Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 37

‫الثورة السودانية و حكومة الفترة االنتقالية‪:‬‬

‫اآلمال الخائبة‬

‫أ‪ .‬د‪ .‬محمود يسن عثمان‬

‫جامعة كسال‬

‫سبتمبر ‪0202‬‬

‫‪0‬‬
‫المحتويات‬
‫خارج النص‪ :‬صور االسبوع ‪2................................................‬‬
‫مقدمة ‪4.......................................................................‬‬ ‫‪.1‬‬
‫أخالق السودانٌٌن ‪5..........................................................‬‬ ‫‪.2‬‬
‫مسٌرة الثورة ‪6...............................................................‬‬ ‫‪.3‬‬
‫الثورة و االعالم ‪8...........................................................‬‬ ‫‪.4‬‬
‫هٌبة الدولة ‪8.................................................................‬‬ ‫‪.5‬‬
‫حكومة كفاءات ‪9.............................................................‬‬ ‫‪.6‬‬
‫اعفاء وزراء الحكومة االنتقالٌة ‪10...........................................‬‬ ‫‪.7‬‬
‫األداء االقتصادي ‪11..........................................................‬‬ ‫‪.8‬‬
‫البنك المركزي و التضخم ‪11................................................‬‬ ‫‪.9‬‬
‫دعم السلع ‪12..................................................................‬‬ ‫‪.10‬‬
‫التارٌخ ٌعٌد نفسه ‪12..........................................................‬‬ ‫‪.11‬‬
‫األحزاب و المناصب العلٌا ‪13...............................................‬‬ ‫‪.12‬‬
‫المرأة و المناصب العلٌا ‪14..................................................‬‬ ‫‪.13‬‬
‫نظم الخدمة المدنٌة ‪15........................................................‬‬ ‫‪.14‬‬
‫تجربة شخصٌة ‪15............................................................‬‬ ‫‪.15‬‬
‫الخدمة المدنٌة و السٌاسة ‪16.................................................‬‬ ‫‪.16‬‬
‫التدخل السٌاسً فً قرارات التوظٌؾ ‪17..................................‬‬ ‫‪.17‬‬
‫مبادرات عربٌة إلصالح الخدمة المدنٌة ‪19................................‬‬ ‫‪.18‬‬
‫مبادرات أفرٌقٌة إلصالح الخدمة المدنٌة ‪20...............................‬‬ ‫‪.19‬‬
‫مسٌرة الخدمة المدنٌة فً السودان ‪21......................................‬‬ ‫‪.20‬‬
‫علل الخدمة المدنٌة السودانٌة ‪23............................................‬‬ ‫‪.21‬‬
‫مقارنة بٌن نظامٌن ‪23.......................................................‬‬ ‫‪.22‬‬
‫اصالح الخدمة المدنٌة ‪25...................................................‬‬ ‫‪.23‬‬
‫هٌكل االجور الجدٌد ‪25.....................................................‬‬ ‫‪.24‬‬
‫الحركات المسلحة ‪26........................................................‬‬ ‫‪.25‬‬
‫عوامل التمرد فً دارفور ‪28...............................................‬‬ ‫‪.26‬‬
‫تضخٌم مؤساة دارفور ‪29...................................................‬‬ ‫‪.27‬‬
‫الحرب و السالم ‪31.........................................................‬‬ ‫‪.28‬‬
‫مسٌرة التفاوض ‪31..........................................................‬‬ ‫‪.29‬‬
‫قابمة الدول الراعٌة لإلرهاب ‪32...........................................‬‬ ‫‪.30‬‬
‫اصالح االقتصاد ‪33.........................................................‬‬ ‫‪.31‬‬
‫الدعم الخارجً ‪35...........................................................‬‬ ‫‪.32‬‬
‫واجب منزلً‪35.............................................. ...............‬‬ ‫‪.33‬‬
‫نبذة مختصرة عن الكاتب ‪36................................................‬‬

‫‪1‬‬
‫خارج النص‪ :‬صور االسبوع‬
‫صورة السبت‪ :‬الٌوم سبت و البنك مؽلق‪ ،‬و مجموعة من المواطنٌن ٌصطفون أمام الصراؾ‬
‫اآللً‪ٌ .‬رتفع صوت فً آخر الصؾ قابال‪ " :‬الحكاٌة شنو ٌا اخوانا‪ ...‬الصؾ ده مالو ما‬
‫متحرك؟!"‪ٌ .‬رتفع صوت فً المقدمة قابال‪" :‬الشبكة طاشة"‪ٌ .‬نسحب شخص فً نهاٌة الصؾ‬
‫و هو ٌتمتم بكالم ؼٌر مفهوم‪.‬‬

‫صورة األحد‪ :‬عند محطة وقود كانت صفوؾ السٌارات تتلوى كالثعابٌن فً األزقة و حول‬
‫االكشاك المتناثرة و الدكاكٌن‪ .‬كان الجو حارا و الصدور ملتهبة و الشجار مشتعال و األصوات‬
‫صاخبة‪ ،‬و البعض ٌحاول الفصل بٌن البعض اآلخر المتشاجر‪ ،‬فال تستطٌع أن تمٌز بٌن‬
‫المتشاجرٌن و ؼٌر المتشاجرٌن فلكل ٌدفع الكل‪ .‬كانت السٌارات هً لوحدها تقؾ جامدة‬
‫كمجموعة من الرجال البلهاء‪.‬‬

‫صورة االثنين‪ :‬أمام احد المخابز احتشد خلق كثٌر من الرجال و النساء و األطفال‪ .‬كانت‬
‫أصواتهم كؤصوات العصافٌر حٌن تؤوي الى أعشاشها فً المساء مفعمة بالقلق و التوتر‪ ،‬و كان‬
‫هنالك شخص‪ٌ ،‬بدو من مالمحه انه أجنبً‪ٌ ،‬قؾ بعٌدا ٌشاهد المنظر الذى أمامه‪ ،‬و ٌبتسم‪.‬‬

‫صورة الثالثاء‪ :‬الفصل خرٌؾ‪ ،‬و الطرٌق موحل‪ .‬رجل سبعٌنً ٌسٌر بحذر ٌتحسس موطا‬
‫قدمٌه برفق ؼٌر عابا بما أصاب نعلٌه من بلل و طٌن‪ ،‬كان همه أال ٌتسخ جلبابه الناصع‬
‫البٌاض‪ ،‬و لهذ رفع طرفه بإحدى ٌدٌه‪ ،‬بٌنما احتفظ بالٌد االخرى للموازنة ‪ .‬انطلقت سٌارة من‬
‫الخلؾ و تخطته‪ ،‬و تناثر الطٌن فً كل اتجاه‪ .‬راح الرجل ٌحدق فً السٌارة و هً تبتعد حتً‬
‫ؼابت عن ناظرٌه‪ ،‬ثم أسدل ثٌابه و راح ٌعبر الطرٌق بهمة و نشاط‪ ،‬كما لو أن السٌارة شحنته‬
‫بقدر هابل من الطاقة و الجرأة‪.‬‬

‫صورة األربعاء‪ :‬فً أحد األحٌاء الراقٌة كان هنالك شاب ؼرٌب ٌسٌر بكسل‪ .‬كان الحً قد‬
‫أصابته رشقة من مطر فؽسلته فازداد روعة و بهاء‪ .‬كانت الشوارع خالٌة من المارة‪ ،‬و السكون‬
‫ٌخٌم على المكان‪ .‬وقؾ الشاب تحت شجرة ٌمتع ناظرٌه بجمال احدى البناٌات‪ ،‬و فجؤة حدث‬
‫له شًء‪ ،‬فؤمسك بكلتا ٌدٌه أحد األؼصان و كسره و قذؾ به على األرض‪ ،‬ثم مضً فً طرٌقه‬
‫مسرعا‪.‬‬

‫صورة الخميس‪ :‬دخل رجل‪ ،‬و بٌده أوراق‪ ،‬مكتبا فً أحدى الوزارات‪ .‬كان المكتب ٌشتمل على‬
‫ثالثة مناضد خالٌه اال واحدة جلس عندها شاب فً مقتبل العمر‪ .‬ألقى الرجل السالم على‬
‫الشاب‪ ،‬و سؤل عن عبد الصادق‪ ،‬فؤجابه أنه هو‪ .‬عرض الرجل األوراق على عبد الصادق‪ ،‬و‬
‫طلب منه القٌام باإلجراء الالزم‪ .‬امتنع عبد الصادق عن تلبٌة الطلب‪ ،‬و تعلل أن الٌوم "ٌوم‬
‫الخدمة فً الوزارة" و العمل متعطل‪ .‬فً الٌوم التالً جاء الرجل‪ ،‬و التقى عبد الصادق فً‬
‫احدى ردهات الوزارة‪ ،‬فاعتذر مرة أخرى بسبب االنخراط فً دورة تدرٌبٌة مدتها اسبوع‪ .‬بعد‬
‫اسبوع عاد الرجل للوزارة فلم ٌجد عبد الصادق فً المكتب‪ ،‬و وجد موظفا آخرا‪ ،‬فسؤل عنه ‪،‬‬
‫فؤجابه الموظؾ انه هو عبد الصادق و ال أحد ؼٌره‪ ،‬و قام باإلجراء المطلوب‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫علم الرجل أن عبد الصادق اآلخر سٌؤتً متؤخرا‪ ،‬فجلس أمام الوزارة ٌنتظر قدومه‪ ،‬حتً اذا‬
‫راه مقبال‪ ،‬هب من مجلسه و صفعه فً وجهه‪ .‬لم ٌكترث عبد الصادق اآلخر لما حدث له‪ ،‬و‬
‫مضً فً سبٌله‪.‬‬

‫صورة الجمعة‪ :‬بعد أن تم دفن المٌت‪ ،‬و قبل أن ٌنصرؾ المشٌعون‪ ،‬وقؾ رجل – ال ٌعرفه‬
‫أحد – خطٌبا‪ .‬سم هللا و حمده و صلى على نبٌه‪ ،‬ثم صمت كما لو أن األمر قد ارتج علٌه‪ ،‬و‬
‫جلس الناس و كؤنما على رإوسهم الطٌر‪ .‬واصل الخطٌب بعد حٌن قابال‪ " :‬ان المٌت راح و‬
‫استراح‪ "...‬و قبل أن ٌكمل حدٌثه ضج المكان بالضحك‪ .‬كانت تلك أول مرة ٌضحك فٌها الناس‬
‫فً المقابر بصورة جماعٌة‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫‪ .1‬مقدمة‬
‫مضً عام على تشكٌل حكومة الفترة االنتقالٌة و مباشرة أعمالها‪ ،‬و قد استبشر المواطنون‬
‫بالبرنامج الذى أعلنته بخصوص السالم و العدالة‪ ،‬و معالجة المشكلة االقتصادٌة و محاربة‬
‫الفساد‪ ،‬وؼٌر ذلك مما ٌرفع المعاناة عن كاهل المواطنٌن‪ .‬و رؼم أنه لم ٌنقضً من الفترة‬
‫االنتقال ٌة سوى عام واحد من أصل ثالثة اعوام‪ ،‬اال أن هنالك شواهد كثٌرة ال على بطء االنجاز‬
‫فحسب‪ ،‬بل على تسارع االنهٌار االقتصادي‪ ،‬و تعدد بإر النزاع‪ ،‬و اتساع رقعة الفقر نتٌجة‬
‫للؽالء‪ .‬ان اآلمال العرٌضة التً علقها الشعب على حكومته بدأت تخٌب الواحدة تلو األخرى‪ .‬و‬
‫اذا سارت األمور على هذا المنوال‪ ،‬فقد ٌنتفض الشارع مرة أخري و تحدث فوضى‪ ،‬و قد ٌجد‬
‫الجٌش مبررا لالستٌالء عل السلطة‪ .‬هنالك أكثر من عامل وراء تردي األوضاع‪ ،‬فمنها ما هو‬
‫من الطبٌعة كجا بحة كورونا‪ ،‬و منها ما هو من ارث االنقاذ كشح الموارد المالٌة‪ ،‬و منها مما‬
‫عملت أٌدي الحكومة االنتقالٌة كتعدد مراكز اتخاذ القرارات‪ .‬لكن التقرٌر الذى أمامنا ٌتبنى‬
‫فرضٌة أن التردي ناتج من خلل صاحب اختٌار أعضاء الحكومة‪ ،‬و قادة المإسسات‪ ،‬باإلضافة‬
‫الى تؽول السٌاسة على البٌروقراطٌة‪ 1‬و سٌادة الرأي الواحد‪.‬‬

‫خالل الفترة التً حكمت فٌها االنقاذ البالد‪ ،‬ساد التعتٌم و عدم الشفافٌة فً التعٌٌنات للوظابؾ‬
‫السٌادٌة‪ .‬فالمواطن ال ٌدري شٌبا عن معاٌٌر و اجراءات االختٌار لتلك المناصب‪ .‬و كانت‬
‫الدولة فً المستوى العالً تدار بسرٌة كما تدار شبكات الجرٌمة المنظمة (المافٌا)‪ .‬و ربما كان‬
‫أعضاء فً الحزب الحاكم نفسه مؽٌبٌن فً هذا الشؤن‪ ،‬و لهذا كنت تجد أحٌانا من هم أقل‬
‫جدارة و نزاهة و خبرة من كوادر الحزب نفسه قد تقلدوا مناصبا رفٌعة‪ .‬فكان ٌتم تعٌٌن‬
‫الوزراء و والة الوالٌات‪ ،‬و مدٌري المإسسات‪ ،‬كما ٌتم عزلهم أو نقلهم الى مناصب أخرى‪ ،‬فال‬
‫تكاد تجد سببا مقنعا الختٌارهم أو عزلهم أو نقلهم‪ .‬و فٌما ٌتعلق بالوالة فقد حدث تخبط كبٌر‪:‬‬
‫فمرة ٌكون منصب الوالً باالنتخاب و مرات بالتعٌٌن‪ .‬و عندما ٌكون بالتعٌٌن‪ٌ ،‬شترطون‬
‫أحٌانا أن ال ٌكون الوالً من أبناء الوالٌة‪ .‬و ال فرق بٌن الوالً المعٌن و الوالً المنتخب‪،‬‬
‫فكالهما عرضة للعزل و النقل من والٌة ألخرى‪ .‬و فً ظل هذا التعتٌم و التخبط‪ ،‬و على مدى‬
‫ثالثة عقود‪ ،‬ظل رأس النظام ٌمسك بالخٌوط من وراء الكوالٌس‪ ،‬و ظل ٌتمتع بالعصمة من‬
‫المساءلة‪ .‬و قاد نظام الرجل الواحد و الحزب الواحد الى فساد و نكبات‪ .‬فالدور الفاخرة و‬
‫المركبات الفارهة دلٌل على الفساد‪ ،‬و أما النكبات فالشواهد علٌها كثٌرة‪ ،‬و ٌكفً االشارة الى‬
‫فصل الجنوب و تسلٌمه البترول‪ ،‬و اندالع الحرب فً دارفور‪ ،‬و الفشل فً ادارة االقتصاد‪ ،‬و‬
‫ذوبان الطبقة الوسطى و اختفابها‪ .‬و تكفً االشارة الى أن قٌمة الجنٌه السودانً تدنت من ‪12‬‬
‫جنٌه مقابل الدوالر عندما انتزعت االنقاذ الحكم الى حوالً خمسٌن ألؾ جنٌه عند زوال حكمها‪.‬‬

‫ذهبت االنقاذ بخٌرها و شرها‪ ،‬بعد أن دفع المواطن ثمنا ؼالٌا من الروح و الدم و المال‪ ،‬و‬
‫حسب الناس أن األرض قد اشرقت بنور ربها‪ ،‬و أن الفساد ولى بال رجعة‪ ،‬و أن الشفافٌة حلت‬
‫محل التعتٌم‪ .‬و لكنهم أفاقوا على حقٌقة أن التؽٌٌر الذى حدث لم ٌصل الى الجذور‪ ،‬فقد تم‬
‫التعٌٌن فً مناصب عدٌدة سامٌة‪ ،‬و منها مناصب الوزراء و الوالة و رإساء المفوضٌات و‬
‫المإسسات و مدراء الجامعات‪ ،‬و ال أحد ٌعرؾ المعاٌٌر التً تم بموجبها اختٌار أولبك‬
‫المحظوظٌن‪ .‬كما تم اعفاء عدد من الوزراء من مناصبهم‪ ،‬و ال أحد ٌدري اسباب اعفابهم‪ .‬و‬
‫‪1‬‬
‫البٌروقراطٌة‪ :‬نظام اداري ٌتصؾ بالتسلسل الهرمً و تقسٌم السلطة و التخصص فً المهام و تحكمه لوابح و قوانٌن محددة‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫من هنا خطرت فكرة تقٌٌم أداء الحكومة االنتقالٌة‪ ،‬و استدعى األمر القاء الضوء على الخدمة‬
‫المدنٌة‪ ،‬فهً مإشر جٌد على نزاهة التعٌٌنات فً المناصب السٌادٌة‪ .‬عندما ٌصل القارئ الى‬
‫نهاٌة التقرٌر‪ ،‬ستتضح له خٌبة الشارع فً الحكومة االنتقالٌة‪ ،‬و أن اآلمال العرٌضة التً علقها‬
‫علٌها قد بدأت تتالشى‪.‬‬

‫‪ .0‬أخالق السودانيين‬
‫صنؾ نعوم شقٌر‪ 2‬سكان السودان الى خمسة اصول و هً‪ :‬السود‪ ،‬و شبه السود‪ ،‬و البجة‪ ،‬و‬
‫النوبة (البرابرة)‪ ،‬و العرب‪.‬‬

‫ٌقول فً السود‪" :‬أسوأ ما فً اخالقهم العناد و جفاء الطبع و قلة التدبر و الحزم‪ ،‬و أفضل ما‬
‫فٌها حب الطرب و الحرٌة و بساطة القلب و عدم حب الذات"‬

‫و ٌقول فً شبه السود‪" :‬أما شبه السود فال ٌشبهون السود اال فً اللون و فٌما سوى ذلك فهم‬
‫أقرب الى العرب البدو منهم الى السود‪ .‬و أشهر ما فً أخالقهم التدٌن و التعصب فً الدٌن"‪.‬‬

‫و ٌقول فً البرابرة‪" :‬البرابرة القاطنٌن بٌن الشالل األول (اسوان‪ )3‬و الشالل الرابع (مروي)‬
‫هم خل ٌط من ثالثة أجناس و هً النوبة األصلٌون و العرب و األتراك ‪ ...‬و هم ٌختلفون فً‬
‫األخالق اختالفهم فً االصول و لكنهم فقدوا أجل الصفات التً امتازت بها أصولهم فما ترى‬
‫فٌهم شجاعة النوبً و ال مرإة العربً و ال شهامة التركً بل هم من الجبن و الكذب و الكسل و‬
‫الجهل و شك اسة األخالق على جانب عظٌم ‪ ...‬اال أنهم لم ٌزالوا حافظٌن من أخالقهم األصلٌة‬
‫حب الضٌافة و صٌانة العرض"‪.‬‬

‫و ٌقول فً البجة‪" :‬أما البجة فلونهم بنً قاتم و ٌشبهون بدو العرب جدا فً المالمح و األخالق‬
‫اال أنهم أشكس أخالقا و أفظ طباعا ‪ ...‬و لكن روى العارفون عنهم أخبارا تدل على كرم‬
‫األخالق و طٌب النفس"‪.‬‬

‫و ٌقول فً العرب‪" :‬أما أخالق عرب السودان ‪ ...‬حب الضٌافة و الكرم و الشهامة و حب‬
‫الؽزو و النجدة و األخذ بالثؤر و مراعاة الجار و احترام العرض و االفتخار بالنسب ‪ ...‬والعناد‬
‫و احتقار الموت و الصبر على مضض األٌام مع شًء من بالدة الطبع"‪.‬‬

‫ما من شك أن نعوم شقٌر كان قد تحامل على السودانٌٌن قبل أكثر من قرن من الزمان حٌن‬
‫صدر كتابه الذى اقتطفنا منه الفقرات السابقة‪ ،‬و نجد له العذر فً ذلك‪ .‬و لعله صدق فً صفة‬
‫الزمت كل االصول و هً‪" :‬العناد و المشاكسة"‪ .‬و نضٌؾ من عندنا سهولة االثارة‪ ،‬و سرعة‬
‫الؽضب‪ ،‬و تقلب المزاج‪ ،‬و عدم ثبات العزم‪ ،‬و األنانٌة‪ ،‬و حب الجمع‪ ،‬و ؼٌرها من آفات هذا‬
‫الزمان‪.‬‬

‫‪ 2‬نعوم شقٌر – ربٌس قلم المخابرات‪ :‬تارٌخ السودان القدٌم و الحدٌث و جؽرافٌته ‪1903 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫اسوان التابعة لمصر اآلن‪ :‬كانت فٌما مضى تعتبر من مدن السودان‬
‫‪5‬‬
‫‪ .3‬مسيرة الثورة‬
‫عندما شارؾ نظام االنقاذ على عٌد مٌالده الثالثٌن‪ ،‬كان قد فقد الزخم و قوة الدفع تقرٌبا‪ .‬و لو‬
‫لم تشتعل الثورة‪ ،‬لسقط لوحده كما تسقط الثمرة الناضجة‪ .‬لقد قامت الثورة فً اللحظة التً كان‬
‫النظام قد خارت قواه و أخذ ٌترنح‪ .‬فٌما ٌلً نلخص مسٌرة الثورة و انجازاتها‪.‬‬

‫(أ)أسباب اندالع الثورة‬

‫شح الخبز المدعوم‪ ،‬و معاناة المواطنٌن للحصول على حاجتهم منه‪ ،‬و محاولة الحكومة‬ ‫‪.1‬‬
‫حل األزمة عن طرٌق طرح ما سمً بالخبز التجاري بسعر مضاعؾ‪.‬‬
‫نقص امدادات الوقود‪ ،‬أدى الى تكدس السٌارات أمام محطات الوقود‪ ،‬و خلق أزمة‬ ‫‪.2‬‬
‫مواصالت داخل المدن‪ ،‬و ألحق الضرر باإلنتاج الزراعً‪.‬‬
‫نقص السٌولة النقدٌة‪ ،‬و معاناة الناس فً الحصول على جزء ٌسٌر من أموالهم المودعة‬ ‫‪.3‬‬
‫فً البنوك‪ ،‬و أدى ذلك الوضع المتردي الى معامالت تجارٌة لم ٌؤلفها المجتمع من قبل‬
‫كشراء النقد بشٌك‪ ،‬و تحدٌد سعرٌن للسلعة الواحدة‪ ،‬أحدهما بالشٌك و اآلخر بالنقد‬
‫(الكاش)‪.‬‬
‫تراجع سعر الجنٌه أمام الدوالر حتى وصل سعره الرسمً ‪5‬و‪ 47‬مقابل الدوالر فً‬ ‫‪.4‬‬
‫آخر أٌام حكومة االنقاذ‪.‬‬
‫الؽالء‪ ،‬و االرتفاع الٌومً ألسعار السلع‪ ،‬و تآكل دخول الطبقة العاملة فً الدولة و التً‬ ‫‪.5‬‬
‫كانت متآكلة أصال‪.‬‬
‫شروع الدولة فً تبنً سٌاسة السوق الحر مما كان ٌعنً الؽاء الدعم على السلع‬ ‫‪.6‬‬
‫الضرورٌة‪ ،‬و زٌادة معاناة اصحاب الدخول المحدودة‪.‬‬
‫الفشل فً محاربة الفساد‪ ،‬و عدم محاسبة النافذٌن فً النظام الذٌن جمعوا ثروات كبٌرة‬ ‫‪.7‬‬
‫بطرق مشبوهة‪.‬‬
‫سوء ادارة ملؾ العالقات الخارجٌة‪ ،‬و اضطراب عالقات السودان بالدول األخرى‪ ،‬مما‬ ‫‪.8‬‬
‫أدى الى مقاطعة دولٌة ‪ ،‬و حصار اقتصادي خانق‪.‬‬
‫انعدام األمن و االستقرار فً عدة والٌات نتٌجة للعملٌات الحربٌة و النزاعات القبلٌة‬ ‫‪.9‬‬
‫و نشاط عصابات النهب‪.‬‬

‫(ب) عقبات واجهت الثورة‬

‫‪ .1‬استخدام العنؾ المفرط فً قمع المظاهرات السلمٌة‪.‬‬


‫‪ .2‬الخالؾ بٌن قوى الحرٌة و التؽٌٌر و المجلس العسكري االنتقالً‪ ،‬حول تشكٌلة‬
‫المجلس العسكري نفسه‪ ،‬و تكوٌن مجلس السٌادة و صالحٌاته‪ ،‬و الرإٌة للفترة‬
‫االنتقالٌة‪.‬‬
‫‪ .3‬فك االعتصام فً القٌادة العامة للجٌش الذى راح ضحٌته مجموعة من المعتصمٌن‪.‬‬

‫(ج) أهم مكونات قوى الثورة‬

‫قد ٌتفق المراقبون على أن اكثر الالعبٌن تؤثٌرا على األحداث خالل الثورة‪ ،‬و صاحب الفضل‬
‫فً سقوط نظام االنقاذ‪ ،‬هو تجمع المهنٌٌن السودانٌٌن الذى أدار العمل‪ ،‬فً المرحلة األولى‪ ،‬من‬
‫‪6‬‬
‫تحت األرض بكفاءة عالٌة‪ .‬و كان التجمع ٌتكون من عدة منظمات ٌنضوي تحتها المعلمون و‬
‫األطباء و المحامون و الصحفٌون و أساتذة الجامعات و المهندسون و الصٌادلة و ؼٌرهم‬
‫كثٌرون‪.‬‬

‫(د) انجازات الثورة‪:‬‬

‫‪ .1‬انهاء حقبة االنقاذ‪.‬‬


‫‪ .2‬االتفاق على وثٌقة دستورٌة تبٌن مهام أجهزة الحكم فً الفترة االنتقالٌة‪.‬‬
‫‪ .3‬تكوٌن حكومة الفترة االنتقالٌة التً تسبق االنتقال للحكم الدٌمقراطً‪.‬‬

‫(ها) التدخالت الخارجية‬

‫التدخالت الخارجٌة ذات ثالثة شعب‪ :‬تدخالت عربٌة و تدخالت أفرٌقٌة و تدخالت دولٌة‪ .‬فً‬
‫البدء حدث اضطراب فً موقؾ السودان تجاه محور السعودٌة ‪ -‬االمارات و محور قطر‪-‬‬
‫تركٌا‪ ،‬و ذلك على خلفٌة تضارب مصالح دول الخلٌج بعد ثورات الربٌع العربً‪ .‬و الجدٌر‬
‫بالذكر أن قطر كانت داعمة للسودان فً سعٌه لتحقٌق السالم فً دارفور‪ ،‬بٌنما كان السودان‬
‫ٌقدم دعما عسكرٌا للسعودٌة فً حربها فً الٌمن‪ .‬و كان من الواضح أن المجلس العسكري‬
‫ٌمٌل الى محور السعودٌة – االمارات‪ .‬أما الضؽوط التً مارستها الجهات المختلفة فقد تمثلت‬
‫فً الدعم المادي‪ ،‬أو باألحرى الوعود بالدعم‪.‬‬

‫أما التدخل األفرٌقً فقد تجلى فً اصرار االتحاد األفرٌقً على انتقال السلطة لحكومة مدنٌة‬
‫خالل فترة محددة‪ .‬و استطاعت مصر عبر رباستها لالتحاد أن تلٌن الموقؾ األفرٌقً تجاه‬
‫المجلس العسكري‪ .‬و ال ٌمكن تجاهل الدور الكبٌر الذى لعبته اثٌوبٌا فً تقرٌب وجهات النظر‬
‫بٌن العسكرٌٌن و المدنٌٌن بعد سقوط نظام االنقاذ‪ .‬و فً الحقٌقة بٌنما كان التدخل األفرٌقً‬
‫اٌجابٌا‪ ،‬كان نظٌره العربً سلبٌا‪ ،‬و لكنه لم ٌكن صادما‪ .‬السر وراء ذلك ٌكمن فً التطور‬
‫المستمر الذى ٌحدثه االتحاد األفرٌقً فً هٌاكله و نظمه‪ ،‬و الجمود الذى الزم جامعة الدول‬
‫العربٌة‪ ،‬رؼم عمرها المدٌد‪ .‬و ٌمكن الجزم بؤن جامعة الدول العربٌة قد أصابها الشلل منذ‬
‫زمان بعٌد‪ ،‬و أصبحت أحوج ما تكون لرصاصة الرحمة‪.‬‬

‫أما فٌما ٌلً التدخالت الدولٌة‪ ،‬فقد دأبت الوالٌات المتحدة و الدول االوروبٌة على ابداء‬
‫اهتمامهم بالتحول الى الحكم المدنً و االلتزام بالنهج الدٌمقراطً‪ ،‬و لكنها أمسكت عن التدخل‬
‫المباشر فً الشؤن السودانً كما حدث فً بالد اخرى‪ ،‬و ظلت تنتظر مؤالت النزاع فً السودان‬
‫و خاصة النزاع بٌن قوى الحرٌة و التؽٌٌر و المجلس العسكري‪ .‬و فً الحقٌقة ال تهتم أمرٌكا و‬
‫أوروبا بالحرٌة و الدٌمقراطٌة اال بالقدر الذى ٌخدم مصالحها‪ .‬تلك الدول ال تقبل اال أن ٌصطؾ‬
‫اآلخرون من خلفها فً الحق و الباطل‪ ،‬و حتً عندما ٌستجٌب اآلخرون لرؼاببها‪ ،‬ال تكؾ عن‬
‫االمتنان علٌهم‪ ،‬كما فعل الربٌس األمرٌكً مع السعودٌة و هو ٌمتن علٌها بالحماٌة‪ ،‬اذ قال‬
‫جهرة‪" :‬لو ما نحن‪ ،‬لكانت السعودٌة تتكلم فارسً"‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫‪ .4‬الثورة و االعالم‬
‫ركز االعالم فً نظام االنقاذ على التؽطٌة على الفشل‪ ،‬و تلبٌسه لبوس النجاح‪ ،‬و تضخٌم النجاح‬
‫لدرجة ٌرقى فٌها الى درجة المعجزات‪ .‬كما عمل على ترسٌخ فكرة أن رأس النظام مبرأ حتً‬
‫من اللمم‪ ،‬و أن ال بدٌل له‪ .‬و سادت االعالم الحكومً لؽة واحدة لدرجة أنك كنت تنتقل من‬
‫والٌة الى أخرى‪ ،‬فٌنتابك شك فً انتقالك بسبب لؽة االعالم المحلً التً ال تتؽٌر و ال تتبدل‪ .‬و‬
‫قد درج االعالم الرسمً على ترتٌب األخبار حسب موقع الشخص الذى ٌتعلق به الخبر فً‬
‫السلطة‪ ،‬ال على أهمٌة الخبر ذاته‪ .‬و مجمل القول أن االنقاذ بذلت كل ما لدٌها لتخدٌر فبة من‬
‫الشعب بالخطاب السٌاسً و الدٌنً‪ ،‬و ارهاب فبة أخرى بتضخٌم صاحب السلطة و خلق هالة‬
‫من القدسٌة حوله‪.‬‬

‫ٌبدو أن االعالم بعد الثورة ٌسٌر فً الطرٌق الذى رسمته له االنقاذ‪ .‬و رؼم أن على رأس الهٌبة‬
‫القومٌة لإلذاعة و التلفزٌون رجل من البً بً سً البرٌطانٌة‪ ،‬اال أن اللؽة و صٌاؼة الخبر‬
‫ظلت كما كانت فً عهد االنقاذ‪ .‬و ما زال الخبر ٌقاس بؤهمٌة صاحبه‪ .‬لقد قٌل قدٌما أن الخبر‬
‫هو أن ٌعض رجل كلبا‪ ،‬ال أن ٌعض كلب رجال‪ .‬فلو أن كلبا عض نابب ربٌس مجلس السٌادة‬
‫مثال‪ ،‬و فً نفس الوقت عض ربٌس الوزراء كلبا‪ ،‬فقد تنقل االذاعة السودانٌة كال الخبرٌن مع‬
‫تقدٌم األول على الثانً‪.‬‬

‫لؽة الحوار مع المسبولٌن ال زالت هزٌلة و محدودة المفردات و خجولة‪ .‬و ال ٌكؾ االعالم‬
‫الرسمً عن الثناء على صاحب السلطان بمناسبة و بدونها‪ .‬ففً شهر ٌولٌو الماضً أعلن‬
‫ربٌس الوزراء‪ ،‬حمدوك‪ ،‬بؤنه سٌتخذ قرارات سٌاسٌة و اقتصادٌة خالل أٌام‪ ،‬و حذر من اتخاذها‬
‫ذرٌعة إلثارة الفوضى و القالقل‪ .‬بٌنما الناس ٌترقبون تلك القرارات بتوجس‪ ،‬طلعت االذاعة‬
‫بتعلٌق كتبه أحد منسوبٌها ٌثنً على تلك القرارات حتً قبل االفصاح عنها‪ .‬و فً مناسبة‬
‫أخرى‪ ،‬اوردت نفس االذاعة خبرا ٌفٌد أن احدى المنظمات المحلٌة قد أعربت عن سعادتها‬
‫بتلك القرارات التً كانت ما تزال فً طً الكتمان‪.‬‬

‫ٌالحظ المرء‪ ،‬مع قدر من االمتعاض‪ ،‬تبنً وسابل االعالم الرسمٌة – االذاعة و التلفزٌون –‬
‫رإٌة محور السعودٌة – االمارات – مصر للخالفات العربٌة‪ .‬فعندما تتكلم االذاعة عن لٌبٌا‬
‫مثال‪ٌ ،‬تحول حفتر الى المشٌر حفتر قابد الجٌش اللٌبً‪ ،‬و تتحول حكومة الوفاق الى عصابات‬
‫طرابلس المدعومة من تركٌا‪ .‬ال ندري من الذي ٌضع سٌاسة تحرٌر األخبار‪ ،‬و هل وسابل‬
‫االعالم الرسمً تتمتع بقدر معقول من االستقاللٌة؟ ربما الحظ المستمع لإلذاعة تسترها على‬
‫عدد القتلى فً النزاعات القبلٌة و ؼٌرها من العملٌات االرهابٌة‪ ،‬و هو من موروث االنقاذ‪.‬‬

‫‪ .5‬هيبة الدولة‬
‫عند ذكر "بسط هٌبة الدولة" ٌذهب الفكر الى تلك الوالٌات التً تعانً من انفالت أمنً ٌتمثل‬
‫فً العملٌات التً تقوم بها الحركات المسلحة‪ ،‬و العصابات الخارجة على القانون‪ ،‬و النزاعات‬
‫القبلٌة و ما شابه ذلك من أعمال التروٌع و التً أصبحت ظاهرة فً ؼالب الوالٌات‪ .‬و قد ٌكون‬
‫السر وراء تعٌٌن امرأتٌن فً منصب الوالً فً كل من الوالٌة الشمالٌة و والٌة نهر النٌل‬
‫خلوهما من النزاع القبلً و الحركات المسلحة و العصابات‪ .‬و الحدٌث عن فرض أو بسط هٌبة‬

‫‪8‬‬
‫الدولة‪ٌ ،‬عنً أن الدولة قد فقدت القدرة على السٌطرة و استتباب األمن‪ .‬لكن فً الواقع هٌبة‬
‫الدولة لم تضٌع فً الوالٌات التً تعانً من حروب لوحدها‪ ،‬بل ضاعت فً جمٌع الوالٌات‪ .‬و‬
‫من أمثلة ذلك بالتدرٌج من الصؽٌر الى الكبٌر‪:‬‬

‫(‪ )1‬عدم االلتزام بضوابط حركة المرور كتجاوز االشارة الحمراء‪ .‬فً احدى المرات نبه‬
‫كاتب المقال أحد ضابط الشرطة عندما قام أحدهم بعبور الشارة الحمراء‪ ،‬فرد قابال‪" :‬هو‬
‫نحن نجري وراء منو و نخلً منو!"‬
‫(‪ )2‬قفل الشوارع باألنقاض و مواد البناء‪ ،‬و المبانً‪ .‬أحٌانا تكون المبانً ؼرؾ مشٌدة من‬
‫مواد ثابتة و مكٌفة الهواء مما ٌشا بؤن الذٌن شٌدوها من أصحاب الدخول المرتفعة نسبٌا‪.‬‬
‫(‪ )3‬اخفاء بعض السلع‪ ،‬و بٌعها فً السوق األسود بؤسعار مضاعفة تصل أحٌانا الى خمسة أو‬
‫ستة أضعاؾ سعرها األصلً‪ .‬و ٌدخل ضمن تلك السلع الوقود بؤصنافه المتعددة‪.‬‬
‫(‪ )4‬عدم التزام أصحاب المحالت التجارٌة بؤسعار محددة‪ .‬و فً أحٌان كثٌرة تبدو تلك‬
‫االسعار ولٌدة اللحظة‪.‬‬
‫(‪ )5‬تهرٌب مواد أساسٌة كالدقٌق و الوقود و خالفه مما ٌفاقم االزمات و ٌعطل حٌاة الناس‪.‬‬
‫(‪ )6‬تهرٌب الثروات المعدنٌة و الحٌوانٌة و الزراعٌة‪ ،‬مما ٌفقد خزٌنة الدولة أمواال طابلة كان‬
‫من الممكن االستفادة منها فً استٌراد الدواء مثال‪.‬‬
‫(‪ )7‬ادخال مواد ضارة بالصحة و مخدرات‪ ،‬تصل أحٌانا فً حاوٌات عبر المنافذ المحروسة‪.‬‬
‫(‪ )8‬تقاعس العمال فً اداء االدوار المنوطة بهم‪ ،‬و فشل الخدمة المدنٌة فً تقدٌم الخدمات‬
‫للمواطنٌن‪.‬‬
‫(‪ )9‬انتشار الرشوة‪ ،‬و عدم الخوؾ من ولً األمر‪.‬‬
‫(‪ )10‬نشاط عصابات الجرٌمة فً المدن‪ ،‬و الصراعات القبلٌة فً الرٌؾ‪ ،‬و حمل السالح فً‬
‫مناطق عدة فً البالد‪.‬‬

‫‪ .6‬حكومة كفاءات‬
‫سإال ٌطرحه كثٌر من المتابعٌن لألداء الحكومً‪ :‬كٌؾ ٌتم االختٌار للمناصب الوزارٌة و ما‬
‫شابهها‪ ،‬و ما هً معاٌٌر االختٌار؟ لقد خرجت البالد للتو من فترة طوٌلة من الركود و‬
‫االستبداد و التعتٌم‪ ،‬ساد فٌها مبدأ الوالء قبل الكفاءة‪ ،‬و هو الذى أدي الى تقلد عدد من أصحاب‬
‫الوالء مناصب رفٌعة‪ ،‬فكان ضررهم اكبر من نفعهم‪ ،‬و الشاهد على ذلك مإسسات كثٌرة‬
‫فاشلة‪ .‬بالطبع ال ٌمكن أن ٌتعافى المجتمع بمجرد زوال نظام حكم شمولً كما االنقاذ‪ .‬و ستظل‬
‫كثٌر من الممارسات القدٌمة الخاطبة ماثلة‪ ،‬و منها سٌاسة التعتٌم‪ .‬أن الشفافٌة هً وحدها كفٌلة‬
‫بدحر الشابعات و شفاء صدور قوم ٌحسون بالتهمٌش فً تولً الوظابؾ القٌادٌة‪ .‬فً محاولة‬
‫لقراءة المشهد‪ ،‬نتطرق فٌما ٌلى الى ثالثة امور لها دورا فً االختٌار للمناصب العلٌا و هً‪:‬‬

‫اوال الكفاءة‪ٌ :‬جب عدم الخلط بٌن الشخص "الكفإ" و "التكنوقراط"‪ .‬الشخص الذي ٌوصؾ بؤنه‬
‫تكنوقراط هو شخص اختصاصً و خبٌر فً مجال من مجاالت الحٌاة كالطب أو الهندسة أو‬
‫االقتصاد أو القانون‪ ،‬و لٌس بالضرورة أن ٌكون كل تكنوقراط كفإا‪ .‬أما الكفإ فهو شخص متعلم‬
‫صاحب اطالع واسع‪ ،‬و خبرة و دراٌة‪ ،‬و كارٌزما‪ ،‬و ٌجب أن ٌتصؾ بالنزاهة و هً مفردة‬
‫شاملة لمحاسن األخالق كاألمانة و االنضباط‪ ،‬و القبول لدى الناس‪ .‬و فوق كل هذا ٌجب أن‬

‫‪9‬‬
‫ٌكون على قدر كبٌر من الوعً‪ ،‬و صاحب قدرات قابلة للقٌاس‪ .‬و أما الوعً فنعنً به القدرة‬
‫على رإٌة التفاصٌل الصؽٌرة‪ ،‬و القراءة بٌن السطور التً تفوت على الشخص العادي‪ .‬كما أنها‬
‫تعنً القدرة على اٌجاد عالقات بٌن التفاصٌل الصؽٌرة التً قد تبدو متنافرة و ؼٌر متسقة مع‬
‫بعضها البعض‪ .‬و هً تعنً قراءة المستقبل و استخالص المفٌد من تلك القراءة‪ .‬فالشخص‬
‫الواعً هو من ٌنظر الى الصورة من المكان الصحٌح فٌتسنى له التعرؾ على التفاصٌل‪ .‬أما‬
‫الشخص ؼٌر الواعً فحاله حال من ٌنظر الى الصورة من مكان و زاوٌة ؼٌر مناسبتٌن فتختلط‬
‫علٌه التفاصٌل‪ .‬فاذا سإل عن ما ٌرى فً الصورة فقد ٌقول انه ٌرى رجال على حمار بٌنما فً‬
‫الحقٌقة تكون الصورة ألسد رابض تحت شجرة‪ .‬و بهذا المعنً ٌمكن أن ٌكون شخص ما حامال‬
‫لشهادات أكادٌمٌة و فً نفس الوقت فاقدا للوعً‪ ،‬و هو ما ٌعبر عنه العامة بؤن القلم ما بزٌل‬
‫بلم‪ .‬و لهذا ٌصبح من الضروري اخضاع المرشحٌن للمناصب العلٌا الى اختبارات ذكاء و‬
‫تعبٌر انشابً و ؼٌرها من االختبارات للتمٌٌز بٌنهم‪.‬‬

‫ثانٌا الوالء السٌاسً‪ٌ :‬رى البعض أن الكفاءة ٌجب اال ٌنظر الٌها بمعزل عن الوالء و االقتناع‬
‫بالبرنامج السٌاسً أو االقتصادي المطروح من قبل ولً اآلمر‪ ،‬صاحب االختٌار‪ .‬كما ٌرى‬
‫آخرون أن التوازن الجهوي و الفكري ٌجب أخذه فً االعتبار عند االختٌار‪ .‬ؼٌر أنه ال ٌوجد‬
‫من ٌعلن صراحة أن القرابة أو الصداقة أو الوالء من معاٌٌر االختٌار‪ ،‬اال أنها تلقً بظاللها‬
‫عند االختٌار‪ ،‬و قد تجد لها أمثلة فً المناصب السٌاسٌة و المإسسات االقتصادٌة أو حتً فً‬
‫القوات النظامٌة‪ٌ .‬قول أحدهم‪" :‬حتى إن تساوى شخصان فً الكفاءة‪ ،‬واستحقا المنصب نجد من‬
‫ٌُتقن الوالء هو من ٌصل إلى أعلى المراتب"‪ ،‬و ٌضٌؾ قابال‪ " :‬أنه فً حال تجاوز معٌار‬
‫الوالء‪ٌ ،‬بقى معٌار القرابة والجهوٌة ٌصنع الفارق"‪.‬‬

‫ثالثا االختٌار للوظابؾ القٌادٌة‪ :‬ان االختٌار للمناصب السٌادٌة و المناصب العلٌا االخرى فً‬
‫الدولة ٌجب أن ٌخضع إلجراءات صارمة و فحص و تدقٌق حتى ال ٌصل الى تلك المناصب اال‬
‫من كان هو أهال لها‪ .‬فاذا افترضنا أن هنالك شخص أو مإسسة أو هٌبة تقوم بترشٌح أشخاص‬
‫لتلك المناصب‪ٌ ،‬جب أن تكون هنالك هٌبة اخرى مهمتها التدقٌق و الفحص‪ .‬كما ٌجب أن‬
‫ٌخضع المرشحون لجلسات استجواب لمعرفة ان كانوا مدركٌن لطبٌعة العمل الذى هم مقبلون‬
‫علٌه‪ ،‬و تصوراتهم إلصالح و ترقٌة المإسسة المعنٌة‪ .‬أما خالؾ ذلك كاالختٌار على اساس‬
‫الجندر أو الجهة أو العرق أو الحزب فذاك هو الفشل عٌن الفشل الذى ظللنا نمارسه عاما بعد‬
‫آخر و نظاما بعد نظام و هو الذى أوردنا المهالك‪ .‬و هل هنالك مهالك أكبر من اصطفاؾ‬
‫الرجال و النساء و االطفال للحصول على بعض قطع من الخبز؟!‬

‫‪ .7‬اعفاء وزراء الحكومة االنتقالية‬


‫طلب ربٌس الحكومة من بعض وزرابه فً شهر ٌولٌو الماضً تقدٌم استقاالتهم‪ ،‬فؤطاعوه اال‬
‫واحد منهم امتنع‪ ،‬فاضطر إلقالته من منصبه‪ .‬و ما دام ربٌس الحكومة قد أقال أولبك الوزراء‬
‫بطرٌقة رقٌقة أو خشنة‪ ،‬فال بد أنه كان ؼٌر راضً عن ادابهم‪ ،‬لكنه لألسؾ لم ٌشر الى ذلك‬
‫البتة‪ ،‬بل ذهب أبعد من ذلك فؤطنب فً مدحهم و هو نوع من النفاق‪ .‬و لنا أن نسال ربٌس‬
‫الحكومة الى أي مدى كانوا هم مسبولٌن عن االخفاقات التً لم تتم تسمٌتها‪ ،‬و الى أي مدى‬
‫ٌكون ربٌس الوزراء مسبوال عن فشل وزرابه؟ ٌبدو أننا لم نبارح محطة االنقاذ حتى الٌوم‪،‬‬
‫فخالل ثالثٌن عاما من حكم االنقاذ كان الوزراء ٌعزلون و ٌتم تعٌٌن ؼٌرهم‪ ،‬بٌنما بقً ربٌسهم‬
‫‪10‬‬
‫محصنا ضد لوم الالبمٌن‪ .‬السإال الذى ٌطرح نفسه‪ :‬هل ٌعمل وزراء الحكومة فً جزر‬
‫معزولة أم كفرٌق واحد؟ فاذا كانوا ٌعملون منفردٌن فذاك عٌب كبٌر ٌسؤل عنه ربٌس‬
‫الحكومة‪ .‬أما ان كانوا ٌعملون كفرٌق‪ ،‬فان عزلهم كان خطا كبٌرا و هو أنكؤ و أمر‪ .‬فلو أن‬
‫الوزراء الذٌن تمت اقالتهم و ربٌسهم الذى أقالهم قد خضعوا إلجراءات االختٌار التً سلؾ‬
‫ذكرها‪ ،‬لما حدث ما حدث و هو من نوع الفشل الذى ٌوصؾ بؤنه سابق ألوانه ‪(premature‬‬
‫)‪ ، failure‬و ٌإخذ فً الصناعة كمإشر لعٌوب فً التصنٌع أو سوء الحفظ و االستخدام ‪.‬‬

‫‪ .8‬األداء االقتصادي‬
‫لنؤخذ احد الوزراء المقالٌن او المستقٌلٌن و هو بحكم الوزارة التً ٌراسها ٌعتبر اهم الوزراء‬
‫المقالٌن‪ ،‬و نعنً وزٌر المالٌة‪ ،‬و الذى سٌذكره التارٌخ بؤنه ضاعؾ اجور العاملٌن بالدولة عدة‬
‫مرات فً سابقة فرٌدة‪ .‬و قد اختلؾ الناس فً أمر تلك الزٌادات الكبٌرة‪ .‬فمنهم من راي أنها‬
‫تإدي الى موجة ؼالء و تضخم‪ ،‬بٌنما رأى آخرون انها ستحرك السوق و تنشط التجارة‪ .‬لن‬
‫ٌمر زمن طوٌل قبل ان ٌتضح للناس اذا ما كانت تلك السٌاسة نعمة ام نقمة‪ .‬فً الحقٌقة كانت‬
‫االجور منخفضة بصورة مزرٌة لدرجة تعد اهانة من قبل الدولة للعاملٌن‪ .‬و قد رأٌنا فً بالد‬
‫اخرى تتمتع بحركة عمالٌة نشطة و قوٌة ال ٌحصل فٌها العمال‪ ،‬مهما تعاظمت قوتهم‪ ،‬اال‬
‫على زٌادة طفٌفة فً المرتبات‪ .‬طبعا ٌعلم أصحاب النهى أن السٌاسات االقتصادٌة ٌقترحها‬
‫الوزٌر المعنً بالمال و االقتصاد‪ ،‬و لكنها ال تتنزل على أرض الواقع اال بعد اجازتها بواسطة‬
‫مجلس الوزراء و البرلمان‪ٌ .‬قول الناس فً مجالسهم الخاصة أن زٌادة االجور كانت جزءا من‬
‫حزمة تتضمن تحرٌر التجارة و رفع الدعم عن السلع و الخدمات‪ .‬و من الواضح ان ربٌس‬
‫الحكومة لم ٌعارض سٌاسة االجور و اال ما تم تنفٌذها‪ .‬و علٌه فانه‪ ،‬على ضوء تعامله مع‬
‫وزٌر المالٌة المقال‪ ،‬أشبه بالمرأة التً دخلت النار فً هرة‪ ،‬حبستها‪ ،‬ال هً أطعمتها و ال‬
‫تركتها تؤكل من خشاش األرض‪.‬‬

‫‪ .9‬البنك المركزي و التضخم‬


‫فً دول العالم الحر‪ ،‬ذوات المإسسات المستقلة ‪ ،‬تتمتع البنوك المركزٌة باستقالل من الحكومة‬
‫فً الوصاٌة على المال‪ ،‬و مراقبة البنوك المتخصصة‪ ،‬و كبح التضخم و التعاون مع الحكومة‬
‫الزدهار االقتصاد و تشجٌع االستثمار‪ .‬محلٌا ٌبدو بنك السودان المركزي تابعا ذلٌال للحكومة‬
‫ٌؤتمر بؤمرها و ال ٌخالفها أبدا‪ .‬و لو كان بنك السودان ٌإدي دوره بنزاهة لما وصلت البالد الى‬
‫حالة االفالس‪ .‬ان منصب مدٌر البنك المركزي من المناصب التً ٌجب أن تخضع ألقسى‬
‫درجات الصرامة عند االختٌار لملبها‪ .‬و على كل حال ٌبدو أن البنك المركزي لم ٌتخلص من‬
‫ماضٌه الموصوم بالتبعٌة للحكومة‪ .‬من ابجدٌات االقتصاد‪ ،‬أن زٌادة االنفاق الحكومً‪ ،‬فً حالة‬
‫عدم توفر موارد حقٌقٌة‪ٌ ،‬ضطر الحكومة لالستدانة من المصارؾ المحلٌة كما ٌقولون‪ ،‬مما‬
‫ٌعنً طباعة النقود أي تضخم الكتلة النقدٌة و هو اكبر أعداء االقتصاد و الذي ٌقع فً بإرة‬
‫اهتمام البنوك المركزٌة‪ .‬فما هو دور بنك السودان تجاه هٌكل االجور الذى طبقته حكومة‬
‫الثورة‪ ،‬لماذا لم ٌسمع الناس صوته؟ ال بد أن بنكك السودان ٌحتل المرتبة األولى فً قابمة‬
‫المإسسات المالٌة الفاسدة فً البالد‪ ،‬و بالتالً فهو فً أمس الحاجة الى عملٌة جراحٌة‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫ان الحد ٌث عن التضخم ٌقودنا الى معضلة االستثمار التً استعصى حلها‪ .‬فلكً ٌنشط‬
‫االستثمار ٌجب توفٌر بٌبة صالحة له و هً تتمثل فً شًء واحد ال ؼٌر هو االستقرار و له‬
‫ثالثة أشكال وهً االستقرار األمنً و االستقرار السٌاسً و االستقرار االقتصادي‪ .‬فاذا‬
‫افترضنا جدال تحقق االستقرار األمنً و السٌاسً‪ ،‬فهل هنالك استقرار اقتصادي فً ظل وضع‬
‫تتؽٌر فٌه االسعار ال على مدار الشهر أو االسبوع أو الٌوم و انما على مدار الساعة؟ ان‬
‫اصالح االقتصاد و وضعه على المسار الصحٌح‪ ،‬و تحرٌك عجلة االستثمار ال ٌمكن أن ٌتحققا‬
‫اال بجملة من العملٌات الجراحٌة الكبٌرة ال العملٌات التجمٌلٌة‪ ،‬و منها‪:‬‬

‫اصالح البنك المركزي للقٌام بدوره المنوط به‪.‬‬ ‫‪‬‬


‫اصالح النظام المصرفً لتنشٌط دورة االقتصاد ال لجنً األموال القذرة عن طرٌق‬ ‫‪‬‬
‫الممارسات الفاسدة‪ ،‬و ؼسلها بواسطة لجان الرقابة الشرعٌة‪.‬‬
‫محاربة أعداء االقتصاد من المرابٌن و المهربٌن و المضاربٌن و آكلً السحت و‬ ‫‪‬‬
‫أمثالهم من تجار السوق السوداء‪ ،‬و بترهم من المجتمع‪.‬‬
‫تطبٌق نظام ضرابب عادل ال ٌؤخذ من الفقٌر و ٌعفً الؽنً كما هو الحال اآلن‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫تولٌة أهل الخبرة و الصالح على المإسسات المالٌة‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ .12‬دعم السلع‬
‫درجت الحكومات المتعاقبة على االدعاء بانها تقوم بدعم بعض السلع مثل الخبز و الوقود و‬
‫الكهرباء التً تعتمد على مدخالت من الخارج‪ .‬لكن الناظر لألمر عن كثب و الدارس المدقق‬
‫لظاهرة الدعم سرعان ما ٌكتشؾ زٌؾ ذلك االدعاء‪ .‬فحتى حٌن تنخفض األسعار عالمٌا كما‬
‫حدث للقمح فً وقت ما و للبترول فً أوقات أخرى‪ ،‬تصر الحكومة انها تتحمل دعم تلك‬
‫السلع‪ .‬فكٌؾ ٌتم دعمها و اسعارها هابطة فً األسواق العالمٌة؟! فً الحقٌقة لٌس هنالك دعم و‬
‫انما افتراء و كذب‪ .‬فالحكومات هً التً تتحكم فً النقد‪ ،‬و تقوم بطباعة حاجتها منه لسد العجز‬
‫فً الموازنة‪ ،‬فٌنخفض سعر العملة‪ .‬و مع انخفاض سعر العملة ترتفع أسعار السلع‪ .‬و من هنا‬
‫ٌؤتً ادعاء الحكومة بفرٌة الدعم‪ ،‬و هو ادعاء باطل لدى كل ذي عقل‪ .‬فالحكومة التً تفشل فً‬
‫ادارة االقتصاد تقوم بتحمٌل المواطن ثمن فشلها‪ ،‬و هو نوع من الؽش و اكل أموال الناس‬
‫بالباطل‪.‬‬

‫‪ .11‬التاريخ يعيد نفسه‬


‫هنالك مقولة سابرة بٌن الناس و هً أن التارٌخ ٌعٌد نفسه‪ ،‬و التً ٌشكك البعض فً صحتها‪.‬‬
‫فً الحقٌقة كثٌر من التجارب فً التارٌخ تإكد حقٌقة اعادة التارٌخ لنفسه‪ .‬عرؾ أحد مشاهٌر‬
‫العلماء الشخص الؽبً بانه الشخص الذي ٌكرر نفس التجربة و بنفس المعطٌات و الظروؾ ثم‬
‫ٌتوقع نتابج مختلفة‪ .‬ان أنظمة الحكم المتعاقبة ما هً اال تجارب بشرٌة و هً كالتجارب‬
‫العلمٌة‪ .‬فاذا سارت االنظمة الالحقة على نفس النهج و المنوال الذى سارت علٌه السابقة على‬
‫شاكلة حذو النعل بالنعل‪ ،‬فان مصٌر الالحقة سٌكون كمصٌر السابقة‪ .‬اال ترى كٌؾ القت ماٌو‬
‫حتفها كما القت االنقاذ نفس المصٌر‪ ،‬و من قبلهما نوفمبر‪ .‬فكل منها سعى ألقصاء اآلخر و‬
‫االنفراد بالقرارات المصٌرٌة و ادارة الحرب و السالم و االقتصاد وفق رإٌة نظام شمولً‬
‫استبدادي‪ ،‬و هكذا سارت كلها فً نفس الطرٌق‪ ،‬فال ؼرابة فً ان تالقً نفس المصٌر‪ .‬ان‬
‫‪12‬‬
‫تجارب الفترات التً اعقبت سقوط األنظمة الشمولٌة هً األخرى سلكت نفس الطرٌق و انتهت‬
‫َن ُن ْهلِ َك‬
‫الى نفس النهاٌة المحزنة‪ .‬لقد ورد مثل هذا المعنى فً القران الكرٌم ‪َ " :‬وِإ َذإ أ ََرْد َنا أ ْ‬
‫‪4‬‬

‫ير "‪ .‬ترى كم مرة حدث هذا فً‬ ‫اها تَ ْد ِم ًإ‬ ‫يها فَ َح َّ‬
‫ق َع َل ْي َها إ ْلقَ ْو ُل فَ َد َّم ْرَن َ‬ ‫ِ‬
‫سقُوإ ف َ‬ ‫َم ْرَنا ُمتْ َرِف َ‬
‫يها فَفَ َ‬ ‫قَ ْرَي ًة أ َ‬
‫الماضً‪ ،‬و كم مرة سٌحدث فً المستقبل؟ هللا وحده أعلم‪ ،‬و تبقى القاعدة التارٌخ ٌعٌد نفسه‪ .‬و‬
‫بناء على هذا ٌجب ان تعلم الحكومة االنتقالٌة و المجلس السٌادي‪ :‬أن التارٌخ ٌعٌد نفسه‪ ،‬و أن‬
‫هنالك من ٌهتؾ مذكرا بالنهاٌة المحزنة‪ :‬ان عدتم عدنا‪ .‬و اذا المنٌة أنشبت أظفارها‪ ،‬وجدت‬
‫كل تمٌمة ال تنفع‪.‬‬

‫‪ .10‬األحزاب و المناصب العليا‬


‫ربما ٌكون السودانٌون من أكثر شعوب األرض تناوال للشؤن السٌاسً‪ ،‬و ال توجد احصابٌة‬
‫عن عدد أعضاء األحزاب الناشطٌن سٌاسٌا‪ .‬و على كل حال قد ال ٌتجاوز عدد هإالء نسبة‬
‫!‪ %‬من مجمل السكان‪ .‬و الفرق بٌن الشخص الحزبً و ؼٌره‪ ،‬أن االول ٌتبنى برنامج حزب‬
‫معٌن‪ ،‬و ٌتصدى للدفاع عنه فً كل صؽٌرة و كبٌرة بؽض النظر اذا كان الحزب على حق أو‬
‫باطل‪ .‬اما الشخص االخر فهو الذى ٌنظر للسٌاسة من منظور المعٌشة و الخدمات‪ ،‬و قلما‬
‫ٌنبري للدفاع عن حزب معٌن‪ .‬لقد دلت التجربة أن أكثر الناس تعصبا للحزب الذى فً السلطة‪،‬‬
‫أكثرهم حظا فً تقلد المناصب العلٌا‪ ،‬بٌنما الشخص الذى ال تروق له السٌاسة الحزبٌة‪ ،‬و ال‬
‫ٌمتلك بطاقة والء‪ٌ ،‬ظل مستبعدا عن تلك المناصب‪ ،‬و ان كان أجدر الناس لها‪.‬‬

‫فً فترة االنقاذ ظهرت مجموعة من االحزاب الصؽٌرة‪ ،‬عرفت بؤحزاب الفكة‪ ،‬لم ٌكن لكثٌر‬
‫منها عضوٌة أو مقر أو هاتؾ‪ ،‬و كانت قد خرجت من رحم األحزاب الكبٌرة كنتاج طبٌعً‬
‫لسٌاسة المإتمر الوطنً " فرق تسد ‪ . "divide and conquer‬و لم ٌكتؾ المإتمر الوطنً‬
‫بتوحٌد جٌب الحزب و الحكومة‪ ،‬و انما راح ٌؽدق الهبات على األحزاب صؽٌرها و كبٌرها‬
‫من مال الشعب المؽلوب على أمره‪.‬‬

‫ٌقال عن الفساد‪ ،‬أن لكل انسان ثمن بمعنً أن كل فرد قابل للفساد‪ .‬فمن الناس من ثمنه بٌضة و‬
‫منهم من ثمنه دجاجة و منهم من ثمنه شاة و آخر ثمنه بدنة‪ .‬و على كل حال قبض القابمون‬
‫على أحزاب الفكة أثمانهم من هبات المإتمر الوطنً‪ ،‬كما حصل اخوة لهم من الحركات‬
‫المسلحة على اثمانهم‪ ،‬و من خلفهم و من بٌن أٌدٌهم آخرون اوكلت لهم مهمة تزٌٌؾ الحقابق و‬
‫تحوٌل الفشل الى نجاح‪ ،‬و ؼٌرهم ممن عملوا على تخدٌر العامة بؤثارة العاطفة الدٌنٌة و‬
‫شحنها عن طرٌق األناشٌد الوطنٌة‪ .‬ان أٌة أمة تعجز عن النهوض اال على عكازة األناشٌد‬
‫الوطنٌة هً أمة مصٌرها الزوال‪ .‬وأي شعب ٌسهل تخدٌره‪ ،‬هو شعب ؼٌر جدٌر بالحٌاة‪ .‬كل‬
‫هإالء و أولبك و ؼٌرهم كثٌرون كانت لهم حظوة أٌام االنقاذ‪ .‬و قد ٌعود المنشقون الى‬
‫أحزابهم القدٌمة‪ ،‬و قد تكون لهم حظوة فً حكومات ما بعد الثورة ألنهم ٌعرفون المداخل‪ ،‬و‬
‫ألنهم محصنون ضد الحرج‪ ،‬وآلن لهم برٌق كالذهب المؽشوش‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫سورة االسراء اآلٌة ‪16‬‬
‫‪13‬‬
‫‪ .13‬المرأة و المناصب العليا‬
‫فرص التعلٌم متاحة للرجال و النساء على حد سواء‪ ،‬و ٌمكن للكل الحصول على نفس‬
‫المإهالت األكادٌمٌة و المهنٌة من خالل المنافسة‪ .‬و فً الواقع تشٌر نتابج مرحلة األساس و‬
‫امتحان الشهادة السودانٌة أن البنات أكثر تفوقا من األوالد‪ ،‬مما ٌستدعً معرفة أسباب ذلك‬
‫التفوق‪ .‬نالحظ‪ ،‬مع األسؾ الشدٌد‪ ،‬عدم وجود أٌة دراسات علمٌة حول هذا الموضوع‪ .‬كرد‬
‫فعل من بعض مدراء الجامعات أٌام االنقاذ تجاه تفوق البنات‪ ،‬و لتحجٌم المد األنثوي‪ ،‬لجؤوا‬
‫الى المحاصصة فً الكلٌات ذات االقبال الكبٌر كالطب و الهندسة‪ .‬فكنت تجد نسبة المنافسة بٌن‬
‫األوالد أقل من مثٌلتها بٌن البنات‪ .‬لم ٌكن لذلك االجراء سند دستوري أو قانونً‪ ،‬بل كان ٌمثل‬
‫انتهاكا صارخا لحق المرأة‪ ،‬و تعدٌا من بعض مدراء الجامعات للسلطات المخولة لهم‪ .‬أثار‬
‫كاتب المقال األمر فً احدى اجتماعات لجنة القبول برباسة بروفسٌر ابراهٌم أحمد عمر‪ ،‬وزٌر‬
‫التعلٌم العالً ٌومبذ‪ ،‬و ذكر أن المحاصصة ٌمكن قبولها فً الجامعات التً تعتمد الفصل بٌن‬
‫الجنسٌن كجامعة القران الكرٌم مثال‪ ،‬و لكن ال ٌجوز ذلك فً الجامعات األخرى المختلطة‪ .‬و‬
‫قد ابدى الوزٌر دهشته مما سمع‪ ،‬و وعد بمعالجة األمر‪ ،‬لكن ال بد أن كثٌر من البنات كن‬
‫ضحاٌا لمدراء جامعات تجاوزوا حدود صالحٌاتهم‪.‬‬

‫صحٌح أن الدساتٌر و القوانٌن فً ؼالبٌة دول العالم ال تمٌز بٌن الرجل و المرأة‪ ،‬لكن فً‬
‫الواقع هنالك تمٌٌز ضد المرأة حتى فً أكثر البالد حرٌة و دٌمقراطٌة‪ .‬و التمٌٌز ضد المرأة‬
‫كالتمٌٌز ضد السود‪ ،‬ال ٌقره دستور و ال قانون‪ ،‬و لكنه ٌمارس على ارض الواقع‪ ،‬و الشاهد‬
‫على ذلك ثورات السود فً أمرٌكا معقل الحرٌة و الدٌمقراطٌة‪ .‬و التمٌٌز القابم على الجندر أو‬
‫العرق أو القبٌلة أو لون البشرة أو خالفه‪ ،‬ارث للبشرٌة عمره آالؾ السنٌن‪ ،‬و ٌستعصً‬
‫استبصاله فً خالل عشرات السنوات كما ٌحلم الحالمون‪ .‬نقول بصراحة فلتتبوأ المرأة أعال‬
‫المناصب بما فً ذلك رباسة الدولة‪ ،‬و لكن بمعٌار الكفاءة ال من باب المحاصصة‪ .‬و كما أن‬
‫التمٌٌز ضد المرأة ؼٌر البق و ؼٌر مقبول‪ ،‬فان التمٌٌز ضد الرجل هو أٌضا ؼٌر البق و ؼٌر‬
‫مقبول‪ ،‬و لٌكن معٌار الكفاءة ال الجندر هو الفٌصل عند المنافسة على المناصب‪.‬‬

‫ان المرأة معرضة لنوبات ضعؾ اكثر من الرجل‪ ،‬ألنها هً التً تحمل‪ ،‬و هً التً تلد‪ ،‬و هً‬
‫التً ترضع‪ ،‬و هً التً تعتنً بالصؽار و تسهر علٌهم‪ ،‬ال الرجل‪ .‬فاذا ارادت المرأة أن ٌقؾ‬
‫الرجل معها فً زمن ضعفها‪ ،‬فعلٌها أال تحاول القفز "بالزانة" فً زمن قوتها‪ .‬فً مطلع‬
‫التسعٌنات من القرن الماضً‪ ،‬سؤل كاتب التقرٌر عن موظفة كانت ؼاببة‪ ،‬فجاءه الرد من‬
‫زمٌالتها بؤن الٌوم ذاك‪ ،‬كان ٌومها الصحً‪ .‬كانت تلك أول مرة ٌسمع الكاتب بؤن للمرأة ٌوم‬
‫صحً ٌخول لها الؽٌاب عن العمل‪ .‬للقارئ أن ٌتخٌل وفدا من الوفود قدم لمقابلة والٌة‪ ،‬فٌرد‬
‫على أعقابه بحجة أن الٌوم هو الٌوم الصحً للوالٌة! ال نعلم ان كان ذلك الحق – نعنً الٌوم‬
‫الصحً ‪ -‬مكفوال لهن حتً اآلن‪ ،‬أم أنهن تخلٌن عنه بطوعهن‪ .‬ثم أننا ال ندري ان كانت المرأة‬
‫االوروبٌة تتمتع بٌوم صحً أم ال‪ ،‬و لكن من معاٌشة األوروبٌٌن و مشاهدتهم ٌمكن أن نشهد‬
‫على أن المرأة األوروبٌة أكثر جدٌة من المرأة السودانٌة مهما تفانت األخٌرة فً العمل‪ .‬و على‬
‫كل حال فالٌوم الصحً ضرب من العبث حتً و لو كان موضع تطبٌق و احترام فً اوروبا‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫‪ .14‬نظم الخدمة المدنية‬
‫الخدمة خدمتان‪ :‬خدمة عسكرٌة و خدمة مدنٌة‪ .‬و ألن تعرٌؾ الخدمة العسكرٌة أسهل فً‬
‫التعرٌؾ من الخدمة المدنٌة لمحدودٌتها‪ ،‬فان افضل تعرٌؾ للخدمة المدنٌة هو‪ :‬كل خدمة لٌست‬
‫عسكرٌة فهً خدمة مدنٌة‪ .‬تمثل الخدمة المدنٌة أهم ذراع للحكومة لتنفٌذ سٌاساتها‪ ،‬و عن‬
‫طرٌقها تقدم الخدمات للمواطنٌن‪ ،‬و تجمع الضرابب و ؼٌرها من المهام‪ .‬و تتعرض الخدمة‬
‫المدنٌة فً كل بقاع الدنٌا الى االنتقاد‪ ،‬و تخضع إلصالحات مستمرة‪ ،‬و هً نظامان‪:‬‬

‫النظام األول ٌعرؾ بالنظام المؽلق‪ ،‬وتؤخذ به أؼلب الدول األوروبٌة الؽربٌة مثل فرنسا‪،‬‬
‫وبرٌطانٌا‪ ،‬وبلجٌكا‪ ،‬وألمانٌا‪ ،‬وبعض الدول اآلسٌوٌة مثل الٌابان‪ ،‬ومعظم الدول العربٌة‪ .‬فً هذا‬
‫النظام ُتعرؾ الوظٌفة العامة على أنها مهنه البد أن ٌتفرغ لها الموظؾ طٌلة حٌاته‪ ،‬وتتمٌز‬
‫باالستقرار حٌث ٌُعٌن الفرد بناء على شروط معٌنه وٌبقى فٌها حتى ٌستقٌل أو ٌُحال على‬
‫التقاعد‪ .‬كما ٌكرس فً إطاره الموظؾ نشاطه ووقته الرسمً للوظٌفة‪ ،‬وتحكمه قواعد‬
‫واجراءات تنظم حقوقه وواجباته‪ٌ .‬عتمد الترقً فً هذا النظام على سلم الترقٌات وأقدمٌة‬
‫الموظؾ وتلتزم فٌه الدولة بدفع الراتب التقاعدي (المعاش) لمن ٌخدم فترة زمنٌة معٌنة‪ .‬من‬
‫عٌوب هذا النظام عدم قدرة الدولة على تحمل تكلفة األجور‪ ،‬و تدنً انتاجٌة العاملٌن و ضعؾ‬
‫روح المبادرة و التطوٌر لدٌهم لقناعتهم بدٌمومة العمل‪.‬‬

‫النظام الثانً ٌعرؾ بالنظام المفتوح‪ ،‬وتؤخذ به الوالٌات المتحدة األمرٌكٌة‪ ،‬وكندا‪ ،‬وسوٌسرا‪،‬‬
‫وفنلندا‪ .‬فً هذا النظام‪ ،‬تتولى المإسسة مهمة تحدٌد الوظابؾ و الوصؾ الوظٌفً‪ ،‬والمإهالت‬
‫المطلوبة‪ ،‬و ٌتم اختٌار المتقدمٌن لشؽل الوظابؾ وفقا ألهلٌتهم وجدارتهم‪ٌ .‬رتبط بقاء الموظؾ‬
‫فً عمله بمدى كفاءته وفاعلٌته بحٌث ٌكون له الحق فً ترك الوظٌفة بكامل إرادته حال ما‬
‫ارتؤى ذلك وبموجب اشعار للمإسسة قبل ترك الوظٌفة بفترة مناسبة‪ .‬إضافة إلى أن المإسسة ال‬
‫تلتزم بترقٌة الموظؾ أو ترفٌعه وفقا لألقدمٌة بل تسمح له بالتقدم لشؽل الوظٌفة األعلى إذا كان‬
‫مإهال لها‪ ،‬وعندها ٌعٌن كموظؾ جدٌد‪ٌ .‬خول النظام لإلدارة أن تعٌن متى تشاء وتستؽنى‬
‫عمن تشاء من موظفً الخدمة العامة وفقا لظروؾ العمل على أسس الجدارة واالستحقاق فقط‪.‬‬
‫تتلخص عٌوب النظام فً كونه نظام ٌصلح لبٌبة ذات إمكانٌات علمٌة وبشرٌة عالٌة المستوى‬
‫لذلك فهو ٌطبق فً عدد من الدول المتقدمة‪ .‬كما أنه ٌُبقً العاملٌن فً نظم الخدمة المدنٌة فً‬
‫قلق مستمر نتٌجة عدم االستقرار وٌتسبب فً انهاك إدارة األفراد بعملٌات االختٌار المتكررة‪ .‬و‬
‫على الرؼم من أن الخدمة المدنٌة السودانٌة سلٌلة الخدمة المدنٌة البرٌطانٌة و تتبنى النظام‬
‫المؽلق‪ ،‬اال أنها تراجعت فً أدابها و كفاءتها خالل الحكم الوطنً و بالذات خالل حقبة االنقاذ‪.‬‬
‫هنالك أسباب عدٌدة لتدهور الخدمة المدنٌة‪ ،‬سٌؤتً ذكرها الحقا‪.‬‬

‫‪ .15‬تجربة شخصية‬
‫فً العام ‪ 1983‬تؤسست لجنة االختٌار للخدمة المدنٌة فً ما كان ٌعرؾ باإلقلٌم الشمالً ‪ -‬اآلن‬
‫والٌتً الشمالٌة و نهر النٌل – و مقرها فً الدامر‪ .‬كان كاتب التقرٌر أحد مإسسً اللجنة‪ ،‬و‬
‫استمر ٌشارك فً نشاطها حتً العام ‪ 1987‬حٌن حصل على منحة للدراسة فً احدى الجامعات‬
‫البرٌطانٌة‪ .‬كثٌرا ما ردد الكاتب على أسماع زمالبه فً اللجنة و المشاركٌن من خارجها تساإال‬
‫ٌتعلق بفاعلٌة طرٌقة االختٌار‪ ،‬و التً كانت تعتمد على المإهالت األكادٌمٌة و اجتٌاز معاٌنة‬
‫‪15‬‬
‫قصٌرة‪ .‬ان صعوبة االختٌار ٌمكن عرضها على شكل تساإل‪ :‬كٌؾ ٌتسنى الحكم على صالحٌة‬
‫متقدم لوظٌفة فً مدخل الخدمة عمره أكثر من مباتً ألؾ ساعة خالل مقابلة ال تستؽرق أكثر‬
‫من ربع ساعة؟! مبتا ألؾ ساعة من التعقٌدات و المعاناة و التراكم المعرفً و التجارب الناجحة‬
‫و الفاشلة‪ ،‬و االنفعاالت الطٌبة و الخبٌثة‪ ،‬و حاالت الصحة و المرض‪ ،‬و التؤرجح بٌن األحالم‬
‫و األوهام‪ ،‬و المؽروس من الصفات و المكتسب منها؟ بالطبع كانت هنالك معاٌٌر سهلة القٌاس‬
‫كالمإهل األكادٌمً‪ ،‬و المظهر العام للمتقدم أو المتقدمة للوظٌفة‪ ،‬و العٌوب الظاهرة كاالستهتار‬
‫و عدم المباالة‪ ،‬باإلضافة الى االعاقات الجسدٌة الخطٌرة‪ .‬أما خالؾ ذلك فان العملٌة أشبه ما‬
‫تكون بمحاولة العثور على ابرة فً كومة قش خالل دقابق‪ .‬و لهذا ساد االعتقاد‪ ،‬و ما زال حتً‬
‫الٌوم‪ ،‬أن عملٌة االختٌار لٌست بالقاطعة‪ ،‬حتى بالنسبة ألولبك الذٌن تخصصوا فً هذا المجال‪.‬‬
‫و اذا استبعدنا المحسوبٌة‪ ،‬فان اجتٌاز المعاٌنة قد ٌصبح مجرد حظ‪ .‬فاذا كان االختٌار لمدخل‬
‫الخدمة ٌحتاج الى اختبار و معاٌنة و تدقٌق‪ ،‬فان اختٌار الوزراء و الوالة و القادة ‪ ،‬أكثر تعقٌدا‪،‬‬
‫و ٌستدعً اختبارات صارمة لتمٌٌز الطٌب من الخبٌث‪ .‬ان المعاناة التً ٌالقٌها المواطن فً‬
‫معاشه ما هً اال نتاج لسوء االختٌار للوظابؾ القٌادٌة‪ ،‬سٌاسٌة كانت أم ؼٌرها‪.‬‬

‫اآلن لنعد الى موضوع المعاٌنات و نسؤل عن طبٌعة المعلومات التً ترؼب فٌها أٌة لجنة‬
‫معاٌنة لقٌاس قدرات طالب الوظٌفة‪ .‬فً كثٌر من األحٌان ٌسؤل المتقدم عن أشٌاء عامة قد ال‬
‫تكون ذات عالقة بالوظٌفة‪ ،‬و أحٌانا تطرح علٌه أسبلة من شؤنها استدراجه للوقوع فً الخطؤ‪.‬‬
‫و مثال ذلك ما ذكرته احدى الفتٌات أنها سبلت فً المعاٌنة عن عدد ركعات صالة الجنازة‪ .‬ان‬
‫االسبلة التً على شاكلة هذا السإال ؼٌر منتجة‪ ،‬و تنم عن ضعؾ السابل ال المسبول‪ .‬أوال لٌس‬
‫من ثقافة المرأة السودانٌة المشاركة فً تشٌٌع الموتى و الصالة علٌهم‪ ،‬و ثانٌا معرفة تفاصٌل‬
‫صالة الجنابز ال تفٌد سٌدة فً مقتبل العمر ترؼب فً العمل فً مجال علمً بحت كما كان حال‬
‫تلك ال فتاة‪ ،‬و ثالثا و كما هو معلوم للجمٌع أن صالة الجنازة لٌس فٌها ركعات‪ .‬ألٌس ذلك هو‬
‫عٌن االستدراج للوقوع فً الخطؤ؟‬

‫و كما ٌقولون الشًء بالشًء ٌذكر و لكنه لٌس منفصال عنه تماما‪ ،‬استمع الكانب ذات مرة‬
‫لبنات صؽٌرات فً السنوات األولى من مرحلة األساس ٌرددن ما تعلمنه ٌومها من نواقض‬
‫الوضوء‪ ،‬فكن ٌتصاٌحن قابالت‪" :‬اذا مس الرجل ذكره"‪ .‬ما من شك أن القارئ الواعً‬
‫سٌستنكر اعطاء تلمٌذات صؽٌرات تلك المعلومة و أمثالها‪ ،‬و ذلك لسببٌن أولهما أن موضوع‬
‫نقض الوضوء عن طرٌق مس الذكر لٌس مما ٌتعلق باألنثى ألنها ال تمتلك ذلك العضو الذي‬
‫ٌنسب الٌه نقض الوضوء‪ .‬ثانٌا أن الطفل – ذكرا كان أو انثى – ال ٌمكن أن ٌدرك الموضوع‬
‫ادراكا صحٌحا‪ ،‬بل قد ٌتطور األمر عنده الى أبعد من ذلك فٌإدي الى كراهٌة ذلك العضو‪.‬‬
‫أضؾ الى ذلك أن مفردة "مس" هذه قد ال ٌتسنى للكبار فهمها دعك من االطفال الصؽار‪ .‬فما‬
‫أشبه اختبار الطفل الصؽٌر بسإاله عن نواقض الوضوء و اختبار تلك السٌدة عن صالة الجنازة‪.‬‬
‫اذن ال ؼرابة أن ٌقود تعلٌم كهذا الى معاٌنة كتلك‪.‬‬

‫‪ .16‬الخدمة المدنية و السياسة‬


‫ان الحٌاد فً الخدمة العامة‪ ،‬بمفهوم ال مجال للسٌاسة الحزبٌة فً االدارة المدنٌة‪ ،‬شرط مسبق‬
‫لضمان معاملة المواطنٌن بعدالة و مساواة بؽض النظر عن مٌولهم السٌاسٌة‪ .‬عملٌا ال ٌتحقق‬

‫‪16‬‬
‫ذلك اال بتوفر المهنٌة و االستحقاق و الكفاءة فً قادة الخدمة المدنٌة‪ .‬فً ذات الوقت ٌجب أن‬
‫ٌخضع العاملون فً الخدمة المدنٌة للمساءلة عن األداء بواسطة الحكومة‪.‬‬

‫هنالك جدل دابم حول العالقة بٌن الجهازٌن البٌروقراطً و السٌاسً‪ ،‬و ٌنحو بعضهم الى أن‬
‫قسمة العمل بٌن السٌاسٌٌن و البٌروقراطٌٌن تإدي الى تحسٌن األداء بشرط أن ٌكون هنالك‬
‫تمٌٌز واضح بٌن الشرٌكٌن‪ .‬و اصحاب هذا الرأي ٌعتبرون االدارة المدنٌة من أدوات و توابع‬
‫السٌاسٌٌن بوصفهم خبراء مهمتهم تقدٌم المشورة للسٌاسٌٌن‪ ،‬و تنفٌذ قراراتهم‪ .‬و بالمقابل هنالك‬
‫خطورة فً سٌطرة موظؾ الخدمة المدنٌة على السٌاسً من خالل التفوق المعرفً‪ ،‬و الخبرة‬
‫المهنٌة‪ ،‬و التجربة الممتدة‪ ،‬و ذلك على نقٌض الوزراء الذٌن ٌتؽٌرون كثٌرا‪ .‬اضؾ الى ذلك أن‬
‫البٌروقراطً ٌمكن أن ٌخزل السٌاسً و ٌقوده الى الفشل بحجب معلومات مهمة عنه‪.‬‬

‫فً دراسة عن التدخل السٌاسً فً الوظابؾ المدنٌة العلٌا‪ ،‬و رسم الحدود بٌن مسبولٌات‬
‫الوزراء و قادة الخدمة المدنٌة‪ ،‬شملت ‪ 12‬دولة فً اوروبا و أمرٌكٌا و آسٌا و أفرٌقٌا‪ٌ ،‬وجد‬
‫وصؾ للطرق التً سلكتها الدول المختلفة لوضع ترتٌبات مإسسٌة للموازنة بٌن مطلوبٌن‬
‫األول‪ :‬تفادي استقالل الخدمة المدنٌة للدرجة التً تصبح معها عصٌة على القٌادة السٌاسٌة‪ ،‬و‬
‫الثانً‪ :‬خدمة مدنٌة مسٌسة و خاضعة للرعاٌة الحزبٌة‪ .‬و خلصت الدراسة الى نتابج منها‪:‬‬

‫بٌنما حٌاد الخدمة المدنٌة‪ ،‬بمعنً الالحزبٌة‪ ،‬هو المبدأ المعلن بواسطة جمٌع الدول التً‬ ‫‪.1‬‬
‫شملتها الدراسة‪ ،‬اال أن ذلك ال ٌتحقق فً التعٌٌن فً المناصب العلٌا‪.‬‬
‫لكل دولة مجموعة من القوانٌن و األعراؾ و االجراءات التً تحدد قسمة المسبولٌة بٌن‬ ‫‪.2‬‬
‫الوزراء و موظفً الخدمة المدنٌة‪ ،‬و أحٌانا تإدي الى منع السٌاسٌٌن و موظفً الخدمة‬
‫المدنٌة من التدخل فً مجال من المجاالت‪.‬‬
‫هنالك تنوع فً ترتٌبات االشراؾ المإسسً لتقٌٌد التدخل السٌاسً فً شبون األفراد‪ ،‬و‬ ‫‪.3‬‬
‫االذعان لألدوار الوظٌفٌة‪.‬‬
‫الترتٌبات ؼٌر الرسمٌة‪ ،‬و بالذات األعراؾ الشعبٌة المتجذرة ‪ ،‬لها أهمٌة كبٌرة لضمان‬ ‫‪.4‬‬
‫خدمة مدنٌة ال حزبٌة‬

‫‪ .17‬التدخل السياسي في قرارات التوظيف‬


‫ال تسلم الخدمة المدنٌة فً كثٌر من الدول من التدخالت السٌاسٌة‪ .‬و لحماٌتها من تؽول السٌاسة‪،‬‬
‫ٌجب أن تخضع قرارات التعٌٌن إلجراءات حٌادٌة و نزٌهة‪ .‬لكن فً كثٌر من األحٌان‪ٌ ،‬حتفظ‬
‫السٌاسٌون ألنفسهم بحق اتخاذ القرارات التً تتعلق بالتوظٌؾ و شبون األفراد‪ .‬و فً بعض‬
‫البالد ال ٌكتفً السٌاسٌون بمنح المناصب للموالٌن بدال من أصحاب الكفاءة فحسب‪ ،‬بل ٌذهب‬
‫بعضهم الى أبعد من ذلك بمنح الوظٌفة الى أضعؾ المتقدمٌن لها‪.‬‬

‫ٌعتبر البنك الدولً أن اصالح و تطوٌر طرق االختٌار للوظابؾ فً المإسسات العامة أهم‬
‫عامل لنجاح برامج التنمٌة‪ .‬بٌنما ٌالحظ المرء تبنً دول كثٌرة أنظمة للخدمة المدنٌة‪ ،‬اال أن‬
‫هنالك عقود عمل مإقتة و مجموعة من الوظابؾ تم اعفاإها من لوابح الخدمة‪ ،‬فؤصبحت لذلك‬
‫مدخال للتؤثٌر السٌاسً‪ ،‬و كان هذا من الممارسات الخاطبة فً عهد النظام البابد اذ ابتدع فكرة‬
‫الخبٌر الوطنً‪ ،‬فكانت مدخال للتعٌٌنات السٌاسٌة‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫الى أي مدى ٌكون تؤثٌر التدخل السٌاسً فً قرارات التوظٌؾ فً القطاع العام‪ ،‬و ما هً‬
‫النتابج المترتبة على ذلك؟ هنالك دراسة حاولت االجابة على تلك التساإالت و اتخذت‬
‫البرازٌل مسرحا لها‪ ،‬ألن السٌاسٌٌن البرازٌلٌٌن ٌحتفظون ألنفسهم بدور كبٌر فً اتخاذ قرارات‬
‫التوظٌؾ‪ .‬فً بحث منشور فً العام ‪ 2019‬تم استخدام بٌانات ملٌونٌن من اتباع األحزاب‬
‫البرازٌلٌة فً االنتخابات المحلٌة‪ ،5‬و بالتحدٌد السٌاسٌٌن المحلٌٌن و داعمً الحمالت‪ .‬هإالء‬
‫األفراد ٌمكن تمٌٌزهم بوضوح كؤنصار لحزب محلً محدد و ذلك اعتمادا على انتسابهم أو‬
‫قبول هباتهم أو تبرعاتهم المالٌة‪ .‬لقد تم متابعة سجالت القطاعٌن العام و الخاص خالل الفترة‬
‫من ‪ 1997‬لؽاٌة ‪ 2014‬لتتبع وظابؾ سوق العمل النصار االحزاب‪ .‬و ألن البٌانات المتوفرة‬
‫تؽطً القطاع العام فقد تسنى تحلٌل دور العالقات السٌاسٌة على كل المستوٌات العلٌا و‬
‫الوسٌطة و الدنٌا‪.‬‬

‫فً المرحلة األولى فً التحلٌل‪ ،‬تم طرح تساإل اذا ما كان أنصار الحزب الحاكم فً بلدٌة‬
‫ٌتمتعون بوصول أسهل الى الوظابؾ العامة‪ ،‬لهذا تم مقارنة أنصار الحزب الفابز مع أنصار‬
‫الحزب الخاسر فً نفس البلدٌة مع التركٌز على البلدٌات التً فاز فٌها (حزب العمدة) بفارق‬
‫بسٌط على الحزب المنافس‪ .‬و ألن نتابج تلك االنتخابات كانت متقاربة‪ ،‬فلٌس من المحتمل أن‬
‫تكون االختالفات بٌن أنصار الحزبٌن قبل االنتخابات كبٌرة‪ .‬و فً السنوات التً سبقت‬
‫االنتخابات كان احتمال استٌعاب أنصار الحزبٌن فً الخدمة المدنٌة متماثال‪ .‬بعد االنتخابات تؽٌر‬
‫الوضع‪ ،‬فقد زادت فرص أنصار الحزب الفابز فً الحصول على وظابؾ فً القطاع العام‬
‫مقارنة مع انصار الحزب المهزوم‪.‬‬

‫لقد توصلت الدراسة الى‪ :‬أوال أن العالقات السٌاسٌة تلعب دورا مهما على كل القطاع العام‪ ،‬ال‬
‫على المستوى العالً فحسب بل ٌمتد اثرها الى المستوى الوسٌط و المستوى الدنٌا‪ .‬ثانٌا‪ :‬عندما‬
‫تم قٌاس مقدار التؤٌٌد الذى وفره الشخص لحزبه (بالتحدٌد المبالػ التً جمعها أو األصوات التً‬
‫حشدها للحزب)‪ ،‬وجد أن مقدار التفضٌل للشخص ٌزداد كلما كان الدعم الذى قدمه للحزب‬
‫أكبر‪ .‬ثالثا‪ :‬وجد أن الوالء للحزب ٌؤتً فً المرتبة الثانٌة فً المعاملة التفضٌلٌة‪ .‬فاألشخاص‬
‫الذٌن كانوا ٌإٌدون الحزب من زمن طوٌل لم ٌنالوا جزاء أكبر مما حصل علٌه المتحولون‬
‫للحزب قرٌبا‪ .‬بمعنى آخر أن الدافع للجزاء هو مقدار التؤٌٌد و الدعم الذى حصل علٌه الحزب ال‬
‫االلتزام األٌدٌولوجً برسالة الحزب‪.‬‬

‫فً المرحلة التالٌة فً التحلٌل تم قٌاس كفاءة األنصار الذٌن قد ٌكسبون أكثر من عالقاتهم‬
‫السٌاسٌة‪ .‬باستخدام طرق معٌنة للقٌاس‪ ،‬وجد أن العالقات السٌاسٌة ذات فابدة فً اٌجاد وظٌفة‬
‫فً القطاع العام ألقل أنصار الحزب كفاءة‪ .‬لقد وجد أٌضا أن منظومة الخدمة المدنٌة تتعرض‬
‫الضطراب كبٌر عندما ٌتؽٌر الحزب الحاكم‪ٌ ،‬قود بدوره الى تردي الخدمات‪ ،‬و السبب احالل‬
‫بعض أنصار الحزب المنتصر محل أنصار الحزب المهزوم‪.‬‬

‫و ٌخلص التقرٌر الى أن الدراسة‪ ،‬رؼم أنها تتعلق بالبرازٌل‪ ،‬اال أن الحالة البرازٌلٌة قد تمثل‬
‫الحد األدنى لوجود الظاهرة فً القطاعات العامة فً دول أمرٌكا الالتٌنٌة و كل الدول النامٌة‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪The role of political connections in public employment dynamics, Emanuele‬‬
‫‪Colonnelli, Mouno Prem, Edoardo Teso , September‬‬

‫‪18‬‬
‫‪ .18‬مبادرات عربية إلصالح الخدمة المدنية‬
‫الدول العربٌة مثلها مثل الدول النامٌة األخرى حٌث ٌستخدم السٌاسٌون الخدمة المدنٌة كؤداة‬
‫لتنفٌذ خططهم إلحداث تنمٌة اجتماعٌة و اقتصادٌة‪ .‬و لقادة الدول سلطات واسعة على الخدمة‬
‫المدنٌة‪ ،‬و لهذا فإنها تعتبر تابع للنظام و ال تتمتع باستقاللٌة فً اتخاذ القرارات‪ .‬كما تعانً من‬
‫تخمة فً العمالة ذات الوالء السٌاسً‪ ،‬قلٌلة التدرٌب‪ .‬و مجمل القول أن الخدمة المدنٌة تستخدم‬
‫لحماٌة األنظمة و بقابها فً السلطة‪.‬‬
‫فً إطار جهوده لدعم متخذي القرار وصناع السٌاسات االقتصادٌة فً الدول العربٌة‪ ،‬أصدر‬
‫صندوق النقد العربً‪ 6‬تقرٌرا بعنوان " إصالحات نظام الخدمة المدنٌة " لكون إصالح نظام‬
‫الخدمة المدنٌة ٌُعد واحدا من أهم عناصر اإلصالح المالً فً العدٌد من الدول على اختالؾ‬
‫تقدمها االقتصادي‪ٌ .‬تمثل جوهر إصالحات نظام الخدمة المدنٌة فً ضمان تقدٌم الخدمات‬
‫الحكومٌة بالكفاءة الالزمة وفً إطار ٌضمن االستدامة‪ .‬و تشمل تلك االصالحات ترشٌد واحتواء‬
‫الزٌادة فً كلفة بند األجور فً الموازنة العامة للدولة‪ ،‬وإخضاع نظم الخدمة المدنٌة لعدد من‬
‫المعاٌٌر الكفٌلة بتعزٌز مستوٌات المساءلة والشفافٌة‪ ،‬وتحسٌن معدالت االنتاجٌة‪ ،‬وتنفٌذ‬
‫إصالحات تستهدؾ تنمٌة قدرات العاملٌن فً هذا القطاع لرفع مستوى كفاءة الخدمات الحكومٌة‬
‫المٌقدمة‪ ،‬وإخضاع التعٌٌن والترقً لمعاٌٌر تضمن الجدارة واالستحقاق والتنافسٌة‪.‬‬

‫تشٌر التجارب الدولٌة إلى نجاح عدد من الدول المتقدمة فً تنفٌذ إصالحات نظام الخدمة المدنٌة‪،‬‬
‫بٌنما تتوفر دالبل قلٌلة على نجاح هذه اإلصالحات فً البلدان النامٌة‪ ،‬و ذلك ألسباب عدة منها‪:‬‬

‫‪ ‬عدم توفر اإلرادة السٌاسٌة الكافٌة لإلصالح‪.‬‬


‫‪ ‬نقل الهٌاكل والممارسات التنظٌمٌة المرتبطة بسٌاسات اإلصالح من بلد إلى آخر دون‬
‫مراعاة اختالؾ طبٌعة نظم الخدمة المدنٌة‪.‬‬
‫‪ ‬عدم دمج أنشطة اإلصالح فً إطار أوسع للسٌاسات وبرامج اإلصالح االقتصادي‬
‫وتطوٌر التعلٌم بما ٌساهم فً االرتقاء بمستوى موظفً نظم الخدمة المدنٌة‪.‬‬

‫باإلضافة الى تلك التحدٌات‪ ،‬واجهت الدول العربٌة فً سعٌها إلصالح نظم الخدمة المدنٌة‬
‫مجموعة أخرى من التحدٌات كان من أهمها ‪ ،‬هٌاكل الخدمة المدنٌة المتضخمة‪ ،‬وعدم العدالة فً‬
‫توزٌع الرواتب واألجور‪ ،‬وتدنً أجور الموظفٌن فً بعض البلدان‪ ،‬وعدم مرونة التسلسل‬
‫الهرمً‪ ،‬وانعدام الشفافٌة‪ ،‬وعدم كفاءة برامج التدرٌب وبناء القدرات‪ ،‬إلى جانب تحدٌات ترتبط‬
‫بكثرة التشرٌعات وتضاربها‪ ،‬والمركزٌة الشدٌدة فً العمل الحكومً‪ ،‬والحاجة إلى آلٌات رفع‬
‫انتاجٌة العمالة الحكومٌة وتنافسٌتها وانخفاض مستوى الخدمات العامة‪ .‬و فً اطار الدروس‬
‫المستفادة من التجارب الدولٌة‪ٌ ،‬سوق التقرٌر بعض التوصٌات إلصالح الخدمة المدنٌة فً‬
‫الدول العربٌة‪ ،‬وهً‪:‬‬

‫‪ .1‬تحسٌن جودة الخدمات الحكومٌة بالتركٌز على رضاء المواطنٌن‪ ،‬و تخفٌض الخدمات‬
‫المقدمة لهم من خالل االستعانة بمإسسات القطاع الخاص‪ ،‬و تعزٌز التحول الى‬
‫الالمركزٌة بمنح دور أكبر للوحدات الحكومٌة المحلٌة‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫نافذة على طرٌق االصالح‪ :‬اصالحات نظم الخدمة المدنٌة فً الدول العربٌة‪ ،‬صندوق النقد العربً‪.‬‬
‫‪19‬‬
‫تحسٌن بٌبة العمل عن طرٌق تحسٌن شروط التوظٌؾ‪ ،‬و قٌاس الرضا الوظٌفً‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫ربط الحوافز المادٌة باألداء‪ ،‬و ادخال مفهوم التعاقد بحٌث ٌصبح التعٌٌن بموجب عقد‬ ‫‪.3‬‬
‫ٌجدد سنوٌا‪.‬‬
‫ضمان استدامة االجور بإٌجاد موارد مستدامة لتموٌل االجور‪ ،‬و ربط الزٌادة فً‬ ‫‪.4‬‬
‫االجور بالتحسن فً مستوٌات االنتاج‪.‬‬
‫تعزٌر شفافٌة و نزاهة نظم الخدمة المدنٌة و ذلك عن طرٌق استراتٌجٌات لمكافحة‬ ‫‪.5‬‬
‫الفساد‪..‬‬

‫‪ .19‬مبادرات أفريقية إلصالح الخدمة المدنية‬


‫رصد برنامج األمم المتحدة االنمابً مجموعة من المبادرات التً قامت بتطوٌرها منظمات‬
‫دولٌة أو اقلٌمٌة لتقوٌم القٌادة و ادارة الخدمة المدنٌة‪ ،‬و مثال لذلك برنامج الحوكمة و االدارة‬
‫العامة فً افرٌقٌا‪ ،)1998( 7‬الذى ٌتعلق بتقدٌم الخدمة و تطوٌرها‪ ،‬و الموارد البشرٌة‪ ،‬و‬
‫تكنولوجٌا المعلومات و االتصاالت‪ ،‬و الخدمة العامة‪ ،‬و التطوٌر التنظٌمً و المإسسً‪ ،‬و‬
‫المتابعة و التقوٌم‪ .‬و قد تمت صٌاؼة رإٌة الدولة – ذات التوجه التنموي القادرة فً أفرٌقٌا –‬
‫على اعتبار أنها‪ " :‬دولة تلتزم بضمان حٌاة افضل لكافة مواطنٌها‪ ،‬و تعزز المشاركة‬
‫المجتمعٌة‪ ،‬و تستند الخدمة المدنٌة فٌها الى مبدأ الجدارة ‪ ،‬و الدافع لخدمة مواطنٌها‪ ،‬و لدٌها‬
‫نظم ادارة عامة المركزٌة سلٌمة‪ ،‬و تدعم الشفافٌة و المساءلة أمام مواطنٌها و مإسساتها‪ ،‬و‬
‫لدٌها اطار عمل اقتصادي كلً سلٌم‪ٌ ،‬قضً على الفقر‪ ،‬و ٌحقق األهداؾ االنمابٌة لأللفٌة‬
‫الثالثة‪ ،‬و تعمل على تنفٌذ التزاماتها القارٌة فٌما ٌخص الحوكمة واالدارة العامة‪ ،‬و تقوم بإدارة‬
‫مالٌتها العامة بفعالٌة‪ ،‬و تدعمها السٌاسة الدٌمقراطٌة"‬

‫لكً تتمٌز االدارة الحكومٌة فً أدابها‪ ،‬و تستجٌب لحاجات المواطنٌن و طموحاتهم‪ ،‬تبدو الحاجة‬
‫ملحة لتبنً آلٌات و مبادرات إلصالح الخدمة المدنٌة فٌما ٌتعلق بالترتٌبات المإسسٌة التً تحكم‬
‫التعٌٌن و الترقً فً الوظابؾ‪ ،‬باإلضافة الى ادارة شبون االفراد‪ٌ .‬عد "التوظٌؾ الدابم" بمنزلة‬
‫الوضع المعتاد فً االدارة الحكومٌة‪ ،‬الذى ٌمنح اعلى درجات األمان الوظٌفً مقارنة بالقطاع‬
‫الخاص‪ .‬هذ الوضع بدأ ٌتؽٌر منذ عدة عقود من الزمن‪ ،‬و قد واكب ذلك أربعة مسارات هً‪:‬‬
‫‪ ‬التخلص تدرٌجٌا من قواعد التوظٌؾ مدى الحٌاة فً الحكومة‪ ،‬و اخضاع موظفً‬
‫الخدمة المدنٌة لقوانٌن العمل المعتادة فً القطاع الخاص‪.‬‬
‫‪ ‬االبقاء على التوظٌؾ مدى الحٌاة فً الحكومة مع استخدام عقود ألجل و ربطها‬
‫باألداء‪.‬‬
‫‪ ‬استبدال التعٌٌن مدى الحٌاة بعقود قصٌرة األجل‪ٌ ،‬تم تجدٌدها وفقا لمستوى األداء‪.‬‬
‫‪ ‬استخدام عقود للموظفٌن من خارج الخدمة المدنٌة فً وظابؾ بعٌنها‪.‬‬

‫لقد تعاظم االهتمام لدى دول كثٌرة بمجموعة كبار موظفً الخدمة المدنٌة لكونها أحد المإثرات‬
‫الربٌسة فً اداء االدارة الحكومٌة‪ ،‬و تعتبر من ضرورات اصالح نظم الخدمة المدنٌة‪ .‬و ٌتم‬

‫‪7‬‬
‫‪African Governance Institute, "Long-term Strategy African Governance and Public Administration‬‬
‫‪th‬‬
‫‪Programme",‬‬ ‫‪Conference of Ministers of Public Service, Johannesburg,‬‬
‫‪20‬‬
‫اختٌار تلك القٌادات وفقا لمنهج منتظم ٌؤخذ بعٌن االعتبار تقٌٌم األداء فً الفترة السابقة‪ .‬و فً‬
‫سبٌل تبنى عملٌة اصالح منظومة ادارة الوظابؾ القٌادٌة‪ ،‬تم اقتراح االتً‪:‬‬

‫النزاهة‪ :‬تمثل منظومة قٌم الصدق و األمانة و االخالص فً العمل و تقدٌم الصالح‬ ‫‪o‬‬
‫العام على المصالح الشخصٌة‪.‬‬
‫الشفافٌة‪ :‬تعنى الوضوح داخل المإسسة و فً العالقة مع المواطنٌن و علنٌة االجراءات‬ ‫‪o‬‬
‫و الؽاٌات و األهداؾ‪.‬‬
‫العدالة‪ :‬تعنى تطبٌق القواعد فً اطار من العدالة و المساواة بٌن الجمٌع حفاظا على‬ ‫‪o‬‬
‫االحترام المتبادل بٌن أعضاء فرٌق العمل‪.‬‬
‫التمٌز‪ٌ :‬عنى تحقٌق افضل ما ٌمكن للشخص القٌام به‪.‬‬ ‫‪o‬‬
‫التفكٌر االٌجابً‪ٌ :‬عنى المحافظة على التوازن فً ادراك مختلؾ القضاٌا و التركٌز‬ ‫‪o‬‬
‫على االٌجابٌات بدال عن السلبٌات و األخذ بزمام المبادرة‪.‬‬

‫و من التوصٌات التً تم تقدٌمها‪ :‬خفض مستوى الحماٌة و االمتٌازات المقدمة بحٌث تقترب‬
‫منظومة ادارة موظفً الخدمة المدنٌة من تلك المطبقة فً القطاع الخاص‪.‬‬

‫‪ .02‬مسيرة الخدمة المدنية في السودان‬


‫ٌستعرض حمور‪ 8‬تارٌخ الخدمة المدنٌة فً السودان‪ ،‬و ٌقول انها تعرضت لعدم االستقرار‬
‫نتٌجة لتقلب أنظمة الحكم بٌن مدنً و عسكري‪ .‬ورؼم اعتقاده بؤن النظام الموروث من‬
‫المستعمر البرٌطانً كان كفٌال بتوفٌر االستقرار للخدمة المدنٌة و ٌمكنها من أداء رسالتها‬
‫بكفاءة بعد االستقالل‪ ،‬اال أن ذلك لم ٌحدث لدخول متؽٌرٌن جدٌدٌن موضوعٌٌن و هما‪:‬‬

‫أوال‪ :‬ظهور المستوى السٌاسً والمتمثل فً الوزراء والنواب البرلمانٌٌن والقٌادات الحزبٌة‪،‬‬
‫والتً كانت ترى فً الخدمة المدنٌة إدارة لتنفٌذ سٌاساتها دونما اعتبار لخبرتها او مهنٌتها‪ .‬و‬
‫لهذا فقد بدأ التدخل السٌاسً بصورة مباشرة وؼٌر مباشرة فً سٌاسات الخدمة المدنٌة و‬
‫قراراتها و ادابها بما ال ٌتفق والتقالٌد المرعٌة والموروثة من الحكم البرٌطانً وهو ما انعكس‬
‫سلبا على سالمة وكفاءة الجهاز اإلداري للخدمة المدنٌة‪.‬‬

‫ثانٌا‪ :‬تطلعات وطموحات المواطنٌن فً خدمات أفضل وفً االستجابة العاجلة لمطالبهم فً‬
‫توفٌر ضرورٌات الحٌاة الٌومٌة‪ ،‬وفً مشارٌع التنمٌة‪ ،‬الشًء الذي لم تعهده كوادر الخدمة‬
‫المدنٌة‪ ،‬أثر سلبا على االسلوب الذي ورثته فً أدابها ألعمالها من العهد البرٌطانً وهو ما أدى‬
‫الى نوع من العداء والرٌبة بٌن الجهاز اإلداري وبٌن مواطنً األقالٌم الذٌن بدأوا ٌحسون بالؽبن‬
‫والتهمٌش من قٌادات الخدمة المدنٌة فً المركز وعلى المستوى السٌاسً‪.‬‬

‫و ٌضٌؾ حمور أن الحكومة االولً‪ ،‬التً تسلمت الحكم من المستعمر البرٌطانً فً سنة‬
‫‪ ، 1956‬اهتمت بتطوٌر وتؤهٌل العاملٌن‪ ،‬و تم ابتعاث العدٌد من القٌادات االدارٌة و الجامعٌٌن‬
‫الى برٌطانٌا و اوروبا وامرٌكا لتؤهٌلهم وتمكٌنهم من التخصص فً مختلؾ المجاالت‪ .‬وتم‬

‫‪8‬‬
‫مٌرؼنً عبدالعال حمور‪ ،‬معهد دراسات االدارة العامة و الحكم االتحادي – جامعة الخرطوم‬
‫‪21‬‬
‫على المستوى المحلً أنشاء معهد اإلدارة العامة فً سنة ‪ 1960‬لتدرٌب وتؤهٌل الكوادر‬
‫الوسطى فً الخدمة المدنٌة‪.‬‬

‫بعد االنقالب العسكري فً العام ‪ 1958‬تلقت الخدمة المدنٌة أول صفعة بتقلٌص المشاركة‬
‫الشعبٌة فً المجالس المحلٌة‪ ،‬و ذلك بعد أن عملت الحكومة آنذاك على انشاء مجالس المدٌرٌات‬
‫التً جاء أؼلب أعضابها بالتعٌٌن‪ .‬اما الصفعة الثانٌة للخدمة المدنٌة فكانت بعد ثورة اكتوبر و‬
‫تمثلت فً ما عرؾ بالتطهٌر‪ ،‬والذى كان من نتابجه ابعاد العدٌد من العاملٌن بالخدمة العامة‬
‫على أسس ال عالقة لها بالكفاءة او الجدارة او االلتزام بقوانٌن الخدمة‪.‬‬

‫اتجهت حكومة اكتوبر إلصالح الخدمة المدنٌة فً هٌاكلها ونظمها‪ ،‬و من ذلك رفع االجور و‬
‫مساواة مرتبات النساء و الرجال‪ .‬و تم تكوٌن لجنة‪ ،‬من جملة لجان أخرى‪ ،‬بؽرض تنظٌم‬
‫الخدمة المدنٌة‪ ،‬و تقٌٌم وضعها و تنظٌم العالقة بٌن أجهزتها‪ .‬و قد تم العمل بتوصٌات تلك‬
‫اللجنة بعد انقالب ماٌو‪ ،‬و انشؤت وزارة للخدمة العامة و االصالح االداري‪ .‬و قد عجزت‬
‫الوزارة عن تحقٌق أهدافها لعدة أسباب منها أن اإلصالح اإلداري ٌتطلب مناخا من‬
‫الدٌموقراطٌة والمشاركة والشفافٌة و تداول اآلراء والمكاشفة الشًء الذي لم ٌكن ٌتوفر فً ظل‬
‫نظام شمولً‪ .‬باإلضافة الى سٌطرة قٌم و مفاهٌم جدٌدة على الخدمة المدنٌة اذ حل االختٌار و‬
‫التعٌٌن على أساس الوالء و االنتماء لالتحاد االشتراكً محل الجدارة و التؤهٌل العلمً و‬
‫األكادٌمً‪.‬‬

‫قامت الحكومة المنتخبة بعد ثورة ابرٌل التً أطاحت بنظام ماٌو بؤنشاء وزارة للخدمة العامة و‬
‫االصالح االداري فً العام ‪ .1988‬وبدأت عملٌا من خالل اسلوب عمل ٌطلق علٌه الحصار‬
‫اإلداري وهو القٌام باإلصالح اإلداري على اساس كل وزارة على حدة‪ .‬ولم ٌستمر نشاط‬
‫اإلصالح لفترة طوٌلة حتً قام انقالب اإلنقاذ‪.‬‬

‫و ٌواصل حمور فً تعقب أسباب فشل اصالح الخدمة المدنٌة‪ ،‬فٌقول‪" :‬استمرت الحكومات‬
‫المتعاقبة على السودان فً محاوالتها ألحداث إصالح فً جهاز الخدمة المدنٌة فً السودان‪ .‬وقد‬
‫كان اسلوبها جمٌعا هو اللجوء الى تكوٌن لجان فنٌة ألحداث مثل هذا اإلصالح‪ ،‬تتساوى فً هذا‬
‫الحكومات الدٌموقراطٌة و الحكومات الشمولٌة‪ .‬اال أن نصٌب جمٌع هذه المحاوالت من النجاح‬
‫كان متواضعا‪ ،‬و ذلك ألنها كانت تصطدم جمٌعها بقضاٌا متشابهة ومتماثلة‪ .‬وٌؤتً على رأس‬
‫تلك العقبات دابما األوضاع االقتصادٌة المتردٌة لالقتصاد السودانً‪ ،‬والتً كانت تقعد‬
‫بالحكومات عن تلبٌة برامج اإلصالح الطموحة التً تتقدم بها اللجان الفنٌة المختلفة‪ .‬وكان منها‬
‫اٌضا أن برامج اإلصالح اإلداري كانت دابما تركز اهتمامها الؽالب على جوانب وابعاد تقلٌدٌة‬
‫كالهٌاكل التنظٌمٌة والنظم و اللوابح و االجراءات‪ ،‬كما كانت تدور حول الوظٌفة ولٌس‬
‫الموظؾ ومحاولة االرتقاء بمستوى أدابه والتعاطً مع توجهاته االجتماعٌة والنفسٌة وكٌفٌة‬
‫تحفٌزه‪ ،‬وربطه بطبٌعة عمله ووظٌفته‪ ،‬و االرتقاء بمستوى دافعٌته واحساسه باالنتماء‪ ".‬و‬
‫ٌضٌؾ أن محاوالت اإلصالح المتعاقبة لم تمس قضاٌا حٌاة المواطنٌن‪ ،‬ومشاكلهم المعٌشٌة اال‬
‫ما ندر‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫‪ .01‬علل الخدمة المدنية السودانية‬
‫العلل التً تعانى منها الخدمة المدنٌة فً السودان ال تختلؾ عن علل مثٌالتها فً الدول النامٌة و‬
‫بعض الدول العربٌة ‪ ،‬و منها‪:‬‬

‫التلكإ فً اتخاذ القرارات الذى ٌإدي الى ضٌاع حقوق المواطنٌن‪ ،‬و ٌتخذ أشكاال‬ ‫‪.1‬‬
‫عدٌدة منها عدم االلتزام بساعات الدوام كالحضور متؤخرا و االنصراؾ مبكرا‪ ،‬أو‬
‫االنشؽال بؤنشطة ال تمت الى العمل بصلة كاالنخراط فً قراءة الصحؾ أو متابعة‬
‫مواقع التواصل االجتماعً‪ ،‬أو الخروج ألداء واجب العزاء أو التهنبة ألحد زمالء‬
‫العمل أو األصدقاء أو المعارؾ‪ .‬عزا بعض الناس تدنً األداء و التقصٌر فً العمل‬
‫لضعؾ المرتبات‪ ،‬ؼٌر أن ذلك السلوك لم ٌتؽٌر بعد الزٌادة الكبٌرة فً المرتبات الذى‬
‫أحدثتها الحكومة االنتقالٌة مما ٌعنً أن سوء األداء ٌرجع الى أسباب اخرى ؼٌر العابد‬
‫المادي‪ ،‬و التً قد ٌكون من بٌنها عدم المساءلة‪ ،‬و ؼٌاب العقاب‪ .‬و أحٌانا ٌتسبب التلكإ‬
‫فً تقدٌم الخدمات الى نشوب الشجار بٌن المواطنٌن و الموظفٌن‪ ،‬و الذى قد ٌصل الى‬
‫مخافر الشرطة‪.‬‬
‫الترهل الذى ٌثقل كاهل المٌزانٌات العامة للدولة‪ .‬من الواضح أن التعٌٌن ال ٌتم بناء‬ ‫‪.2‬‬
‫على احتٌاجات العمل‪ ،‬و لكن ألسباب أخرى منها امتصاص العطالة و بالتالً تقلٌل‬
‫فرص الثورة على الحكومة‪ .‬لقد بات الصرؾ على الخدمة المدنٌة‪ ،‬كالصرؾ على‬
‫العطالة فً البالد المتقدمة‪.‬‬
‫الرشوة و الفساد المتمثل فً بٌع الخدمات‪ ،‬و االختالس و تزوٌر المستندات‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫تفضٌل أهل الوالء على أهل الكفاءة الذى ٌقود الى تردي الخدمات المقدمة للمواطنٌن‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫الجمود الفكري و عدم االبداع‪.‬‬ ‫‪.5‬‬

‫‪ .00‬مقارنة بين نظامين‬


‫نظام الخدمة المدنٌة فً برٌطانٌا من أعرق النظم فً العالم‪ ،‬و قد استطاع عبر عمره المدٌد‬
‫الحفاظ على حٌاده و صد التدخل السٌاسً‪ ،‬كما عرؾ بفاعلٌته و جودة الخدمات التً ٌقدمها‬
‫لجمهوره‪ .‬و على الرؼم من ذلك ال تحتل الخدمة المدنٌة فً برٌطانٌا المرتبة االولى فً العالم‪.‬‬
‫و لكن عند مقارنتها بحفٌدتها فً السودان‪ٌ ،‬بدو الفرق بٌنهما كالفرق بٌن السماء و األرض‪،‬‬
‫ولندلل على ذلك‪ ،‬نعرض على القارئ مشهدٌن متماثلٌن مسرح أحدهما برٌطانٌا و مسرح اآلخر‬
‫السودان‪ .‬انهما حدثان واقعٌان لم ٌتعرضا لشًء من الحذؾ أو االضافة سوى االشارة للبطل فً‬
‫كال الحالتٌن بالرمز س‪.‬‬

‫المشهد األول‪ :‬بريطانيا‬

‫(س) طالب سودانً ٌدرس فً احدى الجامعات البرٌطانٌة‪ ،‬تصحبه زوجته و ثالثة من أطفاله‪.‬‬
‫علم أن هنالك اعانة تقدمها مصلحة الرعاٌة االجتماعٌة لألطفال‪ ،‬فذهب للمطالبة بها‪ .‬كان مكتب‬
‫الرعاٌة االجتماعٌة على شكل مستطٌل نظٌؾ و جمٌل و مرتب و مرٌح‪ .‬فً الٌوم الذى زار فٌه‬
‫س المكتب كان هنالك ثالثة من الموظفٌن و خمسة أو ستة من طالبً الخدمة ٌنتظرون دورهم‪.‬‬
‫وجد س نفسه بعد بضعة دقابق ٌجلس قبالة موظفة فً العقد الثالث من عمرها‪ .‬أخبرها أنه‬

‫‪23‬‬
‫ٌرؼب فً الحصول على اعانة ألطفاله‪ .‬أخرجت الموظفة استمارة من درج المكتب‪ ،‬و شرعت‬
‫فً تعببتها‪ ،‬سؤلت‪:‬‬

‫سإال‪ :‬هل بإمكانً االطالع على جواز سفرك؟‬


‫سإال‪ :‬هل لدٌك حساب فً أحد البنوك؟‬
‫بعد بضع دقابق طلبت منه التوقٌع على االستمارة‪ ،‬و ذكرت له أن االعانة ستورد فً الحساب‬
‫فً الٌوم السابع و العشرٌن من كل شهر تقرٌبا‪ ،‬ثم شكرته‪ ،‬و انصرؾ هو لحال سبٌله‪ ،‬و على‬
‫مدى ما ٌقارب ثالث سنوات لم تتؤخر االعانة عن موعدها‪ .‬عندما أكمل س دراسته و حان‬
‫موعد عودته للسودان‪ ،‬كتب للمصلحة إلٌقاؾ االعانة‪.‬‬

‫بعد فترة قصٌرة من عودته للسودان‪ ،‬أصابت س الدهشة عندما وصلته رسالة من مصلحة‬
‫الرعاٌة االجتماعٌة تستفسر فٌها عن موعد عودة األطفال لبرٌطانٌا‪ .‬كان رد س على‬
‫االستفسار‪ :‬أن االطفال – لألسؾ الشدٌد – لن ٌعودوا مرة أخري‪.‬‬

‫المشهد الثاني‪ :‬السودان‬

‫بعد سنوات من عودته للسودان‪ ،‬قرر المدٌر الشاب للمإسسة الحكومٌة التً ٌعمل فٌها س‪،‬‬
‫االستؽناء عن خدماته و احالته للتقاعد‪ .‬علم س أن ادارة المعاشات تقدم اعانة مقدارها مابة جنٌه‬
‫لواحد فقط من أبناء ارباب المعاشات ممن ٌتلقون تعلٌما جامعٌا‪ .‬ذهب إلدارة المعاشات‪ ،‬فً‬
‫المدٌنة التً ٌقٌم فٌها‪ ،‬طالبا اعانة البنته الطالبة فً احدى الجامعات فً الخرطوم‪ ،‬فعلم أن‬
‫الموظفة المسبولة ؼاببة عن العمل‪ .‬عاود الزٌارة فً الٌوم التالً و لكن الموظفة ظلت ؼاببة‪.‬‬
‫فً الٌوم الثالث‪ ،‬التقى س الموظفة و كانت سٌدة فً العقد السادس من عمرها‪ ،‬و من مجموع‬
‫األدوٌة التً كانت على مكتبها‪ ،‬أدرك أنها تعانً من علة ما‪ .‬للقٌام باإلجراء المطلوب‪ ،‬طلبت‬
‫الموظفة عددا من الوثابق و الشهادات و منها ما ٌتعلق بالجامعة التً تدرس فٌها ابنته‪ ،‬و منها‬
‫ما ٌتعلق بالحً الذى ٌقٌم فٌه‪ .‬بعد أٌام نجح س فً جمع الوثابق و الشهادات المطلوبة‪ ،‬و قام‬
‫بتسلٌمها للموظفة المعنٌة‪ .‬أخرجت الموظفة استمارة من درج مكتبها‪ ،‬و أخذت فً تعببتها‬
‫باالستعانة بالمعلومات التً ٌوفرها س فً اجاباته عن األسبلة التً كانت تطرحها علٌه‪ ،‬ومنها‪:‬‬

‫سإال‪ :‬هل تسكن فً بٌت ملك أم اٌجار؟‬


‫سإال‪ :‬هل البٌت مبنً من الطوب أم من الطٌن؟‬
‫سإال‪ :‬كم عدد الؽرؾ فً البٌت‪.‬‬
‫و توالى سٌل األسبلة على هذا المنوال‪ ،‬ثم عرجت أخٌرا على موضوع مختلؾ‪:‬‬
‫سإال‪ :‬فً أي جامعة تدرس البنت؟‬
‫سإال‪ :‬كم النسبة التً دخلت بها الجامعة؟‬
‫التزم س جانب الصبر‪ ،‬حتً جمعت الموظفة األوراق‪ ،‬و وعدت بإرسالها لرباسة المعاشات‬
‫فً الخرطوم‪ ،‬و نصحته بتكلٌؾ شخص لمتابعة األمر هناك‪ ،‬و هذا ما فعله س بالضبط فقد‬
‫كلؾ أحد أقاربه بالمهمة‪ ،‬و الذى افادة بعد أٌام أن الموظفة فً الرباسة طلبت مزٌدا من الوثابق‬
‫‪24‬‬
‫و الشهادات‪ ،‬كما أصرت على حضور الطالبة شخصٌا‪ ،‬و حٌنذاك فقط ٌمكن عرض الموضوع‬
‫على لجنة ستقرر اذا ما كانت الطالبة مستحقة لإلعانة أم ال‪ .‬و هنا سحب س الطلب‪.‬‬

‫تنبٌه‪ :‬تكلفة االنتقال من الجامعة التً كانت تدرس فٌها ابنة س الى رباسة المعاشات ذهابا و اٌابا‬
‫فً ذلك الوقت ال تقل عن مابة جنٌه‪ .‬أضؾ الى ذلك ضٌاع ٌوم دراسً‪ ،‬و التعرض لمخاطر‬
‫حوادث المرور‪ ،‬و عملٌات النشل و خطؾ الحقابب‪ ،‬و خالفها‪.‬‬

‫‪ .23‬اصالح الخدمة المدنية‬


‫أهم مدخل إلصالح الخدمة المدنٌة هو االختٌار السلٌم لشاؼلً الوظابؾ العلٌا‪ .‬من االجراءات‬
‫التً قد تساعد فً عملٌة االختٌار للمناصب القٌادٌة ما ٌلً‪:‬‬

‫‪ .1‬نشر قوابم بالوظابؾ الشاؼرة‪ ،‬و الوصؾ الوظٌفً و المإهالت المطلوبة لكل منها‪.‬‬
‫‪ .2‬نشر معاٌٌر االختٌار للوظابؾ بما فً ذلك الوظابؾ السٌاسٌة ‪.‬‬
‫‪ .3‬فتح باب التقدٌم لجمٌع المواطنٌن الذٌن ٌؤنسون فً أنفسهم الكفاءة‪.‬‬
‫‪ .4‬تكوٌن لجان لفرز الطلبات و لجان للمعاٌنات و لجان للتحقق من االلتزام بالمعاٌٌر‪.‬‬
‫‪ .5‬لجان المعاٌنات و لجان التحقق من االلتزام بالمعاٌٌر للوظابؾ القٌادٌة و الوزارٌة ٌجب‬
‫أن تضم ممثلٌن لهٌبات و مإسسات و منظمات تؤخذ عل عاتقها نشر العدل و النزاهة و‬
‫الشفافٌة‪.‬‬
‫‪ .6‬جعل المعاٌنات مفتوحة للحضور‪ ،‬و نشر ما ٌدور فٌها للمواطنٌن عبر األجهزة الرسمٌة‪.‬‬
‫‪ .7‬التعٌٌن فً الوظابؾ ٌجب أن ٌستوفً تكافإ الفرص و الشفافٌة و المساواة بٌن‬
‫المرشحٌن و المرشحات و عدم التمٌٌز بٌنهم بسبب االنتماء السٌاسً أو النقابً أو بسبب‬
‫اللؽة أو الدٌن أو المناصفة بٌن النساء والرجال‪.‬‬
‫‪ .8‬على المتقدمٌن للوظابؾ القٌادٌة تقدٌم خطة لتطوٌر المإسسة التً ٌرؼبون فً االلتحاق‬
‫بها‪.‬‬
‫‪ .9‬نشر أسماء األشخاص الذٌن ٌقع علٌهم االختٌار مع توضٌح مبررات االختٌار‪.‬‬
‫‪ .10‬الجهة التً طرحت الوظابؾ ٌجب اال تحتفظ لنفسها حق رفض من ترشحه اللجان‪.‬‬

‫و من االعتبارات األخرى ما ٌلً‪:‬‬

‫‪ .1‬اعتماد نظام التعاقد فً الخدمة المدنٌة ألجل محدد حٌث ٌكون ذلك ممكنا‪.‬‬
‫‪ .0‬وضع معاٌٌر لقٌاس كفاءة كل مإسسة على حدة و التً على ضوبها ٌتحدد نجاح‬
‫المإسسة أو فشلها‪ ،‬و بناء على ذلك التقٌٌم تتم محاسبة العاملٌن‪ ،‬اما بالتحفٌز أو عدمه‪.‬‬

‫‪ .04‬هيكل االجور الجديد‬


‫أن أكبر اجراء اتخذته الحكومة االنتقالٌة ٌتمثل فً زٌادة األجور بنسب تقارب فً بعض‬
‫الحاالت ‪ .%600‬ما من شك ان المرتبات قبل الزٌادة كانت هزٌلة و ألحقت الضرر بالخدمة‬
‫المدنٌة‪ ،‬و زٌادتها كان أمرا محتوما‪ ،‬و لكن اكثر المتفابلٌن ما كان ٌحسب أن الزٌادة تكون‬
‫بهذه النسبة التً ال مثٌل له فً االقتصادٌات الحدٌثة‪ .‬لقد كان اعادة النظر فً االجور على قدر‬
‫عال من األهمٌة‪ ،‬لتحقٌق العدالة و الرضا الوظٌفً‪ ،‬و تجوٌد األداء‪ ،‬و استقرار العمل‪ ،‬و عدم‬
‫‪25‬‬
‫تسرب العاملٌن‪ .‬و ٌقال أن زٌادة األجور كانت جزءا من حزمة من االجراءات إلصالح‬
‫االقتصاد و منها رفع الدعم عن السلع و الخدمات‪ ،‬و تعوٌم سعر الصرؾ‪ .‬و بعزل وزٌر‬
‫المالٌة من منصبه‪ ،‬انطبق على الحكومة االنتقالٌة المثل الذى ٌقول‪ " :‬ال أرضا قطع و ال‬
‫ظهرا أبقى"‪.‬‬

‫المشكلة لٌست فً زٌادة االجور و لكن فً تموٌل األجور من مصادر حقٌقٌة ال بطبع األوراق‬
‫النقدٌة كما جرت العادة فً عهد االنقاذ و ما قبلها‪ .‬المصادر الحقٌقٌة متاحة – كما جاء على‬
‫لسان وزٌر المالٌة المقال ‪ -‬فمنها عابد األموال المُستردة عن طرٌق لجنة إزالة التمكٌن‪ ،‬و‬
‫الموارد الذاتٌة للدولة المتمثلة فً إٌراداتها المجازة فً موازنة عام ‪2020‬م من الضرابب و‬
‫الجمارك‪ ،‬و األموال التً كانت تضٌع فً دعم السلع و الخدمات‪ ،‬و الدعم الخارجً من أصدقاء‬
‫السودان‪ .‬قال الوزٌر إن تنفٌذ هٌكل االجور سٌسهم فً تحرٌك االقتصاد‪ .‬و أشار إلى أن زٌادة‬
‫األجور لن تإدي إلى ارتفاع معدالت التضخم‪ ،‬مإكدا أن زٌادة األجور ستكون أداة لمعالجة‬
‫الكساد فً االقتصاد الذي برز عقب جابحة كورونا‪.‬‬

‫السإال الذى ٌطرحه أهل االختصاص‪ :‬هل سٌتم الصرؾ على االجور من موارد حقٌقٌة؟‬
‫ٌمكن للمواطن العادي أن ٌدرك لوحده من تصاعد األسعار‪ ،‬بعد تنفٌذ الهٌكل‪ ،‬أن الموارد لم‬
‫تكن حقٌقٌة‪ ،‬مما دفع الحكومة‪ ،‬فً محاولة للسٌطرة على أسعار السلع الربٌسة‪ ،‬لتبنى برنامج‬
‫"سلعتً" لجلب تلك السلع من المنتج الى المستهلك فً األحٌاء مباشرة و بدون وسطاء‪.‬‬
‫باإلضافة الى الشكوك حول مصادر التموٌل‪ ،‬فان زٌادة االجور لوحدها من ؼٌر المتوقع أن‬
‫تصلح حٌاة المواطنٌن كافة ألسباب منها‪ :‬أن الزٌادات فً االجور مخصصة للعاملٌن فً‬
‫الحكومة دون القطاع الخاص و الذي ٌعانً هو األخر من مشاكل كان آخرها جابحة كورونا‪ .‬و‬
‫اذا زاد القطاع الخاص اجور العاملٌن لدٌة‪ ،‬فسٌضطر لزٌادة أسعار منتوجاته‪ ،‬و تلك حلقة‬
‫مفرؼة أشبه بساقٌة ابلٌس التً تؽرؾ من البحر لتسقً البحر‪ .‬أضؾ الى ذلك رفع استقطاع‬
‫المعاش و الضرابب‪ ،‬مما ٌشً بؤن الحكومة ندمت فً وقت متؤخر على اقدامها على زٌادة‬
‫االجور بتلك النسب العالٌة‪.‬‬

‫‪ .05‬الحركات المسلحة‬
‫الحركات المسلحة هً حركات جهوٌة ال ألنها تركز عملٌاتها فً مناطق بعٌنها‪ ،‬و لكن ألن‬
‫مطالبها جهوٌة‪ .‬و لقد تعرضت تلك الحركات لالنقسام و التشظً كاألحزاب تماما‪ ،‬و كثٌر من‬
‫الذٌن انشقوا من الحركات االم‪ ،‬وقعوا سالما مع حكومة االنقاذ و حصلوا على فوابد على شكل‬
‫أموال و مناصب حكومٌة‪ .‬و قد بادرت الحكومة االنتقالٌة بالتفاوض مع تلك الحركات‪ ،‬و‬
‫إلبداء حسن النٌة و الرؼبة فً السالم‪ ،‬وصفت الحكومة الحركات المسلحة بحركات الكفاح‬
‫المسلح‪ .‬و من أكبر حركات الكفاح المسلح ‪:‬‬

‫‪ ‬الحركة الشعبية قطاع الشمال‪ :‬هً امتداد للحركة الشعبٌة لتحرٌر السودان التً كانت‬
‫تقاتل فً جنوب البالد‪ ،‬وتتشكل من معارضٌن سٌاسٌٌن شمالٌٌن انحازوا للجنوب فً‬
‫حربه ضد حكومة االنقاذ‪ .‬بعد انفصال الجنوب فً العام ‪ ،2011‬عاد أبناء الحركة‬
‫الشمالٌٌن إلى التمرد بدعوى نقض الحكومة تعهدها فٌما ٌتعلق بمناطق بعٌنها‪ ،‬و‬
‫انخرطوا فً القتال من جدٌد‪ .‬و فً العام ‪ 2017‬دخلت الحركة فً صراع أدى إلى‬
‫‪26‬‬
‫انشقاقها لقسمٌن أحدهما برباسة مالك عقار‪ -‬الذي ٌمثل النٌل األزرق ‪ -‬واآلخر برباسة‬
‫عبد العزٌز الحلو الذي ٌمثل جنوب كردفان‪.‬‬
‫حركة تحرير السودان‪ :‬هً إحدى أكبر ثالث حركات تقاتل الحكومة فً إقلٌم‬ ‫‪‬‬
‫دارفور منذ العام ‪ .2003‬و قد انشقت الحركة فً العام ‪ 2005‬الى حركتٌن احداهما‬
‫برباسة عبد الواحد محمد نور‪ ،‬و الثانٌة برباسة منً اركو مناوي‪ .‬و قد انخرط مناوي‬
‫فً عملٌات سالم مع الحكومة أفضت الى اتفاقٌة ابوجا للسالم فً العام ‪ 2006‬و‬
‫أصبح كبٌر مساعدي ربٌس الجمهورٌة‪ ،‬لكنه سرعان ما عاد للحرب والقتال متهما‬
‫الحكومة بالتباطإ فً تنفٌذ االتفاق‪ .‬و ظل عبد الواحد – الذى تتمركز قواته فً جبل‬
‫مرة ‪ -‬رافضا كل مبادرة للسالم مع حكومة االنقاذ و حتً مع الحكومة االنتقالٌة‪ .‬و لم‬
‫ٌتوقؾ عبد الواحد عند عدم االتفاق مع الحكومة‪ ،‬بل عزل نفسه عن أٌة تحالفات مع‬
‫األحزاب السٌاسٌة والحركات المسلحة األخرى‪ ،‬بما فً ذلك "تحالؾ الجبهة الثورٌة"‪،‬‬
‫الذي ٌضم حركات متمردة فً دارفور والنٌل األزرق وجنوب كردفان‪ .‬كما أنه عزل‬
‫نفسه عن "تحالؾ نداء السودان" المكون من حركات مسلحة وقوى مدنٌة تنشط فً‬
‫الداخل‪ .‬و ظل ٌرفع شعارات العلمانٌة و فصل الدٌن عن الدولة‪ ،‬و ٌتمترس خلؾ‬
‫مطلبه الذى ال ٌحٌد عنه و هو الحكم الذاتً لدارفور أو االنفصال‪ .‬و ٌرى مراقبون أنه‬
‫ال ٌتمتع بالنضح الكافً‪.‬‬
‫حركة العدل والمساواة‪ :‬هً واحدة من الحركات المسلحة فً دارفور‪ ،‬أسهها خلٌل‬ ‫‪‬‬
‫إبراهٌم الذي تولى عددا من المناصب الوزارٌة فً حكومة االنقاذ قبل أن ٌتمرد فً‬
‫العام ‪ ،2001‬ورفضت الحركة التوقٌع على اتفاق أبوجا فً العام ‪ .2006‬وقتل‬
‫إبراهٌم فً فبراٌر‪ 2011‬على ٌد القوات المسلحة فً والٌة شمال كردفان‪ ،‬وتولى‬
‫جبرٌل إبراهٌم رباسة الحركة عقب مقتل شقٌقه‪ .‬وفً ماٌو ‪ 2008‬نفذت الحركة عملٌة‬
‫أسمتها "الذراع الطوٌل"‪ ،‬وتمكنت من شن هجوم على مدٌنة أم درمان‪ .‬و انخرطت‬
‫الحركة فً مفاوضات سالم برعاٌة قطر عام ‪ ،2011‬ووقعت تفاهمٌن مع الحكومة‬
‫السودانٌة‪ ،‬لكنها سرعان ما جمدت مشاركتها فً تلك المفاوضات‪ .‬وٌعتقد بشكل واسع‬
‫أن الحركة تمثل الذراع العسكري لحزب "المإتمر الشعبً"‪ .‬و على عكس حركة‬
‫تحرٌر السودان – جناح عبد الواحد – فان حركة العدل و المساواة تهدؾ الى سودان‬
‫موحد فً اطار فدرالً‪ .‬و ٌعتقد بعض المراقبٌن أن الحركة تمتلك أجندة سٌاسٌة‬
‫واضحة و هٌكل اداري وتنظٌمً مستقر‪.‬‬
‫حركة التحرير والعدالة‪ :‬هً تحالؾ تؤسس فً العام ‪ 2010‬وضم عشرة جماعات‬ ‫‪‬‬
‫متمردة فً دارفور‪ ،‬ورأسه التجانً السٌاسً‪ .‬وعقب توقٌع الحركة على اتفاق سالم‬
‫فً الدوحة فً العام ‪ 2011‬عاد قادتها إلى السودان‪ .‬وتعتبر التحرٌر والعدالة من أهم‬
‫الحركات التً وقعت سالم مع نظام االنقاذ وظلت على ذلك إلى حٌن سقوط النظام فً‬
‫أبرٌل ‪.2019‬‬
‫حزب مؤتمر البجا‪ :‬تؤسس فً العام ‪ ،1956‬كؤول حزب جهوي فً السودان ٌمثل‬ ‫‪‬‬
‫شرق البالد‪ .‬ومن ذلك الحٌن وحتى اآلن ظل "مإتمر البجا" ٌطالب بإزالة التهمٌش‬
‫وتعزٌز التنمٌة وتحسٌن الخدمات‪ ،‬ؼٌر أنه انخرط فً العمل المسلح ضد الحكومة عام‬
‫‪ .1993‬وفً العام ‪ ،2006‬وقعت الحكومة مع جبهة شرق السودان‪ ،‬اتفاقٌة "سالم‬
‫الشرق"‪ ،‬بالعاصمة اإلرتٌرٌة أسمرا‪ ،‬لٌنهً االتفاق سنوات من العمل المسلح على‬
‫‪27‬‬
‫الحدود الشرقٌة للبالد‪ .‬إال أن الخالفات والصراعات دبت داخل "مإتمر البجا" وانقسم‬
‫الحزب إلى كٌانات كثٌرة ‪.‬‬

‫ٌرى مراقبون أن حالة التشظً واالنقسامات داخل الحركات ما هً اال مإشر لؽٌاب الرإٌة‬
‫السٌاسٌة‪ ،‬و عدم وجود شخصٌة كارٌزمٌة فً قٌاداتها‪ .‬و ٌؤخذون على حركات دارفور أنها‬
‫بدأت بالعمل العسكري دون أن ٌكون لها جسم سٌاسً موازى‪ ،‬فؽابت الرإٌة السٌاسٌة العمٌقة‬
‫والنظرة المستقبلٌة الثاقبة‪ .‬وٌإخذ على قادة الحركات ‪ -‬فضال عن ضعفهم السٌاسً ‪ -‬استفحال‬
‫الطموحات الشخصٌة بحثا عن المجد والمال‪ ،‬بل كان لبعض القادة مرارات وؼبن تجاه بعض‬
‫المكونات الدارفورٌة‪ ،‬ولذا لم ٌكن مستؽربا انؽالق الحركات على نفسها وعدم انفتاحها على‬
‫مكونات أخرى‪ .‬كما أثر التجاذب األٌدٌولوجً فً تكرٌس ضعفها‪ .‬وتوزعت مكونات الحركات‬
‫بٌن تٌارات مختلفة إسالمٌة وعلمانٌة‪ ،‬وأخرى لٌست لها فكرة محددة باإلضافة إلى التعصب‬
‫القبلً‪.‬‬

‫‪ .06‬عوامل التمرد في دارفور‬


‫لم تجد مشكلة جنوب السودان‪ ،‬رؼم عراقتها‪ ،‬من الزخم االعالمً و االهتمام الدولً‪ ،‬ما وجدته‬
‫مشكلة دارفور فً بضع سنٌن مما ٌشً بؤن وراء األكمة ما وراءها‪ .‬فقد شبت مشكلة دارفور‬
‫عن الطوق فً خالل عام واحد تقرٌبا‪ ،‬واتخذت ثالثة ابعاد و هً البعد السودانً و البعد‬
‫االقلٌمً و البعد الدولً‪ ،‬و تعدد الالعبون و اختلفت مصالحهم مما أدى الى تعقٌد الوضع و‬
‫خروجه عن السٌطرة‪.‬‬

‫فً التارٌخ القرٌب ‪ ،‬كانت دارفور جزأ من الدولتٌن التركٌة و المهدٌة‪ .‬و بعد عودة برٌطانٌا‬
‫الى حكم السودان فً نهاٌة القرن التاسع عشر‪ ،‬ظلت دارفور مستقلة حتً نشوب الحرب‬
‫العالمٌة األولى حٌن انحازت الى تركٌا‪ .‬ففً العام ‪ 1916‬قامت برٌطانٌا بضم دارفور و‬
‫أصبحت احدى مدٌرٌات ما كان ٌعرؾ بالسودان االنجلٌزي المصري‪ٌ .‬تمتع االقلٌم بثروة‬
‫حٌوانٌة ضخمة‪ ،‬و ثروة معدنٌة و خالفها من الثروات‪ ،‬اال أنه ٌعانً من شح فً المٌاه‪ .‬كما أن‬
‫االنتماء للقبٌلة قوي و ٌفوق فً بعض االحٌان االنتماء للسودان او حتى االنتماء لدارفور نفسها‪،‬‬
‫و ذلك ألن القبٌلة توفر الحماٌة لمنسوبٌها‪ .‬و دارفور منسوبة اسما الى قبٌلة الفور و هً واحدة‬
‫من قبابل كثٌرة عربٌة و افرٌقٌة تسكن االقلٌم‪ .‬و ٌمكن تصنٌؾ القبابل من ناحٌة سبل كسب‬
‫العٌش الى مجموعتٌن‪:‬‬

‫‪ -‬مجموعة القبابل المستقرة‪ :‬هً التً تعمل فً الزراعة و تمتلك األرض‪ ،‬و منها‬
‫الفور و الزؼاوة و المسالٌت‪.‬‬
‫‪ -‬مجموعة القبابل الرحل‪ :‬هً التً تعمل فً رعً البقر أو االبل‪ ،‬و منها‬
‫الرزٌقات‪ ،‬و الهبانٌة‪ ،‬و بنى هلبة و التعاٌشة‪.‬‬

‫أما العوامل التً أدت الى تدهور الوضع األمنً فً دارفور فمنها ما ٌلً‪:‬‬

‫‪ .1‬عامل طبٌعً تمثل فً الجفاؾ و التصحر الذى اصاب االقلٌم فً بداٌة الثمانٌات من‬
‫القرن الماضً‪ ،‬و الذى دفع الرعاة للمنافسة على مصادر الماء و الكأل مما أدى الى‬
‫االحتكاك العنٌؾ مع المزارعٌن‪.‬‬
‫‪28‬‬
‫عامل قبلً أججته االختالفات العرقٌة‪ ،‬و المصالح القبلٌة‪ ،‬و التنافس على السلطة‬ ‫‪.2‬‬
‫بواسطة النخب‪ ،‬و شجعته الدولة‪ ،‬باإلضافة الى اضعاؾ الحكومة لإلدارة األهلٌة و‬
‫تسٌسها‪.‬‬
‫عامل حكومً تمثل فً محاولة استبصال التمرد بالقوة الؽاشمة‪ .‬فبعد أن رضخت‬ ‫‪.3‬‬
‫حكومة االنقاذ ‪ -‬تحت الضؽط و االؼراء األمرٌكً – على تلٌٌن موقفها للوصول الى‬
‫سالم دابم فً جنوب السودان‪ ،‬وجدت نفسها أمام تمرد جدٌد لم تكن مستعدة للتساهل‬
‫معه‪ ،‬و ربما شعرت الحكومة باإلهانة نتٌجة للعملٌات الجرٌبة التً قام بها المتمردون‪،‬‬
‫و لهذا حاولت خنق المارد و هو داخل القمقم‪ ،‬فاستعانت بالقبابل العربٌة التً لم تشارك‬
‫فً التمرد فً وأد الحركات المسلحة التً قادها ؼٌر العرب من الفور و الزؼاوة‪ .‬و من‬
‫الواضح ان تلك القوات التً دعمتها الحكومة ارتكبت جرابم ضد المدنٌٌن‪ .‬و فً نفس‬
‫الوقت فان المجازر التً ارتكبتها الحركات المسلحة لم تكن اقل فظاعة من جرابم‬
‫النظام‪.‬‬
‫عامل سٌاسً كان من ورابه األحزاب التً أقصتها حكومة االنقاذ عن المسرح‪ .‬فقد‬ ‫‪.4‬‬
‫سعت تلك االحزاب لتؤجٌج الصراع من أجل اضعاؾ الحكومة‪.‬‬
‫ؼٌاب الدٌمقراطٌة‪ ،‬و الحجر على الحرٌات‪.‬‬ ‫‪.5‬‬
‫النهب المسلح‪ ،‬و انتشار السالح‪ ،‬و ؼٌاب هٌبة الدولة‪.‬‬ ‫‪.6‬‬
‫عامل اقلٌمً تمثل فً الصراع فً دول الجوار‪ ،‬و تدخل تلك الدول فً الشؤن‬ ‫‪.7‬‬
‫السودانً‪ .‬أضؾ الى ذلك تدخل دول أخرى كثٌرة و منظمات كانت تكن العداء لحكومة‬
‫االنقاذ أو السودان‪.‬‬
‫عامل دولً كان هدفه تضخٌم المشكلة و تصوٌرها كجرٌمة ابادة‪ .‬فً الواقع لم ٌكن‬ ‫‪.8‬‬
‫النظام الحاكم فً السودان مرحبا به فً المحافل الدولٌة لوصمه باإلرهاب و اٌوابه‬
‫المعارضٌن من كل جنس‪ .‬فال عجب اذن أن تنتهز الوالٌات المتحدة و الدول األوروبٌة‬
‫السانحة لنقل مشكلة دارفور الى االمم المتحد و مجلس األمن من بوابة انتهاك حقوق‬
‫االنسان‪ ،‬و اعتبار المشكلة مهدد للسلم و األمن الدولٌٌن‪ .‬ذلك االهتمام المبالػ فٌه من‬
‫جانب الدول ذات النفوذ أدى الى احالة المتهمٌن بارتكاب الجرابم الى المحكمة الجنابٌة‬
‫الدولٌة‪ ،‬و فً مقدمتهم رأس النظام‪ ،‬مما زاد من تعقٌد المشكلة‪ .‬أما اآلثار السلبٌة‬
‫للنزاع فهً‪:‬‬
‫تشوٌه صورة السودان خارجٌا بواسطة الحمالت االعالمٌة التً ركزت على وجود‬ ‫‪‬‬
‫تطهٌر عرقً و إبادة جماعٌة للزرقة (القبابل االفرٌقٌة)‪.‬‬
‫التدخل الخارجً فً السودان عسكرٌا و سٌاسٌا‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫تضرر النسٌج االجتماعً فً دارفور‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫خراب البنٌة التحتٌة لؽٌاب األمن‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫تناقص االنتاج الزراعً و الحٌوانً‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ .07‬تضخيم مأساة دارفور‬


‫من التقارٌر التً لجؤت لتضخٌم مؤساة دارفور ال من أجل عٌون دارفور الباكٌة‪ ،‬أو من أجل‬
‫احقاق الحق‪ ،‬بل لتشوٌه صورة السودان و تؤجٌج الفتن بٌن مكونات األمة‪ ،‬تقرٌر ٌنسب الى‬

‫‪29‬‬
‫هٌومن راٌتس ووتش‪ .(Human Rights Watch) 9‬تقول كاتبة التقرٌر أنها قضت ‪ٌ 25‬وما‬
‫فً ‪ 2003‬فً ؼرب دارفور وعلى أطرافها توثق االنتهاكات التً وقعت فً المناطق الرٌفٌة‬
‫التً كانت مؤهولة سابقا بالمزارعٌن الفور والمسالٌت‪ .‬و تقول حرفٌا‪" :‬جرى حرق وإخالء‬
‫مناطق واسعة من أراضٌهم التً تعتبر من أكثر األراضً خصوبة فً المنطقة‪ .‬ومع استثناءات‬
‫نادرة‪ ،‬فإن الرٌؾ خال اآلن من سكانه الفور والمسالٌت األصلٌٌن‪ .‬لقد تم نهب أو إتالؾ كل ما‬
‫ٌمكن أن ٌقٌم األود وٌنقذ الحٌاة – المواشً ومخازن الطعام واآلبار والمضخات واألؼطٌة‬
‫والمالبس‪ .‬وقد أحرقت القرى‪ ،‬لٌس عشوابٌا بل بصورة منهجٌة‪ ،‬وؼالبا لمرتٌن ولٌس لمرة‬
‫واحدة"‪ .‬و تواصل قولها‪" :‬وباإلضافة إلى القرى والملكٌات المدنٌة‪ ،‬عملت الحكومة السودانٌة‬
‫على تدمٌر منهجً للجوامع وتدنٌس مواد إسالمٌة فً دارفور"‪ .‬و تضٌؾ‪" :‬ومن الوسابل التً‬
‫اعتمدت إلزاحة السكان المدنٌٌن من المناطق االستراتٌجٌة المذكورة آنفا‪ :‬القتل الجماعً‬
‫والتعذٌب واالؼتصاب وأشكال أخرى من االعتداء الجنسً؛ واألذى الجسدي الشدٌد للمدنٌٌن؛‬
‫وسوء معاملة السجناء المدنٌٌن وأسرى الحرب؛ واستخدام المدنٌٌن كدروع بشرٌة؛ وتدمٌر‬
‫الملكٌات الشخصٌة والعامة والثقافٌة؛ والنهب والسرقة والسطو على الملكٌات الشخصٌة؛‬
‫ومصادرة األراضً؛ والتهجٌر القسري للسكان المدنٌٌن‪ "...‬كما لجؤت الكاتبة الى تحرٌض‬
‫المجتمع الدولً و مجلس األمن على اتخاذ اجراءات قاسٌة ضد الحكومة‪ ،‬فقالت‪ " :‬إن على‬
‫المجتمع الدولً أن ٌتحرك على الفور بعد أن كان حتى اآلن بطٌبا فً ممارسة كل الضؽوط‬
‫الممكنة على الحكومة السودانٌة لدفعها إلى وقؾ التطهٌر العرقً وإنهاء الجرابم ضد اإلنسانٌة‬
‫المرافقة له‪ .‬وعلى مجلس األمن بوجه خاص أن ٌتخذ إجراءات عاجلة لضمان حماٌة المدنٌٌن‬
‫وتؤمٌن وصول المساعدات اإلنسانٌة بال قٌود ووقؾ التطهٌر العرقً فً دارفور‪ .‬وٌجب‬
‫التحرك السرٌع كً ال ٌسبق السٌؾ العذل‪".‬‬

‫تجدر االشارة الى أن كاتبة التقرٌر المذكور سٌدة من المنظمة قامت بزٌارة دارفور‪ ،‬و عاونها‬
‫فً الكتابة اثنان آخران‪ .‬و ٌبدو من التقرٌر التحامل على الحكومة بشكل ال تخطبه العٌن‪ .‬ففً‬
‫خالل ثالثة اسابٌع‪ ،‬استطاعت الباحثة أن تتنقل فً اقلٌم بمساحة فرنسا‪ ،‬تصعب فٌه الحركة و‬
‫ٌنعدم فٌه األمن‪ ،‬و تتمكن من التوثٌق لذلك القدر الهابل من االنتهاكات!‬

‫ٌقول أحد الحكماء‪" :‬و من ال ٌتق الشتم ٌشتم" و ٌقول آخر‪" :‬ال تقذؾ بالحجارة و بٌتك من‬
‫زجاج"‪ٌ .‬بدو أن نظام االنقاذ لم ٌدرك أن بٌته من زجاج اال بعد أن وجه كل أعدابه أبواقهم علٌه‬
‫متهمٌن اٌاه بالتطهٌر العرقً و انتهاك حقوق االنسان فً دارفور‪ ،‬و حملوه وزر الجرابم التً‬
‫وقعت و التً لم تقع‪ ،‬و كما ٌقول المثل "على نفسها جنت براقش"‪ .‬و بٌن تهور نظام االنقاذ و‬
‫حقد المنظمات العالمٌة‪ ،‬ضاع السودان‪ .‬و من أمثلة التقارٌر التً وصمت السودان بالعار‪،‬‬
‫تقرٌر منظمة العفو الدولٌة‪ 10‬و تقرٌر مجموعة األزمات الدولٌة‪.11‬‬

‫‪ 9‬دارفور المدمرة‪ :‬تطهٌر عرقً ترتكبه الحكومة وقوات المٌلشٌا فً ؼرب السودان ‪ 2004‬هٌومن راٌتس‬
‫ووتش ‪Human Rights Watch‬‬

‫‪ 10‬منظمة العفو الدولٌة السودان ‪ : Amnesty International‬دارفور االؼتصاب سالحا فً الحرب‪ :‬العنؾ‬
‫الجنسً و العواقب المترتبة علٌه ‪2004‬‬
‫‪ 11‬مجموعة األزمات الدولٌة ‪ : International Crisis Group‬دارفور ‪ -‬الفشل فً توفٌر الحماٌة‪ :‬التقرٌر‬
‫رقم ‪ 89‬عن أفرٌقٌا ‪ 8‬مارس ‪2005‬‬
‫‪30‬‬
‫‪ .08‬الحرب و السالم‬
‫صرح ربٌس الوزراء ذات مرة إنه لو تحقق السالم فً الفترة من شهر إلى ستة أشهر‪ ،‬فسٌخلق‬
‫مناخا جٌدا‪ ،‬ألن الحرب تؤخذ ما بٌن ‪ 70‬و‪ %80‬من المٌزانٌة‪ .‬فاذا توقفت الحرب ٌمكن‬
‫الصرؾ على التعلٌم والبنٌة األساسٌة‪ ،‬واعادة عجلة اإلنتاج عبر اقتصاد قوي ومستدام‪ .‬و فً‬
‫مناسبة أخرى‪ ،‬صرح بؤنه التقى عبد الواحد محمد نور‪ ،‬ربٌس حركة تحرٌر السودان‪ ،‬خالل‬
‫زٌارة قام بها إلى فرنسا‪ .‬و قد اشترط علٌه عبد الواحد بؤن ٌقابله كمواطن ال كربٌس لمجلس‬
‫الوزراء‪ ،‬و قد كان‪ ،‬ألنه ٌإمن بؤن ال مزاٌدة على السالم‪ ،‬و ٌستطرد قابال أنه اتفق مع عبد‬
‫الواحد على الكثٌر من القضاٌا‪ .‬و لقد برهنت األٌام أن حمدوك لم ٌتفق مع عبد الواحد على‬
‫قضٌة واحدة دعك من الكثٌر من القضاٌا حسب قوله‪ .‬ربما أخطؤ حمدوك بلقابه عبد الواحد‬
‫بصفة شخصٌة‪ ،‬كما أخطؤ عندما دخل كاودا كمواطن عادي بدون حراسة رسمٌة‪ ،‬و كذلك‬
‫عندما وعد أهل دارفور بتعوٌضات شخصٌة‪ ،‬و أٌضا عندما رضً بدفع اربعمابة ملٌون دوالر‬
‫ألمرٌكا‪.‬‬

‫أما فٌما ٌتعلق برفض عبد الواحد الجلوس للتفاوض مع الحكومة أٌا كانت شمولٌة أو ثورٌة‪،‬‬
‫فالمراقبون ٌختلفون فً تفسٌره‪ ،‬فمنهم من ٌرى أن شخصٌة عبد الواحد ؼٌر سوٌة‪ ،‬ألن‬
‫الشخص السوي ال ٌختلؾ مع كل الناس و فً كل األوقات‪ ،‬و منهم من ٌعزي عزوؾ عبد‬
‫الواحد عن الدخول فً أٌة مفاوضات‪ ،‬لكونه مسلوب الحرٌة‪ .‬و آخرون ٌقولون أن فً فٌه ماء‪،‬‬
‫و قدٌما قالوا ال ٌنطق من كان فً فٌه ماء‪ .‬طبعا تدور الشبهات حول دور فرنسا التً تحاول‬
‫توسٌع نطاق الفرنكوفونٌة‪ ،‬و اسرابٌل التً ال ٌكؾ عبد الواحد عن زٌارتها بحجة االطمبنان‬
‫على أنصاره من الالجبٌن‪ .‬و على الرؼم من نواٌا حمدوك الحسنة و تنازالته عن حقوقه التً‬
‫كفلها له القانون‪ ،‬فان مسلسل العنؾ ال زال مستمرا فً دارفور و فً ؼٌرها من الوالٌات‪ .‬ففً‬
‫ٌوم األحد السادس والعشرٌن من ٌولٌو‪ ،‬قال بٌان لألمم المتحدة‪ ،‬صدر عن مكتب تنسٌق الشإون‬
‫اإلنسانٌّة‪ ،‬التابع للمنظمة فً الخرطوم‪ ،‬إن ‪ 60‬شخصا قتلوا‪ ،‬بٌنما أصٌب ‪ 54‬أخرون بجروح‪،‬‬
‫فً هجوم شنه مسلحون على منطقة (مستٌري) الواقعة على بعد ‪ 48‬كٌلومترا‪ ،‬جنوب مدٌنة‬
‫الجنٌنة‪ ،‬عاصمة والٌة ؼرب دارفور‪.‬‬

‫‪ .09‬مسيرة التفاوض‬
‫كانت مقاربة الحكومة لموضوع الحرب و السالم تعتمد على التفاوض مع كل الحركات‬
‫المسلحة مجتمعة ال منفردة‪ ،‬ال سٌما أن االسباب التً أدت الى الحرب واحدة‪ .‬و قد تم التخلً‬
‫عن ذلك بعد االتفاق بٌن الحكومة و الجبهة الثورٌة على ضرورة التفاوض فً مسارات متعددة‬
‫لمعالجة القضاٌا اإلقلٌمٌة فً كل منطقة‪ٌ .‬لً ذلك مإتمر عام لمناقشة القضاٌا القومٌة و منها‬
‫نظام الحكم وعالقة الدٌن بالدولة والهوٌة والحرٌات العامة‪ ،‬وؼٌرها‪ .‬و المسارات هً‪ :‬مسار‬
‫دارفور‪ ،‬مسار جنوب كردفان‪ ،‬مسار النٌل األزرق‪ ،‬مسار شرق السودان‪ ،‬و مسار شمال‬
‫السودان‪ .‬و قد نجحت الحكومة والحركات المسلحة فً التوقٌع على وثٌقة اتفاق إطاري بجوبا‪،‬‬
‫تحدد القضاٌا التً سٌتم طرحها للنقاش خالل جولة المباحثات‪.‬‬

‫المشاكل التً واجهت مسار جنوب كردفان اشتراط عبدالعزٌز الحلو مبدأ فصل الدٌن عن‬
‫السٌاسة وعلمانٌة الدولة لالنخراط فً المفاوضات‪ ،‬بٌنما ترى الحكومة أن الفٌصل فً طبٌعة‬
‫‪31‬‬
‫الحكم ٌجب أن ٌتم عبر مإتمر دستوري‪ .‬أما المشاكل التً واجهت مسار دارفور فكانت حول‬
‫التوافق على تمثٌل أصحاب المصلحة‪ ،‬و عدم مشاركة حركة تحرٌر السودان بقٌادة عبدالواحد‬
‫محمد نور‪ .‬و من المشاكل أٌضا‪ ،‬االختالؾ بٌن الحكومة و الحركات فً ترتٌب االجراءات و‬
‫منها‪:‬‬

‫‪ .1‬ادارة المرحلة االنتقالٌة‪ :‬بٌنما تقترح الحكومة تقاسم مإسسات السلطة االنتقالٌة و هً‬
‫مجلس السٌادة ومجلس الوزراء والمجلس التشرٌعً‪ ،‬وحكام الوالٌات‪ ،‬تصر الحركات‬
‫المسلحة على مناقشة طرٌقة إجراء االنتخابات خالل التفاوض وعدم تنظٌمها إال بعد‬
‫عودة النازحٌن‪ .‬و قد وجدت الحكومة نفسها بٌن نارٌن‪ :‬نار الشارع الذى ٌطالب بمدنٌة‬
‫الدولة‪ ،‬و نار الحركات المسلحة التً ٌبدو أنها ال تستعجل السالم‪ ،‬فؤقدمت على تعٌٌن‬
‫والة الوالٌات المدنٌٌن إلسكات صوت الشارع‪.‬‬
‫‪ .2‬مناقشة القضاٌا القومٌة‪ :‬بٌنما ترؼب الحكومة فً ترحٌل العدٌد من القضاٌا إلى المإتمر‬
‫الدستوري ومإتمر نظام الحكم المقرر عقدهما فً عقب التوصل إلى سالم‪ ،‬تصر‬
‫الحركات المسلحة على التفاوض المباشر معها ولٌس بمشاركة موسعة عبر مإتمرات‪.‬‬

‫ٌرى مراقبون أن احتمال الفشل فً الوصول الى اتفاق وارد لسببٌن‪ :‬األول عدم القدرة على‬
‫تشخٌص العلة التً ٌعانً منها السودان‪ ،‬وبالتالً عدم التوصل إلى العالج الشافً‪ ،‬و الثانً‬
‫تقسٌم المشكالت إلى محلٌة وقومٌة‪ ،‬وتقدٌم القضاٌا المحلٌة على القومٌة‪ .‬على كل حال ٌلزم‬
‫الحكومة فً سعٌها للسالم مراعاة اآلتً‪:‬‬

‫‪ .1‬األخذ بعٌن االعتبار ال مصالح المواطنٌن الذٌن تضرروا بسبب الحرب فقط‪ ،‬بل‬
‫مصالح الشعب بؤكمله‪.‬‬
‫‪ .2‬االسترشاد بالرأي العام قبل التصدٌق النهابً على أي اتفاق سالم و الشروع فً تنفٌذ‬
‫بنوده‪ .‬ان رضا الشعب و قبوله باالتفاق ٌعد ضمانة الستدامة السالم‪ .‬و فً حال سٌإدي‬
‫االتفاق الى تجزبة البالد عاجال أو آجال‪ٌ ،‬توجب على الحكومة استشارة الشعب عبر‬
‫استفتاء عام‪ ،‬و العاقل من اتعظ باتفاقٌة السالم الشامل سٌبة االخراج‪.‬‬

‫‪ .32‬قائمة الدول الراعية لإلرهاب‬


‫تم إدراج السودان على القابمة األمرٌكٌة للدول الراعٌة لإلرهاب عام ‪ .1993‬و منذ ذلك الحٌن‬
‫ظلت حكومة االنقاذ تحاول بشتى الطرق حذؾ اسم السودان من القابمة بدون فابدة‪ .‬و بعد‬
‫الثورة‪ ،‬قام ربٌس الحكومة بزٌارة رسمٌة للوالٌات المتحدة األمرٌكٌة بدعوة من البٌت األبٌض‬
‫التقً خاللها عددا من المسإولٌن األمرٌكٌٌن‪ .‬و تطلع ألن تستجٌب اإلدارة األمرٌكٌة‬
‫والكونؽرس لنداءات الشعب السودانً لرفع أسم السودان من قابمة اإلرهاب‪ ،‬الشًء الذى‬
‫اعتبره من أكبر التحدٌات التً تواجه حكومته‪ .‬و كانت الوالٌات المتحدة فً كل جولة من‬
‫جوالت التفاوض تكسب الكثٌر و تطلب المزٌد و ال تعطً شٌبا‪ ،‬و تصر على تزوٌدها بكافة‬
‫المعلومات األمنٌة‪ ،‬و تحقٌق جملة من االصالحات‪ ،‬منها ما ٌتعلق بالحكم الدٌمقراطً‪ ،‬و حقوق‬
‫اإلنسان‪ ،‬و منها ما ٌتعلق بالسالم مع الحركات المسلحة‪ ،‬و منها ما ٌتعلق باالعتراؾ بإسرابٌل‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫‪12‬‬
‫و كما ذكر أحد القٌادٌٌن فً نظام االنقاذ ذات مرة‪ ،‬أن امرٌكا تستخدم نظرٌة بافلوؾ‬
‫المشهورة فً تعاملها مع السودان‪ .‬فكلما قرعت واشنطن الجرس‪ ،‬سال لعاب الحكومة فً‬
‫الخرطوم‪ .‬و ربما أدركت حكومة االنقاذ فً وقت متؤخر انها تجرى وراء السراب‪ ،‬و انها لن‬
‫تجنً شٌبا من وراء استجداء األمرٌكان على الرؼم من التنازالت العدٌدة التً قدمتها‪ .‬ففً‬
‫خالل مفاوضات أبوجا للسالم‪ ،‬اعلنت الوالٌات المتحدة أن أٌة حركة مسلحة تمتنع عن التوقٌع‬
‫على اتفاقٌة السالم‪ ،‬ستصنؾ كحركة ارهابٌة‪ .‬و بدال من ممارسة الضؽط على الحركات‬
‫المسلحة التً رفضت التوقٌع‪ ،‬كانت أمرٌكا على وشك أن تحمل الحركة التً وقعت على السالم‬
‫مسبولٌة بعض الخروقات األمنٌة و الجرابم فً دارفور‪ ،‬و مضت فً قرع الجرس كلما أرادت‬
‫ان تلٌن موقؾ الحكومة فً الخرطوم‪.‬‬

‫ذهب حمدوك الى أمرٌكا و عاد منتشً‪ .‬و بعد أن كال الثناء على الفرٌق الذى صحبه‪ ،‬و‬
‫وصفهم بالمهنٌة‪ ،‬قال أنه نجح فً تقلٌص التعوٌضات التً طلبها األمرٌكان من ملٌارات‬
‫الدوالرات الى بضع مالٌٌن‪ ،‬و لم ٌفصح عن عددها‪ .‬لكنه أعلن مإخرا أن المبلػ الذى التزم‬
‫السودان بدفعه اربعمابة ملٌون دوالر‪ ،‬و هو مبلػ ال ٌستهان به‪ ،‬كما اوحى بذلك ربٌس‬
‫الوزراء‪ .‬تلك كانت جولة أخري من جوالت التفاوض التً ربحت فٌها امرٌكا ‪ 400‬ملٌون‬
‫دوالر‪ ،‬و ال زال اسم السودان على الالبحة المشإمة‪ .‬و الظاهر أن امرٌكا ال تنفك تقرع الجرس‬
‫لتنزع عن البرهان و حمدوك لباسهما لترٌهما سوأتهما‪ .‬تلك كانت أهم نتابج زٌارة حمدوك‬
‫للوالٌات المتحدة‪ ،‬و نكاد نجزم أن ما خفً أعظم‪.‬‬

‫نحسب أن القارئ الكرٌم ال ٌثق بؤمرٌكا و اوروبا فً خطابهما المتشدد عن الدٌمقراطٌة و‬


‫حقوق االنسان‪ ،‬و ٌدرك أن الدٌمقراطٌة و حقوق االنسان لهم لوحدهم و لٌس لؽٌرهم‪ ،‬و الدلٌل‬
‫على ذلك وقوفهم مع أكثر النظم استبدادا فً العالم‪ ،‬و اكثر بالد الدنٌا اهدارا لكرامة االنسان‪ ،‬و‬
‫ذلك عندما تتحقق مصالحهم‪ .‬ان أفضل السبل لتحقٌق االهداؾ التً ٌسعى الٌها السودان فً‬
‫عالقاته الخارجٌة هً‪:‬‬

‫‪ .1‬االبتعاد عن المحاور االقلٌمٌة و الدولٌة‪ ،‬و خلق عالقات متوازنة مع جمٌع الدول‪.‬‬
‫‪ .2‬اتباع سٌاسة خارجٌة تقوم على تحقٌق مصالح السودان‪ ،‬و عدم االضرار بمصالح الدول‬
‫األخرى‪.‬‬
‫‪ .3‬رسم عالقة جدٌدة مع الوالٌات المتحدة األمرٌكٌة ال تقوم على التبعٌة و ال العداوة‪.‬‬

‫‪ .31‬اصالح االقتصاد‬
‫أجرت الحكومة السودانٌة تعدٌالت على موازنة العام ‪ ، 2020‬و بررتها بالحاجة لتبنً‬
‫سٌاسات من شؤنها تخفٌؾ التؤثٌر السلبً لجابحة كورونا على الوضع االقتصادي و تقلٌص‬
‫عجز المٌزانٌة‪ ،‬و شملت التعدٌالت‪ ،‬و التً وصفت بالمتدرجة على مدى عامٌن‪ ،‬ما ٌلً‪:‬‬

‫‪ ‬تعدٌل سعر الصرؾ‪ ،‬أي تعوٌم الجنٌه ‪ ،‬للوصول للسعر الحقٌقً‪.‬‬


‫‪ ‬تعدٌل الدوالر الجمركً‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫بافلوؾ عالم روسً أجرى تجاربا على الكالب‪ .‬فكان اذا قدم لها الطعام‪ ،‬قرع جرسا‪ ،‬و قام بقٌاس كمٌة اللعاب الذى تفرزه‪ ،‬و بعد‬
‫فترة من الزمن‪ ،‬كان اذا قرع الجرس‪ ،‬سال لعابها‪ ،‬و ان لم ٌقدم لها طعاما‪.‬‬
‫‪33‬‬
‫‪ ‬ترشٌد سعر الوقود عن طرٌق السماح للقطاع الخاص باستٌراد كمٌات ؼٌر محدودة من‬
‫البنزٌن والجازولٌن للتحكم فً الندرة‪ .‬و المفردة "ترشٌد" مفردة جدٌدة و هً تعنً‬
‫تحرٌر سعر الوقود‪.‬‬
‫‪ ‬رفع سعر الكهرباء لكبار المستهلكٌن‪.‬‬

‫لتمهٌد الطرٌق للحصول على دعم مالً دولً إلعادة تؤهٌل االقتصاد‪ ،‬بدأت الحكومة محادثات‬
‫مع صندوق النقد الدولً‪ .‬وكان وزٌر المالٌة قد عرض خالل االجتماعات السنوٌة لصندوق النقد‬
‫والبنك الدولٌٌن فً واشنطن فً أكتوبر ‪ 2019‬المراحل الثالث للبرنامج االقتصادي لؽاٌة‬
‫‪ ،2030‬حٌث ركزت المرحلة األولى‪ ،‬و عمرها تسعة شهور‪ ،‬على معالجة الوضع االقتصادي‬
‫وعجز الموازنة وهٌكلة القطاع المصرفً‪ .‬أما الرحلة الثانٌة‪ ،‬و عمرها عام‪ ،‬فركزت على حشد‬
‫الجهد المالً لتعزٌز الموارد واإلٌرادات لتصل إلى ‪ 10‬فً المابة من إجمالً الناتج المحلً‪.‬‬
‫وتإكد هذه المرحلة والٌة وزارة المالٌة على المال العام‪ ،‬وتوحٌد سعر الصرؾ واالنتقال من‬
‫دعم السلع إلى دعم المواطنٌن عبر شبكات الضمان االجتماعً‪ .‬أما المرحلة الثالثة واألخٌرة‬
‫فتبدأ مطلع العام ‪ 2021‬بالتركٌز على تقلٌل االقتراض من المصارؾ‪ ،‬وترشٌد اإلنفاق مع‬
‫مراجعة بنود الموازنة وإدارة السٌولة‪ .‬و قد أعلن الصندوق التوصل التفاق مع الحكومة‪ٌ ،‬مهد‬
‫لتنفٌذ إصالحات هٌكلٌة فً اقتصاد السودان‪ .‬ؼٌر أن فرص السودان لالستفادة من دعم صندوق‬
‫النقد و البنك الدولٌٌن‪ ،‬معدومة فً الوقت الراهن ألنه ال ٌزال على القابمة األمرٌكٌة للدول‬
‫الراعٌة لإلرهاب‪.‬‬

‫التحدٌات التً ٌمكن أن تواجه االقتصاد السودانً عند تبنٌه االصالحات التً ٌطالب بها‬
‫الصندوق تكاد تكون معلومة للقاصً و الدانً‪ ،‬ومنها إعادة الهٌكلة والخصخصة ورفع الدعم‬
‫عن السلع و الخدمات‪ ،‬و التً من شؤنها تعقٌد االقتصاد والتسبب فً مشاكل اجتماعٌة‬
‫واقتصادٌة وسٌاسٌة وأمنٌة‪ .‬كما ٌتضمن برنامج االصالح‪ ،‬زٌادة الجمارك على السلع‬
‫المستوردة‪ ،‬وفتح باب االقتراض الخارجً‪ ،‬وبالتالً رهن القرار السٌاسً واالقتصادي‬
‫للخارج‪ .‬كما ٌقود برنامج الصندوق الى زٌادات متواصلة فً الضرابب والرسوم الحكومٌة‪.‬‬
‫المتصاص االثار السلبة لرفع الدعم‪ ،‬تدعً الحكومة أنها اتخذت االجراءات الكفٌلة بذلك‪ ،‬و‬
‫منها‪:‬‬

‫زٌادة اجور العاملٌن فً الدولة‪.‬‬ ‫‪‬‬


‫خلق وظابؾ جدٌدة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫دعم األسر الفقٌرة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫زٌادة الكفالة المادٌة للطالب الجامعً‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫توسٌع مظلة التؤمٌن الصحً‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫اإلجراءات التً اتخذتها الحكومة لمساعدة الشرابح الضعٌفة فً المجتمع نتٌجة لرفع الدعم‪،‬‬
‫ٌصعب تنفٌذها على أرض الواقع باستثناء زٌادة الرواتب للعاملٌن فً الدولة الذٌن ٌمثلون نسبة‬
‫صؽٌرة من مجموع المستهدفٌن‪ .‬أضؾ الى ذلك صعوبة التعرؾ على الـمالٌٌن من المواطنٌن‬
‫الذٌن ٌستحقون الدعم النقدي المباشر المنتشرٌن فً بقاع البالد الواسعة‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫‪ .30‬الدعم الخارجي‬
‫فور سقوط نظام االنقاذ‪ ،‬سارعت السعودٌة واإلمارات إلى إعالن دعم السودان بثالثة ملٌارات‬
‫دوالر‪ ،‬منها نصؾ ملٌار ودٌعة نقدٌة‪ ،‬و الباقً مساعدات عٌنٌة‪ .‬كان الؽرض من اعالن تلك‬
‫المساعدات تثبٌت شرعٌة المجلس العسكري آنذاك‪ ،‬و هنالك مإشرات تفٌد أنهما لم تفٌا‬
‫بوعدهما‪ .‬لقد عولت الحكومة االنتقالٌة على مجموعة شركاء السودان فً تموٌل موازنة‬
‫‪ ،2020‬لألنفاق على السالم والتنمٌة وتثبٌت االقتصاد‪ ،‬و الرعاٌة االجتماعٌة‪ .‬و قد وعدت‬
‫الجماعة بتوفٌر مبلػ ‪ 1.8‬ملٌار دوالر من المانحٌن الدولٌٌن‪ ،‬و لكنه ٌبقى من جود اللسان‪ ،‬ال‬
‫من جود األٌدي حتى اآلن‪.‬‬

‫‪ .33‬واجب منزلي‬
‫كان شعار حكومة الفرٌق عبود " احكموا علٌنا بؤعمالنا"‪ ،‬و هو شعار جٌد‪ .‬لقد حكم الشعب‬
‫على نظام عبود فً اكتوبر ‪ ، 1964‬و أزاحه عن السلطة‪ .‬لقد ثار الشارع ضد ذلك النظام ال‬
‫لفساده المالً‪ ،‬و ال لفشله فً توفٌر الخبز و الوقود و العالج‪ ،‬و انما كانت الثورة بسبب انفراد‬
‫النظام بالسلطة و سوء ادارة مشكلة جنوب السودان‪ .‬الٌوم نترك للقارئ الكرٌم مهمة الحكم على‬
‫حكومة الفترة االنتقالٌة على ضوء برنامجها الذى طرحته عند تشكٌلها‪ .‬قد ٌقول قابل أن مٌعاد‬
‫التقٌٌم لم ٌحن ألن الفترة االنتقالٌة لم تنتهً بعد‪ .‬بالطبع ذلك صحٌح‪ ،‬و لكن "الكتاب ٌعرؾ من‬
‫عنوانه" ‪ ،‬و نحن اآلن قد اطلعنا ال على العنوان فحسب و لكن على الثلث األول من الكتاب‪.‬‬
‫ٌمكن للقارئ أن ٌمنح الحكومة الدرجات المناسبة عن كل انجاز تم تحقٌقه‪ ،‬و اعالن النتٌجة‪:‬‬
‫رسوب أم نجاح؟ ٌجب االنتباه الى أن بعض بنود برنامج الحكومة للفترة االنتقالٌة الموضحة‬
‫أدناه لم تكن من مطالب الشارع‪ ،‬كما أن كل البنود لٌست على درجة واحدة من األهمٌة مما‬
‫ٌستدعً تخصٌص درجات متفاوتة للبنود المختلفة‪ .‬بناء على التقٌٌم المقترح‪ ،‬قد ٌصل القارئ‬
‫الى نتٌجة مفادها‪ :‬ان المواطن قد أصٌب بخٌبة أمل فً الثورة‪ ،‬و أن آماله فً الخروج من‬
‫المآزق قد بدأت تتالشى‪ .‬فٌما ٌلً بنود برنامج الحكومة االنتقالٌة‪:‬‬

‫إٌقاؾ الحرب والعمل على بناء السالم العادل والشامل والمُستدام‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫مُعالجة األزمة االقتصادٌة‪ ،‬و وقؾ االرتفاع الحاد فً األسعار‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫إلؽاء القوانٌن والنصوص المُقٌِّدة للحُرٌات وإجراء إصالح قانونً‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫ضمان وتعزٌز حُ قُوق النساء‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫وضع برامج إلصالح أجهزة الدولة‪.‬‬ ‫‪.5‬‬
‫وضع سٌاسة خارجٌة مُتوازنة‪.‬‬ ‫‪.6‬‬
‫القٌام بدور َفاعل فً الرعاٌة والتنمٌة االجتماعٌة‪.‬‬ ‫‪.7‬‬
‫تعزٌز دور الشباب من الجنسٌن‪.‬‬ ‫‪.8‬‬
‫عقد المإتمر القومً الدستوري قبل نهاٌة الفترة االنتقالٌة‪.‬‬ ‫‪.9‬‬
‫اتخاذ التدابٌر الالزمة لمُكافحة الفساد‪.‬‬ ‫‪.10‬‬

‫حاشٌة‪ :‬بعد الفراغ من كتابة التقرٌر‪ ،‬وقعت الحكومة و حركات الكفاح المسلح باألحرؾ األولى‬
‫علً اتفاقٌة سالم‪ ،‬و تخلؾ عن التوقٌع كل من عبد العزٌز الحلو و عبد الواحد محمد نور‪ .‬لهذا‬
‫ننصح القارئ الكرٌم باالطالع على البروتوكوالت قبل تقٌٌم ملؾ الحرب و السالم‪.‬‬
‫‪35‬‬
‫نبذة مختصرة عن الكاتب‬

‫االسم‪ :‬محمود ٌسن عثمان‬

‫المإهالت األكادٌمٌة‪:‬‬
‫دكتورة ‪ -‬جامعة النكاستر – انجلترا ‪1990‬‬
‫ماجستٌر – جامعة إدنبرة – اسكتلنده ‪1982‬‬
‫بكالرٌوس – جامعة براٌتون – انجلترا ‪1976‬‬

‫التخصص‪ :‬الهندسة‪ :‬تحلٌل اجهادات و اهتزاز‬

‫زمالة مإسسات مهنٌة‪:‬‬


‫زمٌل الجمعٌة الهندسٌة السودانٌة‬
‫مهندس مستشار – المجلس الهندسً السودانً‪.‬‬

‫الوظٌفة األكادٌمٌة‪ :‬أستاذ (بروفسٌر) متقاعد‬

‫الجامعات محل العمل‪ :‬جامعة وادي النٌل‪ ،‬جامعة البحر األحمر‪ ،‬جامعة كسال‪ ،‬جامعة مروي‬
‫التكنولوجٌة‪.‬‬

‫إجازة سبتٌه‪ :‬مختبر الدولة الربٌس لالهتزاز و الصدمة و الضجٌج – جامعة جٌاو تونج –‬
‫شنؽهاى – الصٌن ٌناٌر – ٌونٌو ‪2003‬‬

‫مقاالت للكاتب تم تداولها عبر وسابل التواصل االجتماعً‪:‬‬


‫‪.1‬رحلة الجامعات السودانٌة خالل ثالثة عقود‪ :‬المخاض العسٌر‪ٌ ،‬ناٌر ‪2019‬‬
‫‪.2‬جدلٌة االستبداد السٌاسً و التطرؾ االسالمً‪ ،‬ماٌو ‪2019‬‬

‫العنوان االلكترونً‪osman.maya@gmail.com :‬‬

‫هاتؾ‪:‬‬

‫‪36‬‬

You might also like