Professional Documents
Culture Documents
العدول في الرتبة بين الوظيفة النحوية والبلاغية
العدول في الرتبة بين الوظيفة النحوية والبلاغية
العدول في الرتبة بين الوظيفة النحوية والبلاغية
ّ العدول في
نعيمة حمو.أ
-بوزريعة- مركز ترقية اللغة العربية
:الملخص
الدراسات اللّغوية
ّ يهدف هذا المقال إلى إبراز أهمية التّقديم والتّأخير في
وكذا تحديد إلى أي علم، والجملة العربية بشكل خاص،العربية بشكل عام
النحوية والبالغية من خالل بيان
ّ ينتمي هذا األسلوب؟ ومن ثم إبراز وظيفته
، مما يؤدي إلى تغيير في الرتبة،التّغيرات التي تحدث للكلمة داخل التركيب
. بل يكون لغرض بالغي،وهذا ال يحدث اعتباطا فحسب
يعد التّقديم والتّأخير من أهم مباحث علم المعاني ،الذي يبحث في بناء
ّ
الجمل وصياغة العبارات ،ويتأمل التّراكيب لكي يبرز ما يكمن وراءها من
ألنه عدول عن القاعدة
متغير أسلوبي في اللّغةّ ،
ّ أسرار ومزايا بالغية ،فهو
األصلية ،وذلك بتحويل األلفاظ عن مواقعها األصلية لغرض يتطلّبه المقام،
النحوية والبالغية لهذا األسلوب ويكون هذا العدول
يحدد الوظيفة ّ
وهذا ما ّ
متميزة ،وهو انزياح سياقي
فنية ّ
منبه فني يعمد إليه المبدع ،ليخلق صورة ّ
بمثابة ّ
إن أسلوب التّقديم والتّأخير له المساحة
يصبح معلما متمي از لل ّشعرية .لذا نقول ّ
حد من التّأثير في
األكبر في هذه البالغية ،ليصل منشئ الكالم إلى أقصى ّ
المتغير األسلوبي فقد عني به علماء اللّغة منذ عصر
ّ المتلقي ،وألهمية هذا
كأنهم كانوا يقدمون الذي بيانه أهم
مب ّكر ،فهذا سيبويه (ت 180ه) يقولّ » :
وسماه ابن جني (ت
لهم ،وهو بباينه أعنى وان كانا جميعا يهمانهم ويعنيانهمّ ،
392ه) مع أبواب أخرى بـ :باب شجاعة العربية ،لما يولده من معاني
()1
بالغية«
-2أهمية التّقديم والتّأخير :التّقديم والتّأخير سمة أسلوبية لها أثر عظيم في
روعة األسلوب وبالغته ،ومن أهم مباحث علم المعاني ،الذي يبحث في بناء
الجمل ،وصياغة العبارات ويتأمل التّراكيب لكي يبرز ما يكمن وراءها من
أسرار ومزايا بالغية ،وأهمية التّقديم والتّأخير في كالم العرب تتضح من
وجهينّ -1:أنه سمة بارزة في الكالم ،تشهد للعرب بتم ّكنهم في الفصاحة،
وامتالكهم ناصية الكالم ،وتصرفهم فيه على حكم ما يختارونه ،وانقياده لهم لقوة
ملكتهم فيه ،وفي معانيه ،ثقة بصفاء أذهانهم ،فهو عالمة من عالمات سمو
التّفكير عند العرب.
ّ -2إنه كما يقول عبد القاهر الجرجاني» :باب كثير الفوائد ،جم المحاسن،
واسع التّصرف بعيد الغاية«) ،(4وهذا دليل على أهمية التّقديم والتّأخير عند
البالغيين ،وباألخص عبد القاهر الجرجاني.
يتعين
-3أغراض التّقديم والتّأخير :للتّقديم والتّأخير أغراض متعددة متنوعةّ ،
أن الغرض
المقدم وبحسب المقامات واألحوال ،إالّ ّّ أحدها بحسب العنصر
األهم من ذكر باقي أجزاء الكالم ،والعناية
األول من تقديم عنصر ما هو كونه ّ
-1التّخصيص :كأن يقول أحد :زيد إما قائم أو قاعد ،فيردده بين القيام والقعود
من غير أن يخصصه بأحدها ،فالرد عليه يكون بتقديم الخبر لتخصيص المبتدأ
به.
-2االفتخار :نحو :تميمي أنا ،فتقديم الخبر هنا :يفهم منه معنى ال يفهم
بتأخيره ،وهو االفتخار.
-1االختصاص ،وذلك في قوله تعالى (:له الملك وله الحمد) فالغرض من
عز وج ّل ،ال بغيره ،ويجب التنبيه
التّقديم هنا بيان اختصاص الملك والحمد باهلل ّ
أن التّقديم لالختصاص ليس مقصو ار على كون المقدم ظرفا والمؤخر هنا إلى ّ
مبتدأ.
-2تحقيق األمر ،وازالة الشك :مثل :هو يعطي الجزيل ،فليس الغرض هنا
ّادعاء اختصاصه بذلك دون غيره ،واّنما الغرض تأكيد المعنى في نفس
السامع.
ّ
النحوي في الجوانب
-5التّقديم والتّأخير في النّحو والبالغة :تنحصر وظيفة ّ
اإلعرابية ،أما وظيفة البالغي ،فتتجاوز الجانب اإلعرابي إلى جوانب داللية
النحوي والبالغي المسند
مرتبطة بمسائل نحوية ،ومن المسائل المشتركة بين ّ
فالنحوي يكتفي بتحديد أنواع المسند والمسند إليه ،أما البالغي
والمسند إليهّ ،
النحوية
فيهتم بما يط أر عليهما من تقديم وتأخير وحذف ،وغيرها من التّغيرات ّ
التّركيبية.
أن
النحاة والبالغيين نجد ّ
واذا عدنا لنقارن ظاهرة التّقديم والتّأخير عند ّ
الداللة ،أما عند النحاة فتكون في الجانب التّركيبي
هذه الظاهرة تكون في جانب ّ
فإن
النحوي يشرح تركيبا من نحو(:ضاحكا) جاء زيدّ ، الّنحوي »فإذا كان ّ
أن تقديم (ضاحكا) جاء لغاية ليحقق المتكلم
البالغي يحرص على بيان ّ
الداللية ،فـ (ضاحكا) تحمل وظيفة تداولية ،قد
احتياجات المخاطب أو المتلقي ّ
-كون الخبر مما له الصدارة في الكالم :قد يتقدم الخبر على المبتدأ لحالة الصدارة
في الكالم بنفسه أو بغيره ،بأن يكون شبيها بما له الصدر ،وذلك في مثل قوله
تعالى» َما لَ ْوُنهَا« (سورة البقرة.)79 :
مقدم.
محل رفع خبر ّ
السكون في ّ
فـ (ما) :اسم استفهام مبني على ّ
الضمة الظّاهرة على آخره ،وهو
لونها :مبتدأ مؤخر مرفوع ،وعالمة رفعه ّ
مضاف ،والهاء ضمير متصل مبني على السكون في مح ّل جر مضاف إليه.
وكذلك في قوله تعالىَ »:ماه َي« (البقرة :اآلية )90:فـ (ما) اسم استفهام
مقدم ،وهي :ضمير منفصل مبني في السكون في مح ّل رفع خبر ّ مبني على ّ
مح ّل رفع مبتدأ مؤخر.
-2تقديم خبر كان على اسمها :قد يتقدم خبر كان وأخواتها على أسمائها في
الحاالت التالية:
اهم
ين م َما َرَزْق َن ُ َّ
-تقديم المفعول به على الفعل :وذلك في مثل قوله تعالى»:الذ َ
ون« (البقرة )03 :فقدم هنا مفعول الفعل داللة على كونه أهم.
ُي ْنفقُ َ
-6معاني التّقديم والتّأخير :نسعى من خالل هذا العنصر إلى بيان الوظيفة
النحوية والبالغية لهذا األسلوب ،وهذا من خالل التغيرات التي تط أر للكلمة
ّ
معين وبيان الغرض البالغي منه ،وهذا من خالل ما يلي:
داخل تركيب ّ
ب« (البقرة
الم ْغر ُ
ق َو َ
الم ْشر ُ
-التّبرك والتّعظيم :وذلك في مثل قوله تعالىَ »:وللّه َ
متكونة من
تقدم الخبر الذي هو شبه الجملة ال ّ اآلية )115 :ففي هذا المثال ّ
الجار والمجرور على المبتدأ (المشرق) وهذا لغرض التبرك والتعظيم ،أو نقول
إن سبب التقديم في مثل هذه المواضع لعظمة اللفظة والمفردة ألجل االهتمام ّ
أن من عادة العرب الفصحاء ّأنهم إذا أخبروا عن مخبر ما وأناطوا به
بها ،وذلك ّ
حكما ،وقد يشركه غيره في ذلك الحكم ،أو فيما أخبر به عنه ،وقد عطفت أحدهما
فإنهم مع ذلك ّإنما يبدؤون باألهم
على اآلخر بالواو المقتضية عدم التّرتيبّ ،
واألولى.
ومن هنا نتساءل :لماذا لم يقدم الجار والمجرور في وصف القرآن في
ب فيهَا« (البقرة )02:كما فعل في اآلية
أول سورة البقرة في قوله تعالى»:الَ َرْي َ
الريب عن القرآن الكريم دون أن يتعرض للكتب السابقة (ال ريب فيها) أن ينفي ّ
ّ
السماوية األخرى بمدح أو غير مدح ،ولو عكس التّعبير فقال( :ال فيه ريب)
ّ
الريب عن القرآن ،واثباته في نفس الوقت لغيره من الكتب ،وهو
ّأدى إلى نفي ّ
غير مراد.
النوع من التّقديم في آيات كثيرة نورد -تقديم المفعول على الفاعل :ورد هذا ّ
ون
ضرُب َ
المالَئ َكةُ َي ْ عددا منها ،في قوله تعالىَ »:ولَ ْو تََرى إ ْذ َيتَ َوفَّى الذ َ
ين َكفَُروا َ
تقدم
الحريق« (األنفال ،)50 :ففي هذه اآلية ّ اب َ وههم َوأ َْد َب َارُه ْم َوُذقُوا َع َذ َ
ُو ُج َ
المفعول به ( الذين كفروا) :االسم الموصول وصلته) على الفاعل (المالئكة)
الضرب على
لبيان حال الكافرين عند االحتضار ،إذ أخزاهم سبحانه يجعل ّ
أشد،
النكال في ضربهما ّ
ألن الخزي و ّ
بالضربّ ،
ّ وجوههم ،وأدبارهم ،واّنما خصوها
ألنه ليس كاحتضار المؤمن ،وما
فالمراد تسليط عدسة الذهن عليهم عند احتضارهمّ ،
فالناتج
يلقون من احتضار ومشقة ،وا ّن العذاب يصب عليهم صبا لحظة االحتضار ّ
فقدم المفعول (الذين
الداللي إذًا تشنيع حالة الكفر ،وتغليظ بيان عقوبة الكافرينّ ،
ّ
ألنه ال يتعلق
قدم الفاعل (المالئكة) في هذا الموضع لم يفد ذلك المعنىّ ،
كفروا) ولو ّ
فإن المالئكة يتوفون بني آدم جميعا مؤمنهم وكافرهم.
غرض بذكرهمّ ،
الخاتمة:
تفسر
السعة التي يمتلكها المتكلم في سياقات التّقديم والتّأخيرّ ،
إن الحرية و ّ ّ -
الثّراء والتّوسع اللّغوي للغة العربية.
( -)1سيبويه بشر عمر بن عثمان بن قنبر ،تح :عبد السالم محمد هارون ،د.ط.
بيروت ،1988:دار الكتب العلمية ،ج ،3ص .228
( -)2الخليل بن أحمد الفراهيدي ،العين ،تح :مهدي المخزومي ،إبراهيم السمرائي ،د.ط.
العراق ،1981 :مادة :قدم.
( -)3ابن منظور أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ،لسان العرب،ط .1بيروت:1990:
مادة :قدم.
( -)4الجرجاني عبد القاهر ،دالئل اإلعجاز ،تح :محمود شاكر ،دط .القاهرة ،1984 :مكتبة
اليازجي ،ص.137
()5
النحو ،تح :مازن المبارك ،ط .3بيروت1979:
الزجاجي أبو القاسم ،اإليضاح في علل ّ
ّ -
النفائس ،ص .220 دار ّ
()6
السالم محمد هارون ،دط.
-سيبويه بشر عمر بن عثمان بن قنبر ،تح :عبد ّ
بيروت ،1988:دار الكتب العلمية ،ج ،3ص .230
()8
النحوية
-عبد الحميد السيد ،دراسات في اللّسانيات العربية ،بنية الجملة العربية ،التّراكيب ّ
النحو وعلم المعاني ،ط .1األردن ،2004 :دار الحامد ،ص .128
والتّداولية ،علم ّ
()9
السيد ،دراسات في اللّسانيات العربية ،ص .129
-عبد الحميد ّ