البطالة

You might also like

Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 8

‫بحث كامل حول البطالة‬

‫مقــــــــدمـــــة‬
‫البطالة مشكلة اقتصادية‪ ،‬كماـ هي مشكلة نفسية‪ ،‬واجتماعية‪،‬ـ وأمنية‪ ،‬وسياسية‪ .‬وجيل الشباب هو جيل العمل واالنتاج‪ ،‬ألنه جيل‬
‫القوة والطاقة والمهارة والخبرة‪ .‬و إن تعطيل تلك الطاقة الجسدية بسبب الفراغ‪ ،‬السيما بين الشباب‪ ،‬يؤدي الى أن ترتد عليه تلك‬
‫الطاقة لتهدمه نفسيا ً مسببة له مشاكل كثيرة‪ .‬وتتحول البطالة في كثير من بلدان العالم الى مشاكل أساسية معقّدة‪ ،‬ربما أطاحت‬
‫ببعض الحكومات‪ ،‬فحاالت التظاهر والعنف واالنتقام توجه ضد الحكام وأصحاب رؤوس المال فهم المسؤولون في نظر العاطلين‬
‫أن هناك عشرات الماليين من العاطلين عن العمل في كل أنحاء العالم من جيل الشباب‪،‬‬ ‫عن مشكلة البطالة‪ .‬وتؤكد االحصاءات ّ‬
‫وبالتالي يعانون من الفقر والحاجة والحرمان‪،‬ـ وتخلف أوضاعهم الصحية‪ ،‬و عجزهم عن تحمل مسؤولية اُسرهم‪ .‬كما تفيد نفس‬
‫أن للبطالة آثارها السيّئة على الصحة النفسية‪ ،‬كما لها آثارها على الصحة الجسدية‬ ‫‪.‬االحصاءات العلمية ّ‬
‫‪.‬المبحث األول ماهية البطالة‬
‫المطلب األول تعريف البطالة‬
‫ال شك أنه من المنطقي قبل التوصل إلعطاء تعريف شامل للبطالة البد أوال تحديد مفهوم من هو العاطل عن العمل‬
‫إن من أهم صفات العاطل أنه ال يعمل‪ .‬لكن هذا المفهوم يعتبر غير كاف حيث هناك أفراد ال يعملون ألنهم غير ‪Unemployed.‬‬
‫قادرين على العمل و بالتالي ال يمكن اعتبارهم عاطلينـ عن العمل مثل األطفال و المرضى والعجزة و كبار السن و اللذين أحيلوا‬
‫على التقاعد و هم اآلن يقبضون المعاشات‪.‬ـ كما أن هناك بعض األفراد القادرينـ على العمل و لكنهم ال يعملون فعال و مع ذلك ال‬
‫مثل الطلبة اللذين يدرسون في الثانويات و الجامعاتـ ‪ not seeking work،‬يجوزاعتبارهم عاطلين ألنهم ال يبحثون عن العمل‬
‫و المعاهد العليا ممن بلغوا سن العمل و لكنهم ال يبحثون عن عمل بل يفضلون تنمية قدراتهم و مهاراتهم بالدراسة‪ ،‬و لهذا ال‬
‫يصح ادراجهم ضمن العاطلين‪ .‬كذلك هناك بعض األفراد القادرين عن العمل لكن ال يبحثون عنه ألنهم أحبطوا تماما‬
‫ألن جهودهم في البحث عن العمل في الفترة الماضية لم تُجْ ِد‪ ،‬كما أن االحصاءات الرسمية ال تدرجهم ضمنـ ‪discouraged،‬‬
‫العاطلين‪ .‬و بالمقابلـ هناك أفراد آخرين قادرين على العمل و لكنهم ال يبحثون عن عملـ ألنهم في درجة من الثراء تجعلهم في‬
‫‪.‬غن ًى عن العمل‪ ،‬فهؤالء أيضا ال يعتبرون عاطلين‬
‫و من ناحية أخرى هناك بعض األفراد اللذين يعملون فعال ‪ ،‬غير أنهم مع ذلك يبحثون عن عمل أفضل و بالتالي ال يمكن ادراجهم‬
‫ضمن العاطلين‪ .‬و هكذا نستنتج أنه ليس كل من ال يعمل عاطال‪ ،‬و في الوقت نفسه ليس كل من يبحث عن عملـ يعد ضمن دائرة‬
‫العاطلين‪ .‬فحسب االحصاءات الرسمية فإن العاطل عن العمل يجب أن يكون عمرهـ يتراوح ما بين ‪ 15‬و ‪ 64‬عاما و أن يتوفر فيه‬
‫‪ :‬شرطان أساسيان‪ ،‬و هما‬
‫أن يكون قادرا على العمل •‬
‫أن يبحث عن فرصة للعمل •‬
‫كما يجمع االقتصاديون و الخبراء‪ ،‬وحسب توصيات منظمة العمل الدولية على تعريف العاطل بأنه " كل من هو قادر على‬
‫‪ .‬العمل‪ ،‬و راغب فيه‪ ،‬و يبحث عنه‪ ،‬و يقبله عند مستوى األجر السائد‪ ،‬و لكن دون جدوى"‪)1( .‬‬
‫المطلب الثاني انواع البطالة‬
‫‪ :‬هناك عدة أنواع للبطالة خاصة تلك التي عرفتها البلدان الرأسمالية و التي نذكر منها‬
‫البطالة الدورية •‬
‫البطالة االحتكاكيةـ •‬
‫البطالة الهيكلية •‬
‫البطالة الدورية‬
‫تنتاب النشاط االقتصادي بجميع متغيراتهـ في االقتصاديات الرأسمالية فترات صعود و هبوط و التي يتراوح مداها الزمني بين‬
‫و التي لها خاصية التكرار و الدورية‪ .‬و ‪ Business Cycle‬ثالث و عشر سنين و التي يطلق عليها مصطلح الدورة االقتصادية‬
‫و التي من مميزاتها األساسية ‪ Expansion ،‬تنقسم الدورة االقتصادية بصورة عامة على مرحلتين ‪ :‬مرحلة الرواج أو التوسع‬
‫أو قمة الرواج‪ ،‬و التي تعتبر نقطة تحول ثم يتجه بعد ذلك ‪ Peak‬اتجاه التوظف نحو التزايد‪ ،‬إلى أن تصل إلى نقطة الذروة‬
‫و تبعا لدورية النشاط ‪ Recession.‬النشاط االقتصادي نحو الهبوط بما في ذلك التوظف‪ ،‬وتسمى هذه المرحلة بمرحلة االنكماش‬
‫‪.‬االقتصادي‪ ،‬فإن البطالة المصاحبة لذلك تسمى بالبطالة الدورية‬
‫البطالة االحتكاكيةـ‬
‫على أنها تلك البطالة التي تحدث بسبب التنقالت المستمرةـ للعاملينـ ‪ Frictional Unemployment،‬تعرف البطالة االحتكاكية‬
‫بين المناطق و المهن المختلفة‪ ،‬و التي تنشأ بسبب نقص المعلومات لدى الباحثينـ عن العمل‪ ،‬و لدى أصحاب األعمال اللذين‬
‫تتوافر لديهم فرص العمل‪ .‬و بالتالي فإن إنشاء مركز للمعلومات الخاصة بفرص التوظف من شأنه أن يقلل من مدة البحث عن‬
‫‪.‬العمل‪ ،‬و يتيح لألفراد الباحثين عن العمل فرصة االختيار بين االمكانياتـ المتاحة بسرعة و كفاءةـ أكثر‬
‫البطالة الهيكلية‬
‫ذلك النوع من التعطل الذي يصيب جانبا من قوة العمل بسبب تغيرات ‪ Structural Unemployment،‬يقصد بالبطالة الهيكلية‬
‫هيكلية تحدث في االقتصاد الوطني‪ ،‬و التي تؤدي إلى إيجاد حالة من عدم التوافق بين فرص التوظف المتاحة و مؤهالت و‬
‫خبرات العمال المتعطلين الراغبين في العمل و الباحثين عنه‪ .‬فهذا النوع من البطالة يمكنـ أن يحدث نتيجة النخفاض الطلب عن‬
‫نوعيات معينة من العمالة‪ ،‬بسبب الكساد الذي لحق بالصناعات التي كانوا يعملون بها‪ ،‬وظهور طلب على نوعيات معينة من‬
‫المهارات التي تلزم النتاج سلع معينة لصناعات تزدهر‪ .‬فالبطالة التي تنجم في هذه الحالة تكون بسبب تغيرات هيكلية طرأت‬
‫‪.‬على الطلب‬
‫كما يمكن للتكنولوجيا أن تؤدي إلى بطالة هيكلية‪ .‬حيث من النتائجـ المباشرةـ للتطور التكنولوجي تسريح العمال و بأعداد كبيرةـ مما‬
‫يظطرهم للسفر إلى أماكن أخرى بعيدة بحثا عن العمل أو إعادة التدريب لكسب مهارات جديدة‪ .‬باالضافة لألسباب السابقة يمكن‬
‫أن تحدث بطالة بسبب تغير محسوس في قوة العمل و الناتج أساسا عن النمو الديمغرافي و ما ينجم عنه من دخول الشباب و‬
‫بأعداد كبيرة إلى سوق العمل و ما يترتب عنه من عدم توافق بين مؤهالتهم و خبراتهم من ناحية‪ ،‬و ما تتطلبه الوظائف المتاحة‬
‫‪.‬في السوق من ناحية أخرى‬
‫‪ :‬باالضافة إلى األنواع السالفة الذكر للبطالة‪ ،‬هناك تصنيفات أخرى للبطالة مثل‬
‫البطالة السافرة و البطالة المقنعة‬
‫يقصد بالبطالة السافرة‪ ،‬حالة التعطل الظاهر التي يعاني منها جزء من قوة العمل المتاحة و التي يمكن أن تكون احتكاكيةـ أو‬
‫هيكلية أو دورية‪ .‬و مدتها الزمنية قد تطول أو تقصر بحسب طبيعة نوع البطالة و ظروف االقتصاد الوطني‪ .‬و آثارها تكون أقل‬
‫حدة في الدول المتقدمة منها في الدول النامية‪ .‬حيث العاطل عن العمل في الدول المتقدمة يحصل على إعانة بطالة و إعانات‬
‫‪.‬حكومية أخرى ‪ ،‬في حين تنعدم كل هذه المساعدات بالنسبة للعاطل في الدول النامية‬
‫فهي تمثل تلك الحالة التي يتكدس فيها عدد كبير من العمالـ بشكل يفوق ‪ Disguised Unemployment،‬أما البطالة المقنعة‬
‫الحاجة الفعلية للعمل‪ ،‬أي وجود عمالة زائدة و التي ال يؤثر سحبها من دائرة االنتاج على حجم االنتاج‪ ،‬و بالتالي فهي عبارةـ عن‬
‫‪.‬عمالةـ غير منتجة‬
‫البطالة االختياريةـ و البطالة االجبارية‬
‫إلى الحالة التي يتعطل فيها العامل بمحض إرادته و ذلك عن طريق ‪ Voluntary Unemployment‬تشير البطالة االختيارية‬
‫تقديم استقالته عن العمل الذي كانـ يعمل به‪ .‬إما لعزوفه عن العمل أو ألنه يبحث عن عمل أفضل يوفر له أجرا أعلى و ظروف‬
‫‪.‬عمل أحسن‪ ،‬إلى غير ذلك من األسباب‪ .‬في كل هذه الحاالت قرار التعطل اختياري‬
‫أما في حالة إرغام العامل على التعطل رغم أنه راغب في العمل و قادر عليه و قابل لمستوى األجر السائد‪ ،‬فهذه الحالة نكون‬
‫أمام بطالة اجبارية و مثال على ذلك تسريح العمال كالطرد بشكل قسري‪ ...‬و هذا النوع من البطالة يسود بشكل واضح في‬
‫‪.‬مراحل الكساد‪ .‬كما أن البطالة االجبارية يمكن تأخذ شكل البطالة االحتكاكية أو الهيكلية‬
‫المبحث الثاني أثــــــار البطـــــــــالــــــــــ ـــة‬
‫تمثل البطالة أحد التحديات الكبرى التي تواجه البلدان العربية آلثارها االجتماعيةـ واالقتصادية الخطيرة‪ ،‬ومنذ سنوات‬
‫والتحذيرات تخرج من هنا وهناك‪ ،‬تدق ناقوس الخطر من العواقب السلبية لهذه المشكلة على األمن القومي العربي‪ ،‬ومع ذلك فإن‬
‫‪.‬معدالت البطالة تتزايد يو ًما بعد يوم‬
‫‪:‬و يمكن تلخيص هذه اآلثار في النقاط التالية‬
‫‪.‬المطلب االول اآلثار النفسية و االجتماعية‬
‫ال يوجد شيء أثقل على النفس من تجرع مرارة الحاجة والعوز المادي فهي تنال من كرامة اإلنسان ومن نظرته لنفسه وعلى‬
‫الخصوص عندما يكون الفرد مسئوال عن أسرة تعول عليه في تأمين احتياجاتهاـ المعيشية‪ ،‬فعندما تشخص إليك أبصار األطفال‬
‫في المطالبة بمستلزمات العيش وترى في نظراتهم البريئة استفسارات كثيرة يقف المرء عاجزا ال يدري كيف يرد عليها وبأي‬
‫منطق يقنعهم بقبول واقعهم المرير‪ ،‬كيف تشرح لهم أن رب األسرة عاطل ال عمل لديه وال يقدر على االستجابة لرغباتهمـ‬
‫والجوع كافر كما هو معروف؟‪ . . .‬في عالم األطفال هناك الصفاء والنقاء والعدالة واإلحسان وليس اإلجحاف وهضم الحقوق‪،‬‬
‫‪.‬وخصوصا عندماـ يتعلق ذلك بحق العيش الكريم واللقمة الشريفة دون مذلة مد اليد لآلخرين‬
‫أن هناك عشرات الماليين من العاطلين عن العمل في كل أنحاء العالم من جيل الشباب‪ ،‬وبالتالي يعانون من‬ ‫وتؤكد االحصاءات ّ‬
‫ُ‬
‫الفقر والحاجة والحرمان‪ ،‬وتخلف أوضاعهم الصحية‪ ،‬أو تأخرهم عن الزواج‪ ،‬وانشاء االسرة‪ ،‬أو عجزهم عن تحمل مسؤولية‬
‫إن نسبة‬‫أن للبطالة آثارها السيّئة على الصحة النفسية‪ ،‬كما لها آثارها على الصحة الجسدية‪ّ .‬‬ ‫اُسرهم‪ .‬كماـ تفيد االحصاءات العلمية ّ‬
‫كبيرة من العاطلينـ عن العمل يفتقدون تقدير الذات‪ ،‬ويشعرون بالفشل‪ ،‬وأنهم أقل من غيرهم‪ ،‬كما وجد أن نسبة منهم يسيطر‬
‫وأن البطالة تعيق عملية النمو النفسي بالنسبة للشباب الذين ما زالوا في‬ ‫وأن يقظتهم العقلية والجسمية منخفضة‪ّ ،‬‬ ‫عليهم الملل‪ّ ،‬‬
‫مرحلة النمو النفسي‪ .‬كما وجد أن القلق والكآبة وعدم االستقرار يزداد بين العاطلين‪ ،‬بل ويمتد هذا التأثير النفسي على حالة‬
‫وأن هذه الحاالت النفسية تنعكسـ سلبيا ً على العالقة بالزوجة واألبناء‪ ،‬وتزايد المشاكل العائلية‪ .‬وعند األشخاص الذين‬ ‫الزوجات‪ّ ،‬‬
‫يفتقدون الوازع الديني‪ ،‬يقدم البعض منهم على شرب الخمور و تعاطي المخدرات‪ ،‬بل ووجد أن ‪ %69‬ممنـ يقدمون على‬
‫االنتحار‪ ،‬هم من العاطلينـ عن العمل‪ .‬و نتيجة للتوتر النفسي‪ ،‬تزداد نسبة الجريمة‪ ،‬كالقتل واالعتداء‪ ،‬بين هؤالء العاطلين‪.‬‬
‫باالضافة إلى ضعف االنتماءـ للوطن‪ ،‬وكراهية المجتمع‪ ،‬وصوال إلى ممارسةـ العنف واإلرهاب ضده‪ ،‬فضال عما تمثله البطالة‬
‫‪.‬من إهدار للموارد الكبيرة التي استثمرها المجتمع في تعليم هؤالء الشباب ورعايتهم صحيا ً واجتماعيا ً‬
‫المطلب الثاني اآلثار األمنية و السياسية‬
‫نالحظ أحيانا بعض الفئات العاطلة و التي يكون قد نفذ صبرها ولم تعد تؤمن بالوعود واآلمال المعطاة لها و هي ترفع شعار‬
‫التململ والتمرد‪ ،‬و مع ذلك ال يمكن لومها ولكن ال يعني ذلك تشجيعها على المس بممتلكات الوطن وأمنه‪ ،‬ولكن البد أن نلتمس‬
‫لهم العذر‪ ،‬فمقابل مرارة ظروفهم هناك شواهد لفئات منغمسة في ترف المادة‪ ،‬ومن الطبيعي أن ينطق لسان حالهم متسائال أين‬
‫العدالة االجتماعيةـ واإلنصاف؟ كما أن سياسة العنف المفرط في مقابل حركة العاطلين ال تخلق إال المزيد من العنف واالضطراب‬
‫وتفاقم األزمة ‪ .‬فهناك حاجة إلى التعقل وضبط الموقف والنظر إلى القضاياـ من منظور واسع وبعين تقصي األسباب في محاولة‬
‫لتفهم موقف اآلخرين ‪ ،‬حيث أن مبدأ إرساء أركانـ الحكم الصالحـ والعدالة االجتماعية تملي على الجميع تكريس حق إبداء الرأي‬
‫ورفع راية المطالبات بالوسائل السلمية المشروعة‪ ،‬كما أنها تلزم األطراف المعنية متمثلة بالحكومة باحترام هذه الحقوق واتساع‬
‫الصدر لآلراء المختلفة‪ ،‬ألن المواطن في نهاية المطاف ال يطالب إال بحق العيش الكريم والحفاظ على كرامته وإنسانيته في‬
‫وطنه‪ ،‬وهي من جوهر حقوق المواطن والتي يجب على الحكومة أن تكفلها وتحرص عليها‪ ،‬ال أن تتكالب عليها فتكون هي‬
‫‪.‬والقدر مجتمعانـ على المواطن المستضعف‬
‫المطلب الثالث اآلثـار االقتصـاديـة‬
‫ضا ـ من العوامل المشجعة على الهجرة‪ .‬ويقول الخبراء بأن مشكلة‬ ‫إحدى نتائج ظاهرة البطالة زيادة حجم الفقر‪ ،‬الذي يعتبر ـ أي ً‬
‫الهجرة إلى أوروبا تكاد تكون مشكلة اقتصادية باألساس‪ ،‬فبالرغم من تعدد األسباب المؤدية إلى هذه الظاهرة‪ ،‬إال أن االدوافع‬
‫االقتصادية تأتي في مقدمة هذه األسباب‪ .‬ويتضح ذلك من التباين الكبير في المستوى االقتصادي بين البلدان المصدرة للمهاجرين‪،‬‬
‫والتى تشهد ـ غالبًا ـ افتقا ًر ا إلى عمليات التنمية‪ ،‬وقلة فرص العمل‪ ،‬وانخفاض األجور ومستويات المعيشة‪ ،‬وما يقابله من ارتفاع‬
‫مستوى المعيشة‪ ،‬والحاجة إلى األيدي العاملة في الدول المستقبلة للمهاجرين‪ ،‬حيث تقدر منظمة العمل الدولية حجم الهجرة‬
‫السرية بما بين ‪ %15 - 10‬من عدد المهاجرينـ في العالم‪ ..‬البالغ عددهم ـ حسب التقديرات األخيرة لألمم المتحدة ـ حوالي ‪180‬‬
‫‪.‬مليون شخص‬
‫أما فيما يتعلق باآلثار االقتصادية للبطالة على المستوى الكلي فالكل يعرف أن أهم مؤشر في اتجاهات الطلب على العمل هو نم ّو‬
‫االنتاج‪ ،‬و بالتالي فإن تباطؤ النم ّو االقتصادي يعني ارتفاعا في مع ّد الت البطالة‪ .‬و هكذا فإن الوضع في المنطقة العربية بصورة‬
‫عامةـ و منذ التسعينات تلخص في ضعف أداء االنتاج مقارنة بنمو سريع في القوة العاملة‪ .‬كما تبين االحصائياتـ أن النمو في القوة‬
‫‪.‬العاملة قد فاق الزيادة التي طرأت على فرص التوظيف في المنطقة العربية‬
‫المبحث الثالث البطالة في الفكر اإلقتصادي وسبل عالجها‬
‫المطلب االول النظرية االقتصادية و مفهوم البطالة‬
‫تعتبرالبطالة من أهم التحديات التي واجهت و تواجه اقتصاديات العالم لكونها مشكلة ذات أبعاد تاريخيـة وجغرافية‬
‫بمقدارارتباطها بمراحل التطوراالقتصادي‪ .‬وقد حظي هذا الموضوع باهتمام المفكرين االقتصادييـن على اختالف مذاهبهم و‬
‫أفكارهم من فترة زمنية إلى أخرى‪ .‬ولعّل تنوع أشكال البطالة هو أحـد العناصـر المفسرة لتعدد التحاليل حول فهمها‬
‫‪ :‬وتفسيرها‪،‬وسوف يتم عرض أهم هذه األفكار بشيء من اإليجاز فيما يلي‬
‫أ‪ -‬البطالة عند الكالسيك ‪ :‬يركز الكالسيك في تحليلهم على المدى الطويل ‪،‬حيث يربطون البطالة بالمشكلة السكانية وبتراكم رأس‬
‫المال والنمواالقتصادي والطاقات اإلنتاجية لالقتصاد‪ .‬كماـ يرتكزاهتمامهم بالبعد االجتماعي والسياسي للظاهرة االقتصادية‪ ،‬إذ‬
‫يؤمن الكالسيك بمبدأ التوازن العام‪ ،‬الذي يعنى أن "كل عرض سلعي يخلق الطلب المساوي له " ‪ ،‬أوما يسمى بقانون المنافذ عند‬
‫‪"".‬ساي‬
‫فالتبادل في التحليل الكالسيكي يكون على أساس المقايضة وال مكان للنقود فيه‪ ،‬بمعنى آخـر‪ :‬تسـاوي االدخار واالستثمارـ‬
‫‪.‬واستحالة حدوث البطالة على نطاق واسع ‪ ،‬ذلك أن التوازن االقتصادي هو توازن التوظيـف الكامل‬
‫في حين أن البطالة التقليدية تنشأ عن عدم كفايةـ عرض السلع لكون إنتاج المؤسسات اقـل مـن الطلـب نتيجـة النخفاض معدالت‬
‫األرباح بسبب إرتفاع األجور‪ ،‬وهو ما يعني أن القائمين على خطط االستثمارسوف لن يرفعون من مستوى استثماراتهم القادرة‬
‫على زيادة التشغيل تجنبا لتضخيم التكاليف ‪،‬و تعزى البطالة أيضا في نظر الكالسيك إلى العمل الخاطئ لسوق العمل ‪ ،‬وفي حالة‬
‫وجودهـا فـان آليـة األجور كفيلة باستيعابـ اليد العاملةـ العاطلة‪ ،‬ذلك أن تخفيض هذه األخيرة سيرفع مستوى األرباح‪ ،‬وهوما‬
‫يشكل حافزا لزيادة االستثمار وبالتالي رفع مستوى التشغيل‪ ،‬خصوصا في ظل التنافس على منصب العمل والقبـول بمستوى‬
‫األجور السائدة‪ .‬نستنتج من ذلك أن األجورهي عاملـ أساسي في آليات سوق العمل‪ ،‬إذ أنها تؤثرعلى عرض وطلب العمل في آن‬
‫‪ .‬واحد‬
‫ب*‪ -‬البطالة عند النيوكالسيك ‪ :‬لقد اعتمد تحليل النيوكالسيك على نظرية "التوازن العام" الذي يتحقق في سوق السلع والخدمات‬
‫وسوق العمل نتيجة إلرتباط حجم العمالة بالعرض والطلب على العمل‪ .‬ويرتكزهذا التحليل على بعض الفرضيات المستمدة من‬
‫شروط المنافسة التامة (السوق الحرة) ومن أهمها‪ :‬تجانس وحدات العمل‪ ،‬حرية تنقل اليد العاملة ودورالمنافسة في شراء وبيع‬
‫‪.‬قوة العمل مثل‪ :‬بيع وشراء السلع وأن حجم اليد العاملة مرتبط بعرض وطلب العمل في السوق‬
‫ومهما يكن من أمر فإن النظرية النيوكالسيكية افترضت حالة التوظيف التام‪ ،‬ولم تولي للبطالة اهتمامـا كبيرا بسبب تبنيهاـ لقانون‬
‫"ساي" لألسواق‪ ،‬كماـ أن فرضية وجود المنافسة التامة ال تتحقق في الواقع‪ ،‬إضافـة إلى أنها اعتبرت أن التغير التكنولوجي هو‬
‫متغير خارجي يتطوربشكل منعزلـ عن مستوى التطور االقتصادي‪ ،‬لكن الواقع يثبت عكسـ ذلك إذ أن استخدام التكنولوجيا هو‬
‫أحد العوامل األساسية لإلنتاج ألنه يرفع من حجمـه بأقل التكاليف ‪ ،‬و بالتالي فإن تشغيل اآلالت قد يؤثر على حجم العمالة إذ تحل‬
‫‪.‬اآللـة محل العاملـ في أحيان كثيرة‬
‫ج*‪ -‬البطالة في الفكر الماركسي‪ :‬ينتقد الفكر الماركسي النظام الرأسمالي الذي يجزم بأن البطالة هي حالة عرضية‪ ،‬و نادرة‬
‫الوقوع بسبب وجود آلية السوق التي تعيد التوازن بشكل تلقائي عن طريق تفاعل قوى العرض والطلب‪ ،‬وكل بطالـة هـي ناتجة‬
‫‪ progrès techniques) (les.‬عن‪ :‬الزيادة الهامة في حجم السكان كنتيجة حتمية للتطورات التقنية‬
‫أما بالنسبة للماركسيينـ فإن األزمات ماهي إال مظهر من مظاهر نقص االستهالك لدى الطبقة العاملة‪ ،‬ألن قيمة األجور ال‬
‫تتساوى وقيمة اإلنتاج‪ .‬أي أن الرأسمالية تنتج أكثر مما تدفع من أجور ومما يزيـد األزمـة تفاقما هو" أن تعمد الرأسمالية بفضل‬
‫إلى إحالل اآلالت محل اليد العاملة‪ ،‬فتلقي بالعمالـ إلى )‪ (C/V‬قانون االرتفاع المستمر في التركيب العضوي لرأس المـال‬
‫البطالة‪ ،‬مما يعني فقدان العامل لقوة شرائه " ‪ .‬وعليه فإن "البطالة هي نتيجة لزيادة إنتاجية العمل في األنظمة الرأسمالية للتراكم"‬
‫‪ .‬أما بالنسبة لحجـم التشغيـل فإنه يرتبط أساسا بمعدل الربح الذي يحققه أرباب العمل‪ ،‬إذ أنهم يحولون دون إنخفاضه من خالل‬
‫زيادة إنتاجهم الشيئ الذي يؤدي إلى فائض في اإلنتاج ‪ ،‬خاصة أن التقدم التقني يتطلب رأسمال أكثر يأكل الجزء المخصـص‬
‫لألجور‪ .‬وبالتالي فإن العمالـ سوف يستمرون في إنتاج رأس المال وتحقيق تراكمه‪ ،‬بمعنى أنهم ينتجون بأنفسهم أداة إحالتهم‬
‫‪.‬للبطالة‬
‫د‪-‬تفسير البطالة عند المدرسة الكينزية‪ :‬يتحقق التوازن عند الكينزيين نتيجة للتوازن في سوق السلع والخدمات‪ ،‬وسوق النقد في‬
‫آن واحد اذ أن الطلب على العمل دالة متناقصة بداللة الدخل‪ ،‬وأن تعظيم األرباح يتطلب تساوي اإلنتاجية الحديـة للعمـل مع معدل‬
‫األجر الحقيقي‪ .‬أي أن انخفاض معدل األجورالحقيقية يمكنـ أن يتيح ارتفاعاـ في الطلـب علـى العمـل وبالتالي حجم العمالة‪،‬‬
‫ألن العمال يقعون في فخ الوهم النقدي‪ ،‬حيث يعتبرون أن كل زيادة في ‪ (W)،‬أماعرضـ العمل فإنه مرتبط بمعدل األجر االسمي‬
‫األجر االسمي هي زيادة فعلية في مداخيلهم بسبب جهلهـم لمستـوى األسعار‪ .‬وقد وجد كينز أن تطور الرأسمالية يصطدم‬
‫بتناقضات حادة ال يمكن أن تزول عفويا مثل البطالة الجماهيريةـ المتزايدة‪ ،‬وعدم كفاية الطلب على البضائع ‪،‬مما يؤدي إلى عدم‬
‫‪.‬تطابقه مع العرض آليا‬
‫من ناحية أخرى‪ ،‬يرفض كينز آلية األجور كسبب للبطالة‪ ،‬ألن انخفاضها سيؤدي إلى انخفـاض دخل العمال‪ .‬وبالتالي انخفاض‬
‫الطلب على السلع مما يعقد مشكلة تصريف السلع باألسواق‪ .‬وعليه فإن سر وجـود البطالة يكمن فيما يلي‪ :‬لقد الحظ كينز أن حالة‬
‫التوظيف الكامل ما هي إال حالة خاصة جدا‪ ،‬وأن الطلب الكلي الفعال هوالمحدد للعرض الكلي‪ ،‬ومن أجل زيادة تشغيل العمال‬
‫‪ .‬يجب رفع حجم هذا الطلب‪ ،‬والذي بدوره ينقسم إلى طلب على السلع االستهالكية وطلب على السلع االستثماريةـ‬
‫فالكالسيك و النيوكالسيك ينظران إلى االدخار واالستثمار أنهما وجهانـ لعملة واحدة والتعادل بينهمـا أمـر بديهي‪ .‬أما كينز فقد‬
‫أدخل العوامل المؤثرة عليهما‪ ،‬وبالتالي فإن كل اختـالل بينهمـا يـؤدي إلـى حـدوث االضطرابات في دورة الدخل القومي مع‬
‫احتمال وقوع الكساد‪ ،‬وفي حالة افتراض أن حجم االدخار أكبـر من حجم االستثمار‪ ،‬فإن الطلب الكلي الفعالـ سيقل عن العرض‬
‫الكلي و بالتالي يتزايد مخزون السلع و يتراكم‪ ،‬مما يؤدي إلى انخفاض األسعار الذي ينتج عنه انخفاض في األرباح وفي الناتج‪،‬‬
‫‪ .‬وبالتالي تتزايد الطاقة العاطلة وتحـدث بطالة‪ ،‬الشيء الذي يؤدي إلى انخفاض الدخل الوطني‬
‫أما في حالة ما إذا كان حجم االستثمارـ أكبر من حجم االدخار فإن الطلب الكلي الفعال سيكون أكبر من العرض الكلي‪ ،‬وعليه‬
‫سوف ينخفض مستوى مخزون السلع ‪ ،‬و تتزايد المبيعات ‪ ،‬وترتفع األسعار واألرباح‪،‬وإذا كانت هناك طاقات إنتاجية عاطلة‬
‫سوف يلجأ المنتجون لتشغيلها وهذا االنتعاشـ في االستثمار يؤدي إلى زيادة في تشغيل عدد العمال وبالتالي تقل البطالة ولرفع‬
‫مستوى االستثمارات يرى كينز ضرورة تدخل الدولة من خالل سياسة استثمارية عامةـ لتعويض نقص االستثمارات في القطاع‬
‫الخاص‪ ،‬ويرى أيضا أن نقص االستخدام ليس عارضا‪ ،‬بل ممكناـ وغالب الوقوع‪ ،‬وبالتالي يجب استبدال آلية الدخل باألسعار ألن‬
‫المستثمرينـ هم الذين يتوقعون الطلب الحقيقي‪ ،‬و يقررون بناء توقعاتهم فيما يخص حجم اإلنتاج واليد العاملة الضروريـة‬
‫‪ :‬للوصول إلى مستوى التوظيف الكاملـ كما يجب‪ ،‬من خالل النقاط الثالثة التالية‬
‫‪،‬توظيف كل المدخرات في شكل مشاريع تتيح فرص عملـ جديدة ‪-‬‬
‫‪،‬إتاحة الفرصة للمدخرين الستثمار أموالهم في المشاريع ‪-‬‬
‫التضحية باالستقرار النقدي وموازنة الدولة في بادئ األمر‪ ،‬العطاء عمل للعاطلين دون التمييز بيـن طبيعة العمل إذا كان منتجا ‪-‬‬
‫‪ .‬أم ال‬
‫وفي هذا الصدد يقترح كينز أن يشغل العمال أوقاتهم في أعمالـ بغض النظر عن مردوديتها إذ أن المهـم حسب رأيه هو أن يتلقوا‬
‫مدا خيل مقابل ذلك‪ ،‬لتمكينهم من االستهـالك الـذي يضمـن تصريـف ما تنتجـه المؤسسات‪ ،‬إذ يقول كينز‪ " :‬إن من األفضل أن‬
‫يدفع للعمال لقاء حفرهم خنادق في األرض‪ ،‬وردمهـا من أن يبقوا بدون عمل" ‪ .‬ألن الدخل الذي سوف يتم توزيعه علىالعاطلينـ‬
‫يرفع من مستـوى استهالكهـم‪ ،‬ويحفـز المستثمرينـ على توسيع مشاريعهم وطلب يد عاملة إضافية الن الدخل كفيل بتعويض‬
‫الخلل الواقع في البداية أي التضخم حسب كينز‪ .‬وعليه فان البطالة الكينزية هي نتيجة لعدم كفاية الطلب الكلي‪ ،‬وبالتالي فإن‬
‫‪ (Contrainte de débouche ).‬أرباب العمل في مواجهة مع قيد التوظيف‬
‫وإذا كان كينز قد أوضح أثر نمو االستثمارعلى الدخل‪ ،‬فإن الكينزيينـ الجدد حاولوا تجديد معدل النمو الضروري الذي يجب أن‬
‫يتحقق حتى يمكن تجنب البطالة والوصول إلى مستوى التوظيف الكاملـ للطاقـات اإلنتاجية والموارد البشرية‪ ،‬انطالقا من نماذج‬
‫النموالكينزية مثل‪ :‬نموذج هارود‪ ،‬كالدور‪ ،‬جـون روبنسون‪ ،‬وغيرهم‪ ،‬والتي استخدمت أدوات التحليل الرياضي في بناء و تحليل‬
‫هذه النماذج‪ ،‬مع إعطائهم البعـد الزمني أهمية خاصة في تحليل الظواهر االقتصادية‪ .‬وبالتالي فاإلشكالية المطروحة هي‪" :‬‬
‫‪".‬البحث عن المعدل الذي يتعين أن ينمو به الدخل على المدى الطويل للمحافظة على التوظيف الكاملـ وتجنبالبطالة والكساد‬
‫هـ ‪ -‬تفسير البطالة وفقا لمنحنى فيلبس ‪ :‬يرتكز اهتمام فيلبس على دراسة وتحليل سوق العمل في االقتصاد اإلنجليزي من خـالل‬
‫دراسـته اإلحصائية للمجتمع البريطاني من ‪ 1861‬حتى ‪ ،1957‬حيث كشف وجود عالقة إحصائية قويـة بيـن نسبـة العاطلينـ إلى‬
‫إجمالي السكان‪ ،‬ومعدل التغييرفي أجرالساعة للعاملـ خالل مدة زمنية معينة‪ ،‬بمعنـى أن الفتـرة التي تقل فيها معدالت البطالة‬
‫ترتفع عندها األجور النقدية و العكس صحيح‪ ،‬أو بمعنى آخـر وجـود معـدل ضعيف من البطالة يتناسب مع ارتفاع سريع في‬
‫‪.‬األجور االسمية و العكس بالعكس‬
‫وعلى هذا األساس تم التوصل إلى وجود دالة متناقصة بين المؤشرين وهو ما يعني " وجـود عالقة تجريبية عكسيةـ بين معدل‬
‫‪".‬ارتفاع األجر االسمي ومعدل البطالة‬
‫‪ R.M-Solow‬وسولو ‪ P. Samuelson.‬وبـول سامويلسـون ‪- -R.Lipsey 1960‬وقد ساهمت أبحاث كل من ر‪.‬ليبسي‬
‫بتطويرهذه الفكرة‪ ،‬إذ أمكن التوصل إلى وجود عالقة عكسية بين معدل التضخم ومعدل البطالة‪ ،‬وهوما يفسره منحنى فيليبس‪.‬‬
‫‪:‬الذي يمكن من خالله استخالص مايلي‬
‫‪.‬أن ثمن خفض معدل البطالة هو ثمـن ذلك قبول معدل أعلى للتضخم ‪-‬‬
‫وعلى هذا األساس أصبحت معظم البرامج االقتصادية للدول الصناعيةـ تختـار النقطة التي تفضلها على منحنى فيلبس وما تشير‬
‫إليه من معدل معين للبطالة ومعدل معين للتضخم‪ ،‬وتقوم بعد ذلك باختيار السياسة النقدية والمالية التي تحدد الطلب الذي يضمنـ‬
‫‪.‬تحقيق هذين المعدلين المرغوب فيهما‬
‫لكن ومع بداية السبعينيات لوحظ أن المستوى العام لألسعار ظل يتجه نحو االرتفاع المستمر‪ ،‬في الوقت الذي تتزايد فيه معدالت‬
‫البطالة‪ .‬الشيء الذي شكل انتقادات الذعة لهذا المنحنى وقصوره على تفسير تزامـن البطالة والتضخم معا أوما يسمى بالركود‬
‫‪ (Stagflation) .‬التضخمي‬
‫و*‪ -‬تفسير البطالة في النظريات النقدية‪ :‬يفسر هذا التيار البطالة الدورية من خالل العوامل النقدية البحتة‪ ،‬وأن عالجها يكمن في‬
‫من )‪ (Wiskell‬فيكسل ‪ (Howtrey)،‬استخـدام أدوات السياسة النقدية‪ ،‬ويضم هذا التيار مجموعة من المفكرين أمثال‪ :‬هوتري‬
‫مدرسة شيكاغو‪ .‬بإعطائهمـ للنقود أهمية بالغة في النشاط االقتصادي‪ ،‬وأن كل التقلبات التي يعرفهـا االقتصـاد ناتجة عن تغير‬
‫عرض النقود‪ .‬كما أن زيادة تدخل الدولة في الحياة االقتصادية على النحو الذي شل من كفاءةـ آلية األسعارفي سوق العمل‪ ،‬يعتبر‬
‫‪.‬من بين العوامل المفسرة للبطالة في نظرهم‬
‫ويؤكدون على أن تعطيل زيادة إعانات البطالة تعطل من فاعلية سوق العمل‪ ،‬ألن العمال المستفيدين منها ال يبحثون عن العمل‬
‫‪.‬بجديـة‬
‫و بالتالي فالبطالة في نظرهم اختياريةـ وال مكانةـ للبطالة اإلجبارية في تحاليلهم ويرون أن مواجهة البطالة يكمـن في‪" :‬عدم تدخل‬
‫الحكومات لحل هذه المشكلة وتركها لكي تحل نفسها بنفسها عبر آليات السوق" يرى فريدمان أنه ال يوجد منحنى فيلبس في شكله‬
‫التقليدي إال في األجل القصير‪ ،‬أما في األجل الطويل فإن هذا المنحنى يأخذ شكال مستقيماـ عموديا يحدد معدل بطالة طبيعية‪،‬‬
‫‪.‬ويميز عدم كفايةـ السياسة االقتصاديـة لمحاربة البطالة إال في األجل القصير‬
‫خالل الستينيات وبالتحديد في ‪ .1964‬اذ يفسر‪ Beher,Shult‬ح‪ -‬تفسير البطالةوفقا لظرية رأس المال البشري‪ :‬من مؤسسيها‬
‫اختيار الوظيفة على أساس الفوائد التي يجنيها العامل من وراءها قصد تحسين إنتاجيته واالستفادة من أكبر دخل ممكن‪،‬ـ وبالتالي‬
‫سيضحي األفراد بالوقت الضروري للتكوين من أجل رفع قدراتهم و مؤهالتهم‪ ،‬باعتبار أن سوق العمل يبحث عن اليد العاملة‬
‫‪.‬المؤهلة‪ .‬وعليه فإن االهتمام يرتكز على الوظيفة وليس بمن يشرفون عليها‬
‫‪ D.B Doernberg , M.Piore ،‬ط‪-‬تفسير البطالة وفقا لنظرية تجزئة سوق العمل ‪ :‬ترتكز هذه النظرية التي ظهرت على يد‬
‫في دراسة ميدانية لسوق العمل األمريكيةـ خالل الستينيات‪ ،‬التي تفسر أن قوة العمل األمريكية تتعرض لنوع من التجزئة علـى‬
‫أسـاس العرق والنوع والسن والمستوى التعليمي‪ .‬وتهدف النظرية الى تفسير ارتفاع البطالة‪ ،‬والكشـف عن أسبـاب ارتفاعهاـ في‬
‫قطاعات معينة ووجود ندرة في عنصر العمل في قطاعات أخرى‪ .‬وعلى هذا األساس تميز النظرية بين خمسة أنواع من أسواق‬
‫‪.‬العمل وهي‪ :‬السوق الداخلية‪ ،‬السوق الخارجية ‪ ،‬السوق األولية‪ ،‬السوق الثانوية‪ ،‬و السوق الرئيسية‬
‫ي‪ -‬نظرية البطالة الهيكلية ‪ :‬ظهرت هذه النظرية لتفسير معدالت البطالة المرتفعةـ في السبعينيات وزيادة التطورالتقني الـذي‬
‫طـرأ على الصناعة‪ ،‬فقد تعرضت بعض الفئات من العمالـ لظاهرة التعطل بسبب عدم قدرتها على التوافـق مـع األساليب ‪،‬‬
‫الحديثة في الفنون اإلنتاجية‪ .‬في حين ظهر فائض في فرص العمـل في أعمـال و مهـن أخـرى‪ .‬وقد فسرت النظرية عدم التوافق‬
‫بين فرص العمل المتاحة والمتعطلين بمجموعة من األسباب أهمها‪ :‬عدم القدرة على االنتقال بمرونة من مكان آلخر‪ ،‬االعتبارات‬
‫‪.‬الشخصية في تفضيل العمال ‪ ،‬و عدم توفير فرص تدريب مناسبة للعمال حتى يتمكنوا من القيام بأعمالـ جديدة‬
‫كمحاولة لتفسير معدالت البطالة المرتفعةـ في ‪ E.Malinvand،‬ز‪-‬نظرية اختالل التوازن ‪ :‬ظهرت على يد االقتصادي الفرنسي‬
‫الدول الصناعيةـ خالل فترة السبعينيات‪ .‬ويرتكز تحليله للبطالة على سوقين اثنين هما‪ :‬سوق السلع و سوق العمل‪ .‬وتبني هذه‬
‫النظرية فرض جمود األسعار واألجورفي األجل القصير‪ ،‬ويرجع ذلك الى عجزهما عن التغير بالسرعة الكافية لتحقيق التوازن‬
‫المنشود‪ .‬ونتيجة لذلك يتعرض سوق العمل لحالة االختالل متمثلة في وجود فائض في عرض العمل عن الطلب‪ ،‬مما يقود إلى‬
‫‪.‬البطالة االجبارية‬
‫و ال تقتصر النظرية على البحث عن أسباب البطالة في اطار دراسة سوق العمل‪ ،‬وانما تسعى أيضا لتحليلها من خالل دراسة‬
‫‪:‬العالقة بين سوق العمل وسوق السلع‪.‬اذ يمكن أن ينتج عنه نوعين من البطالة هما‬
‫النوع األول و يتميز بوجود فائض في عرض العمل عن الطلب عليه‪ ،‬ويترتب على ذلك عدم قيام أصحاب العمل أو رجال‬
‫‪.‬األعمال بتشغيل عمالة اضافية لوجود فائض في االنتاج ال يمكنه وهو ما يتطابق مع التحلـيل الكينزي‬
‫و النوع الثاني في هذه الحالة تقترن البطالة في سوق العمل بوجود نقص في العرض من السلـع عن الطلب عليها‪ ،‬وتكون أسباب‬
‫البطالة في ارتفاع معدل األجور الحقيقية للعمال‪ ،‬مما يدفع المستخدمبن الى عـدم زيادة كل من عرض السلع ومستوى التشغيل‬
‫‪.‬بسبب انخفاض ربحية االستثمارات‪ ،‬وهو ما يتطابـق مع التحليـل الكالسيكي‬
‫‪:‬المطلب الثاني عالج البطالة في الفكر االقتصادي‬
‫أ‪ .‬المدرسة التقليديةترى أن الدورة االقتصادية ال تعدو إال أن تكون مجرد ظاهرة نقديـة بحتـة‪ .‬اذ تعـود التقلبات في مستوى*‬
‫النشاط االقتصادي الى درجات التوسع واالنكماشـ في المعروض من النقود ووسائل الدفع عموما( التسهيالت االئتمانية)‪.‬ـ وعلى‬
‫اعتبار أن البطالةالسائدة تكون اختيارية أو احتكاكية‪،‬ـ فان األجور كفيلـة برفع الكمية المعروضة من العمل مقارنةـ بتلك المطلوبة‬
‫‪.‬للوصول الى مستوى التشغيل الكامل‬
‫ب‪ .‬المدرسة السيكولوجية إن حدوث التقلبات الدورية في مستوى النشاط االقتصادي سببهـا التقلبـات التي تطرأ على سيكولوجية*‬
‫فئة المنظمين والمستثمرين‪ ،‬من خالل التوقعات حـول آفـاق الربحيـة لفـرص االستثمار المربحة والمتاحة‪ ،‬ذات األثر االيجابي‬
‫‪.‬على احداث مناصب الشغل‬
‫ج‪ .‬مدرسة قصور االستهالك‪ :‬ترجع هذه المدرسة حالة االنكماشـ والركود االقتصادي إلى انكماش حجم الطلب الكلي الفعال في*‬
‫المجتمع‪ ،‬ويرجعون ذلك لضعف القدرة الشرائية لدى الفئات األجرية ومحدودىالدخل‪ ،‬نتيجة لسوء توزيع المداخيل بين الفئات‬
‫‪ .‬المختلفة‪ ،‬وهو ما يؤدي الى انكماشـ في حجم الطلب الكلي الفعال في المجتمع لما لذلك من أثر على حالة االنكماشـ والركود‬
‫د‪ .‬مدرسة المغاالة في االستثمار ‪ :‬ترى أن التوسع المفرط في االستثمار لبعض األنشطة والصناعة بدرجة أكثر تبرره*‬
‫االحتياجات واعتبارات التناسق بين األنشطة المختلفة لالقتصاد‪ ،‬سوف تدفع به ان آجال أو عاجال نحو الركود االقتصادي‪ ،‬كما‬
‫‪ .‬يمكنـ أن تحدث التقلبات االقتصادية للعملية االنتاجية بسبب االختراعات واالكتشافات الجديدة أوفتح أو فقدان أسواق جديدة‬
‫هـ‪ -‬مدرسة شيكاغو ‪ :‬ركزت على ضرورة الوصول إلى االستقرار النقدي الذي يتحقق بوجود تـوازن بين نسبة التغير في كمية‬
‫النقود وبين حجم الناتج الحقيقي‪ .‬ويرجعون مصدر اإلفراط في عرض النقـود إلى عجز ميزانية الدولة‪ ،‬والتي يتوجب عليهاـ‬
‫القضاء عليه تفادياـ لكل نفقات إضافية مثـل‪ :‬مدفوعـات الحمايـة االجتماعيةـ مما قد يجبر العمال على قبول األعمالـ التي كانوا‬
‫‪.‬يرفضونها بسبب اإلعاناتـ المقدمـة للبطاليـن‬
‫وللتأثير على حجم البطالة يقترح رواد هذه المدرسة أن تكتفي الدولة بوظائفهاـ التقليدية دون البحث عن تحقيق التوظيف الكامل‪.‬‬
‫‪.‬وأن يتم إطالق آليات السوق تعمل عملها الستعادة التوازنات المفقودة خاصة في سوق العمل‬
‫و‪ -‬مدرسة اقتصاديات العرض ‪ :‬ترجع البطالة إلى نقص قوى العرض وليس قوى الطلب ‪،‬كما فسر ذلك الكينزيون‪ ،‬وترى أن‬
‫الخروج من مأزق البطالة يتم بدفع حركة االستثمارات والعمل على إنعاش الحوافـز التي من شأنها أن تزيد من قوى االدخار‬
‫واالستثمارـ ومن أجل رفع مستوى االدخارات فقد اقترحوا تخفيض معـدالت الضرائب‪ .‬إال أن هذا الطرح يعني تفاقم عجز‬
‫ميزانية الدولة بسبب انخفاض إيراداتها‪ ،‬وسوف لن يكون له أثـر علـى خفض معدالت البطالة‪ ،‬بدليل البرنامج الذي طبقه الرئيس‬
‫‪.‬األمريكي – ريغان‪ -‬أثناء عهدته الرئاسية‬
‫ح‪ .‬مدرسة التوقعات الرشيدة ‪:‬اعتمدت هذه المدرسة على النظرة المستقبلية لسير النشاط االقتصـادي على اعتبار أن البطالةفي*‬
‫تحاليلهم اختيارية ‪ ،‬كون آليات سوق العمل تتكيف بسرعة مع كل اختالالت التوازن التي قد تحدث به ( على أن تكون األسعار‬
‫واألجور مرنة‪ ،‬وأن تتوفر كافة المعلومات لبناء التوقعات المستقبلية)‪ .‬فإذا أرادت الدولة رفع معدالت النمو االقتصادي وتخفيض‬
‫معدالت دعم الطلب الكلـي عن طريق زيادة كمية النقود المتداولة فان األفراد سوف يتنبئون بحدوث التضخم‪ ،‬و سيطالبون برفع‬
‫األجور‪ ،‬مما يعني ارتفاع التكاليف ومنه ارتفاع األسعارالتي قد يعجز المستهلك على تحملها‪ ،‬فتسعى المؤسسات إلـى خفـض‬
‫‪.‬تكاليفهـاـ بالتأثيرعلى اليد العاملة(تسريحـ العمالـ )‪ ،‬وعليه فإن هذه السياسة غير فاعلة‬
‫أما إذا أرادت الدولة محاربة التضخم من خالل تطبيق سياسة انكماشية‪ ،‬سيؤدي ذلك إلى بطء اإلنتاج وزيادة معدالت‬
‫البطالةولتفادي ذلك فإنه يجب أن يكون هناك استقرار في السياسة الحكومية أوال‪ ،‬ثم ثانيـا تقييد دور الدولة في الحياة االقتصادية‬
‫وترك الحرية االقتصادية والمنافسة التامة وآليات السوق تعمـل عملهـا بكل شفافية‪ ،‬مع ضمان المرونة في األجور واألسعار تبعا‬
‫‪ .‬لحاالت األسواق‬
‫ط‪ .‬المدرسة المؤسستية ‪ :‬اختلفت في رؤيتها للبطالة‪ ،‬اذ انتقدت التحليل النيوكالسيكي من حيث الفروض‪ ،‬أو منهج التحليل*‬
‫وحتى النتائج المتوصل اليها‪ .‬فلم تعد البطالة أزمة كم بل أزمة كيف وال يمكن حلها بزيادة الطلب الكلي الفعال‪ ،‬خاصة في ظل‬
‫تزايد الثورة التكنولوجية التي أدت إلى تخفيض الطلب علـى األيدي العاملة‪ ،‬نتيجة لما حدث من اعادة هيكلة للعمل(ـ اختفاء العديد‬
‫‪ .‬من المهن والوظائف بال رجعة)‬
‫ويرى عدد من مفكريـ هذه المدرسة أن الخروج من أزمة البطالة سيكون من خالل التوسع في مجال الخدمات اإلنسانية مثل‪:‬‬
‫‪.‬الخدمات الصحية رعايةـ المسنين‪ ،‬الترويج والسياحة‪ ،‬األمن الشخصي ‪ ...‬الخ‬
‫ي‪ .‬المدرسة الكينزية الحديثة‪ :‬يرىأنصارهذهـ المدرسة أن عالج البطالة يكمـن في زيادة معدالت النمو االقتصادي‪ ،‬حتى ولو كان*‬
‫ذلك بزيادة معدالت التضخم‪ ،‬قصد االنتقـال مـن مرحلـة الركود إلى مرحة االنتعاش‪،‬الذي يتطلب موارد مالية كبيرة يمكن توفير‬
‫جزءا كبيرا منها عن طريق المدخرات الوطنية والتراكم واإلنتاجية‪ .‬وبما أن احتياجات سوق العمل تتطلب أيدى عاملة مؤهلة‪،‬‬
‫فإنهم يقترحون إجراء دورات وبرامج تدريبية وتكوينية لكي تتكيف مع هذه المتطلبات‪ ،‬ويقترحون أيضا الرجوع إلى سياسة‬
‫‪.‬األشغال العامة الكبـرى التي من شأنها خلق فرص عمل أكثر وبالتالي الرفع من مستوى التوظيف والدخل‬
‫‪ :‬ك‪ .‬وجهة نظر الخبراء والمنظمات الدولية*‬
‫‪:‬يشير خبراء منظمة العمل الدولية وعدد من االقتصاديين إلى‬
‫ضرورة انتهاج سياسة اقتصادية تهدف إلـى رفـع معدالت النمو االقتصادي‪ .‬و خفض تكلفة العمل الذي يرتبط أساسا بتكاليف ‪-‬‬
‫اإلنتاج‪ ،‬حيث تشكل األجور الجانب األساسي منها‪ .‬مع تعديل ظروف سوق العمل بإلغاءـ قوانين الحد األدنى لألجور وتعديل نظام‬
‫إعاناتـ البطالة والضمان االجتماعي بالشكل الذي يجعل المداخيل التعويضية متوازنة مـع الحاجة إلى تحفيز ميول العمالـ نحو‬
‫‪.‬العمل‬
‫إلزامية التوسع في سياسة التدريب للعاطلين لتنمية مؤهالتهم ومهاراتهم بما يتالءم ومتطلبات أسواق العمـل والتكنولوجيات ‪-‬‬
‫الحديثة‪ .‬تشجيع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ومشاريع القطاع غيرالرسمي وتذليل العقبات التـي تواجههـا لضمان وصولها‬
‫إلى األسواق الوطنية والعالمية مثل‪ :‬تسهيل حصولها على االئتمان‪ ،‬نقل التكنولوجيات الحديثة إليها وتوفير المعلومات التي‬
‫‪.‬تحتاجها الداء مهامها‪ ،‬االمتيازات الضريبية‪ ...‬الخ‬
‫‪.‬تشجيع التقاعد المبكر لتوفير فرص عمل جديدة خلفا للذين أحيلوا إلى التقاعد ‪-‬‬
‫تطوير نظام المعلومات المتعلقة بأسواق العمل في اإلستثمار‪ ،‬وتداولها بأقل تكلفة ممكنة‪ ،‬لتمكيـن طالبـي العمـل والعارضين له ‪-‬‬
‫‪.‬من االلتقاء في أسرع وقت بالنظر إلى حاجة المستثمر ومؤهالت العمال‬
‫ويظل االقتراح الذي ينادي بفكرة تقسيم األعمال أكثرها انتشارا‪ ،‬حيث يتم بموجبها توزيع حجم العمل على عدد أكبر من العمال‬
‫مما يؤدي إلى‪ :‬احتفاظ العمال المشتغلينـ فعال بوظائفهم‪ ،‬وإتاحة فرص تشغيل إضافية جديدة‪ .‬وذلك من خالل تخفيض ساعات‬
‫العمل واألجور‪ ،‬فبدل أن يعمل العمال خمسة أيام في األسبوع‪ ،‬فانه سيخفض أسبوع العمل إلى أربعة أيام مقابل خفض األجور‬
‫‪.‬وبالتالي يمكن تقاسـم األعمال المتاحة لمزيد من العمال‬
‫المبحث الرابع أسباب البطالة في الجزائر وطرق معالجتها‬
‫‪ :‬المطلب األول أسباب البطالة‬
‫تتعدد األسباب التي تؤدي إلى تفشي البطالة ونقص التشغيل في أوساط الفئة النشيطة‪ ،‬خاصة عنصر الشباب بغض النظر عن‬
‫‪:‬مؤهالتهم ومستوياتهم التعليمية والتكوينية‪ ،‬ويمكن أن نجمع هذه األسباب في نقطتين‬
‫تشمل األولى العوامل الخارجة عن سيطرة الحكومة وهي تلك التي ال تعتبر الحكومة مسؤولة عنها مسؤولية مباشرة‪،‬ـ أما الثانية‬
‫‪:‬فتتناول من خاللها األسباب التي تدخل في نطاق سيطرة الحكومة بصفة مباشرةـ أو غير مباشرة‪ ،‬اعتمادا على ما يلي‬
‫‪:‬أهم العوامل الخارجة عن سيطرة الحكومة‬
‫‪:‬لعل من بين العوامل التي تقف وراء هذه األسباب مايلي‬
‫باعتبار أن عددا كبيرا من الدول الناميةـ تعتمد في صادراتها الخارجية عن المحروقات التي تشكل الجزء األكبر منها‪ ،‬وبالتالي ‪-‬‬
‫فإن إيراداتها من العملة الصعبة مرتبطة بشكل أساسي بعائداتها‪ .‬وبما أنه يصعب التحكم بأسعارها بالرغم من مجهودات منظمة‬
‫األوبيك التي تعتبر الجزائر أحد أعضائها‪ ،‬ترتب عن ذلك انكماش االقتصاد الجزائري بشكل خاص والدول المصدرة للنفط بصفة‬
‫عامةـ بداية من النصف الثاني من الثمانينات‪ ،‬الشيء الذي أدى إلى انخفاض النمو االقتصادي سبب تراجع المصدر األساسي‬
‫للدخل الوطني‪ ،‬مما أثر سلبا على النشاط االقتصادي و فرص التوظيف بالتبعية‪ ،‬وقد كانـ من الطبيعي أن يؤثر ذلك عكسا على‬
‫حجم تجارتهاالخارجية‪ ،‬ومن المعروف أيضا أن انخفاض حصيلة الصادرات يكون له آثار انكماشيةـ مضاعفةـ على مستويات‬
‫‪.‬الدخل والعمالة خاصة في قطاعاتـ التصدير واألنشطة المرتبطة بها‬
‫تخفيض سعر صرف الدوالر األمريكي في مواجهة العمالت األخرى‪ ،‬الشيء الذي ترتب عليه اضعاف القوة الشرائية للموارد ‪-‬‬
‫‪.‬المتاحة من العمالت األجنبية‪ ،‬ألن الجزء األكبر منها في شكل دوالر‪ ،‬وبالتالي تقييد قدرتها على االستيراد بتلك العمالت‬
‫تخفيض سعر صرف الدوالر األمريكي في مواجهة العمالت األخرى‪ ،‬الشيء الذي ترتب عليه إضعاف القوة الشرائية للموارد ‪-‬‬
‫المتاحة من العمالت األجنبية‪ ،‬ألن الجزء األكبر منها في شكل دوالر‪ ،‬وبالتالي تقييد قدرتها على االستيراد بتلك العمالت‪.‬وما‬
‫سيتبعه هذا من انكماشـ في دعم الواردات من السلع االستهالكية أو اإلنتاجية‪ .‬وبتعبير آخر تبقى المدفوعات بالدوالر كما هي‬
‫مقابلـ أحجام متناقصة من الواردات‪ ،‬وأي انخفاض في الكميات المستوردة له تأثير سلبي على حجم اإلنتاج والعمالة في‬
‫‪.‬المؤسسات التي تستورد مستلزمات إنتاجها من الخارج‬
‫النمو الديمغرافي باعتبار أن هذا العنصر يؤثر مباشرةـ في زيادة حدة البطالة خصوصا إذا كانت الزيادة في عدد الوظائف ال ‪-‬‬
‫تتناسب ومعدالت النمو السكانية التي تميل إلى االرتفاع في الدول النامية‪ ،‬فقد أدت الزيادة السكانية إلى تزايد العروض من طالبي‬
‫العمل في سوق العمل الجزائرية‪ ،‬ونظرا الرتباط القضية السكانية بعوامل متباينة يصعب السيطرة عليها لذا اعتبرت من ضمن‬
‫‪.‬العوامل الخارجة عن سيطرة الدولة‬
‫نقص مصادر التمويل إلنعاش وتمويل المشاريع االقتصادية‪ ،‬وهذا راجع لضعف أداء الجهاز اإلنتاجي وضالة االدخار لمختلف ‪-‬‬
‫األعوان االقتصاديين بسبب انخفاض القدرة الشرائية للعائالت‪ ،‬وكذلك بسبب نظام الفوائد المطبقة في البنوك غير اإلسالمية‬
‫والذي ال يشجع على االدخار ألسباب عقائدية تجنبا لكل أنواع الربا‪ ،‬باإلضافة إلى عدم مرونة التعامالت البنكية في بعض‬
‫في الجزائر لفترة تطبيق برنامج التعديل » ‪ « FMI‬األحيان‪ .‬وتجدر اإلشارة إلى أن من بين أهداف التمويل المحدد من طرف‬
‫الهيكلي (‪ :)95/98‬رفع االدخار الوطني لتمويل االستثمارات بـ‪ % 5.5:‬من الناتج المحلي الخام وهذا من خالل الحد من نمو‬
‫‪.‬االنفاق الجاري‬
‫أزمة المدفوعات الخارجية التي تعرفها الجزائر والتي تمتد جذورها إلى بداية الثمانينات‪ ،‬رغم تأخر تأثيرها على االقتصاد ‪-‬‬
‫الوطني‪ ،‬فقد بدأت تظهر منذ سنة ‪ 1986‬نتيجة النهيار أسعار النفط من حوالي ‪35‬دوالر عام ‪ 1981-80‬إلى نحو ‪15‬دوالر في‬
‫مارسـ ‪ .1986‬إضافة إلى مدى تأثير خدمات الديون والشروط القاسية التي تفرضهاـ المؤسسات المالية الدولية بموجب اإلصالح‬
‫واإلنعاشـ االقتصادي‪ ،‬والتي تتميز بارتفاعـ التكلفة االجتماعية وما يصاحبهاـ من تسريح جزئي وجماعي للعمالـ نتيجة لهيكلة‬
‫‪.‬االقتصاد الوطني‪ ،‬وعليه فإن مستويات التشغيل لليد العاملة تكون في تناقص ويرتفع معدل البطالة آليا‬
‫المبحث الخامـــس واقع البطالة وقياسها‬
‫المطلب االول قوة العمل‬
‫يشير مفهوم قوة العمل إلى أولئك القادرين من الناحية الصحية والبدنية على العمل وتبلغ أعمارهم سن العمل ذكورا وإناثا‪ ،‬سواء‬
‫أكانوا ضمن العاملين أو العاطلين‪ .‬وهذا التعريف يخرج بالطبع جميع الملتحقين بالمراحل الدراسية والقائمين باألعمالـ المنزلية‬
‫‪.‬وغير القادرينـ على العمل والمحالين على التقاعد أو غير العاملينـ وال يبحثون عن عمل وليس لديهم االستعداد للعمل‬
‫المطلب الثاني مفهوم التشغيل الكاملـ‬
‫التشغيل الكامل ‪ 2‬هو نقيض البطالة‪ ،‬بالمفهوم الواسع‪ .‬ولذلك فإن هدف مكافحة البطالة في بلد نام كالجزائر يتعين أن يكون بناء‬
‫‪.‬البنية االقتصادية والمؤسسية الهادفة لتحقيق التشغيل الكامل‬
‫وعلى وجه التحديد‪ ،‬يعنى التشغيل الكامل‪ ،‬توافر "عمل جيد" لكل من يطلب عمال‪ .‬عمل منتج‪ ،‬يوظف الفرد فيه قدراته‬
‫وإمكاناته‪ ،‬ويحقق فيه ذاته‪ ،‬وتتوافر له فيه فرص النمو والتطور‪ ،‬تحت ظروف تكون فيها الكرامة اإلنسانية محفوظة‪ ،‬ويكسب‬
‫‪.‬منه ما يكفي لتفادي الفقر‬
‫في هذا المنظور‪ ،‬يتضح أن البطالة تعتبر أحد أصناف الفقر‪ ،‬حينما يعرف الفقر حسب تعريف برنامجـ األمم المتحدة اإلنمائي‪،‬‬
‫بمعنى قصور القدرة اإلنسانية عن الوفاء بأحقيات البشر في حياة كريمة‪ ،‬وبالتالي ينظر إلى البطالة على أنها أحد أسباب الضعف‬
‫االجتماعي وأنها أحد المسببات األساسية للفقر‪ .‬حيث القدرة على العمل تعتبر رأس المال ربما الوحيد‪ ،‬أو األهم‪ ،‬للغالبية العظمى‬
‫من األفراد في سن العمل والعطاء‪ .‬ورغم أن أفقر الفقراء ال يطيقون ترف البطالة السافرة‪ ،‬حيث يتعين عليهم التعلق بعمل ما من‬
‫أجل البقاء‪ ،‬فإن مستوى الرفاه الناتج عن نوع األعمال التي يقومون بها‪ ،‬أو ظروف العمل‪ ،‬تكون من التدني بحيث ال يمكن‬
‫‪.‬وصفها بأنها أعمال "جيدة"‪ ،‬وتندرج‪ ،‬من ثم‪ ،‬تحت صنف من أصناف البطالة‬
‫وبناء على ذلك‪ ،‬يصبح خلق فرص العمل المنتجة والمكسبة‪ ،‬في المجتمعات التي ينتشر فيها الفقر وتتفاقم بها البطالة وتكون‬
‫شبكات الحماية االجتماعية بها نادرة أو معدومة‪ ،‬أهم وسيلة‬

You might also like