Professional Documents
Culture Documents
مصادر المعرفة - السبيل
مصادر المعرفة - السبيل
ﻣﺼﺎدر اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ
أﺣﻤﺪ دﻋﺪوش
ﺗﻌﺮﯾﻔﺎت
اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ :ﻣﺼﻄﻠﺢ ﯾﺪل ﻋﻠﻰ إدراك ﺻﻮر اﻷﺷﯿﺎء أو ﺻﻔﺎﺗﮭﺎ أو إدراك اﻟﻤﻌﺎﻧﻲ اﻟﻤﺠﺮدة )ﻣﺜﻞ اﻟﺼﺪق واﻟﺤﺮﯾﺔ( ﺳﻮاء ﻛﺎن ﻟﮭﺎ وﺟﻮد ﻣﻮﺿﻮﻋﻲ أو ﻓﻲ اﻟﺬھﻦ ﻓﻘﻂ.
اﻟﻌﻠﻢ :ﺣﺴﺐ ﺗﻌﺮﯾﻒ أھﻞ اﻟﻤﻨﻄﻖ ھﻮ إدراك اﻟﺸﻲء أو اﻟﻤﻌﻨﻰ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ھﻮ ﻋﻠﯿﮫ ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ ،أي أﻧﮫ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ
اﻟﺼﺤﯿﺤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻄﺎﺑﻖ ﻓﯿﮫ اﻟﺼﻮرة اﻟﺬھﻨﯿﺔ ﻟﻠﺸﻲء ﻣﻊ واﻗﻊ ھﺬا اﻟﺸﻲء .أﻣﺎ “اﻟﻌﻠﻢ” ﺑﺎﻻﺻﻄﻼح اﻟﺸﺎﺋﻊ
اﻟﯿﻮم ﻓﮭﻮ ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻏﯿﺮ دﻗﯿﻘﺔ ﻟﻜﻠﻤﺔ scienceاﻟﺘﻲ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﻨﺘﺎﺋﺞ اﻟﻌﻠﻢ اﻟﺘﺠﺮﯾﺒﻲ ﻓﻘﻂ.
اﻟﺨﺒﺮة :Experienceھﻲ ﺗﺮاﻛﻢ اﻟﻤﻌﺎرف اﻟﺘﻲ ﯾﻜﺘﺴﺒﮭﺎ اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﮫ ﻋﺒﺮ ﻧﺸﺎطﮫ اﻟﺬاﺗﻲ وﺗﻔﺎﻋﻠﮫ
ﻣﻊ ﻋﻨﺎﺻﺮ اﻟﺒﯿﺌﺔ اﻟﻤﺤﯿﻄﺔ ﺑﮫ ،ﻓﮭﻲ ﻣﺠﻤﻮع اﻟﻤﻌﺎرف اﻟﻌﻤﻠﯿﺔ ﻟﻜﻞ ﻓﺮد ﻋﻠﻰ ﺣﺪة ،وﺗﻌﺪ ﻟﺪى اﻟﻤﺪرﺳﺔ
اﻟﺒﺮاﻏﻤﺎﺗﯿﺔ اﻟﻤﺼﺪر اﻷﺳﺎﺳﻲ ﻟﻠﻤﻌﺮﻓﺔ اﻹﻧﺴﺎﻧﯿﺔ.
اﻟﯿﻘﯿﻦ :ھﻮ اﻟﺠﺰم ﺑﺄن ﻣﻌﺮﻓﺔ اﻟﺸﺨﺺ ﻷﻣﺮ ﻣﺎ ھﻲ ﻣﻄﺎﺑﻘﺔ ﻟﻠﻮاﻗﻊ ﻗﻄﻌﺎ )أي ﻋﻠﻢ( ﻣﻊ وﺟﻮد اﻟﺪﻟﯿﻞ اﻟﻘﺎطﻊ
ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ .واﻟﯿﻘﯿﻦ ﯾﻮرث اﻟﻄﻤﺄﻧﯿﻨﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﻠﺐ ﻷﻧﮫ ﻻ ﯾﺤﺘﻤﻞ وﺟﻮد اﻟﻨﻘﯿﺾ ،وھﻮ ﻣﺎ طﻠﺒﮫ إﺑﺮاھﯿﻢ ﻋﻠﯿﮫ
اﻟﺴﻼم ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺎل }رب أرﻧﻲ ﻛﯿﻒ ﺗﺤﯿﻲ اﻟﻤﻮﺗﻰ ،ﻗﺎل أوﻟﻢ ﺗﺆﻣﻦ؟ ﻗﺎل ﺑﻠﻰ وﻟﻜﻦ ﻟﯿﻄﻤﺌﻦ ﻗﻠﺒﻲ{ ]اﻟﺒﻘﺮة.[260 :
اﻻﻋﺘﻘﺎد :ھﻮ اﻟﺠﺰم ﺑﺄن اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻣﻄﺎﺑﻘﺔ ﻟﻠﻮاﻗﻊ ﻗﻄﻌﺎ وﻟﻜﻦ دون ﺗﻘﺪﯾﻢ دﻟﯿﻞ ﻗﺎطﻊ ،وھﺬا ھﻮ “اﻹﯾﻤﺎن” .وﻓﻲ ﺣﺎل ﻛﻮن اﻻﻋﺘﻘﺎد ﺧﺎطﺌﺎ أﺻﻼ ﻓﮭﻮ “اﻋﺘﻘﺎد ﻓﺎﺳﺪ”،
وﻟﻜﻨﮫ ﻗﺪ ﯾﻜﻮن ﺻﺤﯿﺤﺎ ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻋﺪم ﺗﻘﺪﯾﻢ اﻟﺪﻟﯿﻞ.
اﻟﻈﻦ اﻟﺮاﺟﺢ :ھﻮ اﻟﺬي ﯾﻜﻮن أﻗﻞ وﺛﻮﻗﯿﺔ ﻣﻦ اﻟﯿﻘﯿﻦ ،ﻓﺘﺘﺮاوح ﻧﺴﺒﺔ اﻟﻮﺛﻮق ﻓﯿﮫ ﻣﺎ ﺑﯿﻦ %99و.%51
اﻟﺸﻚ :ھﻮ اﻟﺬي ﺗﺘﺴﺎوى ﻓﯿﮭﺎ اﻻﺣﺘﻤﺎﻻت ﺗﺴﺎوﯾﺎ ً ﺗﺎﻣﺎً ،ﻓﻼ ﯾﻜﻮن ﻟﺒﻌﻀﮭﺎ رﺟﺤﺎن ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ ،وﺗﻜﻮن ﻧﺴﺒﺔ اﻟﻮﺛﻮق ﻓﯿﮫ
.%50
اﻟﻈﻦ اﻟﻤﺮﺟﻮح :ھﻮ اﻟﻈﻦ اﻟﻮھﻤﻲ ،وﯾﺴﻤﻰ “وھﻤﺎً” ،وھﻮ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻧﺴﺒﺔ اﻟﻮﺛﻮق ﻓﯿﮫ أﻗﻞ ﻣﻦ ،%50وإذا وﺻﻠﺖ اﻟﻨﺴﺒﺔ
إﻟﻰ اﻟﺼﻔﺮ ﻓﮭﻮ ﺑﺎطﻞ ﺑﯿﻘﯿﻦ.
رﺑﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﺴﻔﺴﻄﺎﺋﯿﻮن ﻓﻲ اﻟﯿﻮﻧﺎن ھﻢ أول ﻣﻦ ﺷﻜﻚ ﻓﻲ إﻣﻜﺎﻧﯿﺔ ﺗﺤﺼﯿﻞ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ،وﻛﺎﻧﻮا ﻋﻠﻰ ﺛﻼﺛﺔ آراء ،ھﻲ:
-1اﻟﻼأدرﯾﺔ :ھﻢ اﻟﺬﯾﻦ ﯾﺸ ّﻜﻮن ﻓﻲ إﻣﻜﺎﻧﯿﺔ ﻣﻌﺮﻓﺔ وﺟﻮد اﻷﺷﯿﺎء وﺧﻮاﺻﮭﺎ ،ﻓﮭﻢ ﯾﻌﺘﺒﺮون أن اﻟﺘﻮﺻﻞ إﻟﻰ اﻟﯿﻘﯿﻦ أﻣﺮ ﻣﺴﺘﺤﯿﻞ وﯾﻘﺪﺣﻮن ﻓﻲ ﻛﻮن اﻟﺤﻮاس واﻟﻌﻘﻞ
ﻣﺼﺎدر ﻣﻮﺛﻮﻗﺔ ﻟﻠﻤﻌﺮﻓﺔ ،وھﻜﺬا ﯾﻤﺘﻨﻌﻮن ﻋﻦ اﻟﺠﺰم ﺑﺄي ﺷﻲء.
-2اﻟﻌِﻨﺎدﯾﺔ :ھﻢ اﻟﺬﯾﻦ ﯾﻘﻮﻟﻮن إن أي ﻗﻀﯿﺔ ﺑﺪﯾﮭﯿﺔ أو ﻧﻈﺮﯾﺔ ﻻ ﺑﺪ أن ﯾﻜﻮن ھﻨﺎك ﻣﺎ ﯾﻌﺎرﺿﮭﺎ ،ﻓﯿﺠﺰﻣﻮن ﺑﺄﻧﮫ ﻻ ﺗﻮﺟﺪ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﻓﻲ اﻟﻜﻮن.
-3اﻟﻌِﻨﺪﯾﺔ :ھﻢ اﻟﺬﯾﻦ أﻧﻜﺮوا ﺣﻘﺎﺋﻖ اﻷﺷﯿﺎء ،وزﻋﻤﻮا أﻧﮫ ﻻ ﺗﻮﺟﺪ ﺣﻘﯿﻘﺔ ﻣﻮﺿﻮﻋﯿﺔ ،ﻓﻤﺎ ﯾﺮاه أي ﺷﺨﺺ ﻣﻮﺟﻮدا ً ﻓﮭﻮ ﻋﻨﺪه ﻣﻮﺟﻮد ،وﻻ ﯾﺼﺒﺢ ﻣﻮﺟﻮدا ﻋﻨﺪ ﻏﯿﺮه
ﺣﺘﻰ ﯾﺮاه ﻛﺬﻟﻚ ،ﻓﺎﻟﻮﺟﻮد واﻟﻌﺪم واﻟﺤﻖ واﻟﺒﺎطﻞ واﻟﻤﻌﺎﯾﯿﺮ ﻛﻠﮭﺎ ﻧﺴﺒﯿﺔ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﻜﻞ ﺷﺨﺺ ﻋﻠﻰ ﺣﺪة ،وھﻮ ﻣﺎ ﯾﻠﺨﺼﮫ ﺑﺮوﺗﺎﻏﻮراس ﺑﻘﻮﻟﮫ “اﻹﻧﺴﺎن ھﻮ ﻣﻌﯿﺎر ﻛﻞ
ﺷﻲء”.
ﯾﻌﺪ اﻟﻔﯿﻠﺴﻮف ﺑﯿﺮون ﻣﻦ أﺷﮭﺮ اﻟﺸﻜﺎك ﻓﻲ اﻟﻘﺮﻧﯿﻦ اﻟﺮاﺑﻊ واﻟﺜﺎﻟﺚ ﻗﺒﻞ اﻟﻤﯿﻼد ،ﻓﻘﺪ رﺣﻞ ﻣﻊ ﺟﯿﺶ اﻹﺳﻜﻨﺪر اﻟﻜﺒﯿﺮ إﻟﻰ اﻟﮭﻨﺪ ،وﺗﻠﻘﻰ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ھﻨﺎك ﻋﻠﻰ ﯾﺪ طﺎﺋﻔﺔ ﻣﻦ
اﻟﮭﻨﺪوس ﺗﺴﻤﻰ “اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ اﻟﻌﺮاة” ،اﻟﺬﯾﻦ ﻣﺎ زال ﻟﮭﻢ وﺟﻮد ﺣﺘﻰ اﻟﯿﻮم ﻓﻲ اﻟﮭﻨﺪ وھﻢ ﻻ ﯾﺮﺗﺪون أي ﻣﻼﺑﺲ ﺗﺴﺘﺮ ﻋﻮراﺗﮭﻢ ،وﯾُﻌﺘﻘﺪ أﻧﮫ أﺧﺬ ﻋﻨﮭﻢ ﺑﻌﺾ آراﺋﮭﻢ ﻋﻦ
اﻟﺘﺸﻜﻚ ﺛﻢ ﻧﻘﻠﮭﺎ إﻟﻰ اﻟﯿﻮﻧﺎن.
رأى ﺑﯿﺮون أن ﺟﻤﯿﻊ اﻷدﯾﺎن واﻷﺳﺎطﯿﺮ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﮫ ﻏﯿﺮ ﻣﻘﻨﻌﺔ ،ﻓﻘﺮر ﺑﺬﻟﻚ أن اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ﻻ ﯾﻤﻜﻦ اﻟﻮﺻﻮل إﻟﯿﮭﺎ وأﻧﮫ ﯾﻨﺒﻐﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﯿﻠﺴﻮف أن ﯾﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﻄﻤﺄﻧﯿﻨﺔ ﻻ
اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ،وﻛﻲ ﻻ ﯾﺒﻘﻰ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﻼ ﻋﻘﯿﺪة ﻧﺼﺢ أﺗﺒﺎﻋﮫ ﺑﺄن ﯾﻘﺒﻠﻮا اﻷﺳﺎطﯿﺮ اﻟﺴﺎﺋﺪة ﻓﻲ ﺑﻼدھﻢ وزﻣﺎﻧﮭﻢ دون اﻛﺘﺮاث ﻟﻤﺪى ﺻﺤﺘﮭﺎ.
اﻧﺘﮭﻰ اﻷﻣﺮ ﺑﻔﻠﺴﻔﺔ ﺑﯿﺮون إﻟﻰ اﻟﺴﻠﺒﯿﺔ ،ﺣﯿﺚ ﻗﺮر أن أﻓﻀﻞ ﻣﺎ ﯾﻔﻌﻠﮫ اﻹﻧﺴﺎن ھﻮ أن ﯾﻘﺒﻞ اﻟﺤﯿﺎة ﻛﻤﺎ ھﻲ دون أن ﯾﺤﺎول إﺻﻼح اﻟﻌﺎﻟﻢ ،وﺣﺘﻰ دون أن ﯾﺒﺬل ﺟﮭﺪا ﻓﻲ
ﺗﺠﻨﺐ اﻷﺧﻄﺎر وﻣﻌﺎﻟﺠﺔ اﻷﻣﺮاض.
وﻣﻊ أن اﻟﻨﺰﻋﺔ اﻟﺸﻜﯿﺔ اﻧﺘﺸﺮت ﻓﻲ اﻟﯿﻮﻧﺎن وﻛﺎدت أن ﺗﺨﺮب اﻟﻌﻘﻮل إﻻ أن اﻟﻔﯿﻠﺴﻮف ﺳﻘﺮاط ﺗﻤﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﺮد ﻋﻠﯿﮭﻢ وﺗﺴﺨﯿﻒ ﻣﻨﮭﺠﮭﻢ ،ﺛﻢ ﺗﺼﺪى ﻟﮭﻢ ﻣﻦ ﺑﻌﺪه
أﻓﻼطﻮن وأرﺳﻄﻮ ،ﻓﺄﻧﻘﺬوا ﺑﻼدھﻢ ﻣﻦ اﻟﺴﻘﻮط ﻓﻲ اﻟﻌﺪﻣﯿﺔ ،إذ ﯾﻤﻜﻨﻨﺎ أن ﻧﺘﺨﯿﻞ ﻣﺼﯿﺮ أي ﻣﺠﺘﻤﻊ ﯾﻨﺘﺸﺮ ﻓﯿﮫ ھﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﺸﻚ اﻟﺬي ﯾﻨﻔﻲ اﻟﯿﻘﯿﻦ وﯾﺠﻌﻞ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ
/https://al-sabeel.net 1/15ﻣﺻﺎدر-اﻟﻣﻌرﻓﺔprint=print?/
2020/5/12 ﻣﺻﺎدر اﻟﻣﻌرﻓﺔ -اﻟﺳﺑﯾل
أﻣﺮا ﻣﺴﺘﺤﯿﻼ ،ﺑﻞ وﯾﺘﺮك ﻣﻌﯿﺎر اﻟﺤﻜﻢ ﻋﻠﻰ اﻷﺧﻼق واﻟﻤﻌﺎرف إﻟﻰ اﻟﻔﺮد ذاﺗﮫ ﺑﻨﺴﺒﯿﺔ ﻣﻄﻠﻘﺔ.
اﻟﺴﻔﺴﻄﺎﺋﯿﺔ “”sophism
ھﻲ ﺣﺮﻛﺔ ﻓﻜﺮﯾﺔ اﻧﺘﺸﺮت ﻓﻲ اﻟﯿﻮﻧﺎن ،وﺗﺤﺪﯾﺪا ﻓﻲ ﻣﺪﯾﻨﺔ أﺛﯿﻨﺎ ،ﺧﻼل اﻟﻨﺼﻒ اﻷﺧﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻗﺒﻞ اﻟﻤﯿﻼد،
واﺷﺘﮭﺮت ﺑﻨﻘﻞ اھﺘﻤﺎﻣﺎت اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﺄﻣﻞ ﻓﻲ اﻟﻘﻮاﻧﯿﻦ اﻟﻄﺒﯿﻌﯿﺔ واﻟﻜﻮﻧﯿﺔ إﻟﻰ ﺷﺆون اﻹﻧﺴﺎن اﻷﺧﻼﻗﯿﺔ واﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ ،ﺣﯿﺚ
ﻛﺎن اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻮﺿﻊ اھﺘﻤﺎم اﻷدﺑﺎء وﻟﯿﺲ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ،وﺗﺰاﻣﻦ ذﻟﻚ ﻣﻊ ﻗﯿﺎم ﺣﺮوب داﻣﯿﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﯿﻮﻧﺎن واﻟﻔﺮس وﺑﯿﻦ أﺛﯿﻨﺎ
وإﺳﺒﺮطﺔ ،وﺗﺰﻋﺰع اﻟﺤﻜﻢ اﻟﺪﯾﻤﻘﺮاطﻲ اﻷﺛﯿﻨﻲ ،وﺗﺴﻠﻂ اﻷرﺳﺘﻘﺮاطﯿﯿﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻜﻢ ﻣﻤﺎ ﺟﻌﻞ اﻷﺧﻼق واﻟﺴﯿﺎﺳﺔ وﺣﻘﻮق
اﻟﻨﺎس ھﻲ اﻟﻘﻀﺎﯾﺎ اﻟﻤﺼﯿﺮﯾﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﺤﻖ اھﺘﻤﺎم اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ.
ھﻨﺎ ظﮭﺮ ﻓﻼﺳﻔﺔ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ اﻟﺴﻔﺴﻄﺎﺋﯿﺔ ،وﻋﻠﻰ رأﺳﮭﺎ “ﺑﺮوﺗﺎﻏﻮراس” و”ﻏﻮرﺟﯿﺎس” ،اﻟﺬﯾﻦ ﺳﺨِ ﺮوا ﻣﻦ اﻻھﺘﻤﺎم
ﺑﺎﻟﻘﻀﺎﯾﺎ اﻟﻤﯿﺘﺎﻓﯿﺰﯾﻘﯿﺔ )اﻟﺪﯾﻨﯿﺔ واﻷﺳﻄﻮرﯾﺔ( ورﻛﺰوا اھﺘﻤﺎﻣﮭﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ واﻟﻔﺼﺎﺣﺔ واﻟﻨﺠﺎح اﻟﺪﻧﯿﻮي ،وأﺻﺒﺢ ﻣﻌﯿﺎر
اﻟﺤﻖ واﻟﻌﺪل ﻟﺪﯾﮭﻢ ﻣﺮﺗﺒﻂ ﺑﻤﺪى ﻗﺪرة اﻹﻧﺴﺎن ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻨﺎظﺮة واﻟﺠﺪل واﻟﻤﻮاھﺐ اﻟﺨﻄﺎﺑﯿﺔ ﻓﻲ إﻗﻨﺎع اﻟﺠﻤﺎھﯿﺮ.
ﺑﯿﺮون ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎدس ﻋﺸﺮ ،أﻋﺎد اﻟﻔﯿﻠﺴﻮف اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ﻣﯿﺸﯿﻞ دي ﻣﻮﻧﺘﯿﻦ إﺣﯿﺎء
ﻣﺬھﺐ اﻟﺸﻚ ،وﻛﺎن ﻟﮫ أﺛﺮ ﻛﺒﯿﺮ ﻓﻲ إدﺧﺎل اﻟﺸﻚ ﻓﻲ ﻓﻜﺮ اﻟﺤﺪاﺛﺔ ،ﺣﯿﺚ ﺗﺄﺛﺮ ﺑﮫ
طﻮر اﻟﻔﯿﻠﺴﻮف
ﺑﻌﺾ اﻟﻤﻔﻜﺮﯾﻦ اﻟﺬﯾﻦ اﻧﺘﮭﻰ ﺑﮭﻢ اﻟﺤﺎل إﻟﻰ اﻟﻌﺪﻣﯿﺔ ،ﺛﻢ ّ
اﻷﺳﻜﺘﻠﻨﺪي دﯾﻔﯿﺪ ھﯿﻮم )ﺗﻮﻓﻲ ﻋﺎم 1777م( ﻓﻜﺮة اﻟﺸﻚ وﻗﺎل إن اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻟﯿﺴﺖ
ﻣﺆﻛﺪة ﺑﻞ ﻣﺒﻨﯿﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﺼﻮر اﻹﻧﺴﺎن وإدراﻛﮫ ﻟﻸﺷﯿﺎء.
اﺳﺘﺒﻌﺪ ھﯿﻮم ﻣﻔﮭﻮم اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﻔﻄﺮﯾﺔ واﻟﻤﺒﺎدئ اﻟﻌﻘﻠﯿﺔ )اﻟﺒﺪﯾﮭﯿﺎت( وزﻋﻢ أﻧﮭﺎ
ﻣﻜﺘﺴﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﺎدة واﻟﺘﺠﺮﺑﺔ وﻟﯿﺴﺖ ﻓﻄﺮﯾﺔ ،ﻛﻤﺎ أﻧﻜﺮ اﻟﺮاﺑﻄﺔ اﻟﻀﺮورﯾﺔ ﺑﯿﻦ
اﻟﺴﺒﺐ واﻟﻤﺴﺒﺐ )اﻟﺴﺒﺒﯿﺔ( وﺣﻮﻟﮭﺎ إﻟﻰ راﺑﻄﺔ ظﺎھﺮﯾﺔ ﻧﺎﺗﺠﺔ ﻋﻦ اﻷﻟﻔﺔ واﻟﻌﺎدة،
ﻓﯿﻘﻮل ﻣﺜﻼ إﻧﻨﺎ ﻧﻌﺘﻘﺪ ﺑﺄن ﻗﻄﻌﺔ اﻟﻔﺤﻢ ﺗﺸﺘﻌﻞ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗُﻠﻘﻰ ﻓﻲ اﻟﻨﺎر ﻷﻧﻨﺎ اﻋﺘﺪﻧﺎ
ﻋﻠﻰ رؤﯾﺔ ذﻟﻚ ﻛﻠﻤﺎ ﺟﺮﺑﻨﺎه ،وﻟﻜﻦ ﻣﺎ اﻟﺬي ﯾﻀﻤﻦ ﻟﻨﺎ أن اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﺳﺘﻨﺠﺢ ﻓﻲ
اﻟﻤﺮة اﻟﺘﺎﻟﯿﺔ؟
ﻣﯿﺸﯿﻞ دي ﻣﻮﻧﺘﯿﻦ
وﻣﻦ اﻟﻮاﺿﺢ أن ﻧﻔﻲ اﻟﺴﺒﺒﯿﺔ ﯾﻌﻨﻲ اﻟﺴﻘﻮط ﻓﻲ ﻧﺴﺒﯿﺔ ﻣﻄﻠﻘﺔ واﺳﺘﺤﺎﻟﺔ اﻟﻮﺻﻮل
إﻟﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺣﻘﯿﻘﯿﺔ أو ﯾﻘﯿﻨﯿﺔ ،ﻣﺎ دﻓﻊ ﺑﻌﺪد ﻣﻦ ﻛﺒﺎر اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻟﻠﺮد ﻋﻠﻰ ھﯿﻮم،
وﻋﻠﻰ رأﺳﮭﻢ اﻷﻟﻤﺎﻧﻲ إﯾﻤﺎﻧﻮﯾﻞ ﻛﺎﻧﻂ )ﺗﻮﻓﻲ ﻋﺎم 1804م( اﻟﺬي ﯾُﻌﺘﺒﺮ اﻟﯿﻮم ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ اﻟﻤﻨﻘﺬ ﻟﻠﻌﻘﻞ اﻟﻐﺮﺑﻲ ﻣﻦ اﻟﺴﻘﻮط ﻓﻲ اﻟﺸﻚ اﻟﻌﺪﻣﻲ.
وﻓﻲ ﻣﻨﺎﻗﺸﺔ طﻮﯾﻠﺔ وﻣﻌﻘﺪة ،أﻗﺎم ﻛﺎﻧﻂ ﺣﺠﺘﮫ ﻋﻠﻰ أن ﺷﻜﯿﺔ ھﯿﻮم ﻟﻦ ﺗﺆدي إﻟﻰ اﻟﺸﻚ ﻓﻲ ﻗﯿﺎم ﻋﺎﻟﻢ ﻣﻮﺿﻮﻋﻲ ﺑﻞ إﻟﻰ زﻋﺰﻋﺔ اﻋﺘﻘﺎدﻧﺎ ﺑﻀﺮورة اﻟﺴﺒﺒﯿﺔ ﻓﻘﻂ ،ﻓﯿﻨﺒﻐﻲ
أن ﻧﻨﻄﻠﻖ ﻣﻦ ﻣﺴﻠّﻤﺔ ﺑﻮﺟﻮد ﺗﻌﺎﻗﺐ ﻣﻮﺿﻮﻋﻲ ﺑﯿﻦ اﻟﺤﻮادث ﻣﺴﺘﻘﻼ ﻋﻦ إدراﻛﺎﺗﻨﺎ اﻟﺤﺴﯿﺔ ،ﺛﻢ ﻧﺴﺄل :ﻛﯿﻒ ﻧﻤﯿﺰ ﺑﯿﻦ اﻟﺘﻌﺎﻗﺐ ﻓﻲ أﻓﻜﺎرﻧﺎ واﻟﺘﻌﺎﻗﺐ ﻓﻲ اﻟﺤﻮادث
اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﯿﺔ؟
-1رﻛﺰ اﻟﺸﻜﺎك طﻌﻨﮭﻢ ﻓﻲ اﻟﺤﻮاس ﻛﻤﺼﺪر وﺣﯿﺪ ﻟﻠﻤﻌﺮﻓﺔ وأﻧﮭﺎ أﺳﺎس اﻟﺒﺪﯾﮭﯿﺎت ،وﻗﺪ رد ﻋﻠﯿﮭﻢ أﻓﻼطﻮن ﺑﺄن أﺧﻄﺎء اﻟﺤﻮاس ﻻ ﯾﺼﺢ اﻹﺳﺘﻨﺎد إﻟﯿﮭﺎ ﻓﻲ إﻧﻜﺎر اﻟﻌﻠﻢ
ﻷﻧﮫ ﯾﻤﻜﻦ ﺗﺼﺤﯿﺤﮭﺎ ،ﺳﻮاء ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام ﺣﺎﺳﺔ أﺧﺮى أو ﺑﺎﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﻣﻊ اﻟﻌﻘﻞ واﻟﺒﺮھﺎن .ﻛﻤﺎ أﻧﮫ ﻣﻦ اﻟﻤﻤﻜﻦ ﺟﺪا ﺗﺼﺤﯿﺢ أﺧﻄﺎء اﻟﺤﻮاس واﻟﺘﻤﯿﯿﺰ ﺑﯿﻦ ﺣﻮاس ﻛﻞ ﺷﺨﺺ
ﻋﻠﻰ ﺣﺪة ﺑﻤﻨﮭﺞ ﻋﻘﻠﻲ ﺳﻠﯿﻢ ﺗﻤﺤﺺ ﻓﯿﮫ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ،ﻓﻤﺎ ﺗﻘﺪﻣﮫ اﻟﺤﻮاس اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﻗﺪ ﺗﻜﻮن ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ وﻟﻜﻨﮭﺎ ﻟﯿﺴﺖ ﻣﺘﻨﺎﻗﻀﺔ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﯾﺰﻋﻢ اﻟﺸﻜﺎك أﻧﮭﺎ ﻣﺘﻨﺎﻗﻀﺔ.
-2اﺧﺘﻼف اﻵراء ﺟﺎﺋﺰ وﻟﻜﻦ اﺗﻔﺎق اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ أﻣﻮر أﺳﺎﺳﯿﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﺪﯾﮭﯿﺎت واﻟﻤﺴﻠﻤﺎت اﻟﻤﻌﻘﻮﻟﺔ واﻟﻤﺒﺎدىء ﻟﯿﺲ ﻣﺴﺘﺤﯿﻼ ،ﻣﺜﻞ اﻻﺗﻔﺎق ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻀﺎﺋﻞ اﻷﺧﻼﻗﯿﺔ
واﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﺮﯾﺎﺿﯿﺔ.
-3ھﻨﺎك ﻗﻀﺎﯾﺎ ﺗﺘﻀﺢ ﺻﺤﺘﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﻘﻞ ﺑﻤﺠﺮد ﺗﺼﻮرھﺎ ﺑﺪون ﺑﺮھﺎن ،وھﻲ ﻗﻀﺎﯾﺎ ﺑﺪﯾﮭﯿﺔ أوﻟﯿﺔ وﻣﻄﻠﻘﺔ ،ﻓﻤﻦ ذا اﻟﺬي ﻻ ﯾﺼﺪق أن اﻟﻜﻞ أﻛﺒﺮ ﻣﻦ اﻟﺠﺰء؟ وﻣﻦ
اﻟﺬي ﯾﻄﻠﺐ دﻟﯿﻼ ﻋﻠﯿﮫ؟
أﻣﺎ اﻟﺸﻚ اﻟﻤﻄﻠﻖ اﻟﺬي ﯾﻨﻔﻲ إﻣﻜﺎﻧﯿﺔ اﻟﺘﻌﺮف ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ﻧﮭﺎﺋﯿﺎ ،ﻓﯿﺮدّ ﻋﻠﯿﮫ اﻟﺪﻛﺘﻮر اﻟﻜﺮدي ﺑﻤﺎ ﯾﻠﻲ:
-1إذا أراد اﻟﺸﺎك إﺛﺒﺎت ﻣﺬھﺒﮫ واﻟﺒﺮھﻨﺔ ﻋﻠﻰ ﺻﺤﺔ ﻗﻮﻟﮫ ﻓﮭﺬا ﯾﺘﻄﻠﺐ ﻣﻨﮫ اﻻﻋﺘﺮاف ﺑﺄﻧﮫ ﯾﺴﺘﻄﯿﻊ أن ﯾﻌﻠﻢ ﺷﯿﺌﺎ ﻋﻠﻤﺎ ﯾﻘﯿﻨﯿﺎ ،وھﺬا ﯾﻨﺎﻗﺾ دﻋﻮاه ﺑﺎﻣﺘﻨﺎع اﻟﯿﻘﯿﻦ.
-2اﻟﺸﺎك إﻣﺎ أن ﯾﻌﻠﻢ وﺟﻮب اﻟﺸﻚ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲء وھﺬا ﯾﻌﻨﻲ أﻧﮫ ﯾﻌﻠﻢ ﻋﻠﻤﺎ ﯾﻘﯿﻨﯿﺎ ﺑﺄﻧﮫ ﯾﻨﺒﻐﻲ أن ﯾﺸﻚ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲء ،وﯾﻌﻠﻢ ﻣﻦ ﺛﻢ ﻋﻠﻤﺎ ﯾﻘﯿﻨﯿﺎ ﺑﺄﻧﮫ ﻻ ﯾﻨﺒﻐﻲ اﻟﺸﻚ ﻓﻲ ﻛﻞ
ﺷﻲء ،وإﻣﺎ أن ﯾﻌﻠﻢ ﻋﻠﻤﺎ ﯾﻘﯿﻨﯿﺎ ً أن ﻣﺬھﺒﮫ راﺟﺢ ﻓﻘﻂ ،ﻓﻠﺪﯾﮫ ﻣﺮﺟﺢ ﯾﺄﺧﺬ ﺑﮫ .وإﻣﺎ أن ﯾﻌﺘﺮف ﺑﺄﻧﮫ ﻻ ﯾﻌﻠﻢ ﻋﻠﻤﺎ ﯾﻘﯿﻨﯿﺎ وﻻ راﺟﺤﺎ وﺣﯿﻨﺌﺬ ﻓﮭﻮ ﻻ ﯾﻀﻊ اﻟﺸﻚ ﻛﻤﺬھﺐ وﯾﻘﺮ
ﺑﺎﻟﻌﺠﺰ.
-3اﻟﺸﻚ ﻧﻔﺴﮫ ﯾﺘﻀﻤﻦ ﺛﻼث ﺑﺪﯾﮭﯿﺎت ﯾﺄﺑﻰ اﻟﻌﻘﻞ اﻟﺸﻚ ﻓﯿﮭﺎ ،وھﻲ :وﺟﻮد اﻟﺬات اﻟﻤﻔﻜﺮة )ذات اﻟﺸﺨﺺ اﻟﺸﺎك ﻧﻔﺴﮫ ﻓﮭﻮ ﯾﻌﻠﻢ ﯾﻘﯿﻨﺎ أﻧﮫ ﻣﻮﺟﻮد وﯾﻔﻜﺮ( ،وﻋﺪم ﺟﻮاز
اﻟﺘﻨﺎﻗﺾ )ﻷﻧﮫ ﯾﻌﻠﻢ ﻣﺎ اﻟﺸﻚ وﻣﺎ اﻟﻌﻠﻢ وﻣﺎ اﻟﺠﮭﻞ وﻣﺎ اﻟﯿﻘﯿﻦ وﻣﺎ اﻹﻧﺴﺎن… إﻟﺦ ،ﻓﮭﻮ ﯾﻘﺮ أن اﻟﯿﻘﯿﻦ ﻏﯿﺮ اﻟﺸﻚ وأﻧﮫ ﻣﻦ ﻏﯿﺮ اﻟﻤﺴﺘﻄﺎع أن ﯾﺠﻤﻊ ﺑﯿﻦ اﻹﺛﺒﺎت واﻟﻨﻔﻲ
ﻣﻌﺎ( ،وﻛﻔﺎﯾﺔ اﻟﻌﻘﻞ ﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ )ﻓﮭﻮ ﯾﻌﻮل ﻋﻠﻰ ﻋﻘﻠﮫ ﻓﻲ طﺮح ﻣﺬھﺒﮫ(.
/https://al-sabeel.net 2/15ﻣﺻﺎدر-اﻟﻣﻌرﻓﺔprint=print?/
2020/5/12 ﻣﺻﺎدر اﻟﻣﻌرﻓﺔ -اﻟﺳﺑﯾل
ﯾﻘﻮل اﻟﻔﯿﻠﺴﻮف اﻟﻨﻤﺴﺎوي ﻟﻮدﻓﯿﻎ ﻓﺘﻐﻨﺸﺘﺎﯾﻦ إن اﻟﺸﻚ ﯾﺴﺘﻠﺰم ﻣﺮﺟﻌﺎً ،ﻣﺎ ﯾﻌﻨﻲ أن اﻟﺸﻚ اﻟﻤﻄﻠﻖ ﻟﻐﻮ ،ﻓﮭﻮ اﺳﺘﺨﺪام ﺧﺎطﺊ ﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﺸﻚ اﻟﺘﻲ
ﯾﺴﺘﺨﺪﻣﮭﺎ اﻟﺸﺨﺺ اﻟﻌﺎدي ﻋﻨﺪ اﻟﻤﻘﺎرﻧﺔ ﻣﻊ اﻟﯿﻘﯿﻦ .وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎن ﯾﺘﺤﺪث ھﯿﻮم ﻋﻦ اﻟﺸﻚ ﻣﺴﺘﺨﻔﺎ ً ﺑﻮﺟﻮد اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻤﺎدي وﺑﺎﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻹﻧﺴﺎﻧﯿﺔ
ﻓﮭﻮ ﻟﻢ ﯾﻨﺘﺒﮫ إﻟﻰ أﻧﮫ ﻗﺪ ﺗﻌﻠّﻢ اﻟﺸﻚ ﻧﻔﺴﮫ ﻣﻦ ﻟﻐﺔ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻌﺎدي ،وﻛﺎن ﻋﻠﯿﮫ أن ﯾﺴﺘﺨﺪم ﻟﻐﺔ أﺧﺮى ﺧﺎﺻﺔ ﻻ ﯾﻔﮭﻤﮭﺎ إﻻ ھﻮ ﺑﻨﺎء ﻋﻠﻰ
ﻣﻔﮭﻮﻣﮫ اﻟﻤﻄﻠﻖ ﻟﻠﺸﻚ.
اﻟﺸﻚ اﻟﻤﻨﮭﺠﻲ
إذا ﻛﺎن اﻟﺸﻚ اﻟﻔﻠﺴﻔﻲ -اﻟﺬي ﺗﺤﺪﺛﻨﺎ ﻋﻨﮫ أﻋﻼه -ﻣﺬھﺒﺎ ﻣﺴﺘﻘﻼ ﯾﻘﻮم ﻋﻠﻰ إﻧﻜﺎر اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻓﺈن اﻟﺸﻚ اﻟﻤﻨﮭﺠﻲ ﯾﺠﻌﻞ ﻣﻦ اﻟﺸﻚ ﻣﺠﺮد وﺳﯿﻠﺔ
ﻟﻮدﻓﯿﻎ ﻓﺘﻐﻨﺸﺘﺎﯾﻦ ﻟﻠﻮﺻﻮل إﻟﻰ اﻟﯿﻘﯿﻦ ،وﯾﺘﻄﻠﺐ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﺒﺎﺣﺚ أن ﯾﺠﺮد ﻋﻘﻠﮫ ﻋﻦ ﻛﻞ اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت واﻷﻓﻜﺎر واﻟﻤﻌﺎرف ،وﯾﻨﻄﻠﻖ ﺗﺪرﯾﺠﯿﺎ ﺑﺎﻟﺘﺄﻣﻞ واﻟﺘﻔﻜﯿﺮ
ﻧﺤﻮ اﻛﺘﺴﺎب اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﻤﺠﺮدة.
أوﺻﻰ أرﺳﻄﻮ )ﺗﻮﻓﻲ ﻋﺎم 322ق.م( ﻓﻲ وﻗﺖ ﻣﺒﻜﺮ ﺑﻀﺮورة اﻟﺸﻚ اﻟﻤﻨﮭﺠﻲ ،وﻗﺎل إن ھﻨﺎك ﻋﻼﻗﺔ ﺿﺮورﯾﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﺸﻚ
واﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﺼﺤﯿﺤﺔ ،ﻷن اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻘﺐ اﻟﺸﻚ أﻗﺮب إﻟﻰ اﻟﺼﻮاب.
ﻛﺎن أﺑﻮ ﺣﺎﻣﺪ اﻟﻐﺰاﻟﻲ )ﺣﺠﺔ اﻹﺳﻼم اﻟﻤﺘﻮﻓﻰ ﻋﺎم 1111م( أﯾﻀﺎ ﻣﻦ رواد ھﺬا اﻟﺸﻚ ،ﻓﻔﻲ ﻛﺘﺎب “اﻟﻤﻨﻘﺬ ﻣﻦ اﻟﻀﻼل” ﺗﺤﺪث
ﻋﻦ ﺗﺠﺮﺑﺘﮫ ﻣﻊ اﻟﺸﻚ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺑﺪأ ﺑﺎﻟﺸﻚ ﻓﻲ اﻟﺤﻮاس ﻟﻌﺪم ﻗﺪرﺗﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﻛﺸﻒ اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ ﻣﻈﺎھﺮ اﻟﺰﯾﻎ ،ﺛﻢ أﺧﺬ ﯾﺸﻚ ﻓﻲ اﻟﻌﻘﻞ ﻧﻔﺴﮫ
إزاء ﻧﺘﯿﺠﺔ ﺧﻮﺿﮫ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎظﺮات اﻟﻔﻜﺮﯾﺔ اﻟﻌﻤﯿﻘﺔ ﻣﻊ ﺷﺘﻰ اﻟﺘﯿﺎرات اﻟﻔﻜﺮﯾﺔ اﻟﺴﺎﺋﺪة ،ﺣﺘﻰ وﺻﻞ ﺑﮫ اﻷﻣﺮ إﻟﻰ اﻟﻤﺮض اﻟﻨﻔﺴﻲ
واﻟﺠﺴﺪي )اﻻﻛﺘﺌﺎب( ،ﺣﯿﺚ ﻛﺎن ﯾﻌﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﺻﻌﻮﺑﺔ ﻓﻲ اﻟﻜﻼم وﻓﻘﺪان اﻟﺸﮭﯿﺔ ﻟﻠﻄﻌﺎم ،واﺳﺘﻤﺮ ﻋﻠﻰ ھﺬا اﻟﺤﺎل ﺳﺘﺔ أﺷﮭﺮ ،وﻟﻢ
ﯾﻨﺘﮫ إﻻ ﺑﻌﺪ أن ﻗﺬف ﷲ ﻓﻲ ﺻﺪره ﻧﻮر اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ،ﻓﺎﺳﺘﻌﺎد ﻋﻘﻠﮫ اﻟﺜﻘﺔ ﺑﺎﻟﺒﺪﯾﮭﯿﺎت واﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻷوﻟﻰ ،ورﺟﻊ إﻟﯿﮫ إﯾﻤﺎﻧﮫ ﺑﺎﻟﻤﺤﺴﻮﺳﺎت
واﻟﻤﻌﻘﻮﻻت .وﻗﺪ دﻓﻌﺘﮫ ھﺬه اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ إﻟﻰ اﻟﻤﯿﻞ ﻧﺤﻮ اﻟﻜﺸﻒ اﻟﺼﻮﻓﻲ ﺑﻌﺪ أن ﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﻤﺆﯾﺪﯾﻦ ﻟﻠﻤﻨﮭﺞ اﻟﻌﻘﻼﻧﻲ ،ﻟﻜﻦ اﻷرﺟﺢ أن
ﺗﺨﻠﻰ ﻋﻦ اﻟﻤﻨﮭﺞ اﻟﺼﻮﻓﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ اﻷﺧﯿﺮة ﻣﻦ ﺣﯿﺎﺗﮫ.
أرﺳﻄﻮ
ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﺸﺮ ﺳﺎر اﻟﻔﯿﻠﺴﻮف اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ رﯾﻨﯿﮫ دﯾﻜﺎرت ﻋﻠﻰ ﺧﻄﺎ اﻟﻐﺰاﻟﻲ ،وﻗﺎل إﻧﮫ ﯾﻨﺒﻐﻲ ﻋﻠﯿﻨﺎ أن ﻧﻄﺮح ﻛﻞ ﻣﺎ ﻓﻲ
داﺧﻞ ﻋﻘﻠﻨﺎ ﻣﻦ ﻣﻌﺎرف ،وﻧﺸﻚ ﻓﻲ ﺟﻤﯿﻊ طﺮق اﻟﻌﻠﻢ وأﺳﺎﻟﯿﺒﮫ ،ﺣﺘﻰ ﻧﺼﻞ إﻟﻰ اﻟﻌﻘﻞ ﻣﺠﺮدا ﺧﺎﻟﺼﺎ .وﻗﺪ ﻣﺎرس ﺑﻨﻔﺴﮫ ھﺬا اﻟﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﺘﺄﻣﻞ وطﺮح اﻻﻋﺘﻘﺎد ﺑﻮﺟﻮد
ﻛﻞ ﺷﻲء ،ﺣﺘﻰ وﺻﻞ إﻟﻰ ﺣﻘﯿﻘﺔ واﺣﺪة ﯾﺠﺐ اﻹﯾﻤﺎن ﺑﮭﺎ وھﻲ أﻧﮫ ﯾﻔﻜﺮ ،واﺳﺘﻨﺘﺞ ﻣﻨﮭﺎ اﻟﻤﻘﻮﻟﺔ اﻷوﻟﻰ ﻟﻠﻤﻌﺮﻓﺔ “أﻧﺎ أﻓﻜﺮ ،إذن أﻧﺎ ﻣﻮﺟﻮد” ،ﺛﻢ اﺳﺘﻨﺘﺞ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ
ﺣﻘﯿﻘﺔ وﺟﻮد ﷲ وﺑﻘﯿﺔ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻷﺧﺮى.
طﺒﯿﻌﺔ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ
ﺑﻌﺪ اﻻﻧﺘﮭﺎء ﻣﻦ ﻧﻘﺾ اﻟﺸﻚ اﻟﻔﻠﺴﻔﻲ اﻟﻤﻄﻠﻖ ،واﻻﻋﺘﻘﺎد ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﯿﺔ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ واﻟﯿﻘﯿﻦ ،ﺗﻔﺮﻋﺖ ﻣﺬاھﺐ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻓﻲ طﺒﯿﻌﺔ ﻣﻌﺮﻓﺔ اﻹﻧﺴﺎن ﻟﻸﺷﯿﺎء وﻛﯿﻔﯿﺔ إدراﻛﮫ ﻟﮭﺎ إﻟﻰ
ﺗﯿﺎرﯾﻦ رﺋﯿﺴﯿﻦ ،ﺛﻢ ﺣﺎول اﻟﺒﻌﺾ إﻧﺸﺎء ﺗﯿﺎر ﺗﻮﻓﯿﻘﻲ ﺛﺎﻟﺚ ،وﻧﻮﺟﺰھﺎ ﺑﻤﺎ ﯾﻠﻲ:
-1اﻟﻮاﻗﻌﯿﺔ :ھﻮ ﺗﯿﺎر ﯾﺸﻤﻞ ﻣﺬاھﺐ ﻋﺪﯾﺪة ،وﺗﻌﺘﻘﺪ ﺟﻤﯿﻌﮭﺎ ﺑﻮﺟﻮد ﻋﺎﻟﻢ ﺧﺎرﺟﻲ ﻟﻠﻤﻮﺿﻮﻋﺎت )اﻷﺷﯿﺎء( ﻣﺴﺘﻘﻞ ﻋﻦ اﻟﺬات اﻟﻌﺎرﻓﺔ )اﻹﻧﺴﺎن( ،ﻓﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﻌﻘﻞ ﻟﻸﺷﯿﺎء
ﻣﻄﺎﺑﻘﺔ ﻟﻼﺷﯿﺎء ﻛﻤﺎ ھﻲ ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ ،وھﺬا ﯾﻌﻨﻲ أن اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ھﻲ اﻟﺼﻮرة اﻟﻤﻨﻌﻜﺴﺔ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ اﻟﺨﺎرﺟﻲ ﻓﻲ اﻟﻌﻘﻞ.
وﻣﻦ ﻣﺬاھﺐ ھﺬا اﻟﺘﯿﺎر اﻻﻋﺘﻘﺎد ﺑﺼﺤﺔ إدراك اﻟﺤﻮاس ﺑﺸﻜﻞ ﺗﺎم ،وھﻮ ﻣﺎ ﺛﺒﺖ ﺧﻄﺆه ﺑﺎﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ،ﻓﺎﻟﺤﻮاس ﻗﺪ ﺗﻜﻮن ﺧﺎدﻋﺔ أﺣﯿﺎﻧﺎ ﻣﺜﻞ ﺧﺪﻋﺔ اﻟﺴﺮاب.
وﻣﻦ ﻣﺬاھﺒﮫ أﯾﻀﺎ اﻟﻮاﻗﻌﯿﺔ اﻟﻨﻘﺪﯾﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺨﻔﻒ ﻣﻦ ﻏﻠﻮ اﻻﻋﺘﻘﺎد ﺑﺼﺤﺔ ﻣﺪرﻛﺎت اﻟﺤﻮاس وﺗﺮى أن اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻟﯿﺴﺖ ﻣﻄﺎﺑﻘﺔ ﻟﮭﺬه اﻟﻤﺪرﻛﺎت ﺑﻞ ھﻲ ﺻﻮرة ﻣﻌﺪﻟﺔ ﻓﻲ
اﻟﻌﻘﻞ ،وھﺬا ھﻮ ﻣﺬھﺐ “اﻟﻮﺿﻌﯿﺔ” اﻟﺬي ﯾﺮﻓﻊ ﻣﻦ ﻗﯿﻤﺔ اﻟﻌﻠﻢ اﻟﺘﺠﺮﯾﺒﻲ وﯾﺠﻌﻞ اﻟﻔﻜﺮ ﻣﺠﺮد اﻧﻌﻜﺎس ﻟﻠﻮﺟﻮد اﻟﻤﺎدي.
-2اﻟﻤﺜﺎﻟﯿﺔ :أﺻﺤﺎب ھﺬا اﻟﺘﯿﺎر ﻻ ﯾﺮون وﺟﻮدا إﻻ ﻟﻠﻔﻜﺮ وﺗﺼﻮراﺗﮫ ،ﻓﺎﻟﻤﺎدة واﻷﺷﯿﺎء ﻛﻠﮭﺎ ﺗﺎﺑﻌﺔ ﻟﻤﺎ ﯾﻔﻜﺮ ﺑﮫ اﻟﻌﻘﻞ ،وﻻ وﺟﻮد ﻟﻠﺸﻲء إذا ﻟﻢ ﯾﺪرﻛﮫ اﻟﻌﻘﻞ ،ﺣﺘﻰ
أﺻﺒﺢ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻲ ﻟﺪى ﺑﻌﻀﮭﻢ ﻣﺠﺮد أﻓﻜﺎر وﺧﻮاطﺮ ،وھﻮ ﺗﻄﺮف ﻏﯿﺮ ﻣﻨﻄﻘﻲ وﺗﻨﻜﺮه اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ،ﻓﮭﻨﺎك أﺷﯿﺎء ﻣﻮﺟﻮدة ﻓﻲ اﻟﻜﻮن وﻻ ﯾﺪرﻛﮭﺎ أي ﻋﻘﻞ ،وھﻨﺎك
أﺷﯿﺎء ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻮﺟﻮدة ﻣﻨﺬ ﻣﻼﯾﯿﻦ اﻟﺴﻨﯿﻦ وﻟﻢ ﺗُﺪرك إﻻ ﻓﻲ وﻗﺖ ﻣﺘﺄﺧﺮ ،ﻣﺎ دﻓﻌﮭﻢ إﻟﻰ اﻟﻘﻮل إن ﺗﻠﻚ اﻷﺷﯿﺎء ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻮﺟﻮدة ﻓﻲ “ﻋﻘﻞ إﻟﮭﻲ” ﺛﻢ اﺳﺘﻘﺒﻠﮭﺎ اﻟﻌﻘﻞ اﻟﺒﺸﺮي
ﻣﻨﮫ.
-3اﻟﺘﯿﺎر اﻟﻨﻘﺪي :وﺿﻊ اﻟﻔﯿﻠﺴﻮف اﻷﻟﻤﺎﻧﻲ إﯾﻤﺎﻧﻮﯾﻞ ﻛﺎﻧﻂ ﻣﺬھﺒﺎ ﻧﻘﺪﯾﺎ ﻟﻠﺘﻮﻓﯿﻖ ﺑﯿﻦ اﻟﻮاﻗﻌﯿﺔ واﻟﻤﺜﺎﻟﯿﺔ ،ﻓﻤﯿﺰ ﺑﯿﻦ اﻟﻈﻮاھﺮ اﻟﻌﻘﻠﯿﺔ
اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ وﺑﯿﻦ اﻟﻈﻮاھﺮ اﻟﺘﻲ ﺗﻜﺘﺴﺐ ﺑﺎﻟﺤﻮاس ،وﻗﺎل إن اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻻ ﺗﻜﺘﺴﺐ إﻻ ﺑﺎﻟﺤﺲ واﻟﻌﻘﻞ ﻣﻌﺎ ،ﻓﻨﺤﻦ ﻻ ﻧﻌﺮف
اﻷﺷﯿﺎء ﻛﻤﺎ ھﻲ ﺑﻞ ﻛﻤﺎ ﺗﻈﮭﺮ ﻟﻨﺎ ﻓﻘﻂ ،وﻣﻌﺮﻓﺘﮭﺎ ﺗﺘﻢ ﻋﺒﺮ ﻧﻘﻠﮭﺎ ﺑﺎﻟﺤﻮاس إﻟﻰ اﻟﺬھﻦ ﺛﻢ ﻣﻄﺎﺑﻘﺘﮭﺎ ﻟﻠﻤﻘﻮﻻت واﻟﻤﺒﺎدئ اﻟﻌﻘﻠﯿﺔ.
ﻣﻨﺬ ﺑﺪاﯾﺔ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ ،أﺻﺒﺢ ﻣﺬھﺐ ﻛﺎﻧﻂ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻷﺳﺎﺳﻲ ﻟﻠﻔﻜﺮ اﻟﻐﺮﺑﻲ ،ﺣﯿﺚ أﻋﺎد ﻟﻠﻌﻘﻞ ﺑﻌﺾ اﻟﺘﻮازن ﺑﺎﺗﺨﺎذه
ﻣﻮﻗﻔﺎ وﺳﻄﯿﺎ واﻻﻋﺘﻘﺎد ﺑﻮﺟﻮد ﻣﺒﺎدئ ﻓﻄﺮﯾﺔ وﺿﺮورﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻘﻞ ،ﻟﻜﻦ ﻣﺬھﺒﮫ ﻟﻢ ﯾﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ إﻟﻐﺎء اﻟﻨﻈﺮة اﻟﻮﺿﻌﯿﺔ ﻷﻧﮫ ﺟﻌﻞ
اﺳﺘﺨﺪام اﻟﻤﺒﺎدئ اﻟﻔﻄﺮﯾﺔ ﻓﻲ ﻏﯿﺮ اﻟﻤﺤﺴﻮس أﻣﺮا ً ﻣﺴﺘﺤﯿﻼً ،ﻣﻤﺎ ﺟﻌﻞ إدراك اﻟﻌﻘﻞ ﻟﻠﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﺠﺰﺋﯿﺔ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺣﻘﯿﻘﺔ ﻛﻠﯿﺔ ،ﻓﻘﺪ ﻣﯿّﺰ
ﻛﺎﻧﻂ ﺑﯿﻦ ﻣﺎ أﺳﻤﺎه ﺑﺎﻟﻌﻘﻞ اﻟﻨﻈﺮي واﻟﻌﻘﻞ اﻟﻌﻤﻠﻲ ،وأﻧﻜﺮ ﻗﺪرة اﻟﻌﻘﻞ اﻟﻨﻈﺮي )اﻟﺨﺎﻟﺺ( ﻋﻠﻰ اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ “ﻣﻌﺮﻓﺔ راﺳﺨﺔ
ﻟﻠﺤﻖ اﻟﻌﻠﻮي” ،ﻓﺎﻟﻌﻘﻞ ﺣﺴﺐ رأﯾﮫ ﻻ ﯾﻨﺘﺞ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻣﺎ ﻟﻢ ﯾﺘﺼﻞ ﺑﺎﻷﺷﯿﺎء اﻟﻤﺎدﯾﺔ واﻟﺘﺠﺎرب اﻟﺤﺴﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺪﱡه ﺑﺎﻟﻤﺎدة واﻟﻤﻀﻤﻮن
إﯾﻤﺎﻧﻮﯾﻞ ﻛﺎﻧﻂ
ﻋﺒﺮ ﻗﻮة اﻟﻔﮭﻢ ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻘﺪ رأى ﻛﺎﻧﻂ أﻧﮫ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ اﻻﻋﺘﻘﺎد ﺑﻮﺟﻮد إﻟﮫ وﯾﻮم آﺧﺮ ﻟﺘﺄﺳﯿﺲ ﻓﻌﻞ أﺧﻼﻗﻲ.
وھﺬا ﯾﻌﻨﻲ أن ﻛﺎﻧﻂ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻣﺘﻮازﻧﺎ ووﺳﻄﯿﺎ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ،ﺑﻞ أﻋﻄﻰ اﻟﻤﺎدة ﻗﯿﻤﺔ أﻛﺒﺮ وﻟﻢ ﯾﻌﺘﺮف ﺑﻘﯿﻤﺔ اﻟﻤﺒﺎدئ اﻟﻔﻄﺮﯾﺔ اﻟﻌﻘﻠﯿﺔ إﻻ ﺑﺸﻜﻞ ﺗﺎﺑﻊ ﻟﻠﻤﺎدة ،ﺣﺘﻰ ﻟﻢ ﯾﺠﺪ ﻣﺒﺮرا
ﻟﻮﺟﻮد اﻹﻟﮫ إﻻ ﻣﻦ ﺣﯿﺚ اﻟﻀﺮورة ﻟﺘﺒﺮﯾﺮ اﻷﺧﻼق ،وھﻜﺬا أﺻﺒﺢ اﻟﺪﯾﻦ ﻓﻲ اﻟﻌﻘﻞ اﻟﻐﺮﺑﻲ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻧﻔﺴﯿﺔ ذاﺗﯿﺔ ﺧﺎرﺟﺔ ﻋﻦ ﻣﻔﮭﻮم اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ،وأﺻﺒﺤﺖ اﻟﻮﻗﺎﺋﻊ ﺗﺎﺑﻌﺔ
ﻟﻤﺼﻠﺤﺔ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﺪﻻً ﻣﻦ اﻋﺘﻤﺎد اﻟﻌﻘﻞ ﻟﻠﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺣﻘﺎﺋﻖ اﻷﺷﯿﺎء ]اﻧﻈﺮ ﻣﻘﺎل اﻟﺒﺮاﻏﻤﺎﺗﯿﺔ[.
/https://al-sabeel.net 3/15ﻣﺻﺎدر-اﻟﻣﻌرﻓﺔprint=print?/
2020/5/12 ﻣﺻﺎدر اﻟﻣﻌرﻓﺔ -اﻟﺳﺑﯾل
واﻟﻤﻔﺎرﻗﺔ أن اﻟﻌﻘﻞ اﻟﻐﺮﺑﻲ اﻟﻮﺿﻌﻲ ،اﻟﺬي ﯾﻌﺘﻘﺪ أن اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﺪﯾﻨﯿﺔ ﺗﺤﺘﺎج إﻟﻰ إﯾﻤﺎن ﻏﯿﺒﻲ ﻏﯿﺮ ﻋﻘﻼﻧﻲ ،ﻻ ﯾﻨﺘﺒﮫ إﻟﻰ أن ﻣﻌﺮﻓﺘﮫ اﻟﻮﺿﻌﯿﺔ اﻟﻤﺎدﯾﺔ ﻟﯿﺴﺖ أﻗﻞ ﻏﯿﺒﯿﺔ،
ﻓﮭﻮ ﯾﺠﺰم ﺑﻤﺮﺟﻌﯿﺔ اﻟﻤﺎدة وﺣﺪھﺎ دون ﺑﺮھﺎن ﻣﻊ أﻧﮭﺎ ﻣﺠﺮد ﺧﯿﺎر واﺣﺪ ﻣﻦ ﺑﯿﻦ ﺧﯿﺎرات أﺧﺮى ﻣﻤﻜﻨﺔ.
وﯾﺠﺪر ﺑﺎﻟﺬﻛﺮ أن اﻟﻤﺬاھﺐ اﻟﺤﺪاﺛﯿﺔ ﻛﻠﮭﺎ ﻓﻘﺪت اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ ﺑﺮﯾﻘﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﯾﻦ ﻣﻊ ظﮭﻮر ﺗﯿﺎرات ﻣﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﺤﺪاﺛﺔ وﻓﯿﺰﯾﺎء اﻟﻜﻢ ،ﺑﻤﺎ ﻓﯿﮭﺎ اﻟﻤﺬھﺐ اﻟﻨﻘﺪي ﻟﻜﺎﻧﻂ،
ﺣﯿﺚ أدرك اﻟﻜﺜﯿﺮون أن اﻷﺳﺲ اﻟﺘﻲ ﺻﺎﻏﺖ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﻐﺮﺑﯿﺔ ﻧﺸﺄت داﺧﻞ ﺣﺮﻛﺔ ﺗﺎرﯾﺨﯿﺔ ﻣﺘﺄﺛﺮة ﺑﺘﺴﻠﻂ اﻟﻜﻨﯿﺴﺔ اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ وﻣﺤﺎرﺑﺘﮭﺎ ﻟﻠﻌﻠﻢ ،وھﻨﺎك اﻋﺘﻘﺎد ﺷﺎﺋﻊ اﻟﯿﻮم
ﺑﯿﻦ ﻓﻼﺳﻔﺔ اﻟﻌﻠﻢ واﻟﻌﻠﻤﺎء اﻟﺘﺠﺮﯾﺒﯿﯿﻦ أن اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﻜﻠﯿﺔ ﻣﺴﺘﺤﯿﻠﺔ ،وأن اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ اﻟﻤﺎدﯾﺔ ﻟﯿﺴﺖ ﯾﻘﯿﻨﯿﺔ.
ﻣﺼﺎدر اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ
ﺑﻌﺪ اﺳﺘﻌﺎدة اﻹﻧﺴﺎن ﺛﻘﺘﮫ ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﯿﺔ اﻟﺘﻮﺻﻞ إﻟﻰ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ،ﺳﯿﺠﺪ ﻧﻔﺴﮫ أﻣﺎم ﻋﺪة ﺗﯿﺎرات ﻓﻜﺮﯾﺔ ﯾﺆﻣﻦ ﻛﻞ
ﻣﻨﮭﺎ ﺑﺄوﻟﻮﯾﺔ أﺣﺪ اﻟﻤﺼﺎدر أو اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﻤﺆدﯾﺔ ﻟﻠﻤﻌﺮﻓﺔ ،ﻓﮭﻨﺎك ﻣﻦ ﯾﺮى أن اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻻ ﺗﺘﺤﻘﻖ إﻻ ﺑﻮﺳﯿﻠﺔ
واﺣﺪة ،وھﻨﺎك ﻣﻦ ﯾﺆﻣﻦ ﺑﻤﺼﺎدر أﺧﺮى ﻏﯿﺮ أﻧﮫ ﯾﺜﻖ ﺑﻮاﺣﺪة ﻣﻨﮭﺎ ﻟﻠﺘﻮﺻﻞ إﻟﻰ اﻟﯿﻘﯿﻦ.
وﺳﻨﺘﺤﺪث ﻓﯿﻤﺎ ﯾﻠﻲ ﻋﻦ ﺧﻤﺴﺔ ﻣﺼﺎدر رﺋﯿﺴﺔ ﻟﻠﻤﻌﺮﻓﺔ ،وھﻲ اﻹﻟﮭﺎم واﻟﺤﺪس واﻟﻜﺸﻒ ،اﻟﻌﻘﻞ ،اﻟﺤﺲ،
اﻹﺟﻤﺎع ،واﻟﻮﺣﻲ .وﯾﺠﺪر ﺑﺎﻟﺬﻛﺮ أن ﻣﺪارس اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ اﻟﺤﺪاﺛﯿﺔ وﻣﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﺤﺪاﺛﯿﺔ واﻟﻌﻠﻤﺎء اﻟﺘﺠﺮﯾﺒﯿﻮن ﻻ
ﯾﻌﺘﺮﻓﻮن ﺑﺎﻟﻮﺣﻲ واﻟﻜﺸﻒ ،دون أن ﯾﻤﻨﻊ ذﻟﻚ ﻋﺸﺮات اﻟﻤﻼﯾﯿﻦ ﻓﻲ اﻟﻐﺮب ﻣﻦ اﻟﺘﻤﺴﻚ ﺑﺈﯾﻤﺎﻧﮭﻢ ﺑﺎﻟﻮﺣﻲ
اﻟﻤﺴﯿﺤﻲ-اﻟﯿﮭﻮدي وﺑﺎﻟﻜﺸﻒ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺮﯾﻘﺔ اﻟﺒﺎطﻨﯿﺔ اﻟﻐﻨﻮﺻﯿﺔ .وﺳﻨﺴﺘﻌﺮض ﻓﯿﻤﺎ ﻣﻮﺟﺰا ﻟﮭﺬه اﻟﻤﺼﺎدر
اﻟﺨﻤﺴﺔ.
اﻹﻟﮭﺎم ھﻮ ﻣﺎ ﯾﻠﻘﯿﮫ اﻹﻟﮫ ﻓﻲ اﻟﺮوع ،وﺑﺤﺴﺐ اﻟﻤﺘﺼﻮﻓﺔ ﻓﮭﻮ اﻹﯾﻘﺎع ﻓﻲ اﻟﻘﻠﺐ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻢ ﻏﯿﺮ اﻟﻘﺎﺋﻢ ﻋﻠﻰ اﻻﺳﺘﺪﻻل ،أﻣﺎ أﺗﺒﺎع اﻟﻤﺬاھﺐ اﻟﺒﺎطﻨﯿﺔ اﻟﻐﻨﻮﺻﯿﺔ اﻟﺬﯾﻦ ﯾﺆﻣﻨﻮن
ﺑﻮﺟﻮد ﻣﺎ ﯾﺴﻤﻰ ﺑﺎﻟﻌﻘﻞ اﻟﻔﻌﺎل ،ﻣﺜﻞ اﺑﻦ ﺳﯿﻨﺎ ،ﻓﯿﻘﻮﻟﻮن إن اﻹﻟﮭﺎم ھﻮ ﻣﺎ ﯾﻠﻘﯿﮫ اﻟﻌﻘﻞ اﻟﻔﻌﺎل ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻤﺆﯾﺪة ﺑﺸﺪة اﻟﺼﻔﺎء.
وﺣﺪوث اﻹﻟﮭﺎم ﯾﺴﻤﻰ ﺑﺎﻹﺷﺮاق واﻟﻜﺸﻒ واﻟﺬوق ﻟﺪى اﻟﻤﺘﺼﻮﻓﺔ ،أﻣﺎ اﻟﺠﺰء اﻟﺒﺸﺮي اﻟﺬي ﯾﺤﺪث ﻓﯿﮫ ھﺬا اﻹﺷﺮاق ﻓﯿﺴﻤﻮﻧﮫ ﺑﺎﻟﺒﺼﯿﺮة ،وھﻮ ﯾﺮى ﺣﻘﺎﺋﻖ اﻷﺷﯿﺎء
وﺑﻮاطﻨﮭﺎ ﻛﻤﺎ ﯾﺮى اﻟﺒﺼﺮ ظﻮاھﺮ اﻷﺷﯿﺎء اﻟﻤﺎدﯾﺔ.
وﯾﻌﺮﻓﮫ دﯾﻜﺎرت ﺑﺄﻧﮫ ﻋﻤﻞ ﻋﻘﻠﻲ ﯾﺪرك ﺑﮫ اﻟﺬھﻦ ﺣﻘﯿﻘﺔ ﻣﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﺗﺎم وﺑﺰﻣﻦ واﺣﺪ ،أي ﺑﺪون ﺗﺪرج
ّ أﻣﺎ اﻟﺤﺪس ﻓﮭﻮ اﻻﻧﺘﻘﺎل اﻟﺴﺮﯾﻊ ﻟﻠﺬھﻦ ﻣﻦ اﻟﻤﺒﺎدئ إﻟﻰ اﻟﻤﻄﺎﻟﺐ،
ﻓﻲ اﻻﺳﺘﺪﻻل ،ﻓﮭﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﯾﺤﺼﻞ ﺗﻠﻘﺎﺋﯿﺎ ﻓﻲ اﻟﺬھﻦ ﺑﻤﺠﺮد ﺗﺼﻮر أﻣﺮ ﻣﺎ ودون اﺳﺘﺪﻻل ﻣﻨﻄﻘﻲ ،وﯾﻀﺮب أھﻞ اﻟﻤﻨﻄﻖ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﻣﺜﺎﻻ ﺑﻘﻮﻟﮭﻢ إن ﻣﺠﺮد
رؤﯾﺔ أﺣﺪﻧﺎ ﻟﺸﻌﺎع ﺿﻮء ﯾﺘﺴﻠﻞ ﻣﻦ ﺛﻘﺐ ﻓﻲ ﺟﺪار ﯾﺪﻓﻊ اﻟﺬھﻦ ﻟﻼﻋﺘﻘﺎد ﻣﺒﺎﺷﺮة ﺑﺄن ھﻨﺎك ﻣﺼﺪرا ﻟﻠﻀﻮء وراءه دون ﺗﻔﻜﯿﺮ وﻻ ﺗﺄﻣﻞ.
أﻣﺎ اﻟﻔﯿﻠﺴﻮف اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ھﻨﺮي ﺑﺮﻏﺴﻮن )ﺗﻮﻓﻲ ﻋﺎم 1941م( ﻓﻘﺪ وﺿﻊ ﻣﺬھﺒﺎ ﻓﻠﺴﻔﯿﺎ ﺟﺪﯾﺪا ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﯾﻦ ﻋﻠﻰ ﻣﻔﮭﻮم
اﻟﺤﺪس ،ﻣﻌﺘﺒﺮا أن اﻟﺤﺪس ﻋﻨﺪ اﻹﻧﺴﺎن ﯾﺸﺒﮫ اﻟﻐﺮﯾﺰة ﻋﻨﺪ اﻟﺤﯿﻮان ،وھﻮ أﻣﺮ ﻻ ﯾﻤﻜﻦ اﻟﺘﻌﺒﯿﺮ ﻋﻨﮫ ﺑﺎﻟﻜﻠﻤﺎت ﺑﻞ ﯾﺠﺐ ﺗﺬوﻗﮫ
وﻣﻌﺎﯾﺸﺘﮫ واﺧﺘﺒﺎره ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻛﻞ ﺷﺨﺺ ﻋﻠﻰ ﺣﺪة ﺣﺘﻰ ﯾﻜﺘﺴﺐ ﺑﮫ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ .وﺑﻤﺎ أﻧﮫ ﻓﯿﻠﺴﻮف ﻏﺮﺑﻲ ﻣﻦ أﺻﻞ ﯾﮭﻮدي ﻓﻠﻢ ﯾﻜﻦ
اﻟﻤﺠﺮد ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أﻓﻜﺎره اﻟﺘﻲ ﺗﺒﺪو ﺻﻮﻓﯿﺔ ﻟﻠﻮھﻠﺔ اﻷوﻟﻰ ،ﺑﻞ ﺟﻌﻞ اﻟﺤﺪس ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻣﻨﺒﺜﻘﺔ ﻣﻦ داﺧﻞ
ﱠ ﻣﯿﺎﻻ إﻟﻰ اﻹﯾﻤﺎن ﺑﺎﻹﻟﮫ
اﻹﻧﺴﺎن وﻟﯿﺴﺖ ﻣﺼﺪرا ﻟﻠﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﮭﺒﻂ ﻋﻠﯿﮫ ﻣﻦ اﻹﻟﮫ.
ﻛﺎن ھﻨﺮي ﺑﺮﻏﺴﻮن ﯾﺮى أن اﻟﺤﯿﺎة اﻧﻄﻠﻘﺖ ﻣﻦ ﺧﺰان ﻛﺒﯿﺮ واﻧﺘﺸﺮت ﺑﯿﻦ اﻟﻜﻮاﻛﺐ ،ﺛﻢ اﺗﺨﺬت أﺷﻜﺎﻻ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ
ﻣﺎدي ،وﻣﻦ اﻟﻮاﺿﺢ أن ھﺬه اﻟﻔﻜﺮة اﻟﻤﯿﺘﺎﻓﯿﺰﯾﻘﯿﺔ )اﻟﻐﯿﺒﯿﺔ( ﻟﺘﻔﺴﯿﺮ ﻧﺸﻮء اﻟﻜﻮن واﻟﺤﯿﺎة ﻻ ﯾﺆﯾﺪھﺎ أي دﻟﯿﻞ.
ﯾﻀﻊ ﺑﺮﻏﺴﻮن اﻟﻤﺎدة واﻟﺤﯿﺎة ﻓﻲ ﻣﻮﻗﻌﯿﻦ ﻣﺘﻘﺎﺑﻠﯿﻦ ،ﻓﺎﻟﺤﯿﺎة اﻧﻄﻼق وﺣﺮﯾﺔ ،واﻟﻤﺎدة ﺳﻜﻮن وﺧﻀﻮع ﻟﻠﻘﻮاﻧﯿﻦ اﻟﻔﯿﺰﯾﺎﺋﯿﺔ ،وﻛﻠﻤﺎ
ھﻨﺮي ﺑﺮﻏﺴﻮن اﻛﺘﺴﺐ اﻟﺸﻲء ﻗﺪرا أﻛﺒﺮ ﻣﻦ اﻟﺤﯿﺎة ﻛﺎن أﺳﻤﻰ ،وھﻮ ﻣﺎ ﯾﻔﺴﺮ ﺳﻤﻮ اﻹﻧﺴﺎن ﻋﻠﻰ ﺑﻘﯿﺔ اﻟﻤﻮﺟﻮدات ،وھﻮ ﯾﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ اﻟﺘﻄﻮرﯾﯿﻦ
)أﺗﺒﺎع ﻧﻈﺮﯾﺔ داروﯾﻦ( ﻓﻲ أن ﻟﻜﻞ ﻛﺎﺋﻦ ﺣﻲ ﻗﺪره اﻟﺨﺎص ﻣﻦ اﻟﺤﯿﺎة واﻟﻤﺎدة ﻣﻨﺬ اﻟﺒﺪاﯾﺔ ،وإذا ﻛﺎن اﻟﺤﯿﻮان ﯾﻤﺘﻠﻚ ﻏﺮﯾﺰة
ﻟﻠﺘﻮﺻﻞ إﻟﻰ ﻣﻌﺮﻓﺘﮫ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﻓﺈن اﻹﻧﺴﺎن ﯾﻤﺘﻠﻚ ﻋﻘﻼ ﺑﺎﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ،ﻛﻤﺎ ﯾﻤﺘﻠﻚ أﯾﻀﺎ وﺟﺪاﻧﺎ أو ﺑﺼﯿﺮة ﯾﺘﻮﺻﻞ ﺑﮭﺎ إﻟﻰ اﻟﺤﺪس اﻟﺬي
ھﻮ أﺳﻤﻰ أﻧﻮاع اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ.
ﯾﻀﻊ ﺑﺮﻏﺴﻮن أﯾﻀﺎ اﻟﺰﻣﺎن واﻟﻤﻜﺎن ﻓﻲ ﻣﻮﻗﻌﯿﻦ ﻣﺘﻘﺎﺑﻠﯿﻦ ،ﻓﺎﻟﺰﻣﺎن ﻣﺘﻐﯿﺮ وﺣﺮ ،واﻟﻤﻜﺎن ﺟﺎﻣﺪ وﻣﻘﯿﺪ .واﻟﺰﻣﺎن ھﻮ اﻟﻮاﻗﻊ اﻟﺤﻘﯿﻘﻲ وھﻮ اﻟﺤﯿﺎة ،وﺑﻤﺎ أن اﻟﻜﺎﺋﻨﺎت
اﻟﺤﯿﺔ ﺗﻌﯿﺶ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺻﯿﺮورة داﺋﻤﺔ ﺑﺎﻻﻧﺘﻘﺎل ﻣﻦ ﺣﺎل إﻟﻰ آﺧﺮ ﻓﺈن ﻋﻼﻗﺘﮭﺎ ﺑﺎﻟﺰﻣﺎن ھﻲ “اﻟﺪﯾﻤﻮﻣﺔ”.
واﻟﺘﻐﯿﺮ اﻟﻤﺴﺘﻤﺮ ﻟﻸﺣﯿﺎء ھﻮ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﻄﻮر اﻟﺨﻼق ،وھﺬه اﻟﺤﯿﺎة اﻟﻤﺒﺪﻋﺔ ھﻲ اﻹﻟﮫ ﻧﻔﺴﮫ ﺑﺮأﯾﮫ ،ﻓﮭﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﻮﺟﺪ اﻷﺷﯿﺎء وﺗﺘﺎﺑﻊ ﺗﺘﻄﻮرھﺎ ،وھﻲ ﻧﻔﺴﮭﺎ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ
ﺗﻄﻮر .أﻣﺎ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﺤﻘﯿﻘﯿﺔ ﻟﮭﺬا اﻟﻮاﻗﻊ اﻟﺤﻲ اﻟﻤﺘﻄﻮر ﻓﮭﻲ اﻟﺤﺪس ،ﻷن اﻟﻌﻘﻞ ﻻ ﯾﺴﺘﻄﯿﻊ أن ﯾﺪرك اﻟﺤﯿﺎة ﺑﺨﺼﻮﺻﯿﺘﮭﺎ ،وﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺣﻲ أن ﯾﻨﺪﻣﺞ ﻣﻊ اﻟﺤﯿﺎة اﻟﺒﺎطﻨﺔ
ﻟﯿﺘﻮﺻﻞ إﻟﻰ ھﺬه اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﯿﻘﯿﻨﯿﺔ اﻟﻤﻄﻠﻘﺔ.
وﯾﺮى ﺑﻌﺾ اﻟﻤﻔﻜﺮﯾﻦ أن ﺑﺮﻏﺴﻮن ﻟﻢ ﯾﺄت ﺑﺠﺪﯾﺪ ،وأﻧﮫ أﻋﺎد ﺻﯿﺎﻏﺔ اﻟﺒﺎطﻨﯿﺔ اﻟﯿﮭﻮدﯾﺔ )اﻟﻘﺒﺎﻻه( ﻓﻲ ﺻﻮرة ﺟﺪﯾﺪة ﺗﻨﺎﺳﺐ اﻟﻌﺼﺮ ،وأﻧﮫ ﺗﺄﺛﺮ أﯾﻀﺎ ﺑﻜﻞ ﻣﻦ أﻓﻼطﻮن
ودﯾﻜﺎرت وﻣﺎﻟﺒﺮاﻧﺶ وﺑﺎﺳﻜﺎل ]ﻣﺼﺎدر وﺗﯿﺎرات اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة ﻓﻲ ﻓﺮﻧﺴﺎ ،ج .ﺑﻨﺮوﺑﻲ ،ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﺪوي ،ص .[176
وﯾﺒﺪو أن طﻐﯿﺎن اﻻﺗﺠﺎه اﻟﻤﺎدي ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻜﺮ اﻟﻐﺮﺑﻲ ﻛﺎن ﻟﮫ أﻛﺒﺮ اﻷﺛﺮ ﻓﻲ ﺟﻨﻮح ﺑﺮﻏﺴﻮن ﻧﺤﻮ اﻟﺤﺪس ،ﻟﯿﻀﻊ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﻣﻌﺎﺻﺮة ﺗﻌﯿﺪ اﻻﻋﺘﺒﺎر
ﻟﻠﺮوح ،إﻻ أﻧﮫ ﺗﻄﺮف أﯾﻀﺎ ﻓﻲ اﺗﺠﺎھﮫ اﻟﺮوﺣﻲ ﻛﺘﻄﺮف اﻟﻮﺿﻌﯿﯿﻦ ﻓﻲ اﻟﻤﺎدﯾﺔ ،ﻓﺄﻟﻐﻰ اﻟﻮاﻗﻊ اﻟﻌﻤﻠﻲ وﻗﻠﻞ ﻣﻦ ﺷﺄن اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﻌﻘﻠﯿﺔ اﻟﻤﺠﺮدة ،ﻛﻤﺎ أن ﻓﻠﺴﻔﺘﮫ ﻻ ﺗﻌﺪو
/https://al-sabeel.net 4/15ﻣﺻﺎدر-اﻟﻣﻌرﻓﺔprint=print?/
2020/5/12 ﻣﺻﺎدر اﻟﻣﻌرﻓﺔ -اﻟﺳﺑﯾل
ﻗﺪر اﻟﻔﻠﺴﻔﺎت اﻟﻐﺮﺑﯿﺔ اﻷﺧﺮى ﻓﻲ ﺗﻨﺎوﻟﮭﺎ ﻟﻠﻘﻀﺎﯾﺎ اﻟﻤﯿﺘﺎﻓﯿﺰﯾﻘﯿﺔ )اﻟﻐﯿﺒﯿﺔ( ،ﻓﺎﻟﺤﺪس ﻟﯿﺲ ﺳﻮى ﺟﺰء ﻣﻦ اﻹﻧﺴﺎن وﻣﺤﺪود ﺑﺪاﺋﺮﺗﻲ اﻟﻤﻜﺎن واﻟﺰﻣﺎن ﻛﻤﺤﺪودﯾﺔ اﻹﻧﺴﺎن
ﻧﻔﺴﮫ ،وﻟﻦ ﯾﺴﺘﻄﯿﻊ ﺗﺠﺎوزھﻤﺎ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﺧﯿﺎﻟﮫ.
ﻣﻦ ﺟﮭﺔ أﺧﺮى ،ﯾﺮى اﻟﺒﺎطﻨﯿﻮن أن اﻟﺤﺪس ھﻮ ﻗﺒﻮل اﻹﻟﮭﺎم اﻟﺬي ﯾﻠﻘﯿﮫ اﻟﻌﻘﻞ اﻟﻔﻌﺎل ﻓﻲ اﻟﻨﻔﺲ ،وﯾﺮى اﻟﻤﺘﺼﻮﻓﺔ أن
اﻟﺤﺪس )اﻟﻜﺸﻒ( ﻻ ﯾﺘﻢ إﻻ ﺑﻌﺪ رﯾﺎﺿﺔ روﺣﯿﺔ وﻣﺠﺎھﺪة ﻧﻔﺲ ﺑﻄﺮق ﻣﺪروﺳﺔ وﻣﻤﻨﮭﺠﺔ ،وھﻮ ﻣﺎ اﻗﺘﺒﺴﻮه ﻛﻤﺎ ﯾﺒﺪو
ﻣﻦ اﻟﺪﯾﺎﻧﺎت اﻟﺒﺎطﻨﯿﺔ ﻛﺎﻟﮭﻨﺪوﺳﯿﺔ واﻟﺒﻮذﯾﺔ ،أﻣﺎ ﻋﻨﺪ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ اﻟﻌﻘﻠﯿﯿﻦ ﻓﺎﻟﺤﺪس واﻹﻟﮭﺎم ﻣﺼﻄﻠﺤﺎن ﻟﺸﻲء واﺣﺪ ،وھﻮ
ﺣﺴﺐ رأﯾﮭﻢ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﻤﺒﺎﺷﺮة دون اﺳﺘﺪﻻل وﺗﺠﺮﺑﺔ.
وﯾﺆﻣﻦ اﻟﺒﺎطﻨﯿﻮن واﻟﻤﺘﺼﻮﻓﺔ ﺑﺄن اﻟﺒﺼﯿﺮة ﻻ ﺗﻌﻤﻞ ﻋﻤﻠﮭﺎ ﺑﺎﻛﺘﺴﺎف اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ )ﺳﻮاء ﻣﻦ اﻹﻟﮫ أو اﻟﻌﻘﻞ اﻟﻔﻌﺎل أو
اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ اﻟﻜﻮﻧﯿﺔ( إﻻ ﺑﻌﺪ اﻻﻋﺘﻘﺎد ﺑﺄن اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻟﻤﺎدي ﻣﻦ اﻹﻧﺴﺎن ھﻮ ﻋﺎﺋﻖ ﻟﻠﺮوح واﻟﺒﺼﯿﺮة ،ﻛﻤﺎ ﯾﻌﺘﻘﺪون أن
اﻟﺤﻮاس واﻟﻌﻘﻞ ﻻ ﺗﺘﻮﺻﻞ إﻻ إﻟﻰ ﺣﺪ ﻣﻌﯿﻦ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻻ ﯾﻤﻜﻨﮭﺎ ﺗﺠﺎوزه ،وأن اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﻻ ﺗُﻜﺘﺴﺐ إﻻ ﺑﺎﻟﺤﺪس
واﻹﻟﮭﺎم ﺑﻌﺪ اﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺎدﯾﺔ .وﻗﺪ ﯾﺨﺘﻠﻒ اﻟﺒﺎطﻨﻲ ﻣﻊ اﻟﻤﺘﺼﻮف ﻓﻲ اﻟﻄﺮﯾﻘﺔ ﻟﻜﻦ اﻟﮭﺪف واﺣﺪ.
أﻣﺎ أھﻢ اﻻﻧﺘﻘﺎدات اﻟﻤﻮﺟﮭﺔ ﻟﻠﺤﺪس واﻹﻟﮭﺎم ﻛﻤﺼﺪر ﻟﻠﻤﻌﺮﻓﺔ ﻓﻨﻮﺟﺰھﺎ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺎط اﻟﺘﺎﻟﯿﺔ:
-1اﻟﺒﺼﯿﺮة ﻟﺪى اﻹﺷﺮاﻗﯿﯿﻦ ﻟﯿﺴﺖ ﺳﻮى إﺣﺪى ﻣﻠَﻜﺎت اﻹﻧﺴﺎن ،ﻓﮭﻲ ﻣﺤﺪودة اﻟﻘﺪرة واﻟﻤﺪى وﻻ ﯾﻤﻜﻦ ﺑﺄي ﺣﺎل أن ﺗﺤﺼﺮ اﻟﻌﻠﻮم ﺑﮭﺎ.
-2ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﺣﺎل ﻋﺪم اﻋﺘﻤﺎد اﻟﺒﺼﯿﺮة ﻣﺼﺪرا وﺣﯿﺪا ،واﻻﻛﺘﻔﺎء ﺑﺎﻟﻘﻮل إﻧﮭﺎ اﻟﻤﺼﺪر اﻟﺮﺋﯿﺲ ﻟﻠﻤﻌﺮﻓﺔ ،ﻓﻠﯿﺲ ھﻨﺎك أي ﺿﻤﺎن ﻟﺴﻼﻣﺔ اﻟﺒﺼﯿﺮة ﻣﻦ اﻟﺰﯾﻎ واﻟﻀﻼل،
ﻓﺎﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﻤﺴﺘﻔﺎدة ﻣﻦ اﻟﻜﺸﻒ ﺗﺨﺺ ﺻﺎﺣﺒﮭﺎ ﻓﻘﻂ وﻻ ﯾﻤﻜﻨﮫ ﺷﺮﺣﮭﺎ وﻻ ﻧﻘﻠﮭﺎ ﻟﻶﺧﺮﯾﻦ ﻓﻀﻼ ﻋﻦ إﺛﺒﺎﺗﮫ ﺻﺤﺘﮭﺎ ﻟﮭﻢ.
-3ﯾﻌﺘﺮف ﻛﺒﺎر اﻹﺷﺮاﻗﯿﯿﻦ ﺑﺄن إﻟﮭﺎﻣﺎﺗﮭﻢ ﺟﺎءت ﻣﺘﺎﺛﺮة ﺑﺜﻘﺎﻓﺘﮭﻢ اﻟﻌﺎﻣﺔ ،ﻓﻜﺎن ﻓﻼﺳﻔﺔ اﻹﺷﺮاق ﻓﻲ اﻟﯿﻮﻧﺎن وﻣﺼﺮ ﯾﺮون ﻓﻲ ﻣﻜﺎﺷﻔﺎﺗﮭﻢ ﻣﺎ ﯾﺆﯾﺪ أﺳﺎطﯿﺮھﻢ اﻟﻮﺛﻨﯿﺔ،
وھﻮ ﻣﺎ ﺣﺪث أﯾﻀﺎ ﻟﻔﻼﺳﻔﺔ اﻹﺷﺮاق اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ )ﻣﺜﻞ اﻟﻔﺎراﺑﻲ واﺑﻦ ﺳﯿﻨﺎ( اﻟﺬﯾﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﯾﺸﺎھﺪون ﻣﺎ ﯾﺴﻤﻰ ﺑﺎﻟﻌﻘﻮل اﻟﻌﺸﺮة اﻟﺘﻲ اﻗﺘﺒﺴﻮھﺎ ﻣﻦ ﻧﻈﺮﯾﺔ اﻟﻔﯿﺾ اﻟﯿﻮﻧﺎﻧﯿﺔ
]اﻧﻈﺮ ﻣﻘﺎل اﻟﺒﺎطﻨﯿﺔ[ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﯾﺮى اﻟﻤﺘﺼﻮﻓﺔ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﻣﺎ ﯾﻮاﻓﻖ ﻋﻘﯿﺪﺗﮭﻢ أﺛﻨﺎء اﺳﺘﻐﺮاﻗﮭﻢ ﻓﻲ اﻟﺬﻛﺮ ،ﻓﻠﻮ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺒﺼﯿﺮة ﻣﺠﺮدة ﻋﻦ ھﻮى اﻟﻨﻔﺲ وﺗﺄﺛﯿﺮات اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻛﺎن
ﯾﻨﺒﻐﻲ أﻻ ﺗﺮى إﻻ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ اﻟﻤﺠﺮدة اﻟﺘﻲ ﯾﺸﺘﺮك ﻓﯿﮭﺎ ﻛﻞ اﻟﺒﺸﺮ.
-4ﻟﯿﺲ ھﻨﺎك أي ﺿﻤﺎن ﻋﻘﻠﻲ أو ﻧﻘﻠﻲ أو ﺣﺘﻰ ﻛﺸﻔﻲ ﯾﺜﺒﺖ ﻟﻨﺎ أن ﻣﺎ ﯾﺴﺘﻘﺮ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻦ ﻣﻜﺎﺷﻔﺎت ھﻮ ﻣﻦ ﻣﺼﺪر ﻣﻮﺛﻮق ،ﺳﻮاء ﻛﺎن إﻟ ًﮭﺎ أو ﺣﻘﯿﻘﺔ ﻛﻮﻧﯿﺔ أو
اﻟﺰﻣﺎن اﻟﺤﯿﻮي )ﻟﺪى ﺑﺮﻏﺴﻮن( أو ﺣﺘﻰ ﺧﯿﺎل اﻹﻧﺴﺎن وأوھﺎﻣﮫ ،ﻓﻤﺎ اﻟﺬي ﯾﻤﻨﻊ أن ﺗﻜﻮن اﻟﺠﮭﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺼﻞ ﺑﺎﻟﻌﻘﻞ اﻟﺒﺎطﻦ ﻟﻺﻧﺴﺎن ھﻲ ﺷﯿﻄﺎن ﺧﺒﯿﺚ؟
وﻓﻲ اﻹﺳﻼم ﻧﺼﻮص ﺻﺮﯾﺤﺔ ﺗﺤﺬر ﻣﻦ اﻟﻠﺒﺲ اﻟﺬي ﻗﺪ ﯾﺤﺪث ﻟﺪى اﻟﺒﻌﺾ ﻓﻲ اﻟﺨﻠﻂ ﺑﯿﻦ اﻹﻟﮭﺎم اﻟﺮﺑﺎﻧﻲ ووﺳﺎوس اﻟﺸﯿﺎطﯿﻦ وأوھﺎم اﻟﻌﻘﻞ اﻟﺒﺎطﻦ ،ﻓﯿﻘﻮل اﻟﻨﺒﻲ
ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ “اﻟﺮؤﯾﺎ ﺛﻼﺛﺔ :رؤﯾﺎ ﻣﻦ ﷲ ،ورؤﯾﺎ ﺗﺤﺰﯾﻦ ﻣﻦ اﻟﺸﯿﻄﺎن ،ورؤﯾﺎ ﻣﻤﺎ ﯾﺤﺪث ﺑﮫ اﻟﺮﺟﻞ ﻧﻔﺴﮫ ﻓﻲ اﻟﯿﻘﻈﺔ” ]ﺻﺤﯿﺢ اﻟﺒﺨﺎري ،8/72 :ﺻﺤﯿﺢ ﻣﺴﻠﻢ
،[4/1773وﺳﯿﺄﺗﻲ ﺗﻔﺼﯿﻞ ھﺬا اﻟﻨﻘﺪ ﻓﻲ ظﻞ اﻟﻤﻔﮭﻮم اﻹﺳﻼﻣﻲ ﺿﻤﻦ ﻣﻘﺎل “اﻟﺼﻮﻓﯿﺔ“.
-5ﺑﺪأت ﺗﻈﮭﺮ ﻓﻲ اﻟﻌﻘﻮد اﻷﺧﯿﺮة ادﻋﺎءات ﻛﺜﯿﺮة ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺷﺨﺼﯿﺎت ﺑﺎطﻨﯿﺔ ﻏﺮﺑﯿﺔ ﺗﺰﻋﻢ أﻧﮭﺎ ﺗﺘﺼﻞ
ﺑﺎﻟﺘﺨﺎطﺮ ﻣﻊ ﻛﺎﺋﻨﺎت ﻓﻀﺎﺋﯿﺔ ،وأﻗﯿﻤﺖ ﺑﻨﺎء ﻋﻠﻰ ھﺬه اﻟﻤﺰاﻋﻢ أدﯾﺎن وﻣﺬاھﺐ وﺗﯿﺎرات ﻓﻜﺮﯾﺔ ﯾﺘﺒﻌﮭﺎ
ّ
اﻟﻤﻨﻈﺮﯾﻦ ﻟﮭﺬه اﻟﻔﻜﺮة اﻟﺒﺮﯾﻄﺎﻧﻲ دﯾﻔﯿﺪ آﯾﻚ اﻟﺬي زﻋﻢ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﮫ “اﻟﺴﺮ اﻟﻤﻼﯾﯿﻦ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ،وﻣﻦ أھﻢ
اﻷﻛﺒﺮ” وﺟﻮد ﻛﺎﺋﻨﺎت ﻓﻀﺎﺋﯿﺔ ﻣﻦ اﻟﺰواﺣﻒ اﻟﻌﺎﻗﻠﺔ ﺗﻌﯿﺶ ﺗﺤﺖ ﻗﺸﺮة اﻷرض وأﻧﮭﺎ ﺗﺴﯿﻄﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺸﺮ
ﺑﻄﺮق ﻋﺪة ،وﻗﺎل إن اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ ﺗﻔﺎﺻﯿﻞ ھﺒﻮط اﻟﻜﺎﺋﻨﺎت إﻟﻰ اﻷرض ﻗﺪ ﺗﻠﻘﺎه ﺑﺎﻹﺷﺮاق اﻟﺒﺎطﻨﻲ اﻟﺬي
ﯾﺘﻠﻘﺎه ﻣﻨﮭﺎ ﻣﺒﺎﺷﺮة ،ودون أن ﯾﻘﺪم أي دﻟﯿﻞ ﻋﻠﻰ ﺻﺤﺔ وﺟﻮد ھﺬا اﻹﺷﺮاق اﻟﺬي ﻟﻢ ﯾﺨﺘﺒﺮه أﺣﺪ ﺳﻮاه،
ودون أن ﯾﺜﺒﺖ ﻟﻨﻔﺴﮫ -ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﻏﯿﺮه -أن ﺗﻠﻚ اﻹﺷﺮاﻗﺎت اﻟﺘﻲ ﯾﺘﻠﻘﺎھﺎ ﺻﺤﯿﺤﺔ وﺻﺎدﻗﺔ ﻓﻌﻼ وﻟﯿﺴﺖ
ﻣﻦ ﻗِﺒﻞ ﺷﯿﺎطﯿﻦ ﯾﻌﺒﺜﻮن ﺑﮫ.
دﯾﻔﯿﺪ آﯾﻚ ﺑﯿﻦ أﻧﺼﺎره
اﻟﻤﺼﺪر اﻟﺜﺎﻧﻲ :اﻟﻌﻘﻞ
ﯾﺼﻨﻒ اﻟﻌﻘﻞ ﻟﺪى اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ اﻟﻘﺪﻣﺎء إﻟﻰ ﺻﻨﻔﯿﻦ :اﻷول ﻏﺮﯾﺰي ،وھﻮ اﻟﻤﻠَﻜﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﻌﻠﻢ ﺑﮭﺎ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻀﺮورﯾﺎت ،ﻓﮭﻮ ﻏﺮﯾﺰة ﺗﻤﺘﻠﻚ ﻋﻠﻮﻣﺎ أوﻟﯿﺔ أو ﻣﺒﺎدئ ﺛﺎﺑﺘﺔ .أﻣﺎ
اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻓﮭﻮ ُﻣﻜﺘﺴﺐ ،وھﻮ اﻟﺬي ﯾﻔﮭﻢ ﺑﮫ اﻹﻧﺴﺎن وﯾﻔﻜﺮ.
وﯾﺘﻔﻖ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ اﻟﺤﺪاﺛﯿﻮن ﻣﻊ ھﺬا اﻟﺘﺼﻨﯿﻒ ،ﻓﯿﻘﻮل اﻟﻔﯿﻠﺴﻮف اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ أﻧﺪرﯾﮫ ﻻﻻﻧﺪ إن اﻟﻌﻘﻞ ﯾﻨﻘﺴﻢ إﻟﻰ ﻋﻘﻞ ﻣﻨﺸﺊ وﻋﻘﻞ ُﻣﻨﺸﺄ ،ﻓﺎﻷول ﻗﻮة ﻓﻄﺮﯾﺔ ﺗﺠﺮﯾﺪﯾﺔ ﺛﺎﺑﺘﺔ،
أﻣﺎ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻓﯿﺘﻜﻮن ﻋﻠﻰ ﯾﺪ اﻷول ﺑﻌﺪ إﻋﺪاد طﻮﯾﻞ ،وﺑﺘﺮاﻛﻢ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﻤﻜﺘﺴﺒﺔ واﻟﻤﻘﻮﻻت اﻟﺘﻲ ﻛﺮﺳﮭﺎ اﻻﺳﺘﻌﻤﺎل واﻟﻘﯿﻢ اﻟﻤﻘﺒﻮﻟﺔ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ] .اﻟﻤﻌﺠﻢ اﻟﻔﻠﺴﻔﻲ:
.[2/87
وﺑﺤﺴﺐ اﻋﺘﺒﺎر ﺑﻌﺾ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻷوﻟﻮﯾﺔ اﻟﻌﻘﻞ ،ظﮭﺮ اﻟﻤﺬھﺐ اﻟﻌﻘﻠﻲ اﻟﺬي ُوﺟﺪ داﺧﻞ اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻷدﯾﺎن ،ﻓﻔﻲ اﻟﻤﺴﯿﺤﯿﺔ واﻟﯿﮭﻮدﯾﺔ ﯾﺆﻣﻦ اﻟﻌﻘﻠﯿﻮن -ﻣﺜﻞ ﺳﺒﯿﻨﻮزا
وﺷﺘﺮاوس -ﺑﺄن اﻟﻌﻘﻞ ﻣﻘﯿﺎس ﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﻮﺣﻲ ،ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑﻞ أﺗﺒﺎع ﻣﺬھﺐ ﺧﻮارق اﻟﻄﺒﯿﻌﺔ اﻟﺬﯾﻦ ﯾﺮون أن ﺣﻘﺎﺋﻖ اﻟﻮﺣﻲ ﻻ ﯾﻤﻜﻦ ﻋﺮﺿﮭﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻘﻞ ﻷﻧﮭﺎ ﻟﯿﺴﺖ ﻓﻲ
ﻣﺘﻨﺎوﻟﮫ .وﻓﻲ اﻹﺳﻼم ﻧﺠﺪ أﯾﻀﺎ أن اﻟﻤﻌﺘﺰﻟﺔ واﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﯾﺼﺮون ﻋﻠﻰ ﺑﻨﺎء ﻋﻘﯿﺪة ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻘﻞ ورﻓﺾ ﻣﺎ ﯾﺮوﻧﮫ ﻣﻨﺎﻗﻀﺎ ﻟﮫ ﻣﻤﺎ ﯾﺮد ﻓﻲ اﻟﻮﺣﻲ ﻣﻦ ﻧﺼﻮص ،ﺑﯿﻨﻤﺎ
/https://al-sabeel.net 5/15ﻣﺻﺎدر-اﻟﻣﻌرﻓﺔprint=print?/
2020/5/12 ﻣﺻﺎدر اﻟﻣﻌرﻓﺔ -اﻟﺳﺑﯾل
ﯾﻘﻮل أھﻞ اﻟﺤﺪﯾﺚ وﻋﻠﻤﺎء اﻟﻜﻼم إن اﻟﻨﻘﻞ أوﻟﻰ ﻣﻦ اﻟﻌﻘﻞ ﻋﻨﺪ اﻟﺘﻌﺎرض ،ﻛﻤﺎ ﯾﺆﻛﺪ ﻣﻦ ﺗﺨﺼﺺ ﻣﻨﮭﻢ ﻓﻲ اﻟﻌﻘﺎﺋﺪ أﻧﮫ
ﻟﯿﺲ ھﻨﺎك ﺗﻌﺎرض أﺻﻼ ،وھﺬا ﻣﺎ ﻗﺮره اﺑﻦ ﺗﯿﻤﯿﺔ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﮫ اﻟﻤﺸﮭﻮر “درء ﺗﻌﺎرض اﻟﻌﻘﻞ واﻟﻨﻘﻞ”.
أﻣﺎ أﺗﺒﺎع اﻟﻤﺬھﺐ اﻟﻌﻘﻠﻲ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎﻧﯿﯿﻦ ﻓﻼ ﯾﻠﺘﻔﺘﻮن إﻟﻰ اﻟﻮﺣﻲ ،وﯾﺠﻌﻠﻮن اﻟﻤﻔﺎﺿﻠﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﻌﻘﻞ واﻟﺤﺲ واﻟﺤﺪس ﻓﻘﻂ،
ﺑﺤﯿﺚ ﯾﻜﻮن اﻟﻌﻘﻞ ھﻮ اﻷوﻟﻰ ﺑﺎﻟﯿﻘﯿﻦ ،أو ﯾﻜﻮن ھﻮ اﻟﻤﺼﺪر اﻟﻮﺣﯿﺪ ﻟﻠﻤﻌﺮﻓﺔ.
وﻋﻨﺪ دراﺳﺔ أﻗﻮال وﻣﻨﺎﻗﺸﺎت ھﺬه اﻟﻤﺬاھﺐ ،ﻧﺮى أن ﻣﻔﮭﻮم اﻟﻌﻘﻠﯿﯿﻦ ﻟﻠﻌﻘﻞ ﻟﯿﺲ ﺧﺎﺻﺎ ﺑﺎﻟﻌﻘﻞ اﻟﻐﺮﯾﺰي ﺑﻞ ﯾﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﻌﻘﻞ
اﻟﻤﻜﺘﺴﺐ ،ﻓﮭﻮ ﻋﻘﻞ ﺗﺸﻜﻞ ﻓﻲ ظﻞ اﻟﺘﺄﺛﯿﺮات اﻟﺜﻘﺎﻓﯿﺔ ﻟﻜﻞ ﻋﺼﺮ ،ﺣﯿﺚ ﻧﺮى أن اﻟﻌﻘﻠﯿﯿﻦ داﺧﻞ اﻷدﯾﺎن اﻟﯿﮭﻮدﯾﺔ
واﻟﻤﺴﯿﺤﯿﺔ واﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﻣﺘﺄﺛﺮﯾﻦ ﺑﺎﻟﻤﻨﻄﻖ اﻟﯿﻮﻧﺎﻧﻲ وﻓﻠﺴﻔﺘﮫ اﻟﻌﻘﻠﯿﺔ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﯾﺘﺸﻜﻞ ﻋﻘﻞ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮﯾﻦ ﺑﻤﺎ أﺣﺪﺛﺘﮫ اﻟﺜﻮرة
اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ ﻣﻦ اﻛﺘﺸﺎﻓﺎت.
وﯾﺆﻣﻦ ﺑﻌﺾ أﺗﺒﺎع اﻟﻤﺬھﺐ اﻟﻌﻘﻠﻲ ﺑﺄن اﻷﺻﻮل اﻷوﻟﻰ ﻟﻠﻤﻌﺮﻓﺔ ﺗﻌﻮد ﻛﻠﮭﺎ إﻟﻰ اﻟﺘﺼﻮرات ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﯾﺆﻣﻦ آﺧﺮون ﻣﻦ اﻟﻌﻘﻠﯿﯿﻦ ﺑﺄﻧﮭﺎ ﺗﻌﻮد ﻟﻠﺘﺼﺪﯾﻘﺎت ،ﺣﯿﺚ ﯾﺮى اﻟﻔﺮﯾﻖ
اﻵﺧﺮ أن اﻟﺘﺼﻮرات ﻗﺪ ﺗﻜﻮن ﻣﺠﺮد ﺧﻮاطﺮ ووﺳﺎوس وﻟﯿﺴﺖ ﻣﺒﺎدئ أوﻟﯿﺔ.
وﯾﻘﻮل اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ إن اﻟﻌﻘﻞ ﻣﻔﻄﻮر ﻋﻠﻰ أرﺑﻌﺔ ﻣﺒﺎدئ أوﻟﯿﺔ ،ﺗﻨﺒﺜﻖ ﻣﻨﮭﺎ اﻟﻤﺒﺎدئ اﻷﺧﺮى ،وھﻲ:
-1ﻣﺒﺪأ اﻟﮭﻮﯾﺔ :اﻟﺸﻲء ﻻ ﯾﻜﻮن ﻏﯿﺮه ،وﺑﻠﻐﺔ اﻟﻤﻨﻄﻖ ﯾﻘﺎل “ﻣﺎ ھﻮ ھﻮ ،وﻣﺎ ﻟﯿﺲ ھﻮ ﻟﯿﺲ ھﻮ”.
-2ﻣﺒﺪأ ﻋﺪم اﻟﺘﻨﺎﻗﺾ :اﻟﺸﻲء اﻟﻮاﺣﺪ ﻻ ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﻜﻮن وأﻻ ﯾﻜﻮن ﻓﻲ وﻗﺖ واﺣﺪ.
-3ﻣﺒﺪأ ﻧﻔﻲ اﻟﺜﺎﻟﺚ )اﻟﻮﺳﻂ اﻟﻤﺮﻓﻮع( :أي ﺷﻲء ھﻮ إﻣﺎ )أ( أو ﻟﯿﺲ )أ( وﻻ ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﻜﻮن ﻻ ھﺬا وﻻ
ذاك ،ﻓﻤﺜﻼ إﻣﺎ أن ﯾﻜﻮن اﻟﻌﺪد زوﺟﯿﺎ أو ﻓﺮدﯾﺎ وﻻ ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﻜﻮن إﻻ أﺣﺪھﻤﺎ.
-4ﻣﺒﺪأ اﻟﻌﻠﯿﺔ :ﻻ ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﺤﺪث ﺷﻲء دون ﻋﻠﺔ ﻣﺤﺪدة ،ﺳﻮاء ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﺔ واﺣﺪة ﻛﺎﻓﯿﺔ ﻟﻠﺘﻔﺴﯿﺮ أو
ﺑﺎﻻﺷﺘﺮاك ﻣﻊ ﻋﻠﻞ أﺧﺮى.
-2اﻟﻌﻤﻮﻣﯿﺔ :ﺣﯿﺚ ﯾﺮى اﻟﻌﻘﻠﯿﻮن أن ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺒﺎدئ ﻣﻌﺮوﻓﺔ ﻟﺪى ﻛﻞ اﻟﻌﻘﻮل ،ﻓﻜﺎن دﯾﻜﺎرت ﯾﻘﻮل إن اﻟﻌﻘﻞ أﺣﺴﻦ اﻷﺷﯿﺎء ﺗﻮزﻋﺎ ﺑﯿﻦ اﻟﻨﺎس ﺑﺎﻟﺘﺴﺎوي ،ﺣﺘﻰ ﺟﻌﻞ ﻣﻌﯿﺎر
اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ھﻮ وﺿﻮﺣﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﺬھﻦ ،وھﻮ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﮫ أﯾﻀﺎ ﺑﻌﺾ ﻋﻠﻤﺎء اﻟﻜﻼم اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻣﻦ اﻷﺷﺎﻋﺮة واﻟﻤﻌﺘﺰﻟﺔ ،ﻟﻜﻦ آﺧﺮﯾﻦ ﯾﺮون أن اﻟﻨﺎس ﯾﺘﻔﺎوﺗﻮن ﻓﻲ اﻟﻌﻘﻮل ،ﻓﯿﻘﻮل
اﻟﻐﺰاﻟﻲ “أﻣﺎ اﻷﺻﻞ وھﻮ اﻟﻐﺮﯾﺰة ﻓﺎﻟﺘﻔﺎوت ﻓﯿﮫ ﻻ ﺳﺒﯿﻞ إﻟﻰ ﺟﺤﺪه” ]إﺣﯿﺎء ﻋﻠﻮم اﻟﺪﯾﻦ ،[1/88وﯾﺮى اﺑﻦ ﺗﯿﻤﯿﺔ أﯾﻀﺎ أن اﻟﻤﺒﺎدئ اﻟﻔﻄﺮﯾﺔ ﻗﺪ ﺗﻀﻤﺮ ﻓﻲ اﻟﻌﻘﻞ ﺑﺴﺒﺐ
ﺗﻔﺎوت اﻟﻨﺎس ﻓﻲ ﻗﻮة اﻟﺬھﻦ ﻣﺜﻞ ﺗﻔﺎوﺗﮭﻢ ﻓﻲ ﻗﻮة اﻟﺒﺪن.
وﯾﻤﻜﻦ اﻟﻘﻮل إن ھﺬا اﻟﺘﻔﺎوت ﻻ ﯾﻌﻨﻲ أن اﻟﻤﺒﺎدئ ﻧﻔﺴﮭﺎ ﻧﺴﺒﯿﺔ ﻓﻲ دﻻﻟﺘﮭﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ﺑﻞ ﻣﻦ ﺣﯿﺚ ﺻﻠﺔ اﻟﻨﺎس ﺑﮭﺎ ،وذﻟﻚ ﻧﻈﺮا ﻟﺘﻔﺎوت ﻗﺪراﺗﮭﻢ اﻟﻌﻘﻠﯿﺔ وﻏﻔﻠﺔ
ﺑﻌﻀﮭﻢ ،ﻓﻼ ﯾﻤﻜﻦ ﻟﻌﻘﻞ ﺳﻠﯿﻢ أن ﯾﻨﻜﺮ ﻣﺜﻼ أن اﻟﻨﻘﯿﻀﯿﻦ ﻻ ﯾﺠﺘﻤﻌﺎن.
وﻣﻦ اﻷﻣﺜﻠﺔ اﻟﻤﺸﮭﻮرة ﻟﮭﺬا اﻟﻤﻨﮭﺞ ﻓﻲ اﻟﺒﯿﺌﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ،رواﯾﺔ “ﺣﻲ ﺑﻦ ﯾﻘﻈﺎن” ﻟﻠﻔﯿﻠﺴﻮف اﻷﻧﺪﻟﺴﻲ اﺑﻦ طﻔﯿﻞ ،اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻜﻲ
ﻗﺼﺔ طﻔﻞ ﯾﻨﺸﺄ وﺣﯿﺪا ﻓﻲ ﺟﺰﯾﺮة ﻧﺎﺋﯿﺔ ،ﺣﯿﺚ ﯾﺒﺪأ ﺑﺎﻟﺘﺄﻣﻞ ﻓﻲ ذاﺗﮫ وﻓﻲ اﻟﻜﻮن واﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﻮﺟﻮدﯾﺔ دون ﺗﺮﺑﯿﺔ وﻻ ﺗﻮﺟﯿﮫ،
ﻓﯿﺼﻞ إﻟﻰ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺑﻌﻘﻠﮫ دون ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻠﻮﺣﻲ.
وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺑﺪأت ﺗﺮﺟﻤﺔ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ اﻟﯿﻮﻧﺎﻧﯿﺔ اﻟﻌﻘﻠﯿﺔ وﺷﺒﯿﮭﺘﮭﺎ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ إﻟﻰ اﻟﻠﻐﺎت اﻷوروﺑﯿﺔ ظﮭﺮت أﻓﻜﺎر ﻣﻤﺎﺛﻠﺔ ﻟﺪى
اﻷوروﺑﯿﯿﻦ ،ﻓﺎﻋﺘﺒﺮ ﺳﺒﯿﻨﻮزا أن اﻟﻌﻘﻞ أوﺛﻖ ﻣﻦ اﻟﻮﺣﻲ ﻷن دﻻﺋﻞ ﺻﺪﻗﮫ ﻣﺘﻀﻤﻨﺔ ﻓﯿﮫ ﺑﯿﻨﻤﺎ ﯾﺤﺘﺎج اﻟﻮﺣﻲ إﻟﻰ اﻟﻤﻌﺠﺰة
ﻹﺛﺒﺎت ﺻﺪﻗﮫ ،ﻛﻤﺎ ﺳﺎر ﻻﯾﺒﻨﺘﺰ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺲ اﻟﻨﮭﺞ ،وﺣﺎول اﻻﺛﻨﺎن ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﺸﺮ إﻗﺎﻣﺔ دﯾﻦ ﺟﺪﯾﺪ ﺗﺤﺖ ﻣﺴﻤﻰ دﯾﻦ
اﻟﻄﺒﯿﻌﺔ ،ﺑﺤﯿﺚ ﯾُﺤﺘﻜﻢ ﻓﯿﮫ إﻟﻰ اﻟﻌﻘﻞ دون اﻟﻮﺣﻲ ،ﺛﻢ دﻋﻢ اﻟﻔﯿﻠﺴﻮف اﻷﻟﻤﺎﻧﻲ إﯾﻤﺎﻧﻮﯾﻞ ﻛﺎﻧﻂ ھﺬا اﻟﺘﻮﺟﮫ ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ.
وﯾﺒﺪو أن اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ اﻟﻌﻘﻠﯿﯿﻦ ﻓﻲ ﻋﺼﺮ اﻟﻨﮭﻀﺔ اﻷوروﺑﯿﺔ ﻛﺎﻧﻮا ﯾﺴﻌﻮن إﻟﻰ رد اﻻﻋﺘﺒﺎر ﻟﻠﻌﻘﻞ ﺿﻤﻦ ﺻﺮاﻋﮭﻢ ﻣﻊ ﻛﮭﻨﻮت اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﯿﻜﯿﺔ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ ،وﺿﻤﻦ ﺻﺮاﻋﮭﻢ
أﯾﻀﺎ ﻣﻊ ﻓﻼﺳﻔﺔ اﻟﻤﺬھﺐ اﻟﺤﺴﻲ ،وﻟﻜﻦ دﯾﻜﺎرت ﻧﻔﺴﮫ )وھﻮ راﺋﺪ ھﺬا اﻟﻤﺬھﺐ( اﻋﺘﺮف ﺑﺄن ھﻨﺎك ﺣﻘﺎﺋﻖ ﻣﯿﺘﺎﻓﺰﯾﻘﯿﺔ )ﻏﯿﺒﯿﺔ( ﻻ ﯾﻤﻜﻦ ﻟﻠﻌﻘﻞ اﻟﺨﻮض ﻓﯿﮭﺎ ،ﺛﻢ ﺟﺎء
أﺗﺒﺎﻋﮫ ﻣﻦ ﺑﻌﺪه ﻟﯿﺤﺼﺮوا اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻘﻞ وﺣﺪه.
/https://al-sabeel.net 6/15ﻣﺻﺎدر-اﻟﻣﻌرﻓﺔprint=print?/
2020/5/12 ﻣﺻﺎدر اﻟﻣﻌرﻓﺔ -اﻟﺳﺑﯾل
ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ھﻨﺎك ﻓﺼﻞ آﻧﺬاك ﺑﯿﻦ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ وﻋﻠﻮم اﻻﺟﺘﻤﺎع واﻟﻨﻔﺲ واﻟﻄﺐ ،ﻣﺎ ﺳﻤﺢ ﻟﻠﻌﻘﻠﯿﯿﻦ ﺑﻤﻨﺢ اﻟﻌﻘﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻨﺰﻟﺔ اﻟﻌﺎﻟﯿﺔ،
ﻟﻜﻦ اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺪراﺳﺎت اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ اﻟﺘﻲ ظﮭﺮت ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﯾﻦ أﻛﺪت أن اﻟﻔﻄﺮة ﻻ ﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﺒﻘﻰ ﻣﺼﻮﻧﺔ ﻋﻦ
اﻟﺰﯾﻒ ﺑﻌﺪ وﻗﻮﻋﮭﺎ ﺗﺤﺖ ﺗﺄﺛﯿﺮ اﻟﻮراﺛﺔ واﻟﺒﯿﺌﺔ ]ﻣﺤﻤﺪ ﺗﻘﻲ اﻷﻣﯿﻨﻲ ،ﻋﺼﺮ اﻹﻟﺤﺎد ،ص ،[74ﻓﻤﻦ ﺷﺒﮫ اﻟﻤﺴﺘﺤﯿﻞ اﻟﺘﻮﺻﻞ
إﻟﻰ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﻋﻘﻠﯿﺔ ﻣﺠﺮدة ﻓﻲ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﻀﺮورﯾﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮم ﻋﻠﻰ اﻷوﻟﯿﺎت اﻟﻌﻘﻠﯿﺔ )اﻟﻔﻄﺮة( ،وھﻮ ﻣﺎ ﯾﺆﻛﺪه اﻟﻔﻠﯿﺴﻮف اﻷﻟﻤﺎﻧﻲ
ﻛﻮﻟﺒﮫ ﺑﻘﻮﻟﮫ “إﻧﮫ ﻣﻦ اﻟﺼﻌﺐ أن ﻧﻀﻊ ﺣﺪا ﻓﺎﺻﻼ ﺑﯿﻦ اﻷﺣﻜﺎم اﻷوﻟﯿﺔ ﻟﻠﻌﻘﻞ وﺑﯿﻦ اﻷﺣﻜﺎم اﻟﻤﻜﺘﺴﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ”.
وﺻﻌﻮﺑﺔ ﺗﺠﺮد اﻟﻌﻘﻞ اﻟﺒﺸﺮي ﺗﻨﺒﻊ ﻣﻦ طﺒﯿﻌﺔ اﻹﻧﺴﺎن ،ﺣﯿﺚ ﯾﺴﺘﺤﯿﻞ ﻋﻠﯿﮫ اﻟﺘﺤﻮل إﻟﻰ آﻟﺔ ﺻﻤﺎء ﻛﺄﺟﮭﺰة اﻟﺤﺎﺳﻮب
اﻟﻤﺒﺮﻣﺠﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺴﻠﺴﻞ اﻟﻤﻨﻄﻘﻲ ،ﻓﺎﻟﺘﺪاﺧﻞ ﺑﯿﻦ اﻟﻌﻘﻞ واﻟﻨﻔﺲ ھﻮ ﺟﻮھﺮ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻨﺬ ﺑﺪء ﺧﻠﻘﮫ.
ﻛﻤﺎ أن وﺿﻊ ﻣﻨﮭﺞ ﻣﻌﺮﻓﻲ ﻣﺘﻜﺎﻣﻞ ﻟﻠﻌﻘﻞ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻌﻘﻞ ﻧﻔﺴﮫ أﻣﺮ ﻣﺘﻌﺬر ،ﻓﻼ ﯾﻤﻜﻦ ﻟﻶﻟﺔ أن ﺗﺪرك ذاﺗﮭﺎ واﻟﻤﺆﺛﺮات
اﻟﻤﺤﯿﻄﺔ ﺑﮭﺎ ﻋﻠﻰ وﺟﮫ اﻟﺘﻤﺎم ،وأن ﺗﺤﺪد ﺑﺪﻗﺔ ﺣﺪود ﻗﺪراﺗﮭﺎ وﻣﻨﺘﮭﺎھﺎ ،ﺛﻢ ﺗﻀﻊ ﻣﻨﮭﺠﺎ ﯾﻀﺒﻂ ﻋﻤﻠﮭﺎ وﯾﺼﺤﺢ ﻣﺴﺎرھﺎ ﻓﯿﮫ
دﯾﻜﺎرت
دون ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻤﺮﺷﺪ ﺧﺎرﺟﻲ .ﻟﺬا اﺿﻄﺮ دﯾﻜﺎرت ﻣﻨﺬ ﺑﺪاﯾﺔ وﺿﻌﮫ ﻟﻤﻨﮭﺞ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﻌﻘﻠﻲ أن ﯾﺴﻠّﻢ ﺑﻮﺟﻮد إﻟﮫ ﺧﺎﻟﻖ وﻣﺮﺷﺪ
ﻛﺨﻄﻮة ﺿﺮورﯾﺔ وﺗﻠﻘﺎﺋﯿﺔ ﺑﻌﺪ ﺗﺴﻠﯿﻤﮫ ﺑﺎﻟﺤﻘﯿﻘﺔ اﻷوﻟﻰ ،وھﻲ أن ﯾﻌﻘﻞ ذاﺗﮫ ،وﻛﺄن اﻟﻌﻘﻞ ﻻ ﯾﺴﺘﻄﯿﻊ أن ﯾﺨﻄﻮ ﺧﻄﻮﺗﮫ
اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ دون ﻣﺼﺪر ﻋﻠﻮي ﯾﺴﺘﻨﺪ ﻋﻠﯿﮫ.
ﻧﺘﯿﺠﺔ ﻟﺬﻟﻚ ،ﺗﻌﺎﻧﻲ ﺟﻤﯿﻊ اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻌﻘﻠﯿﺔ ﻣﻦ ﻋﯿﻮب وﻧﻮاﻗﺺ ﻻ ﺗﺰال ﺗﻈﮭﺮ ﻋﻤﻠﯿﺎ ﺑﻌﺪ إﺧﻀﺎﻋﮭﺎ ﻟﻠﺘﻄﺒﯿﻖ ،وﻣﻦ أﺑﺮزھﺎ ﻣﻨﻄﻖ أرﺳﻄﻮ اﻟﺬي ﺗﻌﺮض ﻟﻠﻨﻘﺪ ﻋﻠﻰ ﯾﺪ ﻋﺪد
ﻣﻦ ﻛﺒﺎر اﻟﻌﻠﻤﺎء اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻗﺒﻞ أن ﯾُﻨﻘﺪ ﻻﺣﻘﺎ ﻓﻲ أوروﺑﺎ ،وﻣﻦ أﺑﺮزھﻢ اﺑﻦ ﺗﯿﻤﯿﺔ اﻟﺬي أﺑﺮز ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﮫ “اﻟﺮد ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻨﻄﻘﯿﯿﻦ” ﻋﺠﺰ اﻟﻤﻨﻄﻖ ﻋﻦ اﻟﺘﻮﺻﻞ إﻟﻰ ﺣﻘﺎﺋﻖ
ﯾﻘﯿﻨﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﯿﺘﺎﻓﯿﺰﯾﻘﯿﺎ ،ﻓﺎﻻﺳﺘﺪﻻل ﺑﺎﻟﻘﯿﺎس ﯾﻨﻄﻠﻖ ﻣﻦ اﻟﻤﻘﺪﻣﺔ اﻟﻜﻠﯿﺔ إﻟﻰ اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ،ﻣﻊ أن اﻟﻜﻠﻲ ﻻ ﯾﺪل إﻻ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺪر اﻟﻤﺸﺘﺮك ﻣﻦ اﻷﺷﯿﺎء اﻟﻜﻠﯿﺔ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺗﻜﻮن ﻗﻀﺎﯾﺎ
اﻟﻌﻘﯿﺪة ﻣﻌﯿّﻨﺔ وﻻ ﯾﻤﻜﻦ ﻟﻠﻘﯿﺎس اﻟﻜﻠﻲ أن ﯾﺪل ﻋﻠﯿﮭﺎ.
وﻣﻦ ﻋﯿﻮب اﻟﻤﻨﻄﻖ أﯾﻀﺎ “ﻗﯿﺎس اﻟﻐﺎﺋﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎھﺪ” ،ﻓﻤﻦ ﺧﻼل اﻟﺒﺤﺚ ﻓﻲ اﻟﻌﻠﺔ اﻟﻤﺸﺘﺮﻛﺔ ﺑﯿﻨﮭﻤﺎ ﯾﻤﻜﻦ ﻓﻘﻂ ﻟﻠﻌﻘﻞ أن
ﯾﺴﺘﻨﺘﺞ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ،وھﺬا ﯾﺆدي إﻟﻰ ﻗﯿﺎس اﻹﻟﮫ ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺴﺎن ،وھﻮ اﻓﺘﺮاض ﻏﯿﺮ ﻣﺒﺮر أﺻﻼ .ﯾﻘﻮل اﺑﻦ ﺗﯿﻤﯿﺔ إﻧﮫ ﻻ ﯾﺠﻮز أن
ﯾﺪﺧﻞ اﻹﻟﮫ ﻣﻊ ﻏﯿﺮه ﺗﺤﺖ ﻗﻀﯿﺔ ﻛﻠﯿﺔ ﺗﺴﺘﻮي أﻓﺮادھﺎ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻓﻌﻞ ﻋﻠﻤﺎء اﻟﻜﻼم واﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ذﻟﻚ ﺗﻨﺎﻗﻀﺖ أدﻟﺘﮭﻢ وﻟﻢ ﺗﺒﻠﻎ
اﻟﯿﻘﯿﻦ.
وھﺬا اﻟﻘﺼﻮر ﻓﻲ اﻟﻤﻨﮭﺞ ،وﻓﻲ اﻷداة ﻧﻔﺴﮭﺎ )اﻟﻌﻘﻞ( ،ﺗﻈﮭﺮ آﺛﺎره ﻓﻲ ﻛﻞ اﻟﻔﻠﺴﻔﺎت اﻟﻌﻘﻠﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺑﺤﺜﺖ ﻓﻲ اﻹﻟﮭﯿﺎت
واﻟﻤﯿﺎﻓﯿﺰﯾﻘﯿﺎ ﺑﻼ اﺳﺘﺜﻨﺎء ،ﺑﻞ ﻧﺠﺪه واﺿﺤﺎ أﯾﻀﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺪارس اﻟﻌﻘﻠﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺸﺄت داﺧﻞ اﻷدﯾﺎن ،ﺳﻮاء ﻟﺪى ﻋﻠﻤﺎء اﻟﻜﻼم
)اﻟﻤﺘﻜﻠﻤﯿﻦ( واﻟﻔﻼﺳﻔﺔ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ أو ﻟﺪى ﻓﻼﺳﻔﺔ اﻟﻼھﻮت اﻟﻤﺴﯿﺤﻲ ﻓﻲ اﻟﻘﺮون اﻟﻮﺳﻄﻰ ،ﺣﺘﻰ ﺗﺮاﺟﻊ ﺑﻌﻀﮭﻢ ﻋﻦ اﻟﺘﺰام
اﻟﻤﻨﮭﺞ اﻟﻌﻘﻠﻲ ﻛﻠﮫ ﻓﻲ اﻹﻟﮭﯿﺎت ﺑﻌﺪ أن ﺑﻠﻎ ﻏﺎﯾﺘﮫ ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺚ واﻟﺘﺒﺤﺮ ،ﻣﺜﻞ اﻟﺮازي واﻵﻣﺪي واﻟﺸﮭﺮﺳﺘﺎﻧﻲ واﻟﻐﺰاﻟﻲ.
وﯾُﻨﻘﻞ ﻋﻦ أﻓﻀﻞ اﻟﺪﯾﻦ اﻟﺨﻮﻧﺠﻲ )ﺗﻮﻓﻲ ﻋﺎم 646ھـ( ﻗﻮﻟﮫ “أﻣﻮت وﻣﺎ ﻋﺮﻓﺖ ﺷﯿﺌﺎ” ،ﻛﻤﺎ ﯾﻨﻘﻞ ﻋﻦ ﻣﻌﺎﺻﺮه ﺷﻤﺲ اﻟﺪﯾﻦ اﻟﺨﺴﺮوﺷﺎھﻲ أﻧﮫ ﻗﺎل ﻋﻨﺪ ﻣﻮﺗﮫ “وﷲ ﻣﺎ
أدري ﻣﺎ أﻋﺘﻘﺪ” ،وﻗﺪ ﺳﺒﻘﮭﻤﺎ ﺑﺬﻟﻚ ﺳﻘﺮاط ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺎل “ﻻ أﻋﺮف ﺳﻮى ﺷﻲء واﺣﺪ ،وھﻮ أﻧﻲ ﻻ أﻋﺮف ﺷﯿﺌﺎ” ]اﻟﻌﻘﯿﺪة اﻟﻄﺤﺎوﯾﺔ ،ص .[228-227
وﻣﻊ ذﻟﻚ ،ﻓﻼ ﻧﻘﻮل إن اﻟﻌﻘﻞ أداة ﻋﺎﺟﺰة ﻋﻦ اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ،ﺑﻞ ﯾﻨﺒﻐﻲ اﻟﺘﻔﺮﯾﻖ ﺑﯿﻦ وﺟﻮد ﺣﻘﺎﺋﻖ اﻟﻌﻘﯿﺪة وﺑﯿﻦ ﻛﻨﮭﮭﺎ وﺗﻔﺎﺻﯿﻠﮭﺎ وﻣﺎ ھﻲ ﻋﻠﯿﮫ ،ﻓﺎﻟﻌﻘﻞ ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ
إﺛﺒﺎت وﺟﻮد اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﻜﺒﺮى واﻟﺒﺮھﻨﺔ ﻋﻠﯿﮭﺎ ،ﻟﻜﻦ اﻟﺘﺨﺒﻂ ﯾﺒﺪأ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﺨﻮض ﻓﻲ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﺗﻌﻘﻞ اﻟﻜﯿﻔﯿﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻜﻮن ﻋﻠﯿﮭﺎ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﻐﯿﺒﯿﺔ ﻷﻧﮭﺎ ﻏﺎﺋﺒﺔ ﻋﻨﮫ وﻋﻦ
اﻟﺤﻮاس ،وﻻ ﯾﺴﺘﻄﯿﻊ اﻟﻨﻔﺎذ إﻟﻰ ﻋﻮاﻟﻤﮭﺎ اﻟﻤﻔﺎرﻗﺔ ﻟﻠﺰﻣﺎن واﻟﻤﻜﺎن ﻣﮭﻤﺎ اﺷﺘﻂ ﺑﮫ اﻟﺨﯿﺎل ،ﻟﺬا ﻗﺎل اﻟﺮﺳﻮل ﻣﺤﻤﺪ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ ﺑﻌﺪ أن أﺛﺒﺖ ﻟﻠﻨﺎس وﺟﻮد اﻟﺨﺎﻟﻖ
وﺻﻔﺎﺗﮫ “ﺗﻔﻜﺮوا ﻓﻲ آﻻء ﷲ ،وﻻ ﺗﻔﻜﺮوا ﻓﻲ ذاﺗﮫ ﻓﺘﮭﻠﻜﻮا” ]ﺻﺤﺤﮫ اﻷﻟﺒﺎﻧﻲ[ ،وھﺬا ﻟﯿﺲ َﺣﺠﺮا ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻘﻞ ﺑﻞ ﺣﻔﻆ ﻟﮫ ﻣﻦ اﻟﺨﻮض ﻓﻲ ﻣﺎ ﻻ ﯾﻘﺪر ﻋﻠﯿﮫ.
ﯾﻔﺮق ﻋﻠﻤﺎء اﻟﻤﻨﻄﻖ ﺑﯿﻦ اﻟﻘﻀﺎﯾﺎ اﻟﺤﺴﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﺠﺰم اﻟﻌﻘﻞ ﺑﻮﺟﻮدھﺎ ﻟﻤﺠﺮد ﺗﺼﻮرھﺎ ،ﻣﺜﻞ وﺟﻮد اﻟﺸﻤﺲ ﻋﻨﺪ اﻹﺣﺴﺎس ﺑﺤﺮارﺗﮭﺎ
أو رؤﯾﺔ ﺿﯿﺎﺋﮭﺎ ،وﺑﯿﻦ اﻟﻘﻀﺎﯾﺎ اﻟﺘﺠﺮﯾﺒﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﺪﺧﻞ ﻓﯿﮭﺎ اﻟﺤﺲ وﻟﻜﻨﮭﺎ ﺗﺘﻄﻠﺐ اﻟﻤﺰﯾﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﻼﺣﻈﺔ واﻟﺘﺠﺮﺑﺔ.
واﻟﻤﺬھﺐ اﻟﺤﺴﻲ ﻓﻲ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ھﻮ اﻟﺬي ﯾﻘﻮل أﺗﺒﺎﻋﮫ إن اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻣﺤﺼﻮرة ﺑﻤﺎ ﺗﺘﻠﻘﺎه اﻟﺤﻮاس اﻟﺨﻤﺲ ،ﻓﻜﻞ اﻟﺘﺼﻮرات اﻟﻌﻘﻠﯿﺔ
ﻣﻘﺘﺒﺴﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺪﻣﮭﺎ ﻟﮫ اﻟﺤﻮاس ،أﻣﺎ اﻟﻤﻨﮭﺞ اﻟﺘﺠﺮﯾﺒﻲ ﻓﯿﻘﻮل أﺻﺤﺎﺑﮫ إن اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ھﻲ اﻟﻤﺼﺪر اﻟﻮﺣﯿﺪ ﻟﻠﻤﻌﺮﻓﺔ ﻣﻦ
اﻟﻤﺪرﻛﺎت اﻟﺤﺴﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ،وﻣﻦ اﻟﻤﻌﻠﻮم أن اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﺗﺘﻄﻠﺐ ﺗﺪﺧﻞ اﻟﺒﺎﺣﺚ ﻓﻲ اﻟﻤﻮﺿﻮع ﻻﺧﺘﺒﺎره وﻻ ﺗﻜﺘﻔﻲَ ﺧﻼل ﺗﻮظﯿﻒ
ﺑﺎﻟﻤﻼﺣﻈﺔ.
اﺑﺘﺪأ اﻟﺘﯿﺎر اﻟﺤﺴﻲ ﺑﺎﻟﻈﮭﻮر ﻓﻲ اﻟﯿﻮﻧﺎن ﻋﻠﻰ ﯾﺪ أﺑﯿﻘﻮر ﺧﻼل اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻗﺒﻞ اﻟﻤﯿﻼد ،وواﻓﻘﮫ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﻟﺮواﻗﯿﻮن اﻟﺬﯾﻦ ﺣﺼﺮوا
اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺑﺎﻟﺤﺲ ﻣﻊ أﻧﮭﻢ ﻟﻢ ﯾﻨﻔﻮا ﻓﺎﻋﻠﯿﺔ اﻟﻌﻘﻞ ﺗﻤﺎﻣﺎ.
أﺑﯿﻘﻮر
وﻓﻲ أوروﺑﺎ ،ﺗﺄﺛﺮ اﻟﻔﯿﻠﺴﻮف اﻹﻧﺠﻠﯿﺰي روﺟﺮ ﺑﯿﻜﻮن )ﺗﻮﻓﻲ ﻋﺎم 1349م( ﺑﺄﻓﻜﺎر اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ اﻟﮭﯿﺜﻢ واﺑﻦ رﺷﺪ ﺑﻌﺪ ﺗﺮﺟﻤﺘﮭﺎ،
وﺣﺎول ﻧﻘﻞ اﻟﻤﻨﮭﺞ اﻟﻌﻠﻤﻲ اﻟﺘﺠﺮﯾﺒﻲ ﻋﻦ اﺑﻦ اﻟﮭﯿﺜﻢ )ﺗﻮﻓﻲ ﻋﺎم 1040م( رﻏﻢ رﻓﺾ اﻟﻜﻨﯿﺴﺔ ﻟﮫ ،ﺛﻢ ﺗﺒﻨﻰ ھﺬا اﻻﺗﺠﺎه ﻣﻦ ﺑﻌﺪه ﻓﺮاﻧﺴﯿﺲ ﺑﯿﻜﻮن.
وﯾﻌﺪ اﻟﻔﯿﻠﺴﻮف اﻹﻧﺠﻠﯿﺰي ﺟﻮن ﻟﻮك )ﺗﻮﻓﻲ ﻋﺎم 1704م( ﻣﻦ رواد اﻟﻤﺬھﺐ اﻟﺤﺴﻲ ،ﺣﯿﺚ اﻧﻄﻠﻖ ﻓﻲ وﺿﻊ ﻧﻈﺮﯾﺘﮫ ﻟﻠﻤﻌﺮﻓﺔ دون اﻻﻟﺘﻔﺎت إﻟﻰ ﻣﺎ أﻗﺮه دﯾﻜﺎرت
وﻣﻌﻈﻢ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻣﻦ ﺛﻨﺎﺋﯿﺔ اﻟﻨﻔﺲ واﻟﺠﺴﻢ ،وأﻧﻜﺮ وﺟﻮد اﻟﻔﻄﺮة واﻷوﻟﯿﺎت اﻟﻌﻘﻠﯿﺔ ﺑﻨﺎء ﻋﻠﻰ ﻣﻼﺣﻈﺘﮫ ﻟﺘﻨﻮع اﻟﺨﺒﺮات اﻟﺒﺸﺮﯾﺔ ،ﻓﻘﺎل إن ﻣﺎ ھﻮ ﻓﻄﺮي ﻟﺪى اﻟﺒﻌﺾ ﻟﯿﺲ
ﻛﺬﻟﻚ ﻟﺪى اﻟﺒﻌﺾ اﻵﺧﺮ ،وھﻜﺬا أﺧﺬ ﯾﺒﺤﺚ ﻓﻲ اﻧﻌﻜﺎس اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺬھﻦ ﻣﻦ إﺣﺴﺎﺳﺎت وإدراﻛﺎت وأﻓﻜﺎر وﻛﻠﻤﺎت ،واﻧﺘﮭﻰ إﻟﻰ اﻟﻘﻮل إن اﻟﻌﻘﻞ اﻟﺒﺸﺮي ﯾﻮﻟﺪ
ﻛﺼﻔﺤﺔ ﺑﯿﻀﺎء ﺧﺎﻟﯿﺔ ﻣﻦ أي ﻋﻼﻣﺎت ﻣﻮروﺛﺔ أو ﻓﻄﺮﯾﺔ ،ﺛﻢ ﺗﻜﺘﺐ ﻋﻠﯿﮭﺎ اﻟﺨﺒﺮة اﻟﺘﺠﺮﯾﺒﯿﺔ ﻣﺎ ﺗﺘﻠﻘﺎه ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺤﻮاس.
/https://al-sabeel.net 7/15ﻣﺻﺎدر-اﻟﻣﻌرﻓﺔprint=print?/
2020/5/12 ﻣﺻﺎدر اﻟﻣﻌرﻓﺔ -اﻟﺳﺑﯾل
ظﮭﺮ دﯾﻔﯿﺪ ھﯿﻮم ﺑﻌﺪ وﻓﺎة ﻟﻮك ﻟﯿﺄﺧﺬ اﻟﻤﺬھﺐ اﻟﺤﺴﻲ إﻟﻰ ﻏﺎﯾﺘﮫ اﻟﻘﺼﻮى ،ﻓﺄﻧﻜﺮ ﻓﺎﻋﻠﯿﺔ اﻟﻌﻘﻞ ﺗﻤﺎﻣﺎ ﺣﺘﻰ وﺻﻞ إﻟﻰ اﻟﺸﻚ ﻛﻤﺎ
ذﻛﺮﻧﺎ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻊ ﺳﺎﺑﻖ ﻣﻦ ھﺬا اﻟﻤﻘﺎل ،ﻓﺒﻌﺪ أن ﻛﺎن ﻟﻮك ﯾﻌﺘﺮف ﺑﺄن ﻟﻠﻌﻘﻞ دور ﻓﻲ اﻟﻤﻀﺎھﺎة واﻟﺠﻤﻊ واﻟﺘﺠﺮﯾﺪ ﻟﻠﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﺘﻲ
ﯾﺘﻠﻘﺎھﺎ ﻋﻦ اﻟﺤﺲ ﻟﻢ ﯾﻘﺮ ھﯿﻮم ﺑﺄي دور ﻟﻠﻌﻘﻞ ﺑﻞ ﺟﻌﮫ ﻣﺠﺮد ﻣﻮطﻦ ﻟﻼﻧﻔﻌﺎﻻت اﻟﺤﺴﯿﺔ.
وﻓﻲ أواﺧﺮ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﺸﺮ ،وﺿﻊ أوﻏﺴﺖ ﻛﻮﻧﺖ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ اﻟﻮﺿﻌﯿﺔ ﻋﻠﻰ أﺳﺎس اﻟﺜﻘﺔ
اﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ اﻟﺘﺠﺮﯾﺒﻲ ،ﻓﻘﺪ ﺳﺎد ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ اﻻﻋﺘﻘﺎد ﺑﺄن اﻹﻧﺴﺎن ﺑﻠﻎ ذروة اﻟﺘﻘﺪم ﻣﻊ
ﺗﻜﺎﺛﺮ اﻻﺧﺘﺮاﻋﺎت واﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت ﺑﺄﺳﺮع وﺗﯿﺮة ﻋﺮﻓﮭﺎ اﻟﺘﺎرﯾﺦ ،ﻣﺎ دﻓﻊ ﺑﺄﻧﺼﺎر ھﺬا اﻟﻤﺬھﺐ
إﻟﻰ اﻻﻋﺘﻘﺎد ﺑﺄن اﻟﻌﻠﻢ اﻟﺘﺠﺮﯾﺒﻲ ھﻮ اﻟﻤﺼﺪر اﻟﻤﻌﺮﻓﻲ اﻟﻮﺣﯿﺪ اﻟﺬي ﺳﯿﺠﯿﺐ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ اﻷﺳﺌﻠﺔ.
ﻓﺮﻧﺴﯿﺲ ﺑﯿﻜﻮن
ﺗﺼﻮر ﻛﻮﻧﺖ أن اﻟﺒﺸﺮﯾﺔ ﺗﻄﻮرت طﻮال ﺗﺎرﯾﺨﮭﺎ ﻋﺒﺮ ﺛﻼث ﻣﺮاﺣﻞ ،اﻷوﻟﻰ ھﻲ اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ
اﻟﻼھﻮﺗﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن اﻹﻧﺴﺎن ﯾﻔﺴﺮ ﻓﯿﮭﺎ ظﻮاھﺮ اﻟﻄﺒﯿﻌﺔ ﺑﺈﻋﺎدﺗﮭﺎ إﻟﻰ ﻣﻮﺟﻮدات ﻏﯿﺒﯿﺔ ،ﺳﻮاء
ﻛﺎﻧﺖ إﻟﮭﺎ ً واﺣﺪا أو ﻋﺪة آﻟﮭﺔ ،واﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ھﻲ اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ اﻟﻤﯿﺘﺎﻓﯿﺰﯾﻘﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺻﺎر اﻹﻧﺴﺎن ﯾﺘﻮھﻢ
دﯾﻔﯿﺪ ھﯿﻮم ﻓﯿﮭﺎ وﺟﻮد ﻋﻠﻞ ذاﺗﯿﺔ داﺧﻞ اﻟﻈﻮاھﺮ ﺑﺪﻻ ﻣﻦ اﻵﻟﮭﺔ ،وﻓﻲ اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﺻﺎر اﻹﻧﺴﺎن ﯾﻔﺴﺮ
ﻛﻞ ﺷﻲء ﺑﻤﻨﻄﻖ اﻟﻌﻠﻢ اﻟﺘﺠﺮﯾﺒﻲ.
وﻗﺪ رد ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻋﻠﻰ ھﺬه اﻟﻨﻈﺮﯾﺔ ﺑﺄﻧﮭﺎ ﻣﺠﺮدة ﻣﻦ اﻟﺒﺮھﺎن اﻟﺘﺠﺮﯾﺒﻲ أﺻﻼ ،ﻓﮭﻲ ﻟﯿﺴﺖ ﺳﻮى رواﯾﺔ ﻣﯿﺘﺎﻓﯿﺰﯾﻘﯿﺔ ﻟﺘﻄﻮر اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﺒﺸﺮﯾﺔ ،واﺳﺘﻘﺮاء
اﻟﺘﺎرﯾﺦ ﯾﺜﺒﺖ ﻋﻜﺴﮭﺎ ،ﻓﺎﻷوﺿﺎع اﻟﺜﻼﺛﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺨﯿﻞ أﻧﮭﺎ ﻣﺮاﺣﻞ ﻣﺘﻌﺎﻗﺒﺔ ﻣﺎ زاﻟﺖ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﺣﺘﻰ اﻟﯿﻮم ،وﻛﺎﻧﺖ ﻣﺘﻌﺎﯾﺸﺔ أﯾﻀﺎ ﻓﻲ ﻣﺮاﺣﻞ ﻗﺪﯾﻤﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﺎرﯾﺦ.
-1اﺗﺠﺎه اﻟﻔﯿﻠﺴﻮف اﻹﻧﺠﻠﯿﺰي ﺟﻮن ﺳﺘﯿﻮارت ﻣﯿﻞ اﻟﺬي آﻣﻦ ﺑﻤﺒﺪأ اﻟﺴﺒﺒﯿﺔ واﻟﻌﻠﯿﺔ إﻻ أﻧﮫ ردّه إﻟﻰ اﻟﺤﺲ واﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﺑﺪﻻ ﻣﻦ اﻟﻌﻘﻞ ،ﻓﺮأى أن اﻹﻧﺴﺎن ﯾﺘﻌﻠﻢ ﻣﻦ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ
أن ﻛﻞ ﺣﺎدﺛﺔ ﻓﻲ اﻟﻄﺒﯿﻌﺔ ﺗﺴﺒﻘﮭﺎ أﺳﺒﺎب وﻋﻠﻞ ،واﻋﺘﺒﺮ ھﺬا اﻻرﺗﺒﺎط ﺿﺮورﯾﺎ ﻣﻊ أن اﻟﻀﺮورة ﻻ ﯾﻨﺒﻐﻲ أن ﺗﻜﻮن إﻻ ﺑﺎﻟﻌﻘﻞ ،وھﻮ ﯾﺮﻓﺾ ﻣﻨﺢ اﻟﻌﻘﻞ أي ﻓﺎﻋﻠﯿﺔ .وﻗﺪ
واﻓﻘﺘﮫ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ اﻟﻤﺎرﻛﺴﯿﺔ اﻟﻤﺎدﯾﺔ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺘﻔﺴﯿﺮ.
-2اﻻﺗﺠﺎه اﻟﺬي أﺧﺬ ﺑﮫ ﻓﻼﺳﻔﺔ اﻟﻮﺿﻌﯿﺔ اﻟﻤﻨﻄﻘﯿﺔ ﯾﺮى أن ﺗﻌﻤﯿﻢ اﻻﺳﺘﻘﺮاء ﻻ ﯾﻌﻄﻲ ﺣﻜﻤﺎ ﯾﻘﯿﻨﯿﺎ ،ﻓﺘﻜﺮار اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ واﻟﺤﻮادث ﻻ ﯾﺘﺠﺎوز دوره ﺗﻘﺪﯾﻢ اﺣﺘﻤﺎل ﺑﺎﻟﻮﺻﻮل
إﻟﻰ اﻟﻨﺘﯿﺠﺔ اﻟﻤﻄﻠﻮﺑﺔ ،ﻣﺜﻞ اﺣﺘﺮاق اﻟﺨﺸﺐ ﻛﻠﻤﺎ ﺗﻌﺮض ﻟﻠﻨﺎر.
-3رأي ھﯿﻮم اﻟﺬي ﯾﻨﻔﻲ أي ﻗﯿﻤﺔ ﻣﻮﺿﻮﻋﯿﺔ ﻟﻼﺳﺘﻘﺮاء ،واﻟﺬي ﯾﻌﺘﺒﺮ أن اﻟﺮﺑﻂ ﺑﯿﻦ اﻟﻌﻠﺔ واﻟﻤﻌﻠﻮل ﻣﺠﺮد اﻧﻄﺒﺎع ﻧﻔﺴﻲ ﻧﺎﺷﺊ ﻋﻦ اﻟﻌﺎدة دون أي ﺿﺮورة ،ﻓﺎﻟﺴﺒﺒﯿﺔ
ﺑﯿﻦ اﻟﻨﺎر واﺣﺘﺮاق اﻟﺨﺸﺐ ﻟﯿﺴﺖ ﺿﺮورﯾﺔ وﻻ ﺣﺘﻤﯿﺔ ﺑﻞ ﻣﻮﺟﻮدة داﺧﻞ ﻧﻔﻮﺳﻨﺎ ﺑﺴﺒﺐ ﺗﻜﺮار اﻟﻌﺎدة .وﻗﺪ ﺳﺒﻘﮫ اﻟﻐﺰاﻟﻲ إﻟﻰ اﻟﻘﻮل ﺑﮭﺬا اﻟﺮأي ،ﻛﻤﺎ أﺧﺬ ﺑﮫ ﻋﻠﻤﺎء
اﻟﻨﻔﺲ ﻓﻲ اﻟﻤﺪرﺳﺔ اﻟﺴﻠﻮﻛﯿﺔ اﻟﺤﺪﯾﺜﺔ.
وﯾﻈﮭﺮ ﺧﻠﻞ اﻟﺤﺴﯿﺔ اﻟﺘﺠﺮﯾﺒﯿﺔ أﻛﺜﺮ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻟﻤﯿﺘﺎﻓﯿﺰﯾﻘﯿﺎ واﻷﺧﻼق ،ﻓﻘﺪ رد أﺻﺤﺎب ھﺬا اﻟﻤﺬھﺐ ﻛﻞ اﻷﺧﻼق إﻟﻰ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ وﺣﺎوﻟﻮا دراﺳﺘﮭﺎ ﺳﻠﻮﻛﯿﺎ ﻛﻤﺎ ﯾﺪرس
اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻤﺨﺒﺮي أي ظﺎھﺮة طﺒﯿﻌﯿﺔ ،إﻻ أﻧﮭﻢ ﻟﻢ ﯾﺘﻤﻜﻨﻮا ﻣﻦ ﺗﻘﺪﯾﻢ ﺗﻔﺴﯿﺮ ﻣﻘﻨﻊ ،ﻓﺎﻟﺸﻜﺎك ھﯿﻮم اﻋﺘﺒﺮ أن اﻷﺣﻜﺎم اﻷﺧﻼﻗﯿﺔ ﻻ ﺗﻌﺒﺮ ﻋﻦ ﺣﻘﯿﻘﺔ ﻣﻮﺿﻮﻋﯿﺔ ﺑﻞ ﺗﻨﺸﺄ ﻋﻦ
ﻣﺸﺎﻋﺮ اﻻﺳﺘﺤﺴﺎن واﻻﺳﺘﯿﺎء ،ودون أن ﯾﻘﺪم ﺗﻔﺴﯿﺮا ﻣﻘﻨﻌﺎ ﻷﺻﻞ ھﺬه اﻟﻤﺸﺎﻋﺮ .وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺣﺎول اﻟﻤﺎرﻛﺴﯿﻮن رﺑﻂ اﻷﺧﻼق ﺑﺎﻻﻗﺘﺼﺎد واﻟﺼﺮاع اﻟﻄﺒﻘﻲ داﺳﻮا ﻋﻠﻰ
وﺣﻮﻟﻮا اﻹﻧﺴﺎن إﻟﻰ ﺟﺰء ﻣﺴﺤﻮق ﻓﻲ آﻟﺔ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﺠﺎرﻓﺔ.
ﻗﯿﻢ اﻟﻌﺪاﻟﺔ ﺗﻤﺎﻣﺎ ّ
وﯾﺒﺪو أن ﺟﻮن ﻟﻮك ﻗﺪ وﺿﻊ ﻛﻞ أﺗﺒﺎع اﻟﻤﺬھﺐ اﻟﻌﻘﻠﻲ ﻓﻲ ﺧﺎﻧﺔ واﺣﺪة واﻋﺘﻘﺪ أﻧﮭﻢ ﯾﺮون اﻟﻤﺒﺎدئ اﻟﻌﻘﻠﯿﺔ ﺻﻮرة ﻋﻦ ﻋﺎﻟﻢ اﻟ ُﻤﺜﻞ
اﻟﺨﯿﺎﻟﻲ اﻟﺬي ﺗﺨﯿﻠﮫ أﻓﻼطﻮن ،ﺣﯿﺚ ﻛﺎن اﻷﺧﯿﺮ ﯾﻔﺘﺮض أن اﻹﻧﺴﺎن ﯾﺤﺘﺎج ﻓﻘﻂ إﻟﻰ ﺗﺬﻛﺮ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺑﻌﺪ وﻻدﺗﮫ ﻷﻧﮭﺎ ﻣﻮﺟﻮدة ﻛﻠﮭﺎ
ﻓﻲ ﻋﻘﻠﮫ ،ﻟﻜﻦ ﻣﻌﻈﻢ اﻟﻌﻘﻠﯿﯿﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﯾﻌﺘﺮﻓﻮن ﺑﺪور اﻹدراﻛﺎت اﻟﺤﺴﯿﺔ ﺑﻌﺪ أن ﺗﻌﻮد إﻟﻰ اﻷﺻﻮل اﻟﺜﺎﺑﺘﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻘﻞ ،ﻟﺘﺘﺤﻮل إﻟﻰ
ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻋﻠﻤﯿﺔ.
ﻣﻦ ﺟﮭﺔ ﺛﺎﻧﯿﺔ ،ﯾﻨﺘﻘﺪ اﻟﺘﺠﺮﯾﺒﯿﻮن اﻟﺨﻄﺄ اﻟﺬي ﯾﻘﻊ ﻓﯿﮫ ﺑﻌﺾ اﻟﻌﻘﻠﯿﯿﻦ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﺨﻠﻄﻮن ﺑﯿﻦ اﻟﻌﻘﻞ اﻟﻐﺮﯾﺰي واﻟﻌﻘﻞ اﻟﻤﻜﺘﺴﺐ )ﺳﺒﻖ
ﺗﻮﺿﯿﺤﮭﻤﺎ( ،وھﻮ اﻟﺨﻄﺄ اﻟﺬي ﺑﺪأ ﻓﻲ اﻟﯿﻮﻧﺎن واﻧﺘﻘﻞ إﻟﻰ اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺘﻜﻠﻤﯿﻦ واﻟﻔﻼﺳﻔﺔ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻋﻨﺪﻣﺎ اﻋﺘﺒﺮ ﻛﻞ ﻣﻨﮭﻢ أن ﻣﺬھﺒﮫ
ھﻮ اﻟﻌﻘﯿﺪة اﻟﺼﺤﯿﺤﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﺘﻮاﻓﻖ ﻓﯿﮭﺎ اﻟﻌﻘﻞ واﻟﻨﻘﻞ .وإذا ﻛﺎن ھﺆﻻء ﻗﺪ ظﻨﻮا أن اﻟﻌﻘﻞ ﻛﻠﮫ ﻏﺮﯾﺰي ﻓﻘﺪ رد ﻋﻠﯿﮭﻢ اﻟﺘﺠﺮﯾﺒﯿﻮن
ﺑﺎﺗﺨﺎذ اﻟﻤﻮﻗﻒ اﻟﻤﻌﺎﻛﺲ واﻟﻘﻮل ﺑﺄن اﻟﻌﻘﻞ ﻛﻠﮫ ﻣﻜﺘﺴﺐ ،وﻣﻦ ﺛﻢ ﻓﮭﻮ ﯾﺘﺄﺛﺮ ﺑﺎﻟﺒﯿﺌﺔ واﻟﻤﺸﺎﻋﺮ واﻟﺨﻮاطﺮ اﻟﻨﻔﺴﯿﺔ ،وﻻ ﯾﺴﺘﺤﻖ أن
ﺟﻮن ﻟﻮك
ﯾﻜﻮن ﻣﺼﺪرا ﻟﻠﻤﻌﺮﻓﺔ .واﻟﻮاﻗﻊ أن ﻛﻼ اﻟﺮأﯾﯿﻦ ﺗﻄﺮف ﻓﻲ ﻣﻮﻗﻔﮫ.
وﻣﻦ ﻧﺘﺎﺋﺞ ھﺬا اﻟﺘﻄﺮف اﻟﻤﺎدي اﻟﻤﺘﺼﺎﻋﺪ ﺣﺘﻰ ﺑﺪاﯾﺔ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﯾﻦ ،ﺳﺎد ﻓﻲ اﻟﻐﺮب اﻻﻋﺘﻘﺎد ﺑﺄن اﻹﻧﺴﺎن ﻧﻔﺴﮫ ﻟﯿﺲ ﺳﻮى ﻣﺎدة ﻣﺘﻄﻮرة ،ﻓﺒﻌﺪ أن وﺿﻌﺖ اﻟﺤﺴﯿﺔ
اﻟﺘﺠﺮﯾﺒﯿﺔ ﻓﻲ ﻋﺼﺮ اﻟﻨﮭﻀﺔ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﻤﺮﻛﺰ اﻟﻜﻮن ﻟﯿﺤﺘﻞ ﻣﻮﻗﻊ اﻹﻟﮫ ﻧﻔﺴﮫ ،اﻧﺰﻟﻖ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻤﺎدي ﺗﺪرﯾﺠﯿﺎ ﺗﺤﺖ ﺿﻐﻂ اﻻﻛﺘﺸﺎف اﻟﻤﺘﺰاﯾﺪ ﻷﺳﺮار اﻟﻜﻮن اﻟﻤﺎدي،
ﻟﺘﺼﺒﺢ اﻟﻤﺎدة ھﻲ اﻷﺳﺎس واﻟﻤﺮﻛﺰ ،وﯾﺘﺤﻮل اﻹﻧﺴﺎن إﻟﻰ ﻣﻮﺿﻮع ﺗﺎﻓﮫ وھﺎﻣﺸﻲ ،ﺣﺘﻰ ظﮭﺮت ﻣﺪارس ﻣﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﺤﺪاﺛﺔ اﻟﺘﻲ أﻧﻜﺮت ﻛﻞ ﻣﺼﺎدر اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﻌﻘﻠﯿﺔ
واﻟﺤﺴﯿﺔ وأﻋﻠﻨﺖ ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻟﻤﺪارس اﻟﻔﻠﺴﻔﯿﺔ اﻟﻜﺒﺮى واﻟﻌﻮدة إﻟﻰ ﺷﻚ اﻟﺴﻔﺴﻄﺔ ،وھﻲ ﻧﺘﯿﺠﺔ طﺒﯿﻌﯿﺔ ﻟﺘﻔﻜﯿﻚ اﻹﻧﺴﺎن وﺗﺸﯿﯿﺌﮫ )ﺗﺤﻮﯾﻠﮫ إﻟﻰ ﺷﻲء ﻣﺎدي(.
/https://al-sabeel.net 8/15ﻣﺻﺎدر-اﻟﻣﻌرﻓﺔprint=print?/
2020/5/12 ﻣﺻﺎدر اﻟﻣﻌرﻓﺔ -اﻟﺳﺑﯾل
واﻟﻼﻓﺖ أن اﻟﺤﺴﯿﯿﻦ واﻟﺘﺠﺮﯾﺒﯿﯿﻦ ﻓﻲ ﻋﺼﺮ اﻟﻨﮭﻀﺔ ﻛﺎﻧﻮا ﯾﺆﻣﻨﻮن ﺑﺎﻟﻤﯿﺘﺎﻓﯿﺰﯾﻘﺎ وﺑﻮﺟﻮد ﷲ ،ﺑﻞ ﻛﺎن ﺑﻌﻀﮭﻢ ﻣﻦ رﺟﺎل اﻟﺪﯾﻦ ﻣﺜﻞ ﺟﻮرج ﺑﺎرﻛﻠﻲ )ﺗﻮﻓﻲ ﻋﺎم
،(1753إﻻ أن ﺣﺼﺮھﻢ ﻟﻠﻤﻌﺮﻓﺔ ﺑﺎﻟﺤﻮاس ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎب أﻣﺎم اﻟﻮﺿﻌﯿﯿﻦ واﻟﻤﺎرﻛﺴﯿﯿﻦ إﻟﻰ ﺣﺼﺮ اﻟﻮﺟﻮد ﻛﻠﮫ ﺑﺎﻟﻤﺎدة ،وإذا ﻛﺎن ﻣﻮﻗﻒ اﻟﺤﺴﯿﯿﻦ اﻷواﺋﻞ ﻣﺠﺮد اﻓﺘﺮاض
ﻓﻠﺴﻔﻲ وﻟﻢ ﯾﺮق إﻟﻰ درﺟﺔ اﻟﻌﻠﻢ؛ ﻓﻠﻦ ﯾﺠﺪ اﻟﻮﺿﻌﯿﻮن واﻟﻤﺎرﻛﺴﯿﻮن واﻟﻤﺎدﯾﻮن دﻟﯿﻼ ﻋﻠﻤﯿﺎ ﻋﻠﻰ إﻧﻜﺎر وﺟﻮد اﻟﻐﯿﺒﯿﺎت ]اﻧﻈﺮ ﻣﻘﺎل “وﺟﻮد ﷲ“[.
ﺷﮭﺪت ﺑﺪاﯾﺔ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﯾﻦ ﺛﻮرات ﻋﻠﻤﯿﺔ ھﺎﺋﻠﺔ ،وﻣﻦ أﺑﺮزھﺎ ﻧﻈﺮﯾﺔ اﻟﻨﺴﺒﯿﺔ ﻷﻟﺒﺮت أﯾﻨﺸﺘﺎﯾﻦ ،ﺛﻢ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻧﻈﺮﯾﺎت ﺷﻜﻠﺖ
ﻣﻔﮭﻮﻣﺎ ﺟﺪﯾﺪا ﻟﻠﻔﯿﺰﯾﺎء ﺗﺤﺖ ﻣﺴﻤﻰ اﻟﻜ ّﻢ )ﻛﻮاﻧﺘﻢ( ،ﻓﻀﻼ ﻋﻦ اﻟﺘﻄﻮر ﻓﻲ اﻟﻄﺐ وﻋﻠﻮم اﻷﺣﯿﺎء ،وﻛﺎن ﻟﮭﺬه اﻟﻔﺘﻮﺣﺎت وآﺛﺎرھﺎ
اﻟﻌﻤﻠﯿﺔ اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﯿﺔ دور ﻛﺒﯿﺮ ﻓﻲ ظﮭﻮر اﻟﻌﺎﻟِﻢ اﻟﺘﺠﺮﯾﺒﻲ ﻓﻲ ﺻﻮرة ﺧﺎرﻗﺔ وﻛﺄﻧﮫ اﻟﻮﺣﯿﺪ اﻟﻘﺎدر ﻋﻠﻰ اﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋﻠﻰ اﻷﺳﺌﻠﺔ
اﻟﻮﺟﻮدﯾﺔ ﺑﺪﻻ ﻣﻦ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ،ﻓﻀﻼ ﻋﻦ “رﺟﺎل اﻟﺪﯾﻦ” ،ﻟﺬا طﺎﻟﺐ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ اﻟﻤﻌﺮوف ﻟﻮﯾﺲ ﺑﺎﺳﺘﻮر اﻟﺴﻠﻄﺎت ﺑﺮﻋﺎﯾﺔ
اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ ﺑﺼﻔﺘﮭﺎ “ﻣﺆﺳﺴﺎت ﻣﻘﺪﺳﺔ” وﻗﺎل إﻧﮭﺎ ﺳﺘﻜﻮن “ﻣﻌﺎﺑﺪ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ” ،ﻛﻤﺎ واﻓﻘﮫ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﻟﻔﯿﻠﺴﻮف اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ
ﻟﯿﻜﻮﻣﺖ دي ﻧﻮي ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺎل “إن ﺛﻘﺔ اﻟﻨﺎس ﺑﻌﻠﻤﺎء اﻟﻄﺒﯿﻌﺔ اﻟﯿﻮم ھﻲ ﺛﻘﺘﮭﻢ ﺑﺎﻟﻜﮭﻨﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﮭﺪ اﻟﻘﺪﯾﻢ” ]دي ﻧﻮي ،ﻣﺼﯿﺮ
اﻹﻧﺴﺎن ،1967 ،ص.[275
ﯾﻘﻮل اﻟﻔﯿﺰﯾﺎﺋﻲ اﻟﺒﺮﯾﻄﺎﻧﻲ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ﺳﺘﯿﻔﻦ ھﻮﻛﻨﻎ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﮫ اﻟﺘﺼﻤﯿﻢ اﻟﻌﻈﯿﻢ “اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻣﺎﺗﺖ… وﻋﻠﻤﺎء اﻟﻄﺒﯿﻌﺔ ﺑﺎﺗﻮا ھﻢ
ﺣﻤﻠﺔ ﺷﻌﻠﺔ اﻻﻛﺘﺸﺎف ﻓﻲ رﺣﻠﺘﻨﺎ ﻧﺤﻮ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ” ]ص ،[13وﯾﻘﻮل اﻟﻔﯿﺰﯾﺎﺋﻲ اﻷﻣﯿﺮﻛﻲ ﻟﻮرﻧﺲ ﻛﺮاوس “إن اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺣﻘﻞ
أﯾﻨﺸﺘﺎﯾﻦ
ﯾﺪرﺳﻮن ،واﻟﺬﯾﻦ ﻻ
ﯾﺬﻛﺮﻧﻲ ﻟﻸﺳﻒ ﺑﺎﻟﻨﻜﺘﺔ اﻟﻘﺪﯾﻤﺔ ﻟﻮودي آﻟﻦ )ﻣﻤﺜﻞ ﻛﻮﻣﯿﺪي( :أوﻟﺌﻚ اﻟﺬﯾﻦ ﻻ ﯾﺴﺘﻄﯿﻌﻮن أن ﯾﻔﻌﻠﻮا ﺷﯿﺌﺎ ّ
ﯾﺪرﺳﻮن اﻟﺮﯾﺎﺿﺔ”.
ﯾﺪرﺳﻮا ّ ﯾﺴﺘﻄﯿﻌﻮن أن ّ
وﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ إﻧﻜﺎر اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء -اﻟﺬﯾﻦ ﯾﺤﻈﻮن ﺑﺎﻻﺣﺘﻔﺎء اﻹﻋﻼﻣﻲ -أھﻤﯿﺔ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ وﺗﻨﺪﯾﺪھﻢ ﺑﮭﺎ ،ﻓﺈن ﻧﻈﺮﯾﺎﺗﮭﻢ اﻟﻜﺒﺮى ﺗﻘﻮم أﺳﺎﺳﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻮاﻗﻒ أﯾﺪﯾﻮﻟﻮﺟﯿﺔ
ﻣﻔﻠﺴﻔﺔ .ﻓﻌﻠﻰ ﺳﺒﯿﻞ اﻟﻤﺜﺎل ،ﯾﻘﻮل اﻟﻔﻠﻜﻲ اﻟﺒﺮﯾﻄﺎﻧﻲ ﻛﺎرل ﺳﺎﻏﺎن ﻓﻲ اﻓﺘﺘﺎﺣﯿﺔ ﺑﺮﻧﺎﻣﺠﮫ “اﻟﻜﻮن” - Cosmosاﻟﺬي ﺣﻘﻖ أﻋﻠﻰ ﻧﺴﺐ اﻟﻤﺸﺎھﺪات ﺑﺪﻋﻢ ﻣﻦ ﺷﺒﻜﺔ
ﺑﻲ.ﺑﻲ.ﺳﻲ -إﻧﮫ “ﻻ ﯾﻮﺟﺪ وﻟﻢ ﯾﻮﺟﺪ وﻟﻦ ﯾﻮﺟﺪ ﺷﻲء ﺳﻮى اﻟﻜﻮن )أي اﻟﻤﺎدة ﻓﻘﻂ(” ،وھﺬا ﺗﻌﺒﯿﺮ ﻓﻠﺴﻔﻲ وﻟﯿﺲ ﺗﺼﺮﯾﺤﺎ ﻋﻠﻤﯿﺎ ،ﻓﻠﯿﺲ ﻓﻲ وﺳﻊ اﻟﻌﻠﻢ اﻟﺘﺠﺮﯾﺒﻲ أﺻﻼ
أن ﯾﺠﺮي ﺗﺠﺮﺑﺔ ﻣﺎدﯾﺔ ﺗﻨﻔﻲ وﺟﻮد ﻋﻮاﻟﻢ أو ﻛﺎﺋﻨﺎت ﻏﯿﺮ ﻣﺎدﯾﺔ طﺎﻟﻤﺎ أﻧﮭﺎ ﻻ ﺗﺨﻀﻊ ﻷدواﺗﮫ ،وﻣﻘﻮﻟﺔ ﺳﺎﻏﺎن ھﻲ ﺗﻌﺒﯿﺮ ﺻﺮﯾﺢ ﻋﻦ ﺟﻮھﺮ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ اﻟﻄﺒﯿﻌﯿﺔ ،واﻟﺘﻲ
ﯾﻌﺮﻓﮭﺎ ﺳﺘﯿﺮﻟﻨﻎ ﻻﻣﺒﺮت ﺑﺄﻧﮭﺎ ﻣﻮﻗﻒ ﻓﻠﺴﻔﻲ وﻣﻨﮭﺞ ﺗﺠﺮﯾﺒﻲ ﯾﻌﺘﺒﺮ أن اﻟﻮﺟﻮد ﻣﺤﻜﻮم ﺑﻌﻮاﻣﻞ ﻋﺸﻮاﺋﯿﺔ داﺧﻞ ﻧﻈﺎم ﺷﺎﻣﻞ ﻓﻲ اﻟﻄﺒﯿﻌﺔ.
ّ
ﯾﻘﻮل ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻮراﺛﺔ ﻓﻲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ھﺎرﻓﺎرد رﯾﺘﺸﺎرد ﻟﯿﻮﻧﺘﻦ إن “اﺳﺘﻌﺪادﻧﺎ ﻟﻘﺒﻮل اﻟﻤﺰاﻋﻢ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺨﺎﻟﻒ اﻟﺤﺲ اﻟﺴﻠﯿﻢ ھﻮ ﻣﻔﺘﺎح ﻓﮭﻢ اﻟﺼﺮاع اﻟﺤﻘﯿﻘﻲ ﺑﯿﻦ اﻟﻌﻠﻢ وﻣﺎ
ھﻮ ﻣﯿﺘﺎﻓﯿﺰﯾﻘﻲ )ﻏﯿﺒﻲ( ،ﻓﻨﺤﻦ ﻧﻤﯿﻞ إﻟﻰ ﺻﻒ اﻟﻌﻠﻢ رﻏﻢ ﻣﺎ ﯾﺸﻮب ﺑﻌﺾ أﻓﻜﺎره ﻣﻦ ﻋﺒﺚ… واﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻌﻠﻤﻲ ﯾﺘﺴﺎﻣﺢ ﻣﻊ اﻟﻘﺼﺺ اﻟﺘﻲ ﺗُﻘﺒﻞ دون ﺑﺮھﺎن ﻷﻧﻨﺎ
ﻣﻠﺘﺰﻣﻮن ﻣﺴﺒﻘﺎ ﺑﺎﻟﻔﻠﺴﻔﺔ اﻟﻤﺎدﯾﺔ ،ﻓﻤﻨﺎھﺞ اﻟﻌﻠﻢ ﻻ ﺗﺠﺒﺮﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﻗﺒﻮل ﺗﻔﺴﯿﺮ ﻣﺎدي ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ ﺑﻞ اﻟﺘﺰاﻣﻨﺎ اﻟﺒﺪﯾﮭﻲ ﺑﺎﻟﻤﺎدﯾﺔ ھﻮ اﻟﺬي ﯾﺠﺒﺮﻧﺎ ﻋﻠﻰ إﻧﺘﺎج ﺗﻔﺴﯿﺮات ﻣﺎدﯾﺔ ﻣﮭﻤﺎ
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻨﺎﻗﻀﺔ ﻟﻠﺤﺪس” ]اﻟﻌﻠﻢ ووﺟﻮد ﷲ ،ص ،.[62وﻟﯿﺲ ھﻨﺎك ﻣﺎ ھﻮ أوﺿﺢ ﻣﻦ ھﺬا اﻻﻋﺘﺮاف ﺑﺘﻌﺼﺐ اﻟﻌﻠﻤﺎء اﻟﻤﺎدﯾﯿﻦ ﻟﻠﻔﻠﺴﻔﺔ اﻟﻤﺎدﯾﺔ ﻋﻠﻰ أﺳﺎس أﯾﺪﯾﻮﻟﻮﺟﻲ
ﺑﺤﺖ.
وﻣﻦ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺗﺒﻨﻲ ھﺬه اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ -اﻟﻤﻨﻜﺮة ﻟﻠﺘﻔﻠﺴﻒ أﺻﻼ -أن اﻟﺘﺼﻮرات اﻟﻔﻠﺴﻔﯿﺔ ﻟﻠﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء اﻟﺘﺠﺮﯾﺒﯿﯿﻦ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺗﺠﺪ أي ﺣﺮج
ﻓﻲ ﺧﺮق اﻟﻤﻨﻄﻖ ،وھﻮ ﻣﺎ ﯾﺆﻛﺪه اﻻﻗﺘﺒﺎس اﻟﺴﺎﺑﻖ ﻋﻦ ﻟﯿﻮﻧﺘﻦ ﻧﻔﺴﮫ ،ﻛﻤﺎ ﯾﻘﻮل ھﻮﻛﻨﻎ “إن اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﻔﺎھﯿﻢ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ اﻟﺤﺪﯾﺜﺔ
ﺗﺨﺎﻟﻒ اﻟﻤﻨﻄﻖ اﻟﺴﻠﯿﻢ اﻟﻤﺒﻨﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ اﻟﯿﻮﻣﯿﺔ ،أﻣﺎ طﺒﯿﻌﺔ اﻟﻜﻮن ﻓﺘﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﮭﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻋﺠﺎﺋﺐ اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﯿﺎ” ]اﻟﺘﺼﻤﯿﻢ
اﻟﻌﻈﯿﻢ ،ص ،[15ﻛﻤﺎ ﯾﻜﺮر اﻟﻔﯿﺰﯾﺎﺋﻲ ﻣﯿﺸﯿﻮ ﻛﺎﻛﻮ ﻓﻲ ﺻﻔﺤﺎت ﻋﺪة ﻣﻦ ﻛﺘﺎﺑﮫ “ﻓﯿﺰﯾﺎء اﻟﻤﺴﺘﺤﯿﻞ” أن ﻧﻈﺮﯾﺔ اﻟﻜﻢ ﺗﻐﯿﺮ ﻗﻮاﻧﯿﻦ
اﻟﻌﻘﻞ اﻷﺳﺎﺳﯿﺔ ،وإﻟﻰ درﺟﺔ إﺳﻘﺎط ﻣﻔﮭﻮم اﻟﻤﺴﺘﺤﯿﻞ ﻣﻦ اﻟﻮﺟﻮد.
وﯾﺄﺗﻲ اﻹﺷﻜﺎل أوﻻ ﻣﻦ ﺧﺮق ﻧﻈﺮﯾﺔ اﻟﻨﺴﺒﯿﺔ ﻟﻤﺎ ھﻮ ﻣﺄﻟﻮف وﻣﻌﺘﺎد ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﯾُﻌﺘﻘﺪ أن اﻟﺰﻣﻦ ﺛﺎﺑﺖ ﻛﻮﻧﻲ ﻻ ﯾﺘﺄﺛﺮ ﺑﺄي ﻋﺎﻣﻞ ﻣﻦ
اﻟﻌﻮاﻣﻞ ،ﻟﻜﻦ اﻟﻤﻌﺎدﻻت اﻟﺮﯾﺎﺿﯿﺔ أﺛﺒﺘﺖ أن ﺳﺮﻋﺔ اﻟﻀﻮء ھﻲ اﻟﺜﺎﺑﺘﺔ وأن اﻟﺰﻣﻦ ﻧﺴﺒﻲ ،ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﯾﺘﺤﺮك ﺟﺴﻢ ﻣﺎ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﻛﺒﯿﺮة
ﺟﺪا ﻓﺈن اﻟﺰﻣﻦ اﻟﺨﺎص ﺑﮫ ﯾﺘﻤﺪد )ﯾﺘﺒﺎطﺄ( ،ﻓﻤﺜﻼ ﺗﻘﯿﺲ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﺔ ﻋﻠﻰ ﺻﺎروخ ﺧﺎرق اﻟﺴﺮﻋﺔ ﻣﺪة زﻣﻨﯿﺔ أﻗﺼﺮ ﻣﻤﺎ
ﺗﻘﯿﺴﮫ ﺳﺎﻋﺔ أﺧﺮى ﻋﻠﻰ اﻷرض ﻣﺜﻼ ،وھﺬا أﻣﺮ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻟﯿﺨﻄﺮ ﻋﻠﻰ ﺑﺎل أﺣﺪ ،وﻗﺪ أﺛﺒﺘﺘﮫ اﻟﺘﺠﺎرب اﻟﻌﻤﻠﯿﺔ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ.
ھﻮﻛﻨﻎ
وﻧﺘﯿﺠﺔ ﻟﺬﻟﻚ ﺑﺪأ ﻛﺘّﺎب اﻟﺨﯿﺎل اﻟﻌﻠﻤﻲ ﺑﺎﻟﺘﺠﺮؤ ﻋﻠﻰ ﺧﺮق اﻟﻤﻨﻄﻖ وطﺮح رؤى ﺧﯿﺎﻟﯿﺔ ،ﻓﻈﮭﺮت رواﯾﺎت اﻟﺴﻔﺮ ﻋﺒﺮ اﻟﺰﻣﻦ ﻛﻨﻮع
ﻣﻦ اﻟﺨﯿﺎل ﺛﻢ ﻟﺤﻖ ﺑﮭﻢ اﻟﻔﯿﺰﯾﺎﺋﯿﻮن اﻟﻨﻈﺮﯾﻮن )ﻓﺌﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﺗﺪرس اﻵﺛﺎر اﻟﻔﻠﺴﻔﯿﺔ ﻟﻠﻌﻠﻢ( ﻋﻠﻰ اﻋﺘﺒﺎر أن اﻟﺮﯾﺎﺿﯿﺎت ﻻ ﺗﻨﻜﺮ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﺨﯿﻼت ،وظﮭﺮت ﻣﻌﻀﻼت
ﻓﻠﺴﻔﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺪﯾﺪ ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ “اﻟﺮﺻﯿﻨﺔ” ﻟﺘﺘﺴﺎءل ﻣﺎ اﻟﺬي ﺳﯿﺤﺪث إذا ﻋﺎد ﺷﺨﺺ ﺑﺎﻟﺰﻣﻦ إﻟﻰ اﻟﻮراء وﻗﺘﻞ واﻟﺪه ﻣﺜﻼ ،ﻓﮭﺬا ﯾﻌﻨﻲ أﻧﮫ ﻟﻦ ﯾُﺨﻠﻖ أﺻﻼ ،ﺛﻢ
ظﮭﺮت ﻧﻈﺮﯾﺎت ﻋﺪة ﻟﻤﻨﺎﻗﺸﺔ ھﺬه اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ دون أن ﯾﻨﺘﺒﮫ ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء إﻟﻰ اﻟﺘﻨﺎﻗﺾ اﻟﻌﻘﻠﻲ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻌﻮدة إﻟﻰ اﻟﻤﺎﺿﻲ.
واﻟﺤﻘﯿﻘﺔ أن ﻧﻈﺮﯾﺔ اﻟﻨﺴﺒﯿﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﯿﺴﺖ ﻣﻌﻨﯿﺔ ﺑﻤﺎ ھﻮ أﺑﻌﺪ ﻣﻦ دراﺳﺔ ﺗﺒﺎطﺆ ﻣﺮور اﻟﺰﻣﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺳﻢ
اﻟﻤﺗﺤﺮك ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﺠﺳﻢ آﺧﺮ ﺛﺎﺑﺖ ،وھﻲ ﻻ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﺒﻨﯿﺔ اﻟﻤادﯾﺔ ﻟﻟﺠﺴﻢ اﻟﻤﺗﺤﺮك ﻛﻤﺎ ھﻮ اﻟﺤال ﻓﻲ ﻧﻈﺮﯾﺔ اﻟﻜﻢ،
وﻣﻦ ﺛ ّﻢ ﻓﺈن “ﻣﻨﺤﻨﻰ اﻟﺰﻣﻜﺎن” ﻟﯿﺲ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﻔﮭﻮم ﻣﺜﺎﻟﻲ ﺗﺨﯿﻠﻲ ،وﺗﻌﺒﯿﺮ “اﻧﺤﻨﺎﺋﮫ” ﻻ ﯾﻌﻨﻲ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻧﺤﻨﺎء
ﻣﺴﺎر ﺣﺮﻛﺔ اﻟﺠﺴﻢ ﻣﻊ ﺗﻤﺪد اﻟﺰﻣﻦ اﻟﻤﻗﺎس ﻋﻠﯿﮫ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﻟﻰ ﻤراﻗﺐ ﺧﺎرﺟﮫ ،وﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﺣﺎل اﻧﻐﻼق ﻣﻨﺤﻨﻰ
اﻟﺰﻣﻜﺎن ﻓﮭﺬا ﻻ ﯾﻌﻨﻲ أن ﯾﺪﺧﻞ اﻟﺠﺳﻢ ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ زﻣﻨﯿﺔ ﺳﺎﺑﻘﺔ ،ﺑﻞ ﻏﺎﯾﺔ اﻷﻣﺮ أن ﯾﻌﻮد ﻟﻠﺘﺤﺮك ﻓﻲ ﺧﻂ ﺳﯿﺮه
ﻣﻦ اﻟﻨﻘﻄﺔ اﻟﺘﻲ اﻧﻐﻠﻖ ﻋﻨﺪھﺎ اﻟﻤﺳﺎر ﻣﻊ اﻻﺳﺘﻤﺮار ﻓﻲ ﺗﺒﺎطﺆ ﺗﻐﯿﺮ ﺣﺮﻛﺘﮫ إﻟﻰ درﺟﺔ اﻻﻧﻌﺪام واﻟﺪﺧﻮل ﻓﻲ
ﺣﺎﻟﺔ “اﻟﺘﻔﺮدﯾﺔ اﻟﻤرﻛﺰﯾﺔ” اﻟﺘﻲ ﻻ ﯾﻤﻜﻦ اﺧﺘﺒﺎرھﺎ ﺗﺠرﯾﺒﯿﺎً ،ﻓﻀﻼً ﻋﻦ ﺛﺒﻮت اﺳﺘﺤﺎﻟﺔ ﺗﺤﻘﻖ ھﺬا اﻻﻧﻐﻼق
ﻓﯿﺰﯾﺎﺋﯿﺎً.
/https://al-sabeel.net 9/15ﻣﺻﺎدر-اﻟﻣﻌرﻓﺔprint=print?/
2020/5/12 ﻣﺻﺎدر اﻟﻣﻌرﻓﺔ -اﻟﺳﺑﯾل
وﻋﻨﺪﻣﺎ ظﮭﺮت ﻓﯿﺰﯾﺎء اﻟﻜﻢ اﻟﺘﻲ ﺗﺪرس أﺑﺴﻂ ﻋﻨﺎﺻﺮ اﻟﻮﺟﻮد ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺘﻮى دون اﻟﺬري )ﻣﻜﻮﻧﺎت اﻟﺬرة( ﻛﺎن ﻓﮭﻤﮭﺎ أﻛﺜﺮ ﺻﻌﻮﺑﺔ ،ﻟﻜﻦ ﻏﻤﻮﺿﮭﺎ اﻟﻤﺸﺎﺑﮫ ﻟﻐﻤﻮض
اﻟﻨﺴﺒﯿﺔ دﻓﻊ ﺑﻌﺾ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻟﻠﻤﻀﻲ ﻓﻲ وﺿﻊ اﻟﻤﺰﯾﺪ ﻣﻦ اﻟﺴﯿﻨﺎرﯾﻮھﺎت اﻟﺨﯿﺎﻟﯿﺔ .ﻓﯿﻘﻮل ﺟﻮن وﯾﻠﺮ “إذا ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺣﺎﺋﺮا إزاء ﻣﻜﺎﻧﯿﻜﺎ اﻟﻜﻢ ﻓﺈﻧﻚ ﻟﻢ ﺗﻔﮭﻤﮭﺎ” ،وﯾﺆﯾﺪه روﺟﺮ
ﺑﯿﻨﺮوس ﺑﻘﻮﻟﮫ إن “ﻣﯿﻜﺎﻧﯿﻜﺎ اﻟﻜﻢ ﻻ ﻣﻌﻨﻰ ﻟﮭﺎ إطﻼﻗﺎ” ،ﻛﻤﺎ ﯾﻘﻮل رﯾﺘﺸﺎرد ﻓﯿﻨﻤﺎن “ﯾﻤﻜﻦ اﻟﻘﻮل ﺑﺜﻘﺔ إﻧﮫ ﻻ أﺣﺪ ﻋﻠﻰ اﻹطﻼق ﯾﻤﻜﻨﮫ أن ﯾﻔﮭﻢ ﻓﯿﺰﯾﺎء اﻟﻜﻢ”.
وﻣﻦ اﻷﻣﺜﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﻄﺮﺣﮭﺎ اﻟﻔﯿﺰﯾﺎﺋﯿﻮن ﻟﻨﻘﺾ اﻟﻤﻨﻄﻖ اﻟﻌﻘﻠﻲ أن ﺗﺠﺎرب ﻓﯿﺰﯾﺎء اﻟﻜﻢ أﺛﺒﺘﺖ إﻣﻜﺎﻧﯿﺔ وﺟﻮد اﻹﻟﻜﺘﺮون ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻧﯿﻦ ﻓﻲ وﻗﺖ واﺣﺪ ،وھﺬا ﯾﺨﺎﻟﻒ ﺑﻮﺿﻮح
أﺣﺪ أھﻢ ﻣﺒﺎدئ اﻟﻌﻘﻞ اﻷوﻟﯿﺔ .وأن اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﺎت واﻟﻔﻮﺗﻮﻧﺎت وﻏﯿﺮھﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﻜﻮﻧﺎت ﺗﺒﺪي ﺳﻠﻮﻛﺎ ﻣﻐﺎﯾﺮا ﻓﻲ اﻟﺘﺠﺎرب ،ﻓﺘﺒﺪو أﺣﯿﺎﻧﺎ ﻓﻲ ﺻﻮرة ﺟﺴﯿﻤﺎت ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺗﻈﮭﺮ
ﻋﻠﻰ أﻧﮭﺎ ﻣﻮﺟﺎت ﻓﻲ أﺣﯿﺎن أﺧﺮى.
واﻟﺠﻮاب أﻧﮫ ﻟﻢ ﯾﺜﺒﺖ أﺻﻼ أن اﻹﻟﻜﺘﺮون ﯾﻮﺟﺪ ﻓﻌﻼ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻧﯿﻦ ﻣﻌﺎ ﻛﻤﺎ ھﻮ ﺣﺎل اﻷﺟﺴﺎم
اﻟﺘﻲ ﻧﻌﺮﻓﮭﺎ ،ﺑﻞ ﺗﻈﮭﺮ اﻟﺘﺠﺎرب أن ھﺬا اﻟﻜﺎﺋﻦ اﻟﺬي ﻻ ﯾُﻤﻜﻦ أن ﯾُﺮى ﺑﺄي ﻣﺠﮭﺮ ﺣﺘﻰ
اﻵن )ﻷﻧﮫ أﺻﻐﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﻮﺟﺔ اﻟﻀﻮﺋﯿﺔ( واﻟﺬي ﯾﺒﺪي ﺳﻠﻮﻛﺎ ﻣﺘﻘﻠﺒﺎ ﺑﯿﻦ اﻟﺠﺴﯿﻤﺎت
واﻟﻤﻮﺟﺎت ﯾﺘﺮك أﺛﺮا ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻧﯿﻦ ﻣﻌﺎ ،ﻛﻤﺎ أن ﻓﯿﺰﯾﺎء اﻟﻜﻢ ﺗﻨﺺ وﻓﻘﺎ ﻟﻨﻈﺮﯾﺔ ﻋﺪم اﻟﺘﺄﻛﺪ
ﻋﻠﻰ أﻧﮫ ﻻ ﯾﻤﻜﻦ ﻓﺼﻞ ﻋﻤﻠﯿﺔ اﻟﻤﺸﺎھﺪة ﻋﻦ ﺳﻠﻮك اﻟ ُﻤﺸﺎھَﺪ ،ﻓﺎﻹﻟﻜﺘﺮون ﯾﺘﺄﺛﺮ ﺑﺮﺻﺪﻧﺎ ﻟﮫ
أﺛﻨﺎء ﺧﻀﻮﻋﮫ ﻟﻠﺘﺠﺮﺑﺔ وﻻ ﯾﻘﺪم ﻟﻨﺎ ﺳﻠﻮﻛﺎ طﺒﯿﻌﯿﺎ ،ﻓﻠﺴﻨﺎ ﻣﺘﺄﻛﺪﯾﻦ إذن ﻣﻦ ﺣﻘﯿﻘﺔ ﻧﻘﻀﮫ
ﻟﻠﻤﻨﻄﻖ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﺮﺻﺪ ﺳﻠﻮﻛﮫ اﻟﻌﺠﯿﺐ.
وﻣﻦ اﻟﻤﻐﺎﻟﻄﺎت اﻟﺘﻲ ﻧﺘﺠﺖ ﻋﻦ ﺳﻮء ﻓﮭﻢ ﻓﯿﺰﯾﺎء اﻟﻜﻢ وﺟﻮد ﺗﻌﺎرض ﺑﯿﻦ اﻟﺴﺒﺒﯿﺔ وﻣﯿﻜﺎﻧﯿﻜﺎ اﻟﻜﻢ ،واﻟﺤﻘﯿﻘﺔ أن اﻟﺴﺒﺒﯿﺔ ﻣﻮﺟﻮدة أﯾﻀﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ دون اﻟﺬري ،ﻟﻜﻦ
اﻟﺠﺴﯿﻤﺎت اﻟﺬرﯾﺔ ﻻ ﺗﻘﺪم ردود اﻟﻔﻌﻞ اﻟﻤﺘﻮﻗﻌﺔ داﺋﻤﺎ ﺑﻞ ﯾﻜﻮن ﺳﻠﻮﻛﮭﺎ ﻗﺎﺋﻤﺎ ﺿﻤﻦ اﺣﺘﻤﺎﻻت اﻟﺪوال اﻟﻤﻮﺟﯿﺔ ،ﺣﯿﺚ ﯾﻘﻮل اﻟﻔﯿﺰﯾﺎﺋﻲ اﻷﻟﻤﺎﻧﻲ ﻣﺎﻛﺲ ﺑﻮرن ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﮫ
“اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ اﻟطﺒﯿﻌﯿﺔ ﻟﻠﻌﻠﺔ واﻟﻤﺼﺎدﻓﺔ” إن ﻓﯿﺰﯾﺎء اﻟﻜﻢ ﻻ ﺗﻨﻘﺾ اﻟﺴﺒﺒﯿﺔ ﺑﻞ اﻟﺤﺘﻤﯿﺔ ﻓﻘﻂ ،أي أن ﻛﻞ اﻟﻤﻮﺟﻮدات –ﺣﺘﻰ دون اﻟﺬرﯾﺔ -ﺗﺨﻀﻊ ﻟﻠﺴﺒﺒﯿﺔ واﻻطﺮاد .
وﯾﺒﺪو أن ﺗﺰاﻣﻦ اﻟﻔﺘﻮﺣﺎت اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ وظﮭﻮر ﻧﺘﺎﺋﺠﮭﺎ اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﯿﺔ ﻣﻊ ﺳﻘﻮط اﻟﻨﻈﺮﯾﺎت اﻟﻔﻠﺴﻔﯿﺔ اﻟﻜﺒﺮى ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﻣﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﺤﺪاﺛﺔ ﻗﺪ ﺷﺠﻊ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻋﻠﻰ ﺗﺠﺎوز ﻟﻌﺐ دور
اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ إﻟﻰ اﻟﻨﻜﻮص ﻟﻠﺴﻔﺴﻄﺔ واﻟﺸﻜﻮﻛﯿﺔ اﻟﻌﺪﻣﯿﺔ ،ﺣﺘﻰ دﻋﺎ ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻨﮭﻢ إﻟﻰ اﻋﺘﺒﺎر ﺻﻮرة اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻋﻨﺪ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻌﺎدي ﺻﻮرة وھﻤﯿﺔ ،ﻣﺜﻞ ﻗﻮل اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺒﺮﯾﻄﺎﻧﻲ آرﺛﺮ
إدﯾﻨﻐﺘﻮن إن ﺗﺼﻮر اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻌﺎدي ﻟﻠﻤﻨﻀﺪة ﯾﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﺗﺼﻮر اﻟﻌﺎﻟِﻢ ﻟﮭﺎ ،ﻓﺎﻷول ﯾﺮاھﺎ ﺟﺴﻤﺎ ﻟﮫ ﻟﻮن وﻣﻠﻤﺲ وﺷﻜﻞ وﺻﻼﺑﺔ وﺛﺒﺎت ﻣﻜﺎﻧﻲ ودﯾﻤﻮﻣﺔ زﻣﻨﯿﺔ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ
ﯾﺮاھﺎ اﻟﻌﺎﻟِﻢ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ذرات ﺑﯿﻨﮭﺎ ﺧﻼء وﺗﺼﺪر ﻋﻨﮭﺎ ﺷﺤﻨﺎت ﻛﮭﺮﺑﯿﺔ ﺧﺎطﻔﺔ .ﻟﻜﻦ اﻟﺨﻠﻂ ﺑﯿﻦ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﺨﺪم اﺳﺘﺨﺪاﻣﺎ ﺳﻠﯿ ًﻤﺎ ﻟﻠﺘﻌﺒﯿﺮ ﻋﻦ اﻷﺷﯿﺎء اﻟﺘﻲ ﻧﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻌﮭﺎ
وﺑﯿﻦ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻤﺴﺘﺨﺪﻣﺔ ﻟﻐﺮض اﻟﻤﻨﺎﻗﺸﺔ اﻟﻔﻠﺴﻔﯿﺔ واﻟﻌﻠﻤﯿﺔ ﻟﻦ ﯾﺆدي ﺳﻮى إﻟﻰ اﻟﻔﻮﺿﻰ.
وﻣﻦ اﻷﻣﺜﻠﺔ اﻟﻤﺸﮭﻮرة ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺼﻮر اﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﻟﺪى ﺑﻌﺾ ﻛﺒﺎر اﻟﻔﯿﺰﯾﺎﺋﯿﯿﻦ ،ﻧﺬﻛﺮ اﻟﻨﻈﺮﯾﺔ اﻟﺘﻲ طﺮﺣﮭﺎ اﻟﻨﻤﺴﺎوي إرﻓﯿﻦ ﺷﺮودﻧﻐﺮ ﻟﻘﻄﺔ ﻧﻀﻌﮭﺎ )ﻓﺮﺿﯿﺎ( ﻓﻲ ﺻﻨﺪوق
ﻣﻐﻠﻖ ،وﻣﻌﮭﺎ ﻋﺪاد ﻏﺎﯾﻐﺮ )ﻟﺤﺴﺎب اﻹﺷﻌﺎع( وﻛﻤﯿﺔ ﻣﻦ ﻣﺎدة ﻣﺸﻌﺔ ،ﺑﺤﯿﺚ ﯾﻜﻮن اﺣﺘﻤﺎل ﺗﺤﻠﻞ ذرة واﺣﺪة ﺧﻼل ﺳﺎﻋﺔ ﻣﻤﻜﻨﺎ وﻏﯿﺮ ﻣﺆﻛﺪ ،ﻓﺈذا ﺗﺤﻠﻠﺖ اﻟﺬرة ﺳﯿﻄﺮق
ﻋﺪاد ﻏﺎﯾﻐﺮ ﻣﻄﺮﻗﺔ ﺗﻜﺴﺮ زﺟﺎﺟﺔ ﺗﺤﺘﻮي ﻏﺎزا ﺧﺎﻧﻘﺎ ﻓﯿﻘﺘﻞ اﻟﻘﻄﺔ ،وﯾﻘﻮل ﺷﺮودﻧﻐﺮ إﻧﻨﺎ ﻟﻦ ﻧﻌﺮف وﺿﻊ اﻟﻘﻄﺔ ﺣﺘﻰ ﻧﻔﺘﺢ اﻟﺼﻨﺪوق ﺑﻌﺪ ﺳﺎﻋﺔ ،وھﻲ ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ﻣﻦ
وﺟﮭﺔ ﻧﻈﺮ ﻣﯿﻜﺎﻧﯿﻜﺎ اﻟﻜﻢ ﺗﻌﺘﺒﺮ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﺮﻛﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﯿﺎة واﻟﻤﻮت ،أي أﻧﮭﺎ ﺗﺠﻤﻊ ﺣﺎﻟﺘﯿﻦ ﻣﺘﻨﺎﻗﻀﺘﯿﻦ .واﻋﺘﺒﺮ ﻋﻠﻤﺎء اﻟﻔﯿﺰﯾﺎء اﻟﻨﻈﺮﯾﺔ ھﺬا اﻟﻤﺜﺎل ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ “دﻟﯿﻞ” ﻋﻠﻰ
ﺳﻔﺴﻄﺔ. وھﺬه اﻟﻨﻘﯿﻀﯿﻦ، اﺟﺘﻤﺎع
/https://al-sabeel.net 10/15ﻣﺻﺎدر-اﻟﻣﻌرﻓﺔprint=print?/
2020/5/12 ﻣﺻﺎدر اﻟﻣﻌرﻓﺔ -اﻟﺳﺑﯾل
ﯾﻘﻮل أﻟﯿﺴﺘﺮ راي ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﮫ “ﻓﯿﺰﯾﺎء اﻟﻜﻮاﻧﺘﻢ :ﺣﻘﯿﻘﺔ أم ﺧﯿﺎل؟” إن اﻟﻘﺎرئ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﻘﺮأ أن ﻓﯿﺰﯾﺎء اﻟﻜﻮاﻧﺘﻢ ﺗﻘﻮل ﺑﺄن اﻟﻘﻄﺔ ﻧﺼﻒ ﺣﯿﺔ وﻧﺼﻒ ﻣﯿﺘﺔ ،ﺳﯿﺴﺘﻨﺘﺞ أن ھﺬه
ﺳﺨﺎﻓﺔ ﺗﺎﻓﮭﺔ ،وﺳﯿﻠﻘﻲ ﺑﺎﻟﻜﺘﺎب وﯾﻨﺴﻰ ﻛﻞ ھﺬا اﻟﺠﻨﻮن .واﻟﺤﻘﯿﻘﺔ أن اﺳﺘﻌﺎرة اﻟﻤﺼﻄﻠﺤﺎت واﻟﻤﻔﺎھﯿﻢ ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ ﻣﺎ دون اﻟﺬرة ﻟﻀﺮب اﻷﻣﺜﻠﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻤﺤﺴﻮس ھﻮ
أﺻﻞ اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ،ﻓﺎﻟﻔﯿﺰﯾﺎﺋﻲ ﺑﺎﻟﻜﺎد ﯾﺴﺘﻄﯿﻊ أن ﯾﺮﺻﺪ آﺛﺎر ﺳﻠﻮك اﻟﺠﺴﯿﻤﺎت ﻏﯿﺮ اﻟﻤﺮﺋﯿﺔ ﻓﺘﺒﺪو ﻟﮫ ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ ﻣﺎ وﻛﺄﻧﮭﺎ ﺗﺠﻤﻊ ﻧﻘﯿﻀﯿﻦ ،وﻟﻜﻦ ھﺬا ﻻ ﯾﻌﻨﻲ أﻧﮭﺎ ﻛﺬﻟﻚ ﻓﻲ
اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ]ﻓﯿﺰﯾﺎء اﻟﻜﻮاﻧﺘﻢ :ﺣﻘﯿﻘﺔ أم ﺧﯿﺎل؟ ،ﻣﺮﻛﺰ ﺑﺮاھﯿﻦ ،ص .[126
وﯾﺴﻌﻰ ﺑﻌﺾ ﻓﻼﺳﻔﺔ اﻟﻌﻠﻢ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮﯾﻦ اﻟﯿﻮم إﻟﻰ ﺗﺒﻨﻲ اﺗﺠﺎه ﯾﺪﻋﻰ ﺑﺎﻷداﺗﯿﺔ ،ﯾﻄﺎﻟﺒﻮن ﻣﻦ ﺧﻼﻟﮫ ﺑﺈﻋﺎدة اﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺘﺼﻮرات اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ اﻟﻨﺎﺷﺌﺔ ﻋﻦ ﻧﻘﻞ
اﻟﻤﻔﺎھﯿﻢ اﻟﺮﯾﺎﺿﯿﺔ اﻟﻤﺟﺮدة إﻟﻰ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﻤﺘﺸﺨﺼﺔ ﻋﻠﻰ أرض اﻟﻮاﻗﻊ ،ﻣﺜﻞ ﺗﺨﯿﻞ “ﻧﺴﯿﺞ اﻟﺰﻣﻜﺎن” ﻋﻠﻰ ھﯿﺌﺔ ﺣﻘﯿﻘﯿﺔ ﯾﻤﻜﻦ ﻟﮭﺎ أن ﺗﻨﺤﻨﻲ وﺗﺘﺪاﺧﻞ.
وﺑﺎﻟﻨﺘﯿﺠﺔ ،إذا ﺣﺎوﻟﻨﺎ اﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋﻠﻰ ﺳﺆال ھﺬه اﻟﻔﻘﺮة “ھﻞ ﯾﺠﯿﺐ اﻟﻌﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ اﻷﺳﺌﻠﺔ؟” ﻓﺴﻨﻮﺟﺰ اﻟﺠﻮاب ﺑﻨﻘﻄﺘﯿﻦ:
اﻟﻨﻘﻄﺔ اﻷوﻟﻰ :اﻟﻤﻼﺣﻈﺔ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ ﻟﯿﺴﺖ ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ ،ﺣﯿﺚ أﺛﺒﺖ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻓﺮﻧﺴﻲ ﺑﯿﯿﺮ دوﯾﻢ أن اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ اﻟﻔﯿﺰﯾﺎﺋﯿﺔ ﻟﯿﺴﺖ ﻣﺠﺮد ﻣﻼﺣﻈﺔ ،ﺑﻞ ھﻲ أﯾﻀﺎ ﺗﺄوﯾﻞ ﻟﻠﻈﺎھﺮة اﻟﺘﻲ
ﺗﺪرﺳﮭﺎ ،وﯾﻘﻮل ﻣﺆﻟﻒ “ﻧﻈﺮﯾﺎت اﻟﻌﻠﻢ” آﻻن ﺷﺎﻟﻤﺮز إن ﻣﺎ ﯾﻼﺣﻈﮫ اﻟﻌﺎﻟِﻢ ﯾﺘﻮﻗﻒ ﻓﻲ ﺟﺎﻧﺐ ﻛﺒﯿﺮ ﻣﻨﮫ ﻋﻠﻰ ﺗﺠﺮﺑﺘﮫ اﻟﻤﺎﺿﯿﺔ وﻣﻌﺎرﻓﮫ ]ﺷﺎﻟﻤﺮز ،ﻧﻈﺮﯾﺎت اﻟﻌﻠﻢ ،دار
ﺗﻮﺑﻘﺎل ،ص .[36ﻛﻤﺎ أن وﺿﻊ اﻟﻔﺮﺿﯿﺎت ﻟﺘﺄوﯾﻞ اﻟﻈﻮاھﺮ اﻟﻔﯿﺰﯾﺎﺋﯿﺔ ﯾﺨﻀﻊ ﺑﺪوره ﻓﻲ اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻷﺣﯿﺎن ﻟﺨﻠﻔﯿﺔ اﻟﺒﺎﺣﺚ وﺗﻮﻗﻌﺎﺗﮫ .ﻓﻌﻠﻰ ﺳﺒﯿﻞ اﻟﻤﺜﺎل ،ﻛﺎن
اﻟﻔﯿﺰﯾﺎﺋﻲ ﻣﺎﻛﺲ ﺑﻮرن ﯾﻘﺮ ﺑﺄن ﻣﺎ أﻧﺠﺰه ﻓﻲ ﺣﻘﻞ اﻛﺘﺸﺎﻓﺎت اﻟﻤﻜﻮﻧﺎت اﻟﺬرﯾﺔ ﻛﺎن ﻣﺠﺮد ﺗﻌﻤﯿﻤﺎت ﻓﻠﺴﻔﯿﺔ ﻻ ﻓﯿﺰﯾﺎﺋﯿﺔ ،وﻣﺎ زاﻟﺖ اﻟﻔﺮﺿﯿﺎت اﻟﻤﻌﺘﻤﺪة اﻟﯿﻮم ﻟﻔﮭﻢ ﻋﺎﻟﻢ
اﻟﺬرة ﻏﯿﺮ ﻣﺜﺒﺘﺔ ﺗﺠﺮﯾﺒﯿﺎ إﻻ أﻧﮭﺎ ﻣﻘﺒﻮﻟﺔ ﻛﺄﺣﺪ اﻟﺘﺄوﯾﻼت اﻟﻤﻤﻜﻨﺔ ،واﻷﻣﺮ ذاﺗﮫ ﯾﻨﻄﺒﻖ ﻋﻠﻰ ﻧﻈﺮﯾﺔ اﻟﺘﻄﻮر اﻟﺪاروﯾﻨﻲ.
/https://al-sabeel.net 11/15ﻣﺻﺎدر-اﻟﻣﻌرﻓﺔprint=print?/
2020/5/12 ﻣﺻﺎدر اﻟﻣﻌرﻓﺔ -اﻟﺳﺑﯾل
واﻻﺳﺘﻘﺮاء ﻣﺒﺪأ ﻓﻄﺮي ،وﺗﺒﺮﯾﺮه ﻓﻄﺮي ،ﻟﻜﻦ ﺗﺤﺪﯾﺪ ﻟﺤﻈﺔ اﻻﻧﺘﻘﺎل ﻣﻦ اﻟﺨﺎص إﻟﻰ اﻟﻌﺎم ﻗﺎﺑﻞ ﻟﻠﺨﻄﺄ ،واﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء اﻟﻤﻌﺎﺻﺮﯾﻦ ﯾﺮﻓﻀﻮن ذﻟﻚ ﺑﺴﺒﺐ ﺳﻮء
ﻓﮭﻤﮭﻢ ﻟﻤﻌﻨﻰ اﻟﻔﻄﺮة ،ﻓﻐﺎﻟﺒﯿﺔ ﻛﺘﺐ ﻓﻠﺴﻔﺔ اﻟﻌﻠﻮم ﻻ ﺗﻨﺎﻗﺶ اﻟﺘﺒﺮﯾﺮ اﻟﻔﻄﺮي أﺻﻼ ،ﻓﮭﻮ أﻣﺮ ﻣﺴﺘﺒﻌﺪ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻢ اﻟﻤﺎدي اﻟﺘﺠﺮﯾﺒﻲ ،وھﻮ ﺧﻠﻞ ﻓﻲ ﻣﻔﮭﻮم “اﻟﻤﻌﻘﻮﻟﯿﺔ” أو
اﻟﺘﺄﺳﯿﺲ ﻟﮭﺎ] .اﻹﺟﻤﺎع اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ،ص .[139
وﯾﻘﻮل ﺟﻮن ھﻮت “ﻋﻨﺪ ﻧﻘﻄﺔ ﻣﻌﯿﻨﺔ ﻓﻲ ﺳﻠﺴﻠﺔ اﻟﺘﺤﻘﻖ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻓﺮﺿﯿﺔ ،ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﻗﻔﺰة إﯾﻤﺎﻧﯿﺔ ﺗُﻌﺪ ﻣﻜﻮﻧﺎ أﺳﺎﺳﯿﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﻤﻠﯿﺔ ،وﻋﻨﺼﺮ اﻟﺜﻘﺔ ھﻮ ﻋﻨﺼﺮ أﺳﺎﺳﻲ ﻓﻲ ﻛﻞ
ﺑﺤﺚ ﺑﺸﺮي ﻋﻦ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ،وإن وﺟﺪت ﻧﻔﺴﻚ ﺗﺸﻚ ﻓﯿﻤﺎ ﻗﻠﺘُﮫ اﻵن ﻓﮭﺬا ﻷﻧﻚ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ ﺑﺎﻟﺬات ﺗﺜﻖ ﻓﻲ ﻋﻘﻠﻚ ﺑﻤﺎ ﯾﻜﻔﻲ ﻟﻠﺘﻌﺒﯿﺮ ﻋﻦ ﺷﻜﻚ ﻓﻲ ﻛﻼﻣﻲ ،ﻓﻼ ﯾﻤﻜﻨﻚ
اﻟﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ اﻟﺜﻘﺔ ﻓﻲ ﻋﻘﻠﻚ ﺣﺘﻰ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺴﺎورك اﻟﺸﻜﻮك ،وأﻧﺖ ﻻ ﺗﻄﺮح أﺳﺌﻠﺘﻚ اﻟﻨﻘﺪﯾﺔ إﻻ ﻷﻧﻚ ﺗﺆﻣﻦ ﺑﺄن اﻟﺤﻖ ﯾﺴﺘﺤﻖ اﻟﺒﺤﺚ ،ﻓﺎﻹﯾﻤﺎن ﺑﮭﺬا اﻟﻤﻌﻨﻰ ،وﻟﯿﺲ ﺑﻤﻌﻨﻰ
اﻟﺨﯿﺎل اﻟﺠﺎﻣﺢ ،ﯾﻜﻤﻦ ﻓﻲ ﺟﺬور ﻛﻞ دﯾﻦ ﺣﻘﯿﻘﻲ ،وﻛﺬﻟﻚ ﻓﻲ ﺟﺬور اﻟﻌﻠﻢ… وھﺬا ﯾﺆﻛﺪ أن ﻣﺤﺎوﻻت اﻹﻟﺤﺎد اﻟﺠﺪﯾﺪ ﻟﺘﺨﻠﯿﺺ اﻟﻮﻋﻲ اﻟﺒﺸﺮي ﻣﻦ اﻹﯾﻤﺎن ھﻲ ﻣﺠﺮد
ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻋﺒﺜﯿﺔ” ]اﻟﻌﻠﻢ ووﺟﻮد ﷲ ،ص .[107
وﺑﻤﺎ أن اﻟﻌﻠﻢ اﻟﺘﺠﺮﯾﺒﻲ ﻗﺎﺋﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻼﺣﻈﺔ واﻟﺘﺠﺮﯾﺐ واﻻﺳﺘﻘﺮاء ﺛﻢ ﺗﻌﻤﯿﻢ اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﻋﻠﻰ اﻟﻈﻮاھﺮ اﻟﻜﻮﻧﯿﺔ ،ﻓﮭﻮ إذن ﻗﺎﺋﻢ ﻋﻠﻰ اﻻﺣﺘﻤﺎل ،ﺣﯿﺚ ﻻ ﯾﻤﻜﻦ ﻟﻠﻌﺎﻟِﻢ أن ﯾﺠﺰم
ﺑﺄن اﻟﺸﻤﺲ ﺳﺘﺸﺮق ﻏﺪا ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺸﺮق ﻛﻞ ﯾﻮم ،وﯾﻘﻮل ﺑﻮل دﯾﻔﯿﺰ إن اﻟﺘﻘﺪم اﻟﻌﻠﻤﻲ ﯾﺘﻄﻠﺐ “ﻓﻌﻼ إﯾﻤﺎﻧﯿﺎ” ﻟﻼﻋﺘﻘﺎد ﺑﻮﺟﻮد اﻧﺘﻈﺎم ﻓﻲ اﻟﻄﺒﯿﻌﺔ ،ﻛﻤﺎ ﯾﻘﻮل اﻟﻔﯿﻠﺴﻮف
اﻹﻧﺠﻠﯿﺰي روﺟﺮ ﺗﺮﯾﻎ “ﻣﻦ أﺟﻞ أن ﯾﺘﻮﻟﻰ اﻟﻌﻠﻢ ﻣﮭﻤﺔ ﺗﻘﺪﯾﻢ اﻟﺘﻔﺴﯿﺮات ﻟﺠﻤﯿﻊ اﻷﺷﯿﺎء ﻓﻨﺤﻦ ﺑﺤﺎﺟﺔ إﻟﻰ ﻣﺎ ﯾﺒﺮر ﻟﻨﺎ اﻟﻮﺛﻮق ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ” ]Rationality and Science,
.[p. 9
“ﻣﻊ أن اﻟﺘﺰوﯾﺮ ﻣﺨﺎﻟﻒ ﻷھﺪاف اﻟﻌﻠﻢ ﻛﻨﺸﺎط ﺛﻘﺎﻓﻲ ،إﻻ أﻧﮫ ﻣﺘﻮطﻦ ﺑﻨﯿﻮﯾًﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﻠﻢ اﻟﻤﺆﺳﺲ ﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺗﻨﺎ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة”.
أﺳﺘﺎذة ﻋﻠﻢ اﻻﺟﺘﻤﺎع دﯾﻨﺎ ﻓﯿﻨﺸﺘﺎﯾﻦ.
ﻛﻤﺎ ﯾﺆﻛﺪ ﻣﺒﺪأ “ﻋﺪم اﻟﯿﻘﯿﻦ” ﻟﻠﻔﯿﺰﯾﺎﺋﻲ ﻓﯿﺮﻧﺮ ھﺎﯾﺰﻧﺒﺮغ اﺳﺘﺤﺎﻟﺔ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ ﻧﺘﺎﺋﺞ دﻗﯿﻘﺔ ﻣﺌﺔ ﺑﺎﻟﻤﺌﺔ ﻋﻨﺪ دراﺳﺔ ﺧﺎﺻﯿﺘﯿﻦ ﻣﻌﺎ ﻟﺸﻲء واﺣﺪ ﻣﻦ ﺑﯿﻦ ﺟﻤﻠﺔ ﺧﻮاص
ﻛﻤﻮﻣﯿﺔ ،أي أن ﻣﻌﺮﻓﺘﻨﺎ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ ﺳﺘﺒﻘﻰ ﻣﻨﻘﻮﺻﺔ ﺣﺘﻤﺎ.
وﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺟﻨﻮح ﺧﯿﺎل ﻣﯿﺸﯿﻮ ﻛﺎﻛﻮ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﮫ “ﻓﯿﺰﯾﺎء اﻟﻤﺴﺘﺤﯿﻞ” ﻧﺤﻮ ﻣﺎ ﯾﺸﺒﮫ ﺗﺄﻟﯿﮫ اﻟﻌﻘﻞ اﻟﺒﺸﺮي ،ﻓﺈﻧﮫ ﯾﻌﺘﺮف ﺑﺄن “ﻧﻈﺮﯾﺔ اﻟﻜﻢ ﻣﺒﻨﯿﺔ ﻋﻠﻰ رﻣﺎل ﻣﻦ اﻟﻤﺼﺎدﻓﺔ
واﻟﺤﻆ واﻻﺣﺘﻤﺎﻻت ،وأﻧﮭﺎ ﻻ ﺗﻌﻄﻲ أﺟﻮﺑﺔ ﻣﺤﺪدة” ]اﻟﻌﻠﻢ ووﺟﻮد ﷲ ،ص.[276
ﯾﻌﺘﺒﺮ اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء اﻟﯿﻮم أن اﻟﻌﻠﻢ ھﻮ اﻟﻄﺮﯾﻖ اﻟﻮﺣﯿﺪ ﻟﻠﺤﻖ وأﻧﮫ ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ ﺗﻔﺴﯿﺮ ﻛﻞ ﺷﻲء ،وھﺬا ﻟﯿﺲ ﺳﻮى
ﻣﻮﻗﻒ أﯾﺪﯾﻮﻟﻮﺟﻲ ﻣﺴﺒﻖ اﺻﻄﻠﺢ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮون ﻋﻠﻰ ﺗﺴﻤﯿﺘﮫ ﺑﺎﻟﻤﺬھﺐ اﻟﻌﻠﻤﻲ ،scientismﻓﻠﯿﺲ ھﻨﺎك دﻟﯿﻞ
ﻋﻠﻤﻲ ﯾﺜﺒﺖ أن اﻟﻮﺟﻮد ﻣﺎدي ﺑﺤﺖ وأن اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ھﻲ اﻟﻤﺼﺪر اﻟﻮﺣﯿﺪ ﻻﻛﺘﺸﺎﻓﮫ.
ﯾﻘﻮل اﻟﻔﯿﻠﺴﻮف اﻟﺒﺮﯾﻄﺎﻧﻲ ﺑﺮﺗﺮاﻧﺪ َرﺳﻞ إن ﻛﻞ ﻣﺎ ﻻ ﯾﻤﻜﻦ ﻟﻠﻌﻠﻢ اﻛﺘﺸﺎﻓﮫ ﻻ ﯾﻤﻜﻦ ﻟﻠﺒﺸﺮﯾﺔ أن ﺗﻌﺮﻓﮫ ،وھﺬه ﻋﺒﺎرة
ﻣﺘﻨﺎﻗﻀﺔ ،ﻓﻜﯿﻒ ﻋﺮف َرﺳﻞ ذﻟﻚ طﺎﻟﻤﺎ أن ﻋﺒﺎرﺗﮫ ﻟﯿﺴﺖ ﻣﺜﺒﺘﺔ ﻋﻠﻤﯿﺎ أﺻﻼ؟ ﻣﺎ ﯾﻌﻨﻲ أﻧﮭﺎ ﻟﯿﺴﺖ ﺻﺤﯿﺤﺔ ﺑﻨﺎ ًء ﻋﻠﻰ
ﻣﻮﻗﻔﮫ ﻧﻔﺴﮫ ]اﻟﻌﻠﻢ ووﺟﻮد ﷲ ،ص.[106
اﻟﻨﻘﻄﺔ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ :ﺣﺘﻰ إذا اﻋﺘﺒﺮﻧﺎ أن اﻟﺮﯾﺎﺿﯿﺎت ھﻲ اﻟﻤﺼﺪر اﻟﻌﻠﻤﻲ اﻟﻤﻮﺛﻮق ﻟﻸﺟﻮﺑﺔ ﻋﻠﻰ اﻷﺳﺌﻠﺔ اﻟﻮﺟﻮدﯾﺔ ،طﺎﻟﻤﺎ أن اﻟﻤﻼﺣﻈﺔ اﻟﻔﯿﺰﯾﺎﺋﯿﺔ ﻟﯿﺴﺖ ﻧﺰﯾﮭﺔ ﺑﺎﻟﻤﻄﻠﻖ ،ﻓﻘﺪ
أﺛﺒﺖ اﻟﻨﻤﺴﺎوي ﻛﯿﺮت ﻏﻮدل ﻓﻲ ﻋﺎم 1931م أن ھﻨﺎك ﻣﻘﻮﻻت ﺻﺎدﻗﺔ ﻓﻲ اﻟﺮﯾﺎﺿﯿﺎت ﻻ ﯾﻤﻜﻦ اﻟﺒﺮھﻨﺔ ﻋﻠﯿﮭﺎ ،ﻓﻌﻠﻰ ﺳﺒﯿﻞ اﻟﻤﺜﺎل ﻣﺎ زاﻟﺖ ﺣﺪﺳﯿﺔ ﻏﻮﻟﺪﺑﺎخ
اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﺔ ﻣﻨﺬ ﻋﺎم 1742م ﻏﯿﺮ ﻣﺒﺮھﻨﺔ ،وﺑﺎت اﻟﺮﯾﺎﺿﯿﻮن ﯾﺆﻣﻨﻮن اﻟﯿﻮم ﺑﺄن ﺣﻠﻢ ﻓﯿﺜﺎﻏﻮرس ﺑﻔﮭﻢ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻛﻠﮫ ﻋﺒﺮ اﻷرﻗﺎم واﻟﺤﺴﺎب ﻣﺴﺘﺤﯿﻞ.
واﺳﺘﻨﺘﺞ اﻷﻣﺮﯾﻜﻲ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ﻓﺮﯾﻤﺎن داﯾﺴﻮن ﻣﻦ ﻧﻈﺮﯾﺔ “ﻋﺪم اﻻﻛﺘﻤﺎل” ﻟﻐﻮدل أن ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻔﯿﺰﯾﺎء واﻟﻔﻠﻚ ﻏﯿﺮ ﻗﺎﺑﻠﯿﻦ ﻟﻼﻛﺘﻤﺎل أﯾﻀﺎ ،ﻓﻤﮭﻤﺎ اﺑﺘﻌﺪﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ
ﻓﺴﯿﻜﻮن ھﻨﺎك داﺋﻤﺎ أﺷﯿﺎء ﺟﺪﯾﺪة ﺗﺤﺪث وﻣﻌﻠﻮﻣﺎت ﺗﺮد وﻋﻮاﻟﻢ ﺟﺪﯾﺪة ﺗُﻜﺘﺸﻒ .وﯾﻠﺨﺺ اﻟﻔﻠﻜﻲ ﺟﻮن ﺑﺎرو ھﺬه اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ﺑﻘﻮﻟﮫ إن اﻟﻌﻠﻢ ﻣﺒﻨﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﯾﺎﺿﯿﺎت ،وﻻ
ﯾﻤﻜﻦ ﻟﻠﺮﯾﺎﺿﯿﺎت أن ﺗﻜﺘﺸﻒ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ﻛﻠﮭﺎ ،ﻓﻼ ﯾﻤﻜﻦ ﻟﻠﻌﻠﻢ أن ﯾﻜﺘﺸﻒ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﻛﻠﮭﺎ.
ﻟﺬﻟﻚ اﻗﺘﻨﻊ ھﻮﻛﻨﻎ أﺧﯿﺮا ﺑﺎﺳﺘﺤﺎﻟﺔ اﻛﺘﺸﺎف “ﻧﻈﺮﯾﺔ ﻛﻞ ﺷﻲء” اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻤﻊ اﻟﻨﺴﺒﯿﺔ ﻣﻊ اﻟﻜﻢ وﺗﻠﺨﺺ ﻛﻞ ظﻮاھﺮ اﻟﻮﺟﻮد ﻓﻲ ﻣﻌﺎدﻟﺔ واﺣﺪة ،ﻓﺎﻷﻣﺮ ﻻ ﯾﺘﻌﻠﻖ ﺑﻨﻘﺺ
اﻷدوات وﺿﯿﻖ اﻟﻮﻗﺖ ﻓﻘﻂ ،ﺑﻞ ﻷن اﻟﻤﻼﺣِ ﻆ )اﻟﺒﺎﺣﺚ( ﺳﯿﻈﻞ أﺑﺪا ﺟﺰءا ﻣﻦ اﻟﻜﻮن ﻧﻔﺴﮫ وﻣﻦ ﻣﻮﺿﻮع اﻟﺒﺤﺚ ،وﻟﻦ ﯾﺼﺒﺢ “إﻟﮭﺎً” ﻣﻨﻔﺼﻼ ﻋﻦ اﻟﻜﻮن ﻟﯿﻜﺘﺸﻔﮫ ﻋﻠﻰ
ﺣﻘﯿﻘﺘﮫ اﻟﺘﺎﻣﺔ.
ﻣﺪور ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﮫ “ﻧﺼﺎﺋﺢ ﻟﻌﺎﻟﻢ ﺷﺎب” :إن أﺳﺮع طﺮﯾﻘﺔ ﯾﺴﻲء ﺑﮭﺎ اﻟﻌﺎﻟِﻢ إﻟﻰ ﺳﻤﻌﺘﮫ ھﻲ أن ﯾﺼﺮح ﺑﻜﻞ ﯾﻘﻮل اﻟﺒﺮوﻓﺴﻮر ﺑﯿﺘﺮ ّ
ﺟﺮأة ودون ﻣﺒﺮر ﺑﺄن اﻟﻌﻠﻢ ﯾﻌﺮف أو ﺳﯿﻜﺘﺸﻒ ﻗﺮﯾﺒﺎ اﻷﺟﻮﺑﺔ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ اﻷﺳﺌﻠﺔ ،وأن اﻷﺳﺌﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻘﺒﻞ اﻷﺟﻮﺑﺔ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ ھﻲ
أﺳﺌﻠﺔ زاﺋﻔﺔ وﺳﺎذﺟﺔ… ﻟﻜﻦ ﻣﺤﺪودﯾﺔ اﻟﻌﻠﻢ ﺗﺘﻀﺢ ﻓﻲ ﻋﺠﺰه ﻋﻦ اﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋﻠﻰ اﻷﺳﺌﻠﺔ اﻟﺒﺪاﺋﯿﺔ اﻟﻮﺟﻮدﯾﺔ ،ﻣﺜﻞ اﻟﺒﺤﺚ ﻓﻲ ﻛﯿﻔﯿﺔ ﺑﺪء
اﻟﺨﻠﻖ وﻏﺎﯾﺔ اﻟﻮﺟﻮد وﻣﻐﺰى اﻟﺤﯿﺎة.[Advice To A Young Scientist, harper & row, 1979, p. 31] .
وﯾﻘﻮل ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﮫ “ﺣﺪود اﻟﻌﻠﻢ” :ﻣﻦ اﻟﻤﺤﺘﻤﻞ أن ھﻨﺎك أﺳﺌﻠﺔ ﯾﻌﺠﺰ اﻟﻌﻠﻢ ﻋﻦ ﺗﻘﺪﯾﻢ إﺟﺎﺑﺎت ﻋﻨﮭﺎ ﻧﻈﺮا ﻟﻤﺤﺪودﯾﺘﮫ ،ﻛﻤﺎ ﻻ ﯾﻤﻜﻦ
ﻷي ﺗﻄﻮر ﻋﻠﻤﻲ ﻣﺘﻮﻗﻊ أن ﯾﺆھﻠﮫ ﻟﺬﻟﻚ .إﻧﮭﺎ اﻷﺳﺌﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﻄﺮﺣﮭﺎ اﻷطﻔﺎل ،واﻷﺳﺌﻠﺔ اﻟﻨﮭﺎﺋﯿﺔ ﻟﻜﺎرل ﺑﻮﺑﺮ ،وﻟﺪي أﯾﻀﺎ أﺳﺌﻠﺔ ﻣﻦ
ﻗﺒﯿﻞ :ﻛﯿﻒ ﺑﺪأت اﻷﺷﯿﺎء ،ﻟﻤﺎذا ﻧﺤﻦ ﻣﻮﺟﻮدون ھﻨﺎ؟ ﻣﻦ أي ﺷﻲء ﺗﻢ ﺧﻠﻘﻨﺎ؟ ﻣﺎ ھﻲ ﻏﺎﯾﺔ اﻟﺤﯿﺎة؟… ﻓﻠﯿﺲ ﻓﻲ وﺳﻊ اﻟﻌﻠﻢ أن ﯾﺠﯿﺐ
ﻋﻠﻰ اﺳﺌﻠﺔ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺒﺪاﯾﺎت اﻷﺷﯿﺎء وﻧﮭﺎﯾﺎﺗﮭﺎ ،واﻟﺬي ﯾﺠﯿﺐ ﻋﻠﯿﮭﺎ ھﻮ اﻟﻤﯿﺘﺎﻓﯿﺰﯾﻘﯿﺎ واﻷدب واﻟﺪﯾﻦThe Limits of Science,] .
.[Oxford, 1984, p. 60
/https://al-sabeel.net 12/15ﻣﺻﺎدر-اﻟﻣﻌرﻓﺔprint=print?/
2020/5/12 ﻣﺻﺎدر اﻟﻣﻌرﻓﺔ -اﻟﺳﺑﯾل
رﺑﻤﺎ ﻻ ﺗﻌﺘﺒﺮ اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺮاﺟﻊ اﻹﺟﻤﺎع اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻣﺼﺪر ﻣﺴﺘﻘﻞ ﻟﻠﻤﻌﺮﻓﺔ ،إﻻ أﻧﻨﺎ ارﺗﺄﯾﻨﺎ ﺗﺨﺼﯿﺼﮫ ﻛﻤﺼﺪر ﻋﻠﻰ أﺳﺎس ﺑﻌﺾ اﻷﺑﺤﺎث اﻟﺤﺪﯾﺜﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻄﻲ
اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ دورا ﺟﻮھﺮﯾﺎ ﻓﻲ ﺑﻠﻮرة اﻟﻤﻌﻄﯿﺎت اﻟﺤﺴﯿﺔ واﻟﻨﻔﺴﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﺘﻠﻘﺎھﺎ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻨﺬ طﻔﻮﻟﺘﮫ ﻟﺘﺘﺤﻮل إﻟﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ.
اھﺘﻢ اﻟﻤﻔﻜﺮ اﻹﺳﻼﻣﻲ اﺑﻦ ﺗﯿﻤﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﺸﺮ اﻟﻤﯿﻼدي ﺑﺎﻟﻤﻌﻨﻰ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻟﺘﻌﺮﯾﻒ “اﻟﻌﺎدة اﻹﻧﺴﺎﻧﯿﺔ اﻟﺼﺤﯿﺤﺔ” ،ﻓﻜﺎن ﯾﺮى أن ﺗﺼﺤﯿﺤﮭﺎ ﯾﺴﺘﻨﺪ إﻟﻰ
اﻧﺘﺸﺎرھﺎ ﺑﯿﻦ ﻛﺎﻓﺔ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﺒﺸﺮﯾﺔ ،وﻛﻮﻧﮭﺎ ﻋﺎدة ﻧﻔﺴﯿﺔ واﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ أﺻﯿﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﺒﺸﺮ ،ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﺗﻌﺒﯿﺮھﺎ ﻋﻦ ﺣﺎﺟﺔ ﺿﺮورﯾﺔ.
وﻋﻨﺪﻣﺎ أﻋﺎد ھﯿﻮم ﻧﺸﺮ ﻓﻠﺴﻔﺔ اﻟﺸﻚ اﻟﺴﻔﺴﻄﺎﺋﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﺸﺮ اﻟﻤﯿﻼدي ،ﺗﺼﺪى ﻟﮫ اﻟﻔﯿﻠﺴﻮف اﻷﺳﻜﺘﻠﻨﺪي ﺗﻮﻣﺎس رﯾﺪ وأﻛﺪ أن إﺟﻤﺎع اﻷﻣﻢ ﻣﻦ اﻟﻌﺎﻣﺔ
واﻟﻤﺘﻌﻠﻤﯿﻦ ﯾﻨﺒﻐﻲ أن ﯾﻜﻮن ﻟﮫ ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ ﺳﻠﻄﺎن ﻛﺒﯿﺮ ،إﻻ إذا اﺳﺘﻄﻌﻨﺎ أن ﻧﺜﺒﺖ وﺟﻮد ﺗﺤﯿﺰ ﻣﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻮم ﻹﺟﻤﺎع ﻣﺎ ،ﻓﺎﻷﺻﻞ ﻓﻲ اﻹﺟﻤﺎع أن ﯾﻜﻮن ﻣﺒﺮرا ﺑﻨﻔﺴﮫ
وأن اﻟﻤﺸﻜﻚ ھﻮ اﻟﺬي ﯾﻨﺒﻐﻲ أن ﯾﺜﺒﺖ وﺟﻮد اﻟﺘﺤﯿﺰ.
واﻋﺘﺒﺮ رﯾﺪ أن ﺧﺼﺎﺋﺺ اﻟﻤﺸﺘﺮﻛﺎت اﻹﻧﺴﺎﻧﯿﺔ ھﻲ :اﻹدراك ﺑﺎﻟﺤﺪس ،اﻟﻤﯿﻞ اﻟﻨﻔﺴﻲ ﻟﻠﺘﺼﺪﯾﻖ ﺑﮭﺎ ﻓﻲ ﺑﻨﯿﺔ اﻹﻧﺴﺎن ،اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻟﺤﯿﺮة ﻋﻨﺪ اﻟﺸﻚ ﻓﯿﮭﺎ ،وأن ﺗﻜﻮن
ﺿﺮورﯾﺔ ﻟﻠﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺑﻨﺠﺎح.
وأﯾﻀﺎ ﺗﺼﺪى ﻛﺎﻧﻂ ﻟﺸﻜﯿﺔ ھﯿﻮم ﻛﻤﺎ أﺳﻠﻔﻨﺎ أﻋﻼه ،ورأى أن اﻟﺘﻌﺎﻗﺐ اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻲ ﻧﺎﺷﺊ ﻋﻦ ﻣﺒﺪأ ﻋﻘﻠﻲ أوﻟﻲ ،ﻓﺄﻋﻄﻰ ﺑﺬﻟﻚ ﻟﻤﺎ أﺳﻤﺎه ﺑﺎﻟﻌﻘﻞ اﻟﻔﻌﺎل دورا ﺟﻮھﺮﯾﺎ ﻓﻲ
اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ.
وﻓﻲ ﺑﺪاﯾﺔ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﯾﻦ أﺣﯿﺎ اﻟﻔﯿﻠﺴﻮف اﻟﺒﺮﯾﻄﺎﻧﻲ ﺟﻮرج ﻣﻮر ﻓﻠﺴﻔﺔ رﯾﺪ واﻧﺘﺼﺮ ﻟﻠﻔﻄﺮة اﻟﺴﻠﯿﻤﺔ ،ﻛﻤﺎ ﺗﺼﺪى ﻟﻤﻦ ﯾﺸﻜﻚ ﺑﻮﺟﻮد اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺨﺎرﺟﻲ ﺑﻤﻨﺎﻗﺸﺎت
ﺷﮭﯿﺮة ،وﻣﻦ أﺷﮭﺮ ردوده ﻋﻠﯿﮭﻢ :ﺣﯿﻦ أرﻓﻊ ﯾﺪي إﻟﻰ أﻋﻠﻰ وأﻗﻮل :ھﺬه ﯾﺪ ،ﺛﻢ أرﻓﻊ ﯾﺪي اﻷﺧﺮى وأﻗﻮل :ھﺬه ﯾﺪ أﺧﺮى ،ﻓﺒﺬﻟﻚ أﻛﻮن ﻗﺪ ﺑﺮھﻨﺖ ﻋﻠﻰ وﺟﻮد اﻟﻌﺎﻟﻢ
اﻟﺨﺎرﺟﻲ.
ﺛﻢ أﺻﺪر اﻟﻔﯿﻠﺴﻮف اﻷﻣﺮﯾﻜﻲ ﺟﻮن ﺳﯿﺮل ﻛﺘﺎب “اﻟﻌﻘﻞ واﻟﻠﻐﺔ واﻟﻤﺠﺘﻤﻊ” اﻟﺬي ﯾﻌﺪ ﻣﻦ أھﻢ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﻤﺘﺨﺼﺼﺔ ﻓﻲ
اﻻﻧﺘﺼﺎر ﻟﻤﻮﻗﻒ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻌﺎدي ،وﻗﺎل ﻓﯿﮫ إن ﻣﻌﯿﺎر اﻟﻤﻮاﻗﻒ اﻟﺘﻠﻘﺎﺋﯿﺔ ھﻮ اﻟﺜﺒﺎت اﻟﺒﺸﺮي اﻟﻌﺎم ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻤﺴﻚ ﺑﮭﺎ ﺧﻼل
اﻟﺘﺎرﯾﺦ اﻟﻄﻮﯾﻞ اﻟﻤﻠﻲء ﺑﺎﻟﺪواﻋﻲ اﻟﻜﺎﺷﻔﺔ ﻟﻠﺤﻘﯿﻘﺔ ،ﻓﻄﺎﻟﻤﺎ أن ھﺬه اﻟﻘﻀﺎﯾﺎ ﻟﻢ ﺗُﻜﺬب ﻣﻄﻠﻘﺎ ﻓﮭﺬه ﻗﯿﻤﺔ ﻣﻮﺿﻮﻋﯿﺔ ،ﻛﻤﺎ اﻋﺘﺒﺮ
أن اﻟﻤﻮاﻗﻒ اﻟﺘﻠﻘﺎﺋﯿﺔ ﺳﺎﺑﻘﺔ ﻋﻠﻰ أي رؤﯾﺔ ذوﻗﯿﺔ ﻓﮭﻲ ﺗﺘﻤﺘﻊ ﺑﺎﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﯿﺔ.
وﯾﻌﺪ اﻟﻔﯿﻠﺴﻮف اﻟﻨﻤﺴﺎوي ﻟﻮدﻓﯿﻎ ﻓﺘﻐﻨﺸﺘﺎﯾﻦ )ﺗﻮﻓﻲ ﻋﺎم 1951م( ﻣﻦ أھﻢ اﻟﻤﻔﻜﺮﯾﻦ اﻟﺬﯾﻦ ﻟﻔﺘﻮا اﻟﻨﻈﺮ إﻟﻰ أھﻤﯿﺔ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻓﻲ
ﺟﻮن ﺳﯿﺮل )(FranksValli
ﺗﻜﻮﯾﻦ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل دراﺳﺎﺗﮫ ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ ،وﻗﺪ أﻛﺪت اﻟﻌﺪﯾﺪ ﻣﻦ اﻟﺪراﺳﺎت اﻟﻨﻔﺴﯿﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ اﻟﺤﺪﯾﺜﺔ ﻧﻈﺮﯾﺘﮫ ،ﻓﻜﺎن ﯾﻨﻜﺮ
إﻣﻜﺎن ﺗﻤﯿﯿﺰ اﻟﻤﻌﻄﯿﺎت اﻟﺤﺴﯿﺔ واﻟﺤﺎﻻت اﻟﻨﻔﺴﯿﺔ دون رﺑﻂ ﻣﺠﺘﻤﻌﻲ ﻟﻜﻞ ﺣﺎﻟﺔ ﺑﻠﻔﻆ ﻣﻌﯿﻦ ،ﻓﺎﻹﻧﺴﺎن ﯾﺘﻌﺮف ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﮫ وﻋﻠﻰ
اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻋﻼﻗﺔ إﺷﺎرﯾﺔ ﻣﻮﺿﻮﻋﯿﺔ ،وﻣﻦ اﻟﻤﺴﺘﺤﯿﻞ ﻋﻠﯿﮫ أن ﯾﻨﺸﺊ ﻟﻐﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﮫ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻤﻌﻄﯿﺎت اﻟﺤﺴﯿﺔ .واﻟﻤﻌﯿﺎر اﻷﺻﻠﻲ ھﻮ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻻ اﻟﺬات،
ﻓﺎﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﺗﻮﻓﺮ ﻟﮫ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﺼﺤﯿﺤﺔ ﺑﻌﻼﻗﺎت واﺿﺤﺔ ورﻣﺰﯾﺔ ﺑﺸﻜﻞ أﻓﻀﻞ ﺑﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﯿﺎر اﻟﻔﺮدي اﻟﺬي ﯾﻔﮭﻢ ﺑﮫ اﻟﻄﻔﻞ اﻟﻮﻟﯿﺪ ﻗﺒﻞ أن ﯾﺘﻌﻠﻢ اﻟﻠﻐﺔ. ،
وﺑﺤﺴﺐ ﻓﺘﻐﻨﺸﺘﺎﯾﻦ ﻓﻨﺤﻦ ﻧﺘﺼﻮر اﻷﻟﻢ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻠﻐﺔ ،وﺑﺪون ﻟﻐﺔ ﺳﻨﺘﺄﻟﻢ دون وﻋﻲ ﺑﺎﻷﻟﻢ .وﺑﺎﻟﺨﻼﺻﺔ ﻓﻼ ﯾﻤﻜﻦ اﻟﺤﺪﯾﺚ
ﻋﻦ أي “ﻣﻌﻘﻮﻟﯿﺔ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ” ﺑﺪون ﻗﻮاﻋﺪ ﻣﻌﯿﺎرﯾﺔ ﻧﻜﺘﺴﺒﮭﺎ ﻣﻦ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ،وﻻ ﯾﻤﻜﻦ ﻷﺣﺪ أن ﯾﻨﺸﺊ ﻟﻐﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﮫ )اﺳﺘﺒﻄﺎن( دون
اﺳﺘﻨﺎد إﻟﻰ ﻣﻌﺎﯾﯿﺮ ﻋﺎﻣﺔ ﯾﻔﮭﻤﮭﺎ اﻟﻨﺎس.
وﯾﻘﻮل ﻓﯿﻠﺴﻮف اﻟﻌﻠﻢ اﻷﻣﯿﺮﻛﻲ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ إرﻧﺴﺖ ﻧﺎﻏﻞ إن اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺴﺘﺨﺪﻣﮭﺎ ﻟﻮﺻﻒ ﺗﺠﺎرﺑﻨﺎ اﻟﻤﺒﺎﺷﺮة ھﻲ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻤﻌﺘﺎدة
ﻟﻠﺘﻮاﺻﻞ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ،ﻓﺘﻄﺎﺑﻖ اﻟﻤﺒﺎﻧﻲ اﻟﻠﻐﻮﯾﺔ اﻷﺳﺎﺳﯿﺔ ﻓﻲ ﻛﺎﻓﺔ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت ﻣﻊ اﺧﺘﻼف اﻟﺘﺠﺎرب واﻟﻤﻨﺎخ واﻟﻤﻌﺘﻘﺪات ﯾﺒﺮھﻦ
ﻋﻠﻰ أن ھﻨﺎك ﺑﻨﯿﺔ إﻧﺴﺎﻧﯿﺔ ﻋﺎﻣﺔ.
وھﺬا ﯾﻌﻨﻲ أن اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ھﻮ اﻟﺬي ﯾﺤﺪد ﺷﺮوط ﻣﻌﺮﻓﺘﻨﺎ ،وﯾﻮﺟﮫ ﺣﻮاﺳﻨﺎ ﻣﻨﺬ طﻔﻮﻟﺘﻨﺎ ﻟﻨﺮى اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻛﻤﺎ ﻧﺮاه ،واﻟﺤﺎﺟﺔ اﻟﻨﻔﺴﯿﺔ
اﻟﻌﻤﯿﻘﺔ )اﻟﻔﻄﺮﯾﺔ( ھﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺪﻓﻊ اﻟﻄﻔﻞ ﻟﻠﻤﺴﺎرﻋﺔ ﻓﻲ اﺗﺒﺎع اﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻹﻧﺴﺎﻧﯿﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ وﺗﻌﻠﻢ طﺮق اﻟﺘﺼﻨﯿﻒ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ واﻹﯾﻤﺎن
ﺑﺎطﺮاد اﻟﺤﻮادث .وﻗﺪ ﻟﺨﺺ ﻧﺎﻏﻞ ﺷﺮوط ﺗﺤﻘﻖ اﻟﻔﻄﺮة ﻓﻲ ﻧﻘﻄﺘﯿﻦ :أن ﺗﻜﻮن ﺷﺮطﺎ ﻟﻠﻌﺒﺔ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ اﻟﺒﺸﺮﯾﺔ ،وأن ﺗﻌﺒﺮ ﻋﻦ
ﺣﺎﺟﺔ اﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ وﻧﻔﺴﯿﺔ.
ﻟﻮدﻓﯿﻎ ﻓﺘﻐﻨﺸﺘﺎﯾﻦ
وﯾﺴﺘﻨﺘﺞ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺒﺮﯾﻄﺎﻧﻲ “أﻟﻔﺮد ﺟﻮل آﯾﺮ” أن ﺣﻮاس اﻹﻧﺴﺎن ﻟﯿﺴﺖ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﮫ ﺑﻞ ﻣﺤﻜﻮﻣﺔ ﺑﺎﻟﺘﺠﺮﺑﺔ اﻟﺠﻤﺎﻋﯿﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ،
وﻟﺬﻟﻚ ﻻ ﻧﻘﻮل ﻋﻦ ﺷﻲء إﻧﮫ ﻗﺎﺑﻞ ﻟﻺدراك إﻻ إذا ﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﻤﻤﻜﻦ وﺻﻔﮫ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ أﺷﺨﺎص ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ ].[The problem of knowledge, p.85
وﺑﻨﺎء ﻋﻠﻰ ھﺬه اﻟﻤﻌﻄﯿﺎت اﻟﺤﺪﯾﺜﺔ ،ﯾﻤﻜﻦ أن ﻧﺠﺮي ﺑﻌﺾ اﻟﺘﻌﺪﯾﻼت ﻋﻠﻰ ﻧﻈﺮﯾﺔ ﻛﺎﻧﻂ ﺑﺸﺄن “اﻟﻌﻘﻞ اﻟﻔﻌﺎل” اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺮﺿﻨﺎ ﻟﮭﺎ ﺳﺎﺑﻘﺎ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﯾﺮى أن اﻟﻤﺒﺪأ اﻟﻜﻠﻲ
اﻟﻀﺮوري ﻻ ﯾﺼﺪر ﻋﻦ ﺣﺲ ﺧﺎﻟﺺ أو ﻣﻌﻄﯿﺎت ﺣﺴﯿﺔ ﺑﻞ ھﻮ ﻣﻦ طﺒﯿﻌﺔ اﻟﻌﻘﻞ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ اﻟﻔﺮدي ،واﻟﺘﺠﺎرب اﻟﺤﺪﯾﺜﺔ ﺗﺜﺒﺖ أن اﻟﻘﺎﻋﺪة ﻻ ﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﻨﺸﺄ ﻣﻦ ﻋﻘﻞ
واﺣﺪ وﻟﻮ ﻛﺎن ﻓﻌﺎﻻ ،وأن اﻟﻄﻔﻞ ﻻ ﯾﻜﺘﺴﺐ اﻟﻠﻐﺔ ﻣﻦ ذاﺗﮫ ﺑﻞ ﻓﻲ إطﺎر اﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺗﻘﺒﻠﮫ اﻟﻐﺮﯾﺰة ﺑﻤﺠﺮد اﻻﺣﺘﻜﺎك ﺑﺎﻟﻘﻮاﻋﺪ.
وﻣﻦ اﻟﺨﻄﺄ اﻟﺨﻠﻂ ﺑﯿﻦ ﻣﻐﺎﻟﻄﺔ اﻻﺣﺘﻜﺎم إﻟﻰ اﻷﻛﺜﺮﯾﺔ ]اﻧﻈﺮ ﻣﻘﺎل اﻟﻤﻐﺎﻟﻄﺎت اﻟﻤﻨﻄﻘﯿﺔ[ وﺑﯿﻦ اﺳﺘﻨﺒﺎط اﻟﺒﻨﯿﺔ اﻟﻄﺒﯿﻌﯿﺔ ﻹدراك اﻟﺒﺸﺮ ﻣﻦ ﺧﻼل اﺗﻔﺎﻗﮭﻢ اﻟﻔﻄﺮي رﻏﻢ
اﺧﺘﻼف اﻟﻈﺮوف واﻟﻌﺎدات ﺑﯿﻦ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت.
ﯾﻌﺮف اﺑﻦ ﻓﺎرس ﻓﻲ “ﻣﻌﺠﻢ ﻣﻘﺎﯾﯿﺲ اﻟﻠﻐﺔ” اﻟﻮﺣﻲ ﺑﺄﻧﮫ أﺻﻞ ﯾﺪل ﻋﻠﻰ إﻟﻘﺎء ﻋﻠﻢ ﻣﻦ أﺣﺪ ﻟﻐﯿﺮه ،وﻗﯿّﺪه اﻟﺒﻌﺾ ﺑﺄﻧﮫ ﺧﻔﻲ وﺳﺮﯾﻊ .وﻧﺠﺪ ﻓﻲ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﯾﻢ ﺻﻮرا ّ
ﻟﻠﻮﺣﻲ ﻻ ﺗﺘﻘﯿﺪ ﺑﺎﻟﻤﻌﻨﻰ اﻟﺪﯾﻨﻲ ،ﻓﮭﻮ ﯾﺸﻤﻞ اﻹﻟﮭﺎم اﻟﻐﺮﯾﺰي ﻟﻠﺤﯿﻮان} :وأوﺣﻰ رﺑﻚ إﻟﻰ اﻟﻨﺤﻞ{ ]اﻟﻨﺤﻞ ،[67 :واﻹﻟﮭﺎم اﻟﻔﻄﺮي ﻟﻺﻧﺴﺎن} :وأوﺣﯿﻨﺎ إﻟﻰ أم ﻣﻮﺳﻰ أن
أرﺿﻌﯿﮫ{ ]اﻟﻘﺼﺺ ،[7 :واﻹﺷﺎرة اﻟﺴﺮﯾﻌﺔ ﻣﻦ ﺷﺨﺺ ﻷﺷﺨﺎص آﺧﺮﯾﻦ} :ﻓﺨﺮج ﻋﻠﻰ ﻗﻮﻣﮫ ﻣﻦ اﻟﻤﺤﺮاب ﻓﺄوﺣﻰ إﻟﯿﮭﻢ أن ﺳﺒّﺤﻮا{ ]ﻣﺮﯾﻢ ،[11 :ووﺳﻮﺳﺔ
/https://al-sabeel.net 13/15ﻣﺻﺎدر-اﻟﻣﻌرﻓﺔprint=print?/
2020/5/12 ﻣﺻﺎدر اﻟﻣﻌرﻓﺔ -اﻟﺳﺑﯾل
ﻟﻜﻦ اﻟﻤﻘﺼﻮد ﺑﺎﻟﻮﺣﻲ ھﻨﺎ ھﻮ اﻟﺬي ﯾﻮﺣﻲ ﺑﮫ ﷲ إﻟﻰ أﻧﺒﯿﺎﺋﮫ ورﺳﻠﮫ} :وأوﺣﻲ إﻟﻲ ھﺬا اﻟﻘﺮآن ﻷﻧﺬرﻛﻢ ﺑﮫ{ ]اﻷﻧﻌﺎم،[19 :
وھﻮ اﻟﻮﺳﯿﻠﺔ اﻟﺘﻲ أﺑﻠﻎ ﷲ ﺑﮭﺎ رﺳﻠﮫ ﺑﺮﺳﺎﻟﺘﮭﻢ وطﺎﻟﺒﮭﻢ ﺑﺘﺒﻠﯿﻐﮭﺎ ﻟﻠﻨﺎس} :إﻧﺎ أوﺣﯿﻨﺎ إﻟﯿﻚ ﻛﻤﺎ أوﺣﯿﻨﺎ إﻟﻰ ﻧﻮح واﻟﻨﺒﯿﯿﻦ ﻣﻦ ﺑﻌﺪه{
]اﻟﻨﺴﺎء.[163 :
وإذا ﺗﺠﺎوز اﻹﻧﺴﺎن ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻟﺸﻚ وآﻣﻦ ﺑﻮﺟﻮد ﷲ ،ﺳﻮاء ﻋﻦ طﺮﯾﻖ اﻟﻌﻘﻞ أو اﻟﻜﺸﻒ ،أو ﺑﺎﻟﺘﺤﻘﻖ ﻣﻦ ﺻﺪق اﻷﻧﺒﯿﺎء وﻣﻌﺠﺰاﺗﮭﻢ ،ﻓﻤﻦ اﻟﺒﺪھﻲ أن ﯾﻌﺘﺒﺮ اﻟﻮﺣﻲ اﻹﻟﮭﻲ
أﻋﻠﻰ درﺟﺎت ﻣﺼﺎدر اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ،وأن ﯾﻌﺘﺒﺮ ﻛﻞ ﻣﺎ ﯾﺼﺪر ﻋﻨﮫ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ اﻟﻌﻠﻢ اﻟﯿﻘﯿﻨﻲ .وﺑﻤﺎ أﻧﻨﺎ ﻣﺎ ﻧﺰال ﻓﻲ ﺑﺪاﯾﺔ طﺮﯾﻖ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ﻓﺴﻨﺆﺟﻞ اﻟﺤﺪﯾﺚ ﻋﻦ ﺿﺮورة
اﻟﻠﺠﻮء إﻟﻰ اﻟﻮﺣﻲ ﺑﻌﺪ أن ﻧﺘﺤﻘﻖ ﻣﻦ وﺟﻮد ﷲ أوﻻً ،ﺛﻢ ﺳﻨﺘﻌﺮض ﻓﻲ ﻣﻘﺎل “ﻧﺒﻮة ﻣﺤﻤﺪ” وﻣﺎ ﯾﻠﯿﮫ ﻟﺘﻔﺎﺻﯿﻞ ھﺬا اﻟﻤﺼﺪر اﻟﻤﻌﺮﻓﻲ.
وﻣﺎ ﯾﮭﻤﻨﺎ ﺑﺎﻟﺪرﺟﺔ اﻷوﻟﻰ ﻓﻲ ﻣﺼﺪرﯾﺔ اﻟﻮﺣﻲ ﻟﻠﻤﻌﺮﻓﺔ ھﻮ اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻟﻤﯿﺘﺎﻓﯿﺰﯾﻘﻲ ،ﻓﺒﻌﺪ أن ﺛﺒﺖ ﻟﻨﺎ ﻋﺠﺰ اﻟﻌﻘﻞ ﻋﻦ اﻟﺨﻮض ﻓﻲ ﻋﻮاﻟﻢ اﻟﻐﯿﺐ ،وﻋﺪم اﻣﺘﻼﻛﻨﺎ ﻷي
ﺑﺮھﺎن ﯾﻀﻤﻦ ﺻﺪور اﻟﻤﻜﺎﺷﻔﺎت اﻟﺤﺪﺳﯿﺔ -ﺑﺸﺄن اﻟﻐﯿﺒﯿﺎت -ﻋﻦ ﻣﺼﺪر ﻣﻮﺛﻮق ،واﺳﺘﺤﺎﻟﺔ اﻟﺘﻮﺻﻞ إﻟﻰ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻐﯿﺒﻲ ﺑﺎﻟﺤﻮاس ﻷﻧﮫ ﻣﻔﺎرق ﻟﻠﺤﺲ أﺻﻼ ،وﻋﺠﺰ
اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ واﻟﺮﯾﺎﺿﯿﺎت ﻋﻦ اﻹﺣﺎطﺔ ﺑﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﻜﻮن اﻟﻤﺎدي ﻧﻔﺴﮫ ﻓﻀﻼ ﻋﻦ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻐﯿﺒﻲ ،ﻓﻠﻦ ﯾﺒﻘﻰ ﻟﺪﯾﻨﺎ ﺳﻮى اﻟﻠﺠﻮء إﻟﻰ اﻟﻮﺣﻲ ﺑﻌﺪ اﻟﺘﺤﻘﻖ ﻣﻦ ﺻﺪق ﻧﺴﺒﺘﮫ إﻟﻰ ﷲ.
وﯾﺠﺪر ﺑﺎﻟﺬﻛﺮ أن اﻟﻮﺣﻲ ﺑﻮﺻﻔﮫ ﻣﺼﺪرا ﻟﻠﻤﻌﺮﻓﺔ ﯾُﺼﻨﻒ ﻟﺪى ﻋﻠﻤﺎء اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﺗﺤﺖ ﺑﺎب أوﺳﻊ ھﻮ اﻟﻨﻘﻠﯿﺎت أو اﻟﺨﺒﺮﯾﺎت ،واﻟﺬي ﯾﺸﻤﻞ ﻛﻼ ﻣﻦ :اﻟﺨﺒﺮ اﻟﺼﺎدق
اﻟﻘﻄﻌﻲ اﻟﻤﺜﺒﺖ ﺑﺎﻟﺘﻮاﺗﺮ )اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﯾﻢ واﻟﺴﻨﺔ واﻷﺧﺒﺎر اﻟﻤﺘﻮاﺗﺮة( ،واﻟﺨﺒﺮ اﻟﻈﻨﻲ )رواﯾﺎت اﻟﺘﺎرﯾﺦ واﻷﺣﺎدﯾﺚ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﺒﻠﻎ درﺟﺔ اﻟﺘﻮاﺗﺮ( ،واﻷﺳﺎطﯿﺮ.
أﻣﺎ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ اﻟﻤﻨﻜﺮﯾﻦ ﻟﻠﻮﺣﻲ ﻓﯿﻌﺘﺪون ﺑﻤﺼﺪرﯾﺔ اﻟﺨﺒﺮ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺘﺤﻘﻖ ﺷﺮوط اﻟﺜﻘﺔ ﻓﻲ ﻧﻘﻞ اﻟﺮواﯾﺔ ،وإﻻ ﻓﻼ ﻗﯿﻤﺔ ﻟﻌﻠﻢ اﻟﺘﺎرﯾﺦ وﻟﻜﻞ ﻣﺎ ﯾﺼﻞ إﻟﯿﻨﺎ ﻣﻦ ﻣﻌﺎرف وأﺧﺒﺎر
ﻏﺎﺑﺖ ﻋﻦ ﺣﻮاﺳﻨﺎ .ﻓﻌﻠﻰ ﺳﺒﯿﻞ اﻟﻤﺜﺎل ﻻ ﯾﻤﻜﻦ ﻷﺣﺪ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ أن ﯾﺮى ﺑﻌﯿﻨﮫ ﻛﻞ ﻣﺪن اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺑﻤﺎ ﻓﯿﮭﺎ ﻣﻦ ﺳﻜﺎن وﻣﻨﺎزل وأﺳﻮاق ،إﻻ أﻧﮫ ﯾﺼﺪّق ﺑﻮﺟﻮد أي ﻣﻨﮭﺎ إذا
ﺗﻮاﺗﺮت اﻷﺧﺒﺎر اﻟﺘﻲ ﯾﺘﺪاوﻟﮭﺎ اﻟﻨﺎس ﺑﻮﺟﻮد ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ وﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ أﻗﺼﻰ أﺻﻘﺎع اﻷرض وﯾﺼﻌﺐ ﻋﻠﯿﮫ اﻟﺘﺤﻘﻖ ﺷﺨﺼﯿﺎ ﻣﻦ وﺟﻮدھﺎ.
وﻟﻢ ﯾﺨﻞ ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻣﻦ ﻣﻨﻜﺮي ﻗﯿﻤﺔ اﻟﻨﻘﻞ ،ﻓﺎﻟﺘﯿﺎر اﻟﺴﻔﺴﻄﺎﺋﻲ اﻟﺸﻜﻲ ﻓﻲ اﻟﯿﻮﻧﺎن ﻣﻤﺜﻼ ﺑﻐﻮرﺟﯿﺎس ﻛﺎن ﯾﺮى أﻧﮫ ﻻ ﯾﻤﻜﻦ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺷﻲء ،وإن أﻣﻜﻦ ﻓﻼ ﯾﻤﻜﻦ ﻧﻘﻞ
اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻟﻶﺧﺮﯾﻦ.
وﻋﻨﺪﻣﺎ اﻧﺘﺸﺮت اﻟﻤﺴﯿﺤﯿﺔ ﻓﻲ أوروﺑﺎ ،رأى ﻗﺴﻢ ﻣﻦ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ أن اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ واﻟﺪﯾﻦ ﻣﺘﻐﺎﯾﺮان وﻻ ﯾﻤﻜﻦ ﺟﻤﻌﮭﻤﺎ ،وأن اﻟﺪﯾﻦ ﻻ ﯾُﻌﺘﻨﻖ إﻻ ﺑﺎﻹﯾﻤﺎن اﻷﻋﻤﻰ دون ﺗﻌﻘﻞ،
ﺑﯿﻨﻤﺎ رأى ﻏﺎﻟﺒﯿﺔ ﻓﻼﺳﻔﺔ اﻟﻘﺮون اﻟﻮﺳﻄﻰ أن اﻟﻮﺣﻲ واﻟﻌﻘﻞ ﻛﻼھﻤﺎ ﻣﻦ ﷲ ﻓﻼ ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﺘﻌﺎرﺿﺎ ،وﻗﺎﻟﻮا إن ﻣﺎ ﺟﺎء ﻓﻲ اﻷﻧﺎﺟﯿﻞ ﻣﻦ ﻏﯿﺒﯿﺎت ﻻ ﯾﻤﻜﻦ ﻟﻠﻌﻘﻞ أن ﯾﺪرﻛﮫ
ﺑﻨﻔﺴﮫ ،ﻓﻌﻠﯿﮫ أن ﯾﺼﺪّق ﺑﮫ ﻛﻤﺎ ﺟﺎء ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻜﺘﺐ.
وﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻋﺸﺮ ﺑﺪأت ﻓﻠﺴﻔﺔ أرﺳﻄﻮ اﻟﻌﻘﻼﻧﯿﺔ ﺑﺎﻻﻧﺘﺸﺎر ،واﺳﺘﻔﺎد ﻣﻨﮭﺎ اﻟﻘﺪﯾﺲ اﻹﯾﻄﺎﻟﻲ ﺗﻮﻣﺎ اﻷﻛﻮﯾﻨﻲ ﻓﻲ ﻣﺤﺎوﻟﺔ إﺛﺒﺎت ﻣﺎ ﺟﺎء ﻓﻲ اﻷﻧﺎﺟﯿﻞ ﺑﺎﻟﻤﻨﻄﻖ ،ﺛﻢ
ظﮭﺮ ﻣﻦ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻣﻦ ﯾﻘﺪم اﻟﻌﻘﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻘﻞ وﯾﺮى أﻧﮫ ﻓﻲ ﺣﺎل ﺗﻌﺎرﺿﮭﻤﺎ ﻓﻼ ﺑﺪ أن ﯾﻜﻮن اﻟﻌﻘﻞ ھﻮ اﻷوﻟﻰ ،وﻣﻦ ھﺆﻻء ﺟﻮن ﺳﻜﻮت وآﻻن دﯾﻠﯿﻞ .وﻋﻨﺪﻣﺎ اﻧﻄﻠﻖ
ﻋﺼﺮ اﻟﻨﮭﻀﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﺸﺮ ﻛﺎن اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻗﺪ ﺣﺴﻤﻮا أﻣﺮھﻢ ﻓﻲ اﻟﻔﺼﻞ ﺑﯿﻦ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ واﻟﻼھﻮت ،واﻋﺘﺒﺮوا أن “اﻟﻮﺣﻲ” ﻣﻨﺎﻗﺾ ﻟﻠﻌﻘﻞ وﻻ ﯾﺪﻋﻤﮫ اﻟﺪﻟﯿﻞ
اﻟﻌﻠﻤﻲ.
وﯾﺠﺪر ﺑﺎﻟﺬﻛﺮ ھﻨﺎ أن اﻟﻮﺣﻲ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻣﻮﺿﻊ اﻟﺒﺤﺚ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ھﻮ إﻧﺠﯿﻞ ﻋﯿﺴﻰ ﻋﻠﯿﮫ اﻟﺴﻼم ،ﺑﻞ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ
اﻷﻧﺎﺟﯿﻞ اﻷرﺑﻌﺔ اﻟﺘﻲ أﻗﺮھﺎ ﻣﺠﻤﻊ ﻧﯿﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﺮاﺑﻊ اﻟﻤﯿﻼدي ،وﻗﺪ ﻓﻘﺪ ﻓﻼﺳﻔﺔ ﻋﺼﺮ اﻟﻨﮭﻀﺔ اﻟﺜﻘﺔ
ﺑﮭﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺷﺮﻋﻮا ﻓﻲ ﻧﻘﺪھﺎ ﺗﺎرﯾﺨﯿﺎ وﺗﺒﯿﻦ ﻟﮭﻢ اﺣﺘﻮاؤھﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺘﻨﺎﻗﻀﺎت ،ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﻋﺪم وﺟﻮد
أي دﻟﯿﻞ ﻋﻠﻰ ﺻﺤﺔ ﻧﺴﺒﺘﮭﺎ إﻟﻰ ﻋﯿﺴﻰ ﻧﻔﺴﮫ ]اﻧﻈﺮ ﻣﻘﺎل اﻟﻤﺴﯿﺤﯿﺔ[ ،ﻟﺬا أﻗﺮ ﺑﻌﺾ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﺮن
اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﺸﺮ وﻣﺎ ﺑﻌﺪه -ﻣﺜﻞ ﺳﺒﯿﻨﻮزا -ﺑﺄن ھﻨﺎك وﺣﯿﺎ ﻧﺰل ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺒﯿﯿﻦ ﻣﻮﺳﻰ وﻋﯿﺴﻰ ﻋﻠﯿﮭﻤﺎ
اﻟﺴﻼم إﻻ أن اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﻘﺪس اﻟﻤﻌﺘﺮف ﺑﮫ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﻜﻨﯿﺴﺔ ﻟﯿﺲ ﺳﻮى ﻧﺴﺨﺔ ﻣﺤﺮﻓﺔ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻗﺮر ﻓﻼﺳﻔﺔ
ﻧﺰﻋﺔ “اﻟﺘﻨﻮﯾﺮ” اﻟﺘﺨﻠﻲ ﻋﻦ اﻹﯾﻤﺎن ﺑﺎﻟﻮﺣﻲ واﻻﻛﺘﻔﺎء ﺑﻤﺼﺪرﯾﺔ اﻟﻌﻘﻞ أو اﻟﺤﺲ أو اﻟﺤﺪس.
/https://al-sabeel.net 14/15ﻣﺻﺎدر-اﻟﻣﻌرﻓﺔprint=print?/
2020/5/12 ﻣﺻﺎدر اﻟﻣﻌرﻓﺔ -اﻟﺳﺑﯾل
وﻣﻦ اﻟﻮاﺿﺢ أن ﻧﻘﺪ ﻓﻼﺳﻔﺔ اﻟﻐﺮب ﻟﻠﻮﺣﻲ ﺻﺎدر ﻋﻦ اﻋﺘﻘﺎدھﻢ ﺑﺄﻧﮫ ﯾﻘﺘﺼﺮ ﻓﻘﻂ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﻘﺪس ﺑﻌﮭﺪﯾﮫ اﻟﻘﺪﯾﻢ واﻟﺠﺪﯾﺪ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻻ ﯾﻜﺎد ﯾﺘﻌﺮض أﺣﺪھﻢ ﻟﻠﻘﺮآن ﻓﻲ
ﺑﺤﺜﮫ ،وﻗﺪ وﺿﻌﻮا اﻷدﯾﺎن ﻛﻠﮭﺎ ﻓﻲ ﺳﻠﺔ واﺣﺪة ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﻨﻈﻮرھﻢ ﻟﻠﺪﯾﻦ ﻣﻦ زاوﯾﺔ ﺗﺮاﺛﮭﻢ اﻟﯿﮭﻮدي-اﻟﻤﺴﯿﺤﻲ ﻓﻘﻂ ،وﻟﻢ ﯾﻤﯿﺰوا ﺑﯿﻦ اﻟﻘﺮآن وﻏﯿﺮه ﻻﻧﻄﻼﻗﮭﻢ ﻓﻲ
دراﺳﺘﮫ -إن ﻓﻌﻠﻮا -ﻣﻦ أﺑﺤﺎث اﻟﻤﺴﺘﺸﺮﻗﯿﻦ اﻟﺬﯾﻦ أﻗﺮ ﻣﻌﻈﻤﮭﻢ أن اﻟﻘﺮآن ﻟﯿﺲ وﺣﯿﺎ إﻟﮭﯿﺎ أﺻﻼ.
وﻓﯿﻤﺎ ﯾﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻹﺳﻼم ،ﻓﺴﻨﺒﺤﺚ ﻓﻲ ﻣﻘﺎل ﻣﺴﺘﻘﻞ ﻣﺮﺟﻌﯿﺔ اﻟﻮﺣﻲ اﻹﺳﻼﻣﻲ وﻣﺼﺪاﻗﯿﺔ ﻧﺴﺒﺘﮫ إﻟﻰ ﷲ ،وﻧﻜﺘﻔﻲ ھﻨﺎ ﻓﻲ ﺳﯿﺎق اﻟﻌﺮض اﻟﺘﺎرﯾﺨﻲ ﺑﺎﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أن ﻣﻮاﻗﻒ
ﻓﻼﺳﻔﺔ اﻹﺳﻼم ﻣﻦ ﻣﺼﺪرﯾﺔ اﻟﻮﺣﻲ ﻟﻠﻤﻌﺮﻓﺔ ﺗﻨﻮﻋﺖ ﻛﺘﻨﻮع اﻟﻤﻮاﻗﻒ ﻓﻲ أوروﺑﺎ ،ﻓﻜﺎن اﻟﻤﻌﺘﺰﻟﺔ ﯾﺤﺎوﻟﻮن إﺛﺒﺎت ﺣﻘﺎﺋﻖ اﻟﻮﺣﻲ ﺑﺄدوات اﻟﻤﻨﻄﻖ ﻣﻊ ﺗﻘﺪﯾﻢ اﻟﻌﻘﻞ ﻋﻨﺪ
“اﻟﺘﻌﺎرض” ﻣﻊ اﻟﻨﻘﻞ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎن اﻷﺷﺎﻋﺮة ﯾﺴﺘﺨﺪﻣﻮن اﻷدوات ﻧﻔﺴﮭﺎ ﻹﺛﺒﺎت ﻋﺪم اﻟﺘﻌﺎرض ،ﻛﻤﺎ وﺿﻊ اﺑﻦ رﺷﺪ ﻛﺘﺎب “ﻓﺼﻞ اﻟﻤﻘﺎل ﻓﯿﻤﺎ ﺑﯿﻦ اﻟﺤﻜﻤﺔ واﻟﺸﺮﯾﻌﺔ ﻣﻦ
اﻻﺗﺼﺎل” ﻹﺛﺒﺎت ﺗﻮاﻓﻖ اﻟﻌﻘﻞ واﻟﻨﻘﻞ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﻔﮭﻮﻣﮫ اﻟﺨﺎص ﻟﻠﻌﻘﻞ واﻟﺬي ﯾﻘﺘﺼﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻨﻄﻖ اﻷرﺳﻄﻲ ،ﺛﻢ وﺿﻊ اﺑﻦ ﺗﯿﻤﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﺸﺮ اﻟﻤﯿﻼدي
ﻛﺘﺎب “درء ﺗﻌﺎرض اﻟﻌﻘﻞ واﻟﻨﻘﻞ” ﻟﯿﺜﺒﺖ أﯾﻀﺎ ﻋﺪم اﻟﺘﻌﺎرض ،وﻟﻜﻦ دون ﻗﺼﺮ اﻟﻌﻘﻞ ﻋﻠﻰ ﻓﻠﺴﻔﺔ أرﺳﻄﻮ.
أھﻢ اﻟﻤﺮاﺟﻊ
ﺑﺮﺗﺮاﻧﺪ رﺳﻞ ،ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ اﻟﺤﺪﯾﺜﺔ ،ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻣﺤﻤﺪ ﻓﺘﺤﻲ اﻟﺸﻨﯿﻄﻲ ،اﻟﮭﯿﺌﺔ اﻟﻤﺼﺮﯾﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﻜﺘﺎب.1967 ،
ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺣﺒﻨﻜﺔ اﻟﻤﯿﺪاﻧﻲ ،ﺿﻮاﺑﻂ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ وأﺻﻮل اﻻﺳﺘﺪﻻل واﻟﻤﻨﺎظﺮة ،دار اﻟﻘﻠﻢ ،دﻣﺸﻖ.1993 ،
ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﺰﻧﯿﺪي ،ﻣﺼﺎدر اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻓﻲ اﻟﻔﻜﺮ اﻟﺪﯾﻨﻲ واﻟﻔﻠﺴﻔﻲ :دراﺳﺔ ﻧﻘﺪﯾﺔ ﻓﻲ ﺿﻮء اﻹﺳﻼم ،اﻟﻤﻌﮭﺪ اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﻟﻠﻔﻜﺮ اﻹﺳﻼﻣﻲ.1992 ،
ﻋﻠﻲ ﺳﺎﻣﻲ ﻧﺸﺎر ،ﻣﻨﺎھﺞ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻨﺪ ﻣﻔﻜﺮي اﻹﺳﻼم واﻛﺘﺸﺎف اﻟﻤﻨﮭﺞ اﻟﻌﻠﻤﻲ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻹﺳﻼﻣﻲ ،دار اﻟﻨﮭﻀﺔ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ،ﺑﯿﺮوت.1984 ،
ﻣﺤﻤﻮد ﻗﺎﺳﻢ ،اﻟﻤﻨﻄﻖ اﻟﺤﺪﯾﺚ وﻣﻨﺎھﺞ اﻟﺒﺤﺚ ،ﻣﻜﺘﺒﺔ اﻷﻧﺠﻠﻮ اﻟﻤﺼﺮﯾﺔ.1949 ،
ﻣﯿﺸﯿﻮ ﻛﺎﻛﻮ ،ﻓﯿﺰﯾﺎء اﻟﻤﺴﺘﺤﯿﻞ ،ﺗﺮﺟﻤﺔ ﺳﻌﺪ اﻟﺪﯾﻦ ﺧﺮﻓﺎن ،ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ،اﻟﻜﻮﯾﺖ ،أﺑﺮﯾﻞ .2013
ﻟﺆي ﺻﺎﻓﻲ ،إﻋﻤﺎل اﻟﻌﻘﻞ ﻣﻦ اﻟﻨﻈﺮة اﻟﺘﺠﺰﯾﺌﯿﺔ إﻟﻰ اﻟﻨﻈﺮة اﻟﺘﻜﺎﻣﻠﯿﺔ ،دار اﻟﻔﻜﺮ ،دﻣﺸﻖ.1998 ،
طﮫ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ،ﺳﺆال اﻟﻌﻤﻞ :ﺑﺤﺚ ﻋﻦ اﻷﺻﻮل اﻟﻌﻤﻠﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻔﻜﺮ واﻟﻌﻠﻢ ،اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،اﻟﺪار اﻟﺒﯿﻀﺎء.2012 ،
راﺟﺢ اﻟﻜﺮدي ،ﻧﻈﺮﯾﺔ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﻘﺮآن واﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ،اﻟﻤﻌﮭﺪ اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﻟﻠﻔﻜﺮ اﻹﺳﻼﻣﻲ.1992 ،
ﺟﻮن ﻟﯿﻨﻮﻛﺲ ،اﻟﻌﻠﻢ ووﺟﻮد ﷲ ،ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻣﺎرﯾﺎﻧﺎ ﻛﺘﻜﻮت ،اﻟﻨﺎﺷﺮ ﺧﺪﻣﺔ ﻛﺮﯾﺪوﻟﻮﻏﻮس.2015 ،
ﻋﺒﺪ ﷲ اﻟﻌﺠﯿﺮي ،ﻣﯿﻠﯿﺸﯿﺎ اﻹﻟﺤﺎد :ﻣﺪﺧﻞ ﻟﻔﮭﻢ اﻹﻟﺤﺎد اﻟﺠﺪﯾﺪ ،ﻣﺮﻛﺰ ﺗﻜﻮﯾﻦ.2014 ،
ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﺤﺎج ،ﻣﻘﺎل “أزﻣﺔ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻓﻲ ﺳﯿﺎق اﻟﺤﺪاﺛﺔ” ،ﻣﻮﻗﻊ إﺳﻼم أوﻧﻼﯾﻦ 23 ،ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ .2002
إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ ﻋﺮﻓﺔ ،ﻣﻘﺎل “ﺧﺎﺋﻨﻮ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ..ﻛﯿﻒ ﯾﺨﺪع ﻋﻠﻤﺎء اﻟﻄﺒﯿﻌﺔ اﻟﺠﻤﺎھﯿﺮ؟” ،ﻣﻮﻗﻊ ﻣﯿﺪان 2 ،ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ .2017
Sterling Lamprecht, The Metaphysics of Naturalism, Appleton Century Crofts, New York, 1960.
http://www.almasalik.com
/https://al-sabeel.net 15/15ﻣﺻﺎدر-اﻟﻣﻌرﻓﺔprint=print?/