Professional Documents
Culture Documents
VELSSEVA
VELSSEVA
VELSSEVA
دروس ونصوص
للسوابع األدبية العصرية
لجنة التأليف
محمد لولي ولد اليدالي
مستشار تربوي بالمعهد التربوي الوطني
-محفوظ بن حنفي (م .تربوي) -محمد محمود ولد أممد (م .تربوي)
-محمد بن أحمد جدو (ق ب ت) -سيدي محمد بن حماتي (أستاذ)
-الشيخ سيدي محمد بن سيد أحمد (ق ب ت) -محمد يسلم بن حمود (ق ش إ)
راجعه كل من:
مفتش تعليم ثانوي -إسلم بن سيدي أحمد سالم
مفتش تعليم ثانوي -محمد لولي ولد اليدالي
-الشيخ سيدي محمد بن سيدي أحمد أستاذ تعليم ثانوي
1
المعهد التربوي الوطني
2
بسم هللا الرحمن الرحيم
مقدمة:
هذا الكتاب ليس بدعا من الكتب الفلسفية األخرى ،إذ يعالج مجموعة من
اإلشكاالت المختلفة وهي التي حددتها الوثيقة الرسمية للبرامج التي أعدتها المفشية
العامة للتعليم الثانوي.
يتناول المحور األول مفهوم الفلسفة كإشكالية ترفض تجمد المعنى في هذا الرأي
أو ذاك ولعل الطبيعة الممانعة تمثل السمة الجوهرية لكافة قضايا الفلسفة كما يتناول هذا
المحور مناهج الفلسفة وقيمتها وعالقة الفلسفة بالعلم والدين اإلسالمي ،ثم يقدم صورة
مركزة عن التيارات الفلسفية الكبرى (المثالية والمادية) ،ويختم بالحديث عن مذاهب
فلسفية أخرى كالوضعية والوجودية والظاهرتية والبنيوية.
في هذا المحور تتم مراجعة بعض الدروس التي تلقاها التلميذ في السنة الخامسة
كمفهوم الفلسفة والمن هج وعالقة الفلسفة بكل من العلم والدين .وقد ارتأينا حذف بعض
الدروس من الطبعة األولى لهذا الكتاب مثل :نشأة الفلسفة وخصائص التفكير الفلسفي
لكون كتاب الفلسفة للسنة الخامسة يتعرض لهذين الدرسين بشكل جيد (انظر الكتاب).
في المحور الثاني تتم معالجة موضوع أساسي في الفلسفة هو موضوع "العلوم
اإلنسانية"الذي يتناول إشكالية ذات أبعاد مختلفة إذ يتناول كل منها اإلنسان في بعد من
أبعاده ،ومن أكبر ما تواجهه هذه العلوم التحديات التي تقف في وجه دراسة الظاهرة
اإلنسانية دراسة علمية ولذا كان الحديث عن العوائق االبستمولوجية أمرا الزما لمقاربة
هذا الموضوع.
أما المحور الثالث فيتناول إشكالية أساسية في الفكر الفلسفي وهي المتعلقة
بدراسة الشخصية.
وتناول هذا الموضوع يكون من باب مقاربة مفاهيمية كمنطلق أول ثم الحديث
عن العوامل المؤثرة في الشخصية وهذا ال يتم إال بذكر رأي بعض مدارس علم النفس
خاصة مدرسة التحليل النفسي.
كما يتناول المحور الرابع السياسة وهي محور أصيل في الفلسفة ،وأول كتاب
ألف فيها للفيلسوف اليوناني افالطون ،ويتناول هذا الباب من خالل الحديث عن مفهوم
الدولة ونشأتها و وظائفها ومقوماتها وأشكال النظم السياسية.
3
ومن الطبيعي جدا أن تكون السياسة ضمن برنامج الفلسفة ،ذلك أن التلميذ في
الباكلوريا يعتبر طالبا جامعيا بالقوة ،وينبغي أن يكون له رأي في المجال السياسي،
وفلسفة السياسة تنمي ملكة الحوار وقبول الرأي اآلخر ،وتبين أن االختالف في وجهات
النظر ظاهرة إيجابية ،وليس بغريب في مجال الفكر الفلسفي المؤسس على تعدد اآلراء
وتباينها.
وفي المحور األخير يتناول الكتاب إشكالية "الحرية" أو مفهومها وهو مفهوم
يسقط محتواه كل مرة ويتجدد إال أن المعنى كان دائما داال على انتفاء القسر واإلكراه...
بحيث يشعر الفرد بأن له إرادة حرة تسمح له بفعل كذا أو تركه ،ورغم تعدد اآلراء
واختالفها ظلت الحرية كمفهوم مجرد غير مدركة إذ هي وعي وعي الوعي ،وما عليه
مدار الحديث وغاية المبحث إدراك معنى التحرر.
وقد راعينا في تأليف هذا الكتاب الجمع بين الدروس والنصوص ،فيبدأ بالجانب
النظري تأطيرا لإلشكال الذي يتناوله ثم يقدم نصوصا تؤصل الرأي وتعبر بأصالة عن
رأي الفيلسوف في إشكال مخصوص.
وإن تضافر ثالثة عوامل في الدرس الفلسفي يمكن بحول هللا تعالى من فهمه
واستيعابه من قبل التالميذ ،وهذه العوامل هي:
-تأطير نظري للدرس
-نص تطبيقي يقاس عليه
-جهود األستاذ
وفي تقديرنا فإن الغاية المتوخاة من الكتاب لتتوقف بشكل كلي على المجهود
الذي يبذله األستاذ ،فالكتاب مجرد أداة تربوية تساعد األستاذ على إيصال مضامين
الدروس ،ومهما كانت جودته فلن تكون له قيمة تربوية – تذكر -في غياب مجهود
األس تاذ الذي يساعد على استخراج األفكار والمضامين المعرفية وإيصالها إلى التلميذ
الذي هو الهدف األول واألخير من العملية التربوية في جميع مراحلها وأبعادها.
4
المحور األول:
مفهوم الفلسفة
5
6
ما الفلسفة؟
(إشكالية التعريف)
كلمة فلسفة في االشتقاق اللغوي كلمة مركب من كلمتين يونانيتين هما:
"فيال" و "سوفيا" أي "محبة الحكمة" ،وعندما ترجم العرب الفلسفة اليونانية
استعملوا كلمة "الحكمة" للتعبير عنها ،وكلمة "حكيم" للداللة عل الفيلسوف
الذي هو "محب الحكمة" ،إال أن لفظ "فلسفة" أصبح هو التعبير الشائع لدى
1
المشتغلين بالفلسفة) (.
إن هذا التعريف االشتقاقي – والذي أصبح متجاوزا -لن يفيدنا كثيرا
في بلوغ ما نطمح إليه من توضيح مفهوم "الفلسفة" التي قد يكون من أطرف
تعريفاتها أنها «علم التعاريف» ؛ حيث تهتم بوضع تعاريف وحدود لألشياء
التي تتخذها موضوعا لها.
1
-دعائم الفلسفة –إدريس خضير– الدار التونسية للنشر بتونس والمؤسسة الوطنية
للكتاب بالجزائر ص11
7
وسنتناول تعريف الفلسفة من حيث الداللة االصطالح من خالل الحقب
الفلسفية التاريخية:
1
-دروس الفلسفة لطالب الباكلوريا المغربية – دار النشر المغربية -الدار البيضاء ص:
. 14 – 13
8
نماذج من تعاريف الفلسفة:
1
-دروس الفلسفة مصدر سابق ص .33
9
تكن الفلسفة في القرون الوسط إال الهوتا ولم يكن الالهوت إال فلسفة،
والفيلسوف هو الذي يبحث في الالهوت بحثا منظما»
فهذا أبو يعقوب الكندي ( 961-896م) :يعرف الفلسفة بأنها «العلم
بحقائق األشياء :إنياتها ومائياتها وعللها بقدر طاقة اإلنسان» وهي« :العلم
التام المؤدي إل فعل الخير»
ويقسم الفلسفة إل ثالثة أقسام ( أولها العلم الرياضي في التعلم وهو
أوسطها في الطبع ،والثاني علم الطبيعيات وهو أسفلها في الطبع ،والثالث
علم الربوبية وهو أعالها في الطبع.)..
وقال ابن رشد (333-324هـ) :الشارح األول ألرسطو بما قال به
أرسطو من أن الفلسفة هي« :دراسة الوجود من حيث هو وجود» واعتبر
الفلسفة «صاحبة الشريعة وأختها الرضيعة».
ولئن كانت الفلسفة الحديثة خطت خطوات نحو األمام مستفيدة من تقدم
العلوم فإنها ظلت تهتم بالمعرفة في جانبها الكلي الشامل.
1
-دعائم الفلسفة – مصدر سابق ص .32
10
وهكذا فإن شمولية الموضوع الفلسفي ،وما يبدو من موسوعية
الفيلسوف هو ما دفع ديكارت )1650-1596م) في تصديره لكتاب مبادئ
الفلسفة إل القول الحكمة هي «العلم التام المؤدي إل فعل الخير» وقد شبه
الفلسفة بشجرة جذورها الميتافيزيقا ،وجذعها العلم الطبيعي ،وغصونها
المتفرعة من هذا الجذع هي العلوم األخرى.
إال أن هذا الوضع سيشهد تغيرا مهما خالل العصر الحديث مع تبلور
الروح العلمي الجديد وما أحدثه من قطيعة مع اإلرث الوسيط خصوصا بعد
استقالل العلوم عن بعضها وعن الفلسفة ،واتجاه العلماء نحو التخصص ،ليس
في كل علم عل حدة فقط ،وإنما أيضا في الفرع الواحد من العلم الواحد،
حت برزت دعوات قوية تدعو للتخلي عن الفلسفة وإعالن إخفاقها ،غير أن
الفلسفة لن تلبث أن تتحول إل خطاب نقدي وتحليلي للعالم وأسسه ،ومناهجه،
ونتائجه ،أي إل "ابستملوجيا"*.
تلك صورة مبسطة لمشكل الفلسفة واهتماماتها الكبرى عبر العصور،
وهي صورة لن تسعفنا –بشكل كامل -في بلوغ مبتغانا المتمثل في أن نستنبط
للفلسفة تعريفا جامعا مانعا ،إال أننا نستطيع القول – دون أن نجانب الصواب
كثيرا -إن الفلسفة هي لون من ألوان التفكير اإلنساني له طبيعته وخصائصه
المميزة التي قد يكون التعرف عليها أمرا مفيدا لما نحن بصدده من محاولة
رسم صورة أكثر اتضاحا عن الفلسفة.
ولهذا نخلص إل القول بأن من يتأمل التعريفات السابقة يالحظ أن
الفلسفة لم تتقدم ولكن الدهشة التي كانت مبعث السؤال كانت تنطلق من
الوضع الوجودي العام لإلنسان ولهذا نعتبر أن للفلسفة عالقة بالواقع وأن
الفيلسوف يعيش بيننا وهو يواصل بحثه عن الحقيقة .
يقول (كارل ياسبرس)« :إن جوهر الفلسفة هو في البحث عن الحقيقة
ال في امتالكها وهي تصبح غيرها إذا استحالت إل معرفة موضوعية في
صيغ نهائية جاهزة تنتقل من واحد إل آخر».
إن وصف الفيلسوف بأنه شخص أجنبي عل الواقع وأن الفلسفة فكر
مجرد يت عال عل الواقع والتاريخ والمجتمع وصف ال يستند عل حقيقة
الممارسة الفلسفية اللهم ما كان من قول افالطون «من أن الفيلسوف ال يتأمل
الوجود إال ككل» ،ولكنه ال يتعال عل الواقع إال ليفهمه.
11
وإذا رجعنا إل قول (نيتشه) «إن الفيلسوف يسع دائما إل االنتصار
عل الت اريخ والعلو عل الزمان وعدم االنخراط في سلسلته األبدية» ،فذلك
يعني أن التاريخ والزمان مدارهما عل التبدل والتغير في حين أن مقصد
الفيلسوف هو ضبط حقائق ال يعتريها تبدل وال تغير ،أما أنه مرتبط بواقعه
فهذا أمر ال جدال فيه ،وكل فلسفة هي انعكاس للواقع الذي أنتجها والفيلسوف
نتاج ذلك الواقع ،وهذا ما ذهب إليه (هوسرل) في كتابه« :تاريخ الفلسفة
الغربية» من أن كل فلسفة البد أن تكون صدى لمختلف تحديدات ظرفها
التاريخي ،ويؤيد هذا ما ذهب إليه هيجل في قوله« :إن أفضل وعي يمكن أن
تحصله حقيق ة تاريخية عن نفسها هو الوعي الذي يتحصل لدى فالسفتها،
وهذا يعني أن كل فلسفة وليدة ظرفها التاريخي».
وقد حاول (ماركس) رد الفلسفة إجماال إل إفراز من افرازات
المجتمع تتكفل االيديولوجيا* الكلية بتفسيرها حسب (كارل مانهايم) وتعين
معالمها خصائص البنية التحتية حسب (ماركس).
الهوامش:
االبستمولوجيا :الدراسة النقدية للمبادئ والفروض والنتائج بمختلف العلوم عل حد
تعبير ال الند
االيديولوجيا :علم األفكار وأول من استخدم هذا اللفظ الفيلسوف الفرنسي( :دي
ستوت دي تراسيت.
األسئلة:
-1سئل أحدهم :ما هي الفلسفة؟ فأجاب ال أدري ! حلل وناقش؟
« -2الفلسفة هي حاجة الحاجات المشبعة» ما رأيك؟
-3إل أي حد يمكن القول «إن الفلسفة ال موضوع لها»؟
12
مناهج الفلسفة وقيمتها
أوال :مناهجها:
إذا كان الباحثون في الرياضيات والعلوم التجريبية قد استقر رأيهم في
ما يتعلق بإشكالية المنهج في هذه العلوم فإن األمر يختلف في الفلسفة ،وهذا
ما يفسر تباين آراء الفالسفة حول المنهج األكثر مالئمة لدراسة اإلشكاالت
الفلسفية .
تعريف المنهج:
« المنهج عموما هو الطريق الواضح في التعبير عن شيء أو في عمل
شيء ،أو في تعليم شيء ،طبقا لمبادئ معينة ،وبنظام معين بغية الوصول إل
غاية معينة»(.)1
1
-معجم الفلسفة /مراد وهبة ويوسف كرم.
2
-كتاب الفلسفة التونسي ج 3
13
لقد اتخذ من االعتراف بالجهل أداة هجومية وتحول لديه إل سالح
خطابي استخدمه ضد السفسطائيين المتباهين بحكمتهم والمتظاهرين بمعرفة
ليست لديهم ،بحيث يتم عن طريق هذا المنهج فضح تالعبهم باأللفاظ
والدالالت.
كما يتأسس هذا المنهج عل العبارة «اعرف نفسك بنفسك» ،وتعني
العبارة أن مهمة الفلسفة معرفة اإلنسان نفسه ،فالمعرفة الحقيقية هي معرفة
األشياء عل نحو موضوعي بالتركيز عل الربط بين الفضيلة والمعرفة،
وكل فعل خاطئ يصدر عن الجهل وإذا عرف اإلنسان ما هو الفعل الصواب
فإنه سيفعل ما هو حق .ورغم ما قد يالحظ عل هذا المنهج فإنه قد لعب دورا
كبيرا في تقوية أركان الفكر الفلسفي في وجه السفسطائيين منكري القيم ،حيث
استطاع بواسطة هذا المنهج دحض حجج الخصوم ومن ثم مساعدتهم في
اكتشاف الحقيقة بأنفسهم.
ونستعرض في هذا المجال محاورة بين الفيلسوف (سقراط) وأحد
محاوريه ،الذي قال له بتلهف :يا سقراط ،أتعلم ما سمعت عن أحد طالبك؟
انتظر سقراط لحظة ثم رد قائال :قبل أن تخبرني أود أن تجتاز امتحانا
صغيرا ..فقبل أن تخبرني عن طالبي نأخذ لحظة للوقوف عل ما كنت
ستقوله ..أوال :هل أنت متأكد أن ما ستخبرني به صحيح؟
رد الرجل :ال ..في الواقع لقد سمعت الخبر..
قال سقراط :أنت لست متأكدا أن ما ستخبرني به صحيح أو خطأ؟ ثانيا:
هل ما ستخبرني به عن طالبي شيء طيب؟
رد الرجل :ال ..لكن هو العكس.
تابع سقراط إذن أنت ستخبرني بشيء سيء عن طالبي ،عل الرغم من
أنك لست متأكدا من أنه صحيح؟ بدأ الرجل يشعر بالحرج.
تابع سقراط ثالثا :هل ما ستخبرني عن طالبي سيفيدني؟
رد الرجل :في الواقع ال.
تابع سقراط :إذن أنت ستخبرني بشيء ليس بصحيح وال بطيب وال
بذي فائدة أو قيمة ..فما الداعي إلخباري به؟
14
ثانيا :المنهج الشكي:
يعتبر الشك «التردد بين نقيضين ال يرجح العقل أحدهما عل اآلخر
1
وذلك لوجود أمارات متساوية في الحكمين أو لعدم وجود أية أمارة فيهما»
وينقسم الشك إل شك مذهبي وشك منهجي.
ا – الشك المذهبي :وهو الذي نادت به جماعة الشكاك وعل رأسها
(بيرون) ويعني الشك المذهبي اعتماد الشك لذاته مذهبا أي الشك من أجل
الشك وهو ما يعني تعليق الحكم ونفي الحقيقة بشكل مطلق.
ب – الشك المنهجي :وقد استخدمه كل من حجة اإلسالم الغزالي
وديكارت.
– 1الغزالي (343-034هـ) يقول الغزالي عن طبيعة اليقين الذي
يبحث عنه في رحلته الشكية «إن العلم اليقيني هو الذي ينكشف فيه المعلوم
انكشاف ا ال يبق معه ريب ،وال يقارنه إمكان الغلط والوهم ،وال يتسع القلب
لتقدير ذلك بل األمان من الخطإ ينبغي أن يكون مقارنا لليقين مقارنة أو تحديا
بإظهار بطالنه –مثال -من يقلب الحجر ذهبا والعصا ثعبانا لم يورث ذلك شكا
وإنكارا ،فإني إذا علمت أن العشرة أكثر من الثالثة فلو قال لي قائل :ال ،بل
الثالثة أكبر بدليل أني أقلب هذه العصا ثعبانا وقلبها ،وشاهدت ذلك منه لم
أشك -بسببه – في معرفتي ،ولم يحصل لي منه إال التعجب من كيفية قدرته
عليه ،فأما الشك فيما علمته فال ،ثم علمت أن كل ما ال ألعمه عل هذا الوجه
وال أتيقن عل هذا النوع من اليقين فهو علم ال ثقة به وال أمان معه ،وكل
علم ال أمان معه فليس بعلم يقيني».2
ويقول الغزالي كذلك :إن من لم يشك لم ينظر ،ومن لم ينظر لم يبصر،
ومن لم يبصر بقي في العم والضالل.
– 2ديكارت :مثلت الفلسفة الديكارتية ثورة في مجال الفكر الفلسفي،
عندما ركزت عل أهمية اكتشاف الفكر لقيمته وتخليص العقل من كل األفكار
المسبقة واآلراء السائدة ،ولكن ذلك ال يتم إال باتباع منهج واضح يساعد العقل
في تجنب الخطأ.
1
-معجم الفلسفة د /جميل صليبا
2
-المنقذ من الضالل الغزالي
15
ويحدد ديكارت طبيعة هذا المنهج الذي لن يكون استقرائيا ألن
االستقراء يوصلنا إ ل معارف متفرقة غير يقينية ،وإذا كان اليقين يتجل في
وضوح المعاني وتسلسلها عل ما نرى في الرياضيات ،فإن المنهج البد أن
يكون استنباطيا أي ينتقل من البسيط إل المركب الغامض وهذا «هو المنهج
الوحيد المشروع ألن العقل واحد ويسير عل نحو واحد في جميع
الموضوعات»(.)1
فالعقل في نظر ديكارت أعدل قسمة بين الناس أو هو أكثر توزعا بين
الناس والفرق بين الجميع يكون في توظيفه.
وليستيقن هذا العقل ويبتعد عن الخطأ عليه أن يعتمد أربع خطوات
تمثل المنهج عند ديكارت وهي:
القاعدة األولى (قاعدة البداهة)« :أن ال أتلق عل اإلطالق شيئا عل
أنه حق ما دمت لم أتبين بالبداهة أنه كذلك ،أي أن أعني بتجنب التعجل
والتشبث باألحكام السابقة ،وأن ال أدخل في أحكامي إال ما يتمثل لعقلي في
وضوح وتميز» .ويعني ذلك اإلدراك بالحدس المباشر أو االستنباط وأن
نقصي من دائرة العلم ليس فقط جميع الوقائع التاريخية بل أيضا كل معن
يستلزمه تفسير الظواهر الطبيعية وال نتمثله أو نتخيله ،ويرى البعض أن هذه
القاعدة عبارة عن إ عالن حرية الفكر وإعالن ثورته عل كل العقائد ليعبر
عن تفوق إدراكه.
القاعدة الثانية :أو (قاعدة التحليل)« :أن أقسم كل واحدة من
المعضالت التي أبحثها إل عدد من األجزاء الممكنة والالزمة لحلها عل
أحسن وجه» .أي أن أذهب من المركب إل بسائطه ومن الكل إل أجزائه.
1
-يوسف كرم /تاريخ الفلسفة/نفس المرجع السابق ).(2-1
17
عل الكوجيتو الديكارتي ،فبدل أنا أفكر إذن أنا موجود ،يصبح المبدأ
الظاهراتي «أنا أفكر إذن أنا المفكر فيه».
ويمكن تلخيص المنهج الظاهراتي في ما يلي:
– 1ال يوجد موضوع خارج ما أفكر فيه وال يمكن أن أفكر في
موضوع خارج بؤرة الذات.
– 2ضرورة بناء السؤال ضمن مقولة الشيء في ذاته واختزال مقولة
الشيء في ذاته ولذاته.
– 3وعي السؤال في مقولة الثالثة( :الماضي – الحاضر) (الماضي +
الحاضر).
– 4االنتقال من أفق السؤال إل ظاهراتية التأويل (اللغة – الجمال –
المنطق).
– 5االنتقال من جاذبية التفكير إل قصديته ،أي عدم فصل العملية
الشعورية عن المدركات.
ويعتمد المنهج عل ما يلي:
ا – نظرية المعن :تحاول أن تفصل المعن عن الحد المنطقي ،وتربط
المعن مباشرة باألدوات الخاصة لحالة الشعور القصدي ،فإدراك معن
(الشجرة) ال يكمن في الحد المنطقي ،الذي يعبر عن صيغة التجريد ،بل يكمن
معناها فيما تحمله الشجرة من مدركات في شعوري الخالص ،وفيما تصبغه
الذات الشاعرة عل الموضوع (الشجرة) من صفات وأحكام.
وهذه النظرية تحاول إعطاء العقل فرصة لتأمل الموضوع تأمال وصفيا
ماهويا ،وذلك من خالل ربط الموضوع باألحوال النفسية التي تتحدد وفق
تفاعالت الذات مع أحوالها الشعورية.
إن المنهج الظاهراتي ال يهمه الحكم في ذاته بل كيف استطاع المتأمل
أن يصل إل ماهية وكنه الموضوع.
1
-المنهج الفينومينولوجي /عبد القادر بو عرفة.
19
رابعا :المنهج البنيوي:
تأسس هذا المنهج عل يد (كلود لفي شتراوس) ،وانتشر بعد ذلك عل
يد مجموعة من المفكرين من أمثال ( :فرديناند دي سوسير) و (جاك الكان) و
(ميشل فوكو) و (لوسيان كولدمان).
20
-الضبط الذاتي :ويعني أنها تستطيع أن تضبط ذاتها ،وهذا ما
يؤدي إل الحفاظ عليها كما أنه يؤدي إل بعض االنغالق.
ويعتبر (كلود لفي شتراوس) من بين البنيويين الذين ركزوا عل
جمودية البنية ورفض السياق التاريخي «وباعتبار البنيوية طريقة فال يمكن
أن تكون محدودة التطبيقات ،وبالتالي البد أن تدخل في صالت مع جميع
الطرق األخرى ،وهي ال تتناقض مع األبحاث الوراثية والنفعية ،بل تدعمها
بأدواتها الجبارة»(.)1
1
-ميشيل فوكو -البنيوية.
21
ولقد حاول الفالسفة األول أن يقدموا تفسيرات رغم سذاجتها إال أنها
كانت ثورة فكرية في ذلك الوقت وشكلت الفلسفة صرحا للفكر اإلنساني،
حيث اعتبر سقراط الفلسفة تبحث عن اإلزعاج وتوقظ من السبات العميق.
إن صراع سقراط مع السفسطائيين الذين أنكروا الحقيقة وجعلوها ذاتية
«اإلنسان مقياس كل شيء» كما يقول الزعيم السفسطائيين (بروتاغوراس)
وحشروها في الفردية ،كما أنكروا القيم اإلنسانية الجامعة ،واتخذوا تصنع
العلم الكامل والخطابة لخداع الناس وتغليب المصلحة الشخصية عل
المصلحة العامة.
وحديثا وبعد تطور العلم أصبح البعض ينظر إل الفلسفة نظرة ازدراء
أو في أحسن الحاالت نظرة شفقة إال أن تطور العلم وما يخلق من مشاكل
تتعلق بالمنهج والنتائج وعدم تمكن العلم من حل بعض األلغاز المتعلقة
بالكون ،كل ذلك فسح المجال للفلسفة كي تبق حية ،غير أنه مهما يكن من
عدم قدرة الفلسفة عل إعطاء إجابات قاطعة أو قابلة للبرهان ،فإنها تجعلنا
نعي جزءا من المهام وتدفعنا إ ل صون هذا االهتمام التأملي بالكون وحمايته
من خطر اإلبادة الذي يحدق به ويهدده فيما لو اقتصرنا عل البحث عن
معرفة يقينية كل اليقين ،وهو ما دفع باشالر :إل القول بأن التفكير الفلسفي
يذهب بعيدا وبسرعة.
إن اإلنسان بالفطرة مسكون بحب االطالع وحب المعرفة ويتخذ من
التفلسف وسيلة تنمية للفكر وحل األمور التي تعرضه في حياته ،وكل ما
نعرفه اليوم من تقدم كان بسبب التأمل والتفكير.
22
وكذلك فإن الفلسفة تفتح أمامنا آفاقا ال تخطر عل بالنا ،وتساهم في
إجالل الموضوعات التي نتأملها (وبذلك تحرر اتباعها من وجهات النظر
الشخصية والضيقة ،وتفتح آفاقا لإلنسان بعيدا عن دائرة المنفعة الشخصية)،
وهو ما نجده في عبارة فولتير :مهما اختلفت معي في الرأي فإني سأدافع
عنك إل آخر رمق في حياتي ،حت تعبر عن رأيك بحرية.
األسئلة
-1ادكر أهمية المنهج بالنسبة للبحث الفلسفي.
-2كيف تتحدد قيمة الفلسفة ؟
-3يقول هيدجير« :إن من يحيا يحيا من أجل الحقيقة» ،حلل وناقش؟
23
الفلسفة والعلم
شكلت العالقة بين الفلسفة والعلم إحدى اإلشكاليات التي استوقفت
الفالسفة والعلماء عل حد سواء وقد زاد من حدة حالة االستقطاب هذه طبيعة
التحوالت التي شهد العلم بمختلف فروعه مما جعل بعض العلماء يسع بكل
أدواته إل إعالن انفصال العلم عن الفلسفة والخروج من عباءتها رغم
العالقة الحميمة بين اإلثنين ،إذا الفلسفة قديما تشمل كل المعارف اإلنسانية بل
إنها كانت تسم أم العلوم.
والفلسفة والعلم لهما نفس الغاية ويتوكئان عل نفس المبدأ وهو حب
الحقيقة فما الصلة بين الفلسفة والعلم وما وجه االختالف وااللتقاء بينهما؟
وهل العالقة القائمة بينهما عالقة تكامل أم إقصاء.
- 1االتصال:
ا – تصور القدماء :الفلسفة كوحدة للعلوم
ينظر القدماء إل الفلسفة نظرة معيارية تفضيلية معتقدين أنها العلم
األسم وذلك لطابعها الشمولي من حيث إنها هي المتضمنة لمبادئ وغايات
كل العلوم.
24
ب – تصور المحدثين :ديكارت
في كتاب "المبادئ" تبدو الفلسفة عند ديكارت إطارا يشمل كل العلوم
حيث يقول " :الفلسفة شجرة جذورها الميتافيزياء وجذعها الفيزياء وأغصانها
التي تتفرع عنها بقية العلوم األخرى" ...الطب والميكانيكا واألخالق".
وال يخف أن أبا الفلسفة الحديثة المدفوع برياح التغيير التي تهب عل
أوربا في عصر نهضتها والمسكون بهاجس التغيير إلقامة العلوم عل أساس
صلب أي " عل الصخر والصلصال بدل الرمل المتحرك" كما يقول لم
يستطع أن يتحرر من رقبة التصور األرسطي فقد بقيت الفلسفة عل يديه كما
كانت وحدة للعلوم وهو الذي عاصر اإلرهاصات األول الستقالل العلوم عن
الفلسفة .ففي رسالة إل ميرسان Mersenneبتاريخ 3603/43/28يقول
ديكارت "إن هذه التأمالت الستة جماع الفيزياء كما أراها".
وخالفا لما يراه أرسطو وديكارت فإن العلم يعد مقاربة موضوعية
للمعرفة وكانت الفلسفة مقاربة ذاتية فهما إذن خطابان مختلفان.
- 2االنفصال:
تجدر اإلشارة إل أن استقالل العلوم قد حصل تدريجيا ،وكان لعلم
الفلك السبق حيث استقل في القرن 33عل يد كوبرنيك وكيبللير ،ثم استقلت
الفيزياء لتكون كمية عل يد غاليلي في القرن 36بعد أن كانت كيفية ،وتتال
استقالل العلوم حت انفصــالت العلوم اإلنسانية عن الفلسفة في القرن . 24
25
لقد أصبح جليا اليوم أن نضج الخطاب العلمي وتسلحه بالمناهج
الصارمة والمقاييس الدقيقة ،قد أفض إل تقلص هيمنة الفلسفة .وهذا الوضع
االنفصالي الذي جسده استقالل العلوم في العصر الحديث يمكن أن يرى فيه
تبدل لوضع الفيلسوف من حال كونه منتجا للمعرفة إل مستهلك لها .وتبدل
في وضع الفلسفة من ملكة للعلوم إل خادمة لها.
وفي رأي دائرة فيي نا أن التحليل المنطقي يكشف مدى التعارض بين
قضايا العلم ذات المعن ،والتي تخضع لمبدأ التثبت التجريبي وبين أشباه
القضايا الفلسفية الخالية من المعن والتي تعاني من سوء التركيب اللغوي.
26
وال يخف أن الوضعية قد سقطت في التناقض عندما أكدت عل
ضرورة تجاوز الفلسفة ،فهي بذلك تتخذ موقفا فلسفيا ،فلطالما عد "االستهزاء
بالفلسفة تفلسفا" وفق ما يرى باسكال".Pascal
وتبيانا لتناقص الموقف الوضعي يقول انجلز "إن الذين يتقولون عل
الفلسفة يقعون في أسوء الفلسفة".
27
ألن المسؤول الحقيقي عن ذلك هو سوء استخدام العلم وتكالب بعض
األطراف عل تحقيق المنفعة ،ذلك أن العلم ليس له أخالق وال يمكن أن يكون
ال أخالقيا حسب ما يرى بوانكاري.
وإذا كان علينا أن نستخلص أن النهضة األوروبية وليدة الثورات
العلمية كانت نتا ج تراكمات الفكر الفلسفي فهذا الفكر الفلسفي هو الذي ترتب
عنه التقدم العلمي الذي يعيشه الغرب فهل من سبيل إل التقدم العلمي
بمحاربة الفلسفة؟
تحليل الفروق بين الفلسفة والعلم:
العلم الفلسفة
قائم عل التجربة واالهتمام بالوقائع قائمة عل التأمل المجرد
يبحث في الجزئيات تبحث في الكليات
يبحث عن الكيفيات تبحث في الماهيات
العلم وصفي الفلسفة برهانية
يقوم عل االستقراء تقوم عل االستنباط
باالتفاق وإجماع العقول تتميز باالختالف
يقيني قطعي معرفة ظنية احتمالية
بحث عن األسباب القريبة بحث عن األسباب البعيدة
يقبل النتائج النهائية ال تقبل نتائج نهائية
يتطور ال تتطور
األسئلة:
– 1هل ينشأ العلم عن مجرد حب الحقيقة؟
– 2هل التحكم في الطبيعة مشروع معقول؟
28
– 3إل أي حد يمكن القول مع أريك فيل Eric Weilبأن" :الفلسفة
علمية فائقة ألنها ترفض أن تكون علما"؟
– 4هل يجب الدفاع عن العلم؟
– 5هل التطور التقني عل الحقيقة يغير اإلنسان؟
الفلسفة واإلسالم
لم يهتم العرب في عهودهم األول مع الفتح بما عند األمم األخرى من
علوم وفلسفات النشغالهم بالفتوحات وتنظيم األمصار لكن ما إن استقرت
29
أحوالهم وتوطدت دعائم دولتهم حت راحوا يشجعون االطالع عل العلوم
الدخيلة لتلك األمم .وقد اتسع النقاش ليأخذ شكل معركة كالمية وفلسفية حول
جدوى الفلسفة ومدى مطابقتها أو ابتعادها عن حرفية النص القرآني وبدأ
التساؤل عن مدى تطابق المعقول الفلسفي مع المنقول الديني؟ وأي مسوغ
لدعوى أن التوفيق بين الفلسفة واإلسالم مضربهما معا؟
لعل أكبر معركة نشبت بين المتكلمين تلك التي اشتد أوارها بين
المعتزلة الذين اعتمدوا العقل بشكل مطلق في فهم اإلشكاالت وحلها وبين
األشعرية الذين نشدوا الحقيقة الدينية عن طريق اإلدراك العقلي لكنهم لم
يستسلموا للعقل استسالما كامال ألن له برأيهم قوة محدودة ال تقوى عل
اإلحاطة بأسرار الكون الخفية ولذلك كانوا يقدمون النص الديني عل النظر
الفلسفي في كثير من مواضع التناقض والتعارض.
ويتفق المعتزلة عل أن المعارف كلها معقولة واجبة بالنظر العقل ي
وأن معرفة هللا وكذلك شكر النعم ومعرفة الحسن والقبيح واجبة بالعقل واتباع
الحسن واجتناب القبيح ،كل ذلك يجب بالعقل إذ "العقل قبل ورود السمع"،
يقول الشهرستاني واصفا بعض أعالم المعتزلة :الجبائي وابنه أبو هاشم
« أثبتا شريعة عقلية وردا الشريعة النبوية إل مقدرات األحكام ومؤقتات
الطاعات التي ال يتطرق إليها العقل» ،وذلك ما يدل عل النزعة العقلية
الغالبة عل المعتزلة.
كان المسلمون في ظل التعاليم اإلسالمية بمنج عن تأثيرات الفلسفة
وتياراتها العقلية بالر غم من توسعهم في البلدان شرقا وغربا حت غزت
الفلسفة اليونانية الفكر العربي اإلسالمي ووضعته أمام تحديات مصيرية
كبيرة ال عهد له بها ،فإذا علماء األمة اإلسالمية ينقسمون بين مؤيد للفكر
الفلسفي اليوناني ،وداع إل توظيف العقل في كل أنشطة الفكر اإلسالمي
ليكون هذا األخير عل مستوى سابقه في القوة والمتانة واإلقناع ،وبين منكر
للنظرة الفلسفية الخالصة وداع إل التزام تعاليم الشرع دون سواها في النظر
والتحليل من غير التفكر لقدرات العقل في الفهم والتفسير .وكان أبرز الذين
تتلمذوا عل الفكر اليوناني وبالغوا في تمجيده الكندي وأبو نصر الفارابي
وابن سينا وكان هؤالء هدف حملة الغزالي في كتابه «تهافت الفالسفة»الذي
زعزع به حجة اإلسالم أركان الفلسفة في عصره وجعل الكثير من المعجبين
30
بها يتريثون في قبولها أو ين صرفون عن تعاليمها ثم جاء ابن رشد القرطبي
األندلسي فصنف «تهافت التهافت» في الرد عل الغزالي واالنتصار للفلسفة.
ويعتبر التوفيق بين الفلسفة والدين الغاية التي يرمي إليها المشروع
الفلسفي األول لفالسفة اإلسالم مع الكندي ،إذ يرى الكندي أنه ال مسوغ للنهي
عن النظر في كتب القدماء لذلك «ينبغي أن يعظم شكرنا لآلتي بيسير من
الحق فضال عن من أت بكثير في الحق إذا أشركونا في ثمار فكرهم» .وفي
معرض حثه عل التفكير الفلسفي يضيف الكندي «ينبغي أن ال نستحي من
الحق واقتناء الحق من أين أت وإن أت من األجناس القاصية عنا واألمم
المباينة لنا فإنه الشيء أول بطالب الحق من الحق ،وليس ينبغي بخس الحق
وال تحقير قائله وال اآلتي به فال أحد بخس الحق بل كل يشرفه الحق»ويوجه
الكندي خطابه هذا إل الفقهاء ولمتكلمي عصره الذين منعوا النظر في كتب
األوائل واتهموا أهلها بالزيغ والكفر ،ووفق حجة سجالية ،يرى الكندي أن
الفقهاء إما أن يقولوا إن الفلسفة واجبة أو ليست واجبة إذا قالوا واجبة وجبت
عليهم وإن قالوا ليست واجبة تعين الدليل وهو من علم األشياء بحقائقها أي
الفلسفة.
وهذا التناقض فاضح ،ومع ذلك يمكن القول بأن التوفي ق مع الكندي لم
يتجاوز حدود التأليف أو التركيب بين الرأي الديني والمنهج الفلسفي.
ولئن كان الكندي قد عاش في عهد قوة ووحدة دولة الخالفة ،فقد عاش
الفا رابي في عهد االنقسامات والصراعات السياسية فآثر حياة العزلة
واالشتغال بالفلسفة حيث يجب أن يسود االنسجام والتوفيق بين الفلسفة والدين
لكي يسود الوئام والتناغم في الحياة االجتماعية والسياسية ،وتكون المدينة
فاضلة .يقول الفارابي« :الملة الفاضلة شبيهة بالفلسفة» .ذلك أن الملة أي
الدين والفلسفة ك الهما معرفة مستوحاة من العقل الفعال الذي في فلك القمر إذ
يوحي العقل الفعال عل العقل المستفاد للفيلسوف الحقائق ويوحي إل مخيلة
النبي مثاالتها وأشباهها .يقول الفارابي« :فيما يوحيه العقل الفعال إل عقله
المنفعل يصبح فيلسوفا وبما بوحيه إل مخيلته يصبح نبيا مرسال» .والفرق
بين الفلسفة والدين في نظر الفارابي أن الدين يهتم بالجزئيات والفلسفة تهتم
بالكليات وأن « الفلسفة هي التي تعطي براهين ما تحتوي عليه الملة
31
الفاضلة» .ويمثل ابن سينا في ها المجال امتدادا للفارابي لذلك عرفا
بالفارابيين.
ومن موقف يقر بأنه «ال فلسفة وال فالسفة في اإلسالم» يهاجم الغزالي
المتفلسفة في اإلسالم وعل الخصوص الفرابي وابن سينا اللذين ورثا بقايا
كفرية عن األقدمين وحاصل آرائهما ينقسم إل ثالثة أقسام هي:
– 1قسم يجب التكفير به.
– 2وقسم يجب التبديع به.
– 3وقم يستوجب التسليم وال يجب إنكاره أصال.
وقد صنف الغزالي تهافت الفالسفة للرد عل الفالسفة فيها يستوجب
التكفير والتبديع وذلك «لبيان تهافت عقيدتهم وتناقض كلمتهم فيما يتعلق
باإللهيات» فإن كان المنطق والرياضيات من العلوم البرهانية .التي ال سبيل
إل مجاحدتها وال شيء منها يتعلق بالدين نفيا وإثباتا «رغم ذلك تتولد عنهما
آفتا القبول والرد» وما "انشغل أحد بآفة إال وانحل عن رأسه لجام التقوى.
فإن اإللهيات هي موطن أخطاء الفالسفة حيث خالفوا أصول الدين وفروعه
في مسائل يبلغ عددها عشرين مسألة والمخالفة ألصول الدين مستوجبة
التكفير والمخالفة للفروع المستوجبة التبديع.
وفي معرض دفاعه عن الفالسفة يرى ابن رشد أن الشريعة تستوجب
النظر الفلسفي ف من أراد أن يعلم هللا تبارك وتعال وسائر الموجودات
بالبرهان عليه أن يتقدم أوال فيعلم أنواع البراهين وشروطها «وال يعني فعل
الفلسفة شيئا أكثر من النظر في الموجودات واعتبارها» ،والشرع قد ندب
إل اعتبار الموجودات وحث عل ذلك تارة باستعمال األمر كما في قول هللا
تعال { :فاعتبروا يا أول األبصار} ويرى ابن رشد أن «من منع النظر في
كتب الحكمة من كان+-
أهال للنظر فيها كمن منع العطشان شرب البارد العذب حت مات ألن
قوما شرقوا به فماتوا».
وال خالف بين الفلسفة والنقل فيما ال يرد فيه نص أما ما ورد فيه نص
فإن اتفق مع العقل فال خالف وإن لم يتفق معه يجب تأويل النص حت يوافق
العقل «والتأويل هو إخراج اللفظ من الداللة الحقيقية إل الداللة المجازية
دون أن يخل ذلك بعادة لسان العرب في التجوز» ويخلص ابن رشد إل
32
توافق بين الشرع والحكمة معلنا أن «الفلسفة صاحبة الشريعة واألخت
الرضيعة كالهما حق والحق ال يضاد الحق وإنما يؤيده ويشهد له» وكامتداد
لهذا الموقف التوفيقي يرى ابن خل دون أن مجال إدراك العقل هو المحسوسات
أما ما وراء المحسوسات كالغيبيات فال سبيل إل معرفته بالعقل بل يعرف
بالنقل.
وبذلك يرسم ابن خلدون حدودا للعقل معتبرا أنه من حيث ينتهي النقل
يبدأ العقل.
وتجدر اإلشارة إل أن المسلمين قد أخذوا عناصر من فلسفتهم من
مؤلفات أفالطون وأرسطو وكتاب التاسعات الفلوطين االسكندراني المنحول
واعتبروها بمثابة عقل كوني وكان غرض الخلفاء العباسيين وخصوصا
المأمون التحاكم مع خصومه عليه .لكن سرعان ما رأى الخصوم في نتائج
ذلك العقل الكوني كفرا وضالال معلنين شعار «من تمنطق تزندق» فهل
يمكن بعد ذلك اعتبار الصراع الفلسفي انعكاسا لصراع سياسي أعمق؟
األسئلة:
– 1قيل" :العقل يخير والشرع يجبر" ما رأيك؟
– 2هل يتناف المعقول مع المنقول؟
– 3هل يمكن التحرر من الفلسفة؟
– 4قيل" :ابتلع الغزالي الفلسفة فلم يستطع أن يهضمها وال أن يتقيأها"
كيف ذلك؟
33
التيارات الفلسفية الكبرى
(المثالية – المادية)
تصدير:
«الفكر امتداد خفي واالمتداد فكر ظاهري» اسبينوزا
« الوجود دالة الفكر ،فإذا كان الموضوع الجوهري للفلسفة هو إعطاء
تعريف للوجـــود فينبغي أن نبحث في الفكــر عن مبدأ هذا
التعريف» برونشفيك
«إن وجود الموجود هو أن يدرك أو يدرك» باركلي
«كل ما هو عقلي فهو واقعي وكل ما هو واقعي فهو عقلي» هيجل
« اعتقد العدد األكبر من أولئك الذين تفلسفوا ألول مرة بأن أصل
األشياء يوجد في شكل مادة» أرسطو
«المثالية هي وجهة نظر الروح المنفصلة عن الجسد» فيورباه
« ليس وعي الناس هو ما يحدد كيانهم بل عل العكس إن كسانهم
االجتماعي هو ما يحدد وعيهم» ماركس.
يطرح الفكر الفلسفي إشكالية جوهرية هي :إشكالية الفكر والواقع أو
إشكالية العقل والمادة ،وظل الفكر الفلسفي يتأرجح بين تيارين كبيرين يتأسس
أحدهما عل الفكر والثاني عل المادة ،فعل أي أساس يقوم هذا االختالف
بين هذين التيارين.
يقوم هذا االختالف عل أربعة عوامل تتعلق باألسبقية والتأسيس فما
هي تلك العوامل:
34
ب – مصدر المعرفة :أي هل يتوصل العقل إل معارفه بذاته؟ أم أن
كلما يتم معرفته ينبع من العالم الخارجي ويمر عبر التجربة؟.
إن الفيلسوف المثالي في تناوله لهذا اإلشكال يذهب إل أن ما نعرفه
عن العالم الخارجي متوقف عل إدراكنا له أو إدراكنا لكائن أسم منا ،أي
آن المثالي يرفض أي وجود موضوعي مستقل عن الفكر للعالم الخارجي،
وهو ما يؤمن به الفيلسوف المادي ،أي هذا الوجود الموضوعي المستقل عن
الفكر للعالم الخارجي.
ج -مصدر القيم :هل هي نابعة من ذواتنا وثابتة؟ أم أن مصدرها هو
الواقع االجتماعي؟
تلك أهم العوامل التي تحدد طبيعة أي نسق فلسفي من حيث النزوع
المادي أو المثالي ،والتي من خاللها يتجل أن هناك اتجاهين فكريين أساسيين
يتقاسمان تاريخ الفكر الفلسفي ،ويكتسي كالهما طابعا متعارضا مع اآلخر،
كما تؤكد هذه الثنائية أن تاريخ الفلسفة هو في الحقيقة تاريخ صراع بين
منهجين متناقضين لتغيير العالم قصد معرفة قوانينه .
فالمادي يعالج الظواهر من حيث ارتباطها وتفاعالتها المادية في
التغيير والتطور ويكشف عن الجوانب الداخلية المتضادة التي يشكل الصراع
فيها مصدر هذا التطور.
35
وقد كان القرن 37هو أول قرن شهد االهتمام بتضييق األنساق الفلسفية
إل نسق مادي وآخر مثالي ،كما كان "ليبنز" هو أول من استخدم كلمة
(مثالي) كمقابل لكمة مادي.
وقد كان أول من استعمل لفظ المثالية في اللغة الفلسفية فالسفة القرن
11خاصة "ليبنيز ،"Leibnizالذي جعل المثالي مقابال للمادي .ثم أطلقت بعد
ذلك عل مثالية "أفالطون "Platonلقوله بالمثل التي هي نماذج العالم الحسي
وصوره ،وأصوله ولها وجود مفارق في عالم خاص بها يسم عالم
المعقوالت وتسم المثالية الوجودية أو الموضوعية.
ثم أطلقت بعد ذلك في القرن 38عل مذهب باركلي الذي يطلق عليه
الالمادية .وتطلق المثالية عند كانط عل مذهب من يقول إن وجود األشياء
في المكان خارج الفكر أمر مشكوك فيه ،أو أمر ال يمكن البرهان عليه ،أو
أمر باطل ومستحيل).
36
وأول صور هذه المثالية مثالية ديكارت اإلشكالية التي ال تسلم إال
بوجود حقيقة واحدة ال يتطرق إليها الشك وهي «األنا».
وثاني صورة لهذه المثالية حسب كانط هي مثالية بركلي الوثوقية أو
القطعية التي تنكر وجود المكان أو وجود األشياء المحايدة المتعلقة به.
كما قد أطلق اسم المثالية عل مذاهب فلسفية أخرى كمذهب (فخته)
ومذهب (شيلنغ) ومذهب (هيغل) المسم بالمثالية المطلقة.
من هنا فإن المثالية تعني أن ال حقيقة إال للذات المفكرة وأن حقيقة
األشياء في قابليتها بأن تدرك عن العقول أو الذوات المفكرة ،كما أنها تعني
مختلف االتجاهات التي تسوي بين المعرفة والوجود عل اعتبار أنهما شيء
واحد ،ففيها الذات تسبق الموضوع والفكر يسبق الواقع ،والمثالي هو من
يربط وجود األشياء بإدراك الذات لها.
وقوله إذا أردنا أن نعرف شيئا معرفة مطلقة فالبد لنا أن نتحرر من
الجسد ،وأن ننظر إل الحقائق الواقعية نظرة الروح وحدها»(.)2
ومعن هذا أن المعرفة التي تأتي بها الحواس ليست معرفة يقينية،
وإنما هي معرفة ظنية تخمينية ألن موضوعها متغير .فالمعرفة هي معرفة
الحقائق التي ال تتغير ولذا بالنسبة ال فالطون فإن المعرفة اليقينية هي معرفة
العقل وحده وهي قسمان معرفة متأتية عن طريق الفهم وهي المعرفة
الرياضية وهي معرفة أقل يقينا من المعرفة المتأتية عن طريق العقل
الخالص أي معرفة المثل التي تمت بواسطة التعقل.
1
محاورات -افالطون
2
-نفس المصدر السابق
3
-نفس المصدر السابق
38
ويشكل القول في الثنائية في كل شيء السمة المميزة لمثالية أفالطون
سواء عل المستوى االنطلوجي؛ عالم علوي معقول ،عالم سفلي محسوس،
أو عل مستوى اإلنسان :روح وجسد ،فكر ،ومادة ،أو عل مستوى
ابستمولوجي :معرفة ظنية محسوسة ،ومعرفة ظنية معقولة.
1
-الفكر اإلسالمي والفلسفة الكتاب المقرر من سادسة مغربية.
39
-األفكار الفطرية :وهي ال تستقي من التجربة الحسية ،وال تنشأ
من التركيب الخيالي ،وتتميز بالوضوح والبساطة ،وهي قبلية
ال عالقة لها بالتجربة(.)1
ويخلص ديكارت في هذا اإلطار إل أن األفكار أوضح من األشياء(.)2
مدفوعا إل ذلك بإعجابه بدقة ووضوح وتقنية الرياضيات ،وكذلك
اعتقاد أن المعرفة تبدأ بالعقل الحتوائه عل األفكار الفطرية.
فهو يرى أننا ال ندرك األشياء إال كإحساسات يقول« :لست أدري إن
كان لغيري تلك القوة العجيبة ،قوة تجريد المعاني ،أما أنا فأجد أن لي قوة
تخيل معان ي الجزئيات التي أدركتها ،وتركيبها وتفصيلها عل أنحاء مختلفة
...ولكن يجب عل كل أن يكون لها شكل ولون».
1
-نصوص الفلسفة في الباكلوريا ،الجزء األول ،المعهد التربوي الوطني.
2
-الفكر اإلسالمي والفلسفة ،الكتاب المقرر.
3
-نفس المرجع السابق.
40
إذن ليس الوجود إال أفكارا فما ندركه موجود وما ال ندركه غير
موجود.
1
-ما هي الفلسفة ،د .حسين علي.
2
-نفس المصدر ،ص .338
41
« كل معرفة لألشياء نستخلصها من الذهن أو من العقل الخالص فحسب ،ليس
إال وهما ،فالحقيقة ال توجد إال في التجربة»(.)1
من هنا يظهر أن مثالية كانط من نوع خاص جدا فهي إن اتفقت مع
المثالية التقليدية في جانب فإنها تختلف عنها في جانب وعن ذلك يتحدث كانط
«لما كانت الحواس ال تدرك أبدا األشياء في ذاتها ،بل ظواهرها فقط ،ولما
كانت هذه الظو اهر هي مجرد تمثالت للقوة الحاسة ،فإن المكان وكذلك
األجسام التي يحتويها هي بالضرورة مجرد تمثالت فينا فال وجود لها إال في
فكرنا».
ويتساءل أليس هذا بصراحة ما نسميه مثالية؟
ويستطرد قائال« :يؤكد المذهب المثالي أنه ال وجود لكائنات أخرى
غير الكائنات العاقلة ...أما أنا فأقول عل العكس توجد موضوعات
محسوسة وخارجة عني وهي معطاة لنا ولكننا ال ندري ما يمكن أن تكون
()2
عليه في ذاتها ،إننا ال نعرف غير ظاهرها»
إذا كان كانط قد اختلف عن المثاليات السابقة فإنه قد انتقد أيضا المادية
وخاصة دافيد هيوم الذي ينكر وجود روابط تربط أجزاء الواقع ومعطياته
الحسية ،وليصل كانط إل هذا الموقف المتجاوز للطر حين السابقين قام
بتحليل ملكة المعرفة انطالقا من موقفه المبني عل أن المعرفة موجودة وأن
المطلوب هو تحديد حدودها الفعلية( ،ماذا يمكنني أن أعرف؟) .فميز وصوال
إل هذه الغاية بين نوعين من األحكام ؛ أحكام تحليلية تزيد المفاهيم وضوحا
في الذهن ولكنها ال تزيد العلم –أحكام تركيبة قبلية وهي أساس العلم
والمعرفة وتحليلها يبين أن المعرفة تتكون من مادة وصورة ،فالمادة هي
معطيات الحس ،والصورة هي العقل أو الفكر وتتحدد حدود المعرفة بحدود
التعاون والتالزم بين هاتين المسألتين وتبدأ عملية المعرفة بعمل أول قوة في
الذهن وهي الحساسية.
الفهم :وهو الملكة الثانية في الذهن ويعرف بأنه قدرتنا عل التفكير في
مواضيع الحساسية ويقوم عل تمييز التشابه والتناقض وخلق االرتباط
الموضوعي بين أجزاء الواقع ،فالفهم هو تفسير للظواهر وإعادتها إل
ظواهر أخرى ،ولهذا قيل عنه بأنه عل عكس الحساسية حكم موضوعي
بموجبه ترتبط الحدوس الحسية ببعضها البعض عن طريق مقوالت العقل
مثل :الوحدة والكثرة والقلة...
فالفهم يعمل في حدود الحس ألنه في رأي كانط «ال حدس إال الحدس
الحسي».
وهذا ما جعل كانط يفترض تالزما ضروريا بين معطيات الحس
ومعطيات الذهن يقول (كانط)« :الحدوس الحسية بدون مفاهيم عمياء
والمفاهيم بدون حدوس حسية جوفاء».
وجعله أيضا يميز بين مستويين للوجود :وجود لذاتنا ووجود لذاته.أي
الشي ءف ظاهره والش ءف ذاته.
العقل الخالص :وهو الملكة التي بحث في المواضيع الميتافيزيقية والتي
تعمل منفصلة عن الحس والتفكر في الشيء ذاته .هذا التفكير الذي ينتهي إل
التناقضات.
ولكل هذه األسباب ونتيجة للتميز الحاسم بين مثالية كانط وغيرها من
المثاليات األخرى يطلق عل مثاليته اسم المثالية النقدية ،والنقد عند كانط هو
نقد العقل المجرد وتفنيد الدليل العقلي الخالص الذي ال يستند إل الوجود
الحسي والخبرة الحسية ،إن النقدية الكانطية تنقد العقل المجرد بإظهار أن
البرهان العقلي الخالص يوقعنا دائما في نقائض.
43
«لقد قدم (كانت )Kantخدمة كبرى إل الفلسفة حين أشار إل
متناقضات العقل ،ذلك ألن التعرف عل هذه المتناقضات قد ساعد إل حد
كبير في التخلص من صرامة الفهم الميتافيزيقي ،كما ساعد في لفت األنظار
إل حركة الفهم الجدلية ،ومع ذلك فالبد من أن نضيف أن كانط لم يتجاوز
قط حدود النتيجة السلبية ،وهي أن الشيء في ذاته ال يمكن معرفته ،دون أن
يستكشف ما تعنيه التناقضات من الناحية اإليجابية .وهذه الناحية اإليجابية
هي :أن كل ما يوجد وجودا فعليا يتضمن في جوفه عناصر متناقضة في آن
واحد ،وبالتالي فإن معرفته تعني إدراكه كوحدة حتمية من التعينات
المتناقضة»(.)1
من هنا يبدو أن طبيعة المعرفة عند هيغل عقلية وليس ثمة سوى
العقل ،والمعيار في التمييز بين األنواع المختلفة لنشاط العقل هو الموضوع.
فإذا انصب نشاط العقل عل موضوع حسي يسم إدراكا ،وإذا انصب عل
تصور ذهني كان تخيال مما يعني أن العقل عند هيغل يمر بمراحل في إدراكه
لألشياء وفقا لعالقة الذات بالموضوع :مرحلة مباشرة إيجابية ،مرحلة ثانية
معارضة أو سلبية لألولي – مرحلة ثالثة هي مرحلة الجمع بين المرحلتين
السابقتين أي أن العقل عند هيغل يمر بـ:
1
-د .حسن علي مرجع سابق
44
ج – مرحلة الفهم :إن تناقض الموضوع مع نفسه حيث إنه واحد وهو
أيضا كثير أي جزئي وكلي غير أن عنصر الكلية هنا يعني الكلية الحسية
(بيضاء -صلبة – مكعبة )...وهي كلية مشروطة ولكن وجودها يفرض عند
هيغل وجود كليات غير مشروطة هي الكليات العقلية .
- 2مرحلة الوعي الذاتي :لم تكن تعني مراحل الوعي المباشر (الوعي
الحسي – اإلدراك الحسي – الفهم) إال المرحلة األول من مراحل المعرفة
الهيغلية والتي يتم االنتقال منها إل مرحلة الوعي الذاتي والتي تعني أن
الكليات العقلية غير المشروطة التي تمثل حقيقة الشيء ما هي إال مكونات
للعقل أو مجموعة من األفكار العقلية أي أنها ليست سوى (الذات) في الواقع.
والذات ليست سوى الفكر ومن ثم فإن الموضوع ليس سوى الفكر ،والذات
في رحلة اكتشافها حقيقة الموضوع لن تجد ببساطة سوى نفسها فهي حين
تعي األشياء ال تمارس سوى وعي ذاتي.
45
ففي الوعي المباشر يضع العقل الموضوع كقضية (إثبات) ،وفي
الوعي الذاتي يضع الذات كنقيض للموضوع (نفي) ،أما المرحلة الثالثة ينفي
النفي السابق ليكون أمام التركيب.
فالعقل دوما يسير عبر هذه الحركة الثالثية (اإلثبات – النفي – نفي
النفي) فالفكر يطرح أطروحة يقوم في مقابلها نقيض ثم يرتفع إل التركيب
(نفي النفي) الذي يصبح بدوره قضية تستدعي نقيضها ثم تركيبا جديدا ،وهو
ما ينتهي عبره الشيء في ذاته عند كانط .Kant
من هنا جاء اعتبار هيغل Hegelالوجود خاضعا للصيرورة التي هي
حالة االنتقال المستمر بسبب وجود التناقض الذي يتم حسب القانون الهيغلي
(إثبات – نفي – نفي النفي) ،وقد طبقه عل الجغرافيا والتاريخ فاعتبر
األرض مكونة من ثالثة أنواع من التضاريس :الجبال والوديان والبحار ،كما
اعتبر أن التاريخ مر بثالث مراحل هي :المرحلة الشرقية والمرحلة اليونانية
والمرحلة الحديثة.
األسئلة:
– 1ما هو المعيار الذي يقسم الفكر إل مثالية ومادية ؟
– 2لماذا نحن أمام مثاليات متعددة ولسنا أمام مثالية واحدة؟
– 3ما المقصود بالمثالية الموضوعية؟
– 4لماذا سميت مثالية باركلي بالالمادية؟
– 5عل أي أساس يمكننا القول إن هيغل بدأ من حيث انته كانط؟
46
تطلق المادة في اللغة عل كل شيء يكون مددا لغيره ،ومادة الشيء
أصوله وعناصره التي يتركب منها حسيا كانت أو معنوية كمادة البناء ومادة
البحث.
والمادة فلسفيا :هي الجسم الطبيعي الذي نتناوله عل حاله أو تحوله
إل شيء آخر لغاية معينة( )1وفي االصطالح األرسطي هي المعن المقابل
للصورة ...وتدل إما عل العناصر غير المعينة التي يمكن أن يتألف منها
الشيء أي إمكان محض (مادة أول أو هيول ).
أو تدل عل المعطيات الطبيعية والعقلية المعينة التي يعمل الفكر عل
إكمالها وإنضاجها.
وبالمعن الديكارتي مقابلة للصورة ،من جهة وللفكر من جهة أخرى،
ويرجع التقابل بينها وبين الصورة إل أن الجسم مؤلف من شيئين :شكله
الهندسي وهو صورته ،وجوهره وهو مادته ،أما التقابل بينها وبين الفكر
فيعود إل أن المادة كتلة طبيعية ندركها بالحدس الحسي لوجودها خارج
العقل ،في حين أن الفكر شيء داخلي مجرد عن المادة ولواحقها.)2(..
أما كانط فإنه يطلق المادة عل معطيات التجربة الحسية من جهة ما
هي مستقلة عن قوالب العقل .كمادة الظاهرة عنصرها الحس ،أما صورتها
فهي العالقات التي تضبطها وتنظم حدوثها.
ويتحدد التيار المادي باعتباره المذهب الذي يفسر كل شيء باألسباب
المادية ،ويطلق في علم ما بعد الطبيعة عل مذهب الذين يقولون إن المادة
وحدها هي الجوهر الحقيقي الذي به تفسر جميع ظواهر الحياة ،وجميع
أحوال النفس وهو بهذا المعن مقابل للمذهب الروحي ،الذي يثبت وجود
جوهر مستقل عن المادة هو الروح.
وفي علم النفس يعني المذهب المادي القول بأن جميع أحوال الشعور
هي ظواهر ثانوية ناتجة عن الظواهر الفسيولوجية المقابلة لها.
ومن هنا يبدو أن مشكل التعريف الذي طرح كإشكال لدى التيار
المثالي يطرح أيضا في التفكير المادي ،وتصوره للكون واإلنسان ،والمجتمع
1
جميل اصليبا ج .2 -المعجم الفلسفي
2
-نفس المرجع
47
والتاريخ والمعرفة ،ورغم وحدة المنطلقات فإن االتجاه المادي يصنف إل
ماديات:
1
جميل اصليبا ج .2 -المعجم الفلسفي
2
-نفس المرجع
48
وخالصة القول إن الفلسفة اليونانية القديمة تمكنت فيها ومنذ لحظة
ميالدها النزعة المادية حت وإن طبعت المادية اليونانية القديمة بطابع تأملي،
مع أن ذلك ال ي نفي أن المادية اليونانية قد استطاعت مع ديموقريطس أن
تحدس حقيقة الكون العتباره يتركب من ذرات وهو أمر أكده تطور العلوم
فيما بعد.
1
وزارة التربية التونسية -هللا الوجود اإلنسان
49
وقد تابع جهودهم الفيلسوف األلماني فيور باخ الذي اعتبر المادة أساس
الوجود( ،)1واعتبر الفكر مجرد حركة المادة الميكانيكية .
ويمكن القول بأن المادية الجدلية فلسفة ومنهاج وممارسة ،وهي تؤسس
فلسفتها عل مقوالت هي:
-المادة
-الحركة
-التناقض
-الممكن والواقعي
-الشكل والمضمون
وهذه الفلسفة تقوم عل منهج مؤسس عل ثالثة قوانين هي:
– 1قانون وحدة المتناقضات وصراعها
– 2قانون التحول من الكم إل الكيف والعكس.
1
-نفس المرجع
-2
الفكر اإلسالمي والفلسفة المغرب
-3
نفس المرجع السابق
52
– 3قانون نفي النفي.
ويعني القانون األول :أن التناقض يوجد داخل الشيء الواحد ،وأن
أشياء العالم تتألف كلها من متناقضات ،سواء منها المواد الجامدة أو الحية أو
الهيئات االجتماعية ،وهذا التناقض هو أساس كل تطور ونمو يقول لينين:
«إن النمو هو صراع األضداد»( ،)1وهذا التناقض ينقسم إل تناقضات داخلية
تتم داخل الشيء الواحد ،وخارجية مع المحيط الذي يوجد فيه وأشيائه.
كما يعني هذا القانون ظهور شيء جديد من صلب القديم ليحل محله،
دون أن يعني ذلك محو القديم بكل جوانبه السلبية وااليجابية.
في حين يعني القانون الثالث :أن التطور يسلك خطا صاعدا بمعن أنه
يسير من أدن إل أعل ،وهو المحدد لالتجاه العام لتطور العالم المادي
واالجتماعي ،فنفي النفي يعني ظهور شيء جديد من صلب القديم ليحل محله
جديد آخر ،أي أن الجديد الثاني ينفي الجديد األول دون أن يكون ذلك يعني
محو القديم بكل جوانبه السلبية واإليجابية .بل إنه في كل شيء جديد شيء من
القديم ،وهو ذاك الشيء الذي يعيق حركة التطور ،من هنا كان نفي النفي ال
1
د /جميل صلبا -تاريخ الفلسفة الغربية
2
-دروس في تاريخ الفلسفة مرجع سابق
53
يعني الدوران في حلقة مفرغة أو التكرار بل يعني نموا مطردا وتقدما
مستمرا.
األسئلة:
– 1هل يمكن القول بأن كل النزاعات المادية أخذت من المادية
اليونانية ؟
– 2ما اإلضافة التي أضافتها المادية الميكانيكية؟
– 3ما األسس المؤثرة في المادية الجدلية؟
54
الوضعية
أنكر الفالسفة الوضعيون الفلسفة التقليدية التي يهتم أصحابها بالكشف
عن مجاهل الوجود ومعرفة أسراره الخفية والتعرف عل حقيقة الموجودات
وكنه األشياء وفهم النفس البشرية ،ولم تعترف هذه الوضعية بشقيها
الكالسيكي والمعاصر بغير الواقع المحسوس الخاضع للمالحظة والتجربة،
وقد أعلن زعيمها (أ .كونت) رفضه للميتافيزيقا بقضها وقضيضها كما
رفضها أصحاب الوضعية المنطقية المعاصرة كذلك.
1
هنري أيكن -عصر األيديولوجيا
55
هذا الفيلسوف كان يهدف إل غرس عقلية ال تفكر باصطالحات غير
علمية ،وترفض قضايا الالهوت والميتافيزيقا بكل بساطة فهو ال يقبل أية
قضية باعتبارها صادقة ما لم يمكن التأكد منها بمناهج العلوم.
ال يحاول الوضعيون البرهنة عل نسبية المعرفة بتحليل العقل ونقده بل
يبرهنون عليها بما توهموه تاريخا للعقل فيرى (كونت) أن العقل البشري مر
بثالث مراحل أو ثالثة أدوار ،وهذه المراحل هي:
-المرحلة الالهوتية
-الميتافيزيقية
-الوضعية.
56
التعددي ،فيبدأ تصور «اآللهة» وكأنها قوة خفية تتحكم بجميع أصناف
الظواهر .
أما القسم الثالث :فهو طور التوحيد ويكون بضم القوى بعضها إل
بعض بصيغة رئيس موحد لآللهة ينظر إليه عل أنه خالق الكون ومدبر أمره
مباشرة أو عن طريق وكالء في المرتبة دونه يطيعون أوامره( )1أما المرحلة
الثانية فهي المرحلة الميتافيزيقية وفيها يظل العقل يبحث كنه الموجودات
وأصلها ،ولكنه يرتقي فيتخل عن الكائنات غير المرئية ،ويرد الظاهر إل
علل مجردة خفية يتوهمها في با طن األشياء وبهذا يكون العقل خالف الدور
الالهوتي في كونه أحل المجرد مكان المشخص.
1
هنري أيكن -عصر اإليديولوجيا
57
وهذه المرحلة ما هي إال نظرية في المعرفة يقدمها (أ .كونت) ،وهي
تجريبية بالمعن األعم لهذا االصطالح ،فهو يرى أن التفكير العلمي كله ملزم
بقبول اختبارات المالحظة كشواهد قاطعة عل صحة أية فرضية ،ويمكن أن
تظهر مرحلتان في حقيقة زمنية واحدة .وينبغي أن تفهم الظواهر المفردة عل
أنها جزء من أصناف كاملة تضم الظواهر المماثلة ،وإذا كانت العالقات التي
تصفها نظرية علمية ما عالقات وجود فإن كونت يسمي عندئذ النظرية قانونا
«سكونيا» (استاتيكيا) ،وإذا كانت عالقات تعاقب أو استمرار فالقانون
«حركي» (ديناميكي).
يرى (كونت) أن هذين المستويين ضروريان للعلم ،وأن أيا منهما ال
يفضل اآلخر بشيء .ومع هذا فإن (كونت) اليقبل بوحدة العلوم كمثل أعل ،
وهو لم يكن من أنصار اإلرجاع ،فكان يعارض أي تصنيف يسع إل رد
علم االجتماع إل علم األحياء ،أو علم األحياء إل الفيزياء ،ويرى أن الفرق
بين العلوم يتعلق فقط بمجاالتها أو التعميم في قوانينها ،فالتجربة تكشف عن
تنوع كبير في أنماط متمايزة من الظواهر التي تختلف من حيث التعقيد
ويتطلب شرحها أو إيضاحها عددا من النظريات.
إن وحدة العلم التي يسع إليها (كونت) هي الوحدة المنهجية ،وهي
التزام مشترك من طرف الباحثين العلميين بالمنطق وباختيارات المالحظة
والتجربة.
58
وأخيرا تجدر اإلشارة إل توضيح في فلسفة (أ .كونت) ،وهو أنه في
كتاباته األخيرة صار يعتبر فلسفته تقدم األساس من أجل «ديانة إنسانية »
جديدة زعم أنها وحدها التي تالئم عقلية الناس في عصر العلم ،ذلك أن الديانة
التقليدية تتطلب قبول اعتقادات الهوتية غير علمية والديانة الجديدة التي يبشر
بها فهي ديانة إنسانية تقدمية متنورة تكرس نفسها بدون أنانية لمبادئ محبة
الغير وخدمته.
وقد قيل :إن (كونت) لم يقنع بإعالن ديانته الجديدة بل اندفع يزينها
بطقوس متقنة جعلتها موضع سخرية نقاده(.)1
ولنا أن نستغرب ما جعل (كونت) يأتي بديانة جديدة ،ما الذي يدفعه إل
ذلك؟ لقد تبين له بدون شك أن لإلنسان اهتمامات أكبر ،وأنه يدرك بفطرته،
الحاجة إل التعلم بما هو فوق الواقع وبعيدا عن الحس.
وهي اتجاه فلسفي يهدف إل هدم الفلسفة حين أقصر أتباعه وظيفة
الفلسفة عل تحليل اللغة تحليال منطقيا ،وقد رد الوضعيون المناطقة كل ألوان
المعرفة العلمية إل الخبرة الحسية واستبعدوا كل ما ال يمكن التثبت من
صحته بالتجربة متأثرين بذلك بالوضعية الكالسيكية.
1
هنري أيكن. -عصر األيديولوجيا
59
المنطقي وهذا ال ينفي القول بأن هذه الوضعية تهدف إل وضع فلسفة علمية
جديدة.
وينص تقريرها الرسمي عل أن من أهدافها الرئيسية؛ وضع أساس
قوي للعلم ،والبرهنة عل أن قضايا الميتافيزيقا ال تحمل معن يمكن أن يحكم
عليه بالصواب أو الخطأ ومن ثم ينبغي رفضها واالكتفاء بالقضايا التي يمكن
التثبت من صحتها منطقيا أو تجريبيا.
1
المغرب. -الفكر اإلسالمي والفلسفة
60
ومن أجل وضع حد للذاتية اشترط الوضعيون المناطقة أن يتم التحقق
عل يد مالحظين عل األقل حيث يكون معيار الصدق أو الكذب هو اتفاقهما
أو اختالفهما.
– 2رفض الميتافيزيقا:
– 3أصناف القضايا:
إذا كان الوضعيون يرجعون جميع القضايا سواء كانت فيزيائية أو
رياضية أو فلسفية إل اللغة ،واعتبروها قضايا لغوية في األساس قابلة
للتحليل المنطقي فإنهم عند تحليلهم للقضايا المختلفة يميزون بين ثالثة أنواع
من القضايا:
ونخلص مما تقدم أن هذه الوضعية المعاصرة ليست اقل عداوة للفلسفة
من الوضعية الكالسيكية لكن اختزال الفكر البشري في مجال واحد
كالرياضيات أو الطبيعيات هو انتقاص لهذا الفكر ،ثم إن التصورات التي
شهدها العلم في مجال الفيزياء والرياضيات يطرح إشكاالت جديدة تفرض
مراجعة التصورات القديمة المتعلقة بمفاهيم المنهج التجريبي كالمالحظة
المباشرة والحتمية والقانون ،وتلك المتعلقة بطبيعة المكان هل هو مستو؟ أم
يمكن أن يكون محدبا مقعرا أم كرويا؟ األمر الذي ستكون له انعكاساته عل
مستوى النتائج المتوصل إليها ،هل هي صحيحة؟ هل تمثل الحقيقة كما هي أم
النسبية والالتعين هما ذروة ما توصل إليه الفكر اإلنساني في القرن العشرين؟
ومن ثم فال مسوغ لرفض الميتافيزيقا.
1
المغرب. -الفكر اإلسالمي والفلسفة
62
األسئلة:
– 1هل يمكن اعتبار قانون الحاالت الثالث قانونا علميا ؟
– 2هناك من يرى أن (كونت) استوح مراحل قانون الحاالت
الثالث من هيغل ،ما رأيك؟
– 3ماذا يعني أ .كونت بقوله" :إن وحدة العلوم هي الوحدة
المنهجية"؟
– 4هل بإمكان اإلنسان التخلص من التفكير الميتافيزيقي كما تذهب
إل ذلك الوضعيتان؟
63
الوجودية
الوجودية ا تجاه غايته تحديد الوجود بصفة عامة والوجود اإلنساني
بصفة خاصة ونستخلص من هذا التعريف أن الوجودية نزعة إنسانية من أهم
ممثليها "سارتر" و"كيركجارد" ويعتبر هذا األخير مؤسسها بما هي فلسفة
مناقضة للمثالية عند هيجل ورغم أن كالهما ينطلق من فكرة أن التناقض هو
قوام الوجود لكن إذا كان هيجل يرى أن التناقض موصل جدليا إل مرحلة
ثالثة هي مرحلة التأليف يرى كيركجارد أن التناقضات المؤلفة للحياة اليومية
تبق قائمة وال يمكن تجاوزها وشعور اإلنسان بالتناقضات في واقعه المعيشي
هو علة قلقه ذلك القلق المؤسس للفكر والذي هو شرط الوعي مع جان بول
سارتر.
66
األخص ياسبرس ال يزالون يخضعون خضوعا قويا لتأثير بعضهم وعل
النزعة المثالية.
وهكذا فإن الوجودية تظهر من منعطف االتجاهين الكبيرين الذين قاما
بقطع صالت مع الفكر السائد في القرن التاسع عشر الميالدي كما أنها متأثرة
في نفس الوقت بحركة أخرى مميزة للفلسفة الغربية في القرن العشرين
الميالدي أال وهي الفلسفة الميتافيزيقية.
والسمة المشتركة بين مختلف الفلسفات الوجودية في القرن العشرين
الميالدي هي أنها جميعا ابتدأت من تجربة حية معيشة تسم تجربة
الوجودية .ومن الصعب تعريفها تعريفا دقيقا وهذه التجربة تختلف من
فيلسوف آلخر من هؤالء الوجوديين.
وهكذا فإن تلك التجربة تأخذ في حالة ياسبرس شكل إدراك هشاشة
الوجود وهي مع هيدجر شكل التجربة السر باتجاه الموت .وفي حالة سارتر
تجربة الغثيان وال يخفي الوجوديون أبدا أ ن فلسفتهم نشأت من تجربة من هذا
القبيل.
األسئلة:
– 1هل تنحصر حقيقة اإلنسان في رأي مذهب ما؟
– 2هل يمكن اعتبار الوجود هو الالمفكر فيه وما لم يفكر فيه فقط؟
– 3ما الفرق بين الوجود والموجود"؟
– 4هل تنشأ الفلسفة عن القلق؟
– 5أيهما سابق عل اآلخر الوجود أم الماهية؟
- 6هل تحد المسؤولية من حرية الفرد؟
68
البنيوية
– 1تمهيد:
إ نه من الصعب إيجاد ميزة للبنيوية ،ذلك أنها ارتدت أشكاال كثيرة
التنوع ال تسمح بتقديم قاسم مشترك ،وأن البنيات المعروفة اكتسبت معان ي
تزداد اختالفا في العلوم المعاصرة والنقاشات الجارية بين البنيويين أنفسهم
ال في الفلسفة وحدها ،بل في االتجاهات الفكرية األخرى التي حاورتهم
وأخذت منهم وشككت في أسس مناهجهم ،وسبيال إل تجاوز هذا الوضع
اإلشكالي ،يجدر بنا منهجيا أن نحدد مصطلح البنيوية عل المستوين
االشتقاقي واالصطالحي.
المعنى االشتقاقي:
البنيوية مشتقة من كلمة بنية ) (structureاآلتية من الالتينية ،بمعن
بن ،أي ركب وأنشأ ،وقد استعملت كلمة البنيوية في البيولوجيا ،حيث
اعتبرت العضوية الحية كبنية يستحيل عزل إحدى وظائفها دون تغيير
مجموعة العضوية ،واستعملت البنيوية في السيكولوجيا مع المدرسة
الجشطالتية
في دراستها لإلدراك ،حيث اعتبرته بنية ال يهتم فيها باألجزاء إال في
مرحلة الحقة من اإلدراك ،حيث الكل هو الذي يفرض نفسه ،كما تتداخل مع
مصطلح بنية مجموعة أخرى من المصطلحات ،كالدعامة والنظام والنسق
والمنظومة.
أما أول ظهور لمصطلح بنية ،فكان في سنة 3323في مؤتمر اللغويين
"ببراغ".
المعنى االصطالحي:
تعتبر البنيوية تيارا فلسفيا وإن كان جل أقطابه في مختلف الميادين
يرفضون اعتبار أنفسهم فالسفة ،أما التصور الخاص للبنيويين عن طبيعة
69
األشياء ،فهو أن كل شيء مهما كان هذا الشيء له بنية ،تشكل نسقا من نظامه
الخاص ،وتركيبه الذاتي ،وانسجامه الداخلي وقوانينه التي تضبطه وتسمح
باستمراريته( ،)1أما المنهج الذي تبناه البنيويون ،والذي يسم عادة بالمنهج
البنيوي ،فهو الذي يحاول الكشف عن القوانين الداخلية التي تخضع لها بنية
األشياء ويعمل عل االنطالق من البنية باعتبارها نسقا معط ال يهتم بماضيه
أو مستقبله ،وما يمكن أن يطرأ عليه من تغيير ،بل يهتم بالبنية كماهية معطاة
في لحظة الدراسة ،إال أنه تجب اإلشارة إل أن التيار البنيوي المعاصر ليس
تيارا متجانسا ،حيث نجد اختالفا إل درجة التمايز بين أقطاب البنيوية جعلت
بعضهم يرفض االنتساب إل البنيوية مثل الفيلسوف الفرنسي "لوي آلتسير"،
ولتوضيح هذه الفكرة نقول إن هنالك اختالفا بين البنيويين في كل مجال ،مثل
االختالف الموجود في اللسانيات بين بنيوية "تربوتسكوي" ،و"جاكبسون"،
ومثلهم "فيردناند دسوسير" ،وبين البنيوية التحويلية ،أو المدرسة التوليدية
ل"شومسكي" و"هاريس" ،كما أن هنالك اختالفا بين بنيوية "راد كليف
بروان" ،و"وكلود لفي شتراوس" في مجال االنتربولوجيا ،وفي حقل الفلسفة
هنالك اختالف بين "لوي آلتوسير" و "ميشل فوكو".
وعل العموم يمكن تقسيم البنيوية إل ثالثة تيارات هي:
-بنيوية وظيفية
-بنيوية صورية
-بنيوية تكوينية.
وهنالك اختالف في تصورات هذه التيارات الثالثة وطرق البحث التي
تتبعها ،فالبنيوية الوظيفية ،والتي يمثلها في السوسيولوجيا األمريكيان
"النررشفلد" "برسانس" نجدها تتصور رغم أخذها بفكرة الكلية والنسقية،
وعدم فصل عنصر ما عن بنيته ،بنية الظاهرة التي تدرسها تصورا تجريبيا
باعتبارها معطاة في التجربة ،والواقع المحسوس ،وبهذا المعن يمكن إدماج
"راد كليف بروان" الذي يرفض القول بوجود البنية خارج ما هو معط في
1
-الفكر اإلسالمي والفلسفة مرجع سابق.
70
الواقع في إطار بنيوية تجريبية ،كما يمكن إدماج "ماليونو فسكي" الذي
ير فض الفصل بين البنية ووظيفتها في إطار بنيوية وظيفية.
أما البنيوية الصورية فترى عل العكس من التجريبية الوظيفية أن
الدراسة العلمية ألية ظاهرة يجب أن تفصل بين البنية كمجموعة من العالقات
وبين الوظيفة –أي مضمون تلك العالقات -كما ترفض البنيوية الصورية
اعتبار البنية معطاة في الواقع التجريبي ،وأنه من الممكن مالحظتها ومن ثم
تقول بأن البنيات والتشكيالت المختلفة الموجودة في الواقع ما هي إال
تعبيرات مختلفة عن واقع خفي ،هو الحقيقي وإذا ما عرفناه نستطيع تفسير
مختلف البنيات ،وهذا الواقع الخفي هو ما يسميه "كلود لفي شتراوس"
(بالالشعورية البنيوية) ،ويمثل البنيوية الصورية في اللغة "دي سوسير"
و"جاكبسون " ،وفي علم النفس "جاك الكان" وفي الفلسفة "آلتوسير"
و"غودلييه" و"ميشل فوكو" وفي األنتربولوجيا "كلود لفي شتراوس" والذي
يعتبر ملهم جل البنيويين المعاصرين.
أما فيما يخص البنيوية التكوينية ،ويمثلها "لوسيان كولدمان" للدراسات
األدبية واالجتماعية ،و"جان بياجي" في مجال علم نفس الطفل فإنها تفرض
الفصل بين البنية والوظيفة ،وتؤكد عل الطابع التحويلي الذي يتغير بتغيير
المعطيات والشروط البيئية ،من ثم ال ترفض البنيوية التكوينية التاريخ،
بمعن أن البنية تتطور وتنمو وتتحول.
أصول البنيوية:
71
مصدرا من مصادر البنيوية التكوينية ،وإذا كانت الوظيفية تربطها بالفلسفة
الوضعية أكثر من رابطة ،خاصة في نزعتها التجريبية ،فإن بنيوية "لفي
شتراوس" الصورية تبدي عداء شديدا للوضعية التجريبية ،وعل العموم فقد
أخذت البنيوية مفهوم البنية من البيولوجيا ،وعل الخصوص السيكولوجيا
الجشطالتية ،والدراسات اللغوية المعاصرة ،فأخذت عنها التناسق والتنظيم،
واالنسجام ،والوحدة الداخلية ،والترابط بين مختلف عناصر البنية العضوية.
وللبنيوية عالقة عضوية بالرياضيات التي استلهم منها البنيويون وعل
رأسهم "لفي شتراوس" طريقتها في التفكير (فرضية استنباطية) ،وبالنسبة
للفيزياء أخذت منها البنية درسا هاما ،وهو طرح الواقع التجريبي المعط
والبحث عن البنيات الخفية في الظواهر ،إل جانب ما سبق نجد أن هناك
عالقة بين البنيوية والدراسات االبستمولوجية المعاصرة ،فأخذوا مثال مفهوم
القطيعة االبستمولوجية "لباشالر" التي تعبر عن االنتقال من األيديولوجيا
والفلسفة كمرحلة قبل علمية إل مرحلة تأسيس العلم.
72
– 1نطلق عل ظاهرة ما اسم بنية عندما تكون عناصر تلك الظاهرة
مترابطة فيما بينها ،بحيث تشكل أنظومة أو نسقا تحكم العالقة
فيما بين عناصره قواعد محددة.
– 2إن أي تحول في عنصر ما ينعكس عل باق العناصر ،بحيث
يعطي نموذجا يشكل في حد ذاته بنية لها قواعدها ،ويترتب عل
ذلك أن هنالك عددا من البنيات بقدر عدد التحوالت التي تطرأ
عل البنية األصلية والبنية المرجعية.
– 3ويترتب عل ما سبق أننا نستطيع التنبؤ بما سيطرأ عل بنية حين
يحدث تغير في أحد عناصرها.
– 4إل جانب ذلك يشترط في البنية التي يضعها الباحث كنموذج
للتفسير أن تكون شاملة للوقائع المالحظة ،وعل األقل في
الجوانب األساسية للظاهرة المدروسة.
74
إن تصور "لفي شتراوس" عن العقل البشري بهذا الشكل باعتباره ال
متغيرا وال زمانيا ،ومماثال لذاته في كل لحظة وحضارة –الذي ال يتأثر
بظروف المجتمع أو النشاط السيكولوجي -هذا العقل يذكرنا عل حد تعبير
"جان بياجي" بمثل أفالطون وجواهره الثابتة ،والتي ال تتأثر بالعالم
المحسوس.
أما من الناحية اإليديولوجية فإننا نالحظ تطرف البنيويين في ادعاءاتهم
التي تعتبر التحليل البنيوي يسجل نهاية لإليديولوجيات ،وتأسيسا لمنهج علمي
صارم ودقيق ،بعيدا عن تأثر الذات وميولها ،بل إن البنيويين يرون أن ال
دخل للوعي ما دام المنطق الالشعوري هو الذي يوجه كل نشاط وسلوك،
وفعالية اإلنسان في أي نشاط ،ومن ثم أعلنوا نهاية الذات اإلنسانية ،إال أننا
نرى عل حد تعبير "جان بياجي" (إن وجود البنيات هو بحد ذاته بنيتها
وإنشاؤها) أي دليل عل وجود الذات البانية ،ومن ثم فإن اعتبار الذات البانية
خاصة في مجال الفن الذي يعتبر تكسيرا لكل ما هو مألوف كما قال "لوي
آلتسير" مجرد أسطورة ال ينم في حقيقة األمر إال عن نزعة تكنوقراطية
وجبرية جديدة ،ذلك أننا ال نستطيع تصور وجود مسرح دون كاتب.
إن رفض البنيويين للتاريخ ،وفصلهم للبنيات عن الممارسة العملية
يجعل البنيوية صورة جديدة للفلسفة اإليلية ،كما صاغها "بارمنيدس"
و"زينون االيلي" الذي أنكر كل حركة ،كذلك بالنسبة لرفض البنيويين للفلسفة
باعتبارها خطابا ايديولوجيا (قبل علمي) ،وإن هذا الرفض ال يكفي إلخفاء
المصادرات الفلسفية التي يتبناها البنيويين وعل رأسهم "شتراوس".
إن المنهج البنيوي لكي يحتفظ بقيمته العلمية يحتاج إل تصفية حساب
مع مخلفات النزعة الوضعية ،كما يحتاج إل التحرر من دغمائية النزعة
العلموية التي سادت منتصف القرن التاسع عشر وإذا كان كما قال "روبرت
بال نشي" ( عل الرياضيين أن ال ينسوا التجربة كمصدر استوحوا منه
فرضياتهم الرياضية) ،فإنه باألحرى عل البنيويين أن يدركوا أنه ما إن
ننس روابط البنيوية مع العمليات التي انطلقت منها ،وما إن ننس واقعية
75
البنية التي تصل إليها حت ننسف إمكانيات المنهج البنيوي ونجعل منه فلسفة
قابلة للتجاوز.
وعل العموم فإن تاريخ البنيوية طويل مليء بالسجال ،بيد ان الدرس
الذي يجب أن نستخلصه من هذا التاريخ ،هو أن البنيوية ال يمكن أن تشكل
موضوعا لعقيدة أو فلسفة ،وإال ألمكن تجاوزها بسرعة ،بل تشكل بالضرورة
طريقة مع كل ما تنطوي عليه هذه اللفظة من التقنية ،وباعتبارها كذلك فال
يمكن لها إال أن تكون محدودة بتطبيقاتها ،ومنفتحة من ناحية أخرى(.)1
األسئلة:
– 1ما البنيوية ؟
– 2هل هي تيار متجانس ،أم تيارات مختلفة؟
– 3ما المجاالت البارزة التي ظهرت من خاللها البنيوية؟
1
-كتاب البنيوية لجان بياجي.
76
النصوص
77
78
( : )1 النص
ظهور الفلسفة
تقديم:
لقد سجل الفكر البشري مع اليونان ابتداء من القرن 6ق.م .طفرة هامة
(أي تحوال نوعيا) تمثلت في االنتقال من أسلوب خاص في التفكير (نمط
التفكير األسطوري والنظرة الشاعرية للكون واإلنسان) إل أسلوب التفكير
الفلسفي المعتمد باألساس عل "اللوغوس" ومن هنا يمكننا القول بأن التفكير
الفلسفي قد تبلور في شكل يتعارض مع األسطورة هذا ما يفسره المسار الذي
اتخذته الفلسفة منذ خطواتها األول وكما يصفه تيودور ويزمان في هذا
النص.
ــــــــــــــ
كانت النظرة األسطورية (الميتولوجية)) (1إل العالم –التي سبقت
النظام)(2 المذاهب الفلسفية األول لليونان القديمة مباشرة ،هي أيديولوجيا
المشاعي البدائي .وقد عكس تطور األساطير (وتحولها إل نوع من الديانة
وظهور األفكار عن األلوهية ونشأة الكون وعلم الكونيات التي فسرها بعد
ذلك طبيعيا فالسفة اليونان األوائل) – (3عكس هذا التطور) المراحل
األساسية لتطور المجتمع السابق إل ظهور الطبقات .وفي ذلك المجتمع لم
تكن للفرد نظرة إل العالم خاصة به .وما كان يمكن للفلسفة أن توجد بعد،
ألنه كما كتب أ.ف .لوسيف – هنالك كانت القبيلة هي التي تفكر وتحدد
أهدافها ولم يكن الفرد ملزما بأن يفكر ،ألن القبيلة كانت هي عنصر الحياة،
وكانت عنصر الحياة يصنع داخل الفرد بطريقة عفوية ،أي بطريقة غريزية،
ال كفكر منطوق بطريقة واعية.
عل أنه إن كانت تعاليم المفكرين اليونانيين األوائل غير خالية من
العناصر األسطورية .وقد قال (هيجل) إن األسطورة تعبير"عن عجز الفكر
الذي ال يستطيع أن يقيم ذاته عل نحو مستقل" لقد دل تطور الفلسفة عل
ابتعاد مطرد عن األساطير .وخاصة عن الفكرة األسطورية عن اصل الحكمة
الذي يتجاوز الطبيعة .ولقد كان هذا هو السبب الذي حدا بهيجل ألن يكتب أن
"مكانة العرافة قد أحتلها اآلن الوعي الذاتي لكل شخص يفكر".
80
وهكذا األمر في الحياة .بعض الناس ولد ليكون عبدا للجاه أو اإلغراء أو
الثراء وآخرون- ،وهم الذين كانوا حكماء -يسعون إل الحقيقة وحدها".
توحي هذه الروا ية بأن فيتاغورس فسر الحكمة بأنها شيء مقصور
عل القلة المختارة .ومع ذلك فإنه –طبقا لمصادر أخرى -كان يذهب إل أن
اآللهة وحدها تملك الحكمة .وعل أي حال فإن نظرية فيتاغورس تكشف
اتجاها عاما نحو إنزال الحكمة "السماوية" إل األرض.
تيودور ويزمان
(تطور الفكر الفلسفي)
ترجمة سمير كرم
الهوامش:
-النظرة األسطورية :النظرة المبنية على القصص الخيالية ،الوهمية الخارقة للعادة. 1
-األيديولوجيا :هنا تعني مجموعة المبادئ واألفكار التي على أساسها يقوم النظام 2
االجتماعي والسياسي للجماعة.
-فالسفة اليونان األوائل :فالسفة الطبيعة (الحكماء السبعة) النظام المشاع :نظام يقوم على 3
إشاعة الملكية (الشيوعية البدائية) وتنعدم فيه الطبقات االجتماعية.
األسئلة
81
- 1بين كيف أن ظهور الفلسفة في القديم ينبني عل التحرر من
هيمنة األسطورة؟
- 2بم ارتبطت نشأة الفلسفة عند اليونان ؟
استخلص األمثلة التي وردت في النص عن الفالسفة اليونــان
األوائل مبرزا المقصود منها من منظور الكاتب.
-3ما هو تصور فيتاغورس للفلسفة وهل ما يزال معتمدا اليوم ؟
-4ما عالقة هذا بتعريف ديكارت الفلسفة ؟
-5وضح مدلول إنزال الحكمة السماوية إل األرض.
-6هل توافق الكاتب فيما ذهب إليه من أن تناقضا بين اإليمان
بالخرافة والمعرفة يبرز مع ظهور الفلسفة ؟
( : )2 النص
82
طريقة التوليد
تقديم:
ينبغي للفلسفة في نظر سقراط أن تنصرف عن دراسة مشاكل طبيعية
وأن تتجه نحو دراسة اإلنسان (اعرف نفسك بنفسك) وستكتشف عندها أن
المعرفة التي تبحث عنها كامنة في اإلنسان يقول سقراط" :إن الكتابة
كالتصوير بدون حياة ،وكما ال يجيب الرسم كذلك ال تنطق الكتابة ..وليست
الكلمة المكتوبة إال شبحا للكلمة المدونة في روح المتعلم" ،يبق السؤال الذي
يطرح نفسه هو كيف نتمكن من استخراج هذه المعارف الكامنة ،وبأي منهج؟
يجيب سقراط بأن ذلك يتم بواسطة المنهج التوليدي.
ــــــــــــــ
التوليد السقراطي:
...إن فن التوليد عندي يشمل إذن كل الوظائف التي تضطلع بها
المولدات ،ولكنه يختلف عن فنهن حيث إنه يخلص الرجال ال النساء ،ويراقب
أنفسهم ال أبدانهم ،ولكن الفائدة الرئيسية لفني هي أنه يجعلنا بالتأكيد قادرين
عل التثبت مما إذا كان ذهن الشباب يلد وهما كاذبا أو ثمرة حقيقية وفعلية.
زد عل ذلك أنني أ شترك معهن في كوني عقيما في مجال الحكمة .ثم إن
مؤاخذتي غالبا عل أنني اسأل (استفهم) اآلخرين دون إقرار أي شيء أبدا
ألنه ليست لدي أي حكمة -مؤاخذة ال تخلو من الصدق والسبب هو ذا :وهو
أن اإلله أرغمني عل توليد اآلخرين ولكنه لم يسمح لي بأن ألد .لست إذن
حكيما بالمرة ،وليس باستطاعتي أن أتقدم بأي اكتشاف رائع في الحكمة تلده
نفسي .ولكن كل الذين يتعلقون بني -رغم أن بعضهم يبدو جاهال تماما في
البداية -يحققون كلهم أثناء تبادلهم معي ،إذا سمح لهم اإلله بذلك ،تقدما عجيبا
ال في حكمهم فقط ولكن كذلك في حكم اآلخرين .إنني لم أعلمهم أبدا شيئا
وإنهم عثروا بأنفسهم عل كثير من األشياء الجميلة في أنفسهم وولدوها ،وهذا
أمر واضح وضوح النهار .ولكن إن ولدوها فذلك بفضل اإلله وبفضلي أنا.
افالطون "التييتات"
األسئلة:
83
- 1حدد أوجه الشبه واالختالف القائمة بين التوليد السقراطي وفن
القابالت؟
- 2هل ترى بأن وصف (سقراط) لنفسه بأنه "عقيم فيما يخص
الحكمة" تعبير عن جهل أو عن تواضع؟
-3اشرح العبارة" :إنني لم أعلمهم أبدا شيئا".
-4هل لطريقة التوليد صدى في التربية المعاصرة ؟
( : )3 النص
أسطورة الكهف
84
تقديم:
يرى افالطون بأن معرفتنا تتفاوت في درجة اقترابها من العالم المثالي
فهناك موازاة بين الوجود والمعرفة يوضحها افالطون في الكتاب السادس من
الجمهورية عل هذا النحو :إذا أخذنا خطا وقسمناه عل جزأين غير
متساويين ثم قسمنا كل جزء منهما إل جزأين آخرين غير متساويين في
النسبة ذاتها واف ترضنا أن أحد الجزأين الرئيسيين يمثل العالم المحسوس
واآلخر العالم المعقول ثم قارنا األجزاء الثانوية من حيث وضوحها وعدمه،
فإننا نجد أن الجزء األول في خط العالم المحسوس يتألف من األشباح ،وتمثل
الظالم وانعك اساتها والجزء الثاني يشمل األجزاء التي تتكون وتفسد وكل ما
يقع تحت الحواس ،أما خط العالم المعقول ففيه جزءان ثانويان كذلك وفي
الجزء األسفل منهما تستخدم الروح األشكال التي يقدمها العالم المحسوس
باعتبارها انعكاسات وال يمكن أن يكون البحث في هذا الجزء افتراضيا ،ألن
العقل ال يرتقي هنا إل مبدإ أول بل يهبط إل األسفل من الجهة األخرى،
ولكن في الجزء األعل من هذا الخط تتجاوز الروح الفرضيات فتصل إل
مبدإ ال يعتمد عل أية فرضية ألنه فوق كل الفرضيات ،وال تستخدم
االنعكاسات كما هو الحال في الجزء الثاني بل تنتقل من مثال إل مثال حت
تصل إل المبدأ األول وهو مثال الخير كما توضحه هذه المحاورة:
ــــــــــــــ
* سقراط :تخيل رجاال قبعوا في مسكن تحت األرض عل شكل
كهف ،تطل فتحته عل النور ،ويليها ممر يوصل إل الكهف ،هناك ظل
هؤالء الناس منذ نعومة أظفارهم ( ،)1وقد قيدت أرجلهم وأعناقهم بأغالل،
بحيث ال يستطيعون التحرك من أماكنهم ،وال رؤية أي شيء سوى ما يقع
أمام أنظارهم ،إ ذ تعوقهم األغالل عن التلفت حولهم برؤوسهم .ومن ورائهم
تضيء نار اشتعلت عن بعد في موضع عال ،وبين النار والسجناء طريق
مرتفع ،ولتتخيل) (2عل طول هذا الطريق جدارا صغيرا ،مشابها لتلك
الحواجز التي نجدها في مسرح العرائس المتحركة ،والتي تخفي الالعبين
وهم يعرضون ألعابهم.
غلوكون :إني أتخيل ذلك.
85
-ولتتصور اآلن ،عل طول الجدار الصغير ،رجاال يحملون
شت أنواع األدوات الصناعية ،التي تعلو عل الجدار ،وتشمل
أشكاال للناس والحيوانات وغيرها ،صنعت من الحجر أو
الخشب أو غيرها من المواد .وطبيعي أن يكون بين حملة هذه
األشكال من يتكلم ومن ال يقول شيئا.
فقال إنها حقا لصورة عجيبة تصف نوعا غريبا من السجناء.
-إنهم ليشبهوننا ،ذلك أوال ألن السجناء في موقعهم هذا ال يرون
من أنفسهم ومن جيرانهم شيئا غير الظالل التي تلقيها النار
عل الجدار المواجه لهم من الكهف ،أليس كذلك؟
-وكيف يكون األمر عل خالف ذلك ما داموا عاجزين طوال
حياتهم عن تحريك رؤوسهم؟
-كذلك فإنهم ال يرون من األشياء التي تمر أمامهم إال القليل.
-بال جدال.
-وعل ذلك فإذا أمكنهم أن يتخاطبوا ،أال تظنهم يعتقدون أن
كلماتهم ال تشير إال إل ما يرونه من الظالل؟
-هذا ضروري.
-وإن كان هناك أيضا صدى يتردد من الجدار المواجه لهم ،فهال
يظنون كلما تكلم أحد الذين يرون من ورائهم ،أن الصوت آت
من الظل البادي أمامهم؟
-فقال بال شك.
فاستطردت قائال :فهؤالء السجناء إذن ال يعرفون من الحقيقة في كل
شيء إال ظالل األشياء المصنوعة؟
-ال مفر من ذلك.
-فلتتأمل اآلن ما الذي سيحدث بالطبيعة إذا رفعنا عنهم قيودهم
وشفيناهم من جهلهم فلنفرض أننا أطلقنا سراح واحد من هؤالء
السجناء وأرغمناه عل أن ينهض فجأة ،ويدير رأسه ،ويسير
رافعا عينيه نحو النور عندئذ تكون كل حركة من هذه الحركات
مؤلمة له وسوف ينبهر إل حد يعجز معه عن رؤية األشياء
التي كان يرى ظاللها من قبل فما الذي تظنه سيقول ،إذا أنبأه
86
أحد بأن ما كان يراه من قبل وهم باطل ،وإن رؤيته اآلن أدق
ألنه أقرب إل الحقيقة ،ومتجه صوب أشياء أكثر حقيقة؟
ولنفرض أننا أريناه مختلف األشياء التي تمر أمامه ،ودفعناه
تحت إلحاح أسئلتنا إل أن يذكر لنا ما هي ،أال تظنه سيشعر
بالحيرة ،ويعتقد أن األشياء التي كان يراها من قبل أقرب إل
الحقيقة من تلك التي نريها له اآلن؟
إنها ستبدو أقرب كثيرا إل الحقيقة. -
وإذا أرغمناه عل أن ينظر إل نفس الضوء المنبعث عن النار، -
أال تظن أن عينيه ستؤلمانه ،وأنه سيحاول الهرب والعودة إل
األشياء التي تمكنه رؤيتها بسهولة ،والتي يظن أنها أوضح
بالفعل من تلك التي نريد إياها اآلن؟
أعتقد ذلك. -
إذا ما اقتدناه رغما عنه ومضينا به في الطريق الصاعد الوعر، -
فال نتركه حت يواجه ضوء الشمس أال تظنه سيتألم وسيثور
ألنه اقتيد عل هذا النحو ،بحيث إنه حالما يصل إل النور
تنبهر عيناه من وجهه إل حد ال يستطيع معه أن يرى أي شيء
مما نسميه اآلن أشياء حقيقة؟
إنه لن يستطيع ذلك ،عل األقل في بداية األمر. -
فاستطردت قائال (3) :إنه يحتاج في الواقع إل التعود تدريجيا قبل أن
يرى األشياء في ذلك العالم األعل .ففي البداية يكون أسهل األمور أن يرى
الظالل ثم صور الناس وبقية األشياء منعكسة عل صفحة الماء .ثم األشياء
ذاتها وبعد ذلك يستطيع أن يرفع عينيه إل نور النجوم والقمر فيكون تأمل
األجرام المساوية وقبة السماء ذاتها في الليل أيسر له من تأمل الشمس
ووهجها في النهار.
-بال شك.
-وآخر ما يستطيع أن يتطلع إليه هو الشمس ،ال منعكسة عل
صفحة الماء أو عل جسم آخر ،بل كما هي في ذاتها .وفي
موضعها الخاص.
-هذا ضروري.
87
-وبعد ذلك سيبدأ في استنتاج أن الشمس هي أصل الفصول
والسنين وأنها تتحكم في كل ما في العالم المنظور ،وأنها،
بمعن ما علة كل ما كان يراه هو ورفاقه في الكهف.
-الواقع أن هذا ما سينتهي إليه بعد كل هذه التجارب.
-فإذا ما عاد بذاكرته بعد ذلك إل مسكنه القديم ،وما كان يعد فيه
حكمة ،وإل رفاقه السجناء أال تظنه سيغتبط لذلك التغيير الذي
طرأ عليه ،ويرث لحالهم؟). (4
-بكل تأكيد.
-فإذا ما كانت لديهم عادة إضفاء مظاهر الشرف والتكريم عل
بعضهم البعض ،ومنح جوائز لصاحب أقوى عينين ترى
الظالل العابرة ،وأقوى ذاكرة تستعيد الترتيب الذي تتعاقب به
أو تقترن في ظهورها ،بحيث يكون –تبعا لذلك -أقدرهم عل
أن يستنتج أيها القادم ،أتظن أن صاحبنا هذا تتملكه رغبة في
هذه الجوائز ،أو أنه سيحسد من اكتملت لهم ألقاب الشرف
ومظاهر القوة بين أولئك السجناء؟ ! لن يشعر بما شعر به أخيل
عند هوميروس) (5من أنه يفضل ألف مرة أن يكون عل
األرض مجرد خادم أجير عند فالح فقير وأن يتحمل كل
الشرور الممكنة ،وال يعود إل أوهامه القديمة أو العيش كما
كان يعيش من قبل؟
فقال :إني أوافقك عل رأيك هذا ،فخير له أن يتحمل أي شيء من أن
يعود إل تلك الحياة.
فاستطردت قائال :فلتتصور أيضا ماذا يحدث لو عاد صاحبنا واحتل
مكانه القديم في الكهف ألن تنطفئ عيناه من الظلمة حين يعود فجأة من
الشمس؟
-بالتأكيد.
-فإذا كان عليه أن يحكم عل هذه الظالل من جديد ،وأن يناقش
السجناء الذين لم يتحرروا من أغاللهم فقط ،في الوقت الذي
تكون عيناه فيه ما زالت معتمة زائغة ،وقبل أن تعتاد الظلمة،
وهو أمر يحتاج إل بعض الوقت ،ألن يسخروا منه ويقولوا إنه
88
لم يعد إل أعل إال لكي يفسد أبصارهم وإن الصعود أمر ال
يستحق منا عناء التفكير فيه؟ فإذا ما حاول أحد أن يحررهم من
أغاللهم ،ويقودهم إل أعل ،واستطاعوا أن يضعوا أيديهم
عليه ،ألن يجهزوا عليه بالفعل؟
-أجل ،بالتأكيد).(6
أفالطون (الجمهورية)
ترجمة فؤاد زكريا
التعليق:
مالحظة :أسطورة الكهف ،نجد في بعض المراجع "أمثولة الكهف" -
وتسوغ هذه المراجع استخدام هذا اللفظ بأن المقصود هو ترجمة "آلي
غوزى" التي هي أسلوب رمزي ووصفي لتوضيح فكرة مجردة إال أن
االصطالح الشائع هو أسطورة الكهف.
* سقراط :فيلسوف يوناني ولد بأثينا سنة 074ق.م .وتوف بها سنة
533ق .م ،لم يكتب شيئا ولم تعرف أفكاره إال من خالل ما كتبه تلميذه
إفالطون في مختلف محاوراته حيث يعتبره رمزا للحكمة وما يميز سقراط
وفاؤه لرسالته التي فضل أن يموت من أجلها.
) (1منذ نعومة أظافرهم :منذ الصغر.
) (2التخيل :الخيال عند الفالسفة القدماء قول للنفس يحفظ ما يدركه
الحس المشترك من صور المحسوسات بعد غياب المادة وهو ما يعرفه اآلن
بالتخيل وله نوعان أحدهما تمثيلي واآلخر مبدع ويطلق الخيال :أيضا عل
الصورة المشخصة التي تمثل المعن المجرد وهذا المعن مألوف في الشعر
واألدب والفن عموما وهو المقصود منها.
) (3يرى كورنيفورد أن هذه الجملة تتضمن مغزى هاما في
األسطورة ،فقد سبق الفالطون أن حذر من خوض المشكالت األخالقية مع
األذهان غير المدربة عليها وها هو ذا يدعم رأيه السابق باإلشارة إل العين
التي يبهرها الضوء فتعجز عن اإلبصار ،عل ذلك فإنه يحدد فترة عشر
سنوات لدراسة الرياضة الصرف حت يعتاد الذهن الكالم في المشكالت
األخالقية المجردة والصعود منها إل صورة الخبر – أي أن المقصود من
89
هذه الفترة الطويلة هو إعداد الذهن تدريجيا حت ال يصيبه من االضطراب ما
أصاب هذا السجين.
(المترجم)
) (4يشير افالطون هنا إل العلم التجريبي بمعناه المعتاد ،وفي هذه
الحالة كان تعريفه دقيقا إل حد بعيد إذ أن العلم هو المتعلق بترتيب الظواهر
وتعاقبها ،وغايته تمكيننا من التنبؤ بالسلوك المقبل لهذه الظواهر .ومثل هذه
المعرفة التجريبية في نظره ناقصة ألنها ال ترق إل المبدأ األول لألشياء
جميعا.
(المترجم)
صاحب النص:
*أفالطون فيلسوف يوناني ولد بأثينا سنة 028ق م وتوف سنة 508ق
م تتلمذ عل كراتيل وتأثر بهيرقليطس قبل أن يصبح التلميذ المعجب بسقراط.
األسئلة:
كارل ياسبرس
تدريب عل المنهج الفلسفي
92
األسئلة:
93
(: )5 النص
ضرورة الشك
تقديم:
جاء الفيلسوف الفرنسي ديكارت بروح فلسفية جديدة قوامها التحري
والتمحيص ،فكان لزاما عليه أن يقف من اإلرث الفلسفي الذي يحمله موقفا
نقديا جعله ينطلق من الشك في جميع معارفه ولقد كان النطالقه من الشك
كلحظة أولية في منهجه للبحث عن الحقيقة أثر كبير في بلورة عالقة الوعي
بالعالم الخارجي كما يوضحه هذا النص:
ـــــــــــــ
94
حت غدوت أعتقد أنني أكون مخطئا إن أننا أنفقت في االستزادة من التدبر ما
بقي لي من وقت العمل.
فاليوم وقد واتتني الظروف المالئمة لهذا الغرض ،إذا خلصت فكري
من كافة ضروب المشاغل وأخليت نفسي بحمد هللا من هزات االنفعاالت،
وظفرت لنفسي براحة مؤكدة في عزلة مطمئنة ،سوف أفرغ جديا وفي حرية
لتقوية كافة آرائي القديمة عل وجه العموم ،ليس يلزم لهذا أن أبين أنها كلها
زائفة :فهذا أمر قد ال أنتهي منه أبدا ،ولكن ما دام العقل يقنعني من قبل بأنه
ال ينبغي أن أكون أقل حرصا عل االمتناع عن تصديق األشياء التي لم تبلغ
مرتبة اليقين جميعا أن أجد في كل واحد منها سببا للشك ،ومن أجل هذا لن
أكون بحاجة إل النظر في كل واحد منها عل حدة –فإن هذا يكون عمال ال
آخر له -ولكن لما كان تقويض األسس يجر معه بالضرورة بقية البناء،
فسأوجه الهجوم أوال إل المبادئ التي كانت تعتمد عليها آرائي القديمة كلها.
95
نستطيع أن نشك فيها شكا يقبله العقل ،وإن كنا نعرفها بطريقة الحواس ،مثال
ذلك أني هاهنا جالس قرب النار البس عباءة المنزل ،وهذه الورقة بين يدي
وأشياء أخرى من هذا القبيل ،وكيف أستطيع أن أنكر ،أن هاتين اليدين يداي
وهذا الجسم جسمي؟ اللهم إال إذا أصبحت مثيال لبعض المخبولين الذين
اختلت أدمغتهم :فما ينفكون يؤكدون أنهم ملوك ،في حين أنهم فقراء جدا،
وأنهم يلبسون ثياب موشاة بالذهب واألرجوان ،في حين أنهم في غاية العري،
أو يتخيلون أنهم أحرار ،إن لهم أجساما من زجاج إال أنهم مجانين ولن أكون
أنا أقل منهم إسرافا وبخال إذا اقتديت بهم ونسجت عل منوالهم.
لكن ينبغي علي هنا أن أعتبر أني إنسان ،وأن من عادتي لذلك أن
أنام ،وأني أرى في أحالمي عين األشياء التي يتخيلها هؤالء المخبولون في
يقظتهم ،بل قد أرى أحيانا أشياء أبعد عن الواقع مما يتخيلون .كم من مرة
وقع لي أني أرى في المنام أني في هذا المكان البس ثيابي ،وأني قرب النار
مع أني أكون في سريري متجردا من ثيابي يبدو لي اآلن أني ال أنظر إل
هذه الورقة بعينين نائمتين ،وإن هذا الرأس الذي أهزه ليس ناعسا ،وأنني إنما
أبسط هذه اليد وأقبضها عن قصد ووعي ،وأن ما يقع في النوم ال يبدو مثل
هذا كله وضوحا ولكن عندما أجيل التفكير في األمر ،أتذكر أنني كثيرا ما
انخدعت في النوم بأشياء هذه الرؤى .وعندما أقف عند هذا الخاطر أرى
بغاية الجالء أنه ليس هناك أمارات يقينية نستطيع بها أن نميز بين اليقظة
والنوم تمييزا دقيقا .فيساورني الذهول وإن ذهولي لعظيم ،حت أنه يكاد يصل
إل إقناعي بأني أنام.
96
ديكارت (التأمالت في الفلسفة األول )
ترجمة :عثمان أمين ص 33/35
صاحب النص:
ديكارت عاش ما بين ) (1650-1596أصيب بخيبة أمل إثر تخرجه
من معهد الفليش اليسوعي حيث درس علوم عصره إذقال لقد دخلت هذا
المعهد وكنت أظن بأنني سأكون العالم الذي ال يرد له قول فإذا بي أتخرج
وأنا أجهل إنسان موجود .ويعتبر شكه تعبيرا عن ذلك نظرا النحطاط المعرفة
في عصره ،كان كثير الترحال في البالد األوروبية ألف مجموعة كتب منها:
مقالة الطريقة ،مبادئ الفلسفة والتأمالت حيث اقتطف هذا النص.
األسئلة:
ــــــــــــ
فإن الغرض من هذا القول أن نفحص عل جهة النظر الشرعي ،هل
النظر في الفلسفة وعلوم المنطق مباح بالشرع؟ ...أو محظور؟ أم مأمور به؟
إما عل وجه الندب ،وإما عل جهة الوجوب فنقول :إن كان فعل الفلسفة
ليس شيئا أكثر من النظر في الموجودات ،واعتبارها من جهة داللتها عل
الصانع أعني من جهة ما هي مصنوعات ،فإن الموجودات إنما تدل عل
الصانع بمعرفة صنعها ،وإنه كلما كانت المعرفة بصنعتها أتم كانت المعرفة
بالصانع أتم.
وكان الشرع قد ندب إل اعتبار الموجودات بالعقل ،وتطلب معرفتها
به فذلك بين في غير ما آية من كتاب هللا تبارك وتعال ،مثل قوله{ :فاعتبروا
يا أول األبصار} وهذا نص عل وجوب استعمال القياس العقلي ،أو العقلي
والشرعي معا.
ابن رشد
فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من االتصال
صاحب النص:
أ بو الوليد محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد من أشهر فالسفة اإلسالم،
ولد في مدينة قرطبة (324هـ 3326 -م) وتول منصب القضاء في اشبيلية
ومنصب قاضي القضاة .وضع شروحا وتفاسير عل مؤلفات أرسطو .توف
). (1198-598
100
األسئلة:
ـــــــــــــ
إن مهمة الفلسفة لتنحصر في تصور ما هو كائن ،ألن ما هو كائن
ليس إال العقل نفسه .وبالنسبة للفرد نفسه ،فإن كالمنا هو ابن عصره .وبالمثل
يمكن أيضا أن نقول عن الفلسفة إنها عصرها ملخصا في الفكر .وكما أنه من
الحمق أن نتصور إمكان تخلي الفرد لزمانه أو اجتيازه لرودوس) (1فإنه لمن
الحماقة أيضا أن نتصور إمكان تجاوز الفلسفة لزمانها الخاص .وإذا تجاوزت
فعال نظرية ما تلك الحدود وبنت عالمها عل نحو ما ينبغي أن يكون عليه،
فإن هذا العالم يكون له ال محالة وجود ،لكن في ظن صاحبه فحسب ،وهو
عنصر غير متماسك وقابل ألي انطباع (.)...
بقي أن نسوق كلمة أخرى حول االدعاء بتعليم ما ينبغي أن يكون
عليه العالم .فنحن نالحظ أن الفلسفة ،عل أي حال تأتي دائما متأخرة جدا.
فهي بوصفها .فكرة "العالم" ،ال تظهر إال حين يستوفي الواقع مسار تكونه
ويأتي عل نهايته .إن ما يعلم ه لنا المفهوم هو أيضا ما يكشف التاريخ عنه
بنفس الضرورة ،وهو أنه من خالل نضج الكائنات فحسب ،يظهر المثل
األعل تجاه الواقع ويعيد بناء هذا العالم ذاته في صورة مسلكة عقلية ،بعد
إ دراكه في جوهره وحين ترسم الفلسفة لوحتها الرمادية ،فتضع لونا رماديا
فوق لون رمادي ،فإن صورة من صور الحياة قد شاخت .لكن ما تضعه
الفلسفة من لون رمادي فوق لون رمادي ال يمكن أن يحدد شباب الحياة ولكنه
يفهمها فحسب ،إن بومة منير فا) (2ال تبدأ في الطيران إال عند الغروب.
هيجل( :أصول فلسفة الحق)
ترجمة :إمام عبد الفتاح (مع بعض التعديل)
102
دار التنوير للطباعة والنشر
الهوامش:
– 1رودوس :اسم لجزيرة ولكن تعني الكلمة أيضا وردة ،والوردة رمز للمرح والبهجة
والمتعة .ومن وظيفة الفيلسوف في رأي هيجل ،أن يجد البهجة والمتعة فيما هو حاضر باكتشاف العقل
الكامن فيه .وبعبارة أخرى فإن الفلسفة يمكن "أن ترفص" طربا للمتعة التي تجدها في هذا العالم وليست
بحاجة إلى تأجيل "رقصتها" أعني متعتها وبهجتها حتى تفرغ من بناء المثل األعلى للدولة في مكان آخر.
(المترجم).
– 2بومة مينيرفا :آلهة مينيرفا هي آلهة الحكمة عند الرومان ولقد اتخذ القدماء من
"البومة" رمزا للحكمة نظرا ألنها تمثيل إلى الصمت والهدوء من ناحية وألنها تميل من ناحية أخرى إلى
التواجد في األماكن البعيدة والمهجورة فكأنها تميل إلى العزلة والتفكير .وهيجل يقصد ب "بومة مينيرفا"
هنا الفلسفة التي ال تبدأ أعمالها إال بعد أن يكتمل بناء الواقع المادي العقلي (المترجم).
– 3هيجل (جورج ويليام فريدريك) فيلسوف ألماني ولد بستود قارت سنة 1111وتوفى سنة
.1331
األسئلة:
- 1ما المسوغات الفلسفية التي جعلت هيجل يحصر مهمة الفلسفة في
فهم ما هو كائن؟ وكيف توفق بين هذه الفكرة وبين كونه مثاليا؟
- 2وضح داللة القول" :الفلسفة تأتي دائما متأخرة جدا فهي بوصفها
فكرة العالم ال تظهر إال حين يستوفي الواقع مسار تكونه ويأتي
عل نهايته".
-3ما عس يكون دور الفيلسوف –وهو الذي يأتي دائما متأخرا –
في عالم تحكمه الضرورة؟.
(: )9 النص
الهوامش:
104
( )1الفطر :يعني بذلك أن الفالسفة ال يبرزون (دفعة واحدة) في فراغ الفطريات التي تنمو
منفردة وفي عزلة عما سواها.
( )2المقصود هو الفكر المرتبط بالزمان وهو يتطور من ناحية الخلق المادي والروحي .وال
يمكن فصل التقدم الفكري عن التقدم المادي.
( )3ال تتأثر الفلسفة بالزمان من ناحية محتواها فقط بل وايضا من ناحية الصيغ التي تقدم
فيها.
صاحب النص:
ماركس ) (1883-1818فيلسوف ،سياسي واقتصادي ألماني يهودي
وضع مذهبا جديدا في المعرفة هو المادية الجدلية وفي فلسفة التاريخ يعرف
بالمادية التاريخية بمشاركة رفي ق نضاله انجلز ،من أهم مؤلفاته :رأس المال،
مساهمة في نقد االقتصاد السياسي والفلسفة ،نظرية فائض القيمة – االقتصاد
السياسي والفلسفي ،بؤس الفلسفة.
األسئلة:
- 1هل ترى أنه من الضروري أن ترتبط الفلسفة بواقع عصرها أم
أنها ينبغي أن تضرب في اآلفاق البعيدة عن هذا الواقع؟ عزز
موقفك بحجج.
- 2كيف يبدو لك جدوى الفلسفة من خالل النص؟
-3هل يعكس الفيلسوف واقعه فقط أم إنه يعمل عل تجاوزه؟
تقديم:
105
وقف أوجست كونت من الفلسفة موقفا ذا طبيعة خاصة ،فهو لم
يفرضها بشكل كامل ،ولكن يرى ضرورة اختزال اهتماماتها في أمور هي
أقرب إل العلم منها إل الفلسفة كالمبادئ العامة المشتركة بين العلوم.
ــــــــــــ
(أوغست كونت)
األسئلة:
- 1إل أي حد يمكن اعتبار الوضعية مجرد موقف نقدي للفلسفة
القديمة ؟
- 2ما الذي يقصده الكاتب بقوله"إنها تعني المنظومة العامة للمفاهيم
البشرية؟
-3بأي معن يمكن القول :إن الوضعية لم تتجاوز ما كان سائدا في
الفلسفة من تعميم وغياب للوحدة؟
106
107
أسئلة الباب
- 1إن رفضنا للفلسفة هو الذي يوقعنا في أسوإ فلسفة .ما رأيك؟
باكلوريا موريتانيا – شعبة اآلداب العصرية 3388
– 2هل يمكن لمشكل فلسفي أن يصبح متجاوزا؟
باكلوريا موريتانيا – شعبة اآلداب العصرية 3332
– 3البحث عن الحقيقة هو الغاية الوحيدة الالئقة باإلنسان .ما رأيك؟
باكلوريا موريتانيا – شعبة اآلداب العصرية 3335
– 4هل يمكن القول إن الشك مفيد للمعرفة ضار بالعمل؟
باكلوريا موريتانيا – شعبة اآلداب العصرية 3330
– 5هل يمنعنا اختالف الفلسفات من معرفة الحقيقة؟
باكلوريا موريتانيا – شعبة اآلداب العصرية 2434
– 6هل يمكن القول :إن قاعد البداهة عند ديكارت تأسيس للفكر الثوري في
الفلسفة؟
– 1هل يغنينا العلم بما حققه من نتائج دقيقة عن الفلسفة؟
– 3بأي معن يمكن القول :إن قيمة الفلسفة تلتمس فيما هي عليه من عدم
اليقين؟
– 9كيف تفسر هذا القول :إن الفلسفة خالصة عصرها؟
– 11حدددددددد العـددددددـالقات المنطقيــددددددـة القائمددددددـة بددددددين الفكددددددر الفلسددددددفي
واألديستيمولوجيا.
– 11إل أي حد يمكن القول :إن الشك طريق اليقين؟
108
المحور الثاني:
العلوم اإلنسانية
109
تصدير
" إن العلوم اإلنسانية لم ترث حقال قد رسمت معالمه ،وربما
قدر تقديرا إجماليا ولكنه ترك بورا" ميشل فوكو
"إن المؤرخ هو ينشأ كل المواد التي يعمل عليها أو إذا شئنا
إنه يعيد إنشائها" لوسيان فيفر
حال من االعتدال في قول الخبر " إذا كانت النفس عل
ابن خلدون أعطته حقه من التمحيص والنظر"
"عندما يتكلم ضميرنا فإن المجتمع هو الذي يتكلم فينا"
دوركايم
" هل يمكن دراسة الظاهرة اإلنسانية بعيدا عن الذات
ولواحقها"
110
العلوم اإلنسانية
بدأت البوادر األول للعلوم اإلنسانية في الظهور خالل القرن السادس
عشر مع (بونتيني) و(رايلي) و(ماكدفلي) ،وابن خلدون في القرن السادس
عشر.
ولعل األسباب الحقيقية وراء ظهور العلوم اإلنسانية نهاية القرن 33
اختفاء ظاهرة التمركز حول الذات ،واقتفاء بالعلوم التجريبية ،واستجابة
لرغبة جامحة لدى العلماء في فهم وتفسير سلوك اإلنسان بطريقة علمية
تسمح بوضع قوانين أو ضوابط لهذه العلوم وربما بالتنبؤ بمساراتها
المستقبلية.
111
وآليات الدراسة المناسبة لفهم وتفسير هذه ال ظاهرة بكل أبعادها السيكولوجية،
والسوسيولوجية ،والتاريخية ...إلخ.
العلوم اإلنسانية:
أما مستخدمو هذا المصطلح فيؤكدون عل إمكانية دراسة الظواهر
اإلنسانية (بكل أبعادها ومستوياتها) دراسة علمية من شأنها التوصل إل
حقائق وقوانين موضوعية مشابهة لتلك التي تتوصل إليها العلوم الطبيعية،
وذلك باستخدام المنهج التجريبي بجمع خطواته :من مالحظة وفرضية،
وتجريب ،وصياغة قانون.
113
والواقع أن مصطلح "العلوم اإلنسانية" أصبح هو السائد اآلن ،في
حين اختفت باقي المصطلحات التي عرفتها المراحل األول لنشأة العلوم
اإلنسانية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
وقد عكس تعدد المصطلحات هذا –في جانب منه – ذلك الصراع
األيديولوجي الذي سببه التعصب الثقافي إلحدى الحضارات األوربية الثالث
الرئيسية؛ حيث اتسمت الفلسفة األلمانية بطابع مثالي ،بينما اصطبغت الثقافة
الفرنسية بصبغة وضعية ،في حين طغت النزعة الحسية عل الثقافة
االنجليزية.
1
-الفلسفة لطالب الباكلوريا ج – 2الجمهورية الجزائرية ص .334
114
اسم "معرفة" هذه المعرفة التي يكونها عن ذاته هي ما تحاول العلوم اإلنسانية
تشكيل بعض أوجهها»(.)1
إذا كان ذلك صحيحا ،فهل ينطبق األمر عل اإلنسان؟ وهل نستطيع
أن ننس اإلنسان في اللحظة التي ندرسه فيها؟ وهل بإمكان دارس الظواهر
اإلنسانية أن يتخلص من خصوصياته كإنسان ليدرس هذه الظواهر؟ وهل
تتجل لنا الظواهر اإلنسانية بذ ات الدرجة من الوضوح والشفافية التي تتجل
لنا بها الظواهر الطبيعية ،والفيزيائية ،والبيولوجية مثال؟ أم أن للظاهرة
اإلنسانية خصوصيتها المميزة والتي تلزم مراعاتها بانتباه وحذر عند
دراستها؟
1
-نقال عن :الفلسفة السنة الثانية من سلك الباكلوريا
(مسلك اآلداب والعلوم اإلنسانية) سلسلة "منا" ص.80 :
2
-الفكر اإلسالمي الفلسفة ،مصدر سابق ص .048
115
– 1الظاهرة اإلنسانية ظاهرة معقدة:
ذلك أن كل ظاهرة إنسانية تتشكل من جملة عناصر متشابكة بشكل
يصعب معه تكميم هذه الظاهرة أو تحديد العنصر أو العناصر األساسية
الفاعلة والمؤثرة فيها بشكل دقيق ،مما يعقد مهمة الدارس ويحفها بمخاطر
االنزالق خلف األحكام المبسطة والنظرة التجزيئية المخلة بضرورات
الدراسة العلمية للظاهرة .من ذلك مثال :كثافة العوامل التي يمكن أن تكون
سببا في ظاهرة إنسانية ما كالحروب ،أو البطالة ،أو التخلف ،أو كتداخل
العوامل االجتماعية ،واالقتصادية ،والجسمية ،والعقلية ،والنفسية ،والتربوية،
والوراثية في مرض نفسي ما بشكل ربما استحال معه فصل أو تمييز
المتغيرات البسيطة عن بعضها البعض ،وهو ما جعل بعضهم يعتبر الحادثة
الفيزيائية بكل عالقاتها الرياضية مجرد "لعبة أطفال" إذا ما قورنت بالظواهر
اإلنسانية !
هذا فضال عن اختالف القيم المعيارية والنظرة التي ننظر بها إل
الظاهرة الواحدة؛ من ذلك مثال :أن ما يعتبر كرما في ثقافة مجتمع معين قد
يعتبر إسرافا وتبذيرا في ثقافة مجتمع آخر ،وما يعتبر شجاعة عند قوم قد
يكون تهورا في نظر آخرين ،وقد تنظر أنت إل ممارسة معينة باعتبارها
ضربا من الفوض والممارسة البهيمية وانعدام األخالق اإلنسانية ،بينما
يعت برها غيرك أسلوبا مشروعا لممارسة الحرية والتعبير عن الذات ! ألسنا في
مجتمعاتنا اإلسالمية تعتبر الحجاب ثوبا محتشما وعنوانا عل األخالق
الرفيعة للمرأة المسلمة ،فيما يرى فيه آخرون عنوانا للتخلف والجمود وحت
"اإلرهاب" والتطرف؟.
1
-الفكر اإلسالمي والفلسفة ،مصدر سابق ،ص .034
117
إن ذلك قد يكون من األسباب التي دفعت "جون دوي" للقول بأنه
« ربما كان تناول بعض الباحثين للمشكالت اإلنسانية من ناحية االستهجان
واالستحسان الخلقيين ،ومن ناحية الخبث والطهر أكبر العقبات التي تقف في
طريق تطوير المناهج السديدة في مجال الدراسات االجتماعية».
إن هذا االختالف والتباين في ظروف وقيمة وأوضاع الظاهرة
اإلنسانية تبعا الختالف األزمنة واألمكنة هو الذي أدى إل صعوبة – وربما
استحالة -تعميم األحكام التي نتوصل إليها في مجال ما عل مجال آخر ،أو
في مجتمع عل غيره ،أو مؤسسة عل أخرى.
إن صعوبة تطبيق قواعد "التعميم" و"التجريد" (المعروفة في العلوم
الطبيعية) عل العلوم اإلنسانية هو بعض ما نعنيه بنسبية الظاهرة اإلنسانية.
إن الظاهرة اإلنسانية ليست شيئا مستقال عنا بل هي كامنة فينا متأثرة
بنا ،مؤثرة فينا؛ حيث الدارس هو عين المدروس ،وهذا هو ما حدا «بفرويد
مثال إل تغيير طريقة التنويم المغناطيسي بطريقة التداعي الحر ،خاصة مع
بعض المرض المثقفين الذين يصعب تنويمهم لقوة النقد والمعارضة لديهم
الشيء الذي يحول دون تجلي المكبوتات( ..كما أن) تدخل الوعي هذا هو
118
الذي يحول دون إعادة بناء الحادثة التاريخية بأمانة وموضوعية (نظرا)
()1
لتدخل المزاج واإلرادة والرغبة والميول الخاصة للمؤرخ»
– 5الظاهرة اإلنسانية ظاهرة خفية:
األسئلة:
1
-الفكر اإلسالمي والفلسفة ،مصدر سابق ،ص.033
119
- 1هل يمكننا أن ندرس الظواهر اإلنسانية دراسة علمية؟
اذكر أهم اآلراء المتعلقة بالموضوع.
- 2إل أي حد تختلف الظاهرة اإلنسانية عن غيرها من الظواهر
الطبيعية؟
-3يقول ""اكلود لفي شتراوس"« :إن علينا طرح الظاهر إذا كنــا
نتطلع إل تفهم العالم» ناقش هذا الرأي عل ضوء ما تعرفه من
خصائص الظاهرة اإلنسانية.
120
علم التاريخ
ليس ثمة شك في أن اإلنسان قد اهتم منذ أمد بعيد بتحديد الوقت
وتقسيم ديمومة الزمان والتاريخ للحوادث والظواهر الطبيعية والبشرية
المرتبطة بحياته ،وال يزال هذا اإلنسان يبحث في تلك الحوادث والوقائع
لالستفادة منها في حاضره و مستقبله واستخالص العبر التي يزخر بها
التاريخ.
والتاريخ في اللغة الوقت وتاريخ الشيء وقته وغايته ،وفي
االصطالح «علم يبحث في الوقائع والحوادث الماضية ،وحقيقتها كما قال ابن
خلدون « :خبر عن االجتماع اإلنساني الذي هو عمران العالم وما يعرض
لطبيعة ذلك العمران من األحوال ،مثل التوحش والتأنس والعصبيات
وأصناف التغلبات للبشر بعضهم عل بعض ،وما ينشأ عن ذلك من الملك
والدول ومراتبها وما ينتحله البشر بأعمالهم ومساعيهم من الكسب والمعاني
()1
والعلوم والصنائع وسائر ما يحدث في ذلك العمران بطبيعته من األحوال»
فالتاريخ إذن يشمل كل ما يحدث في االجتماع البشري ،مما جعل (سقراط)
يعتبر التاريخ مرادفا للمعرفة البشرية الماضية برمتها ،عل عكس أرسطو
الذي اعتبره جمع الوثائق.
وقد يقتصر بعض المؤرخين عل ذكر أسباب الحوادث وتمحيص
األخبار وتعليل الوقائع ونقد ال وثائق ،وهذا ما يعرف بالتاريخ االنتقادي الذي
يسع إل الدقة والعلمية بمفهومه الحديث كعلم من العلوم اإلنسانية .أما إذا
اهتم المؤرخ باستخالص العبر من الماضي لفائدة األفراد أو المجتمعات أو
الدول ،كان تاريخه يتناول جوانب أخرى من الحياة كالتربية أو السياسة
أو ....أما إذا تجاوز ذلك كله إل تعليل الوقائع لمعرفة كيفية حدوثها وأسباب
نشوئها كان تاريخه فلسفيا أو فلسفة للتاريخ والتاريخي عند بعضهم ضد
النظري أو المنطقي فقد يوجد بين حادثتين رابط منطقي دون وجود رابط
تاريخي ( ،)2ولذلك يرى بيكون أن التاريخ هو «العلم باألمور الجزئية» لذا
هو ضد الفلسفة التي هي«العلم باألمور الكلية» ،فيذهب (بيكون) كما ذهب
(أرسطو) من قبله إل أن التاريخ مغاير للفلسفة بطريقته ال بموضوعه.
1
-المعجم الفلسفي جميل صليا ،ص .227
2
-المعجم الفلسفي الالند ،ص .033
121
وقد تأثرت دراسة التاريخ وروايته لفترة طويلة باألفكار العيبية
واألسطورية والميتافيزيقية ،قبل أن يتحرر من األوهام والقوى الغيبية التي
كان يعتقد أنها تتحكم في حركة التاريخ وتطوره وذلك عل يد (هيرودوت)
باعتماده عل العقل وحده في تقصي األخبار والروايات التاريخية مما جعله
يلقب بأبي التاريخ ،وفي العصور الوسط تأثر المؤرخون بالثقافة الالهوتية
كما نجد عند القديس أوغسطين من المسيحيين والمسعودي والطبري من
المسلمين الذين يربطون بين األحداث التاريخية وأفكار ومفاهيم دينية كالعناية
اإللهية أو التدبير اإللهي ،ولغايات الجزاء والعقاب ،كما كثر اهتمام مؤرخي
القرون الوسط بسير الملوك ورجال الدين.
ومنذ القرن 38الذي سادت فيه النزعة العق النية في كل مجال ،بدأ
المؤرخون يبتعدون عن النزعة الالهوتية ،وبدأ اهتمامهم بدراسة األحداث
االجتماعية واالقتصادية والسياسية والثقافية عل أسس عقالنية ،وذلك عل
يد (هيوم) و(فولتير) و(ديدرو) و(كوند رسيه) و(كانط) وغيرهم ،غير أن
(إيف الكوست) يرى أنــه «لــم يكتب قبـل القرن 33ألحد أن يفوت
(نيوكديس) سوى ابن خلدون ،فاألول اخترع التاريخ وعل يد الثاني اكتسب
هذا التاريخ صبغته العلمية»( )1حيث بين ابن خلدون مزالق المؤرخين
وأسباب وقوعهم في األخطاء ،كما حدد خصائص الظاهرة التاريخية وعدم
الدقة في استخدام الطرق المجردة في دراسة الحوادث التاريخية وقياس
بعضها عل بعض ،كما وضع القواعد لمنهج النقد في التاريخ وتحقيق
الروايات ،إل درجة تضا هي عمل المدارس التاريخية في القرنين 33و 24
()2
مما جعله ب حق مؤسس علم التاريخ واالجتماع الحديثين في رأي الكثيرين
يقول ابن خلدون « :يحتاج صاحب هذا الفن إل العلم بقواعد السياسة وطبائع
الموجودات واختالف األمم والبقاع واألعصار في السير واألخالق والعوائد
والنحل والمذاهب وسائر األحوال» وهذه النظرة العلمية هي العامل األساسي
الذي أدى إل تطور المعرفة العلمية لحوادث التاريخ وماضي اإلنسان خاصة
مع المدارس الهيجلية والماركسية والوضعية وربط أحداثه بالعامل
االقتصادي واالجتماعي.
1
-الفكر اإلسالمي والفلسفي ص .588
2
-تاريخ الفكر االجتماعي حسن شحات
122
كما كان للمدرسة الوثائقية مع (رانكه) و(النغلو) و(سينيوبوس)
وغيرهما دور كبير في تقريب التاريخ من دقة وموضوعية العلوم الطبيعية،
وقد كان لمدرسة الحوليات مع (شارل البروس) و(مارك بلوخ) وغيرهم دور
كبير أيضا في دفع عملية البحث التاريخي الشامل للحياة اليومية للمجتمعات
بعيدا عن الحوادث الخارجة عن إطار حياة الناس العاديين ومع المدرسة
البنيوية تم التحول من االهتمام بالتاريخ كحدث وطريقة في التحليل إل
االهتمام بالنسق ب دل التاريخ وبالتحليل السينكرونيكي (التزامني) بدل التحليل
الدياكرونيكي (التسلسلي).
ولما كان الحاضر الذي يعيشه اإلنسان فردا كان أو مجتمعا هو عبارة
عن نهاية لماض ،وبداية لمستقبل ،وحد مشترك بين الزمانين كان اهتمام
اإلنسان دائما بالتاريخ ،ألن جدلية الحاضر والمس تقبل ألي مجتمع ال يمكن
فصلها عن تاريخه ،لذا يتم استلهام الماضي وإعادة صياغته حسب متطلبات
العصر والتطلعات للمستقبل ،من خالل دراسة األنظمة الفكرية والحوادث
االجتماعية واالقتصادية والسياسية عبر التاريخ ،ذلك أن علم التاريخ هو
دراسة سائر ما يحدث في العمران البشري كما يقول ابن خلدون ولكن إل
أي مدى يمكن إعادة بناء الماضي؟ وما هي الصعوبات التي تعترض سبيل
المؤرخ (. )1
إن اإلجابة عن هذين السؤالين تتطلب تناول إشكاليتين تتعلق األول
بطبيعة الظ اهرة أو الحادثة التاريخية ،في حين تتعلق الثانية بالمؤرخ
وموضوعيته في البحث ،فالدارس هو اإلنسان والمدروس هو ماضيه
فالحادثة التاريخية تتميز بالتفرد والخصوصية ،مما يجعل تكرارها مستحيال
ألنها حدثت ألسباب وفي ظروف اختفت كلها بال عودة فال يمكن إعادة بناء
حدث تاريخي من جديد ،إذ ال يمكن مثال إعادة ثورة أو حرب أو مجاعة أو
نهضة أو رجل عظيم أو منظومة فكرية أو ازدهار دولة أو اندثارها ورغم
إمكانية حدوث مثل هذه الظواهر دائما ،إال أن كل ظاهرة تظل فريدة من
نوعها ومتميزة عن غيرها ،ومن هنا كانت الظاهرة التاريخية ككل ظاهرة
1
-الفكر اإلسالمي والفلسفي ص 530
123
إنسانية مختلفة عن الظاهرة الطبيعية التي يتحكم الدارس فيها ويعيد تجربتها
مت شاء(.)1
فالمؤرخ كما يقول (بوينكاري) يسع إل التأكد من أن هذا الرجل و
ذلك الحدث كانا هنا في زمن معين ،أما عالم الطبيعة فال يهتم بهذا ألنهما
ذهبا ولن يعودا أبدا وهذا ما جعل البعض يؤكد عل فردية الظاهرة التاريخية
وارتباطها بزمان ومكان عاش فيه اإلنسان تلك الظاهرة الفريدة متأثرا بها
ومؤثرا فيها ثم مات وماتت معه فلم يبق إال اآلثار ،ولهذا فإن الظاهرة
التاريخية تفقد صفتها كلما فقدت عنصري الزمان والمكان( . )2إن الحدث
التاريخي من التعقد والغموض «بحيث تصبح الحادثة الفيزيائية بعالقاتها
الرياضية لعبة أطفال أمام تشابك القوانين في أي حادث تاريخي صغير»(. )3
إن الخطوة األول في عمل المؤرخ هي بحق كما قال أرسطو جمع
الوثائق والتثبت منها بكل الوسائل وفحصها فحصا دقيقا ،فهي األثر المادي
الوحيد الذي ال يمكن في غيابه الوصول إل فهم الحوادث الماضية.
ورغم أهمية تلك الوثائق إال أنها تحتاج إل االستنطاق وحل ألغازها
ورموزها «فيجب أن ن حاول إعادة بناء التاريخ بكل ثمن مع وجود تلك
الوثائق أو بدونها ،فكل ما يكون من اإلنسان يتأثر باإلنسان ويستخدم في
1
-كتاب الفلسفة التونسي
2
-كتاب الفلسفة التونسي الجزء األول ص ....
3
-الفكر اإلسالمي والفلسفي ص 533
4
-نفس المرجع والصفحة
124
سبيل اإلنسان ،ويعبر عن اإلنسان ،ويعني الحضور والحيوية والذوق
والصور الموجودة عن اإلنسان كما يقول لويسيان فيفر(. )1
1
-نفس المصدر والصفحة
2
-الفكر اإلسالمي والفلسفة ،ص .586
125
«حيث ال توجد الوثائق ينعدم التاريخ» وبوجودها يمكن إعادة بنائه بدقة
تصل إل دقة العلوم الطبيعية والوصول إل حقائق ال تقل عنها يقينا»(.)1
يقول ابن خلدون « :إن األخبار إذا اعتمد فيها عل مجرد النقل ولم
تحكم أصول العادة وقواعد السياسة وطبيعة العمران واألحوال في االجتماع
اإلنساني ،وال قيس الغائب منها بالشاهد والحاضر بالذهاب فربما لم يؤمن
فيها من العثور ومزلة القدم والحيد عن جادة الصدق»(.)2
وعند الحديث عن علم التاريخ البد من تناول ثالثة مفاهيم أساسية في
هذا العلـم وهي :الموضوعيـة في التـاريخ ،والحتميــة التاريخية ،والمصادفة
في التاريخ.
1
-نفس المرجع ص 533
2
-كتاب الفلسفة التونسي ،الجزء األول ،ص .334
126
– 1الموضوعية في التاريخ:
أثار هذا الموضوع جدال بين فريقين أحدهما مؤيد إلمكانية حصول
الموضوعية في دراسة الحوادث التاريخية وبالتالي اعتبروا التاريخ علما
واآلخر يعترض عل علمية التاريخ الستحالة الموضوعية في دراسته
للحوادث ألنها فريدة وال تتكرر ،وألن المؤرخ ال يستطيع التزام الحياد
وتجنب الذاتية ،ولكن البعض يرى أن المؤرخ قد يصل إل أكبر قدر من
الموضوعية باالبتعاد عن كل الم زالق وتجنب اآلراء والميول الشخصية أثناء
دراسة التاريخ وذلك بجعل البحث عن الحقيقة من أجل الحقيقة والكشف عنها
هدفه األول واألخير واستخدام كل استقراء واستنباط ونقد وتحليل للروايات
والوقائع والحوادث التاريخية.
– 2الحتمية التاريخية:
– 3الصدفة في التاريخ:
إن الحوادث الماضية لم تجر في الزمن مستقلة وال معزولة عن حياة
الناس وظروفهم االجتماعية ،واالقتصادية والسياسية ،بل هي وليدة أسباب
عديدة متشابكة ،ولذا ال يمكن النظر إليها وكأنها صدفة ،فال وجود للصدفة
حسب قانون النسبية أو القوانين التجريبية العلمية ،فلكل حادث سبب ولكننا قد
نجهل هذا السبب ،فحدوث الوقائع التاريخية نتيجة للصدفة فرضية ال معقولة
«فإذا كان هناك سبب جزئي ما –كمعركة وقعت صدفة – هو ما أدى إل
127
انهيار دولة ما ،فإن هنالك سببا عاما جعل الدولة تنهار بمعركة واحدة ،ألن
التيار العام يجرف األعراض الجزئية» كما يقول (مونتسكيو)(.)1
فلسفة التاريخ:
فلسفة التاريخ هي« :البحث في العوامل األساسية المؤثرة في سير
الوقائع التاريخية ودراسة القوانين العامة المسيطرة عل نمو الجماعات
اإلنسانية وتطورها عل مر العصور»(.)2
1
-كتاب الفلسفة التونسي ص .330
2
-المعجم الفلسفي جميل صليبا ص .223
3
-كتاب الفلسفة التونسي ص 333
128
يذهب هيجل إل أن المتأمل للتاريخ يكتشف تدريجيا تطورا ذا داللة
خاصة ومعن أعمق مما يبدو في الظاهر من أحداث التاريخ وتعاقبها ،وقد
أطلق عل ذلك المعن وتلك الداللة اسم (الفكرة) التي هي في تطور مستمر
وصراع ديالكتيكي تاريخي ال يتوقف ،وهو ما يفضي إل الشعور بالحرية
ضد كل اغتراب .وقد استخلص (هيجل) مبدأ الفكرة في تفسير التاريخ من
مذهبه الفلسفي العام ،فطبق قوانين التطور الديالكتيكي عل التاريخ السياسي
والديني وتاريخ الفنون مثلما فعل في تاريخ الفلسفة( )1فالتاريخ في نظره ليس
إال بسط الشعور الذاتي بالحرية الكامنة في الروح اإلنسانية أو روح العالم،
فتقدم اإلنسانية يأتي نتيجة الصراع والتأليف.
1
-كتاب الفلسفة التونسي ،ص .333
2
-تاريخ الفكر االجتماعي حسن حسن شحات ص .300
3
-كتاب الفلسفة التونسي
129
االنتقادات اتجهت الهيجلية اليسارية بفلسفة التاريخ إل تصور عملي أدى إل
ظهور فلسفة التاريخ الماركسية.
ويميز ماركس بين البنية التحتية والبنية الفوقية ويرى أنه باإلمكان
رد المجتمع إل بنيتين سواء عل المستوى المادي أو المستوى الفكري هما
البنية التحتية والبنية الفوقية وتمثل العوامل االقتصادية والمادية (البنية
التحية) ،كما تمثل األفكار والمبادئ والنظريات (البنية الفوقية) ،وأي تغيير
في البناء السفلي يتبعه حتما تغير في البناء الفوقي ،فهناك إذن تفاعل وتأثير
متبادل بين كال األساسين أو البنائين ،أي أن هناك تأثيرا مشتركا بين العوامل
الفكرية والعوامل المادية في كل مجتمع(.)1
1
-تاريخ الفكر االجتماعي – حسن شحات – ص .533
130
فلسفة التاريخ الوضعية:
تقوم فلسفة التاريخ عند كونت عل قانون المراحل أو((الحاالت
الثالث)) المشهور الذي فسر به م راحل تطور التاريخ والفكر البشري ،وهذه
المراحل هي :المرحلة الدينية أو الالهوتية التي كان العقل البشري فيها يفسر
الظواهر تفسيرا غيبيا سحريا أو أسطوريا ،ثم المرحلة الميتافيزيقية أو
الفلسفية التي كان اإلنسان يفسر فيها الظواهر اعتمادا عل مفاهيم فلسفية
مجردة ،و أخيرا وصل اإلنسان إل المرحلة الوضعية وهي التي يفسر فيها
الظو اهر بإرجاعها إل قوانين مستنبطة من المالحظة والتجربة ،والمنهج
التاريخي والمنهج المقارن .ثم يستعرض كونت التاريخ اإلنساني مطبقا هذه
التقسيمات عل العصور والمجتمعات البدائية القديمة والمتوسطة والحديثة.
أما فالسفة التاريخ فقد حاولوا الكشف عن قوانين تطور البشرية دفعة
واحدة وبحثوا في القانون الكلي قبل أن يستقرئوا جزئياته فجاءت أحكامهم
131
عامة ومجردة ،الستسالمهم للتفكير والتأمل النظري بعيدا عن التعليل العلمي.
فقد يكون لحركة التاريخ وتطور البشرية قانون واحد أو عدة قوانين ،إال أن
استنباط هذه القوانين يجب أن يستند إل استقراء دقيق وواسع ال إل مجرد
التصور الفلسفي المحض.
األسئلة:
- 1ما خصائص الظاهرة التاريخية؟
- 2من أين يبدأ عمل المؤرخ؟
-3هل يستطيع المؤرخ أن يكون موضوعيا؟
132
علم النفس
تمهيد:
لقد ظل فهم السلوك اإلنساني مطلبا ملحا يراود الفالسفة والعلماء وسبيال إل
ذلك المبتغ ظهرت دراسات وأبحاث حاولت تقديم مقاربات لفهم هذا
السلوك .وا ختلف الجميع في فهم وتحليل الحالة النفسية وما يختفي وراءها من
ألغاز ،ومما زاد من تعقيد هذه الظاهرة أن مجال الدراسة هو اإلنسان من
حيث هو ذات مفردة تفكر وتحب وتكره ،تتذكر وتتخيل ،وتفعل وتنفعل ،تؤثر
وتتأثر ،إل غير ذلك من الظواهر النفسية التي تطبع السلوك اإلنساني والذي
هو ناجم عن وجوده في بيئة طبيعية واجتماعية ،يسع فيها إل تحقيق
حاجاته المادية والمعنوية.
إن هذا النشاط سواء كان عقليا أو انفعاليا أو اجتماعيا هو الذي يتناوله علم
النفس فكيف ندرس الظاهرة النفسية؟
133
ترى أن موضوع علم النفس هو دراسة السلوك اإلنساني دراسة
موضوعية باعتباره استجابة فيزيولوجية لمنبهات خارجية أو نتيجة تأثير
متبادل بين الكائن الحي وبيئته ،فالسلوك في النهاية هو مجموعة أفعال
منعكسة تغنينا عن أخذ الشعور بعين االعتبار ،وما دام السلوك هو مجموعة
من ردود األفعال التي تقوم ب ها األعضاء تجاه المثيرات التي تعاينها فإن
السلوك عندئذ قابل للمالحظة الخارجية وهو ما يعني إمكانية االستعانة
بمعطيات مناهج علوم الفيزياء والبيولوجيا وفي هذا اإلطار يقول العالم
األمريكي ورائد السلوكية (واطسون) "لقد انته السلوكيون إل أنه ال يمكن
أن يقتنعوا بالعمل في الالمحسوسات واألشياء الغامضة وقد صمموا عل
إحدى اثنتين إما أن يتخلوا عن علم النفس أو يحيلوه علما طبيعيا" ويقول في
موضع آخر " :علم النفس كما يراه السلوكي هو شعبة تجريبية موضوعية
خالصة من العلم الطبيعي هدفه النظري التنبؤ بالسلوك وضبطه ،وليس
االستنباط جزءا رئيسيا من مناهجه ،وال القيمة العلمية لحقائقه تقوم عل
استعدادها ألن تعبر عن نفسها بألفاظ الشعور."...
ولقد حان الوقت الذي يترك فيه علم النفس كل إشارة إل الشعور إذ
لم تعد به حاجة بعد إل أن يخدع نفسه في حسبان أنه يجعل الحاالت العقلية
موضوعا لمالحظاته ومن الممكن أن نعرف علم النفس بأنه علم السلوك"(.)1
وصفوة القول في هذا المقام أن المدرسة السلوكية ترى أن فهم الحالة
النفسية لإلنسان ال يتطلب الغوص في أعماق وجدانه واالستماع إليه ليصف
شعوره وإنما يتأت بالدراسة الموضوعية لسلوكه الخارجي باعتباره تعبيرا
واضحا عن تلك الحالة ،فالحاالت النفسية المتعددة كالتعب والخوف والغضب
وغيرها ليست حاالت باطنية فقط بل يمكن مشاهدة ظواهرها الخارجية في
السلوك اإلنساني كتراخي اليدين مثال أو اصفرار الوجه أو اضطراب
الحركة ،وهكذا استخدم السلوكيون وسائل القياس والمالحظة والتقدير الكمي
لفهم السلوك ،مما رفع علم النفس إل مرتبة العلم فأصبحت له قوانينه ،بيد أن
ذلك ال ينفي وجود قصور لدى المدرسة السلوكية ،فاإلنسان الذي سع إل
فهمه كائن عاقل يتأثر بعوامل كثيرة ولذلك فقد يظهر لنا في سلوكه عكس ما
يضمر ،بل إن البكاء مثال الذي نستدل به عل اآللم والخوف قد يكون أعل
1
-الفلسفة لطالب الباكلوريا الجزائر.
134
درجة من درجات الفر ح أو اللذة ثم إنه إذا كان السلوك لدى أنصار المدرسة
السلوكية يحدث بطريقة آلية نتيجة وجود مثير ،فإن المثير الواحد قد يفسر
تفسيرات متعددة من طرف عدد من األشخاص ،فسلوك الهندوسي وما يتسم
به من رهبة وخشوع عند رؤيته بقرة مثال ال يسلكه غيره ،وحت بالنسبة
للفرد فإن المثير الواحد ال يعطي دائما نفس االستجابة ،فقد يتقبل الفرد لفظا
معينا في موقف عل أنه دعاية وقد يثيره ويستفزه نفس اللفظ في موقف آخر.
- 2المدرسة الشعورية:
وترى أن الظاهرة النفسية هي حالة وجدانية داخلية وال يمكن فهمها
أو التعامل معها من الخارج وإنما بالرجوع إل الشخص نفسه حيث يستطيع
باالستبطان أو التأمل الداخلي أن يتأمل نفسه ويدرس شعوره الداخلي وأحواله
النفسية المختلفة .فالشخص هو الذي يستطيع مالحظة ما يجري في شعوره
من خبرات حسية أو عقلية أو انفعالية مالحظة منظمة صريحة تستهدف
وصف هذه الحاالت وتحليلها أو تأويلها أحيانا ،فاإلنسان الذي يعيش هذه
135
الحالة هو المعني ب فهمها ودراستها والتعبير عنها ،فكأن الشعور يتوزع بين
الحادث الذي نعيشه كالخوف مثال وتأمل هذا الحدث لتقسم بذلك النفس إل
متأمل ومتأمل لذلك تسم هذه الطريقة بطريقة المالحظة الداخلية أو
االستبطان ومن أبسط صورها وأقل ها تعقيدا في حياتنا اليومية ما نفعله عندما
نخبر صديقا أو طبيبا عن ما نشكو من آالم أو ضيق أو حين نذكر لشخص ما
نراه أو نسمعه أو نتذوقه ،وقد يتعلق هذا االستبطان بالحاالت الشعورية
الحاضرة أو الماضية كأن تطلب من شخص أن يصف لك شعوره وهو يتابع
مباراة لكرة قدم أو أن يذكر لك حزنه عل صديق توف منذ مدة ،وعل
العموم فاالستبطان هو فعل إرادي حيث يمعن اإلنسان النظر في الحادث
النفسي ويحلله محاوال ت بيين دواعيه وأسبابه والكشف عن القوانين التي
تجمعه بأمثاله ،لكن بالرغم من النتائج التي حققتها المدرسة الشعورية فإنه ال
يعتد بها كطريقة علمية ألنها تدرس حاالت فردية ال يمكن أن يالحظها إال
صاحبها وحده والتفكير العلمي ال يقوم عل الفردي الذاتي بل يقوم عل
المو ضوعي العام الذي يشترك في مالحظاته عدة مالحظين ،كما أن الظاهرة
النفسية ال يمكن استرجاعها بنفس الوضوح وال عفوية ،باإلضافة إل أن اعتماد
هذه الطريقة يجعل األطفال خارج نطاق الدراسة فكونهم ال يستطيعون التعبير
عن مشاعرهم يجعل فهم حالتهم النفسية متعذرا.
وقد اعتمدت هذه المدرسة منهج االستبطان في دراسة الظاهرة
النفسية.
منهج االستبطان:
اعتمدت المدرسة الشعورية منهج االستبطان أو المنهج الذاتي وهو
الذي يتجه إل الحوادث النفسية في بطانتها الداخلية فالحالة الشعورية هي
حالتي أنا أختبرها بنفسي وأحياها بنفسي وأحسها إحساسا مباشرا ،وتمتاز
الحالة الشعورية بأنها داخلية وال مادية وتتصف بالديمومة ولذلك فإن أفضل
وسيلة لفهمها هي التأمل الذاتي الداخلي الذي يقوم به الفرد باعتباره خير من
يصف حالته الوجدانية وهذا يعني أن الفرد أصبح ذاتا وموضوعا في نفس
الوقت.
وقد وجهت لهذا المنهج بعض االنتقادات منها :
صعوبة استرجاع الحوادث النفسية التي مرت في الماضي
136
مع اعتماد منهج االستبطان عل تأمالت فردية وهو ما يتناف
الدراسة العلمية التي تقوم عل المالحظ الموضوعية
صعوبة تطبيق هذا المنهج عل األطفال الذين يتعذر عليهم وصف
حالتهم الشعورية
يقتضي هذا المنهج قدرا من الصراحة وهو ما ال يمكن تحققه غالبا
إذ الفرد ال يفصح كثيرا عن ما يعيشه ذاتيا.
138
وغاية منهج التحليل النفسي هي استعادة الرغبات الدفينة من منطقة
الالوعي إل منطقة الوعي وكان التحليل النفسي لدى فرويد بديال عن منهج
التنويم المغناطيسي لعيوب في هذا المنهج ،منها أن بعض المرض يستعص
عل التنويم وبعضهم ال يجدي تنويمه ألنه ال يميل إل المحادثة المرجوة
وهي الغاية من التنويم أصال وبالنسبة للصم البكم لزم االعتماد عل التحليل
النفسي بدل التنويم المغناطيسي.
وللتحليل النفسي آليات كالمحادثة وتاريخ الحالة وتأويل األحالم وتقويم
االستعدادات والخبرات فإن لم تجد وسيلة تلجأ إل األخرى للعثور عل
الخيط المؤدي إل العقدة الدفينة.
- 4المدرسة الجشطالية:
تعني الكلمة األلمانية جشطالت نمطا أو صيغة أو شكال كليا إذ اعتقد
علماء نفس الجشطالت أن البشر والحيوانات األخرى يرون العالم الخارجي
وكأنه نمط أو شكل منظم متكامل ال مجموعة من إحساسات فردية.
139
األسئلة:
- 1هل نجح علم النفس في دراسة الحالة النفسية لإلنسان؟
- 2أي مدارس هذا العلم أقرب إل فهم الحالة النفسية؟
-3هل يمكن أن يكون اإلنسان موضوعا للعلم؟
140
علم االجتماع
تهتم العلوم اإلنسانية بدراسة مواقف اإلنسان في مختلف أبعاده
الفردية واالجتماعية والتاريخية ونتيجة للحالة الملحة لمعرفة اإلنسان نشأت
العلوم اإلنسانية ومن بين هذه العلوم علم االجتماع ،فكيف نشأ علم االجتماع؟
وما موضوعه؟ وما أهم المناهج المتبعة فيه؟
أوال :النشأة والموضوع
لقد اختلف الباحثون في نشأة علم االجتماع حيث أرجعه البعض إل
ابن خلدون ،فلقد صرح في عبارات واضحة «أنه اكتشف علما مستقال،لم
يُتكلم فيه من قبل ،هذا العلم مستقل بنفسه،فإنه ذو موضوع وهو العمران
البشري واالجتماع اإلنساني ...مستحدث الصنعة غريب النزعة»..
ويستندون في ذلك عل العالقة الوطيدة بين علم العمران البشري
وعلم االجتماع حي ث اهتم ابن خلدون بالمجتمع وبين العالقة بين البيئة
والعوامل االقتصادية في تفسير الظواهر االجتماعية ،وقسم المجتمعات
البشرية من حيث الت طور إل مراحل النشأة والنضج واالكتمال والشيخوخة،
ثم إل مجتمعات حضرية تتميز بالرقة والتخصص والمصلحة ،وأخرى
بدوية تتميز بالخشونة والتوحش والبساطة والكرم والشجاعة.
ويقول عالم االجتماع (جمبلو فتش) « :لقد أردنا أن ندلل عل أنه كان
قبل أوكست كونت جاء مسلم تقي فدرس الظواهر االجتماعية بعقل متزن،
وأت في هذا الموضوع بآراء عميقة،وأن ما كتبه نسميه اليوم بعلم
االجتماع».
بينما أرجعه البعض اآلخر لعالم االجتماع الفرنسي (أوجست كونت)،
باعتباره المنشئ األول لهذا العلم،ومع ذلك ال يمكن أن ينكر الفضل الكبير
البن خلدون في ذلك،عل الرغم من أنه لم يخلفه من يبني عل ما أسس.
ظهر علم االجتماع كما هو حاليا كصياغة علمية في أوائل القرن
التاسع عشر ،بفعل عوامل عديدة نذكر منها:
141
المناخ السائد في تلك الفترة المتمثلة في الليبرالية التي تؤيد االقتصاد
الحر والديمقراطية السياسية ومعاداة االشتراكية والشيوعية وكل النظم
الديكتاتورية،والقضاء عل الفوض بسيادة القانون.
الربط بين التجربة والعقل في حل مشاكل اإلنسان
إخضاع جميع مظاهر الحياة االجتماعية واألخالقية للنقد
إخضاع المجتمع لقوانين تشبه قوانين الطبيعة
إعادة النظر في دور الكنيسة والمكانة االجتماعية ونظام اإلقطاع
الدعوة لبناء المجتمع عل مبادئ عقلية مجردة
فصل الدين عن الدولة وإعالء شأن الفرد.
ونستنتج أن علم االجتماع في نسخته األوربية جاء وليدا للظروف
العامة التي مرت بها أوربا ،والتي فرضت ظهور االهتمام باإلنسان في جميع
أبعاده النفسية واالجتماعية والسياسية واالقتصادية.
يعتبر موضوع علم االجتماع هو المجتمع ،ويرى( كونت) أنه ينبغي
أن توحد كل الدراسات البشرية من تاريخ وعلم نفس واقتصاد ،باعتبار أن
كل أنماط حياة الشعوب مرت بنفس المراحل التاريخية.
وتعرف "ويكيبيديا" ،الموسوعة الحرة علم االجتماع بأنه« :دراسة
الحياة االجتماعية للبشر،سواء بشكل مجموعات أو مجتمعات،وقد عرف
أحيانا كدراسة للتفاعالت االجتماعية».
ويعرف (أوكست كونت) علم االجتماع بأنه «دراسة المجتمع أو
الناس أو السكان دراسة علمية بدرجة عالية من التجرد والموضوعية»،
ويرى أنه يتبع نفس أسلوب العلوم الطبيعية في دراستها،وسماه (الفيزيقا
االجتماعية).
وقد قسم علم االجتماع إل قسمين:
األستاتيكا االجتماعية :وتهتم بدراسة النظم والبناء االجتماعي،من
ناحية التكوين والدور في المجتمع وقد حدد ثالثة عوامل تربط المجتمع
كوحدة استاتيكية هي (:اللغة – الدين -تقسيم العمل).
142
الديناميكا االجتماعية :والتي تهتم بدراسة تطور المجتمع.
أما (دوركايم) فعرف علم االجتماع بأنه «العلم الذي يهتم بدراسة
المؤسسات االجتماعية من حيث تكوينها ووظائفها» ،ومن أبرز اهتماماته
(مبدأ تقسيم العمل) حيث يمثل الدرجة العالية من التضامن االجتماعي.
ويعرفه ماكس فيبر بأنه «العلم الشامل للسلوك البشري» ،واعتبر أن
هذا العلم ال بد له من منهج مالئم الختالف الظاهرة اإلنسانية عن الظاهرة
الطبيعية.
ونظرا لطبيعة الظاهرة االجتماعية وتعقدها ،فإن علم االجتماع قد
عرف عدة مناهج لكل منها دور في تفسير جانب من هذه الظاهرة المتميزة
والفريدة.
ثانيا :مناهج علم االجتماع
هناك مناهج للبحث يستخدمها الباحثون في علم االجتماع وتتوقف
عل البحث وطريقة البحث واإلمكانات المتوفرة ودرجة الدقة المطلوبة ولعل
من أشهرها شيوعا في الدراسات االجتماعية:
-1المنهج اإلحصائي:
هو عبارة عن استخدام الطرق الرقمية والرياضية في معالجة وتحليل
البيانات وإعطاء التفسيرات المنطقية المناسبة لها .ويتم ذلك عبر المراحل
التالية:
* جمع البيانات اإلحصائية عن الموضوع
* عرض هذه البيانات بشكل منظم وتمثيلها
* تحليل البيانات
* تفسير البيانات من خالل تحليل ما تعنيه األرقام المجمعة من نتائج.
وينقسم المنهج اإلحصائي إل منهج وصفي يصف ويلخص األرقام
المجمعة حول موضوع معين ومن ثم تفسيرها في صورة نتائج ،وآخر
استداللي يعتمد عل اختيار عينة أكبر من المجتمع وتحليل بياناتها ،باستخدام
المقاييس اإلحصائية مثل (المتوسط والوسيط والمنوال والنسب المئوية).
143
ويمكن تلخيص أهمية المنهج اإلحصائي في ما يلي:
-الحكم عل الموضوعات بما أمكن من الموضوعية
-تقرير الحقائق وعدم ترك مجال للتأويل
-يكشف العالقات الضرورية بين الظواهر
-يسمح بوضع تعميمات وقوانين بصورة كمية دقيقة
ومن الوسائل المعتمدة في هذا المجال :اختيار العينة الممثلة
لخصائص المجتمع موضوع الدراسة ثم المالحظة والمقابلة أو استخدام
االستمارة ،ومن رواده عالم االجتماع (كيتليه).
وفي حين يصف البعض هذا المنهج بالعلمية يرى آخرون عكس ذلك
,وإن أقروا بوجود طرق إحصائية يمكن اتباعها في التعامل مع البيانات
البحثية ،وتمثل البيانات اإلحصائية دورا كبيرا في معرفة نقاط التوازن أو
الوسط في موضوع البحث باالعتماد عل الوسائل الرياضية والحسابية
واستخدام الحاسوب في تحليل المعطيات من أجل تأمين الدقة والسرعة
المطلوبة.
-2المنهج التاريخي:
يستخدم علماء االجتماع المنهج التاريخي عند دراستهم للتغير الذي
يطرأ عل شبكة النظم االجتماعية وعند دراستهم ألصول الثقافات والتحول
في منظومة القيم والمفاهيم االجتماعية.
ويعتمد في ذلك عل المصادر مثل الكتب والوثائق والمخطوطات
والسجالت ويقوم عل القواعد التالية:
-تحليل الظاهرة منذ نشأتها في الزمان والمكان
-تتبع نموها وتطورها ودراسة العالقة بينها وبين الظواهر األخرى
والتأثيرات المتبادلة.
-اعتماد المقارنة بين المجتمعات المختلفة (المجتمع الواحد-
المجتمعات المتجانسة -المجتمعات المتمايزة)
ويحاول الباحث هنا أن يتبع الخطوات التالية:
144
* جمع مصادر البحث من وثائق وغيرها
* نقل موضوعي لمصادر البحث والمعلومات المجموعة ،وذلك من
خالل مراجعة حصة المعلومات الموثقة وربطها بمعطياتها الزمنية
والمكانية،وإخضاع تلك المعلومات للنقد الداخلي ،والتأكد من
مصداقيتها.
* صياغة الفرضيات وكتابتها :وذلك بافتراض أسباب حدوث الظاهرة
وتفسيرها بناء عل براهين موجودة فعال واستخالص نتائج تساعد
عل التنبؤ المستقبلي ،وأخذ العبر من الماضي والحاضر.
* جمع كافة البراهين بعناية كبيرة وتحليل النتائج بروح موضوعية
محضة.
أدلة وبراهين * كتابة التقرير النهائي بأسلوب علمي معتمدا عل
واقعية بعيدا عن الخيال واالنحياز.
عوائق المنهج:
يرى البعض أن صعوبة التجريب والتكرار والتلف والتزوير الذي قد
تتعرض له األحداث التاريخية وكذلك صعوبة وضع فرضيات واضحة مبنية
عل أسس نظرية قوية واإللمام بكل جوانب المادة التاريخية كل ذلك يجعل
من العسير الوصول إل نتائج واستخالصات موضوعية ودقيقة.
145
ويمكن تعريف المنهج التجريبي بأنه يتضمن كافة اإلجراءات والتدابير
الممكنة التي يتدخل فيها الباحث االجتماعي،عن قصد مسبق في كافة
الظروف المحيطة بظاهرة محددة»(.)1
ويؤدي هذا المنهج إل اتباع أسلوب معين لجمع البراهين واألدلة
والتحكم في مختلف العوامل التي يمكن أن تؤثر في الظاهرة موضوع البحث.
كما يعتمد أسلوب التجارب العلمية الموضوعية والمخبرية التي تعتمد عل
العالقات السببية بين العوامل المختلفة،ويرتكز عل الخطوات التالية:
مالحظة الظاهرة موضوع البحث
وضع فرضيات لتفسير الظاهرة
تجربة هذه الفرضيات بعد تحديد نوع التجربة ومكان إجرائها
صياغة النظرية عل ضوء النتائج المستخلصة من تجريب الفرضيات
وتحديد أسباب وظروف تشكل الظاهرة ،وذلك بأسلوب يتوخ الدقة
والموضوعية في إطار تحليل منطقي لمحددات الظاهرة االجتماعية
المدروسة.
أي أن الباحث في هذا المنهج يقوم بتحديد المشكلة ،وبعد ذلك يصوغ
الفروض التي تمس المشكلة ،ثم يحدد المتغير المستقل والتابع ،ثم يقيس
المتغير التابع وتحد يد شروط التحكم فيه وضبطه ووسائل التجربة ،وأخيرا
يقوم بتحديد العوامل المتحكمة في الموضوع محل البحث.
ويتخذ هذا المنهج ثالثة أنواع من التجارب وهي :
تجربة المجموعة الواحدة :ويركز عل تجريب عامل واحد لمعرفة
مدى تأثر الظاهرة به ،كأن نقيس ظاهرة تدني مستوى أداء الطالب،وافتراض
غياب الرغبة في التعلم،ثم نقوم بتدريبات خاصة لعينة من التالميذ تهدف
لتنشيطهم وتقوية إرادة التعلم لديهم،وبعد ذلك نقارن بين المستوى السابق
والمستوى الحالي لنعرف الفارق الحاصل بين المستويين ،وبذلك نتعرف عل
العامل المسؤول عن التغير.
التجربة عل عدة مجموعات :ويهدف إل استخدام أكثر من مجموعة
بالتناوب مع وجود مجموعات متشابهة أو متكافئة ،بحيث تصبح كل واحدة
146
مرة مجموعة تجريبية وفي المرة الثانية مجموعة ضابطة (يقاس عليها)،
لنتعرف عل العوامل المؤثرة بشكل أوضح.
ج -التجربة عل مجموعتين :يتم التعامل مع مجموعتين متشابهتين،
ويعرض الباحث التجربة عل مجموعة (المجموعة المفحوصة) ،ثم يقارن
بين المجموعتين ليتعرف عل التغير الحاصل بينهما.
عوائق المنهج:
-صعوبة تحقيق الضبط التجريبي لعدم حصول التشابه التام في
المواقف االجتماعية ،فهناك إرادة التصنع التي تصعب من دقة التجربة.
-عدم التمكن من إدراك كل المتغيرات المتحكمة في الظاهرة
االجتماعية.
-تعتمد التجربة عل عينة أو مجموعة من المجتمع قد ال تمثل الوجهة
العامة للمجتمع ،وبالتالي ال يمكن تعميمها عل مجموع األفراد.
لقد طالب البعض بضرورة عدم تعميم الدراسات االجتماعية الرتباطها
بالظروف الخاصة لمجتمع الدراسة ،باعتبار أن كل مجتمع له خصوصياته
وظروفه التي يتميز بها عن غيره من المجتمعات.
األسئلة:
حدد الظروف التي نشأ فيها علم االجتماع. -3
ما مصداقية القول بأسبقية الغرب في تأسيس علم االجتماع؟ -2
اذكر أهم مميزات المناهج المستخدمة في علم االجتماع -5
هل عدم التمكن من تحديد كل عوامل الظاهرة االجتماعية -0
مدعاة لرفض علمية البحوث االجتماعية؟
العوائق االبستمولوجية في العلوم اإلنسانية
148
نالحظ أن ما يثير هذا ويستفزه قدال يترك أي أثر في اآلخر ،ومن هنا فإن أية
نتيجة يستخلصها الباحث من دراسة بعض األفراد ال يمكن أن تكون قابلة
للتعميم عل مختلف أفراد النوع ،وهذا عائق من أكبر العوائق التي تجعل
طريق العلوم اإلنسانية نحو الدقة طريقا غير سالك.
والظاهرة النفسية حين حاول الباحثون في علم النفس تحديد موضوعها
لم يتفقوا عليه وال عل الطريق األنسب لدراستها ،هل يكون التركيز عل
السلوك الظاهر أم عل الشعور أم عل "الالشعور" ،وهذا يبين صعوبة
مالحظتها بشكل يمكن من استيعابها ،إذ المالحظة تحتاج –سلفا – إل
مجموعة من االحتياطات تصحح عل األقل الرؤية األول خاصة .وهذا ال
يخص علم النفس عن علم التاريخ وعلم االجتماع ،فليس من السهل حين
ندرس حادثة تاريخية أن نالحظها واقعا حيا نعيشه ،فهي ماضية وال سبيل
إل إعادتها مهما كانت الظروف مهيأة لذلك ،وهنا يبرز الفارق الكبير بين
العلوم الدقيقة والعلوم اإلنسانية فاألول حين نوفر الشروط الالزمة إلحداث
الظاهرة يكون باإلمكان إعادتها ،أما في الثانية فاألمر اليزال متعذرا حت
اللحظة.
االيدولوجيا :ولما كانت العلوم اإلنسانية وثيقة الصلة بالفلسفة وباإلنسان
فنقول :إن العامل المذهبي الذي يوجه أحيانا كثيرة األنساق الفلسفية يحول
دون فهم الظاهرة كما هي و إقحام هذه األنساق بطريقة أو بأخرى في العلوم
اإلنسانية أكبر عائق يلزم رفعه وإبعاده ،فاألنساق الفلسفية تتميز بغائيتها من
حيث :إن لكل نسق فلسفي غايات محددة هي التي يهدف إل إبرازها ضمن
الغايات المختلفة للفلسفة ،وحضور االعتبارات الغائية أو االيديولوجية في
الدراسة يضفي عل الموضوع طابع المذهبية أو الشخصنة الفردية.
إن اإليديولوجيا تؤدي إل صراع عل مستوى األفكار وهذا الصراع
ينجر عنه حتما اختالف في التصورات والممارسات مما يؤدي إل دراسات
وأبحاث إ ما استرضائية ترفض كل ما من شأنه أن يشوش عل هذا النسق أو
يسبب التشكك في قيمته العلمية وإما متحاملة ال تعترف بالعناصر اإليجابية
149
في الدراسة مه ما كانت قوة تأسيسها ومنطقية بنائها وانسجام نتائجها مع
المنطلقات التي بنيت عليها ،فتكون النتيجة في النهاية غياب الموضوعية التي
تقتضي تنحية الذات وإبعاد جميع االعتبارات االيديولوجية ويرى (ألتوسير)
أن األ يديولوجيا في واقع األمر ما هي إال خطاب خارج حدود الخطاب
العلمي ،وذلك أن هذا الخطاب تتحكم فيه أحكام القيمة في حين ال يهتم العلم
إال بأحكام الواقع.
150
العمودي (دياكرونيك) ،فالمستوى األول يهتم فيه بالظاهرة اإلنسانية (تاريخية
أو اجتماعية أو لغوية) في الحاضر ،كما هي في الواقع بغض النظر عن
التحوالت التي مرت بها تاريخيا وعما يمكن أن يطرأ عليها مستقبال ،أما
المستوى الثاني فيهتم فيه بالعامل الزمني كأن ينظر إل الظاهرة المدروسة
عبر سلسلة من التحوالت مرت بها أو ينظر إل ما يمكن أن يطرأ عليها في
المستقبل.
إن المستوى األول (األفقي) هو الذي يسمح بدراسة الظاهرة اإلنسانية
دراسة موضوعية ،أما الثاني (العمودي) فيشكل عائقا ابستيمولوجيا ،ذلك أن
الظاهرة كما هي مقدمة في الواقع تختلف عما كانت عليه في الماضي وعما
يمكن أن يطرأ عليها في المستقبل ،ولذلك فإن الدراسة التي يكون فيها
الماضي والمستقبل حاضرين ال تحقق الدراسة الموضوعية في نظر
البنيويين.
ويذهب البنيويون كذلك إل أن النزعة التجريبية تشكل عائقا
ابستيمولوجيا ذلك أن االعتماد عل التجربة في نظرهم يشكل عائقا يحول
دون الوصول إل البنية الحقيقية لألشياء ،فالظاهر والمباشر ال يمثالن الواقع
الحقيقي للظواهر المدروسة ومن ثم فالبد من تجاوز المعط إذا كنا نريد حقا
معرفة الحقائق.
ويربط البنيوي تقدم العلوم اإلنسانية بإخضاعها المنهج التحليلي البنيوي
الذي يهــدف – حسب رأيهم -إل التحــرر من مختلــف العـوائق
االبستيمولوجية.
ومهما حاول الدارسون للظواهر اإلنسانية التزام الحياد والموضوعية
فلن يستطيعوا بسهولة التخلص من رواسب االيديولوجيا والذاتية ،ذلك أن هذه
العلوم ال تنفصل عن اإلنسان فهي مفعمة بالعناصر االنتروبومورفية التي
تسقط ظاللها عل أية دراسة موضوعها اإلنسان أو ما يتصل به.
هذا باإلضافة إل تعقيد الموضوع الذي لم يستطع بعد استلهام
الرياضيات كأسلوب في التعامل وأداة للصياغة ،غير أن هذه النظرة
151
المتشائمة ال يمكن اعتبارها حتمية نهائية تفرض عل الباحثين في العلوم
اإلنسانية االستسالم لواقع غير علمي ال أمل في تجاوزه ،بل نقول :صحيح أن
العلوم اإلنسانية لم تحقق ما حققته العلوم الدقيقة من موضوعية ويقين لكن
غياب هذه النتيجة في العلوم اإلنسانية ال يعني في الواقع انتفاءها مطلقا ،وما
ينبغي فهمه هو أن فكرة التعقيد مؤقتة وزوالها مشروط فقط بتطور العقل
البشري وتطور األدوات التي يستخدمها في الدراسة.
األسئلة:
النصوص 152
153
النص ):(1
إنسان العلوم اإلنسانية
تمهيد:
يتميز اإلنسان عن باقي الكائنات الحية األخرى بثراء نشاطاته
وتنوعها ،ويختلف كلية عن هذه الكائنات ،وإذا كان المهتمون بدراسة أبعاده
دراسة علمية لم ينجحوا بعد في تجاوز العوائق االبستيمولوجية التي تحول
دون دراسته تجريبيا ،فمرد ذلك أن العلوم المتصلة باإلنسان ال تشكل وسطا
متجانسا يسهل التعامل معه والتحكم فيه.
ــــــــــــ
إن أول ما ينبغي علينا أن نالحظه .أن العلوم اإلنسانية لم ترث حقال قد
رسمت معالمه ،وربما قدر تقديرا إجماليا إال أنه ترك بؤرا ،فتكون مهمتها
عندئذ أن تتول تهيئته باستخدام مفاهيم غدت علمية ومناهج وضعية .إن
القرن الثامن عشر لم يترك للعلوم اإلنسانية مساحة موضوعها اإلنسان أو
الطبيعة اإلنسانية ف قد رسمت حدودها من الخارج ،ولكنها ما زالت خالية،
فيكون دور العلوم اإلنسانية حينئذ أن تتول بعد ذلك اإللمام بها وتحليلها .إن
المجال االبست مولوجي الذي تتحرك فيه العلوم اإلنسانية لم يقع تحديده سلفا
(.)...
وبصفة عامة فإن الوجود الجدي لإلنسان يجعله يتقاطع تقاطعا تاما
مع كل ما هو حي ،ولما كان اإلنسان ينتج أشياء وأدوات ،ويتبادل ما يحتاج
إليه ،وينظم شبكة كاملة من المسالك يمر عبرها ما يمكن له أن يستهلكه،
154
ويكون هو نفسه بمث ابة المحطة فيها ،فإنه يبدو ،في وجوده ،مندمجا اندماجا
مباشرا مع الغير ،وأخيرا فل ما كان اإلنسان لغة فإنه بإمكانه أن ينشئ لنفسه
عالما رمزيا يعقد فيه عالقات مع ماضيه .ومع األشياء ،ومع الغير ،ويستطيع
أيضا أن يبني انطالقا منه شيئا من قبيل المعرفة (وعل وجه الخصوص
المعرفة التي له عن نفسه والتي ترسم لها العلوم اإلنسانية إحدى الصور
الممكنة) .بإمكاننا إذن أن نحدد موقع علوم اإلنسان في حوار هذه العلوم التي
تتعلق بالحياة والعمل واللغة ،وعل تخومها المباشرة وعل مداها كله ()...
ومع ذلك ،فال يحق لنا أن نعتبر علم الحياة أو علم االقتصاد أو فقه اللغة أول
العلوم اإلنسانية وال أجدرها بأن تعد أساسا لها.
ميشال فوكو
الكلمات واألشياء
األسئلة :
–1ما هو إنسان العلوم اإلنسانية؟ وهل هو اإلنسان نفسه الذي
تتكلـم
عنه الفلسفة؟
–2حدد مفهوم "المجال االبستمولوجي".
–3ما معن قول الكاتب" :العلوم اإلنسانية لم ترث حقـــال قد
رسمت معالمه"؟
– 4هل يمكن أن يكون اإلنسان موضوعا للعلم؟
النص ):(2
155
أسباب األخطاء في دراسة التاريخ
تمهيد:
قد يختلط التاريخ بمجرد نقل األخبار ،دون تمحيص أو بحث عن
الصدق ،مما جعل بعض الباحثين ،يحاول التمييز بين الصادق من األخبار
والكاذب منها ،وكان ذلك بداية ظهور قواعد المنهج التاريخي ،وهذا ابن
خلدون – من أوائل الرواد الذين فطنوا إل ما يدخل األخبار من التزييف-
يحدد األسباب ويضع القواعد لدراسة التاريخ دراسة موضوعية يقترب فيها
المؤرخ من الحوادث الواقعية للتاريخ.
ــــــــــــ
اعلم أنه لما كانت حقيقة التاريخ أنه خبر عن االجتماع اإلنساني الذي هو
عمران العالم وما يعرض لطبيعة ذلك العمران من األحوال مثل التوحش
والتأنس والعصبيات وأصناف التغلبات للبشر بعضهم عل بعض ،وما ينشأ
عن ذلك من الملك والدول ومراتبها ،وما ينتحله البشر بأعمالهم ومساعيهم
من الكسب والمعاش والعلوم والصنائع وسائر ما يحدث من ذلك العمران
بطبيعته من األحوال .لما كان الكذب متطرقا للخبر بطبيعته وله أسباب
تقتضيه.
فمنها التشيعات لآلراء والمذاهب ،فإن النفس إذا كانت عل حال من
االعتدال في قول الخبر أعطته حقه من التمحيص والنظر حت تتبين صدقه
من كذبه وإذا خامر ها تشيع لرأي أو نحلة قبلت ما يوافقها من األخبار ألول
156
عين بصيرتها عن االنتقاد وهلة وكان ذلك الميل والتشيع غطاء عل
والتمحيص فتقع في قبول الكذب ونقله.
ومن األسباب المقتضية للكذب في األخبار أيضا الثقة بالناقلين
وتمحيص ذلك يرجع إل التعديل والتجريح.
157
وكثيرا ما يعرض للسامعين قبول األخبار المستحيلة وينقلونها وتؤثر
عنهم ...وتمحيص (هذه األخبار) إنما هو بمعرفة طبائع العمران وهو أحسن
الوجوه وأوثقها في تمحيص األخبار وتمييز صدقها من كذبها وهو سابق عل
التمحيص بت عديل الرواة ،وال يرجع إل تعديل الرواة حت يعلم أن ذلك الخبر
في نفسه ممكن أو ممتنع وأما إذا كان مستحيال فال فائدة للنظر في التعديل
والتجريح ولقد عد أهل النظر من المطاعن في الخبر استحالة مدلول اللفظ
وتأويله بما ال يقبله العقل.
ابن خلدون
(المقدمة) ص 28/26
األسئلة:
–1ما التاريخ؟ وما االجتماع اإلنساني؟ وهل هناك صلة بينهما؟
–2ما األسباب التي تجعل الكذب يتطرق للخبر؟
–3هل ترى أن تحليل ابن خلدون ال يزال يحتفظ بقيمتــه إل
اليوم؟
– 4هل التاريخ علم من العلوم؟
158
النص ):(3
إعادة بناء الحوادث التاريخية
تمهيد:
لم يكن التاريخ سوى سجل من األحداث يحفظ لإلنسان سلسلة
المراحل التي تتحدث عن الحضارات والحروب واالنتصارات واألبطال،
ولكن فالسفة التاريخ يتجاوزون هذه الحوادث الجزئية إل ما وراءها .أي
أنهم في دراستهم للتاريخ يحاولون إدراك الحتميات التي تكمن خلف كل حدث
تاريخي.
ــــــــــــ
لقد كان التاريخ دوما ،يؤسس الحوادث (التاريخية) ثم يستخدمها،
وهذا ما كان عل العموم صحيحا وأمرا واضحا ،خصوصا حينما يكون
التاريخ عبارة عن نسيج خالص من األحداث أو يكاد :مت وأين ازداد الملك
الفالني؟ وهل كان انتصاره في المكان الفالني عل جيرانه حاسما؟
إن البحث عن جميع النصوص التي تحدث عن هذا االزدياد أو عن
هذا االنتصار ،وانتقاء أكثرها جدارة وأهال بالثقة ،كما اعتماد أحسنها في
تكوين رواية دقيقة مقبولة ...كل ذلك ال يخلو من صعوبات.
ولكن ،الم تعرف ،عبر هذا التسلسل الزمني ،األجور انخفاضا
واألسعار ارتفاعا؟ إن مثل هذه الحوادث التاريخية ،في نظرنا ،ألهم من وفاة
قائد معين أو من إبرام اتفاقية عابرة ،هل نحصل عل هذه الحوادث مباشرة؟
بالطبع ال ،فهناك العديد من األشخاص الذين يبحثون بصبر وأناة ،بتتابع
وبدون انقطاع ،ويعملون طويال عل صنعها ،بواسطة آالف المالحظات
المستقاة بدقة وإتقان وبكمية هائلة من المعطيات المستخلصة بعناء من وثائق
متعددة هذه المعطيات يقدمونها كما هي في ذاتها ال كحقائق .ال تعترضوا
عل قائلين« :هذا العمل هو مجرد جمع لحوادث ،وليس مطابقا بالضرورة
159
للحوادث التاريخية ذاتها» "وذلك ألن الحادثة التاريخية في ذاتها هي مجرد
ذرة صغيرة تنتمي إل مجال التاريخ العريض فأين يمكن أن نعثر عليها؟ ...
وحت إذا ما (عثرنا عليها) وأردنا تحليلها وتفكيكها إل عناصرها المادية أو
الروحية فإننا نجد أنها مجرد نتيجة ترتبط بقوانين عامة وبظروف زمانية
ومكانية جزئية ،إضافة إل ظروف خاصة بكل فرد من األفراد الذين قد
نعرفهم أو نجهلهم ،والذين لعبوا دورا هاما فيها ...إننا سنجد أنفسنا أمام
تركيب متشابك يتجزأ وبتفكك وينقسم بذاته .فهل يتعلق األمر ،والحالة هذه
بشيء معط ،أم بشيء مؤسس مرات عديدة من طرف المؤرخ؟ إن األمر
يتعلق فعال بأمور مخترعة ومؤسسة انطالقا من فرضيات وتخمينات،
بواسطة بحث دقيق وشيق.
وهذا ما قد يدفع بدون شك ،إل زعزعة تصور آخر كثيرا ما تردد
تعليمه في الماضي ،وهو أن "المؤرخ ال يمكنه أن يختار الحوادث" ،ولكن
هل هناك فعال تاريخ ال يقوم في ذاته عل مبدأ االختيار؟
...فبمجرد ما تكثر الوثائق ،يشرع المؤرخ في اختزالها وتبسيطها،
يركز عل بعضها ويغفل بعضها اآلخر.
إنه اختيار بصورة خاصة ألن المؤرخ هو الذي ينشئ كل المواد التي
يعمل عليها ،أو إذا شئنا إنه يعيد إنشاءها .إن المؤرخ ال يتحول في الماضي
بدوت أي قصد أو هدف كما يفعل جامع الخرق البالية باحثا عن المهمالت،
وإنما ينطلق ،عل العكس ،في بحثه وفي ذهنه خطة مرسومة مسبقا أو مشكل
يتطلب الحل ،أو فرضية عمل يريد التحقق منها .إن كل من ينفي عن هذا
العمل طابعه العلمي فإنما يؤكد ،بذلك عدم معرفته بالعلم وشروطه،
ومناهجه".
لوسيان فيفر ،دفاع عن التاريخ
باريس 3363 ،ص 7/6
160
األسئلة :
–1أال يتعارض عمل المؤرخ القائم عل االختيار واالفتــراض
والتخمين والتركيب مع سعيه إل بناء الحقيقة التاريخية؟ أي
مع المعرفة الموضوعية المطابقة للواقع التاريخي؟
–2أال يقف عدم تكرار الحوادث التاريخية عائقا أمام بناء قوانين
عامة؟ ومن ثم أال ينزع هذا العائق عن عمــل المــؤرخ
ونتائجه صفة العلم؟
–3اشرح العبارة" :المؤرخ ال يمكنه أن يختار الحوادث".
161
النص ):(4
162
واألحوال لذاته واحدة بعد أخرى ،هذا شأن كل علم من العلوم وضعيا كان أو
عقليا.
واعلم أن الكالم في هذا الغرض مستحدث الصنعة .غريب النزعة
غزير الفائدة أعثر عليه البحث وأدى إليه الغوص وليس من علم الخطابة
الذي هو أحد العلوم المنطقية ،فإن موضوع الخطابة إنما هو األقوال المقنعة
النافعة في استمالة الجمهور إل رأي أو صدهم عنه ،وال هو أيضا من علم
السياسة المدنية إذ السياسة المدنية هي تدبير المنزل أو المدينة بما يجب
بمقتض األخالق والحكمة ليحمل الجمهور عل منهاج يكون فيه حفظ النوع
وبقاؤه .فقد خالف موضوعه موضوع هذين الفنين اللذين ربما يشبهانه وكأنه
علم مستنبط النشأة .ولعمري لم أقف عل الكالم في منحاه ألحد من الخليقة،
ما أدري لغفلتهم عن ذلك وليس الظن بهم ،أو لعلهم كتبوا في هذا الغرض
واستوفوه ولم يصل إلينا .وإذا كانت كل حقيقة متعلقة طبيعية يصلح أن يبحث
عما يعرض لها من العوارض لذاتها ،وجب أن يكون ،باعتبار كل مفهوم
وحقيقة ،علم من العلوم يخصه ،ولكن الحكماء لعلهم إنما ال حظوا في ذلك
العناية بالثمرات ،وهذا إنما ثمرته في األخبار هذا كما رأيت ،وإن كانت
مسائله في ذاتها وفي اختصاصها شريفة لكن ثمرته تصحيح األخبار وهي
ضعيفة ،فلهذا هجروه وهللا أعلم{ ،وما أتيتم من العلم إال قليال} وهذا الفن الذي
الح لنا النظر فيه نجد منه مسائل تجري بالعرض ألهل العلوم في براهين
علومهم وهي من جنس مسائله بالموضوع والطلب مثل ما يذكره الحكماء
والعلماء في إثبات النبوة من أن البشر متعاونون في وجودهم فيحتاجون فيه
إل الحاكم والوازع و مثل ما يذكر من أصول الفقه في باب إثبات اللغات من
أن الناس محتاجون إل العبارة عن المقاصد بطبيعة التعاون واالجتماع
وتباين العبارات أخف ،ومثل ما يذكره الفقهاء في تعليل األحكام الشرعية
بالمقاصد من أن الزنا مخلط لألنساب مفسد للنوع وأن القتل أيضا مفسد
للنوع ،وأن الظلم مؤذن بخراب العمران المفضي لفساد النوع وغير ذلك من
سائر المقاصد الشرعية في األحكام فإنها كلها مبنية عل المحافظة عل
163
العمران .فكان لها النظر فيما يعرض له وهو ظاهر من كالمنا هذا في هذه
المسائل الممثلة .وكذلك أيضا يقع إلينا القليل من مسائله في كلمات متفرقة
لحكماء الخلقية لكنهم لم يستوفوه ..أطلعنا هللا عليه من غير تعليم أرسطو وال
إفادة موبذان ...ونحن ألهمنا هللا إل ذلك إلهاما ،وأعثرنا عل علم جعلنا سن
بكره وجهينة خبره .فإن كنت قد استوفيت مسائله وميزت عل سائر الصنائع
أنظاره وأنحاءه فتوفيق من هللا وهداية وإن فاتن شيء في إحصائه واشتبهت
بغيره مسائله فللناظر المحقق إصالحه .ولي الفضل ألنني نهجت له السبيل
وأوضحت له الطريق .وهللا يهدي بنوره من يشاء.
ونحن اآلن نبين في هذا الكتاب ما يعرض للبشر في اجتماعهم من
أحوال العمران في الملك والكسب والعلوم والصنائع بوجوه برهانية يتضح
بها التحقيق في معارف الخاصة والعامة وتندفع بها األوهام وترفع الشكوك.
األسئلة :
–1ما العوامل التي ساعدت ابن خلدون عل العثور عل علم االجتماع؟
–2بين خصائص علم االجتماع كما بينها ابن خلدون في هذا الفصل.
–3ابرز بعض جوانب اشتراك علم االجتماع مع بعض العلوم األخرى
في دراسة العمران البشري.
–4ما العوائق التي تحول دون تطبيق المنهج التجريبي في علم
االجتماع؟
النص ):(5
164
موضوع علم النفس
تمهيد:
إن كل نشاط يصدر عن اإلنسان وهو يتعامل مع بيئته ليس نشاطا
جسميا خالصا أو نشاطا نفسيا خالصا وليس نشاطا يصدر عن جزء من
الجسم بل نشاط كلي يصدر عن اإلنسان بكليته باعتباره (وحدة نفسية جسمية)
تعيش في بيئة ،وبعبارة أخرى فاإلنسان وحدة جسمية نفسية متضامنة متكاملة
ال تتجزأ إن تأثر منها جانب أو اضطرب تأثرت له الوحدة كلها واضطربت.
ــــــــــــ
إن علم النفس ،سواء بالنسبة إل علم النفس اإلكلينيكي) (1أو بالنسبة
هو علم السلوك .ليس ثمة ما يدعو إل إضافة التجريبي)(2 إل علم النفس
"التجربة الحسية" إل السلوك وذلك ألن التجربة ترتد إما إل مسالك ،وإما
إل أشكال ونتاجات مستقرة ومنتظمة من السلوك .وفيما يتصل بعلم النفس
التجريبي فإن وشائج) (3صلته بالسلوك لوثيقة إل الحد الذي يعفينا من اإللحاح
عليها.
ومن الواضح أن علم النفس اإلكلينيكي يقوم عل مالحظة ونتاجات
السلوك وحت الشعور نفسه يستحيل فهمه من الناحية البيولوجية إال أنه سلوك
أو خاصية من خصائص السلوك .فنحن ال نبلغ "الشعور" إال من خالل
فقد بينا أن موضوعه هو النفسي)(4 السلوك أو عن طريقه .أما عن التحليل
مشكالت السلوك وأن بحث التحليل النفسي كله يقوم عل مالحظة السلوك
وتأويله .وهكذا نجد في ما يتصل بتصور الموضوع العام لعلم النفس ،اتفاقا
تاما بين التجريبيين واإلكلينيكيين .وغني عن البيان أن هذا التصور
الواطسوني)(5 "السلوك" والذي يسمح بتحقيق هذا االتفاق ،اشمل من التصور
للسلوك ،هذا الذي يخفضه إل مجرد وقائع مادية بحتة .ومثل هذا الخفض
"الفيزيائي للسلوك يتتبع خفض علم النفس إل علم الفيزياء .غير أن
165
"السلوك" "هو انبثاق" ال يمكن خفضه إل صيغ فيزيائية .ولقد انته التطور
بعلم النفس السلوكي ذاته إل تصور جديد للسلوكية ،تصور ال ينطوي عل
الخفض إل الفيز ياء أو إل الفسيولوجيا ،تصور "كلي" أي ينظر إل السلوك
كوحدة كلية فريدة ،وذلك في معارضة للتصور الجزئي ،والذي يركب
السلوك ابتداء من عناصر سابقة ومنعزلة .وأخيرا اعترف كل من (كانتور)
و(تولمان) بما للسلوك من دالالت محايدة أي ينطوي عليها وال تضاف إليه
من الخارج ،فأتاحا بذلك أداة تصورية مالئمة لوصف السلوك البشري
وتأويله ،وضرورية فيما اعتقد لمالحظة سلوك الحيوان وتأويله.
-دنيال ال جاش -
وحدة علم النفس ،ص 33 - 34
ترجمة :صالح محيمر -وعبده مخائيل رزق
الهوامش:
– 1فرع من فروع علم النفس يعني تشخيص االضطرابات النفسية.
– 2فرع من علم النفس يبحث المشكالت السيكولوجية بصورة تجريبية.
– 3فروع :تشبه العروق.
– 4نظرية في علم النفس وطريقة في معالجة االضطرابات العقلية والعصبية أوجدها
"فرويد"
الذي ينسب السلوك إلى عوامل مكبوتة وموجودة في الالشعور.
- 5واطسون :عالم فيزيولوجي أمريكي يرجع علم النفس إلى األفعال المنعكســـة،
والمنعكسات الشرطية – نتيجة تغيرات فيزيولوجية ،فتفسير السلوك ميكانيكي.
األسئلة :
–1ما هو علم السلوك بالنسبة لصاحب النص؟
166
–2ماذا يعني صاحب النص بقوله" :إن بحث التحليل النفسي يقوم
عل مالحظة السلوك وتأويله"؟
–3ماذا يعني بتصور "كلي"؟ وأن ننظر إل السلوك كوحدة كلية
فريدة؟
167
النص ):(6
نقد االستبطان
تمهيد:
إن االختالف حول تحديد الموضوع في "علم النفس" ينعكس
بالضرورة عل المنهج المالئم لدراسة هذا العلم ،ويعتبر االستبطان الطريقة
المثل لدراسة النفس إال أن إخفاقها الذريع في مدرسة "فيرز بورق" أدى إل
التخلي عنها وااللتفات نحو مناهج العلوم التجريبية .وينقد (أوجست كونت)
في هذا النص االستبطان مبينا عيوبه ومستخلصا طريقة جديدة.
ــــــــــــ
يالحظ أنه ال مكان بأي وجه من الوجوه لعلم النفس الوهمي الذي هو
اآلخر تحول لاله وت ،والذي يراد عبثا بعثه اليوم من جديد ،والذي يدعي
التوصل إل الكشف عن قوانين الفكر البشري األساسية بتأمله هو في ذاته،
أي بإهمال كل من األسباب والنتائج إهماال كليا ،دون أن يكترث بالدراسات
الفيزيولوجية ألعضائنا الذهنية وال بمالحظة الطرق المنطقية التي توجه
بالفعل مختلف أبحاثنا العلمية.
إن رجحان الفلسفة الوضعية قد أصبح عل التوالي هكذا ،ابتداء من
"بيكون" فأصبح لها اليوم بطريقة غير مباشرة نفوذ كبير جدا حت عل
أولئك الذين بقوا ابعد الناس عن نموها الضخم بحيث إن الميتافيزيقيين
المنكبين عل دراسة ذهننا لم يستطيعوا أن يأملوا التخفيف من انحطاط علمهم
المزعوم إال عندما رجعوا عن رأيهم ليعرضوا مذاهبهم عل أنها هي أيضا
قائمة عل مالحظة الحوادث.
ومن أجل ذلك فقد فكروا في المدة األخيرة في التمييز بضرب من المحاكمة
الغريبة ،بين نوعين من المالحظة متساويين في األهمية أحدهما خارجي
واآلخر داخلي ،واألخير منهما مخصص لدراسة الظاهرة الذهنية فقط .وليس
هنا مجال للدخول في مناقشة خاصة بهذه السفسطة األساسية وعل أن أقتصر
عل اإلشارة إل أن االعتبار الرئيسي الذي يثبت بوضوح هذا التأمل المباشر
المزعوم الذي يقوم به الذهن عل ذاته هو مجرد وهم...
168
ومن البين في الحقيقة أن الذهن البشري ،بمقتض ضرورة ال مرد لها،
يستطيع أن يالحظ مباشرة جميع الظواهر باستثناء ظواهره هو ،إذ من ذا
الذي يقوم بالمالحظة؟ إننا نتصور بالنسبة إل الظواهر األخالقية أن اإلنسان
يستطيع أن يالحظ نفسه بنفسه من جهة األهواء التي تحركه ،لهذا السبب
التشريحي وهو أن األعضاء التي هي مقر لها متميزة عن األعضاء
المخصصة لوظائف المالحظة .وعالوة عل ذلك ،فحت لو تمكن أحد من
القيام بمثل هذه المالحظات عل نفسه ،فلن تكون لها من دون شك أهمية
علمية كبيرة أبدا ،وتكون أفضل وسيلة لمعرفة األهواء هي دائما مالحظتها
من الخارج ،إذ أن كل حالة من أحوال الهوى الشديدة الظهور أي عل وجه
الدقة ،الحالة التي يتعين فحصها أكثر من غيرها ،هي بالضرورة متنافية مع
حالة المالحظة.
أما مالحظة الظواهر الذهنية بنفس الطريقة أثناء حدوثها فذلك أمر
ظاهر االستحالة فالفرد المفكر ال يمكنه أن ينشطر شطرين أحدهما يفكر
واآلخر يشاهد التفكير وبما أن العضو المالحظ والعضو المالحظ متماثالن
في هذه الحالة فكيف يمكن أن تكون هناك مالحظة؟ إذن فهذه الطريقة
النفسانية المزعومة باطلة من أساسها أصال.
أوجست كونت
(دروس في الفلسفة الوضعية)
ترجمة :محمود يعقوبي
األسئلة :
–1ما عيوب االستبطان كمنهج حسب أوجست كونت؟
–2ما الطريقة الصالحة التي يمكن استخالصها من خــالل هذا
النص؟
–3هل توصل أوجست كونت إل استنباط طريقة علمية لدراسـة
النفس؟
169
النص ):(7
الجهاز النفسي
األسئلة :
–1ما محتوى (الهوا)؟ وكيف ينشأ؟
–2ما دور األنا؟ وماذا يمثل؟
–3كيف نشأ األنا األعل وما عالقته بالهو؟
– 4كيف تظهر لك بنية الجهاز النفسي؟
170
النص ):(8
العوائق األبستيمولوجية
تمهيد:
يعتبر باشالر أن التحليل النفسي لعملية المعرفة هو بمثابة تطهير
للروح العلمية وإذا كان هذا النص قد اقتصر عل تحليل واحد من العوائق
هو الرأي فإن بقية الكتاب ،الذي أخذ منه هذا النص ،قد تناول بالبحث جملة
من العوائق األخرى مثل :التجربة المباشرة والمعرفة الحسية ،وكذلك ما
يتعلق بالمعرفة التي تـأتي نتيجة التعميم السريع كما هو الحال في تفسير
الظواهر بالرجوع إل الطبيعة.
وفي هذا النص يعرض باشالر رأيه بمزيد من التحليل..
ــــــــــــــ
عندما نبحث عن الظروف النفسية لتقدم العلم ،ندرك بسرعة ضرورة
طرح مشكلة المعرفة العلمية في إطار العوائق االبستيمولوجية ،ولكن ال
ينبغي أن نعتبر العوائق الخارجية –مثل تعقد الظواهر وعدم ثباتها -كما أنه
ال ينبغي أن نفسر هذه الظاهرة بالرجوع إل ضعف الحواس أو قصور الفكر
البشري ،ذلك أنه في عملية المعرفة نفسها يمكن البطء واالضطراب ،وهو
أمر تقتضيه الضرورة الوظيفية ،وهنا تبرز أسباب ركود المعرفة ،بل
وتقهقرها وهنا أيضا ،وبالضبط ،تظهر أسباب العطالة Inertieالتي نسميها
عوائق ابستيمولوجية.
إن معرفة الواقع هي بمثابة النور الذي يسقط دائما ظالال حواليه ،ثم
إن هذه المعرفة ال تكون أبدا مباشرة ودسمة ،فكشوف الواقع تكون دائما
استردا دية ،ألن الواقع ليس هو دائما ما نعتقده بل هو ما كان ينبغي علينا
إدراكه.
إن التفكير التجريبي ال يكون واضحا منذ اللحظة األول ،ولكن بعد
إعداد المقومات العقلية له ،ثم إنه عند إعادة النظر في ماضي األخطاء نعثر
عل الحقيقة ،والفكر في حالة ندم حقيقي .فنحن في الحقيقة ال نبني معرفة إال
عل أنقاض معرفة سابقة ،أي بعد أن نحطم معارف غير سليمة في تكوينها،
171
وذلك بتجاوز ما في الفكر نفسه لكل ما من شأنه أن يعوقنا عن السمو إل
المعرفة التجريدية.
...إن العلم في توقه إل الكمال وحسب مبدئه يتعارض مطلقا مع
الرأي السائد.
فإذا حدث له أن اتفق مع الرأي في مسألة جزئية ما فإن ذلك ال يكون
إال باالستناد إل أسباب غير األسباب التي يرتكز عليها هذا الرأي ،حت أن
الرأي ،حسب العلم ،يخطئ دائما ،ذلك أن الرأي يسيء التفكير ،بل ال يفكر
ألنه يعبر عن حاجات ظانا أنها معارف .فهو عندما يعين األشياء يربط هذا
التعيين بالمنفعة ،وهو بذلك يعوق نفسه من معرفتها ،ولذلك فنحن ال نستطيع
تأسيس أي شيء عل الرأي ،ومن هنا لزم تحطيمه منذ البدء ،ألنه العائق
األول الذي يجب تجاوزه فال يكفي مثال أن نعدله في بعض جوانبه وأن
نحافظ عل معرفة مبتذلة مؤقتة مثلما نحافظ عل أخالق مؤقتة.
إن الروح العلمية تمنعنا من تكوين فكرة عن مسائل ال نفهمها وعن
مسائل ال نستطيع صياغتها بوضوح .فقبل كل شيء يجب أن نعرف كيف
نطرح المشاكل ،ومهما قيل فإن المشاكل العلمية ال تطرح نفسها بنفسها .ذلك
أن حاسة وضع المشاكل هي الطابع الحقيقي للروح العلمية.
باشالر (تكوين الروح العلمية)الفصل األول
األسئلة :
–1ما العوائق االبستيمولوجية؟
–2ما دورها في اكتساب المعرفة العلمية؟
–3ما الذي يؤاخذ به باشالر الرأي؟
– 4ما وجه التقابل بين االحتفاظ بأخالق مؤقتة ،وبين االحتفاظ
بمعرفة مؤقتة؟
- 5كيف يتقدم العلم حسب رأي باشالر؟
172
أسئلة الباب
– 1هل يمكن للمؤرخ أن يستغني عن فلسفة التاريخ؟
باكلوريا موريتانيا – شعبة اآلداب العصرية 3332
– 2إن البشر يصنعون التاريخ ولكنهم ال يدرون التاريخ الذي يصنعون.
ما رأيك؟
باكلوريا موريتانيا – شعبة اآلداب العصرية 2443
– 3هل يمكن أن يكون اإلنسان موضوعا للعلم؟
– 5هل بإمكان (األنا) أن يقيم توازنا بين مطالب (الهو) ومثالية (األنا
األعل )؟
– 6يعتبر (دوركايم) الظواهر االجتماعية بمثابة «أشياء» كيف ذلك؟
173
المحور الثالث:
الشخصية
174
تصدير
« إن الشخصية واحدة وفردية ،إنها خاصة بفرد ما ،بالرغم من أنها
ترتبط بسمات مشتركة مع اآلخرين.
إنها ليست مجموعة وال كال من الوظائف ،بل إنها تنظيم إدماجي
لهذه الوظائف.
إنها زمانية تتعلق بفرد يعيش تاريخا»
جون اكلود فيلو
مطابع الجامعة الفرنسية
« إذا كانت فرديتنا جملة من العالقات فإن إبداع الشخصية يدل عل
اكتساب الشعور بتلك العالقات»
«الشخصية وحدة ويجب دراستها كتنظيم كلي عام» محمد خليفه
بركات
175
الشخصية
مقاربة مفاهيمية
اإلنسان كائن اجتماعي يتميز عن غيره من األفراد بشخصيته التي
تمكنه من تحقيق التكيف وإثبات وجوده لذلك تقوم دراسات علم النفس بتحليل
مفهوم الشخصية وطبيعتها وأصل الفروق بين األفراد وتوازن الشخصية .فما
هو مفهوم الشخصية؟ وما الطبع والمزاج والذات واألنا؟
مفهوم الشخصية:
يعرف (مورتس برنس) الشخصية بقوله« :إن الشخصية هي حاصل
جمع كل االستعدادات والميول والغرائز والدوافع والقوى البيولوجية الفطرية
الموروثة وكذلك الصفات واالستعدادات والميول المكتسبة من الخبرة».
وهي كذلك الصورة المنظمة المتكاملة لسلوك فرد ما يشعر بتمييزه
عن الغير .ومن تحليل هذه التعريفات نستنتج خصائص الشخصية وهي:
176
(هوية) تجعل الفرد يشعر بأنه هو نفسه في الماضي والحاضر
والمستقبل باعتبار أن اإلنسان هو كائن ذو أبعاد مختلفة.
مفهوم الشخص:
الشخص في عرف العلماء هو الفرد المشخص المعين،
والشخصية هي القضية المخصوصة.
مفهوم الطبع:
الطبع :يدل عل مجموع ما يتصف به اإلنسان من استعدادات
نفسية وخلقية ويرادفه الخلق والطبيعة فالطبع فطري وليس
مكتسبا وهو ما يظهر في تعريف "لوسين" هو مجموعة
االستعدادات الفطرية التي تشكل الهيكل الذهني لفرد ما وتميزه
عن اآلخرين "من هذا التعريف نستنتج أن للطبع خصائص
تختلف عن خصائص الشخصية فالطبع وراثي ويتميز بالثبات
واالستمرار ،أما الشخصية فهي مكتسبة من البيئة االجتماعية
وهي تتميز بالتغير والتطور .وهذا يعني أن الطبع هو األساس
الذي يتحكم في نمو الشخصية وتطورها فهو مصدر بنائها
وتطورها حسب ما يراه علماء الطباع.
177
التفسير القديم للطباع :الشخصية ترجع إل جانب فطري ثابت هو
ذلك الطبع وتأسيسا عل تأثر علماء الفراسة بالدراسات اليونانية "أبقراط"
و"جالينوس" التي حاولت تفسير الطباع برده إل عوامل جسمية هي التي
تؤثر في السلوك وتحدد نوع الشخصية وأن هذه العوامل البيولوجية تتأثر
بالشروط الطبيعية حسب فصول السنة.
يركز هذا التصنيف الرباعي الجانب عل الفطري ويهمل تأثير
الجانب المكتسب ،يركز عل الجانب البيولوجي ويهمل الجانب النفسي
االجتماعي ،هذا التصنيف تجاوزه العلم بالنسبة لشروط الطبيعة وبالنسبة
لعناصر الطبيعة و التفسير القديم للطباع مبني عل أسس فلسفية ليس لها ما
يثبتها من الناحية العلمية ،هذا ال يلغي تأثير الجانب البيولوجي الذي يبق
واضحا في بناء الشخصية.
مفهوم المزاج:
-ذكر ابن سينا في (القانون)« :إن المزاج هو :كيفية حاصلة من
تفاعل الكيفيات المتضادات إذا وقفت عل حد ما .ووجودها في
عناصر مصغرة األجزاء ليمس أكثر كل واحد منها اآلخر ،إذا
تفاعلت بقواها بعضها في البعض حدث عن جملتها كيفية
متشابهة في جميعها هي المزاج والقوى األولية في األركان
المذكورة أربع هي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة».
-وذكر مثل هذا التعريف في كتابه (الشفاء) وفي قسم الطبيعيات،
ج ،5ص .332
مفهوم الذات:
إن الذات معناها نشاط موحد مركب لإلحساس والتذكر والتصور
والشعور والتفكير ،وتعتبر نواة الشخصية .ويقسم (ريموند كاتل )Cattle
الذات إل ذات واقعية وذات مثالية .فالذات الواقعية هي ذات حقيقة أو فعلية
تمثل مستوى االقتدار ،في حين أن الذات المثالية هي ذات تطلعية يؤمل منها
أن تكون – أي تمثل – ما يطمح الفرد أن يكون أو يصبح.
إن الذات بناء معرفي يتكون من أفكار اإلنسان عن مختلف نواحي
شخصيته فمفهومه عن جسده يمثل الذات البدنية ومفهومه عن بنائه العقلي
يمثل مفهوم الذات المعرفية أو العقلية ومفهومه عن سلوكه االجتماعي مثال
للذات االجتماعية .ويركز علماء النفس اإلنساني عل بناء الذات عن طريق
الخبرات التي تنمو من خالل تفاعل اإلنسان مع المحيط االجتماعي،
ويطلقون عل العملية اإلدراكية في شخصية اإلنسان (الذات المدركة) والتي
من خاللها تتراكم تلك الخبرات ،فيتم بناء الذات ويكون الفرد مفهوما عن
ذاته .ولما كانت الذات هي شعور الفرد بكيانه المستمر وهي كما يدركها
وهي الهوية الخاصة به وشخصيته فإن فهم الذات يكون عبارة عن تقويم
الفرد لنفسه ،أو بتعبير آخر هو مجموعة مدركات ومشاعر لدى كل فرد عن
نفسه.
مفهوم األنا:
179
تدل كلمة األنا عل الذات وهي بالمعن المباشر تدل عل الشخص
بجميع لواحقه وأعراضه .أما بالمعن الفلسفي فتدل عل جوهر الذات أي ما
يبق عندما نستثني اللواحق واألعراض وبالتالي يتحدد األنا تبعا لتصور
ماهية الذات اإلنسانية .فنجد أن فلسفة الوعي تحدد األنا بالوعي مثلما يقول
ديكارت" :النفس التي أنا بها ما أنا" أي أن إنيته تكمن في النفس أو في األنا
المفكر.
وتحيل األنا أيضا إل حامل التمثالت واإلدراكات واألفكار التي تنتمي
إل "األنا المفكر" مثلما ذهب إل ذلك (كانط) ،هذا األنا الذي يمثل شرط
الوحدة والتأليف بين الحدوس واإلدراكات في الوعي .يقول (كانط)" :إن األنا
المفكر يرافق بالضرورة كل تمثالتي".
وفي علم النفس التحل يلي األنا هو منطقة من الجهاز النفسي بين الهو
وأنت واألنا األعل .
180
األسس البيوثقافية للشخصية
« مبحث الشخصية من المباحث الحديثة الذي يطرق من خالل العلوم
اإلنسانية وتمتاز بالتعقيد ،ولعل تناولها كمفهوم إشكالي يقوم عل مفارقات
يتحدد أبرزها في تلك التقابالت التي تجعل منها مجاال يتجاذبه الفطري
والمكتسب ،الطبيعي والثقافي ،الفردي واالجتماعي ،الذاتي والموضوعي،
الثابت البنيوي ،والمتغير التاريخي ،الظاهري والباطني ،األصيل الحقيقي وما
هو مجرد دور وقناع ،الفعل واالنفعال ،الخضوع واالستقاللية ،الحتمية
والحرية»(.)1
وهذا ما يسمح بالتساؤل عن محددات الشخصية؟ بل قد يكشف عن
أن سمات الشخصية تتحد بناء عل تفاعل المقومات البيولوجية والمقومات
الثقافية باإلضافة إل البعدين الذاتي والموضوعي اللذين يحددانها عند علماء
النفس.
أوال :المقومات البيولوجية:
أكد المفكرون منذ القدم عل دور الجسم والصفات المزاجية في
سلوك اإلنسان وتصرفاته؛ وهو ما أكدته الدراسات الحديثة والمعاصرة في
علم البيولوجيا من خالل النتائج الهامة التي توصلت إليها في دراسة الدماغ،
ومعرفة نشاطه وتكوينه ،وكذلك ما أكدته هذه الدراسات من أهمية الغدد
الصماء في تحديد السلوك والنشاط لدى اإلنسان.
وتنقسم المقومات البيولوجية إل :
– 1الوراثة :وهي انتقال صفات الجنس والنوع بل والفرد من
األصل إل الفرع ،وهي قريبة إذا انتقلت من األب إل االبن مباشرة ،وبعيدة
إذا انتقلت من جد أ علي إل ابن ،والصفات الوراثية قد تكون عضوية أو
فسيولوجية أو سيكولوجية .ويتم تناول دور الوراثة وظروف الوالدة في بناء
وتحديد الشخصية من خالل التساؤل عن هذه الخصائص الموروثة؟ وعن
مدى تأثيرها عل شخصية الفرد؟
يقول فاندل« :اإلنسان تم تحديده فيزيائيا منذ أمد طويل قبل والدته».
1
-الفكر اإلسالمي والفلسفة طبعة حديثة .المغرب
181
كما يرى ريني « :أن مجموع االستعدادات الوراثية هي التي تشكل
الهيكل الذهني لإلنسان».
ويعني هذا أن اإلنسان يولد معه مجموعة من الخصائص الصادرة
عن الوراثة ،ولها دور كبير في تحديد خياراته ،فالطبع مثال والذي يكون
حصيلته العوامل الوراثية هو فطري وثابت.
كما يكشف هذا أيضا عن الدور الكبير الذي يلعبه اإلرث البيولوجي
الذي يرثه الطفل عن والديه في توجيهه ضمن حدود معينة فهو المسؤول عن
جملة من الصفات كلون العينين وشكل األنف وحت لون الشعر .غير أن هذه
الصفات ال تورث كملكات ناضجة ،بل كاستعدادات أو قدرات كامنة ال غير.
كما أن األمراض الوراثية ،وحالة األم ،ومشاكل الوالدة تحدد هي
األخرى مصير المولود بصورة كبيرة .وهو ما أكدته الدراسات البيولوجية
بخصوص العاهة التي يحدثها وجود كرموزوم إضافي وهي مرض
«المنغلولية» ،البالهة الخلقية التي تصيب الطفل عند والدته بانحراف عينيه
وسطح الجمجمة.
كما أن الطفل الذي يولد نتيجة عملية قيصرية يبدو أقل انفعاال ممن
يولد بصورة طبيعية ذلك انه يكون أقل ميال إل البكاء والصراخ.
ويخلص إل أن أهمية الوراثة تتمثل في كون الجماعة ليست حرة في
أن تصنع من الفرد ما ت شاء ،ألن الشخصية محددة بمعطيات وراثية ،وأن
استجابة الفرد للمحيط تختلف باختالف الخصائص الوراثية التي جاء مجهزا
بها .وإذا كان هذا غير صحيح فكيف يمكننا تعليل عدم تشابه األفراد من إخوة
وأخوات؟.
وما يلزمنا إبرازه في هذا المجال هو أن الوراثة ال تولد تماثال؛ حت
بين أفراد العائلة الواحدة ،فال يستغرب إذن وجود فوارق جسمية بين اإلخوة،
ألن التماثل ال يحدث إال عند التوائم الحقيقية المتأتية من بيضة واحدة .ومما
ثبت علميا في هذا المجال هو أن كل فرد ليس إال نصف مجموع أبويه وهو
ما يفند كل عنصرية جنسية.
– 2التركيب الفيزيولوجي :حين يقول أحد الفيزيولوجيين (إننا تحت
رحمة غددنا الصماء)( .)1يتبين عندئذ ما إلفرازات هذه الغدد من تأثير كبير
1
-الفلسفة للسنة السابعة تونس.
182
في الطباع ،وما لألجهزة الفزيولوجية من دور فعال في تحديد شخصية الفرد
والتأثير عليها ويتجل ذلك من خالل إبراز دور كل من القشرة الدماغية
والقاعدة الدم اغية باإلضافة إل الغدد الكلوية والتناسلية وغيرها من الغدد
الصماء.
ا – دور قشرة الدماغ :لقد أكدت نتائج الدراسات البيولوجية أن قشرة
الدماغ هي التي تتحكم في الوظائف الذهنية العليا :كاالنتباه واألفعال الال
إرادية ،واللغة ،وينتج عن عدم قيام القشرة الدماغية بوظائفها انحطاط في
المستوى الذهني العام.
ب -دور القاعدة الدماغية :تتمثل أهمية القاعدة الدماغية في أنها
المسير لألحاسيس والعواطف ،فكل إحساس له منح عاطفي ،أو انفعالي،
ويخضع هذا المنح «للمهاد».
أما المزاج الذي يتحول بين الحزن والفرح فمرتبط بما يسم تحت
المه اد ،وكذلك الحاالت الشعورية التي تتميز باليقظة واالنتباه بما يدور في
المحيط الخارجي.
جـ -دور الغدد الصماء :لقد توصل العلماء إل الكشف عن تأثير
الغدد الصماء ،واإلفرازات الهرمونية فاإلفرازات فوق الكلوية والغدة الدرقية
والغدة النخامية والغدد التناسلية لها تأثير في تحديد شخصية الفرد ونمط
سلوكه ،ونشاطه وعمله.
فمثال الغدة الدرقية لها تأثير عل النمو والتغيرات الغذائية؛ فإذا
وصل إفرازها إل الدم بنسبة تزيد عل المقدار المناسب نشأ عن ذلك نشاط
محسوس في الجهاز العصبي وغيره من األجهزة فينتج عنه القلق
واالضطراب ،وإذا نقص إفرازها عن المقدار المطلوب نتج عن ذلك أيضا
ضعف عقلي.
كذلك الغدة النخامية الموجودة في مؤخرة المخ والتي تتكون من
فصين :فص أمامي وفص خلفي والهرمون الذي يفرزه الفص األمامي يؤدي
إل القزامة وإل ضعف الجسم ،كما أن زيادة إفرازاته تؤدي إل العملقة.
ويساهم الفص الخلفي في إفراز حليب األم بعد الوالدة .ويفرز غدتا
(األدرينالين) هرمون األدرينالين الذي يعمل عل تكييف اإلنسان وتوازنه بعد
الحاالت التي يكون فيها منفعال بمؤثرات خارجية ليكون مستعدا لمواجهة
المواقف.
183
وترجمة لدور وأثر العوامل الجسمية يرى نتشه أن «التفكير الواعي
في معظمه يجب أن يكون عملية غريزية»(.)1
يقول أيضا في كتابه هكذا حدث زرادشت« :وراء أفكارك وشعورك
يخت في سيد قوي مجهول ،يريك السبيل اسمه الهو ،في جسمك يسكن هو
جسمك ،ففي جسمك صواب أصوب من صواب حكمتك»(.)2
ثانيا :المقومات الثقافية:
تشمل المقومات الثقافية ذات التأثير الكبير في تحديد الشخصية:
الثقافة والبيئة االجتماعية بما تحويه من أسرة ومدرسة ومجتمع وانطالقا من
القول« :اإلنسان اجتماعي بطبيعته»( .)3فإن أي دراسة لشخصيته ومعرفتها
تفقد قيمتها ومعناها ،إذا جردت من بعدها االجتماعي ،فوعي اإلنسان وتفكيره
ومشاعره وإرادته الموجهة لسلوكه ،تتحدد انطالقا من وسطه االجتماعي
خاصة إذا أخذنا بعين االعتبار أن المجتمع هو المدرسة التربوية التي تستطيع
أن تصهر كل العوام ل المؤثرة في الشخصية في بوتقة واحدة لتصنع من
الفرد الشخصية التي يريدها هذا المجتمع أو ذلك ،وهذا ما يالحظ عند علماء
االجتماع مثل :ابن خلدون (،سان سيمون)( ،دوركهايم)( ،أوغست كونت)
وغالبية علماء التربية يقول واطسون« :أعطني عددا من األطفال األصحاء
األقوياء ومكني من أن أهيئ لهم البيئات التي أريدها ،وسأضمن لك من أي
واحد منهم نوع الشخصية التي أريدها وأختارها ،فاستطيع أن أخلق من أي
واحد منهم ،طبيبا أو فنانا أو مهندسا أو تاجرا وإن شئت سأخلق منه مجرما..
بصرف النظر عن مواهبهم الموروثة ،وميولهم الفطرية ،وغير ذلك من
القدرات التي انتقلت إليهم من أجدادهم ،فليس هناك شيء يدع وراثة
المواهب أو المزاج أو التكوين العقلي».
ويتجل دور العوامل الثقافية وتأثيرها في الشخصية بوضوح من
خالل ما يعرف بالشخصية األساسية أو القاعدية )(la personnalité de base
التي أدخلها (كار دينار (Kardinerفي الدراسات االجتماعية ،وكذلك (رالف
1
-نتشه في كتابه هكذا حدث زرادشت
2
-الفكر اإلسالمي والفلسفة مرجع سابق
3
-نفس المرجع.
184
لينتون) وتعرف الشخصية القاعدية بأنها« :هي مجموع الصفات
البسيكولوجية المشتركة بين أفراد مجتمع معين»(.)1
ويذهب (رالف لينتون) إل أن « :حاجات الفرد هي التي تكون حوافز
سلوكه ،ويمكن من خالل هذا السلوك الثقافة والمجتمع من التأثير».
وهذا التأثير الذي يشهده الفرد بثقافته وداخل مجتمعه يبرز جليا
عندما نقارن الظروف بين التغيير في البنية الفزيولوجية ،والتغيير في البيئة
الثقافية حيث يذهب (هيكسلي) إل أن « :بيئة الكائن الحي واإلنسان لم تتغير
تشريحيا خال ل العشرين ألف سنة أو أكثر الماضية ،بينما تغيرت البيئة
الثقافية واالجتماعية كثيرا .وهذا عائد إل طبيعة البيئة الثقافية التي تتجدد
بشكل مستمر .والبيئة االجتماعية تملك مؤسسات متعددة تنقل األنماط الثقافية
عبرها من هذه المؤسسات :األسرة – المدرسة – المصنع.)2(»..
فالفرد الذي نشأ في أسرة بذاتها تؤثر فيه ،واألسر مختلفة باختالف
اآلباء ،فاألسر المتعلمة لها سلوك مختلف عن غيرها ،كما أن شخصية األب
ومدى نفوذه عل أبنائه وطريقته في العقاب كلها تساهم في تحديد شخصية
أبنائه.
وهذا ما أكدته الدراسات االكلنيكية التي قام بها فرويد Freudحيث أن
ما يعاني منه المصابون ذو عالقة وثيقة بطريقة المعاملة في البيت وخاصة
الكبت وإخفاء اشتهاءات اللذة عند الطفل.
وأكدت كذلك دراسة قام بها (استوت) حول العالقة بين توافق
الشخصية والموقف األسري :أن األطفال الذين ينشأون قي بيوت يرحب فيها
اآلباء بزوار هم ويشاركونهم أفراحهم ومتاعبهم كانوا أكثر قابلية لتكوين
عالقات اجتماعية ،وأكثر قابلية لكسب الزمالء واألصدقاء .وتتأثر من جهة
أخرى الشخصية بالمدرس والمدرسة ،فقد كشف ت دراسات عديدة أن المدرس
يحدث تأثيرا مشابها لتأثير األب عل الطفل .فالطفل يقلد مدرسه ويتعلم منه
النشاط والمثابرة أو العكس .كما أكدت هذه الدراسات أن المدرسة تحتل
الدرجة الثانية في التأثير عل شخصية الطفل بعد األسرة ففيها يكسب الفرد
1
-الفكر اإلسالمي والفلسفة كتاب مغربي
2
-الفكر اإلسالمي والفلسفة قسم الباكلوريا/المغرب
185
ممارسات كثيرة لغوية تعينه عل التواصل ويتعلم بها التعامل مع اآلخرين
ومعايشتهم ومناقشتهم والفوز عليهم.
وباإلضافة إل ا ألسرة والمدرسة تؤثر وسائل اإلعالم ويتصاعد
ويتنوع أثرها في عصرنا الحاضر بما تمثله من صناعة متصاعدة متحكمة
في نوعية المعلومات التي نتلقاها ،والتي تشكل أساس أحكامنا ومواقفنا مثل
(الصحف والتلفاز والسينما واالنترنت.)...
ونخلص إل القول بأنه إذا كان الحقل الداللي الفلسفي يتأسس فيه
مفهوم الشخصية عل التصور الفلسفي لإلنسان باعتباره ذاتا تعي وجودها
وحريتها ،وإرادتها ومسؤوليتها ،وتدرك ما هو ثابت في وجودها.
فإن تناول العلوم اإلنسانية لها أو مقاربة هذه العلوم للشخصية تنطلق
من اعتبارها بناء تجريديا ،ونموذجا تطبيقيا لفهم سلوك أو سيرة الشخص من
خالل هذه األنظمة البيولوجية واالجتماعية اآلنفة الذكر باإلضافة إل األنظمة
السيكولوجية.
هذا التباين في المقاربات الفلسفية ولدى العلوم اإلنسانية هو ما يمكن
من تحديد الشخصية وهو ما يجعل منها بنية معقدة ومفهوما مركبا متعدد
األبعاد ،وغني الدالالت.
األسئلة:
- 1أي المقومات يشكل األساس المؤثر في شخصية الفرد؟
- 2اإلنسان يشبه كل الناس ويشبه بعض الناس وال يشبه أحدا.
ما رأيك.
- 3أيهما أقرب إل تحديد الشخصية :المقاربة اإلنسانية أم
الفلسفية؟
- 4هل لألفعال الالإرادية قيمة في معرفة السلوك اإلنساني؟
186
الشخصية من وجهة نظر التحليل النفسي
كان علماء النفس قبل (فرويد) يركزون عل دراسة الشعور باعتبار
السلوك اإلنساني صادرا عن وعي اإلنسان أو عن شعوره وإدراكه
لالستجابات المرتبطة بالمثيرات البيئية ،ثم جاء (فرويد) ليبين أن معظم
حياتنا النفسية ال شعوري ،وأن الشعور ال يحتل فيه إال مكانة ضئيلة ،فغير
بذلك نظرة علم النفس إل السلوك والشخصية تغييرا جذريا من خالل نظريت ه
في التحليل النفسي.
1
المغرب -الفكر اإلسالمي والفلسفة ،ص .084
2
-المعجم الفلسفي جميل صليبا،
187
وقد كانت الخطوة األول في تأسيس نظرية التحليل النفسي في
فرضية الالشعور حيث بدأ فرويد بتحليل عالقة الحياة الالشعورية بالحياة
الجنسية لألطفال والراشدين وتأثيرها عل الشخصية .فقد اهتم فرويد بدراسة
مراحل الطفولة األول والحظ فعالية خبراتها المتراكمة في تفسير سلوك
الراشدين ،وتأثيرها البالغ وعالقتها بظاهرتين أساسيتين في نظريته هما ما
أطلق عليه ظاهرة (الكبت) وظاهرة "(المقاومة) ،حيث الحظ مقاومة
وصعوبة في اإلفصاح عن بعض تلك الخبرات المكبوتة لدى المصابين
بأمراض واضطرابات الشخصية ،فاستخلص أن هناك قوة تقوم بكبت بعض
الرغبات والدوافع فتصبح خبرات منسية أو ال يمكن اإلفصاح عنها بينما
تسمح تلك القوة بتحقي ق رغبات أخرى والتعبير عنها ثم إن وجود ظاهرة
الكبت في حد ذاته دليل عل وجود قوة نفسية أخرى تحاول التعبير عن نفسها
وتصطدم بقوة نفسية مضادة.
فنظرية التحليل النفسي لم تأت دفعة واحدة ،بل كانت حصيلة أبحاث
ومعاناة فكرية شاقة من طرف (فرويد) وتالمذته .ففي البداية قسم الحياة
النفسية إل ثالثة مستويات هي :الشعور ،ما قبل الشعور ،والالشعور.
فالشعور المكون من االنتباه واإلدراك واإلحساس هو ما يربط الفرد بالعالم
الخارجي ،أما الالشعور فهو عمق الحياة النفسية المكون من الرغبات
1
-الفكر اإلسالمي والفلسفة ص .082
188
والدوافع المكبوتة التي ال تظهر عل ساحة الشعور إال بمساعدة المحلل
النفسي ،أم ا ما قبل الشعور فيعتبر مجاال نفسيا ال شعوريا ،وإن كانت أفكاره
وخبراته مهيأة دائما ألن تصبح شعورية ،إال أنها تحتاج إل مجهود كبير(.)1
وقد قام (فرويد) باستحداث تصنيف آخر لقوى النفس يقسمها إل
ثالثة أجزاء هي« :الهو» «األنا» و«األنا األعل » وهو مفهوم مكونات
النفس الذي يشكل إل جانب مفهوم الكبت ومفهوم الالشعور ومفهوم العقدة
النفسية ثم مفهوم آلية الدفاع والتحويل ،أهم مفاهيم نظرية التحليل النفسي ،فما
المقصود بتلك القوى النفسية وما نوع العالقة التي تربط بينها وما انعكاسات
ذلك عل سلوك اإلنسان وشخصيته؟
1
المغرب -الفكر اإلسالمي والفلسفة ،ص.085
189
بين األنا والهو بالفارس والجواد ،فالهو مثل جواد جموح البد له
من فارس و الذي هو األنا لترويضه وقيادته ،أما إذا كان األنا
ضعيفا بحيث يكون منقادا من طرف الهو ،فبذلك ما يؤدي إل
الصراع النفسي واضطرابات الشخصية ،فاألنا يقع بين ضغط
الهو واألنا األعل الذي يريد كل منهما السيطرة عل سلوك
الفرد ،ومما يزيد من صعوبة مهمة األنا عدم إمكانية خضوعه
لالثنين في نفس الوقت ،فالبد أن يخضع ألحدهما دون اآلخر في
كل موقف يواجه الفرد.
وتتمثل براءة األنا في قدرته عل تحقيق رغبات الهوا دون إثارة
احتجاج وقمع األنا األعل ،والصحة النفسية رهينة بقدرة األنا
عل تحقيق التوازن الصعب بين متطلبات الهو وأوامر األنا
األعل «فاألنا هو الموطن الحقيقي للقلق» كما يقول (فرويد).
جـ) األنا األعل :هو الجزء الثالث من النفس المكون لبنية الالشعور
والمحدد لسلوك الفرد من خالل عالقته باألنا والهو ،وهو الوصي
والممثل للقيم األخالقية واألوامر والنواهي والمعايير االجتماعية
في ال شعور األفراد ،ويتكون األنا األعل من خالل تقمص
الطفل شخصية األب م ن خالل الضغط عل األنا إلقصاء وكبت
ما ال يقبل أخالقيا واجتماعيا من رغبات الهو ويحذره من خطر
نتائج تحقيقها يقول (فرويد)« :إن األنا يقوم في العادة بتنفيذ
عمليات الكبت في خدمة األنا األعل وبأمره».
وانطالقا من هذا التنظيم الثالثي للجهاز النفسي يقوم فرويد بتفسير
وتحليل سلوك الفرد فيرى أن درجة سالمة تصرف وسلوك الفرد تتوقف
عل مصدر الميول والدوافع ،فالفرد الذي يصدر في سلوكه انطالقا من
تعاليم وسلطة األنا األعل الممثل الوحيد للقيم وضوابط السلوك والمثل العليا
التي يتلقاها الفرد منذ طفولته من طرف المربين فاألسرة والمدرسة ومن
الكبار وتأثير القيم الروحية والثقافة السائدة في المجتمع ،يعتبر سلوكه قويما
وشخصيته سوية ،أما الفرد الذي يصدر في سلوكه انطالقا من الهو المتجه
دائما إل إشباع الحاجات وتحقيق اللذة وتجنب األلم دون مراعاة للقيم
الروحية واألخالقية السائدة في المجتمع فيعتبر سلوكه شاذا وشخصيته غير
سوية.
190
والشخصية في اعتبار فرويد حاصل تفاعل هذه المكونات الثالثة :
الهو ،األنا ،األنا األعل .
األسئلة:
- 1ما مدى منطقية التقسيم الجغرافي الذي يتحدث عنه (فرويد) في
الحياة النفسية؟
- 2أي المناطق أكثر تأثيرا في الحياة النفسية؟
- 3إل أي حد يستطيع األنا أن يقيم التوازن بين متطلبات األنا
األعل والهو؟
- 4هل لألفعال الالإرادية قيمة في معرفة السلوك اإلنساني؟
191
الشخصية السوية والمواطنة
تمهيد:
سعت مختلف الدراسات االجتماعية والنفسية إل فهم سلوك اإلنسان
وتحليل مواقفه وعواطفه ،وكان الهدف من وراء ذلك هو محاولة التأثير عل
طبيعة المسارات النهائية التي ستصب ح هذا اإلنسان وستشكل صورته النهائية
نفسيا وعقليا وعاطفيا بحيث يكون منسجما مع متطلبات مجتمعه ومع
ضرورات عواطفه ومشاعره ،وفي هذا السياق اهتم الباحثون بدراسة
شخصية اإلنسان وبإمكانية تحويل هذا اإلنسان إل مواطن صالح ،ولعلنا هنا
نكون أمام إشكالية العالقة بين الشخصية السوية والمواطنة ،فأيهما يؤسس
اآلخر هل إنتاج شخصية سوية يحتم بالضرورة إنتاج مواطن صالح أم أن
توفير الظروف الموضوعية لبناء مواطن صالح يستتبع بالضرورة بناء
شخصية سوية ،إ ننا بهذا المعن أمام مصطلحين العالقة بينهما جدلية بامتياز
فالشخصية السوية تساهم في إنتاج مواطن صالح وبناء المواطنة يعزز وجود
شخصية سوية .بيد أن الغوص في التأثيرات المتبادلة لهذين المفهومين
االنفجاريين يفترض منهجيا ،تعريف كل منهما سبيال إل رصد المساحة
المشتركة بينهما الحقا.
– 1تعريف الشخصية:
لقد مرت بنا في دروس سابقة تعريفات كثيرة للشخصية ولذلك فلن
نغوص في تلك التعريفات وإنما نشير لماما إل بعضها من باب االستئناس
فالشخصية هي البناء الخاص بصفات الفرد وأنماط سلوكه الذي من شأنه أن
يحدد طريقه المتفردة في تكيفه مع بيئته كما أن الشخصية هي مجموع
العوامل النفسي ة والوراثية واالجتماعية التي تتكامل لتشكل شخصية الفرد وما
به يتميز .ولقد ركزت كل مدرسة من مدارس علم النفس عل بعض األبعاد
دون بعضها األخرى في فهم وتشكيل الحالة النفسية وهو ما سبق أن تم
التعرض إليه بتفصيل أكبر في دروس ماضية بيد أن المقام يستدعي ذكر
بعض النماذج عل سبيل المثال ال الحصر فالسلوكيون عامة يعتبرون
الشخصية هي " محصلة أنواع النشاط المالحظ عند الفرد بأسلوب موضوعي
192
لمدة كافية من الزمن في مواقف مختلفة تمكن من تشجيع التعرف عليه عن
كثب كما أنها تمثل م جموع عاداته التي تميزه عن غيره من األفراد"
واطسون بينما ركز الشعور يون عل الدوافع وعل الشعور في بناء
شخصية الفرد فالشخصية كما يقول وايرن "هي التنظيم العقلي الكامل
لإلنسان خالل مرحلة معينة من مراحل نموه ،كما تتضمن جميع الجوانب
النفسية من معرفية ومزاجيه وأخالقية باإلضافة إل مهاراته واتجاهاته التي
كونتها خالل حياته" .في حين ركزت مدرسة التحليل النفسي عل تأثير
الالشعور في تكوين شخصية الفرد وخاصة مرحلة الطفولة حيث ترسم
المالمح األساسية لشخصية اإلنسان.
– 2تعريف المواطنة:
المواطنة لغة هي نسبة إل الوطن وهو مولد اإلنسان وقد اتسع معن
المواطنة ليشتمل التعلق بالبلد واالنتماء إل تراثه التاريخي ولغته وعاداته
ويت شكل مفهوم المواطنة في سياق حركة المجتمع وتحوالته ،وفي صلب هذه
الحركة تنسج العالقات وتتبادل المنافع وتخلق الحاجات وتبرز الحقوق
وتتجل الوجبات والمسؤوليات ولكن مفهوم المواطنة قد يتحدد أكثر في ظل
الدولة الحديثة باعتبار أن المواطن هو ذلك الشخص الذي ينتمي قانونيا إل
دولة يعيش فيها ويرتب عليه ذلك االنتماء لمجموعة من الواجبات عليه القيام
بها ويعطيه بالمقابل مجموعة من الحقوق ،لتكون بذلك المواطنة هي إحدى
مقومات الدولة العصرية وفي هذا اإلطار يعرف قاموس علم االجتماع
المواطنة " بأنها مكانة أو عالقة اجتماعية تقوم بين فرد طبيعي ومجتمع
سياسي (دولة) ومن خالل هذه العالقة يقدم الطرف األول (المواطن) الوالء
ويتول الطرف الثاني الحماية.
193
مع النفس والبيئة تظل هي أهم معايير الشخصية السوية وقد وضع هلجارد
ستة مرتكزات أساسية للسواء هي:
-1اإلدراك الفعال للواقع
- 2معرفة الذات من حيث الحاجات والدوافع والمشاعر
- 3احترام وتقبل الذات
- 4السيطرة عل السلوك والمشاعر.
- 5القدرة عل خلق واستمرارية عالقات أسرية واجتماعية وعاطفية
سليمة.
- 6القدرة عل اإلنتاجية.
إذا كانت تلك بعض مرتكزات الشخصية السوية فإن العامل الحاسم في
بناء مواطنة سليمة يبدأ من لحظة تشكل شخصية الفرد التي تدخل بينها
عوامل الدراسة والبيئة والتربية وغيرها ،وضمن هذا الفهم فإن البداية ينبغي
أن تكون بإعداد شخصية سوية قادرة عل فهم المحيط والتفاعل اإليجابي مع
اآلخر واالستجابة لضرورات الوطن ومشاغله ،وهو ما يعني العالقة
العضوية بين الشخصية السوية والمواطنة فمت ما نجحت المنظومة التربوية
والمراقبة األسرية في تكوين شخصية سوية نكون بذلك أمام مقومات مواطنة
صالحة يقدم صاحبها الوالء للوطن ويكون قادرا عل الوفاء بواجباته
المختلفة ومتحفزا للحصول عل حقوقه وهذا يعني بالمقابل أن اإلخفاق في
ذلك سيترتب عليه اإلخفاق في بناء مواطنة حقيقية لكن معظم الدراسات
أعادت اإلخفاق في بناء مواطنة سليمة في أكثر أسبابه إل إخفاق المنظومة
التربوية في رسم أهداف راسخة أثناء مراحل إعداد الشخص وبالذات األول
منها حيث يكون معرضا لجملة من العوامل والمتغيرات ولذلك فإن التركيز
ينبغي أن يكون في إطار البحث عن مقومات مواطنة سليمة .لكي تتم التنشئة
االجتماعية والمنظومة التربوية بحيث يتم غرس قيم أساسية كاالستعداد
للتضحية من أجل الوطن وحماية ممتلكاته وغيرها.
وعل العموم فإن مختلف الدراسات أكدت عل الطابع التكاملي بين
الش خصية السوية والمواطنة وهو ما يعني ضرورة توفير األسباب
194
الموضوعية لبناء شخصية سوية وذلك بالتركيز عل البعد الثقافي والفكري
الذي أصبح اليوم يشكل عامال حاسما في رسم مالمح الفرد وتحديد خياراته
المختلفة في ظل عالم تحول إل قرية كونية واحدة وأصبحت فيه القيم
والمعايير االجتماعية تتحرك بين المجتمعات دون استئذان وهو ما حول
بعض األشخاص إل مدمنين أو مجرمين أو متطرفين وهو ما يتناقض مع
ضرورات المواطنة التي تحتم عل المواطن االستعداد لدفع فاتورة العيش
المشترك وتقبل اآلخر وتقديم ضريبة االنتماء للوطن.
األسئلة:
- 1ما الشخصية السوية؟
- 2ما مقومات المواطنة؟
- 3تحدث عن العالقة الجدلية بين الشخصية السوية والمواطنة.
195
الشخصية وآثار العولمة
رغم الصعوبة التي تعترض فهم الشخصية وتفسيرها يمكن القول بأنها
ذلك البناء الخاص بصفات الفرد وأنماط سلوكه الذي من شأنه أن يحدد لنا
طريقته المتفردة في تكيفه مع بيئته،كما نرى التأثير األكبر للعوامل المكتسبة
أو العوامل الثقافية ،ومن هنا يكمن التأثير الذي قد تحدثه العولمة على
الشخصية.
والعولمة ظاهرة قديمة وحديثة شديدة الغموض وصعبة التحديد ،الزمت
الحضارة اإلنسانية منذ نشأتها،بل إنها البعد األساسي لها ،حيث إن الحضارة
تأخذ ميزتها من خالل التوسع واالنتشار ،وقد دعا اإلسالم لها عندما ألغى
الحدود الجغرافية والسياسية والجنسية والطبقية والفروق الفردية ،وان اعتبر
البعض أنه يجب التفريق بين" العولمة" و"العالمية"،حيث أن المعنى الذي
يدعو له اإلسالم هو "العالمية" وهو مفهوم إيجابي يتالءم مع الطبيعة
اإلنسانية المبنية على االتفاق في المبادئ والقيم كالخير ونبذ الظلم ونصرة
الضعيف ،واإليمان بحق االختالف في قضايا أخرى كالدين والعرق
والخصوصيات الثقافية بصورة عامة،أما العولمة فهي مفهوم سلبي يعمل على
إشاعة نمط ثقافي خاص وفرضه بأساليب معينة على شعوب العالم.
وتتمثل خطورة العولمة في إزالة خصوصية الشعوب بزعزعة قيمها
ومبادئها ومقدساتها وأنماط حياتها وسنوضح النقاط التي أثرت بها العولمة
أوقد تؤثر بها على الشخصية أيا كانت تلك الشخصية.
196
-3لقد هدم التلفزيون حياة الناس وخصوصا األطفال فانصرفوا له
كليا،على حساب وسائل التعليم األخرى ،ونجم عن ذلك آثار تربوية وجسدية
ونفسية في شخصية الطفل منها إهماله واجباته المدرسية والحد من لعبه
وحركاته ونشاطه وعالقاته االجتماعية وما يشاهده من مناظر عنيفة تؤثر
على سلوكه القويم،وتنمي ل ديه ثقافة جديدة مغايرة لثقافته األصلية مما قد ينتج
عنه "صدام حضاري" يصعب عليه مواجهته ويؤثر على بنية شخصيته
الضعيفة،أما الكبار فقد أصبح بالنسبة لهم أداة تحد من التواصل بين أفراد
األسرة وضعف الحوار بينهم ،وتغيير بعض السلوكيات لديهم ،هذا مع العلم
أن اإلعالم كله يكون تابعا للجهة التي تستخدمه ألغراضها،ومن ثم فالجانب
السلبي ليس متأصال فيه وانما يتعلق األمر بتوظيفه.
-2وبسبب التلفزيون واإلنترنت ووسائل االتصال األخرى أو ما يطلق
عليه "القرية العالمية" ،حدثت تغييرات كبيرة أثرت سلبا على شخصية األفراد
ومنها:
-تمزق ال كثير من األنسجة االجتماعية واختالل الروابط األسرية،
ومروق الشباب وتمردهم على ضوابط األسرة وقيم المجتمع.
-تردي عالقة اآلباء باألبناء وانصرافهم عن دورهم التربوي – وفي
بعض األحيان الرعاية االجتماعية -واستغناء األبناء عن الحاجة إلى أولياء
األمور تحت عنوان االستقاللية وبناء الذات.
-تهديد النظام األخالقي بحيث يروج للشذوذ الجنسي في العالم ،أو
استحداث جنس جديد ليس الذكر أو األنثى وهو ما يطلق عليه مفهوم
197
"الجندر" والذي تعرفه الموسوعة البريطانية <<:أنه تقبل الفرد لذاته وتعريف
نفسه كشيء متميز عن جنسه البيولوجي نفسه».
-تقوية النزعة األنانية لدى الفرد وتعميق مفهوم الحرية الشخصية في
العالقات االجتماعية وعالقة الرجل بالمرأة ،وهذا ما يؤدي إلى التساهل مع
الميول والرغبات الجنسية والتحلل من كل قيم الحياء والكرامة واإليثار والفطرة
اإلنسانية.
إن أخطار العولمة ليست خاصة بثقافة معينة وان اختلفت تأثي ارتها
لدى من يمتلك ثقافة غنية وقادرة على بناء ذاتها كالثقافة اإلسالمية ،بل
199
تتعدى ذلك إلى الوجود اإلنساني نفسه ،فالفطرة اإلنسانية مبنية على البحث
عن الفضيلة وقيم الخير وعلى فكرة الجنسين الذكر واألنثى ،والشخصية
البشرية تتكون من العوامل االجتماعية وحتى تلك الوراثية تتحدد من خالل
(التكونة) االجتماعية ،فال يمكن تصور حياة اجتماعية دون قيم متعارف
عليها ،ومن هنا يكون أثر العولمة مهددا لمستقبل البشرية كلها،فكيف نتصور
مجتمعا بشريا بدون ذكر أو أنثى؟ وكيف نتجاهل الخصوصيات الثقافية
للشخصية؟ وكيف يتم التعامل على أساس إقصاء اآلخر؟ وكيف يقبل العقل
اإلنساني التعايش على أساس المصالح الخاصة بمجتمع معين؟ بل كيف يفهم
أن تكون المقاومة إرهابا؟ أو يأتي شعب ليحتل شعبا آخر تحت راية الحرية
وعولمة القيم اإلنسانية؟!.
الشخصية والهوية:
تحدثنا سابقا عن مفهوم الشخصية ،وسنتعرض في هذا الموضوع
لعالقة الشخصية بالهوية ،والهوية مفهوم ال يقل تعقدا عن مفهوم الشخصية،
فما المقصود بمفهوم الهوية؟ وما عالقته بالشخصية؟.
ينظر إلى الهوية من زاويتين :الهوية الفردية والهوية االجتماعية.
200
«فإذا طرحت السؤال:من أنا؟ فالمقصود هو الهوية الشخصية ،أما
السؤال :ماذا أنا؟ فالمقصود هوية األمة أو المجتمع».1
وهما سؤاالن قديمان قدم الوجود اإلنساني ،مربكان ومعقدان تعقد الحياة
اإلنسانية المتعلقة بهما ،وقد مر بنا ذلك في تعرضنا لعالقة الشخصية
بالعولمة.
لكن هذا المفهوم الذي يعني التطابق ربما يفيد أن الهوية والتغير
متعارضان ،وهو ما يلمس من آراء الفالسفة القدماء و المحدثين ،فقد رأى
(أرسطو) أن الشجرة تبقى هي برغم أنها تستبدل أوراقها ،أما (جون لوك) فيرى
أن هوية الشخص المستقرة عبر الزمن ترتبط بالذاكرة والقدرة على التذكر.
إن البحث عن مفهوم الهوية تعترضه عدة مسائل ،هل نذهب في
تحديد الهوية فيما يبدو أو يظهر من اإلنسان؟ وهو ما يعتبر متبدال ومتغي ار
باستمرار ،أم أنه يلزم تجاوز هذا الظهور والتجلي إلى الثابت والمشترك؟ وهو
201
ما يجعلنا أمام هوية مشتركة ال نستطيع من خاللها تمييز هذا الشخص من
ذاك ،مما يصعب من تحديد تلك الهوية.
نحن إذن أمام إشكالية حقيقية لتحديد هوية الشخص ،فهل هي وعي
بالوعي أو (الفكر) تقوم به ذات مفكرة حسب (ديكارت) ،أم هو واقع كلي
وشمولي نحياه من الداخل حسب (مونيى).
وتتعقد اإلشكالية حين نربط الهوية بالشخص ،إننا نقصد الشخص في
وحدته الذاتية الخاصة به كفرد(وحدة أناه) ،أم في عالقته باآلخرين من أفراد
مجتمعه؟.
وقد ترتبط الهوية الشخصية بالطريقة التي تدرك بها ،يقول في هذا
الصدد (برناند ويليامز)« :هناك هوية تختلف عن الهوية التي أعرفها عن
202
نفسي وعن الهوية التي يعرفها عني اآلخرون ،وهذا الخالف هو جوهر
الخالف في العالم كله» .
هذا يعني أن مفهوم الهوية عائم سواء في مستويات اإلدراك ،أو في
عالقاته بالتغير ،ومع األخذ في االعتبار ارتباط الهوية بالذاكرة الواضحة أو
وحدة الوعي وغيرها مما فسر به الفالسفة مفهوم الهوية وعالقتها بالشخصية.
ومهما بحثنا في كينونة اإلنسان فإننا لن نصل إال إلى جزء منها،ومن
هنا ينبغي النظر إلى الهوية الشخصية نظرة متكاملة تأخذ جميع األبعاد مادية
أو حاضرة ،واال كيف تحس األجيال التي ولد آباؤها في منطقة معينة غير
منطقتهم باالرتباط بمنطقة األجداد؟ .سؤال يطرح اليوم بطريقة تبدو بسيطة:
هل تؤيد في مباراة كرة القدم بلدك (الحاضر) أم بلد األجداد (الماضي)؟
جواب يحلل كثي ار في دول الغرب لما يحمل من دالالت عميقة حول
إشكالية الهوية الشخصية ،وكيف يتم التعامل مع هذا الموضوع الذي قد يفجر
صراعات خطيرة ،إذا لم تحترم الهوية الشخصية ويسمح لها بالتشكل بعيدا عن
اإلقصاء والتهميش ،وهي أمور نشاهدها في بعض الدول تحت عنوان احترام
الهوية الجديدة ،وتجاهل الهوية األصلية ،وهي قضية بينا من دراستنا لمفهوم
203
الشخصي ة والهوية أنها صعبة ومعقدة وذات انعكاسات خطيرة على السلم
االجتماعي في المجتمعات البشرية.
األسئلة:
– 3ما هي األبعاد المكونة للهوية؟
-2كيف يتم التمييز بين الشخصية والهوية؟
-5ما مدى الخطورة في التعامل مع مفهوم الهوية الشخصية؟
204
النصوص
205
206
النص ):(1
ما اإلنسان
تمهيد:
إن السؤال :ما هو اإلنسان؟ "يطرح إشكالية جوهرية" عل
الصعيدين :الفلسفي والعلمي ،ذلك أن اإلنسان كموضوع يختلف جذريا عن
باقي الموضوعات المادية األخرى .لذا فاإلشكال الذي يطرحه السؤال هو:
هل يخضع اإلنسان للتحديد العلمي؟ هل يمكن التعامل معه بنفس الوسائل
المستخدمة في المجال الطبيعي؟
ــــــــــــــ
إن السؤال عن اإلنسان :ما هو؟ هو السؤال األول واألساسي في
الفلسفة .فكيف يمكننا الجواب عل هذا السؤال؟ نستطيع أن نجد (تعريف)
اإلنسان في اإلنسان نفسه ،أي في كل فرد ،فهل هذا الحد حد صحيح؟ إننا
نستطيع أن نجد في كل (فرد جزئي) ما هو في كل "فرد" (بصفة عامة).
ولكن ما يهمنا ليس اإلنسان الجزئي وإن كان المقصود بذلك ما هو كل إنسان
جزئي في كل آن؟ ...إذا أمعنا النظر في ذلك رأينا أننا عندما نسال :ما هو
اإلنسان؟ فنحن إنما نريد أن نقول :ماذا يمكن أن يصير اإلنسان؟ أي هل
يستطيع اإلنسان أن يسيطر عل مصيره الخاص؟ هل يستطيع أن يصنع وأن
يخلق حياته؟ لنقل إذن إن اإلنسان هو حركة أفعاله بالضبط .وإذا فكرنا في
األمر رأينا أن سؤالنا عن اإلنسان :ما هو؟ ليس سؤاال "مجردا" وموضوعيا
"وإنما سؤال متولد من تفكيرنا في ذاتنا وفي اآلخرين ،ومما نريد أن نعرف،
تبعا لتغيرات تفكيرنا .ومما شاهدناه ،وما نحن وكيف نصير ،وذلك لنعرف
في الحقيقة ،وضمن أية حدود .نحن صانعو "ذواتنا" وصانعو حياتنا
ومصيرنا .وهذا (كله) نريد أن نعرفه "اليوم" في شروط متوافرة لنا في
الحياة الحاضرة (.)...
يجب أن نتصور اإلنسان من جهة ما هو سلسلة من عالقات فاعلة
( وهي عملية وإن كان فيها للفردية أهمية كبيرة فإنها ليست مع ذلك العنصر
الوحيد الذي يجب األخذ به) .ألن اإلنسانية المرتسمة في كل فردية مؤلفة من
عناصر مختلفة وهي:
207
– 1الفرد
– 2األناس اآلخرون
– 3الطبيعة.
ولكن كال من العنصر الثاني والعنصر الثالث ليس عل ما يبدو من
البساطة .فعالقة الفرد باآلخرين ليست عالقة تجاوز وإنما هي عالقة
عضوية ،بمعن أن الفرد يتكامل بانضمامه إل كائنات عضوية ،تذهب من
أبسط األشكال إل أكثرها تعقيدا.
وهكذا ال تقوم عالقة اإلنسان بالطبيعة عل مجرد كونه هو أيضا طبيعة ،بل
تقوم عل كونه فاعال وصانعا .أضف إل ذلك :أن تلك العالقات ليست آلية،
وإنما هي فاعلة وواعية أي متناسبة مع درجة فهم كل إنسان لها .ولذا فيمكن
القول :إن كل واحد يغير ذاته ويبدلها بقد رما يغير أو يبدل العالقات المركبة
التي شغل منها مركز االرتباط (.)...
وإذا كانت فرديتنا جملة تلك العالقات ،فإن إبداع الشخصية يدل عل اكتساب
الشعور بتلك العالقات .ومعن تغييرنا لشخصياتنا الخاصة هو تغيير مجموع
تلك العالقات.
األسئلة :
–1استخرج من النص داللة السؤال عن ماهية اإلنسان.
–2عل ما يدل إبداع الشخصية اإلنسانية؟
–3إل أي حد نستطيع القول :إن اإلنسان هو صانع حياته؟
208
النص ):(2
العوامل المكونة للشخصية
تمهيد:
كلوكون وميراي عالمان اجتماعيان أمريكيان ،أهتما بدراسة
الشخصية التي تتداخل عوامل مختلفة في تكوينها .ومن بين هذه العوامل
الثقافية والبيئية واالجتماعية ما يساعد اإلنسان عل تكوين شخصيته
واالندماج وسط مجتمع له تأثير حتمي وعميق عل السلوك وكذلك فإن
للعامل الوراثي تأثيرا كبيرا في تكوين الشخصية.
ــــــــــــــ
إن المعرفة الواضحة والمنظمة لتكون الشخصية تصبح في رأينا
أيسر إذا ميزنا بين أربعة أصناف من العوامل (متفاعلة فيما بينها) وهي:
العوامل العضوية ،االنتماء إل جماعة ،الدور والوضع .هذه العوامل تساعدنا
عل أن نفهم كيف أن كل إنسان يشبه كل اآلخرين .ويشبه البعض منهم وال
يشبه أي أحد آخر.
ا – العوامل العضوية :إن المشكل الفلسفي القديم حول "الوراثة
والبيئة" و"الفطري والمكتسب" هو بدون شك ال معن له بالنسبة لعالم
االجتماع .فقلما يمكن الفصل بين هذين النوعين من العوامل حالما تبدأ البيئة
تلعب دورها .إن كل علماء الوراثة مجمعون اليوم عل القول بأن سمات
الشخصية ليست موروثة بالمعن الحقيقي للكلمة إذ أن الخصائص التي
تالحظ في عضوية ما في كل فترة هي نتاج سلسلة طويلة من التفاعالت
المعقدة بين االستعدادات الموروثة بيولوجيا وبين قوى المحيط .وكل تفاعل
ينجر عنه تغير في الشخصية.
إذن فال سؤال مقبول له قيمة إال:
– 1ما هي االستعدادات الفطرية التي تتحقق بواسطة حلقة خاصة
من األحداث في حياة ما ،وفي وسط طبيعي وثقافي واجتماعي معين؟
– 2ما هي الحدود التي يفرضها اإلرث البيولوجي عل نمو هذه
االستعدادات؟
209
ومن جهتنا فإننا نعترف باألهمية البالغة للحوادث البيولوجية وبقيمتها
في تكوين األشكال المختلفة للشخصية .وفي الواقع ،يمكن أن نعرف
الشخصية بأنها "السلسلة الكاملة من المسارات المنظمة التي تقوم بدور
المراقبة في الدماغ من الوالدة إل الوفاة ونلح أيضا عل أن اإلرث
البيولوجي يقدم المادة التي تكون انطالقا لتشكل الشخصية .وأنه يحدد –عل
النحو الذي هو عليه في فترة معينة -االتجاه والحدود التي يتم فيها التطور
بالضرورة .وهناك أسباب هامة تحملنا عل القول بأن بنيات وراثية مختلفة
تحمل في ذاتها استعدادات مختلفة فيما يخص التعلم والتالؤم مع الظروف
وبذل الجهد وتحمل اإلحباط.
210
لحاجات مكتسبة مثل البحث عن المال أو الزهد الديني وذلك لفترات متفاوتة
األمد .وعالوة عل ذلك .فإن وسائل إرضاء الحاجات تحددها بصفة عامة
العادات الثقافية والعرف :فأغلب األمريكيين يفضلون البقاء جائعين وال
يأكلون الحية لكن لحم الحية يكون غذاء شهيا بالنسبة لبعض القبائل.
جـ – الدور :إن الحضارة تحدد كيف يجب أن يتم القيام بالوظائف
المختلفة أو األدوار الضرورية لحياة الجماعة :مثال ذلك األدوار التي تسند
حسب الجنس والسن واالنتماء إل طائفة أو طبقة أو إل جماعة مهنية.
وبمعن ما تكون عوامل الشخصية التابعة للدور صنفا خاصا من العوامل
المرتبطة باالنتماء إل الجماعة فالدور الذي يقع االضطالع به مدة طويلة له
من قوة التأثير ما يمكن من التمييز بين الشخصيات داخل جماعة واحدة
بحيث يكون من المفيد دراسته عل حدة .إن الشخصية لغويا وتاريخيا يمكن
أن تعرف عل أنها الطابع حسبما يبدو في الظاهر .وهذا التعريف يوافق ،
بقدر كاف من الدقة .سلوك شخص عند القيام بدوره أمام الجمهور ،كما جاء
ذلك في علم النفس وعلم االجتماع الحديثين .وبمعن آخر فاألمر يتعلق
بالتنكر :فالشخصية العامة تحمي الشخصية الخاصة من عالم الناس
الفضوليين والمر اقبين ،كما تصلح ايضا إلخفاء الحوافز العميقة عن شعور
الفرد ذاته .إن الشخص الذي استطاع بمجهود كبير أن يندمج ضمن جماعة.
والذي يعرف ماذا يترقب منه في وضع معين ،سيستجيب وفقا لهذا الترقب،
محددا قدر اإلمكان ردود فعله الشخصية .وهذا ما يفسر جزئيا كيف أن
المواقف وأنواع السلوك التي تقننها الجماعة والدور .تكون حاجزا ال يمكن
تجاوزه عند األشخاص األسوياء إال بواسطة الطرائق المكثفة والصعبة وغير
المباشرة التي يستعملها علم نفس األعماق...
211
ميوله أو تستهويه عل حد سواء ميول مختلفة .قام في رحلة في قطار بجانب
صحفي يدافع عن مهنته بصفة مقنعة بالطبع ،هذا الحديث ال يغير شخصية
الشاب في الحين وبصورة مباشرة .ولكن قد يكون الحلقة األول لسلسلة من
الحوادث ستجعله في وضعيات حاسمة بالنسبة لتكون شخصيته...
كلوكون وميراي
(الشخصية في الطبيعة والمجتمع والثقافة)
األسئلة :
–1هل يطرح المؤلفان مشكلة الوراثة والبيئة بصورة جديدة؟
اعتمد عل النص في إجابتك.
–2ما دور الحضارة في سلوك اإلنسان؟ هل هو عـامل أقوى
تأثيرا من عامل الوراثة؟
–3كيف تخضع الحوافز للمقتضيات الثقافية؟
–4ما الذي يضيفه عامل الدور في معرفة الشخصية خصوصا
من حيث إمكانية التعرف عل حقيقة الفرد؟
212
النص ):(3
دينامية الشخصية
تمهيد:
أكد التحليل النفسي عل دور األعوام األول من الحياة في تحديد
الشخصية التي تتميز بأنها "ديناميكية" .باعتبار تفاعل العوامل المكونة لها
وإن كانت النظرية (الفرويدية) قد ألحت في البداية عل دور العامل
البيولوجي ،فإن تطور دراسات فرويد تجاوز هذا التبسيط .وهكذا ينفتح علم
النفس التحليلي عل الدراسات األنتروبولوجية التي ألحت عل التأثير الكبير
للثقافة.
ــــــــــــــ
..أمكن بالدراسة المقارنة لتاريخ الحاالت الشخصية أن يستخلص
وصف للمرحلة التكميلية التي تؤدي في النهاية إل تركيب الشخصية
وديناميكيتها .وي علق علم الشخصية التحليلي أهمية حاسمة عل السنين الخمس
األول من الحياة وحت عل السنتين األوليين أو األعوام الثالثة األول .
كانت عملية التكوين هذه تعتبر دائما نتاجا لتفاعل العوامل البيولوجية
والعوامل النفسية االجتماعية وال سيما البيئة العائلية وهي الوسيط الخاص
المجسم لنقل الثقافة .وفي الصياغة النظرية األول كان االهتمام بالناحية
البيولوجية هو الغالب فمراحل نضج الغرائز توافقها مراحل عالقة مع
الموضوع وتربط داللة األحداث الخارجية وأبعادها بالمرحلة الغريزية التي
وقعت فيها ،وتخضع االتجاهات التي تأخذها انفعاالت الطفل وتخيالته إل حد
كبير لنضج الدوافع .ويرى فرويد أن بعض ما يفسر أصل (عقدة أو ديب) هو
افتراض ال شعور جمعي .وقد بالغ )يونغ( في تقدير أهمية هذا الفرض.
وتبدو هذه التفسيرات اآلن مغالية في التبسيط فالتطور الغريزي ال يتم عل
هذا النحو المبسط .ومن المحتمل أال تكون المراحل الغريزية إال نتائج
مصطنعة ذات أصل ثقافي .فلم تعد مرحلة الكمون تعتبر مرحلة يشترك فيها
أفراد النوع اإلنساني جميعا .ويبدو أن الالشعور عرض مبالغ فيه .أما األمر
الذي يثير االنتباه أكثر ويشترك فيه كافة أفراد النوع البشري ،فهو نقص
213
النضج ال بيولوجي للطفل ،نقصا بجعله تابعا لبيئته أمدا طويال .وزاد اإلحساس
بتعقد التفاعالت بين النضج البيولوجي والبيئة ،وتفتح التحليل النفسي في نفس
الوقت عل مناهج البحث في علوم أخرى وعل ما أسهمت به في ميدان
المعرفة ( المالحظة المباشرة لألطفال أو المجموعة من األطفال
واالنتروبولوجيا الثقافية) وفي العشرينيات األخيرة اتجه البحث بصورة
خاصة إل السنين الثالث األول من العمر ،والعالقة بين األم والطفل
وصورة النضج المبكر لألنا واألنا األعل ...وبوجه عام ،يبدو تكوين
الشخصية عملية تأهل (تطبيع اجتماعي) مطردة .وقد أبرز التحليل النفسي
دور عمليات التقمص المتتالية والمتعددة في نمو هذا التطبيع االجتماعي،
ومن أثار التقمص إصالح ما في خبرة الطفل عن بيئته وجسمه من تجزئ،
ولكنه في الوقت نفسه يغترب عن ذاته بانجذابه لشخصية أخرى ال تتوافق
معها شخصيته تماما.
األسئلة :
–1لماذا أعط التحليل لألعوام األول أهمية خاصة لفهم
اإلنسان؟
–2هل تعتبر المراحل التي يمر بها الليبيدو مرتبطة أصال
بالمحيط الثقافي؟
–3ما الذي ساهم حسب رأيك في التحرر من النظرة البيولوجية
التي اعتمدتها الصياغة األول للنظرية الفرويدية؟
النص ):(4
214
العوامل األساسية في بناء الشخصية
تمهيد:
إذا كانت معظم مدارس علم النفس ركزت عل بعد معين في تكوين
شخصية الفرد فإن محمد خليف بركات أراد من خالل هذا النص إبراز تداخل
مجموعة من العناصر في تكوين الشخصية سواء منها العامل البيولوجي أو
الثقافي أو البيئي إذ تفاعل وتكامل هذه العوامل هو الذي ينتج في المحصلة
النهائية شخصية الفرد.
« ...يمكن أن نستخلص أهم العبارات التي يتضمنها التعريف الجديد
للشخصية ...والتي تفيدنا أيضا عندما نحاول الدراسة التحليلية للشخصية أو
الحكم عليها وهي:
– 1التكامل :ويضمن كون الشخصية ليست مجرد مجموع الصفات
التي تكونها وإنما الوحدة الناتجة منها .فهي أكثر من مجرد مجموعة حاصل
جمع ما يدخل فيها من مكونات.
والواقع أن قوة الشخصية تقاس بمقدار ما كون بين مكوناتها من
تماسكن وانسجام وتكامل.
– 2الديناميكية :وتشير إل أهمية التفاعل المستمر بين عناصر
الشخصية المختلفة ،فليست الشخصية مجموعة متراصة من القوى الجامدة
وإنما طبيعتها البيولوجية تقتضي دوام التفاعل والنمو والتغيير الذي يضيف
إل الشخصية صف الحيوية.
– 3صفات الشخصية(:الثابتة نسبيا) وهي التي ال تتغير عل طول
الزمن بالرغم من دوام التفاعل والصفة الديناميكية السابقة – هي التي تجعل
للشخصية طاب عها الخاص ويمكن اإلنشاء عليها في تمييز شخص عن غيره
مثل هيئة الجسم والذكاء العام واإلستعدادات الموروثة أو المكتسبة التي يكون
لها صفة الدوام والثبات بالنسبة لغيرها من الصفات العارضة الدائمة التغيير.
– 4الشخصية ليست مجرد النواحي الجسمية فقط ،كالمخ والعظام
والجلد واألحشاء واألوعية الدموية وطريقة االبتسام وشكل األنف وبروز
الذقن ...بل تتضمن أيضا النواحي العقلية كآمال الشخص وأفكاره ومشاعره
وما يحب ويكره وصداقاته وميوله .وهي ليست كل هذه وتلك مجتمعة فقط،
215
بل تتضمن أيضا طريقة إندماج هذه المكونات وتفاعلها ،والطريقة التي يلجأ
إليها الجسم للتعبير عن العقل في الحركة واإلحساس واإلدراك وكذلك
األسلوب الذي يلجأ إليه العقل في التعبير عن الجسم وما ينتابه من آالم
وموروثات والواقع إنما نسميه «جسما وعقال» هو شيء واحد ،ألن هاذين
االثنين مرتبطات بعضهما ببعض لدرجة أنه ال يمكن فصلها ،أو حت التفكير
فيهما منفصلين.
ثانيا :إنه إذا جاز لنا تحليل عواملها فإن ما يكون ذلك بقصد التصنيف
والدراسة فقط ،عل أن نضع في أذهاننا دائما فكرة إندماج العناصر وتفاعلها
المستمر بعضها مع البعض».
محمد خليف بركات (تحليل الشخصية)
216
األسئلة :
–1أيهما أقرب إل حقيقة الشخصية الثبات أم الديناميكية؟
–2هل يمكننا اكتساب شخصياتنا؟
–3حلل هذه المقولة وناقشها« :إن الطبع ال يرسم إال دائرة الشروط
التي تحدد موقع األنا» (لوسين)؟
النص ):(5
217
تمهيد:
بعد واحد أو تمثل الشخصية كال موحدا من الصعب اختزاله إل
مفهوم واحد ،ذلك أنها ال تتكون انطالقا من محددات أولية فحسب يترب
عليها اإلنسان لفترة ما ،وإنما تتكون بحكم التفاعل بين المحددات األول وما
يطرأ عل الشخص من معارف وما يتقلده من مناصب .لذا فالبد أن تكون
هناك شخصيات متعددة مختلفة حت في المجتمع الواحد.
ــــــــــــــ
ويكفي إلثبات ذلك أن تكون للمرء ،خبرة بمجتمعات أخرى غير مجتمعه
الخاص ،وفضال عن ذلك ،فإن الفرد يميل عادة إل المبالغة في تصور هذه
االختالفات أكثر من التخفيف من قيمتها ،والسؤال الوحيد الذي يطرح حول
هذا الموضوع هو :هل من المناسب االعتقاد بأن مجتمعا معينا يقبل نمطا
واحدا من الشخصية أم –عل عكس ذلك -يقبل سلسلة من األنماط المختلفة
خاصة في المجتمع؟ ستزول وظيفة)(2 يكون واحد منها مرتبطا بمجموعة لها
كل الصعوبات التي تعترضها في التوفيق بين وجهتي النظر هاتين .إذا تمعنا
كل واحدة منهما من منظورها الخاص ،فسنالحظ دوما أن أعضاء ما
يشتركون في عدد كبير من عناصر الشخصية وقد تكون درجة خصوصية
هذه العناصر مختلفة جدا تتراوح من االستجابات الصريحة البسيطة ،مثل
218
األكثر عمومية .وقد تصلح المواقف)(3 الجلوس إل الطاولة أثناء األكل إل
بالنسبة إل األساسية)(4 المشتركة شكال مندمجا جدا يمكن تسميته بالشخصية
المجتمع بأكمله .إن وجود هذا الشكل يمنح أفراد المجتمع ( )...قيما مشتركة
ويمكنهم من االستجابة الوجدانية الموحدة لألوضاع التي تهم قيمهم المشتركة.
219
والراشدين ...إلخ .وفي مجتمع تراتبي يمكن مالحظة فروق مماثلة في
مستويات اجتماعية مختلفة: االستجابات المميزة لألفراد المنتسبين إل
النبالء ،البورجوازيون ،العبيد ( )...وبوسعنا تسمية هذه األشكال من
االستجابات المرتبطة بالوظيفة بالشخصيات الوظيفية وهي تلعب دورا بالغ
األهمية في حسن سير المجتمع .وذلك بتمكين أعضائه من التعامل بنجاح
دون االعتماد عل أي شيء آخر سوى الدور الذي تشير إليه الوظيفة.
إن تعلق األمر بالعالقات بين شخصين غريبين تماما عن وهكذا وحت
بعضهما البعض .فإنه يكفي لكل واحد منهما معرفة الموقع االجتماعي لآلخر
ليستطيع أن يتوقع كيف سيسلك في أغلب األوضاع.
الهوامش:
.1المقصود بها النماذج المختلفة للشخصية والتي تميزها عناصر كثيرة،
كاالنتماء إل الجماعة والثقافة والبيئة الجغرافية ...إلخ .فكل مجتمع له
شخصيته المتميزة والمرتبطة بتاريخها الخاص.
.2نموذج السلوك الذي ينتظره اآلخر من فرد أو أفراد داخل وسط إنساني
محدد .إن كل فرد يقوم بمجموعة من الوظائف أو األدوار االجتماعية .وهذه
األدوار تتحدد كذلك من خالل ثقافة المجتمع كوظيفة األب ،والمدرس،
والعامل ...إلخ.
.3قدرة اإلنسان عل االستجابة تجاه حادث معين أو فكرة معينة بطريقة محددة
سلفا ،والمواقف قد تكون إيجابية أو سلبية.
220
.4مجموع األفعال واألفكار والعواطف واالتجاهات عند شخص والتي يجب
النظر إليها عل أنها نمط عام من السلوك يرتبط بالمجتمع أكثر مما يرتبط
بالفرد .إنها الشخصية المشتركة.
األسئلة:
–1كيف يمكن تفسير مسألة تعدد أنماط الشخصية داخل المجتمع
الواحد؟
–2أيهما أقوى أثرا في السلوك اإلنساني :الشخصية األساسية أم
الشخصية الوظيفية؟
–3هل يمكن القضاء كلية عل الشخصية األساسية؟
221
النص ):(6
الجهاز النفسي
تمهيد:
إن المصطلح الذي استخدمه (فرويد) ،للداللة عل الطاقات أو القوى
التي تث ير النشاط اإلنساني هو مفهوم الغريزة ،وهو يستخدم هذا المفهوم
بمعن خاص ،فهو ال يدل فقط عل ميل بيولوجي مصدره الجسم ،بل إن
(فرويد) يتصور هذا الميل من حيث إنه خبرة نفسية .إنه يفترض أن لكل
غريزة مصدرا يمدها بالطاقة الضرورية .وأن لها موضوعا تتجه إليه ،وهكذا
يمكن اعتبار الغرائز عند (فرويد )هي الغرائز الجنسية أي غرائز المحافظة
عل النوع والمحافظة عل الذات .وتجدر اإلشارة إل أن معن الجنس عند
(فرويد) أوسع بكثير من مفهومه الدارج في حياتنا اليومية فهو يتضمن
باإلضافة إل معناه المتصل بالحوافز الجنسية كل ما يؤدي إل الشعور باللذة
من خالل استثارة المناطق الحساسة في الجسم كالشفاه والتجويف الفموي
والمنطقة الشرجية وأعضاء التناسل .والغريزة الثانية هي غريزة الموت وهي
تخدم أغراض الهدم والتدمير ،ولكي يوضح "فرويد" عمل الغرائز وكيف
تنمو بالتوازي مع نمو الشخصية ،نوقف عند الجهاز النفسي الذي يتكون
"بدوره" انطالقا من السنة األول من حياة الطفل.
ــــــــــــــ
أضف إل ذلك أنه بفضل النسق اإلدراكي ،تقوم بين األنا والزمن
تلك العالقة التي يصعب وصفها .فمما الشك فيه أن طريقة عمل هذا النسق
هي المصدر الذي تنشأ عنه فكرة الزمن غير أن ما يميز األنا عن الهو هو
نزوع األول إل التأليف بين مضامينه وإل اختزال سيروراته النفسية
وتوحيد نمطها ،وهذا ما يعجز عنه الهو عجزا مطلقا (.)...
223
إن األنا مضطر إل أن يخدم ثالثة من السادة األشداء وهو يبذل
قصارى جهده للتوفيق بين مطالبهم ،وهذه المطالب متناقضة دوما ،وكثيرا ما
يبدو التوفيق بينها عمال مستحيال .فال غرو إن أخفق األنا مرارا وتكرارا في
مهمته .هؤالء المستبدون الثالثة هم :العالم الخارجي واألنا األعل والهو .
وحين نعاين ما يبذله األنا من جهود ليعدل بين الثالثة – أو عل األصح
ليطيعهم – ال نأسف أننا حسمنا وأقررنا له بوجود مستقل بذاته .إنه يشعر
بضغط يأتيه من ثالث جهات .وأنه عرضة لثالثة أخطار متباينة يرد عليها
في حالة تضايقه بتوليد الكبح (الكف) .وبما أنه ينشأ أصال من تجارب النسق
اإلدراكي .فهو مدعو إل تمثيل مقتضيات العالم الخارجي غير أنه يحرص
مع ذلك عل أن يبق خادما وفيا للهو .وأن يظال معا عل قدر كبير من
الوفاق ،وأن ينزل في نظره منزلة الموضوع ويجتذب إليه طاقته الليبيدية .
وكثيرا ما يرى نفسه مضطرا – وهو الذي يتول تأمين االتصال بين الهو
والواقع -إل التستر عل األوامر الالشعورية الصادرة عن الهو بتسويغات
قبل شعورية وإل التخفيف من حدة المجابهة بين الهو والواقع .وإل أن يسلك
طريق الدهاء الدبلوماسي والتظاهر العتبار الواقع ،حت وإن أبدى الهو تعنتا
وجموحا وكذلك األنا األعل القاسي ما يفتأ يراقبه ويرصد حركاته ويفرض
عليه قواعد معينة لسلوكه من دون أن يلقي باألنا إل الصعاب التي يقيمها في
وجهه الهو والعالم الخارجي وإن اتفق لألنا أن عص أوامر األنا األعل .
عاقبه هذا األخير بما يفرض عليه من مشاعر أليمة بالدونية والذنب .عل هذا
النحو يكافح األنا الواقع تحت ضغط الهو والرازح تحت نير اضطهاد األنا
األعل والمصدود من قبل الواقع .يكافح إلنجاز مهمته االقتصادية .وإلعادة
التساوق بين مختلف القواعد والمؤثرات الفاعلة فيه والواقعة عليه .من هنا
نفهم لماذا يجد الواحد منا نفسه مكرها في كثير من األحيان عل أن يهتف
بينه وبين نفسه؛ آه "ليست الحياة سهلة" واألنا مت أكره عل االعتراف
بضعفه استول عليه الذعر .إنه خوف فعلي حيال العالم الخارجي إنها
مخاوف الضمير حيال األنا األعل ،وقلق عصابي حيال قوة األهواء في
الهو.
سيجموند فرويد
"محاضرات جديدة في التحليل النفسي"
غاليمار ، 1936صفحات 115 – 111
224
األسئلة :
–1استخرج من النص وظائف األنا في الجهاز التنفسي.
–2كيف ينظر فوريد إل مجموع مناطق الجهاز التنفسي؟
–3ما هي في رأيك نتائج ضعف األنا عل الحياة النفسية للفرد؟
– 4الشخصية تتحدد من خالل بناء نفسي سابق ،ما رأيك؟
225
النص ):(7
الشخصية والحرية
تمهيد:
ــــــــــــــ
" الشخص قوة مبادرة واختيار ،يلتزم ويندمج ،وينسجم ،يشعر فيقبل
أو يرفض ،تلك هي الخصائص الالزمة لالعتراف بأن للشخص استقالال
ذاتيا.
في مستهل القرن األول للهجرة ،عرفت طائفة المرجئة اإليمان بأنه
اعتقاد باطني ،فال يزول إ يمان المرء في نظرهم ،ولو أظهر قوال وفعال ،بل
حت ولو تبع الملة اليهودية أو النصرانية .في دار اإلسالم ما دام متيقنا،
باطنيا ،أن ال إله إال هللا.
226
( )...معن هذا أن اإليمان هو قبل كل شيء ،االعتراف بوحدانية هللا
واستقالله المطلق ،إذ أن المؤمن (أي الفرد الذي يعترف هلل بهاتين الصفتين)
يعترف كذلك لنفسه بأنه هو اآلخر ،واحد ومستقل .إال أن وحدانية الكائن
البشري واستقالله ليسا مطلقين ،فاهلل وحده ال تعتريه النسبية.
مفهوم االستقالل الذاتي ،هنا ،هو ذلك الشيء الخاص بكل شخص،
نعني واقع فرديته المتخصصة له .فعندما تقول إن لألشخاص استقالال ذاتيا،
نؤ كد أن ال وجود لنموذج إنساني أو لقالب يفرغ فيه جميع األشخاص ليكونوا
عل نمط واحد ،إذ لكل شخص وجهته وتطلعاته الخاصة ،وهي منبع ال
ينضب من العفوية والمبادهة{ :ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات}
البقرة اآلية ،307وفي آية أخرى{ :قل كل يعمل عل شاكلته فربكم أعلم بمن
هو أهدى سبيال} اإلسراء اآلية ، 80تبتدئ الشخصانية عندما يتوقف الشخص
عن الطاعة (طاعة األشخاص وطاعة األشياء) ويعترف بالقيمة العليا للعقل
والفكر ،واالعتراف بتلك القيمة للشخص ليس معناه قبول المخاذالت أو
السماح لبعض العقول أن تستبد باألخرى وليس هو الخضوع األعم الذي
يفرضه مذهب من المذاهب ،ولو كان دينيا {ال إكراه في الدين} البقرة اآلية
.236
الهوامش:
227
كل نظرية فلسفية تطرح مسألة الشخص اإلنساني كقيمة أساسية وعليا،
ويعرف (موتي) الشخصانية قائال" :تدعو شخصانية كل اتجاه أو حضارة تؤكد
عل أهمية الشخص مقابل الضرورات المادية واألجهزة الجماعية التي تتحكم
في تطوره".
والشخصية عند (رينوفيه) مرادفة للذاتية ،وهي القول :إن فكرة الشخصية
مقولة ضرورية إلدراك العالم.
األسئلة :
–1ما داللة مفهوم االستقالل الذاتي للفرد في النص؟ وكيف
يبرهن عل ذلك؟
–2بين قيمة وجود حرية الفرد من خالل النص.
–3علق عل الفقرة األخيرة من النص.
228
النص ):(8
لقد بين علماء البيولوجيا الدور الكبير للعامل الوراثي ولكن هذا
التأثير متفاوت األهمية إذا اعتبرنا الصفات الجسمية أو الصفات الوجدانية أو
الذهنية .ومع الوراثة هناك دور البيئة ولكل منهما أهمية في تحديد سلوك
اإلنسان .ولكن هذه الحتمية البيولوجية وتأثير المجتمع ال يستعبدان حرية
الفرد الذي يمكن له أن يتحرر من قيودهما.
ــــــــــــــ
ليس أدل عل قوة الوراثة وتأثيرها الفعال من حال التوأمين الحقيقيين
أو المتماثلين .وينتج التوأمان من االنقسام المبكر لبويضة واحدة ،فهما يملكان
إذن بالضبط نفس اإلرث البيولوجي .وهما برعمان من نفس األصل أو
نمطان مسبوكان في نفس القالب .ومن هنا ينتج تشابههما الخارق من حيث
البنية الجسمية ومن حيث التكوين الفيزيولوجي والقابلية لألمراض
والمؤهالت الذهنية ...الخ .وكان التشابه التوأمي الذي يبلغ أحيانا حد التماثل
موضع اندهاش لدى اإلنسان في كل زمان ،بل إنه ليبدو فظاعة حقيقية ألنه
يصدم تصورنا المعتاد لإلنسان بإبرازه –في بداهة قلما تدرك -للطابع اآللي
للحياة ومحوه إلحدى الميزات التي تبدو لنا مرتبطة ارتباطا وثيقا بالطبيعة
229
البشرية :أال وهي الشخصية ،ومع ذلك وفي هذه الحالة القصوى ،فإن
الصفات الحيوية واإلنس انية بالذات لم تمح كليا وإنما ضعفت ال غير .وحت
نقدر بصورة سليمة قيمة التشابهات التوأمية ،يجدر بنا فعال ،أن نميز بين ما
يتعلق بالوراثة وبين ما يرتبط بالتربية والبيئة .وفي أغلب األحيان نجد فعال،
أن التوأمين يعيشان في نفس البيئة العائلية التي من شأنها أن تدعم التشابهات
الوراثية .فال يمكن التعرف عل التأثيرات الخاصة بالوراثة وبالبيئة إال عندما
يفصل التوأمين منذ سن مبكرة ،ويربيان في بيئات اجتماعية متباينة ويتلقيان
تربية مختلفة وقد قام العالم البيولوجي (عالم الحياة) األمريكي (هـ/هـ نيومن)
ببحث واسع شمل تسعة عشر زوجا من التوائم الحقيقيين الذين عاشوا
منفصلين عن بعضهم ،وقد أكدت هذه الدراسة ما سبق أن عرفناه عن التشابه
الجسمي الشديد عند التوائم لكنها كشفت عن وجود ظروف أكثر تعقدا عندما
دراسة األمزجة والخاصيات البدنية .إن نتيجة دراسة وقع التعرض إل
التوائم الذين فصلوا م نذ الطفولة هي أنه إذا كانت األمزجة والخاصيات في
بعض األزواج متقاربة جدا فإنها عل العكس في البعض اآلخر مختلفة كثيرا
فالمزاج إذن ليس صفة وراثية عل نحو ما تكون الخاصية الجسمية.
230
أكثر مما يتشابه توأمان حقيقيان ربيا بعيدين الواحد عن اآلخر في بيئات
اجتماعية مختلفة ،ونتيجة لذلك ،نقر بأنه إذا كانت الصفات الجسمية
والفيزيولوجية تخضع للتأثير القوي للعوامل الوراثية .فإن الصفات الذهنية
تؤثر فيها التربية والبيئية االجتماعية تأثيرا عميقا .أما الصفات الوجدانية
فيبدو أنها تحتل مكانة وسط بين هذين الطرفين.
يظهر سبب هذه االختالفات بسهولة إذ أنها مرتبطة بتنوع الحقب
التي تحدد فيها السمات المعتبرة .فاإلنسان يتحدد جسميا قبل الوالدة بكثير،
ولهذا نفهم فعال أن التدخالت التي تقع خالل الطفولة عاجزة عن أن تغير
بصورة عميقة مؤهالته وصفاته البدنية .وخالفا لذلك فإن كل التطور الذهني
واالنفعالي لإلنسان يحدث خالل الطفولة والمراهقة .ولذلك فال يستغرب أن
يتأثر تكوينه النفسي تأثيرا عميقا بطابع البيئة التي ينمو فيها والتربية الموجهة
والمتواصلة التي يتلقاها.
في هذه الحالة القصوى ليست الوراثة أبدا بالغة وهكذا فإنه حت
القوة .إن أولويات الوراثة يمكن أن تستعبد اإلنسان بأكمله .ورغما عن ثقل
المادة التي يتكون منها والوراثة التي تحدد تكوينه البيولوجي منذ بداية
الحمل ،فإن لإلنسان القدرة عل توجيه مصيره باالعتماد عل ذكائه وإرادته
في آن واحد.
أ .فاندال
(اإلنسان والتطور)
األسئلة:
231
–1ما البحوث التي اعتمدها المؤلف للداللة عل تأثير الوراثة؟
–2يقول (فاندال )بأن الصفات الجسمية تخضع للوراثة بصــورة
كبيرة ،أما الصفات الذهنية فللمجتمع دور كبير في إعطائهـا
صبغة معينة ،وتحتل الصفات الوجدانية مكانة وسطــ بين
هذين الطرفين .فسر هذا الرأي مبرزا سبب هذا االختالف.
–3اشرح قول صاحب النص« :إن أولويات الوراثة يمكــن أن
تستعبد اإلنسان بأكمله».
232
أسئلة الباب
–1هل نحن أحرار في اختيار شخصيتنا؟
– 2أيهما أقوى تأثيرا في الشخص :الفطري أم المكتسب؟
– 3إل أي حد يمكن القول :إن الشخصية توجد في شكل خطوط كامنة في
الفرد؟
– 4يقول محمد خليفة بركات«الشخصية ليست مجرد مجموع الصفات التي
حلل هذا القول وناقشه. تكونها وإنما الوحدة الناتجة عنها»
– 5إل أي حد يمكن القول :إن الثقافة تكوننا تكوينا ثانيا؟
ما رأيك؟ – 6يرى (دانييل القاش) أن تكوين الشخصية عملية تأهل.
– 1هل لالشعور أي أثر في توجيه الشخصية وبنائها؟
233
المحور الرابع:
السياســـة
234
تصدير
« ال يمكن زوال بؤس الدولة وزوال شقاء نوع اإلنسان ما لم يتملك
الفالسفة أو يتفلسف الملوك والحكام فلسفة صحيحة تامة ،أي ما لم
تجتمع القوتان السياسية والفلسفية في شخص واحد» افالطون -
الجمهورية
« الدولة والملك للعمران بمثابة الصورة للمادة وهو الشكل الحافظ
بنوعيه لوجودها لما في طابع البشر من العدوان الداعي إل الوازع
» ....ابن خلدون -المقدمة
« الدولة هي الفكرة األخالقية الموضوعية إذ تتحقق في الروح
األخالقية بصفتها إرادة جوهرية تتجل واضحة لذاتها ،تعرف ذاتها
وتفكر بذاتها وتنجز ما تعرفه ألنها تعرفه» هيجل
فكرة الدولة ،وأي تساءل عنها يعني « إن الدولة سابقة عل
بالضرورة تساؤالت عن األصل والهدف» لينين
235
الدولة :مقوماتها -نشأتها – وظائفها
ينبغي التمييز بين مفهوم الدولة ومفاهيم القوة والسلطة والنفوذ التي
تكون مجتمعة ما يعرف بالنظام السياسي «يستخدم علماء االجتماع مفهوم
النظام السياسي للداللة عل توزيع القوة والسلطة والنفوذ في المجتمع وعل
الطرق التي يتم بها هذا التوزيع سواء كان المجتمع بدائيا بسيطا أو حديثا
معقدا»(.)1
أما مصير شرعية السلطة فقد يكون التقاليد وقد يكون القانون أو
الشرع وقد يكون جاذبية صاحب السلطة أو كفاءته القيادية ،أما النفوذ فهو
الممارسة غير المباشرة للقوة من خالل الهيبة أو الثروة أو الوضع االجتماعي
أو المنصب ،وقد تجتمع القوة والسلطة والنفوذ في شخص ما ،فتكون القوة
السياسية كاملة عندئذ.
1
-النظم االجتماعية ،د .محمد البعادي ود .طلعت إبراهيم لطفي ص .70
2
-نفس المرجع.
236
والدولة بهذا المعن مرادفة للحكومة ،وإن كانت الحكومة مجرد أداة
للدولة في رأي الكثير من علماء االجتماع والقانون.
فما هي مقومات الدولة؟ وكيف نشأت؟ وما وظائفها؟
1
-المعجم الفلسفي جميل صليبا.
2
بدوي ،ص .048 -معجم مصطلحات العلوم االجتماعية
237
كالحكومة تملك الحق في تطبيق القانون عل شعب معين يسكن بالدا معينة
الحدود ،إذن ال يمكن وجود الدولة إال إذا توافرت المقومات المذكورة ولذلك
قد يوجد مجتمع ليس له دولة ،مع أن لكل مجتمع نظاما سياسيا ،فالنظام
السياسي شيء والدولة شيء آخر ،فالنظام السياسي مركب متداخل من
األدوار والمعايير االجتماعية المتعلقة بتوزيع القوة والسلطة والنفوذ .أما
الدولة فكيان سياسي متميز الحدود ومستقل الهوية .وهناك بع ض المجتمعات
التي ليست لها دولة لوجودها في إطار مجتمعات أكبر منها أو أقوى أو أقدم
تواجدا عل أرض البلد .ألن الدولة دائما تكون باسم المجتمعات المسيطرة،
والواقع أن قيام أية دولة رهن بتوفر الشروط المذكورة ،والتي تربط بدورها
بظروف نشأة الدولة.
ثانيا :نشأة الدولة:
يستلزم الحديث عن نشأة الدولة الحديث عن أسباب هذه النشأة
وأصلها وتناول اإلشكاليات التي يثيرها الموضوع والنظريات التي تتناول
أصل الدولة ونشأتها .ورغم أننا إذا نظرنا إل ما يثيره مفهوم الدولة من
أفكار تتعلق بالسلطة والقانون وأنواع األنظمة السياسية وطبيعة الحاكم
والمحكوم ،فإننا نجد جذور كل ذلك تعود إل العصر اليوناني خاصة مع
أفالطون وأرسطو ،ثم في الممارسات العملية في العصر الروماني ،إال أن
مفهوم الدولة ب معناه الحديث في اللغة السياسية لم يستخدم إال منذ القرن 16
(.)1
– 1نظرية الحق اإللهي:
تعتبر نظرية الحق اإللهي أو التيوقراطية من أقدم النظريات التي
تفسر أصل الدولة والسلطة وذلك عل أساس فكرة دينية دعا إليها رجال
الدين المسيحي في القرون الوسط ،ومفادها أن الدولة والحكومة تنظيم إلهي
مقدس لمنع الشر والخطيئة ،فالملوك والحكام إنما يستمدون سلطتهم من هللا،
وهم عمالؤه وممثلوه عل األرض ،كما ذهبوا إل أن الثورة عل الملوك
تعتبر فوض سياسية غير شرعية ،بل هي خطيئة( )2مما أدى إل تأليه
الملوك وتقديسهم باعتبارهم ظل هللا وخلفاءه عل األرض ،لذلك يحق للملك
1
-الفكر اإلسالمي والفلسفة.
2
-تاريخ الفكر االجتماعي ،حسن شحاته ،ص .23
238
أن يحكم رعاياه حكما استبداديا مطلقا ،وعل الشعب أن يطيعه في كل أوامره
وأحكامه ،فال يحق للشعب معارضة الملك وال القوانين والتشريعات المعمول
بها ألنها ترجع في أصلها إل إرادة إلهية والملك هو الذي يجسد هذه اإلرادة.
– 2التفسير السوسيولوجي:
هناك رأي آخر يعتبر أكثر عاته من علماء االجتماع يرى أن الدولة
عبارة عن تنظيم قوي يخدم مصالح الصفوة أو النخبة من أفراد المجتمع ،أي
الجماعة المتميزة بثروتها وجاهها ومكانتها االجتماعية ،ومن هنا يذهب
أصحاب هذا الرأي إل أن السبب الرئيسي لقيام الدولة هو خدمة مصالح
النخبة ،ومع أنه قد يكون للدولة وظائف أخرى إال أن هذه الوظائف في
مجملها تخدم مصالح النخبة ،فالمجتمع في رأيهم ميدان تتنافس فيه الجماعات
المختلفة عل الثروة والقوة والمكانة وغير ذلك من متاع الحياة ،ويرون أن
الجماعة أو الجماعات التي تسي طر عل الدولة هي القادرة عل فرض
إرادتها والتحكم في توزيع موارد الثروة والقوة والمكانة وغيرها( )1فالدولة لم
تظهر إال بعد ظهور الملكية الفردية أو الخاصة ومن ثمة ظهرت طبقة مالك
أصبحت مهمة الدولة حمايتها.
– 3نظرية العقد االجتماعي:
يربط فالسفة العقد االجتماعي بين نشأة الدولة والسلطة وفكرة العقد
االجتماعي التي انتشرت منذ القرن 11خاصة مع جون لوك وهوبز وروسو
ويذهب هؤالء إل أن الدولة تنشأ نتيجة لعقد ضمني يبرمه أفراد المجتمع فيما
بينهم ويتنازلون فيه عن سلطتهم لفرد ما أو جماعة ما ،أي يفوضون أمورهم
العامة كالقضاء واإلدارة وقيادة الحرب واألمن إل شخص ما أو جماعة ما،
فتصبح السلطة لهذا الشخص أو هذه الجماعة( )2ويذهب فالسفة العقد
االجتماعي إل أن األفراد كانوا يعيشون في مرحلة طبيعية قبل مرحلة
االجتماع البشري ،وكانوا يعيشون عل الفطرة ولم تكن هناك قيود تحد من
حريتهم ،ول كن هذه الحرية المطلقة كانت تؤدي إل اضطراب وفوض
عارمة ،مما جعل األفراد يبحثون عن وسيلة للخروج من هذه الوضعية أي
1
-النظم االجتماعية ،محمد البعادي ،ص .76
2
-النظم االجتماعية ،محمد البعادي وطلعت لطفي ،ص .77
239
حرب الكل ضد الكل ،فبدؤوا في التفكير في تأسيس حياة يسودها النظام
واألمن «وكانت هذه الوسيلة هي التعاقد فيما بينهم عل تنظيم حياة اجتماعية.
وهذا هو مضمون نظرية العقد االجتماعي التي مؤداها أن أولئك
الناس اتفقوا عل أن يتنازل كل واحد منهم عن بعض أو كل حقوقه ،وأن
يقبل العيش مع غيره في ظل سلطة توفق بين مصالح األفراد»(.)1
فالمجتمع قد نشأ بناء عل اتفاق سابق بين األفراد الذين يتكون منهم
بقصد التخلص من الشرور التي سادت الحياة في المرحلة الطبيعية السابقة
عل تكوين المجتمع ،إال أن فالسفة العقد االجتماعي اختلفوا في تفاصيل حالة
الطبيعة وهل كان اإلنسان خيرا أم شريرا فيها؟ وهل تنازل األفراد عن جميع
حقوقهم للحاكم أم أنهم تنازلوا عن بعضها واحتفظوا بالبعض اآلخر؟ يذهب
هوب ز إل أن حياة اإلنسان في المرحلة الطبيعية كانت تطبعها األنانية ألن
اإلنسان شرير بطبعه فلم يكن اإلنسان يبحث إال عن مصالحه الخاصة ولو
عل حساب اآلخرين فاإلنسان ذئب ألخيه اإلنسان ،وكان القانون السائد في
المرحلة الطبيعية هو قانون القوة لذا كان األقوياء يعتدون عل الضعفاء،
فكانت حياة اإلنسان تعمها الفوض والعنف.
()2
فكانت «تعسة قذرة ،وحسية ثم قصيرة» ويذهب هوبز إل أن
العنف والصراع وحرب الكل ضد الكل في المرحلة الطبيعية كان عائقا أمام
الحياة االجتماعية المستقرة وإنشاء الدولة ،وأمام هذا الوضع المضطرب أيقن
اإلنسان بضرورة تجاوز األوضاع السيئة ،وإنشاء مجتمع ودولة لوضع حد
لصراع األفراد واستبداله بالتعاون بينهم ،ويذهب هوبز إل أن األفراد قد
تنازلوا عن جميع حقوقهم ألن التنازل عن بعضها دون البعض اآلخر يؤدي
من جديد إل حالة الفوض واالضطراب فالشخص الذي يتنازل له األفراد
عن حقوقهم وحرياتهم يصبح حاكما يتمتع بسلطة مطلقة ألنه ليس طرفا في
العقد ،ألن األفراد قد التزموا فيما بينهم فقط دون الحاكم بالتنازل له عن كل
حقوقهم وبتقديم الطاعة واإلذعان ألوامره وسلطته المطلقة ،ألن ذلك أفضل
من االستمرار في حياة الفوض والحروب فاألفراد تنازلوا عن حقوقهم
لصالح إنشاء الدولة مقابل تأمين سالمتهم وملكيتهم الشخصية وجميع حقوقهم
1
-الفكر اإلسالمي والفلسفة ،ص .335
2
-تاريخ الفكر االجتماعي مرجع سابق ص .327
240
داخل الحياة االجتماعية في ظل الدولة( )1ولكنهم إذ وافقوا عل ذلك إنما
عمدوا إل نقل ال رجعة فيه لحقوقهم الفردية وعهدوا بها إل حاكم :رئيس أو
ملك ولذلك يتمتع الحاكم في رأي (هوبز) بسلطة ديكتاتورية يجب عل
األفراد الخضوع لها وهذا ما يؤخذ عل (هوبز) ويميزه عن غيره من فالسفة
العقد االجتماعي وخاصة (لوك) (وروسو) اللذين يتفقان في تصورهم لحالة
الطبيعة حيث لم تكن في نظرهم حالة حرب واضطراب كما يقول هوبز ،كما
أنها لم تكن مرحلة سابقة عل المرحلة االجتماعية ،بل كانت حالة سابقة عل
الحالة السياسية التي يتمتع فيها كل فرد باستخدام القوانين الطبيعية ،ولكن
أكبر عيب كان يصيب هذه المرحلة في رأي (لوك) هو حاجة الناس إل
قاض أو حاكم محايد يستطيع حسم النزاع بشكل عادل.
1
-الفكر اإلسالمي والفلسفة مرجع سابق
2
-تاريخ الفكر االجتماعي مرجع سابق ص .354
242
خارجي ،إذن سيادة الدولة هي سيادة طبيعية لإلنسان ،والقانون الذي تطبقه
الدولة إنما يهدف إل ال محافظة عل هذه الحقوق ،وخضوع الشعب للقانون
خضوع لإلرادة العامة أو إرادة الشعب(.)1
والجيل الثاني يمثل فترة كهولة الدولة ،ويسميه حالة الملك بتحول
المجتمع من البداوة إل الحضارة ومن الشظف إل الترف ومن االشتراك في
المجد إل انفراد الواحدية وكسل الباقين عن السعي له وتمثل هذه المرحلة
استقرار الدولة ونشاط مؤسساتها وتنظيماتها.
والجيل الثالث يمثل مرحلة شيخوخة الدولة وفيه تضعف ألن الوهن
يدب في الشعب بسبب انغماسهم في الترف والنعيم وانشغالهم به عن الغزو،
مما يفقدهم عزهم ويؤدي بالدولة إل االنهيار(.)3
1
-الفكر اإلسالمي والفلسفة ص .336
2
-النظم االجتماعية مرجع سابق ،ص 77
3
-نفس المرجع السابق والصفحة.
243
بتاريخ ظهور الملكية الفردية التي أدت إل تقسيم المجتمع إل طبقة مالك
وسائل اإلنتاج وطبقة المحرومين من الملكية أي البروليتاريا.
ففي المجتمع البدائي قبل ظهور الدولة كانت إنتاجية العمل منخفضة
وكان الناس ينتجون من أجل الحاجات الضرورية لالكتفاء الذاتي فقط ،ولم
تكن هناك ملكية خاصة ،وإنما ملكية عامة مشاعة بين جميع األفراد لذا
سميت مرحلة المشاعية البدائية ،ولذلك لم يكن هناك أي داع لقيام الدولة،
فكان الناس متساوي ن ولم يكن هناك من يتمتع بأي امتيازات ،ولم تكن توجد
في المجتمع طبقات ،ولكن بعد التطور التاريخي للمجتمع البدائي ظهر هناك
فائض في اإلنتاج وظهرت طبقة استأثرت بهذا الفائض فبدأت الملكية الفردية
لألرض ووسائل اإلنتاج ،ثم ظهرت الحاجة إل وجود الدولة ،التي ما هي إال
التنظيم السياسي المعبر عن نفوذ الطبقة السائدة اقتصاديا فهي أداة تستخدمها
تلك الطبقة من أجل الحفاظ عل امتيازاتها ومصالحها وملكيتها الخاصة،
فالدولة الديمقراطية في رأي ماركس ما هي إال مؤسسة بورجوازية تهدف
في المقام األول إل توطيد سيطرة الطبقة الرأسمالية البروجوازية عل
مختلف الطبقات الفقيرة في المجتمع مما يؤدي إل الصراع الطبقي الذي
سيؤدي في النهاية إل تصفية الدولة ونهايتها وزوال الطبقات ومن ثمة
ظهور النظام الشيوعي ودولة المجتمع أو الشعب كله في نظر
االشتراكيين(.)1
ثالثا :وظائف الدولة:
لقد ظهرت في العصر الحديث أنظمة سياسية جديدة كنظام الملكية
الدستورية أو نظام الجمهورية ،كما ظهرت الدولة الرأسمالية والدولة
االشتراكية ،وفي ظل هذه األنظمة الحديثة تحددت وظائف الدولة أكثر،
وأصبحت مقسمة ومنظمة بقوانين أساسية عل خالف ما كان عليه األمر في
عهد الدولة الثيوقراطية في العصور القديمة .وتعتبر الوظائف األساسية في
الدولة الحديثة هي ،فرض القيم والمعايير ،والحكم بين األفراد إذا تنازعوا
والقيام بعمليات التخطيط والتوجيه وتوفير الحماية للمواطنين ،فالدولة
مسؤولة عن حماية قيم المجتمع ومعاييره التي تشمل قوانينه وشرائعه .ثم إن
الدولة مسؤولة عن حماية حقوق مواطنيها وأرواحهم وأمالكهم ،كما أن
1
-الفكر اإلسالمي والفلسفة مرجع سابق ص .338-337
244
الدولة الحديثة مسؤولة أيضا عن إدارة موارد البالد المالية والبشرية
وتوجيهها لما يخدم أهدافها المعلنة ،ثم إنها مسؤولة عن حماية السكان من
()1
االعتداءات الخارجية التي قد يتعرضون لها من المجتمعات األخرى
وبتطور المجتمعات الحديثة تعددت وظائف الدولة وتشعبت ،وتهدف هذه
الوظائف في مجمله ا إل تحقيق الرفاه لجميع السكان ،وهي الوظائف التي
تشمل القطاعات االجتماعية كالصحة والتعليم والثقافة والخدمات المرفقية
المختلفة والتي أصبحت كلها منوطة بوزارة خاصة بها ومؤسسات تشرف
عل تنفيذها والواقع أن توسع خدمات الدولة الحديثة وشمولها معظم جوانب
حياة األفراد أمر يضيق به البعض ،ألنهم يرون أنه تدخل غير مقبول في
خصوصياتهم وتقييد لحرياتهم ،ولذلك توجد جماعات مختلفة من المواطنين
واألحزاب والمفكرين تدعو إل تقليص دور الدولة وقصره عل الوظائف
األساسية التي البد منها لحياة المجتمع.
وقد اهتم المفكرون والفالسفة كثيرا بتحديد وظائف الدولة الحديثة فقد
ميز (مونتيسكيو) في كتابه (روح القوانين) بين ثالث وظائف أساسية للدولة
هي وظيفة السلطة التشريعية ،والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية:
1
-النظم االجتماعية ص .78
245
أن تصدر السلطة التنفيذية األحكام ،كما ال يجوز أن تعرقل تنفيذ األحكام
الصادرة عن السلطة القضائية أو التشريعية(.)1
األسئلة:
– 1ما الدولة وما مقوماتها األساسية؟
– 2ما أهم النظريات في تفسير نشأة الدولة؟
– 3ما وظائف الدولة الحديثة؟
1
-الفكر اإلسالمي والفلسفة ص /323المغرب
246
أشكال النظام السياسي
إذا كان "اإلنسان كائنا اجتماعيا بالطبع" فهذا يستلزم أنه "سياسي
بالطبع" أيضا إذ ال يستطيع كيان اجتماعي أن ينشأ ويستمر في الوجود من
غير سياسة تنظ م شؤون األفراد داخل المجتمع لكن هذا األمر المسلم به ال
يحدد طبيعة التنظيم ،وال نوع الحكم ،أو نوع العالقة بين الحاكمين
والمحكومين.
والواقع أن المجتمعات اإلنسانية عرفت دائما تنوعا في أساليب الحكم
غير أن هذا التنوع ال يخرج عن اتجاهين عامين :اتجاه دكتاتوري قائم عل
انفراد الهيئة الحاكمة بتسيير دفة الحكم من غير اشراك مؤسسات وقنوات
متفق عليها مسبقا واتجاه ديمقراطي.
وعل الرغم مما تتمتع به الديمقراطية من مزايا إنسانية فإن تطبيقها
يقع وفق نماذج مختلفة فما هي النظم الدكتاتورية؟ وما الديمقراطية؟ وما
نماذجها؟
الدكتاتورية:
الدكتاتورية مفهوم يراد به كل نظام ال يعترف بالديمقراطية وال يتبن
مبدأ الفصل بين السلطات ،ويدخل فيه بالطبع جميع األنظمة االستبدادية
الفردية ،ويتحمل هذا النظام مسؤولية كل فساد وشر يحدث في الدولة ،كما
يتحمل مسؤولية كل أنواع التخلف في جميع قطاعات المجتمع.
247
ويغالي بعضهم بالقول إن أي نظام حكم ال يطبق الديمقراطية هو
نظام حكم شمولي ،وعليه فيكون نظام الحكم إما أن يكون ديمقراطيا وإما أن
يكون شموليا.
وبهذا التوصيف التعسفي ألنظمة الحكم يتم إسقاط هذا الوصف ليس
عل أنظمة الحكم الوضعية الحالية وحسب ،بل ويعمم عل جميع أنظمة
الحكم التي عرفتها البشرية منذ فجر التاريخ ،فكأن الحضارات والثقافات عل
مر العصور لم تعرف سوى هذين النظامين.
الديمقراطية:
249
أوال :تيار الديمقراطية السياسية – الليبرالية التي تستهدف تحقيق
الحرية عل أكمل صورة تمكن اإلنسان من تحقيق مطامحه عل أقص حد
ممكن وفق مبادئ دستورية انبثقت من اجتهاد نواب الشعب في مختلف
المستويات.
لكن هذا النظام واجه بدوره صعوبات نفسية وأخالقية سرعان ما
تحولت إل أزمات اقتصادية اجتماعية فتتكاثر القرارات البيروقراطية ويقل
المردود الفعلي لإلنتاج ،ويسوء التوزيع ،وتظهر الطبقية ابتداء من الذين
نصبوا أنفسهم عل إدارتها وهكذا تؤول الديمقراطية بالمفهوم االشتراكي إل
شبه ما آلت إليه الديمقراطية بالمفهوم الليبرالي.
الحكم في اإلسالم:
250
الحكم في اإلسالم والملك والسلطان بمعن واحد هو السلطة التي تنفذ
األحكام الشرعية عل الناس في دار اإلسالم ،أو كما يقول بعض الفقهاء هو
عمل اإلمارة التي أوجبها الشرع عل المسلمين لدفع التظالم وفصل التخاصم،
وهي عينها والية األمر ،يقول تعال ﴿ :يا أيها الذين آمنوا أطيعوا هللا وأطيعوا
الرسول وأول األمر منكم﴾ والطاعة هنا متعلقة برعاية شؤون الرعية بالفعل
من قبل أولي األمر ،أي من قبل األئمة أو الخلفاء ،وهذا المعن تؤكده
عشرات النصوص القرآنية الكريمة والنبوية الشريفة وذلك كقوله تعال :
﴿فاحكم بينهم بما انزل هللا وال تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق﴾ وقوله:
﴿وان احكم بينهم بما انزل هللا وال ت تبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن
بعض ما أنزل هللا إليك﴾.
فثمة فرق كبير بين الحكم بالهوى وبين الحكم بالشرع في نظام الحكم
اإلسالمي ،وأصل الحكم في اإل سالم كما هو معلوم يقوم عل أساس العدل
مصداقا لقوله تعال ﴿ :وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل﴾ .يقول
الماوردي في مقدمة كتابه األحكام السلطانية" :إن هللا جلت قدرته ندب لألمة
زعيما خلف به النبوة ،وناط به الملة ،وفوض إليه السياسة ،ليصدر التدبير
عن دين مشروع ،وتجتمع الكلمة عن رأي متبوع ،فكانت اإلمامة أصال عليه
استقرت قواعد الملة ،وانتظمت به مصالح األمة ،حت استثبتت بها األمور
العامة ،وصدرت عنها الواليات الخاصة ،فلزم تقديم حكمها عن كل حكم
سلطاني ،ووجب ذكر ما اختص بنظرها عل كل نظر ديني لترتيب أحكام
الواليات عل نسق متناسب األقسام متشاكل األحكام".
ويحدد الماوردي لإلمام عشر مهام هي:
-حفظ الدين
-تنفيذ األحكام
-حماية البيضة
-إقامة الحدود
-تحصين الثغور
-جهاد المعاندين لإلسالم
-جباية الفيء والصدقات
251
-تقدير العطايا
-استكفاء األمانة وتقليد النصحاء
-مباشرة األمور وتصفح األحوال.
وفي كل األحوال فإن دولة اإل سالم هي دولة الناس الذين يجتهدون
فيصيبون ويخطئون عبر الشورى المتخصصة والشورى العامة التي تجعل
الحاكم في خدمة الشعب ووكيال عنه في إنفاذ حكم هللا ،فهي حكومة يحكمها
قانون يتساوى أمامه كل مواطني الدولة بصرف النظر عن جنسهم
واعتقادهم .ال تختلف آليات سيرها عن الديمقراطيات المعاصرة إال
بمرجعيتها الخلقية العلوية مرجعية الشريعة .وما من دولة ديمقراطية أو غير
ديمقراطية إال وتتوفر في أساسها عل فلسفات وقيم تمثل الموجهات الكبرى
لسياساتها بصرف النظر عن مأتاها ارضيا كان أم سماويا صريحا كان أم
متضمنا من مثل مبادئ حقوق اإلنسان أو مبادئ القانون الطبيعي.
األسئلة:
– 1عل أي أساس تتوزع أنظمة الحكم؟
– 2أيهما أفضل النظام الديكتاتوري؟ أم الديمقراطي؟
– 3ما طبيعة الحكم في اإلسالم؟
252
الحقوق الطبيعية والمدنية في اإلعالن العالمي
لحقوق اإلنسان
عل إثر الحرب العالمية الثانية وما خلفته من مآسي ومعاناة تأثرت
بها مجموعات كبيرة من الناس بدأ يتبلور خطاب جديد يسع إل وضع حد
لتلك المعاناة أو قل التخفيف منها ،وهكذا اعتمدت الجمعية العامة لألمم
المتحدة ضمن هذا السياق ما بات يعرف باإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان في
32كانون األول دجمبر ، 3308وبعد هذا البحث التاريخي طلبت الجمعية
العامة من البلدان األعضاء أن تدعو لنص اإلعالن وأن تعمل عل نشره
وقراءته وشرحه وال سيما في المدارس والمعاهد التعليمية وقد ورد في مقدمة
هذا اإلعالن ما نصه " :لما كان االعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع األسر
البشرية وبالح قوق المتساوية الثابتة هو أساس الحرية والعدل والسالم في
العالم ،ولما كان تناس حقوق اإلنسان وازدراؤها قد أفضيا إل أعمال همجية
آذت الضمير اإلنساني ،وكان غاية ما يرنو إليه البشر انبثاق عالم يتمتع فيه
الفرد بحرية القول والعقيدة ويتحرر من الفزع والفاقة ،ولما كان من
الضروري أن يتول القانون حماية حقوق اإلنسان لكي ال يضطر المرء آخر
األمر إل التمرد عل االستبداد والظلم ،ولما كانت شعوب األمم المتحدة قد
أكدت في الميثاق من جديد إيمانها بحقوق اإلنسان األساسية وبكرامة الفرد،
فإن الجمعية العامة تنادي بهذا اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان عل أنه
المستوى المشترك الذي ينبغي أن تستهدفه كافة الشعوب واألمم حت يسع
كل فرد وهيئة في المجتمع إل تطبيق هذا اإلعالن .وإذا كانت تلك بعض
مالمح ديباجة هذا اإلعالن فإن اإلشكالية التي نسع إل استجالئها هي
طبيعة الحقوق الطبيعية والمدنية التي منحها هذا اإلعالن لإلنسان في ظل
حوار أصيل في الفكر اإلنساني حول الطبيعة اإلنسانية وما منحت اإلنسان
253
من حقوق ال مجال إل التخلي عنها ولعل الفكر السياسي الحديث جاء
ليوضح األبعاد اإلشكالية لهذا الموضوع كيف ذلك؟
لقد ألف الفيلسوف اإلنجليزي (اكرستيان ولف) كتابا يحمل عنوانا ذا
داللة خاصة "القانون الطبيعي مدروسا حسب المنهج العلمي" ويعتبر (ولف)
أن القانون الطبيعي جزء من الطبيعة اإلنسانية المغروزة في كل فرد بشري،
وعل أساسه يتم التمييز بين الحق والواجب ،ذلك ألن فكرة ما هو شرعي
قانوني وما هو الزم يجب القيام به أي فكرة الحق والواجب" وهي فكرة من
صميم الجوهر اإلنساني نفسه ،من هنا كانت هذه الفكرة كلية عالمية يقول :
"إن الحق الطبيعي أعني الفطري في اإلنسان هو حق مشتق من إلزام طبيعي
بحيث إنه مت فرضنا هذا اإللزام وجب وجود هذا الحق" ،وبما أن الطبيعة
أو جوهر اإلنسان تفرض بعض الواجبات واإللزامات فهي بالنتيجة تقرر
بعض الحقوق ،وبما أن الطبيعة أو جوهر اإلنسان شيء مشترك بين جميع
254
الناس فإن كل قانون طبيعي هو قانون كلي عالمي لم يكتسبه اإلنسان بل
يحمله مع مجيئه إل هذا العالم.
255
حالة الطبيعة أيضا هي حالة الحرية والمساواة التي يكون عليها الناس
قبل أن تقوم فيهم سلطة تحد من حقهم في ممارستها ،وخالصة فكرة الحقوق
الطبيعية أن اإلنسان استق هذه الحقوق من الطبيعة ذاتها فهي إذن تتأسس
عل مرجعية سابقة عل كل مرجعية ثقافية كانت أو حضارية ،لكن (جان
جاك روسو) بين السياق الذي يتم فيه االنتقال من الحقوق الطبيعية إل
الحقوق المدنية ،وملخص فكرة روسو أن اإلنسان ال يستطيع أن يعيش
بمفرده ،فهو كائن اجتماعي لذلك تحتم اجتماعه مع غيره من بني جنسه ،ولما
كانت إرادتهم تختلف وتتضارب فإن اجتماعهم ال يستقيم إال إذا كان مبنيا
عل تعاقد فيما بينهم يتنازل بموجبه كل واحد منهم عن حقوقه لصالح
الجماعة وبذلك تتحول تلك الحقوق الطبيعية إل حقوق مدنية وتبق الحرية
والمساواة هما جوهر هذه الحقوق .وهكذا يرى روسو أن تنازل الناس عن
حقوقهم لإلرادة الجماعية التي تجسدها الدولة بموجب هذا العقد االجتماعي
هو تنازل شكلي ،الغاية منه إقرار الحق بالحرية والمساواة ،لكن (توماس
هوبس) ذهب مذهبا مغايرا لمفهوم العقد االجتماعي عند روسو وذلك ألنه
يصدر من فهم مغاير للطبيعة اإلنسانية ذاتها يقول" :اإلنسان ذئب ألخيه
اإلنسان وأناني وشرير بطبعه" ولذلك يتحتم وجود سلطة غاشمة تسلبه جميع
حقوقه مقابل حق البقاء ولذلك أكد هوبس عل أهمية هذا العقد ومنع الثورة أو
التمرد عليه.
256
الظلم والقهر ضد األمم والشعوب ضاربا عرض الحائط بمضامين هذا
اإلعالن التي ال وزن لها في االعتبار إال حينما تخدم مصالح الدول الكبرى
هذا من جهة ،ومن جهة أخرى فإن اإلسالم قد دافع عن حقوق اإلنسان وأكد
عل الحرية والمساواة بين البشر {كلكم آلدم وآدم من تراب} وذلك منذ أكثر
من 14قرنا من الزمن ليقدم بذلك النموذج الحضاري الحقيقي للقيم اإلنسانية
الرفيعة بعيدا عن الغايات النفعية والنظرة الضيقة.
األسئلة:
– 1ما ال سياق التاريخي الذي ظهر فيه اإلعالن العالمي لحقوق
اإلنسان؟
– 2ما المرجعية الفكرية التي استند عليها هذا اإلعالن؟
– 3كيف تحقق االنتقال من الحقوق الطبيعية إل الحقوق المدنية؟
– 4هل ترى في هذا اإلعالن نوعا من االقتباس من التشريع
اإلسالمي؟
257
النصوص
258
259
النص ):(1
الدولة
تمهيد:
اعتبرت الفلسفات السياسية دوما الدولة شرط تحقيق الفضيلة والقيم
األخالقية العادلة (افالطون – أرسطو) .أو هي تجسيد الحرية (هيغل) .وهي
لذلك ضرورة ال غن عنها للتجمع البشري .في حين اتجهت المقاييس
الماركسية إل تبيان كيف أن الدولة ليست سوى تجسيد هيمنة الطبقة المستغلة
وبزاول الصراع الطبقي تضمحل .ذلك ما بينه نص (انجلس).
ــــــــــــــ
الهوامش:
(1البروليتريا :طبقة العمال المأجورين المحرومة من ملكية وسائل اإلنتاج.
(2البرجوازية :الطبقة التي تملك وسائل اإلنتاج وتعيش عل حساب الشغيلة.
"
األسئلة:
–1هل يمكن تصور مجتمع بدون سلطة؟
–2هل ترى في المحافظة عل الدولة تجذيرا لروح االستبداد؟
–3في النص إشارة إل إمكانية قيام مجتمع ال وجود فيه للدولة،
ما خصائص هذا المجتمع في نظر (انجلس)؟
261
النص ):(2
نشأة الدولة
تمهيد:
كيف نشأت فكرة السلطة السياسية بين البشر؟ سؤال تناوله الفالسفة
منذ عصور متقدمة ،وتحدث بعضهم عن األصل الديني للسلطة السياسية،
وذهب رأي آخر إل القول :بأن القوة والسيطرة هي أصل السلطة السياسية.
أما (روسو) فيتبن وجهه نظر مفادها أن السلطة السياسية لم تكن إال
تطورا حاسما للسلطة والمكانة االجتماعية داخل األسرة حيث يتحول األب
إل حاكم وتتحول األسرة إل كيان سياسي ،ويتنازل األبناء بمحض إرادتهم
ورضاهم عن استقاللهم بأنفسهم.
ــــــــــــــ
روسو
"
األسئلة:
–1هل يمكن اعتبار الرابطة الطبيعية بين األفراد أقـــوى من
الروابط االجتماعية المكتسبة؟
–2هل توافق (روسو) في قوله :إن ارتباط األبناء بابيهم نتيجـة
الحاجة إليه؟
–3حدد موقف (روسو) من الحرية انطالقا من النص.
–4كيف ترجع التنظيمات السياسية إل العالقة القائمـة بين أفراد
األسرة؟
النص ):(3
مقومات األمة
263
تمهيد:
يختلف المفكرون في تحديد العوامل المكونة لألمة ،و(ساطع
الحصري)) (1يحصرها في عاملين اثنين هما اللغة والتاريخ معتمدا عل
براهين يقدمها في النص.
ــــــــــــــ
إن أول ما يخطر عل البال في هذا الصدد :هو وحدة األصل والمنشأ،
يزعمون أن واحد)(2 يظن الناس عادة أن كل أمة من األمم تنحدر من أصل
جميع أفراد األمة يكونون بمثابة األشقاء الذين ينحدرون من صلب أب واحد.
غير أن هذا الظن ال يستند إل أساس صحيح ،ألن جميع األبحاث العلمية
المستمدة من حقائق التاريخ ومن مكتشفات علم اإلنسان ،ال تترك مجاال للشك
في أنه ال توجد عل وجه البسيطة أمة تنحدر من أصل واحد حقيقة.
الهوامش:
(1ساطع الحصري مفكر مصري معاصر.
(2كان البدائيون يعتدون أنهم ينحدرون من أصل واحد هو – الطوطم – (الجد
الروحي).
(3وسيلة واداة للتفاهم بين الناس ،أي أداة تواصل.
(4ألنه يحمل في طياته ثقافة وحضارة األمة أي تراثها.
"
األسئلة:
–1كيف أبطل (ساطع الحصري) النظرية القائلة بأن األمة "وحدة
األصل والدم"؟
–2هل اللغة والتاريخ يكفيان لتكوين أمة؟
–3ما هي –في نظرك -العوامل األساسية التي تجعل األمـــم
تستيقظ بعد سباتها؟
–4اشرح قول صاحب النص" :عن اللغة بمثابة روح األمـــة
وحياتها ،والتاريخ بمثابة وعي األمة وشعورها"؟
النص ):(4
ضرورة السلطة
تمهيد:
266
ينطلق (ابن خلدون) في نصه من تصور ضمني للطبيعة البشرية،
مفاده ما تقتضيه فطرة اإلنسان من عدوانية وميل للظلم ،ولذلك كانت السلطة
ضرورة اجتماعية البد من قيامها.
ــــــــــــــ
إن هذا االجتماع إذا حصل للبشر كما قررناه ،وتم عمران العالم بهم،
فالبد من وازع يدفع بعضهم عن بعض ،لما في طباعهم الحيوانية من
العدوان والظلم ،وليست آلة السالح التي جعلت دافعة لعدوان الحيوانات العجم
عنهم كافية في دفع العدوان عنهم ألنها موجودة لجميعهم.
فالبد من شيء آخر يدفع عدوان بعضهم عن بعض ،وال يكون من
غيرهم لقصور جميع الحيوانات عن مداركهم وإلهاماتهم .فيكون ذلك الوازع
واحدا منهم يكون له عليهم الغلبة والسلطان واليد القاهرة ،حت ال يصل أحد
إل غيره بعدوان ،وهذا هو معن الملك.
وقد تبين لك بهذا أنه خاصية لإلنسان طبيعية البد لهم منها .وقد يوجد
في بعض الحيوانات العجم عل ما ذكره الحكماء كما في النحل والجراد .لما
استقرئ فيها من الحكم واالنقياد واإلتباع لرئيس من أشخاصها ،متميز عنهم
في خلقه وجثمانه ،إال أن ذلك موجود لغير اإلنسان بمقتض الفطرة والهداية
ال يقتضي الفكرة والسياسة.
ويزيد الفالسفة عل هذا البرهان حيث يحاولون إثبات النبوة بالدليل
العقلي ،وأنها خاصة طبيعية لإلنسان .فيقررون هذا البرهان عل غايته ،وأنه
البد للبشر من الحكم الوازع ،ثم يقولون بعد ذلك .وذلك الحكم بشرع
مفروض من عند هللا يأتي به واحد من البشر ،وأنه البد أن يكون متميزا
عنهم بما يودع هللا فيه من خواص هدايته ليقع التسليم له والقبول منه ،حت
يتم الحكم فيهم وعليهم من غير إنكار وال تزييف .وهذه القضية للحكماء غير
برهانية كما تراه ،إذ الوجود وحياة البشر قد تتم من دون ذلك بما يفرضه
الحكم لنفسه ،أو بالعصبية التي يقتدر بها عل قهرهم وحملهم عل جادته.
فأهل الكتاب والمتبعون لألنبياء قليلون بالنسبة إل المجوس الذين ليس لهم
كتاب فإنهم أكثر أهل العالم .ومع ذلك فقد كانت لهم الدولة واآلثار فضال عن
267
الحياة ،وكذلك هي لهم لهذا العهد ...وبهذا يتبين لك غلطهم في وجوب
النوبات.
"
األسئلة:
–1كيف يفسر (ابن خلدون) ضرورة السلطة؟
–2لماذا يعترض المؤلف عل نظرية الفالسفة في أصل الحكـم
السياسي؟
–3قارن بين نظرية (ابن خلدون) ونظريات أخرى في أســاس
السلطة السياسية.
النص ):(5
القانون الطبيعي
تمهيد:
268
يهمنا تفكير (توماس هويز)) (1بالنسبة للقانون الطبيعي لسببين:
األول – وهذا ينطبق عل جميع المفكرين المتعاقدين – هو التمييز
بين القانون (الطبيعي) في الحالة الطبيعية والقانون الطبيعي في الحالة
السياسية ،والثاني هو نقد القيم لتطبيق القانون الطبيعي في المجتمع اإلنساني
كما نعرفه .إن القانون الطبيعي في رأي (هوبز) يكاد يكون عديم الجدوى
كقاعدة تتحكم بتصرفات الناس ،وذلك ألنه يتضارب مع الغرائز والعواطف
الطبيعية ولكي يصبح ذا فعالية علينا أن نجعله أسنان قاضمة .ونجعله هكذا
عندما نعاقب عن طريق القوة االجتماعية أو القوة الفردية من يتجاهله ،عندما
يصبح الخوف من نتائج تجاوزه غير المسرة هو الذي يعيد إليه بعض
اعتباره.
ــــــــــــــ
إن السبب الغائي أو الهدف ،أو المخطط الذي يتبناه الرجال محبو
الحرية ،والتسلط عل اآلخرين ،من قبولهم لذلك الحد من حريتهم ،ذلك الحد
الذي نراهم يعيشون ضمن نطاقه في الكومونولت) (2إن هو إال بعد نظر ثاقب
في كيفية محافظتهم عل حياتهم وفي طريقة للعيش تنال رضاهم أكثر من
سابقتها .وبكلمات ثانية إنها لطريقة تخرج بهم من ظروف الحرب البائسة
التي هي نتيجة ضرورية لتضارب العواطف الطبيعية لإلنسان حين ال توجد
قوة مرئية وملموسة تجعلهم عن طريق خوفهم من القصاص يرهبونها
ويقومون بوعودهم وتعهداتهم ويحافظون عل القوانين الطبيعية).(3
توماس هوبس
نص مقتبس من قضايا الفكر السياسي
للدكتور :ملحم قربان
الهوامش:
(1هوبس (تماس) ) (1699-1588فيلسوف إنجليزي ،صاحب نظرية سياسية متأثر
في ذلك بالعلوم الطبيعية ،وهو من أصحاب نظرية العقد االجتماعي.
(2هي البلدان التي كانت تحت نفوذ الدولة اإلنجليزية.
(3أي يتعاقد الضعفاء بالتخلي عن حريتهم للحفاظ عل حياتهم.
(4الحالة البدائية.
(5الفن المستور :أي الخداع والتجنس وغيرهما.
270
"
األسئلة:
–1ما السبب الغائي أو الهدف الذي حمل الناس عل الحــد من
حريتهم؟
–2ماذا يعني صاحب النص بقوله" :ويقومون بوعودهم وتعهداتهم
ويحافظون عل القوانين الطبيعية؟
–3عل ماذا تقوم السلطة بالنسبة لهوبس؟ وما رأيك في هــذا
الموقف؟
النص ):(6
شروط العقد االجتماعي
تمهيد:
يطرح هذا النص بوضوح نظرية التعاقد االجتماعي التي يؤسس
عليها (روسو) قاعدة النظام السياسي ،ويحدد (روسو) العقد االجتماعي بأنه
271
إرادة تنازل الفرد عن حقوقه من أجل الجماعة أي تحويل اإلرادة إل
جماعية ،بحيث يشعر كل فرد أنه سيد نفسه.
ــــــــــــــ
واآلن ،لما كان الناس ال يستطيعون بأي حال خلق قوى جديدة ،بل كل
ما يستطيعونه هو أن يتحدوا ويسيطروا عل تلك القوى التي لديهم فعال .فإنه
ال توجد وسيلة يستطيعون بها اإلبقاء عل أنسفهم سوى االنضمام بعضهم إل
بعض وتوحيد قواهم بطريقة تمكنهم من الوقوف في وجه أية مقاومة وحشدها
للحركة بمحرك واحد وجعلها تعمل متناسقة.
272
وال تترتب عليها آثار .فرغم أنها قد ال تكون أعلنت رسميا فهي البد أن تكون
واحدة في كل مكان وأن يتم قبولها ضمنا واالعتراف بها في كل مكان بحيث
إنه إذا خرق االتفاق االجتماعي تعود لكل واحد فورا جميع الحقوق التي
كانت له من قبل ،ويستعيد حريته الطبيعية بفقد الحرية االتفاقية التي من أجلها
نبذ حريته األول .
أضف إل ذلك أنه لما كان هذا التنازل قد تم بال تحفظ فإن االتحاد
يكون أكمل ما يمكن أن يكون ،وليس ألي واحد حق قبل المجتمع ،ألنه إذا
ظل لألفراد أي حقوق ،ولم يكن هناك مرجع أعل يفاضل بينهم وبين
المجتمع ،فإن كل واحد – لما كان هو الحكم لنفسه في بعض المسائل –
سرعان ما يدعي أن له الحق في أن يكون كذلك في جميع المسائل .ولو أن
األمر كذلك لكا نت حالة الطبيعة ما برحت قائمة ،وألصبح االتحاد بالضرورة
استبداديا أو بال اثر.
وأخيرا إن من يهب نفسه للجميع ال يهب نفسه ألحد ،ولما كان أفراد
الجماعة االجتماعية ال تكتسب من الحقوق عل أي منهم إال بقدر ما له من
حقوق لها تماما ،فإن ما نكسبه يساوي كل ما نفقده بالضبط باإلضافة إل ما
نحصل عليه من قوة في المحافظة عل ما لدينا.
األسئلة:
–1ما ذا عس أن تكون "العقبات التي تحول دون االستمرار في
حالة الطبيعة؟
–2ما المشكلة التي يطرحها الكاتب؟ صغها بأسلوبك الخاص.
–3ماذا يشترط "العقد االجتماعي عل كل فرد؟
–4حدد مفهوم كل من "الحرية الطبيعية" والحرية االتفاقية".
–5ما هو في نظرك مدى قابلية هذا العقد للتطبيق؟
وهل يمكن أن يكون أساسا متينا للحياة السياسية؟
النص ):(7
الديمقراطية اإلسالمية
تمهيد:
إن أبرز اإلشكاالت المطروحة عل الفكر اإلسالمي المعاصر تكمن
في مسألة التنظيم السياسي .فما هو شكل نظام الحكم في اإلسالم؟.
وكيف يتالءم مع مقتضيات الممارسة الحديثة ،وهل هناك في اإلسالم
اثر واضح عل تقرير حرية الفرد ،واحترام الرأي اآلخر؟ وكيف يمكن
الحديث عن االختيار الديمقراطي في اإلسالم؟
274
يجيب العقاد عل هذه األسئلة مبينا أن الديمقراطية هي في قلب
التصور اإلسالمي مبرزا أسس الديمقراطية اإلسالمية في مقابل التصور
الغربي.
ــــــــــــــ
إن شريعة اإلسالم كانت أسبق الشرائع إل تقرير الديمقراطية
اإلنسانية .وهي الديمقراطية التي يكسبها اإلنسان ألنه حق له يخوله أن يختار
حكومته ،وليست حيلة من حيل الحكم التقاء شر أو حسم فتنة ،وال هي
إجراء من إجراءات التدبير تعمد إليها الحكومات لتيسير الطاعة واالنتفاع
بخدمات العاملين وأصحاب األجور.
وتقوم الديمقراطية اإلسالمية ،بهذه الصفة ،عل أربع أسس ال تقوم
ديمقراطية كائنة ما كانت عل غيرها ،وهي) (1المسؤولية الفردية) (2عموم
األمور)(4 والة الحقوق وتساويها بين الناس) (3ووجوب الشورى عل
والتضامن بين الرعية عل اختالف الطوائف والطبقات.
هذه األسس كلها أظهر ما تكون في القرآن الكريم وفي األحاديث
النبوية وفي التقاليد المأثورة عن عظماء الخلفاء.
فالمسؤولية الفردية مقررة في اإلسالم عل نحو صريح وبآيات
متكررة تحيط بأنواع المسؤولية من جميع الوجوه.
فال يحاسب إنسان بذنب إنسان﴿ ،وال تزر وازرة وزر أخرى﴾ الزمر
اآلية .8
فال يحاسب إنسان بذنب آبائه وأجداده أو بذنب وقع قبل ميالده﴿ :تلك
أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم وال تسألون عما كانوا يعملون﴾
(البقرة ،)355وال يحاسب إنسان بغير عمله﴿ :وأن ليس لإلنسان إال ما سع ﴾
(النجم اآلية .)53أما عموم الحقوق فالقرآن صريح في مساواة النسب
ومساواة العمل﴿ :يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنث وجعلناكم شعوبا
وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند هللا أتقاكم﴾ (الحجرات اآلية .)35
وكلمة التقوى تشمل المسؤوليات جميعا ،ألنها تشمل كل ما يطالب
اإلنسان بأن يتقيه ويسأل عنه إذا وقع فيه.
وسواء في الدنيا أو األخرى ال تغني األنساب شيئا عن اإلنسان.
275
أما الحكم بالشورى فالقرآن الكريم صريح في وجوبه ،وليس بعد
إيجابه عل النبي إعفاء منه لوال من الوالة﴿ :وأمرهم شورى بينهم﴾
(الشورى اآلية )53
﴿وشاورهم في األمر فإذا عزمت فتوكل عل هللا﴾ (آل عمران من اآلية
) ...333وقد رويت مسائل شت من مسائل السلم والحرب استعان فيها النبي
صل هللا عليه وسلم بآراء أصحابه وعمل بها عل خالف ما ارتآه.
ومن تمام المسؤولية الفردية تكافل األمة في المسؤولية العامة .فإن
األمة قد تصاب جميعا بضرر جناه عليها بعض أبنائها ،فمن حق كل فرد أن
يدفع الشر عن نفسه وعن غيره﴿ :واتقوا فتنة ال تصيبن الذين ظلموا منكم
خاصة﴾ (األنفال من اآلية )23وعل كل فرد أن يبذل في دفع الشر جهد ما
يستطيع﴿ :ال يكلف هللا نفسا إال وسعها﴾ (البقرة من اآلية )283ولكنه قد
يصاب بضالل غيره عمال وال يحاسب عليه شرعا﴿ :ال يضركم من ضل إذا
اهتديتم﴾ (المائدة من اآلية .)347
هذه األسس التي ال تقوم الديمقراطية عل غيرها في بيئة من البيئات،
وإذا علمنا من شأن أمة أنها تؤمن بالمسؤولية الفردية والمساواة وترفض
االستبداد بالرأي في الحكومة ،و تتواص بدفع الشر متكافلة في دفعه – فال
يعنينا ما تسم به في مصطلحات السياسة الحاضرة أو الغابرة ،ألنها أفضل
الحكومات سواء عرفت باسم الديمقراطية أو بغيرها من األسماء.
عل أن التعاون باآلراء خاصة من خواص الديمقراطية اإلسالمية،
ألنها أصل من األصول االجتماعية التي ال تأتي عرضا وال تنحصر في
شؤون السياسة دون غيرها .ومت كانت المسؤولية الفردية حقا لإلنسان ال
يأخذه من حاكم وال يقصد به تيسير الحكم كف ،فالتعاون بالنصيحة عل
الخدمة العامة هو حق اإلنسان عل اإلنسان وواجبه إلخوانه في كل مجتمع
يعطيه حريته ومسؤوليته .وال ينفرد فيه بالمنافع وفضل الديمقراطية
اإلسالمية عل الديمقراطية عامة ،أنها لم تشرع إجابة لطلب أو خوفا من
غضب ،بل شرعت وهي تغضب األقوياء ولم يطلبها الضعفاء ،وقد كان
ضعفاء األمم يثورون عل الظلم كما يثور الحيوان الحبيس أو الحيوان الجائع
أو الحيوان المضروب ،ول كن الضعيف في اإلسالم ال يثور ألنه يطلب حقا
توجبه له كرامته اإلنسانية .ولعله لو تمكن في مكان األقوياء لم يحسب أنه
يغصب حقا أو يغض من كرامة ،حين يقسو عل الضعيف المخذول.
276
عباس محمود العقاد
الديمقراطية في اإلسالم
األسئلة:
–1هل يمكن الحديث عن ديمقراطية كاملة في اإلسالم؟
–2كيف تتأسس الحريات الفردية في اإلسالم؟
–3ما هي النصوص الشرعية المؤسسة لمبدأ الشورى في اإلسالم؟
277
إن المذهب الجماعي ينطلق من مسلمة أساسية غير مصوغة في
الغالب وال شعورية أحيانا" :ليس األفراد سوى العناصر التي تكون الفئات
االجتماعية التي تؤلف وحدها كائنات حقيقية وكيانات متميزة ،فالعضوية
االجتماعية بالنسبة إليها تشبه جسم اإلنسان .فالخاليا التي تكون هذا الجسم
يمكنها عل التدقيق أن تعيش منفصلة عنه كما أثبتت ذلك التجارب المخبرية،
لكن هذه الحياة استثنائية وغير عادية ،فشرط الخاليا ان تكون مجتمعة
ومتركبة لتكوين اإلنسان ،وكذلك شرط الناس أن يكونوا مجتمعين ومنظمين
لتكوين المجموعات .وكما أن الحياة الخاصة لكل خلية ،خاضعة خضوعا كليا
لمتطلبات جسم اإلنسان .فإن حياة كل فرد يجب أن تذعن دائما لضرورات
الهيئة االجتماعية " فالفرد ليس شيئا والمجموعة في كل شيء أو بعبارة أدق:
278
والمواقف الطبيعية" ،وبعبارة أخرى ،بدل أن يكون تجمع الناس ضمن
المجتمع شبيها بتراكم الخال يا في تكوين جسم اإلنسان حيث أن كل عضو
مكون تابع لتوازن المجموع الذي هو القيمة العليا ،فإنه يمكن تشبيهه باجتماع
اللوحات في معرض حيث إن المهم هو إبراز قيمة كل اثر بمفرده .ال
التناسب العام.
ومهما يكن من أمر ،فإن المذهب الفردي يعتبر دائما أن دور الحاكمين
ينحص ر في صيانة الروابط االجتماعية الضرورية لنمو كل إنسان ،وعليه
فإن مقتضيات هذا النمو ذاتها تعين حدود السلطة الحكومية .فكل فرد له
بالضرورة منطقة خاصة .وميدان خاص ال يمكن للسلطات العمومية أن
تدخله .وفي صورة ما إذا وقع نزاع بين اإلنسان والفئة التي هو تابع إليها،
فمن الممكن أن تذعن هذه الفئة لذلك اإلنسان.
األسئلة:
279
أسئلة الباب
– 1أيهما يؤسس اآلخر :الحق أم القوة؟
باكلوريا موريتانيا – شعبة اآلداب العصرية 3338
– 2يعتبر الدفاع عن الحق دفاعا عن المصلحة .ما رأيك؟
باكلوريا موريتانيا – شعبة اآلداب العصرية 2442
– 3بأي معن يمكن اعتبار السلطة ضرورة ؟
– 4كيف تفسر منشأ الدولة ؟
– 5السلطات الثالثة التشريعية والتنفيذية والقضائية هل هي كل أنواع
السلطات الضرورية في الحكم أم هناك سلطات أخرى ينبغي أن تضاف
لها؟
– 6هل مصلحة األفراد في السلطة أم إن اإلفراد يمكنهم أن يحكموا أنفسهم
بأنفسهم؟
– 1الديمقراطية تعتبر أهم أداة للتداول السلمي للسلطة بين األفراد.
ما رأيك؟
– 3قارن بين ما ورد في اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان وما يدعو إليه
اإلسالم من قيم ومثل.
280
281
المحور الخامس:
الحرية واإلنسان
282
283
الحرية
تصدير:
كلمة الحرية ليس لها معنى واحد ،وانما لها عدة معان من أهمها :
الحرية إحساس ذاتي عميق يدركه كل منا باالستبطان.
هي وعي مباشر بأن لدينا قدرة على االختيار
الفعل الحر ال علة له
الفعل الحر فعل يصعب التنبؤ به قبل حدوثه
هي غياب القسر أو انتفاء اإلكراه
هي تحرر من الشهوات أو القدرة على ضبط النفس
يقول عمر بن الخطاب رضي اهلل عنه( :متى استعبدتم الناس وقد
ولدتهم أمهاتهم أح ار ار)
يقول جان جاك روسو ((ولد اإلنسان ح ار))
يقول هيجل :الحرية هي وعي الضرورة
284
مقاربة مفاهيمية لبعض المفاهيم :الحرية والضرورة
واالختيار والجبر والكسب
285
" إن الحرية هي الحد األقصى الستقالل اإلرادة العالمة بذاتها المدركة
لغايتها.)2(»...
وتطلق الحرية كذلك على القوة التي تبين ما في صميم الذات البشرية
من صفات تدل على الطاقة التي تمكن اإلنسان من تحقيق ذاته.
والحرية مذهب سياسي يؤكد على ضرورة استقالل السلطة التشريعية
والقضائية عن السلطة التنفيذية.
286
الكسب :وبين الضرورة والحرية يأتي مفهوم آخر هو مفهوم
"الكسب" الذي جاء به ابو الحسن األشعري ،ويعني هذا المفهوم
(الكسب) مجرد تعلق قدرة العبد وارادته بالفعل ،وهذا الفعل من
صنع اهلل تعالى.
يذهب أبو الحسن األشعري إلى أن األفعال التي يقوم بها اإلنسان
مخلوقة هلل سواء كانت خي ار وسواء كانت شرا ،ويرى أن هناك أفعاال يقوم بها
اإلنسان على عكس إرادته ،ومع ذلك يسلم األشعري بأن لإلنسان استطاعة
ولكنها شيء آخر غير اإلنسان ألنها لو كانت منه لالزمته دائما ،ولكن هذه
االستطاعة غير سابقة على الفعل ،فهي مصاحبة له ال تتقدمه وال تتأخر
عنه.
وان قيل :عالم يحاسب العبد؟ يجيب األشعري بأن العبد يحاسب على
كسبه ،والكسب يختلف عن الحرية كما يختلف عن الجبرية ،إنه قدرة تمكن
العبد من القيام بالفعل ،وهي كما هو واضح ال تفسح المجال لإل اردة والحرية
بالشكل الذي تريده المعتزلة.
« ويسلم الباقالني مع أستاذه بقدرة العبد واستطاعته ،وذلك لكونه يأتي
أفعاال تؤيد ذلك مثل القيام والقعود ،ولكن هذه القدرة من عند اهلل وهي
مصاحبة للفعل ال تسبقه وال تتأخر عنه ،وينكر أن تنصب القدرة على الشيء
وضده ،وعناية اهلل كفيلة ألن تمنح العبد قدرة للفعل وأخرى للترك»(.)1
287
ومهما قيل عن الحرية والجبرية فال يعدو أن يكون نوعا من التقويم لما
يصدر عن الذات البشرية ،وطبيعي أن يختلف الفالسفة حولها ،إال أن األهم
في الموضوع أن ينظر إليه من زاوية محايدة ال تتعلق بالعالقة الطبيعية بين
الباحث والمفهوم المتعلق به ،والدروس الالحقة كفيلة بأن تعطى للحرية ما
تستحقه من اهتمام.
الجبرية :وعلى النقيض من الحرية الجبرية والضرورة ،فالجبرية
« مذهب من يرى أن إرادة اإلنسان العاقلة عاجزة عن توجيه مجرى
الحوادث ،وأن كل ما يحدث لإلنسان قد قدر عليه أزال ،فهو مسير
ال مخير ،والجبرية فرقة من الفرق اإلسالمية كالجهمية ،وهم
أصحاب جهم بن صفوان ،قالوا :ال قدرة للعبد أصال ال مؤثرة وال
كاسبة .وكثي ار ما يكون القول بالجبر نتيجة للقول بقدرة اهلل على كل
شيء ،وبإحاطة علمه باألشياء كلها ،ومعنى ذلك أن كل ما يحدث
إنما يحدث وفقا لما أراده اهلل.
«والجبرية مختلفة عن الحتمية ألن الجبرية تعلق ضرورة حدوث
األشياء على مبدأ أعلى منها ،يسيرها كما يشاء ،فهي إذن ضرورة
متعالية»(.)1
الضرورة :أما الضرورة فتعني في اللغة «الحاجة والمشقة والشدة
التي ال تدفع ،وعند الفالسفة اسم لما به الشيء من وجوب أو
()1
ولها أربعة معان عند أرسطو: امتناع»
288
ا « -الشرط الذي بدونه ال يكون تغير وال حدوث شيء»،
ب « -تطلق على العنف والقسر ،فيما يحول بين إنسان وبين أداء أي
عمل يعتبر ضرورة قاهرة،
ج « -تطلق في مقابلة االختيار،
د « -الضرورة قد تكون مفارقة ،وقد تكون حادثة في الكون ،وهي
محددة بضرورة منطقية أو سببية».2
ومن المدارس الفلسفية القائلة بالضرورة الطبيعية (الرواقية) التي تذهب
إلى أن هذا العالم محكوم بقوانين ضرورية ،واإلنسان ما هو إال جزء بسيط
من أجزاء هذا الكون تتحكم فيه هذه الضرورة ،ولذلك كان شعارهم «عش على
وفاق مع الطبيعة» التي يشبهونها باسطوانة تخضع لحركات دائرية ال
يستطيع اإلنسان أن يؤثر في نظامها.
األسئلة:
-3هل باإلمكان البرهنة على حرية اإلنسان؟
-2هل تسيء الجبرية إلى كرامة اإلنسان؟
- 5بأي معنى يمكن اعتبار "الكسب" حال إلشكالية الحرية؟
289
الحرية والتحرر
290
اإلنسان هو الحيوان الوحيد الذي يشعر بأنه حر أي يشعر بالقدرة على اإلقدام
على ما شاء فعله والقدرة على اإلحجام عما يكرهه.
ولهذه الح رية المعروفة باسم حرية استواء الطرفين أو حرية اإلرادة
خصوم يعتقدون أن الشعور بالحرية غير كاف إلثبات وجودها فما أكثر ما
يقع اإلنسان في الخطأ والوهم إزاء تمثل الحرية وممارستها فيحس في وضعية
بما يراه حرية ثم يتبين بعد ذلك أن األمر لم يكن سوى وهم أو سراب.
ويرى (كانط) أن الحرية وان كان ال برهان على وجودها وال على عدم
وجودها يجب اعتمادها كمسلمة من مسلمات العقل الخالص المؤسسة
لألخالق.
والحرية في نظر الوجوديين ال تعريف لها فهي ال تكتسب معناها إال
في خضم ما يخوضه اإلنسان من تجارب يواجه خاللها ذاته والناس والعالم.
ويتضح من خالل ذلك أن كل تعريف للحرية يجمدها في قالب عقلي مجرد
سيما وأن الحرية ليست واقعة وال صفة ثابتة وانما كل حرية هي في الواقع
تحرر ي ستهدف اإلنسان الذي يضع نفسه ويشكلها عن طريق اختيار الق اررات
التي اتخذها لنفسه بنفسه ومن ثم استحال التنبؤ باختياره سلفا" ،فوجود اإلنسان
سابق على ماهيته" وهذا ال يتيح القول فقط بأنه حر بل «محكوم عليه
بالحرية» على حد تعبير سارتر.
وقد يؤخذ على حرية سارتر أنها مطلقة ،ومرتبطة بالقلق والحيرة
وبالتالي تشاؤمية تجعل من وجود اإلنسان مأساة حقيقية فهي تعاني من
التعسف والمبالغة ألنها تؤدي إلى التسليم بأن كل األفعال التي نقوم بها أفعال
حرة.
291
وبما أنه لم يكن باإلمكان إنقاذ الحرية من اإلثبات المطلق فلم يكن
باإلمكان إنقاذها من النفي الصارم يقول (اسبينو از) "ليست اإلرادة علة حرية
وانما هي علة ضرورية" ويوضح ذلك بقوله" :إن الناس ال يتوهمون أنهم أحرار
إال ألنهم واعون بأفعالهم لكنهم ال يعون باألسباب التي تحددها :وهو يؤكد
بذلك على أن اإلنسان مثل الكائنات األخرى مقيد تقييدا مطلقا.
وتكشف العلوم الطبيعية واإلنسانية عن مختلف الحتميات التي تتحكم
في سلوك اإلنسان محيلة حريته إلى وهم .فيرى البيولوجيون أن العوامل
البيولوجية كالغ ـرائز واإلف ارزات الغدديــة والعوامل الوراثية والنشاط العصبي..
إلخ .هي التي تتحكم في تصرفاتنا.
ورغم أنه ال أحد يستطيع أن ينكر دور العوامل البيولوجية في حياة
الفرد وسلوكه فهو ال يعت بر كائنا بيولوجيا بحتا بل هو كائن بيولوجي،
اجتماعي ،في آن واحد ومن التعسف إرجاع كل ما يصدر عنه إلى دور
العوامل البيولوجية.
وبما أن اإلنسان يعي ويفهم فهو يستطيع أن يتحكم في ضروراته
البيولوجية .ويتحرر من سلطانها.
ويؤكد (دوركهايم) على وجود حتمية اجتماعية مردها أن المجتمع
بوصفه سلطة عليا قاهرة يتحكم في سلوك المنتسبين إليه فتكون شخصية الفرد
هي ما يريد لها المجتمع أن تكون .يقول دوركهايم" :حينما يتحدث الضمير
فينا فإن المجتمع هو الذي يتحدث".
غير أن خضوع الفرد للمجتمع ال يدل بالضرورة على اإلكراه فإمكانية
التمرد على المجتمع ورفض قوانينه حينما ال يقبل ضمير الفرد ذلك ليس أم ار
292
مستحيال ولذلك يترك المجتمع مجاال واسعا تتحرك فيه إرادة الفرد بعيدا عن
كل إكراه حقيقي.
ويعتبر واطسون علم النفس علما تجريبيا وهو يفسر كل سلوك بأنه
استجابة لمنبه وال شيء يمكن أن يصدر عن اإلنسان في غياب المنبهات.
ويعتقد في التحليل النفسي أن تصرفات اإلنسان ناتجة عن دوافع وميوالت ال
شعورية عميقة مكبوتة في أعماق النفس وما شعورنا بالحرية إال مجرد وهم.
293
والواقع أن اإلنسان لم يتحرر من ضغوطات الطبيعة إال عندما عرف
الحتمية التي تحكمها ولذلك فإن الحرية حسب أنجلز "ال تتمثل في حلم
االستقالل عن قوانين الطبيعة بل تكون بمعرفة من هذه القوانين".
294
ويستخلص مما تقدم أن الحرية الحقيقية قد ال تكون الحرية المطلقة
التي تتعارض مع الضرورة سواء كانت فيزيائية أو بيولوجية أو نفسية أو
اجتماعية أو سياسية وانما هي الحرية النسبية القابلة في اآلن نفسه ألن تتسع
شيئا فشيئا كلما عرف اإلنسان قوانين الطبيعة وعمل على استغاللها لفائدته
وكلما تحرر من أهوائه وحد في المجال االقتصادي من استغالل اإلنسان
لإلنسان وفي هذا السياق أال يمكن التساؤل حول ما إذا كانت الضرورة شرطا
من شروط التحرر؟
الجبر واالختيار:
احترزت الفرق الكالمية من وصمة اللقب بالقدرية إذ كان الذم به متفقا
عليه لقول النبي عليه وسلم ( :القدرية مجوس هذه األمة) وكانت الصفاتية
تعارضهم باالتفاق ،على أن الجبرية والقدرية متقابلتان تقابل تضاد فما الجبر؟
وما القدر؟ وأي معنى لحرية اإلنسان إن كان من واجبه التسليم والتوكل واحالة
األحوال كلها إلى القدر المحتوم والحكم المحكوم؟
295
وعلى خالف ذلك رأت القدرية بزعامة معبد الجهني وغيالن الدمشقي
أن ا إلنسان حر مخير وكالم أهل القدر في بيان أنه متى ثبت الجبر بطل
التكليف بالكلية.
297
الحرية والمسؤولية
لقد شكلت الحرية انشغاال متواصال لدى اإلنسان منذ فجر التاريخ
فمن أجلها قامت حروب وسالت دماء وباسمها تغن الشعراء ولفهمها
وتفسيرها اختلف المفكرون والفالسفة ،وإذا كان التفكير في الحرية عند
الفالسفة القدام محصورا ضمن تفكيرهم حول بعض المشاكل األخالقية
والدينية فقد برزت عند الفالسفة المعاصرين كمشكلة رئيسية يدور حولها
تفكير معظم المفكرين وذلك بسبب دخول اعتبارات اديولوجية من الناحية
االقتصادية والسياسية وقد طرحت إشكالية الحرية جملة من األسئلة
واإلثارات سعت المدارس الفلسفية المختلفة إل تقديم مقاربات بخصوصها
اختلفت من مدرسة إل أخرى ومن بين تلك األسئلة هل من برهان عل
وجود الحرية؟
إذا أردنا البرهان عل وجود الحرية بواسطة الدليل المنطقي البد أن
ننتهي إل إنكارها .وذلك ألن العقل ينظر إل الحرية كموضوع خارجي عن
الذات ،إذ أن الفعل الحر في نظر المنطق غير معقول ،ألن الحرية تنطوي
عل تناقض واضح مع مبدأ السبب الكافي ،إذ إما أن يكون للفعل الحر سبب
كاف أو ال يكون له مثل هذا السبب ،فإن كان له سبب كاف كان محددا بهذا
السبب وبالتالي لم يكن حرا وإن لم يكن له سبب كاف لم يكن فعال إراديا
وبالتالي لم يكن فعال حرا ما دامت الحرية من خاصية اإلرادة ،واإلرادة هي
العمل وفقا ألسباب أو مسوغات ولهذا فالحرية عند الوجوديين ومن معهم في
هذا المجال ليست موضوعا محددا يمكن إثبات وجوده بالبرهان المنطقي مثل
النظريات الرياضية بل الحرية عندهم هي إثبات للشخصية وتقرير لوجود
اإلنسان ،فهي ليست موضوعا يعاين من الخارج بل هي حياة تعاين وتعاش
أثناء العمل بالذات ،فالشعور بالحرية أثناء العمل هو الدليل عل وجود
الحرية ،إذ ال يمكن أن توجد الحرية إال أثناء الفعل الحر أو الحركة التلقائية
298
الحرة يقول اليبنز" :إن السؤال عن الحرية ليس مبعثه سوى إرادة الحرية
أعني تلك اإلرادة التي تريد أن تكون حرة أما الشك في وجود الحرية فإن
مبعثه ضعف يقين الموجود الحر شكل في ذاته مما يجعله يلتمس يقينا خارجيا
أو ضمانا موضوعيا لحريته وهذا األصل في سائر األدلة العقلية عل وجود
الحرية إذ ال توجد الحرية إ ال حيث أوجد أنا نفسي ووجودي األصلي ال يمكن
أن يرتقي إليه أي دليل.
299
العمل أو إل االختيار ،إذ لو علم اإلنسان باألسباب المحددة لسلوكه القتنع
بعدم حريته في كل ما يتوهم أنه يختاره ،وليس الشعور بالحرية إال وهما
ناشئا عن شعورنا بحركتنا النفسية يصحبه جهلنا باألسباب الدافعة إل الفعل،
وبعبارة أخرى يكون الشعور بأن إرادتنا مطلقة ناتج عن جهلنا بالضرورة
وفي هذا المعن يقول اسبينوزا" :أليس الحالم والمستهوي والسكران يتوهمون
أنهم يفعلون بحرية؟ ويقول ليبنز "اإلرادة عندما تختار تميل مع اقوي
الدواعي أو البواعث أثرا في النفس كما تميل إبرة الميزان إل جهة الثقل،
وما حرية عدم االكتراث أو تساوي الطرفين عند ديكارت وأمثاله إال وليدة
الجهل ،فكلما كان المرء حكيما كان فعله أكمل تحديدا وأكثر جبرية".
بتقدم اكتشافات علم النفس ازداد أنصار الحتمية تدعيما آلرائهم ،حيث
إ ن اإلنسان في نظر كثير من علماء النفس يتحدد سلوكه بمجموعة من
الدوافع والبواعث أو الميول وباكتشاف الجانب الشعوري في شخصية
اإلنسان أصبح كثير من األفعال التلقائية مفسرا بدوافع ال شعورية أما األعمال
الشعورية فقد أصبح تفسيرها أكثر وضوحا بفضل الكشف عن دوافعها ،وأما
من الناحية االجتماعية فإن علماء االجتماع واألنتربولوجيا يفسرون سلوك
اإلنسان بواسطة أنماط السلوك السائدة في ثقافة المجتمع ،ويلح دوركهايم عل
هذه الناحية إذ أن الضمير الجمعي عنده هو الذي يحدد سلوك األفراد داخل
المجتمع كما نجد من بين علماء االجتماع من يستشهدون باإلحصاءات
االجتماعية ويرتبون عليها نوعا من الحتمية ال ناتجة عن تأثير البيئة الطبيعية،
وتأثير الوراثة البيولوجية والتربية والعوامل االقتصادية.
مفهوم التحرر:
300
ذهب هيجل مذهبا آخر في فهمه للحرية حيث يقول" :إن الحرية قد
توجد أيضا عل صورة حرية مجردة ال اثر للضرورة فيها ،ولكن هذه
الحرية الكاذبة إنما هي التعسف بعينه ومن ثم فإنها وعل وجه التحديد
مناقضة لذاتها تماما ألنها بمثابة تسلسل ال ش عوري أو مجرد صورة وهمية
من صور الحرية ،أو هي باألحرى مجرد حرية صورية محضة" ،والحرية
عند هيجل ليست إال وعيا بالضرورة ،وبهذا المعن الهيجلي ال يمكن لنا أن
نتصور مفهوم الحرية بدون أن نتصور مفهوم الضرورة أو الحتمية ،ألن
المعن الحقيقي للحرية يستلزم بالضرورة معن الحتمية ولهذا فالحرية
والحتمية يؤلفان جدليا ما يسميه هيجل بمفهوم التحرر ألن فكرة التحرر تقوم
عل أساس الوعي أي المعرفة بالقوانين التي تقف حائال دون الحرية ،سواء
كانت قوانين الظواهر الطبيعية أو االجتماعية أو االقتصادية أو النفسية أو
البيولوجية ،ومعن ه ذا أن تحرر اإلنسان ال يستلزم وجود معجزات تقضي
عل قوانين الطبيعية او تلغي نظام األشياء بل هو يستلزم معرفة هذه
القوانين ،واستخدام هذه المعرفة بمهارة تقنية من أجل العمل عل تحقيق
أهداف اإلنسان وكلما ازدادت تلك المعرفة ازدادت حريته فمثال السفينة
الشراعية التي تريد أن تتفادى التيار تتحايل عل اتجاه الرياح المضادة فتتقدم
في اتجاه لولبي مستخدمة قوة الرياح من أجل السير في اتجاه مضاد لها ،ومن
هنا فإن البحار الذي يريد أن يتقدم بسفينته ليس في حاجة إل معجزة حت
يغير من اتجاه الرياح وإن ما حسبه أن يستخدم قوانين الطبيعة بمعرفة واضحة
ومتميزة حت يشق طريقه في االتجاه الذي يريده.
وإذا كان روسو قد قال " :ولد اإلنسان حرا" فإن الماركسيين ينطلقون
من نقيض هذا الرأي تماما إذ هم يقولون إن اإلنسان ولد مستعبدا ومقيدا بشت
الظروف الخارجة عن إرادته ويرون أن فلسفتهم فلسفة واقعية بعيدة عن
التجريد وال يقبلون بهذا المعن التفرقة التي يقيمها الفالسفة الميتافزيقيون بين
مشكلة حرية اإلرادة من جهة ومشكلة حرية األفراد السياسية واالقتصادية من
301
جهة أخرى بل هي ثمار تطور تاريخي وعملية مستمرة يحقق من خاللها
اإلنسان انتصاره عل الطبيعة الخارجية من جهة وعل العبودية االجتماعية
من جهة أخرى ،فليست الحرية هي ذلك الحلم الذي طالما راود البشر بأن
تجيء أفعالهم مستقلة عن قوانين الطبيعة بل هي عبارة عن معرفة لتلك
القوانين مع نشاط فعال من أجل االستفادة من تلك القوانين عن طريق
استخدامها لتحقيق تلك األهداف المطلوبة ومن هنا ال يعترف الماركسيون
بالحرية الميتافيزيقية التي تقوم عل الشعور أو الوجدان الفردي أو التفكير
التجريدي ولهذا ف مسؤولية الحرية ليست فردية بل هي مسؤولية يتحملها
المجتمع في عملية تحرر متواصل لتمكين األفراد من فرض الوعي والعمل
وتنمية طاقاتهم وقدراتهم الذاتية.
المسؤولية:
إذا كان الحديث عن الحرية قد قادنا إل مذاهب شت بين من ينفي
وجود الحرية ومن يعتبرها جزءا أصيال من كينونة اإلنسان ذاته فإن عالقتها
بالمسؤولية أثارت هي األخرى اهتمام الفالسفة وشكلت أرضية رحبة
لمجموعة من المقاربات التي أكدت في معظمها عل الطابع التشاركي في
العالقة بين الحرية والمسؤولية فاإلنسان يعيش ضمن المجتمع وجميع
مصالحه المادية والمعنوية ال تتحقق إال مع أفراد مجتمعه فهو إذن مسؤول
عن جميع أعماله و كل مجتمع يعيش ضمن ظروف مادية معينة ويقوم ببعض
النشاطات لتأمين وسائل العيش ألفراده ،وال يتمكن ا لمجتمع من المحافظة
عل وجوده وتحقيق توازنه إال إذا تحققت العالقات القائمة بين أفراده وفي
هذا اإلطار يرى دوركايم وليفي ابريل أن اإلنسان ليس مسؤوال عن سلوكه
األخالقي إال أمام المجتمع ،ألن الضمير الجمعي بما يمثله من قيم ومبادئ
وعادات وتقاليد هو الذي يحدد سلوك األفراد ويفرض عليهم نماذج معينة من
أنواع السلوك ،إذ أن شخصية الفرد ليست إال انعكاسا لشخصية المجتمع،
ولهذا يجب عل الفرد أن يتخل عن أنانيته كي يتالءم مع القيم والمبادئ
302
األخالقية عند المجتمع ،وذلك بالتضحية بالكثير من شهواته ومصالحه التي
يصطدم إشباعها أو تحقيقها بقيم الضمير الجمعي .ولهذا فمسؤولية اإلنسان
هي مسؤولية اجتماعية مثل كل شيء وبذلك فإن حرية اإلنسان يقابلها دائما
شعوره بالمسؤولية وباالكراهات االجتماعية واألخالقية وغيرها مما يدفعه
إل إقامة توازن بين حريته وما يترتب عليه من مسؤولية.
األسئلة:
– 1ما الحرية وهل هي موجودة أصال؟
– 2ما العالقة بين الحرية والحتمية؟
– 3كيف يتحقق تحرر اإلنسان؟
– 4ما عالقة الحرية بالمسؤولية؟
303
الحرية في اإلسالم
304
في هذا المجال المقولة الشهيرة لعمر رضي اهلل عنه « :متى استعبدتم الناس
وقد ولدتهم أمهاتهم أح ار ار».
-2منظور ميتافيزيقي :وهو الذي يبحث الحرية في إطار عالقة
اإلنسان بربه ومدى حريته في الفعل ،وهي اإلشكالية التي تمت معالجتها في
مباحث المتكلمين الذين انقسموا في مواقفهم بين مؤكد للحرية في إطالقها وهو
ما تقول به المعتزلة « فاإلنسان حر في أفعاله وقد فوض اهلل تعالى أعمال
العباد إليهم يفعلون ما يشاؤون على وجه االستقالل دون أن يكون هناك
سلطان على أفعالهم « ،أو مفند ألي فارق بين فعل اإلنسان وحركة الظواهر
الطبيعية،وهو ما تقول به الجبرية « فالجبر يعني إجبار اهلل تعالى عباده على
ما يفعلون سواء كان خي ار أو شرا ،دون أن يكون للعبد أي خيار للرفض أو
المنع».
وحاولت األشعرية التوسط بين الطرفين فقالت بكسب اإلنسان «ويقصد
به أن اهلل تعالى كلف عباده بواسطة األنبياء والرسل ببعض األفعال ونهاهم
عن بعض آخر بعد أن منحهم القوة واإلرادة على الفعل».
-5منظور يدعو إلى صرف النظر عن جدال المتكلمين وتدقيق النظر
في طبيعة اإلسالم ومقاصده العليا كسبيل لتوضيح مفهوم الحرية وذلك من
خالل ما يلي:
أ -حرية اإلرادة شرط للتكليف :ال شك أن اهلل تعالى جعل اإلنسان
مستخلفا في األرض ،وهذا االستخالف يستدعي شرطين أساسيين وهما :العقل
والحرية ،وكما يقول األصوليون فإن الحرية والعقل مناط المسؤولية والتكليف،
شاء َفْلَي ْك ُف ْر﴾ ،وهذه اآلية دليل شاء َفْل ُي ْؤ ِم ْن َ
وم ْن َ ولذلك قال تعالى َ ﴿ :ف َم ْن َ
305
واضح على تأكيد الحرية بالنسبة لإلنسان ،ويتجلى األمر في كيفية تمكن
اإلسالم من رفع أمم عديدة في وقت قياسي إلى استيعاب حضارات عظيمة
وتجاوزها وبناء أسس لحضارات جديدة كالحضارة األوربية وهو ما يدل على
وجود مجتمع حر ،كما ال ننسى أن من أوائل من دخل في اإلسالم
المستضعفون الذين أروا فيه خالصهم من الظلم واالضطهاد.
ب -الحرية وعقيدة القضاء والقدر :فقد أخرج اإلسالم مفهوم الحرية
من القولين :القائل بخضوع اإلنسان التام لنظام الطبيعة أو القول بحريته
المطلقة ،فجعلها خضوعا واعيا لقوانين الكون والشرع ،فهي ليست استباحة
بمعنى أن يترك اإلنسان وفق أهوائه ورغباته فتلك حرية الحيوان ،يقول محمد
إقبال « :المسلم الضعيف يعترف بالقضاء والقدر والمسلم القوي هو قضاء اهلل
و قدره».
ونورد في الموضوع قصة عمر رضي اهلل عنه عندما علم أن الطاعون
بدأ يستشري في بعض المسلمين في الشام ،فأشار عليهم بعضهم :هل نفر
من قدر اهلل؟ فاعترض قائال :نفر من قدر اهلل إلى قدر اهلل .أي نفر من
أسباب المرض إلى أسباب الصحة ومن أسباب الفقر إلى أسباب الغنى ومن
أسباب الذل والمهانة إلى أسباب العزة والكرامة.
بل يمكن القول إن الحرية ال تتحقق إال بقدر تعاظم عبودية اإلنسان هلل
تعالى ،ففي الحديث الشريف« :وال يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه
ويده التي بصر به َ وبصره الذي ُي ُ
َ سمع به
سمعه الذي َي ُ
َ فإذا أحببته كنت
أعطيتُه ولئن استعاذني أل ِ
ُعي َذَّن ْه» يبطش بها ورجَله التي َيمشي بها وان سألني ْ
أخرجه البخاري.
306
وبذلك يتم التحرر داخل الذات ليغدو ممكنا خارجها،حتى يصل
اإلنسان بهذه الدرجة من العبودية من القرب «أن لو أقسم على ربه ألبره»،
وهنا تتحقق الحرية حين يمتثل العبد ألوامر ربه ،فال يمكن تصور حرية أعظم
من أن يستطيع اإلنسان فعل أشياء غير عادية بسبب خضوعه لهذا القدر وال
غرو أن اهلل تعالى هو الذي خلق اإلنسان وهو أعلم بما يصلح له وما يتوافق
معه .ومن هنا يكون القدر هو الحرية ذاتها.
ج -الحرية في اإلسالم مفهوم شمولي :لقد نظر اإلسالم إلى الحرية
من جميع جوانبها الفردية واالجتماعية واالقتصادية والسياسية والدينية.
لقد جاء اإل سالم لتحرير اإلنسان من الظلم واالضطهاد فحارب الرق
وجعل المسلمين سواسية إال بدرجة ترقيهم في سلم الحرية (التقوى) ،كما حرم
الربا الذي يعتبر جرما اقتصاديا باإلضافة إلى فرض الزكاة والحث على
اإلنفاق لقهر الفقر،ورفض دخول الدين إكراها «ال إكراه في الدين» ،وهو ما
يعني إق ارره مبدأ « حرية االعتقاد في دخول اإلسالم،لكن ليس الخروج منه»،
وأمر بالعدل ومنح حقوق المواطنة واعتمد مبدأ الشورى في تسيير الشأن العام
وهو المرتكز ألهمية النقد والمشاورة وعدم االستبداد كما كان ذلك حيا لدى
الخلفاء الراشدين .إن غياب الحرية يسقط جميع التكاليف المنوطة باإلنسان
فال صلى اهلل عليه وسلم« :تجاوز اهلل عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا
عليه».المستدرك على الصحيحين للحاكم.
فاإلسالم جاء لكسر األغالل التي تكبل النفوس والعقول واألجساد
وترفض استعباد اإلنسان ألخيه اإلنسان تحت أي مسوغ ،ولذلك نرى كيف
حارب اإلسالم الرق ومنابعه وجميع أصناف العبودية وهو أمر ال يعرف
307
القنوط واإلحباط قال تعالى « :وال تهنوا وال تحزنوا وأنتم األعلون إن كنتم
مؤمنين» (آل عمران).
308
األسئلة:
-3ما المكانة التي تحتلها الحرية في اإلسالم؟
-2ما وجه االختالف بين مفهوم الحرية في اإلسالم ومفهوم الحرية
عند الغرب؟
-5كيف يتم التوفيق بين الحرية ومبدإ الضرورة والحتمية في
اإلسالم؟
309
النصوص
310
311
النص ):(1
يتخذ (ابن رشد) موقفا فلسفيا طريفا من مشكلة القضاء والقدر ،إذ
يعتبر أن داللة التسيير والتخيير داللة جمع ال داللة تفرقة ،وأن األعمال
اإلنسانية تتم بالتخيير والتسيير معا ،ألن مردها إل إرادة حرة من جهة وإل
أسباب طبيعية من جهة أخرى .وهذه األسباب ال تقف عند العلل الخارجية،
بل تتمثل أيضا في النوازع الداخلية ،وبتعبير آخر ،ال يرى ابن رشد تعارضا
بين الحرية والضرورة بل توافقا جوهريا ،متجاوزا بذلك القضية التي أدت
في العصر الوسيط إل خصومات وتناقضات مذهبية وفلسفية حول مسألة
الجبر واالختيار ،ولعل النتائج التي وصل إليها (ابن رشد) في نفي التعارض
بين الحرية والضرورة تقترب كثيرا من الحلول التي وصل إليها بعض
الفالسفة المحدثين.
ــــــــــــــ
يظهر أن هللا تبارك وتعال قد خلق لنا قوى نقدر بها أن نكتسب أشياء
هي أضد اد ،لكن لما كان االكتساب لتلك األشياء ليس يتم لنا إال بمواتاة
األسباب التي سخرها هللا لنا من خارج ،وزوال العوائق عنها ،كانت األفعال
المنسوبة إلينا تتم باألمرين جميعا .وإذا كان كذلك فاألفعال المنسوبة إلينا
أيضا يتم فعلها بإرادتنا وموافقة األفعال التي من خارج لها ،وهي المعبر عنها
بقدرة هللا .وهذه األسباب التي سخرها هللا من خارج ليست هي متمة لألفعال
التي نروم فعلها أو عائقة عنها فقط بل هي السبب في أن نريد أحد التقابلين.
فإن اإلرادة إنما هي شوق يحدث لنا عن تخيل ما ،أو تصديق بشيء ،وهذا
312
التصديق ليس هو إال اختيارنا ،بل هو شيء يعرض لنا عن األمور التي من
خارج .مثال ذلك أنه إذا ورد علينا أمر مشته من خارج اشتهيناه بالضرورة
من غير اختيار ،وكذلك إذ طرأ علينا أمر مهروب عنه من خارج كرهناه
باضطرار فهربنا منه وإذا كان هكذا فإرادتنا محفوظة باألمور التي من خارج
ومربوطة بها.
وإذا كان هذا كله ،كما وصفنا ،فقد تبين لك كيف لنا اكتساب وكيف
جميع مكتسباتنا بقضاء وبقدر سابق .وهذا الجمع هو الذي قصده المشرع
بتلك اآليات العامة واألحاديث التي يظن بها التعارض وهي إذا خصصت
عمومتها بهذا المعن انتف عنها التعارض وبهذا أيضا تنحل جميع الشكوك
التي قيلت في ذلك ،أعني الحجج المتعارضة العقلية ،أعني أن كون األشياء
الموجودة عن إرادتنا يتم وجودها باألمرين جميعا ،أعني بإرادتنا وباألسباب
التي من خارج ،فإذا نسبت األفعال إل واحد من هذين عل اإلطالق ،لحقت
الشكوك المتقدمة.
األسئلة:
313
–1بم ترتبط األفعال البشرية في نظر ابن رشد؟
–2ماذا يعني ابن رشد بالقدر؟
–3ما اإلرادة في نظر ابن رشد؟ وكيف أنه ال يوجد تناقض بين
إرادة اإلنسان والضرورة؟
– 4هل للمعرفة دور في "إزالة العوائق" الطبيعية أمــام اإلرادة
اإلنسانية؟
- 5هل ثمة تقارب بين نظرة ابن رشد إل الحرية والضرورة
وبين المذاهب الفلسفية الحديثة؟
314
النص ):(2
316
النص ):(3
الحرية والعمل
تمهيد:
ــــــــــــــ
إن مملكة الحرية ال تبدأ في الواقع إال حيثما ينتهي العمل الذي
تفرضه الحاجة والضرورة الخارجية .لذا توجد بالطبع خارج دائرة اإلنتاج
المادي ذاته .وينبغي عل اإلنسان المتحضر ،كما هو الشأن تماما بالنسبة
للمتوحش ،أن يدخل في صراع مع الطبيعة إلرضاء حاجاته وللمحافظة عل
حياته وتحديد قواه الحيوية .وهذا اإللزام يوجد في كل األشكال االجتماعية
وكل نماذج اإلنتاج أيا كانت .وكلما تطور اإلنسان المتحضر اتسعت مملكة
الضرورة الطبيعية طردا مع نمو الحاجات ،ولكن في آن واحد تزداد قوى
اإلنتاج التي توفر تلك الحاجات ،ومن هذه الوجهة ال تنحصر الحرية إال فيما
يلي :أن ينظم اإلنسان االجتماعي والمنتجون المتجمعون بصفة عقلية عملية
التكييف هذه التي تربطهم بالطبيعة ،وأن يخضعوها لرقابتهم المشتركة –
عوض أن يستسلموا لها وكأنها قوة عمياء – وأن ينجزوا هذه العملية في نفس
الوقت بأقل الجهود الممكنة وفي الظروف التي تكون أكثر تالؤما مع كرامتهم
وطبيعتهم اإلنسانيتين .ولكن هذا الميدان يبق دائما ميدان الضرورة.
317
وفيما بعد .يبدأ ازدهار القوة اإلنسانية التي تشكل غاية لذاتها ،أي تبدأ
المملكة الحقيقية للحرية .ولكن هذه المملكة ال تزدهر إال استنادا إل مملكة
الضرورة .إن التخفيض في أوقات العمل اليومي هو الشرط األساسي لذلك.
األسئلة:
–1ما مدلول الحرية عل المستوى االقتصادي واالجتماعي حسب
الكاتب؟
–2فيم تتمثل الحرية خارج العمل االقتصادي؟ ولمـــاذا يرى
ماركس أن "المملكة الحقيقية للحرية "تبدأ خــــارج دائرة
اإلنتاج"؟
–3ما المقصود في النص "بمملكة الضرورة؟ بين كيف أن الحرية
تستند إل الضرورة.
- 4هل حققت المجتمعات الحاليـة درجة من الحريــة كما
يتصورها الكاتب؟
318
النص ):(4
يتميز اإلنسان من بين باقي الكائنات األخرى التي تعيش معه بأنه
الوحيد الذي يشعر ذاتيا بأنه مصدر أفعاله ،وأن سلوكه ليس ممل عليه من
خارج ،ومن ثم فهو حر حرية يعيشها من خالل الظروف التي يمارس في
ظلها أفعاال ملموسة تبرهن عمليا عل هذه الحرية التي تفرض أن يكون
اإلنسان حاضرا في الحياة.
ــــــــــــــ
فبأي حق ،وباسم أي مبدإ أخالقي سام معتقد أنه كان بإمكانه أن يقرر وهو
مرتاح البال تماما أن يهجر والدته أو يبق معها؟ ليس ثمة آية طريقة للحكم.
إن المضمون ملموس دا ئما ،وبالتالي ،فال أحد يستطيع أن يتوقعه سلفا ،فهناك
دائما ابتكار .والعبرة بشيء واحد وهو أن نعرف ما إذا كان االبتكار الذي تم
قد تم باسم الحرية.
سارتر ()2
(الوجودية مذهب إنساني)
الهوامش:
(1يتعلق األمر بتلميذ طلب النصيحة من سارتر زمن الحرب إن كان عليه
أن يلبي واجب الوطن ويلتحق بالجبهة ،أو أن يبق إل جانب أمه
المريضة التي ال سند لها سواه.
(2سارتر ) (1980-1905فيلسوف وأديب فرنسي.
األسئلة:
–1أي تحديد يعطيه سارتر للحرية؟
–2فيم تكون الحرية مجردة وملموسة في اآلن نفسه؟
–3بأي معن تكون الحرية أساس كل القيم؟
–4ما معن قول الكاتب " :فرغم اختالف مضمون األخالق فإن شكال
معينا منها يكون كليا"؟
– 5عالم يقوم النقد الذي يوجهه سارتر لألخالق الكانطية؟
320
النص ):(5
المسؤولية
تمهيد:
ــــــــــــــ
ويؤكد النبي صل هللا عليه وسلم من جهته" :من أبطأ به عمله ،لم
يسرع به نسبه") ، (2المسلم إذن حينما يعمل يقصد من أعماله تحقيق هدف ما،
فأفعاله دائما قصدية تلعب فيها النية دورا أوليا ،والعمل القصدي والمسؤولية
يكونان العنصرين األساسيين للشعور بالذات.
لن يقوم أي منا بدوره كراع مسؤول عن أخالق المجتمع ،إذا لم يعمل
–دائما-بقلب طاهر ووعي واضح كما يقول رسول هللا صل هللا عليه وسلم:
"دع ما يريبك إل ما ال يريبك" ). (4
الهوامش:
322
(1مسلم.
(2مسلم.
(3البخاري ومسلم
(4الترمذي والنسائي ،وقال الترمذي :حسن صحيح.
األسئلة:
–1ما مفهوم المسؤولية عند الكاتب؟
–2هل اإلنسان مسؤول فقط عن أفعاله أم إنه يتحمل أيضا
مسؤولية العالم المحيط به؟
–3هل يمكن اعتبار المسؤولية ضريبة الحرية؟
323
النص ):(6
هيجل
(نصوص مختارة)
األسئلة:
–1هل يستجيب النص لطبيعة المبدأ الذي يؤسس عليه (هيجل)
مذهبه؟
–2في النص إشارة واضحة إل حكم الضرورة الطبيعيــة في
خيارات الشعب .وضح مدلول هذه الضرورة ،وهل في ذلك
نفي لحرية الشعوب في اختيار هذا القانون أو ذاك؟
–3ما الدور الذي يؤديه الفن في فلسفة هيجل؟
325
النص ):(7
في هذا النص يقدم (هيجل) الدولة بصفتها تجسيدا لإلرادة الحرة في
مقابل الطبيعة التي يسود فيها العنف والظلم .فليست إذن الدولة نكوصا عن
حالة الحرية السائدة في الطبيعة ،بل هي التحقيق الموضوعي للحرية.
ــــــــــــــ
أول خطأ يصادفنا يتناقض تناقضا مباشرا مع فكرتنا عن الدولة من
حيث هي التحقيق الفعلي للحرية .وأعني به الرأي القائل :إن اإلنسان حر
بالطبيعة لكنه في المجتمع ،وفي الدولة التي تجتذب اإلنسان مع ذلك بطريقة
ال تقاوم البد له من أن يحد من هذه الحرية الطبيعية .والقول بأن اإلنسان حر
بالطبيعة قول صحيح تماما بمعن من المعاني ،وهو أن اإلنسان حر وفقا
لفكرة اإلنسانية لكننا بذلك نعني أنه حر بفضل مصيره ،وأنه يملك قدرة كامنة
عل أن يصبح كذلك ،ألن طبيعة شيء ما ترادف بالضبط "فكرته ..غير أن
الرأي الذي نناقشه اآلن يعني أكثر من ذلك ،فحين يقال عن اإلنسان إنه حر"
بالطبيعة" يكون المقصود هو الحديث عن نمط وجوده فضال عن مصيره،
ويكون ما تعنيه العبارة هو حالته الطبيعية واألولية المحض ،وبهذا المعن
يفترض أن هناك حالة طبيعية ،كان فيها الجنس البشري بصفة عامة ،يمتلك
حقوقه الطبيعية ويمارس حريته ويستمتع بها بغير عائق .والواقع أن هذا
الزعم يرفع إل مستوى الحقيقة التاريخية .ذلك ألنه لو بذلت محاولة جادة
إلثبات ذلك ،لكا ن من العسير إظهار أن حالة كهذه كانت موجودة فعال أو أنها
حدثت بالفعل في أي وقت مض .يمكن بالطبع اإلشارة إل أمثلة من حالة
الحياة المنهجية ،لكن هذه األمثلة تسودها األهواء واالنفعاالت الوحشية
وأعمال العنف ،ومع ذلك فإنها مهما كانت بساطة ظروفها وسذاجتها ،تتضمن
تنظيمات اجتماعية تعمل عل قمع الحرية (إن شئنا استخدام التعبير المألوف)
326
فهذا الزعم هو إحدى تلك التصويرات الهالمية التي ينتجها التفكير النظري
المفرط ،وهي فكرة ال يمكن أن يتجنب هذا التفكير ظهورها ولكنه يفرضها
مثال أعل لما هو أصل وطبيعي ،ال توجد شيئا أصليا وطبيعيا ،بل ينبغي
باألحرى السعي للحصول عليها ونيلها ،ذلك بعد توسط عملية تهذيب
وترويض هائلة للقوى األخالقية والعقلية .ولذلك فإن حالة الطبيعة يغلب
عليها الظلم والجور والعنف ،وتسودها الدوافع الطبيعية التي لم تروض،
واألعمال والمشاعر الالإنسانية .والشك إن المجتمع والدولة يمارسان نوعا
من الحد ،لكنه حد للغرائز الفجة ولالنفعاالت الوحشية وحدها ،كما أنه ،في
مرحلة حضارية أرق ،حد لألنانية المعتمدة التي تتجل في النزوات
واألهواء ،وهذا اللون من التقييد هو جزء من الوسيلة التي يمكن عن طريقها
وحدها أن يتحقق الوعي بالحرية والرغبة في بلوغها في صورتها الحقيقية،
أعني في صورتها العقلية والمثالية فالقانون واألخالق مستلزمات ضرورية
للمثل األعل للحرية ،وهما في ذاتهما ولذاتهما موجودات كلية ،وأهداف
وغايات ،ال يكتشفها إال نشاط الفكر حين ينفصل عن المحسوس البحت،
وي طور نفسه بصورة مضادة له ،لكنه البد من ناحية أخرى أن يدمج في
اإلرادة الحسية األصلية ويتجسد فيها ،وذلك عل العكس من نزوعه الطبيعي.
والواقع أن الفهم الخاطئ المتكرر والدائم للحرية إنما يكمن في النظر إل هذا
اللفظ في جانبه الصوري ،وفي معناه الذاتي فحسب وفي طريقة تجرده من
أهدافه وغاياته الجوهرية ،وهكذا فإن الضغط الذي يقع عل الدوافع الطبيعية
أو الرغبة والهوى التي تتعلق بالفرد الجزئي بما هو كذلك ،وكذلك الحد من
النزوات والمشاعر األنانية ،يعد قيدا للحرية ،لكنه ينبغي أن ننظر إل هذه
الحدود – عل العكس من ذلك – عل أنها شرط الزم للتحرر ،ومن ثم فإن
المجتمع والدولة هما الشرطان األساسيان لتحقيق الحرية.
األسئلة:
–1كيف ينقد الكاتب القول بأن "اإلنسان حر بالطبيعة"؟ هل يرى
327
له مسوغا تاريخيا؟
–2كيف يتحقق في نظر هيغل الوعـي بالحرية والتطلــع إل
بلوغها "في صورتها الحقيقية"؟
–3يقول هيجل في آخر النص" :إن المجتمـع والدولة همـــا
الشرطان األساسيان لتحقيق" الحرية ،حلل مدلول هذه المقولـة
وناقشها.
328
النص ):(8
ــــــــــــــ
األقوى ال يكون أبدا قويا بما فيه الكفاية ألن يكون دائما سيدا ،إال أن
يحول قوته إل حق ،والطاعة التي يفرضها إل واجب .من هذا نتج حق
األقوى ،هذا الحق الذي يتلق بسخرية تلقيا ظاهريا والذي تتقرر حقيقته
تقررا مبدئيا ،ولكن أليس من سبيل فيفسر لنا مفسر هذه الكلمة؟ إن القوة
سلطة طبيعية (فيزيوية) وال أرى أية حكمة أدبية يمكن أن تنجم عن نتائجها،
واإلذعان للقوة عمل ضرورة ،ال عمل إرادة ،إنه ال يعدو أن يكون عمل
فطنة ففي أي معن يمن أن يكون واجبا؟
لنفترض هذا الحق المزعوم ولنتول البحث فيه .إنه ال ينتج من ذلك
غير قول هواء ال سبيل إل تفسيره ،و ذلك ألنه إذا تقرر أن القوة هي التي
تصنع الحق ،فإن المعلول يتغير تغير العلة :فكل قوة تتقلب عل قوة أول ،
فالبد أن تخلقها وتحل محلها ،وحالما يكون العصيان دون عقاب ،يمكن القيام
به في صورة شرعية ،أما واألقوى هو دائما عل حق فما عل المرء إال أن
يعمل ما في است طاعته حت يصير هو األقوى ،فأية قيمة إذن للحق الذي ال
329
يزول عند انقطاع القوة ،وإذا كان من الالزم الطاعة بالقوة ،فما من حاجة إل
الطاعة بالواجب وإذا أصبح المرء غير مكره عل الطاعة بالقوة ،أصبح غير
ملزم بهذه الطاعة لذلك ترى أن كلمة (حق) هذه ال تضيف شيئا إل القوة بل
هي لغو ال يعني شيئا.
وأطيعوا ذوي السلطان ،إذا كان معن هذا" :أذعنوا للقوة" ،فالقاعدة
صالحة ولو أنها هذر ،وأني أجيب بقولي :لن تنتهك أبدا حرمة هذه القاعدة
فهل معن هذا أنه محرم عل أن استدعي الطبيب؟ وإذا فاجأني قاطع طريق
في ركن من غابة يجب عل أال أكتفي بإ عطائه قسرا كيس نقودي بل أسائل
نفسي أال يلزمني عامل الوجدان أن أدفع إليه بالكيس ،ألن المسدس الذي
يمسك به هو أيضا سلطة من السلطات؟ فلنقر إذن بأن القوة ال تصنع الحق
وأننا ال يفرض علينا الخضوع إال للسلطات الشرعية وهكذا فإن سؤالي
األساسي ال يفتأ يعود.
إن كل سلطة مستمدة من هللا وذلك ما أقر به ولكن كل مرض يجيء
أيضا منه.
األسئلة:
–1كيف يكون األقوى قويا؟
–2أيهما أصح للملك :الحق أم القوة؟
–3يرى (روسو) "إن اإلذعان للقوة عمل ضرورة ال عمل إرادة"
ما رأيك ؟
–4يقول (روسو)" :إن كل سلطة مستمدة من هللا" حلل هذا القول
وناقشه؟
330
أسئلة الباب
– 1هل يمكن أن نعتقد أن اإلنسان حر ونبحث في ذات الوقت عن تفسير
للسلوك؟
باكلوريا موريتانيا – شعبة اآلداب العصرية 3332
– 4هل يمكن اعتبار الحرية لدى اإلنسان عائقا حقيقيا أمام معرفة اإلنسان
معرفة موضوعية؟
باكلوريا موريتانيا – شعبة اآلداب العصرية 2432
– 3بأي معن يمكن القول :إن الحرية ال وجود لها في عالم تسوسه األنظمة
الديكتاتورية؟
331
المراجع
الدكتور سليم دلوة – 1ما الفلسفة؟
– 2ماهي الفلسفة؟ الدكتور حسن علي
– 3الفكر اإلسالمي والفلسفة قسم الباكلوريا المغرب
المغرب. – 4الفكر اإلسالمي والفلسفة طبعة جديدة
–5نصوص الفلسفة في الباكلوريا (ج 1وج )2المعهد التربوي الوطني
– 6تاريخ الفلسفة العربية الدكتور جميل صليبا
الدكتور كمال اليازجي –1معالم الفكر العربي
– 3الفلسفة الفرنسية من ديكارت إل سارتر (جان فال) ترجمة األب
مارون خوري.
– 9عظمة الفلسفة كارل ياسبرس ترجمة عادل العوا
– 11قصة الفلسفة ول ديورانت
د .محمد وقيدي – 11فلسفة المعرفة عند غاستون باشالر
د .محمد وقيدي – 12ما هي االبستيمولوجيا؟
تونس – 13كتاب الفلسفة (ج)2
هيغل ترجمة د .مصطف غالب – 14في سبيل موسوعة فلسفية
تونس – 15الفلسفة للسنة السابعة
د .جميل صليبا – 16المعجم الفلسفي
مراد وهبة ويوسف كرم. – 11معجم الفلسفة
هنري أيكن – 13عصر االيديولوجيا
– 19كتاب الفلسفة س 6آداب عصرية المعهد التربوي الوطني
– 21الفلسفة اليونانية /د .كريم مت
– 21المنقذ من الضالل /الغزالي
332
الفهرست
رقم الصفحة العنوان
3 المقدمة
5 المحور األول :الماهية
1 -ما الفلسفة؟
13 -مناهج وقيمة الفلسفة
24 -الفلسفة والعلم
31 -الفلسفة واإلسالم
34 -التيارات الفلسفية الكبرى (المثالية – المادية)
55 -الوضعية
64 -الوجودية
69 -البنيوية
النصوص:
19 -ظهور الفلسفة
33 -طريقة التوليد
35 -أسطورة الكهف
92 -التفلسف يقظة
94 -ضرورة الشك
93 -الفلسفة والعلم
111 -موقف الشريعة من الحكمة اليونانية
112 -مهمة الفلسفة
114 -الفلسفة وليدة عصرها
116 -الفلسفة الوضعية
المحور الثاني :العلم اإلنسانية
111 -العلوم اإلنسانية
121 -علم التاريخ
133 -علم النفس
141 -علم االجتماع
143 -العوائق االبستيمولوجية في العلوم اإلنسانية
333
153 النصوص:
155 -إنسان العلوم اإلنسانية
151 -أسباب األخطاء في دراسة التاريخ
161 -إعادة بناء الحوادث التاريخية
163 -نشأة علم االجتماع
166 -موضوع علم النفس
169 -نقد االستبطان
111 -الجهاز النفسي
112 -العوائق االبستيمولوجية
115 المحور الثالث:
111 -الشخصية
132 -األسس البيوثقافية للشخصية
133 -الشخصية من وجهة نظر التحليل النفسي
-الشخصية السوية والمواطنة
193
-الشخصية وآثار العولمة
191
النصوص:
213 -ما هو اإلنسان
211 -العوامل المكونة للشخصية
214 -دينامية الشخصية
216 -العوامل األساسية في بناء الشخصية
219 -الشخصية األساسية والشخصية الوظيفية
223 -الجهاز النفسي
221 -الشخصية والحرية
231 -دور الوراثة والبيئة
المحور الرابع :السياسة
231 -الدولة :مقوماتها -نشأتها –وظائفها
243 -أشكال النظام السياسي
-الحقوق الطبيعية والمدنية في اإلعالن العالمي
254 لحقوق اإلنسان
334
النصوص:
261 -الدولة
263 -نشأة الدولة
265 -مقومات األمة
263 -ضرورة السلطة
211 -القانون الطبيعي
213 -شروط العقد االجتماعي
216 -الديمقراطية اإلسالمية
119 -المذهب الجماعي والمذهب الفردي في الحكم
المحور الحامس :الحرية واإلنسان
-مقاربة مفاهيمية
236
-الحرية والتحرر
291 -الحرية والمسؤولية
299 -الحرية في اإلسالم
351
النصوص:
313 -اإلنسان بين الحرية والضرورة
316 -الحرية أساس كل أخالق
313 -الحرية والعمل
321 -الحرية أساس كل القيم
322 -المسؤولية
-دستور الدولة باعتباره تعبيرا عن روحها
325 الخاص
321 -الدولة شرط تحقيق الحرية
331 -أيهما أحق بالسلطة :الحق أم القوة؟
333 المراجع
334 الفهرست
-
335
336