Professional Documents
Culture Documents
الوشم الأمازيغي
الوشم الأمازيغي
يتميز اإلنسان األمازيغي عن باقي األجناس األخرى بظاهرة الوشم ،وهي ظاهرة اجتماعية ونفسية
وأنتروبولوجية وحضارية وثقافية ووجودية وهوياتية .إذ يعتبر الوشم ميسما سيميوطيقيا وأيقونيا يميز
اإلنسان األمازيغي عن باقي الشعوب األخرى .فالوشم عبارة عن وثيقة مكتوبة ومدونة وشهادة حقيقية
وصادقة عن مسار اإلنسان األمازيغي وهويته وكينونته وإنسيته ووجوده الحضاري ،في منطقة تامازغا
.الكبرى أو في منطقة شمال أفريقيا
إلى جانب ذلك ،يعبر الوشم -ثقافيا وفلسفيا -عن رغبة التخلص من سلطة الدليل الصوتي وسيادة المركز
باستبدالهما بسلطة الكتابة التي تعني التحرر الوجودي ،وإثبات الذات ،واالنتماء الهوياتي ،والرفض
.المطلق للتهميش والتغريب واإلقصاء والنظرة الدونية
وهكذا ،يبدو لنا بأن المجتمع األمازيغي مجتمع موشوم وموجود بوشمه ،على الرغم من موقف النص
الديني الرافض للوشم .واليوم ،أضحى الوشم عالمة سيميوطيقية وثقافية دالة على الهوية والنضال
والتحرر ،ورفض مطلق لسياسة التهميش القائمة على االنتقاء اللغوي ،واالصطفاء االجتماعي الطبقي،
.والنظرة االحتقارية إلى اآلخر المخالف
ومن هنا ،يتوقف موضوعنا هذا عند ظاهرة الوشم بالتعريف لغة واصطالحا ،مع رصد بنية الوشم
ومواقعه وأدواته ،واستجالء دالالته المختلفة ،واستكشاف مختلف تجلياته ووظائفه ومقاصده المباشرة
.وغير المباشرة
:مفهوم الوشم
يعرف الوشم -في اللغة -بالعالمة أوالرسم أوالوسم فوق طرف من أطراف جسم اإلنسان ،كأن يكون كتفا
أو ذراعا أو يدا أو ذقنا أو جبهة ،باعتماد آلة حادة ،أو إبرة واخزة ،أو حناء ملونة .أما جمع كلمة وشم،
فوشوم ووشام .وغالبا ،ما يكون الوشم للتزيين والتنميق والتحبير والتجميل .وفي هذا ،يقول ابن منظور
في معجمه (لسان العرب) ":وشم :ابن شميل :الوسوم والوشوم العالمات .ابن سيده :الوشم ما تجعله
المرأة على ذراعها باإلبرة ثم تحشوه بالنئور ،وهو دخان الشحم ،والجمع وشوم ووشام ...والبرشم
البرقع .ووشم اليد وشما :غرزها بإبرة ثم ذر عليها النئور ،وهو النيلج .واألشم أيضا :الوشم .
واستوشمه :سأله أن يشمه .واستوشمت المرأة :أرادت الوشم أو طلبته .وفي الحديث :لعنت الواشمة
والمستوشمة ،وبعضهم يرويه :الموتشمة ،قال أبو عبيد :الوشم في اليد وذلك أن المرأة كانت تغرز
ظهر كفها ومعصمها بإبرة أو بمسلة حتى تؤثر فيه ثم تحشوه بالكحل أو النيل أو بالنئور ،والنئور دخان
الشحم ،فيزرق أثره أو يخضر .وفي حديث أبي بكر لما استخلف عمر -رضي هللا عنهما :أشرف من
كنيف ،وأسماء بنت عميس موشومة اليد ممسكته أي منقوشة اليد بالحناء .ابن شميل :يقال فالن أعظم
في نفسه من المتشمة ،وهذا مثل ،والمتشمة :امرأة وشمت استها ليكون أحسن لها .وقال الباهلي :في
أمثالهم لهو أخيل في نفسه من الواشمة .قال أبو منصور :والمتشمة في األصل موتشمة ،وهو مثل
...المتصل ،أصله موتصل .ووشوم الظبية والمهاة :خطوط في الذراعين
وفي الحديث :أن داود -عليه السالم -وشم خطيئته في كفه فما رفع إلى فيه طعاما وال شرابا حتى بشره
بدموعه ؛ معناه نقشها في كفه نقش الوشم .والوشم :الشيء تراه من النبات في أول ما ينبت .وأوشمت
...األرض إذا رأيت فيها شيئا من النبات .وأوشمت السماء :بدا منها برق
ومنه قيل :أوشم النبت إذا أبصرت أوله .وأوشم البرق :لمع لمعا خفيفا ؛ قال أبو زيد :هو أول البرق
...حين يبرق
...وقال الليث :أوشمت األرض إذا ظهر شيء من نباتها ،وأوشم فالن في ذلك األمر إيشاما إذا نظر فيه
وأوشمت المرأة :بدأ ثديها ينتأ كما يوشم البرق .وأوشم فيه الشيب :كثر وانتشر ؛ عن ابن األعرابي .
وأوشم الكرم :ابتدأ يلون عن أبي حنيفة .وقال مرة :أوشم تم نضجه .وأوشمت األعناب إذا النت
وطابت...وذكر ابن األثير في ترجمة لثه في حديث ابن عمر قال :لعن الواشمة ؛ قال نافع الوشم في
اللثة ،اللثة ،بالكسر والتخفيف ،عمور األسنان وهو مغارزها ،والمعروف اآلن في الوشم أنه على الجلد
".والشفاه2
ويفهم ،مما سبق ،بأن الوشم عبارة عن عالمة سيميوطيقية أو أيقونية يضعها اإلنسان على أطراف
جسمه ،كأن يكون فوق شعره إلزالة الشيب ،أو في وجهه إلخفاء تجاعيد الزمان وندوبه ،أو فوق كتفه ،أو
في ذراعه ،أو في يده كفا ومعصما ،أو في أطرافه السفلى ،مثل :الفخذ ،واإلست ،والفرج ،والرجلين...
وينقش ذلك كله باإلبرة أو بآلة حادة ،ثم يمأل الوشم بالحناء أو الكحل أو النيل أوالنئور أو مايسمى كذلك
.بدخان الشحم .وبعد ذلك ،يتخذ أثر الوشم في الجسم لونا أزرق أو أخضر
ومن هنا ،فالوشم عملية دقيقة جدا ،تتميز بقواعدها وشروطها وطقوسها الخاصة .ومن ثم ،فالوشم عبارة
.عن فصد واختراق للجلد شقا وكيا واحتراقا وتشطيبا وتطهيرا وخدشا
وعليه ،فالوشم عبارة عن رسم تزييني أو رمزي ،يكون الهدف منه هو تحبير الجسد و تنميق جلده .ومن
قبل ،كان ينقش بالحبر الصيني أو بمواد فحمية أو شحمية ،أو بمادة الحناء .واليوم ،تستخدم مجموعة من
األدوات الصناعية والكهربائية المتطورة في مجال النقش والوشم والكي والفصد والنقش ،مع استعمال
.الليزر واإلبر الحادة الواخزة
)(Taو (tatahou).أو ) (tatouعلى الوشم ،وهو اسم بولينيزي مشتق من ) (Tatouageوتطلق كلمة
وتحولت ،في اللغة (Tatow)،للمرة األولى على شكل )(Cookمعناها الرسم .و قد قيده المالح كوك
)/Thigaazثي?از(Xوهي فعل .3في حين ،يسمى الوشم في اللغة األمازيغية ب (Tatoo) ،اإلنجليزية ،إلى
.والسيما اللهجة الريفية منها ،
:الوشم ظاهرة أمازيغية بامتياز
عرفت مجموعة من الشعوب اإلنسانية ظاهرة الوشم الجسدي ،قبل أن ينتقل إلى شعوب حوض البحر
األبيض المتوسط ،فقد ارتبطت بمجموعة من العقائد والعبادات والديانات القديمة .وكان الوشم معروفا لدى
الصينيين ،واليابانيين ،والهنود ،واألفارقة ،والسومريين ،واآلشوريين ،واألكاديين ،والبابليين،
والكلدانيين ،والفرس ،و الفراعنة المصريين ،واليونانيين ،والرومان...ويعني هذا أن الوشم " ظاهرة
قديمة في المجتمعات البشرية .فقد عرف منذ قديم الزمان في مصر ،حيث وجد على بعض الموميات
المصرية .كما استخدمه المصريون القدماء كعالج ظنا منهم أنه يبعد الحسد .فيما اتخذته بعض الشعوب
كقربان لفداء النفس أمام اآللهة.كما كان الوشم تعويذة ضد األرواح الشريرة ،ووقاية من أضرار Xالسحر؛
فقد عثر على جثث تعود إلى العصر الحجري الحديث ،والتي تثبت الممارسات القديمة للوشم.كما استخدم
الوشم لتحديد االنتماء القبلي ،وتمييز مجموعة بشرية معينة من غيرها.ويتضمن الوشم استعمال أدوات
حادة ومواد كيميائية ملونة يتم إدخالها إلى الطبقة الجلدية العميقة مما يضمن بقاءها الطويل4".
أضف إلى ذلك ،فقد " كان الوشم في فجر التاريخ ذا طابع بدائي قبلي ،حيث كانت القبائل تتخذ من بعض
الحيوانات حاميا وصديقا وأمانا لها ،فتجعل من رأسه طوطما تحتفل به ،وتصنعه شارة على بيوتها أو
" سيوفها أو وشما على صدور رجالها.ويظل هذا الحيوان رمزا محترما لدى هذه الشعوب وأجيالها5.
وقد عرف المجتمع األمازيغي هذا الوشم كذلك ،وخاصة الذين كانوا يقطنون تمازغا من مصر شرقا إلى
المحيط األطلسي غربا ،ومن األندلس شماال إلى ماوراء الصحراء الكبرى جنوبا .وقد يكون األمازيغ
متأثرين في ذلك بالرومان .كما يذهب إلى ذلك الباحث العراقي ليث الخفاف في مقاله(الوشم ووحدة
الفلكلور العربي) ":إن البربر استمدوا العناصر الزخرفية للمصنوعات الفخارية والجلدية والفضية من
الوشم نفسه ،والتزال قبائل البربر تستخدم بعض الكتابات والرموز الزخرفية في تزيين بيوتها
القديمة.ولهذا ،نرى أن المرأة البربرية التزال تحمل في بعض المناطق الظاهرة من جسدها وشما يمثل أحد
حروف اللغة البربرية .كما أن ظاهرة الوشم انتشرت في شمال أفريقيا إبان الديانة المسيحية.أي :قبل
دخول اإلسالم نظرا للتأثير المباشر الذي كانت تمارسه اإلمبراطورية الرومانية آنذاك ،كما أن الوشم عرف
في جميع الثقافات اآلدمية ،وارتبط بها كتعبير جسدي ،له مدلوالت تختلف من ثقافة إلى أخرى6".
وربما قد يكون هذا الوشم نتاجا للتأثر بالديانة المسيحية كما قال بلقاسم الجطاري في مقاله القيم ( الوشم
كظاهرة سيميويطقية في الثقافة األأمازيغية) ":وقد ظهر الوشم قديما في دول شمال أفريقيا ،فحتى القرن
السابع الميالدي ،كانت تسكن المغرب العربي قبائل أمازيغية تدين لبعضها بالديانة المسيحية نظرا للتأثير
المباشر الذي كانت تمارسه اإلمبراطورية الرومانية.ويظهر نقش الصليب موشوما على جباه النساء ،وإن
كنا نرجح الداللة الرمزية لهذا الوشم تعود أساسا لحرف التاء باللغة األمازيغية7".
وربما كان ذلك نتاجا للتأثر بالديانة اليهودية ،فقد كان اليهود يشمون أطفالهم ويسمونهم بعالمة الصليب،
.وقد كانت هذه العادة معروفة عند المسلمين في جنوب وهران بالجزائر8
بيد أن هذا الوشم قد تقلص بعد الفتوحات اإلسالمية؛ ألن اإلسالم لعن الواشمات والمستوشمات .بيد أن
ظاهرة الوشم قد عادت إلى الشعوب اإلسالمية مرة أخرى ،لتصبح موضة حضارية وثقافية جديدة ،يتهافت
عليها الشبان المسلمون المستلبون من كل حدب وصوب ،بعد انتشارها الكبير في المجتمعات الغربية
المعاصرة ،حيث أضحت فلسفة للتعبير عن روح هذا العصر المادي المغترب ،ورغبة في تجسيد آثار
العولمة الماسخة لكل شيء .كما يعبر الوشم ،عند الجيل المعاصر ،عن ثقافة الحرية واالستقاللية والثورة
.والرفض والتمرد والتميز واإلثارة
وإذا كان الوشم ظاهرة عالمية ،عرفت منذ ماليين السنين ،فإنها ظاهرة أمازيغية بامتياز ،فقلما نجد امرأة
أمازيغية بدون وشم ،والسيما في البوادي .وحاليا ،تزايدت مالمحه الهوياتية واألنتروبولوجية
.والحضارية والثقافية والنضالية بين الشباب بشكل الفت لالنتباه
ويتضح ،مما سبق ذكره ،بأن اإلنسان األمازيغي قد عرف الوشم ،كما عرفته الشعوب السابقة ،بل إن "
الوشم سبق المالبس إلى الوجود .فاإلنسان األول أو اإلنسان في أولى مدارج حياته وهو ما نطلق عليه "
اسم البدائي" قد عني بزخرفة جسمه بطرق مختلفة ،هذه الطرق يبدو أنها مازالت جميعها استخدمت من
طرف المجتمع األمازيغي ،ومنها تخصيب المرأة األمازيغية جلدها بالصبغات واأللوان من خالل وخزات
اإلبر ،وهو ما يسمى بالوشم الذي مازال يمارس حتى اآلن في بعض المناطق الريفية9".
وعليه ،يمكن القول بأن الوشم عالمة سيميائية أمازيغية بامتياز ،وظاهرة أنتروبولوجية ثقافية وحضارية
ووجودية ارتبطت باإلنسان األمازيغي القديم ،والسيما اإلنسان الفرعوني النوبي .وبعد ذلك ،انتقل الوشم
إلى الشعوب اآلخرى المجاورة أو البعيدة ،إما عن طريق االحتكاك التجاري والثقافي ،وإما عبر فعل
.الهجرة الطوعية أو القسرية
:أنواع الوشم
يمكن الحديث عن مجموعة من أنواع الوشم في الثقافة األمازيغية .فهناك وشم الشعر ،ووشم الجبهة،
ووشم الوجه ،ووشم البطن ،ووشم النهدين ،ووشم الظهر ،ووشم الفخذ ،ووشم األرداف X،ووشم الفرج،
.ووشم الساقين ،ووشم الرجلين معا
وقد اتخذ الوشم عدة أشكال هندسية وعالمات سيميوطيقية ورموز دالة.فهناك :النقطة أو سلسلة من
النقط ،والخط المستقيم ،وما يتفرع عنه من زخارف بسيطة ومركبة ومعقدة ،والزخارف الصليبية الشكل،
واألشكال الدائرية ،والمنحنيات المتماثلة وغير (V)،والزخارف النجمية الشكل ،وزخارف على شكل
المتماثلة ،والخطوط المتوازية ،والخطوط الملتوية ،والخطوط المائلة والمنحنية والمنحرفة ،والخطوط
المتشابكة ،والخطوط المتداخلة والمتقاطعة ،والمثلثات ،والمربعات ،والمستطيالت ،والمعينات ،والدوائر ،
وحروف تيفيناغ ،وعالمات زائد ،واألشكال المنغلقة والمنفتحة ،و الشارات العسكرية ،و الزوايا
المتعارضة أو القائمة أو المتوازية ،واألشكال النباتية والحيوانية والطبيعية ،والمشبكات ،واألشكال
...الخماسية ،والتيجان
:مواقع الوشم
تقع وشوم اإلنسان األمازيغي ،وخاصة وشوم المرأة ،في مختلف مناطق الجسد ،مثل :الشعر ،والرأس،
والجبهة ،وما بين الحاجبين ،والخد ،والذقن ،والوجه في مختلف مناطقه الحساسة ،والكتف ،والذراع،
واليد كفا ومعصما ،والصدر ،والنهدين ،والبطن ،والظهر ،والفخذ ،واألرداف ،والفرج ،والمؤخرة،
.والركبة ،والقدم ،والساقين ،والرجلين
وإذا كان الرجل يشم كتفه وعضده ويده ،فإن المرأة تشم سائر جسدها ،والسيما ما تقدم منه ،كأن تشم
.وجهها إلى غاية نهديها ،وهذا يحمل في طياته طابعا شهوانيا وشبقيا وجنسيا
:تقنيات الوشم
استعمل اإلنسان الواشم مجموعة من التقنيات لوسم جسده ،مثل :العظام ،والعصي ،والحديد المتقدة،
وأسنان المشط ،واألدوات الحادة ،واإلبر الواخزة ،والحبر بكل أنواعه وألوانه ،والحناء بكل أنواعها،
والمساحيق الملونة ،والمشارط ،والسكاكين الحادة ،والرؤوس الخشبية ،وأدوات الكي والخدش ،والشوكة،
والنباتات الطبيعة ...واليوم ،تستعمل أدوات صناعية وكهربائية متطورة في وشم الجسد ،مع استخدام
...اآلالت واإلبر الحديدية الحادة المعاصرة ،مع االستعانة بأشعة اللييزر
أما المواد الموظفة في ملء ثقوب الوشم ،فهناك الكحل ،والنؤور أو ما يسمى بدخان الشحم ،واألعشاب
العطرة ،والفحم األسود ،والتوابل ،أو النيل ،وبقايا احتراق السخام ،والحرقوص ،والملح ،والثوم،
والقرنفل ،ومواد كيماوية وطبيعية مختلفة ...وغالبا ،ماينصب الوشم على رسم أشكال نباتية ،ومخلوقات
حيوانية ،وكائنات بشرية وجنية ،وزواحف ،وأشكال طبيعية ،وأشكال هندسية ،وشارات عسكرية ،وأشياء
...جامدة ،وحروف تيفيناغ ،وألوان مختلفة ،ومعطيات تشكيلية
:فترات الوشم
يوضع الوشم عند األمازيغ إبان حفالت األعراس ،وعند كل والدة طفل ،وعند االستعداد للزواج ،وعندما
تكون األنثى راشدة ،وعندما يحس اإلنسان بآالم حادة ،وعندما تريد المرأة أن تتزين وتتجمل لزوجها.
وفي هذا الصدد ،يقول بلقاسم الجطاري ":عرف الوشم في بعض المناطق باألطلس لدى الفتيات الشابات،
حين يقوم اآلباء بتنظيم حفلة ألفراد العائلة تشارك فيها أيضا صديقات العروس ،فيجلبن إبر الوشم وبعض
المساحيق الملونة ،ويبدأن بنقش رسوم أولية تعكس بعض المظاهر الطبيعية على وجه الفتاة بطرق فنية
وجمالية .وبعدئذ ،يأتي دور المتخصصة بالوشم لتنقش هذه الرسوم باإلبر الخاصة10".
ويضيف الباحث قائال ":وتقوم بعض القبائل في منطقة الريف بوشم جباهها وخدودها ،كأن تنقش النساء
خطا على جبين كل مولود (بوتقومومت).وفي بعض القبائل بسوس ،وخالل االحتفال ببلوغ الفتاة سن
الرشد ،بعد أول حيض لها ،تستخدم الكبيرات من نساء القبيلة المشارط لعمل خطوط معينة تحت الشفة
السفلى ،إال أن وشم النساء لدى معظم القبائل ،يبقى في الغالب عالمة من عالمات التعبير عن الذات،
وكثيرا ما يأتي استجابة لطلب الرجل الذي يرى فيه إقرارا بامتالكه التام لزوجته ،فجسم المرأة ليس ملكا
لها ،بل لزوجها ،فله الحق في وضع خاتم ملكيته عليه ،كما هو الشأن في النقطة الحمراء التي يضعها
نساء الهنود على جباههن11".
...وبعد ذلك ،يستمر الوشم يوما أو يومين أو مدة الحفل أو مدة الموسم أو مدة النزوة والشهوة واللذة
:وظائف الوشم
للوشم ،في الثقافة األمازيغية ،وظائف عدة" ،حيث ربط األمازيغ الوشم بطقوسهم العقائدية ،فلم يكن
الوشم وصمة عار مشينة ،بل كان يسعى لتحقيق أغراض جمالية وأعمال سحرية أو طبية أو حتى
جغرافية" . 12ومن ثم ،يمكن رصد مجموعة من الوظائف التي يؤديها الوشم في الثقافة األمازيغية،
:ويمكن حصرها فيما يلي
:الوظيفة الجمالية
يتخذ الوشم ،في الغالب ،بعد جماليا وإستيتيقيا ،إذ يضفي الوشم على المرأة سمة الحسن والبهاء والجمال.
لذلك ،تضعه األنثى في مختلف أطراف جسمها ،وخاصة جهة الوجه ،وبالضبط حينما تنقشه في الذقن،
والجبهة ،واألنف ،والخد .والغرض من ذلك هو جذب اآلخرين ،و إثارة إعجابهم ،كما هو حال كثير من
األمازيغيات في األطلس الكبير والمتوسط والصغير ،وجبال الريف ،وفي منطقة الطوارق ،وفي كثير من
مناطف تامازغا .بمعنى أن الوشم " نوع من الماكياج يستعمل عموما عند النساء من أجل التجميل ،وإثارة
".اإلعجاب ،فيستحيل الجسد كصفحة للقراءة ،أو كنص يصبح الوشم فيه كخطاب13
كما يحتل الوشم منزلة وسطى بين اللباس والعري.أي :إن الوشم هو اللباس الثالث للجسم المكسو باللباس
والجسم العاري معا . 14وأكثر من هذا يتحول الجسم ،عبر فعل الوشم ،إلى لوحة تشكيلية جميلة ،حبلى
باألشكال والخطوط واأللوان الزاهية والالمعة والمثيرة .وفي هذا الصدد ،يقول الرسام الدنماركي (هاين
فرينكل) قائال" :أحيانا كثيرة تجدهن [ األمازيغيات] في الحقول أو المسالك الوعرة بالجبال يرددن صيحات
غنائية اليضاهيها من الحدة والجمال سوى مرآى تلك األشكال المرسومة بعناية فائقة على خدودهن أو
ذقونهن أو جباههن وأحيانا أعناقهن وأيديهن ،نساء تتوحد فيهن أسطورية الرمز والرسومات المفعمة
خضرة وزرقة ،مع أسطورية الوجوه ومكامن جمال يصر على تحدي قسوة الطبيعة وصعوبة ظروف
العيش ومشاق التحمالت اليومية ..جمال تتوحد فيه الحقيقة بالخيال ..الطبيعة باإلنسان ..واأللوان
"بالمالمح ..الصور باألصوات ..الغناء بالرسم على الجسد15...
ويعني هذا أن الوشم كان المظهر الحقيقي لجمال المرأة األمازيغية ،وتعبيرا حقيقيا عن مدى حسنها األخاذ
.الذي كان يثير إعجاب اآلخرين افتتانا وشهوة ولذة
:وظيفة التطهير
يترتبط الوشم بوظيفة التطهير.أي :تطهير النفس اإلنسانية من الشرور واآلثام ،وتنقيتها من الشوائب
والذنوب والكبائر الدنية ،بإثارة الخوف والشفقة والتوبة والرغبة في االستغفار...أي :إن الوشم بمعنى
الخدش واالختراق للجلد رغبة في تشطيبه وتنقيته وتحليته وشقه لوسمه ووشمه ،وفق مجموعة من
القواعد الطقوسية والقواعد االحتفالية .عالوة على ذلك ،فإن الوشم عبارة عن تضحية قربانية ووفاء
وإخالص وصدق وفداء من أجل نيل الرضا الروحاني .وبالتالي ،الحصول على القداسة الميتافيزيقية،
والوصول إلى التعالي المثالي .بمعنى أن صفد الجسم وخدشه بوشم ما يعني ذلك تطهير للذات المستوشمة
،وتعذيب مازوشي لها ،وتحلية لها قصد تحقيق الصفاء الروحاني والوصال العرفاني والماورائي .كما
.يعبر الوشم عن جسر وسيط بين المادة والروح ،بين الجسد والمقدس األخروي أو الميتافيزيقي
:الوظيفة العالجية
للوشم وظيفة عالجية سامية ،إذ يعتقد األمازيغ أنه يحمي اإلنسان من األمراض العضوية والنفسية ،
ويقيه من أخطار األوبئة الحادة والطبيعة التي تثور من حين آلخر " .فالمرأة [األمازيغية] الريفية -على
سبيل المثال -كانت تستخدم الوشم في أسفل الوجه أو تحت الشفة السفلى ،وأحيانا على ظهر اليد والرسخ
واألصابع .أما الرجل فكان يكتفي بوشم صورة لطائر ما يعتقد أنه الهدهد على الصدغ لحماية الرأس من
اآلالم والصداع ،واقتصر الوشم عند البعض من القبائل الريفية عادة على نقطة واحدة بسيطة فوق الذقن،
وأخرى على الجانب األيمن من األنف للحماية من آالم األسنان ،وأخرى في بداية الجفن للحماية من
أمراض Xالعين16".
ويعني هذا أن الوشم كان يستعمل عند اإلنسان األمازيغي لوظيفة طبية وعالجية ،باعتباره أداة لحماية
.اإلنسان من أمراض Xالرأس وآالم األسنان ،ومن كل األمراض العضوية والنفسية والعصبية
:الوظيفة السحرية
اقترن الوشم عند األمازيغ بالوظيفة السحرية ،فقد كان الوشم يقي األطفال من األعين ،ويحمي المجتمع
من األعداء المرتقبين ،ويحصنهم من األرواح الشريرة .كأن الوشم بمثابة تواصل سيميائي بين الجسد
واألرواح الخفية .ومن ثم ،فقد تحولت الوشوم إلى أشكال هندسية وعالمات سحرية تقي اإلنسان من شر
الطبيعة ،وتحميه من حسد اإلنسان ،وتجعله في منأى عن الفقر وصفعات القدر وتقلباته الخطيرة .وتقيه
من عين اآلخر ،وتحرسه من نظرة الرقيب ولفتته الحاقدة أو المنتقمة أو القاتلة .كما كان الوشم أيضا
.رمزا للنجاح والنجاة ،ويعد كذلك سبيال لتحقيق الثروة والغنى والرفاهية
وهكذان يتبين لنا بأن " ،بعض القبائل األمازيغية [تستخدم] الوشم إلبطال األعمال السحرية أو ضد أعمال
الشر أو تميمة واقية من الحسد والعين .والتزال هذه الممارسات سارية حتى اآلن في بعض المناطق
المغربية خاصة الجبلية ،حيث تقوم بعض القبائل في منطقة الريف بممارسة الوشم باللون األخضر
للتعبير عن السالم والسعادة واألمن ،واللون األسود ضد العين والحسد ،ويظهر دوره السحري عند بعض
األمازيغيين الذين يعتقدون أن الوشم فوق العين من شأنه تقوية البصر ،وعلى جانبي الجبهة إلبعاد آالم
.الرأس"17
ومن ثم ،فالوظيفة السحرية هي الوظيفة األكثر ارتباطا بالوشم ،كما عند كثير من الشعوب البدائية،
والشعوب األفريقية ،والشعوب األمازيغية ،إذ يتحول الوشم إلى أداة سحرية لمواجهة القوى الغامضة
.والخفية ،مع التحصين ضد الشرور الميتافيزيقية
:الوظيفة األنتروبولوجية
يعد الوشم ظاهرة أنتروبولوجية تعبر عن خصائص اإلنسان األمازيغي الحضارية والثقافية ،وتلمح إلى
تواجده القديم فوق أرض تامازغا من خالل الطقوس التي يمارسها ،والعادات التي تعود عليها.بمعنى أن
الوشم طقس أنتروبولوجي تعرف إليه اإلنسان األمازيغي منذ العهود الغابرة ،ومازال يمارسه بشكل يومي.
فضال عن ذلك ،يعتبر الوشم عالمة سيميوطيقية رمزية تعبر عن هوية هذا اإلنسان وكينونته وإنسيته
وإثنيته العرقية والهوياتية ،وتميزه بشكل جلي عن شعوب العالم ،وتبين مدى اختالفه الشديد عنهم .كما
.يعبر الوشم عن انتقال من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الرشد ،واالنتماء إلى الجماعة أو القبيلة
أضف إلى ذلك ،فالوشم له وظيفة طوطمية وطقوسية مرتبطة بالحياة القبلية ،وله عالقة وثيقة بأنماط
تصرفاتها وقيمها العشائرية .و" هكذا ،نرى أن الحياة االجتماعية لدى المجتمعات األمازيغية لم تكن ممكنة
إال بفضل الرموز .والطوطمية هي أحد أوجهها ،وكان الوشم هو الطريقة المثلى من أجل إظهار الرمزية
الطوطمية ،فيعمد السكان بشكل جماعي ،غالبا ،إلى رسم الرموز على أجسادهم أو وشمها بغية تأكيد
انتمائهم لقبيلة ما أو مجتمع معين .وهنا ،يظهر الوشم كشكل من أشكال التعريف الذاتي لتأكيد
الهوية.فالوشم يعني لصاحبه تأكيد ذاته وإصراره على انتمائه لتقاليد قريته األزلية18".
وأكثر من هذا " ،فهذه الممارسات الوشمية محورها إخراج الدم من الجسد ،فأفراد Xالقبيلة يشعرون
براحة روحية حينما يشاهدون الدماء ،والدم منذ القدم هو رمز الروح ،وهو أيضا رمز الطاقة الحيوية ،
هذه الطاقة التي يكتسبها البعض حينما يشربون دماء األضاحي التي يقدمونها أثناء طقوسهم االحتفالية ".
19
وقد ترمز آالم الوشوم -أنتروبولوجيا وثقافيا -إلى الشجاعة والوفاء والتضحية واإلخالص .وتعبر كذلك
.عن الصدق في االنتماء إلى العرق والقبيلة والهوية
ومن جهة أخرى ،يعبر الوشم عن ثقافة أنثوية بامتياز ،ويدل كذلك على مكانة المرأة األمازيغية في مجتمع
.أموسي راق ،يؤمن بسلطة المرأة وسيادتها في تدبير المجتمع بصفة عامة ،وتدبير األسرة بصفة خاصة
إذاً ،يعبر الوشم عن ثقافة طوطمية وطقوسية تنم عن دالالت الخصوبة والعطاء والرغبة في الزواج،
واالرتقاء من عالم الجسد نحو عالم الروح .وفي هذا ،تقول الباحثة المغربية فاطمة فائز ":كان إنجاز
الوشم جزءا من طقوس الكهانة ،تقوم به امرأة كاهنة ،تكون قد خضعت لطقوس التكريس عند ضريح ولي
متخصص ،حيث ترى في منامها هناك بأنها تستلم إبرة الوشم .شأنها شأن الشاعر الذي يبدأ رحلة إبداعه
بالنوم إلى جوار ضريح أحد األولياء ،كما أنها قد تستلهمه من إحدى الممارسات العريقات اللواتي يحول
سنهن المتقدم في الغالب ،دون االستمرار بممارستها ،فيبحثن عمن يكمل مسيرتهن .ومن هنا ،فقد كان
الوشم أيضا ينجز في أجواء طقوسية مفحمة بالرموز والدالالت التي تكفل االتصال بعالم الماوراء ،وكان
يقصد منها استجالب نعم اآللهة ورضاها واتقاء نقمها وغضبها .ومن ثمة ،كانت ممارسات الوشم
الطقوسية تبتغي طلب الزواج للعازبة ،وطلب الخصوبة للعاقر ،كما أنه عموما يرجى منه التحصن من
"العين الشريرة ،ودرء كل األضرار Xالواقعة منها والمتوقعة20.
وهكذا ،يتبين لنا بأن الوشم عبارة عن طقس أنتروبولوجي وطوطمي غني الدالالت ،الغاية منه جلب
الخصوبة والعطف اإللهي ،والتخلص من فترة العزوبة بغية االنتقال إلى فترة الزواج وبناء األسرة ،
.واالنصهار في المجتمع القبلي
:الوظيفة الهوياتية
أصبح الوشم عند اإلنسان األمازيغي عالمة سيميائية للهوية ،ورمزا للكينونة واإلنسية البربرية األصيلة.
بمعنى أن الوشم مؤشر حضاري وثقافي على تواجد اإلنسان األمازيغي في الزمان والمكان.لذلك ،تلح كثير
من الجمعيات األمازيغية على توظيف الوشم في كثير من التظاهرات الفنية واألدبية والثقافية ،على أساس
أن الوشم هو ميسم اإلنسان األمازيغي ،وعالمة سيميوطيقية دالة على أنتروبولوجية هذا اإلنسان،
واستمراره Xفي العطاء والتواجد في منطقة تامازغا الكبرى ،منذ عدة قرون خلت .ويحيل الوشم على القولة
".التالية التي تشبه الكوجيطو الديكارتي ":أنا موشوم .إذاً ،فأنا موجود
ومن هنا ،فالوشم أساس الهوية األمازيغية ،وقاعدة الكينونة البربرية .وفي هذا ،تقول فاطمة فائز":
الوشم يدخل ضمن آداب السلوك االجتماعي ،يرتبط بالجسد الموشوم وبحياته ،ويموت بموته ،كما يشكل
جسرا للربط بين ماهو روحي ومادي في الجسد ذاته .وللوشم كذلك رمزية اجتماعية وسياسية قوية ،فهو
يشكل أساس االنتماء االجتماعي وركيزة اإلحساس باالنتماء الموحد ،والشعور بالهوية المشتركة والتي
ساهمت في ضمان حد كبير من التناغم بين كافة أطراف القبيلة .كما أن الوشم يحيل على هوية واضعه
وانتمائه القبلي ،شأنه في ذلك شأن الزخارف النسيجية المبثوثة بشكل خاص في رداء المرأة المعروف ب
( الحايك /تاحنديرت) عدا عن الزربية والحنبل التقليدييين .وألن الوشم يكتسي بعدا إستيطيقيا ،فهو يتغيى
إبراز مفاتن المرأة وأنوثتها ،ويصير خطابا يستهدف اآلخر ،ويوظف إليقاظ الشهوة فيه وإغرائه وإثارته
جنسيا"21.
وهكذا ،نستشف بأن الوشم عند األمازيغ يمثل الهوية الحقيقة الموروثة ،ويعبر عن اإلنسية البربرية
.التليدة .ويشكل كذلك أساس الوجود الكينوني لهذه الفئة السكانية التي تقطن شمال أفريقيا
:الوظيفة السادية أوالمازوشية
يتحول الوشم إلى ظاهرة نفسية مازوشية أو سادية مرتبطة بالعذاب واأللم والتلذذ بالقسوة؛ حيث يعذب
اإلنسان الواشم نفسه ،ويعذب جسده باأللم والقروح والندوب والجروح المؤلمة .فقد كانت العانسة
األمازيغية التي لم تتزوج تشم نفسها إلى درجة العذاب والقسوة والموت ،فتستشعر ألمه وجروحه وأهاته
وأناته المأساوية بترنح سريالي ،وتأرجح بين الوعي والالوعي ،كأنها تريد أن تضع حدا لحياتها اليائسة،
.بتعذيب جسدها ،واالنتقام منه شر انتقام
هذا" ،وتقوم بعض القبائل بمنطقة سوس بوشم المرأة بعد فطام الطفل األول مباشرة ،وهي أكثر عمليات
الوشم إيالما وطوال من ناحية الزمن ،إذ تستغرق يومين ،فالوشم يغطي خالل اليوم األول جميع مساحة
الرقبة حتى بداية منبت الشعر ،بينما ترسم على الذراعين آالف الندب الصغيرة .وفي اليوم الثاني ،يأتي
دور الساقين .وفي هذه العملية ،تفقد المرأة كمية هائلة من الدم ،حتى إنها تتعرض لفقدان وعيها ،ولكن
لها في األخير بعض التعويضات ،إذ تزداد إعجابا من طرف الرجال ،وتصبح من ذوات الحظ من بنات
القبيلة22".
ولم يقتصر هذا الوشم المؤلم على شعوب األمازيغ فحسب ،بل حتى شعوب أفريقيا البدائية كانت تعرف هذا
الوشم القاسي والمضني.إذ يقول الباحث التونسي حسين عباسي":عملية الوشم لدى قبائل وسط أفريقيا
عملية أقل ما يمكن القول عنها إنها مرعبة ومخيفة ومؤلمة عند ممارستها ،لكنها بالنسبة لسكان القبائل
تلك ،فإنها عملية ترتبط باألساس بثقافة القبيلة وبديانتها ،فطريقة عيشهم القاسية والبدائية عودتهم على
"تحمل اآلالم مهما كانت طبيعتها23.
إذاً ،فالوشم هو نوع من العذاب السادي أو المازوشي للذات الموسومة ،بصفد دماء الجسد وإسالتها،
وتمزيق الجلد الواقي بقسوة وعنف وألم ،بغية التحدي أو الثورة على الواقع الكائن ،أو رغبة في التمرد
.واالنتقام الشعوري والالشعوري
:الوظيفة االجتماعية
غالبا ،مايرتبط الوشم بفئة من الشباب المهمشين والصعاليك المشردين الذين يتمردون عن قوانين
المجتمع وأعرافه وقوانينه وعاداته .كما يرتبط الوشم في المجتمع األمازيغي بوحدة الهوية ،واالندماج
الجماعي ،والخضوع التام للتقاليد واألعراف والعادات السائدة .ومن هنا " ،فالوسط االجتماعي والثقافي،
وكذلك االنفعالي ،قد يلعب دورا مهما في اللجوء إلى هذه الممارسة التي تسقط الفرد في الهامشية .حيث
يظهر الوشم وكأنه عملية خضوع لوسط معين على حساب وسط ثان لم يتمكن الفرد من التعايش معه،
"واالنصهار فيه ،والتقيد بأغراضه وأخالقياته24.
ويعني هذا أن الوشم بمثابة كتابة طبقية ساخطة على األوضاع المجتمعية السائدة ،وإعالن عن الثورة ،
.والرغبة في التغيير ،والتطلع إلى واقع ممكن أفضل
ومن جهة أخرى ،يعد الوشم بالنسبة للمرأة عالمة على النضج والبلوغ واالستعداد للزواج وبناء األسرة
بإشراك الطرف المقابل .وفي هذا ،يقول جورج كرانفال" :الوشم في هذه البالد [يقصد المجتمع
األمازيغي ]عند النساء إعالن عن مرحلة النضج واالستعداد الستقبال الرجل ،واإلناطة بوظيفة الزواج".
25
ويذهب الباحثون في موضوع الوشم" إلى اإلعتقاد بأن الوشم فوق جسد المرأة هو دليل على االكتمال
والنضج الجنسي لديها وعالمة العافية والخصوبة ،فال توشم إال الفتاة المؤهلة للزواج .كما يقال :إنه
داللة على اكتمالها جماال ،وقدرتها على تحمل أعباء الحياة الزوجية ،كما تحملت آالم الوخز .غير أن هناك
من يخالف هذا القول ،ويظن أن الوشم بكل ما يعنيه من وخز وألم كان يستعمل لكبح جماح الغريزة،
وتدبير الطاقة الجنسية لدى الفتاة .ويستندون في تبرير ظنهم هذا بوجود الوشم لدى بعض النساء في
أماكن حساسة ومستورة من جسدهن كالثديين والفخذين ،وهو ماقد يكون عالجا زجريا لهن في حاالت
.الفوران الجنسي"26
ويدل هذا كله على أن الوشم مفتاح للزواج الشرعي ،وإعالن عن استعداد المرأة األمازيغية لتحمل
.مسؤولية تكوين األسرة مع مقابلها اآلخر أال وهو الرجل
:الوظيفة النفسية
يؤدي الوشم وظيفة نفسية شعورية أو الشعورية ،فقد يكون بمثابة تعويض نفسي عن نقص ما ،أو رغبة
في إشباع كبت ما ،أو تعبير عن رغبات الشعورية دفينة عدوانية أو إيروسية ،أو رغبة في التسامي
والتحرر من ضغوطات الواقع وإكراهاته المحبطة .كما يعبر الوشم عن ثقافة اإلشباع والتفسخ واالمتساخ
.والترف االجتماعي والحضاري لمجتمع ما
و"هكذا ،نجد في بعض األحيان ،أن الفترات التي يمارس فيها الفرد الوشم تتطابق مع فترات االختالل
النفسي والقلق العاطفي ،والتغيرات التي بإمكانها أن تطرأ على الشخصية أو الحياة االجتماعية ،واالبتعاد
عن المحيط العائلي واالنفصال العاطفي المصحوب بحزن عميق أو اضطراب ذهني قد يقربه من فقدان
توازنه ،وانهيار شخصيته.فالكتابة على الجسد (الوشم) هي تعبير عن هذا االضطراب والضيق المستمر،
" والقلق الدفين الذي يحاول الفرد التغلب عليه أو إخفاء معالمه تحت طيات الوشم27.
وأكثر من هذا يحقق الوشم لإلنسان الكمال والتوازن بين الشعور والالشعور واألمن النفسي والراحة
الداخلية .وبتعبير آخر ،فإن " ابتكار الوشم والرموز المستعملة فيه قد جاء باالرتباط مع اكتساب اإلنسان
الوعي بعدم اكتماله .ومن ثمة ،فإن الوشم يكون وسيلة لالقتراب من الكمال ،ويتعلق األمربتحقيق التوازن
بين الوعي والالوعي ،إذ يعتبر عالمة ولوج عالم وحياة الكبار ،فيوشم جسم الفتاة برسوم تشخص حلم
أمها واستيهامها ،وهي ممارسة غير مجانية ،بل تسعى إلى حمايتها من كل ما يمكن أن يتهدد مستقبلها".
28
ويعني هذا أن الوشم يؤدي وظيفة سيكولوجية شعورية والشعورية ،بالتعبير عن القبح والنقص معا،
.والرغبة في الكمال والتوازن والرضا النفسي والروحاني
:الوظيفة الجنسية
تستعمل المرأة األمازيغية الوشم لوظائف جنسية إيروسية وشبقية ،إذ تنقشه المرأة في مختلف جسدها،
وخاصة في فرجها ومؤخرتها ونهديها .وكذلك ،تستعمله في باقي األطراف التناسلية األخرى .والهدف من
ذلك هو إثارة اللذة والرغبة والمتعة عند الطرف الجنسي المقابل ،بغية الزواج أو االستمتاع الجنسي.
ويعني هذا أن الوشم ذو" مضمون جنسي خاصة عند المرأة األمازيغية التي تتزين بالوشم في غياب
"المساحيق الملونة قصد التمييز على الرجل ،وأخيرا[كبح ] شهوة الجماع المتجدد29...
وعليه ،فالوشم عالمة إيروسية وشبقية بامتياز ،تحيل على شهوة الجسد العارمة ،ورغبته في اللذة
.والمتعة والتواصل الدافىء
:الوظيفة األيقونية
الوشم عبارة عن كتابة سيميائية بصرية وأيقونية ،ترد في شكل خطوط وإشارات وعالمات ونقط هندسية
ورمزية .ويرد أيضا في شكل كتابة تشبه كثيرا حروف تيفيناغ وخطوط أبجديات حضارية أخرى .وبهذه
الكتابة ،يتمرد الجسد عن لغة القول واللسان ،لينتقل إلى عوالم الكتابة والنقش والتشكيل والزخرفة
والتحبير والتنميق .وبهذا ،ينتقل الوشم ،بمفهوم جاك ديريدا ،من سلطة الدال الصوتي إلى الدال المكتوب،
من خالل التخلص من أيقون السلطة وعدوى المركزية بغية االنصهار في أيقون المهمش .وبالتالي ،يعني
.ذلك االنتقال من المقدس إلى المدنس
:الوظيفة الفلكية
يتخذ الوشم وظيفة فلكية مرتبطة باألبراج السماوية؛ ألن العالمات السيميائية واألشكال األيقونية البصرية
تحمل دالالت فلكية ،وتعبر عن اختالف األمزجة النفسية لدى اإلنسان األمازيغي .ومن ثم ،نجد رسوما
وشمية فلكية متنوعة ،تدل على برج الجدي ،وبرج الثور ،وبرج العقرب ،وبرج السحلية ،وبرج الذبابة،
...وبرج الخنفساء ،وبرج العنكبوت
ومن هنا ،تتخذ هذه الرموز الوشمية عدة وظائف داللية ورمزية ،كداللة الخصوبة ،والداللة األنثوية،
والداللة الشبقية ،والداللة الحركية ،وداللة القوة والعنف ،وداللة االتقاء من الشر والموت ،والداللة على
...القوة الطائشة ،وداللة الفرح والكرم
...ومن هنا ،تختلط الوظيفة الفلكية بالوظائف الخرافية والسحرية والعجائبية والدينية
:الوظيفة التمييزية
كان الوشم ،عند البربر ،يؤدي وظيفة تمييزية أو وظيفة اختالفية بمفهوم جاك ديريدا ،إذ كان يميز بين
القائل األمازيغية ،إذ كانت النساء بوشمن ،كما يوشم األطفال لكي يتعرفوا إليهم أثناء تيههم واختفائهم
وفقدانهم .وكان الوشم مميزا لألنثى العازبة مقارنة باألنثى المتزوجة على غرار وشوم الهنديات .وكان
الوشم يستعمل قديما-إبان التواجد الروماني في أرض تمازغا -للتمييز بين األحرار والعبيد واألرقاء
والسجناء على شاكلة اليونانيين .وفي هذا ،يقول عبد الكبير الخطيبي ":والوشم ،كامتالك متعدد ،أي
مجرد جواز مرور أو جواز سفر ،طلسم (طريقة لتقوية الذاكرة) ،وقد كان في أفريقيا عبارة عن وسم
يفرضه السيد على العبد.نشم العبد مثلما نشم الحيوان عادة.إنه أيضا بالنسبة للمحكومين باألعمال الشاقة،
على عهد الملكية الفرنسية ،أو عالمة للتمييز الخاصة ببعض فيالق الجيش المغربي قبل المرحلة
االستعمارية30".
هذا ،و" يحمل الوشم عند بعض القبائل األمازيغية الريفية (كبني توزين) تاريخ القبائل التي تنتمي إليها،
وكذلك عاداتها وتقاليدها االجتماعية ،إذ لكل قبيلة أو عشيرة عالماتها المميزة وإشاراتها التي يمكن
بفضلها التعرف إلى أبنائها ،فوجود وشم معين معناه االنتماء إلى جماعة محددة تختلف عن الجماعة
األخرى.فهي ،إذاً ،عالمة للتعرف على هوية من يحمل هذه الظاهرة .وهناك من يؤكد أن أصل الوشم يعود
إلى ممارسات السحر ،واستخدام بعض األشياء الواقية ،لقد تعددت وظائفه تبعا للفترات والثقافات والنظم
االجتماعية التي عرفتها مختلف القبائل األمازيغية31".
.ومن هنا ،فقد كان الوشم عالمة للوسم والتمييز والمقارنة ،وكذلك عالمة لالختالف والتعرف إلى الذوات
:خاتمة
وخالصة القول ،يتبين لنا ،مما سبق ذكره ،بأن الوشم ظاهرة ثقافية أمازيغية بامتياز ،ارتبطت باإلنسان
األمازيغي منذ القديم ،ومازالت هذه الظاهرة مستمرة إلى يومنا هذا ،والسيما في البوادي النائية التي لم
.تتغلغل فيها آثار الحضارة الغربية المعاصرة ،على الرغم من موقف اإلسالم الرافض للوشم
هذا ،ويعبر الوشم عن فلسفة االنتقال من الطبيعة إلى الثقافة ،أو االنتقال من الشفهي إلى المكتوب ،أو
...االنتقال من المركز إلى المهمش والمختلف
ومن ثم ،فالوشم تعبير عن هوية اإلنسان األمازيغي وكينونته وحضارته وإنسيته ووجوده األكيد فوق
أرض تامازغا الكبرى أو أرض شمال أفريقيا .وغالبا ،ماكان الوشم مقترنا بالمرأة التي كانت تستعمل
الوشم للتزيين والتجميل واالحتفال بجسدها شعوريا والشعوريا .ومن هنا ،فقد اكتسب الوشم ،في الثقافة
األمازيغية ،عدة وظائف :جمالية ،وسحرية ،وعالجية ،وجنسية ،وأنتروبولوجية ،وهوياتية ،واجتماعية،
...ونفسية ،ووجودية ،وفلكية ،وتمييزية ،وأيقونية
.أستاذ التعليم العالي بالمغرب 1 -
.ابن منظور :لسان العرب ،مادة وشم ،حرب الميم ،دار صادر ،بيروت ،لبنان ،طبعة2003م 2 -
عبد الكبير الخطيبي :االسم العربي الجريح ،ترجمة :محمد بنيس ،منشورات عكاظ ،الرباط ،المغرب3 - ،
.الطبعة األولى 2000م ،ص67:
حسين عباسي( :الوشم لدى قبائل أفريقيا الوسطى :الذات والموضوع) ،مجلة الثقافة 4 -
.الشعبية ،البحرين ،العدد ،13السنة الرابعة ،ربيع2011م ،ص84:
.نقال عن حسين عباسي( :الوشم لدى قبائل أفريقيا الوسطى :الذات والموضوع) ، ،ص5 - 84:
ليث الخفاف( :الوشم ووحدة الفلكلور العربي) ،مجلة التراث الشعبي ،العراق ،العدد ،10:السنة 6 - ،11
1980.م ،ص182:
بلقاسم الجطاري( :الوشم كظاهرة سيميوطيقية في الثقافة األمازيغية) ،سؤال الثقافة األمازيغية :البناء 7 -
.والنظرية ،منشورات كلية اآلداب ،وجدة ،المغرب2000 ،م ،ص72:
.عبد الكبير الخطيبي :االسم العربي الجريح ، ،ص8 - 89:
.بلقاسم الجطاري :نفسه ،ص9 - 67:
.بلقاسم الجطاري :نفسه ،ص10 - 73:
.بلقاسم الجطاري :نفسه ،ص11 - 73:
.بلقاسم الجطاري :نفسه ،ص12 - 72:
.بلقاسم الجطاري :نفسه ،ص13 - 73:
.عبد الكبير الخطيبي :نفسه ،ص14 - 80:
نقال عن محمد جنوبي ( :الوشم بين الرموز واألشكال بالمغرب) ،جريدة بيان اليوم ،المغرب ،عدد 15 - 23
.دجنبر 1998م
.بلقاسم الجطاري :نفسه ،ص16 - 69:
.بلقاسم الجطاري :نفسه ،ص17 - 72:
.بلقاسم الجطاري :نفسه ،ص18 - 71:
.حسين عباسي :نفسه ،ص19 - 85-84:
نقال عن فاطمة الزهراء زعيم( :الوشم تميز هوياتي ونضج جنسي) ،موقع هسبريس ،المغرب20 - ،
.موقع رقمي ،بتاريخ08/06/2009 :م
.فاطمة الزهراء زعيم( :الوشم تميز هوياتي ونضج جنسي) ،مقال سبق ذكره 21 -
.بلقاسم الجطاري :نفسه ،ص22 - 73-72:
.حسين عباسي :نفسه ،ص23 - 82:
.بلقاسم الجطاري :نفسه ،ص24 - 73:
.نقال عن محمد جنوبي( :الوشم بين الرموز واألشكال بالمغرب) ،مقال سبق ذكره 25 -
.فاطمة الزهراء زعيم :نفسه ،مقال سبق ذكره 26 -
.بلقاسم الجطاري :نفسه ،ص27 - 73:
.بلقاسم الجطاري :نفسه ،ص28 - 74:
.بلقاسم الجطاري :نفسه ،ص29 - 69:
.عبد الكبير الخطيبي :نفسه ،ص30 - 90:
.بلقاسم الجطاري :نفسه ،ص31 - 72: