Professional Documents
Culture Documents
خطبة عن أول نوفمبر 1954
خطبة عن أول نوفمبر 1954
حقائق تاريخية من وحي الثورة الجزائرية
محامد
من خلقه وخليله ،صلى اهلل عليه وعلى آله وصحبه ،ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ،أما بعد .
مقدمة
يقول اهلل عز وجل" :واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في األرض تخافون أن يتخطفكم الناس ،فآواكم وأيدكـ ـ ـ ـ ــم بنصره ورزقكم
من الطيبات لعلكم تشكرون"
إن هذا النص المبارك لينطبق - بعموم لفظه -علينا في هذه البقعة المباركة من أرض اهلل تعالى ،التي تسمى بالجزائر ،فقد أتت علينا
مرحلة من الزمن استضعفنا فيها الغزاة الفرنسيون ،فلم نكن نأمن فيها على أنفسنا وأعراضنا وأموالنا ...ثم – وبعد تضحيات جسام -
"وإِ ْذ تَأَذَّ َنَ ربُّ ُك ْم لَئِ ْنَ ش َك ْرتُ ْم أَل َ ِزي َدنَّ ُك ْم َولَئِ ْنَ ك َف ْرتُ ْم إِ َّنَ ع َذابِي لَ َش ِدي ٌد".
-أيها المؤمنون – واشكروا اهلل على نعمة النصر والتمكين َ ،
أيه ا اإلخ وة :إن الت اريخ ه وذاكرة األم ة ولس انها ،وبال ذاكرة تعق ل وباللس ان تنط ق محارب ة أو مس المة ،وعلى أس س الت اريخ يب ني
الحاضر والمستقبل ....لذلك سنكشف في خطاب اليوم عن بعض الحقائق التاريخية الهامة ،من خالل ثورة نوفمبر المجيدة .
التاريخ لها مثيال ،وهل كان لفرنسا أن تصغي لمفاوضاتنا ،أو تستجيب لمطالبنا ،لوال ثورة نوفمبر المجيدة ،
" -لم يكن يصغ لنا لما نطقنا *** فاتخذنا رنة البارود وزنا" .
و من جمل ة األباطي ل ال تي ح اول أذن اب الغ رب إلص اقها بثورتن ا وتاريخن ا ظلم ا وزورا ،ق ولهم : أن اس تقالل الجزائ ر ك انت نتيج ة
لمفاوضات سياسية خارجية ؟؟ إن هذا إلفك مبين ،وتزوير للحقائق التاريخية ،وخيانة وإجحاف لثورة دفعت ثمن حريتها مليونا ونصف
ِ
مليون شهيد أو يزيدون ،وما قال عاقل بأن المفاوضات تحرر األوطان ،ولو كان ذلك حاصل لحصل لفلسطين الحبيبة ،فكم فاوضت
وال ت زال تف اوض دون طائ ل ،ول و بقي الش عب الجزائ ري مكت وف األي دي ثم راح يف اوض للقي نفس المص ير ،ول ذلك ف إن في كف اح
الجزائر ألسوة حسنة لمن كان يرجو الحرية واالنتصار " ،فما أخذ بالقوة ال يسترد إال بالقوة ، " وهي حقيقة يشهد لها الواقع التاريخي
كم ا ينبغي أن نعلم يقين ا ب أن ثورتن ا المجي دة ( ال تي ص نعت الت اريخ , وبه رت الع الم ,وقه رت الجب ابرة،
وقصمت ظهور األكاسرة,وغيرت مجرى األحداث ,وأعطت لشعوب العالم دروسا عملية في الجهاد والتضحية والثبات
واالستش هاد )...إن ه ذه الث ورة تختل ف وتتم يز عن كث ير من الث ورات والمقاوم ات في الع الم ب أمر ه ام ،قلم ا يتط رق إلي ه
المؤرخ ون والمحلل ون والب احثون , على ال رغم من كونه العامل الحاسم ، والم ؤثر في النصر والتمكين ، أال وه و " :الج انب الرب اني في
القرآن الكريم ..وإن بيان أول نوفمبر ليقرر هذه الحقيقة الهامة بوضوح ،إذ نص على أن الهدف األول للثورة هو:
" إقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية االجتماعية ذات السيادة ضمن إطار المبادئ اإلسالمية" .
ثم إن االستعمار الفرنسي – كما يقول البشير اإلبراهيمي رحمه اهلل :
ولم ا أبى الش عب الجزائ ري أن يحي د عن أص له -رغم ك ل المح اوالت الم اكرة ،والوس ائل الش يطانية ال تي ج ربت ض ده -
قوب ل بأبش ع ج رائم التقتي ل واالض طهاد والتع ذيب واإلب ادة الجماعي ة ،وتفنّن مصاص وا ال ّدماء من ق ادة الجيش الفرنس ّي في
و ال تحتاج إلى دليل...
وبهذا كله يتجلى لنا أن الحرب الفرنسية على الجزائر لم تكن معركة تراب أو موارد وثروات طبيعية ..بل كانت غزوا فكريا ، ومس َخ
هوي ة وطنية … وبالمقاب ل ف إن ث ورة التحري ر ك انت ث ورة رباني ة ؛ لكونه ا معركة عقي دة وإيم ان ،ومعركة ص ليب
وهالل , وش هد ش اهد من أهله ا وه و وزي ر الخارجي ة الفرنس ية أن ذاك ،ال ذي ص رح ق ائال":إنها معرك ة
الهالل والصليب ...وال بد أن ينتصر الصليب."
وحينما نرجع إلى القرآن الكريم نجده يكشف لنا في العديد من آياته عن طبيعة وحقيقة أعداء اإلسالم ،ويبين لنا غاياتهم وأهدافهم ،
وما تكنه ضمائرهم من حقد دفين على حملة هذا الدين ،ومن ذلك :
قوله تعالى " : ولن ترضي عنك اليهود و ال النصارى حتى تتبع ملتهم."
وهذا ما يؤكد ربانية ثورتنا ،فقد كانت معركة عقائدية ،بين الكفر واإليمان ...فاالستعمار الفرنسي كان عازما على محو عقيدة التوحيد
لتحل محلها عقيدة الصليب ،والثورة الجزائرية كانت دفاعا عن عقيدة التوحيد وحفظا للدين الذي أنزلت الشرائع لحفظه ،وألجل
ذلك استحقت نصر اهلل وتأييده ؛ ألنها كانت تهدف إلى إحقاق الحق وإبطال الباطل
ولو لم تكن تلك غايتها لما استطاعت إلى تحقيق النصر سبيال ، فإن المعركة بيننا وبين فرنسا لم تكن متكافئة عددا وعدة ،وإنما نصرنا
اهلل تعالى - على الرغم من قلة عددنا وعتادنا -ألن ثورتنا كانت نصرة للحق ومن أجل إعزاز الدين والتمكين له ،قال
وتلك هي ربانية ثورتنا التي ينبغي أن نعيها ،وننقلها لألجيال ذكرا مجيدا ؛ ليعلموا أن سر قوتهم يكمن في التسك بهذا الدين ،الذي
تمسك به أجدادهم وآباؤهم ،فاستحقوا النصر والتمكين ،وأننا متى تنكرنا لديننا أو انحرفنا عن منهجه كنا عرضة للهزائم والزوال
واالندثار.
و هلل ما أروعها من كلمات تلك التي عبر بها مفدي زكريا عن ربانية ثورتنا محذرا من عواقب االنحراف عنها -فقال رحمه اهلل:
ومن الحقائق الهامة التي ينبغي أن نعيها ،أن الحرب على اإلسالم ومعتنقيه لن تتوقف أبدا ،ألن اهلل تعالى
يقول " :و ال يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا" .فإن لم نرتد عن ديننا فال توقف للقتال ،فهي وإن توقفت اليوم
بينا وبين فرنسا عسكريا ، فإنها لم ولن تتوقف بالوسائل األخر ، من ثقافات ماجنة ، و أفكار إلحادية يزجونها إلينا ؛ لذلك ينبغي أن
نكون يقظين وحذرين من مكائد أعدائنا ودسائسهم ،التي يقدمونها لنا تحت مسميات شتى :من ثقافة ،أو فن ،أو رقي ،أو حرية ،أو
عدالة ،أو حقوق امرأة ....فكل ذلك ينبغي أن يؤخذ من ينابيع عقيدتنا ،ومن ثقافتنا اإلسالمية األصيلة ،ال من بضاعة أعدائنا الذين
وفي الختام ننبه إلى حقيقة أخرى وهي :أن ما أحرزناه من نصر ،وما ننعم به اليوم من حرية و سيادة ،وأمن واستقرار ؛ فبسبب تضحيات
الشهداء األبرار ،الذين قدموا أرواحهم فداء لعقيدتهم وشعبهم ووطنهم ،وبذلوا في سبيل ذلك دماءهم الطاهرة ؛ ولهذا كان فضلهم
علينا عظيما ،واهلل تعالى يقول " :وال تنسوا الفضل بينكم ، " وكيف يمكن لحر أصيل أن ينسى أو يتناسى فضل من أكرمه وأحسن إليه ،
خصوصا إذا كان ذلك المحسن قد ضحى بحياته من أجل سعادتنا وسيادتنا !!!...وهذا ما فعله الشهداء األبرار من أجلنا ،ولسان
حالهم يقول:
الختام
فنس أل اهلل تع الى أن ي رحم ش هداءنا األب رار بواس ع رحمت ه ،وأن يس كنهم فس يح جنان ه ،م ع النب يين والص ديقين والش هداء والص الحين
وحسن أوالئك رفيقا ،ونسأله تعالى أن يمن علينا في هذه البقعة الطاهرة – الجزائر – باألمن واالستقرار ،والعافية المعافاة الدائمة في
ال دين وال دنيا واآلخ رة ،وأن يجنبن ا الفتن م ا ظه ر منه ا وم ا بطن ،ومن أرادن ا بس وء فنس أل اهلل أن يجع ل ت دبيره في نح ره وأن يش غله
بنفسه .
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه والحمد هلل رب العالمين