Professional Documents
Culture Documents
في طبيعة اللسانيات العامة
في طبيعة اللسانيات العامة
مصطفى غلفان
إن التعامل مع اللسانيات العامة يتطلب منا في مرحلة أولى القيام بشيئين اثنين :
-أوالً توض ((يح( طبيع ((ة اللس((انيات ذاته((ا ،ثم بس((ط بعض المنطلق((ات النظري((ة والمنهجي ((ة
األساس في اللسانيات العامة.
-فيما يتعلق بالمسألة األولى ،يتعين علين((ا أن نجيب عن مجموع((ة من األس((ئلة ،أو على
األصح ،أن نعي((د األس((ئلة ح((ول م(ا هي ه(ذه اللس(انيات "ي(ا ت(رى ال((تي أص(بح يتح((دث عنه(ا
الك((ل ،ويستش((هد( به((ا الك((ل ،ويش((حن مراجع((ه ببعض منه((ا؟ م((ا هي ه((ذه اللس((انيات كعلم
ونش((اط تحليلي وكفلس(فة وكص((ورنة( إلخ؟ كي(ف نس((تطيع تمثله(ا؟ م((ا عالقته(ا بالثقاف(ة؟ م(ا
عالقتها بالعلوم األخرى الدقيقة وغ((ير الدقيق((ة؟ م((ا النش((اط اللس((اني بالمقارن((ة م((ع أنش((طة
علمية أخرى؟"[.]1
إن اإلجابة عن هذه األسئلة ليست مسألة سهلة كما قد يتبادر إلى بعض األذهان .إن
األم ((ر ال يتعل ((ق باستحض ((ار أجوب ((ة مباش ((رة ،أو تع ((اريف ج ((اهزة بالش ((كل ال ((ذي تقدم ((ه
المؤلفات المدرسية .إنها إجاب(ات ذات خلفي(ة منهجي(ة( هام(ة ،وتتمث(ل( في معرف(ة أبع(اد ك(ل
جواب وآث((اره ونتائج((ه على ال(درس اللس((اني في تعامل((ه م((ع النظري((ة اللس(انية( العام((ة من
جهة ،وفي تعامله مع اللغات الطبيعية من جهة ثانية( ومن بينها اللغة العربية.
ومن الط(((((((((بيعي أن أي إجابة تقتضي أرض(((((((((ية نظرية( وفكرية ينطلق منها ويفسر في
ض((وئها العم((ل اللس((اني ،س((واء في ص((ورته( العربي((ة ،أو في ص((ورته( العام((ة .تم((ثيال له((ذا
االلتب(((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((اس في فهم األبع(((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((اد
النظرية والمنهجية( للسانيات العامة،نشير من جديد للخلط المفهومي الذي تكشف عنه كثير(
من الكتاب((ات اللس((انية العربي((ة الحديث((ة فيم((ا يتعل((ق بتحدي((د بعض أبس((ط المف((اهيم األولي((ة
والجوهرية( مثل ،علم اللغة وفقه اللغ((ة والنح((و والفيلولوجي((ا..من جه((ة ثاني((ة الح((ظ بعض
الب ((احثين اللس ((انيين الع ((رب ،أن من أزم ((ات البحث اللس ((اني الع ((ربي "ادع ((اء العلمي( (ة( أو
المنهجية ،وه((ذه الظ((اهرة تأخ((ذ أش((كاال متع((ددة من تص((ور خ((اطئ للعلم إلى تص((ور خ((اطئ
لالفتراضات العلمية إلى تصور خاطئ لما يعتبر تطبيقاً ما".
وبالفع((ل ،ف((إن خطابن((ا اللس((اني الع((ربي الح((ديث المحم((ل به((ذا الن((وع من التص((ورات
الخاطئة للعلم والمنهج وللنظرية( والتطبيق لم يكن بإمكانه أن يس((هم كث((يراً في نش((ر وعي
لساني حداثي يتجاوز حدود المحلية والثقافة الخاصة.
إن إجاب((ة واض((حة ومعقلن((ة عن األس((ئلة الس((الفة وغيره((ا من التس((اؤالت المنهجي((ة ال((تي
تص((ب في االتج((اه نفس((ه ،تع((د في نظرن((ا خط((وة ض((رورية( وأساس((ية( إلرس((اء دع((ائم تفك((ير
لساني سليم في الثقافة اللغوية العربية الحديثة(.
لق((د ب((رزت اللس((انيات كمعطى جدي((د في الفك((ر اإلنس((اني الح((ديث ،وه((و م((ا ال يع((ني
مطلقا أن البحث في اللغة بحث جديد .ولن نضيف جدي((داً إذا قلن((ا إن البحث في اللغ((ة وم((ا
يرتبط( بها من قضايا فكرية ،ليس شيئاً جديداً في حياة البشرية (،وإ نما هو بحث ق((ديم ق((دم
اللغ(((ة البش(((رية( نفس(((ها .ورغم أن لفظ(((ة لس(((انيات Linguistiqueحديث(((ة( العه ((د ،فمن
الص((عب الح((ديث بدق((ة عن ت((اريخ ظه((ور اللس((انيات كعلم ق((ائم بذات((ه .إن ت((اريخ اللس((انيات
يختلف بحسب وجهة النظر التي قد يتخذها الباحث .وبناء عليه ،فإن اللسانيات ق((د تك((ون
نشأت حوالي القرن الخامس قبل الميالد ،أو م(ع ب(وب س(نة ،1816أو م(ع سوس(ور س(نة
،1916أو مع تروبتسكوي سنة ،1926أو مع شومس(كي س(نة ]2[1956ليس بإمك(ان
أي ك(((((ان أن ينك(((((ر القطيع(((((ة ال(((((تي أح(((((دثتها اللس(((((انيات م(((((ع الفك(((((ر اللغ(((((وي الق(((((ديم.
ويمكن تحديد بعض مظاهر االختالف بين الفكرين فيما يلي:
-إن الفك((ر اللس((اني المعاص((ر فك((ر أك((ثر ش((مولية( من نظ((يره الق((ديم .إن((ه ال ينفص((ل عن((ه
ولكنه يحتويه ما دام يعمل على تطويره وتدقيقه.
-إن الفكر اللس(اني الح(ديث والمعاص((ر مراجع((ة دائم((ة ومس(تمرة للمف(اهيم األس((اس ال(تي
يقوم عليه((ا .إن المف((اهيم اللس((انية وس((ائر األدوات اإلجرائي(ة( ال((تي ع((ولجت به((ا اللغ((ة من
قبل مختلف التصورات اللسانية روجعت أكثر من مرة.
-إن الفكر اللساني المعاصر أكثر تفتحاً على معارف أخ((رى من منط((ق ورياض((يات وعلم
النفس وعلم االجتم((اع وفلس((فة وإ حص((اء وإ عالمي((ات .وله((ذا الس((بب اس((تطاعت اللس((انيات
أن تفرض نفسها في إطار العلوم اإلنسانية كنظرية ومنهج.
لق((د ب((دأت علمي((ة اللس((انيات ب((التخلي الت((ام عن كث((ير من األفك((ار الفلس((فية العقيم((ة
المتعلق((ة بأص((ل اللغ((ات ونش((أتها وما ش((ابه ذل((ك ،إض((افة إلى م((ا ج((اءت ب((ه اللس((انيات من
روح نظرية ومنهجية جديد قائمة على الوضوح والدقة في أدوات التحليل وتقنياته .
إن القطيعة تتجلى إذن ،في هذه المتطلبات ال((تي طرحته((ا اللس((انيات المتعلق((ة بتحدي((د
الموض((وع وض((بط المف((اهيم واألدوات اإلجرائي(ة( األساس((ية ،عالوة على الرغب((ة المنهجي(ة(
في اس((تقاللية اللس((انيات ذاته((ا ،واالس((تفادة من العل((وم األخ((رى إنس((انية ك((انت أم علوم((ا
بحتة.
في الثقافة العربية الحديثة ،يبدو أن مساءلة العالقة بين الفكر اللغوي العربي القديم
ونظيره الح((ديث ،تمت في إط((ار م((ا يع((رف ب((القراءة ،ق((راءة الم((وروث اللغ((وي الع((ربي في
ضوء النظريات اللسانية (.وقد انتهت كل القراءات إلى نتيج(ة( عام(ة ،مفاده(ا أن(ه "م(ا ت(رك
األول لآلخ((ر ش((يئاً" ،وأن ه((ذه اللس((انيات ليس((ت جدي((دة علين((ا .وواض((ح أن من ش((أن ه((ذه
مث ((ل ه ((ذه األفك ((ار ،أن ال تش ((جع الثقاف ((ة العربي( (ة( على االهتم ((ام باللس ((انيات[ .]3الس ((مات
المميزة( للممارسة العلمية:
اإلجاب((ة عن ه((ذه األس((ئلة وغيره((ا تقودن((ا إلى ال((دخول في مج((ال العلم وخص((ائص
النشاط العلمي الصحيح كما يمارس اليوم في ك((ل العل((وم .تكمن أولى العقب((ات في أن((ه من
الصعب على أي كان أن يقدم تعريفاً عاماً وشامالً للعلم.ومن الغريب أن((ه في ال((وقت ال((ذي
يتحدث فيه الجميع عن اإلنج((ازات العلمي((ة النظري((ة منه((ا والتطبيقي((ة .وعن من((اهج البحث
العلمي ومعايير التفكير العلمي وعن أسس العلم وما إلى ذل((ك من العب((ارات ،ال نع((ثر على
تحديد واضح للعلم "هذا الواقع جعل بعضهم يقول إن العلم مفهوم مبهم"[.]4
وقد يستغنى عن التعريف المباشر للعلم بتقديم جوانبه( االبس((تمولوجية أو أس((لوبه أو
منهج((ه أو خطوات((ه أو منهجي((ة البحث العلمي وهي كله((ا عب((ارات تحي((ل في مجمله((ا إلى
نفس الشيء .وقد يعرف العلم بغاياته وأهدافه .يقول كارل بوبر" :ليس في ذه((ني ص((ورة
للعلم باعتباره ظاهرة بيولوجي((ة أو ك(أداة للمالءم((ة أو كمنهج غ((ير مباش((ر لإلنت((اج ولك((ني
أفك((ر في جوانب((ه اإلبس((تمولوجية"[ .]5وق((د يح((دد أس((لوب العلم في كون((ه مالحظ((ة ص((بورة
ومراجعات متكررة ومناقشة مفتوحة[ .]6ويذهب بعض االبستمولوجيين( إلى أنه من العبث
اختص ((ار العلم في منهج واح ((د أو في قواع((د معين ((ة بس ((يطة (،نظ ((راً للت ((اريخ المعق ((د للعلم
نفسه .إن مقاربة في هذا االتجاه تبسط العلم وتختصره ليس غير[.]7
وس((((واء أتوص((((لنا إلى تعري((((ف أولي للعلم أم ال ،ف((((إن ه((((ذه التحدي((((دات والمواق((((ف
المتنوعة تؤكد فعالً وجود ش((يء اس((مه العلم ،وأن هن((اك اتفاق(اً يك(اد يك((ون عام(اً ح((ول م((ا
يمكن وصفه بأنه علمي ،وم((ا ليس ك((ذلك".إن بإمكانن((ا تحدي((د الس((مات المم((يزة ال((تي يمكن
بموجبها أن نصنف تصورا ًما أو أفكاراً معينة بأنه((ا علمي((ة وقابل((ة ألن توض((ع في ص((نف
العلم[.]8
والواق ((ع أن المع ((ايير ال ((تي تح ((دد الس ((مات المم ((يزة للس ((مات العلمي( (ة( على مس ((توى(
األفك((ار والتص((ورات هي نفس((ها ال((تي تح((دد الغاي(ات واأله(داف ال((تي يم((يز بواس((طتها العلم
عن الرياض(((ة وعن السياس ((ة وعن الفن" ،مم ((ا يف ((ترض مع ((ايير االس ((تحقاق العلمي ،أي
اعتبار األهداف التي يضعها العالم نصب عينيه بكيفي((ة موس(عة ،مم(ا ي(دل أنن((ا نقب((ل بعض
المعايير للحكم .إن نش(اطاً علمي(اً ج(اداً يس(تجيب له(ذه األه(داف ،بينم(ا ال يس(تجيب له(ا ك(ل
نشاط مشكوك في نوعيته[.]9
تجم( ((ع الدراس( ((ات االبس( ((تمولوجية الحديث( ((ة على أن البحث العلمي يم( ((ر ع( ((بر أرب( ((ع
مراحل هي :
أوالً :مالحظة وتسجيل جميع الوقائع.
ثانياً :تحليل وتصنيف هذه الوقائع
ثالثاً :استخراج المبادئ العامة عن طريق استقراء هذه الوقائع.
رابعاً :المراقبة التكميلية لهذه المبادئ[.]10
انطالقاً من هذه الخطوات والمبادئ للعلم في أحد تصوراته ،وليس العلم في صورته
المطلق((ة ،نظ(راً إلى وج((ود اختالف(ات هام(ة بين الدارس(ين أنفس((هم ح(ول األبع(اد التص((ورية
والنظري((ة ال ((تي ينظ ((ر من خالله((ا للعلم ،يمكن الق ((ول ب((أن العلم ينطل ((ق بص((فة عام((ة من
مشاهدة حسية أو تخمينية للعالم الخارجي .ويعني ه((ذا في نظ((ر العلم أن ال ش((يء واض((ح
كلي( (اً .إن العلم ال يب ((دأ إال إذا اس ((تطردنا من ه ((ذه الخ ((برات المستس ((اغة خ ((برات الفط ((رة
السليمة إلى األنماط البسيطة للوصف التي نسميها نظريات[.]11
ومشاهدة الوقائع وتسجيلها ال يتم بكيفية اختيارية أو اعتباطية ،إذ ال بد أن يتم ذل((ك
في إط((ار نظ((ري يس((مح بالمش((اهدة بش((كل مالئم وإ يج((ابي .وب((دون وج((ود ألي نظري((ة ،لن
نع((رف م((ا يجب أن نش((اهده .والمش((اهدات ال((تي تح((دث بالص((دفة لن ت((ؤدي ع((ادة إلى أي
تعميم[ .]12إن المالحظ( ((ة والتج( ((ريب تقودهم( ((ا النظرية[]13وب( ((دونها لن يك( ((ون ثم( ((ة جم( ((ع
وتصنيف مالئمين للواقع".فمن مشاهدة الواقع تصاغ المبادئ ال((تي يمكن أن تس((تنبط ه((ذه
الوقائع وتتم صياغتها باعتماد االستقراء واالستدالل".
وللمب ((ادئ العام ((ة أهمي ((ة قص ((وى في المعرف ((ة العلمي ((ة .إنه ((ا تجعلن ((ا ن ((درك بكيفي ((ة
عقالني((ة (،لم((اذا تح((دث بعض الظ((واهر به((ذه الطريق((ة دون غيره((ا .وب((دون ه((ذه المب((ادئ
العامة ،ال تكون ثمة فوائد من الوق(ائع ال((تي يتم رص((دها .فليس للوق(ائع في ح(د ذاته((ا أي
أهمي((ة ب((دون مب((ادئ عام((ة تختص((رها ثم تص((ف ح((دوثها وتفس((رها .إن المعرف((ة العلمي((ة
تسعى إلى معرفة منسقة( للعالم .إنها تبحث عن اختص((ار الظ((واهر ال((تي تتم مالحظته((ا في
مختلف جوانبها إلى مبادئ أساسية عامة ،مما يجعلها تبحث عن ثوابت قليلة العدد.
وعلى ك((ل ح((ال ،تك((ون المب((ادئ علمي((ة إذا ك((انت النت((ائج التجريبي(ة( م((برراً له((ا .ليس
مع((نى ه((ذا أن التجرب(ة وح(دها تثبت( المب((ادئ أو تدحض(ها .إن التجرب((ة ال يمكنه((ا أن تثبت
الفروض ،ولكنها تقويها وتعززها وتجعلها أكثر احتماالً من غيره((ا .غ((ير أن ك((ل المب((ادئ
العلمية ليست نتيج(ة بن(اء نظ(ري عن طري(ق االس(تقراء أو االس(تدالل ،وإ نم(ا هن(اك ح(االت
[
عديدة يتدخل فيها خي(ال الع(الم ليب(دع بكيفي(ة حدس(ية (،إم(ا مب(دءاً علمي(اً أو نظري(ة بكاملها
. ]14
يمكننا أن نحدد مهمة العالم في ثالث خطوات أساسية:
أوال :وضع المبادئ.
ثانياً :استخراج نتائج( منطقية( من هذه المبادئ من أجل استنباط حقائق بشأنها.
ثالثاً :التدقيق العلمي لهذه الحقائق المشاهدة[.]15
بي((د أن تبس((يط الممارس((ة العلمي((ة به((ذه الكيفي((ة ،ال ينبغي أن يس((تنتج من((ه بس((اطة العلم.
يط((رح بعض المفك((رين إش((كالية العلم والمعرف((ة العلمي((ة من منظ((ور آخ((ر يتج((اوز مس((ألة
تحديد العلم ،وذلك بربطه بمنطلقاته النظرية والمنهجي(ة (،أو الغاي(ة من(ه أو ببنيت((ه العام((ة.
إنها أيضاً جوانب اختلف في تأويلها وتوظيفها ،ومع ذلك ،فإن كل هذه الج(وانب المتع(ددة
للعلم تكمل إدراكنا له في مفهومه الشمولي.
فيما يتعلق بغاية العلم فإنها لم تعد جمعا ًللحقائق والوقائع ،فليس هن((اك مك((ان الي((وم
لعلم من ه ((ذا الص ((نف[ .]16إن المعرف ((ة العلمي ((ة الس ((ليمة( والمقبول ((ة هي ال ((تي تس ((عى إلى
تفسير( الوقائع والتنبؤ بأخرى ،وليس للتصنيف والوصف فحسب" .إن الهدف من النش((اط
العلمي هو وضع فرضيات شمولية تتج((اوز الوص((ف التص((نيفي ،لتص((ل إلى التفس((ير الكلي
المقبول( للظواهر .وليس معنى التفس((ير العلمي جع((ل األش((ياء المعروض(ة( للتحلي((ل معقول((ة
أو مقبول(ة عقلي(اً فق(ط ،ب(ل إن الع(الم حين يفس(ر الظ((واهر ال يك(ون تفس(يره مقص((وراً على
تلك الظواهر بعينيها ،وإ نما يأتي تفسيره عاما ينطبق على غيره((ا من الظ((واهر المماثل((ة،
إن الع(الم يس((تطيع بن(اء على التعميم(ات ال(تي ينتهي( إليه((ا ،أن يتنب(أ ب((أن الظ(واهر المقبل(ة
س((وف ت((أتي على غ((رار الظ((واهر ال((تي عرفه((ا من قب((ل .ف((التعميم في التفس((ير ه((و ال((ذي
يسمح لنا بالتنبؤ في العلم[ ]17إن أفضل نظرية أو فكرة أو ف(رض وأحس(ن نس(ق ه(و ال(ذي
تكون له أكبر قدرة تفسيرية([.]18
وأك((د ك((ارل ب((وبر Karl Popperفي كتاب((ه "منط((ق االكتش((اف العلمي" أن((ه ال يمكن
وج ((ود نظري ((ة علمي ((ة إال بعملي((ة اس((تنباطية مم ((ا يتطلب قف ((زة نوعي((ة تجعلن ((ا نتج((رد من
مالحظة الواقع المباشر.
تل( ((ك بعض التوض( ((يحات األساس( ((ية لس( ((مات المعرف( ((ة العلمي ( (ة( الحديث( ((ة ال( ((تي يمكن
اعتباره((ا بمثاب((ة مع((ايير االس((تحقاق العلمي .إن ه((ذا الض((رب من المع((ايير لم يع((د ينطب((ق
على النش((اط العلمي الص((رف .إنن((ا نج((د اهتمام (اً كب((يراً وص((دى واس((عا ًلمث((ل ه((ذه القض((ايا
النظري((ة والمنهجي((ة العام((ة ل((دى كث((ير من المهتمين بابس((تمولوجيا اللس((انيات ،ن((ذكر من
بينهم كريس(((((((((((((((((((((((((((((((((((تفا Kristiva وكرانجر Grangerوك(((((((((((((((((((((((((((((((((((ارفن Garven
وشومسكي(Chomsky على سبيل التمثيل ال الحصر.
اللسانيات والعلم :لمحة عامة
إن التداخل بين اللسانيات والعلم من حيث ه((و نظري((ة ومنهج( ليس ولي((د الي((وم .
ومحاولة علمنة اللس(انيات ليس(ت ولي(دة الي(وم أيض(اً .إن عالق(ة اللس(انيات بمن(اهج( العل(وم
الص((رف وبأسس((ها النظري((ة يع((ود إلى بداي((ة علمي((ة اللس((انيات نفس((ها وتطلعه((ا إلى خل((ق
إطارها المستقل.
حصل هذا في القرن التاسع عشر حين اق((ترن البحث عن((د فران((تز ب((وبFranz
Boppبتتبع الظواهر اللغوية باعتبارها ظواهر طبيعية مثلما كان يفعل علماء الطبيعيات
وعلم( ((اء التش( ((ريح األوائ( ((ل .فمن المع( ((روف أن ب( ((وب اس( ((تفاد مم( ((ا حققت( ((ه التص( ((نيفات
والمقارن ((ات ال ((تي تم وض ((عها في ه ((ذه العل ((وم على ي ((د ك ((ل لي ((ني Linne 1772-1687
وكوف((يي .Cuvier 1769-1832كم((ا ت((أثر لغوي((و الق((رن التاس((ع عش((ر بنت((ائج العل((وم
الطبيعي((ة وعلم األحي((اء .وك((ان شاليشرSchleicherأك((ثر اللغ((ويين ت((أثراً به((ذا االتج((اه ال
سيما بعد ظهور كتاب داروين "أصل األنواع" سنة .1859
إن تش ( ((بع شاليش ( ((ر بالدارويني ( ((ة دفع ( ((ه إلى رفض اعتب ( ((ار اللس ( ((انيات من العل ( ((وم
اإلنسانية ،ب((ل ع((دها من العل((وم الطبيعي((ة .فاللغ((ة في نظ((ره جه((از عض((وي ط((بيعي خاض((ع
في بنيته وتطوره لقوانين معين((ة ثابت((ة مث((ل النش((وء واالرتق((اء وهي ال((تي تخض((ع له(ا ك((ل
الظواهر الطبيعية .إن اللغة في نظر شاليشر جهاز عضوي كب((اقي الكائن((ات الحي((ة تتك((ون
من عناص((((((ر له((((((ا وظ((((((ائف مح((((((ددة ،وبالت((((((الي فهي مث((((((ل جمي((((((ع الكائن((((((ات الحي((((((ة
تنشأ وتترعرع ثـم تكبر وتشيخ وتموت"[.]19
ولم تتوقف عالقة اللسانيات بغيرها من العل((وم في ي((وم من األي((ام ،كم((ا أنه((ا لم تتق((و
مث((ل هي علي((ه الي((وم .وليس مع((نى ه((ذا أن اللس(انيات علم تجري((بي ص((رف يتب((ع األس((لوب
العلمي جملة وتفصيال .وعندما نقول بأن اللسانيات تسعى إلى الكشف عن الق(وانين ،ف(إن
ذل ((ك ال يع ((ني أن كلم ((ة ق ((انون في اللس ((انيات له ((ا نفس م ((دلول كلم ((ة ق ((انون في العل ((وم
الفيزيائي((ة أو الطبيعي((ة أو الميكانيكي((ة (.ويرج((ع ه((ذا االختالف بين اللس((انيات وه((ذه العل((وم
إلى مستوى طبيع((ة التج((ريب والقي((اس ،ومراقب((ة العم((ل العلمي والمواجه((ة بين المعطي((ات
الفعلية والخطاطات النظرية[.]20
وم((ع ذل((ك ،ف((إن األبح((اث اإلبس((تمولوجية أك((دت أهمي((ة الت((داخل بين من((اهج العل((وم
مهم ((ا اختلفت طبيعته ((ا على مس ((توى المب ((ادئ العام ((ة ،قص ((د تفاع ((ل إيج ((ابي بينه ((ا .فمن
الط((بيعي أن العل((وم مهم((ا تع((ددت وتن((وعت نتيج((ة لتع((دد موض((وعاتها وتن((وع مناهجه((ا،
تش((كل في العم((ق وح((دة معرفي((ة ش((مولية وكالً ال يتج((زأ .إنه((ا تس((ير وف((ق نفس األس((س
والمب((ادئ وإ ن اختلفت المج((االت والمظ((اهر التطبيقي((ة والعملي((ة .لق((د تم التأكي((د على ذل((ك
أول األمر فيما ع((رف بوح((دة العل((وم ال((تي دعت إليه((ا دائ((رة فيين((ا الوض((عية في بداي((ة ه((ذا
القرن كما هو معروف من خالل نشر ما س((مي بموس((وعة العلم الموحدEncyclopedia
of Uunified Scienceوهي الموس((وعة ال((تي ش((ارك فيه((ا ع((الم اللس((انيات الكب((ير
ليون((((ارد بلومفيل((((د Léonard Bloomfield إلى ج((((انب أش((((هر العلم((((اء في مختل( ((ف
المج ( ( ((االت العلمي ( ( ((ة من فيزي ( ( ((اء ورياض ( ( ((يات وكيمي ( ( ((اء ومنط ( ( ((ق أمث ( ( ((ال Carnapو
Nagelو Russellو Boher و Frankوغ(((((يرهم ممن اعت(((((بروا من مؤسس(((((ي
العلم الحديث.
وفي نفس االتج ((اه تتط ((ور حالي( (اً م ((ا يع ((رف بالنظري ((ة العام ((ة لألنس ((اقThéorie
générale des systèmesال((تي تس((تهدف تحدي((د الس((مات الالزم((ة لألنس((اق النظري((ة
المقترحة في العلوم ،ونوعية العالقة التي تجمع بين العناص((ر المكون((ة له((ذه األنس((اق من
ح (((((((دود ومص((((((((ادرات ،الختص((((((((ارها بكيفي((((((((ة منطقي((((((((ة( ص((((((((رف ،ولمعرف((((((((ة درج( ( ( ((ة
اتساقها Cohérence ولض((بط لغ((ة تعب((ير المص((ادرات عن الظ((واهر المدروس((ة ،وأحيان(اً
ليكون االستنباط بالغاً في الدقة"[.]21
إن نظرية األنساق العامة باعتبارها اهتماما باإلعداد النظري في العلوم ،تسعى إلى
اس((تخراج البني((ات النظري((ة المش((تركة( ال((تي تق((وم عليه((ا مح((اوالت ال((تركيب ،Synthèse
س ((واء تعل ((ق األمر بالعض ((وانية في علم األحي ((اء ،أو بتأوي ((ل المعطي ((ات في علم االجتم ((اع
وعلم النفس"[.]22
إن اإليج((((((ابي في نظري ( ( ((ة األنس ( ( ((اق أنه((((((ا تؤك((((((د على أهمي ( ( ((ة وح ( ( ((دة العل((((((وم
والتئامه ((ا والتالقح المس ((تمر( بين العل ((وم الص ((رف والعل ((وم اإلنس ((انية .وتب ((دو نظري ((ة
األنس((اق العام((ة مؤهل((ة نظري (اً ومنهجي (اً لتس((هم في التق((ارب بين عل((وم اإلنس((ان والعل((وم
الصرف ،بل في خلق نوع من التصالح بينها.
في مج(((((((((ال اللس(((((((((انيات المعاص(((((((((رة ،ح(((((((((اول شومس(((((((((كي بع(((((((((د هيلمس ( ( ( ((ليف
Hjelmslevوهاريس أن يسير( بالبحث اللساني في هذا االتجاه متجاوزاً ح((دود الوص((ف
اللس((اني المعتم((د أساس (اً على المالحظ((ة وح((دها" .إن ك((ل نظري((ة تعتم((د ع((دداً مح((دودا من
المالحظ((ات وتس((عى إلى تفس((ير( ه((ذه الظ((واهر ال((تي يتم مالحظته((ا ،والتنب((ؤ ب((أخرى عن
طري ((ق ق ((وانين عام ((ة في ص ((يغة مف ((اهيم فرض ((ية ،مثلم ((ا ه ((و الح ((ال بالنس ((بة لإللك ((ترون
والكتلة"[.]23
إن المتتبع لنظرية( النحو التوليدي يمكنه أن يلحظ بسهولة ت((أثر شومس((كي العمي((ق
ب((العلوم الص((رف ،من حيث هي نظري(ة( في العلم ،وكي((ف أن((ه ح((اول أن يس((تفيد من تعام((ل
العلماء مع الظواهر في المجال الفيزيائي والرياضي .
ه((ذه بعض المظ((اهر العلمي((ة ال((تي تتم((يز( به((ا اللس((انيات العام((ة في أح((دث نماذجه((ا
وتصوراتها ،سواء كانت توليدي((ة أو غ((ير توليدي((ة (.وم((ا من ش((ك في أن اللس((انيات حققت
مستوى علمياً ال يستهان به اليوم.
عن((دما ننتق((ل للثقاف((ة اللغوي((ة العربي((ة الحديث((ة ،ف((إن الس((ؤال ال((ذي يتب((ادر إلى ال((ذهن
ه ((و :ه ((ل اس ((توعب ال ((درس اللس ((اني الع ((ربي الح ((ديث مقوم ((ات البحث العلمي الص ((حيح
وأساسيات الخطاب العلمي السليم؟ إلى أي حد يستحضر ال(درس اللس(اني الع(ربي الح(ديث
هذه المعطيات النظرية والمنهجية في تعامله مع اللغة العربية( من منظور لساني؟
إن مث( ( ((ل ه( ( ((ذه التس( ( ((اؤالت المنهجي( ( ((ة ال تجيب عنه( ( ((ا الكتاب( ( ((ات اللس(((((انية العربي( ( ((ة إال
ن((ادراً وبكيفي((ة محتش((مة ،وبالت((الي تظ((ل العالق((ة بين اللس((انيات العام((ة والثقاف((ة العربي((ة
عالقة توتر( ألنها قائمة على االلتباس والغموض .فما أحوجنا إلى التوضيح( والتحديد.
أ .البعدان العام والخاص في اللسانيات :التكامل المنهجي.
بالرغم من أن اإلطار التاريخي الذي ظهرت فيه اللسانيات منذ بداية القرن العش(رين
ثم نمت وتطورت إلى أن وصلت إلى ما هي علي(ه الي(وم من تق(دم نظ(ري ومنهجي مرتب(ط
أساس((ا ببني((ة ثقافي((ة غربي((ة معرفي((ا وسياس((يا واجتماعي((ا ،بإمكانن((ا أن ننظ((ر للس((انيات من
زاويتين مختلفتين مبدئيا ولكنهما في العمق متكامالن.
-الزاوي((ة العام((ة باعتب((ار اللس((انيات نظري (ة( ذات ط((ابع علمي ع((ام ،كم((ا ه((و الش((أن في
العل((وم األخ((رى ،وبالت((الي له((ا من المب((ادئ العام((ة م(ا يمكن تطبيق((ه على األلس((ن الطبيعي((ة
بصرف( النظر عن طبيعة االختالفات الحاصلة في بنياته((ا أو المظ((اهر المتعلق((ة بك((ل لس((ان
على ح((دة .وق((د درج على تس((مية ه((ذه الزاوي((ة باللس((انيات العام((ة أو م((ا يص((طلح علي((ه
التوليديون بالنظرية اللسانية العامة[.]24
-الزاوية الخاصة وتتمث(ل( في الج(انب المتعل(ق بلس(انيات معين(ة( في تناوله(ا للس(ان مح(دد
كالعربي( ((ة أو الفرنس( ((ية أو اإلنجليزي( ((ة أو غيره( ((ا" .إن الزاوي( ((ة الخاص( ((ة مج( ((ال الختب( ((ار
المبادئ العامة وميدان لتقدير مدى فعالي((ة م(ا تقترح((ه الزاوي((ة العام((ة من قواع((د ومب((ادئ
كلية في إطار التطبيق على بنيات لسان محدد أي ما يسمى بالنحو الخاص"[.]25
والواقع أنه ال يمكن دائماً الفصل بين البعدين العام والخاص .إنهما في حقيقة األم((ر
وجه((ان لعمل((ة واح((دة ،وبينهم((ا من العالق((ة المتبادل((ة م((ا ال يمكن إنك((اره أو تجاهل((ه .غ((ير
أنه يتعين من جهة ثاني(ة ،ع(دم الخل(ط بينهم(ا لم(ا لفص(لهما مب(دئياً من أبع(اد نظري(ة هام(ة
في تط((((ور كال البع((((دين .وتفكي((((ك اللس((((انيات إلى زاوي((((تين أو بع((((دين ليس إال توض( ((يحا
للج((وانب الموض((وعية( ال((تي يمكن أن يتس((م به((ا العم((ل اللس((اني في تحليل((ه للغ((ة ،س((واء
باعتبارها ظاهرة إنسانية عامة ،أم على مستوى وصف وتفسير( ظواهر محددة في لس((ان
معين كالعربية أو الفرنسية أو اإلنجليزية.
لق((د أك((د شومس((كي غ((ير م((ا م((رة على العالق((ة الجدلي((ة بين الزاوي((تين مبين(اً كي((ف أن
التصورات والمبادئ العامة واألدوات المفهومي(ة( يجب أن توض((ع باس((تقالل ت((ام وكلي عن
اللسان الخاص الذي نقعد له .إال أن هذا ال يعني أن النظري((ة العام((ة ال عالق((ة له((ا ب((النحو
الخ ((اص .إنه ((ا تح ((دد طبيع ((ة وص ((ورة وه ((دف الجه ((از النح ((وي ال ((ذي س ((يتكلف بدراس ((ة
ص ((وتيات وص ((رفيات وت ((ركيب ودالل ((ة األلس ((ن الطبيعي ((ة في إط ((ار نح ((و معين .وكم ((ا أن
النظري(ة العام(ة ليس(ت ق(ارة ،ف(إن النح(و الخ(اص المق(ترح لدراس(ة لس(ان معين أو ظ(واهر
جزئية منه( ليس ثابتاً .إنهما خاضعان للتعديل المستمر عن طريق التحليل الدائم للظ((واهر
اللسانية الخاصة بلسان معين ،وعن طريق التجاوز الذاتي للنظرية العامة نفس((ها .وهك((ذا
كلم((ا ظه((رت وق((ائع جدي((دة ،س((واء في مس((توى النظري((ة ،أو في مس((توى النح((و الخ((اص
وجب أخذ ذلك بعين االعتبار ،مم((ا يس((تدعي في النهاي((ة ض((رورة إع((ادة النظ((ر والمراجع((ة
بغية التحيين والتعميق واستخالص النتائج النظرية والمنهجية.
وتمكن العالق ((ة بين الع ((ام والخ ((اص بالش ((كل المتالزم والمتراب ((ط من الوص ((ول إلى
وض((ع نظري((ة أك((ثر فعالي((ة وج((دوى ألنه((ا س((تكون أك((ثر ش((مولية في معالج((ة بني((ات لغوي((ة
تأخذ بعين النظر معطيات األلسن الطبيعية كماً وكيفاً .
ه((ذا التص((ور للعم((ل اللس((اني ولطبيع((ة اللس((انيات نج((ده عن((د أك((ثر من ب((احث لس((اني
حديث.عرف مثالً بنفنست Benveniste اللسانيات بأنها دراسة اللغ((ة واأللس((ن ق(ائالً":إن
للسانيات موضوعا ًمزدوجاً .إنها علم باللغة Langageوعلم باأللسن .]26[ Langues
وفي االتج ((اه نفس ((ه بين مانفري ((د ب(((رفيتش Manfred Bierwiech أن للس ((انيات
وجهين ،دراس ((ة ألس ((ن خاص ((ة ومح ((ددة وه ((و م ((ا يس ((ميه اللس ((انيات الخاص ((ة ،ودراس ((ة
االط((رادات العام((ة وه((و م((ا يس((ميه اللس((انيات العام((ة .ويؤك((د ب((رفيتش أيض (اً على عالق((ة
التكامل بين اللسانيات العامة واللسانيات الخاصة قائالً":إن هذه االطرادات العام((ة ال يمكن
اكتشافها إال بدراسة األلسن الخاصة ،كما أن((ه ال يمكن تحلي((ل األلس((ن الخاص((ة إال إذا ك((ان
منطلقنا على األقل في شكل فروض[.]27
إن تحديد طبيعة البحث كما يتجلى من خالل م(ا س(بق على س(بيل التمثي(ل( ال الحص(ر،
يوضح أن هذا التحديد يعد من األوليات المنهجية في تناول القضايا اللغوية علمياً.
لكن هذه االعتبارات المنهجية تختلف بالنسبة إلى واقع اللسانيات في الثقافة العربية
حيث ال نج((د توض((يحات كافي((ة له((ذه األولي((ات الحاس((مة أو اس((تيعاباً عملي(اً له((ا فيم((ا ينش(ر(
باللغة العربية .إن كثيراً من الدارسين اللسانيين الع((رب ال يكلف((ون أنفس((هم عن((اء توض((يح
األس((س ال((تي تق((وم عليه((ا اللس((انيات ،الس((يما م((ا يتعل((ق بالبع((دين الع((ام والخ((اص فيه((ا أو
العالق((ة التالزمي((ة القائم((ة بينهم((ا .إن كث((يرا من الكتاب((ات اللس((انية العربي (ة( تغف((ل اختالف
المنظ ((ورين وتكاملهم ((ا في ال ((وقت ذات ((ه وه ((و م ((ا ي ((ؤدي إلى نش ((ر كث ((ير من المغالط ((ات
المنهجي((ة وإ ص((دار أحك((ام غ((ير ص((حيحة ح((ول طبيع((ة البحث اللس((اني في عالقت((ه باللغ((ة
العربي((ة (.يؤك((د بعض الدارس((ين الع((رب على فك((رة ع((دم انطب((اق مب((ادئ علم اللغ((ة الع((ام
وقواعده على اللغة العربية ،بالنظر لخصوص((ية العربي((ة .وبع((د أن يع((رف علم اللغ((ة الع((ام
بأنه طريقة لدراسة اللغة باعتبارها ظ((اهرة إنس((انية عام((ة ،ينتهي إلى نتيج(ة( غريب((ة على
منط((ق الممارس((ة العلمي((ة وليس له((ا أي س((ند نظ((ري أو منهجي .يق((ول ه((ذا الب((احث" :إن
علم اللغ((ة الع(ام خ(اص باللغ(ات األوروبي(ة( ال(تي تش(ترك في طبيعته(ا اللغوي(ة وتتق(ارب في
ظروفه( ((ا االجتماعي( ((ة .أم( ((ا اللغ( ((ة العربي( ((ة فهي خ( ((ارج ح( ((دود ه( ((ذا العلم وقياس( ((ها على
الدراسات اللغوي((ة في أوروب((ا ال((تي ال يزي((د عمره((ا عن ثالث((ة ق((رون وال((تي ليس له((ا مث((ل
هذا التراث العريق الممعن في العراقة طوال وعرضاً فخطأ فادح ال يك((ون إال عن جه((ل أو
سوء قصد"[.]28
إن اللج((وء إلى علم اللغ((ة الع((ام في نظ((ر أص((حاب مث((ل ه((ذه الكتاب((ات ال يص((در عن
حاج((ة في واق((ع األم((ر ت((دعو إلي((ه وألن((ه يح((اول أن يف((رض قواع((د نابع((ة من خ((ارج اللغ((ة
العربي((ة على طبيعته((ا اللغوية[ .]29ف((أي منط((ق علمي تتأس((س علي((ه مث((ل ه((ذه االدع((اءات
وتقوم عليه مثل هذه المغالطات المنهجية الفادحة؟
إن ما هو شاذ فعالً ومضر باللغة العربية ،وبثقافتها عامة ،واللغوية منه((ا خاص((ة،
ه((و مث((ل ه((ذه المواق((ف المتعص((بة ال((تي لم تتمكن من اس((تيعاب أساس((يات العلم المعاص((ر،
وال ت((درك أبع((اده النظري((ة والمنهجي((ة رغم وض((وحها .وال تعي ه((ذه المقارب((ات باإلمكان((ات
ال((تي تق((دمها النظري((ة اللس((انية العام((ة للثقاف((ة العربي((ة الحديث((ة من أج((ل تط((وير درس((ها
اللغوي ،استجابة لروح العصر ،ورغبة في إيجاد الحلول لكثير من مشاكلنا اللغوية.
وال شك أن المواقف السابقة تحمل في طياتها تعصباً حضارياً مقيتاً ال يخدم في شئ
قضايا الثقافة العربية الحديثة (.أليست اللغ((ة العربي((ة لغ((ة طبيعي((ة مثله((ا مث((ل ب((اقي األلس((ن
البش ((رية؟ ب ((أي مع ((نى نق ((ول إن علم اللغ ((ة الع ((ام يف ((رض قواع ((د معين ((ة من خ ((ارج اللغ ((ة
المدروسة؟ والحقيقة أن المواقف السالفة وأمثالها تعكس بجالء خلط(اً كب((يرا ًبين البع((دين
الع((ام والخ((اص في البحث اللس((اني الح((ديث ،بين المب((ادئ العام((ة في اللس((انيات وتط((بيق
اللسانيات" .فالموقف القائل بض((رورة االنطالق من اللغ((ة العربي(ة( لبن((اء علم لس((اني أص((يل
خاص بها ال يدرك النتائج النظرية والمنهجية( المترتبة عنه ،والمتمثل في القول ب((أن لك((ل
لغة نظريتها اللس(انية ونموذجه(ا الص(وري الالئ(ق بوص(فها وه(و م(ا ال يمكن أن يق(ول ب(ه
أي لغوي"[.]31[]30
إن المواقف السابقة بعيدة كل البعد عن نظرية العلم ،ومن شأنها أن تس((هم في نش((ر
جملة من المغالطات المنهجية وتقود العالقة بين اللس((انيات والثقاف((ة العربي((ة الحديث((ة إلى
وضع االلتباس والغموض وبالتالي النفور من هذه اللسانيات.
هل نحتاج اليوم إلى أن نذكر بأن العلم يسعى إلى ما هو عام وكلي؟ إن هدف البحث
العلمي هو تك((وين مب((ادئ وق((وانين عام((ة واقعي((ة ك((انت أو تص((ورية ،إذ ليس من ش((ك في
أن إقامة مثل هذه التعميمات هي جزء ال يتجزأ من عمل العلوم"[.]32
اللسانيات العربية والمسألة العلمية(
إن الوض((ع المتم((يز( للس((انيات العام((ة في تطوراته((ا المختلف((ة ونماذجه((ا المتع((ددة في
أوربا وأمريكا يقابله وضع آخر في الثقافة العربية الحديثة .إنه((ا م((ادة مس((توردة ل((ذا ف((إن
وجوده((ا يح((رك ض((منياً ص((راعاً حض((ارياً ال يمكن إغفال((ه أو االس((تهانة ب((ه«إن دخ((ول فك((ر
لغوي غربي إلى أحضان ثقاف((ة تعت((بر نفس((ه ثقاف((ة لغوي((ة بامتي((از كم((ا ه((و الش((أن بالنس((بة
للثقاف((ة العربي((ة ،أدى إلى ط((رح جمل((ة من لتس((اؤالت ح((ول فائ((دة اللس((انيات ب((ل إلى خل((ق
نوع من الصراع ضدا على ه(ذا الفك(ر ال(دخيل .يتس(اءل أح(د الب(احثين الع(رب" :ألي ش(يء
نستورد( منهجا غربيا في دراسة اللغة ولن((ا منهجن((ا الخ((اص األص((يل ال((ذي أثبت أل((ف ع((ام
أو يزي((د ص((الحيته؟( وإذا اس((تحدثنا من((اهج جدي((دة ومص((طلحات جدي((دة فق(د حكمن((ا باإلع((دام
على تراثنا ،ال على تراثنا النحوي والصرفي واللغوي وحده ،بل على التراث كله"[.]33
ص((حيح أن اللس((انيات منهج مس((تورد ،وهي كس((ائر من((اهج الفك((ر اإلنس((اني الح((ديث
الواف((دة علين ((ا من الغ ((رب تط((رح على الفك((ر اللس((اني الع ((ربي إش((كالية إض ((افية ليس من
الس ((هل تجاوزه ((ا ،وهي عالق ((ة الثقاف ((ة اللغوي ((ة العربي ((ة بالثقاف ((ة المعاص ((رة .إن إش ((كال
عالقتن((ا نحن الع((رب ب((اآلخر-ال((ذي ه((و الغ((رب -ال يقتص((ر على اللس((انيات وح((دها ،وإ نم((ا
على أنم(((((((اط أخ(((((((رى من العل(((((((وم اإلنس(((((((انية كالت(((((((اريخ وعلم االجتم(((((((اع وعلم النفس
والفلس((فة واألنتربولوجي((ا .إن عب((ارة مث((ل "لس((انيات عربي((ة" تك((اد تك((ون ق((د اس((تعملت
بالنسبة لجميع العلوم االجتماعية واإلنسانية( األخرى وبص(فة مش(ابهة ،حيث يتك(رر تعب(ير
"علم اجتماع عربي" أو "علم نفس عربي" أو "فلسفة عربية".
ب .الفهم السيئ لنظرية العلم
في ه ((ذا الس ((ياق ال ي ((تردد بعض المهتمين( ب ((البحث اللغ ((وي الع ((ربي في الق ((ول ب ((أن
دراسة اللغ(ة باعتباره((ا ظ(اهرة إنس(انية( عام((ة تض(م جمي((ع األش(كال الكالمي(ة ال(تي تتخ(ذها
الجماع ((ات البش ((رية على اختالفه ((ا".وق ((د يك ((ون له ((ذه المحاول ((ة م ((ا يبرزه ((ا في اللغ ((ات
األوربي((ة (،ولكن إقح((ام ه((ذه الدراس((ة ال((تي تنب (ع( اهتماماته((ا وقواع((دها من طبيع((ة اللغ((ات
األوربي ((ة على لغ ((ة كالعربي((ة( تختل ((ف في طبيعته ((ا وفي ظروفهـا التاريخي ((ة واالجتماعي ((ة
اختالفا أساسيا عن هذه اللغات بدع شاذ قليل الجدوى"[ .]34
والواق ((ع أن كث ((يرا من القض ((ايا ال ((تي تطرحه ((ا النظري ((ة اللسانيـة( العام ((ة ال تنطب ((ق
بالضرورة على اللغة العربية" .بيد أنه يتعين علينا منهجيا في إطار نظرية العلم أن نشير
إلى أن التطابق بين النظريـة( والتجرب((ة -أي اللغ((ة ليس الزم(اً كم((ا يط((الب ب((ذلك كث((ير من
اللغ((ويين الع((رب ال((ذين ال نج((د م((بررا نظري((ا أو منهجي((ا له((ذا ال((زعم .إن ط((رح مطابق((ة
النظري((ة اللس((انية للغ((ة العربي((ة يش((كل في ح((د ذات((ه عقب((ة ك((أداء ال ينبغي االس((تمرار في
طرحه((ا ومناقش((تها كلم((ا أث((يرت قض((ية اللغ((ة العربي((ة في إط((ار اللس((انيات .يق((ول الفاس((ي
الفهري مشيرا إلى هذه اإلشكالية" :ومما يطبع الدرس اللس((اني الع((ربي وال((درس اللس((اني
الـمتخلف بصفة عامة تصور خاطئ للعالقة بين التجربة Empirie والنظرية.théorie
كم(ا أنن(ا غالب(ا م((ا نس((مع أن النظري(ات اللس(انية( العام(ة الحالي(ة نظري(ات غربي((ة تم بناؤه((ا
باالعتم(((((((((اد على اللغ(((((((((ات الهندي(((((((((ة-األوربي(((((((((ة (،وهي لم توض(((((((((ع لوص(((((((((ف لغ ( ( ( ((ات
غربية على الغ((((رب كاللغ((((ات اإلفريقية أو الهندية أو العربي ( ((ة ...ذل((((ك نحت ( ((اج إلى م ( ((زج
النم ((اذج الغربي ((ة بنم ((وذج ينطل ((ق من العربي ((ة بغاي ((ة الوص ((ول إلى نم ((وذج م ((رمم يص ((ف
العربي((ة( وغيره ((ا من اللغ ((ات .مث ((ل ه ((ذا الموق ((ف ال يخطئ فق ((ط في تص ((وير العالق ((ة بين
النظري( ( ( ((ة والتجرب( ( ( ((ة باالعتم( ( ( ((اد على م( ( ( ((ا أس( ( ( ((ميته( بالتجريبوي( ( ( ((ة الس( ( ( ((اذجةNaive
.Empiricismوال أح( ((د يس( ((تطيع بش( ((يء من الجدي( ((ة اللهم إال إذا ك( ((ان األم( ((ر يتعل( ((ق
بش((عوذة أن ي((دعي أنن((ا نحت((اج إلى نم((وذج آخ((ر ينب((ني باالعتم((اد على العربي((ة لوص((فها.
واألك((ثر من ه((ذا ،أن ه((ذا الكالم الغ((ريب حق(ا على الخط((اب العلمي يق((وم دون أي اس((تدالل
على صدقة أو ثبوته"[.]35
ومن المع ((روف أيض ((ا في نظري ((ة العلم أن ال ((دعوة إلى مطابق ((ة النظري ((ة للتجرب ((ة
مس((ألة متج((اوزة من((ذ م((ا ع((رف باتج((اه المواض((عة Conventionnalisme كم((ا يجس((ده
ه((نري بوانك((اري القائ((ل ب((أن التجرب((ة ليس((ت معي((ارا ص((ادقا للحكم بص((دق نس((ق علمي أو
ص(((حة ق(((انون علمي وأن دور التجرب(((ة ينحص(((ر في إرش(((ادنا إلى النس(((ق العلمي األك(((ثر
مالءمة[.]36
وتجدر اإلشارة إلى أن الدعوة إلى ضرورة مطابقة النظرية اللسانية للتجربة اللغة
العربية( يتردد بشكل الفت للنظر عند كث((ير من الب((احثين اللس((انيين الع((رب .من ه((ذا القبي((ل
ما يدعو إليه أحد الباحثين قائالً" :إن الوقت قد حان لتأصيل نظرية عربية تعالج قض((اياها
الك((برى من ال((داخل ف((إذا بحثن((ا آن((ذاك عن المنهج المالئم فيجب أن نطوع((ه وب((ذلك س((وف
نغ ((ني المنهج نفس ((ه ليص ((بح( ق ((ادرا على تن ((اول الظ ((واهر اللس ((انية ال ((تي يطرحه ((ا نظ ((ام
العربي((((((((((((ة ،وأرى ض((((((((((((رورة اعتم((((((((((((اد المنهج الت((((((((((((أليفي ال((((((((((((ذي ال يف((((((((((((رق بين
النظرية( والتطبيق"[.]37
وإنه لمن دواعي االستغراب واألس(ف أن يلغي ب(احث معين منهج(ا أو نظري(ة لس(انية
بكاملها بدعوى أن ه(ذا المنهج غ(ربي ،داعي(اً إلى منهج ال يف(رق بين النظري(ة والتط(بيق،
في ال((وقت ال((ذي ين((ادي في((ه ه((ذا الب((احث بتأص((يل نظري((ة عربي((ة وإ بع((اد المن((اهج اللس((انية
الغربية(.
-ما معنى تأصيل نظرية ما؟
-ما أبعاد عملية التأصيل منهجيا ونظريا؟
-هل هناك ما يبررها ابستمولوجيا؟
-م(ا مع(نى أن نق(ول عن علم اللغ(ة بأن(ه تفك(ير ن(ابع من واق(ع اللغ(ات الغربي(ة وليس من
واقع اللغة العربية؟"
إن المشكل ليس مشكل شخصية النموذج وليس مش(كل ج((ذور ه(ذا النم(وذج إذ يمكن
أن يك((ون النم((وذج عربي((ا أو غربي((ا ب((ل المش((كل يتمث((ل( في كفايت((ه ومالءمت (ه( لم((ا ي((رام
وص((فه… إن م((ا يجب أن نس((عى إلي((ه وه((ذا يخ((الف آراء المهتمين باللس((انيات في الع((الم
الع ((ربي ه ((و وص ((ف اللس ((ان الط ((بيعي أي وض ((ع نظري ((ة تع ((نى برص ((د خص ((ائص اللس ((ان
الط((بيعي ويتف((رغ عنه((ا أنح((اء خاص((ة ،أي أنح((اء تص((ف لغ((ات طبيعي((ة كاللغ((ة الفرنس((ية(
واللغة العربية .وليس من الضروري أن نسعى فقط إلى وض(ع نح(و خ(اص للغ((ة العربي(ة(.
وحتى على افتراض أننا استطعنا وضع نحو خ((اص باللغ((ة العربي((ة ،فإن((ه إذا ك(ان ال يع((نى
إال بوصف ظواهر هذه اللغة فلن يكون له قيمة عملية على اإلطالق"[ .]38
وقد أدى غياب هذا التوضيح( أو التباس((ه في أحس((ن األح((وال إلى إص((دار جمل((ة من
األحكام غير السليمة حول طبيعة البحث اللس(اني ،وت(رويج كث(ير من المغالط(ات المنهجي(ة
التي ال عالقة لها بواقع البحث اللساني والعلمي على حد سواء.
ومن بين هذه األحكام القول بطغيان نحو اللغة اإلنجليزية واللغات الهندية األوروبي((ة
وهيمنته((ا على التحلي((ل اللس((اني الع((ربي مم((ا أدى إلى اس((تنتاجات ليس في محله((ا ك((القول
مثالً بأن تطبيق النظريات اللسانية المعاص(رة على اللغ(ة العربي(ة يع(د بمثاب(ة إس(قاط لنح(و
اإلنجليزي(ة( على نح(و اللغ(ة العربي(ة .يق(ول أح(د الب(احثين" :إن النظري(ة التوليدي(ة لم تطب(ق
بع ((د على اللغ ((ة العربي ((ة بش ((كل مس ((تقل عن نظ ((ام اللغ ((ة اإلنجليزي ((ة ومن تم ك ((ان عملهم
محص ((وراً في ه ((ذه األمثل ((ة والبحث عم ((ا يقابله ((ا في العربي ((ة (،فج ((اءت تحليالتهم أنجل ((و
عربي ( ((ة تبتع ( ((د عن روح النظ ( ((ام اللغ ( ((وي الع ( ((ربي وال تش ( ((ير إال إلى مال ( ((ه م ( ((رادف في
اإلنجليزية"[.]39
أبحاث لسانية عربية( زاوجت بين البعدين العام والخاص
في األدبيات اللسانية العربية الحديثة على الرغم من قلتها العددية دراسات اس((تطاعت
أن تبين بشكل ملم((وس أن ال تع((ارض بين الع((ام والخ((اص في ال((درس اللس((اني .أدرك ع((دد
قليل جدا ًمن اللسانيين العرب بوعي متقدم جدا ًأهمية( العالقة الجدلية بين العام والخ((اص
فكانت أبحاثهم بمثابة محاوالت إيجابي(ة في تنمي(ة( البحث اللس(اني الع(ربي وتط(ويره ودعم
مكانته في خض((م التح((والت المعرفي((ة ال((تي عرفته((ا الثقاف((ة العربي((ة الحديث((ة .ه((ذا الموق((ف
المنهجي أو الفكري بصفة عامة تعكسه أبح(اث ال((رواد األوائ(ل من اللغ(ويين الع((رب أمث(ال
إبراهيم أنيس وعبد الرحمان أيوب وكم(ال بش(ر ومن ج(اء بع(دهم مث(ل تم(ام حس(ان وداود
عبده.
وأدرك الجي ((ل الجدي ((د من اللس ((انيين الع ((رب األبع ((اد النظري ((ة الهام ((ة لدراس ((ة اللغ ((ة
العربي(ة( من منظ((ور النظري((ات اللس((انية المعاص((رة فج((اءت أعم((الهم أك((ثر مردودي(ة( س((واء
بالنسبة إلى الدرس اللساني العام أو الدرس اللساني الخاص متجاوزة بذلك حدود الثقاف((ة
المحلية أسهمت في تنمية( المنظورين معا وتطويرهما.
في ه((ذا الس((ياق ن((ذكر أعم((ال الب((احثين عب((د الق((ادر الفاس((ي الفه((ري في إط((ار النح((و
التولي((دي وأعم((ال أحم((د المتوك((ل في إط((ار النح((و ال((وظيفي ،وهي أعم((ال اس((تطاعت أن
ت ((زاوج بكث(((ير من النج ((اح بين البع(((د الع(((ام والخ(((اص كم(((ا ن(((بين ذل ((ك من خالل األمثل ((ة
التالي( ((ة .يق( ((ول أحم( ((د المتوك( ((ل" :س( ((يمكننا عق( ((د الح( ((وار بين الفك( ((ر اللغ( ((وي الع( ((ربي
القديم والنحو الوظيفي فضال ًعن تمحيص مشروعيته من تحقيق هدفين اثنين :
-إغناء النح(و ال(وظيفي بتحليالت ومف((اهيم يس(تلزمها وص(ف الوظ(ائف الخمس في اللغ(ة
العربي ( (ة( خاص( ((ة دون أن يمس اف( ((تراض ه( ((ذه التحليالت والمف( ((اهيم بالمب( ((ادئ المنهجي( ((ة
المعتمدة في النحو الوظيفي وال بنية( النحو الـمقترح.
-تقديم مجموع(ة من األوص(اف المقترح(ة في النح(و الع(ربي أو البالغ(ة العربي(ة"[ ]40وفي
دراسة أخرى يقول المتوكل" :حاولنا في هذه المجموعة من الدراسات أن نشارف ه((دفين
اثنين إغناء لسانيات اللغة العربية( بتقديم أوصاف وظيفية لظواهر نعدها مركزي((ة بالنس((بة(
ل(دالليات وتركيب((ات وت((داوليات ه(ذه اللغ((ة وتطعيم النح(و ال(وظيفي كلم(ا مس(ت الحاج(ة إلى
ذلك بمفاهيم يقتضيها الوصف الكافي لهذه الظاهرة أو تلك"[.]41
َّد هذا الباحث جملة أخرى من النتائج التي انتهى( إليها في بحث((ه في أعمال أخرى عد َ
انطالقاً من واقع بنيات اللغة العربية النح((و الخ(اص ليق((ترح بع((د ذل(ك جمل((ة من التع(ديالت
على النظرية العامة التي هي نظرية( النحو الوظيفي .يق(ول أحم(د المتوك(ل" :باإلض(افة إلى
م((ا توص((لنا إلي((ه من نت((ائج تتعل((ق بخص((ائص ه((ذه األنم((اط من البني((ات في اللغ((ة العربي((ة
مكنتن((ا ه((ذه األبح((اث من إع((ادة النظ((ر في مجموع((ة من المف((اهيم والتحليالت ال((واردة في
النح ((و ال ((وظيفي فاس ((تدللنا على ورود إض ((افة الوظيف ((ة التداولي ((ة المن ((ادى والتمي ((يز( بين
بؤرتين( اثنتين بؤرة جديد و بؤرة مقابلة وعلى ورود إغن((اء البني(ة( الموقعي((ة ال((تي ت((ترتب(
المكون ((ات طبق((ا ًله((ا في الجم((ل الفعلي((ة بإض((افة م ((وقعين:الموق((ع الص((در م 0المخص ((ص
ألسماء االستفهام والمكونات المس((ندة إليه((ا إح((دى الوظيف((تين الت((داوليتين المح((ور وب((ؤرة
المقابلة والموقع م المتوسط بين موقعي الفعل والفاعل والذي يحتله المكون المحور[.]42
وقد أضاف أحم((د المتوك((ل أش((ياء هام((ة للنح((و ال((وظيفي ال((ذي يش((تغل في إط(اره ،من
ذل ((ك افتراض ((ه ب ((أن تض ((اف إلى الوظ ((ائف التداولي ((ة المقترح ((ة في إط ((ار النح ((و ال ((وظيفي
وظيف((ة المن((ادى[ ]43كم((ا اق((ترح المتوك((ل في إط((ار النح((و ال((وظيفي تم((ثيالً مالئم((ا ًللق((وتين
اإلنجازيتين( الحرفية والمس((تلزمة( حواري(اً وإ ض((افة قواع((د إدماجي((ة تع((ني بإدم((اج األدوات
العاطف((ة في مس((توى( البني((ة المكوني((ة حين يتعل((ق األم((ر بظ((روف ال((تراكيب العطفي((ة .وق((د
تبنى( ديك مؤسس النحو ال((وظيفي ع(دة اقتراح(ات مم(ا تق((دم ب((ه المتوك((ل وخاص((ة ض((رورة
التمثي(((ل للق(((وتين اإلنج(((ازيتين الحرفي(((ة والمس(((تلزمة( حواري(((ا ًفي بني(((ة النح(((و ال(((وظيفي
وبالجملة فقد أصبحت أعمال أحمد المتوكل التي تنطلق من اللغ((ة العربي((ة في إط((ار النح((و
الوظيفي مصدرا ًال يستغنى عنه عالميا.
تنطب( ((ق الس( ((مة ذاته( ((ا على أعم( ((ال عب( ((د الق( ((ادر الفاس( ((ي الفه( ((ري في إط( ((ار النح( ((و
التوليدي ،حيث تم الربط بين البع((دين الع(ام والخ(اص ربط(اً ج(دلياً أدى إلى إغنائهم((ا مع((ا
وتطويرهما نحو ما هو أشمل وأعمق.
في هذا السياق يمكن القول بأن الفاسي الفه((ري أس((هم في إب((راز خص((ائص اللغ((ة العربي((ة
من خالل محاوالت((ه الناجح((ة في تك((ييف فرض((يات النح((و التولي((دي وبني((ات اللغ((ة العربي((ة.
نق( ((رأ مثالً في اللس( ((انيات واللغ( ((ة العربي ( (ة( للفاس( ((ي الفه( ((ري م( ((ا يلي" :اعت( ((بر كرين( ((برك
Greenbergأن اللغة العربية من نمط :ف.فا.مف واعتبرت هذا أص((ل الرتب((ة ك((ذلك في
إطار التحليل التوليدي الذي قدمته( لهذه اللغة .إال أن شومسكي يكاد ينكر وجود لغات من
ه(ذا النم(ط"[" ]44ويعل(ق الفاس(ي الفه(ري على موق(ف شومس(كي( من مس(ألة الرتب(ة ه(ذه في
اللغة العربية قائالً يعتقد شومسكي أن القاعدة المقولية( )25التي يقترحها صالحة لجميع
اللغات إذا وضعنا جانبا ًمسألة الترتيب داخلها:
)25( ج م س ص ( ( ( ((رفة
مف
وب ((ذلك تك ((ون اللغ ((ات من نم ((ط فع ((ل ،فاع ((ل ،مفع ((ول غ ((ير موج ((ودة نظ ((راً إلى أن الفع ((ل
والمفعول يجب أن ينتظما في منظ((ور شومس((كي في م(ركب واح(د ه(و الم(ركب الفعلي ،إال
أن شومسكي( ال يستدل على هذا الموقف .وقد ح((اولت في أبح((اثي أن أثبت أن اللغ((ات من
هذا النمط موجودة ،وأن العربية ال يوجد فيها مركب فعلي[.]45
إن التحلي((ل التولي((دي ال(ذي اقترح(ه الفاس((ي الفه((ري ل(تراكيب الجمل((ة العربي(ة ب((الرغم
من تع((دد النم((اذج التوليدي((ة وتنوعه((ا أو اختالف طبيعته((ا يؤك((د في مجمل((ه على ض((رورة
اختص((ار قواع((د ال((تركيب الع((ربي في قواع((د قليل((ة س((ماتها األساس((ية الش((مولية والتعميم
والوضوح والدقة في الصياغة.
وتمت البرهنة( النظرية على أهمية( الربط بين قضايا نحوية وردت متفرق((ة في النح((و
الع ((ربي الق ((ديم ك ((الجمع بين االش ((تغال واالبت ((داء والتق ((ديم والت ((أخير والرب ((ط بين الجمل ((ة
الفعلي ((ة والجمل ((ة االس ((مية( والتوحي ((د بين الب ((نى ال ((تي اعت ((برت اس ((مية في النح ((و الع ((ربي
كالجمل الموصولة واالستفهامية.
إن في ه(ذا االف((تراض الع(ام ال(ذي يوح((د بين الجم(ل ال(تي اعت((برت اس((مية وتل(ك ال(تي
اعتبرت فعلية ،مما ينفي عن اللغة العربية أو اللغات التي توجد فيها جمل ب((دون فع((ل في
السطح كاللغة الروسية أن تكون لغات معقدة أو غير طبيعية[.]46
وعملت هذه التحليالت اللسانية الجديدة للغة العربي((ة على تص((حيح كث((ير من األحك((ام
المس ((بقة عن اللغ((ة العربي ((ة والمتعلق((ة بكونه((ا لغ((ة معق((دة أو لغ ((ة غ((ير طبيعي((ة .وي ((بين
الفحص ال ((دقيق ألعم ((ال الفاس ((ي التوليدي ((ة وأعم ((ال المتوك ((ل الوظيفي ((ة زي ((ف االدع ((اءات
القائلة بأن تطبيق اللسانيات على اللغة العربية( يفرض عليها قواعد خارجة عن طبيعتها.
يقول الفاسي الفهري" :إن نظرية القواعد المقولية التي نحتاج إليها ال بد وأن تض((ع مث((ل
ه((ذه القواع((د من بين القواع((د غ((ير الطبيعي (ة( Unaturel وغ((ير المرغ((وب فيه((ا ،ونحن
نرفض مثل هذه القاعدة في إطار االستراتيجية( البحث التي نتبناها وال((تي تجع((ل من اللغ((ة
العربية( لغة طبيعية من بين مثيالتها من اللغات الطبيعية( األخرى"[.]47
تل((ك أمثل((ة لبعض الكتاب((ات اللس((انية العربي((ة ال((تي اس((توعب أص((حابها ًطبيع((ة العالق((ة
المتالزم ((ة بين الع((ام والخ((اص في التحلي ((ل اللس((اني ،وه ((و م((ا يمكن أن يغ ((ني دون ش ((ك
الدرس اللساني والثقافة اللغوي(ة العربي(ة( بعي(داً عن ك(ل إس(قاط أو تقلي(د أعمى على عكس
ما يدعيه بعض الرافضين لتطبيق اللسانيات على اللغة العربية.
ومن المؤك((د أن ه((ذه األبح((اث اللس((انية ال((تي زاوجت بين الع((ام والخ((اص هي ال((دليل
الكافي لتفنيد ال((رأي القائ((ل بض((رورة البحث عن نظري((ة أص((يلة أو نظري((ة خاص((ة بالعربي(ة(
تنطلق من خصوصية العربية وتفردها .كما ت((بين األمثل((ة الس(ابقة أن(ه باإلمك(ان قي(ام بحث
لس((اني ع((ربي متق((دم ج((داً وف((ق أح((دث النظري((ات والنم((اذج اللس((انية( دون أن يك((ون هن((اك
تقليد أعمى أو اختصار أو مسخ أو تشويه للغة العربية.
ق((د ال نقب((ل ه((ذا التحاي((ل أو ذاك ألس((باب ذاتي((ة وموض((وعية( لكن المؤك((د أن التحالي((ل
الجديدة على الرغم من قلتها تفتح أمام الدرس اللساني العربي المعاصر آفاق (اً جدي((دة من
خالل طرح إشكاالت جديدة وتقديم مقترحات غنية( وبناءة بشأن وصف جديد للغة العربي((ة
أك((ثر عمق((ا وش((مولية وعقالني((ة وض((بطاً دون إخالل بطبيع((ة بنياته((ا ،وص((ف يس((تمد( طبع((ا
ًآلياته النظرية وأدواته المنهجية من اللسانيات العامة.
إن م((ا نطمح إلي((ه في مرحل((ة أولى ه((و الس((مو ب((البحث اللس((اني إلى مس((توى( ممنهج
ومواكب لتطور اللسانيات العامة بدالً من اإلبق((اء علي((ه في ط((ور التأم((ل الشخص((ي المب((ني
على التعصب الفكري أو التجاهل للمبادئ األساس في البحث العلمي الحديث.
الهوامش واإلحاالت: