Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 9

‫المنارة‬

‫(بقلم مايكل شارا)‬


‫( ترجمة ‪ :‬د‪ .‬طالل حسن)‬

‫وأحيانا ً‬
‫هادئا ‪ ،‬ولكنه نادرً ا ما يستمر‪.‬‬ ‫ً‬ ‫دائمًا ما يكون التصفيق بعد مناقشة أطروحة ما مهذبًا ‪،‬‬
‫ً‬
‫خجًل بينما وقف جميع أعضاء قسمها الخمسين على أقدامهم وأخذوا يهتفون‪ .‬كان زمًلؤها من‬ ‫ابتسمت كريستي النغ وأحمر وجهها‬
‫طًلب الدراسات العليا األكثر صخبًا على اإلطًلق ‪ ،‬حيث كانوا يصفرون ويقرعون أكواب القهوة في انسجام تام على الكراسي وأسطح‬
‫الطاوالت‪ .‬غريغ كوبر ‪ ،‬رئيس القسم ومعلمها ‪ ،‬سمح لهذا أن يستمر لمدة دقيقة كاملة‪ .‬ثم قال أخيرً ا‪" :‬سيداتي وسادتي ‪ ،‬شكرً ا جزيًلً"‪.‬‬
‫وقفت كريستي ‪ ،‬غارقة في اللحظة‪ .‬أومأت برأسها ‪ ،‬ورفعت يدها ‪ ،‬و عبّرت عن شكرها ‪ ،‬فبدأت جولة جديدة من التصفيق التي ما لبثت‬
‫أخيرً ا بالتراجع‪.‬‬
‫لقد اكتشفت نوعًا جدي ًدا من األجسام الفلكية‪ .‬نوع خاص من األقزام البنية‪ .‬و يطلقون عليها اآلن اسم "كايميرا" ‪ ،‬لكن غريغ أخبرها‬
‫باألمس بأنه ستسمى تلك األجسام في النهاية باسم "أجسام النغ" ( نسبة لكريستي النغ مكتشفتها)‬
‫طويًل ونحيفًا ‪ ،‬ولديه فك بارز ‪ ،‬أنف مستقيم ‪ ،‬شعر داكن ‪ ،‬وعينين حادتين ‪ .‬أشار إليه طًلبه باسم شيرلوك هولمز بسبب‬
‫ً‬ ‫كان غريغ‬
‫ً‬
‫"حسنا" ‪ ،‬في إشارة منه ليعم الهدوء‪.‬‬ ‫مهاراته العالية في حل المشاكل الصعبة ‪ ،‬وقدراته المتواضعة للغاية في العزف على الكمان‪ .‬قال‬
‫كان األشخاص من حولها يصافحون كريستي وهم يربتون على ظهرها‪.‬‬
‫تيم رودجرز ‪ ،‬أسمر و وسيم و المع في مجاله ‪ ،‬ابتسم لها ابتسامة إطراء‪ .‬لقد تأثر و ربما حسدها حتى‪.‬‬
‫دعا غريغ لطرح األسئلة ‪ ،‬ارتفعت األيدي ‪ ،‬ف تنحى جان ًبا وأعطاها المنصة‪.‬‬
‫واقفا بينما جلس اآلخرون في مقاعدهم‪ .‬كان ينهي أطروحته الخاصة ‪ ،‬وكان حتى وقت قريب ‪ ،‬على رأس قائمة "األشخاص‬ ‫ظل تيم ً‬
‫المرغوبين في كل مكان" ‪ .‬اآلن هو يتراجع بعي ًدا للمركز الثاني‪.‬‬
‫"حسنا ‪ ،‬كريستي ‪ ،‬لقد أثبت وجود فئة جديدة من األجسام‪ .‬كيف حدث ذلك؟"‬ ‫ً‬ ‫قال‪:‬‬
‫ً‬
‫بسيطا للغاية‪ .‬لقد كانت تقوم بدراسات تحليلية لمليارات األقزام البنية والحظت بعض الشذوذات ‪ ،‬و هي وجود الديوتيريوم‬ ‫كان التفسير‬
‫بشكل مبالغ فيه ج ًدا‪ .‬لكن هذا لم يكن الخبر السار‪ ،‬بل كانت تحتفظ به لوقت الحق‪.‬‬
‫قالت‪" :‬وجدنا في النهاية ألفي كرة غريبة"‪ .‬كانت األقزام البنية نجوم فاشلة ‪ ،‬و كانت الكايميرا ‪ -‬أجسام النغ ‪ -‬شاذة‪ ،‬غريبة ‪ ،‬وليس من‬
‫السهل أن تتوافق مع الفيزياء التقليدية‪.‬‬
‫( ‪)1‬‬
‫بإيجاز لكنني ال أرى الصلة بين الموضوعين ‪ .‬يرجى أن توضحي ذلك‪".‬‬ ‫جاء سؤال آخر "لقد ذكرت األكتينيدات‬

‫ابتسمت كريستي وحاولت أن تبدو متواضعة‪ .‬قالت‪" :‬فكر بالحمض النووي ‪ ، DNA‬األصل المشترك له هدف المشترك‪".‬‬
‫حيّر التعليق الجميع ‪ ،‬ق ّ‬
‫طبت الحواجب ‪ ،‬و عًل همس الجميع بانتظار أن تفسّر ما قالت‪.‬‬
‫***‬

‫(‪ Actinides )1‬االكتينيدات ‪ :‬هي سلسلة من عناصر الجدول الدوري تتكون من ‪ 51‬مادة ‪ ،‬تتراوح أرقامها الذرية ما بين ‪ ، 301- 98‬و هي عناصر‬
‫مشعة أشهرها اليورانيوم و البلوتونيوم ( المترجم)‪.‬‬
‫في الواقع ‪ ،‬جاء إلهامها الصيف الماضي من مجموعة إشارات الشرطة الوامضة المتوضعة فوق مقصورة على جبل كليمنجارو ‪ ،‬جبل‬
‫همنغواي‪ .‬و اآلن أصبح الجبل موقعًا لمصعد الفضاء يوري ارتسوتانوف( ‪.)2‬‬
‫كانت كريستي في طريقها إلى محطة األ بحاث كًلرك ‪ ،‬التي تدور في الفضاء بمدار األرض الجغرافي المتزامن( ‪ .)3‬كانت تبحث عن‬
‫ً‬
‫متأملة أن تساعدها على تفسير وجود الكايميرا الشاذة‪.‬‬ ‫الفوتونات‬
‫كان هناك ما يقرب من األلفين منهم ‪ ،‬كلهم في مرحلة الشباب ‪ ،‬مت ّ‬
‫ركزين في األذرع الحلزونية لمجرة درب التبانة ‪ ،‬المتطفلين ‪،‬‬
‫الوحوش الغنية بالديوتيريوم التي ليس لوجودها أي عمل ‪ .‬مرتدية بنطال وقميص عليه شعار جامعة كولومبيا ‪ ،‬قادت كريستي سيارة‬
‫ً‬
‫عابقة في هواء الصباح المتأخر‪ .‬عاصفة قادمة ‪ ،‬و هي قد‬ ‫جيب عبر السافانا‪ .‬كانت السماء مليئة بالغيوم ‪ ،‬ورائحة الرطوبة الباردة‬
‫تأخرت بالفعل‪ .‬إذا لم تسرع ‪ ،‬فإن فرصة إضاعة رحلتها عالية‪ .‬قال المتنبئ الجوي إن الطقس صاف ومشرق ومشمس وجميل‪ .‬لقد‬
‫أمضت األشهر القليلة الماضية مستغرقة تمامًا في بحثها ‪ ،‬وحللت مليون صورة ‪ ،‬وبحثت عن إبرة في كومة قش ‪ ،‬لكن هنا ستترك واقفة‬
‫مفوتة رحلتها‪ .‬لم يكن تحديد مواعيد الرحًلت على مصعد يوري امرً ا سهًلً‪.‬‬
‫ً‬ ‫في المحطة و‬
‫ال يهم في النهاية‪ .‬س يسجل جيف المًلحظات ويسلمها البيانات‪.‬‬
‫***‬
‫برزت حافة كيبو ‪ ، 4‬فوهة القمة ‪ ،‬للحظات عندما عبرت ال ثًلثة آالف متر ‪ ،‬ثم اختفت على الفور بين السحب المتجمعة‪ .‬بدأت قطرات‬
‫المطر تتناثر على الزجاج األمامي لسيارة الجيب و بدأت م ّساحات السيارة بالعمل‪ .‬كان الطريق واسعًا ومصممًا الستيعاب حركة المرور‬
‫الكثيفة ‪ ،‬لكنه ال يزال صاع ًدا و عسيرً ا ‪ .‬اشتد المطر وأخذ ينقر على سطح الجيب ‪.‬‬
‫تباطأت حيث انخفضت مسافة الرؤية إلى حوالي خمسين مترً ا‪ .‬مرت شاحنة في االتجاه اآلخر‪ .‬ضربت موجة رياح الجيب وتناثرت المياه‬
‫على الزجاج األمامي‪.‬‬
‫رنّ هاتفها الخلوي‪" .‬كريستي"‪ .‬كان كوامي شوال ‪ ،‬رئيس العمليات في مصعد يوري‪.‬‬
‫"كيف حالك كوامي؟"‬
‫"ليس جي ًدا‪ .‬أين أنت اآلن؟"‬
‫"على الطريق‪".‬‬
‫ً‬
‫"حسنا‪ .‬لكن خذ ي األمر ببساطة‪ .‬لدينا هنا ثلج كثيف‪ .‬لقد أخطأ المتنبئ الجوي تمامًا‪".‬‬
‫ً‬
‫"حسنا"‪.‬‬ ‫عظيم ج ًدا هذا فقط ما كانت تحتاجه‪ .‬قالت ‪:‬‬
‫"ال بطوالت من فضلك‪ .‬إذا كنت بحاجة لها ‪ ،‬فلدينا مقصورة للمتسلقين على ارتفاع خمسة آالف متر‪ .‬الرقم السري للبوابة هو ‪".8139‬‬

‫"سبعة وعشرون ثمانية عشر"‪.‬‬


‫"تذكري ‪".e‬‬

‫(‪ : Yuri Artsutanov )2‬مهندس فضاء روسي (‪ ، )9191- 9191‬صاحب فكرة مصاعد الفضاء ‪.‬فبدل االعتماد على صواريخ الوق ود السائل‬
‫اقترح يوري ارتسوتانوف مد كيبل طويل يصل بين القاعد األرضية و المحطة المدارية في الفضاء الخارجي ‪ ،‬بحيث يستخدم هذا الكيبل كمصعد لنقل‬
‫الحموالت الثقيلة إلى حدود الفضاء‪(.‬المترجم)‬

‫(‪ Geosynchronous orbit )3‬المدار األرضي الجغرافي المتزامن ‪ :‬هو المدار الذي يدور فيه القمر الصناعي في نفس اتجاه حركة كوكب األرض‬
‫‪ ،‬ومدة دورانه حول األرض تعادل دوران األرض حول نفسها أي ‪ 81‬ساعة و ‪ 65‬دقيقة و ‪ 4‬ثواني‪ ،‬و ارتفاع هذا المدار حوالي ‪ 15000‬كم‪(.‬المترجم)‬

‫(‪ Kibo )4‬كيبو هي أعلى ا لمخاريط البركانية الثًلث المش ّكلة لجبل كليمنجارو ‪ ،‬يصل ارتفاعها إلى ‪ 6800‬متر‪ (.‬المترجم)‬
‫‪ ،‬فإن هذا الحرف الصغير كان دائمًا أساس اللوغاريتمات الطبيعية التي تساوي ‪80139893909...‬‬ ‫بالطبع ‪e‬‬
‫ً‬
‫"حسنا ‪ ،‬لقد حصلت عليه"‪.‬‬ ‫قالت ‪:‬‬

‫كان لدى غريغ مشاعر متناقضة بشأن عملها على الكايميرا‪ .‬قال ‪ :‬ال أعرف إلى أين ستتجه بك األمور معهم ‪ .‬قد ينتهي بك األمر إلى‬
‫جمع الكثير من البيانات ‪ ،‬و لكن سيكون محتمًا عليك فيما بعد رفع يديك مستلمة ‪ ،‬واالعتراف بأنه ليس لديك أدنى فكرة عن ماهيتها أو‬
‫قليًل ‪ ،‬أحصر ي البحث في المجاالت األكثر ً‬
‫أمنا ‪ ،‬على األقل حتى ت نتهي من رسالة الدكتوراة وتحصلي‬ ‫سبب وجودها ‪ ،‬أجّ لي الفكرة ً‬
‫على عمل في مكان ما‪ .‬بالطبع كان محقا‪ .‬فهذا هو طريق النجاح المضمون‪.‬‬
‫لكنها كانت مفتونة بهذه األجسام‪ .‬كان والدها يقول لها دائمًا أن تتبع غرائزها‪ .‬وقادتها غرائزها مباشرة إلى ظًلل أقزام الديوتيريوم‪ .‬كانت‬
‫مثيرة للفضول ‪ ،‬و صعبة التفسير ‪ ،‬لدرجة أنها ببساطة لم تستطع مقاومتها‪.‬‬
‫لم تكن تريد أن تكون أب ًدا سوى عالمة فلك‪ .‬كان والدها ‪ ،‬الذي كان مدرسًا للعلوم في المدرسة الثانوية ‪ ،‬قد أحضر معه إلى المنزل زوجً ا‬
‫من المناظير ثنائية العين ( ‪ )binoculars‬من حرب الخليج الثالثة‪ .‬عندما أعطاها للفتاة الصغيرة ذات الشعر األحمر البالغة من العمر‬

‫ست سن وات ‪ ،‬كانت مذهولة‪ .‬القمر به حفر وجبال شاهقة‪ .‬كان كوكب المشتري قرصًا صغيرً ا له أقمار خاصة به‪ .‬وكانت مجرة درب‬
‫التبانة عبارة عن مسار متأللئ من النجوم‪ .‬أوضح والدها لها بأن النجوم شموس بعيدة ‪ ،‬المًليين منهم ال يمكن احصائهم‪ .‬البعض مثل‬
‫شمسنا تمامًا ‪ ،‬والبعض اآلخر أصغر كثيرً ا‪.‬‬
‫لماذا يا أبي لماذا تختلف بعض النجوم عن الشمس؟‬
‫ابتسم لها وقال إنه ال يعرف ‪ ،‬لكن يمكنها أن تكتشف ذلك إذا ما أرادت عندما تكبر‪.‬‬
‫وذات مساء ‪ ،‬في كوكبة الدب األكبر‪ ،‬اكتشفت نجم المئزر(العناق)‪ .Mizar‬كان والدها على الشرفة معها حين صرخت ‪" ،‬أبي ‪ ،‬إنهما‬
‫يتًلمسان ! إنهما نجمان توأمان"‪ .‬لكن في الواقع ‪ ،‬كما علمت الحقًا ‪ ،‬كا ن هناك خمسة نجوم في نظام المئزر‪ .‬بحلول عامها األول في‬
‫الماجستير ‪ ،‬وجدت قزمًا بنيًا رفيقًا للنجوم الخمسة ‪ ،‬واستخدمته كساعة لتأريخ عمر النظام النجمي‪ .‬علقت رسالتها في مجلة الفيزياء‬
‫الفلكية مؤطرة في بيت أبيها‪.‬‬
‫***‬
‫تحول المطر إلى ثلج وأبطأت كريستي من سرعة سيارة الجيب إلى أقل مايمكن ‪ .‬كان جهاز إزالة الجليد الخاص بها يخسر معركته‬
‫بسرعة أمام العاصفة الثلجية التنزانية‪ .‬لم يعد بإمكانها اآلن رؤية القمة‪ .‬هزت الرياح الجيب‪.‬‬
‫حاولت االتصال بـ كوامي للحصول على تحديث لحالة الطقس ‪ ،‬لكنه لم يرد‪.‬‬
‫شقت طريقها صعو ًدا ‪ ،‬وتجاوزت الصخور وبقع الطحالب‪ .‬وكان الطريق مظلمًا طول الليل بينما كان المطر والجليد يتساقطان على‬
‫الزجاج األمامي‪ .‬بدأت تتساءل عما إذا كانت قد فاتتها الفتة ال ‪ 6000‬متر بدأت تسلط مصابيح سيارتها األمامية على كل مكان ‪ ،‬لكنها لم‬

‫تر مقصورة في أي مكان ‪.‬‬


‫َ‬
‫رنّ الهاتف الخليوي‪ .‬كوامي‪" :‬كيف حالك يا كريستي؟"‬
‫ً‬
‫حسنا "‪.‬‬ ‫"أنا أبلي‬
‫"هل وجدت المقصورة بعد؟"‬
‫"ال‪ .‬لكن هذا ال يهم‪ .‬أريد أن أصل هناك قبل أن تغادر رحلتي‪".‬‬
‫"كريستي ‪ ،‬لقد ألغوا تلك الرحلة‪ .‬أخبرتك بذلك‪".‬‬
‫"ال ‪ ،‬لم تفعل"‪.‬‬
‫"لماذا كنت برأيك أريدك أن تعثر ي على المقصورة؟ سيحاولون مرة أخرى في وقت متأخر من الصباح‪".‬‬
‫ً‬
‫"حسنا‪".‬‬
‫"اذهب إلى المقصورة"‪.‬‬
‫"لقد تجاوزتها"‪.‬‬
‫تنهد كوامي و قال ‪" :‬هل يمكنك العودة إليها؟"‬
‫نظرت وراءها ‪ ،‬على طول الطريق‪ .‬كان الجو مظلمًا وبار ًدا وكانت بالكاد ترى حافة الطريق السريع‪" .‬أظن‪".‬‬
‫"افعلي ذلك إذن‪ .‬ال تحاولي القدوم الليلة‪ .‬إنّ الجو شديد البرودة ‪ .‬لقد خرجت شاحنة واحدة بالفعل عن الطريق‪ .‬كان السائق على وشك‬
‫الموت‪".‬‬
‫"حسنا‪".‬‬

‫كان عليها أن تسير حوالي الكيلومتر للخلف ‪ ،‬ربما اثنان و ذلك بعد أن تعطلت سيارتها في هذا الجو القاسي‪ .‬وضعت الهاتف على المقعد‬
‫ونظرت إلى الطريق السريع‪ .‬ال شيء قادم في أي من االتجاهين‪ .‬من األفضل أن تجلس بهدوء وتنتظر أن يأتي شخص ما‪.‬‬
‫***‬
‫هناك واحد وعشرون مليار من األقزام البنية في مجرة درب التبانة ‪ ،‬أكثر أو أقل‪ .‬وجدت كريستي كل واحد منهم تقريبًا ورسمت خرائط‬
‫لها ‪ .‬أوضحت له ذات مرة‪" :‬إن ضوء األقزام البنية يتناوب بشكل كبير بين األطوال الموجية المتجاورة ‪ ،‬يا أبي‪ .‬لقد تم ضبط مرشحات‬
‫مسح األشعة تحت الحمراء الخاصة بي على األطوال الموجية المناسبة فقط ‪ ،‬لذلك تظهر جميع النجوم األخرى باهتة‪ .‬الجزء الصعب هو‬
‫تتبعهم جميعًا ‪ ،‬وتكرار االستطًلع بعد عام لقياس حركاتهم‪ .‬ثم يتعين علينا غربلة كل الكوازارات الغريبة التي تتسلل عبر المرشحات‪.‬‬
‫لهذا السبب لدينا ‪ .MEGAAPEC‬إنها تلتقطها جميعًا‪" .‬‬

‫لم تكن األقزام البنية ضخمة بما يكفي إلشعال التفاعًلت النووية ال حرارية في قلبها‪ .‬ستكون دائمًا نجومًا فاشلة ‪ ،‬يتولد وهجها الخافت عن‬
‫طريق التبريد والتقلص‪ .‬كانت عبارة "‪ "88058‬هي عبارتها المميزة التي ت ستخدمها في الندوات لوصف استبيانها الشامل‪ .‬بالتأكيد سيكون‬

‫هناك بضع مئات من األقزام ال بنية تختبئ خلف لمعان النجوم ‪ ،‬أو تتوارى مباشرة أمام الكوازارات البعيدة ‪ ،‬لكنها حصلت على باقي‬
‫األقزام البنية‪ .‬يمكنها أن تخبرك عن درجة حرارة كل واحد من األقزام منذ مليون سنة‪ .‬وأين سيكون كل واحد منهم بعد عشرة مًليين‬
‫سنة من اآلن‪ .‬كانت إحصاءاتها هي الكلمة الفصل حول كيفية توضع نجوم المجرة الفاشلة خًلل الثًلثة عشر مليار سنة الماضية‪ .‬يمكنها‬
‫رسم عدد قليل من األقزام البنية القديمة الخالية من المعادن على طول مداراتها التي تدور بعي ًدا في درب التبانة‪.‬‬
‫تم استخًلص الكايميرا (لقد استقرت على مصطلح "األجسام الشاذة" في ندوا تها) من عينتها الكاملة المكونة من واحد وعشرين مليارً ا من‬
‫األقزام البنية من خًلل الفرز اإلحصائي والوزن‪ .‬كل واحد منهم لديه طيف يلفت االنتباه إليه ‪ ،‬و تحدى كل شيء اعتقدت أنها تعرفه عن‬
‫هذا النوع من األجسام‪ .‬كانت الوفرة السطحية للدوتيريوم عالية بشكل مستحيل‪ .‬لقد كان نظيرً ا ً‬
‫ثقيًل للهيدروجين ‪ ،‬يحتوي على بروتون‬
‫واحد ونيوترون واحد ‪ ،‬وكان االنفجار العظيم قد صنع القليل منه ‪ ،‬قبل أن يتوقف اإلنتاج بعد ثًلث دقائق فقط من الخلق‪ .‬لم تكن هناك‬
‫طريقة معروفة أل ي كوكب أو نجم أو مجرة أو أي شيء آخر في الكون لتركيز الديوتيريوم األولي لكمية معتبرة‪ .‬أكدت الكتب االكاديمية‬
‫ً‬
‫مستحيًل‪ .‬ومع ذلك ‪ ،‬عثرت كريستي على ألفي من األقزام البنية التي كان تكوينها‬ ‫أن أي شيء يزيد عن ‪ ٪00003‬من الديوتيريوم كان‬

‫يقارب خمسين بالمائة من الديوتيريوم‪.‬‬


‫***‬
‫ً‬
‫صامتا‪.‬‬ ‫ظل الطريق الجبلي السريع‬
‫ً‬
‫حسنا‪ .‬ال يمكنني البقاء هنا‪ .‬كانت درجة الحرارة في سيارة الجيب تنخفض بالفعل‪.‬‬ ‫أغلقت باب الجيب في مواجهة البرد‪.‬‬
‫قامت با لتأكد من أن لديها مصباح يدوي على شكل قلم ‪-‬عنصر أساسي لعلماء الفلك ‪ -‬قامت بتشغيله ووجهته للخارج من النافذة ‪ ،‬حيث‬
‫ضاع شعاع الضوء في الثلج‪ .‬كانت هناك حقيبة سفر في الخلف بمًلبس خفيفة ‪ ،‬يمكنها محاولة ارتداء كل شيء ‪ ،‬لكنها كانت ال تزال‬
‫تشعر بالبرد الشديد‪.‬‬
‫كانت مسافة كيلومتر واحد فقط ‪ ،‬اثنان على األكثر‪ .‬يمكنها تدبّر ذلك‪ .‬سحبت حقيبتها من المقعد الخلفي وبدأت في انتقاء مًلبسها‪.‬‬
‫ارتدت بلوزتين إضافيتين‪ .‬لن يساعداها كثيرً ا ‪ ،‬لكنها ستأخذ ما يمكنها الحصول عليه‪ .‬وكان هناك سترة‪ .‬شدتها حول كتفيها‪.‬‬
‫فتحت باب الجيب و خرجت ‪ .‬كان الثلج يقودها ‪ ،‬ويبدو أنه قادم من جميع االتجاهات‪.‬‬
‫عندما أصبحت على الطريق السريع أخرجت مصباح القلم الخاص بها وش ّغلته‪ .‬بدا العالم من حولها مقفرً ا‪.‬‬
‫كان البرد قارسًا ‪ ،‬ضغطت ذراعيها على صدرها وحاولت إخراج البرد من عقلها‪ .‬قالت لنفسها‪ :‬تحركي هيا ‪ ،‬هناك مأوى في مكان ما‪.‬‬
‫بدأت أصابع قدميها تخدر‪ .‬اسقطتها الرياح الثلجية العاصفة‪ .‬و عندما قامت ‪ ،‬لم يعد لديها مصباحها‪ .‬ال ت عرف أين ذهب‪ .‬كانت تحمله في‬
‫يدها اليمنى ‪ ،‬لكن يدها ال تشعر بها اآلن‪.‬‬
‫ألول مرة في حياتها شعرت بخوف حقيقي‪.‬‬
‫كان هذا أحلك مكان رأته على اإلطًلق‪ .‬لم يكن هناك بصيص من الضوء في أي مكان‪ .‬لم تعد حافة الطريق مرئية‪ .‬لقد اختفى العالم ‪،‬‬
‫وأصبح ً‬
‫مكانا بًل حدود تمامًا ‪ ،‬بدون أي سمات مميزة ‪ ،‬بخًلف رقاقات الثلج التي استمرت في التساقط عليها‪.‬‬
‫فكرت في االتصال بـ كوامي ‪ ،‬لكنها لم تستطع فعل ذلك‪ .‬ماذا س يظن؟ ال تستطيع تلك الفتاة المسكينة أن تنتقل من سيارة الجيب إلى‬
‫المقصورة دون الوقوع في المشاكل!‪.‬‬
‫كان من الصعب عليها أن تنفس‪ .‬تتؤلمها رئتاها ‪ ،‬وتتجمد الدموع على خديها‪.‬‬
‫ال يوجد حتى اآلن عًلمة على أي شيء‪ .‬الحقيقة المرعبة هي أنها يمكن أن تكون قد تخطت الًلفتة و لم ترها ‪.‬‬
‫***‬
‫ما زالت تمشي إلى األمام ‪ ،‬فتحت الهاتف الخلوي‪ .‬حان وقت االعتراف‪ .‬يجب أن تخبر كوامي بأنها في ورطة‪.‬‬
‫إلى يسارها ‪ ،‬ظهر وهج برتقالي ناعم في الثلج المتطاير‪.‬‬
‫***‬
‫ال شيء منطقي في هذه الفئة من األقزام البنية‪ .‬كان تركيبها أقل بقليل من خمسين بالمائة من الديوتيريوم‪ .‬خمسون ألف ضعف ما ينبغي‬
‫عليه أن يكون‪ .‬هذا جنون بما فيه الكفاية‪ .‬كان النصف المتبقي يتألف من الهيدروجين في الغالب ‪ ،‬وهو النوع العادي أحادي النكليون‪ .‬ال‬
‫توجد مشكلة في ذلك ‪ ،‬باستثناء أنه لم يترك إال مجا ًال صغيرً ا للهيليوم ‪ ،‬والذي بلغت كميته في معظم الكايميرا أقل من واحد بالمائة‪ .‬كان‬
‫حجمها األكبر من المعتاد هو الذي ق ّيد بشدة وفرة الهيليوم‪ .‬حتى تيم ‪ ،‬ألمع الفيزيائيين النظريين الشباب الذين عرفتهم ‪ ،‬كان عليه التنازل‬
‫عن هذه النقطة‪ .‬يولد كل جسم كوني آخر بالنسب ذاتها الذي طبعه بها االنفجار العظيم ‪ :‬سبعة وعشرون بالمائة كاملة‪ .‬فأين كان باقي‬
‫الهيليوم؟‬
‫ً‬
‫ساخنا ‪ ،‬وكانت جميع الكيميرا أجسام ساخنة‪.‬‬ ‫لم تكن هناك طريقة إلخفاء الهيليوم في قزم بني ال يزال‬
‫***‬
‫سطع الوهج البرتقالي للحظات في الظًلم‪ .‬ثم اختفى‪ .‬في مكان ما بعي ًدا ‪ ،‬سمعت زمجرة‪ ..‬ال يمكن للفهود أن تتسلق إلى هذا االرتفاع ‪،‬‬
‫أليس كذلك؟‬
‫بدأت بالسير نحو المكان الذي رأت فيه الضوء‪ .‬أضاء ثم خبا‪ .‬كان البد أن تكون هذه هي المقصورة‪.‬‬
‫اقتربت أكثر ‪ .‬شاهدت الفتة ‪ 6000‬متر على يمينها‪ .‬عًلمة معدنية بيضاء عليها أرقام سوداء‪.‬‬
‫وميض الضوء مرة أخرى‪ .‬أكثر شدةً هذه المرة‪ .‬كانت منارة سيارة شرطة ‪ ،‬موضوعة على سطح المقصورة ‪.‬الشكر هلل‪.‬‬
‫درجات خشبية تؤدي إلى المقصورة ‪ .‬رأت ثًلث نوافذ مظلمة وباب‪ .‬صعدت الدرج ‪ ،‬وشعرت أن الريح قد سكنت فجأة ألنها دخلت‬
‫ملجأ المقصورة ‪ ،‬وجربت مقبض الباب‪.‬لقد كان ً‬
‫مقفًل‪.‬‬
‫تم تثبيت لوحة أرقام على اإلطار‪ .‬ما هي كلمة السر؟‬
‫قال كوامي ‪ :‬تذكري "‪ ."e‬سبعة وعشرون ثمانية عشر‪.‬‬

‫ظلت المنارة تومض‪ .‬كل بضع ثوان‪ .‬كان ضوئها ينعكس عن الغطاء الثلجي ‪ ،‬مما يعطيها ما يكفي من الضوء للعمل‪.‬‬
‫فتحت باب المقصورة بعد أن أدخلت كلمة السر ‪ ،‬كان الداخل متجم ًدا‪.‬‬
‫أغلقت الباب ونظرت حولها‪ .‬كان هناك كراسي مصنوعة من الخيزران وطاولة ‪ ،‬صف طويل من البطاريات الشمسية يعمل على تشغيل‬
‫تر ً‬
‫شيئا‪.‬‬ ‫المنارة‪ .‬تم وضع سرير واحد مقابل ال جدار‪ .‬وكان يوجد موقد في منتصف الغرفة‪ .‬بحثت حولها عن منظم الحرارة لكنها لم َ‬
‫شخص ما ترك علبة ثقاب ونسخة مصفرة من جريدة ‪.USA today‬‬

‫حدقت كريستي في الموقد ‪ ،‬يمكنها أن تخرج و تجد بعض الجذور و النباتات في هذه العاصفة الثلجية لتشعلها لربما كانت محظوظة‪ .‬لكن‬
‫األثاث كان أكثر مًلءمة‪ .‬حملت أحد الكراسي وضربته بقوة على األرض حتى تكسّر‪ .‬أخذت بعضًا من هذا الخشب المحطم ووضعته في‬
‫الموقد و أشعلته‪ .‬كانت النار ضعيفة و لكنها كانت كافية لتخفيف برودة الغرفة‪.‬‬
‫اتصلت بـ كوامي ‪" :‬أنا في المقصورة "‬
‫قال ‪" :‬جيد كنت أشعر بالقلق‪ .‬ال تتركي المقصورة حتى تتوقف العاصفة‪".‬‬
‫"ال تخف‪ .‬لكن ثمة مشكلة واحدة"‪.‬‬
‫"ما هي؟"‬
‫"تركت سيارتي على الطريق"‪.‬‬
‫ً‬
‫"حسنا ‪ ،‬سأرسل شاحنة متى أمكننا ذلك‪".‬‬
‫"كوامي؟"‬
‫"نعم؟"‬
‫"أرسل الشطائر أيضًا"‪.‬‬
‫***‬
‫بدأت أصابع قدميها في استعادة بعض الشعور‪ .‬وجدت بطانية في الخزانة لكن رائحة السجائر تفوح منها ‪ ،‬ولكنها لم تهتم‪ .‬قامت بتدفئته‬
‫على الموقد ولفت نفسها به وأغمضت عينيها‪.‬‬
‫هزت الرياح المقصورة‪ .‬وفجأة شعرت بثقل في عينيها‪ .‬مال رأسها إلى الوراء ‪ ،‬وتًلشت أصوات النار ‪ ،‬وإحساسها بالعاصفة‪.‬‬
‫استيقظت عدة مرات ‪ ،‬ووضعت المزيد من الخشب في الموقد‪.‬‬
‫***‬
‫في اليوم التالي لمست يد كتفها‪" .‬مرحبًا كريستي‪ .‬كيف حالك؟" ‪ ،‬لقد كان ذلك كوامي‬
‫كانت النيران قد خمدت ‪ ،‬لكن ما يزال الموقد يحمل بعضًا من الدفء‪ .‬قالت‪" :‬أنا بخير"‪.‬‬
‫"جيد‪ .‬الطريق سالك‪ .‬إذا كنت مستعدة يمكننا الخروج‪".‬‬
‫كان كوامي أفريق ًيا في منتصف العمر ‪ ،‬لكنه لم يكن بنفس طولها‪ .‬أصبح شعره أبيضًا ‪ ،‬وتشير مًلمحه إلى أنه مر ب بعض األوقات‬
‫الصعبة‪ .‬كانت عيناه الداكنتان تلمعان ‪ ،‬وكان يتحدث بلكنة بريطانية‪.‬‬
‫ش ّدت البطانية بإحكام أكثر حولها بينما دفعت قدميها في حذائها‪ .‬قالت‪" :‬أنا جاهزة"‪.‬‬
‫انتظرت كاسحة الجليد بالخارج ‪ ،‬و كانت الشمس مستترة ببعض السحب البيضاء‪ .‬كان الجو ً‬
‫دافئا نسبيًا ‪.‬‬
‫صعدت و جلست على مقعد المسافرين ‪ ،‬ونظرت للخلف إلى منارة الشرطة‪ .‬قالت ‪" :‬لوال الوامض ‪ ،‬لما وجدت المكان أب ًدا"‪.‬‬
‫***‬
‫كانت كريستي قد وصلت إلى قمة كليمنجارو أربع مرات من قبل ‪ ،‬لكن مشهد األبراج األساسية وشريط األسًلك النانوية الممتد إلى ما ال‬
‫نهاية كان مبهجً ا كما كان دائمًا‪" .‬لم يغادر بعد؟" هي سألته‪.‬‬
‫"ال ‪ ،‬لقد كانوا في انتظارك‪".‬‬
‫توقفوا عند الباب األمامي للصالة ‪ ،‬وشكرته ربما للمرة الخامسة‪ .‬ثم كان عليها أن تسرع عبر منطقة االستقبال و قد كان معها شخص‬
‫ليساعدها في حمل حقيبتها وحقيبة أوراقها ‪ .‬بعد لحظات ‪ ،‬قاموا بإخًلء سلم الدخول ‪ ،‬وأغلقت البوابات‪.‬‬
‫كان هناك ما يقرب من عشرة ركاب آخرين‪ .‬كان نصفهم تقريبًا من السياح ‪ ،‬من بينهم طفًلن‪ .‬نظروا إليها بفضول بينما قست أسًلك‬
‫الكربون النانوية وانطلق المصعد بعي ًدا عن كليمنجارو‪ .‬وبعد دقائق شاهدت بحيرة فيكتوريا‪ .‬صعدوا عبر الغيوم ‪ ،‬وظهر المحيط‬
‫األطلسي‪ .‬وفي النهاية كانت تنظر إلى القارة بأكملها ‪ ،‬من رأس الرجاء الصالح إلى دلتا النيل‪.‬‬
‫***‬
‫بعد ساعتين ‪ ،‬على ارتفاع ‪ 9000‬كيلومتر ‪ ،‬حصلت على شطيرة وقهوة من قسم االستراحة ‪ ،‬واستقرت على أحد طاوالت القريبة من‬

‫إحدى النوافذ لًلستمتاع بالرحلة‪ .‬كانت تتمنى أن تكون هناك سفن فضائية‪ .‬كانت تحب أن تتاح لها فرصة السفر للفضاء والنظر إلى أحد‬
‫تلك األجسام عن قرب‪ .‬كانت تعرف كيف ست بدو بالطبع ‪ ،‬كان لديها أقزام بنية افتراضية‪ .‬كانت كرات بحجم المشتري ‪ ،‬بنية حمراء ‪ ،‬مع‬
‫غيوم مرقطة تطفو في الغًلف الجوي‪ .‬كانت الغيوم عبارة عن هيدريد الحديد ‪ ،‬وبالطبع سيكون القزم متوهجً ا ‪ ،‬مثل الفحم الذي انتشل‬
‫مؤخرً ا من النار‪ .‬لقد تخيلتها ‪ ،‬وبطريقة ما وجدت نفسها تفكر في أضواء شرطة كوامي ‪ ،‬محدق ًة في الليل العميق الرتفاع ‪ 6000‬متر ‪،‬‬

‫ورأت الوهج البرتقالي الناعم ‪ ،‬ومضان‪ ...‬ومضان‪ ...‬ومضان‪.‬‬


‫وفجأة فهمت‪.‬‬
‫***‬
‫قال غريغ ‪" :‬يجب أن تكون هناك آلية طبيعية في العمل‪ .‬ربما كيمياء عالية الضغط‪ .‬ربما مجاالت مغناطيسية‪ .‬ربما نشاط إشعاعي‪ .‬يمكن‬
‫للعمليات الجيوكيميائية أن تركز المعادن بأعداد كبيرة على األرض ‪ ،‬فلماذا ال يتكوّ ن الديوتيريوم على سطوح األقزام البنية تحت ظروف‬
‫أكثر غرابة ؟" بدا قلقا حقا‪.‬‬
‫قال‪" :‬أعترف ‪ ،‬أن خمسين بالمائة من الديوتيريوم شيء مستحيل‪ .‬لكن مهما كان هذا الشيء الذي فعل ذلك فإنه يمكنه أن يدفن الهليوم‬
‫أيضًا‪ .‬نحن ال نعرف ما يكفي‪".‬‬
‫قالت "أعتقد أن هذا صحيح"‪.‬‬
‫"يمكن أن يكون‪ .‬كل شيء ممكن ‪ ،‬كريستي‪ .‬لكن فكري في الثمن الذي ستدفعيه إذا خرجت بحلول نصف جاهز ‪ ،‬ثم وجد أحدهم التفسير‬
‫الحقيقي" ‪.‬‬
‫***‬
‫بينما ابتعدت األرض كثيرً ا ‪ ،‬عملت كريستي على جهاز الكمبيوتر الخاص بها‪ .‬بعد ساعة ‪ ،‬كانت ال تزال في المصعد ‪ ،‬رفعت قبضتها‬
‫منتصرة‪ .‬لفت الفعل انتباه العديد من الركاب‪ .‬لم تهتم‪ .‬كان لديها تطابق‪ .‬في الواقع ‪ ،‬ظهرت الكا يميرا ‪ ،‬وهي العينة الكاملة تقريبًا المكونة‬
‫ً‬
‫ارتباطا مذهًلً بنسبة‬ ‫من ألفي جسم ‪ ،‬باستثناء اثنين ‪ ،‬في كتالوجات مصادر األشعة السينية في السماء على أنها ثقوب سوداء‪ .‬أعطاها ذلك‬
‫‪ .٪8808‬ما مقدار الدليل الذي تريده يا غريغ؟‬

‫خًلل الساعات الخمس التالية ‪ ،‬بحثت بًل جدوى عن أنماط أخرى‪ .‬كانت ال تزال منشغلة بتحليلها ‪ ،‬وتحاول جاهدة إبقاء إحساسها بالبهجة‬
‫تحت السيطرة ‪ ،‬حيث بدأ المصعد اقترابه من المحطة‪.‬‬
‫دوت سلسلة من الضربات عبر بدن المصعد أثناء رسو المصعد والتحمت غرف معادلة الضغط‪ .‬ف تحت الفتحات وطفا الركاب عبر‬
‫األنبوب المتصل‪ .‬سيتجه السائحون إلى الفندق‪ .‬وسيذهب اآلخرون في اتجاهات مختلفة‪.‬‬
‫***‬
‫وقفت كريستي على المنصة أمام معلمها وزمًلئها ‪ ،‬وقد أجابت ببراعة على عشرة أسئلة حول تحليًلتها وقوائمها‪ .‬وكان امتياز طرح‬
‫السؤال األخير يعود تقليديًا إلى طالب الدراسات العليا األكبر‪ ،‬تيم‪ .‬لقد رأته يكتب أثناء تحدثها ‪ ،‬ويخربش الخطوط ‪ ،‬ويرسم الوجوه ‪ ،‬ثم‬
‫يكتب مرة أخرى‪ .‬عندما حانت اللحظة ‪ ،‬وقف ثم بدأ بسؤاله ‪" :‬آسف كريستي ‪ ،‬ال أحد هنا يشك بأنك على حق‪ .‬لكنني ما زلت ال أفهم‬
‫ذلك‪ ، ".‬نظر إلى مًلحظاته ‪ ،‬ونظر إلى غريغ ‪ ،‬و تابع كًلمه ‪ " :‬دراستك عالية الدقة لألطياف و اال نزياحات الحمراء للجاذبية‬
‫‪ gravitational redshifts‬الخاصة بك تثبت بًل شك أن كتلة كل واحد من أجسامك هو ثماني أضعاف كتلة المشتري ‪ ،‬وأن ً‬
‫كًل‬
‫منها يدور حول شيء ما كل عام أو نحو ذلك" ‪ ،‬أخذ نفسا عميقا ثم تابع ‪" ،‬تطابق مصدر األشعة السينية هي حجة مقنعة بأن هذه األشياء‬
‫عبارة عن ثقوب سوداء‪ .‬لكن الثقوب السوداء ال يمكنها تركيز الديوتيريوم أو إخفاء الهيليوم‪ .‬كانت الثقوب السوداء كلها ذات يوم من‬
‫النجوم المضيئة ج ًدا بحيث ال يمكن لها أن تتشكل في المقام األول مع قزم بني مصاحب‪ .‬واألسوأ من ذلك كله ‪ ،‬أن الكايميرا الخاص بك‬
‫منخفض الكتلة ج ًدا بحيث ال يستطيع أن يشعل الديوتيريوم ‪ ،‬ومع ذلك فهو يشع مثل األقزام البنية الساخنة‪" .‬‬
‫كان اآلخرون حول الطاولة ينقلون نظرهم بقلق بينها و بين تيم ‪ ،‬تعالت بعض الهمسات‪ .‬تابع تيم‪" :‬نظريًا ‪ ،‬ال يمكن أن توجد الكايميرا‬
‫خاصتك ‪ ،‬أليس كذلك؟ لكنهم موجودون‪ .‬إذن ما الذي يحدث؟"‬
‫جلس تيم ‪ ،‬لكنه هب قائمًا مرةً أخرى ً‬
‫قائًل ‪" :‬كريستي ‪ ،‬هل يجب أن يكون لديك فكرة عن كيفية شرح هذه األشياء؟"‬
‫نظرت إلى غريغ‪ .‬كان يتأمل من النافذة هذا ال يوم الخريفي الجميل‪ .‬ثم التقت عيناه بعيني كريستي ‪ ،‬وأومأ لها بأن افعليها‪.‬‬
‫تم قبول ورقتها باألمس من قبل ‪ . Nature‬إن ترك القطة خارج الحقيبة اآلن لن يعرض أي شيء للخطر‪ .‬لقد أبقت الجميع ‪ ،‬باستثناء‬
‫غريغ ‪ ،‬في الظًلم حتى تيم‪.‬‬
‫قائلة ‪" :‬نحن نصنف أي شيء له كتلة أقل من ثًلثة عشر مرة كتلة المشتري على أنه كوكب ‪ ،‬ألن هذه األجسام ال تولد‬ ‫ً‬ ‫بدأت كريستي‬
‫ً‬
‫ضغطا داخليًا كافيًا إلشعال الديوتيريوم ‪ ،‬ناهيك عن الهيدروجين‪ .‬ومع ذلك ‪ ،‬فإننا نرى اآلن أجسامًا لها كتلة تقدر ب ثمانية أضعاف كتلة‬
‫المشتري تعرض وفرة سطحية يمكنها يأتي فقط من احتراق الديوتيريوم‪ .‬هذا مستحيل مع واحد باأللف في المائة من الديوتيريوم‪ .‬لكن‬
‫اشتعال الديوتيريوم يعمل بشكل جيد إذا ولدت هذه األجسام بثمانية أضعاف كتلة المشتري مع خمسين بالمائة من الهيدروجين وخمسين‬
‫بالمائة من الديوتيريوم ‪ ،‬و ت م إشعالها بطريقة ما "‪ .‬ابتسمت لتيم ‪ ،‬الذي كان جالسًا ويبدو ضائ ًعا‪.‬‬
‫ً‬
‫خليطا يتكوّ ن نصفه من البنزين ونصفه اآلخر من‬ ‫وتابعت‪" :‬بالقياس ‪ ،‬فإن كمية ضئيلة من الهواء الممزوج بالبنزين يكون مستقرً ا ‪ ،‬لكن‬
‫ً‬
‫هائًل‪ .‬نظرً ا ألن الطبيعة ال تستطيع صنع أو إشعال أجسام يتكون نصفها من‬ ‫الهواء يكون شديد االشتعال‪ .‬شرارة واحدة ستطلق حريقًا‬
‫الديوتيريوم و النصف اآلخر من الهيدروجين ‪ ،‬خاصة بالقرب من النجوم الضخمة التي تنهار إلى ثقوب سوداء‪ . " ...‬توقفت كريستي‬
‫ً‬
‫قليًل لتزيد تأثير كًلمها على مستمعيها ثم تابعت ‪ .." ،‬من الصعب أن نرى أن الكيميرا يمكن أن تكون أي شيء آخر غير أن تكون‬
‫صنعية‪".‬‬

‫غرقت الغرفة بصمت ثقيل‪.‬‬


‫ً‬
‫مذهوال‪ .‬قال بصوت قد تغيّر ‪" :‬كريستي ‪ ،‬أنت ال تدعي هذا االدعاء بجدية؟"‬ ‫بدا تيم‬
‫قالت ‪" :‬إنها صنعية أي أنها تركيبية ‪ ،‬أي أنها ليست من صنع الطبيعة‪ .‬أي أنها ص ّنعت من قبل الرجال الخضر الصغار ‪.‬أود أن أزعم‬
‫أنها وضعت عم ًدا في مدار حول الثقوب السوداء التي ولدت بدون رفقاء‪ .‬تسقط اآلن بعض الرياح الشمسية لكل كا يميرا نحو ثقبه األسود‪.‬‬
‫هذا يسخن الريح بشدة بحيث تصدر األشعة السينية‪ .‬و بذلك تتزامن الكيميرا مع مصادر األشعة السينية المفهرسة‪ .‬لقد كانت الكايميرا غير‬
‫مرئية ‪ ،‬أما اآلن فًل يمكنك تفويتهم‪ .‬في البداية كنت أظن أنها تجربة ‪ ،‬أجسام اختبار من نوع ما‪ .‬ولكن ستكون هذه تجربة مهدرة للموارد‬
‫بشكل كبير ‪ ،‬إذا أمكنك انتاج نفس التجربة بكتلة أصغر بمليون مرة‪".‬‬
‫كان األساتذة في الغرفة يتزاحمون عند الباب‪.‬‬
‫ثم أردفت كريستي ‪" :‬ال ‪ ،‬احتاج مبتكرو الكايميرا إلى شيء ذاتي اإلنارة ‪ ،‬شيء يدوم لفترة طويلة ‪ ،‬لكن ً‬
‫شيئا تكلفته أقل ما يمكن ‪ ،‬ألنه‬
‫كان عليهم إنتاج ألفي نسخة‪ .‬خليط ‪ %60‬ديوتيريوم و ‪ %60‬هيدروجين هو وقود نووي يمكن إشعاله في أقل كتلة ممكنة‪ .‬إنه أرخص‬

‫منارة بين النجوم يمكنك صنعها إذا أصريت على فترة صًلحية لمائة مليون سنة‪ .‬ال تستطيع الطبيعة صنع هذه األشياء‪ .‬لكن شخصًا ما‬
‫يستطيع ذلك " ‪ .‬أخذت رشفة من الماء ثم تابعت ‪" :‬الهيليوم مفهوم أيضًا ‪ ،‬إنه الرماد ‪ ،‬المنتج الثانوي النصهار الديوتيريوم ‪-‬الهيدروجين‬
‫النقي ‪ ،‬الذي يصعد بواسطة الحمل الحراري من القلب‪ .‬محتوى الهيليوم في الكا يميرا محدود بنسبة واحد بالمائة أو أقل ألن عمرهم جميعًا‬
‫أقل من مليون سنة‪ .‬كل واحد من الكايميرا سيستمر في حرق نواة الديوتيريوم وسيضيئ بلمعانه الحالي لمائة مليون سنة أخرى "‪.‬‬
‫كان تيم سيقول ً‬
‫شيئا آخر ولكن غريغ قاطعه و قال ‪" :‬كريستي ‪ ،‬اثنان من الكا يميرا غير مرتبطين بالثقوب السوداء‪ .‬ماذا يمكنك أن‬
‫تخبرينا عنهما؟"‬
‫قالت‪" :‬أحدهم يتحرك بثًلثة بالمائة تقريبًا من سرعة الضوء عبر برج الثور‪ .‬والثاني يدور حول القزم ‪-‬جي في برج العقرب‪ .‬إن كتلتها‬
‫وزنا ‪ ،‬و أقلها سطوعًا‪ .‬ال أعرف ً‬
‫حقا على وجه اليقين ‪ ،‬لكني أتوقع أن‬ ‫أقل بقليل عن سبع أضعاف كتلة المشتري ‪ ،‬و أقل المجموعة كلها ً‬
‫الجسم األول ت ّم سحبه أو دفعه نحو ثقب أسود حديث الوالدة‪ .‬ولن أتفاجأ إذا كان الثاني له مستقبل مشابه‪".‬‬
‫و دوت موجة من التصفيق‪.‬‬
‫***‬
‫كان لدى غريغ كلمة أخيرة ‪" :‬رد فعلي األولي ‪ ،‬عندما استعرضت كريستي كل هذا أمامي للمرة األولى ‪ ،‬مشابهًا لرد فعل تيم اآلن ‪.‬‬
‫ولكن هناك دليل آخر أقنعني‪ .‬كريستي تفضلي؟"‬
‫كانت في أفضل حاالتها اليوم ‪ ،‬في لحظة سوف تتذكرها دائمًا‪ .‬قالت‪" :‬تلسكوب طوله ثًلثين مترً ا في مدار أرضي متزامن ‪ ،‬هو أداة‬
‫رائعة‪ .‬لكن الكا يميرا خافتة ولم أجد أي شيء سوى الديوتيريوم والهيدروجين والهيليوم في أي من أطيافها‪ .‬عندما أدركت أنها يجب أن‬
‫ً‬
‫نسخا عن بعضها البعض ‪ ،‬أزلت إنزياح دوبلر لكل منها ثم أضفت ألفي طيف‪ .‬وكانت النتيجة أكثر حساسية بنحو خمسين مرة‬ ‫تكون‬
‫للعناصر الضئيلة "‪.‬‬
‫ضغطت زر جهاز التحكم بالفيديو وظهر الطيف اإلجمالي متموجً ا وسلسًا ‪ ،‬بأربعة منحدرات ضيقة وحادة‪" .‬انظرو إلى خطوط‬
‫االمتصاص األربعة هذه؟ عنصر واحد فقط يصنع تلك الخطوط ‪ ،‬البلوتونيوم ‪ ،‬أقذر و أخطر مادة نعرفها‪ .‬كل كايميرا مزروعة‬
‫بالبلوتونيوم ‪ 844-‬النقي ‪ ،‬والذي سيدوم طوال فترة حياة الكايميرا نفسها ‪ .‬إنها أقرب شيء ل جمجمة وعظمتين متقاطعتين يمكنني تخيلها‪.‬‬

‫سيداتي وسادتي ‪ ،‬الكايميرا هي منارات ‪ ،‬منارات سماوية‪ .‬يتم تحذير المسافرين الذين يرتادون الفضاء ليبتعدوا عن المياه الضحلة ‪ ،‬بعي ًدا‬
‫عن ‪ 8000‬ثقب أسود منفرد في مجرة درب التبانة ‪ ،‬والتي بخًلف ذلك ال يمكن اكتشافها تقريبًا‪".‬‬

‫قال أحد األساتذة‪" :‬رائع ‪ ،‬إذا كان هذا صحيحً ا‪".‬‬


‫ابتسمت ‪ ،‬بينما أطلق جمهورها أنفاسه المحبوسة معًا‪.‬‬

You might also like