Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 12

‫‪:‬توطئة‬

‫يتميز اإلنسان األمازيغي عن باقي األجناس األخرى بظاهرة الوشم‪ ،‬وهي ظاهرة اجتماعية ونفسية‬
‫وأنتروبولوجية وحضارية وثقافية ووجودية وهوياتية‪ .‬إذ يعتبر الوشم ميسما سيميوطيقيا وأيقونيا يميز‬
‫اإلنسان األمازيغي عن باقي الشعوب األخرى‪ .‬فالوشم عبارة عن وثيقة مكتوبة ومدونة وشهادة حقيقية‬
‫وصادقة عن مسار اإلنسان األمازيغي وهويته وكينونته وإنسيته ووجوده الحضاري‪ ،‬في منطقة تامازغا‬
‫‪.‬الكبرى أو في منطقة شمال أفريقيا‬
‫إلى جانب ذلك‪ ،‬يعبر الوشم ‪ -‬ثقافيا وفلسفيا‪ -‬عن رغبة التخلص من سلطة الدليل الصوتي وسيادة المركز‬
‫باستبدالهما بسلطة الكتابة التي تعني التحرر الوجودي‪ ،‬وإثبات الذات‪ ،‬واالنتماء الهوياتي‪ ،‬والرفض‬
‫‪.‬المطلق للتهميش والتغريب واإلقصاء والنظرة الدونية‬

‫وهكذا‪ ،‬يبدو لنا بأن المجتمع األمازيغي مجتمع موشوم وموجود بوشمه‪ ،‬على الرغم من موقف النص‬
‫الديني الرافض للوشم‪ .‬واليوم‪ ،‬أضحى الوشم عالمة سيميوطيقية وثقافية دالة على الهوية والنضال‬
‫والتحرر ‪ ،‬ورفض مطلق لسياسة التهميش القائمة على االنتقاء اللغوي‪ ،‬واالصطفاء االجتماعي الطبقي‪،‬‬
‫‪.‬والنظرة االحتقارية إلى اآلخر المخالف‬
‫ومن هنا‪ ،‬يتوقف موضوعنا هذا عند ظاهرة الوشم بالتعريف لغة واصطالحا‪ ،‬مع رصد بنية الوشم‬
‫ومواقعه وأدواته ‪ ،‬واستجالء دالالته المختلفة‪ ،‬واستكشاف مختلف تجلياته ووظائفه ومقاصده المباشرة‬
‫‪.‬وغير المباشرة‬
‫‪:‬مفهوم الوشم‬
‫يعرف الوشم ‪ -‬في اللغة‪ -‬بالعالمة أوالرسم أوالوسم فوق طرف من أطراف جسم اإلنسان‪ ،‬كأن يكون كتفا‬
‫أو ذراعا أو يدا أو ذقنا أو جبهة‪ ،‬باعتماد آلة حادة‪ ،‬أو إبرة واخزة‪ ،‬أو حناء ملونة‪ .‬أما جمع كلمة وشم‪،‬‬
‫فوشوم ووشام‪ .‬وغالبا‪ ،‬ما يكون الوشم للتزيين والتنميق والتحبير والتجميل‪ .‬وفي هذا‪ ،‬يقول ابن منظور‬
‫في معجمه (لسان العرب)‪ ":‬وشم ‪ :‬ابن شميل‪ :‬الوسوم والوشوم العالمات ‪ .‬ابن سيده ‪ :‬الوشم ما تجعله‬
‫المرأة على ذراعها باإلبرة ثم تحشوه بالنئور ‪ ،‬وهو دخان الشحم ‪ ،‬والجمع وشوم ووشام‪ ...‬والبرشم‬
‫البرقع ‪ .‬ووشم اليد وشما ‪ :‬غرزها بإبرة ثم ذر عليها النئور ‪ ،‬وهو النيلج ‪ .‬واألشم أيضا ‪ :‬الوشم ‪.‬‬
‫واستوشمه ‪ :‬سأله أن يشمه ‪ .‬واستوشمت المرأة ‪ :‬أرادت الوشم أو طلبته ‪ .‬وفي الحديث‪ :‬لعنت الواشمة‬
‫والمستوشمة ‪ ،‬وبعضهم يرويه ‪ :‬الموتشمة ‪ ،‬قال أبو عبيد ‪ :‬الوشم في اليد وذلك أن المرأة كانت تغرز‬
‫ظهر كفها ومعصمها بإبرة أو بمسلة حتى تؤثر فيه ثم تحشوه بالكحل أو النيل أو بالنئور ‪ ،‬والنئور دخان‬
‫الشحم ‪ ،‬فيزرق أثره أو يخضر ‪ .‬وفي حديث أبي بكر لما استخلف عمر ‪ -‬رضي هللا عنهما ‪ :‬أشرف من‬
‫كنيف ‪ ،‬وأسماء بنت عميس موشومة اليد ممسكته أي منقوشة اليد بالحناء ‪ .‬ابن شميل ‪ :‬يقال فالن أعظم‬
‫في نفسه من المتشمة ‪ ،‬وهذا مثل ‪ ،‬والمتشمة ‪ :‬امرأة وشمت استها ليكون أحسن لها ‪ .‬وقال الباهلي ‪ :‬في‬
‫أمثالهم لهو أخيل في نفسه من الواشمة ‪ .‬قال أبو منصور‪ :‬والمتشمة في األصل موتشمة‪ ،‬وهو مثل‬
‫‪...‬المتصل‪ ،‬أصله موتصل ‪ .‬ووشوم الظبية والمهاة ‪ :‬خطوط في الذراعين‬
‫وفي الحديث ‪ :‬أن داود ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬وشم خطيئته في كفه فما رفع إلى فيه طعاما وال شرابا حتى بشره‬
‫بدموعه ؛ معناه نقشها في كفه نقش الوشم‪ .‬والوشم ‪ :‬الشيء تراه من النبات في أول ما ينبت ‪ .‬وأوشمت‬
‫‪...‬األرض إذا رأيت فيها شيئا من النبات ‪ .‬وأوشمت السماء ‪ :‬بدا منها برق‬

‫ومنه قيل ‪ :‬أوشم النبت إذا أبصرت أوله ‪ .‬وأوشم البرق ‪ :‬لمع لمعا خفيفا ؛ قال أبو زيد ‪ :‬هو أول البرق‬
‫‪...‬حين يبرق‬
‫‪...‬وقال الليث ‪ :‬أوشمت األرض إذا ظهر شيء من نباتها ‪ ،‬وأوشم فالن في ذلك األمر إيشاما إذا نظر فيه‬
‫وأوشمت المرأة ‪ :‬بدأ ثديها ينتأ كما يوشم البرق ‪ .‬وأوشم فيه الشيب ‪ :‬كثر وانتشر ؛ عن ابن األعرابي ‪.‬‬
‫وأوشم الكرم ‪ :‬ابتدأ يلون عن أبي حنيفة ‪ .‬وقال مرة ‪ :‬أوشم تم نضجه ‪ .‬وأوشمت األعناب إذا النت‬
‫وطابت‪...‬وذكر ابن األثير في ترجمة لثه في حديث ابن عمر قال ‪ :‬لعن الواشمة ؛ قال نافع الوشم في‬
‫اللثة ‪ ،‬اللثة ‪ ،‬بالكسر والتخفيف ‪ ،‬عمور األسنان وهو مغارزها‪ ،‬والمعروف اآلن في الوشم أنه على الجلد‬
‫"‪.‬والشفاه‪2‬‬

‫ويفهم‪ ،‬مما سبق‪ ،‬بأن الوشم عبارة عن عالمة سيميوطيقية أو أيقونية يضعها اإلنسان على أطراف‬
‫جسمه‪ ،‬كأن يكون فوق شعره إلزالة الشيب‪ ،‬أو في وجهه إلخفاء تجاعيد الزمان وندوبه‪ ،‬أو فوق كتفه‪ ،‬أو‬
‫في ذراعه‪ ،‬أو في يده كفا ومعصما‪ ،‬أو في أطرافه السفلى‪ ،‬مثل ‪ :‬الفخذ‪ ،‬واإلست ‪ ،‬والفرج ‪ ،‬والرجلين‪...‬‬
‫وينقش ذلك كله باإلبرة أو بآلة حادة ‪ ،‬ثم يمأل الوشم بالحناء أو الكحل أو النيل أوالنئور أو مايسمى كذلك‬
‫‪.‬بدخان الشحم‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬يتخذ أثر الوشم في الجسم لونا أزرق أو أخضر‬
‫ومن هنا‪ ،‬فالوشم عملية دقيقة جدا‪ ،‬تتميز بقواعدها وشروطها وطقوسها الخاصة‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فالوشم عبارة‬
‫‪.‬عن فصد واختراق للجلد شقا وكيا واحتراقا وتشطيبا وتطهيرا وخدشا‬

‫وعليه‪ ،‬فالوشم عبارة عن رسم تزييني أو رمزي ‪ ،‬يكون الهدف منه هو تحبير الجسد و تنميق جلده‪ .‬ومن‬
‫قبل‪ ،‬كان ينقش بالحبر الصيني أو بمواد فحمية أو شحمية‪ ،‬أو بمادة الحناء‪ .‬واليوم‪ ،‬تستخدم مجموعة من‬
‫األدوات الصناعية والكهربائية المتطورة في مجال النقش والوشم والكي والفصد والنقش‪ ،‬مع استعمال‬
‫‪.‬الليزر واإلبر الحادة الواخزة‬
‫)‪(Ta‬و ‪ (tatahou).‬أو )‪ (tatou‬على الوشم‪ ،‬وهو اسم بولينيزي مشتق من )‪ (Tatouage‬وتطلق كلمة‬
‫وتحولت‪ ،‬في اللغة ‪ (Tatow)،‬للمرة األولى على شكل )‪(Cook‬معناها الرسم‪ .‬و قد قيده المالح كوك‬
‫)‪/Thigaaz‬ثي?از‪(X‬وهي فعل‪ .3‬في حين‪ ،‬يسمى الوشم في اللغة األمازيغية ب ‪ (Tatoo) ،‬اإلنجليزية‪ ،‬إلى‬
‫‪.‬والسيما اللهجة الريفية منها ‪،‬‬
‫‪:‬الوشم ظاهرة أمازيغية بامتياز‬
‫عرفت مجموعة من الشعوب اإلنسانية ظاهرة الوشم الجسدي‪ ،‬قبل أن ينتقل إلى شعوب حوض البحر‬
‫األبيض المتوسط‪ ،‬فقد ارتبطت بمجموعة من العقائد والعبادات والديانات القديمة‪ .‬وكان الوشم معروفا لدى‬
‫الصينيين‪ ،‬واليابانيين‪ ،‬والهنود‪ ،‬واألفارقة‪ ،‬والسومريين‪ ،‬واآلشوريين‪ ،‬واألكاديين‪ ،‬والبابليين‪،‬‬
‫والكلدانيين‪ ،‬والفرس‪ ،‬و الفراعنة المصريين‪ ،‬واليونانيين‪ ،‬والرومان‪...‬ويعني هذا أن الوشم " ظاهرة‬
‫قديمة في المجتمعات البشرية ‪ .‬فقد عرف منذ قديم الزمان في مصر‪ ،‬حيث وجد على بعض الموميات‬
‫المصرية‪ .‬كما استخدمه المصريون القدماء كعالج ظنا منهم أنه يبعد الحسد‪ .‬فيما اتخذته بعض الشعوب‬
‫كقربان لفداء النفس أمام اآللهة‪.‬كما كان الوشم تعويذة ضد األرواح الشريرة‪ ،‬ووقاية من أضرار‪ X‬السحر؛‬
‫فقد عثر على جثث تعود إلى العصر الحجري الحديث‪ ،‬والتي تثبت الممارسات القديمة للوشم‪.‬كما استخدم‬
‫الوشم لتحديد االنتماء القبلي‪ ،‬وتمييز مجموعة بشرية معينة من غيرها‪.‬ويتضمن الوشم استعمال أدوات‬
‫حادة ومواد كيميائية ملونة يتم إدخالها إلى الطبقة الجلدية العميقة مما يضمن بقاءها الطويل‪4".‬‬
‫أضف إلى ذلك‪ ،‬فقد " كان الوشم في فجر التاريخ ذا طابع بدائي قبلي‪ ،‬حيث كانت القبائل تتخذ من بعض‬
‫الحيوانات حاميا وصديقا وأمانا لها‪ ،‬فتجعل من رأسه طوطما تحتفل به‪ ،‬وتصنعه شارة على بيوتها أو‬
‫" سيوفها أو وشما على صدور رجالها‪.‬ويظل هذا الحيوان رمزا محترما لدى هذه الشعوب وأجيالها‪5.‬‬

‫وقد عرف المجتمع األمازيغي هذا الوشم كذلك‪ ،‬وخاصة الذين كانوا يقطنون تمازغا من مصر شرقا إلى‬
‫المحيط األطلسي غربا‪ ،‬ومن األندلس شماال إلى ماوراء الصحراء الكبرى‪ ‬جنوبا‪ .‬وقد يكون األمازيغ‬
‫متأثرين في ذلك بالرومان‪ .‬كما يذهب إلى ذلك الباحث‪ ‬العراقي‪ ‬ليث الخفاف في مقاله(الوشم ووحدة‬
‫الفلكلور العربي)‪ ":‬إن البربر استمدوا العناصر الزخرفية للمصنوعات الفخارية والجلدية والفضية من‬
‫الوشم نفسه‪ ،‬والتزال قبائل البربر تستخدم بعض الكتابات والرموز الزخرفية في تزيين بيوتها‬
‫القديمة‪.‬ولهذا‪ ،‬نرى أن المرأة البربرية التزال تحمل في بعض المناطق الظاهرة من جسدها وشما يمثل أحد‬
‫حروف اللغة البربرية‪ .‬كما أن ظاهرة الوشم انتشرت في شمال أفريقيا إبان الديانة المسيحية‪.‬أي‪ :‬قبل‬
‫دخول اإلسالم نظرا للتأثير المباشر الذي كانت تمارسه اإلمبراطورية الرومانية آنذاك‪ ،‬كما أن الوشم عرف‬
‫في جميع الثقافات اآلدمية ‪ ،‬وارتبط بها كتعبير جسدي‪ ،‬له مدلوالت تختلف من ثقافة إلى أخرى‪6".‬‬
‫وربما قد يكون هذا الوشم نتاجا للتأثر بالديانة المسيحية كما قال بلقاسم الجطاري في مقاله القيم ( الوشم‬
‫كظاهرة سيميويطقية في الثقافة األأمازيغية)‪ ":‬وقد ظهر الوشم قديما في دول شمال أفريقيا‪ ،‬فحتى القرن‬
‫السابع الميالدي‪ ،‬كانت تسكن المغرب العربي قبائل أمازيغية تدين لبعضها بالديانة المسيحية نظرا للتأثير‬
‫المباشر الذي كانت تمارسه اإلمبراطورية الرومانية‪.‬ويظهر نقش الصليب موشوما على جباه النساء‪ ،‬وإن‬
‫كنا نرجح الداللة الرمزية لهذا الوشم تعود أساسا لحرف التاء باللغة األمازيغية‪7".‬‬
‫وربما كان ذلك نتاجا للتأثر بالديانة اليهودية‪ ،‬فقد كان اليهود يشمون أطفالهم ويسمونهم بعالمة الصليب‪،‬‬
‫‪.‬وقد كانت هذه العادة معروفة عند المسلمين في‪ ‬جنوب‪ ‬وهران‪ ‬بالجزائر‪8‬‬

‫بيد أن هذا الوشم قد تقلص بعد الفتوحات اإلسالمية؛ ألن اإلسالم لعن الواشمات والمستوشمات‪ .‬بيد أن‬
‫ظاهرة الوشم قد عادت إلى الشعوب اإلسالمية مرة أخرى‪ ،‬لتصبح موضة حضارية وثقافية جديدة‪ ،‬يتهافت‬
‫عليها الشبان المسلمون المستلبون من كل حدب وصوب‪ ،‬بعد انتشارها الكبير في المجتمعات الغربية‬
‫المعاصرة‪ ،‬حيث أضحت فلسفة للتعبير عن روح هذا العصر المادي المغترب ‪ ،‬ورغبة في تجسيد آثار‬
‫العولمة الماسخة لكل شيء‪ .‬كما يعبر الوشم‪ ،‬عند الجيل المعاصر‪ ،‬عن ثقافة الحرية واالستقاللية والثورة‬
‫‪.‬والرفض والتمرد والتميز واإلثارة‬
‫وإذا كان الوشم ظاهرة عالمية‪ ،‬عرفت منذ ماليين السنين‪ ،‬فإنها ظاهرة أمازيغية بامتياز‪ ،‬فقلما نجد امرأة‬
‫أمازيغية بدون وشم ‪ ،‬والسيما في البوادي‪ .‬وحاليا‪ ،‬تزايدت مالمحه الهوياتية واألنتروبولوجية‬
‫‪.‬والحضارية والثقافية والنضالية بين الشباب بشكل الفت لالنتباه‬
‫ويتضح‪ ،‬مما سبق ذكره‪ ،‬بأن اإلنسان األمازيغي قد عرف الوشم ‪ ،‬كما عرفته الشعوب السابقة‪ ،‬بل إن "‬
‫الوشم سبق المالبس إلى الوجود‪ .‬فاإلنسان األول أو اإلنسان في أولى مدارج حياته وهو ما نطلق عليه "‬
‫اسم البدائي" قد عني بزخرفة جسمه بطرق مختلفة ‪ ،‬هذه الطرق يبدو أنها مازالت جميعها استخدمت من‬
‫طرف المجتمع األمازيغي ‪ ،‬ومنها تخصيب المرأة األمازيغية جلدها بالصبغات واأللوان من خالل وخزات‬
‫اإلبر‪ ،‬وهو ما يسمى بالوشم الذي مازال يمارس حتى اآلن في بعض المناطق الريفية‪9".‬‬
‫وعليه‪ ،‬يمكن القول بأن الوشم عالمة سيميائية أمازيغية بامتياز‪ ،‬وظاهرة أنتروبولوجية ثقافية وحضارية‬
‫ووجودية ارتبطت باإلنسان األمازيغي القديم‪ ،‬والسيما اإلنسان الفرعوني النوبي‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬انتقل الوشم‬
‫إلى الشعوب اآلخرى المجاورة أو البعيدة‪ ،‬إما عن طريق االحتكاك التجاري والثقافي ‪ ،‬وإما عبر فعل‬
‫‪.‬الهجرة الطوعية أو القسرية‬
‫‪:‬أنواع الوشم‬
‫يمكن الحديث عن مجموعة من أنواع الوشم في الثقافة األمازيغية‪ .‬فهناك وشم الشعر‪ ،‬ووشم الجبهة‪،‬‬
‫ووشم الوجه‪ ،‬ووشم البطن‪ ،‬ووشم النهدين‪ ،‬ووشم الظهر‪ ،‬ووشم الفخذ‪ ،‬ووشم األرداف‪ X،‬ووشم الفرج‪،‬‬
‫‪.‬ووشم الساقين‪ ،‬ووشم الرجلين معا‬
‫وقد اتخذ الوشم عدة أشكال هندسية وعالمات سيميوطيقية ورموز دالة‪.‬فهناك‪ :‬النقطة أو سلسلة من‬
‫النقط‪ ،‬والخط المستقيم‪ ،‬وما يتفرع عنه من زخارف بسيطة ومركبة ومعقدة‪ ،‬والزخارف الصليبية الشكل‪،‬‬
‫واألشكال الدائرية‪ ،‬والمنحنيات المتماثلة وغير ‪ (V)،‬والزخارف النجمية الشكل‪ ،‬وزخارف على شكل‬
‫المتماثلة‪ ،‬والخطوط المتوازية‪ ،‬والخطوط الملتوية‪ ،‬والخطوط المائلة والمنحنية والمنحرفة‪ ،‬والخطوط‬
‫المتشابكة‪ ،‬والخطوط المتداخلة والمتقاطعة‪ ،‬والمثلثات‪ ،‬والمربعات‪ ،‬والمستطيالت‪ ،‬والمعينات‪ ،‬والدوائر ‪،‬‬
‫وحروف تيفيناغ‪ ،‬وعالمات زائد‪ ،‬واألشكال المنغلقة والمنفتحة‪ ،‬و الشارات العسكرية‪ ،‬و الزوايا‬
‫المتعارضة أو القائمة أو المتوازية‪ ،‬واألشكال النباتية والحيوانية والطبيعية‪ ،‬والمشبكات‪ ،‬واألشكال‬
‫‪...‬الخماسية‪ ،‬والتيجان‬
‫‪:‬مواقع الوشم‬
‫تقع وشوم اإلنسان األمازيغي‪ ،‬وخاصة وشوم المرأة ‪ ،‬في مختلف مناطق الجسد‪ ،‬مثل‪ :‬الشعر‪ ،‬والرأس‪،‬‬
‫والجبهة‪ ،‬وما بين الحاجبين‪ ،‬والخد‪ ،‬والذقن‪ ،‬والوجه في مختلف مناطقه الحساسة‪ ،‬والكتف‪ ،‬والذراع‪،‬‬
‫واليد كفا ومعصما‪ ،‬والصدر‪ ،‬والنهدين‪ ،‬والبطن‪ ،‬والظهر‪ ،‬والفخذ‪ ،‬واألرداف‪ ،‬والفرج‪ ،‬والمؤخرة‪،‬‬
‫‪.‬والركبة‪ ،‬والقدم‪ ،‬والساقين‪ ،‬والرجلين‬
‫وإذا كان الرجل يشم كتفه وعضده ويده‪ ،‬فإن المرأة تشم سائر جسدها‪ ،‬والسيما ما تقدم منه‪ ،‬كأن تشم‬
‫‪.‬وجهها إلى غاية نهديها‪ ،‬وهذا يحمل في طياته طابعا شهوانيا وشبقيا وجنسيا‬
‫‪:‬تقنيات الوشم‬
‫استعمل اإلنسان الواشم مجموعة من التقنيات لوسم جسده‪ ،‬مثل‪ :‬العظام‪ ،‬والعصي‪ ،‬والحديد المتقدة‪،‬‬
‫وأسنان المشط‪ ،‬واألدوات الحادة‪ ،‬واإلبر الواخزة‪ ،‬والحبر بكل أنواعه وألوانه‪ ،‬والحناء بكل أنواعها‪،‬‬
‫والمساحيق الملونة‪ ،‬والمشارط‪ ،‬والسكاكين الحادة‪ ،‬والرؤوس الخشبية‪ ،‬وأدوات الكي والخدش‪ ،‬والشوكة‪،‬‬
‫والنباتات الطبيعة‪ ...‬واليوم‪ ،‬تستعمل أدوات صناعية وكهربائية متطورة في وشم الجسد‪ ،‬مع استخدام‬
‫‪...‬اآلالت واإلبر الحديدية الحادة المعاصرة‪ ،‬مع االستعانة بأشعة اللييزر‬
‫أما المواد الموظفة في ملء ثقوب الوشم‪ ،‬فهناك الكحل‪ ،‬والنؤور أو ما يسمى بدخان الشحم‪ ،‬واألعشاب‬
‫العطرة‪ ،‬والفحم األسود‪ ،‬والتوابل ‪ ،‬أو النيل‪ ،‬وبقايا احتراق السخام‪ ،‬والحرقوص‪ ،‬والملح‪ ،‬والثوم‪،‬‬
‫والقرنفل‪ ،‬ومواد كيماوية وطبيعية مختلفة‪ ...‬وغالبا‪ ،‬ماينصب الوشم على رسم أشكال نباتية‪ ،‬ومخلوقات‬
‫حيوانية‪ ،‬وكائنات بشرية وجنية‪ ،‬وزواحف‪ ،‬وأشكال طبيعية‪ ،‬وأشكال هندسية‪ ،‬وشارات عسكرية‪ ،‬وأشياء‬
‫‪...‬جامدة‪ ،‬وحروف تيفيناغ‪ ،‬وألوان مختلفة‪ ،‬ومعطيات تشكيلية‬
‫‪:‬فترات الوشم‬
‫يوضع الوشم عند األمازيغ إبان حفالت األعراس‪ ،‬وعند كل والدة طفل‪ ،‬وعند االستعداد للزواج‪ ،‬وعندما‬
‫تكون األنثى راشدة ‪ ،‬وعندما يحس اإلنسان بآالم حادة ‪ ،‬وعندما تريد المرأة أن تتزين وتتجمل لزوجها‪.‬‬
‫وفي هذا الصدد‪ ،‬يقول بلقاسم الجطاري‪ ":‬عرف الوشم في بعض المناطق باألطلس لدى الفتيات الشابات‪،‬‬
‫حين يقوم اآلباء بتنظيم حفلة ألفراد العائلة تشارك فيها أيضا صديقات العروس‪ ،‬فيجلبن إبر الوشم وبعض‬
‫المساحيق الملونة‪ ،‬ويبدأن بنقش رسوم أولية تعكس بعض المظاهر الطبيعية على وجه الفتاة بطرق فنية‬
‫وجمالية‪ .‬وبعدئذ‪ ،‬يأتي دور المتخصصة بالوشم لتنقش هذه الرسوم باإلبر الخاصة‪10".‬‬
‫ويضيف الباحث قائال‪ ":‬وتقوم بعض القبائل في منطقة الريف بوشم جباهها وخدودها‪ ،‬كأن تنقش النساء‬
‫خطا على جبين كل مولود (بوتقومومت)‪.‬وفي بعض القبائل بسوس‪ ،‬وخالل االحتفال ببلوغ الفتاة سن‬
‫الرشد‪ ،‬بعد أول حيض لها‪ ،‬تستخدم الكبيرات من نساء القبيلة المشارط لعمل خطوط معينة تحت الشفة‬
‫السفلى‪ ،‬إال أن وشم النساء لدى معظم القبائل ‪ ،‬يبقى في الغالب عالمة من عالمات التعبير عن الذات‪،‬‬
‫وكثيرا ما يأتي استجابة لطلب الرجل الذي يرى فيه إقرارا بامتالكه التام لزوجته‪ ،‬فجسم المرأة ليس ملكا‬
‫لها‪ ،‬بل لزوجها‪ ،‬فله الحق في وضع خاتم ملكيته عليه‪ ،‬كما هو الشأن في النقطة الحمراء التي يضعها‬
‫نساء الهنود على جباههن‪11".‬‬

‫‪...‬وبعد ذلك‪ ،‬يستمر الوشم يوما أو يومين أو مدة الحفل أو مدة الموسم أو مدة النزوة والشهوة واللذة‬
‫‪:‬وظائف الوشم‬
‫للوشم ‪ ،‬في الثقافة األمازيغية‪ ،‬وظائف عدة‪" ،‬حيث ربط األمازيغ الوشم بطقوسهم العقائدية‪ ،‬فلم يكن‬
‫الوشم وصمة عار مشينة‪ ،‬بل كان يسعى لتحقيق أغراض جمالية وأعمال سحرية أو طبية أو حتى‬
‫جغرافية"‪ . 12‬ومن ثم‪ ،‬يمكن رصد مجموعة من الوظائف التي يؤديها الوشم في الثقافة األمازيغية‪،‬‬
‫‪:‬ويمكن حصرها فيما يلي‬
‫‪:‬الوظيفة الجمالية‬
‫يتخذ الوشم‪ ،‬في الغالب‪ ،‬بعد جماليا وإستيتيقيا‪ ،‬إذ يضفي الوشم على المرأة سمة الحسن والبهاء والجمال‪.‬‬
‫لذلك‪ ،‬تضعه األنثى في مختلف أطراف جسمها‪ ،‬وخاصة جهة الوجه‪ ،‬وبالضبط حينما تنقشه في الذقن‪،‬‬
‫والجبهة‪ ،‬واألنف‪ ،‬والخد‪ .‬والغرض من ذلك هو جذب اآلخرين‪ ،‬و إثارة إعجابهم ‪ ،‬كما هو حال كثير من‬
‫األمازيغيات في األطلس الكبير والمتوسط والصغير‪ ،‬وجبال الريف‪ ،‬وفي منطقة الطوارق‪ ،‬وفي كثير من‬
‫مناطف تامازغا‪ .‬بمعنى أن الوشم " نوع من الماكياج يستعمل عموما عند النساء من أجل التجميل‪ ،‬وإثارة‬
‫"‪.‬اإلعجاب‪ ،‬فيستحيل الجسد كصفحة للقراءة‪ ،‬أو كنص يصبح الوشم فيه كخطاب‪13‬‬
‫كما يحتل الوشم منزلة وسطى بين اللباس والعري‪.‬أي‪ :‬إن الوشم هو اللباس الثالث للجسم المكسو باللباس‬
‫والجسم العاري معا‪ . 14‬وأكثر من هذا يتحول الجسم‪ ،‬عبر فعل الوشم‪ ،‬إلى لوحة تشكيلية جميلة‪ ،‬حبلى‬
‫باألشكال والخطوط واأللوان الزاهية والالمعة والمثيرة‪ .‬وفي هذا الصدد‪ ،‬يقول الرسام الدنماركي (هاين‬
‫فرينكل) قائال‪" :‬أحيانا كثيرة تجدهن [ األمازيغيات] في الحقول أو المسالك الوعرة بالجبال يرددن صيحات‬
‫غنائية اليضاهيها من الحدة والجمال سوى مرآى تلك األشكال المرسومة بعناية فائقة على خدودهن أو‬
‫ذقونهن أو جباههن وأحيانا أعناقهن وأيديهن‪ ،‬نساء تتوحد فيهن أسطورية الرمز والرسومات المفعمة‬
‫خضرة وزرقة‪ ،‬مع أسطورية الوجوه ومكامن جمال يصر على تحدي قسوة الطبيعة وصعوبة ظروف‬
‫العيش ومشاق التحمالت اليومية ‪ ..‬جمال تتوحد فيه الحقيقة بالخيال‪ ..‬الطبيعة باإلنسان‪ ..‬واأللوان‬
‫"بالمالمح‪ ..‬الصور باألصوات‪ ..‬الغناء بالرسم على الجسد‪15...‬‬
‫ويعني هذا أن الوشم كان المظهر الحقيقي لجمال المرأة األمازيغية‪ ،‬وتعبيرا حقيقيا عن مدى حسنها األخاذ‬
‫‪.‬الذي كان يثير إعجاب اآلخرين افتتانا وشهوة ولذة‬
‫‪:‬وظيفة التطهير‬
‫يترتبط الوشم بوظيفة التطهير‪.‬أي‪ :‬تطهير النفس اإلنسانية من الشرور واآلثام ‪ ،‬وتنقيتها من الشوائب‬
‫والذنوب والكبائر الدنية‪ ،‬بإثارة الخوف والشفقة والتوبة والرغبة في االستغفار‪...‬أي‪ :‬إن الوشم بمعنى‬
‫الخدش واالختراق للجلد رغبة في تشطيبه وتنقيته وتحليته وشقه لوسمه ووشمه‪ ،‬وفق مجموعة من‬
‫القواعد الطقوسية والقواعد االحتفالية‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬فإن الوشم عبارة عن تضحية قربانية ووفاء‬
‫وإخالص وصدق وفداء من أجل نيل الرضا الروحاني‪ .‬وبالتالي‪ ،‬الحصول على القداسة الميتافيزيقية‪،‬‬
‫والوصول إلى التعالي المثالي‪ .‬بمعنى أن صفد الجسم وخدشه بوشم ما يعني ذلك تطهير للذات المستوشمة‬
‫‪ ،‬وتعذيب مازوشي لها ‪ ،‬وتحلية لها قصد تحقيق الصفاء الروحاني والوصال العرفاني والماورائي‪ .‬كما‬
‫‪.‬يعبر الوشم عن جسر وسيط بين المادة والروح‪ ،‬بين الجسد والمقدس األخروي أو الميتافيزيقي‬
‫‪:‬الوظيفة العالجية‬
‫للوشم وظيفة عالجية سامية‪ ،‬إذ يعتقد األمازيغ أنه يحمي اإلنسان من األمراض العضوية والنفسية ‪،‬‬
‫ويقيه من أخطار األوبئة الحادة والطبيعة التي تثور من حين آلخر‪ " .‬فالمرأة [األمازيغية] الريفية ‪ -‬على‬
‫سبيل المثال‪ -‬كانت تستخدم الوشم في أسفل الوجه أو تحت الشفة السفلى‪ ،‬وأحيانا على ظهر اليد والرسخ‬
‫واألصابع‪ .‬أما الرجل فكان يكتفي بوشم صورة لطائر ما يعتقد أنه الهدهد على الصدغ لحماية الرأس من‬
‫اآلالم والصداع‪ ،‬واقتصر الوشم عند البعض من القبائل الريفية عادة على نقطة واحدة بسيطة فوق الذقن‪،‬‬
‫وأخرى على الجانب األيمن من األنف للحماية من آالم األسنان‪ ،‬وأخرى في بداية الجفن للحماية من‬
‫أمراض‪ X‬العين‪16".‬‬
‫ويعني هذا أن الوشم كان يستعمل عند اإلنسان األمازيغي لوظيفة طبية وعالجية‪ ،‬باعتباره أداة لحماية‬
‫‪.‬اإلنسان من أمراض‪ X‬الرأس وآالم األسنان‪ ،‬ومن كل األمراض العضوية والنفسية والعصبية‬
‫‪:‬الوظيفة السحرية‬
‫اقترن الوشم عند األمازيغ بالوظيفة السحرية‪ ،‬فقد كان الوشم يقي األطفال من األعين ‪ ،‬ويحمي المجتمع‬
‫من األعداء المرتقبين ‪ ،‬ويحصنهم من األرواح الشريرة‪ .‬كأن الوشم بمثابة تواصل سيميائي بين الجسد‬
‫واألرواح الخفية‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فقد تحولت الوشوم إلى أشكال هندسية وعالمات سحرية تقي اإلنسان من شر‬
‫الطبيعة‪ ،‬وتحميه من حسد اإلنسان‪ ،‬وتجعله في منأى عن الفقر وصفعات القدر وتقلباته الخطيرة‪ .‬وتقيه‬
‫من عين اآلخر‪ ،‬وتحرسه من نظرة الرقيب ولفتته الحاقدة أو المنتقمة أو القاتلة‪ .‬كما كان الوشم أيضا‬
‫‪.‬رمزا للنجاح والنجاة‪ ،‬ويعد كذلك سبيال لتحقيق الثروة والغنى والرفاهية‬
‫وهكذان يتبين لنا بأن‪ " ،‬بعض القبائل األمازيغية [تستخدم] الوشم إلبطال األعمال السحرية أو ضد أعمال‬
‫الشر أو تميمة واقية من الحسد والعين‪ .‬والتزال هذه الممارسات سارية حتى اآلن في بعض المناطق‬
‫المغربية خاصة الجبلية ‪ ،‬حيث تقوم بعض القبائل في منطقة الريف بممارسة الوشم باللون األخضر‬
‫للتعبير عن السالم والسعادة واألمن‪ ،‬واللون األسود ضد العين والحسد‪ ،‬ويظهر دوره السحري عند بعض‬
‫األمازيغيين الذين يعتقدون أن الوشم فوق العين من شأنه تقوية البصر‪ ،‬وعلى جانبي الجبهة إلبعاد آالم‬
‫‪.‬الرأس"‪17‬‬

‫ومن ثم‪ ،‬فالوظيفة السحرية هي الوظيفة األكثر ارتباطا بالوشم‪ ،‬كما عند كثير من الشعوب البدائية‪،‬‬
‫والشعوب األفريقية‪ ،‬والشعوب األمازيغية‪ ،‬إذ يتحول الوشم إلى أداة سحرية لمواجهة القوى الغامضة‬
‫‪.‬والخفية‪ ،‬مع التحصين ضد الشرور الميتافيزيقية‬
‫‪:‬الوظيفة األنتروبولوجية‬
‫يعد الوشم ظاهرة أنتروبولوجية تعبر عن خصائص اإلنسان األمازيغي الحضارية والثقافية‪ ،‬وتلمح إلى‬
‫تواجده القديم فوق أرض تامازغا من خالل الطقوس التي يمارسها ‪ ،‬والعادات التي تعود عليها‪.‬بمعنى أن‬
‫الوشم طقس أنتروبولوجي تعرف إليه اإلنسان األمازيغي منذ العهود الغابرة‪ ،‬ومازال يمارسه بشكل يومي‪.‬‬
‫فضال عن ذلك‪ ،‬يعتبر الوشم عالمة سيميوطيقية رمزية تعبر عن هوية هذا اإلنسان وكينونته وإنسيته‬
‫وإثنيته العرقية والهوياتية‪ ،‬وتميزه بشكل جلي عن شعوب العالم‪ ،‬وتبين مدى اختالفه الشديد عنهم ‪ .‬كما‬
‫‪.‬يعبر الوشم عن انتقال من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الرشد‪ ،‬واالنتماء إلى الجماعة أو القبيلة‬
‫أضف إلى ذلك‪ ،‬فالوشم له وظيفة طوطمية وطقوسية مرتبطة بالحياة القبلية ‪ ،‬وله عالقة وثيقة بأنماط‬
‫تصرفاتها وقيمها العشائرية‪ .‬و" هكذا‪ ،‬نرى أن الحياة االجتماعية لدى المجتمعات األمازيغية لم تكن ممكنة‬
‫إال بفضل الرموز‪ .‬والطوطمية هي أحد أوجهها‪ ،‬وكان الوشم هو الطريقة المثلى من أجل إظهار الرمزية‬
‫الطوطمية ‪ ،‬فيعمد السكان بشكل جماعي‪ ،‬غالبا‪ ،‬إلى رسم الرموز على أجسادهم أو وشمها بغية تأكيد‬
‫انتمائهم لقبيلة ما أو مجتمع معين‪ .‬وهنا‪ ،‬يظهر الوشم كشكل من أشكال التعريف الذاتي لتأكيد‬
‫الهوية‪.‬فالوشم يعني لصاحبه تأكيد ذاته وإصراره على انتمائه لتقاليد قريته األزلية‪18".‬‬
‫وأكثر من هذا ‪ " ،‬فهذه الممارسات الوشمية محورها إخراج الدم من الجسد‪ ،‬فأفراد‪ X‬القبيلة يشعرون‬
‫براحة روحية حينما يشاهدون الدماء‪ ،‬والدم منذ القدم هو رمز الروح ‪ ،‬وهو أيضا رمز الطاقة الحيوية ‪،‬‬
‫هذه الطاقة التي يكتسبها البعض حينما يشربون دماء األضاحي التي يقدمونها أثناء طقوسهم االحتفالية "‪.‬‬
‫‪19‬‬
‫وقد ترمز آالم الوشوم ‪ -‬أنتروبولوجيا وثقافيا‪ -‬إلى الشجاعة والوفاء والتضحية واإلخالص‪ .‬وتعبر كذلك‬
‫‪ .‬عن الصدق في االنتماء إلى العرق والقبيلة والهوية‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يعبر الوشم عن ثقافة أنثوية بامتياز‪ ،‬ويدل كذلك على مكانة المرأة األمازيغية في مجتمع‬
‫‪.‬أموسي راق‪ ،‬يؤمن بسلطة المرأة وسيادتها في تدبير المجتمع بصفة عامة‪ ،‬وتدبير األسرة بصفة خاصة‬
‫إذاً‪ ،‬يعبر الوشم عن ثقافة طوطمية وطقوسية تنم عن دالالت الخصوبة والعطاء والرغبة في الزواج‪،‬‬
‫واالرتقاء من عالم الجسد نحو عالم الروح‪ .‬وفي هذا‪ ،‬تقول الباحثة المغربية فاطمة فائز‪ ":‬كان إنجاز‬
‫الوشم جزءا من طقوس الكهانة‪ ،‬تقوم به امرأة كاهنة‪ ،‬تكون قد خضعت لطقوس التكريس عند ضريح ولي‬
‫متخصص‪ ،‬حيث ترى في منامها هناك بأنها تستلم إبرة الوشم‪ .‬شأنها شأن الشاعر الذي يبدأ رحلة إبداعه‬
‫بالنوم إلى جوار ضريح أحد األولياء‪ ،‬كما أنها قد تستلهمه من إحدى الممارسات العريقات اللواتي يحول‬
‫سنهن المتقدم في الغالب‪ ،‬دون االستمرار بممارستها‪ ،‬فيبحثن عمن يكمل مسيرتهن‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فقد كان‬
‫الوشم أيضا ينجز في أجواء طقوسية مفحمة بالرموز والدالالت التي تكفل االتصال بعالم الماوراء‪ ،‬وكان‬
‫يقصد منها استجالب نعم اآللهة ورضاها واتقاء نقمها وغضبها‪ .‬ومن ثمة‪ ،‬كانت ممارسات الوشم‬
‫الطقوسية تبتغي طلب الزواج للعازبة‪ ،‬وطلب الخصوبة للعاقر‪ ،‬كما أنه عموما يرجى منه التحصن من‬
‫"العين الشريرة‪ ،‬ودرء كل األضرار‪ X‬الواقعة منها والمتوقعة‪20.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يتبين لنا بأن الوشم عبارة عن طقس أنتروبولوجي وطوطمي غني الدالالت‪ ،‬الغاية منه جلب‬
‫الخصوبة والعطف اإللهي‪ ،‬والتخلص من فترة العزوبة بغية االنتقال إلى فترة الزواج وبناء األسرة ‪،‬‬
‫‪.‬واالنصهار في المجتمع القبلي‬
‫‪:‬الوظيفة الهوياتية‬
‫أصبح الوشم عند اإلنسان األمازيغي عالمة سيميائية للهوية‪ ،‬ورمزا للكينونة واإلنسية البربرية األصيلة‪.‬‬
‫بمعنى أن الوشم مؤشر حضاري وثقافي على تواجد اإلنسان األمازيغي في الزمان والمكان‪.‬لذلك‪ ،‬تلح كثير‬
‫من الجمعيات األمازيغية على توظيف الوشم في كثير من التظاهرات الفنية واألدبية والثقافية‪ ،‬على أساس‬
‫أن الوشم هو ميسم اإلنسان األمازيغي‪ ،‬وعالمة سيميوطيقية دالة على أنتروبولوجية هذا اإلنسان‪،‬‬
‫واستمراره‪ X‬في العطاء والتواجد في منطقة تامازغا الكبرى‪ ،‬منذ عدة قرون خلت‪ .‬ويحيل الوشم على القولة‬
‫‪".‬التالية التي تشبه الكوجيطو الديكارتي‪ ":‬أنا موشوم ‪ .‬إذاً‪ ،‬فأنا موجود‬
‫ومن هنا‪ ،‬فالوشم أساس الهوية األمازيغية‪ ،‬وقاعدة الكينونة البربرية‪ .‬وفي هذا ‪ ،‬تقول فاطمة فائز‪":‬‬
‫الوشم يدخل ضمن آداب السلوك االجتماعي ‪ ،‬يرتبط بالجسد الموشوم وبحياته‪ ،‬ويموت بموته‪ ،‬كما يشكل‬
‫جسرا للربط بين ماهو روحي ومادي في الجسد ذاته‪ .‬وللوشم كذلك رمزية اجتماعية وسياسية قوية‪ ،‬فهو‬
‫يشكل أساس االنتماء االجتماعي وركيزة اإلحساس باالنتماء الموحد‪ ،‬والشعور بالهوية المشتركة والتي‬
‫ساهمت في ضمان حد كبير من التناغم بين كافة أطراف القبيلة‪ .‬كما أن الوشم يحيل على هوية واضعه‬
‫وانتمائه القبلي‪ ،‬شأنه في ذلك شأن الزخارف النسيجية المبثوثة بشكل خاص في رداء المرأة المعروف ب‬
‫( الحايك ‪ /‬تاحنديرت) عدا عن الزربية والحنبل التقليدييين‪ .‬وألن الوشم يكتسي بعدا إستيطيقيا‪ ،‬فهو يتغيى‬
‫إبراز مفاتن المرأة وأنوثتها‪ ،‬ويصير خطابا يستهدف اآلخر‪ ،‬ويوظف إليقاظ الشهوة فيه وإغرائه وإثارته‬
‫جنسيا"‪21.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬نستشف بأن الوشم عند األمازيغ يمثل الهوية الحقيقة الموروثة‪ ،‬ويعبر عن اإلنسية البربرية‬
‫‪.‬التليدة‪ .‬ويشكل كذلك أساس الوجود الكينوني لهذه الفئة السكانية التي تقطن شمال أفريقيا‬
‫‪:‬الوظيفة السادية أوالمازوشية‬
‫يتحول الوشم إلى ظاهرة نفسية مازوشية أو سادية مرتبطة بالعذاب واأللم والتلذذ بالقسوة؛ حيث يعذب‬
‫اإلنسان الواشم نفسه‪ ،‬ويعذب جسده باأللم والقروح والندوب والجروح المؤلمة‪ .‬فقد كانت العانسة‬
‫األمازيغية التي لم تتزوج تشم نفسها إلى درجة العذاب والقسوة والموت‪ ،‬فتستشعر ألمه وجروحه وأهاته‬
‫وأناته المأساوية بترنح سريالي ‪ ،‬وتأرجح بين الوعي والالوعي‪ ،‬كأنها تريد أن تضع حدا لحياتها اليائسة‪،‬‬
‫‪.‬بتعذيب جسدها‪ ،‬واالنتقام منه شر انتقام‬
‫هذا‪" ،‬وتقوم بعض القبائل بمنطقة سوس بوشم المرأة بعد فطام الطفل األول مباشرة‪ ،‬وهي أكثر عمليات‬
‫الوشم إيالما وطوال من ناحية الزمن‪ ،‬إذ تستغرق يومين‪ ،‬فالوشم يغطي خالل اليوم األول جميع مساحة‬
‫الرقبة حتى بداية منبت الشعر‪ ،‬بينما ترسم على الذراعين آالف الندب الصغيرة‪ .‬وفي اليوم الثاني‪ ،‬يأتي‬
‫دور الساقين‪ .‬وفي هذه العملية‪ ،‬تفقد المرأة كمية هائلة من الدم‪ ،‬حتى إنها تتعرض لفقدان وعيها‪ ،‬ولكن‬
‫لها في األخير بعض التعويضات‪ ،‬إذ تزداد إعجابا من طرف الرجال ‪ ،‬وتصبح من ذوات الحظ من بنات‬
‫القبيلة‪22".‬‬
‫ولم يقتصر هذا الوشم المؤلم على شعوب األمازيغ فحسب‪ ،‬بل حتى شعوب أفريقيا البدائية كانت تعرف هذا‬
‫الوشم القاسي والمضني‪.‬إذ يقول الباحث التونسي حسين عباسي‪":‬عملية الوشم لدى قبائل وسط أفريقيا‬
‫عملية أقل ما يمكن القول عنها إنها مرعبة ومخيفة ومؤلمة عند ممارستها‪ ،‬لكنها بالنسبة لسكان القبائل‬
‫تلك‪ ،‬فإنها عملية ترتبط باألساس بثقافة القبيلة وبديانتها‪ ،‬فطريقة عيشهم القاسية والبدائية عودتهم على‬
‫"تحمل اآلالم مهما كانت طبيعتها‪23.‬‬
‫إذاً ‪ ،‬فالوشم هو نوع من العذاب السادي أو المازوشي للذات الموسومة‪ ،‬بصفد دماء الجسد وإسالتها‪،‬‬
‫وتمزيق الجلد الواقي بقسوة وعنف وألم ‪ ،‬بغية التحدي أو الثورة على الواقع الكائن‪ ،‬أو رغبة في التمرد‬
‫‪.‬واالنتقام الشعوري والالشعوري‬
‫‪:‬الوظيفة االجتماعية‬
‫غالبا‪ ،‬مايرتبط الوشم بفئة من الشباب المهمشين والصعاليك المشردين الذين يتمردون عن قوانين‬
‫المجتمع وأعرافه وقوانينه وعاداته‪ .‬كما يرتبط الوشم في المجتمع األمازيغي بوحدة الهوية‪ ،‬واالندماج‬
‫الجماعي‪ ،‬والخضوع التام للتقاليد واألعراف والعادات السائدة‪ .‬ومن هنا‪ " ،‬فالوسط االجتماعي والثقافي‪،‬‬
‫وكذلك االنفعالي‪ ،‬قد يلعب دورا مهما في اللجوء إلى هذه الممارسة التي تسقط الفرد في الهامشية‪ .‬حيث‬
‫يظهر الوشم وكأنه عملية خضوع لوسط معين على حساب وسط ثان لم يتمكن الفرد من التعايش معه‪،‬‬
‫"واالنصهار فيه‪ ،‬والتقيد بأغراضه وأخالقياته‪24.‬‬
‫ويعني هذا أن الوشم بمثابة كتابة طبقية ساخطة على األوضاع المجتمعية السائدة ‪ ،‬وإعالن عن الثورة ‪،‬‬
‫‪.‬والرغبة في التغيير‪ ،‬والتطلع إلى واقع ممكن أفضل‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يعد الوشم بالنسبة للمرأة عالمة على النضج والبلوغ واالستعداد للزواج وبناء األسرة‬
‫بإشراك الطرف المقابل‪ .‬وفي هذا‪ ،‬يقول جورج كرانفال‪" :‬الوشم في هذه البالد [يقصد المجتمع‬
‫األمازيغي ]عند النساء إعالن عن مرحلة النضج واالستعداد الستقبال الرجل‪ ،‬واإلناطة بوظيفة الزواج‪".‬‬
‫‪25‬‬
‫ويذهب الباحثون في موضوع الوشم" إلى اإلعتقاد بأن الوشم فوق جسد المرأة هو دليل على االكتمال‬
‫والنضج الجنسي لديها وعالمة العافية والخصوبة ‪ ،‬فال توشم إال الفتاة المؤهلة للزواج‪ .‬كما يقال‪ :‬إنه‬
‫داللة على اكتمالها جماال‪ ،‬وقدرتها على تحمل أعباء الحياة الزوجية‪ ،‬كما تحملت آالم الوخز‪ .‬غير أن هناك‬
‫من يخالف هذا القول‪ ،‬ويظن أن الوشم بكل ما يعنيه من وخز وألم كان يستعمل لكبح جماح الغريزة‪،‬‬
‫وتدبير الطاقة الجنسية لدى الفتاة‪ .‬ويستندون في تبرير ظنهم هذا بوجود الوشم لدى بعض النساء في‬
‫أماكن حساسة ومستورة من جسدهن كالثديين والفخذين‪ ،‬وهو ماقد يكون عالجا زجريا لهن في حاالت‬
‫‪.‬الفوران الجنسي"‪26‬‬
‫ويدل هذا كله على أن الوشم مفتاح للزواج الشرعي‪ ،‬وإعالن عن استعداد المرأة األمازيغية لتحمل‬
‫‪.‬مسؤولية تكوين األسرة مع مقابلها اآلخر أال وهو الرجل‬
‫‪:‬الوظيفة النفسية‬
‫يؤدي الوشم وظيفة نفسية شعورية أو الشعورية‪ ،‬فقد يكون بمثابة تعويض نفسي عن نقص ما‪ ،‬أو رغبة‬
‫في إشباع كبت ما‪ ،‬أو تعبير عن رغبات الشعورية دفينة عدوانية أو إيروسية‪ ،‬أو رغبة في التسامي‬
‫والتحرر من ضغوطات الواقع وإكراهاته المحبطة‪ .‬كما يعبر الوشم عن ثقافة اإلشباع والتفسخ واالمتساخ‬
‫‪.‬والترف االجتماعي والحضاري لمجتمع ما‬
‫و"هكذا‪ ،‬نجد في بعض األحيان‪ ،‬أن الفترات التي يمارس فيها الفرد الوشم تتطابق مع فترات االختالل‬
‫النفسي والقلق العاطفي‪ ،‬والتغيرات التي بإمكانها أن تطرأ على الشخصية أو الحياة االجتماعية‪ ،‬واالبتعاد‬
‫عن المحيط العائلي واالنفصال العاطفي المصحوب بحزن عميق أو اضطراب ذهني قد يقربه من فقدان‬
‫توازنه‪ ،‬وانهيار شخصيته‪.‬فالكتابة على الجسد (الوشم) هي تعبير عن هذا االضطراب والضيق المستمر‪،‬‬
‫" والقلق الدفين الذي يحاول الفرد التغلب عليه أو إخفاء معالمه تحت طيات الوشم‪27.‬‬
‫وأكثر من هذا يحقق الوشم لإلنسان الكمال والتوازن بين الشعور والالشعور واألمن النفسي والراحة‬
‫الداخلية‪ .‬وبتعبير آخر‪ ،‬فإن " ابتكار الوشم والرموز المستعملة فيه قد جاء باالرتباط مع اكتساب اإلنسان‬
‫الوعي بعدم اكتماله ‪.‬ومن ثمة‪ ،‬فإن الوشم يكون وسيلة لالقتراب من الكمال‪ ،‬ويتعلق األمربتحقيق التوازن‬
‫بين الوعي والالوعي‪ ،‬إذ يعتبر عالمة ولوج عالم وحياة الكبار‪ ،‬فيوشم جسم الفتاة برسوم تشخص حلم‬
‫أمها واستيهامها‪ ،‬وهي ممارسة غير مجانية‪ ،‬بل تسعى إلى حمايتها من كل ما يمكن أن يتهدد مستقبلها‪".‬‬
‫‪28‬‬
‫ويعني هذا أن الوشم يؤدي وظيفة سيكولوجية شعورية والشعورية‪ ،‬بالتعبير عن القبح والنقص معا‪،‬‬
‫‪.‬والرغبة في الكمال والتوازن والرضا النفسي والروحاني‬
‫‪:‬الوظيفة الجنسية‬
‫تستعمل المرأة األمازيغية الوشم لوظائف جنسية إيروسية وشبقية‪ ،‬إذ تنقشه المرأة في مختلف جسدها‪،‬‬
‫وخاصة في فرجها ومؤخرتها ونهديها‪ .‬وكذلك‪ ،‬تستعمله في باقي األطراف التناسلية األخرى‪ .‬والهدف من‬
‫ذلك هو إثارة اللذة والرغبة والمتعة عند الطرف الجنسي المقابل‪ ،‬بغية الزواج أو االستمتاع الجنسي‪.‬‬
‫ويعني هذا أن الوشم ذو" مضمون جنسي خاصة عند المرأة األمازيغية التي تتزين بالوشم في غياب‬
‫"المساحيق الملونة قصد التمييز على الرجل‪ ،‬وأخيرا[كبح ] شهوة الجماع المتجدد‪29...‬‬
‫وعليه‪ ،‬فالوشم عالمة إيروسية وشبقية بامتياز‪ ،‬تحيل على شهوة الجسد العارمة‪ ،‬ورغبته في اللذة‬
‫‪.‬والمتعة والتواصل الدافىء‬
‫‪:‬الوظيفة األيقونية‬
‫الوشم عبارة عن كتابة سيميائية بصرية وأيقونية‪ ،‬ترد في شكل خطوط وإشارات وعالمات ونقط هندسية‬
‫ورمزية‪ .‬ويرد أيضا في شكل كتابة تشبه كثيرا حروف تيفيناغ وخطوط أبجديات حضارية أخرى‪ .‬وبهذه‬
‫الكتابة‪ ،‬يتمرد الجسد عن لغة القول واللسان‪ ،‬لينتقل إلى عوالم الكتابة والنقش والتشكيل والزخرفة‬
‫والتحبير والتنميق‪ .‬وبهذا‪ ،‬ينتقل الوشم‪ ،‬بمفهوم جاك ديريدا ‪ ،‬من سلطة الدال الصوتي إلى الدال المكتوب‪،‬‬
‫من خالل التخلص من أيقون السلطة وعدوى المركزية بغية االنصهار في أيقون المهمش ‪ .‬وبالتالي‪ ،‬يعني‬
‫‪.‬ذلك االنتقال من المقدس إلى المدنس‬
‫‪:‬الوظيفة الفلكية‬
‫يتخذ الوشم وظيفة فلكية مرتبطة باألبراج السماوية؛ ألن العالمات السيميائية واألشكال األيقونية البصرية‬
‫تحمل دالالت فلكية ‪ ،‬وتعبر عن اختالف األمزجة النفسية لدى اإلنسان األمازيغي‪ .‬ومن ثم‪ ،‬نجد رسوما‬
‫وشمية فلكية متنوعة‪ ،‬تدل على برج الجدي‪ ،‬وبرج الثور ‪ ،‬وبرج العقرب‪ ،‬وبرج السحلية‪ ،‬وبرج الذبابة‪،‬‬
‫‪...‬وبرج الخنفساء‪ ،‬وبرج العنكبوت‬
‫ومن هنا‪ ،‬تتخذ هذه الرموز الوشمية عدة وظائف داللية ورمزية‪ ،‬كداللة الخصوبة‪ ،‬والداللة األنثوية‪،‬‬
‫والداللة الشبقية‪ ،‬والداللة الحركية‪ ،‬وداللة القوة والعنف‪ ،‬وداللة االتقاء من الشر والموت‪ ،‬والداللة على‬
‫‪...‬القوة الطائشة‪ ،‬وداللة الفرح والكرم‬
‫‪...‬ومن هنا‪ ،‬تختلط الوظيفة الفلكية بالوظائف الخرافية والسحرية والعجائبية والدينية‬
‫‪:‬الوظيفة التمييزية‬
‫كان الوشم‪ ،‬عند البربر‪ ،‬يؤدي وظيفة تمييزية أو وظيفة اختالفية بمفهوم جاك ديريدا‪ ،‬إذ كان يميز بين‬
‫القائل األمازيغية‪ ،‬إذ كانت النساء بوشمن‪ ،‬كما يوشم األطفال لكي يتعرفوا إليهم أثناء تيههم واختفائهم‬
‫وفقدانهم‪ .‬وكان الوشم مميزا لألنثى العازبة مقارنة باألنثى المتزوجة على غرار وشوم الهنديات‪ .‬وكان‬
‫الوشم يستعمل قديما‪-‬إبان التواجد الروماني في أرض تمازغا‪ -‬للتمييز بين األحرار والعبيد واألرقاء‬
‫والسجناء على شاكلة اليونانيين‪ .‬وفي هذا‪ ،‬يقول عبد الكبير الخطيبي‪ ":‬والوشم ‪ ،‬كامتالك متعدد‪ ،‬أي‬
‫مجرد جواز مرور أو جواز سفر‪ ،‬طلسم (طريقة لتقوية الذاكرة)‪ ،‬وقد كان في أفريقيا عبارة عن وسم‬
‫يفرضه السيد على العبد‪.‬نشم العبد مثلما نشم الحيوان عادة‪.‬إنه أيضا بالنسبة للمحكومين باألعمال الشاقة‪،‬‬
‫على عهد الملكية الفرنسية‪ ،‬أو عالمة للتمييز الخاصة ببعض فيالق الجيش المغربي قبل المرحلة‬
‫االستعمارية‪30".‬‬
‫هذا‪ ،‬و" يحمل الوشم عند بعض القبائل األمازيغية الريفية (كبني توزين) تاريخ القبائل التي تنتمي إليها‪،‬‬
‫وكذلك عاداتها وتقاليدها االجتماعية‪ ،‬إذ لكل قبيلة أو عشيرة عالماتها المميزة وإشاراتها التي يمكن‬
‫بفضلها التعرف إلى أبنائها‪ ،‬فوجود وشم معين معناه االنتماء إلى جماعة محددة تختلف عن الجماعة‬
‫األخرى‪.‬فهي‪ ،‬إذاً‪ ،‬عالمة للتعرف على هوية من يحمل هذه الظاهرة‪ .‬وهناك من يؤكد أن أصل الوشم يعود‬
‫إلى ممارسات السحر‪ ،‬واستخدام بعض األشياء الواقية‪ ،‬لقد تعددت وظائفه تبعا للفترات والثقافات والنظم‬
‫االجتماعية التي عرفتها مختلف القبائل األمازيغية‪31".‬‬
‫‪.‬ومن هنا‪ ،‬فقد كان الوشم عالمة للوسم والتمييز والمقارنة‪ ،‬وكذلك عالمة لالختالف والتعرف إلى الذوات‬
‫‪:‬خاتمة‬
‫وخالصة القول‪ ،‬يتبين لنا‪ ،‬مما سبق ذكره‪ ،‬بأن الوشم ظاهرة ثقافية أمازيغية بامتياز‪ ،‬ارتبطت باإلنسان‬
‫األمازيغي منذ القديم‪ ،‬ومازالت هذه الظاهرة مستمرة إلى يومنا هذا ‪ ،‬والسيما في البوادي النائية التي لم‬
‫‪.‬تتغلغل فيها آثار الحضارة الغربية المعاصرة‪ ،‬على الرغم من موقف اإلسالم الرافض للوشم‬
‫هذا‪ ،‬ويعبر الوشم عن فلسفة االنتقال من الطبيعة إلى الثقافة‪ ،‬أو االنتقال من الشفهي إلى المكتوب‪ ،‬أو‬
‫‪...‬االنتقال من المركز إلى المهمش والمختلف‬
‫ومن ثم‪ ،‬فالوشم تعبير عن هوية اإلنسان األمازيغي وكينونته وحضارته وإنسيته ووجوده األكيد فوق‬
‫أرض تامازغا الكبرى أو أرض شمال أفريقيا‪ .‬وغالبا‪ ،‬ماكان الوشم مقترنا بالمرأة التي كانت تستعمل‬
‫الوشم للتزيين والتجميل واالحتفال بجسدها شعوريا والشعوريا‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فقد اكتسب الوشم‪ ،‬في الثقافة‬
‫األمازيغية‪ ،‬عدة وظائف ‪ :‬جمالية‪ ،‬وسحرية‪ ،‬وعالجية‪ ،‬وجنسية‪ ،‬وأنتروبولوجية‪ ،‬وهوياتية‪ ،‬واجتماعية‪،‬‬
‫‪...‬ونفسية‪ ،‬ووجودية‪ ،‬وفلكية‪ ،‬وتمييزية‪ ،‬وأيقونية‬
‫‪.‬أستاذ التعليم العالي بالمغرب ‪1 -‬‬
‫‪.‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ ،‬مادة وشم‪ ،‬حرب الميم‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬طبعة‪2003‬م ‪2 -‬‬
‫عبد الكبير الخطيبي‪ :‬االسم العربي الجريح‪ ،‬ترجمة‪ :‬محمد بنيس‪ ،‬منشورات عكاظ‪ ،‬الرباط‪ ،‬المغرب‪3 - ،‬‬
‫‪.‬الطبعة األولى ‪2000‬م‪ ،‬ص‪67:‬‬
‫حسين عباسي‪( :‬الوشم لدى قبائل‪ ‬أفريقيا الوسطى‪ :‬الذات والموضوع)‪ ،‬مجلة الثقافة ‪4 -‬‬
‫‪.‬الشعبية‪ ،‬البحرين‪ ،‬العدد‪ ،13‬السنة الرابعة‪ ،‬ربيع‪2011‬م‪ ،‬ص‪84:‬‬
‫‪.‬نقال عن حسين عباسي‪( :‬الوشم لدى قبائل‪ ‬أفريقيا الوسطى‪ :‬الذات والموضوع)‪ ، ،‬ص‪5 - 84:‬‬
‫ليث الخفاف‪( :‬الوشم ووحدة الفلكلور العربي)‪ ،‬مجلة التراث الشعبي‪ ،‬العراق‪ ،‬العدد‪ ،10:‬السنة ‪6 - ،11‬‬
‫‪1980.‬م‪ ،‬ص‪182:‬‬
‫بلقاسم الجطاري‪( :‬الوشم كظاهرة سيميوطيقية في الثقافة األمازيغية)‪ ،‬سؤال الثقافة األمازيغية‪ :‬البناء ‪7 -‬‬
‫‪.‬والنظرية‪ ،‬منشورات كلية اآلداب‪ ،‬وجدة‪ ،‬المغرب‪2000 ،‬م‪ ،‬ص‪72:‬‬
‫‪.‬عبد الكبير الخطيبي‪ :‬االسم العربي الجريح‪ ، ،‬ص‪8 - 89:‬‬
‫‪.‬بلقاسم الجطاري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪9 - 67:‬‬
‫‪.‬بلقاسم الجطاري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪10 - 73:‬‬
‫‪.‬بلقاسم الجطاري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪11 - 73:‬‬
‫‪.‬بلقاسم الجطاري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪12 - 72:‬‬
‫‪.‬بلقاسم الجطاري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪13 - 73:‬‬
‫‪.‬عبد الكبير الخطيبي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪14 - 80:‬‬
‫نقال عن محمد‪ ‬جنوبي ‪( :‬الوشم بين الرموز واألشكال بالمغرب)‪ ،‬جريدة بيان اليوم‪ ،‬المغرب‪ ،‬عدد ‪15 - 23‬‬
‫‪.‬دجنبر ‪1998‬م‬
‫‪.‬بلقاسم الجطاري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪16 - 69:‬‬
‫‪.‬بلقاسم الجطاري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪17 - 72:‬‬
‫‪.‬بلقاسم الجطاري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪18 - 71:‬‬
‫‪.‬حسين عباسي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪19 - 85-84:‬‬
‫نقال عن فاطمة الزهراء زعيم‪( :‬الوشم تميز هوياتي ونضج جنسي)‪ ،‬موقع هسبريس‪ ،‬المغرب‪20 - ،‬‬
‫‪.‬موقع رقمي‪ ،‬بتاريخ‪08/06/2009 :‬م‬
‫‪.‬فاطمة الزهراء زعيم‪( :‬الوشم تميز هوياتي ونضج جنسي)‪ ،‬مقال سبق ذكره ‪21 -‬‬
‫‪.‬بلقاسم الجطاري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪22 - 73-72:‬‬
‫‪.‬حسين عباسي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪23 - 82:‬‬
‫‪.‬بلقاسم الجطاري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪24 - 73:‬‬
‫‪.‬نقال عن محمد‪ ‬جنوبي‪( :‬الوشم بين الرموز واألشكال بالمغرب)‪ ،‬مقال سبق ذكره ‪25 -‬‬
‫‪.‬فاطمة الزهراء زعيم‪ :‬نفسه‪ ،‬مقال سبق ذكره ‪26 -‬‬
‫‪.‬بلقاسم الجطاري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪27 - 73:‬‬
‫‪.‬بلقاسم الجطاري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪28 - 74:‬‬
‫‪.‬بلقاسم الجطاري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪29 - 69:‬‬
‫‪.‬عبد الكبير الخطيبي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪30 - 90:‬‬
‫‪.‬بلقاسم الجطاري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪31 - 72:‬‬

You might also like