مالحظ((ة ص((بورة‬
‫ومراجعات متكررة ومناقشة مفتوحة[‪ .]6‬ويذهب بعض االبستمولوجيين( إلى أنه من العبث‬
‫اختص ((ار العلم في منهج واح ((د أو في قواع((د معين ((ة بس ((يطة‪ (،‬نظ ((راً‪ ‬للت ((اريخ المعق ((د للعلم‬
‫نفسه‪ .‬إن مقاربة في هذا االتجاه تبسط العلم وتختصره ليس غير[‪.]7‬‬
‫‪     ‬وس((((واء أتوص((((لنا إلى تعري((((ف أولي للعلم أم ال‪ ،‬ف((((إن ه((((ذه التحدي((((دات والمواق((((ف‬
‫المتنوعة تؤكد فعالً وجود ش((يء اس((مه العلم‪ ،‬وأن هن((اك اتفاق(اً يك(اد يك((ون عام(اً ح((ول م((ا‬
‫يمكن وصفه بأنه علمي‪ ،‬وم((ا ليس ك((ذلك‪".‬إن بإمكانن((ا تحدي((د الس((مات المم((يزة ال((تي يمكن‬
‫بموجبها أن نصنف تصورا ًما أو أفكاراً معينة بأنه((ا علمي((ة وقابل((ة ألن توض((ع في ص((نف‬
‫العلم[‪.]8‬‬
‫‪     ‬والواق ((ع أن المع ((ايير ال ((تي تح ((دد الس ((مات المم ((يزة للس ((مات العلمي( (ة( على مس ((توى(‬
‫األفك((ار والتص((ورات هي نفس((ها ال((تي تح((دد الغاي(ات واأله(داف ال((تي يم((يز بواس((طتها العلم‬
‫عن الرياض(((ة وعن السياس ((ة وعن الفن‪" ،‬مم ((ا يف ((ترض مع ((ايير االس ((تحقاق العلمي‪ ،‬أي‬
‫اعتبار األهداف التي يضعها العالم نصب عينيه بكيفي((ة موس(عة‪ ،‬مم(ا ي(دل أنن((ا نقب((ل بعض‬
‫المعايير للحكم‪ .‬إن نش(اطاً علمي(اً ج(اداً يس(تجيب له(ذه األه(داف‪ ،‬بينم(ا ال يس(تجيب له(ا ك(ل‬
‫نشاط مشكوك في نوعيته[‪.]9‬‬
‫‪     ‬تجم( ((ع الدراس( ((ات االبس( ((تمولوجية الحديث( ((ة على أن البحث العلمي يم( ((ر ع( ((بر أرب( ((ع‬
‫مراحل هي‪ :‬‬
‫أوالً‪ :‬مالحظة وتسجيل جميع الوقائع‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬تحليل وتصنيف هذه الوقائع‬
‫ثالثاً‪ :‬استخراج المبادئ العامة عن طريق استقراء هذه الوقائع‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬المراقبة التكميلية لهذه المبادئ[‪.]10‬‬
‫‪     ‬انطالقاً من هذه الخطوات والمبادئ للعلم في أحد تصوراته‪ ،‬وليس العلم في صورته‬
‫المطلق((ة‪ ،‬نظ(راً إلى وج((ود اختالف(ات هام(ة بين الدارس(ين أنفس((هم ح(ول األبع(اد التص((ورية‬
‫والنظري((ة ال ((تي ينظ ((ر من خالله((ا للعلم‪ ،‬يمكن الق ((ول ب((أن العلم ينطل ((ق بص((فة عام((ة من‬
‫مشاهدة حسية أو تخمينية للعالم الخارجي‪ .‬ويعني ه((ذا في نظ((ر العلم أن ال ش((يء واض((ح‬
‫كلي( (اً‪ .‬إن العلم ال يب ((دأ إال إذا اس ((تطردنا من ه ((ذه الخ ((برات المستس ((اغة خ ((برات الفط ((رة‬
‫السليمة إلى األنماط البسيطة للوصف التي نسميها نظريات[‪.]11‬‬
‫‪      ‬ومشاهدة الوقائع وتسجيلها ال يتم بكيفية اختيارية أو اعتباطية‪ ،‬إذ ال بد أن يتم ذل((ك‬
‫في إط((ار نظ((ري يس((مح بالمش((اهدة بش((كل مالئم وإ يج((ابي‪ .‬وب((دون وج((ود ألي نظري((ة‪ ،‬لن‬
‫نع((رف م((ا يجب أن نش((اهده‪ .‬والمش((اهدات ال((تي تح((دث بالص((دفة لن ت((ؤدي ع((ادة إلى أي‬
‫تعميم[‪ .]12‬إن المالحظ( ((ة والتج( ((ريب تقودهم( ((ا النظرية[‪]13‬وب( ((دونها لن يك( ((ون ثم( ((ة جم( ((ع‬
‫وتصنيف مالئمين للواقع‪".‬فمن مشاهدة الواقع تصاغ المبادئ ال((تي يمكن أن تس((تنبط ه((ذه‬
‫الوقائع وتتم صياغتها باعتماد االستقراء واالستدالل"‪.‬‬
‫‪     ‬وللمب ((ادئ العام ((ة أهمي ((ة قص ((وى في المعرف ((ة العلمي ((ة‪ .‬إنه ((ا تجعلن ((ا ن ((درك بكيفي ((ة‬
‫عقالني((ة‪ (،‬لم((اذا تح((دث بعض الظ((واهر به((ذه الطريق((ة دون غيره((ا‪ .‬وب((دون ه((ذه المب((ادئ‬
‫العامة‪ ،‬ال تكون ثمة فوائد من الوق(ائع ال((تي يتم رص((دها‪ .‬فليس للوق(ائع في ح(د ذاته((ا أي‬
‫أهمي((ة ب((دون مب((ادئ عام((ة تختص((رها ثم تص((ف ح((دوثها وتفس((رها‪ .‬إن المعرف((ة العلمي((ة‬
‫تسعى إلى معرفة منسقة( للعالم‪ .‬إنها تبحث عن اختص((ار الظ((واهر ال((تي تتم مالحظته((ا في‬
‫مختلف جوانبها إلى مبادئ أساسية عامة‪ ،‬مما يجعلها تبحث عن ثوابت قليلة العدد‪.‬‬
‫‪     ‬وعلى ك((ل ح((ال‪ ،‬تك((ون المب((ادئ علمي((ة إذا ك((انت النت((ائج التجريبي(ة( م((برراً له((ا‪ .‬ليس‬
‫مع((نى ه((ذا أن التجرب(ة وح(دها تثبت( المب((ادئ أو تدحض(ها‪ .‬إن التجرب((ة ال يمكنه((ا أن تثبت‬
‫الفروض‪ ،‬ولكنها تقويها وتعززها وتجعلها أكثر احتماالً من غيره((ا‪ .‬غ((ير أن ك((ل المب((ادئ‬
‫العلمية ليست نتيج(ة بن(اء نظ(ري عن طري(ق االس(تقراء أو االس(تدالل‪ ،‬وإ نم(ا هن(اك ح(االت‬
‫[‬
‫عديدة يتدخل فيها خي(ال الع(الم ليب(دع بكيفي(ة حدس(ية‪ (،‬إم(ا مب(دءاً علمي(اً أو نظري(ة بكاملها‬
‫‪. ]14‬‬
‫‪      ‬يمكننا أن نحدد مهمة العالم في ثالث خطوات أساسية‪:‬‬
‫أوال‪ :‬وضع المبادئ‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬استخراج نتائج( منطقية( من هذه المبادئ من أجل استنباط حقائق بشأنها‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬التدقيق العلمي لهذه الحقائق المشاهدة[‪.]15‬‬
‫بي((د أن تبس((يط الممارس((ة العلمي((ة به((ذه الكيفي((ة‪ ،‬ال ينبغي أن يس((تنتج من((ه بس((اطة العلم‪.‬‬
‫يط((رح بعض المفك((رين إش((كالية العلم والمعرف((ة العلمي((ة من منظ((ور آخ((ر يتج((اوز مس((ألة‬
‫تحديد العلم‪ ،‬وذلك بربطه بمنطلقاته النظرية والمنهجي(ة‪ (،‬أو الغاي(ة من(ه أو ببنيت((ه العام((ة‪.‬‬
‫إنها أيضاً جوانب اختلف في تأويلها وتوظيفها‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬فإن كل هذه الج(وانب المتع(ددة‬
‫للعلم تكمل إدراكنا له في مفهومه الشمولي‪.‬‬
‫‪     ‬فيما يتعلق بغاية العلم فإنها لم تعد جمعا ًللحقائق والوقائع‪ ،‬فليس هن((اك مك((ان الي((وم‬
‫لعلم من ه ((ذا الص ((نف[‪ .]16‬إن المعرف ((ة العلمي ((ة الس ((ليمة( والمقبول ((ة هي ال ((تي تس ((عى إلى‬
‫تفسير( الوقائع والتنبؤ بأخرى‪ ،‬وليس للتصنيف والوصف فحسب‪" .‬إن الهدف من النش((اط‬
‫العلمي هو وضع فرضيات شمولية تتج((اوز الوص((ف التص((نيفي‪ ،‬لتص((ل إلى التفس((ير الكلي‬
‫المقبول( للظواهر‪ .‬وليس معنى التفس((ير العلمي جع((ل األش((ياء المعروض(ة( للتحلي((ل معقول((ة‬
‫أو مقبول(ة عقلي(اً فق(ط‪ ،‬ب(ل إن الع(الم حين يفس(ر الظ((واهر ال يك(ون تفس(يره مقص((وراً على‬
‫تلك الظواهر بعينيها‪ ،‬وإ نما يأتي تفسيره عاما ينطبق على غيره((ا من الظ((واهر المماثل((ة‪،‬‬
‫إن الع(الم يس((تطيع بن(اء على التعميم(ات ال(تي ينتهي( إليه((ا‪ ،‬أن يتنب(أ ب((أن الظ(واهر المقبل(ة‬
‫س((وف ت((أتي على غ((رار الظ((واهر ال((تي عرفه((ا من قب((ل‪ .‬ف((التعميم في التفس((ير ه((و ال((ذي‬
‫يسمح لنا بالتنبؤ في العلم[‪ ]17‬إن أفضل نظرية أو فكرة أو ف(رض وأحس(ن نس(ق ه(و ال(ذي‬
‫تكون له أكبر قدرة تفسيرية([‪.]18‬‬
‫‪     ‬وأك((د ك((ارل ب((وبر‪ Karl Popper‬في كتاب((ه "منط((ق االكتش((اف العلمي" أن((ه ال يمكن‬
‫وج ((ود نظري ((ة علمي ((ة إال بعملي((ة اس((تنباطية مم ((ا يتطلب قف ((زة نوعي((ة تجعلن ((ا نتج((رد من‬
‫مالحظة الواقع المباشر‪.‬‬
‫‪     ‬تل( ((ك بعض التوض( ((يحات األساس( ((ية لس( ((مات المعرف( ((ة العلمي ( (ة( الحديث( ((ة ال( ((تي يمكن‬
‫اعتباره((ا بمثاب((ة مع((ايير االس((تحقاق العلمي‪ .‬إن ه((ذا الض((رب من المع((ايير لم يع((د ينطب((ق‬
‫على النش((اط العلمي الص((رف‪ .‬إنن((ا نج((د اهتمام (اً كب((يراً وص((دى واس((عا ًلمث((ل ه((ذه القض((ايا‬
‫النظري((ة والمنهجي((ة العام((ة ل((دى كث((ير من المهتمين بابس((تمولوجيا اللس((انيات‪ ،‬ن((ذكر من‬
‫بينهم كريس(((((((((((((((((((((((((((((((((((تفا‪ Kristiva ‬وكرانجر‪ Granger‬وك(((((((((((((((((((((((((((((((((((ارفن‪ Garven‬‬
‫وشومسكي(‪Chomsky    ‬على سبيل التمثيل ال الحصر‪.‬‬
‫اللسانيات والعلم‪ :‬لمحة عامة‬
‫‪     ‬إن التداخل بين اللسانيات والعلم من حيث ه((و نظري((ة ومنهج( ليس ولي((د الي((وم‪     .‬‬
‫ومحاولة علمنة اللس(انيات ليس(ت ولي(دة الي(وم أيض(اً‪ .‬إن عالق(ة اللس(انيات بمن(اهج( العل(وم‬
‫الص((رف وبأسس((ها النظري((ة يع((ود إلى بداي((ة علمي((ة اللس((انيات نفس((ها وتطلعه((ا إلى خل((ق‬
‫إطارها المستقل‪.‬‬
‫‪     ‬حصل هذا في القرن التاسع عشر حين اق((ترن البحث عن((د فران((تز‪ ‬ب((وب‪Franz      ‬‬
‫‪ Bopp‬بتتبع الظواهر اللغوية باعتبارها ظواهر طبيعية مثلما كان يفعل علماء الطبيعيات‬
‫وعلم( ((اء التش( ((ريح األوائ( ((ل‪ .‬فمن المع( ((روف أن ب( ((وب اس( ((تفاد مم( ((ا حققت( ((ه التص( ((نيفات‬
‫والمقارن ((ات ال ((تي تم وض ((عها في ه ((ذه العل ((وم على ي ((د ك ((ل لي ((ني ‪Linne 1772-1687‬‬
‫وكوف((يي‪ .Cuvier 1769-1832‬كم((ا ت((أثر لغوي((و الق((رن التاس((ع عش((ر بنت((ائج العل((وم‬
‫الطبيعي((ة وعلم األحي((اء‪ .‬وك((ان شاليشر‪Schleicher‬أك((ثر اللغ((ويين ت((أثراً به((ذا االتج((اه ال‬
‫سيما بعد ظهور كتاب داروين "أصل األنواع" سنة ‪.1859‬‬
‫‪     ‬إن تش ( ((بع شاليش ( ((ر بالدارويني ( ((ة دفع ( ((ه إلى رفض اعتب ( ((ار اللس ( ((انيات من العل ( ((وم‬
‫اإلنسانية‪ ،‬ب((ل ع((دها من العل((وم الطبيعي((ة‪ .‬فاللغ((ة في نظ((ره جه((از عض((وي ط((بيعي خاض((ع‬
‫في بنيته وتطوره لقوانين معين((ة ثابت((ة مث((ل النش((وء واالرتق((اء وهي ال((تي تخض((ع له(ا ك((ل‬
‫الظواهر الطبيعية‪ .‬إن اللغة في نظر شاليشر جهاز عضوي كب((اقي الكائن((ات الحي((ة تتك((ون‬
‫من عناص((((((ر له((((((ا وظ((((((ائف مح((((((ددة‪ ،‬وبالت((((((الي فهي مث((((((ل جمي((((((ع الكائن((((((ات الحي((((((ة‬
‫تنشأ‪     ‬وتترعرع ثـم تكبر وتشيخ وتموت"[‪.]19‬‬
‫‪     ‬ولم تتوقف عالقة اللسانيات بغيرها من العل((وم في ي((وم من األي((ام‪ ،‬كم((ا أنه((ا لم تتق((و‬
‫مث((ل هي علي((ه الي((وم‪ .‬وليس مع((نى ه((ذا أن اللس(انيات علم تجري((بي ص((رف يتب((ع األس((لوب‬
‫العلمي جملة وتفصيال‪ .‬وعندما نقول بأن اللسانيات تسعى إلى الكشف عن الق(وانين‪ ،‬ف(إن‬
‫ذل ((ك ال يع ((ني أن كلم ((ة ق ((انون في اللس ((انيات له ((ا نفس م ((دلول كلم ((ة ق ((انون في العل ((وم‬
‫الفيزيائي((ة أو الطبيعي((ة أو الميكانيكي((ة‪ (.‬ويرج((ع ه((ذا االختالف بين اللس((انيات وه((ذه العل((وم‬
‫إلى مستوى طبيع((ة التج((ريب والقي((اس‪ ،‬ومراقب((ة العم((ل العلمي والمواجه((ة بين المعطي((ات‬
‫الفعلية والخطاطات النظرية[‪.]20‬‬
‫وم((ع ذل((ك‪ ،‬ف((إن األبح((اث اإلبس((تمولوجية أك((دت أهمي((ة الت((داخل بين من((اهج العل((وم‬
‫مهم ((ا اختلفت طبيعته ((ا على مس ((توى المب ((ادئ العام ((ة‪ ،‬قص ((د تفاع ((ل إيج ((ابي بينه ((ا‪ .‬فمن‬
‫الط((بيعي أن العل((وم مهم((ا تع((ددت وتن((وعت نتيج((ة لتع((دد موض((وعاتها وتن((وع مناهجه((ا‪،‬‬
‫تش((كل في العم((ق وح((دة معرفي((ة ش((مولية وكالً ال يتج((زأ‪ .‬إنه((ا تس((ير وف((ق نفس األس((س‬
‫والمب((ادئ وإ ن اختلفت المج((االت والمظ((اهر التطبيقي((ة والعملي((ة‪ .‬لق((د تم التأكي((د على ذل((ك‬
‫أول األمر فيما ع((رف بوح((دة العل((وم ال((تي دعت إليه((ا دائ((رة فيين((ا الوض((عية في بداي((ة ه((ذا‬
‫القرن كما هو معروف من خالل نشر ما س((مي بموس((وعة العلم الموحد‪Encyclopedia ‬‬
‫‪    of Uunified Science‬وهي الموس((وعة ال((تي ش((ارك فيه((ا ع((الم اللس((انيات الكب((ير‬
‫ليون((((ارد بلومفيل((((د‪ Léonard Bloomfield ‬إلى ج((((انب أش((((هر العلم((((اء في مختل( ((ف‬
‫المج ( ( ((االت العلمي ( ( ((ة من فيزي ( ( ((اء ورياض ( ( ((يات وكيمي ( ( ((اء ومنط ( ( ((ق أمث ( ( ((ال‪ Carnap‬و‬
‫‪      Nagel‬و‪ Russell‬و‪ Boher ‬و‪ Frank‬وغ(((((يرهم‪  ‬ممن اعت(((((بروا من مؤسس(((((ي‬
‫العلم الحديث‪.‬‬
‫‪        ‬وفي نفس االتج ((اه تتط ((ور حالي( (اً م ((ا يع ((رف بالنظري ((ة العام ((ة لألنس ((اق‪Théorie‬‬
‫‪ générale  des systèmes‬ال((تي تس((تهدف تحدي((د الس((مات الالزم((ة لألنس((اق النظري((ة‬
‫المقترحة في العلوم‪ ،‬ونوعية العالقة التي تجمع بين العناص((ر المكون((ة له((ذه األنس((اق من‬
‫ح (((((((دود ومص((((((((ادرات‪ ،‬الختص((((((((ارها بكيفي((((((((ة منطقي((((((((ة( ص((((((((رف‪ ،‬ولمعرف((((((((ة درج( ( ( ((ة‬
‫اتساقها‪  Cohérence ‬ولض((بط لغ((ة تعب((ير المص((ادرات عن الظ((واهر المدروس((ة‪ ،‬وأحيان(اً‬
‫ليكون االستنباط بالغاً في الدقة"[‪.]21‬‬
‫‪        ‬إن نظرية األنساق العامة باعتبارها اهتماما باإلعداد النظري في العلوم‪ ،‬تسعى إلى‬
‫اس((تخراج البني((ات النظري((ة المش((تركة( ال((تي تق((وم عليه((ا مح((اوالت ال((تركيب ‪،Synthèse‬‬
‫س ((واء تعل ((ق األمر‪ ‬بالعض ((وانية في علم األحي ((اء‪ ،‬أو بتأوي ((ل المعطي ((ات في علم االجتم ((اع‬
‫وعلم النفس"[‪.]22‬‬
‫‪       ‬إن اإليج((((((ابي في نظري ( ( ((ة األنس ( ( ((اق أنه((((((ا تؤك((((((د على أهمي ( ( ((ة وح ( ( ((دة العل((((((وم‬
‫والتئامه ((ا‪     ‬والتالقح المس ((تمر( بين العل ((وم الص ((رف والعل ((وم اإلنس ((انية‪ .‬وتب ((دو نظري ((ة‬
‫األنس((اق العام((ة مؤهل((ة نظري (اً ومنهجي (اً لتس((هم في التق((ارب بين عل((وم اإلنس((ان والعل((وم‬
‫الصرف‪ ،‬بل في خلق نوع من التصالح بينها‪.‬‬
‫‪       ‬في مج(((((((((ال اللس(((((((((انيات المعاص(((((((((رة‪ ،‬ح(((((((((اول شومس(((((((((كي بع(((((((((د هيلمس ( ( ( ((ليف‬
‫‪ Hjelmslev‬وهاريس أن يسير( بالبحث اللساني في هذا االتجاه متجاوزاً ح((دود الوص((ف‬
‫اللس((اني المعتم((د أساس (اً على المالحظ((ة وح((دها‪" .‬إن ك((ل نظري((ة تعتم((د ع((دداً مح((دودا من‬
‫المالحظ((ات وتس((عى إلى تفس((ير( ه((ذه الظ((واهر ال((تي يتم مالحظته((ا‪ ،‬والتنب((ؤ ب((أخرى عن‬
‫طري ((ق ق ((وانين عام ((ة في ص ((يغة مف ((اهيم فرض ((ية‪ ،‬مثلم ((ا ه ((و الح ((ال بالنس ((بة لإللك ((ترون‬
‫والكتلة"[‪.]23‬‬
‫‪       ‬إن المتتبع لنظرية( النحو التوليدي يمكنه أن يلحظ بسهولة ت((أثر شومس((كي العمي((ق‬
‫ب((العلوم الص((رف‪ ،‬من حيث هي نظري(ة( في العلم‪ ،‬وكي((ف أن((ه ح((اول أن يس((تفيد من تعام((ل‬
‫العلماء مع الظواهر في المجال الفيزيائي والرياضي‪ .‬‬
‫‪     ‬ه((ذه بعض المظ((اهر العلمي((ة ال((تي تتم((يز( به((ا اللس((انيات العام((ة في أح((دث نماذجه((ا‬
‫وتصوراتها‪ ،‬سواء كانت توليدي((ة أو غ((ير توليدي((ة‪ (.‬وم((ا من ش((ك في أن اللس((انيات حققت‬
‫مستوى علمياً ال يستهان به اليوم‪.‬‬
‫‪     ‬عن((دما ننتق((ل للثقاف((ة اللغوي((ة العربي((ة الحديث((ة‪ ،‬ف((إن الس((ؤال ال((ذي يتب((ادر إلى ال((ذهن‬
‫ه ((و‪ :‬ه ((ل اس ((توعب ال ((درس اللس ((اني الع ((ربي الح ((ديث مقوم ((ات البحث العلمي الص ((حيح‬
‫وأساسيات الخطاب العلمي السليم؟ إلى أي حد يستحضر ال(درس اللس(اني الع(ربي الح(ديث‬
‫هذه المعطيات النظرية والمنهجية في تعامله مع اللغة العربية( من منظور لساني؟‬
‫إن مث( ( ((ل ه( ( ((ذه التس( ( ((اؤالت المنهجي( ( ((ة ال تجيب عنه( ( ((ا الكتاب( ( ((ات اللس(((((انية العربي( ( ((ة إال‬
‫ن((ادراً‪ ‬وبكيفي((ة محتش((مة‪ ،‬وبالت((الي تظ((ل العالق((ة بين اللس((انيات العام((ة والثقاف((ة العربي((ة‬
‫عالقة توتر( ألنها قائمة على االلتباس والغموض‪ .‬فما أحوجنا إلى التوضيح( والتحديد‪.‬‬
‫أ‪ .‬البعدان العام والخاص في اللسانيات‪ :‬التكامل المنهجي‪.‬‬
‫‪     ‬بالرغم من أن اإلطار التاريخي الذي ظهرت فيه اللسانيات منذ بداية القرن العش(رين‬
‫ثم نمت وتطورت إلى أن وصلت إلى ما هي علي(ه الي(وم من تق(دم نظ(ري ومنهجي مرتب(ط‬
‫أساس((ا ببني((ة ثقافي((ة غربي((ة معرفي((ا وسياس((يا واجتماعي((ا‪ ،‬بإمكانن((ا أن ننظ((ر للس((انيات من‬
‫زاويتين مختلفتين مبدئيا ولكنهما في العمق متكامالن‪.‬‬
‫‪ -‬الزاوي((ة العام((ة باعتب((ار اللس((انيات نظري (ة( ذات ط((ابع علمي ع((ام‪ ،‬كم((ا ه((و الش((أن في‬
‫العل((وم األخ((رى‪ ،‬وبالت((الي له((ا من المب((ادئ العام((ة م(ا يمكن تطبيق((ه على األلس((ن الطبيعي((ة‬
‫بصرف( النظر عن طبيعة االختالفات الحاصلة في بنياته((ا أو المظ((اهر المتعلق((ة بك((ل لس((ان‬
‫على ح((دة‪ .‬وق((د درج على تس((مية ه((ذه الزاوي((ة باللس((انيات العام((ة أو م((ا يص((طلح علي((ه‬
‫التوليديون بالنظرية اللسانية العامة[‪.]24‬‬
‫‪ -‬الزاوية الخاصة وتتمث(ل( في الج(انب المتعل(ق بلس(انيات معين(ة( في تناوله(ا للس(ان مح(دد‬
‫كالعربي( ((ة أو الفرنس( ((ية أو اإلنجليزي( ((ة أو غيره( ((ا‪" .‬إن الزاوي( ((ة الخاص( ((ة مج( ((ال الختب( ((ار‬
‫المبادئ العامة وميدان لتقدير مدى فعالي((ة م(ا تقترح((ه الزاوي((ة العام((ة من قواع((د ومب((ادئ‬
‫كلية في إطار التطبيق على بنيات لسان محدد أي ما يسمى بالنحو الخاص"[‪.]25‬‬
‫‪     ‬والواقع أنه ال يمكن دائماً الفصل بين البعدين العام والخاص‪ .‬إنهما في حقيقة األم((ر‬
‫وجه((ان لعمل((ة واح((دة‪ ،‬وبينهم((ا من العالق((ة المتبادل((ة م((ا ال يمكن إنك((اره أو تجاهل((ه‪ .‬غ((ير‬
‫أنه يتعين من جهة ثاني(ة‪ ،‬ع(دم الخل(ط بينهم(ا لم(ا لفص(لهما مب(دئياً من أبع(اد نظري(ة هام(ة‬
‫في تط((((ور كال البع((((دين‪ .‬وتفكي((((ك اللس((((انيات إلى زاوي((((تين أو بع((((دين ليس إال توض( ((يحا‬
‫للج((وانب الموض((وعية( ال((تي يمكن أن يتس((م به((ا العم((ل اللس((اني في تحليل((ه للغ((ة‪ ،‬س((واء‬
‫باعتبارها ظاهرة إنسانية عامة‪ ،‬أم على مستوى وصف وتفسير( ظواهر محددة في لس((ان‬
‫معين كالعربية أو الفرنسية أو اإلنجليزية‪.‬‬
‫‪     ‬لق((د أك((د شومس((كي غ((ير م((ا م((رة على العالق((ة الجدلي((ة بين الزاوي((تين مبين(اً كي((ف أن‬
‫التصورات والمبادئ العامة واألدوات المفهومي(ة( يجب أن توض((ع باس((تقالل ت((ام وكلي عن‬
‫اللسان الخاص الذي نقعد له‪ .‬إال أن هذا ال يعني أن النظري((ة العام((ة ال عالق((ة له((ا ب((النحو‬
‫الخ ((اص‪ .‬إنه ((ا تح ((دد طبيع ((ة وص ((ورة وه ((دف الجه ((از النح ((وي ال ((ذي س ((يتكلف بدراس ((ة‬
‫ص ((وتيات وص ((رفيات وت ((ركيب ودالل ((ة األلس ((ن الطبيعي ((ة في إط ((ار نح ((و معين‪ .‬وكم ((ا أن‬
‫النظري(ة العام(ة ليس(ت ق(ارة‪ ،‬ف(إن النح(و الخ(اص المق(ترح لدراس(ة لس(ان معين أو ظ(واهر‬
‫جزئية منه( ليس ثابتاً‪ .‬إنهما خاضعان للتعديل المستمر عن طريق التحليل الدائم للظ((واهر‬
‫اللسانية الخاصة بلسان معين‪ ،‬وعن طريق التجاوز الذاتي للنظرية العامة نفس((ها‪ .‬وهك((ذا‬
‫كلم((ا ظه((رت وق((ائع جدي((دة‪ ،‬س((واء في مس((توى النظري((ة‪ ،‬أو في مس((توى النح((و الخ((اص‬
‫وجب أخذ ذلك بعين االعتبار‪ ،‬مم((ا يس((تدعي في النهاي((ة ض((رورة إع((ادة النظ((ر والمراجع((ة‬
‫بغية التحيين والتعميق واستخالص النتائج النظرية والمنهجية‪.‬‬
‫‪     ‬وتمكن العالق ((ة بين الع ((ام والخ ((اص بالش ((كل المتالزم والمتراب ((ط من الوص ((ول إلى‬
‫وض((ع نظري((ة أك((ثر فعالي((ة وج((دوى ألنه((ا س((تكون أك((ثر ش((مولية في معالج((ة بني((ات لغوي((ة‬
‫تأخذ بعين النظر معطيات األلسن الطبيعية كماً وكيفاً‪ .‬‬
‫‪     ‬ه((ذا التص((ور للعم((ل اللس((اني ولطبيع((ة اللس((انيات نج((ده عن((د أك((ثر من ب((احث لس((اني‬
‫حديث‪.‬عرف مثالً بنفنست‪ Benveniste ‬اللسانيات بأنها دراسة اللغ((ة واأللس((ن ق(ائالً‪":‬إن‬
‫للسانيات موضوعا ًمزدوجاً‪ .‬إنها علم باللغة ‪Langage‬وعلم باأللسن ‪.]26[ Langues‬‬
‫‪     ‬وفي االتج ((اه نفس ((ه بين مانفري ((د ب(((رفيتش‪ Manfred Bierwiech ‬أن للس ((انيات‬
‫وجهين‪ ،‬دراس ((ة ألس ((ن خاص ((ة ومح ((ددة وه ((و م ((ا يس ((ميه اللس ((انيات الخاص ((ة‪ ،‬ودراس ((ة‬
‫االط((رادات العام((ة وه((و م((ا يس((ميه اللس((انيات العام((ة‪ .‬ويؤك((د ب((رفيتش أيض (اً على عالق((ة‬
‫التكامل بين اللسانيات العامة واللسانيات الخاصة قائالً‪":‬إن هذه االطرادات العام((ة ال يمكن‬
‫اكتشافها إال بدراسة األلسن الخاصة‪ ،‬كما أن((ه ال يمكن تحلي((ل األلس((ن الخاص((ة إال إذا ك((ان‬
‫منطلقنا على األقل في شكل فروض[‪.]27‬‬
‫‪     ‬إن تحديد طبيعة البحث كما يتجلى من خالل م(ا س(بق على س(بيل التمثي(ل( ال الحص(ر‪،‬‬
‫يوضح أن هذا التحديد يعد من األوليات المنهجية في تناول القضايا اللغوية علمياً‪.‬‬
‫‪      ‬لكن هذه االعتبارات المنهجية تختلف بالنسبة إلى واقع اللسانيات في الثقافة العربية‬
‫حيث ال نج((د توض((يحات كافي((ة له((ذه األولي((ات الحاس((مة أو اس((تيعاباً عملي(اً له((ا فيم((ا ينش(ر(‬
‫باللغة العربية‪ .‬إن كثيراً من الدارسين اللسانيين الع((رب ال يكلف((ون أنفس((هم عن((اء توض((يح‬
‫األس((س ال((تي تق((وم عليه((ا اللس((انيات‪ ،‬الس((يما م((ا يتعل((ق بالبع((دين الع((ام والخ((اص فيه((ا أو‬
‫العالق((ة التالزمي((ة القائم((ة بينهم((ا‪ .‬إن كث((يرا من الكتاب((ات اللس((انية العربي (ة( تغف((ل اختالف‬
‫المنظ ((ورين وتكاملهم ((ا في ال ((وقت ذات ((ه وه ((و م ((ا ي ((ؤدي إلى نش ((ر كث ((ير من المغالط ((ات‬
‫المنهجي((ة وإ ص((دار أحك((ام غ((ير ص((حيحة ح((ول طبيع((ة البحث اللس((اني في عالقت((ه باللغ((ة‬
‫العربي((ة‪ (.‬يؤك((د بعض الدارس((ين الع((رب على فك((رة ع((دم انطب((اق مب((ادئ علم اللغ((ة الع((ام‬
‫وقواعده على اللغة العربية‪ ،‬بالنظر‪ ‬لخصوص((ية العربي((ة‪ .‬وبع((د أن يع((رف علم اللغ((ة الع((ام‬
‫بأنه طريقة لدراسة اللغة باعتبارها ظ((اهرة إنس((انية عام((ة‪ ،‬ينتهي إلى نتيج(ة( غريب((ة على‬
‫منط((ق الممارس((ة العلمي((ة وليس له((ا أي س((ند نظ((ري أو منهجي‪ .‬يق((ول ه((ذا الب((احث‪" :‬إن‬
‫علم اللغ((ة الع(ام خ(اص باللغ(ات األوروبي(ة( ال(تي تش(ترك في طبيعته(ا اللغوي(ة وتتق(ارب في‬
‫ظروفه( ((ا االجتماعي( ((ة‪ .‬أم( ((ا اللغ( ((ة العربي( ((ة فهي خ( ((ارج ح( ((دود ه( ((ذا العلم وقياس( ((ها على‬
‫الدراسات اللغوي((ة في أوروب((ا ال((تي ال يزي((د عمره((ا عن ثالث((ة ق((رون وال((تي ليس له((ا مث((ل‬
‫هذا التراث العريق الممعن في العراقة طوال وعرضاً فخطأ فادح ال يك((ون إال عن جه((ل أو‬
‫سوء قصد"[‪.]28‬‬
‫‪     ‬إن اللج((وء إلى علم اللغ((ة الع((ام في نظ((ر أص((حاب مث((ل ه((ذه الكتاب((ات ال يص((در عن‬
‫حاج((ة في واق((ع األم((ر ت((دعو إلي((ه وألن((ه يح((اول أن يف((رض قواع((د نابع((ة من خ((ارج اللغ((ة‬
‫العربي((ة على طبيعته((ا اللغوية[‪ .]29‬ف((أي منط((ق علمي تتأس((س علي((ه مث((ل ه((ذه االدع((اءات‬
‫وتقوم عليه مثل هذه المغالطات المنهجية الفادحة؟‬
‫‪       ‬إن ما هو شاذ فعالً ومضر باللغة العربية‪ ،‬وبثقافتها عامة‪ ،‬واللغوية منه((ا خاص((ة‪،‬‬
‫ه((و مث((ل ه((ذه المواق((ف المتعص((بة ال((تي لم تتمكن من اس((تيعاب أساس((يات العلم المعاص((ر‪،‬‬
‫وال ت((درك أبع((اده النظري((ة والمنهجي((ة رغم وض((وحها‪ .‬وال تعي ه((ذه المقارب((ات باإلمكان((ات‬
‫ال((تي تق((دمها النظري((ة اللس((انية العام((ة للثقاف((ة العربي((ة الحديث((ة من أج((ل تط((وير درس((ها‬
‫اللغوي‪ ،‬استجابة لروح العصر‪ ،‬ورغبة في إيجاد الحلول لكثير من مشاكلنا اللغوية‪.‬‬
‫‪     ‬وال شك أن المواقف السابقة تحمل في طياتها تعصباً حضارياً مقيتاً ال يخدم في شئ‬
‫قضايا الثقافة العربية الحديثة‪ (.‬أليست اللغ((ة العربي((ة لغ((ة طبيعي((ة مثله((ا مث((ل ب((اقي األلس((ن‬
‫البش ((رية؟ ب ((أي مع ((نى نق ((ول إن علم اللغ ((ة الع ((ام يف ((رض قواع ((د معين ((ة من خ ((ارج اللغ ((ة‬
‫المدروسة؟ والحقيقة أن المواقف السالفة وأمثالها تعكس بجالء خلط(اً كب((يرا ًبين البع((دين‬
‫الع((ام والخ((اص في البحث اللس((اني الح((ديث‪ ،‬بين المب((ادئ العام((ة في اللس((انيات وتط((بيق‬
‫اللسانيات‪" .‬فالموقف القائل بض((رورة االنطالق من اللغ((ة العربي(ة( لبن((اء علم لس((اني أص((يل‬
‫خاص بها ال يدرك النتائج النظرية والمنهجية( المترتبة عنه‪ ،‬والمتمثل في القول ب((أن لك((ل‬
‫لغة نظريتها اللس(انية ونموذجه(ا الص(وري الالئ(ق بوص(فها وه(و م(ا ال يمكن أن يق(ول ب(ه‬
‫أي لغوي"[‪.]31[]30‬‬
‫‪      ‬إن المواقف السابقة بعيدة كل البعد عن نظرية العلم‪ ،‬ومن شأنها أن تس((هم في نش((ر‬
‫جملة من المغالطات المنهجية وتقود العالقة بين اللس((انيات والثقاف((ة العربي((ة الحديث((ة إلى‬
‫وضع االلتباس والغموض وبالتالي النفور من هذه اللسانيات‪.‬‬
‫‪     ‬هل نحتاج اليوم إلى أن نذكر بأن العلم يسعى إلى ما هو عام وكلي؟ إن هدف البحث‬
‫العلمي هو تك((وين مب((ادئ وق((وانين عام((ة واقعي((ة ك((انت أو تص((ورية‪ ،‬إذ ليس من ش((ك في‬
‫أن إقامة مثل هذه التعميمات هي جزء ال يتجزأ من عمل العلوم"[‪.]32‬‬
‫اللسانيات العربية والمسألة العلمية(‬
‫‪     ‬إن الوض((ع المتم((يز( للس((انيات العام((ة في تطوراته((ا المختلف((ة ونماذجه((ا المتع((ددة في‬
‫أوربا وأمريكا يقابله وضع آخر في الثقافة العربية الحديثة‪ .‬إنه((ا م((ادة مس((توردة ل((ذا ف((إن‬
‫وجوده((ا يح((رك ض((منياً ص((راعاً حض((ارياً ال يمكن إغفال((ه أو االس((تهانة ب((ه«إن دخ((ول فك((ر‬
‫لغوي غربي إلى أحضان ثقاف((ة تعت((بر نفس((ه ثقاف((ة لغوي((ة بامتي((از كم((ا ه((و الش((أن بالنس((بة‬
‫للثقاف((ة العربي((ة‪ ،‬أدى إلى ط((رح جمل((ة من لتس((اؤالت ح((ول فائ((دة اللس((انيات ب((ل إلى خل((ق‬
‫نوع من الصراع ضدا على ه(ذا الفك(ر ال(دخيل‪ .‬يتس(اءل أح(د الب(احثين الع(رب‪" :‬ألي ش(يء‬
‫نستورد( منهجا غربيا في دراسة اللغة ولن((ا منهجن((ا الخ((اص األص((يل ال((ذي أثبت أل((ف ع((ام‬
‫أو يزي((د ص((الحيته؟( وإذا اس((تحدثنا من((اهج جدي((دة ومص((طلحات جدي((دة فق(د حكمن((ا باإلع((دام‬
‫على تراثنا‪ ،‬ال على تراثنا النحوي والصرفي واللغوي وحده‪ ،‬بل على التراث كله"[‪.]33‬‬
‫‪     ‬ص((حيح أن اللس((انيات منهج مس((تورد‪ ،‬وهي كس((ائر من((اهج الفك((ر اإلنس((اني الح((ديث‬
‫الواف((دة علين ((ا من الغ ((رب تط((رح على الفك((ر اللس((اني الع ((ربي إش((كالية إض ((افية ليس من‬
‫الس ((هل تجاوزه ((ا‪ ،‬وهي عالق ((ة الثقاف ((ة اللغوي ((ة العربي ((ة بالثقاف ((ة المعاص ((رة‪ .‬إن إش ((كال‬
‫عالقتن((ا نحن الع((رب ب((اآلخر‪-‬ال((ذي ه((و الغ((رب‪ -‬ال يقتص((ر على اللس((انيات وح((دها‪ ،‬وإ نم((ا‬
‫على أنم(((((((اط أخ(((((((رى من العل(((((((وم اإلنس(((((((انية كالت(((((((اريخ وعلم االجتم(((((((اع وعلم النفس‬
‫والفلس((فة‪    ‬واألنتربولوجي((ا‪ .‬إن عب((ارة مث((ل "لس((انيات عربي((ة" تك((اد تك((ون ق((د اس((تعملت‬
‫بالنسبة لجميع العلوم االجتماعية واإلنسانية( األخرى وبص(فة مش(ابهة‪ ،‬حيث يتك(رر تعب(ير‬
‫"علم اجتماع عربي" أو "علم نفس عربي" أو "فلسفة عربية"‪.‬‬
‫ب‪ .‬الفهم السيئ لنظرية العلم‬
‫‪     ‬في ه ((ذا الس ((ياق ال ي ((تردد بعض المهتمين( ب ((البحث اللغ ((وي الع ((ربي في الق ((ول ب ((أن‬
‫دراسة اللغ(ة باعتباره((ا ظ(اهرة إنس(انية( عام((ة تض(م جمي((ع األش(كال الكالمي(ة ال(تي تتخ(ذها‬
‫الجماع ((ات البش ((رية على اختالفه ((ا‪".‬وق ((د يك ((ون له ((ذه المحاول ((ة م ((ا يبرزه ((ا في اللغ ((ات‬
‫األوربي((ة‪ (،‬ولكن إقح((ام ه((ذه الدراس((ة ال((تي تنب (ع( اهتماماته((ا وقواع((دها من طبيع((ة اللغ((ات‬
‫األوربي ((ة على لغ ((ة كالعربي((ة( تختل ((ف في طبيعته ((ا وفي ظروفهـا التاريخي ((ة واالجتماعي ((ة‬
‫اختالفا أساسيا عن هذه اللغات بدع شاذ قليل الجدوى"[‪    .]34‬‬
‫‪     ‬والواق ((ع أن كث ((يرا من القض ((ايا ال ((تي تطرحه ((ا النظري ((ة اللسانيـة( العام ((ة ال تنطب ((ق‬
‫بالضرورة على اللغة العربية‪" .‬بيد أنه يتعين علينا منهجيا في إطار نظرية العلم أن نشير‬
‫إلى أن التطابق بين النظريـة( والتجرب((ة‪ -‬أي اللغ((ة ليس الزم(اً كم((ا يط((الب ب((ذلك كث((ير من‬
‫اللغ((ويين الع((رب ال((ذين ال نج((د م((بررا نظري((ا أو منهجي((ا له((ذا ال((زعم‪ .‬إن ط((رح مطابق((ة‬
‫النظري((ة اللس((انية للغ((ة العربي((ة يش((كل في ح((د ذات((ه عقب((ة ك((أداء ال ينبغي االس((تمرار في‬
‫طرحه((ا ومناقش((تها كلم((ا أث((يرت قض((ية اللغ((ة العربي((ة في إط((ار اللس((انيات‪ .‬يق((ول الفاس((ي‬
‫الفهري مشيرا إلى هذه اإلشكالية‪" :‬ومما يطبع الدرس اللس((اني الع((ربي وال((درس اللس((اني‬
‫الـمتخلف بصفة عامة تصور خاطئ للعالقة بين التجربة‪ Empirie ‬والنظرية‪.théorie ‬‬
‫كم(ا أنن(ا غالب(ا م((ا نس((مع أن النظري(ات اللس(انية( العام(ة الحالي(ة نظري(ات غربي((ة تم بناؤه((ا‬
‫باالعتم(((((((((اد على اللغ(((((((((ات الهندي(((((((((ة‪-‬األوربي(((((((((ة‪ (،‬وهي لم توض(((((((((ع لوص(((((((((ف لغ ( ( ( ((ات‬
‫غربية‪ ‬على‪ ‬الغ((((رب‪ ‬كاللغ((((ات‪ ‬اإلفريقية‪ ‬أو‪ ‬الهندية‪ ‬أو‪ ‬العربي ( ((ة‪  ...‬ذل((((ك نحت ( ((اج إلى م ( ((زج‬
‫النم ((اذج الغربي ((ة بنم ((وذج ينطل ((ق من العربي ((ة بغاي ((ة الوص ((ول إلى نم ((وذج م ((رمم يص ((ف‬
‫العربي((ة( وغيره ((ا من اللغ ((ات‪ .‬مث ((ل ه ((ذا الموق ((ف ال يخطئ فق ((ط في تص ((وير العالق ((ة بين‬
‫النظري( ( ( ((ة والتجرب( ( ( ((ة باالعتم( ( ( ((اد على م( ( ( ((ا أس( ( ( ((ميته( بالتجريبوي( ( ( ((ة الس( ( ( ((اذجة‪Naive‬‬
‫‪ .Empiricism‬وال أح( ((د يس( ((تطيع بش( ((يء من الجدي( ((ة اللهم إال إذا ك( ((ان األم( ((ر يتعل( ((ق‬
‫بش((عوذة أن ي((دعي أنن((ا نحت((اج إلى نم((وذج آخ((ر ينب((ني باالعتم((اد على العربي((ة لوص((فها‪.‬‬
‫واألك((ثر من ه((ذا‪ ،‬أن ه((ذا الكالم الغ((ريب حق(ا على الخط((اب العلمي يق((وم دون أي اس((تدالل‬
‫على صدقة أو ثبوته"[‪.]35‬‬
‫‪       ‬ومن المع ((روف أيض ((ا في نظري ((ة العلم أن ال ((دعوة إلى مطابق ((ة النظري ((ة للتجرب ((ة‬
‫مس((ألة متج((اوزة من((ذ م((ا ع((رف باتج((اه المواض((عة‪ Conventionnalisme ‬كم((ا يجس((ده‬
‫ه((نري بوانك((اري القائ((ل ب((أن التجرب((ة ليس((ت معي((ارا ص((ادقا للحكم بص((دق نس((ق علمي أو‬
‫ص(((حة ق(((انون علمي وأن دور التجرب(((ة ينحص(((ر في إرش(((ادنا إلى النس(((ق العلمي األك(((ثر‬
‫مالءمة[‪.]36‬‬
‫‪        ‬وتجدر اإلشارة إلى أن الدعوة إلى ضرورة مطابقة النظرية اللسانية للتجربة اللغة‬
‫العربية( يتردد بشكل الفت للنظر عند كث((ير من الب((احثين اللس((انيين الع((رب‪ .‬من ه((ذا القبي((ل‬
‫ما يدعو إليه أحد الباحثين قائالً‪" :‬إن الوقت قد حان لتأصيل نظرية عربية تعالج قض((اياها‬
‫الك((برى من ال((داخل ف((إذا بحثن((ا آن((ذاك عن المنهج المالئم فيجب أن نطوع((ه وب((ذلك س((وف‬
‫نغ ((ني المنهج نفس ((ه ليص ((بح( ق ((ادرا على تن ((اول الظ ((واهر اللس ((انية ال ((تي يطرحه ((ا نظ ((ام‬
‫العربي((((((((((((ة‪ ،‬وأرى ض((((((((((((رورة اعتم((((((((((((اد المنهج الت((((((((((((أليفي ال((((((((((((ذي ال يف((((((((((((رق بين‬
‫النظرية(‪         ‬والتطبيق"[‪.]37‬‬
‫‪     ‬وإنه لمن دواعي االستغراب واألس(ف أن يلغي ب(احث معين منهج(ا أو نظري(ة لس(انية‬
‫بكاملها بدعوى أن ه(ذا المنهج غ(ربي‪ ،‬داعي(اً إلى منهج ال يف(رق بين النظري(ة والتط(بيق‪،‬‬
‫في ال((وقت ال((ذي ين((ادي في((ه ه((ذا الب((احث بتأص((يل نظري((ة عربي((ة وإ بع((اد المن((اهج اللس((انية‬
‫الغربية‪(.‬‬
‫‪ -‬ما معنى تأصيل نظرية ما؟‬
‫‪ -‬ما أبعاد عملية التأصيل منهجيا ونظريا؟‬
‫‪ -‬هل هناك ما‪  ‬يبررها ابستمولوجيا؟‬
‫‪ -‬م(ا مع(نى أن نق(ول عن علم اللغ(ة بأن(ه تفك(ير ن(ابع من واق(ع اللغ(ات الغربي(ة وليس من‬
‫واقع اللغة العربية؟"‪ ‬‬
‫‪     ‬إن المشكل ليس مشكل شخصية النموذج وليس مش(كل ج((ذور ه(ذا النم(وذج إذ يمكن‬
‫أن يك((ون النم((وذج عربي((ا أو غربي((ا ب((ل المش((كل يتمث((ل( في كفايت((ه ومالءمت (ه(‪  ‬لم((ا ي((رام‬
‫وص((فه… إن م((ا يجب أن نس((عى إلي((ه وه((ذا يخ((الف آراء المهتمين باللس((انيات في الع((الم‬
‫الع ((ربي ه ((و وص ((ف اللس ((ان الط ((بيعي أي وض ((ع نظري ((ة تع ((نى برص ((د خص ((ائص اللس ((ان‬
‫الط((بيعي ويتف((رغ عنه((ا أنح((اء خاص((ة‪ ،‬أي أنح((اء تص((ف لغ((ات طبيعي((ة كاللغ((ة الفرنس((ية(‬
‫واللغة العربية‪ .‬وليس من الضروري أن نسعى فقط إلى وض(ع نح(و خ(اص للغ((ة العربي(ة‪(.‬‬
‫وحتى على افتراض أننا استطعنا وضع نحو خ((اص باللغ((ة العربي((ة‪ ،‬فإن((ه إذا ك(ان ال يع((نى‬
‫إال بوصف ظواهر هذه اللغة فلن يكون له قيمة عملية على اإلطالق"[‪ .]38‬‬
‫‪       ‬وقد أدى غياب هذا التوضيح( أو التباس((ه في أحس((ن األح((وال إلى إص((دار جمل((ة من‬
‫األحكام غير السليمة حول طبيعة البحث اللس(اني‪ ،‬وت(رويج كث(ير من المغالط(ات المنهجي(ة‬
‫التي ال عالقة لها بواقع البحث اللساني والعلمي على حد سواء‪.‬‬
‫‪      ‬ومن بين هذه األحكام القول بطغيان نحو اللغة اإلنجليزية واللغات الهندية األوروبي((ة‬
‫وهيمنته((ا على التحلي((ل اللس((اني الع((ربي مم((ا أدى إلى اس((تنتاجات ليس في محله((ا ك((القول‬
‫مثالً بأن تطبيق النظريات اللسانية المعاص(رة على اللغ(ة العربي(ة يع(د بمثاب(ة إس(قاط لنح(و‬
‫اإلنجليزي(ة( على نح(و اللغ(ة العربي(ة‪ .‬يق(ول أح(د الب(احثين‪" :‬إن النظري(ة التوليدي(ة لم تطب(ق‬
‫بع ((د على اللغ ((ة العربي ((ة بش ((كل مس ((تقل عن نظ ((ام اللغ ((ة اإلنجليزي ((ة ومن تم ك ((ان عملهم‬
‫محص ((وراً في ه ((ذه األمثل ((ة والبحث عم ((ا يقابله ((ا في العربي ((ة‪ (،‬فج ((اءت تحليالتهم أنجل ((و‬
‫عربي ( ((ة تبتع ( ((د عن روح النظ ( ((ام اللغ ( ((وي الع ( ((ربي وال تش ( ((ير إال إلى مال ( ((ه م ( ((رادف في‬
‫اإلنجليزية"[‪.]39‬‬
‫أبحاث لسانية عربية( زاوجت بين البعدين العام والخاص‬
‫‪     ‬في‪ ‬األدبيات‪ ‬اللسانية‪ ‬العربية‪ ‬الحديثة‪ ‬على‪ ‬الرغم‪ ‬من‪ ‬قلتها‪ ‬العددية‪ ‬دراسات‪ ‬اس((تطاعت‪ ‬‬
‫أن‪ ‬تبين‪ ‬بشكل‪ ‬ملم((وس‪ ‬أن‪ ‬ال‪ ‬تع((ارض بين الع((ام والخ((اص في ال((درس اللس((اني‪ .‬أدرك ع((دد‬
‫قليل جدا ًمن اللسانيين العرب بوعي متقدم جدا ًأهمية( العالقة الجدلية بين العام والخ((اص‬
‫فكانت أبحاثهم بمثابة محاوالت إيجابي(ة في تنمي(ة( البحث اللس(اني الع(ربي وتط(ويره ودعم‬
‫مكانته في خض((م التح((والت المعرفي((ة ال((تي عرفته((ا الثقاف((ة العربي((ة الحديث((ة‪ .‬ه((ذا الموق((ف‬
‫المنهجي أو الفكري بصفة عامة تعكسه أبح(اث ال((رواد األوائ(ل من اللغ(ويين الع((رب أمث(ال‬
‫إبراهيم أنيس وعبد الرحمان أيوب وكم(ال بش(ر ومن ج(اء بع(دهم مث(ل تم(ام حس(ان وداود‬
‫عبده‪.‬‬
‫‪     ‬وأدرك الجي ((ل الجدي ((د من اللس ((انيين الع ((رب األبع ((اد النظري ((ة الهام ((ة لدراس ((ة اللغ ((ة‬
‫العربي(ة( من منظ((ور النظري((ات اللس((انية المعاص((رة فج((اءت أعم((الهم أك((ثر مردودي(ة( س((واء‬
‫بالنسبة إلى الدرس اللساني العام أو الدرس اللساني الخاص متجاوزة بذلك حدود الثقاف((ة‬
‫المحلية أسهمت في تنمية( المنظورين معا وتطويرهما‪.‬‬
‫‪     ‬في ه((ذا الس((ياق ن((ذكر أعم((ال الب((احثين عب((د الق((ادر الفاس((ي الفه((ري في إط((ار النح((و‬
‫التولي((دي وأعم((ال أحم((د المتوك((ل في إط((ار النح((و ال((وظيفي‪ ،‬وهي أعم((ال اس((تطاعت أن‬
‫ت ((زاوج بكث(((ير من النج ((اح بين البع(((د الع(((ام والخ(((اص كم(((ا ن(((بين ذل ((ك من خالل األمثل ((ة‬
‫التالي( ((ة‪   .‬يق( ((ول أحم( ((د المتوك( ((ل‪" :‬س( ((يمكننا عق( ((د الح( ((وار بين الفك( ((ر اللغ( ((وي الع( ((ربي‬
‫القديم‪         ‬والنحو الوظيفي فضال ًعن تمحيص مشروعيته من تحقيق هدفين اثنين‪ :‬‬
‫‪ -‬إغناء النح(و ال(وظيفي بتحليالت ومف((اهيم يس(تلزمها وص(ف الوظ(ائف الخمس في اللغ(ة‬
‫العربي ( (ة( خاص( ((ة دون أن يمس اف( ((تراض ه( ((ذه التحليالت والمف( ((اهيم بالمب( ((ادئ المنهجي( ((ة‬
‫المعتمدة في النحو الوظيفي وال بنية( النحو الـمقترح‪.‬‬
‫‪ -‬تقديم مجموع(ة من األوص(اف المقترح(ة في النح(و الع(ربي أو البالغ(ة العربي(ة"[‪ ]40‬وفي‬
‫دراسة أخرى يقول المتوكل‪" :‬حاولنا في هذه المجموعة من الدراسات أن نشارف ه((دفين‬
‫اثنين إغناء لسانيات اللغة العربية( بتقديم أوصاف وظيفية لظواهر نعدها مركزي((ة بالنس((بة(‬
‫ل(دالليات وتركيب((ات وت((داوليات ه(ذه اللغ((ة وتطعيم النح(و ال(وظيفي كلم(ا مس(ت الحاج(ة إلى‬
‫ذلك بمفاهيم يقتضيها الوصف الكافي لهذه الظاهرة أو تلك"[‪.]41‬‬
‫َّد هذا الباحث جملة أخرى من النتائج التي انتهى( إليها في بحث((ه‬ ‫‪     ‬في أعمال أخرى عد َ‬
‫انطالقاً من واقع بنيات اللغة العربية النح((و الخ(اص ليق((ترح بع((د ذل(ك جمل((ة من التع(ديالت‬
‫على النظرية العامة التي هي نظرية( النحو الوظيفي‪ .‬يق(ول أحم(د المتوك(ل‪" :‬باإلض(افة إلى‬
‫م((ا توص((لنا إلي((ه من نت((ائج تتعل((ق بخص((ائص ه((ذه األنم((اط من البني((ات في اللغ((ة العربي((ة‬
‫مكنتن((ا ه((ذه األبح((اث من إع((ادة النظ((ر في مجموع((ة من المف((اهيم والتحليالت ال((واردة في‬
‫النح ((و ال ((وظيفي فاس ((تدللنا على ورود إض ((افة الوظيف ((ة التداولي ((ة المن ((ادى والتمي ((يز( بين‬
‫بؤرتين( اثنتين بؤرة جديد و بؤرة مقابلة وعلى ورود إغن((اء البني(ة( الموقعي((ة ال((تي ت((ترتب(‬
‫المكون ((ات طبق((ا ًله((ا في الجم((ل الفعلي((ة بإض((افة م ((وقعين‪:‬الموق((ع الص((در م‪ 0‬المخص ((ص‬
‫ألسماء االستفهام والمكونات المس((ندة إليه((ا إح((دى الوظيف((تين الت((داوليتين المح((ور وب((ؤرة‬
‫المقابلة والموقع م المتوسط بين موقعي الفعل والفاعل والذي يحتله المكون المحور[‪.]42‬‬
‫‪     ‬وقد أضاف أحم((د المتوك((ل أش((ياء هام((ة للنح((و ال((وظيفي ال((ذي يش((تغل في إط(اره‪ ،‬من‬
‫ذل ((ك افتراض ((ه ب ((أن تض ((اف إلى الوظ ((ائف التداولي ((ة المقترح ((ة في إط ((ار النح ((و ال ((وظيفي‬
‫وظيف((ة المن((ادى[‪ ]43‬كم((ا اق((ترح المتوك((ل في إط((ار النح((و ال((وظيفي تم((ثيالً مالئم((ا ًللق((وتين‬
‫اإلنجازيتين( الحرفية والمس((تلزمة( حواري(اً وإ ض((افة قواع((د إدماجي((ة‪  ‬تع((ني بإدم((اج األدوات‬
‫العاطف((ة في مس((توى( البني((ة المكوني((ة حين يتعل((ق األم((ر بظ((روف ال((تراكيب العطفي((ة‪ .‬وق((د‬
‫تبنى( ديك مؤسس النحو ال((وظيفي ع(دة اقتراح(ات مم(ا تق((دم ب((ه المتوك((ل وخاص((ة ض((رورة‬
‫التمثي(((ل للق(((وتين اإلنج(((ازيتين الحرفي(((ة والمس(((تلزمة( حواري(((ا ًفي بني(((ة النح(((و ال(((وظيفي‬
‫وبالجملة فقد أصبحت أعمال أحمد المتوكل التي تنطلق من اللغ((ة العربي((ة في إط((ار النح((و‬
‫الوظيفي مصدرا ًال يستغنى عنه عالميا‪.‬‬
‫‪     ‬تنطب( ((ق الس( ((مة ذاته( ((ا على أعم( ((ال عب( ((د الق( ((ادر الفاس( ((ي الفه( ((ري في إط( ((ار النح( ((و‬
‫التوليدي‪ ،‬حيث تم الربط‪  ‬بين البع((دين الع(ام والخ(اص ربط(اً ج(دلياً أدى إلى إغنائهم((ا مع((ا‬
‫وتطويرهما نحو ما هو أشمل وأعمق‪.‬‬
‫في هذا السياق يمكن القول بأن الفاسي الفه((ري أس((هم في إب((راز خص((ائص اللغ((ة العربي((ة‬
‫من خالل محاوالت((ه الناجح((ة في تك((ييف فرض((يات النح((و التولي((دي وبني((ات اللغ((ة العربي((ة‪.‬‬
‫نق( ((رأ مثالً في اللس( ((انيات واللغ( ((ة العربي ( (ة( للفاس( ((ي الفه( ((ري م( ((ا يلي‪" :‬اعت( ((بر‪ ‬كرين( ((برك‬
‫‪ Greenberg‬أن اللغة العربية من نمط‪ :‬ف‪.‬فا‪.‬مف واعتبرت هذا أص((ل الرتب((ة ك((ذلك في‬
‫إطار التحليل التوليدي الذي قدمته( لهذه اللغة‪ .‬إال أن شومسكي يكاد ينكر وجود لغات من‬
‫ه(ذا النم(ط"[‪" ]44‬ويعل(ق الفاس(ي الفه(ري على موق(ف شومس(كي( من مس(ألة الرتب(ة ه(ذه في‬
‫اللغة العربية قائالً يعتقد شومسكي أن القاعدة المقولية(‪ )25‬التي يقترحها صالحة لجميع‬
‫اللغات إذا وضعنا جانبا ًمسألة الترتيب داخلها‪:‬‬
‫‪  )25(                           ‬ج ‪                    ‬م س ص ( ( ( ((رفة‬
‫مف‬
‫وب ((ذلك تك ((ون اللغ ((ات من نم ((ط فع ((ل‪ ،‬فاع ((ل‪ ،‬مفع ((ول غ ((ير موج ((ودة‪  ‬نظ ((راً إلى أن الفع ((ل‬
‫والمفعول يجب أن ينتظما في منظ((ور شومس((كي في م(ركب واح(د ه(و الم(ركب الفعلي‪ ،‬إال‬
‫أن شومسكي( ال يستدل على هذا الموقف‪ .‬وقد ح((اولت في أبح((اثي أن أثبت أن اللغ((ات من‬
‫هذا النمط موجودة‪ ،‬وأن العربية ال يوجد فيها مركب فعلي[‪.]45‬‬
‫‪     ‬إن التحلي((ل التولي((دي ال(ذي اقترح(ه الفاس((ي الفه((ري ل(تراكيب الجمل((ة العربي(ة ب((الرغم‬
‫من تع((دد النم((اذج التوليدي((ة وتنوعه((ا أو اختالف طبيعته((ا يؤك((د في مجمل((ه على ض((رورة‬
‫اختص((ار قواع((د ال((تركيب الع((ربي في قواع((د قليل((ة س((ماتها األساس((ية الش((مولية والتعميم‬
‫والوضوح والدقة في الصياغة‪.‬‬
‫‪     ‬وتمت البرهنة( النظرية على أهمية( الربط بين قضايا نحوية وردت متفرق((ة في النح((و‬
‫الع ((ربي الق ((ديم ك ((الجمع بين االش ((تغال واالبت ((داء والتق ((ديم والت ((أخير والرب ((ط بين الجمل ((ة‬
‫الفعلي ((ة والجمل ((ة االس ((مية( والتوحي ((د بين الب ((نى ال ((تي اعت ((برت اس ((مية في النح ((و الع ((ربي‬
‫كالجمل الموصولة واالستفهامية‪.‬‬
‫‪     ‬إن في ه(ذا االف((تراض الع(ام ال(ذي يوح((د بين الجم(ل ال(تي اعت((برت اس((مية وتل(ك ال(تي‬
‫اعتبرت فعلية‪ ،‬مما ينفي عن اللغة العربية أو اللغات التي توجد فيها جمل ب((دون فع((ل في‬
‫السطح كاللغة الروسية أن تكون لغات معقدة أو غير طبيعية[‪.]46‬‬
‫‪     ‬وعملت هذه التحليالت اللسانية الجديدة للغة العربي((ة على تص((حيح كث((ير من األحك((ام‬
‫المس ((بقة عن اللغ((ة العربي ((ة والمتعلق((ة بكونه((ا لغ((ة معق((دة أو لغ ((ة غ((ير طبيعي((ة‪ .‬وي ((بين‬
‫الفحص ال ((دقيق ألعم ((ال الفاس ((ي التوليدي ((ة وأعم ((ال المتوك ((ل الوظيفي ((ة زي ((ف االدع ((اءات‬
‫القائلة بأن تطبيق اللسانيات على اللغة العربية( يفرض عليها قواعد خارجة عن طبيعتها‪.‬‬
‫يقول الفاسي الفهري‪" :‬إن نظرية القواعد المقولية التي نحتاج إليها ال بد وأن تض((ع مث((ل‬
‫ه((ذه القواع((د من بين القواع((د غ((ير الطبيعي (ة(‪  Unaturel  ‬وغ((ير المرغ((وب فيه((ا‪ ،‬ونحن‬
‫نرفض مثل هذه القاعدة في إطار االستراتيجية( البحث التي نتبناها وال((تي تجع((ل من اللغ((ة‬
‫العربية( لغة طبيعية من بين مثيالتها من اللغات الطبيعية( األخرى"[‪.]47‬‬
‫‪     ‬تل((ك أمثل((ة لبعض الكتاب((ات اللس((انية العربي((ة ال((تي اس((توعب أص((حابها ًطبيع((ة العالق((ة‬
‫المتالزم ((ة بين الع((ام والخ((اص في التحلي ((ل اللس((اني‪ ،‬وه ((و م((ا يمكن أن يغ ((ني دون ش ((ك‬
‫الدرس اللساني والثقافة اللغوي(ة العربي(ة( بعي(داً عن ك(ل إس(قاط أو تقلي(د أعمى على عكس‬
‫ما يدعيه بعض الرافضين لتطبيق اللسانيات على اللغة العربية‪.‬‬
‫‪     ‬ومن المؤك((د أن ه((ذه األبح((اث اللس((انية ال((تي زاوجت بين الع((ام والخ((اص هي ال((دليل‬
‫الكافي لتفنيد ال((رأي القائ((ل بض((رورة البحث عن نظري((ة أص((يلة أو نظري((ة خاص((ة بالعربي(ة(‬
‫تنطلق من خصوصية العربية وتفردها‪ .‬كما ت((بين األمثل((ة الس(ابقة أن(ه باإلمك(ان قي(ام بحث‬
‫لس((اني ع((ربي متق((دم ج((داً وف((ق أح((دث النظري((ات والنم((اذج اللس((انية( دون أن يك((ون هن((اك‬
‫تقليد أعمى أو اختصار أو مسخ أو تشويه للغة العربية‪.‬‬
‫‪     ‬ق((د ال نقب((ل ه((ذا التحاي((ل أو ذاك ألس((باب ذاتي((ة وموض((وعية( لكن المؤك((د أن التحالي((ل‬
‫الجديدة على الرغم من قلتها تفتح أمام الدرس اللساني العربي المعاصر آفاق (اً جدي((دة من‬
‫خالل طرح إشكاالت جديدة وتقديم مقترحات غنية( وبناءة بشأن وصف جديد للغة العربي((ة‬
‫أك((ثر عمق((ا وش((مولية وعقالني((ة وض((بطاً دون إخالل بطبيع((ة بنياته((ا‪ ،‬وص((ف يس((تمد( طبع((ا‬
‫ًآلياته النظرية وأدواته المنهجية من اللسانيات العامة‪.‬‬
‫‪     ‬إن م((ا نطمح إلي((ه في مرحل((ة أولى ه((و الس((مو ب((البحث اللس((اني إلى مس((توى( ممنهج‬
‫ومواكب لتطور اللسانيات العامة بدالً من اإلبق((اء علي((ه في ط((ور التأم((ل الشخص((ي المب((ني‬
‫على التعصب الفكري أو التجاهل للمبادئ األساس في البحث العلمي الحديث‪.‬‬
‫الهوامش واإلحاالت‪:‬‬

‫[‪ - ]1‬الفاسي الفهري‪ :‬اللسانيات واللغة العربية‪ ،‬ج ‪  1‬ص ‪.11‬‬


‫‪[2]- Georges Mounin : clefs pour la linguistique, p19, Seghers, Paris, 1971/1968‬‬
‫[‪ - ]3‬انظر قراءة نقدية لواقع اللسانيات العربية في كتابنا‪ :‬اللسانيات العربية منشورات كلية اآلداب‪،‬‬
‫عين الشق‪ ،‬الدار البيضاء ‪1998‬‬
‫[‪ -  ]4‬فالديمير كوركانوف‪ :‬البحث العلمي‪ ،‬ص‪ 4 41‬دارالحداثة‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪[5]- K Popper: Logique de la découverte scientifique, p284, Payot, Paris, 1973.‬‬
‫[‪ - ]6‬نفسه‪ ،‬ص‪80-81‬‬
‫‪[7]- F .Feyerabend:‬‬ ‫‪Contre‬‬ ‫‪la‬‬ ‫‪méthode,‬‬ ‫‪p15,‬‬ ‫‪Seuil,‬‬
‫‪Paris.                                                                       ‬‬
‫‪[8]- S. Toulmin: L'explication scientifique, p15, A. Colin, Paris  1967‬‬
‫‪[9]-C. Hempel: Eléments d'épistémologie. p17, A. Colin, Paris, 1972‬‬
‫‪[10]-S. Toulmin: idem ‬‬
‫[‪ - ]11‬فيليب فرانك‪ :‬فلسفة العلم‪ ،‬ص‪ ،24‬ترجمة‪ ‬علي‪ ‬علي‪ ‬ناصف‪ ،‬المؤسسة العربية للنشر‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫‪1983/1954‬‬
‫‪[12]-.A.F Chalmers: Qu'est ce la science:Récents développements‬‬
‫‪philosophiques, P55, Editions de la Découverte, Paris, 1987/1976. ‬‬
‫[‪  - ]13‬فيليب فرانك‪ :‬فلسفة العلم‪ ،‬ص‪.24 ‬‬
‫‪[14]-G .Holton: L’imagination scientifique, Gallimard Paris, 1981/1973 ‬‬
‫[‪ - ]15‬فيليب فرانك‪ :‬فلسفة العلم‪ ،‬ص‪.67‬‬
‫[‪  - ]16‬نفسه‪ ،‬ص‪.66.‬‬
‫[‪ - ]17‬محمود عزمي‪ :‬مفهوم التفسير في العلم‪ ،‬ص‪ ،10‬حوليات كلية اآلداب‪ .‬الحولية ‪.1983/ 14‬‬
‫‪[18]-idem: pp23-24.‬‬
‫‪[19]-A Schleicher: La théorie de Darwin et la  science du langage, Weimar,‬‬
‫‪1863 Repris in Tort  :Evolutionnisme et linguistique, Vrin, Paris,1980‬‬
‫‪[20]-.J Piaget: Epistémologie des sciences de l'homme, Gallimard, Paris, 1972‬‬
‫‪[21]-P.Delattre: Système, fonction, évolution, P 117, Maloine-Doine, Paris ‬‬
‫‪[22]- Idem                                                                ‬‬
‫[‪ -]23‬شومسكي‪ :‬البنيات التركيبية‪ ،‬ص‪55‬‬
‫[‪ - ]24‬في أعمال شومسكي األخيرة يرد الحديث بإسهاب عن مفهوم النحو الكلي‪.‬‬
‫‪[25]-N. Chomsky: Structures syntaxiques, P 56‬‬
‫‪[26]-E.Benveniste: Problèmes de linguistique générale, P19, tome 1, Gallimard,‬‬
‫‪Paris, 1966 ‬‬
‫‪[27]-M. Bierwiech : Modern Linguistics, Mouton,1954 ‬‬
‫[‪  -]28‬محمد محمد حسنين‪ :‬مقاالت في األدب واللغة‪ ،‬ص‪.48‬‬
‫[‪  - ]29‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫[‪ - ]30‬الفاسي الفهري‪ :‬اللسانيات‪ ‬واللغة‪ ‬العربية‪ ،‬ص ‪ ،57‬هامش رقم ‪ 30‬دار توبقال‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬
‫‪.1985‬‬
‫[‪  -]31‬محمد محمد حسنين مقاالت‪ ‬في‪ ‬األدب‪ ‬واللغة‬
‫[‪ - ]32‬نفسه‪.‬‬
‫[‪- ]33‬الفاسي الفهري‪ :‬اللسانيات‪ ‬واللغة‪ ‬العربية‪ ،‬ص ‪ ،57‬هامش رقم ‪ 30‬دار توبقال‪ ،‬الدار البيضاء‪.‬‬
‫‪.1985‬‬
‫[‪  -]34‬نفسه‬
‫[‪ -  ]35‬الفاسي الفهري‪ :‬اللسانيات واللغة العربية ج ‪1‬ص‪57‬‬
‫‪[36]-J. Ullmo: La  pensée scientifique moderne, p107, Flammarion, Paris,‬‬
‫‪1959. ‬‬
‫[‪- ]37‬محم د الحن اش‪ ،‬النح و الت أليفي م دخل نظ ري ص‪79‬مجلةدراس ات أدبيةولس انية‪1985 /1‬‬
‫والمقصود بالنحو التأليفي النظرية التي صاغها في البداية اللساني هاريس وتابعها في فرنس ا اللساني‬
‫الفرنسي موريس كروس ‪.‬وهو تصور بنيوي وصفي تحويلي‬
‫[‪ - ]38‬حوارمع أحمد المتوكل في‪ :‬المحور الثقافي‪ ،‬عدد ‪7‬دجنبر‪،1987‬‬
‫[‪ - ]39‬محمد الحناش‪ :‬المصدر السابق‬
‫[‪ -]40‬أحمد المتوكل‪ :‬الوظائف التداولية‪ ،‬ص ‪ ،10‬دار الثقافة‪ ،‬البيضاء ‪.1985‬‬
‫[‪-]41‬أحمد المتوكل‪ :‬دراسات في نحو اللغة العربية الوظيفي‪ ،‬ص‪ ،6‬دار الثقافة البيضاء‪986. ،‬‬
‫[‪- ]42‬أحمد المتوكل‪ :‬من البنية الحملية إلى البنية المكونية‪ ،‬ص‪ ،10‬دار الثقافة‪ ،‬البيضاء ‪.1987‬‬
‫[‪ - ]43‬أحمد المتوكل‪ :‬الوظائف التداولية‪ ،‬ص ‪160‬‬
‫[‪  -]44‬الفاسي الفهري‪ :‬اللسانيات واللغة العربية‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪105‬وهامشها رقم‪4‬‬
‫[‪ - ]45‬الفاسي الفهري‪ :‬اللسانيات واللغة العربية‪،‬ج‪ ،1‬ص‪.13‬‬
‫[‪- ]46‬نفسه‪.‬‬
‫[‪- ]47‬نفسه‪.‬‬

You might also like