Professional Documents
Culture Documents
الثورة السودانية و حكومة الفترة الانتقالية - - - الامال الخائبة - - أ. د. محمود يسن عثمان
الثورة السودانية و حكومة الفترة الانتقالية - - - الامال الخائبة - - أ. د. محمود يسن عثمان
اآلمال الخائبة
جامعة كسال
سبتمبر 0202
0
المحتويات
خارج النص :صور االسبوع 2................................................
مقدمة 4....................................................................... .1
أخالق السودانٌٌن 5.......................................................... .2
مسٌرة الثورة 6............................................................... .3
الثورة و االعالم 8........................................................... .4
هٌبة الدولة 8................................................................. .5
حكومة كفاءات 9............................................................. .6
اعفاء وزراء الحكومة االنتقالٌة 10........................................... .7
األداء االقتصادي 11.......................................................... .8
البنك المركزي و التضخم 11................................................ .9
دعم السلع 12.................................................................. .10
التارٌخ ٌعٌد نفسه 12.......................................................... .11
األحزاب و المناصب العلٌا 13............................................... .12
المرأة و المناصب العلٌا 14.................................................. .13
نظم الخدمة المدنٌة 15........................................................ .14
تجربة شخصٌة 15............................................................ .15
الخدمة المدنٌة و السٌاسة 16................................................. .16
التدخل السٌاسً فً قرارات التوظٌؾ 17.................................. .17
مبادرات عربٌة إلصالح الخدمة المدنٌة 19................................ .18
مبادرات أفرٌقٌة إلصالح الخدمة المدنٌة 20............................... .19
مسٌرة الخدمة المدنٌة فً السودان 21...................................... .20
علل الخدمة المدنٌة السودانٌة 23............................................ .21
مقارنة بٌن نظامٌن 23....................................................... .22
اصالح الخدمة المدنٌة 25................................................... .23
هٌكل االجور الجدٌد 25..................................................... .24
الحركات المسلحة 26........................................................ .25
عوامل التمرد فً دارفور 28............................................... .26
تضخٌم مؤساة دارفور 29................................................... .27
الحرب و السالم 31......................................................... .28
مسٌرة التفاوض 31.......................................................... .29
قابمة الدول الراعٌة لإلرهاب 32........................................... .30
اصالح االقتصاد 33......................................................... .31
الدعم الخارجً 35........................................................... .32
واجب منزلً35.............................................. ............... .33
نبذة مختصرة عن الكاتب 36................................................
1
خارج النص :صور االسبوع
صورة السبت :الٌوم سبت و البنك مؽلق ،و مجموعة من المواطنٌن ٌصطفون أمام الصراؾ
اآللًٌ .رتفع صوت فً آخر الصؾ قابال " :الحكاٌة شنو ٌا اخوانا ...الصؾ ده مالو ما
متحرك؟!"ٌ .رتفع صوت فً المقدمة قابال" :الشبكة طاشة"ٌ .نسحب شخص فً نهاٌة الصؾ
و هو ٌتمتم بكالم ؼٌر مفهوم.
صورة األحد :عند محطة وقود كانت صفوؾ السٌارات تتلوى كالثعابٌن فً األزقة و حول
االكشاك المتناثرة و الدكاكٌن .كان الجو حارا و الصدور ملتهبة و الشجار مشتعال و األصوات
صاخبة ،و البعض ٌحاول الفصل بٌن البعض اآلخر المتشاجر ،فال تستطٌع أن تمٌز بٌن
المتشاجرٌن و ؼٌر المتشاجرٌن فلكل ٌدفع الكل .كانت السٌارات هً لوحدها تقؾ جامدة
كمجموعة من الرجال البلهاء.
صورة االثنين :أمام احد المخابز احتشد خلق كثٌر من الرجال و النساء و األطفال .كانت
أصواتهم كؤصوات العصافٌر حٌن تؤوي الى أعشاشها فً المساء مفعمة بالقلق و التوتر ،و كان
هنالك شخصٌ ،بدو من مالمحه انه أجنبًٌ ،قؾ بعٌدا ٌشاهد المنظر الذى أمامه ،و ٌبتسم.
صورة الثالثاء :الفصل خرٌؾ ،و الطرٌق موحل .رجل سبعٌنً ٌسٌر بحذر ٌتحسس موطا
قدمٌه برفق ؼٌر عابا بما أصاب نعلٌه من بلل و طٌن ،كان همه أال ٌتسخ جلبابه الناصع
البٌاض ،و لهذ رفع طرفه بإحدى ٌدٌه ،بٌنما احتفظ بالٌد االخرى للموازنة .انطلقت سٌارة من
الخلؾ و تخطته ،و تناثر الطٌن فً كل اتجاه .راح الرجل ٌحدق فً السٌارة و هً تبتعد حتً
ؼابت عن ناظرٌه ،ثم أسدل ثٌابه و راح ٌعبر الطرٌق بهمة و نشاط ،كما لو أن السٌارة شحنته
بقدر هابل من الطاقة و الجرأة.
صورة األربعاء :فً أحد األحٌاء الراقٌة كان هنالك شاب ؼرٌب ٌسٌر بكسل .كان الحً قد
أصابته رشقة من مطر فؽسلته فازداد روعة و بهاء .كانت الشوارع خالٌة من المارة ،و السكون
ٌخٌم على المكان .وقؾ الشاب تحت شجرة ٌمتع ناظرٌه بجمال احدى البناٌات ،و فجؤة حدث
له شًء ،فؤمسك بكلتا ٌدٌه أحد األؼصان و كسره و قذؾ به على األرض ،ثم مضً فً طرٌقه
مسرعا.
صورة الخميس :دخل رجل ،و بٌده أوراق ،مكتبا فً أحدى الوزارات .كان المكتب ٌشتمل على
ثالثة مناضد خالٌه اال واحدة جلس عندها شاب فً مقتبل العمر .ألقى الرجل السالم على
الشاب ،و سؤل عن عبد الصادق ،فؤجابه أنه هو .عرض الرجل األوراق على عبد الصادق ،و
طلب منه القٌام باإلجراء الالزم .امتنع عبد الصادق عن تلبٌة الطلب ،و تعلل أن الٌوم "ٌوم
الخدمة فً الوزارة" و العمل متعطل .فً الٌوم التالً جاء الرجل ،و التقى عبد الصادق فً
احدى ردهات الوزارة ،فاعتذر مرة أخرى بسبب االنخراط فً دورة تدرٌبٌة مدتها اسبوع .بعد
اسبوع عاد الرجل للوزارة فلم ٌجد عبد الصادق فً المكتب ،و وجد موظفا آخرا ،فسؤل عنه ،
فؤجابه الموظؾ انه هو عبد الصادق و ال أحد ؼٌره ،و قام باإلجراء المطلوب.
2
علم الرجل أن عبد الصادق اآلخر سٌؤتً متؤخرا ،فجلس أمام الوزارة ٌنتظر قدومه ،حتً اذا
راه مقبال ،هب من مجلسه و صفعه فً وجهه .لم ٌكترث عبد الصادق اآلخر لما حدث له ،و
مضً فً سبٌله.
صورة الجمعة :بعد أن تم دفن المٌت ،و قبل أن ٌنصرؾ المشٌعون ،وقؾ رجل – ال ٌعرفه
أحد – خطٌبا .سم هللا و حمده و صلى على نبٌه ،ثم صمت كما لو أن األمر قد ارتج علٌه ،و
جلس الناس و كؤنما على رإوسهم الطٌر .واصل الخطٌب بعد حٌن قابال " :ان المٌت راح و
استراح "...و قبل أن ٌكمل حدٌثه ضج المكان بالضحك .كانت تلك أول مرة ٌضحك فٌها الناس
فً المقابر بصورة جماعٌة.
3
.1مقدمة
مضً عام على تشكٌل حكومة الفترة االنتقالٌة و مباشرة أعمالها ،و قد استبشر المواطنون
بالبرنامج الذى أعلنته بخصوص السالم و العدالة ،و معالجة المشكلة االقتصادٌة و محاربة
الفساد ،وؼٌر ذلك مما ٌرفع المعاناة عن كاهل المواطنٌن .و رؼم أنه لم ٌنقضً من الفترة
االنتقال ٌة سوى عام واحد من أصل ثالثة اعوام ،اال أن هنالك شواهد كثٌرة ال على بطء االنجاز
فحسب ،بل على تسارع االنهٌار االقتصادي ،و تعدد بإر النزاع ،و اتساع رقعة الفقر نتٌجة
للؽالء .ان اآلمال العرٌضة التً علقها الشعب على حكومته بدأت تخٌب الواحدة تلو األخرى .و
اذا سارت األمور على هذا المنوال ،فقد ٌنتفض الشارع مرة أخري و تحدث فوضى ،و قد ٌجد
الجٌش مبررا لالستٌالء عل السلطة .هنالك أكثر من عامل وراء تردي األوضاع ،فمنها ما هو
من الطبٌعة كجا بحة كورونا ،و منها ما هو من ارث االنقاذ كشح الموارد المالٌة ،و منها مما
عملت أٌدي الحكومة االنتقالٌة كتعدد مراكز اتخاذ القرارات .لكن التقرٌر الذى أمامنا ٌتبنى
فرضٌة أن التردي ناتج من خلل صاحب اختٌار أعضاء الحكومة ،و قادة المإسسات ،باإلضافة
الى تؽول السٌاسة على البٌروقراطٌة 1و سٌادة الرأي الواحد.
خالل الفترة التً حكمت فٌها االنقاذ البالد ،ساد التعتٌم و عدم الشفافٌة فً التعٌٌنات للوظابؾ
السٌادٌة .فالمواطن ال ٌدري شٌبا عن معاٌٌر و اجراءات االختٌار لتلك المناصب .و كانت
الدولة فً المستوى العالً تدار بسرٌة كما تدار شبكات الجرٌمة المنظمة (المافٌا) .و ربما كان
أعضاء فً الحزب الحاكم نفسه مؽٌبٌن فً هذا الشؤن ،و لهذا كنت تجد أحٌانا من هم أقل
جدارة و نزاهة و خبرة من كوادر الحزب نفسه قد تقلدوا مناصبا رفٌعة .فكان ٌتم تعٌٌن
الوزراء و والة الوالٌات ،و مدٌري المإسسات ،كما ٌتم عزلهم أو نقلهم الى مناصب أخرى ،فال
تكاد تجد سببا مقنعا الختٌارهم أو عزلهم أو نقلهم .و فٌما ٌتعلق بالوالة فقد حدث تخبط كبٌر:
فمرة ٌكون منصب الوالً باالنتخاب و مرات بالتعٌٌن .و عندما ٌكون بالتعٌٌنٌ ،شترطون
أحٌانا أن ال ٌكون الوالً من أبناء الوالٌة .و ال فرق بٌن الوالً المعٌن و الوالً المنتخب،
فكالهما عرضة للعزل و النقل من والٌة ألخرى .و فً ظل هذا التعتٌم و التخبط ،و على مدى
ثالثة عقود ،ظل رأس النظام ٌمسك بالخٌوط من وراء الكوالٌس ،و ظل ٌتمتع بالعصمة من
المساءلة .و قاد نظام الرجل الواحد و الحزب الواحد الى فساد و نكبات .فالدور الفاخرة و
المركبات الفارهة دلٌل على الفساد ،و أما النكبات فالشواهد علٌها كثٌرة ،و ٌكفً االشارة الى
فصل الجنوب و تسلٌمه البترول ،و اندالع الحرب فً دارفور ،و الفشل فً ادارة االقتصاد ،و
ذوبان الطبقة الوسطى و اختفابها .و تكفً االشارة الى أن قٌمة الجنٌه السودانً تدنت من 12
جنٌه مقابل الدوالر عندما انتزعت االنقاذ الحكم الى حوالً خمسٌن ألؾ جنٌه عند زوال حكمها.
ذهبت االنقاذ بخٌرها و شرها ،بعد أن دفع المواطن ثمنا ؼالٌا من الروح و الدم و المال ،و
حسب الناس أن األرض قد اشرقت بنور ربها ،و أن الفساد ولى بال رجعة ،و أن الشفافٌة حلت
محل التعتٌم .و لكنهم أفاقوا على حقٌقة أن التؽٌٌر الذى حدث لم ٌصل الى الجذور ،فقد تم
التعٌٌن فً مناصب عدٌدة سامٌة ،و منها مناصب الوزراء و الوالة و رإساء المفوضٌات و
المإسسات و مدراء الجامعات ،و ال أحد ٌعرؾ المعاٌٌر التً تم بموجبها اختٌار أولبك
المحظوظٌن .كما تم اعفاء عدد من الوزراء من مناصبهم ،و ال أحد ٌدري اسباب اعفابهم .و
1
البٌروقراطٌة :نظام اداري ٌتصؾ بالتسلسل الهرمً و تقسٌم السلطة و التخصص فً المهام و تحكمه لوابح و قوانٌن محددة.
4
من هنا خطرت فكرة تقٌٌم أداء الحكومة االنتقالٌة ،و استدعى األمر القاء الضوء على الخدمة
المدنٌة ،فهً مإشر جٌد على نزاهة التعٌٌنات فً المناصب السٌادٌة .عندما ٌصل القارئ الى
نهاٌة التقرٌر ،ستتضح له خٌبة الشارع فً الحكومة االنتقالٌة ،و أن اآلمال العرٌضة التً علقها
علٌها قد بدأت تتالشى.
.0أخالق السودانيين
صنؾ نعوم شقٌر 2سكان السودان الى خمسة اصول و هً :السود ،و شبه السود ،و البجة ،و
النوبة (البرابرة) ،و العرب.
ٌقول فً السود" :أسوأ ما فً اخالقهم العناد و جفاء الطبع و قلة التدبر و الحزم ،و أفضل ما
فٌها حب الطرب و الحرٌة و بساطة القلب و عدم حب الذات"
و ٌقول فً شبه السود" :أما شبه السود فال ٌشبهون السود اال فً اللون و فٌما سوى ذلك فهم
أقرب الى العرب البدو منهم الى السود .و أشهر ما فً أخالقهم التدٌن و التعصب فً الدٌن".
و ٌقول فً البرابرة" :البرابرة القاطنٌن بٌن الشالل األول (اسوان )3و الشالل الرابع (مروي)
هم خل ٌط من ثالثة أجناس و هً النوبة األصلٌون و العرب و األتراك ...و هم ٌختلفون فً
األخالق اختالفهم فً االصول و لكنهم فقدوا أجل الصفات التً امتازت بها أصولهم فما ترى
فٌهم شجاعة النوبً و ال مرإة العربً و ال شهامة التركً بل هم من الجبن و الكذب و الكسل و
الجهل و شك اسة األخالق على جانب عظٌم ...اال أنهم لم ٌزالوا حافظٌن من أخالقهم األصلٌة
حب الضٌافة و صٌانة العرض".
و ٌقول فً البجة" :أما البجة فلونهم بنً قاتم و ٌشبهون بدو العرب جدا فً المالمح و األخالق
اال أنهم أشكس أخالقا و أفظ طباعا ...و لكن روى العارفون عنهم أخبارا تدل على كرم
األخالق و طٌب النفس".
و ٌقول فً العرب" :أما أخالق عرب السودان ...حب الضٌافة و الكرم و الشهامة و حب
الؽزو و النجدة و األخذ بالثؤر و مراعاة الجار و احترام العرض و االفتخار بالنسب ...والعناد
و احتقار الموت و الصبر على مضض األٌام مع شًء من بالدة الطبع".
ما من شك أن نعوم شقٌر كان قد تحامل على السودانٌٌن قبل أكثر من قرن من الزمان حٌن
صدر كتابه الذى اقتطفنا منه الفقرات السابقة ،و نجد له العذر فً ذلك .و لعله صدق فً صفة
الزمت كل االصول و هً" :العناد و المشاكسة" .و نضٌؾ من عندنا سهولة االثارة ،و سرعة
الؽضب ،و تقلب المزاج ،و عدم ثبات العزم ،و األنانٌة ،و حب الجمع ،و ؼٌرها من آفات هذا
الزمان.
2نعوم شقٌر – ربٌس قلم المخابرات :تارٌخ السودان القدٌم و الحدٌث و جؽرافٌته 1903 ،
3
اسوان التابعة لمصر اآلن :كانت فٌما مضى تعتبر من مدن السودان
5
.3مسيرة الثورة
عندما شارؾ نظام االنقاذ على عٌد مٌالده الثالثٌن ،كان قد فقد الزخم و قوة الدفع تقرٌبا .و لو
لم تشتعل الثورة ،لسقط لوحده كما تسقط الثمرة الناضجة .لقد قامت الثورة فً اللحظة التً كان
النظام قد خارت قواه و أخذ ٌترنح .فٌما ٌلً نلخص مسٌرة الثورة و انجازاتها.
شح الخبز المدعوم ،و معاناة المواطنٌن للحصول على حاجتهم منه ،و محاولة الحكومة .1
حل األزمة عن طرٌق طرح ما سمً بالخبز التجاري بسعر مضاعؾ.
نقص امدادات الوقود ،أدى الى تكدس السٌارات أمام محطات الوقود ،و خلق أزمة .2
مواصالت داخل المدن ،و ألحق الضرر باإلنتاج الزراعً.
نقص السٌولة النقدٌة ،و معاناة الناس فً الحصول على جزء ٌسٌر من أموالهم المودعة .3
فً البنوك ،و أدى ذلك الوضع المتردي الى معامالت تجارٌة لم ٌؤلفها المجتمع من قبل
كشراء النقد بشٌك ،و تحدٌد سعرٌن للسلعة الواحدة ،أحدهما بالشٌك و اآلخر بالنقد
(الكاش).
تراجع سعر الجنٌه أمام الدوالر حتى وصل سعره الرسمً 5و 47مقابل الدوالر فً .4
آخر أٌام حكومة االنقاذ.
الؽالء ،و االرتفاع الٌومً ألسعار السلع ،و تآكل دخول الطبقة العاملة فً الدولة و التً .5
كانت متآكلة أصال.
شروع الدولة فً تبنً سٌاسة السوق الحر مما كان ٌعنً الؽاء الدعم على السلع .6
الضرورٌة ،و زٌادة معاناة اصحاب الدخول المحدودة.
الفشل فً محاربة الفساد ،و عدم محاسبة النافذٌن فً النظام الذٌن جمعوا ثروات كبٌرة .7
بطرق مشبوهة.
سوء ادارة ملؾ العالقات الخارجٌة ،و اضطراب عالقات السودان بالدول األخرى ،مما .8
أدى الى مقاطعة دولٌة ،و حصار اقتصادي خانق.
انعدام األمن و االستقرار فً عدة والٌات نتٌجة للعملٌات الحربٌة و النزاعات القبلٌة .9
و نشاط عصابات النهب.
قد ٌتفق المراقبون على أن اكثر الالعبٌن تؤثٌرا على األحداث خالل الثورة ،و صاحب الفضل
فً سقوط نظام االنقاذ ،هو تجمع المهنٌٌن السودانٌٌن الذى أدار العمل ،فً المرحلة األولى ،من
6
تحت األرض بكفاءة عالٌة .و كان التجمع ٌتكون من عدة منظمات ٌنضوي تحتها المعلمون و
األطباء و المحامون و الصحفٌون و أساتذة الجامعات و المهندسون و الصٌادلة و ؼٌرهم
كثٌرون.
التدخالت الخارجٌة ذات ثالثة شعب :تدخالت عربٌة و تدخالت أفرٌقٌة و تدخالت دولٌة .فً
البدء حدث اضطراب فً موقؾ السودان تجاه محور السعودٌة -االمارات و محور قطر-
تركٌا ،و ذلك على خلفٌة تضارب مصالح دول الخلٌج بعد ثورات الربٌع العربً .و الجدٌر
بالذكر أن قطر كانت داعمة للسودان فً سعٌه لتحقٌق السالم فً دارفور ،بٌنما كان السودان
ٌقدم دعما عسكرٌا للسعودٌة فً حربها فً الٌمن .و كان من الواضح أن المجلس العسكري
ٌمٌل الى محور السعودٌة – االمارات .أما الضؽوط التً مارستها الجهات المختلفة فقد تمثلت
فً الدعم المادي ،أو باألحرى الوعود بالدعم.
أما التدخل األفرٌقً فقد تجلى فً اصرار االتحاد األفرٌقً على انتقال السلطة لحكومة مدنٌة
خالل فترة محددة .و استطاعت مصر عبر رباستها لالتحاد أن تلٌن الموقؾ األفرٌقً تجاه
المجلس العسكري .و ال ٌمكن تجاهل الدور الكبٌر الذى لعبته اثٌوبٌا فً تقرٌب وجهات النظر
بٌن العسكرٌٌن و المدنٌٌن بعد سقوط نظام االنقاذ .و فً الحقٌقة بٌنما كان التدخل األفرٌقً
اٌجابٌا ،كان نظٌره العربً سلبٌا ،و لكنه لم ٌكن صادما .السر وراء ذلك ٌكمن فً التطور
المستمر الذى ٌحدثه االتحاد األفرٌقً فً هٌاكله و نظمه ،و الجمود الذى الزم جامعة الدول
العربٌة ،رؼم عمرها المدٌد .و ٌمكن الجزم بؤن جامعة الدول العربٌة قد أصابها الشلل منذ
زمان بعٌد ،و أصبحت أحوج ما تكون لرصاصة الرحمة.
أما فٌما ٌلً التدخالت الدولٌة ،فقد دأبت الوالٌات المتحدة و الدول االوروبٌة على ابداء
اهتمامهم بالتحول الى الحكم المدنً و االلتزام بالنهج الدٌمقراطً ،و لكنها أمسكت عن التدخل
المباشر فً الشؤن السودانً كما حدث فً بالد اخرى ،و ظلت تنتظر مؤالت النزاع فً السودان
و خاصة النزاع بٌن قوى الحرٌة و التؽٌٌر و المجلس العسكري .و فً الحقٌقة ال تهتم أمرٌكا و
أوروبا بالحرٌة و الدٌمقراطٌة اال بالقدر الذى ٌخدم مصالحها .تلك الدول ال تقبل اال أن ٌصطؾ
اآلخرون من خلفها فً الحق و الباطل ،و حتً عندما ٌستجٌب اآلخرون لرؼاببها ،ال تكؾ عن
االمتنان علٌهم ،كما فعل الربٌس األمرٌكً مع السعودٌة و هو ٌمتن علٌها بالحماٌة ،اذ قال
جهرة" :لو ما نحن ،لكانت السعودٌة تتكلم فارسً".
7
.4الثورة و االعالم
ركز االعالم فً نظام االنقاذ على التؽطٌة على الفشل ،و تلبٌسه لبوس النجاح ،و تضخٌم النجاح
لدرجة ٌرقى فٌها الى درجة المعجزات .كما عمل على ترسٌخ فكرة أن رأس النظام مبرأ حتً
من اللمم ،و أن ال بدٌل له .و سادت االعالم الحكومً لؽة واحدة لدرجة أنك كنت تنتقل من
والٌة الى أخرى ،فٌنتابك شك فً انتقالك بسبب لؽة االعالم المحلً التً ال تتؽٌر و ال تتبدل .و
قد درج االعالم الرسمً على ترتٌب األخبار حسب موقع الشخص الذى ٌتعلق به الخبر فً
السلطة ،ال على أهمٌة الخبر ذاته .و مجمل القول أن االنقاذ بذلت كل ما لدٌها لتخدٌر فبة من
الشعب بالخطاب السٌاسً و الدٌنً ،و ارهاب فبة أخرى بتضخٌم صاحب السلطة و خلق هالة
من القدسٌة حوله.
ٌبدو أن االعالم بعد الثورة ٌسٌر فً الطرٌق الذى رسمته له االنقاذ .و رؼم أن على رأس الهٌبة
القومٌة لإلذاعة و التلفزٌون رجل من البً بً سً البرٌطانٌة ،اال أن اللؽة و صٌاؼة الخبر
ظلت كما كانت فً عهد االنقاذ .و ما زال الخبر ٌقاس بؤهمٌة صاحبه .لقد قٌل قدٌما أن الخبر
هو أن ٌعض رجل كلبا ،ال أن ٌعض كلب رجال .فلو أن كلبا عض نابب ربٌس مجلس السٌادة
مثال ،و فً نفس الوقت عض ربٌس الوزراء كلبا ،فقد تنقل االذاعة السودانٌة كال الخبرٌن مع
تقدٌم األول على الثانً.
لؽة الحوار مع المسبولٌن ال زالت هزٌلة و محدودة المفردات و خجولة .و ال ٌكؾ االعالم
الرسمً عن الثناء على صاحب السلطان بمناسبة و بدونها .ففً شهر ٌولٌو الماضً أعلن
ربٌس الوزراء ،حمدوك ،بؤنه سٌتخذ قرارات سٌاسٌة و اقتصادٌة خالل أٌام ،و حذر من اتخاذها
ذرٌعة إلثارة الفوضى و القالقل .بٌنما الناس ٌترقبون تلك القرارات بتوجس ،طلعت االذاعة
بتعلٌق كتبه أحد منسوبٌها ٌثنً على تلك القرارات حتً قبل االفصاح عنها .و فً مناسبة
أخرى ،اوردت نفس االذاعة خبرا ٌفٌد أن احدى المنظمات المحلٌة قد أعربت عن سعادتها
بتلك القرارات التً كانت ما تزال فً طً الكتمان.
ٌالحظ المرء ،مع قدر من االمتعاض ،تبنً وسابل االعالم الرسمٌة – االذاعة و التلفزٌون –
رإٌة محور السعودٌة – االمارات – مصر للخالفات العربٌة .فعندما تتكلم االذاعة عن لٌبٌا
مثالٌ ،تحول حفتر الى المشٌر حفتر قابد الجٌش اللٌبً ،و تتحول حكومة الوفاق الى عصابات
طرابلس المدعومة من تركٌا .ال ندري من الذي ٌضع سٌاسة تحرٌر األخبار ،و هل وسابل
االعالم الرسمً تتمتع بقدر معقول من االستقاللٌة؟ ربما الحظ المستمع لإلذاعة تسترها على
عدد القتلى فً النزاعات القبلٌة و ؼٌرها من العملٌات االرهابٌة ،و هو من موروث االنقاذ.
.5هيبة الدولة
عند ذكر "بسط هٌبة الدولة" ٌذهب الفكر الى تلك الوالٌات التً تعانً من انفالت أمنً ٌتمثل
فً العملٌات التً تقوم بها الحركات المسلحة ،و العصابات الخارجة على القانون ،و النزاعات
القبلٌة و ما شابه ذلك من أعمال التروٌع و التً أصبحت ظاهرة فً ؼالب الوالٌات .و قد ٌكون
السر وراء تعٌٌن امرأتٌن فً منصب الوالً فً كل من الوالٌة الشمالٌة و والٌة نهر النٌل
خلوهما من النزاع القبلً و الحركات المسلحة و العصابات .و الحدٌث عن فرض أو بسط هٌبة
8
الدولةٌ ،عنً أن الدولة قد فقدت القدرة على السٌطرة و استتباب األمن .لكن فً الواقع هٌبة
الدولة لم تضٌع فً الوالٌات التً تعانً من حروب لوحدها ،بل ضاعت فً جمٌع الوالٌات .و
من أمثلة ذلك بالتدرٌج من الصؽٌر الى الكبٌر:
( )1عدم االلتزام بضوابط حركة المرور كتجاوز االشارة الحمراء .فً احدى المرات نبه
كاتب المقال أحد ضابط الشرطة عندما قام أحدهم بعبور الشارة الحمراء ،فرد قابال" :هو
نحن نجري وراء منو و نخلً منو!"
( )2قفل الشوارع باألنقاض و مواد البناء ،و المبانً .أحٌانا تكون المبانً ؼرؾ مشٌدة من
مواد ثابتة و مكٌفة الهواء مما ٌشا بؤن الذٌن شٌدوها من أصحاب الدخول المرتفعة نسبٌا.
( )3اخفاء بعض السلع ،و بٌعها فً السوق األسود بؤسعار مضاعفة تصل أحٌانا الى خمسة أو
ستة أضعاؾ سعرها األصلً .و ٌدخل ضمن تلك السلع الوقود بؤصنافه المتعددة.
( )4عدم التزام أصحاب المحالت التجارٌة بؤسعار محددة .و فً أحٌان كثٌرة تبدو تلك
االسعار ولٌدة اللحظة.
( )5تهرٌب مواد أساسٌة كالدقٌق و الوقود و خالفه مما ٌفاقم االزمات و ٌعطل حٌاة الناس.
( )6تهرٌب الثروات المعدنٌة و الحٌوانٌة و الزراعٌة ،مما ٌفقد خزٌنة الدولة أمواال طابلة كان
من الممكن االستفادة منها فً استٌراد الدواء مثال.
( )7ادخال مواد ضارة بالصحة و مخدرات ،تصل أحٌانا فً حاوٌات عبر المنافذ المحروسة.
( )8تقاعس العمال فً اداء االدوار المنوطة بهم ،و فشل الخدمة المدنٌة فً تقدٌم الخدمات
للمواطنٌن.
( )9انتشار الرشوة ،و عدم الخوؾ من ولً األمر.
( )10نشاط عصابات الجرٌمة فً المدن ،و الصراعات القبلٌة فً الرٌؾ ،و حمل السالح فً
مناطق عدة فً البالد.
.6حكومة كفاءات
سإال ٌطرحه كثٌر من المتابعٌن لألداء الحكومً :كٌؾ ٌتم االختٌار للمناصب الوزارٌة و ما
شابهها ،و ما هً معاٌٌر االختٌار؟ لقد خرجت البالد للتو من فترة طوٌلة من الركود و
االستبداد و التعتٌم ،ساد فٌها مبدأ الوالء قبل الكفاءة ،و هو الذى أدي الى تقلد عدد من أصحاب
الوالء مناصب رفٌعة ،فكان ضررهم اكبر من نفعهم ،و الشاهد على ذلك مإسسات كثٌرة
فاشلة .بالطبع ال ٌمكن أن ٌتعافى المجتمع بمجرد زوال نظام حكم شمولً كما االنقاذ .و ستظل
كثٌر من الممارسات القدٌمة الخاطبة ماثلة ،و منها سٌاسة التعتٌم .أن الشفافٌة هً وحدها كفٌلة
بدحر الشابعات و شفاء صدور قوم ٌحسون بالتهمٌش فً تولً الوظابؾ القٌادٌة .فً محاولة
لقراءة المشهد ،نتطرق فٌما ٌلى الى ثالثة امور لها دورا فً االختٌار للمناصب العلٌا و هً:
اوال الكفاءةٌ :جب عدم الخلط بٌن الشخص "الكفإ" و "التكنوقراط" .الشخص الذي ٌوصؾ بؤنه
تكنوقراط هو شخص اختصاصً و خبٌر فً مجال من مجاالت الحٌاة كالطب أو الهندسة أو
االقتصاد أو القانون ،و لٌس بالضرورة أن ٌكون كل تكنوقراط كفإا .أما الكفإ فهو شخص متعلم
صاحب اطالع واسع ،و خبرة و دراٌة ،و كارٌزما ،و ٌجب أن ٌتصؾ بالنزاهة و هً مفردة
شاملة لمحاسن األخالق كاألمانة و االنضباط ،و القبول لدى الناس .و فوق كل هذا ٌجب أن
9
ٌكون على قدر كبٌر من الوعً ،و صاحب قدرات قابلة للقٌاس .و أما الوعً فنعنً به القدرة
على رإٌة التفاصٌل الصؽٌرة ،و القراءة بٌن السطور التً تفوت على الشخص العادي .كما أنها
تعنً القدرة على اٌجاد عالقات بٌن التفاصٌل الصؽٌرة التً قد تبدو متنافرة و ؼٌر متسقة مع
بعضها البعض .و هً تعنً قراءة المستقبل و استخالص المفٌد من تلك القراءة .فالشخص
الواعً هو من ٌنظر الى الصورة من المكان الصحٌح فٌتسنى له التعرؾ على التفاصٌل .أما
الشخص ؼٌر الواعً فحاله حال من ٌنظر الى الصورة من مكان و زاوٌة ؼٌر مناسبتٌن فتختلط
علٌه التفاصٌل .فاذا سإل عن ما ٌرى فً الصورة فقد ٌقول انه ٌرى رجال على حمار بٌنما فً
الحقٌقة تكون الصورة ألسد رابض تحت شجرة .و بهذا المعنً ٌمكن أن ٌكون شخص ما حامال
لشهادات أكادٌمٌة و فً نفس الوقت فاقدا للوعً ،و هو ما ٌعبر عنه العامة بؤن القلم ما بزٌل
بلم .و لهذا ٌصبح من الضروري اخضاع المرشحٌن للمناصب العلٌا الى اختبارات ذكاء و
تعبٌر انشابً و ؼٌرها من االختبارات للتمٌٌز بٌنهم.
ثانٌا الوالء السٌاسًٌ :رى البعض أن الكفاءة ٌجب اال ٌنظر الٌها بمعزل عن الوالء و االقتناع
بالبرنامج السٌاسً أو االقتصادي المطروح من قبل ولً اآلمر ،صاحب االختٌار .كما ٌرى
آخرون أن التوازن الجهوي و الفكري ٌجب أخذه فً االعتبار عند االختٌار .ؼٌر أنه ال ٌوجد
من ٌعلن صراحة أن القرابة أو الصداقة أو الوالء من معاٌٌر االختٌار ،اال أنها تلقً بظاللها
عند االختٌار ،و قد تجد لها أمثلة فً المناصب السٌاسٌة و المإسسات االقتصادٌة أو حتً فً
القوات النظامٌةٌ .قول أحدهم" :حتى إن تساوى شخصان فً الكفاءة ،واستحقا المنصب نجد من
ٌُتقن الوالء هو من ٌصل إلى أعلى المراتب" ،و ٌضٌؾ قابال " :أنه فً حال تجاوز معٌار
الوالءٌ ،بقى معٌار القرابة والجهوٌة ٌصنع الفارق".
ثالثا االختٌار للوظابؾ القٌادٌة :ان االختٌار للمناصب السٌادٌة و المناصب العلٌا االخرى فً
الدولة ٌجب أن ٌخضع إلجراءات صارمة و فحص و تدقٌق حتى ال ٌصل الى تلك المناصب اال
من كان هو أهال لها .فاذا افترضنا أن هنالك شخص أو مإسسة أو هٌبة تقوم بترشٌح أشخاص
لتلك المناصبٌ ،جب أن تكون هنالك هٌبة اخرى مهمتها التدقٌق و الفحص .كما ٌجب أن
ٌخضع المرشحون لجلسات استجواب لمعرفة ان كانوا مدركٌن لطبٌعة العمل الذى هم مقبلون
علٌه ،و تصوراتهم إلصالح و ترقٌة المإسسة المعنٌة .أما خالؾ ذلك كاالختٌار على اساس
الجندر أو الجهة أو العرق أو الحزب فذاك هو الفشل عٌن الفشل الذى ظللنا نمارسه عاما بعد
آخر و نظاما بعد نظام و هو الذى أوردنا المهالك .و هل هنالك مهالك أكبر من اصطفاؾ
الرجال و النساء و االطفال للحصول على بعض قطع من الخبز؟!
.8األداء االقتصادي
لنؤخذ احد الوزراء المقالٌن او المستقٌلٌن و هو بحكم الوزارة التً ٌراسها ٌعتبر اهم الوزراء
المقالٌن ،و نعنً وزٌر المالٌة ،و الذى سٌذكره التارٌخ بؤنه ضاعؾ اجور العاملٌن بالدولة عدة
مرات فً سابقة فرٌدة .و قد اختلؾ الناس فً أمر تلك الزٌادات الكبٌرة .فمنهم من راي أنها
تإدي الى موجة ؼالء و تضخم ،بٌنما رأى آخرون انها ستحرك السوق و تنشط التجارة .لن
ٌمر زمن طوٌل قبل ان ٌتضح للناس اذا ما كانت تلك السٌاسة نعمة ام نقمة .فً الحقٌقة كانت
االجور منخفضة بصورة مزرٌة لدرجة تعد اهانة من قبل الدولة للعاملٌن .و قد رأٌنا فً بالد
اخرى تتمتع بحركة عمالٌة نشطة و قوٌة ال ٌحصل فٌها العمال ،مهما تعاظمت قوتهم ،اال
على زٌادة طفٌفة فً المرتبات .طبعا ٌعلم أصحاب النهى أن السٌاسات االقتصادٌة ٌقترحها
الوزٌر المعنً بالمال و االقتصاد ،و لكنها ال تتنزل على أرض الواقع اال بعد اجازتها بواسطة
مجلس الوزراء و البرلمانٌ .قول الناس فً مجالسهم الخاصة أن زٌادة االجور كانت جزءا من
حزمة تتضمن تحرٌر التجارة و رفع الدعم عن السلع و الخدمات .و من الواضح ان ربٌس
الحكومة لم ٌعارض سٌاسة االجور و اال ما تم تنفٌذها .و علٌه فانه ،على ضوء تعامله مع
وزٌر المالٌة المقال ،أشبه بالمرأة التً دخلت النار فً هرة ،حبستها ،ال هً أطعمتها و ال
تركتها تؤكل من خشاش األرض.
11
ان الحد ٌث عن التضخم ٌقودنا الى معضلة االستثمار التً استعصى حلها .فلكً ٌنشط
االستثمار ٌجب توفٌر بٌبة صالحة له و هً تتمثل فً شًء واحد ال ؼٌر هو االستقرار و له
ثالثة أشكال وهً االستقرار األمنً و االستقرار السٌاسً و االستقرار االقتصادي .فاذا
افترضنا جدال تحقق االستقرار األمنً و السٌاسً ،فهل هنالك استقرار اقتصادي فً ظل وضع
تتؽٌر فٌه االسعار ال على مدار الشهر أو االسبوع أو الٌوم و انما على مدار الساعة؟ ان
اصالح االقتصاد و وضعه على المسار الصحٌح ،و تحرٌك عجلة االستثمار ال ٌمكن أن ٌتحققا
اال بجملة من العملٌات الجراحٌة الكبٌرة ال العملٌات التجمٌلٌة ،و منها:
.12دعم السلع
درجت الحكومات المتعاقبة على االدعاء بانها تقوم بدعم بعض السلع مثل الخبز و الوقود و
الكهرباء التً تعتمد على مدخالت من الخارج .لكن الناظر لألمر عن كثب و الدارس المدقق
لظاهرة الدعم سرعان ما ٌكتشؾ زٌؾ ذلك االدعاء .فحتى حٌن تنخفض األسعار عالمٌا كما
حدث للقمح فً وقت ما و للبترول فً أوقات أخرى ،تصر الحكومة انها تتحمل دعم تلك
السلع .فكٌؾ ٌتم دعمها و اسعارها هابطة فً األسواق العالمٌة؟! فً الحقٌقة لٌس هنالك دعم و
انما افتراء و كذب .فالحكومات هً التً تتحكم فً النقد ،و تقوم بطباعة حاجتها منه لسد العجز
فً الموازنة ،فٌنخفض سعر العملة .و مع انخفاض سعر العملة ترتفع أسعار السلع .و من هنا
ٌؤتً ادعاء الحكومة بفرٌة الدعم ،و هو ادعاء باطل لدى كل ذي عقل .فالحكومة التً تفشل فً
ادارة االقتصاد تقوم بتحمٌل المواطن ثمن فشلها ،و هو نوع من الؽش و اكل أموال الناس
بالباطل.
ير " .ترى كم مرة حدث هذا فً اها تَ ْد ِم ًإ يها فَ َح َّ
ق َع َل ْي َها إ ْلقَ ْو ُل فَ َد َّم ْرَن َ ِ
سقُوإ ف َ َم ْرَنا ُمتْ َرِف َ
يها فَفَ َ قَ ْرَي ًة أ َ
الماضً ،و كم مرة سٌحدث فً المستقبل؟ هللا وحده أعلم ،و تبقى القاعدة التارٌخ ٌعٌد نفسه .و
بناء على هذا ٌجب ان تعلم الحكومة االنتقالٌة و المجلس السٌادي :أن التارٌخ ٌعٌد نفسه ،و أن
هنالك من ٌهتؾ مذكرا بالنهاٌة المحزنة :ان عدتم عدنا .و اذا المنٌة أنشبت أظفارها ،وجدت
كل تمٌمة ال تنفع.
فً فترة االنقاذ ظهرت مجموعة من االحزاب الصؽٌرة ،عرفت بؤحزاب الفكة ،لم ٌكن لكثٌر
منها عضوٌة أو مقر أو هاتؾ ،و كانت قد خرجت من رحم األحزاب الكبٌرة كنتاج طبٌعً
لسٌاسة المإتمر الوطنً " فرق تسد . "divide and conquerو لم ٌكتؾ المإتمر الوطنً
بتوحٌد جٌب الحزب و الحكومة ،و انما راح ٌؽدق الهبات على األحزاب صؽٌرها و كبٌرها
من مال الشعب المؽلوب على أمره.
ٌقال عن الفساد ،أن لكل انسان ثمن بمعنً أن كل فرد قابل للفساد .فمن الناس من ثمنه بٌضة و
منهم من ثمنه دجاجة و منهم من ثمنه شاة و آخر ثمنه بدنة .و على كل حال قبض القابمون
على أحزاب الفكة أثمانهم من هبات المإتمر الوطنً ،كما حصل اخوة لهم من الحركات
المسلحة على اثمانهم ،و من خلفهم و من بٌن أٌدٌهم آخرون اوكلت لهم مهمة تزٌٌؾ الحقابق و
تحوٌل الفشل الى نجاح ،و ؼٌرهم ممن عملوا على تخدٌر العامة بؤثارة العاطفة الدٌنٌة و
شحنها عن طرٌق األناشٌد الوطنٌة .ان أٌة أمة تعجز عن النهوض اال على عكازة األناشٌد
الوطنٌة هً أمة مصٌرها الزوال .وأي شعب ٌسهل تخدٌره ،هو شعب ؼٌر جدٌر بالحٌاة .كل
هإالء و أولبك و ؼٌرهم كثٌرون كانت لهم حظوة أٌام االنقاذ .و قد ٌعود المنشقون الى
أحزابهم القدٌمة ،و قد تكون لهم حظوة فً حكومات ما بعد الثورة ألنهم ٌعرفون المداخل ،و
ألنهم محصنون ضد الحرج ،وآلن لهم برٌق كالذهب المؽشوش.
4
سورة االسراء اآلٌة 16
13
.13المرأة و المناصب العليا
فرص التعلٌم متاحة للرجال و النساء على حد سواء ،و ٌمكن للكل الحصول على نفس
المإهالت األكادٌمٌة و المهنٌة من خالل المنافسة .و فً الواقع تشٌر نتابج مرحلة األساس و
امتحان الشهادة السودانٌة أن البنات أكثر تفوقا من األوالد ،مما ٌستدعً معرفة أسباب ذلك
التفوق .نالحظ ،مع األسؾ الشدٌد ،عدم وجود أٌة دراسات علمٌة حول هذا الموضوع .كرد
فعل من بعض مدراء الجامعات أٌام االنقاذ تجاه تفوق البنات ،و لتحجٌم المد األنثوي ،لجؤوا
الى المحاصصة فً الكلٌات ذات االقبال الكبٌر كالطب و الهندسة .فكنت تجد نسبة المنافسة بٌن
األوالد أقل من مثٌلتها بٌن البنات .لم ٌكن لذلك االجراء سند دستوري أو قانونً ،بل كان ٌمثل
انتهاكا صارخا لحق المرأة ،و تعدٌا من بعض مدراء الجامعات للسلطات المخولة لهم .أثار
كاتب المقال األمر فً احدى اجتماعات لجنة القبول برباسة بروفسٌر ابراهٌم أحمد عمر ،وزٌر
التعلٌم العالً ٌومبذ ،و ذكر أن المحاصصة ٌمكن قبولها فً الجامعات التً تعتمد الفصل بٌن
الجنسٌن كجامعة القران الكرٌم مثال ،و لكن ال ٌجوز ذلك فً الجامعات األخرى المختلطة .و
قد ابدى الوزٌر دهشته مما سمع ،و وعد بمعالجة األمر ،لكن ال بد أن كثٌر من البنات كن
ضحاٌا لمدراء جامعات تجاوزوا حدود صالحٌاتهم.
صحٌح أن الدساتٌر و القوانٌن فً ؼالبٌة دول العالم ال تمٌز بٌن الرجل و المرأة ،لكن فً
الواقع هنالك تمٌٌز ضد المرأة حتى فً أكثر البالد حرٌة و دٌمقراطٌة .و التمٌٌز ضد المرأة
كالتمٌٌز ضد السود ،ال ٌقره دستور و ال قانون ،و لكنه ٌمارس على ارض الواقع ،و الشاهد
على ذلك ثورات السود فً أمرٌكا معقل الحرٌة و الدٌمقراطٌة .و التمٌٌز القابم على الجندر أو
العرق أو القبٌلة أو لون البشرة أو خالفه ،ارث للبشرٌة عمره آالؾ السنٌن ،و ٌستعصً
استبصاله فً خالل عشرات السنوات كما ٌحلم الحالمون .نقول بصراحة فلتتبوأ المرأة أعال
المناصب بما فً ذلك رباسة الدولة ،و لكن بمعٌار الكفاءة ال من باب المحاصصة .و كما أن
التمٌٌز ضد المرأة ؼٌر البق و ؼٌر مقبول ،فان التمٌٌز ضد الرجل هو أٌضا ؼٌر البق و ؼٌر
مقبول ،و لٌكن معٌار الكفاءة ال الجندر هو الفٌصل عند المنافسة على المناصب.
ان المرأة معرضة لنوبات ضعؾ اكثر من الرجل ،ألنها هً التً تحمل ،و هً التً تلد ،و هً
التً ترضع ،و هً التً تعتنً بالصؽار و تسهر علٌهم ،ال الرجل .فاذا ارادت المرأة أن ٌقؾ
الرجل معها فً زمن ضعفها ،فعلٌها أال تحاول القفز "بالزانة" فً زمن قوتها .فً مطلع
التسعٌنات من القرن الماضً ،سؤل كاتب التقرٌر عن موظفة كانت ؼاببة ،فجاءه الرد من
زمٌالتها بؤن الٌوم ذاك ،كان ٌومها الصحً .كانت تلك أول مرة ٌسمع الكاتب بؤن للمرأة ٌوم
صحً ٌخول لها الؽٌاب عن العمل .للقارئ أن ٌتخٌل وفدا من الوفود قدم لمقابلة والٌة ،فٌرد
على أعقابه بحجة أن الٌوم هو الٌوم الصحً للوالٌة! ال نعلم ان كان ذلك الحق – نعنً الٌوم
الصحً -مكفوال لهن حتً اآلن ،أم أنهن تخلٌن عنه بطوعهن .ثم أننا ال ندري ان كانت المرأة
االوروبٌة تتمتع بٌوم صحً أم ال ،و لكن من معاٌشة األوروبٌٌن و مشاهدتهم ٌمكن أن نشهد
على أن المرأة األوروبٌة أكثر جدٌة من المرأة السودانٌة مهما تفانت األخٌرة فً العمل .و على
كل حال فالٌوم الصحً ضرب من العبث حتً و لو كان موضع تطبٌق و احترام فً اوروبا.
14
.14نظم الخدمة المدنية
الخدمة خدمتان :خدمة عسكرٌة و خدمة مدنٌة .و ألن تعرٌؾ الخدمة العسكرٌة أسهل فً
التعرٌؾ من الخدمة المدنٌة لمحدودٌتها ،فان افضل تعرٌؾ للخدمة المدنٌة هو :كل خدمة لٌست
عسكرٌة فهً خدمة مدنٌة .تمثل الخدمة المدنٌة أهم ذراع للحكومة لتنفٌذ سٌاساتها ،و عن
طرٌقها تقدم الخدمات للمواطنٌن ،و تجمع الضرابب و ؼٌرها من المهام .و تتعرض الخدمة
المدنٌة فً كل بقاع الدنٌا الى االنتقاد ،و تخضع إلصالحات مستمرة ،و هً نظامان:
النظام األول ٌعرؾ بالنظام المؽلق ،وتؤخذ به أؼلب الدول األوروبٌة الؽربٌة مثل فرنسا،
وبرٌطانٌا ،وبلجٌكا ،وألمانٌا ،وبعض الدول اآلسٌوٌة مثل الٌابان ،ومعظم الدول العربٌة .فً هذا
النظام ُتعرؾ الوظٌفة العامة على أنها مهنه البد أن ٌتفرغ لها الموظؾ طٌلة حٌاته ،وتتمٌز
باالستقرار حٌث ٌُعٌن الفرد بناء على شروط معٌنه وٌبقى فٌها حتى ٌستقٌل أو ٌُحال على
التقاعد .كما ٌكرس فً إطاره الموظؾ نشاطه ووقته الرسمً للوظٌفة ،وتحكمه قواعد
واجراءات تنظم حقوقه وواجباتهٌ .عتمد الترقً فً هذا النظام على سلم الترقٌات وأقدمٌة
الموظؾ وتلتزم فٌه الدولة بدفع الراتب التقاعدي (المعاش) لمن ٌخدم فترة زمنٌة معٌنة .من
عٌوب هذا النظام عدم قدرة الدولة على تحمل تكلفة األجور ،و تدنً انتاجٌة العاملٌن و ضعؾ
روح المبادرة و التطوٌر لدٌهم لقناعتهم بدٌمومة العمل.
النظام الثانً ٌعرؾ بالنظام المفتوح ،وتؤخذ به الوالٌات المتحدة األمرٌكٌة ،وكندا ،وسوٌسرا،
وفنلندا .فً هذا النظام ،تتولى المإسسة مهمة تحدٌد الوظابؾ و الوصؾ الوظٌفً ،والمإهالت
المطلوبة ،و ٌتم اختٌار المتقدمٌن لشؽل الوظابؾ وفقا ألهلٌتهم وجدارتهمٌ .رتبط بقاء الموظؾ
فً عمله بمدى كفاءته وفاعلٌته بحٌث ٌكون له الحق فً ترك الوظٌفة بكامل إرادته حال ما
ارتؤى ذلك وبموجب اشعار للمإسسة قبل ترك الوظٌفة بفترة مناسبة .إضافة إلى أن المإسسة ال
تلتزم بترقٌة الموظؾ أو ترفٌعه وفقا لألقدمٌة بل تسمح له بالتقدم لشؽل الوظٌفة األعلى إذا كان
مإهال لها ،وعندها ٌعٌن كموظؾ جدٌدٌ .خول النظام لإلدارة أن تعٌن متى تشاء وتستؽنى
عمن تشاء من موظفً الخدمة العامة وفقا لظروؾ العمل على أسس الجدارة واالستحقاق فقط.
تتلخص عٌوب النظام فً كونه نظام ٌصلح لبٌبة ذات إمكانٌات علمٌة وبشرٌة عالٌة المستوى
لذلك فهو ٌطبق فً عدد من الدول المتقدمة .كما أنه ٌُبقً العاملٌن فً نظم الخدمة المدنٌة فً
قلق مستمر نتٌجة عدم االستقرار وٌتسبب فً انهاك إدارة األفراد بعملٌات االختٌار المتكررة .و
على الرؼم من أن الخدمة المدنٌة السودانٌة سلٌلة الخدمة المدنٌة البرٌطانٌة و تتبنى النظام
المؽلق ،اال أنها تراجعت فً أدابها و كفاءتها خالل الحكم الوطنً و بالذات خالل حقبة االنقاذ.
هنالك أسباب عدٌدة لتدهور الخدمة المدنٌة ،سٌؤتً ذكرها الحقا.
.15تجربة شخصية
فً العام 1983تؤسست لجنة االختٌار للخدمة المدنٌة فً ما كان ٌعرؾ باإلقلٌم الشمالً -اآلن
والٌتً الشمالٌة و نهر النٌل – و مقرها فً الدامر .كان كاتب التقرٌر أحد مإسسً اللجنة ،و
استمر ٌشارك فً نشاطها حتً العام 1987حٌن حصل على منحة للدراسة فً احدى الجامعات
البرٌطانٌة .كثٌرا ما ردد الكاتب على أسماع زمالبه فً اللجنة و المشاركٌن من خارجها تساإال
ٌتعلق بفاعلٌة طرٌقة االختٌار ،و التً كانت تعتمد على المإهالت األكادٌمٌة و اجتٌاز معاٌنة
15
قصٌرة .ان صعوبة االختٌار ٌمكن عرضها على شكل تساإل :كٌؾ ٌتسنى الحكم على صالحٌة
متقدم لوظٌفة فً مدخل الخدمة عمره أكثر من مباتً ألؾ ساعة خالل مقابلة ال تستؽرق أكثر
من ربع ساعة؟! مبتا ألؾ ساعة من التعقٌدات و المعاناة و التراكم المعرفً و التجارب الناجحة
و الفاشلة ،و االنفعاالت الطٌبة و الخبٌثة ،و حاالت الصحة و المرض ،و التؤرجح بٌن األحالم
و األوهام ،و المؽروس من الصفات و المكتسب منها؟ بالطبع كانت هنالك معاٌٌر سهلة القٌاس
كالمإهل األكادٌمً ،و المظهر العام للمتقدم أو المتقدمة للوظٌفة ،و العٌوب الظاهرة كاالستهتار
و عدم المباالة ،باإلضافة الى االعاقات الجسدٌة الخطٌرة .أما خالؾ ذلك فان العملٌة أشبه ما
تكون بمحاولة العثور على ابرة فً كومة قش خالل دقابق .و لهذا ساد االعتقاد ،و ما زال حتً
الٌوم ،أن عملٌة االختٌار لٌست بالقاطعة ،حتى بالنسبة ألولبك الذٌن تخصصوا فً هذا المجال.
و اذا استبعدنا المحسوبٌة ،فان اجتٌاز المعاٌنة قد ٌصبح مجرد حظ .فاذا كان االختٌار لمدخل
الخدمة ٌحتاج الى اختبار و معاٌنة و تدقٌق ،فان اختٌار الوزراء و الوالة و القادة ،أكثر تعقٌدا،
و ٌستدعً اختبارات صارمة لتمٌٌز الطٌب من الخبٌث .ان المعاناة التً ٌالقٌها المواطن فً
معاشه ما هً اال نتاج لسوء االختٌار للوظابؾ القٌادٌة ،سٌاسٌة كانت أم ؼٌرها.
اآلن لنعد الى موضوع المعاٌنات و نسؤل عن طبٌعة المعلومات التً ترؼب فٌها أٌة لجنة
معاٌنة لقٌاس قدرات طالب الوظٌفة .فً كثٌر من األحٌان ٌسؤل المتقدم عن أشٌاء عامة قد ال
تكون ذات عالقة بالوظٌفة ،و أحٌانا تطرح علٌه أسبلة من شؤنها استدراجه للوقوع فً الخطؤ.
و مثال ذلك ما ذكرته احدى الفتٌات أنها سبلت فً المعاٌنة عن عدد ركعات صالة الجنازة .ان
االسبلة التً على شاكلة هذا السإال ؼٌر منتجة ،و تنم عن ضعؾ السابل ال المسبول .أوال لٌس
من ثقافة المرأة السودانٌة المشاركة فً تشٌٌع الموتى و الصالة علٌهم ،و ثانٌا معرفة تفاصٌل
صالة الجنابز ال تفٌد سٌدة فً مقتبل العمر ترؼب فً العمل فً مجال علمً بحت كما كان حال
تلك ال فتاة ،و ثالثا و كما هو معلوم للجمٌع أن صالة الجنازة لٌس فٌها ركعات .ألٌس ذلك هو
عٌن االستدراج للوقوع فً الخطؤ؟
و كما ٌقولون الشًء بالشًء ٌذكر و لكنه لٌس منفصال عنه تماما ،استمع الكانب ذات مرة
لبنات صؽٌرات فً السنوات األولى من مرحلة األساس ٌرددن ما تعلمنه ٌومها من نواقض
الوضوء ،فكن ٌتصاٌحن قابالت" :اذا مس الرجل ذكره" .ما من شك أن القارئ الواعً
سٌستنكر اعطاء تلمٌذات صؽٌرات تلك المعلومة و أمثالها ،و ذلك لسببٌن أولهما أن موضوع
نقض الوضوء عن طرٌق مس الذكر لٌس مما ٌتعلق باألنثى ألنها ال تمتلك ذلك العضو الذي
ٌنسب الٌه نقض الوضوء .ثانٌا أن الطفل – ذكرا كان أو انثى – ال ٌمكن أن ٌدرك الموضوع
ادراكا صحٌحا ،بل قد ٌتطور األمر عنده الى أبعد من ذلك فٌإدي الى كراهٌة ذلك العضو.
أضؾ الى ذلك أن مفردة "مس" هذه قد ال ٌتسنى للكبار فهمها دعك من االطفال الصؽار .فما
أشبه اختبار الطفل الصؽٌر بسإاله عن نواقض الوضوء و اختبار تلك السٌدة عن صالة الجنازة.
اذن ال ؼرابة أن ٌقود تعلٌم كهذا الى معاٌنة كتلك.
16
ذلك اال بتوفر المهنٌة و االستحقاق و الكفاءة فً قادة الخدمة المدنٌة .فً ذات الوقت ٌجب أن
ٌخضع العاملون فً الخدمة المدنٌة للمساءلة عن األداء بواسطة الحكومة.
هنالك جدل دابم حول العالقة بٌن الجهازٌن البٌروقراطً و السٌاسً ،و ٌنحو بعضهم الى أن
قسمة العمل بٌن السٌاسٌٌن و البٌروقراطٌٌن تإدي الى تحسٌن األداء بشرط أن ٌكون هنالك
تمٌٌز واضح بٌن الشرٌكٌن .و اصحاب هذا الرأي ٌعتبرون االدارة المدنٌة من أدوات و توابع
السٌاسٌٌن بوصفهم خبراء مهمتهم تقدٌم المشورة للسٌاسٌٌن ،و تنفٌذ قراراتهم .و بالمقابل هنالك
خطورة فً سٌطرة موظؾ الخدمة المدنٌة على السٌاسً من خالل التفوق المعرفً ،و الخبرة
المهنٌة ،و التجربة الممتدة ،و ذلك على نقٌض الوزراء الذٌن ٌتؽٌرون كثٌرا .اضؾ الى ذلك أن
البٌروقراطً ٌمكن أن ٌخزل السٌاسً و ٌقوده الى الفشل بحجب معلومات مهمة عنه.
فً دراسة عن التدخل السٌاسً فً الوظابؾ المدنٌة العلٌا ،و رسم الحدود بٌن مسبولٌات
الوزراء و قادة الخدمة المدنٌة ،شملت 12دولة فً اوروبا و أمرٌكٌا و آسٌا و أفرٌقٌاٌ ،وجد
وصؾ للطرق التً سلكتها الدول المختلفة لوضع ترتٌبات مإسسٌة للموازنة بٌن مطلوبٌن
األول :تفادي استقالل الخدمة المدنٌة للدرجة التً تصبح معها عصٌة على القٌادة السٌاسٌة ،و
الثانً :خدمة مدنٌة مسٌسة و خاضعة للرعاٌة الحزبٌة .و خلصت الدراسة الى نتابج منها:
بٌنما حٌاد الخدمة المدنٌة ،بمعنً الالحزبٌة ،هو المبدأ المعلن بواسطة جمٌع الدول التً .1
شملتها الدراسة ،اال أن ذلك ال ٌتحقق فً التعٌٌن فً المناصب العلٌا.
لكل دولة مجموعة من القوانٌن و األعراؾ و االجراءات التً تحدد قسمة المسبولٌة بٌن .2
الوزراء و موظفً الخدمة المدنٌة ،و أحٌانا تإدي الى منع السٌاسٌٌن و موظفً الخدمة
المدنٌة من التدخل فً مجال من المجاالت.
هنالك تنوع فً ترتٌبات االشراؾ المإسسً لتقٌٌد التدخل السٌاسً فً شبون األفراد ،و .3
االذعان لألدوار الوظٌفٌة.
الترتٌبات ؼٌر الرسمٌة ،و بالذات األعراؾ الشعبٌة المتجذرة ،لها أهمٌة كبٌرة لضمان .4
خدمة مدنٌة ال حزبٌة
ٌعتبر البنك الدولً أن اصالح و تطوٌر طرق االختٌار للوظابؾ فً المإسسات العامة أهم
عامل لنجاح برامج التنمٌة .بٌنما ٌالحظ المرء تبنً دول كثٌرة أنظمة للخدمة المدنٌة ،اال أن
هنالك عقود عمل مإقتة و مجموعة من الوظابؾ تم اعفاإها من لوابح الخدمة ،فؤصبحت لذلك
مدخال للتؤثٌر السٌاسً ،و كان هذا من الممارسات الخاطبة فً عهد النظام البابد اذ ابتدع فكرة
الخبٌر الوطنً ،فكانت مدخال للتعٌٌنات السٌاسٌة.
17
الى أي مدى ٌكون تؤثٌر التدخل السٌاسً فً قرارات التوظٌؾ فً القطاع العام ،و ما هً
النتابج المترتبة على ذلك؟ هنالك دراسة حاولت االجابة على تلك التساإالت و اتخذت
البرازٌل مسرحا لها ،ألن السٌاسٌٌن البرازٌلٌٌن ٌحتفظون ألنفسهم بدور كبٌر فً اتخاذ قرارات
التوظٌؾ .فً بحث منشور فً العام 2019تم استخدام بٌانات ملٌونٌن من اتباع األحزاب
البرازٌلٌة فً االنتخابات المحلٌة ،5و بالتحدٌد السٌاسٌٌن المحلٌٌن و داعمً الحمالت .هإالء
األفراد ٌمكن تمٌٌزهم بوضوح كؤنصار لحزب محلً محدد و ذلك اعتمادا على انتسابهم أو
قبول هباتهم أو تبرعاتهم المالٌة .لقد تم متابعة سجالت القطاعٌن العام و الخاص خالل الفترة
من 1997لؽاٌة 2014لتتبع وظابؾ سوق العمل النصار االحزاب .و ألن البٌانات المتوفرة
تؽطً القطاع العام فقد تسنى تحلٌل دور العالقات السٌاسٌة على كل المستوٌات العلٌا و
الوسٌطة و الدنٌا.
فً المرحلة األولى فً التحلٌل ،تم طرح تساإل اذا ما كان أنصار الحزب الحاكم فً بلدٌة
ٌتمتعون بوصول أسهل الى الوظابؾ العامة ،لهذا تم مقارنة أنصار الحزب الفابز مع أنصار
الحزب الخاسر فً نفس البلدٌة مع التركٌز على البلدٌات التً فاز فٌها (حزب العمدة) بفارق
بسٌط على الحزب المنافس .و ألن نتابج تلك االنتخابات كانت متقاربة ،فلٌس من المحتمل أن
تكون االختالفات بٌن أنصار الحزبٌن قبل االنتخابات كبٌرة .و فً السنوات التً سبقت
االنتخابات كان احتمال استٌعاب أنصار الحزبٌن فً الخدمة المدنٌة متماثال .بعد االنتخابات تؽٌر
الوضع ،فقد زادت فرص أنصار الحزب الفابز فً الحصول على وظابؾ فً القطاع العام
مقارنة مع انصار الحزب المهزوم.
لقد توصلت الدراسة الى :أوال أن العالقات السٌاسٌة تلعب دورا مهما على كل القطاع العام ،ال
على المستوى العالً فحسب بل ٌمتد اثرها الى المستوى الوسٌط و المستوى الدنٌا .ثانٌا :عندما
تم قٌاس مقدار التؤٌٌد الذى وفره الشخص لحزبه (بالتحدٌد المبالػ التً جمعها أو األصوات التً
حشدها للحزب) ،وجد أن مقدار التفضٌل للشخص ٌزداد كلما كان الدعم الذى قدمه للحزب
أكبر .ثالثا :وجد أن الوالء للحزب ٌؤتً فً المرتبة الثانٌة فً المعاملة التفضٌلٌة .فاألشخاص
الذٌن كانوا ٌإٌدون الحزب من زمن طوٌل لم ٌنالوا جزاء أكبر مما حصل علٌه المتحولون
للحزب قرٌبا .بمعنى آخر أن الدافع للجزاء هو مقدار التؤٌٌد و الدعم الذى حصل علٌه الحزب ال
االلتزام األٌدٌولوجً برسالة الحزب.
فً المرحلة التالٌة فً التحلٌل تم قٌاس كفاءة األنصار الذٌن قد ٌكسبون أكثر من عالقاتهم
السٌاسٌة .باستخدام طرق معٌنة للقٌاس ،وجد أن العالقات السٌاسٌة ذات فابدة فً اٌجاد وظٌفة
فً القطاع العام ألقل أنصار الحزب كفاءة .لقد وجد أٌضا أن منظومة الخدمة المدنٌة تتعرض
الضطراب كبٌر عندما ٌتؽٌر الحزب الحاكمٌ ،قود بدوره الى تردي الخدمات ،و السبب احالل
بعض أنصار الحزب المنتصر محل أنصار الحزب المهزوم.
و ٌخلص التقرٌر الى أن الدراسة ،رؼم أنها تتعلق بالبرازٌل ،اال أن الحالة البرازٌلٌة قد تمثل
الحد األدنى لوجود الظاهرة فً القطاعات العامة فً دول أمرٌكا الالتٌنٌة و كل الدول النامٌة.
5
The role of political connections in public employment dynamics, Emanuele
Colonnelli, Mouno Prem, Edoardo Teso , September
18
.18مبادرات عربية إلصالح الخدمة المدنية
الدول العربٌة مثلها مثل الدول النامٌة األخرى حٌث ٌستخدم السٌاسٌون الخدمة المدنٌة كؤداة
لتنفٌذ خططهم إلحداث تنمٌة اجتماعٌة و اقتصادٌة .و لقادة الدول سلطات واسعة على الخدمة
المدنٌة ،و لهذا فإنها تعتبر تابع للنظام و ال تتمتع باستقاللٌة فً اتخاذ القرارات .كما تعانً من
تخمة فً العمالة ذات الوالء السٌاسً ،قلٌلة التدرٌب .و مجمل القول أن الخدمة المدنٌة تستخدم
لحماٌة األنظمة و بقابها فً السلطة.
فً إطار جهوده لدعم متخذي القرار وصناع السٌاسات االقتصادٌة فً الدول العربٌة ،أصدر
صندوق النقد العربً 6تقرٌرا بعنوان " إصالحات نظام الخدمة المدنٌة " لكون إصالح نظام
الخدمة المدنٌة ٌُعد واحدا من أهم عناصر اإلصالح المالً فً العدٌد من الدول على اختالؾ
تقدمها االقتصاديٌ .تمثل جوهر إصالحات نظام الخدمة المدنٌة فً ضمان تقدٌم الخدمات
الحكومٌة بالكفاءة الالزمة وفً إطار ٌضمن االستدامة .و تشمل تلك االصالحات ترشٌد واحتواء
الزٌادة فً كلفة بند األجور فً الموازنة العامة للدولة ،وإخضاع نظم الخدمة المدنٌة لعدد من
المعاٌٌر الكفٌلة بتعزٌز مستوٌات المساءلة والشفافٌة ،وتحسٌن معدالت االنتاجٌة ،وتنفٌذ
إصالحات تستهدؾ تنمٌة قدرات العاملٌن فً هذا القطاع لرفع مستوى كفاءة الخدمات الحكومٌة
المٌقدمة ،وإخضاع التعٌٌن والترقً لمعاٌٌر تضمن الجدارة واالستحقاق والتنافسٌة.
تشٌر التجارب الدولٌة إلى نجاح عدد من الدول المتقدمة فً تنفٌذ إصالحات نظام الخدمة المدنٌة،
بٌنما تتوفر دالبل قلٌلة على نجاح هذه اإلصالحات فً البلدان النامٌة ،و ذلك ألسباب عدة منها:
باإلضافة الى تلك التحدٌات ،واجهت الدول العربٌة فً سعٌها إلصالح نظم الخدمة المدنٌة
مجموعة أخرى من التحدٌات كان من أهمها ،هٌاكل الخدمة المدنٌة المتضخمة ،وعدم العدالة فً
توزٌع الرواتب واألجور ،وتدنً أجور الموظفٌن فً بعض البلدان ،وعدم مرونة التسلسل
الهرمً ،وانعدام الشفافٌة ،وعدم كفاءة برامج التدرٌب وبناء القدرات ،إلى جانب تحدٌات ترتبط
بكثرة التشرٌعات وتضاربها ،والمركزٌة الشدٌدة فً العمل الحكومً ،والحاجة إلى آلٌات رفع
انتاجٌة العمالة الحكومٌة وتنافسٌتها وانخفاض مستوى الخدمات العامة .و فً اطار الدروس
المستفادة من التجارب الدولٌةٌ ،سوق التقرٌر بعض التوصٌات إلصالح الخدمة المدنٌة فً
الدول العربٌة ،وهً:
.1تحسٌن جودة الخدمات الحكومٌة بالتركٌز على رضاء المواطنٌن ،و تخفٌض الخدمات
المقدمة لهم من خالل االستعانة بمإسسات القطاع الخاص ،و تعزٌز التحول الى
الالمركزٌة بمنح دور أكبر للوحدات الحكومٌة المحلٌة.
6
نافذة على طرٌق االصالح :اصالحات نظم الخدمة المدنٌة فً الدول العربٌة ،صندوق النقد العربً.
19
تحسٌن بٌبة العمل عن طرٌق تحسٌن شروط التوظٌؾ ،و قٌاس الرضا الوظٌفً. .2
ربط الحوافز المادٌة باألداء ،و ادخال مفهوم التعاقد بحٌث ٌصبح التعٌٌن بموجب عقد .3
ٌجدد سنوٌا.
ضمان استدامة االجور بإٌجاد موارد مستدامة لتموٌل االجور ،و ربط الزٌادة فً .4
االجور بالتحسن فً مستوٌات االنتاج.
تعزٌر شفافٌة و نزاهة نظم الخدمة المدنٌة و ذلك عن طرٌق استراتٌجٌات لمكافحة .5
الفساد..
لكً تتمٌز االدارة الحكومٌة فً أدابها ،و تستجٌب لحاجات المواطنٌن و طموحاتهم ،تبدو الحاجة
ملحة لتبنً آلٌات و مبادرات إلصالح الخدمة المدنٌة فٌما ٌتعلق بالترتٌبات المإسسٌة التً تحكم
التعٌٌن و الترقً فً الوظابؾ ،باإلضافة الى ادارة شبون االفرادٌ .عد "التوظٌؾ الدابم" بمنزلة
الوضع المعتاد فً االدارة الحكومٌة ،الذى ٌمنح اعلى درجات األمان الوظٌفً مقارنة بالقطاع
الخاص .هذ الوضع بدأ ٌتؽٌر منذ عدة عقود من الزمن ،و قد واكب ذلك أربعة مسارات هً:
التخلص تدرٌجٌا من قواعد التوظٌؾ مدى الحٌاة فً الحكومة ،و اخضاع موظفً
الخدمة المدنٌة لقوانٌن العمل المعتادة فً القطاع الخاص.
االبقاء على التوظٌؾ مدى الحٌاة فً الحكومة مع استخدام عقود ألجل و ربطها
باألداء.
استبدال التعٌٌن مدى الحٌاة بعقود قصٌرة األجلٌ ،تم تجدٌدها وفقا لمستوى األداء.
استخدام عقود للموظفٌن من خارج الخدمة المدنٌة فً وظابؾ بعٌنها.
لقد تعاظم االهتمام لدى دول كثٌرة بمجموعة كبار موظفً الخدمة المدنٌة لكونها أحد المإثرات
الربٌسة فً اداء االدارة الحكومٌة ،و تعتبر من ضرورات اصالح نظم الخدمة المدنٌة .و ٌتم
7
African Governance Institute, "Long-term Strategy African Governance and Public Administration
th
Programme", Conference of Ministers of Public Service, Johannesburg,
20
اختٌار تلك القٌادات وفقا لمنهج منتظم ٌؤخذ بعٌن االعتبار تقٌٌم األداء فً الفترة السابقة .و فً
سبٌل تبنى عملٌة اصالح منظومة ادارة الوظابؾ القٌادٌة ،تم اقتراح االتً:
النزاهة :تمثل منظومة قٌم الصدق و األمانة و االخالص فً العمل و تقدٌم الصالح o
العام على المصالح الشخصٌة.
الشفافٌة :تعنى الوضوح داخل المإسسة و فً العالقة مع المواطنٌن و علنٌة االجراءات o
و الؽاٌات و األهداؾ.
العدالة :تعنى تطبٌق القواعد فً اطار من العدالة و المساواة بٌن الجمٌع حفاظا على o
االحترام المتبادل بٌن أعضاء فرٌق العمل.
التمٌزٌ :عنى تحقٌق افضل ما ٌمكن للشخص القٌام به. o
التفكٌر االٌجابًٌ :عنى المحافظة على التوازن فً ادراك مختلؾ القضاٌا و التركٌز o
على االٌجابٌات بدال عن السلبٌات و األخذ بزمام المبادرة.
و من التوصٌات التً تم تقدٌمها :خفض مستوى الحماٌة و االمتٌازات المقدمة بحٌث تقترب
منظومة ادارة موظفً الخدمة المدنٌة من تلك المطبقة فً القطاع الخاص.
أوال :ظهور المستوى السٌاسً والمتمثل فً الوزراء والنواب البرلمانٌٌن والقٌادات الحزبٌة،
والتً كانت ترى فً الخدمة المدنٌة إدارة لتنفٌذ سٌاساتها دونما اعتبار لخبرتها او مهنٌتها .و
لهذا فقد بدأ التدخل السٌاسً بصورة مباشرة وؼٌر مباشرة فً سٌاسات الخدمة المدنٌة و
قراراتها و ادابها بما ال ٌتفق والتقالٌد المرعٌة والموروثة من الحكم البرٌطانً وهو ما انعكس
سلبا على سالمة وكفاءة الجهاز اإلداري للخدمة المدنٌة.
ثانٌا :تطلعات وطموحات المواطنٌن فً خدمات أفضل وفً االستجابة العاجلة لمطالبهم فً
توفٌر ضرورٌات الحٌاة الٌومٌة ،وفً مشارٌع التنمٌة ،الشًء الذي لم تعهده كوادر الخدمة
المدنٌة ،أثر سلبا على االسلوب الذي ورثته فً أدابها ألعمالها من العهد البرٌطانً وهو ما أدى
الى نوع من العداء والرٌبة بٌن الجهاز اإلداري وبٌن مواطنً األقالٌم الذٌن بدأوا ٌحسون بالؽبن
والتهمٌش من قٌادات الخدمة المدنٌة فً المركز وعلى المستوى السٌاسً.
و ٌضٌؾ حمور أن الحكومة االولً ،التً تسلمت الحكم من المستعمر البرٌطانً فً سنة
، 1956اهتمت بتطوٌر وتؤهٌل العاملٌن ،و تم ابتعاث العدٌد من القٌادات االدارٌة و الجامعٌٌن
الى برٌطانٌا و اوروبا وامرٌكا لتؤهٌلهم وتمكٌنهم من التخصص فً مختلؾ المجاالت .وتم
8
مٌرؼنً عبدالعال حمور ،معهد دراسات االدارة العامة و الحكم االتحادي – جامعة الخرطوم
21
على المستوى المحلً أنشاء معهد اإلدارة العامة فً سنة 1960لتدرٌب وتؤهٌل الكوادر
الوسطى فً الخدمة المدنٌة.
بعد االنقالب العسكري فً العام 1958تلقت الخدمة المدنٌة أول صفعة بتقلٌص المشاركة
الشعبٌة فً المجالس المحلٌة ،و ذلك بعد أن عملت الحكومة آنذاك على انشاء مجالس المدٌرٌات
التً جاء أؼلب أعضابها بالتعٌٌن .اما الصفعة الثانٌة للخدمة المدنٌة فكانت بعد ثورة اكتوبر و
تمثلت فً ما عرؾ بالتطهٌر ،والذى كان من نتابجه ابعاد العدٌد من العاملٌن بالخدمة العامة
على أسس ال عالقة لها بالكفاءة او الجدارة او االلتزام بقوانٌن الخدمة.
اتجهت حكومة اكتوبر إلصالح الخدمة المدنٌة فً هٌاكلها ونظمها ،و من ذلك رفع االجور و
مساواة مرتبات النساء و الرجال .و تم تكوٌن لجنة ،من جملة لجان أخرى ،بؽرض تنظٌم
الخدمة المدنٌة ،و تقٌٌم وضعها و تنظٌم العالقة بٌن أجهزتها .و قد تم العمل بتوصٌات تلك
اللجنة بعد انقالب ماٌو ،و انشؤت وزارة للخدمة العامة و االصالح االداري .و قد عجزت
الوزارة عن تحقٌق أهدافها لعدة أسباب منها أن اإلصالح اإلداري ٌتطلب مناخا من
الدٌموقراطٌة والمشاركة والشفافٌة و تداول اآلراء والمكاشفة الشًء الذي لم ٌكن ٌتوفر فً ظل
نظام شمولً .باإلضافة الى سٌطرة قٌم و مفاهٌم جدٌدة على الخدمة المدنٌة اذ حل االختٌار و
التعٌٌن على أساس الوالء و االنتماء لالتحاد االشتراكً محل الجدارة و التؤهٌل العلمً و
األكادٌمً.
قامت الحكومة المنتخبة بعد ثورة ابرٌل التً أطاحت بنظام ماٌو بؤنشاء وزارة للخدمة العامة و
االصالح االداري فً العام .1988وبدأت عملٌا من خالل اسلوب عمل ٌطلق علٌه الحصار
اإلداري وهو القٌام باإلصالح اإلداري على اساس كل وزارة على حدة .ولم ٌستمر نشاط
اإلصالح لفترة طوٌلة حتً قام انقالب اإلنقاذ.
و ٌواصل حمور فً تعقب أسباب فشل اصالح الخدمة المدنٌة ،فٌقول" :استمرت الحكومات
المتعاقبة على السودان فً محاوالتها ألحداث إصالح فً جهاز الخدمة المدنٌة فً السودان .وقد
كان اسلوبها جمٌعا هو اللجوء الى تكوٌن لجان فنٌة ألحداث مثل هذا اإلصالح ،تتساوى فً هذا
الحكومات الدٌموقراطٌة و الحكومات الشمولٌة .اال أن نصٌب جمٌع هذه المحاوالت من النجاح
كان متواضعا ،و ذلك ألنها كانت تصطدم جمٌعها بقضاٌا متشابهة ومتماثلة .وٌؤتً على رأس
تلك العقبات دابما األوضاع االقتصادٌة المتردٌة لالقتصاد السودانً ،والتً كانت تقعد
بالحكومات عن تلبٌة برامج اإلصالح الطموحة التً تتقدم بها اللجان الفنٌة المختلفة .وكان منها
اٌضا أن برامج اإلصالح اإلداري كانت دابما تركز اهتمامها الؽالب على جوانب وابعاد تقلٌدٌة
كالهٌاكل التنظٌمٌة والنظم و اللوابح و االجراءات ،كما كانت تدور حول الوظٌفة ولٌس
الموظؾ ومحاولة االرتقاء بمستوى أدابه والتعاطً مع توجهاته االجتماعٌة والنفسٌة وكٌفٌة
تحفٌزه ،وربطه بطبٌعة عمله ووظٌفته ،و االرتقاء بمستوى دافعٌته واحساسه باالنتماء ".و
ٌضٌؾ أن محاوالت اإلصالح المتعاقبة لم تمس قضاٌا حٌاة المواطنٌن ،ومشاكلهم المعٌشٌة اال
ما ندر.
22
.01علل الخدمة المدنية السودانية
العلل التً تعانى منها الخدمة المدنٌة فً السودان ال تختلؾ عن علل مثٌالتها فً الدول النامٌة و
بعض الدول العربٌة ،و منها:
التلكإ فً اتخاذ القرارات الذى ٌإدي الى ضٌاع حقوق المواطنٌن ،و ٌتخذ أشكاال .1
عدٌدة منها عدم االلتزام بساعات الدوام كالحضور متؤخرا و االنصراؾ مبكرا ،أو
االنشؽال بؤنشطة ال تمت الى العمل بصلة كاالنخراط فً قراءة الصحؾ أو متابعة
مواقع التواصل االجتماعً ،أو الخروج ألداء واجب العزاء أو التهنبة ألحد زمالء
العمل أو األصدقاء أو المعارؾ .عزا بعض الناس تدنً األداء و التقصٌر فً العمل
لضعؾ المرتبات ،ؼٌر أن ذلك السلوك لم ٌتؽٌر بعد الزٌادة الكبٌرة فً المرتبات الذى
أحدثتها الحكومة االنتقالٌة مما ٌعنً أن سوء األداء ٌرجع الى أسباب اخرى ؼٌر العابد
المادي ،و التً قد ٌكون من بٌنها عدم المساءلة ،و ؼٌاب العقاب .و أحٌانا ٌتسبب التلكإ
فً تقدٌم الخدمات الى نشوب الشجار بٌن المواطنٌن و الموظفٌن ،و الذى قد ٌصل الى
مخافر الشرطة.
الترهل الذى ٌثقل كاهل المٌزانٌات العامة للدولة .من الواضح أن التعٌٌن ال ٌتم بناء .2
على احتٌاجات العمل ،و لكن ألسباب أخرى منها امتصاص العطالة و بالتالً تقلٌل
فرص الثورة على الحكومة .لقد بات الصرؾ على الخدمة المدنٌة ،كالصرؾ على
العطالة فً البالد المتقدمة.
الرشوة و الفساد المتمثل فً بٌع الخدمات ،و االختالس و تزوٌر المستندات. .3
تفضٌل أهل الوالء على أهل الكفاءة الذى ٌقود الى تردي الخدمات المقدمة للمواطنٌن. .4
الجمود الفكري و عدم االبداع. .5
(س) طالب سودانً ٌدرس فً احدى الجامعات البرٌطانٌة ،تصحبه زوجته و ثالثة من أطفاله.
علم أن هنالك اعانة تقدمها مصلحة الرعاٌة االجتماعٌة لألطفال ،فذهب للمطالبة بها .كان مكتب
الرعاٌة االجتماعٌة على شكل مستطٌل نظٌؾ و جمٌل و مرتب و مرٌح .فً الٌوم الذى زار فٌه
س المكتب كان هنالك ثالثة من الموظفٌن و خمسة أو ستة من طالبً الخدمة ٌنتظرون دورهم.
وجد س نفسه بعد بضعة دقابق ٌجلس قبالة موظفة فً العقد الثالث من عمرها .أخبرها أنه
23
ٌرؼب فً الحصول على اعانة ألطفاله .أخرجت الموظفة استمارة من درج المكتب ،و شرعت
فً تعببتها ،سؤلت:
بعد فترة قصٌرة من عودته للسودان ،أصابت س الدهشة عندما وصلته رسالة من مصلحة
الرعاٌة االجتماعٌة تستفسر فٌها عن موعد عودة األطفال لبرٌطانٌا .كان رد س على
االستفسار :أن االطفال – لألسؾ الشدٌد – لن ٌعودوا مرة أخري.
بعد سنوات من عودته للسودان ،قرر المدٌر الشاب للمإسسة الحكومٌة التً ٌعمل فٌها س،
االستؽناء عن خدماته و احالته للتقاعد .علم س أن ادارة المعاشات تقدم اعانة مقدارها مابة جنٌه
لواحد فقط من أبناء ارباب المعاشات ممن ٌتلقون تعلٌما جامعٌا .ذهب إلدارة المعاشات ،فً
المدٌنة التً ٌقٌم فٌها ،طالبا اعانة البنته الطالبة فً احدى الجامعات فً الخرطوم ،فعلم أن
الموظفة المسبولة ؼاببة عن العمل .عاود الزٌارة فً الٌوم التالً و لكن الموظفة ظلت ؼاببة.
فً الٌوم الثالث ،التقى س الموظفة و كانت سٌدة فً العقد السادس من عمرها ،و من مجموع
األدوٌة التً كانت على مكتبها ،أدرك أنها تعانً من علة ما .للقٌام باإلجراء المطلوب ،طلبت
الموظفة عددا من الوثابق و الشهادات و منها ما ٌتعلق بالجامعة التً تدرس فٌها ابنته ،و منها
ما ٌتعلق بالحً الذى ٌقٌم فٌه .بعد أٌام نجح س فً جمع الوثابق و الشهادات المطلوبة ،و قام
بتسلٌمها للموظفة المعنٌة .أخرجت الموظفة استمارة من درج مكتبها ،و أخذت فً تعببتها
باالستعانة بالمعلومات التً ٌوفرها س فً اجاباته عن األسبلة التً كانت تطرحها علٌه ،ومنها:
تنبٌه :تكلفة االنتقال من الجامعة التً كانت تدرس فٌها ابنة س الى رباسة المعاشات ذهابا و اٌابا
فً ذلك الوقت ال تقل عن مابة جنٌه .أضؾ الى ذلك ضٌاع ٌوم دراسً ،و التعرض لمخاطر
حوادث المرور ،و عملٌات النشل و خطؾ الحقابب ،و خالفها.
.1نشر قوابم بالوظابؾ الشاؼرة ،و الوصؾ الوظٌفً و المإهالت المطلوبة لكل منها.
.2نشر معاٌٌر االختٌار للوظابؾ بما فً ذلك الوظابؾ السٌاسٌة .
.3فتح باب التقدٌم لجمٌع المواطنٌن الذٌن ٌؤنسون فً أنفسهم الكفاءة.
.4تكوٌن لجان لفرز الطلبات و لجان للمعاٌنات و لجان للتحقق من االلتزام بالمعاٌٌر.
.5لجان المعاٌنات و لجان التحقق من االلتزام بالمعاٌٌر للوظابؾ القٌادٌة و الوزارٌة ٌجب
أن تضم ممثلٌن لهٌبات و مإسسات و منظمات تؤخذ عل عاتقها نشر العدل و النزاهة و
الشفافٌة.
.6جعل المعاٌنات مفتوحة للحضور ،و نشر ما ٌدور فٌها للمواطنٌن عبر األجهزة الرسمٌة.
.7التعٌٌن فً الوظابؾ ٌجب أن ٌستوفً تكافإ الفرص و الشفافٌة و المساواة بٌن
المرشحٌن و المرشحات و عدم التمٌٌز بٌنهم بسبب االنتماء السٌاسً أو النقابً أو بسبب
اللؽة أو الدٌن أو المناصفة بٌن النساء والرجال.
.8على المتقدمٌن للوظابؾ القٌادٌة تقدٌم خطة لتطوٌر المإسسة التً ٌرؼبون فً االلتحاق
بها.
.9نشر أسماء األشخاص الذٌن ٌقع علٌهم االختٌار مع توضٌح مبررات االختٌار.
.10الجهة التً طرحت الوظابؾ ٌجب اال تحتفظ لنفسها حق رفض من ترشحه اللجان.
.1اعتماد نظام التعاقد فً الخدمة المدنٌة ألجل محدد حٌث ٌكون ذلك ممكنا.
.0وضع معاٌٌر لقٌاس كفاءة كل مإسسة على حدة و التً على ضوبها ٌتحدد نجاح
المإسسة أو فشلها ،و بناء على ذلك التقٌٌم تتم محاسبة العاملٌن ،اما بالتحفٌز أو عدمه.
المشكلة لٌست فً زٌادة االجور و لكن فً تموٌل األجور من مصادر حقٌقٌة ال بطبع األوراق
النقدٌة كما جرت العادة فً عهد االنقاذ و ما قبلها .المصادر الحقٌقٌة متاحة – كما جاء على
لسان وزٌر المالٌة المقال -فمنها عابد األموال المُستردة عن طرٌق لجنة إزالة التمكٌن ،و
الموارد الذاتٌة للدولة المتمثلة فً إٌراداتها المجازة فً موازنة عام 2020م من الضرابب و
الجمارك ،و األموال التً كانت تضٌع فً دعم السلع و الخدمات ،و الدعم الخارجً من أصدقاء
السودان .قال الوزٌر إن تنفٌذ هٌكل االجور سٌسهم فً تحرٌك االقتصاد .و أشار إلى أن زٌادة
األجور لن تإدي إلى ارتفاع معدالت التضخم ،مإكدا أن زٌادة األجور ستكون أداة لمعالجة
الكساد فً االقتصاد الذي برز عقب جابحة كورونا.
السإال الذى ٌطرحه أهل االختصاص :هل سٌتم الصرؾ على االجور من موارد حقٌقٌة؟
ٌمكن للمواطن العادي أن ٌدرك لوحده من تصاعد األسعار ،بعد تنفٌذ الهٌكل ،أن الموارد لم
تكن حقٌقٌة ،مما دفع الحكومة ،فً محاولة للسٌطرة على أسعار السلع الربٌسة ،لتبنى برنامج
"سلعتً" لجلب تلك السلع من المنتج الى المستهلك فً األحٌاء مباشرة و بدون وسطاء.
باإلضافة الى الشكوك حول مصادر التموٌل ،فان زٌادة االجور لوحدها من ؼٌر المتوقع أن
تصلح حٌاة المواطنٌن كافة ألسباب منها :أن الزٌادات فً االجور مخصصة للعاملٌن فً
الحكومة دون القطاع الخاص و الذي ٌعانً هو األخر من مشاكل كان آخرها جابحة كورونا .و
اذا زاد القطاع الخاص اجور العاملٌن لدٌة ،فسٌضطر لزٌادة أسعار منتوجاته ،و تلك حلقة
مفرؼة أشبه بساقٌة ابلٌس التً تؽرؾ من البحر لتسقً البحر .أضؾ الى ذلك رفع استقطاع
المعاش و الضرابب ،مما ٌشً بؤن الحكومة ندمت فً وقت متؤخر على اقدامها على زٌادة
االجور بتلك النسب العالٌة.
.05الحركات المسلحة
الحركات المسلحة هً حركات جهوٌة ال ألنها تركز عملٌاتها فً مناطق بعٌنها ،و لكن ألن
مطالبها جهوٌة .و لقد تعرضت تلك الحركات لالنقسام و التشظً كاألحزاب تماما ،و كثٌر من
الذٌن انشقوا من الحركات االم ،وقعوا سالما مع حكومة االنقاذ و حصلوا على فوابد على شكل
أموال و مناصب حكومٌة .و قد بادرت الحكومة االنتقالٌة بالتفاوض مع تلك الحركات ،و
إلبداء حسن النٌة و الرؼبة فً السالم ،وصفت الحكومة الحركات المسلحة بحركات الكفاح
المسلح .و من أكبر حركات الكفاح المسلح :
الحركة الشعبية قطاع الشمال :هً امتداد للحركة الشعبٌة لتحرٌر السودان التً كانت
تقاتل فً جنوب البالد ،وتتشكل من معارضٌن سٌاسٌٌن شمالٌٌن انحازوا للجنوب فً
حربه ضد حكومة االنقاذ .بعد انفصال الجنوب فً العام ،2011عاد أبناء الحركة
الشمالٌٌن إلى التمرد بدعوى نقض الحكومة تعهدها فٌما ٌتعلق بمناطق بعٌنها ،و
انخرطوا فً القتال من جدٌد .و فً العام 2017دخلت الحركة فً صراع أدى إلى
26
انشقاقها لقسمٌن أحدهما برباسة مالك عقار -الذي ٌمثل النٌل األزرق -واآلخر برباسة
عبد العزٌز الحلو الذي ٌمثل جنوب كردفان.
حركة تحرير السودان :هً إحدى أكبر ثالث حركات تقاتل الحكومة فً إقلٌم
دارفور منذ العام .2003و قد انشقت الحركة فً العام 2005الى حركتٌن احداهما
برباسة عبد الواحد محمد نور ،و الثانٌة برباسة منً اركو مناوي .و قد انخرط مناوي
فً عملٌات سالم مع الحكومة أفضت الى اتفاقٌة ابوجا للسالم فً العام 2006و
أصبح كبٌر مساعدي ربٌس الجمهورٌة ،لكنه سرعان ما عاد للحرب والقتال متهما
الحكومة بالتباطإ فً تنفٌذ االتفاق .و ظل عبد الواحد – الذى تتمركز قواته فً جبل
مرة -رافضا كل مبادرة للسالم مع حكومة االنقاذ و حتً مع الحكومة االنتقالٌة .و لم
ٌتوقؾ عبد الواحد عند عدم االتفاق مع الحكومة ،بل عزل نفسه عن أٌة تحالفات مع
األحزاب السٌاسٌة والحركات المسلحة األخرى ،بما فً ذلك "تحالؾ الجبهة الثورٌة"،
الذي ٌضم حركات متمردة فً دارفور والنٌل األزرق وجنوب كردفان .كما أنه عزل
نفسه عن "تحالؾ نداء السودان" المكون من حركات مسلحة وقوى مدنٌة تنشط فً
الداخل .و ظل ٌرفع شعارات العلمانٌة و فصل الدٌن عن الدولة ،و ٌتمترس خلؾ
مطلبه الذى ال ٌحٌد عنه و هو الحكم الذاتً لدارفور أو االنفصال .و ٌرى مراقبون أنه
ال ٌتمتع بالنضح الكافً.
حركة العدل والمساواة :هً واحدة من الحركات المسلحة فً دارفور ،أسهها خلٌل
إبراهٌم الذي تولى عددا من المناصب الوزارٌة فً حكومة االنقاذ قبل أن ٌتمرد فً
العام ،2001ورفضت الحركة التوقٌع على اتفاق أبوجا فً العام .2006وقتل
إبراهٌم فً فبراٌر 2011على ٌد القوات المسلحة فً والٌة شمال كردفان ،وتولى
جبرٌل إبراهٌم رباسة الحركة عقب مقتل شقٌقه .وفً ماٌو 2008نفذت الحركة عملٌة
أسمتها "الذراع الطوٌل" ،وتمكنت من شن هجوم على مدٌنة أم درمان .و انخرطت
الحركة فً مفاوضات سالم برعاٌة قطر عام ،2011ووقعت تفاهمٌن مع الحكومة
السودانٌة ،لكنها سرعان ما جمدت مشاركتها فً تلك المفاوضات .وٌعتقد بشكل واسع
أن الحركة تمثل الذراع العسكري لحزب "المإتمر الشعبً" .و على عكس حركة
تحرٌر السودان – جناح عبد الواحد – فان حركة العدل و المساواة تهدؾ الى سودان
موحد فً اطار فدرالً .و ٌعتقد بعض المراقبٌن أن الحركة تمتلك أجندة سٌاسٌة
واضحة و هٌكل اداري وتنظٌمً مستقر.
حركة التحرير والعدالة :هً تحالؾ تؤسس فً العام 2010وضم عشرة جماعات
متمردة فً دارفور ،ورأسه التجانً السٌاسً .وعقب توقٌع الحركة على اتفاق سالم
فً الدوحة فً العام 2011عاد قادتها إلى السودان .وتعتبر التحرٌر والعدالة من أهم
الحركات التً وقعت سالم مع نظام االنقاذ وظلت على ذلك إلى حٌن سقوط النظام فً
أبرٌل .2019
حزب مؤتمر البجا :تؤسس فً العام ،1956كؤول حزب جهوي فً السودان ٌمثل
شرق البالد .ومن ذلك الحٌن وحتى اآلن ظل "مإتمر البجا" ٌطالب بإزالة التهمٌش
وتعزٌز التنمٌة وتحسٌن الخدمات ،ؼٌر أنه انخرط فً العمل المسلح ضد الحكومة عام
.1993وفً العام ،2006وقعت الحكومة مع جبهة شرق السودان ،اتفاقٌة "سالم
الشرق" ،بالعاصمة اإلرتٌرٌة أسمرا ،لٌنهً االتفاق سنوات من العمل المسلح على
27
الحدود الشرقٌة للبالد .إال أن الخالفات والصراعات دبت داخل "مإتمر البجا" وانقسم
الحزب إلى كٌانات كثٌرة .
ٌرى مراقبون أن حالة التشظً واالنقسامات داخل الحركات ما هً اال مإشر لؽٌاب الرإٌة
السٌاسٌة ،و عدم وجود شخصٌة كارٌزمٌة فً قٌاداتها .و ٌؤخذون على حركات دارفور أنها
بدأت بالعمل العسكري دون أن ٌكون لها جسم سٌاسً موازى ،فؽابت الرإٌة السٌاسٌة العمٌقة
والنظرة المستقبلٌة الثاقبة .وٌإخذ على قادة الحركات -فضال عن ضعفهم السٌاسً -استفحال
الطموحات الشخصٌة بحثا عن المجد والمال ،بل كان لبعض القادة مرارات وؼبن تجاه بعض
المكونات الدارفورٌة ،ولذا لم ٌكن مستؽربا انؽالق الحركات على نفسها وعدم انفتاحها على
مكونات أخرى .كما أثر التجاذب األٌدٌولوجً فً تكرٌس ضعفها .وتوزعت مكونات الحركات
بٌن تٌارات مختلفة إسالمٌة وعلمانٌة ،وأخرى لٌست لها فكرة محددة باإلضافة إلى التعصب
القبلً.
فً التارٌخ القرٌب ،كانت دارفور جزأ من الدولتٌن التركٌة و المهدٌة .و بعد عودة برٌطانٌا
الى حكم السودان فً نهاٌة القرن التاسع عشر ،ظلت دارفور مستقلة حتً نشوب الحرب
العالمٌة األولى حٌن انحازت الى تركٌا .ففً العام 1916قامت برٌطانٌا بضم دارفور و
أصبحت احدى مدٌرٌات ما كان ٌعرؾ بالسودان االنجلٌزي المصريٌ .تمتع االقلٌم بثروة
حٌوانٌة ضخمة ،و ثروة معدنٌة و خالفها من الثروات ،اال أنه ٌعانً من شح فً المٌاه .كما أن
االنتماء للقبٌلة قوي و ٌفوق فً بعض االحٌان االنتماء للسودان او حتى االنتماء لدارفور نفسها،
و ذلك ألن القبٌلة توفر الحماٌة لمنسوبٌها .و دارفور منسوبة اسما الى قبٌلة الفور و هً واحدة
من قبابل كثٌرة عربٌة و افرٌقٌة تسكن االقلٌم .و ٌمكن تصنٌؾ القبابل من ناحٌة سبل كسب
العٌش الى مجموعتٌن:
-مجموعة القبابل المستقرة :هً التً تعمل فً الزراعة و تمتلك األرض ،و منها
الفور و الزؼاوة و المسالٌت.
-مجموعة القبابل الرحل :هً التً تعمل فً رعً البقر أو االبل ،و منها
الرزٌقات ،و الهبانٌة ،و بنى هلبة و التعاٌشة.
أما العوامل التً أدت الى تدهور الوضع األمنً فً دارفور فمنها ما ٌلً:
.1عامل طبٌعً تمثل فً الجفاؾ و التصحر الذى اصاب االقلٌم فً بداٌة الثمانٌات من
القرن الماضً ،و الذى دفع الرعاة للمنافسة على مصادر الماء و الكأل مما أدى الى
االحتكاك العنٌؾ مع المزارعٌن.
28
عامل قبلً أججته االختالفات العرقٌة ،و المصالح القبلٌة ،و التنافس على السلطة .2
بواسطة النخب ،و شجعته الدولة ،باإلضافة الى اضعاؾ الحكومة لإلدارة األهلٌة و
تسٌسها.
عامل حكومً تمثل فً محاولة استبصال التمرد بالقوة الؽاشمة .فبعد أن رضخت .3
حكومة االنقاذ -تحت الضؽط و االؼراء األمرٌكً – على تلٌٌن موقفها للوصول الى
سالم دابم فً جنوب السودان ،وجدت نفسها أمام تمرد جدٌد لم تكن مستعدة للتساهل
معه ،و ربما شعرت الحكومة باإلهانة نتٌجة للعملٌات الجرٌبة التً قام بها المتمردون،
و لهذا حاولت خنق المارد و هو داخل القمقم ،فاستعانت بالقبابل العربٌة التً لم تشارك
فً التمرد فً وأد الحركات المسلحة التً قادها ؼٌر العرب من الفور و الزؼاوة .و من
الواضح ان تلك القوات التً دعمتها الحكومة ارتكبت جرابم ضد المدنٌٌن .و فً نفس
الوقت فان المجازر التً ارتكبتها الحركات المسلحة لم تكن اقل فظاعة من جرابم
النظام.
عامل سٌاسً كان من ورابه األحزاب التً أقصتها حكومة االنقاذ عن المسرح .فقد .4
سعت تلك االحزاب لتؤجٌج الصراع من أجل اضعاؾ الحكومة.
ؼٌاب الدٌمقراطٌة ،و الحجر على الحرٌات. .5
النهب المسلح ،و انتشار السالح ،و ؼٌاب هٌبة الدولة. .6
عامل اقلٌمً تمثل فً الصراع فً دول الجوار ،و تدخل تلك الدول فً الشؤن .7
السودانً .أضؾ الى ذلك تدخل دول أخرى كثٌرة و منظمات كانت تكن العداء لحكومة
االنقاذ أو السودان.
عامل دولً كان هدفه تضخٌم المشكلة و تصوٌرها كجرٌمة ابادة .فً الواقع لم ٌكن .8
النظام الحاكم فً السودان مرحبا به فً المحافل الدولٌة لوصمه باإلرهاب و اٌوابه
المعارضٌن من كل جنس .فال عجب اذن أن تنتهز الوالٌات المتحدة و الدول األوروبٌة
السانحة لنقل مشكلة دارفور الى االمم المتحد و مجلس األمن من بوابة انتهاك حقوق
االنسان ،و اعتبار المشكلة مهدد للسلم و األمن الدولٌٌن .ذلك االهتمام المبالػ فٌه من
جانب الدول ذات النفوذ أدى الى احالة المتهمٌن بارتكاب الجرابم الى المحكمة الجنابٌة
الدولٌة ،و فً مقدمتهم رأس النظام ،مما زاد من تعقٌد المشكلة .أما اآلثار السلبٌة
للنزاع فهً:
تشوٌه صورة السودان خارجٌا بواسطة الحمالت االعالمٌة التً ركزت على وجود
تطهٌر عرقً و إبادة جماعٌة للزرقة (القبابل االفرٌقٌة).
التدخل الخارجً فً السودان عسكرٌا و سٌاسٌا.
تضرر النسٌج االجتماعً فً دارفور.
خراب البنٌة التحتٌة لؽٌاب األمن.
تناقص االنتاج الزراعً و الحٌوانً.
29
هٌومن راٌتس ووتش .(Human Rights Watch) 9تقول كاتبة التقرٌر أنها قضت ٌ 25وما
فً 2003فً ؼرب دارفور وعلى أطرافها توثق االنتهاكات التً وقعت فً المناطق الرٌفٌة
التً كانت مؤهولة سابقا بالمزارعٌن الفور والمسالٌت .و تقول حرفٌا" :جرى حرق وإخالء
مناطق واسعة من أراضٌهم التً تعتبر من أكثر األراضً خصوبة فً المنطقة .ومع استثناءات
نادرة ،فإن الرٌؾ خال اآلن من سكانه الفور والمسالٌت األصلٌٌن .لقد تم نهب أو إتالؾ كل ما
ٌمكن أن ٌقٌم األود وٌنقذ الحٌاة – المواشً ومخازن الطعام واآلبار والمضخات واألؼطٌة
والمالبس .وقد أحرقت القرى ،لٌس عشوابٌا بل بصورة منهجٌة ،وؼالبا لمرتٌن ولٌس لمرة
واحدة" .و تواصل قولها" :وباإلضافة إلى القرى والملكٌات المدنٌة ،عملت الحكومة السودانٌة
على تدمٌر منهجً للجوامع وتدنٌس مواد إسالمٌة فً دارفور" .و تضٌؾ" :ومن الوسابل التً
اعتمدت إلزاحة السكان المدنٌٌن من المناطق االستراتٌجٌة المذكورة آنفا :القتل الجماعً
والتعذٌب واالؼتصاب وأشكال أخرى من االعتداء الجنسً؛ واألذى الجسدي الشدٌد للمدنٌٌن؛
وسوء معاملة السجناء المدنٌٌن وأسرى الحرب؛ واستخدام المدنٌٌن كدروع بشرٌة؛ وتدمٌر
الملكٌات الشخصٌة والعامة والثقافٌة؛ والنهب والسرقة والسطو على الملكٌات الشخصٌة؛
ومصادرة األراضً؛ والتهجٌر القسري للسكان المدنٌٌن "...كما لجؤت الكاتبة الى تحرٌض
المجتمع الدولً و مجلس األمن على اتخاذ اجراءات قاسٌة ضد الحكومة ،فقالت " :إن على
المجتمع الدولً أن ٌتحرك على الفور بعد أن كان حتى اآلن بطٌبا فً ممارسة كل الضؽوط
الممكنة على الحكومة السودانٌة لدفعها إلى وقؾ التطهٌر العرقً وإنهاء الجرابم ضد اإلنسانٌة
المرافقة له .وعلى مجلس األمن بوجه خاص أن ٌتخذ إجراءات عاجلة لضمان حماٌة المدنٌٌن
وتؤمٌن وصول المساعدات اإلنسانٌة بال قٌود ووقؾ التطهٌر العرقً فً دارفور .وٌجب
التحرك السرٌع كً ال ٌسبق السٌؾ العذل".
تجدر االشارة الى أن كاتبة التقرٌر المذكور سٌدة من المنظمة قامت بزٌارة دارفور ،و عاونها
فً الكتابة اثنان آخران .و ٌبدو من التقرٌر التحامل على الحكومة بشكل ال تخطبه العٌن .ففً
خالل ثالثة اسابٌع ،استطاعت الباحثة أن تتنقل فً اقلٌم بمساحة فرنسا ،تصعب فٌه الحركة و
ٌنعدم فٌه األمن ،و تتمكن من التوثٌق لذلك القدر الهابل من االنتهاكات!
ٌقول أحد الحكماء" :و من ال ٌتق الشتم ٌشتم" و ٌقول آخر" :ال تقذؾ بالحجارة و بٌتك من
زجاج"ٌ .بدو أن نظام االنقاذ لم ٌدرك أن بٌته من زجاج اال بعد أن وجه كل أعدابه أبواقهم علٌه
متهمٌن اٌاه بالتطهٌر العرقً و انتهاك حقوق االنسان فً دارفور ،و حملوه وزر الجرابم التً
وقعت و التً لم تقع ،و كما ٌقول المثل "على نفسها جنت براقش" .و بٌن تهور نظام االنقاذ و
حقد المنظمات العالمٌة ،ضاع السودان .و من أمثلة التقارٌر التً وصمت السودان بالعار،
تقرٌر منظمة العفو الدولٌة 10و تقرٌر مجموعة األزمات الدولٌة.11
9دارفور المدمرة :تطهٌر عرقً ترتكبه الحكومة وقوات المٌلشٌا فً ؼرب السودان 2004هٌومن راٌتس
ووتش Human Rights Watch
10منظمة العفو الدولٌة السودان : Amnesty Internationalدارفور االؼتصاب سالحا فً الحرب :العنؾ
الجنسً و العواقب المترتبة علٌه 2004
11مجموعة األزمات الدولٌة : International Crisis Groupدارفور -الفشل فً توفٌر الحماٌة :التقرٌر
رقم 89عن أفرٌقٌا 8مارس 2005
30
.08الحرب و السالم
صرح ربٌس الوزراء ذات مرة إنه لو تحقق السالم فً الفترة من شهر إلى ستة أشهر ،فسٌخلق
مناخا جٌدا ،ألن الحرب تؤخذ ما بٌن 70و %80من المٌزانٌة .فاذا توقفت الحرب ٌمكن
الصرؾ على التعلٌم والبنٌة األساسٌة ،واعادة عجلة اإلنتاج عبر اقتصاد قوي ومستدام .و فً
مناسبة أخرى ،صرح بؤنه التقى عبد الواحد محمد نور ،ربٌس حركة تحرٌر السودان ،خالل
زٌارة قام بها إلى فرنسا .و قد اشترط علٌه عبد الواحد بؤن ٌقابله كمواطن ال كربٌس لمجلس
الوزراء ،و قد كان ،ألنه ٌإمن بؤن ال مزاٌدة على السالم ،و ٌستطرد قابال أنه اتفق مع عبد
الواحد على الكثٌر من القضاٌا .و لقد برهنت األٌام أن حمدوك لم ٌتفق مع عبد الواحد على
قضٌة واحدة دعك من الكثٌر من القضاٌا حسب قوله .ربما أخطؤ حمدوك بلقابه عبد الواحد
بصفة شخصٌة ،كما أخطؤ عندما دخل كاودا كمواطن عادي بدون حراسة رسمٌة ،و كذلك
عندما وعد أهل دارفور بتعوٌضات شخصٌة ،و أٌضا عندما رضً بدفع اربعمابة ملٌون دوالر
ألمرٌكا.
أما فٌما ٌتعلق برفض عبد الواحد الجلوس للتفاوض مع الحكومة أٌا كانت شمولٌة أو ثورٌة،
فالمراقبون ٌختلفون فً تفسٌره ،فمنهم من ٌرى أن شخصٌة عبد الواحد ؼٌر سوٌة ،ألن
الشخص السوي ال ٌختلؾ مع كل الناس و فً كل األوقات ،و منهم من ٌعزي عزوؾ عبد
الواحد عن الدخول فً أٌة مفاوضات ،لكونه مسلوب الحرٌة .و آخرون ٌقولون أن فً فٌه ماء،
و قدٌما قالوا ال ٌنطق من كان فً فٌه ماء .طبعا تدور الشبهات حول دور فرنسا التً تحاول
توسٌع نطاق الفرنكوفونٌة ،و اسرابٌل التً ال ٌكؾ عبد الواحد عن زٌارتها بحجة االطمبنان
على أنصاره من الالجبٌن .و على الرؼم من نواٌا حمدوك الحسنة و تنازالته عن حقوقه التً
كفلها له القانون ،فان مسلسل العنؾ ال زال مستمرا فً دارفور و فً ؼٌرها من الوالٌات .ففً
ٌوم األحد السادس والعشرٌن من ٌولٌو ،قال بٌان لألمم المتحدة ،صدر عن مكتب تنسٌق الشإون
اإلنسانٌّة ،التابع للمنظمة فً الخرطوم ،إن 60شخصا قتلوا ،بٌنما أصٌب 54أخرون بجروح،
فً هجوم شنه مسلحون على منطقة (مستٌري) الواقعة على بعد 48كٌلومترا ،جنوب مدٌنة
الجنٌنة ،عاصمة والٌة ؼرب دارفور.
.09مسيرة التفاوض
كانت مقاربة الحكومة لموضوع الحرب و السالم تعتمد على التفاوض مع كل الحركات
المسلحة مجتمعة ال منفردة ،ال سٌما أن االسباب التً أدت الى الحرب واحدة .و قد تم التخلً
عن ذلك بعد االتفاق بٌن الحكومة و الجبهة الثورٌة على ضرورة التفاوض فً مسارات متعددة
لمعالجة القضاٌا اإلقلٌمٌة فً كل منطقةٌ .لً ذلك مإتمر عام لمناقشة القضاٌا القومٌة و منها
نظام الحكم وعالقة الدٌن بالدولة والهوٌة والحرٌات العامة ،وؼٌرها .و المسارات هً :مسار
دارفور ،مسار جنوب كردفان ،مسار النٌل األزرق ،مسار شرق السودان ،و مسار شمال
السودان .و قد نجحت الحكومة والحركات المسلحة فً التوقٌع على وثٌقة اتفاق إطاري بجوبا،
تحدد القضاٌا التً سٌتم طرحها للنقاش خالل جولة المباحثات.
المشاكل التً واجهت مسار جنوب كردفان اشتراط عبدالعزٌز الحلو مبدأ فصل الدٌن عن
السٌاسة وعلمانٌة الدولة لالنخراط فً المفاوضات ،بٌنما ترى الحكومة أن الفٌصل فً طبٌعة
31
الحكم ٌجب أن ٌتم عبر مإتمر دستوري .أما المشاكل التً واجهت مسار دارفور فكانت حول
التوافق على تمثٌل أصحاب المصلحة ،و عدم مشاركة حركة تحرٌر السودان بقٌادة عبدالواحد
محمد نور .و من المشاكل أٌضا ،االختالؾ بٌن الحكومة و الحركات فً ترتٌب االجراءات و
منها:
.1ادارة المرحلة االنتقالٌة :بٌنما تقترح الحكومة تقاسم مإسسات السلطة االنتقالٌة و هً
مجلس السٌادة ومجلس الوزراء والمجلس التشرٌعً ،وحكام الوالٌات ،تصر الحركات
المسلحة على مناقشة طرٌقة إجراء االنتخابات خالل التفاوض وعدم تنظٌمها إال بعد
عودة النازحٌن .و قد وجدت الحكومة نفسها بٌن نارٌن :نار الشارع الذى ٌطالب بمدنٌة
الدولة ،و نار الحركات المسلحة التً ٌبدو أنها ال تستعجل السالم ،فؤقدمت على تعٌٌن
والة الوالٌات المدنٌٌن إلسكات صوت الشارع.
.2مناقشة القضاٌا القومٌة :بٌنما ترؼب الحكومة فً ترحٌل العدٌد من القضاٌا إلى المإتمر
الدستوري ومإتمر نظام الحكم المقرر عقدهما فً عقب التوصل إلى سالم ،تصر
الحركات المسلحة على التفاوض المباشر معها ولٌس بمشاركة موسعة عبر مإتمرات.
ٌرى مراقبون أن احتمال الفشل فً الوصول الى اتفاق وارد لسببٌن :األول عدم القدرة على
تشخٌص العلة التً ٌعانً منها السودان ،وبالتالً عدم التوصل إلى العالج الشافً ،و الثانً
تقسٌم المشكالت إلى محلٌة وقومٌة ،وتقدٌم القضاٌا المحلٌة على القومٌة .على كل حال ٌلزم
الحكومة فً سعٌها للسالم مراعاة اآلتً:
.1األخذ بعٌن االعتبار ال مصالح المواطنٌن الذٌن تضرروا بسبب الحرب فقط ،بل
مصالح الشعب بؤكمله.
.2االسترشاد بالرأي العام قبل التصدٌق النهابً على أي اتفاق سالم و الشروع فً تنفٌذ
بنوده .ان رضا الشعب و قبوله باالتفاق ٌعد ضمانة الستدامة السالم .و فً حال سٌإدي
االتفاق الى تجزبة البالد عاجال أو آجالٌ ،توجب على الحكومة استشارة الشعب عبر
استفتاء عام ،و العاقل من اتعظ باتفاقٌة السالم الشامل سٌبة االخراج.
32
12
و كما ذكر أحد القٌادٌٌن فً نظام االنقاذ ذات مرة ،أن امرٌكا تستخدم نظرٌة بافلوؾ
المشهورة فً تعاملها مع السودان .فكلما قرعت واشنطن الجرس ،سال لعاب الحكومة فً
الخرطوم .و ربما أدركت حكومة االنقاذ فً وقت متؤخر انها تجرى وراء السراب ،و انها لن
تجنً شٌبا من وراء استجداء األمرٌكان على الرؼم من التنازالت العدٌدة التً قدمتها .ففً
خالل مفاوضات أبوجا للسالم ،اعلنت الوالٌات المتحدة أن أٌة حركة مسلحة تمتنع عن التوقٌع
على اتفاقٌة السالم ،ستصنؾ كحركة ارهابٌة .و بدال من ممارسة الضؽط على الحركات
المسلحة التً رفضت التوقٌع ،كانت أمرٌكا على وشك أن تحمل الحركة التً وقعت على السالم
مسبولٌة بعض الخروقات األمنٌة و الجرابم فً دارفور ،و مضت فً قرع الجرس كلما أرادت
ان تلٌن موقؾ الحكومة فً الخرطوم.
ذهب حمدوك الى أمرٌكا و عاد منتشً .و بعد أن كال الثناء على الفرٌق الذى صحبه ،و
وصفهم بالمهنٌة ،قال أنه نجح فً تقلٌص التعوٌضات التً طلبها األمرٌكان من ملٌارات
الدوالرات الى بضع مالٌٌن ،و لم ٌفصح عن عددها .لكنه أعلن مإخرا أن المبلػ الذى التزم
السودان بدفعه اربعمابة ملٌون دوالر ،و هو مبلػ ال ٌستهان به ،كما اوحى بذلك ربٌس
الوزراء .تلك كانت جولة أخري من جوالت التفاوض التً ربحت فٌها امرٌكا 400ملٌون
دوالر ،و ال زال اسم السودان على الالبحة المشإمة .و الظاهر أن امرٌكا ال تنفك تقرع الجرس
لتنزع عن البرهان و حمدوك لباسهما لترٌهما سوأتهما .تلك كانت أهم نتابج زٌارة حمدوك
للوالٌات المتحدة ،و نكاد نجزم أن ما خفً أعظم.
.1االبتعاد عن المحاور االقلٌمٌة و الدولٌة ،و خلق عالقات متوازنة مع جمٌع الدول.
.2اتباع سٌاسة خارجٌة تقوم على تحقٌق مصالح السودان ،و عدم االضرار بمصالح الدول
األخرى.
.3رسم عالقة جدٌدة مع الوالٌات المتحدة األمرٌكٌة ال تقوم على التبعٌة و ال العداوة.
.31اصالح االقتصاد
أجرت الحكومة السودانٌة تعدٌالت على موازنة العام ، 2020و بررتها بالحاجة لتبنً
سٌاسات من شؤنها تخفٌؾ التؤثٌر السلبً لجابحة كورونا على الوضع االقتصادي و تقلٌص
عجز المٌزانٌة ،و شملت التعدٌالت ،و التً وصفت بالمتدرجة على مدى عامٌن ،ما ٌلً:
12
بافلوؾ عالم روسً أجرى تجاربا على الكالب .فكان اذا قدم لها الطعام ،قرع جرسا ،و قام بقٌاس كمٌة اللعاب الذى تفرزه ،و بعد
فترة من الزمن ،كان اذا قرع الجرس ،سال لعابها ،و ان لم ٌقدم لها طعاما.
33
ترشٌد سعر الوقود عن طرٌق السماح للقطاع الخاص باستٌراد كمٌات ؼٌر محدودة من
البنزٌن والجازولٌن للتحكم فً الندرة .و المفردة "ترشٌد" مفردة جدٌدة و هً تعنً
تحرٌر سعر الوقود.
رفع سعر الكهرباء لكبار المستهلكٌن.
لتمهٌد الطرٌق للحصول على دعم مالً دولً إلعادة تؤهٌل االقتصاد ،بدأت الحكومة محادثات
مع صندوق النقد الدولً .وكان وزٌر المالٌة قد عرض خالل االجتماعات السنوٌة لصندوق النقد
والبنك الدولٌٌن فً واشنطن فً أكتوبر 2019المراحل الثالث للبرنامج االقتصادي لؽاٌة
،2030حٌث ركزت المرحلة األولى ،و عمرها تسعة شهور ،على معالجة الوضع االقتصادي
وعجز الموازنة وهٌكلة القطاع المصرفً .أما الرحلة الثانٌة ،و عمرها عام ،فركزت على حشد
الجهد المالً لتعزٌز الموارد واإلٌرادات لتصل إلى 10فً المابة من إجمالً الناتج المحلً.
وتإكد هذه المرحلة والٌة وزارة المالٌة على المال العام ،وتوحٌد سعر الصرؾ واالنتقال من
دعم السلع إلى دعم المواطنٌن عبر شبكات الضمان االجتماعً .أما المرحلة الثالثة واألخٌرة
فتبدأ مطلع العام 2021بالتركٌز على تقلٌل االقتراض من المصارؾ ،وترشٌد اإلنفاق مع
مراجعة بنود الموازنة وإدارة السٌولة .و قد أعلن الصندوق التوصل التفاق مع الحكومةٌ ،مهد
لتنفٌذ إصالحات هٌكلٌة فً اقتصاد السودان .ؼٌر أن فرص السودان لالستفادة من دعم صندوق
النقد و البنك الدولٌٌن ،معدومة فً الوقت الراهن ألنه ال ٌزال على القابمة األمرٌكٌة للدول
الراعٌة لإلرهاب.
التحدٌات التً ٌمكن أن تواجه االقتصاد السودانً عند تبنٌه االصالحات التً ٌطالب بها
الصندوق تكاد تكون معلومة للقاصً و الدانً ،ومنها إعادة الهٌكلة والخصخصة ورفع الدعم
عن السلع و الخدمات ،و التً من شؤنها تعقٌد االقتصاد والتسبب فً مشاكل اجتماعٌة
واقتصادٌة وسٌاسٌة وأمنٌة .كما ٌتضمن برنامج االصالح ،زٌادة الجمارك على السلع
المستوردة ،وفتح باب االقتراض الخارجً ،وبالتالً رهن القرار السٌاسً واالقتصادي
للخارج .كما ٌقود برنامج الصندوق الى زٌادات متواصلة فً الضرابب والرسوم الحكومٌة.
المتصاص االثار السلبة لرفع الدعم ،تدعً الحكومة أنها اتخذت االجراءات الكفٌلة بذلك ،و
منها:
اإلجراءات التً اتخذتها الحكومة لمساعدة الشرابح الضعٌفة فً المجتمع نتٌجة لرفع الدعم،
ٌصعب تنفٌذها على أرض الواقع باستثناء زٌادة الرواتب للعاملٌن فً الدولة الذٌن ٌمثلون نسبة
صؽٌرة من مجموع المستهدفٌن .أضؾ الى ذلك صعوبة التعرؾ على الـمالٌٌن من المواطنٌن
الذٌن ٌستحقون الدعم النقدي المباشر المنتشرٌن فً بقاع البالد الواسعة.
34
.30الدعم الخارجي
فور سقوط نظام االنقاذ ،سارعت السعودٌة واإلمارات إلى إعالن دعم السودان بثالثة ملٌارات
دوالر ،منها نصؾ ملٌار ودٌعة نقدٌة ،و الباقً مساعدات عٌنٌة .كان الؽرض من اعالن تلك
المساعدات تثبٌت شرعٌة المجلس العسكري آنذاك ،و هنالك مإشرات تفٌد أنهما لم تفٌا
بوعدهما .لقد عولت الحكومة االنتقالٌة على مجموعة شركاء السودان فً تموٌل موازنة
،2020لألنفاق على السالم والتنمٌة وتثبٌت االقتصاد ،و الرعاٌة االجتماعٌة .و قد وعدت
الجماعة بتوفٌر مبلػ 1.8ملٌار دوالر من المانحٌن الدولٌٌن ،و لكنه ٌبقى من جود اللسان ،ال
من جود األٌدي حتى اآلن.
.33واجب منزلي
كان شعار حكومة الفرٌق عبود " احكموا علٌنا بؤعمالنا" ،و هو شعار جٌد .لقد حكم الشعب
على نظام عبود فً اكتوبر ، 1964و أزاحه عن السلطة .لقد ثار الشارع ضد ذلك النظام ال
لفساده المالً ،و ال لفشله فً توفٌر الخبز و الوقود و العالج ،و انما كانت الثورة بسبب انفراد
النظام بالسلطة و سوء ادارة مشكلة جنوب السودان .الٌوم نترك للقارئ الكرٌم مهمة الحكم على
حكومة الفترة االنتقالٌة على ضوء برنامجها الذى طرحته عند تشكٌلها .قد ٌقول قابل أن مٌعاد
التقٌٌم لم ٌحن ألن الفترة االنتقالٌة لم تنتهً بعد .بالطبع ذلك صحٌح ،و لكن "الكتاب ٌعرؾ من
عنوانه" ،و نحن اآلن قد اطلعنا ال على العنوان فحسب و لكن على الثلث األول من الكتاب.
ٌمكن للقارئ أن ٌمنح الحكومة الدرجات المناسبة عن كل انجاز تم تحقٌقه ،و اعالن النتٌجة:
رسوب أم نجاح؟ ٌجب االنتباه الى أن بعض بنود برنامج الحكومة للفترة االنتقالٌة الموضحة
أدناه لم تكن من مطالب الشارع ،كما أن كل البنود لٌست على درجة واحدة من األهمٌة مما
ٌستدعً تخصٌص درجات متفاوتة للبنود المختلفة .بناء على التقٌٌم المقترح ،قد ٌصل القارئ
الى نتٌجة مفادها :ان المواطن قد أصٌب بخٌبة أمل فً الثورة ،و أن آماله فً الخروج من
المآزق قد بدأت تتالشى .فٌما ٌلً بنود برنامج الحكومة االنتقالٌة:
إٌقاؾ الحرب والعمل على بناء السالم العادل والشامل والمُستدام. .1
مُعالجة األزمة االقتصادٌة ،و وقؾ االرتفاع الحاد فً األسعار. .2
إلؽاء القوانٌن والنصوص المُقٌِّدة للحُرٌات وإجراء إصالح قانونً. .3
ضمان وتعزٌز حُ قُوق النساء. .4
وضع برامج إلصالح أجهزة الدولة. .5
وضع سٌاسة خارجٌة مُتوازنة. .6
القٌام بدور َفاعل فً الرعاٌة والتنمٌة االجتماعٌة. .7
تعزٌز دور الشباب من الجنسٌن. .8
عقد المإتمر القومً الدستوري قبل نهاٌة الفترة االنتقالٌة. .9
اتخاذ التدابٌر الالزمة لمُكافحة الفساد. .10
حاشٌة :بعد الفراغ من كتابة التقرٌر ،وقعت الحكومة و حركات الكفاح المسلح باألحرؾ األولى
علً اتفاقٌة سالم ،و تخلؾ عن التوقٌع كل من عبد العزٌز الحلو و عبد الواحد محمد نور .لهذا
ننصح القارئ الكرٌم باالطالع على البروتوكوالت قبل تقٌٌم ملؾ الحرب و السالم.
35
نبذة مختصرة عن الكاتب
المإهالت األكادٌمٌة:
دكتورة -جامعة النكاستر – انجلترا 1990
ماجستٌر – جامعة إدنبرة – اسكتلنده 1982
بكالرٌوس – جامعة براٌتون – انجلترا 1976
الجامعات محل العمل :جامعة وادي النٌل ،جامعة البحر األحمر ،جامعة كسال ،جامعة مروي
التكنولوجٌة.
إجازة سبتٌه :مختبر الدولة الربٌس لالهتزاز و الصدمة و الضجٌج – جامعة جٌاو تونج –
شنؽهاى – الصٌن ٌناٌر – ٌونٌو 2003
هاتؾ:
36