Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 67

‫�أيـديـولـوجـيـا الإعــالم‬

‫�أ‪.‬د‪ .‬حممد بن �سعود الب�شر‬


‫ح دار غيناء للن�شر‪1429 ،‬هـ‬
‫فهر�سة مكتبة امللك فهد الوطنية �أثناء الن�شر‬
‫الب�شر‪ ،‬حممد بن �سعود‬
‫�أيدلوجيا الإعالم‪ /.‬حممد بن �سعود الب�شر ‪ -‬ا لريا�ض‪،‬‬
‫‪1429‬هـ‬
‫‪�67‬ص‪�21 * 14.85 ،‬سم‬
‫ردمك‪978-9960- 9804- 5-4 :‬‬
‫‪ -1‬الإعالم ‪ -‬نظريات ‪ -2‬و�سائل الإعالم �أ‪ .‬العنوان‬
‫‪1429/2828‬‬ ‫ ‬ ‫ديوي‪301.16 :‬‬
‫رقم الإيداع‪1429/2828 :‬‬
‫ردمك‪978-9960- 9804- 5-4 :‬‬

‫حقوق الن�شر حمفوظة‬

‫الريا�ض ت‪ 2295119 :‬ف‪2295019 :‬‬


‫‪ghainaabook@hotmail.com‬‬

‫الطبعة الأوىل‬
‫‪1429‬هـ ‪2008-‬م‬
$
‫مقرر األيديولوجيا‬

‫المحتويات‬

‫‪6‬‬ ‫المقدمة‬
‫‪...................................................................................................‬‬

‫‪11‬‬ ‫مفهـوم الأيـديولوجـيا‪.................................................................:‬‬

‫‪12‬‬ ‫المفهوم العام للأيديولوجيا‪...................................................‬‬

‫‪15‬‬ ‫مفهوم الأيديولوجيا الإعالمية‪...............................................‬‬

‫‪17‬‬ ‫�أنـواع الأيـديـولـوجـيا‪..................................................................:‬‬

‫‪19‬‬ ‫الأيديولوجيا المهيمنة‪...............................................................‬‬

‫‪20‬‬ ‫�أيديولوجيا النخبة‪.......................................................................‬‬

‫‪28‬‬ ‫الأيديولوجيا الإعالمية‪..............................................................‬‬

‫‪33‬‬ ‫�أنواع الأيديولوجيا الإعالمية‬


‫‪34‬‬ ‫�أيديولوجيا الن�ص‪........................................................................‬‬

‫‪38‬‬ ‫�أيديولوجيا ال�صورة‪.....................................................................‬‬

‫‪44‬‬ ‫�أيديولوجيا اللغة‪...........................................................................‬‬

‫‪54‬‬ ‫�أيديولوجيا الإعالن ‪....................................................................‬‬

‫‪63‬‬ ‫‪....................................................................................................‬‬ ‫الخاتمة‬

‫‪5‬‬
‫مقرر األيديولوجيا‬

‫المقدمة‬

‫يتزايد االه�ت�م��ام ف��ي ال��درا� �س��ات الإع�لام�ي��ة الحديثة‬


‫بمو�ضوع الأيديولوجيا في الإعالم‪ ،‬ومر َّد ذلك االهتمام �إلى‬
‫عاملين رئي�سين‪:‬‬
‫الأول‪� :‬أن الر�سالة الإعالمية باتت متغير ًا هام ًا في‬
‫�صياغة وعي الجمهور ومواقفهم تجاه الق�ضايا التي تعر�ضها‬
‫و�سائل الإع�لام بكر ًة وع�شياً‪ .‬و�أهمية الر�سالة الإعالمية‬
‫تنبع من اعتماد الجمهور على و�سائل الإعالم ب�شكل �أكبر‬
‫مما كان الأمر عليه في وقت م�ضى‪ .‬ولعل التطور الهائل في‬
‫تقنية الر�سالة الإعالمية وو�سيلتها هو الذي جعل الجمهور‬
‫يعتمدون كثير ًا على الو�سيلة الإعالمية في بحثهم الد�ؤوب‬
‫عن معرفة ما يجري حوله من �أح��داث �سيا�سية وفكرية‬
‫واجتماعية وثقافية واقت�صادية وترفيهية‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫مقرر األيديولوجيا‬

‫ثانياً‪� :‬إدراك القائمين على الو�سيلة الإعالمية‬


‫و�صانعي ر�سالتها لهذا االعتماد الكبير م��ن الجمهور‬
‫على الإع�لام‪ ،‬وت�أثيره في وعيهم ومعارفهم ومواقفهم‬
‫واتجاهاتهم‪ ،‬وقدرته على �صياغة الر�أي العام بالطريقة‬
‫التي يريدها القائم باالت�صال؛ فكان االهتمام ب�أيديولوجيا‬
‫الر�سالة الإع�لام�ي��ة وم��ا تحمله م��ن عقائد و�أف �ك��ار في‬
‫�صدارة �أوّليات الو�سائل الإعالمية‪ ،‬وبخا�صة في المجالين‬
‫الفكري وال�سيا�سي‪ ،‬ويُلحظ ذلك بو�ضوح كبير في التدفق‬
‫المعلوماتي م��ن و�سائل الإع�ل�ام الغربية الموجهة �إلى‬
‫المجتمعات النامية‪ ،‬فقد ك��ان الإع�ل�ام وم��ا يحمله من‬
‫�أيديولوجيا موجهة ـــ وال ي��زال ـــ �أداة ت�أثير كبير على‬
‫الوعي وال�سلوك‪ ،‬و�سالح ًا نافذ ًا يخرم العقول‪ ،‬ويخطف‬
‫الأب�صار‪� ،‬أو هكذا يُراد له‪.‬‬
‫وقد �أدرك ق�سم الإع�لام في جامعة الإم��ام محمد بن‬
‫�سعود الإ�سالمية �أهمية هذا المو�ضوع لدار�سي الإعالم‪،‬‬
‫وبخا�صة في مرحلة البكالوريو�س التي تُكوّن الطالب فكري ًا‬
‫قبل تكوينه مهنياً‪ ،‬ذلك �أن الإعالم هو في حقيقته (محاولة‬
‫‪7‬‬
‫مقرر األيديولوجيا‬

‫�إحداث �أثر) على الجمهور‪ ،‬وهذا الأثر ال يتحقق ما لم يكن‬


‫وراءه ر�سالة تحمل (فكرة) يراد لها �أن تنت�شر‪ ،‬فكان مقرر‬
‫(�أيديولوجيا الإعالم)(‪ )1‬ليتحقق هذا الأثر المرتجى وفق ًا‬
‫لثقافة المجتمع الذي يدر�س فيه الطالب‪.‬‬
‫ُح�صلة محا�ضرات �ألقيتُها على طلبة‬ ‫هذا الكتاب هو م ِّ‬
‫البكالوريو�س في ق�سم الإع�لام في الجامعة‪ ،‬راعيت في‬
‫�إعداده �أمور ًا �أربعة‪:‬‬
‫الأول‪� :‬أن يكون مخت�صر ًا وجامعاً‪.‬‬
‫الثاني‪� :‬أن يكون مركز ًا ومبا�شر ًا في المعلومة التي‬
‫يقدمها‪ ،‬وُتتْرك �شواهدها وتطبيقاتها ــــ ما �أمكن ــــ تبع ًا‬
‫لم�ستجدات الأحداث في بُعدْ يها الزمني والمو�ضوعي‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬قد يتبادر �إىل ذهن املتخ�ص�ص �أو القارئ من عنوان الكتاب (�أيديولوجيا الإعالم) �أن‬
‫للإعالم �أيديولوجيا خا�صة به متيزه عن غريها‪ ،‬واملق�صود‪( :‬الأيديولوجيا يف الإعالم)‪،‬‬
‫�أي الأيديولوجيا (�أو الأفكار �أو املرجعيات الثقافية واحل�ضارية) املتج�سدة يف الر�سالة‬
‫الإعالمية التي تنقلها و�سائل الإعالم‪ .‬وهذا م�ستخدم يف لغة العرب‪� ،‬شاهد ذلك من القر�آن‬
‫الكرمي قوله تعاىل‪{ :‬بَلْ مَكْ ُر ال َّليْلِ وَ ال َّنهَارِ} (�سب�أ‪ )33:‬والتقدير‪ :‬بل مكر يف الليل ومكر‬
‫يف النهار‪ ،‬قال ال�شوكاين يف فتح القدير (‪ )328/4‬واملعنى‪ :‬بل مكركم بنا الليل والنهار‪،‬‬
‫فحذف امل�ضاف �إليه و�أقيم الظرف مكانه ات�ساعاً‪ .‬فتبني بهذا �أن (�أيديولوجيا الإعالم)‬
‫ت�شري �إىل الأيديولوجيا التي ينقلها القائم باالت�صال من خالل الو�سيلة الإعالمية‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫مقرر األيديولوجيا‬

‫الثالث‪� :‬أن يكون �سه ًال في لغته و�أ�سلوبه بما ينا�سب‬


‫�أفهام الطلبة في هذه المرحلة الدرا�سية‪.‬‬
‫الرابع‪� :‬أن يكون منا�سب ًا لغير المتخ�ص�صين في الإعالم‬
‫�أي�ضاً‪ ،‬ممن ي�ستهويهم البحث وين�شدون المعرفة عن العالقة‬
‫بين الإعالم والأيديولوجيا‪.‬‬
‫والكتاب في مو�ضوعه جديد على الم�صنفات الإعالمية‬
‫العربية‪ ،‬وهو ــــ ومن ثم ــــ يحتاج �إل��ى المزيد من طرق‬
‫مو�ضوعات �أخ��رى ذات عالقة بعنوانه‪ ،‬و�إل��ى ملحوظات‬
‫المتخ�ص�صين لتثري م�ضمونه‪.‬‬

‫�أ�س�أل اهلل ــــ تعالى ــــ التوفيق وال�سداد في القول والعمل‪،‬‬


‫والحمد هلل �أو ًال و�آخراً‪.‬‬

‫الم�ؤلف‬
‫‪�11‬صفر ‪ 1429‬هـ‬

‫‪9‬‬
‫مفهـوم األيـديولوجـيا‬
‫المفهوم العام لأليديولوجيا‬
‫مفهوم األيديولوجيا اإلعالمية‬
‫مقرر األيديولوجيا‬

‫المفهوم العام للأيديولوجيا‪:‬‬


‫تتنوع تعريفات الباحثين لم�صطلح الأيديولوجيا بتنوع‬
‫منطلقاتهم الفل�سفية وتخ�ص�صاتهم العلمية‪ .‬وف��ي تحديد‬
‫مفهوم هذا الم�صطلح نختار من التعريفات ما يت�ضمن العنا�صر‬
‫الرئي�سية التي تكررت في كتابات المتخ�ص�صين‪.‬‬
‫فقد عرف (بيكر ‪ )Becker‬الأيديولوجيا ب�أنها‪( :‬مجموعة‬
‫من المرجعيات‪ ،‬تتكون من محددات قِيميّة متداخلة ت�ساعدنا‬
‫في تحديد ر�ؤيتنا �إلى العالم والتكيف معه)(((‪.‬‬
‫وي�شرح (هول ‪ )Hall‬مفردة (المرجعيات) في تعريفه‬
‫ال��ذي ين�ص على �أن (الأي��دي��ول��وج�ي��ا ه��ي المرجعيات‬
‫الذهنية‪ ،‬مثل‪ :‬الأفكار‪ ،‬واللغة‪ ،‬والمفاهيم‪ ،‬التي تعمل‬
‫َوفْقها جماعات معينة في المجتمع‪ ،‬وت�ؤثر في ر�ؤية هذه‬
‫‪(1) Becker,S. (1984) Marxist approaches to media studies: the‬‬
‫‪British experience. Critical Studies in Mass Communicaton.‬‬
‫‪1,66- 80.p.69.‬‬

‫‪12‬‬
‫مقرر األيديولوجيا‬

‫الجماعات �أثناء حراكها المجتمعي)(((‪.‬‬


‫وي��ؤك��د (ليلكر ‪� )Lilleker‬أن عن�صر الأف�ك��ار في مفهوم‬
‫الم�صطلح هو العن�صر الرئي�سي والم�ؤثر على ال�سلوك الذي هو‬
‫نتيجة الفكرة �أو المعتقد‪ .‬فيقول في تعريفه‪:‬‬
‫(الأيديولوجيا هي مجموعة من الأفكار والمعتقدات التي‬
‫تعمل بو�صفها مر�شدة لل�سلوك �أو �ضابطاً له)(((‪.‬‬
‫وبت�أمُّل هذه التُّعريفات الثالثة الرئي�سية يتبين �أن الأيديولوجيا‬
‫هي مرجعيات ذهنية تتكون من مجموعة �أفكار ومفاهيم ي�ؤمن‬
‫بها الفرد‪ ,‬ويترجمها �إلى �سلوك في واقعه االجتماعي‪ .‬فهذه‬
‫الأفكار والمفاهيم ت�ؤثر في ر�ؤية الفرد �إلى الأ�شياء من حوله‪،‬‬
‫والت�صورات الذهنية التي يحملها عن هذه الأ�شياء‪ ،‬ثم ــــ تبع ًا‬
‫لذلك ــــ ت�ؤثر في طبيعة �سلوكه �أثناء حراكه داخل المجتمع‪.‬‬
‫ويح�سن هنا التنويه �إل��ى �أم��ور ثالثة ذات عالقة بمفهوم‬
‫الأيديولوجيا وعالقتها بالفرد والجماعات والمجتمع‪:‬‬
‫‪� -1‬أن الأيديولوجيا ال ت�شير �إلى العامل الديني فقط‪ ،‬كما‬
‫يت�صور بع�ضهم نتيجة اال�ستخدام الفل�سفي الخاطئ لهذا‬
‫‪(1) Hall. S.(1986) The proplem of ideology. Journal of Commu-‬‬
‫‪nication Inquiry. 10, (2), 28 -44- P.29.‬‬
‫‪(2) Lilleker, Darrn D. (2006). Key Conepts in Political Communi-‬‬
‫‪cation. London: Sage Publication.‬‬
‫‪13‬‬
‫مقرر األيديولوجيا‬

‫الم�صطلح‪ ،‬وبخا�صة في و�سائل الإعالم‪.‬‬


‫فم�صطلح الأيديولوجيا ي�شير �إلى �أنواع من الأيديولوجيات‬
‫التي ت��ؤث��ر ف��ي العالم المعنوي �أو ال�سلوكي للفرد‪ .‬فهناك‬
‫الأيديولوجيا الدينية‪ ،‬وهناك الأيديولوجيا ال�سيا�سية‪ ،‬وهناك‬
‫الأيديولوجيا االجتماعية‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫فالأيديولوجيا الدينية ت�شير �إل��ى المعتقد الديني للفرد‪،‬‬
‫والأيديولوجيا ال�سيا�سية ت�شير �إلى اعتناق فكر �سيا�سي ذي‬
‫غاية �أو غايات محددة‪ ،‬والأيديولوجيا االجتماعية ت�شير �إلى‬
‫جملة القيم والأع��راف ال�سائدة في مجتمع معين والتي ت�ؤثر‬
‫على البناء المعنوي وما ينتج عنه من �سلوك‪ .‬فكل فكرة ــــ �أي ًا‬
‫كان نوعها ــــ ت�ؤثر في ر�ؤية الفرد �أو الجماعة وينتج عنها �سلوك‬
‫يتوافق معها فهي نوع من الأيديولوجيا‪.‬‬
‫‪ -2‬قد ال تتفق الأيديولوجيا التي يحملها الفرد �أو الجماعة‬
‫في مجتمع معين مع الأيديولوجيا ال�سائدة في هذا المجتمع‪ ,‬بل‬
‫توجد �أيديولوجيات فردية �أو جماعية تتناق�ض معه‪.‬‬
‫‪ -3‬لي�س بال�ضرورة �أن تتفق الأيديولوجيا التي يفر�ضها نموذج‬
‫ال�سلطة ال�سيا�سية مع الأيديولوجيا ال�سائدة في المجتمع‪.‬‬
‫فهناك ح��االت كثيرة تتناق�ض فيها �أيديولوجيا النظام‬
‫ال�سيا�سي (الدينية وال�سيا�سية خ�صو�صاً) مع الأيديولوجيا‬
‫المهيمنة على �سائر �أفراد المجتمع‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫مقرر األيديولوجيا‬

‫مفهوم الأيديولوجيا الإعالمية‪:‬‬


‫كلما كان هناك ات�صال فثمَّة حتم ًا �أيديولوجيا‪ .‬هذه الأيديولوجيا �إذا‬
‫لم تكن جليّة ووا�ضحة ف�إنها تكون خفية ((( في الر�سالة االت�صالية‪.‬‬
‫فاالت�صال ــــ تقنيات وم�ضامين ــــ ال يُ�ستنبت في بيئة جرداء‪،‬‬
‫�أو ف�ضاء عقيم‪ ،‬بقدر ما هو �إفراز ل�سياق ثقافي واجتماعي مبنيٍّ‬
‫ــــ في �شكله ومعناه ــــ على تمثُّل محدّدات للذات‪ ،‬وت�صورات‬
‫معينة للكون والحياة(((‪.‬‬
‫ف�أيديولوجيا الإع�ل�ام ــــ بهذا المعنى ــــ ه��ي‪ :‬نظام من‬
‫الأفكار‪ ،‬يُعبر عنه من خالل العملية االت�صالية‪ ،‬التي ت�شمل‬
‫القائم باالت�صال وطريقة ا�ستخدامه للن�ص �أو اللغة �أو ال�صورة‬
‫(ال�ساكنة �أو المتحركة) التي تنقلها الو�سيلة الإعالمية‬
‫المطبوعة�أوالم�سموعة �أوالمرئية‪.‬وهذهالعنا�صرالثالثة(الن�ص‬
‫واللغة وال�صورة) قد تكون متفرقة في الر�سالة الإعالمية‪ ،‬ك�أن‬
‫يكون الن�ص دون �صورة‪� ،‬أو تكون ال�صورة معبرة عن المعنى‬
‫با�ستقاللية كاملة عن الن�ص‪ .‬وقد تت�ضمن الر�سالة الإعالمية‬
‫هذه العنا�صر الثالثة مجتمعة فتكون �أكثر قدرة على الإقناع‬
‫والت�أثير في جمهور الو�سيلة الإعالمية‪.‬‬
‫((( يحيى اليحياوي‪� ،‬أوراق يف التكنولوجيا والإعالم والدميقراطية‪ ،‬دار طيبة‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫ط‪� ،2004 ،1‬ص ‪.39‬‬
‫((( املرجع ال�سابق‪ ،‬بت�صرف ب�سيط‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫أنـواع األيـديـولـوجـيا‬
‫األيديولوجيا المهيمنة‬
‫أيديولوجيا النخبة‬
‫األيديولوجيا اإلعالمية‬
‫مقرر األيديولوجيا‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫تذكر الكثير من الدرا�سات النظرية عن الأيديولوجيا �أنها‬
‫تنق�سم �إلى �أنواع ثالثة‪:‬‬
‫‪ -1‬الأيديولوجيا المهيمنة‪.‬‬
‫‪� -2‬أيديولوجيا النخبة‪.‬‬
‫‪ -3‬الأيديولوجيا الإعالمية‪.‬‬
‫فالأيديولوجيا المهيمنة (‪ )Dominant Ideology‬ت�شير‬
‫�إلى‪ :‬الأفكار وال��ر�ؤى التي تمثل قا�سم ًا م�شترك ًا بين الأكثرية‬
‫في مجتمع معين‪ ،‬مثل‪ :‬الإ�سالم‪ ،‬والليبرالية‪ ،‬واال�شتراكية‪،‬‬
‫والمادية الإلحادية‪ ،‬وغيرها مما نراه م�شاهد ًا في عالم اليوم‪.‬‬
‫و�أيديولوجيا النخبة هي الأيديولوجيات �أو التوجهات ال�سيا�سية‬
‫ذات العالقة بالحكومة �أو ال�سلطة في زمن معين‪.‬‬
‫وفي كثير من الحاالت يكون هذا النوع متفق ًا مع الأيديولوجيا‬
‫المهيمنة (�أيديولوجيا المجتمع)‪.‬‬
‫وهناك حاالت تختلف فيها �أيديولوجيا النخبة عن �أيديولوجيا‬
‫‪18‬‬
‫مقرر األيديولوجيا‬

‫المجتمع‪ .‬وت�شير الدرا�سات((( �إلى �أنه عندما تختلف �أيديولوجيا‬


‫النخبة عن الأيديولوجيا (المهيمنة) ف�إن �أيديولوجيا النخبة‬
‫يكون لها االنت�شار والت�أثير المبا�شر على عمل و�سائل الإعالم‪.‬‬
‫�أما الأيديولوجيا الإعالمية فتعنى المحددات المرجعية التي‬
‫ت�ؤثر في عمل القائم باالت�صال‪ .‬وعادة ما يكون هذا النوع من‬
‫الأيديولوجيا معزز ًا لأيديولوجيا النخبة‪.‬‬
‫وفيما يلي نعر�ض ب�شيء من التف�صيل لكل نوع من هذه الأنواع‬
‫الثالثة‪:‬‬
‫الأيديولوجيا المهيمنة‪:‬‬
‫ت�شير الأيديولوجيا المهيمنة �إل��ى المعتقدات الدينية �أو‬
‫نوع الفكر ال�سائد في المجتمع‪ .‬فهناك مجتمعات ت�سود فيها‬
‫المعتقدات الدينية‪ ،‬مثل‪ :‬الإ�سالم‪ ،‬واليهودية‪ ،‬والن�صرانية‪،‬‬
‫والوثنية‪ ،‬والإلحاد‪.‬‬
‫وهناك مجتمعات علمانية ــــ حكومة و�أفراد ًا ــــ ت�ؤمن بف�صل‬
‫الدين عن �ش�ؤون الحياة‪ ،‬لكن الأفراد مرتبطون ــــ عقدي ًا ــــ بدين‬
‫‪(1) Becker,s. (1984).. Marxist approaches to media studies: the‬‬
‫‪British experience. Critical Studies in Mass Communicaton.‬‬
‫‪1,66- 80.p.73.‬‬

‫‪19‬‬
‫مقرر األيديولوجيا‬

‫ي�ؤمنون به وي�ؤثر في ر�ؤيتهم للحياة وفي عواطفهم وم�شاعرهم‬


‫التي تنت�صر لدينهم‪ ،‬وهذا النوع �سائد في المجتمعات الغربية‬
‫على وجه الخ�صو�ص‪.‬‬
‫�أما في العالم الإ�سالمي فالأيديولوجيا المهيمنة مرتبطة‬
‫بالإ�سالم وقيمه ومبادئه‪ ،‬وال�شعوب الإ�سالمية ال يمكن �أن‬
‫تف�صل ر�ؤيتها ل�ش�ؤون الحياة عن الإ�سالم‪ ،‬وما نراه اليوم من‬
‫فر�ض الحكومات والأح��زاب ال�سيا�سية لأيديولوجيا مخالفة‬
‫لدين الإ�سالم �إنما هو نوع من الإكراه الذي ال تر�ضاه ال�شعوب‪،‬‬
‫ولو �أتيح لها �أن تختار عن طريق االنتخابات ال�شعبية العامة‬
‫ــــ مث ًال ــــ الختارت الإ�سالم منهج ًا للحياة في كل مجاالتها‪ ،‬كما‬
‫ر�أينا ذلك في تركيا‪ ،‬والجزائر‪ ،‬وفل�سطين‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫ف�أيديولوجيا المجتمعات الإ�سالمية ــــ في غالبها ــــ مخالفة‬
‫لأيديولوجيا النخب الحاكمة ــــ في كثير من الجوانب ــــ‪،‬‬
‫والأيديولوجيا التي ي�ؤمن بها �أفراد ال�شعب هي الأيديولوجيا‬
‫المهيمنة وال���س��ائ��دة ف��ي المجتمع‪ ،‬حتى و�إن اختلفت عن‬
‫�أيديولوجيا النخبة‪.‬‬
‫�أيديولوجيا النخبة‪:‬‬
‫المق�صود بمفهوم �أيديولوجيا النخبة هي �سيطرة �أفكار‬
‫‪20‬‬
‫مقرر األيديولوجيا‬

‫معينة على الأفكار ال�سائدة في المجتمع‪ .‬وي�شير هذا النموذج‬


‫�إلى �أن النخبة في مجتمع ما هي التي تقرر نوعية الأفكار التي‬
‫ينبغي �أن ت�سيطر في الحياة العامة‪ .‬هذه الأفكار يمكن �أن تكون‬
‫تفخيم ًا �سردي ًا نحو التفوق العرقي‪� ،‬أو الترويج للر�أ�سمالية‪،‬‬
‫�أو تكري�س الديمقراطية‪� ،‬أو تكري�س الأعراف والمعايير والقيم‬
‫ال�سائدة في المجتمع �أو تعزيزها(((‪.‬‬
‫وت�شير كتابات المتخ�ص�صين في ه��ذا المجال �إل��ى �أن جذور‬
‫�أيديولوجيا النخبة تعود �إلى الفكر المارك�سي الذي طوّره (�أنطونيو‬
‫غرام�شي ‪ )Antonio Gramsci‬في الثالثينيات من القرن الع�شرين‬
‫الميالدية‪ ،‬وكتاباته الفكرية حول (مو�سوليني ‪ )Mussolini‬في‬
‫�إيطاليا‪ .‬وقد ذهب (غرام�شي) �إلى �أن النُّخب االجتماعية ــــ بما في‬
‫ذلك الكني�سة ــــ تمار�س نوع ًا من القيادة االجتماعية والثقافية من‬
‫خالل تعليم النا�س كيف يعي�شون بهدف ال�سيطرة على المجاالت‬
‫ال�سيا�سية واالقت�صادية والثقافية في المجتمع(((‪.‬‬
‫وتمار�س ه��ذا النوع من الأيديولوجيا فئتان هامّتان في‬

‫‪(1) Lilleker, Darren D. (2006). Key Conepts in Political Commu-‬‬


‫‪nication. London: Sage, P.89.‬‬
‫((( املرجع ال�سابق‪.‬‬
‫‪21‬‬
‫مقرر األيديولوجيا‬

‫المجتمع ولهما ت�أثير كبير على �أفراده‪ ،‬هما‪ :‬النخب الحاكمة‬


‫والأحزاب ال�سيا�سية‪.‬‬
‫فيما يلي حديث عن ت�أثير هاتين الفئتين في الأيديولوجيا‪:‬‬
‫‪ -1‬النُّخب الحاكمة‪:‬‬
‫من خالل كتابات (غرام�شي) وتحليالته الفكرية يتبين �أن‬
‫هناك نوع ًا من الإجماع حول �سيطرة الحكومة و�أثرها الكبير‬
‫على الحياة المدنية‪ ،‬ومن ذلك‪� :‬أ�شكال التربية – �سواء �أكانت‬
‫ر�سمية �أم غير ر�سمية – التي تعزز المفاهيم التي تريدها‬
‫الحكومة‪ ،‬وتعمل على الترويج لها عن طريق و�سائل الإعالم‬
‫والقنوات ذات الثقافة الجماهيرية(((‪.‬‬
‫ويتفق (ليلكر ‪ )Lilleker‬مع (غرام�شي ‪ )Gramsci‬في هذا‬
‫المعنى‪ ،‬م�ؤكد ًا �أن المعايير االجتماعية يجري و�ضعها ــــ في‬
‫الغالب ــــ عن طريق جهات عليا تمثلها النُّخب‪ .‬هذا االمتثال‬
‫والإذعان ال يتم بال�ضرورة من خالل الإكراه المبا�شر‪ ،‬بل من‬
‫خالل �سلطة غير مُ�سيَّ�سة‪ ،‬يمكن �أن تكون جهات م�س�ؤولة عن‬
‫تطبيق القانون‪� .‬أو �شخ�صيات في المجتمع لها نوع من ال�سلطة‪،‬‬
‫مثل‪ :‬الق�ضاة‪ ،‬التربويون‪ ،‬الإعالميون‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬

‫((( املرجع ال�سابق‪.‬‬


‫‪22‬‬
‫مقرر األيديولوجيا‬

‫كما �أنه لي�س �شرط ًا �أن تكون هذه ال�شخ�صيات منتمية للحزب‬
‫الحكومي‪ ،‬بل هم �أفراد من المجتمع يُوظفون من الدولة لدعم‬
‫المعايير التي ت�ضعها(((‪.‬‬
‫وخال�صة ما كتبه المارك�سي الإيطالي (غرام�شي) ت�شير �إلى �أن‬
‫مفهوم �أيديولوجيا النخبة يرتبط بت�سا�ؤالت حول الثقافة والقوة‬
‫والأيديولوجيا‪ ،‬و�أن المجموعات الحاكمة يمكن �أن تحافظ على‬
‫�سلطتها من خالل القوة �أو القبول‪� ،‬أو كليهما‪ .‬فالحكم بالقوة‬
‫يتطلب ا�ستخدام م�ؤ�س�سات مثل الجي�ش وال�شرطة التي ت�ضمن‬
‫طاعة ال�شعب لتوجهات الحكومة‪ .‬و�أما قبول هذه التوجهات فيتم‬
‫عن طريق الترويج للأيديولوجيا من خالل الو�سائل الثقافية في‬
‫المجتمع و�أبرزها الم�ؤ�س�سات التربوية وو�سائل الإعالم‪.‬‬
‫وعلى الرغم من �أن كتابات الفال�سفة الغربيين عن �أيديولوجيا‬
‫النخبة تجري من خالل ما �شهدته �أوروبا من تحوالت فكرية و�سيا�سية‬
‫وحروب وثورات ع�سكرية‪� ،‬إال �أن هذا النموذج يمكن تتبُّعه في ثقافات‬
‫�أخرى غير الثقافة الغربية‪ ،‬بل �إن الثقافات الأخرى ت�ؤكد �أن جذور‬
‫هذا النوع من الأيديولوجيا مبثوث في ت�أريخ الأمم وال�شعوب‪ ،‬وهو‬
‫�أقدم بكثير مما عرفته الكتابات �أو الدرا�سات الغربية‪.‬‬

‫((( املرجع ال�سابق‪.‬‬


‫‪23‬‬
‫مقرر األيديولوجيا‬

‫فقد حدثنا القر�آن الكريم ــــ وهو �أو ثق م�صدر للتاريخ ــــ‬
‫عن �صور عديدة من الت�سلُّط والتجبُّر الب�شري للنخب الحاكمة‬
‫عبر ت��اري��خ الأم��م وال�ح���ض��ارات ال�سابقة‪ ،‬وذل��ك ف��ي �سياق‬
‫الحديث عن دعوة الر�سل وقيامهم بواجبات الدعوة �إلى اهلل‬
‫وبيان الحق للنا�س‪ ،‬فيواجههم المت�سلطون من كبراء �أقوامهم‬
‫و�سادتهم باال�ستكبار‪ ،‬والتجبر‪ ،‬واال�ستهزاء‪ ،‬والإيذاء الج�سدي‬
‫والنف�سي‪ ،‬وا�ستخدام كل و�سائل ال�صد عن الحق والدعوة كما‬
‫ح�صل لأنبياء اهلل نوح وهود و�صالح و�إبراهيم و�شعيب ومو�سى‬
‫وعي�سى ومحمد عليهم ال�سالم(((‪.‬‬
‫ولذلك؛ ف�إن جذور �أيديولوجيا النخبة تعود �إلى �أبعد مما ذكرته‬
‫الكتابات الغربية الحديثة‪ ،‬فهو مفهوم موجود بوجود كل �سلطة‬
‫حاكمة تفر�ض توجهاتها على النا�س‪� ،‬إما بالقوة والإكراه‪ ،‬و�إما‬
‫بالترغيب والت�أثير عليهم‪ .‬بل �إن �أو�ضح �صور هذا النموذج‬
‫ما نراه في المجتمعات المعا�صرة التي ظهرت فيها حكومات‬
‫ليبرالية‪� ،‬أو �شيوعية‪� ،‬أو قومية‪� ،‬أو بعثية‪� ،‬أو غيرها من �أنواع‬
‫الحكومات التي تكر�س لأيديولوجيا متعددة وتفر�ضها على‬

‫((( حممد بن عبداهلل اخلرعان‪� ،‬أ�صول و�أ�س�س النظم الإعالمية‪ ،‬بحث غري من�شور‪،‬‬
‫‪1424‬هـ ‪� -‬ص ‪.24‬‬
‫‪24‬‬
‫مقرر األيديولوجيا‬

‫�شعوبها؛ �إم��ا بالقوة الع�سكرية‪ ،‬و�إم��ا بالت�أثير الثقافي عبر‬


‫م�ؤ�س�سات المجتمع المدني المختلفة‪ ،‬و�أهمها الإعالم‪ ،‬حتى و�إن‬
‫اختلفت هذه الأيديولوجيا عن الثقافة ال�سائدة في المجتمع‪.‬‬
‫‪ -2‬الأحزاب ال�سيا�سية‪:‬‬
‫وهي الفئة الثانية من النُّخب التي ت�سعى �إلى الترويج لقيم‬
‫معينة قد تتفق مع القيم ال�سائدة في المجتمع �أو تختلف عنها‪.‬‬
‫فالحزب ال�سيا�سي يقوم على مجموعة من الأفكار التي ي�سعى‬
‫�أتباعه �إلى تر�سيخها في المجتمع الذي ين�شط فيه‪ .‬وعلى الرغم‬
‫من �أن غاية الحزب ال�سيا�سي هي الو�صول �إلى ال�سلطة(((‪� ،‬إال‬
‫�أن له وظائف �أخرى ي�سعى �إلى تحقيقها عبر و�سائله و�أدواته‬
‫المختلفة‪ ،‬و�أهمها و�سائل االت�صال‪ .‬بل �إن الكثير من الأحزاب‬
‫ال�سيا�سية ال ت�ستطيع �أن تبني قاعدتها ال�شعبية والجماهيرية‬
‫((( حممد العويني‪ .‬العلوم ال�سيا�سية‪ :‬درا�سة يف الأ�صول والنظريات والتطبيق‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫عامل الكتب‪،‬ط‪1988 ،1‬م‪� ،‬ص‪.48‬‬
‫وانظر �أي�ض ًا‪� :‬إ�سماعيل علي �سعد‪ ،‬درا�سات يف املجتمع وال�سيا�سة‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار النه�ضة‬
‫العربية‪1988 ،‬م‪ ،‬ج‪.1‬‬
‫وانظر �أي�ض ًا‪:‬‬
‫‪Burnham , Walter D. ( 1986 ). Democracy in the making: Ameri-‬‬
‫‪can Government and Politics. Prentice-Hall , Englewood Cliffs:‬‬
‫‪N.J , P. 243.‬‬
‫‪25‬‬
‫مقرر األيديولوجيا‬

‫لك�سب انتماء �أف��راد المجتمع �إال من خالل محاوالتها لن�شر‬


‫ما ت�ؤمن به من �أفكار‪ ،‬ومن ثم �إقناع الجماهير بها‪.‬‬
‫و�إذا كانت �أيديولوجيا الأحزاب ال�سيا�سية ت�شير �إلى مجموعة‬
‫من الأفكار التي تهدف �إلى تحقيق غاية �سيا�سية؛ ف�إن عملية‬
‫نقل تلك الأفكار �إلى الجماهير لتحقيق ذلك الهدف �أو الغاية‬
‫ال�سيا�سية ال تجري �إال با�ستخدام �أدوات التعبير الجماهيري‬
‫عنها‪ ،‬وهو ما يمكن �أن تقوم به و�سائل االت�صال‪.‬‬
‫يقول (ليكر ‪� :)Lilleker‬إن الأيديولوجيا هي جوهر عمل‬
‫الأح��زاب ال�سيا�سية ون�شاطها‪ ،‬بل هي بمثابة القلب الناب�ض‬
‫للحزب‪ ،‬وه��ي محور ال��والء ال��ذي يجمع �أع���ض��اءه‪ ،‬وي�صبغ‬
‫برامجه؛ ذلك �أن التعاون بين �أع�ضاء الحزب ال يقوم على‬
‫المكا�سب ال�شخ�صية‪ ،‬بل على مجموعة من المبادئ التي ينطلق‬
‫منها الحزب ويعمل من �أجلها (((‪.‬‬
‫وحتى نت�صور موقع الأيديولوجيا من الحزب ال�سيا�سي يمكن‬
‫ت�أمُّل ال�شكل التالي(((‪:‬‬

‫‪(1) Lilleker , ibid , p.92.‬‬


‫((( املرجع ال�سابق‪.‬‬
‫‪26‬‬
‫مقرر األيديولوجيا‬

‫والقيم)‬

‫ا ألي‬
‫ديول‬
‫وجيا ألفكار‬
‫(ا‬
‫اسسا‬ ‫تج‬
‫املن‬
‫ت)‬

‫ي‬ ‫س‬‫س‬‫و‬ ‫ع‬‫أ‬ ‫أ‬ ‫(‬

‫ا‬
‫ء‬ ‫ا‬ ‫ض‬ ‫ض‬

‫تصص‬
‫هنية‬ ‫ال(‬
‫)‬

‫صصور ذ‬ ‫رم‬
‫وز ‪ -‬رسسائل ‪-‬‬
‫نلحظ في هذا ال�شكل �أن الحزب ال�سيا�سي يقوم ابتدا ًء على‬
‫�أيديولوجيا ت�سبق التكوين الإداري والبرامج الحزبية واالت�صال‬
‫بالمجتمع‪ .‬بل �إن �أه��داف الحزب وبرامجه �إنما تخدم ــــ في‬
‫غايتها ــــ الأيديولوجيا التي يتبنَّاها المنتمون للحزب‪.‬‬
‫�أع�ضاء الحزب الذي يمثلون (الدائرة الثانية في ال�شكل) هم‬
‫الذين يج�سدون قيم الأيديولوجيا التي ي�ؤمنون بها‪ ،‬ويظهر ذلك‬
‫من الن�شاط الإداري �أو ال�سيا�سي الذي يعك�س حقيقة االنتماء‬
‫للأيديولوجيا‪.‬‬
‫�أما و�سائل االت�صال (الدائرة الثالثة في ال�شكل) فتمثل الحلقة‬
‫الأكبر التي تربط �أيديولوجيا الحزب و�أع�ضاءه بالمجتمع‪.‬‬
‫يجري ذلك من خالل الرموز الأيديولوجية وال�سيا�سية التي‬
‫‪27‬‬
‫مقرر األيديولوجيا‬

‫ي��روج لها الحزب‪ ،‬والر�سائل االت�صالية التي تحمل الأفكار‬


‫والقيم الرئي�سة له‪ ،‬ومن ثم ال�صور الذهنية التي تت�شكل من‬
‫ذلك كله وتبقى را�سخة في عقلية الجماهير (�أفراد المجتمع)‪.‬‬
‫كل ذلك يجري من خالل و�سائل االت�صال المختلفة التي عادة‬
‫ما تكون �أدوات للأحزاب(((‪.‬‬
‫الأيديولوجيا الإعالمية‪:‬‬
‫الأيديولوجيا م�صطلح ي�ستخدمه المفكرون والمثقفون‬
‫والقائمون باالت�صال في م�ؤ�س�سات الإع�لام العربي‪ ،‬ويعني‪:‬‬
‫(المعتقد الديني �أو الثقافي الذي ي�ؤمن به الفرد ويترجمه‬
‫�سلوكاً في الواقع المعي�ش)‪.‬‬
‫وف��ي كل الأج�ه��زة الإعالمية في العالم هناك �أيديولوجيا‬
‫ترتبط بم�ضامين هذا الإع�لام‪ ،‬حتى و�إن كانت هذه الأجهزة‬
‫الإعالمية تُحيد العامل الديني بو�صفه �أهم المعاني المرتبطة‬
‫بالأيديولوجيا‪ .‬ذلك �أن (تحييد الدين) هو ذاته معتقد �أيديولوجي‬
‫‪(1) Gouldner, Alvin W. The communications revolution : News‬‬
‫‪, public , and ideology. In : Denis MCQuail,s edition : MC-‬‬
‫‪Quails Reader in Mass communication Theory. London :‬‬
‫‪Sage , 2004,pp.87.‬‬

‫‪28‬‬
‫مقرر األيديولوجيا‬

‫ي�ؤمن بالمنهج ال َعلْماني في النظرة �إلى الكون والحياة‪.‬‬


‫وباعتبار هذا التالزم بين المعتقد وال�سلوك؛ ف�إن االنتماء‬
‫ال�ف�ك��ري ف��ي الإع �ل�ام ه��و حقيقة تنق�ض مفاهيم الحياد‬
‫والمو�ضوعية التي طالما كتب عنها �أ�ساتذة الإعالم ومنظّ روه‪.‬‬
‫فالحياد والمو�ضوعية هي �أو�صاف غير موجودة �إال في كتابات‬
‫المتخ�ص�صين‪� ،‬أو قاعات الدار�سين‪� ،‬أو مناهج الباحثين‪� .‬أما‬
‫في الممار�سة الإعالمية ف��إن (الإع�لام ر�سالة)‪ ،‬والر�سالة‬
‫ال بد لها من (ر�ؤية)‪ ،‬والر�ؤية هي (فكرة) �أو (مجموعة �أفكار)‬
‫ت�سبق ال�سلوك االت�صالي‪ .‬ومن ثم ف�إن الممار�سة الإعالمية‬
‫ه��ي ن �ت��اج ر�ؤي � ��ة �أي��دي��ول��وج �ي��ة – ب��ال�م�ع�ن��ى اال�صطالحي‬
‫ال اللغوي –‪ ،‬تتج�سد �صورها ف��ي المنتج الإع�لام��ي عبر‬
‫و�سائل الإعالم المختلفة‪.‬‬
‫الر�ؤية الأيديولوجية هي (المحددات المرجعية) التي �سبقت‬
‫الإ�شارة �إليها في تعريف (الأيديولوجيا الإعالمية) التي ت�ؤثر‬
‫في عمل القائم باالت�صال‪ .‬فالإعالميون يبنون ر�سائلهم على‬
‫مرجعياتهم الثقافية‪ ،‬ومعتقداتهم االجتماعية‪ ،‬وفي �أحيانٍ‬
‫�أخرى على مواقفهم ال�شخ�صية‪ .‬والر�سائل الإعالمية هي نتاج‬
‫ر�ؤى و�أيديولوجيات ينطلق منها القائم باالت�صال‪ ،‬والم�ؤ�س�سات‬
‫‪29‬‬
‫مقرر األيديولوجيا‬

‫الإعالمية �أو كالهما معاً‪ .‬و�إذا اتفقت توجهات القائم باالت�صال‬


‫مع توجهات الم�ؤ�س�سة الإعالمية ف�إن ذلك يعزز الأث��ر الذي‬
‫تحدثه الر�سالة الإعالمية الم�صبوغة بمواقف الإعالميين‬
‫ومعتقداتهم‪.‬‬
‫تاريخياً؛ يُع ُّد النظام االجتماعي الذي تعمل في �إطاره و�سائل‬
‫الإعالم من القوى الأ�سا�س التي ت�ؤثر على عمل القائم باالت�صال‪.‬‬
‫لأن �أيَّ نظام اجتماعي في �أيَّ مجتمع �إنما يقوم على ن�سق من‬
‫المبادئ والقيم التي ي�سعى لإقرارها �أو تعزيزها �أو المحافظة‬
‫عليها‪ .‬وقد ظهرت نظريات �إعالمية تخدم �أيديولوجيا القائم‬
‫باالت�صال (الذي يمثل غالب ًا �أيديولوجيا المجتمع)‪� ،‬أبرزها‪:‬‬
‫نظرية حار�س البوابة الإعالمية‪ ،‬وهي من �أكثر نظريات الت�أثير‬
‫الإعالمي التي تراعي القيم الثقافية ال�سائدة في المجتمع‬
‫والم�ؤثرة في طبيعة عمل القائم باالت�صال‪ .‬فالقائم باالت�صال‬
‫يحدد ما ين�شر وما ال ين�شر َوفْق ًا للمحددات القيمة المهنية‬
‫وال�سائدة في المجتمع‪ .‬وفي هذه الحال ف�إن و�سائل الإعالم‬
‫تقوم بوظيفة تعزيز الأيديولوجيا ال�سائدة في المجتمع‪.‬‬
‫ْق�ض فيها و�سائل الإع�ل�ام �أيديولوجيا‬‫وهناك ح��االت َتن ُ‬
‫المجتمع ومحدداته ال ِقيَمية والثقافية‪� ،‬أو تُقلل منها‪ .‬يجري‬
‫‪30‬‬
‫مقرر األيديولوجيا‬

‫ذل��ك من خ�لال تحدي الر�سائل الإعالمية للقيم والأفكار‬


‫ال�سائدة في المجتمع عبر ال�صور والم�ضامين المناق�ضة لها‪،‬‬
‫وتقديم البديل المخالف لأيديولوجيا المجتمع وعر�ضه على‬
‫الجمهور (المواطنين) ب�شكل مغاير لثقافة المجتمع‪ ،‬وقيمه‪،‬‬
‫ومبادئه التي تمثل مرتكزات �أيديولوجيته‪.‬‬
‫ولمعرفة ما �إذا كانت الأيديولوجيا الإعالمية تعزز �أو تنق�ض‬
‫�أيديولوجيا المجتمع الذي تعمل فيه ف�إن علينا �أن نفهم �أ�سا�س‬
‫التحليل الأيديولوجي للر�سالة الإعالمية‪ ،‬وه��و‪ :‬معرفة مدى‬
‫التنا�سق بين مكونات الر�سالة الإعالمية (الن�ص وال�صورة)‬
‫والمحددات المرجعية للمجتمع الذي تعمل فيه‪ .‬وعلينا �أن نت�ساءل‪:‬‬
‫ما الذي تخبرنا به الر�سالة الإعالمية عن �أنف�سنا‪ ،‬ومجتمعنا‬
‫والعالم من حولنا؟ وهل ما تخبرنا به الر�سالة الإعالمية يتوافق‬
‫مع محدداتنا الفكرية والثقافية �أم يتناق�ض معها ؟‬
‫ه��ذان ال���س��ؤاالن يجعالننا دوم � ًا جمهور ًا ن�شطاً‪ ،‬فاعالً‪،‬‬
‫وناقداً‪� .‬إذ الإعالم ر�سالة‪ ،‬والر�سالة موجهة للجمهور‪ ،‬وما‬
‫لم يكن الجمهور واعياً؛ بم�ضامين الر�سالة الإعالمية وما‬
‫تحمله من �أيديولوجيا؛ ف�إنه �سيبقى �أ�سيراً لكل �أيديولوجيا‬
‫�إعالمية تخالف ما ي�ؤمن به ويعتقده‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫أنـواع األيـديـولوجـيا اإلعـالمية‬
‫أيديولوجيا النص‬
‫أيديولوجيا الصورة‬
‫أيديولوجيا اللغة‬
‫أيديولوجيا اإلعالن‬
‫مقرر األيديولوجيا‬

‫�أيديولوجيا الن�ص‪:‬‬
‫تختلف �أن��واع الن�ص الإع�لام��ي باختالف الو�سيلة الناقلة‬
‫له؛ فالن�ص المقروء نجده في و�سائل الإع�لام المطبوعة‪،‬‬
‫كال�صحف والمجالت‪ ،‬ومواقع ال�صحف على �شبكة الإنترنت‬
‫وغير ذل��ك‪ .‬والن�ص الم�سموع تمثّله الإذاع ��ة وغيرها من‬
‫الو�سائل ال�سمعية‪� .‬أما الن�ص الم�سموع والمرئي فهو ما ندركه‬
‫في التلفاز وغيره من الو�سائل الم�سموعة والمرئية‪.‬‬
‫والن�ص الإعالمي ــــ �أي ًا كان نوع الو�سيلة التي تنقله �إلى‬
‫الجمهور ــــ يت�ضمن �أيديولوجيا مبا�شرة �أو غير مبا�شرة‪،‬‬
‫ظاهرة �أو خفية؛ فالأيديولوجيا في الن�ص تحمل معانٍ‬
‫ظاهرة ومبا�شرة يلحظها القارئ ويفهمها من خالل �سياق‬
‫المعنى‪� ،‬أو من خالل بع�ض مفرداته التي تعك�س �أيديولوجيا‬
‫كاتبها‪� ،‬أو الم�ؤ�س�سة الإعالمية الناقلة للن�ص‪� ،‬أو �أيديولوجيا‬
‫‪34‬‬
‫مقرر األيديولوجيا‬

‫المجتمع الذي ت�صدر منه‪.‬‬


‫ويمكن اال�ست�شهاد في ذلك بافتتاحيات ال�صحف‪� ،‬أو مقاالت‬
‫ال ُكتَّاب‪� ،‬أو �صفحات الر�أي‪� ،‬أو البرامج الإذاعية �أو التلفازية‬
‫التي يلحظ الجمهور فيها �أن الأيديولوجيا في ن�صو�ص مادتها‬
‫الإعالمية مبا�شرة وظاهرة‪.‬‬
‫وتكون الأيديولوجيا في الن�ص الإعالمي غير مبا�شرة من‬
‫خالل توظيف ن�صو�ص المواد الإعالمية بطريقة ال ي�شعر‬
‫الجمهور ب�صراحتها وو�ضوحها‪ ،‬لكنها تمثّل ــــ على المدى‬
‫البعيد والتراكمي ــــ توجه ًا �أيديولوجي ًا يعك�س القيم والأفكار‬
‫التي ت�ؤمن بها الم�ؤ�س�سة الإعالمية؛ ه��ذه القيم والأفكار‬
‫(الأيديولوجيا) �إم��ا �أن تكون انعكا�س ًا لمعتقدات القائم‬
‫باالت�صال‪� ،‬أو الم�ؤ�س�سة الإعالمية‪� ،‬أو المجتمع الذي تُوجه‬
‫�إليه الر�سالة الإعالمية‪.‬‬
‫وبالإ�ضافة �إلى مفردات الن�ص التي تحمل الأيديولوجيا‬
‫بطريقة مبا�شرة �أو غير مبا�شرة‪ ،‬هناك عوامل مهنية تعزز من‬
‫وجود الأيديولوجيا وظاهريتها في الن�ص بهدف حمل الجمهور‬
‫على االقتناع �أو الت�أثر بها‪ ،‬ومن هذه العوامل‪ :‬ا�ستخدام و�سائل‬
‫‪35‬‬
‫مقرر األيديولوجيا‬

‫الإب��راز في ال�صحف‪ ،‬مثل‪ :‬ال�صور‪ ،‬والعناوين ونوع الخط‪،‬‬


‫وحجم الحرف‪ ،‬ومكان الن�ص في ال�صحيفة‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫وكثير من قراء ال�صحف ي�ستطيع الحكم على �أيديولوجيا‬
‫الم�ؤ�س�سات ال�صحفية �أو القائمين عليها من خالل نوع المعالجة‬
‫ال�صحفية للأحداث ال�سيا�سية �أو الق�ضايا االجتماعية‪� ،‬أو من‬
‫خالل �شخ�صيات كتَّاب الزوايا الثابتين‪� ،‬أو من معرفة معايير‬
‫ما يُن�شر وما ال يُن�شر في �صفحات الر�أي وبريد القراء‪.‬‬
‫�أم��ا في و�سائل الإع�لام المرئية ف��إن �أيديولوجيا القائم‬
‫باالت�صال �أو الم�ؤ�س�سة الإعالمية تتعزز ب�أ�ساليب مهنية‬
‫تتنا�سب وطبيعة هذه الو�سيلة‪ .‬ف�إذا �أخذنا البرامج الحوارية‬
‫‪ -‬على �سبيل المثال ‪ -‬لمعرفة كيف تعزز الأ�ساليب المهنية‬
‫�أيديولوجيا الن�ص المرئي ف�إن ذلك يت�ضح في اختيار ق�ضية‬
‫الحوار‪ ،‬وال�ضيوف المتحدثين فيها‪ ،‬والوقت الممنوح لكل‬
‫�ضيف‪ ،‬وم��دى تنوع مداخالت الم�شاهدين‪ ،‬وكيفية تعامل‬
‫القائم باالت�صال (مقدِّ م البرنامج) مع هذه المداخالت‬
‫والردود‪.‬‬
‫والخال�صة‪� ،‬أن �أيديولوجيا الن�ص تت�ضمن معانٍ وق�ص�ص ًا‬
‫‪36‬‬
‫مقرر األيديولوجيا‬

‫�إخبارية ت�شير �إلى كون ال�شيء يحمل قيم ًا ي�ؤمن بها القائم‬
‫باالت�صال �أو الجمهور‪ ،‬وحتى يَحْ دُث الت�أثير المطلوب ف�إن‬
‫�صياغة الن�ص تتطلب خطوات عملية لما يجب فعله حتى‬
‫يتو�صل القارئ �أو الم�ستمع �أو الم�شاهد �إلى الحكم على الن�ص‬‫ّ‬
‫بالر�ؤية التي يريدها القائم باالت�صال‪ ،‬هذه الر�ؤية �إما �أن تكون‬
‫معبّرة عن �أيديولوجيا القائم باالت�صال نف�سه‪� ،‬أو الم�ؤ�س�سة‬
‫الإعالمية‪� ،‬أو المجتمع ب�شكل عام‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫مقرر األيديولوجيا‬

‫�أيديولوجيا ال�صورة‪:‬‬
‫�أ�ضحت ال�صورة الإعالمية ال�ساكنة (‪،)static photo‬‬
‫وال�صورة الإعالمية المتحركة (‪ )Motion picture‬عن�صر ًا‬
‫رئي�س ًا في �صناعة الر�سالة الإعالمية و�صياغتها لتكون مكمّلة‬
‫للن�ص الإع�لام��ي �أو م�ستقلة عنه في عملية �إقناع الجمهور‬
‫والت�أثير فيه‪.‬‬
‫و�إذا كان الإعالم في �أب�سط مفاهيمه وتعريفاته هو‪( :‬محاولة‬
‫�إحداث �أثر)‪ ،‬ف�إن عن�صر ال�صورة �أ�صبح �أهم عنا�صر الت�أثير‬
‫في الجمهور بق�صد زيادة وعيهم بدالالت الر�سالة الإعالمية‪،‬‬
‫�أو تغيير مواقفهم واتجاهاتهم تجاه الق�ضية التي تتناولها‬
‫الر�سالة الإعالمية‪.‬‬
‫ومنذ حرب الخليج الثانية ‪ 1990‬ـ ـ ‪1991‬م �أ�صبح التلفزيون‬
‫ومعه ال�صورة �أداة حرب فاعلة وم�ؤثرة‪ ،‬و�شكلت مرحلة زمنية‬
‫رئي�سة في قيا�س �أثر ال�صورة على الر�أي العام وقدرة ال�سا�سة‬
‫‪38‬‬
‫مقرر األيديولوجيا‬

‫والإعالميين على �صياغته َوفْق الأيديولوجيا التي يريدونها‪،‬‬


‫ثم انتقلت ال�صورة �إلى موقع الهيمنة في العملية الإعالمية �إثر‬
‫التطور الكبير في تكنولوجيا ال�صناعة الإعالمية التي منحتها‬
‫فر�صة االنت�شار وال�صدارة‪.‬‬
‫و�إ�ضافة �إلى العامل التكنولوجي‪ ،‬ف�إن ال�صورة الإعالمية‬
‫ت�ستطيع �أن ت�صل بدالالتها الأيديولوجية المعلنة �أو الم�ضمرة‬
‫�إلى وعي الجمهور بطريقة �أي�سر و�أ�سهل من �أيديولوجيا الن�ص‬
‫المكتوب �أو الم�سموع‪ ،‬ذلك �أن ال�صورة الإعالمية تخاطب‬
‫�شرائح المجتمع المختلفة بكل م�ستوياته التعليمية‪ ،‬وبهذه‬
‫ال�شمولية في الخطاب ف�إن ال�صورة الإعالمية هي الأقدر على‬
‫الإقناع بالحقيقة المو�ضوعية �أو بالمعاني المزيفة التي تحملها؛‬
‫وال�سبب في ذلك �أن الن�ص المكتوب �أو الم�سموع يحتاج �إلى فهم‬
‫القارئ لرموز الن�ص وم�صطلحاته‪ ،‬ويحتاج �إلى قدرة القارئ‬
‫على و�ضع الن�ص في �سياقه الزمني والمو�ضوعي المنا�سب ‪� .‬أما‬
‫ال�صورة ف�إنها ال تحتاج �إال �إلى الت�أمل بالطريقة التي ق�صدها‬
‫�صانع ال�صورة ومنتجها‪.‬‬
‫لقد �أ�صبحت ال�صورة الإعالمية ت�ستهوي القارئ لل�صحيفة‬
‫والم�شاهد للتلفزيون �أكثر من الن�ص المكتوب �أو الم�سموع‪،‬‬
‫‪39‬‬
‫مقرر األيديولوجيا‬

‫بل �إن �شريحة كبيرة من الجمهور ت�شاهد ال�صورة وال ت�سمع‬


‫الخبر‪ ،‬وت�شاهد ال�صورة �أكثر من ا�ستهالكها للن�ص الم�سموع �أو‬
‫المكتوب؛ لأنها تخت�صر الفكرة والأيديولوجيا التي تقف وراءها‪.‬‬
‫كما �أ�صبحت و�سائل الإعالم ــــ من جهتها ــــ تت�سابق �إلى االنفراد‬
‫بن�شر ال�صور التي ت�سترعي انتباه الجمهور وت�شده �إلى الر�سالة‬
‫الإعالمية لت�سهل عليها عملية �إقناعه والت�أثير فيه‪.‬‬
‫�أيديولوجيا ال�صورة الإعالمية �أث��ارت اهتمام الحكومات‬
‫والأح��زاب ال�سيا�سة والم�ؤ�س�سات الإعالمية على حد �سواء؛‬
‫�إدراك َا منهم لقدرتها على الجمع بين تفا�صيل الحقيقة و�إبداع‬
‫الخيال‪ .‬فالإنجازات التي تر�سمها الدول والحكومات ــــ على‬
‫�سبيل المثال ــــ �إنما هي تراكم من ال�صور ال�ساكنة �أو المتحركة‬
‫التي ت�ؤرّخ لتفا�صيل ال�صورة الذهنية التي تتر�سب في وعي الر�أي‬
‫العام المحلي �أو العالمي‪ .‬والت�سويق الإعالمي للرموز ال�سيا�سية‬
‫في موا�سم االنتخابات �إنما يعتمد على ال�صورة بدالالتها‬
‫المختلفة‪ :‬ال�سيا�سية واالقت�صادية والإن�سانية وال�شعبية لإقناع‬
‫الناخب بتف�ضيله على غيره من المر�شحين‪ ،‬ومن ثم الت�صويت‬
‫له‪ .‬والم�ؤ�س�سات الإعالمية جعلت من ال�صورة �إحدى �أدوات‬
‫المعرفة والترويج للأيديولوجيا (المهيمنة �أو النخبوية)‪،‬‬
‫‪40‬‬
‫مقرر األيديولوجيا‬

‫ومنحتها فر�صة التحول من الهام�ش �إلى المحور في الر�سالة‬


‫الإعالمية‪ ،‬ومن الح�ضور الجزئي �إلى موقع الهيمنة والت�أثير‪.‬‬
‫�إن هيمنة ال�صورة على الر�سالة الإعالمية وت�أثيرها في‬
‫الجمهور تنبع من الأيديولوجيا التي تت�ضمّنها والأفكار‬
‫والمعاني التي تحملها‪ ،‬ومما ا�ستقر من �أيديولوجيا ال�صورة‬
‫في وعي ال��ر�أي العام و�أ ّث��ر في مواقفه و�سلوكه‪ :‬مقتل الطفل‬
‫الفل�سطيني محمد ال��درة بر�صا�ص الجي�ش ال�صهيوني في‬
‫فل�سطين‪ ،‬وهي ال�صور التي تناقلتها و�سائل الإع�لام العربية‬
‫والعالمية وحرّكت م�شاعر العرب والم�سلمين على م�ستوى‬
‫الحكومات وال�شعوب؛ وكذلك �صور الهجوم على برجي مركز‬
‫التجارة العالمي ف��ي ‪� 11‬سبتمبر ‪2001‬م ال��ذي فاقت فيه‬
‫ال�صورة الإعالمية الواقعية خياالت منتجي ال�صور في هوليود‪،‬‬
‫وكانت �سبب ًا في �أيديولوجيا (الحرب �ضد الإرهاب) التي قادتها‬
‫الواليات المتحدة؛ و�أي�ض ًا �صور تدمير الن�صب التذكاري للرئي�س‬
‫العراقي الأ�سبق �صدام ح�سين التي انتجتها قوات االحتالل‬
‫الأمريكي في العراق بكل براعة ومهنية‪ ،‬ثم تعذيب ال�سجناء‬
‫العراقيين في �سجن �أب��و غريب‪ ,‬ثم �صور وم�شاهد محاكمة‬
‫�صدام ح�سين في حادثة الدجيل التي كانت ق�ضية ذات اختيار‬
‫‪41‬‬
‫مقرر األيديولوجيا‬

‫�أيديولوجي طائفي مرتبط ب�شيعة العراق‪ ،‬وهي المحاكمة التي‬


‫�أدت �إلى �إعدامه �شنق ًا و�سط هتاف �أيديولوجي طائفي تزامن‬
‫مع �أول �أيام عيد الأ�ضحى من عام ‪1428‬هـ ‪2006‬م‪ ،‬وهو توقيت‬
‫زماني له داللته الأيديولوجية �أي�ضاً‪.‬‬
‫ومن ال�صور التي ال تزال عالقة في وعي الر�أي العام الإ�سالمي‬
‫�صور الر�سوم الكاريكاتورية الم�سيئة ل�شخ�ص الر�سول �صلى‬
‫اهلل عليه و�سلم التي ن�شرتها ال�صحف الدنمركية وتعاطفت‬
‫معها بع�ض ال�صحف الأوروبية عام ‪2005‬م‪ ،‬ثم �أعادت ن�شرها‬
‫عام ‪2008‬م‪ ،‬وهي ال�صور التي �أثارت م�شاعر الم�سلمين لما‬
‫حملته من �أيديولوجيا كارهة للمقد�س الإ�سالمي‪ ،‬وهي ال�صور‬
‫التي و�صلت تداعياتها �إلى الم�ستويات ال�سيا�سية واالقت�صادية‬
‫الحكومية والخا�صة في العالم الإ�سالمي كله‪ .‬ولم يكن لهذه‬
‫ال�صور �أن تثير ال ��ر�أي ال�ع��ام الإ��س�لام��ي وت��ؤث��ر ف��ي مواقفه‬
‫و�سلوكه لو لم تكن تحمل �أيديولوجيا م�ضادة للإ�سالم ورموزه‬
‫المقد�سة‪.‬‬
‫هذه نماذج من ال�صور الإعالمية ال�ساكنة والمتحركة التي‬
‫ن�شرتها و�سائل الإعالم المطبوعة �أو المرئية ن�سوقها �شاهد ًا على‬
‫الأيديولوجيات الدينية �أو ال�سيا�سة �أو االقت�صادية �أو الإن�سانية‬
‫‪42‬‬
‫مقرر األيديولوجيا‬

‫التي تحملها‪ ،‬وهي ــــ في الوقت نف�سه ــــ �شاهد على قدرة تقنية‬
‫الإعالم في الترويج لل�صورة الإعالمية‪.‬‬
‫والخال�صة‪� ،‬أنه مهما نجحت تقنية االت�صال في �صناعة‬
‫ال�صورة الإعالمية‪ ،‬ومهما برعت في �إنتاجها بكل احترافية‬
‫ومهنية؛ ف�إنها تبقى �ضعيفة الأثر‪ ،‬فارغة الم�ضمون‪ ،‬وناق�صة‬
‫الداللة �إذا كانت خالية من الأيديولوجيا التي تمنحها الرمز‬
‫والداللة والمعنى‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫مقرر األيديولوجيا‬

‫�أيديولوجيا اللغة‪:‬‬
‫من الم�ستح�سن �أن ن�ستهل الحديث عن �أيديولوجيا اللغة‬
‫بالتفريق بين (�أيديولوجيا اللغة العامة) و(�أيديولوجيا اللغة‬
‫الإعالمية)‪ ,‬فاللغة من حيث كونها ُم َركَّبة من مفردات وعبارات‬
‫متفق على معناها في بيئتها هي �أداة للتوا�صل الإن�ساني في‬
‫المجتمعات المختلفة‪ .‬هذه (اللغة العامة) هي �أداة للتعاي�ش‬
‫والتفاهم بين الأفراد والجماعات‪ ،‬قد تكون �أدا ًة مجرد ًة من‬
‫الأيديولوجيا‪ ،‬وقد تحمل معها الأيديولوجيا في حاالت قليلة‪.‬‬
‫�أم��ا (اللغة الإعالمية) فهي لغة متخ�ص�صة مهْنيَّة‪ ،‬وهي ال‬
‫تنفك عن الأيديولوجيا‪� ،‬أي ًا كان نوع هذه الأيديولوجيا؛ ذلك �أن‬
‫كل عملية ات�صال البد �أن تنطلق من �أيديولوجيا مُعيَّنة‪ ،‬فاللغة‬
‫الإعالمية التي تحمل م�ضامين �سيا�سية ــــ على �سبيل المثال‬
‫ــــ هي لغة تحمل عقيدة �سيا�سية يُراد �إي�صالها �إلى الجمهور‪.‬‬
‫فالخطابة ال�سيا�سية التي تنقلها و�سائل الإعالم تمر عبر قنوات‬
‫‪44‬‬
‫مقرر األيديولوجيا‬

‫ا�ست�شارية تفح�ص المعنى‪ ،‬وتت�أكد من �صياغة الم�ضمون ودقة‬


‫الكلمات و�إمكانية تحقيقها للأهداف التي �أُعدَّت من �أجلها‪.‬‬
‫فالفكرة التي كانت �سبب ًا للخطابة ال�سيا�سية والأهداف المرجوة‬
‫منها هي �أيديولوجيا ي�سعى الخطيب �أو المتحدث �إلى تحقيقها‪،‬‬
‫�سوا ًء كانت بغر�ض الترويج لعقيدة الحزب ال�سيا�سي‪� ،‬أو الترويج‬
‫لبرنامج انتخابي �أو الت�أثير على �صوت المواطن‪� ،‬أو غير ذلك‬
‫من �أنواع الفعل ال�سيا�سي الذي تكون (اللغة الإعالمية) �أ�سا�سه‬
‫ومنطلقه‪.‬‬
‫هذا هو الفرق بين (اللغة العامة) و (اللغة الإعالمية) عندما‬
‫نتحدث عن �أيديولوجيا اللغة‪.‬‬
‫اللغة وبناء المعنى‪:‬‬
‫من المقرر عند علماء االت�صال �أن وظيفة اللغة هي بناء‬
‫المعنى‪ ،‬ولذلك ي�ؤكد كثير من المتخ�ص�صين في االت�صال‬
‫الإن�ساني �أن من �أهم وظائف اللغة االت�صالية بناء المعنى بين‬
‫القائم باالت�صال والجمهور (((‪.‬‬
‫والمعنى ــــ بهذا المفهوم ــــ هو عملية تفاعلية بين الم�صدر‬
‫‪(1) DeVito, Joseph. ( 1985). Humman Communication. New‬‬
‫‪York: Harber & Row Publishers , Inc., P. 75‬‬
‫‪45‬‬
‫مقرر األيديولوجيا‬

‫والم�ستقبل‪ ،‬بين المتحدث والم�ستمع‪ ،‬وبين الكاتب والقارئ‪.‬‬


‫هذه العملية التفاعلية بين القائم باالت�صال وم�ستقبل الر�سالة‬
‫االت�صالية تتخذ من اللغة �أ�سا�س ًا لها في التفاهم والتفاعل‬
‫وتكوين المعاني الم�شتركة بينهما من جهة‪� ،‬أو المعاني التي‬
‫يريد القائم باالت�صال �إي�صالها �إلى الم�ستقبل من وجهة نظره‬
‫هو من جهة �أخرى‪.‬‬
‫والأيديولوجيا تكمن في المعنى الذي يحاول القائم باالت�صال‬
‫�إي�صاله �إلى جمهور المتلقين لر�سالته‪ ،‬ذلك �أن الأ�شخا�ص‬
‫يُكوّنون معانٍ معينة عن البيئة المحيطة بهم ( �شخ�صيات‪،‬‬
‫ق�ضايا‪ ،‬و�أحداث ووقائع ) من خالل و�سيلة اللغة التي ينقلها‬
‫�إليهم الآخرون عبر و�سائل االت�صال المختلفة(((‪.‬‬
‫وقد بيّن (ويلهيلم دلثي ‪ )Wilhelm Dilthey‬في مفهومه‬
‫لـ (الر�ؤية العالمية ‪ )worldview‬الكيفية التي ينظر بها النا�س‬
‫�إل��ى العالم من حولهم؛ من خالل الثقافة المكت�سبة واللغة‬
‫والمعتقدات‪ ،‬وي�ؤكد �أن معظم الر�ؤى والمفاهيم التي يتبناها‬

‫‪(1) Louw, Eric. (2005 ). The Media and Political Process. Lon-‬‬
‫‪don: Sage , P. 195‬‬
‫‪46‬‬
‫مقرر األيديولوجيا‬

‫الأ�شخا�ص خالل الوقت قد خ�ضعت لكثير من الدرا�سات التي‬


‫حاولت �أن تعرف الكيفية التي ينظر بها ه�ؤالء الأ�شخا�ص �إلى‬
‫البيئة المحيطة بهم و�أفعالهم المت�أثرة بها(((‪.‬‬
‫و�إذا كان هول (‪ )Hall ،1977‬ا�ستخدم م�صطلح خارطة‬
‫ال�م�ع�ن��ى (‪ ،)Map of Meaning‬وروك �ي �ت ����ش ( ‪،1960‬‬
‫‪ )Rokeach‬ا�ستخدم م�صطلح �أنظمة المعتقدات ‪Beliefs‬‬
‫‪ ،Systems‬وجورج (‪� )George ،1969‬أطلق م�سمى الرموز‬
‫الإجرائية (‪ )Operational Codes‬لبيان كيف يت�صرف‬
‫الأ�شخا�ص َوفْق ًا للر�ؤى التي يحملونها‪ ،‬ف�إن مفهوم (ويلهيلم‬
‫دلثي) قد تَ�ضمَّن هذه المفاهيم جميعها في بيانه لكيف تُبنى‬
‫الت�صورات وال��ر�ؤى الذهنية لدى الأف��راد‪ ،‬ومن ثم الت�صرف‬
‫َوفْق ًا لها‪.‬‬
‫اللغة والمعنى والأيديولوجيا‪:‬‬
‫المفهوم ال�شامل الذي �شرح فيه ويلهيلم دلثي الكيفية التي‬
‫يبني بها الفرد ر�ؤاه وت�صوراته حول العالم المحيط به‪ ،‬والتي‬
‫يت�صرف في �أفعاله بنا ًء عليها؛ يتخذ من الأيديولوجيا �أ�سا�س ًا‬
‫((( املرجع ال�سابق‪.‬‬
‫‪47‬‬
‫مقرر األيديولوجيا‬

‫(‪)Worldviews‬‬ ‫له‪ ،‬فهو يقول‪� :‬إن اكت�ساب الر�ؤى العالمية‬


‫�إنما هو نتيجة للأيديولوجيا المكت�سبة‪ ،‬والأيديولوجيا المكت�سبة‬
‫�إنما تكون عن طريق و�سائل الإع�لام‪ ،‬وو�سائل الإعالم ت�صل‬
‫�إلى النا�س عن طريق اللغة الإعالمية التي تبني ــــ بدورها ــــ‬
‫مفاهيم النا�س عن الأ�شخا�ص والأح��داث والوقائع والق�ضايا‬
‫التي يعي�شونها �أو ي�سمعون عنها(((‪.‬‬
‫وال �شك �أن اللغة الإعالمية التي تحمل هذه الأيديولوجيا‬
‫�إنما هي من فعل القائم باالت�صال الذي يحاول �إي�صال المعنى‬
‫المراد (الأيديولوجيا) �إلى الجمهور‪.‬‬
‫ولإي�ضاح هذا المعنى �ضرب (جون هو ‪ )John Howe‬مث ًال‬
‫بالأيديولوجيا التي �صاحبت الثورة الأمريكية المعا�صرة‪ ،‬فهو‬
‫يقول‪� :‬إن االنت�شار الوا�سع للمعتقدات الح�ضارية والر�ؤى ال�سيا�سية‬
‫للثورة الأمريكية المعا�صرة �إنما قام على المعاني المتج�سدة في‬
‫اللغة التي تنقلها و�سائل الإعالم الأمريكية �إلى العالم (((‪.‬‬

‫((( املرحع ال�سابق‬


‫‪(2) Howe , John. ( 2004 ). Language and Political Meaning in‬‬
‫‪Revolotionary America. Boston:University of Massachusettes‬‬
‫‪Press , P. 86.‬‬
‫‪48‬‬
‫مقرر األيديولوجيا‬

‫هذا المثال ي�ؤكد ما �أثبته عدد من الباحثين من �أن اللغة هي‬


‫�أ�سا�س الفعل ال�سيا�سي((( الذي يتخذ من و�سائل الإعالم �أداة‬
‫فاعلة وم�ؤثرة لإقناع الجماهير به‪ ،‬و�أن ال�سيا�سة ــــ بجملتها ــــ‬
‫هي ت�أثير اللغة‪ ،‬وخ�صو�ص ًا �إذا ا�ستخدمت في حاالت التحذير‬
‫�أو التهديد �أو الهيمنة (((‪.‬‬
‫وبت�أمل التاريخ ال�سيا�سي المعا�صر نجد �أن اللغة الإعالمية‬
‫ك��ان��ت ه��ي الأداة الأك��ث��ر ت ��أث �ي��ر ًا ف��ي ال �ت��روي��ج لكثير من‬
‫الأيديولوجيات ال�سيا�سية؛ فقد كان هتلر ومن معه يحملون‬
‫ت�صور ًا �أيديولوجي ًا عن العالم وهم يخططون للتو�سع والظلم‬
‫والعدوان والحرب‪ ،‬معتقدين �أن ال�سالم ال يمكن �أن يتحقق �إال‬
‫من خالل الت�صور الممدد في �أذهان النازيين‪ ،‬وقد كان هذا‬
‫الت�صور الأيديولوجي �سبب ًا لحرب عالمية كانت �أكثر الحروب‬

‫‪(1) Paul E. Corcoran. Language and Politics. In: David L. Swan-‬‬


‫‪son & Dan Nimmo (eds.) New Directions in Political Communi-‬‬
‫‪cation: A Resource Book. Newbury Park , CA: Sage ,P 51‬‬
‫‪(2) Bell , D.V. J. (1975). Power , Influence and Authority: An‬‬
‫‪Essay in Political Languestics. New York: Oxford University‬‬
‫‪Press , PP. ix-x‬‬
‫‪49‬‬
‫مقرر األيديولوجيا‬

‫رعب ًا ودموية في التاريخ الب�شري (((؛ وال�شيوعية المارك�سية‬


‫تحولت من �أيديولوجيا فل�سفية �إلى واقع مادي ج�سده االتحاد‬
‫ال�سوفيتي ال�سابق‪ ،‬وفي �شبكة هائلة من الأح��زاب ال�سيا�سية‬
‫التي تبنت الفكرة المارك�سية حول العالم‪ .‬و�شهد العالم كله‬
‫ف�صول الحرب الباردة التي واكبتها و�سائل الإعالم وكانت اللغة‬
‫ال�سيا�سية فيها �أداة ال�صراع بين المع�سكرين ال�شرقي والغربي‬
‫�إلى �أن انتهت ب�سقوط االتحاد ال�سوفيتي في مطلع الت�سعينيات‬
‫من القرن الميالدي المن�صرم (((‪.‬‬
‫والمد القومي العروبي الذي روج له نفر من ال�سا�سة والمفكرين‬
‫العرب في ال�ستينيات من القرن الميالدي الما�ضي و�أحدث‬
‫تحوالت كبيرة في الم�شهد ال�سيا�سي العربي‪ ،‬كانت ف�صوله‬
‫ُت��دار من خالل و�سائل الإع�لام العربية التي ا�ستخدمت لغة‬
‫الثورة ال�سيا�سية �ضد كل موروث قيمي وثقافي في المجتمعات‬
‫العربية‪.‬‬
‫ثم جاءت حرب الخليج الثانية ‪ 1990‬ـ ـ ‪1991‬م �إثر االحتالل‬
‫((( زين العابدين الركابي‪ ،‬ق�صة الت�صور الأيديولوجي الفا�سد للعامل‪ ،‬جريدة ال�شرق‬
‫الأو�سط‪ ،‬العدد ‪ 9 ،8474‬فرباير ‪ 2002‬م‪.‬‬
‫((( املرجع ال�سابق‪.‬‬
‫‪50‬‬
‫مقرر األيديولوجيا‬

‫العراقي للكويت الذي �أنهى المد العروبي و�أعاد �صياغة الم�شهد‬


‫ال�سيا�سي في الوطن العربي‪ ،‬فظهرت دع��وات �أيديولوجية‬
‫متفرقة كان �أبرزها‪ :‬ال�شعوبية‪ ،‬لكنها لم ت�صمد �أم��ام المد‬
‫الإ�سالمي الذي برز بقوة ليعيد المجتمعات العربية �إلى �أ�صولها‬
‫الدينية والثقافية‪.‬‬
‫ثم وقعت �أحداث الحادي ع�شر من �سبتمبر ال�شهيرة فكانت‬
‫تتويج ًا لأيديولوجيا النخب ال�سيا�سية المحافظة في الغرب‬
‫لت�سعى من خاللها �إلى ت�صدير النموذج الأيديولوجي الغربي‬
‫وفر�ضه على مجتمعات العالم تحت ذريعة (الحرب �ضد‬
‫الإرهاب)‪ .‬وقد زاد من ت�صعيد هذه الحرب الأيديولوجية‬
‫�ضد ثقافات العالم المختلفة التقدم التكنولوجي الهائل‬
‫في �صناعة الإع�لام والمعلومة‪ ،‬فكانت اللغة الإعالمية‬
‫التي ج�سدها الن�ص المقروء والكلمة الم�سموعة وال�صورة‬
‫المتحركة وال�ساكنة �أداة فاعلة وم�ؤثرة في الترويج للمعاني‬
‫المق�صودة من النخب ال�سيا�سية والإعالمية في الغرب عامة‬
‫والواليات المتحدة على وجه الخ�صو�ص‪ .‬و�إذا كانت حالة‬
‫الحرب تعطي الجماهير معانٍ مق�صودة من ال�سيا�سيين‪،‬‬
‫‪51‬‬
‫مقرر األيديولوجيا‬

‫ف�إن (الحرب �ضد الإرهاب) التي قادتها الواليات المتحدة‬


‫غر�ست مفاهيم معيّنة لدى ال�شعب الأمريكي‪ ،‬مثل‪( :‬لماذا‬
‫يكرهوننا)‪ ،‬دون �أن ت�شير هذه المفاهيم �إلى �أن العالم يكره‬
‫�سيا�سة الواليات المتحدة ولي�س القيم الأمريكية (((‪.‬‬
‫و�إذا كان علماء اللغة الإعالمية ي�ؤكدون �أن القدرة على‬
‫االقتناع تكمن في ال�ق��درة على تعريف ال�شيء وتحديد‬
‫مفهومه بطريقة تقنع النا�س به (((؛ فقد تعامل ال�سا�سة‬
‫الأمريكيون ببراعة فائقة في تحديد المفاهيم التي �أرادوا‬
‫لها �أن ت�سود العالم‪ ،‬مثل‪ :‬تعريفهم للإرهاب والديمقراطية‬
‫وحقوق الإن�سان والعدالة والحرية والت�سامح بالمعاني التي‬
‫يق�صدونها وبالطريقة التي تخدم �أهدافهم في الهيمنة على‬
‫العالم‪ .‬وقد لخ�ص وزير الدفاع الأمريكي الأ�سبق (دونالد‬
‫رام�سفيلد) ذلك كله في مقولته ال�شهيرة‪( :‬انتهت الحرب‬
‫‪(1) Hedges , Charles. (2002 ). War is a Force That Gives Us‬‬
‫‪Meaning. New York: Public Affairs Press , P112 .‬‬
‫‪(2) Clarke , Lynn. (2004 ). Defining reality: Definitions and the‬‬
‫‪politics of meaning. Argumentation and Advocacy. Vol. 40 , no.‬‬
‫‪3 , P197‬‬

‫‪52‬‬
‫مقرر األيديولوجيا‬

‫الع�سكرية وبد�أت حرب الأفكار)(((‪.‬‬


‫هذه الثورات ال�سيا�سية والأحداث الكبيرة التي �شهدها‬
‫العالم المعا�صر وما حملته من �أيديولوجيات متباينة ت�سعى‬
‫جميعها �إلى الهيمنة على الثقافات وال�شعوب؛ لم تكن لتُحدث‬
‫�أثرها لو لم تكن هناك و�سائل �إعالم تنقلها �إلى الجماهير‪،‬‬
‫ولغة �إعالمية روجت لهذه الأيديولوجيات التي �شغلت عقل‬
‫العالم وفكره وال تزال‪ ،‬وهو ما ي�ؤكد على �أن اللغة هي �أداة‬
‫التعبير ال�سيا�سي عن الأيديولوجيا (((‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬عبدالعزيز بن زيد �آل داود‪ ،‬قناة احلرة و�أمركة العقل العربي‪ ،‬دار غيناء‬
‫للن�شر‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬ط‪ 1425 ،1‬هـ ‪ 2004‬م‪� ،‬ص ‪.13‬‬
‫‪(2) Delson , Georgy A. (2003 ). General Esicenhowr: Ideology‬‬
‫‪and Discourse. Argumentation and Advocacy. Vol. 40 , P. 131‬‬
‫‪53‬‬
‫مقرر األيديولوجيا‬

‫�أيديولوجيا الإعالن‪:‬‬
‫يظن غير المتخ�ص�صين �أن درا�سات الإعالن مق�صورة على‬
‫مو�ضوعات ذات عالقة بطبيعة المنتج المعلن عنه‪ ،‬ومنافذ‬
‫ت�سويقه المحتملة‪ ،‬ومنا�سبة ثمنه المطروح في ال�سوق مع‬
‫القدرة ال�شرائية للجمهور الم�ستهدف‪ ،‬وكمية العر�ض المنا�سبة‬
‫للطلب‪ ،‬وعدد الموظفين المطلوبين لت�سويق المنتج‪ ،‬والميزانية‬
‫المقدَّرة له‪ ،‬والأرباح المتوقعة من ت�سويقه‪ ،‬وحجم المناف�سة‬
‫من المنتجات الم�شابهة له في ال�سوق (((‪ ،‬وغير ذلك مما هو‬
‫مرتبط بالجانب المادي الربحي من الإعالن‪.‬‬
‫هذا الجانب ــــ و�إن كان طاغي ًا في كثير من درا�سات الإعالن ــــ‬
‫�إال �أن هناك جوانب �أخ��رى قد تكون �أكثر �أهمية مما يبدو‬

‫‪(1) Hiebert, Ray Elodn, Ungurait, Donald F,& Bohn, Thomas.‬‬


‫‪(1985). Mass Media IV: An Introduction to Modern Communica-‬‬
‫‪tion.New York: Longman, p. 565‬‬
‫‪54‬‬
‫مقرر األيديولوجيا‬

‫لكثير من النا�س‪ ،‬وخ�صو�ص ًا فئة الجمهور الم�ستهلك‪ ،‬و�أهم‬


‫هذه الجوانب‪ :‬الأيديولوجيا التي تحملها الر�سالة الإعالنية‬
‫للمنتج‪ ،‬وهي التي ال تبدو ظاهرة للم�ستهلك كما هو حال عنا�صر‬
‫الإعالن الأخرى‪ ،‬مثل‪ :‬خ�صائ�ص المنتج‪ ،‬وثمنه‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫ونركز في �سياق الحديث عن �أيديولوجيا الإعالن على نوعين‬
‫رئي�سين‪ ،‬هما‪ :‬الإعالن التجاري والإعالن ال�سيا�سي لنُبيِّن كيف‬
‫تتج�سد الأيديولوجيا فيهما‪.‬‬
‫‪ -1‬الأيديولوجيا في الإعالن التجاري‪:‬‬
‫الر�سالة الإعالنية التجارية وما تحمله من معانٍ و�أفكار‬
‫مق�صودة ُي��راد �إي�صالها �إل��ى الم�ستهلك و�إق�ن��اع��ه بها هي‬
‫الأيديولوجيا التي نتحدث عنها‪.‬‬
‫و�إذا كان الإقناع هو المهارة التي يتقنها �صانعو الإعالن‬
‫ومندوبو ت�سويق المنتج كما يقول المتخ�ص�صون (((‪ ،‬ف�إنه‬
‫يبدو ــــ �أي الإقناع ــــ في الر�سالة الإعالنية �أكثر ت�أثير ًا على‬
‫الم�ستهلك‪� ،‬إذ ت�صل �إليه الفكرة وي�صل �إليه المعنى بطريقة‬
‫((( انظر‪:‬‬
‫‪Day, Louis A. ( 1997 ). Ethics in Media Communications.‬‬
‫‪Belmont,CA: Wadsworth Pudlishing Company , p. 84.‬‬

‫‪55‬‬
‫مقرر األيديولوجيا‬

‫ذكية ال ي�ستطيع كثير من الم�ستهلكين التعرف عليها ب�سهولة‪،‬‬


‫ه��ذه الحقيقة هي التي دع��ت جوديث (ويليام�سون ‪Judith‬‬
‫‪ )Williamson‬لتقول‪� :‬إن االتجاه الحديث في �صناعة الإعالن‬
‫ال يهدف �إلى تعليم الجمهور كيف ي�ستهلك المنتج‪ ،‬بل يُعلِّمه‬
‫المعنى الذي يحمله هذا المنتج �أو ذاك‪ ،‬ومن ثم ف�إن ما يحمله‬
‫المنتج من رمز ومعنى يكون �أكثر �أهمية من المنتج نف�سه(((‪.‬‬
‫وفي �شرحها لهذه الحقيقة تقول (جوديث)‪� :‬إن الإعالنات‬
‫تترجم الجُ مل وال�ع�ب��ارات ال ��واردة ف��ي الإع�ل�ان م��ن العالم‬
‫المح�سو�س �إلى المعنوي‪ ،‬فهي بذلك توجد �أيديولوجيا للمُنتَج؛‬
‫خا�صية‬
‫فالإعالن عن جهاز �سريع لغ�سيل المالب�س يترجم ْ‬
‫(ال�سرعة) �إلى معنى (الكفاءة ال�شخ�صية في �إدارة الوقت)‪،‬‬
‫بو�صف الوقت عام ًال مهم ًا في الحياة اليومية له‪ ،‬ومن ثم ف�إن‬
‫الإع�لان يقدِّ م �أيديولوجيا معينة لهذا الجهاز تعني الكثير‬
‫للم�ستهلك (((‪.‬‬
‫‪(1) Williamson, Judith. ( 1978 ). Decoding Advertisements: Ide-‬‬
‫‪ology and Meaning in Advertising. London: Marion Boyars,‬‬
‫‪p.42.‬‬

‫((( املرجع �سابق‪� ،‬ص‪.43‬‬


‫‪56‬‬
‫مقرر األيديولوجيا‬

‫فالإعالن التجاري يحوِّل العبارات التي يحملها من عالم‬


‫الأ�شياء المتمثلة في المنتج الموجه �إلى الم�ستهلك‪� ،‬إلى عالم‬
‫المعاني التي تحمل �أيديولوجيا معينة تهم الم�ستهلك في حياته‬
‫اليومية‪ .‬ولذلك ف��إن الوظيفة البدهية للإعالن ــــ وهي بيع‬
‫المنتج �إلى الم�ستهلك ــــ يجب �أن ت�ضع في الح�سبان �أهمية ما‬
‫يعنيه هذا المنتج �إلى الم�ستهلك‪ ،‬وهذا العامل المهم في �صناعة‬
‫الإعالن هو الذي يجعل الكثير من المتخ�ص�صين فيه يعتقدون‬
‫�أنه �أحد �أهم العوامل الثقافية التي تعك�س جوانب كثيرة في‬
‫حياة النا�س (((‪ ،‬ومثال ذلك‪� :‬أن يُكرّ�س الإعالن عامل التفاوت‬
‫االجتماعي بين الجمهور الم�ستهلك (((؛ ب�أن يحمل الإعالن‬
‫معنىً ي�شير �إلى �أن هذا النوع من المنتج – كال�سيارة �أو نوع‬
‫�ص فئة الطبقة الو�سطى �أو الأثرياء‪،‬‬
‫معيّن من المالب�س ــــ يخُ ّ‬
‫و�أن موا�صفات ذلك البيت �أو تلك ال�سيارة تهم طبقة الفقراء‬
‫�أو محدودي الدخل االقت�صادي‪ ،‬ولذلك ف�إن تكري�س هذا العامل‬
‫ـــــ التفاوت الطبقي في المجتمع ــــ �أو حتى محاولة تغييبه هو‬

‫̀‪(1) Williamson, Judith. Meaning and Ideology. In: McQuails‬‬


‫‪Edition. Ibid , p. 299.‬‬
‫((( املرجع �سابق‪� ،‬ص‪.300‬‬
‫‪57‬‬
‫مقرر األيديولوجيا‬

‫نوع من الأيديولوجيا التي يحملها الإعالن‪ ،‬مت�أثرة بالظروف‬


‫االجتماعية �أو االقت�صادية في المجتمع‪.‬‬

‫‪ -2‬الأيديولوجيا في الإعالن ال�سيا�سي‪:‬‬


‫الإعالن ال�سيا�سي هو‪«:‬كل �إعالن مدفوع الثمن وذي �صبغة‬
‫�سيا�سية»(((‪� ،‬أو هو‪« :‬عملية ات�صال يدفع فيها الم�صدر ثمن ًا‬
‫مقابل ما يتاح له من فر�صة في و�سيلة �إعالمية يعر�ض فيها‬
‫على الجماهير ر�سائل �سيا�سية ذات هدف محدد ومق�صود من‬
‫�أجل الت�أثير على �أفكارهم ومواقفهم و�سلوكهم»(((‪.‬‬
‫يتبين من هذين التعريفين �أن م�صدر الإعالن ال�سيا�سي جهة‬
‫م�ستفيدة من المبلغ المالي الذي تدفعه للو�سيلة الإعالمية‪،‬‬
‫وهذه الجهة قد تكون حزباً‪� ،‬أو جماعة‪� ،‬أو مر�شح ًا �سيا�سياً‪،‬‬
‫�أو حكومة‪� ،‬أو غير ذلك من الم�صادر‪.‬‬
‫ه��ذه الم�صادر تدفع ثمن ًا ل�شرائها فترة معينة من البث‬
‫الإذاعي �أو التلفزيوني‪� ،‬أو م�ساحة محددة في ال�صحيفة؛ من‬

‫((( حممد الب�شر‪ ،‬مقدمة يف االت�صال ال�سيا�سي‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬مكتبة العبيكان‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1418‬هـ‪� ،‬ص ‪.104‬‬
‫((( املرجع ال�سابق‪ ،‬نق ًال عن الباحثة الأمريكية ليندا كيد‪.‬‬
‫‪58‬‬
‫مقرر األيديولوجيا‬

‫�أجل �إي�صال ر�سالتها ال�سيا�سية �إلى الجمهور حتى تُحدث الأثر‬


‫المق�صود من هذه الر�سالة (((‪.‬‬
‫والأيدلوجيا التي يت�ضمنها الإع�ل�ان ال�سيا�سي تكمن في‬
‫الر�سالة الموجهة �إلى الجمهور بق�صد الت�أثير فيه‪� ،‬إذ ال يُت�صور‬
‫�أن تقوم هذه الم�صادر بدفع مبالغ مالية للو�سيلة الإعالمية دون‬
‫هدف ت�سعى �إلى تحقيقه‪ ،‬والهدف هو ن�شر الأيديولوجيا التي‬
‫يحاول م�صدر الإعالن ال�سيا�سي �أن ين�شرها ويُروٍّج لها بق�صد‬
‫حمل الجماهير على االقتناع بها‪.‬‬
‫المعنى الذي يحاول تعريف الإعالن ال�سيا�سي �أن يو�صلنا �إليه‬
‫هو �أن هذا النوع من الإعالنات ال يزدهر �إال في المجتمعات‬
‫التي تقوم على مبد�أ الم�شاركة ال�شعبية للمواطن في العملية‬
‫ال�سيا�سية‪ ،‬ابتدا ًء بالم�شاركة في انتخابات المجال�س البلدية‬
‫للمدن والمحافظات والواليات‪ ،‬وانتها ًء باالنتخابات الرئا�سية‬
‫الختيار رئي�س الدولة �أو رئي�س الوزراء‪.‬‬
‫ومن البديهي �أن هذه ال�سل�سلة من الم�شاركة ال�شعبية في‬
‫العملية ال�سيا�سية ال تكون �إال في ال��دول التي تتبنى النُّظُ م‬
‫الديموقراطية في ال�سيا�سة والحكم‪� ،‬أما النُّظُ م ال�سُّ لْطَ وية‬
‫((( املرجع ال�سابق‪� ،‬ص ‪.105‬‬
‫‪59‬‬
‫مقرر األيديولوجيا‬

‫ف�إن و�سائل الإعالم فيها هي قناة دائمة للإعالنات ال�سيا�سية‬


‫الحكومية ال�ت��ي ُّت� ��روِّج لأي��دي��ول��وج�ي��ا الحكومة �أو النظام‬
‫ال�سيا�سي‪.‬‬
‫الإع�لان ال�سيا�سي في النُّظُ م ال�سُّ لطَ ويَّة يحمل �أيديولوجيا‬
‫الحكومة ال�سيا�سية �أو الحزب الحاكم‪ ،‬وي�صدر على �شكل‬
‫توجيهات حكومية للمواطنين ف��ي ق�ضايا �سيا�سية و�أمنية‬
‫واقت�صادية وغيرها‪ ،‬وتلتزم و�سائل الإعالم بن�شرها‪ ،‬وخ�صو�ص ًا‬
‫الإذاع��ة والتلفزيون‪ ،‬وال ت�ستطيع و�سائل الإع�لام المملوكة‬
‫للقطاع الخا�ص �أن تعار�ضها �أو تنتقدها‪.‬‬
‫�أما في النُّظم الديموقراطية التي تعتمد مبد�أ حرية الر�أي‬
‫والتعبير‪ ،‬وت �ق��وم على الم�شاركة ال�سيا�سية للمواطنين؛‬
‫ف��إن الإع�لان ال�سيا�سي في مجتمعاتها يحمل �أيديولوجيات‬
‫متعددة ومتباينة ومتعار�ضة في �أح�ي��ان كثيرة‪ ،‬وغاية هذه‬
‫التعددية والتباين تن�شط في موا�سم االنتخابات ــــ بم�ستوياتها‬
‫المختلفة ــــ التي ي�شتد فيها التناف�س بين مر�شحين يمثلون‬
‫تيارات واتجاهات مختلفة‪ ،‬ويتخذون من عقول الجماهير‬
‫ميدان ًا للتناف�س ‪ -‬و�أحيان ًا لل�صراع ‪ -‬المحموم بينهم من �أجل‬
‫تحقيق �أهداف مر�سومة‪ ،‬غايتها الت�أثير في �أفراد الناخبين‪،‬‬
‫‪60‬‬
‫مقرر األيديولوجيا‬

‫ومن ثَمَّ ك�سب �أ�صواتهم في العملية االنتخابية‪ .‬والفوز ب�صوت‬


‫الناخب هو ‪ -‬في النهاية ‪ -‬انت�صار للأيديولوجيا التي َروَّج لها‬
‫المر�شح وحمل الجمهور على االقتناع بها والت�صويت لها‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫الخاتمة‪:‬‬
‫مقرر األيديولوجيا‬

‫ال�م�ق��رر عند الباحثين والمتخ�ص�صين ف��ي الإع�ل�ام �أن‬


‫الممار�سة الإعالمية ت�ستهدف �إي�صال (ر�سالة) �إلى جمهور‬
‫المتلقين للو�سيلة الإعالمية‪ ،‬والر�سالة ال تنطلق من فراغ‪ ،‬وال‬
‫ُح�صلة (ر�ؤية)‪ ،‬تتكوَّن من‬ ‫تُ�ستنبت في بيئة جرداء‪ ،‬بل هي م ِّ‬
‫معتقدات وقيم ثقافية‪ ،‬ومحددات مرجعية ي�ؤمن بها القائم‬
‫باالت�صال ويترجمها واقع ًا معي�ش ًا في �سلوكه االت�صالي‪.‬‬
‫الر�سالة الإعالمية المت�أثرة بـ (ر�ؤية) القائم باالت�صال لما‬
‫يدور حوله من �أحداث في بيئته المحلية وعالمه الخارجي هي‬
‫(الأيديولوجيا) التي يحملها الإعالم عبر م�ؤ�س�ساته وو�سائله‬
‫المختلفة‪ .‬وهي �أيديولوجيا تنتظم �سيا�سة الم�ؤ�س�سة الإعالمية‬
‫والعاملين فيها‪ .‬قد تكون هذه (الأيديولوجيا) معزِّ زة للثقافة‬
‫ال�سائدة في المجتمع �أو مناق�ضة لها‪ .‬و�إذا ته َّي�أ لهذه الأيديولوجيا‬
‫الإعالمية و�سائل تقنية عالية الكفاءة وبالغة الأثر ف�إنها تتحول‬
‫�إلى �أداة فاعلة في الهيمنة والإقناع‪ .‬وكل يوم ن�شهد فيه تطور ًا‬
‫‪64‬‬
‫مقرر األيديولوجيا‬

‫تقني ًا في و�سائل االت�صال ي�صاحبه تكري�س وا�ضح للأيديولوجيا‬


‫التي تهيمن على هذه التقنية االت�صالية‪.‬‬
‫لذلك نلحظ بو�ضوح �أن الأي��دي��ول��وج�ي��ا (العولمة) التي‬
‫تن�شرها و�سائل الإعالم الجماهيري وتروج لها هي الت�صدي‬
‫لكل عقيدة �أو ثقافة تناق�ض عقيدة الغرب (الدينية) �أو ثقافته‬
‫(الليبرالية)‪ ،‬ويعمل الغرب ــــ المهيمن على و�سائل الإعالم‬
‫العالمية ـــــ من م�ؤ�س�ساته الإعالمية �إل��ى تقوي�ض العقائد‬
‫والثقافات المخالفة له‪� ،‬أو تطويعها لتكون خا�ضعة ل�سيادة‬
‫النموذج الثقافي الغربي ــــ الأمريكي على وجه الخ�صو�ص ــــ‬
‫وهيمنته على �سائر العقائد والثقافات‪ ،‬هذه حقيقة ال تقبل‬
‫ال�شك �أو المناق�شة‪ ،‬فالآلة الإعالمية ت�سند الآلة الع�سكرية‪� ،‬إن‬
‫لم تفق عليها؛ ذلك �أن تقنية الإعالم التي تمكَّن منها الغرب‬
‫ونجح في توظيفها قد حققت له �أهداف ًا ثقافية وا�ستراتيجية‬
‫ب�أق�صى �سرعة زمنية ممكنة وب�أقل تكلفة مادية‪ ،‬وا�ستفاد‬
‫منها في خدمة ما ي�ؤمن به الإن�سان الغربي من عقيدة وفكر‬
‫وثقافة‪ .‬وما �سقطت الأيديولوجيا ال�شيوعية وحا�ضنها (االتحاد‬
‫ال�سوفيتي ال�سابق) �إال بفعل الآلة الإعالمية الغربية التي روَّجت‬
‫للبرو�سترويكا والجال�سنو�ست فخَّ ر على ال�شيوعيين ودولتهم‬
‫‪65‬‬
‫مقرر األيديولوجيا‬

‫ال�سقف من فوقهم‪ ،‬ومُزِّ قوا كلَّ ممزق‪ .‬و (حرب الأفكار) التي‬
‫تقودها الواليات المتحدة اليوم عبر و�سائل �إعالمها ــــ في‬
‫ال�شرق الأو�سط على وجه الخ�صو�ص ــــ هي امتداد للت�صدي لكل‬
‫عقيدة �أو ثقافة ترف�ض االن�صياع �أو االن�صهار في عقيدة الغرب‬
‫وثقافته‪ ،‬وف�صول هذه الحرب ال تزال ماثلة للعيان‪ ،‬و�أدواتها‪:‬‬
‫�إما محلية انهزمت خ�صو�صيتها الأيديولوجية في نفو�س �أهلها‪،‬‬
‫ففغروا �أفواههم رغبة �أو رهبة‪ .‬و�إما خارجية بفعل ت�أثير القوى‬
‫ال�سيا�سية �أو الفكرية التي اتخذت من الإعالم و�سيلة لتحقيق‬
‫نموذج الهيمنة‪.‬‬
‫لكن الذي ال يفهمه ـــــ �أو ال يريد �أن يفهمه ـــــ ه�ؤالء و�أولئك �أن‬
‫الإ�سالم غير ال�شيوعية وما �سبقها وما �سي�أتي بعدها‪ .‬فعقيدته‬
‫ون}‪،‬‬ ‫الذ ْك َر َو ِإنَّا َل ُه حَ َلا ِفظُ َ‬‫محفوظة بالوحي‪ِ {:‬إنَّا َن ْح ُن َن َّز ْل َنا ِّ‬
‫والم�سلم غير ال�شيوعي ومن كان قبله ومن �سي�أتي بعده‪ ،‬ال يروم‬
‫هيمنة �أو نفوذاً‪ ،‬و�إنما يبتغي تحقيق العبودية للخالق‪ ،‬امتثا ًال‬
‫ون}‪ ،‬وفكره‬ ‫نس ِإ اَّل ِل َي ْع ُب ُد ِ‬
‫ال َ‬‫ْت جْال َِّن َو إْ ِ‬ ‫لقوله تعالى‪َ :‬‬
‫{و َما َخ َلق ُ‬
‫وثقافته لي�ست منظومة �أفكار من �صنع الب�شر كالليبرالية وما‬
‫قبلها وما �سي�أتي بعدها‪ ،‬و�إنما هي م�ستوحاة من عقيدة تنتظم‬
‫عن�صري القوة ‪ :‬الفطرة والحق‪ ،‬مما يجعل �أهلها ينه�ضون بها‪،‬‬
‫‪66‬‬
‫مقرر األيديولوجيا‬

‫�إما تعزيز ًا لها في نفو�سهم ونفو�س �أتباعها‪� ،‬أو �إقناع ًا للآخرين‬


‫بها‪ .‬ومتى �ضعفت الهمة في نفو�سهم عن حملها والدعوة �إليها‬
‫{و ِإن َت َت َو َّل ْوا َي ْس َت ْب ِد ْل‬
‫ف�إن الذي خلقهم �سي�ستبدل بهم غيرهم‪َ :‬‬
‫َق ْو ًما غَ ْي َركُ ْم ث َُّم اَل َي ُكو ُنوا َأ ْم َثال َُك ْم}‪.‬‬
‫هذا هو الإعالم و�سطوته‪ ،‬وهذه هي �أيديولوجيا الإعالم وقوة‬
‫ت�أثيرها‪ ،‬وهذا هو الواقع ومعطياته‪ ،‬فال مكان فيه �إال للم�ؤمنين‬
‫بعقيدتهم‪ ،‬الأقوياء بثقافتهم‪ ،‬الواثقين بمنهجهم‪.‬‬

‫‪67‬‬

You might also like