Professional Documents
Culture Documents
كتاب ثقافة مكافحة الفساد
كتاب ثقافة مكافحة الفساد
ويهمين يف مستهل هذا التقديم أن أوكد على مدى اخلطورة اليت ميثلها الفساد بكافة صوره
وأشكاله على شتى مظاهر احلياة ،فالفساد يقوض خطط التنمية االقتصادية ويهدم دعائمها ،
كما خيل حبالة الوئام اجملتمعي ،ويعد الفساد كذلك مسبباً رئيسياً الضطراب وزعزعة احلياة
السياسية .وهو ما يدعونا أن نتكاتف مجيعا مسئولني ومواطنني وجهات وأفراد ليعمل اجلميع على
مكافحة كافة صوره ،لكي ندرء مفاسده وجنفف منابعه ،متذرعني يف ذلك بتعاليم ديننا احلنيف
،وما ُجبل عليه جمتمعنا من السعي الدائم حنو اخلري واإلصالح وكذلك ما تضمنته التشريعات
الكويتية من قوانني وتدابري حتول دون وقوع الفساد وحتارب آثاره املدمرة.
وميثل هذا اإلصدار أحد اجلهود التثقيفية والتوعوية اليت تسعى (نزاهة) من خالهلا لتبسيط
مفاهيم مكافحة الفساد وتعزيز مبادئ وقيم النزاهة والشفافية لدى أفراد اجملتمع كجزء من
ء
رسالتها يف مكافحة الفساد والوقاية منه .ولعل اهداف اهليئة قد تتجاوز اجليل احلالي باستهداف
األجيال القادمة من خالل حتصني البيئة الداخلية بالشكل املالئم لتهيئة ظروف أفضل ومستقبل
واعد ألبناء الوطن متسلحني فيه بثقافة مكافحة الفساد ليكونوا أكثر وعياً وإدراكاً خبطورته
وآثاره املدمرة ،وختاماً أدعوا املوىل العلي القدير أن يعيننا مجيعاً على بلوغ أهدافنا يف كبح مجاح
آفة الفساد ودرء خماطرها املدمرة ،من أجل الوصول إىل بلد آمن من شرور الفساد واملفسدين.
يعترب الفساد أحد الظواهر القدمية منذ نشأة البشرية وتطورت مبراحل متعددة وأصبحت ظاهرة
نتيجة للتغريات املتسارعة يف البيئتني احمللية والدولية ،باإلضافة إىل ثورة املعلومات واالتصاالت
والظروف السياسية واالقتصادية واالجتماعية .وقد ارتبطت ظاهرة الفساد بعدة عوامل ساهمت
يف تعزيزها وسهولة انتشارها واليت منها غياب الشفافية واملسائلة وضعف األجهزة الرقابية وعدم
خضوع السلطات اإلدارية لضوابط سلوكية وقانونية حتد من التجاوزات إضافة إىل خمالفة
القانون واستغالل النفوذ وقلة الوعي لدى الفرد واجملتمع مبخاطرها وآثارها ،ونتيجة لتلك العوامل
املرتبطة بظاهرة الفساد ،تعرض العامل لسلسلة من األزمات املالية واالقتصادية خالل عقود تأثرت
منها العديد من الدول املتقدمة والنامية مما أثر على حالة اجملتمع والفرد فيها.
وعلى إثر ذلك أصبح موضوع مكافحة الفساد حيظى باهتمام كبري خالل العقدين املاضيني على
مجيع املستويات احمللية والدولية ،وتوجت تلك اجلهود عرب إصدار اتفاقية األمم املتحدة ملكافحة
الفساد اليت تنسق اجلهود الدولية ملكافحة الفساد وتعزيز النظم الوطنية ،وال تزال تلك اجلهود
مستمرة يف إطار التعاون الدولي.
وقد ارتبطت كلمة الفساد يف أذهان الناس مبفاهيم سلبية إمجا ً
ال ولذلك حيقق االرتباط اللغوي
يف تفسري املعاني داللة واضحة على هذا االرتباط ،فيقال فسد الشيء ضد (صلح) وهي داللة على
البطالن واالضمحالل ،وحلداثة ثقافة مكافحة الفساد كمنظومة دولية ووطنية تظافرت فيها
اجلهود للحد من خماطر الفساد ،أصبحت احلاجة ضرورية للتوسع يف شرح مفاهيم الفساد وسبل
مكافحته والتوعية مبخاطره وسبل الوقاية منه.
وميثل هذا اإلصدار مبادرة من اهليئة العامة ملكافحة الفساد (نزاهة) بدولة الكويت يف إطار جهودها
الوقائية للتوعية مبخاطر الفساد وسعيا لتبسيط مفاهيم وثقافة مكافحة الفساد وتعزيز لقيم
النزاهة والشفافية يف اجملتمع.
مفهوم الفساد
يعترب الفساد أحد الظواهر السلبية العابرة للحدود حتدث يف كل الدول بغض النظر عن مستوياتها
االقتصادية واالجتماعية ،وقد حيدث بني قطاعات الدولة لتحقيق مصاحل معينة ،أو ضمن القطاع
اخلاص واملنظمات غري احلكومية ،فهو ليس حمصوراً جلهة دون األخرى ،مبعنى آخر يتواجد
الفساد يف أي تنظيم يكون فيه للشخص سلطة إصدار القرار أو قوة احتكار على سلعة أو خدمة.
ال يوجد امجاع بني الباحثني على تعريف شامل يطال أبعاد الفساد كافة ،وإن كان التعريف
األكثر رواجا هو الذي يدور حول استغالل أو سوء استعمال الوظيفة العامة من أجل املصلحة
اخلاصة .إال أن ملثل هذا التعريف فائدة حمدودة يف حماربة هذه الظاهرة بأوجهها املتعددة .لذلك
جتنب أعضاء األسرة الدولية وهم بصدد صياغة أهم املواثيق الدولية بشأن الفساد تبين تعريف
موحد له معتربين أن مثل هذا التعريف غري ممكن وغري ضروري ،لذلك تركت اتفاقية األمم
املتحدة احلرية للدول األعضاء يف امكانية أن تضع كل دولة التعريف املالئم حلجم الفساد وأبعاده
من منظور رؤيتها الفردية.
الفساد اإلداري هو االحنراف اإلداري الذي يصدر من املوظف عرب استغالله ملوقعه وصالحياته
للحصول على مكاسب ومنافع بطرق غري مشروعه ،وأما الفساد املالي فهو االحنراف عرب خمالفة
األحكام والقوانني وضوابط الرقابة املالية يف الدولة.
وتتنوع مناذج وصور هذه االحنرافات لتشتمل على الرشوة واستغالل النفوذ واحملسوبية والغش
والتزوير والكسب غري املشروع وغريها من اجلرائم اليت صنفت ضمن التشريعات القانونية
باعتبارها جرائم فساد
هي اجلرائم اليت يرتكبها املوظف أو املستخدم العام وتؤدي إىل اإلضرار باألموال أو املمتلكات العامة
اململوكة للدولة وهيئاتها ومؤسساتها والشركات اليت تساهم فيها بنسبة ال تقل عن % 25من
رأس ماهلا ،أو يكون الغرض من ارتكاب هذه األفعال هو اإلضرار بأوضاع البالد املالية أو التجارية أو
االقتصادية ،ومن صور هذه اجلرائم:
● االختالس.
● إفشاء معلومات سرية.
● التسبب بأضرار جسيمة بأموال الدولة.
● االحتفاظ بوثائق تتعلق بإحدى جرائم االعتداء على األموال العامة.
● عدم اإلبالغ عن جرمية من جرائم االعتداء على املال العام.
● تقديم بيانات كاذبة.
● اجلرائم املتعلقة باملناقصات العامة واملزايدات واملمارسات.
هي األفعال اليت يطلب من خالهلا املوظف العام لنفسه أو لغريه أو يقبل وعداً أو هدية أو عطية ألداء
عمل أو االمتناع عن عمل من أعمال وظيفته إخال ً
ال منه بواجبات وظيفته.
- 2جرائم استغالل النفوذ:
هي األفعال اليت يطلب من خالهلا املوظف العام لنفسه أو لغريه وعداً أو عطية الستعمال نفوذ
حقيقي أو مزعوم من أجل احلصول أو حماولة احلصول من أية سلطة عامة على أعمال أو أوامر
أو أحكام أو قرارات أو نياشني أو التزام أو ترخيص أو اتفاق توريد أو مقاولة أو على وظيفة أو خدمة
أو أية فائدة أخرى من أي نوع.
- 3جرائم غسل األموال:
هي قيام الشخص عمداً بتحويل أو نقل أو استبدال أو اكتساب أو إخفاء مكان أو حيازة أموال غري
مشروعة (متحصلة من جرمية) رغم علمه بذلك ،بغرض إخفاء أو متويه املصدر غري املشروع لتلك
األموال.
- 4جريمة التزوير:
هي كل تغيري للحقيقة يف حمرر رمسي بقصد استعماله على حنو يوهم بأنه مطابق للحقيقة،
كما يعد تزويراً تقليد أو تزوير خامت الدولة أو خامت إحدى املصاحل احلكومية أو خامت أحد
املوظفني العامني أو الطوابع احلكومية أو قيام شخص ما بإمالء بيانات كاذبة على موظف عام
حسن النية موهماً إياه بأنها بيانات صحيحة.
- 5جريمة التزييف:
هي القيام بتقليد أوراق النقد أو املسكوكات أو تزويرها بإدخال تغيرياً عليها أيا كان هذا التغيري
وذلك بقصد استعمال الورقة أو املسكوكة املقلدة أو املزورة يف التداول.
- 6جرائم إعاقة سير العدالة:
هي جمموعة من اجلرائم اليت من شأن ارتكابها التأثري سلباً على القضاء أو العدالة ،واليت تشتمل
عامة على:
● جرمية شهادة الزور.
● جرمية اإلكراه على الشهادة.
تعد ظاهرة الفساد ظاهرة مركبة ختتلط فيها االبعاد االقتصادية واالجتماعية والثقافية
والسياسية وتعد ظاهرة الفساد مركبة ختتلط فيها األبعاد االقتصادية واالجتماعية والثقافية
والسياسية ،ويعترب الفساد من أكرب التحديات اليت تواجه عاملنا احلديث ،فهو يق ّوض احلكم
الصاحل ،ويش ّوه السياسة العامة ،ويدفع إىل إساءة توزيع املوارد ،ويضر بالقطاع اخلاص وتنميته،
ويلحق أكرب الضرر بالفقراء.
لذلك فإن من األسباب املهمة اليت تساهم يف انتشاره هي ضعف الوازع الديين واألخالقي تراجع
العدالة يف التوزيع وضعف ثقة أفراد اجملتمع جتاه املؤسسات الوطنية وضعف الثقافة القانونية،
باعتبارها انعكاس للنضج االجتماعي والسياسي للمجتمع ويكون ذلك يف الدول اليت بلغت مرحلة
متقدمة من تنمية القيم واملؤسسات الدميقراطية.
إن العلم املبسط مببادئ القوانني مبا حيتويه من قيم وأهداف هو انعكاس لرقي اجملتمع وتطوره،
ويف املقابل فان اجلهل بأهمية القانون وغياب ثقافته يف غالب اجملتمعات تعترب من املوانع اليت حتد
من تطورها ،كما إن تعزيز االنتماء الوطين ميثل أحد اجلوانب األساسية هلا .هذا باإلضافة إىل
عدم إنفاذ القانون يف كثري من األحيان وتورط فئات يف هذه اجلرائم تساعد يف اتساع اهلوة بني
تطبيق القانون للحد من الفساد وبني معاقبة اجملرمني املدانني بها مع ما متثله سبل احلماية الغري
قانونية اليت يتحصن بها املفسدون ،كما يعد اخللل اإلداري يف األنظمة املؤسسية أحد املعوقات
ومسببات انتشار الفساد ،فانعدام وجود أدبيات للسلوك الوظيفي يف املؤسسات اخلدمية إضافة إىل
ضعف التطوير يف هياكل املؤسسات احلكومية وحتديث أساليب العمل فيها ،وانعدام الشفافية
والنزاهة يف املعامالت احلكومية واخلاصة وعدم اإلفصاح عن املعلومات وسريتها يساهم يف تفاقم
الظاهرة وانتشارها ،كما ميثل عدم تشجيع مشاركة اجملتمع املدني ووسائل االعالم يف التوعية
مبفاهيم الفساد ومنعها مؤشرا خطريا يف استفحال هذه الظاهرة باعتبار هذه القنوات أحد الركائز
اهلامة يف دعم مؤسسات الدولة يف محايتها من الفساد خصوصا يف اجملتمعات الدميقراطية.
مل يأخذ موضوع الفساد يف السابق اهتماماً جدياً ودراسته على املستوى الدولي لوضع معاجلات
رامية للحد من انتشاره حتى بدأ الرتكيز على التنمية االقتصادية يف الدول الفقرية يف العقود
األخرية من القرن املاضي ،حيث بدأت منظمات التنمية الدولية وعلى رأسها البنك الدولي يف رصد
املؤثرات املتزايدة للفساد وكانت من أبرز تلك املؤشرات ما يلي:
● تضخم الكلفة اإلمجالية للفساد حول العامل بنحو 2.6تريليون دوالر سنويا مبا يعادل %2من
الناتج االمجالي العاملي)1(.
● ارتفاع نسبة الفقر إىل % 22من سكان العامل الذين يعيشون على مدخول ما قيمته ( ) 1.25دوالرا
يف اليوم أو أقل ،أي أنه أكثر من ُخس سكان العامل يعيشون حتت خط الفقر)2( .
● زيادة الصراعات واخلالفات يف أجهزة الدول وترهل األنظمة اإلدارية وتفشي الواسطة
واحملسوبية والتعدي على املال العام.
ونتيجة لتلك املؤشرات بدأت التأثريات اخلطرية للفساد تنال من عدة جماالت يف الدول واجملتمعات
واليت جاءت نتائجها على النحو التالي:
-السياسية:
● تشويه الدور املطلوب من احلكومة بشأن تنفيذ السياسة العامة للدولة وحتقيق مستهدفات
خطط التنمية.
● تراجع ثقة أفراد اجملتمع بالقانون ومؤسسات الدولة .
● اضعاف كل جهود اإلصالح املعززة للدميقراطية مبا يتزعزع معه االستقرار السياسي.
● إقصاء الكفاءات الوظيفية الوطنية املستحقة من الوصول للمناصب القيادية مبا يزيد من
حالة السخط بني األفراد ونفورهم من التعاون مع مؤسسات الدولة.
● إعاقة وتقويض كافة اجلهود الرقابية على أعمال احلكومة والقطاع اخلاص.
(1) Juan, Y. (2014). "The Rationale for Fighting Corruption". Paris, France: CleanGovBiz Initiative Organization for Economic
Co-Operation and Development
(2) Martin, R. (2010). "World Bank’s $1.25/day poverty measure- countering the latest criticisms". Washington, DC: World Bank.
Retrieved August 6, 2017, http://econ.worldbank.org
● إعاقة النمو االقتصادي مما يقوض كل مستهدفات خطط التنمية طويلة وقصرية األجل.
● إهدار موارد الدولة أو على أقل تقدير سوء استغالهلا مبا يعدم الفائدة املرجوة من االستغالل
األمثل.
● هروب االستثمارات الوطنية للخارج وعدم استقطاب األجنبية للداخل وذلك لغياب احلوافز.
● اإلخالل بالعدالة التوزيعية للدخول واملوارد وإضعاف الفعالية االقتصادية وازدياد اهلوة بني
الفئات الغنية والفقرية.
● اضعاف اإليرادات العامة للدولة نتيجة التهرب من دفع اجلمارك والضرائب والرسوم
باستخدام الوسائل االحتيالية وااللتفاف على القوانني النافذة.
● التأثري السليب لسوء اإلنفاق العام ملوارد الدولة عن طريق اهدارها يف املشاريع الكربى مبا حيرم
قطاعات هامه مثل الصحة والتعليم واخلدمات من االستفادة من هذه املوارد.
● تدني كفاءة االستثمارات العامة وإضعاف مستوى اجلودة يف البنية التحتية العامة بفعل
الرشاوي اليت تدفع للتغاضي عن املواصفات القياسية املطلوبة.
-االجتماعية:
● اضعاف النسيج االجتماعي وإشاعة روح الكراهية بني طبقات وفئات اجملتمع نتيجة عدم
العدالة واملساواة وتكافؤ الفرص.
● التأثري على استقرار االوضاع االمنية والسلم االجتماعي.
● تراجع ثقة افراد اجملتمع بدور مؤسسات الدولة يف حماربة الفساد مما يؤثر على قيم املواطنة.
ويف هذا اإلطار ساهم البنك الدولي بوضع جمموعة من االسرتاتيجيات بهدف مساعدة الدول على
مواجهة الفساد واحلد من أثاره السلبية على عملية التنمية االقتصادية ،كما قامت املنظمات
الدولية باختاذ اجراءات وبذل جهود من شأنها احلد من انتشار الفساد وربط منح قروضها والقيام
باستثماراتها عرب اختاذ الدول إجراءات ف ّعاله للحد من الفساد وتناميها.
جاء الدين اإلسالمي احلنيف باألسس العامة اليت تساهم يف حماربة الفساد ،من خالل تعزيز ونشر
األخالق احلميدة ترسيخ القيم الفاضلة وشجع عليها مؤكدا على هذه األخالقيات كمبدأ لتقويم
األفراد واجملتمعات وسلوكياتهم ،ويقضي على كل مظاهر الفساد االقتصادية واالجتماعية
ويوصل بدال منها كل ما هو حسن وكل ما من شأنه أن ينهض باألمم.
ويعد الفساد خمالفة صرحية لألمر اإلهلي كما جاء بكتاب اهلل عز وجل وسنة نبيه صلى اهلل
عليه وسلم ،فهو دليل على ضعف الوازع الديين لدى الفاسد واملفسد ،وهلذا فإن اإلسالم يعمل على
تنمية وتقوية الوازع الديين لدى كل أفراد اجملتمع حتى يكون حمفزا ملنع املرء من ممارسة الفساد
وارتكاب جرائمه.
وربطت الشريعة اإلسالمية بني الفساد ومضادها يف احلياة وهو اإلصالح ،كما قال تعاىل
يب ِّم َن ْ ُْ مح َت َّ ِ
اهلل َق ِر ٌ ال ِحهَا َو ْاد ُعو ُه َخ ْو ًفا َو َط َم ًعا إن َر َْ
ض ب َْع َد ِإ ْص َ َْ َ ْ
احمل ِس ِن َ
ني (.) 56 ( َوال ُتف ِسدُوا ِيف األ ْر ِ
ني رت ِعي َُّ
اهلل َع ْبدًا َر ِع َّي ًة َُمي ُ
وت ِح َ َس َ ْ ويف صحيح مسلم أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قالَ ( :
ال ي ْ
اهلل َع َل ْي ِه َْ
اجلَّن َة). ال َح َّر َم َُّ
اش َهلاِ ،إَّ
ُوت َو ُه َو َغ ٌّ
َمي ُ
كما استعرضت الشريعة اإلسالمية مظاهر الفساد ومسبباته وحترميه والنهي عنه بكافة صورة
وأشكاله مثل الغش والتدليس وشهادة الزور والرشوة وعدم حفظ األمانات واملسئولية للراعي
والرعية.
كما شجعت على تغليب مصاحل األمة ودرء املفاسد كمقصد شرعي وأكدت على أهمية اإلصالح
والتقوى اإلميانية للحماية من الوقوع يف الفساد وعندما يتعرض اإلسالم ملشكلة من املشاكل فإنه
يعاجلها بطريقة حكيمة ومنطقية إذا ما أحسن االنسان فهمه والربط بني العمل والعبادة.
ولقد وردت كلمة الفساد يف أكثر من ( )50موضعا بالقرآن الكريم ويف مناسبات خمتلفة داعية
النفس البشرية للوقاية منه ،كما عمدت الشريعة اإلسالمية ملعاجلات واسعة ملفهوم الفساد منه
األخالقي والعقائدي والعقابي وتدرج اخلطاب الديين بتناول هذه القضية ابتداء من الدعوة لتعزيز
اإلميان بالنفوس وتهذيب األخالقيات وصوال لآلثار اخلطرية املرتتبة على تفشي الفساد ومظاهره
باجملتمع املسلم ،وعليه حددت الشريعة اإلسالمية عدد من التدابري الوقائية املتمثلة بالعقوبات
الشرعية للمفسدين.
توجد عدة طرق غري مباشرة لقياس مظاهر الفساد ومدى تفشيه يف اجملتمعات واملؤسسات ،وتعتمد
طرق الكشف عن الفساد على مصادر متعددة منها األجهزة الرقابية بالدولة وتسليط وسائل اإلعالم
الضوء على عدد من مظاهر الفساد وتفشيه يف األجهزة واملؤسسات املختلفة وكشف مظاهر الفساد
من خالل احلمالت اإلعالمية املركزة .هذا إضافة إىل دراسة التقارير الفنية والرقابية للحاالت
الصادرة من بعض األجهزة الرقابية يف الدولة حنو بعض اجلهات واإلدارات اليت حيتمل انتشار
الفساد فيها ،وتقوم منظمة الشفافية الدولية وهي منظمة غري حكومية بقياس مستوى الفساد يف
الدول عرب مؤشر مدركات الفساد ( ،) Corruption Perceptions Indexحيث أن هذا
املؤشر هو عبارة عن مصطلح دولي أصدرته املنظمة عام ، 1955ويقوم على ترتيب الدول حول العامل
بناء على مدركات الفساد لدى مؤسسات القطاع العام يف هذه الدول ويعتمد يف نتائجه على مصادر
مستقلة ،ويرمز له اختصاراً ( ) CPIويتدرج املقياس من (صفر) إىل ( ،) 100حيث تعادل الدرجة
(صفر) أعلى مستوى من الفساد املدرك ،يف حني تعادل الدرجة ( ) 100أدنى مستوى من الفساد املدرك.
متثل برامج الوقاية أحد أهم اآلليات اليت تساهم يف احلد من الفساد ومنع أسبابه ،إذا استطعنا
أن نضع سبل وقائية متنع وقوع جرائم الفساد فهذا يعد خطوة استباقية تعزز مكافحة الفساد
وخصوصا على املدى الطويل ،ومن هذا املنطلق خصصت اتفاقية األمم املتحدة ملكافحة الفساد
الفصل الثاني متضمناً التدابري الوقائية ملكافحة الفساد ألهميته الكبرية.
ومتثل التدابري الوقائية أحد األدوات اهلامة يف التصدي للفساد ومن أسبابه ،حبيث تكون تلك
التدابري على هيئة سياسات متارس ملكافحة الفساد عرب إنشاء هيئات مكافحة الفساد أو األجهزة
الرقابية األخرى بشكل مستقل لضمان تعزيز النزاهة والشفافية .وحتفيز مجيع أفراد اجملتمع
باملساهمة حنو منع الفساد عرب تعزيز مشاركة اجملتمع املدني ورفع الوعي العام بالفساد وسبل
الوقاية منه ومنع أسبابه.
انفاذ القانون
تعد مالحقة مرتكيب الفساد وحرمانهم من االستفادة من عائد جرائهم ومن العودة إىل ارتكاب
ال من الرسائل الواجب إيصاهلا للجميع وأن اجلرمية البد من مالحقتهاهذه اجلرائم مستقب ً
ومعاقبة مرتكبها ،ويتم حتقيق هذه الغاية عن طريق املراجعة الدائمة للتشريعات اليت تضمن
ذلك وتبسيط اإلجراءات اخلاصة حبجز ومصادرة األموال واسرتداد العائدات الناجتة عن الفساد
والتوسع يف استخدام أساليب التحقيق املتطورة يف قضايا الفساد.
• المنظمات األهلية
يشري مفهوم املنظمات األهلية غري احلكومية املعروفة اختصاراً ( ) NGOsإىل مجلة من املبادرات
االجتماعية التطوعية اليت تنشط يف جماالت خمتلفة مثل اخلدمات االجتماعية ،املساعدات
اخلريية خدمات التعليم ،الصحة والثقافة.
ويتحدد موقع هذه التنظيمات بني الدولة من جهة ،والقطاع اخلاص اهلادف للربح من جهة أخرى،
وتتكون بناء على اهتمام عام مشرتك لتحقيق منافع مجعية.
تلعب املنظمات األهلية دوراً مهماً يف بناء ثقافة جمتمعية وقيم وممارسات ،أساسها احرتام مبدأ
املواطنة ،احلفاظ على املال العام ،املشاركة الواسعة يف الشأن العام ،مكافحة الفساد وحماسبة
الفاسدين ،وذلك من خالل حرية العمل األهلي واستقالله حبيث يؤدي ذلك إىل رفع مستوى الوعي
العام مبكافحة الفساد ،مكافحة الفساد داخل العمل األهلي والضغط والتعبئة والتأثري لإلصالح
ومكافحة الفساد.
توعية المجتمع
رفع وعي اجملتمع وتوعيته وتبصرته مبخاطر الفساد وآثاره من خالل الوسائل التالية:
-اإلعالمية:
للوسائل اإلعالمية دور مؤثر يف مكافحة الفساد وتوعية وتثقيف اجملتمع عن طريق تسليط الضوء
على ظواهر الفساد وتنظيم محالت توعية للرأي العام جتاه خماطر الفساد وأنواعه وآثاره ونشر
الدراسات التخصصية ذات الصلة بالفساد وطرق العالج الوقائية واحللول العملية للحد منه
-التعليم :
متثل الربامج التعليمية أحد األدوات اهلامة ملكافحة الفساد باعتبارها املعنية بالتوجيه والتثقيف
لكافة أجيال اجملتمع مبختلف مراحله العمرية إضافة للدور االجتماعي الذي تقوم به املدارس
واجلامعات يف خلق بيئة إجيابية تنعكس آثارها على الطالب وتوظف برامج التعليم ألجل مكافحة
الفساد من خالل احملاضرات والدروس التعليمية واملناهج الدراسية وما تتضمنه الرسائل التعليمية
املوجهة للطلبة.
مفهوم المواطنة
يعد مفهوم املواطنة يف الوقت الراهن من املفاهيم األكثر أهمية ،فهو متجدد ومتغري بشكل مستمر
ألنه نتاج البيئة الثقافية والوطنية اليت ينشأ فيها الفرد ،فاملواطنة ليست جمموعة من احلقوق
والواجبات كما يرغب البعض يف حتديدها ،كما أنها ليست ذات طابع سياسي قانوني ،بل هي
أساس العالقات االجتماعية بني املواطنني واجلماعات يف الدولة ،وهي ترسيخ للعيش املشرتكة
بني األفراد حتت تنظيم سياسي واحد.
ومتثل مكافحة الفساد جزءاً هاماً يف عملية تعزيز مفهوم املواطنة ،حيث أنها مل تعد حمصورة يف
مكان أو زمان أو ممارساً من فئة معينة من الناس دون غريها أو هيئة أو مؤسسة ،بل أصبح ظاهرة
جمتمعية ومؤسسية تنذر بالكثري من الكوارث على املستوى االقتصادي أو االجتماعي أو التعليمي.
● غرس مفاهيم النزاهة والشفافية يف اجملتمع وتطوير مناهج التعليم من أجل ترسيخ وإحياء
روح املواطنة السيما يف الوسط الشبابي وتنمية روح االنتماء ،ونشر الوعي واألخالق الفاضلة
بني مكونات اجملتمع.
● نشر ثقافة التسامح واحملبة وتعزيز املواطنة الصاحلة واالستغالل األمثل للحريات العامة.
● حماربة الفساد املالي واالداري عرب إنشاء جهاز خمتص بذلك كهيئة مكافحة الفساد على
سبيل املثال.
● تعزيز روح املواطنة الكاملة من خالل املشاركة السياسية يف صناعة القرار وتفعيل الرقابة
من قبل املواطن ومؤسسات اجملتمع املدني.
● تنمية احلس الوظيفي وتعزيزه لدى اجملتمع واحلفاظ على املال العام .
وبهذا يصبح الفساد سلوكاً عاماً ،يسعى رموزه إىل انتهاك قواعد السلوك االجتماعي ،وانتهاكاً
صارخاً للمصلحة العامة ،أما املواطنة وقبل كل شيء هي شعور باالنتماء إىل جسم سياسي امسه
واجبات متساوية بني املواطنني ،مبعنى آخر تعترب املواطنة على أنها
ٍ الدولة ،يكفل حقوقاً ،ويرتب
حب الوطن والتعلق به ،وبهذا
قيم وسلوك ،وتربية وآداب ،وأخالق وتكوين حضاري ،فهي تتضمن ّ
املعنى تتطلب التزامات أخالقية واجتماعية حنو اجملتمع واألمة.
قد حظي موضوع مكافحة الفساد باهتمام األمم املتحدة واجملتمع الدولي ،الذي سعى يف سبيل
مكافحة هذه الظاهرة وتدارك خماطرها إىل وضع اسرتاتيجية دولية شاملة ومستدامة ملكافحته
حبيث كانت مكافحة الفساد تعترب ضمن جمال اختصاص حكومة كل دولة مبفردها ،وأصبحت
اآلن شأن اجملتمع الدولي.
كما طالب وحث القرار اجملتمع الدولي ومنظمات التكامل االقتصادية اإلقليمية على اعتماد
االتفاقية الدولية ملكافحة الفساد ،اليت عرضت للتوقيع يف ، 2003 / 12 / 10يف مدينة مرييدا املكسيك،
ودخلت حيز النفاذ بتاريخ ، 2005 / 12 / 14لتصبح بذلك أول اتفاقية دولية عامة معنية وخمتصة
حبصر جمموع التدابري وحصر اإلجراءات الواجب على اجملتمع الدولي والدول اختاذها واإللتزام
بها ،لضمان مكافحة الفساد والقضاء عليه.
( )3اتفاقية مكافحة الفساد من قبل اجلمعية العامة لألمم املتحدة يف 31أكتوبر 2003من قبل قرار( )4/ 58
أهدافها:
إرساء مبدأ الشفافية والنزاهة يف املعامالت االقتصادية واإلدارية مبا يكفل حتقيق اإلدارة ●
الرشيدة ألموال وموارد وممتلكات الدولة واالستخدام األمثل هلا.
تطبيق اتفاقية األمم املتحدة ملكافحة الفساد املوافق عليها بالقانون رقم ( )47لسنة . 2006 ●
العمل على مكافحة الفساد ودرء خماطره وآثاره ومالحقة مرتكبيه وحجز واسرتداد األموال ●
والعائدات الناجتة عن ممارسته وفقاً للقانون. ●
محاية أجهزة الدولة من الرشوة واملتاجرة بالنفوذ وسوء استخدام السلطة لتحقيق منافع ●
خاصة ومنع الوساطة واحملسوبية.
محاية املبلغني عن الفساد. ●
تعزيز مبدأ التعاون واملشاركة مع الدول واملنظمات اإلقليمية والدولية يف جماالت مكافحة ●
الفساد.
تشجيع وتفعيل دور مؤسسات ومنظمات اجملتمع املدني يف مكافحة الفساد وتوعية أفراد ●
اجملتمع مبخاطره وتوسيع نطاق املعرفة بوسائل وأساليب الوقاية منه.
اختصاصاتها:
وضع اسرتاتيجية وطنية شاملة للنزاهة والشفافية ومكافحة الفساد وإعداد اآلليات واخلطط ●
والربامج املنفذة هلا ،ومتابعة تنفيذها مع اجلهات املعنية. ●
تلقي التقارير والشكاوى واملعلومات خبصوص جرائم الفساد املقدمة إليها ودراستها ويف حال َّ ●
التأكد من أنها تشكل شبهة جرمية يتم إحالتها إىل جهة التحقيق املختصة. ●
تلقي إقرارات الذمة املالية وتشكيل اللجان لفحصها. ●
محاية املبلغني عن الفساد وذلك بالتنسيق مع اجلهات املختصة. ●
إبالغ اجلهات املختصة الختاذ اإلجراءات القانونية الالزمة لفسخ أي عقد تكون الدولة ●
طرفاًفيه أو سحب امتياز أو غري ذلك من االرتباطات إذا تبني أنها قد أبرمت بناء على خمالفة
ألحكام القوانني أو جيري تنفيذها باملخالفة للعقد املربم ،وذلك بالتنسيق مع اجلهات املختصة.
هو القطاع املعين بتلقي البالغات بشبهات الفساد والتقارير والشكاوى واملعلومات خبصوص جرائم
الفساد املقدمة إليها والتحري عنها ودراستها ويف حال التأكد من أنها تشكل شبهة جرمية يتم
إحالتها إىل جهة التحقيق املختصة.
كما خيتص القطاع حبماية املبلغني عن الفساد وذلك بالتنسيق مع اجلهات املختصة ،وإبالغ
اجلهات املختصة الختاذ اإلجراءات القانونية الالزمة لفسخ أي عقد تكون الدولة طرفاً فيه أو
سحب امتياز أو غري ذلك من االرتباطات إذا تبني أنها قد أبرمت بنا ًء على خمالفة ألحكام القوانني
وجيري تنفيذها باملخالفة للعقد املربم وذلك بالتنسيق مع اجلهات املختصة.
كما يتوىل القطاع متابعة اإلجراءات والتدابري اليت تتوالها اجلهات املختصة السرتداد األموال
والعائدات الناجتة عن جرائم الفساد ،وطلب التحري من اجلهات املختصة عن وقائع الفساد
املالي واإلداري والكشف عن املخالفات والتجاوزات ومجع األدلة املتعلقة بها مع إحالة الوقائع اليت
تتضمن شبهة جرمية جزائية إىل جهة التحقيق املختصة مع إرفاق كافة املستندات والطلب من
اجلهات املختصة إقامة الدعاوي اإلدارية واملدنية الالزمة.
أكتوبر31 – اتفاقية مكافحة الفساد من قبل اجلمعية العامة لألمم املتحدة يف
أكتوبر31 )من قبل اجلمعية العامة لألمم املتحدة يف4/
الفساد مكافحة
58 ( قرار 2003 ̛
اتفاقية
من قبل
4/58 من قبل قرار2003
-- Juan,
Juan, Y.
Y. (2014).
(2014). "The
"The Rationale for Fighting Corruption". Paris, France:
CleanGovBiz
CleanGovBiz Initiative
Initiative Organization for Economic Co-Operation and
Development
Development
-- Martin,
Martin, R.
R. (2010).
(2010). "World Bank’s $1.25/day poverty measure- countering the
latest
latest criticisms".
criticisms". Washington, DC: World Bank. Retrieved August 6, 2017,
http://econ.worldbank.org
http://econ.worldbank.org
-- United
United Nations,
Nations, Treat Series, vol.2349, P.4; Doc. A/58/422.
https://treaties.un.org/Pages/ViewDetails.aspx?src=IND&mtdsg_no=XVIII-
https://treaties.un.org/Pages/ViewDetails.aspx?src=IND&mtdsg_no=XVIII-
14&chapter=18&lang=en
14&chapter=18&lang=en
118
@nazaha_gov_kw www.nazaha.gov.kw