Professional Documents
Culture Documents
Lighthouse
Lighthouse
وأحيانا ً
هادئا ،ولكنه نادرً ا ما يستمر. ً دائمًا ما يكون التصفيق بعد مناقشة أطروحة ما مهذبًا ،
ً
خجًل بينما وقف جميع أعضاء قسمها الخمسين على أقدامهم وأخذوا يهتفون .كان زمًلؤها من ابتسمت كريستي النغ وأحمر وجهها
طًلب الدراسات العليا األكثر صخبًا على اإلطًلق ،حيث كانوا يصفرون ويقرعون أكواب القهوة في انسجام تام على الكراسي وأسطح
الطاوالت .غريغ كوبر ،رئيس القسم ومعلمها ،سمح لهذا أن يستمر لمدة دقيقة كاملة .ثم قال أخيرً ا" :سيداتي وسادتي ،شكرً ا جزيًلً".
وقفت كريستي ،غارقة في اللحظة .أومأت برأسها ،ورفعت يدها ،و عبّرت عن شكرها ،فبدأت جولة جديدة من التصفيق التي ما لبثت
أخيرً ا بالتراجع.
لقد اكتشفت نوعًا جدي ًدا من األجسام الفلكية .نوع خاص من األقزام البنية .و يطلقون عليها اآلن اسم "كايميرا" ،لكن غريغ أخبرها
باألمس بأنه ستسمى تلك األجسام في النهاية باسم "أجسام النغ" ( نسبة لكريستي النغ مكتشفتها)
طويًل ونحيفًا ،ولديه فك بارز ،أنف مستقيم ،شعر داكن ،وعينين حادتين .أشار إليه طًلبه باسم شيرلوك هولمز بسبب
ً كان غريغ
ً
"حسنا" ،في إشارة منه ليعم الهدوء. مهاراته العالية في حل المشاكل الصعبة ،وقدراته المتواضعة للغاية في العزف على الكمان .قال
كان األشخاص من حولها يصافحون كريستي وهم يربتون على ظهرها.
تيم رودجرز ،أسمر و وسيم و المع في مجاله ،ابتسم لها ابتسامة إطراء .لقد تأثر و ربما حسدها حتى.
دعا غريغ لطرح األسئلة ،ارتفعت األيدي ،ف تنحى جان ًبا وأعطاها المنصة.
واقفا بينما جلس اآلخرون في مقاعدهم .كان ينهي أطروحته الخاصة ،وكان حتى وقت قريب ،على رأس قائمة "األشخاص ظل تيم ً
المرغوبين في كل مكان" .اآلن هو يتراجع بعي ًدا للمركز الثاني.
"حسنا ،كريستي ،لقد أثبت وجود فئة جديدة من األجسام .كيف حدث ذلك؟" ً قال:
ً
بسيطا للغاية .لقد كانت تقوم بدراسات تحليلية لمليارات األقزام البنية والحظت بعض الشذوذات ،و هي وجود الديوتيريوم كان التفسير
بشكل مبالغ فيه ج ًدا .لكن هذا لم يكن الخبر السار ،بل كانت تحتفظ به لوقت الحق.
قالت" :وجدنا في النهاية ألفي كرة غريبة" .كانت األقزام البنية نجوم فاشلة ،و كانت الكايميرا -أجسام النغ -شاذة ،غريبة ،وليس من
السهل أن تتوافق مع الفيزياء التقليدية.
( )1
بإيجاز لكنني ال أرى الصلة بين الموضوعين .يرجى أن توضحي ذلك". جاء سؤال آخر "لقد ذكرت األكتينيدات
ابتسمت كريستي وحاولت أن تبدو متواضعة .قالت" :فكر بالحمض النووي ، DNAاألصل المشترك له هدف المشترك".
حيّر التعليق الجميع ،ق ّ
طبت الحواجب ،و عًل همس الجميع بانتظار أن تفسّر ما قالت.
***
( Actinides )1االكتينيدات :هي سلسلة من عناصر الجدول الدوري تتكون من 51مادة ،تتراوح أرقامها الذرية ما بين ، 301- 98و هي عناصر
مشعة أشهرها اليورانيوم و البلوتونيوم ( المترجم).
في الواقع ،جاء إلهامها الصيف الماضي من مجموعة إشارات الشرطة الوامضة المتوضعة فوق مقصورة على جبل كليمنجارو ،جبل
همنغواي .و اآلن أصبح الجبل موقعًا لمصعد الفضاء يوري ارتسوتانوف( .)2
كانت كريستي في طريقها إلى محطة األ بحاث كًلرك ،التي تدور في الفضاء بمدار األرض الجغرافي المتزامن( .)3كانت تبحث عن
ً
متأملة أن تساعدها على تفسير وجود الكايميرا الشاذة. الفوتونات
كان هناك ما يقرب من األلفين منهم ،كلهم في مرحلة الشباب ،مت ّ
ركزين في األذرع الحلزونية لمجرة درب التبانة ،المتطفلين ،
الوحوش الغنية بالديوتيريوم التي ليس لوجودها أي عمل .مرتدية بنطال وقميص عليه شعار جامعة كولومبيا ،قادت كريستي سيارة
ً
عابقة في هواء الصباح المتأخر .عاصفة قادمة ،و هي قد جيب عبر السافانا .كانت السماء مليئة بالغيوم ،ورائحة الرطوبة الباردة
تأخرت بالفعل .إذا لم تسرع ،فإن فرصة إضاعة رحلتها عالية .قال المتنبئ الجوي إن الطقس صاف ومشرق ومشمس وجميل .لقد
أمضت األشهر القليلة الماضية مستغرقة تمامًا في بحثها ،وحللت مليون صورة ،وبحثت عن إبرة في كومة قش ،لكن هنا ستترك واقفة
مفوتة رحلتها .لم يكن تحديد مواعيد الرحًلت على مصعد يوري امرً ا سهًلً.
ً في المحطة و
ال يهم في النهاية .س يسجل جيف المًلحظات ويسلمها البيانات.
***
برزت حافة كيبو ، 4فوهة القمة ،للحظات عندما عبرت ال ثًلثة آالف متر ،ثم اختفت على الفور بين السحب المتجمعة .بدأت قطرات
المطر تتناثر على الزجاج األمامي لسيارة الجيب و بدأت م ّساحات السيارة بالعمل .كان الطريق واسعًا ومصممًا الستيعاب حركة المرور
الكثيفة ،لكنه ال يزال صاع ًدا و عسيرً ا .اشتد المطر وأخذ ينقر على سطح الجيب .
تباطأت حيث انخفضت مسافة الرؤية إلى حوالي خمسين مترً ا .مرت شاحنة في االتجاه اآلخر .ضربت موجة رياح الجيب وتناثرت المياه
على الزجاج األمامي.
رنّ هاتفها الخلوي" .كريستي" .كان كوامي شوال ،رئيس العمليات في مصعد يوري.
"كيف حالك كوامي؟"
"ليس جي ًدا .أين أنت اآلن؟"
"على الطريق".
ً
"حسنا .لكن خذ ي األمر ببساطة .لدينا هنا ثلج كثيف .لقد أخطأ المتنبئ الجوي تمامًا".
ً
"حسنا". عظيم ج ًدا هذا فقط ما كانت تحتاجه .قالت :
"ال بطوالت من فضلك .إذا كنت بحاجة لها ،فلدينا مقصورة للمتسلقين على ارتفاع خمسة آالف متر .الرقم السري للبوابة هو ".8139
( : Yuri Artsutanov )2مهندس فضاء روسي ( ، )9191- 9191صاحب فكرة مصاعد الفضاء .فبدل االعتماد على صواريخ الوق ود السائل
اقترح يوري ارتسوتانوف مد كيبل طويل يصل بين القاعد األرضية و المحطة المدارية في الفضاء الخارجي ،بحيث يستخدم هذا الكيبل كمصعد لنقل
الحموالت الثقيلة إلى حدود الفضاء(.المترجم)
( Geosynchronous orbit )3المدار األرضي الجغرافي المتزامن :هو المدار الذي يدور فيه القمر الصناعي في نفس اتجاه حركة كوكب األرض
،ومدة دورانه حول األرض تعادل دوران األرض حول نفسها أي 81ساعة و 65دقيقة و 4ثواني ،و ارتفاع هذا المدار حوالي 15000كم(.المترجم)
( Kibo )4كيبو هي أعلى ا لمخاريط البركانية الثًلث المش ّكلة لجبل كليمنجارو ،يصل ارتفاعها إلى 6800متر (.المترجم)
،فإن هذا الحرف الصغير كان دائمًا أساس اللوغاريتمات الطبيعية التي تساوي 80139893909... بالطبع e
ً
"حسنا ،لقد حصلت عليه". قالت :
كان لدى غريغ مشاعر متناقضة بشأن عملها على الكايميرا .قال :ال أعرف إلى أين ستتجه بك األمور معهم .قد ينتهي بك األمر إلى
جمع الكثير من البيانات ،و لكن سيكون محتمًا عليك فيما بعد رفع يديك مستلمة ،واالعتراف بأنه ليس لديك أدنى فكرة عن ماهيتها أو
قليًل ،أحصر ي البحث في المجاالت األكثر ً
أمنا ،على األقل حتى ت نتهي من رسالة الدكتوراة وتحصلي سبب وجودها ،أجّ لي الفكرة ً
على عمل في مكان ما .بالطبع كان محقا .فهذا هو طريق النجاح المضمون.
لكنها كانت مفتونة بهذه األجسام .كان والدها يقول لها دائمًا أن تتبع غرائزها .وقادتها غرائزها مباشرة إلى ظًلل أقزام الديوتيريوم .كانت
مثيرة للفضول ،و صعبة التفسير ،لدرجة أنها ببساطة لم تستطع مقاومتها.
لم تكن تريد أن تكون أب ًدا سوى عالمة فلك .كان والدها ،الذي كان مدرسًا للعلوم في المدرسة الثانوية ،قد أحضر معه إلى المنزل زوجً ا
من المناظير ثنائية العين ( )binocularsمن حرب الخليج الثالثة .عندما أعطاها للفتاة الصغيرة ذات الشعر األحمر البالغة من العمر
ست سن وات ،كانت مذهولة .القمر به حفر وجبال شاهقة .كان كوكب المشتري قرصًا صغيرً ا له أقمار خاصة به .وكانت مجرة درب
التبانة عبارة عن مسار متأللئ من النجوم .أوضح والدها لها بأن النجوم شموس بعيدة ،المًليين منهم ال يمكن احصائهم .البعض مثل
شمسنا تمامًا ،والبعض اآلخر أصغر كثيرً ا.
لماذا يا أبي لماذا تختلف بعض النجوم عن الشمس؟
ابتسم لها وقال إنه ال يعرف ،لكن يمكنها أن تكتشف ذلك إذا ما أرادت عندما تكبر.
وذات مساء ،في كوكبة الدب األكبر ،اكتشفت نجم المئزر(العناق) .Mizarكان والدها على الشرفة معها حين صرخت " ،أبي ،إنهما
يتًلمسان ! إنهما نجمان توأمان" .لكن في الواقع ،كما علمت الحقًا ،كا ن هناك خمسة نجوم في نظام المئزر .بحلول عامها األول في
الماجستير ،وجدت قزمًا بنيًا رفيقًا للنجوم الخمسة ،واستخدمته كساعة لتأريخ عمر النظام النجمي .علقت رسالتها في مجلة الفيزياء
الفلكية مؤطرة في بيت أبيها.
***
تحول المطر إلى ثلج وأبطأت كريستي من سرعة سيارة الجيب إلى أقل مايمكن .كان جهاز إزالة الجليد الخاص بها يخسر معركته
بسرعة أمام العاصفة الثلجية التنزانية .لم يعد بإمكانها اآلن رؤية القمة .هزت الرياح الجيب.
حاولت االتصال بـ كوامي للحصول على تحديث لحالة الطقس ،لكنه لم يرد.
شقت طريقها صعو ًدا ،وتجاوزت الصخور وبقع الطحالب .وكان الطريق مظلمًا طول الليل بينما كان المطر والجليد يتساقطان على
الزجاج األمامي .بدأت تتساءل عما إذا كانت قد فاتتها الفتة ال 6000متر بدأت تسلط مصابيح سيارتها األمامية على كل مكان ،لكنها لم
كان عليها أن تسير حوالي الكيلومتر للخلف ،ربما اثنان و ذلك بعد أن تعطلت سيارتها في هذا الجو القاسي .وضعت الهاتف على المقعد
ونظرت إلى الطريق السريع .ال شيء قادم في أي من االتجاهين .من األفضل أن تجلس بهدوء وتنتظر أن يأتي شخص ما.
***
هناك واحد وعشرون مليار من األقزام البنية في مجرة درب التبانة ،أكثر أو أقل .وجدت كريستي كل واحد منهم تقريبًا ورسمت خرائط
لها .أوضحت له ذات مرة" :إن ضوء األقزام البنية يتناوب بشكل كبير بين األطوال الموجية المتجاورة ،يا أبي .لقد تم ضبط مرشحات
مسح األشعة تحت الحمراء الخاصة بي على األطوال الموجية المناسبة فقط ،لذلك تظهر جميع النجوم األخرى باهتة .الجزء الصعب هو
تتبعهم جميعًا ،وتكرار االستطًلع بعد عام لقياس حركاتهم .ثم يتعين علينا غربلة كل الكوازارات الغريبة التي تتسلل عبر المرشحات.
لهذا السبب لدينا .MEGAAPECإنها تلتقطها جميعًا" .
لم تكن األقزام البنية ضخمة بما يكفي إلشعال التفاعًلت النووية ال حرارية في قلبها .ستكون دائمًا نجومًا فاشلة ،يتولد وهجها الخافت عن
طريق التبريد والتقلص .كانت عبارة " "88058هي عبارتها المميزة التي ت ستخدمها في الندوات لوصف استبيانها الشامل .بالتأكيد سيكون
هناك بضع مئات من األقزام ال بنية تختبئ خلف لمعان النجوم ،أو تتوارى مباشرة أمام الكوازارات البعيدة ،لكنها حصلت على باقي
األقزام البنية .يمكنها أن تخبرك عن درجة حرارة كل واحد من األقزام منذ مليون سنة .وأين سيكون كل واحد منهم بعد عشرة مًليين
سنة من اآلن .كانت إحصاءاتها هي الكلمة الفصل حول كيفية توضع نجوم المجرة الفاشلة خًلل الثًلثة عشر مليار سنة الماضية .يمكنها
رسم عدد قليل من األقزام البنية القديمة الخالية من المعادن على طول مداراتها التي تدور بعي ًدا في درب التبانة.
تم استخًلص الكايميرا (لقد استقرت على مصطلح "األجسام الشاذة" في ندوا تها) من عينتها الكاملة المكونة من واحد وعشرين مليارً ا من
األقزام البنية من خًلل الفرز اإلحصائي والوزن .كل واحد منهم لديه طيف يلفت االنتباه إليه ،و تحدى كل شيء اعتقدت أنها تعرفه عن
هذا النوع من األجسام .كانت الوفرة السطحية للدوتيريوم عالية بشكل مستحيل .لقد كان نظيرً ا ً
ثقيًل للهيدروجين ،يحتوي على بروتون
واحد ونيوترون واحد ،وكان االنفجار العظيم قد صنع القليل منه ،قبل أن يتوقف اإلنتاج بعد ثًلث دقائق فقط من الخلق .لم تكن هناك
طريقة معروفة أل ي كوكب أو نجم أو مجرة أو أي شيء آخر في الكون لتركيز الديوتيريوم األولي لكمية معتبرة .أكدت الكتب االكاديمية
ً
مستحيًل .ومع ذلك ،عثرت كريستي على ألفي من األقزام البنية التي كان تكوينها أن أي شيء يزيد عن ٪00003من الديوتيريوم كان
ظلت المنارة تومض .كل بضع ثوان .كان ضوئها ينعكس عن الغطاء الثلجي ،مما يعطيها ما يكفي من الضوء للعمل.
فتحت باب المقصورة بعد أن أدخلت كلمة السر ،كان الداخل متجم ًدا.
أغلقت الباب ونظرت حولها .كان هناك كراسي مصنوعة من الخيزران وطاولة ،صف طويل من البطاريات الشمسية يعمل على تشغيل
تر ً
شيئا. المنارة .تم وضع سرير واحد مقابل ال جدار .وكان يوجد موقد في منتصف الغرفة .بحثت حولها عن منظم الحرارة لكنها لم َ
شخص ما ترك علبة ثقاب ونسخة مصفرة من جريدة .USA today
حدقت كريستي في الموقد ،يمكنها أن تخرج و تجد بعض الجذور و النباتات في هذه العاصفة الثلجية لتشعلها لربما كانت محظوظة .لكن
األثاث كان أكثر مًلءمة .حملت أحد الكراسي وضربته بقوة على األرض حتى تكسّر .أخذت بعضًا من هذا الخشب المحطم ووضعته في
الموقد و أشعلته .كانت النار ضعيفة و لكنها كانت كافية لتخفيف برودة الغرفة.
اتصلت بـ كوامي " :أنا في المقصورة "
قال " :جيد كنت أشعر بالقلق .ال تتركي المقصورة حتى تتوقف العاصفة".
"ال تخف .لكن ثمة مشكلة واحدة".
"ما هي؟"
"تركت سيارتي على الطريق".
ً
"حسنا ،سأرسل شاحنة متى أمكننا ذلك".
"كوامي؟"
"نعم؟"
"أرسل الشطائر أيضًا".
***
بدأت أصابع قدميها في استعادة بعض الشعور .وجدت بطانية في الخزانة لكن رائحة السجائر تفوح منها ،ولكنها لم تهتم .قامت بتدفئته
على الموقد ولفت نفسها به وأغمضت عينيها.
هزت الرياح المقصورة .وفجأة شعرت بثقل في عينيها .مال رأسها إلى الوراء ،وتًلشت أصوات النار ،وإحساسها بالعاصفة.
استيقظت عدة مرات ،ووضعت المزيد من الخشب في الموقد.
***
في اليوم التالي لمست يد كتفها" .مرحبًا كريستي .كيف حالك؟" ،لقد كان ذلك كوامي
كانت النيران قد خمدت ،لكن ما يزال الموقد يحمل بعضًا من الدفء .قالت" :أنا بخير".
"جيد .الطريق سالك .إذا كنت مستعدة يمكننا الخروج".
كان كوامي أفريق ًيا في منتصف العمر ،لكنه لم يكن بنفس طولها .أصبح شعره أبيضًا ،وتشير مًلمحه إلى أنه مر ب بعض األوقات
الصعبة .كانت عيناه الداكنتان تلمعان ،وكان يتحدث بلكنة بريطانية.
ش ّدت البطانية بإحكام أكثر حولها بينما دفعت قدميها في حذائها .قالت" :أنا جاهزة".
انتظرت كاسحة الجليد بالخارج ،و كانت الشمس مستترة ببعض السحب البيضاء .كان الجو ً
دافئا نسبيًا .
صعدت و جلست على مقعد المسافرين ،ونظرت للخلف إلى منارة الشرطة .قالت " :لوال الوامض ،لما وجدت المكان أب ًدا".
***
كانت كريستي قد وصلت إلى قمة كليمنجارو أربع مرات من قبل ،لكن مشهد األبراج األساسية وشريط األسًلك النانوية الممتد إلى ما ال
نهاية كان مبهجً ا كما كان دائمًا" .لم يغادر بعد؟" هي سألته.
"ال ،لقد كانوا في انتظارك".
توقفوا عند الباب األمامي للصالة ،وشكرته ربما للمرة الخامسة .ثم كان عليها أن تسرع عبر منطقة االستقبال و قد كان معها شخص
ليساعدها في حمل حقيبتها وحقيبة أوراقها .بعد لحظات ،قاموا بإخًلء سلم الدخول ،وأغلقت البوابات.
كان هناك ما يقرب من عشرة ركاب آخرين .كان نصفهم تقريبًا من السياح ،من بينهم طفًلن .نظروا إليها بفضول بينما قست أسًلك
الكربون النانوية وانطلق المصعد بعي ًدا عن كليمنجارو .وبعد دقائق شاهدت بحيرة فيكتوريا .صعدوا عبر الغيوم ،وظهر المحيط
األطلسي .وفي النهاية كانت تنظر إلى القارة بأكملها ،من رأس الرجاء الصالح إلى دلتا النيل.
***
بعد ساعتين ،على ارتفاع 9000كيلومتر ،حصلت على شطيرة وقهوة من قسم االستراحة ،واستقرت على أحد طاوالت القريبة من
إحدى النوافذ لًلستمتاع بالرحلة .كانت تتمنى أن تكون هناك سفن فضائية .كانت تحب أن تتاح لها فرصة السفر للفضاء والنظر إلى أحد
تلك األجسام عن قرب .كانت تعرف كيف ست بدو بالطبع ،كان لديها أقزام بنية افتراضية .كانت كرات بحجم المشتري ،بنية حمراء ،مع
غيوم مرقطة تطفو في الغًلف الجوي .كانت الغيوم عبارة عن هيدريد الحديد ،وبالطبع سيكون القزم متوهجً ا ،مثل الفحم الذي انتشل
مؤخرً ا من النار .لقد تخيلتها ،وبطريقة ما وجدت نفسها تفكر في أضواء شرطة كوامي ،محدق ًة في الليل العميق الرتفاع 6000متر ،
خًلل الساعات الخمس التالية ،بحثت بًل جدوى عن أنماط أخرى .كانت ال تزال منشغلة بتحليلها ،وتحاول جاهدة إبقاء إحساسها بالبهجة
تحت السيطرة ،حيث بدأ المصعد اقترابه من المحطة.
دوت سلسلة من الضربات عبر بدن المصعد أثناء رسو المصعد والتحمت غرف معادلة الضغط .ف تحت الفتحات وطفا الركاب عبر
األنبوب المتصل .سيتجه السائحون إلى الفندق .وسيذهب اآلخرون في اتجاهات مختلفة.
***
وقفت كريستي على المنصة أمام معلمها وزمًلئها ،وقد أجابت ببراعة على عشرة أسئلة حول تحليًلتها وقوائمها .وكان امتياز طرح
السؤال األخير يعود تقليديًا إلى طالب الدراسات العليا األكبر ،تيم .لقد رأته يكتب أثناء تحدثها ،ويخربش الخطوط ،ويرسم الوجوه ،ثم
يكتب مرة أخرى .عندما حانت اللحظة ،وقف ثم بدأ بسؤاله " :آسف كريستي ،ال أحد هنا يشك بأنك على حق .لكنني ما زلت ال أفهم
ذلك ، ".نظر إلى مًلحظاته ،ونظر إلى غريغ ،و تابع كًلمه " :دراستك عالية الدقة لألطياف و اال نزياحات الحمراء للجاذبية
gravitational redshiftsالخاصة بك تثبت بًل شك أن كتلة كل واحد من أجسامك هو ثماني أضعاف كتلة المشتري ،وأن ً
كًل
منها يدور حول شيء ما كل عام أو نحو ذلك" ،أخذ نفسا عميقا ثم تابع " ،تطابق مصدر األشعة السينية هي حجة مقنعة بأن هذه األشياء
عبارة عن ثقوب سوداء .لكن الثقوب السوداء ال يمكنها تركيز الديوتيريوم أو إخفاء الهيليوم .كانت الثقوب السوداء كلها ذات يوم من
النجوم المضيئة ج ًدا بحيث ال يمكن لها أن تتشكل في المقام األول مع قزم بني مصاحب .واألسوأ من ذلك كله ،أن الكايميرا الخاص بك
منخفض الكتلة ج ًدا بحيث ال يستطيع أن يشعل الديوتيريوم ،ومع ذلك فهو يشع مثل األقزام البنية الساخنة" .
كان اآلخرون حول الطاولة ينقلون نظرهم بقلق بينها و بين تيم ،تعالت بعض الهمسات .تابع تيم" :نظريًا ،ال يمكن أن توجد الكايميرا
خاصتك ،أليس كذلك؟ لكنهم موجودون .إذن ما الذي يحدث؟"
جلس تيم ،لكنه هب قائمًا مرةً أخرى ً
قائًل " :كريستي ،هل يجب أن يكون لديك فكرة عن كيفية شرح هذه األشياء؟"
نظرت إلى غريغ .كان يتأمل من النافذة هذا ال يوم الخريفي الجميل .ثم التقت عيناه بعيني كريستي ،وأومأ لها بأن افعليها.
تم قبول ورقتها باألمس من قبل . Natureإن ترك القطة خارج الحقيبة اآلن لن يعرض أي شيء للخطر .لقد أبقت الجميع ،باستثناء
غريغ ،في الظًلم حتى تيم.
قائلة " :نحن نصنف أي شيء له كتلة أقل من ثًلثة عشر مرة كتلة المشتري على أنه كوكب ،ألن هذه األجسام ال تولد ً بدأت كريستي
ً
ضغطا داخليًا كافيًا إلشعال الديوتيريوم ،ناهيك عن الهيدروجين .ومع ذلك ،فإننا نرى اآلن أجسامًا لها كتلة تقدر ب ثمانية أضعاف كتلة
المشتري تعرض وفرة سطحية يمكنها يأتي فقط من احتراق الديوتيريوم .هذا مستحيل مع واحد باأللف في المائة من الديوتيريوم .لكن
اشتعال الديوتيريوم يعمل بشكل جيد إذا ولدت هذه األجسام بثمانية أضعاف كتلة المشتري مع خمسين بالمائة من الهيدروجين وخمسين
بالمائة من الديوتيريوم ،و ت م إشعالها بطريقة ما " .ابتسمت لتيم ،الذي كان جالسًا ويبدو ضائ ًعا.
ً
خليطا يتكوّ ن نصفه من البنزين ونصفه اآلخر من وتابعت" :بالقياس ،فإن كمية ضئيلة من الهواء الممزوج بالبنزين يكون مستقرً ا ،لكن
ً
هائًل .نظرً ا ألن الطبيعة ال تستطيع صنع أو إشعال أجسام يتكون نصفها من الهواء يكون شديد االشتعال .شرارة واحدة ستطلق حريقًا
الديوتيريوم و النصف اآلخر من الهيدروجين ،خاصة بالقرب من النجوم الضخمة التي تنهار إلى ثقوب سوداء . " ...توقفت كريستي
ً
قليًل لتزيد تأثير كًلمها على مستمعيها ثم تابعت .." ،من الصعب أن نرى أن الكيميرا يمكن أن تكون أي شيء آخر غير أن تكون
صنعية".
منارة بين النجوم يمكنك صنعها إذا أصريت على فترة صًلحية لمائة مليون سنة .ال تستطيع الطبيعة صنع هذه األشياء .لكن شخصًا ما
يستطيع ذلك " .أخذت رشفة من الماء ثم تابعت " :الهيليوم مفهوم أيضًا ،إنه الرماد ،المنتج الثانوي النصهار الديوتيريوم -الهيدروجين
النقي ،الذي يصعد بواسطة الحمل الحراري من القلب .محتوى الهيليوم في الكا يميرا محدود بنسبة واحد بالمائة أو أقل ألن عمرهم جميعًا
أقل من مليون سنة .كل واحد من الكايميرا سيستمر في حرق نواة الديوتيريوم وسيضيئ بلمعانه الحالي لمائة مليون سنة أخرى ".
كان تيم سيقول ً
شيئا آخر ولكن غريغ قاطعه و قال " :كريستي ،اثنان من الكا يميرا غير مرتبطين بالثقوب السوداء .ماذا يمكنك أن
تخبرينا عنهما؟"
قالت" :أحدهم يتحرك بثًلثة بالمائة تقريبًا من سرعة الضوء عبر برج الثور .والثاني يدور حول القزم -جي في برج العقرب .إن كتلتها
وزنا ،و أقلها سطوعًا .ال أعرف ً
حقا على وجه اليقين ،لكني أتوقع أن أقل بقليل عن سبع أضعاف كتلة المشتري ،و أقل المجموعة كلها ً
الجسم األول ت ّم سحبه أو دفعه نحو ثقب أسود حديث الوالدة .ولن أتفاجأ إذا كان الثاني له مستقبل مشابه".
و دوت موجة من التصفيق.
***
كان لدى غريغ كلمة أخيرة " :رد فعلي األولي ،عندما استعرضت كريستي كل هذا أمامي للمرة األولى ،مشابهًا لرد فعل تيم اآلن .
ولكن هناك دليل آخر أقنعني .كريستي تفضلي؟"
كانت في أفضل حاالتها اليوم ،في لحظة سوف تتذكرها دائمًا .قالت" :تلسكوب طوله ثًلثين مترً ا في مدار أرضي متزامن ،هو أداة
رائعة .لكن الكا يميرا خافتة ولم أجد أي شيء سوى الديوتيريوم والهيدروجين والهيليوم في أي من أطيافها .عندما أدركت أنها يجب أن
ً
نسخا عن بعضها البعض ،أزلت إنزياح دوبلر لكل منها ثم أضفت ألفي طيف .وكانت النتيجة أكثر حساسية بنحو خمسين مرة تكون
للعناصر الضئيلة ".
ضغطت زر جهاز التحكم بالفيديو وظهر الطيف اإلجمالي متموجً ا وسلسًا ،بأربعة منحدرات ضيقة وحادة" .انظرو إلى خطوط
االمتصاص األربعة هذه؟ عنصر واحد فقط يصنع تلك الخطوط ،البلوتونيوم ،أقذر و أخطر مادة نعرفها .كل كايميرا مزروعة
بالبلوتونيوم 844-النقي ،والذي سيدوم طوال فترة حياة الكايميرا نفسها .إنها أقرب شيء ل جمجمة وعظمتين متقاطعتين يمكنني تخيلها.
سيداتي وسادتي ،الكايميرا هي منارات ،منارات سماوية .يتم تحذير المسافرين الذين يرتادون الفضاء ليبتعدوا عن المياه الضحلة ،بعي ًدا
عن 8000ثقب أسود منفرد في مجرة درب التبانة ،والتي بخًلف ذلك ال يمكن اكتشافها تقريبًا".