Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 37

‫أمهات المؤمنين‬

‫بحث لنيل شهادة االجازة‬


‫شعبة الدراسات اإلسالمية‪ :‬مسار قرآن وحديث‬

‫‪ :‬تحت إشراف األستاذ‬ ‫من إعداد الطالبة ‪:‬‬

‫محمد بلسعل‬ ‫شيماء بوسنينة‬

‫السنة الدراسية ‪2021-2020‬‬

‫‪2‬‬
‫شكر خاص‬
‫البد لنا ونحن نخطو خطواتنا األخيرة في الحياة‬
‫الجامعية من وقفة نعود إلى أعوام قضيناها في رحاب‬
‫الجامعة مع أساتذتنا الكرام‪ -‬الذين قدموا لنا الكثير باذلين‬
‫بذلك جهودا كبيرة في بناء جيل الغد لتبعث األمة من‬
‫‪.‬جديد‬
‫وقبل أن نمضي نقدم أسمى آيات الشكر واالمتنان‬
‫والتقدير والمحبة إلى الذين حملوا أقدس رسالة في‬
‫‪.‬الحياة‪ ،‬إلى الذين مهدوا لنا طريق العلم‪ -‬والمعرفة‬
‫إلى جميع أساتذتنا األفاضل وأخص بالتقدير والشكر‬
‫‪ :‬محمد بلسعل للدكتور‪-‬‬
‫الذي نقول له بشراك قول رسول هللا صلى هللا‬
‫‪:‬عليه وسلم‬
‫إن الحوت في البحر‪ ،‬والطير في السماء‪ ،‬ليصلون‪«  ‬‬
‫»‪  ‬على معلم الناس الخير‬
‫كما نتقدم له بجزيل الشكر وعظيم االمتنان على‬
‫جميع التوجيهات و الخدمات التي أسداها لنا في هذه‬
‫السنة وأطال هللا عمره لخدمة البحث العلمي ومساعدة‬
‫‪.‬الطلبة‬
‫باسم هللا الرحمان الرحيم‬ ‫مقدمة ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫الحم ُد هلل‪ ،‬حمدًا طيبًا مبار ًكا فيه‪ ،‬كما ينبغي لجالل وجهه وعظيم سلطانه‪ ،‬والصالة‬
‫والسالم على نبينا محمد الذي بعثه ُ‬
‫هللا هاديًا ومبشرً ا ونذيرً ا‪ ،‬وداعيًا إلى هللا بإذنه‬
‫‪.‬وسراجا منيرً ا‬
‫ً‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فلقد تناولت في هذا البحث سيرة البعض من زوجات النبي‪ ‬صلى هللا عليه وسلم‪ ‬أمهات‬
‫المؤمنين ‪-‬رضي هللا عنهن أجمعين‪ ،-‬ففي سيرتهن الكثير من المواقف المشرفة‬
‫واألحداث‪ B‬الهامة التي تنفع سائر المسلمين ويقدمن لهم مثالً صادق ًا على سلوك المرأة‬
‫المسلمة المجاهدة في سبيل هللا والحافظة لبيتها وزوجها‪ ،‬فمن أجل ذلك وجب علينا‬
‫التعرف على زوجات النبي‪ ‬صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وعلى حياتهن وفضلهن‪ ،‬ومكانتهن في‬
‫اإلسالم بعد دخولهن بيت النبي‪ ‬صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬تلك الثريات المضيئة التي سطعن‬
‫في بيت الرسول‪ ‬صلى هللا عليه وسلم‪ ‬واهتدين بهديه‪ ‬صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وننهل من هذه‬
‫الينابيع الدافقة‪ B‬بنور العلم والمعرفة‪ ،‬العامرة بنور اإليمان‪.‬‬
‫ولما لسيرة زوجات رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أمهات المؤمنين رضي هللا عنهن من‬
‫قيمة كبيرة في حياة األمة اإلسالمية‪ ،‬فهن معلمات وقدوة لنساء البشرية‪ ،‬لذا أردت كتابة‬
‫هذا البحث‪ ،‬وتناولت شخصياتهن من خالل عدة مباحث أساسية وهي كاآلتي‪:‬‬
‫الفصل األول ‪ :‬ترجمة أم المؤمنين عائشة رضي هللا عنها‬
‫المبحث األول‪ .:‬نسب أم المؤمنين‬
‫المطلب األول ‪ :‬اسمها ولقبها وكنيتها رضي هللا عنها‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬البيئة والترعية‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬مولد أمنا عائشة مع نشأتها رضي هللا عنها‬
‫المبحث الثاني‪ :‬زواجها من النبي‪ ‬صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫المطلب األول ‪ :‬زواجها من النبي‪ ‬صلى هللا عليه وسلم‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬مكانة عائشة في قلبه صلى هللا عليه وسلم‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬شخصية عائشة العاملة المعلمة ‪ ،‬و حادث االفك ‪ ،‬ووفاتها رضي هللا‬
‫عنها‬
‫الفصل الثاني ‪ :‬خديجة بنت خويلد رضي هللا عنها‬

‫‪2‬‬
‫المبحث األول ‪ :‬اسمها ونسبها‬
‫المطلب األول ‪ :‬مولدها‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬إسالمها‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬زواجها بالنبي صلى هللا عليه و سلم‬
‫المبحث الثاني‪ :‬أبناؤها‪ B‬من النبي صلى هللا عليه و سلم‬
‫المطلب األول ‪ :‬أبناؤها من النبي صلى هللا عليه و سلم‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬وفاتها وأثر ذلك على النبي‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬خديجة التاجرة و الطاهرة‬
‫الفصل الثالث أم سلمة من المولد إلى الوفاة ‪.‬‬
‫المبحث األول ‪ :‬اسمها ونسبها وكنيتها‬
‫المطلب األول ‪ :‬نشأة أم سلمة رضي هللا عنها‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬أم سلمة ذات الهجرتين‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬زواجها من النبي صلى هللا عليه و سلم‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مناقب أم سلمة رضي هللا عنها‬
‫المطلب األول ‪ :‬رؤية جبريل عليه السالم‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬السبب في ذكر النساء في القرآن‬
‫المطلب الثالث‪ .‬الرأي الصائب‪ ، B‬و وفاتها‬
‫وفي ختام هذا البحث أسأل هللا سبحانه وتعالى أن يقبل منا هذا الجهد المتواضع وينفع به‬
‫المسلمين ويهديهم‪ ،‬ويجعله في ميزان حسناتنا يوم القيام‬

‫الفصل األول ‪ :‬ترجمة عائشة أم المؤمنين رضي هللا عنها‬


‫تُعتبر سيدتنا عائشة ‪ -‬رضي هللا عنها ‪ِ -‬من أبرز الصحابة الكرام‪ ،‬وأسماهم مكان ًة‪،‬‬
‫وأعالهم شأنًا‪ ،‬وأكثرهم اطالعً ا على أحوال النبي ‪ -‬صلَّى هللا عليه وسلَّم – وشمائله ‪ ،‬فقد‬
‫حظيت بمكانة خاصَّ ة عند النبي ‪ -‬صلَّى هللا عليه وسلَّم ‪ -‬لم تحظ َ بها غيرُ ها من أزواجه‪،‬‬
‫ْ‬
‫‪ .‬وذلك لعدة اعتبارات‪ - B‬كما سنرى الحقًا‬

‫‪2‬‬
‫كانت ‪ -‬رضي هللا عنها ‪" :-‬بحرً ا زاخرً ا في ال ِ ّدين‪ ،‬وخزانة ِحكمة وتشريع‪ ،‬وكانت‬
‫ْ‬
‫سارت يسير في ركابها ال ِعلم والفضل والتُّقى‬ ‫"‪1‬مدرس ًة قائمة بذاتها‪ ،‬حيثما‬

‫بعض من جوانب شخصيتها من خالل التعريف بنسبها وتنشئتها رضي‬ ‫ٍ‬ ‫سنحاول مالمسة‬
‫هللا عنها في (المبحث األول) والحديث عن جوازها بالرسول صلى هللا عليه سلم في‬
‫(المبحث الثاني ) ‪ ،‬وسنبين شخصيتها العالمة المعلمة مع حادث اإلفك حتى وفاتها رضي‬
‫‪ .‬هللا عنها‬

‫المبحث األول ‪ :‬نسب أم المؤمنين‬


‫الص ِ ّديق‪،‬‬
‫ص ِ ّديقة بنت ِ ّ‬
‫اصطفاها‪ B‬هللا ‪ -‬سبحانه ‪ -‬بالتَّكرمة والتَّعظيم‪ ،‬الطاهرة المط َّهرة‪ ،‬وال ِ ّ‬
‫المبرَّ أة ِمن فوق سبع سماوات‪ ،‬مُع ِلّمة العلماء‪ ،‬ومؤ ِ ّدبة األدباء‪ B،‬وبليغ ُة الفُصحاء‪ ،‬ومح ِ ّدثة‬
‫‪ .‬الفقهاء‬
‫المطلب األول ‪ :‬اسمها و لقبها و كنيتها رضي هللا عنها‬
‫أوال اسمها ‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫عائشة‪ :‬هي بنت أبي بكر ‪ ،‬القرشية التيمية ‪ ،‬المكيَّة النبوية‪ ،‬أم المؤمنين‪ ،‬زوجة النبي ‪-‬‬
‫‪2‬‬
‫صلَّى هللا عليه وسلَّم ‪ -‬أفقه‪ B‬نساء األمَّة على اإلطالق‬
‫ومعنى عائشة‪" :‬مأخو ٌذ من العيش‪ ،‬وهو مؤنَّث عائش‪ ،‬ومعناه‪ :‬ما تكون به الحيا ُة ِمن مطعم‬
‫‪3‬‬
‫ومشرب"‬
‫ثانيا ‪:‬نسبها‬ ‫‪‬‬
‫أبوها‪ :‬أبو بكر الص ِ ّديق‪ ،‬بن أبي قحافة بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن‬
‫تيم بن مرة بن كعب بن لؤي ‪4‬بن غالب بن ِفهر‪ ،‬يَجتمع مع رسول هللا ‪ -‬صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ -‬في مُرَّ ة بن كعب‪ ،‬وبين رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬وبين‬
‫مُرَّ ة ستة آباء‪.5‬‬
‫‪" 1‬زوجات النبي ‪ -‬صلَّى هللا عليه وسلَّم ‪ -‬وحكمة تعددهنَّ "؛ لمحمد محمود الصواف‪ ،‬ط ‪( ،3‬ص‪.)35:‬‬

‫‪ 2‬تهذيب سير أعالم النبالء‪ ،‬لإلمام الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي‪ ،‬ت‪748 :‬هـ"‪ ،‬تح‪ :‬شعيب األرنؤوط‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪1412 :‬هـ‪1992 -‬م‪.)1/54( ،‬‬

‫‪ 3‬نقل ذلك النوويُّ عن أبي إسحاق كما في اإلصابة للزركشي ص‪.38‬‬

‫‪"  4‬الطبقات الكبرى"؛‪ B‬البن سعد‪ ،‬دار الفكر‪.)8/58( ،‬‬

‫‪ 5‬الجوهرة في َنسَ ب النبي وأصحابه العشرة (‪.)105 :2‬‬

‫‪2‬‬
‫أمها ‪ :‬أم رومان‪ ،‬قيل‪ :‬اسمها زينب‪ ،6‬وقيل‪ :‬دعد‪ 7‬بنتُ عامر بن عمير بن عبدشمس‬
‫بن ُذه ِل بن دُهمان بن الحارث بن تَيم بن مالك بن كنانة‪ ،‬يلتقي نسبها مع النبي‬
‫صلى هللا عليه وسلم من جهة أ ِّمها عند الج ِ ّد الحادي عشر أو الثاني عشر‪.8‬‬
‫وعلى هذا؛ فعائشة قرشيَّة تيميَّة من أبيها‪ ،‬وكنانيَّة من أمها‪،‬يجتمع نسبها مع نسب النبي‬
‫صلى هللا عليه وسلم عند مرة بن كعب‪ ،‬وهو الج ُّد السابع ‪.‬‬
‫ثالثا ‪:‬كنيتها رضي هللا عنها‬ ‫‪‬‬
‫ي من عالمات الشرف‪ ،‬ورمزً ا للفخر والفضل‪ ،‬ونجد أنَّ‬ ‫من المعلوم أن العرب تَعتبر التك ِنّ َ‬
‫عائشة رضي هللا عنها تُكنى بأكثرَ من كنية‪:‬‬

‫أم المؤمنين ‪:‬‬ ‫‪.1‬‬


‫ويشاركها في هذه الكنية جميع زوجات النبي صلى هللا عليه وسلم؛ وذلك لقوله‬
‫‪9‬‬
‫ي َأوْ لَى ِبا ْلم ُْؤ ِم ِنينَ ِمنْ َأ ْنف ُِس ِه ْم وَ َأزْ وَ ا ُج ُه أُ َّم َهاتُ ُه ْم ﴾ ‪.‬‬
‫تعالى‪ ﴿ :‬الن َِّب ُّ‬
‫أم عبد هللا‪:‬‬ ‫‪.2‬‬
‫واختلَف العلماء في سبب تكنيتها بأم عبد هللا‪:‬‬

‫ي صلى هللا عليه وسلم؛ حيث إنها رغبت أن‬ ‫القول األول‪ :‬أن الذي كنَاها بذلك النب ُّ‬ ‫‪-‬‬
‫يكون لها كنية‪ ،‬وال شكَّ أن الكنية نوعٌ من التكريم‪ ،‬فأرادت عائشة رضي هللا عنها‬
‫أن يَك ِنيَها النبي صلى هللا عليه وسلم؛ فعن عروة عنها أنها قالت‪" :‬ك ُّل صواحبي‬
‫لهنَّ ُكنية"‪ ،‬قال‪(( :‬فاكتَني بابنك عب ِدهللا)) ‪ -‬يعني ابنَ اخ ِتها أسماء ‪ -‬قال‪ :‬فكانت‪B‬‬
‫تُكنى بأ ِ ّم عبدهللا‪.‬‬

‫‪ 6‬نقل ذلك النوويُّ عن أبي إسحاق كما في اإلصابة للزركشي ص‪.38‬‬

‫‪ 7‬الروض للسهيلي‪ ،‬واإلصابة للزركشي ص‪.39‬‬


‫‪" 8‬الطبقات الكبرى"؛ البن سعد‪ ،‬دار الفكر‪.)8/58( ،‬‬
‫‪ 9‬سورة األحزاب ‪:‬اآلية ‪.6‬‬

‫‪2‬‬
‫ي صلى هللا عليه وسلم‪،‬‬ ‫وعن عائشة قالت‪ :‬لما وُ لد عبد هللا بن الزبير أتيتُ به النب َّ‬
‫فت َفل في فيه‪ ،‬فكان أول شيء دخل جو َفه‪ ،‬وقال‪ :‬هو عب ُد هللا‪ ،‬وأنت أ ُّم عبد هللا‪ ،‬فما‬
‫زلتُ أُكنى بها‪ ،‬وما ولَدت قط‪.10‬‬
‫القول الثاني‪ :‬أنها أسقطَت ولَدًا من النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فمات‪ ،‬وقد سماه‬ ‫‪-‬‬
‫عبدهللا؛ وهذا ال دلي َل عليه‪.‬‬
‫ي صلى هللا عليه وسلم شيئًا على الصواب‪ ،‬وسألَته أن‬ ‫قال الحافظ ُ رحمه هللا‪" :‬ولم تلد للنب ّ ِ‬
‫‪11‬‬
‫بابن أختك‪ ،‬فاكتنَت أ َّم عبدهللا"‬‫تُكنى‪ ،‬فقال‪ :‬اكتني ِ‬
‫وقال النووي رحمه هللا‪" :‬وأما ما رُ ويناه في كتاب ابن الس ِنّي عن عائشة رضي هللا عنها‪،‬‬
‫قالت‪" :‬أسقَطتُ من النبي صلى هللا عليه وسلم ِسقطًا فسمَّاه عبدهللا‪ ،‬وكنَاني أ َّم عبدهللا"‪،‬‬
‫‪12‬‬
‫فحديث‪ B‬ضعيف"‬
‫رابعا ‪ :‬لقبها‪:‬‬
‫وكما كان لها أكثرُ من كنية‪ ،‬فقد كان لها كذلك أكثرُ من ل َقب‪ ،‬وقد لقَّبها بهذه األلقاب‬
‫عظيم منزلتها عنده‪ ،‬وسم ِّو مكانتها في‬‫ِ‬ ‫ي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وهذا يدل على‬ ‫النب ُّ‬
‫قلبه صلى هللا عليه وسلم؛ إذ إنَّه لم يش َغله اهتماماته الدعوية ألداء رسالته بما‬
‫تحمله هذه المه َّمة من انشغاالت سياسية‪ ،‬وحربية‪ ،‬وقضائية‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬لكنه لم‬
‫ينسَ أ َّم المؤمنين فيل ِّقبها بألقاب يبعث على نفسها البهجة والسرور‪ ،‬فمن ذلك‪:‬‬
‫‪ o‬عائش)‪ :‬كان يلقبها بهذا التَّرخيم؛ من ذلك ما ثبَت في الحديث في قوله صلى‬
‫‪13‬‬
‫هللا عليه وسلم‪(( :‬يا عائش‪ ،‬هذا جبريل يَقرأ عليك السالم))‬
‫ي عن ابن عبَّاس يحدث عن‬ ‫‪ o‬موفقة)‪ :‬فقد لقَّبها بذلك كما ورد في سنن الترمذ ِّ‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال‪(( :‬مَن كان له فرَ طان من أمتي أدخلَه‬
‫هللا تعالى بهما الجنة))‪ ،‬فقالت عائشة‪ :‬فمن كان له فرَ ط ٌ من أمَّتك؟ قال‪:‬‬
‫((ومن كان له فرَ ط يا موفقة))‪ ،‬قالت‪ :‬ف َمن لم يكن له فرط من أمتك؟ قال‪:‬‬

‫‪ 10‬رواه أبو داود (‪ ،)4970( )3739‬وابن حبان (‪ )7117‬وإسناده حسَ ن‪ ،‬وانظر‪ :‬مسند أحمد (‪ ،)24619‬والمعجم الكبير للطبراني (‪/22‬‬
‫‪ )442‬رقم (‪ ،)1080‬وقال األلباني‪ :‬صحيح‪.‬‬

‫‪  11‬انظر التعليق السابق في الفقرة التي توجد قبلها ‪.‬‬

‫‪ 12‬األذكار (‪ ،)265‬والحديث رواه ابن السُّني‪ ،‬وقال ابن كثير (‪" :)405 /6‬ال يَثبت"‪،‬ـ وقال الشوكاني‪ :‬موضوع؛ انظر‪ :‬الفوائد المجموعة (‬
‫‪ ،)137‬وكذا ح َكم عليه بالوضع السيوطيُّ ؛ الآللئ (‪ ،)272 /1‬وابن الجوزي في الموضوعات (‪.)9 /2‬‬

‫‪  13‬البخاري (‪.)3557( ،)3045‬‬

‫‪2‬‬
‫((فأنا فرَ ط ٌ ألمتي‪ ،‬لن يُصابوا بمثلي))‪ ، 14‬ومعنى (فرَ طان) يعني من مات له‬
‫ولَدان‪.‬‬
‫حميراء)‪ :‬وثبَت ذلك عند النَّسائي في السنن الكبرى؛ عن عائشة قالت‪ :‬دخل‬ ‫‪o‬‬
‫‪15‬‬
‫الحبشة المسج َد يلعبون‪ ،‬فقال لي‪(( :‬يا ُحميراء‪ ،‬أتحبين أن تنظري إليهم))‬
‫ومعناها بيضاء‪.‬‬

‫قال الذهبيُّ‪" :‬وكانت امرأ ًة بيضا َء جميلة‪ ،‬ومن ثَم يقال لها‪ :‬الحميراء"‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫"والح ميراء في لغة أهل الحجاز‪ :‬هي البيضاء بشقرة‪ ...‬ثم إن العرب إذا قالت‪ :‬فالنٌ‬ ‫ُ‬
‫ي اللون ب ِحلية سوداء‪ ،‬فإن كان في لون أهل الهند‪،‬‬ ‫أبيض‪ ،‬فإنهم يريدون الحنط َّ‬
‫قالوا‪ :‬أسمر‪ ،‬وآدم‪ ،‬وإن كان في سواد التكرور‪ ،‬قالوا‪ :‬أسود‪ ،‬وكذلك كل من غلب‬
‫عليه السَّواد‪ ،‬قالوا‪ :‬أسود أو شديد األدمة‪ ،‬ومن ذلك قوله صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫‪16‬‬
‫((بُعثتُ إلى األحمر واألسود))‬

‫وقال األزهري‪" :‬وكانت العرب تس ِّمي العج َم‪ :‬الحمراء‪ ،‬ورقاب المزاود؛ لغلَبة‬
‫البياض على ألوانهم‪ ،‬ويقولون لمن عال لونَه البياضُ ‪ :‬أحمر؛ ولذلك قال النبي صلى‬
‫هللا عليه وسلم لعائشة‪(( :‬يا ُحميراء))؛ لغلَبة البياض على لونها‪ ،‬وقال عليه السالم‪:‬‬
‫((بُعثت إلى األسود واألحمر))‪ ‬فأسوَ دُهم‪ :‬العرب‪ ،‬وأحمرهم‪ :‬العجم‪ ،‬وكل لون بهذا‬
‫االعتبار يدور بين السواد والبياض الذي هو الحمرة"‪.17‬‬

‫والمالحظ أنها رضي هللا عنها حازَ ت الكنية واللقب من الحبيب صلى هللا عليه‬
‫َ‬
‫لعظيم شأنها عنده‪ ،‬ورفيع مكانتها لدَيه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫وسلم‪ ،‬وهذا‬

‫الص ِ ّديقة)‪ :‬ورَ د ذلك في حديث بني المنتفق‪ ،18‬واشتَهر بين العلماء تلقيبُها به؛‬ ‫‪‬‬
‫‪19‬‬
‫فقد كان مسرو ٌق يقول‪ :‬ح َّدثَتني الص ِ ّديقة بنت الص ِ ّديق‪.‬‬
‫‪ 14‬رواه الترمذي في الشمائل (‪ ،)391‬ورواه في السنن كتاب الجنائز‪ ،‬باب ما جاء في ثواب من قدم ً‬
‫ولدا (‪ .)1062‬قال‪ :‬حسن غريب‬

‫‪ 15‬رواه ال َّنسائي في الكبرى (‪ ،)8951‬وصحَّ حه األلباني (‪.)3277‬‬

‫‪ 16‬صحيح‪ :‬رواه أحمد (‪ ،)14303( ،)304 /3‬وابن أبي شيبة (‪ ،)433 /11‬وصححه األلباني في اإلرواء (‪.)317 /1‬‬

‫‪  17‬تهذيب اللغة (‪.)260 /2‬‬


‫‪18‬‬
‫وقد ورد هذا اللفظ في حديث وفد بني المنتفق؛ رواه الخطيب في "المتفق والمفترق" (‪.)357 /3‬‬

‫‪ 19‬رواه ابن سعد (‪ ،)61 /8‬والذهبي في سير أعالم النبالء بسنده (‪.)181 /2‬‬

‫‪2‬‬
‫قال أبو نُعيم‪" :‬عائشة زوج النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬الص ِ ّديقة‪ B‬بنت الصديق‪،‬‬
‫العَتيقة بنت العتيق‪ ،‬حبيبة الحبيب‪"...20‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬البيئة والترعية‬
‫الصديقة بنت الصديق ولدت في بيت إيماني متميز في حمل هموم الدعوة‪ ،‬وشاهدت‬
‫منذ نعومة أظفارها تفاصيل نشوء الدين اإلسالمي وتفاعلت معه بكل ما فيه من آالم‬
‫وآمال‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫قالت رضي هللا عنها‪( :‬لم أعقل أبوي إال وهما يدينان الدين‪ ،‬ولم يمر علينا يوم إال‬
‫يأتينا فيه رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ ،-‬طرفي النهار‪ :‬بكرة وعشية‪ ،‬ثم بدا‬
‫ألبي بكر‪ ،‬فابتنى مسجدا بفناء داره‪ ،‬فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن‪ ،‬فيقف عليه‬
‫نساء المشركين وأبناؤهم‪ ،‬يعجبون منه وينظرون إليه‪ ،‬وكان أبوبكر رجال بكاء‪ ،‬ال‬
‫‪21‬‬
‫يملك عينيه إذا قرأ القرآن‪ ،‬فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين)‪.‬‬
‫وقد كانت أم المؤمنين تشارك في كثير من أحداث‪ B‬األمة وقد بدأتها بالهجرة إلى‬
‫المدينة المنورة للحاق برسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬وأبيها الصديق ‪-‬‬
‫رضي هللا عنه‪ .‬فالصديقة‪ B‬بنت الصديق كانت منذ أن فتحت عينيها مساهمة‬
‫ومشاركة في خدمة هذا الدين ورسوله وأهله لذلك كانت مشاركاتها في كل مناحي‬
‫الحياة اإلسالمية وفق الضوابط الشرعية‪ ،‬حتى الغزوات منها ففي غزوة أحد كانت‬
‫رضي هللا عنها تنقل الماء بالقرب ثم تفرغه في أفواه الصحابة المنهكين من القتال‬
‫والعطش‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫روى البخاري ‪ -‬رحمه هللا ‪ -‬عن أنس رضي هللا عنه‪ ،‬قال‪( :‬لما كان يوم أحد‪،‬‬
‫انهزم الناس عن النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬قال‪ :‬ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر‪،‬‬
‫وأم سليم وإنهما لمشمرتان‪ ،‬أرى خدم سوقهما تنقزان القرب‪ ،22 ‬وقال غيره‪ :‬تنقالن‬
‫القرب على متونهما‪ ،‬ثم تفرغانه في أفواه القوم‪ ،‬ثم ترجعان فتمآلنها‪ ،‬ثم تجيئان‬
‫‪23‬‬
‫فتفرغانها في أفواه القوم‪. ‬‬

‫‪ 20‬حلية األولياء (‪ ،)43 /2‬وانظر "أسد الغابة" (‪ ،)1383 /1‬و"الثقات"ـ البن حبان (‪.)323 /2‬‬

‫‪ 21‬صحيح البخاري‪ ،‬ج‪.1/181‬‬


‫‪  22‬تنقزان ‪ :‬تسرعان المشي كالهرولة‪.‬‬
‫‪ 23‬صحيح البخاري‪ ،‬ج‪3/1055‬‬

‫‪2‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬مولد ام المؤمنين عائشة رضي هللا عنها ونشأتها‬

‫ولدت أم المؤمنين عائشة ‪-‬رضي هللا عنها ‪ -‬في مكة المكرمة قبل الهجرة بسبع‬
‫سنين تقريب ًا ‪ .‬وقد تربت ‪ -‬رضي هللا عنها ‪ -‬شطرا في بيت الصديق (تسع سنين‬
‫(‪24.‬حيث نشأت في بيت أ ّول من أسلم من ال ّرجال فتربّت على حبّ اإلسالم العظيم‬
‫وتش ّرب قلبها الطّاهر معاني الدين وقيمه وأخالقيّاته‪.‬وأتمت‪ B‬الشطر اآلخر من‬
‫تربيتها في بيت النبوة (تسع سنين أيضً ًا) وتُع ُّد عائشة رضي هللا عنها من أعظم من‬
‫تربّى في مدرسة النبوة‪ ،‬فمنذ طفولتها سمعت آيات القرآن الكريم‪ ،‬والحكمة‪ ،‬وعندما‬
‫وصلت العقد الثاني من عمرها كانت مستوعبة لكافة ثقافات‪ B‬مجتمعها‪ ،‬وتمكنت من‬
‫التفوق على اآلخرين في مختلف مجاالت علوم عصرها‪ ،‬فرضي هللا عنها‬
‫وأرضاها‬

‫المبحث الثاني ‪:‬زواجها رضي هللا عنها‬

‫المطلب األول ‪:‬زواجها من النبي صلى هللا عليه وسلم‬

‫بعد وفاة خديجة ‪ -‬رضي هللا عنها ‪ -‬لبث رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬نحو‬
‫سنتين أوقريبًا من ذلك‪ 25 ‬دون زوجة‪ ،‬ثم جاءته خولة بنت حكيم ‪ -‬رضي هللا عنها‬
‫‪ -‬فعرضت عليه خطبة عائشة بنت أبي بكر الصديق‪ 26 ‬فعقد عليها الرسول ‪ -‬صلى‬
‫هللا عليه وسلم ‪ -‬بمكة‪ ،‬وهي بنت ست سنين ودخل بها في المدينة المنورة‪ ،‬وهي‬
‫بنت تسع سنين‪.‬‬
‫فقد كانت كانت مُسمَّا ًة لجبير بن مطعم‪ ،‬فخطبها رسول هللا ‪ -‬صلَّى هللا عليه وسلَّم‬
‫‪ -‬بعد أن سلَّها أبوها من أهله‪.‬‬

‫وقد أورد صاحبُ الطبقات‪ B‬عن ابن عباس قال‪ :‬خطب رسول هللا ‪ -‬صلَّى هللا عليه‬
‫وسلَّم ‪ -‬إلى أبي بكر الصديق عائشة‪ ،‬فقال أبو بكر‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬قد كنتُ وعدتُ‬
‫بها أو ذكرتها لمطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف البنه جبير‪ ،‬فدعني حتى أسلَّها‬
‫منهم‪ ،‬ففعل‪ ،‬ثم تزوجها رسول هللا ‪ -‬صلَّى هللا عليه وسلَّم ‪ -‬وكانت ِبكرً ا‬

‫‪ 24‬نداء اإليمان ‪ -‬صحيح مسلم ‪ -‬باب تزويج األب البكر الصغيرة ‪ -‬حديث رقم ‪3545‬‬
‫‪ 25‬صحيح البخاري‪ ،‬ج‪.4/252‬‬
‫‪ 26‬مجمع الزوائد للهيثمي‪ ،‬دار الريان‪ ،‬بيروت لبنان عام ‪1407‬هـ‪ ،‬ج‪ - 9/225‬مسند اإلمام أحمد‪ ،‬مؤسسة قرطبة‪ ،‬مصر‪ ،‬ج‪.211 -6/210‬‬

‫‪2‬‬
‫يتبيَّن من خالل المصادر التاريخية‪ :‬أنَّ النبي صلَّى هللا عليه وسلَّم تزوجها في‬
‫شوال سَنة عشر‪ ،‬أو إحدى عشرة من النبوَّة بعد سَوْ دة بعام‪ ،‬وهي بنت ِّ‬
‫ست سنين‪،‬‬
‫وبقيت عنده ِتسع سنين‪ ،‬ولم يتز َّوج ِبكرً ا غيرها‪.‬‬

‫وقد وصفت أم المؤمنين ‪ -‬رضي هللا عنها ‪ -‬زواجها من رسول هللا ‪ -‬صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ -‬فقالت‪ :‬تزوجني الرسول ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬وأنا بنت ست‬
‫سنين‪ ،‬فقدمنا المدينة فنزلنا في بني الحرث بن خزرج فوعكتُ فتمرق شعري‪،‬‬
‫فوفى جميمة‪ ،‬فأتتني أمي أم رومان وإني لفي أرجوحة ومعي صواحب لي‪،‬‬
‫فصرخت بي فأتيتها‪ B‬ال أدري ما تريد بي‪ ،‬فأخذت بيدي حتى أوقفتني على باب الدار‬
‫وإني ألنهج‪ 27‬حتى سكن بعض نفسي ثم أخذت شيئ ًا من ماء فمسحت به وجهي‬
‫ورأسي‪ ،‬ثم أدخلتني الدار‪ ،‬فإذا‪ B‬نسوة من األنصار في البيت‪ ،‬فقلن على الخير‬
‫والبركة وعلى خير طائر‪ ،‬فأسلمتني إليهن فأصلحن من شأني‪ ،‬فلم يرعني إال‬
‫رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬ضحى فأسلمتني إليه‪ ،‬وأنا يومئذ بنت تسع‬
‫‪28‬‬
‫سنين‬
‫ك قب َل‬ ‫ي ‪-‬صلّى هللا عليه وسلّم‪ -‬قوله‪( :‬أُ ِريتُ ِ‬ ‫حيث رُ وي في صحيح البخاري عن النب ّ‬
‫حرير‪ ،‬فقلتُ له‪ :‬ا ْك ِشفْ ‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ك في سَرَ َق ٍة من‬ ‫ْن‪ ،‬رأيتُ ال َملَكَ ي َْح ِملُ ِ‬
‫ك مَرَّ تَي ِ‬
‫أتزوج ِ‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫ك في‬ ‫ض ِه‪ ،‬ثم أُ ِريتُ ِ‬
‫ك ي َْح ِملُ ِ‬ ‫أنت‪ ،‬فقلتُ ‪ :‬إن يَ ُكنْ هذا من عن ِد ِ‬
‫هللا يُمْ ِ‬ ‫فكشف فإذا‪ B‬هي ِ‬
‫أنت‪ ،‬فقلتُ ‪ :‬إن يَكُ هذا من عن ِد‬ ‫حرير‪ ،‬فقلتُ ‪ :‬ا ْك ِشفْ ‪ ،‬فكشف‪ ،‬فإذا هي ِ‬ ‫ٍ‬ ‫سَرَ َق ٍة من‬
‫ي ‪-‬صلّى هللا عليه وسلّم‪ -‬قد رأى‬ ‫ض ِه)‪ 29،‬وفي الحديث الصّ حيح أنّ النب ّ‬ ‫هللا يُمْ ِ‬
‫ِ‬
‫جبريل ‪-‬عليه السالم‪ -‬قد أتاه في هيئة عائشة رضي هللا عنها‪ ،‬وأخبره أنّها زوجته‬
‫في الدّنيا واآلخرة‪ ،‬فتزوّ جها رسول هللا صلّى هللا عليه وسلّم‪.‬‬

‫وقد كانت رضي هللا عنها وأرضاها أحب الناس إلى رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه‬
‫وسلم ‪ -‬حتى كان عليه والصالة والسالم يصرح بذلك كما ورد في حديث عمروبن‬
‫العاص ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬حيث سأله‪ :‬أي الناس أحب إليك يا رسول هللا؟ قال‪:‬‬
‫‪30‬‬
‫عائشة‪ .‬قال‪ :‬فمن الرجال؟ قال‪ :‬أبوها‪.‬‬
‫‪ 27‬يعني ‪ :‬ثار نفسي من التعب‬
‫‪ 28‬صحيح البخاري‪ ،‬ج‪.252 - 4/251‬‬
‫‪ 29‬رواه البخاري‪ ،‬في صحيح البخاري‪ ،‬عن عائشة أم المؤمنين‪ ،‬الصفحة أو الرقم‪ ، 7012 :‬صحيح‪.‬‬

‫‪ 30‬رواه الشيخان‪ ،‬البخاري في صحيحه‪ ،‬ج‪ .5/113‬ومسلم في صحيحه‪ ،‬ج‪.4/1856‬‬

‫‪2‬‬
‫قال اإلمام الذهبي ‪ -‬رحمه هللا تعالى ‪( :-‬وهذا خبر ثابت على رغم أنوف‬
‫الروافض‪ ،‬وما كان عليه السالم ليحب إال طيب ًا‪ ،‬وقد قال‪ :‬لوكنت متخذا خليال من‬
‫‪31‬‬
‫هذه األمة التخذت أبا بكر خليال‪ ،‬ولكن أخوة اإلسالم أفضل)‪.‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬مكانة أمنا عائشة في قلب النبي‬

‫ي صلّى هللا عليه وسلّم‪،‬‬ ‫اصطفى هللا تعالى عائشة ‪-‬رضي هللا عنها‪ -‬من بين زوجات النب ّ‬
‫وكلّهنّ لهنّ الفضل والمقام الرّ فيع‪ ،‬إاّل أنّ عائشة ‪-‬رضي هللا عنها‪ -‬نالت شيئ ًا من‬
‫ي عليه السالم‪ ،‬وإنّ الوحي‬ ‫الخصوصيّة؛ فقد‪ B‬جاء جبريل ‪-‬عليه السالم‪ -‬في هيئتها إلى النب ّ‬
‫ي هللا‬
‫ي وهو معها إال في لحاف عائشة كما أخبر نب ّ‬ ‫ما نزل في لحاف أح ٍد من زوجات النب ّ‬
‫آيات قرآنيّة فيها حين ب ّرأها من حادثة األفك‬ ‫ٍ‬ ‫صلّى هللا عليه وسلّم‪ ،‬وقد أنزل هللا تعالى‬
‫ي صلّى هللا عليه وسلّمفلم يكن فيها شكّ ؛ فحين‬ ‫التي تع ّرضت لها‪ ،‬وأمّا مكانتها عند النب ّ‬
‫سُئل عليه السّالم عن أحبّ النّا س إليه قال‪ :‬عائشة‪ ،‬ذاكر ًا إيّاها باسمها‪ ،‬ولقد قال صلّى‬
‫سائر الط َّ ِ‬ ‫هللا عليه وسلّم‪( :‬فض ُل عائش َة على ال ِِّنّ‪B‬سا ِء‪ ،‬كفض ِل الثَّري ِد على‬
‫‪32‬‬
‫عام)‬ ‫ِ‬
‫يتحرَّ وْ ن بهداياهم يو َم عائش َة‪ ،‬فاجتمع أزواج‬ ‫فقد جاء في الحديث الصحيح‪ :‬كان الناسُ َ‬
‫النبي صلَّى هللا عليه وسلَّم إلى أ ِ ّم سلمة‪ ،‬فقلنَ لها‪ :‬إنَّ الناس يتح َّروْ ن بهداياهم‪ B‬يو َم‬
‫عائشة‪ ،‬فقولي لرسول هللا صلَّى هللا عليه وسلَّم يأمر الناس أن يُهدوا له أينما‬
‫فعادت الثانية‪ ،‬فلم يَرُ َّد عليها‪ ،‬فلمَّا‬
‫ِ‬ ‫ْ‬
‫فذكرت أ ُّم سلمة له ذلك‪ ،‬فسكت فلم يرُ َّد عليها‪،‬‬ ‫كان‪ ،‬‬
‫ي الوحي وأنا‬ ‫كانت الثالثة قال‪(( :‬يا أ َّم سلمة‪ ،‬ال ت ُْؤذيني في عائشة‪ ،‬فإنَّه و ِ‬
‫هللا ما نزل عل َّ‬
‫لحاف امرأ ٍة منكنَّ غيرها))‪ ،33‬وكان صلَّى هللا عليه وسلَّم يستأنس بها في الحديث‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫في‬
‫س ُّر بقربها‪ ،‬ويعْ رف ِرضاها ِمن سَخَ طها؛ فقد‪ B‬قال صلَّى هللا عليه وسلَّم لها‪(( :‬إ ِنّي‬ ‫ويُ َ‬
‫ي غضْ بَى))‪ ،‬قالت‪ :‬وكيف يا رسول هللا؟ قال‪:‬‬ ‫كنت ع ِنّي راضية‪ ،‬وإذا ِ‬
‫كنت عل َّ‬ ‫ألعل ُم إذا ِ‬
‫ورب‬
‫ِّ‬ ‫قلت‪ :‬ال‪،‬‬
‫ي غضبَى ِ‬ ‫كنت عل َّ‬
‫ورب محمَّد‪ ،‬وإذا ِ‬ ‫ِّ‬ ‫كنت ع ِنّي راضي ًة‪ِ ،‬‬
‫قلت‪ :‬ال‪،‬‬ ‫((إذا ِ‬
‫‪34‬‬
‫إبراهيم))‪ B،‬قالت‪" :‬أجلْ ‪ ،‬وهللا ما أهجر إالَّ اسمك"‪.‬‬
‫ُفص ح عائشة ‪ -‬رضي هللا عنها ‪ -‬بنفسها عن فضلها‪ ،‬وعن تلك المنزلة السامية‪،‬‬ ‫وت ِ‬
‫‪  31‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬ج‪.3/1338‬‬
‫‪32‬‬
‫رواه البخاري‪ ،‬في صحيح البخاري‪ ،‬عن أنس بن مالك‪ ،‬الصفحة أو الرقم‪ ، 3770 :‬صحيح‬

‫‪ 33‬صحيح البخاري رقم الحديث‪3775 ‬‬


‫‪  34‬صحيح البخاري رقم الحديث ‪5228 :‬‬

‫‪2‬‬
‫والمكانة الرفيعة التي كانت تحتلُّها في نفس رسول هللا ‪ -‬صلَّى هللا عليه وسلَّم ‪ -‬فتقول‪:‬‬
‫" ُفضلتُ على نساء النبي ‪ -‬صلَّى هللا عليه وسلَّم ‪ -‬بعشر‪ ،‬قيل‪ :‬ما هنَّ يا أ َّم المؤمنين؟‬
‫قالت‪ :‬لم ينكح ِبكرً ا قط غيري‪ ،‬ولم ينكح امرأة أبواها‪ B‬مهاجران غيري‪ ،‬وأنزل هللا ‪ -‬عز‬
‫تزوجها‪،‬‬
‫ْ‬ ‫وجل ‪ -‬براءتي من السماء‪ ،‬وجاءه جبريل بصورتي من السماء في حريرة‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫فإنها امرأتك‪ ،‬فكنتُ أغتسل أنا وهو من إناء واحد‪ ،‬ولم يكن يفعل ذلك بأحد ِمن نسائه‬
‫غيري‪ ،‬وكان ينزل عليه الوحي وهو معي‪ ،‬ولم يكن ينزل عليه وهو مع أحد من نسائه‬
‫ي فيها‪،‬‬‫غيري‪ ،‬و َقبَض هللا نفسه وهو بين سحري ونَ ْحري‪ ،‬ومات في الليلة التي يدور عل َّ‬
‫‪35‬‬
‫و ُد ِفن في بيتي‬

‫روت عائشة‪ - ‬رضي هللا عنها – أيضا على ما يد ُّل على ُحسن معاشرة النبي ‪ -‬صلَّى‬ ‫ْ‬ ‫وقد‬
‫هللا عليه وسلَّم ‪ -‬لها فقالت‪" :‬وهللا لقد رأيتُ رسو َل هللا ‪ -‬صلَّى هللا عليه وسلَّم ‪ -‬يقوم‬
‫على باب ُحجرتي‪ ،‬والحبش ُة يلعبون بال ِحراب‪ ،‬ورسول هللا ‪ -‬صلَّى هللا عليه وسلَّم ‪-‬‬
‫أجلي‪ ،‬حتى أكونَ أنا‬ ‫يَسْ تُرني بردائه ألنظرَ إلى َل ِعبهم من بين أُذنه وعاتقه‪ ،‬ثم يقوم ِمن ْ‬
‫‪36‬‬
‫التي أنصرف"؛‬

‫المطلب الثالث ‪:‬شخصية عائشة العالمة المعلمة مع حادث اإلفك حتى الوفاة‬
‫أوال‪ :‬شخصية عائشة العالمة المعلمة‬
‫كانت عائشة –رضي هللا عنها‪ -‬التي رافقت رسول هللا –صلى هللا عليه وسلم‪ -‬ألكثر من‬
‫تسع سنين لم تكن أمور الغيرة وأحزاب النساء تأخذها عن النهل من معين النبوة العذب‪،‬‬
‫فقد كانت في حياتها معه متعلمة وحافظة وعابدة كما وصفتها مليكة‪" :‬أنها كانت ال تسمع‬
‫شيئ ًا ال تعرفه إال راجعت فيه حتى تعرف ‪.‬‬

‫‪ 35‬الطبقات الكبرى"‪.)64، 8/63( :‬‬


‫‪  36‬طرح التثريبـ في شرح التقريبـ عبد الرحيم بن زين العراقي ص‪55‬‬

‫‪2‬‬
‫ومن تأمل كتب السنة والمسانيد‪ ،‬خرج له ك ٌّم كبير وصحيح من روايات أم المؤمنين ‪-‬‬
‫رضي هللا عنها ‪ -‬وما ذاك إال ألنها كانت مالزم ًة لبيت النبوة ال تفارقه‪ ،‬حديث َة السن‪،‬‬
‫و َّقادة الحفظ والذكاء‪ ،‬مُحبَّة للتَّلقي والفهم والعمل‪.‬‬
‫جمعت من هذا ك ِلّه علمًا ج ًّما غزيرً ا‪ ،‬كما قال الزهري ‪ -‬رحمه هللا تعالى ‪ :-‬لو ُجمع‬
‫ْ‬ ‫ولقد‬
‫‪37‬‬
‫علم عائشة إلى علم جميع النساء‪ ،‬لكان علم عائشة أفضل‬
‫كما أن هللا قد وهبها الذكاء والفطنة وسرعة الحافظة؛ قال ابن كثير‪" :‬لم يكن في األُمم مثل‬
‫وعلمها‪ ،‬وفصاحتها‪ B‬وعقلها"‪ ،‬ويقول ال َّذهبي‪" :‬أفقه نساء األمَّة على‬ ‫عائشة في ِحفظها ِ‬
‫اإلطالق‪ ،‬وال أعل ُم في أمَّة محمد ‪ -‬بل وال في النساء مطلقًا ‪ -‬امرأ ًة أعل َم منها"‪.‬‬
‫‪ ‬وقد تَجاوز عدد األحاديث‪ B‬التي رو ْتها ألفين ومائة حديث عن النبي ‪ -‬صلَّى هللا عليه وسلَّم‬
‫‪ -‬وهي مشتهرة في كتب السنة‪ :‬البخاري‪ ،‬ومسلم‪ ،‬والسنن‪ ،‬والمسانيد‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫قال الحافظ الذهبي‪ :‬مسند عائشة يبلغ ألفين ومائتين وعشرة أحاديث‪ B،‬اتفق البخاري ومسلم‬
‫لها على مائة وأربعة وسبعين حديثًا‪ ،‬وانفرد البخاري بأربعة وخمسين‪ ،‬وانفرد مسلم بتسعة‬
‫‪38‬‬
‫وستين‬
‫فهذا يد ُّل على مكانتها بين الصحابة رضي هللا عنهم‪ ،‬فكانت‪ B‬مرجعًا يرجعون إليها؛ لتب ِيّن‬
‫لهم وجه الصواب‪.‬وقد‪ B‬كانوا رضي هللا عنهم يَرجعون إليها في علم الفرائض (المواريث)؛‬
‫مسروق أنه قيل له‪ :‬هل كانت‪ ‬عائش ُة‪ ‬تُحسن الفرائض؟ قال‪ :‬وهللا‪ ،‬لقد رأيتُ أصحاب‬ ‫ٍ‬ ‫عن‬
‫‪39‬‬
‫محمد صلى هللا عليه وسلم األكابرَ يَسألونها عن الفرائض‬
‫بطب وال بشعر من عائشة ‪ -‬رضي‬
‫ٍّ‬ ‫ويقول عروة بن الزبير‪" :‬ما رأيت أحدًا أعلم بفقه وال‬
‫عصرها في ثالثة‬
‫ِ‬ ‫هللا عنها"‪ ،‬وقال فيها أبو عمر بن عبدالبر‪" :‬إن عائشة كانت وحيد َة‬
‫‪40‬‬
‫علوم‪ :‬علم الفقه‪ ،‬وعلم الطب‪ ،‬وعلم الشعر"‬
‫وعن‪ ‬أبي موسى األشعري‪ :‬ما أش َكل علينا أصحابَ رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫‪41‬‬
‫وجدنا عندها منه ِعلمًا‬ ‫حديث قط‪َ ،‬‬
‫فسألنا عائش َة إال َ‬ ‫ٌ‬

‫‪ 37‬سير أعالم النبالء" ج‪.2/141‬‬


‫‪" 38‬سير أعالم النبالء" ج‪.2/139‬‬
‫ك في الموطأ (‪ ،)41( )92/ 1‬والدارمي (‪ ،)2859‬وصحَّ حه مح ِّققه وحُسين أسد‪ ،‬وابن أبي شيبة (‪.)334/ 11‬‬
‫‪ 39‬رواه الحاكم (‪ ،)13/ 4‬ومال ٌ‬

‫‪ 40‬رواه أحمد (‪ ،)24425( )67/ 6‬وقال شعيبٌ ‪ :‬خبر صحيح‪.‬‬

‫‪ 41‬صحيح‪ :‬رواه الترمذي (‪ ،)3818‬وقال‪ :‬حسنٌ صحيح غريب‪ ،‬وصححه األلباني في "صحيح المشكاة"ـ (‪)6185‬‬

‫‪2‬‬
‫ثانيا ‪ :‬حادثة اإلفك‪:‬‬

‫لم تَسلَ ْم ال ِ ّ‬
‫ص ِ ّديقة الطاهرة من ال َق ْذف‪ ،‬على ما ع ُِرف من طهرها وع َّف ِتها ونبل أخالقها!‪ B‬فقد‬
‫تعرَّضت إلساءة قاسية أُصيبت بالمرض إزاءها‪ ،‬وعانت الكثير حتى أنزل هللا ‪ -‬عز وجل‬ ‫ْ‬
‫الص ِ ّديقة تحكي لنا قصتها؛ كما ورد عند اإلمام البخاري ‪ -‬رحمه هللا ‪-‬‬ ‫‪ -‬براءتها‪ ،‬وها هي ِ ّ‬
‫الذي قال‪ :‬ح َّدثَنا عبدالعزيز بن عبدهللا‪ ،‬ح َّدثَنا إبراهيم بن سعد عن صالح‪ ،‬عن ابن شهاب‪،‬‬
‫قال‪ :‬ح َّدثَني عروة بن الزبير‪ ،‬وسعيد بن المسيب‪ ،‬وعلقمة بن و َّقاص‪ ،‬وعبيدهللا بن عبدهللا‬
‫بن عتبة بن مسعود عن عائشة ‪ -‬رضي هللا عنها ‪ -‬زوج النبي ‪ -‬صلَّى هللا عليه وسلَّم ‪-‬‬
‫حين قال لها أه ُل اإلفك ما قالوا‪ ،‬وكلهم ح َّدثَني طائف ًة من حديثها‪ ،‬وبعضهم كان أوْ عى‬
‫الحديث الذي ح َّدثَني‬
‫َ‬ ‫لحديثها من بعض‪ ،‬وأثبت له اقتصاصً ا‪ ،‬وقد وعيت عن ك ِ ّل رجل منهم‬
‫عن عائشة‪ ،‬وبعض حديثهم يص ِ ّدق بعضً ا‪ ،‬وإن كان بعضهم أوعى له من بعض‪.‬‬

‫قالوا‪ :‬قالت عائشة‪ :‬كان رسو ُل هللا ‪ -‬صلَّى هللا عليه وسلَّم ‪ -‬إذا أراد سفرً ا أ ْقرع بين‬
‫أزواجه‪ ،‬فأيهنَّ خرج سهمها خرج بها رسو ُل هللا ‪ -‬صلَّى هللا عليه وسلَّم ‪ -‬معه‪ ،‬قالت‬
‫عائشة‪ :‬فأقرع بيننا في غزو ٍة غزاها‪ ،‬فخرج فيها سهمي‪ ،‬فخرجتُ مع رسول هللا ‪ -‬صلَّى‬
‫فسرْ نا حتى إذا‬ ‫هللا عليه وسلَّم ‪ -‬بعدَما أُنزل ال ِحجاب‪ ،‬فكنت أُ ْح َمل في هودجي وأنزل فيه‪ِ ،‬‬
‫فرغ رسول هللا ‪ -‬صلَّى هللا عليه وسلَّم ‪ -‬من غزوته تلك و َق َفل‪ ،‬دنوْ نا من المدينة قافلين‬
‫آ َذن ليل ًة بالرحيل‪ ،‬فقمت حين آذنوا بالرحيل‪ ،‬فمشيتُ حتى جاوزتُ الجيش‪ ،‬فلما قضيت‪B‬‬
‫رحلي فلَمسْ تُ صدري‪ ،‬فإذا‪ِ B‬عق ٌد لي من جزع ظفار قد انقطع‪ ،‬فرجعت‬ ‫شأني أقبلتُ إلى ْ‬
‫فالتمستُ عقدي فحبسني ابتغاؤه‪ ،‬قالت‪ :‬وأقبل الرهط الذين كانوا يُر ِّحلوني فاحتملوا‬
‫هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنتُ أركب عليه‪ ،‬وهم ي َْحسبُون أني فيه‪ ،‬وكان النساء إذ‬
‫ذاك ِخفا ًفا لم يَ ْهبُ ْلنَ ‪ ،‬ولم يغشهنَّ اللحم‪ ،‬إنما يأكلن ال ُع ْلقة من الطعام‪ ،‬فلم يستنكر القوم ِخفَّة‬
‫سنّ ِ ‪ ،‬فبعثوا الجمل فساروا‪ ،‬ووجدتُ‬ ‫الهودج حين رفعوه وحملوه‪ ،‬وكنت جاري ًة حديث َة ال ِ ّ‬
‫ِعقدي بعدما استم َّر الجيش‪ ،‬فجئتُ منازلهم وليس بها منهم داع وال مجيب‪ ،‬فتي َّممتُ منزلي‬
‫الذي كنتُ به‪ ،‬وظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إليَّ‪ ،‬فبينا أنا جالسة في منزلي غلب ْتني‬
‫عيني ف ِنمت‪ ،‬وكان صفوان بن المعطَّل السُّلمي‪ ،‬ثم الذكواني‪ ،‬من وراء الجيْش‪ ،‬فأصبح‬
‫عند منزلي‪ ،‬فرأى سوا َد إنسان نائم فعَرَ فني حين رآني‪ ،‬وكان رآني قبل ال ِحجاب‪،‬‬
‫فاستيقظت باسترجاعه حين عَ رَ فني فخمَّرْ تُ وجهي بجلبابي‪ ،‬ووهللا ما تكلمْ نا بكلمة‪ ،‬وال‬ ‫ُ‪B‬‬
‫فوطئ على ي ِدها‪ ،‬فقمتُ إليها‬ ‫سمعتُ منه كلمة غير استرجاعه‪ ،‬وهوى حتى أناخ راحلته ِ‬
‫فركبتها‪ ،‬فانطلق يقود بي الراحلة‪ ،‬حتى أتينا الجيش موغرين في نَ ْحر الظهيرة‪ ،‬و ُهم نزول‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫ُ‬
‫ي بن سلول‪ ،‬قال عروة‪:‬‬ ‫قالت‪ :‬ف َه َلك مَن َه َلك‪ ،‬وكان الذي تولَّى ِكبْرَ اإلفك عبدَهللا بن أب ّ ِ‬
‫أُخبرت أنه كان يُشاع ويُتحدَّث به عنده فيقرُّ ه‪ ،‬ويستمعه ويستوشيه‪ ،‬وقال عروة أيضً ا‪ :‬لم‬
‫وحمْ نة بنت َج ْحش في‬
‫يس َّم من أهل اإلفك أيضً ا‪ B‬إال حسَّان بن ثابت‪ ،‬و ِمسْ طح بن أثاثة‪َ ،‬‬
‫ناس آخرين ال علم لي بهم‪ ،‬غير أنَّهم عصبة ‪ -‬كما قال هللا تعالى ‪ -‬وإنَّ كبر ذلك يُقال له‬
‫ي بن سلول‪.‬‬ ‫ُ‬
‫عبدهللا بن أب ّ ِ‬

‫قال عروة‪ :‬كانت عائشة تكره أن يُسبَّ عندها حسَّان‪ ،‬وتقول‪ :‬إنه الذي قال‪:‬‬

‫ُح َّم ٍد‪ِ  ‬م ْن ُك ْم‪ِ  ‬و َقا ُء‬


‫ض ‪ ‬م َ‬ ‫َف ِإنَّ ‪َ  ‬أ ِبي‪ ‬وَ وَ ا ِل َد ُه‪ ‬وَ ِعرْ ِ‬
‫ضي‪ِ         ‬ل ِعرْ ِ‬
‫قالت عائشة‪ :‬فق ِدمْ نا المدينة‪ ،‬فاشتكيتُ حين قدمتُ شهرً ا‪ ،‬والناس يفيضون في قول أصحاب‬
‫اإلفك ال أشع ُر بشيء من ذلك‪ ،‬وهو يريبني في وَ َج ِعي أني ال أعرف ِمن رسول هللا ‪-‬‬
‫ي رسول‬ ‫صلَّى هللا عليه وسلَّم ‪ -‬اللُّطْفَ الذي كنت أرى منه حين أشتكي‪ ،‬إنما يدخل عل َّ‬
‫هللا ‪ -‬صلَّى هللا عليه وسلَّم ‪ -‬فيس ِلّم‪ ،‬ثم يقول‪ :‬كيف تيكم؟ ثم ينصرف‪ ،‬فذلك يُريبني وال‬
‫أشعر بالش ِّر‪ ،‬حتى خرجتُ حين نقهتُ ‪ ،‬فخرجت مع أ ِ ّم ِمسْطح ِقبَل المناصع ‪ -‬وكان‬
‫متبرزَ نا‪ ،‬وكنا ال نخرج إالَّ ليالً إلى ليل‪ ،‬وذلك قبل أن نتخذ ال ُكنف قريبًا من بيوتنا‪ ،‬قالت‪:‬‬
‫وأمرُ نا أم ُر العرب األُول في البرية قب َل الغائط‪ ،‬وكنا نتأ َّذى بالكنف أن نتخذها عن َد بيوتنا ‪-‬‬
‫قالت‪ :‬فانطلقت أنا وأ ُّم ِمسْ طح ‪ -‬وهي ابنة أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف‪ ،‬وأمُّها بنت‬
‫صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق‪ ،‬وابنها ِمسْ طح بن أُثَاثة بن عباد بن المطلب ‪-‬‬
‫فأقبلت‪ B‬أنا وأ ُّم مسطح ِقبَل بيتي حين فرغنا من شأننا‪ ،‬فعثرت أ ُّم مسطح في ِمرْ طها‪ ،‬فقالت‪:‬‬
‫س ِبّين رجالً شهد بدرً ا‪ ،‬فقالت‪ْ :‬‬
‫أي َه ْنتَاه‪ ،‬ولم‬ ‫تَ ِعس مسطح‪ ،‬فقلت لها‪ :‬بئس ما ِ‬
‫قلت‪ ،‬أت ُ‬
‫تسمعي ما قال؟! قالت‪ :‬وقلت‪ :‬ما قال؟ فأخبر ْتني بقول أهل اإلفك‪ ،‬قالت‪ :‬فازددتُ مرضً ا‬
‫ي رسول هللا ‪ -‬صلَّى هللا عليه وسلَّم ‪ -‬فسلَّم‪،‬‬ ‫على مرضي‪ ،‬فلما رجعتُ إلى بيتي دخل عل َّ‬
‫ثم قال‪ :‬كيف تيكم؟ فقلت له‪ :‬أتأذن لي أن آتي أبوي؟ قالت‪ :‬وأريد أن أستيقن الخبرَ ِمن‬
‫ِقبَلهما‪ ،‬قالت‪ :‬فأذن لي رسو ُل هللا ‪ -‬صلَّى هللا عليه وسلَّم ‪ -‬فقلت ألمي‪ :‬يا أُمَّتاه‪ ،‬ماذا‬
‫كانت امرأة قط وضيئة عند رجل‬ ‫ِ‬ ‫هوّ ني عليك‪ ،‬فوهللا لقلَّما‬
‫يتحدَّث الناس؟ قالت‪ :‬يا بُنيَّة‪ِ ،‬‬
‫يحبُّها لها ضرائر إالَّ كثرن عليها‪ ،‬قالت‪ :‬فقلت‪ :‬سبحان هللا! أو لقد تحدَّث الناس بهذا؟!‬

‫قالت‪ :‬فبكيتُ تلك الليلة‪ ،‬حتى أصبحت ال يرقأ لي دَمْ ع‪ ،‬وال أكتحل بنوم‪ ،‬ثم أصبحتُ أبكي‪،‬‬
‫قالت‪ :‬ودعا رسو ُل هللا ‪ -‬صلَّى هللا عليه وسلَّم ‪ -‬علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين‬

‫‪2‬‬
‫است ْلبث الوحي‪ ،‬يسألهما ويستشيرهما في ِفراق أهله‪ ،‬قالت‪ :‬فأمَّا أسامة فأشار على رسول‬
‫نفسه‪ ،‬فقال‬‫هللا ‪ -‬صلَّى هللا عليه وسلَّم ‪ -‬بالذي يعلم ِمن براءة أه ِله‪ ،‬وبالذي يعلم لهم في ِ‬
‫ي فقال‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬لم يض ِيّق هللا عليك‪،‬‬ ‫أسامة‪ :‬أهلك‪ ،‬وال نعلم إالَّ خيرً ا‪ ،‬وأما عل ٌّ‬
‫والنساء سواها كثير‪ ،‬وس ِل الجاري َة تصد ْقك‪ ،‬قالت‪ :‬فدعا رسول هللا ‪ -‬صلَّى هللا عليه‬
‫وسلَّم ‪ -‬ب َِريرة‪ ،‬فقال‪ :‬أي بريرة‪ ،‬هل رأيت من شيء يَريبك؟ قالت له بريرة‪ :‬والذي ب َعثَك‬
‫بالحق ما رأيتُ عليها أمرً ا قط َأ ْغ ِمصه‪ ،‬غيرَ أنَّها جاري ٌة حديثة ال ِ ّ‬
‫سنّ ِ ‪ ،‬تنام عن عجين‬
‫أهلها‪ ،‬فتأتي الداجنُ فتأكله‪.‬‬

‫ُ‬
‫قالت‪ :‬فقام رسول هللا ‪ -‬صلَّى هللا عليه وسلَّم ‪ -‬من يومه فاستعذر ِمن عبدهللا بن أب ّ ٍ‬
‫ي وهو‬
‫على المنبر‪ ،‬فقال‪ :‬يا معشر المسلمين‪ ،‬مَن يَع ِذرني من رجل قد بلغني عنه أذاه في أهلي؟‬
‫وهللا ما علمتُ على أهلي إالَّ خيرً ا‪ ،‬ولقد ذكروا رجالً ما علمت عليه إالَّ خيرً ا‪ ،‬وما يدخل‬
‫على أهلي إال معي‪.‬‬

‫قالت‪ :‬فقام سعد بن معاذ أخو بني عبد األشهل‪ ،‬فقال‪ :‬أنا يا رسول هللا‪َ ،‬أع ِذرك‪ ،‬فإن كان‬
‫من األوس ضربتُ عن َقه‪ ،‬وإن كان من إخواننا‪ B‬من الخزرج أمرْ تَنا ففعلنا أمرَ ك‪ ،‬قالت‪ :‬فقام‬
‫رجل من الخزرج وكانت أ ُّم حسان بنت عمه من َف ِخذه‪ ،‬وهو سعد بن عبادة‪ ،‬وهو س ِيّد‬
‫كذبت‪،‬‬‫َ‬ ‫صالحا‪ ،‬ولكن احتمل ْته الحمية‪ ،‬فقال لسعد‪:‬‬
‫ً‬ ‫الخزرج‪ ،‬قالت‪ :‬وكان قبل ذلك رجالً‬
‫لعَمْ رُ هللا ال تقتله‪ ،‬وال تق ِدر على ق ْتله‪ ،‬ولو كان ِمن رهطك ما أحببت أن يُقتل‪ ،‬فقام‪ B‬أُ َ‬
‫سيْد‬
‫َ‬
‫كذبت‪ ،‬لعمر هللا لنقتلنَّه‪ ،‬فإنك منا ِفق‬ ‫بن ُحضَ ير ‪ -‬وهو ابن عم سعد ‪ -‬فقال لسعد بن عبادة‪:‬‬
‫تجادل عن المنافقين‪ ،‬قالت فثار الحيَّان ‪ -‬األوس والخزرج ‪ -‬حتى همُّوا أن يقتتلوا ورسو ُل‬
‫هللا ‪ -‬صلَّى هللا عليه وسلَّم ‪ -‬قائم‪ B‬على المنبر‪ ،‬قالت فلم يز ْل رسول هللا ‪ -‬صلَّى هللا عليه‬
‫وسلَّم ‪ -‬يُخ ِّفضهم‪ ،‬حتى سكتُوا و َ‬
‫س َك َ‬
‫ت‪.‬‬

‫قالت‪ :‬فبكيتُ يومي ذلك كلَّه ال يرقأ لي دمع‪ ،‬وال أكتحل بنوم‪ ،‬قالت‪ :‬وأصبح أبواي عندي‪،‬‬
‫وقد بكيت ليلتين ويو ًما ال يرقأ لي دمع‪ ،‬وال أكتحل بنوم‪ ،‬حتى إني ألظنُّ أنَّ البكاء فا ِلق‬
‫ي امرأة من األنصار‪ ،‬فأذنتُ لها‪،‬‬ ‫ْ‬
‫فاستأذنت عل َّ‬ ‫كبدي‪ ،‬فبينا أبواي جا ِلسان عندي وأنا أبكي‪،‬‬
‫فجلست تبكي معي‪ ،‬قالت‪ :‬فبينا نحن على ذلك دخل رسول هللا ‪ -‬صلَّى هللا عليه وسلَّم ‪-‬‬ ‫ْ‬
‫علينا‪ ،‬فسلَّم‪ ،‬ثم جلس‪ ،‬قالت‪ :‬ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل قبلَها‪ ،‬وقد لبث شهرً ا ال‬
‫يوحى إليه في شأني بشيء‪ ،‬قالت فتش َّهد رسول هللا ‪ -‬صلَّى هللا عليه وسلَّم ‪ -‬حين جلس‪،‬‬ ‫َ‬
‫فسيبرّ ئُك هللا‪ ،‬وإن كنت‬
‫ِ‬ ‫ثم قال‪ :‬أمَّا بعد يا عائشة‪ ،‬إنَّه بلغني عنك كذا وكذا‪ ،‬فإنْ كنت بريئة‬

‫‪2‬‬
‫ألممت بذنب فاستغفري هللا‪ ،‬وتوبي إليه‪ ،‬فإنَّ العبد إذا‪ B‬اعترف ثم تاب‪ ،‬تاب هللا عليه‪.‬‬
‫ِ‬

‫قالت‪ :‬فلمَّا قضى رسول هللا ‪ -‬صلَّى هللا عليه وسلَّم ‪ -‬مقالتَه َقلَص دمعي‪ ،‬حتى ما أحسُّ‬
‫منه قطرة‪ ،‬فقلت ألبي‪ :‬أ ِجبْ رسول هللا ‪ -‬صلَّى هللا عليه وسلَّم ‪ -‬ع ِنّي فيما قال‪ ،‬فقال أبي‪:‬‬
‫وهللا ما أدري ما أقول لرسول هللا ‪ -‬صلَّى هللا عليه وسلَّم ‪ -‬فقلت ألمي‪ :‬أجيبي رسول‬
‫هللا ‪ -‬صلَّى هللا عليه وسلَّم ‪ -‬فيما قال‪ ،‬قالت أمي‪ :‬وهللا ما أدري ما أقول لرسول هللا ‪-‬‬
‫صلَّى هللا عليه وسلَّم‪.‬‬

‫سن‪ ،‬ال أقرأ من القرآن كثيرً ا ‪ :-‬إني وهللا‪ ،‬لقد علمتُ لقد‬ ‫فقلت ‪ -‬وأنا جارية حديثة ال ِ ّ‬
‫الحديث حتى استقرَّ في أنفسكم‪ ،‬وصدقتم به‪ ،‬فلئن قلتُ لكم‪ :‬إني بريئة‪ ،‬ال‬ ‫َ‬ ‫سمعتم هذا‬
‫تُص ِ ّدقوني‪ ،‬ولئن اعترفت لكم بأمر ‪ -‬وهللا يعلم أني منه بريئة ‪ -‬لتص ِ ّد ُقني‪ ،‬فوهللا ال أجد لي‬
‫ص ُفونَ } [يوسف‪:‬‬ ‫ستَعَانُ عَ لَى مَا تَ ِ‬
‫ولكم َمثَالً إال أبا يوسف حين قال‪َ { :‬فصَ بْرٌ َج ِمي ٌل وَ اللَّ ُه ا ْل ُم ْ‬
‫‪ ،]18‬ثم تحولتُ واضطجعت على فراشي‪ ،‬وهللا يعلم أني حينئذ بريئة‪ ،‬وأنَّ هللا مب ِّرئي‬
‫ش ْأني في نفسي كان‬ ‫ببراءتي‪ ،‬ولكن وهللا ما كنتُ أظنُّ أنَّ هللا منزل في شأني وحيًا يتلَى‪ ،‬لَ َ‬
‫ي بأمر‪ ،‬ولكن كنت أرجو أن يرى رسول هللا ‪ -‬صلَّى هللا عليه‬ ‫أحقرَ من أن يتكلم هللا ف َّ‬
‫وسلَّم ‪ -‬في النوم رؤيا يُب ِّرئني هللا بها‪ ،‬فوهللا ما رام رسو ُل هللا ‪ -‬صلَّى هللا عليه وسلَّم ‪-‬‬
‫نزل عليه‪ ،‬فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء‪،‬‬ ‫ُ‬
‫مجلسَه‪ ،‬وال خرج أح ٌد من أهل البيت حتى أ ِ‬
‫شات ِمن ِث َقل القول الذي أُنزل‬ ‫ٍ‬ ‫الجمَان وهو في يوم‬ ‫حتى إنَّه ليتحدَّر منه من العرق ِمث ُل ُ‬
‫عليه‪.‬‬

‫فكانت أ َّول كلمة تكلَّم‬ ‫ْ‪B‬‬ ‫س ِّري عن رسول هللا ‪ -‬صلَّى هللا عليه وسلَّم ‪ -‬وهو يضحك‪،‬‬ ‫قالت‪ :‬ف ُ‬
‫بها أن قال‪ :‬يا عائشة‪ ،‬أمَّا هللا فقد‪ B‬ب َّرأك‪ ،‬قالت‪ :‬فقالت لي أ ِّمي‪ُ :‬قومي إليه‪ ،‬فقلت‪ :‬وهللا ال‬
‫(إنَّ الَّ ِذينَ َجا ُؤوا‬ ‫أقوم إليه‪ ،‬فإني ال أحمد إالَّ هللا ‪ -‬عز وجل ‪ -‬قالت‪ :‬وأنزل هللا ‪ -‬تعالى ‪ِ :-‬‬
‫{إنَّ الَّ ِذينَ َجا ُؤوا‬ ‫ك عُصْ بَ ٌة ِم ْن ُك ْم} [النور‪ ...]11 :‬العشر اآليات‪ B،‬قال ‪ -‬عز وجل ‪ِ :-‬‬ ‫ِباإْل ِ ْف ِ‬
‫ئ ِم ْن ُه ْم مَا ا ْكتَسَبَ ِمنَ اإْل ِ ْثِ‪B‬م‬ ‫ش ًّرا لَ ُك ْم بَلْ ُهوَ خَ ْي ٌر َل ُك ْم ِل ُك ِ ّل امْ ِر ٍ‬ ‫سبُو ُه َ‬ ‫ك عُصْ بَ ٌة ِم ْن ُك ْم الَ تَ ْح َ‬‫ِباإْل ِ ْف ِ‬
‫س ِمعْ تُمُو ُه ظَنَّ ا ْلم ُْؤ ِمنُونَ وَ ا ْلم ُْؤ ِمنَاتُ‬ ‫وَ الَّ ِذي تَوَ لَّى ِكبْرَ ُه ِم ْن ُه ْم َل ُه عَ َذابٌ عَ ِظي ٌم‪ * ‬لَوْ الَ ِإ ْذ َ‬
‫ش َهدَا ِء‬ ‫ش َهدَا َء َف ِإ ْ‪B‬ذ لَ ْم ي َْأتُوا ِبال ُّ‬
‫ِب َأ ْنف ُِس ِه ْم خَ يْرً ا وَ َقالُوا َه َذا ِإ ْفكٌ م ُِبينٌ ‪ * ‬لَوْ الَ َجا ُؤوا عَ لَ ْي ِه ِب َأرْ بَ َع ِة ُ‬
‫س ُك ْم‬‫َف ُأولَ ِئكَ ِع ْن َد اللَّ ِه ُه ُم ا ْل َكا ِذبُونَ ‪ * ‬وَ لَوْ الَ َفضْ ُل اللَّ ِه عَ لَ ْي ُك ْم وَ رَ ْح َمتُ ُه ِفي ال ُّد ْنيَا وَ اآْل ِخرَ ِة لَ َم َّ‬
‫ِفي مَا َأ َفضْ تُ ْ‪B‬م ِفي ِه عَ َذابٌ عَ ِظي ٌم‪ِ  * ‬إ ْذ تَلَ َّقوْ نَ ُه ِب َأ ْل ِسنَ ِت ُك ْم وَ تَقُولُونَ ِب َأ ْفوَ ا ِه ُك ْ‪B‬م مَا َليْسَ َل ُك ْم ِب ِه ِع ْل ٌم‬
‫س ِم ْعتُمُو ُه ُق ْلتُ ْم مَا يَ ُكونُ َلنَا َأنْ نَتَ َكلَّ َم ِب َه َذا‬ ‫سبُونَ ُه َه ِيّنًا وَ ُهوَ ِع ْن َد اللَّ ِه عَ ِظي ٌم‪ * ‬وَ لَوْ الَ ِإ ْذ َ‬ ‫وَ تَ ْح َ‬

‫‪2‬‬
‫سب َْحانَكَ َه َذا بُ ْهتَانٌ عَ ِظي ٌم‪ * ‬يَ ِعظ ُ ُك ُم اللَّ ُه َأنْ تَعُودُوا ِل ِم ْث ِل ِه َأبَدًا ِإنْ ُك ْنتُ ْم م ُْؤ ِم ِنينَ ‪ * ‬وَ يُبَ ِيّنُ اللَّ ُه‬ ‫ُ‬
‫ش ُة ِفي الَّ ِذينَ آ َمنُوا لَ ُه ْم عَ َذابٌ‬ ‫َات وَ اللَّ ُه عَ ِلي ٌم َح ِكي ٌم‪ِ  * ‬إنَّ الَّ ِذينَ يُ ِحبُّونَ َأنْ تَ ِشيعَ ا ْل َفا ِح َ‬ ‫لَ ُك ُم اآْل ي ِ‪B‬‬
‫َأ ِلي ٌم ِفي ال ُّد ْنيَا وَ اآْل ِخرَ ِة وَ اللَّ ُه يَ ْعلَ ُم وَ َأ ْنتُ ْم الَ تَ ْعلَمُونَ ‪ * ‬وَ لَوْ الَ َفضْ ُل اللَّ ِه عَ لَ ْي ُك ْم وَ رَ ْح َمتُ ُه وَ َأنَّ‬
‫اللَّ َه رَ ُؤوفٌ رَ ِحي ٌم} [النور‪ ،]20 - 11:‬ثم أنزل هللا هذا في براءتي‪.‬‬

‫هللا ال أُن ِفق‬


‫الص ِ ّديق ‪ -‬وكان يُنفق على مسطح بن أُثاثة لقرابته منه وفقره و ِ‬ ‫قال أبو بكر ِ ّ‬
‫على مسطح شيئًا أبدًا بع َد الذي قال لعائشة ما قال‪ ،‬فأنزل هللا‪{ :‬وَ الَ ي َْأتَ ِل أُولُو ا ْل َفضْ ِل ِم ْن ُك ْم}‬
‫الص ِ ّديق‪ :‬بلى وهللا‪ ،‬إني ألحبُّ أن‬ ‫إلى قوله‪{ :‬وَ اللَّ ُه َغ ُفورٌ رَ ِحي ٌم} [النور‪ ،]22 :‬قال أبو بكر ِ ّ‬
‫أنزعها منه أبدًا‪.‬‬ ‫سطح النفقة التي كان ينفق عليه‪ ،‬وقال‪ :‬وهللا ال ِ‬ ‫يغفرَ هللا لي‪ ،‬فرجع إلى ِم ْ‬

‫قالت عائشة‪ :‬وكان رسول هللا ‪ -‬صلَّى هللا عليه وسلَّم ‪ -‬سأل زينبَ بنت جحش عن أمْ ري‬
‫أحمي سمعي وبصري‪ ،‬وهللا ما‬ ‫علمت أو رأيت؟ فقالت‪ :‬يا رسول هللا‪ْ ،‬‬
‫ِ‬ ‫فقال لزينب‪ :‬ماذا‬
‫علمتُ إال خيرً ا‪ ،‬قالت عائشة‪ :‬وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي ‪ -‬صلَّى هللا عليه‬
‫فهلكت فيمَن هلَك‪.‬‬
‫ْ‬ ‫تحارب لها‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ْ‬
‫وطفقت أختُها َحمْ نة‬ ‫وسلَّم ‪ -‬فعَصَ مها هللا بالورع‪ ،‬قالت‪:‬‬

‫قال ابن ِشهاب‪ :‬فهذا الذي بلغني من حديث هؤالء ال َّر ْهط‪ ،‬ثم قال عروة‪ :‬قالت عائشة‪:‬‬
‫وهللا‪ ،‬إنَّ الرجل الذي ِقيل له ما قيل ليقولُ‪ :‬سبحان هللا! فوالذي نفسي بيده ما كشفتُ من‬
‫كنف أنثى قط‪ ،‬قالت‪ :‬ثم ُق ِتل بع َد ذلك في سبيل هللا‪." 42‬‬

‫وهكذا فق ِد انتصرت عائشة في حديث اإلفك‪ ،‬وبرَّ أها هللا ‪ -‬تعالى ‪ -‬مما قالوا بالقرآن‬
‫وآبت إلى بيتها أوب َة الظافر المتين‪ ،‬وظلَّت‬
‫ْ‬ ‫الكريم‪ ،‬وقدرت عائشة هذا االنتصارَ ح َّق قدره‪،‬‬
‫أعوامًا مع رسول هللا ‪ -‬صلَّى هللا عليه وسلَّم ‪ -‬في ِنعمة وسعادة وسرور‪ ،‬يتنزل الوحي‬
‫من هللا في بيتها‪ ،‬ويُقرئها جبريل السالم‪ ،43‬ويحبُّها رسول هللا ‪ -‬صلَّى هللا عليه وسلَّم ‪-‬‬
‫‪44‬‬
‫ويُع ِظ ّمها المسلمون‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬وفاتها رضي هللا عنها‬

‫مرضت أُ ُّم المؤمنين عائشة في آ ِخ ِر حياتها مرضً ا أ ْلزمها الفراشَ ‪ ،‬وأحاطها الصحاب ُة‬
‫ْ‬
‫‪ 42‬صحيح البخاري‪ ،)3/64( ،‬كتاب المغازي‪ ،‬باب‪ :‬حديث اإلفك‪ ،‬تحت رقم (‪.)4141‬‬

‫‪" 43‬في موكبـ السيرة النبوية"؛ للدكتور محمد المختار ولد اباه الشنقيطي‪1405 ،‬هـ ‪1984 -‬م‪.‬‬

‫‪" 44‬في موكبـ السيرة النبوية"؛ للدكتور محمد المختار ولد اباه الشنقيطي‪1405 ،‬هـ ‪1984 -‬م‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫بعنايتهم واهتمامهم بص َّح ِتها‪ ،‬فكان يدخل عليها بعضُ الصحابة الذين هم ِمن قرابتها‪ ،‬مثل‬
‫لتخفيف وطأة المرض عنها‪ ،‬ولم تكن تحبُّ أن تسمع مَن‬ ‫ِ‬ ‫عبدهللا بن عباس‪ ،‬فيُثني عليها؛‬
‫ي عبدهللا بن عباس‪ ،‬ولم أكن أُحبُّ أن‬ ‫يُثني عليها‪ ،‬قالت ‪ -‬رضي هللا عنها ‪" :-‬أثنَى عل َّ‬
‫‪45‬‬
‫أسمع أحدًا اليوم يُثني علي‪ ،‬لوددتُ أ ِنّي كنت نسيًا منسيًّا‪.‬‬
‫تُو ِّفيت ‪ -‬رضي هللا عنها ‪ -‬سنة ‪57‬هـ؛ وهذا ما قاله هشام بن عروة‪ ،‬وأحمد بن حنبل‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫وقد قيل‪ :‬إنها مدفونة بغربي جامع دمشق‪ ،‬وهذا غلط فاحش‪ ،‬لم تَقدَم ‪ -‬رضي هللا عنها ‪-‬‬
‫إلى دمشق أصالً‪ ،‬وإنما هي مدفونة بالبقيع‪ ،46‬وقد صلَّى عليها أبو هريرة بع َد الوتر في‬
‫شهر رمضان‪ ،‬و ُد ِفنت بالبقيع‪.‬‬

‫الفصل الثاني ‪ :‬خديجة بنت خويلد رضي هللا عنها‬


‫الزوجة للزوج شريك ُة الحياة‪ ،‬وقرينته في أحوالها المختلفة‪ ،‬في السراء والضراء‪،‬‬
‫واألفراح واألتراح‪ ،‬والغنى والفقر‪ ،‬واآلمال واآلالم‪ ،‬وحينما تكون للزوج الصالح زوجة‬
‫صالحة‪ ،‬ف ِنعم القرين الذي اكتسبه والصاحب الذي ظفر به!‬
‫وقد كان نبينا محمد صلى هللا عليه وآله وسلم من أولئك الذين اصطفى هللا له من النساء‬
‫خيارهن وأطيبهن‪ ،‬واجتبى له منهن أتقاهنَّ وأصلحهن‪ ،‬فكنَّ خيرَ الزوجات لخير األزواج‪،‬‬
‫وأفضل النساء لخير زوج‪ ،‬وقد كان من زوجاته الطاهرات‪ :‬خديجة بنت خويلد رضي هللا‬
‫عنها‪.‬‬

‫المبحث األول ‪:‬سيرتها رضي هللا عنها الو زواجها بالنبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم‬

‫المطلب األول ‪ :‬اسمها و نسبها‬


‫هي‪  ‬خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبدالعزى بن قصي‪ .‬من الذؤابة في قريش نسبًا‪ ،‬وبيتًا‪،‬‬
‫وشر ًف ا‪ ،‬كانت تدعى في الجاهلية بالطاهرة‪ ،‬وأمها فاطمة بنت زائدة بن األصم‪ .‬فكانت ذات‬
‫شرف ومال كثير‪ ،‬تزوجت خديجة وهي بكر‪(  ‬عتيق بن عائذ) فولدت له حارثة ثم هلك‬
‫عنها‪ ،‬فتزوجت أبو هالة مالك بن النباش بن زرارة‪ ،‬ثم هلك‪ ،‬فتزوجها رسول هللا‪ ‬صلى‬
‫‪ 45‬الطبقات" (‪.)8/74‬‬
‫‪ 46‬سير أعالم النبالء"ـ (‪" ،)5/55‬صفة الصفوة" (ص‪.)27 :‬‬

‫‪2‬‬
‫هللا عليه وسلم‪ ‬وهي بنت أربعين سنة‪ ،‬وكان رسول هللا‪ ‬صلى هللا عليه وسلم‪ ‬ابن خمس‬
‫وعشرين سنة‪ ،‬وقال أبو عمر وأجمع أهل العلم‪ " :‬أن خديجة – رضي هللا عنها‪ -‬ولدت‬
‫لرسول هللا‪ ‬صلى هللا عليه وسلم‪ ‬أربع بنات هن‪ :‬زينب وفاطمة ورقية وأم كلثوم ‪ -‬رضي‬
‫‪47‬‬
‫هللا عنهن‪ ،-‬وأجمعوا أنها ولدت له القاسم‪ ،‬وبه كان يكنى‪ ‬صلى هللا عليه وسلم‬
‫يلتقي نسبها بنسب النبي صلى هللا عليه وسلم في الجد الخامس‪ ،‬قصي بن كالب‪.‬‬
‫قال ابن هشام‪ :‬كانت‪ ‬خديجة يومئ ٍذ أوسط نساء قريش نسبًا‪ ،‬وأعظمهن شر ًفا‪ ،‬وأكثرهن‬
‫مااًل ‪ 48‬فقد كانت عاقلة جليلة دينة مصونة كريمة من أهل الجنة‪ ،‬وكان النبي ‪ -‬صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ -‬يُثني عليها ويفضلها على سائر أمهات المؤمنين‪ ،‬ويبالغ في تعظيمها‪ ،‬حتى إن‬
‫عائشة كانت تقول‪" :‬ما غرت من امرأة ما غرت من‪ ‬خديجة من كثرة ذكر النبي ‪ -‬صلى‬
‫‪49‬‬
‫هللا عليه وسلم – لها"‬
‫كان ميالدها في مكة قبل عام الفيل بخمس عشرة سنة‪ ،‬عرفت بذكائها‪ B‬وجالله قدرها بل‬
‫إنها من النساء الكمَّل‪ ،‬والكمَّل في النساء قليل‪ ،‬نقية السريرة‪ ...‬صافية‪ B‬الروح‪ ...‬ذات حسن‬
‫وجمال‪ ..‬اجتمع لها حسن الخلق وشرف الحسب وعلو النسب مصونة كريمة‪.‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬إسالمها‬

‫كانت السيدة خديجة أول من آمن باهلل ‪-‬سبحانه‪ ،-‬وبرسالة محم ٍد ‪-‬عليه الصالة والسالم‪،-‬‬
‫فقد صدّقت‪ B‬بما جاء به من عند ربه‪ ،‬فآمنت به وآزرته‪ ،‬وخفّفت عنه ما أل ّم به‪ ،‬ومن‬
‫المواقف الشاهدة على ذلك؛ وقوفها إلى جانبه ومؤازرته حين نزل عليه الوحي أول مر ٍة‬
‫بواسطة جبريل ‪-‬عليه السالم‪ ،-‬وأخبرها بما رأى في غار حرا ٍء‪ ،‬وفي ذلك روى اإلمام‬
‫يج َة‪َ ،‬فقالَ‪ :‬زَ ِّّ‪ِB‬ملُو ِني زَ ِّّ‪ِB‬ملُو ِني َفزَ َّملُو ُه حتَّى َذ َهبَ ع ْنه‬‫البخاري في صحيحه‪( :‬دَخَ َل علَى خَ ِد َ‬
‫ت له‪َ :‬كاَّل ‪،‬‬ ‫وأخْ بَرَ َها الخَ بَرَ ‪ ،‬وقالَ‪ :‬ق ْد خَ ِشيتُ علَى نَ ْف ِسي َفقالَ ْ‬ ‫يج ُة‪ ،‬ما لي َ‬ ‫الرَّ وْ عُ ‪َ ،‬فقالَ‪ :‬يا خَ ِد َ‬
‫يث‪ ،‬وتَ ْح ِم ُل ال َكلَّ‪ ،‬وتَ ْق ِري‬
‫الح ِد َ‬
‫ص ُل ال َّر ِح َم‪ ،‬وتَصْ ُد ُق َ‬ ‫ْشرْ ‪َ ،‬فوَ اللَّ ِه ال يُخْ ِزيكَ اللَّ ُه أبَدًا‪ B،‬إنَّكَ َلتَ ِ‬‫أب ِ‬
‫َ ‪5150‬‬
‫ت به ورَ َق َة بنَ نَوْ ف ِل)‬‫يج ُة حتَّى أتَ ْ‬ ‫ت به خَ ِد َ‬ ‫الح ِّّ‪ِB‬ق‪ ،‬ثُ َّم ا ْنطَلَ َق ْ‬
‫ب َ‬ ‫ضيْفَ ‪ ،‬وتُعِينُ علَى نَوَ ا ِئ ِ‬ ‫ال َّ‬

‫‪ 47‬محب الدين أحمد بن عبدهللا الطبري‪ .‬السمط الثمين ‪ /‬تحقيقـ محمد علي قطب‪ -.‬القاهرة ‪ :‬دار الحديث للنشر‪1980[،‬م؟]‪ -.‬ص‪ .‬ص ‪.24 -23‬‬

‫‪ 48‬سيرة ابن هشام (‪.)189 /1‬‬


‫‪ 49‬سير أعالم النبالء (‪.)2/110‬‬
‫‪ 50‬رواه البخاري‪ ،‬في صحيح البخاري‪ ،‬عن عائشة أم المؤمنين‪ ،‬الصفحة أو الرقم‪ ،6982 :‬صحيح‬

‫‪ 51‬أبو القاسم السهيلي (‪ ،)2000‬الروض األنف في شرح السيرة النبوية (الطبعة االولى)‪ ،‬بيروت‪:‬ـ دار إحياء التراث‪ ،‬صفحة ‪ ،273‬جزء ‪.2‬‬
‫بتصرّ ف‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫كانت السيدة خديجة ‪-‬رضي هللا عنها‪ِ -‬ن ْعم الزوجة في ك ّل المواقف التي تع ّرض لها‬
‫رسول هللا ‪-‬صلّى هللا عليه وسلّم‪ ،-‬فخفّفت‪ B‬عن المسلمين ما أصابهم من المحن‬
‫واالبتالءات‪ B،‬وخاص ًة ما ح ّل بهم من مقاطعة قريش لبني هاشم وبني عبد المطلب‪ ،‬بعدم‬
‫صلح‬ ‫تزويجهم أو الزواج منهم‪ ،‬وعدم بيعهم أو الشراء منهم‪ ،‬وعدم الرأفة بهم أو قبول ال ُ‬
‫سنوات‪ ،‬وقد تحمّلت السيدة خديجة ذلك‪ ،‬وصبرت‬ ‫ٍ‬ ‫منهم‪ ،‬وقد استمرت المقاطعة مدة ثالث‬
‫الشعب‬ ‫مع زوجها وساندته في ذلك‪ ،‬وعملت على تأمين الطعام للمسلمين المحاصرين في ِ‬
‫بمعاونة ابن أخيها حكيم بن حزام‪ ،‬إذ كان يُرسل الطعام إلى عمّته ليالً[ ‪.52‬‬
‫فكانت‪ B‬رضي هللا عنها أول من أسلم وأمن برسالة محمد صلى هللا عليه وسلم من اللحظة‬
‫األولى ولم تتردد رضي هللا عنها‪ ،‬ونالت شرف السبق حتى أنه جاء جبريل إلى النبي‬
‫ي اللَّ ُه عَ ْنهُ‪َ ،‬قالَ‪:‬‬ ‫ض َ‬ ‫صلى هللا عليه وسلم مبشرا لما لها بسبب ذلك السبق عَ نْ َأ ِبي ُهرَ يْرَ َة رَ ِ‬
‫ت َم َع َها‬‫يج ُة َق ْد َأتَ ْ‬ ‫سلَّ َم‪َ ،‬ف َقالَ‪ :‬يَا رَ سُو َل اللَّ ِه‪َ :‬ه ِذ ِه خَ ِد َ‬ ‫هللا عَ لَ ْي ِه وَ َ‬
‫ي صَ لَّى ُ‬ ‫" َأتَى ِجب ِْري ُل الن َِّب َّ‬
‫شرْ َها‬‫سالَ َم ِمنْ رَ ِبّ َها وَ ِم ِنّي وَ بَ ِ ّ‬ ‫ي َأتَ ْتكَ َفا ْقرَ ْأ عَ لَ ْي َها ال َّ‬
‫شرَ ابٌ ‪َ ،‬ف ِإ َذا ِه َ‬‫ِإنَا ٌء ِفي ِه ِإدَا ٌم‪َ ،‬أوْ طَعَا ٌم َأوْ َ‬
‫ب الَ صَ خَ بَ ِفي ِه‪ ،‬وَ الَ نَصَ بَ "‬ ‫الجنَّ ِة ِمنْ َقصَ ٍ‬
‫‪53‬‬
‫ْت ِفي َ‬ ‫ِببَي ٍ‬
‫والقصب‪ :‬لؤلؤ مجوف واسع كالقصر المنيف‪ ،‬والصخب‪ :‬اختالط األصوات‪ B،‬والنصب‪:‬‬
‫التعب‪.‬‬

‫المبحث الثالث ‪:‬زواجها بالنبي صلى هللا عليه وسلم‬

‫لقد سبق لخديجة رضي هللا عنها أن تزوجت مرتين قبل زواجها من الرسول صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫تزوجت عتيق بن عابد بن عبدهللا بن مخزوم‪ ،‬فولدت له عبدهللا‪ ،‬وجارية اسمها هند‪،‬‬
‫أسلمت وصحبت‪ ،54‬ومات عتيق‪.‬‬
‫ثم تزوجت أبا هالة بن النباش بن زرارة التميمي‪ ،‬ومات عنها أيضً ا‪ B‬وقد ولدت له‪ :‬هندًا‬
‫وهالة وهما ذكران‪ ،‬وكالهما أسلم وصحب النبي صلى هللا عليه وسلم‪ .‬وتقدم لخطبتها كثير‬

‫‪ 52‬عبد الحميد طهماز (‪ ،)1996‬السيدة خديجة ام المؤمنين (الطبعة الثانية)‪ ،‬دمشق‪ :‬ار القلم‪ ،‬صفحة ‪ .91-88‬بتصرّ ف‬

‫‪  53‬برقم‪ 3820 ‬وصحيح مسلم برقم‪.2432 ‬‬


‫‪ 54‬سيرة ابن هشام (‪ ،)644 /2‬وشرح الزرقاني على المواهب (‪.)220 /3‬‬

‫‪2‬‬
‫من أشراف قريش‪ ،‬وكلهم كان حريصً ا على نكاحها لو قدر على ذلك‪ ،‬لشرفها وجمالها‬
‫ومالها‪ ،‬وقد أعرضت عن ذلك وانصرفت إلى تنمية أموالها بالتجارة‪ ،‬فقد‪ B‬كانت تستأجر‬
‫الرجال في مالها وتضاربهم إياه‪..‬‬
‫حتى سمعت بصدق الرسول ‪-‬صلّى هللا عليه وسلّم‪ -‬وأمانته وكرم أخالقه‪ ،‬فعرضت عليه‬
‫أن يعمل معها في التجارة‪ ،‬ويتولّى أمر القوافل بما فيها من البضائع‪ ،‬فخرج تاجر ًا‬
‫بأموالها‪ ،‬ورافقه غالم ًا لها اسمه مَيسَرَ ة‪ ،‬وحين عودتهم من رحلة التجارة أخبرها غالمها‬
‫بما رأى من الرسول من كرم األخالق و ُحسنها‪ ،‬كما أنّها رأت أمان ًة وبرك ًة في أموالها لم‬
‫ترَ ها من قبل‪ ،‬فأدركت‪ B‬أنّه الزوج المناسب لها‪ ،‬وأخبرت صديقتها نفيسة بنت منيّة بما وقع‬
‫عرض عليه الزواج من خديجة‪ ،‬ف َق ِبل‪،‬‬ ‫في نفسها تجاه الرسول‪ ،‬فذهبت نفيسة إلى الرسول تَ ِ‬
‫وأخبر أعمامه باألمر‪ ،‬وتقدّموا ب ِخطبة خديجة له من عمّها‪ ،‬وت ّم العقد بينهما بحضور بني‬
‫هاشم ورؤساء مضر‪ ،‬وكان ذلك بعد رحلة التجارة إلى الشام بشهرين‪ ،‬وكانت السيدة‬
‫خديجة قد بلغت من العمر أربعين سن ًة‪ ،‬وبذلك كانت أول امرأ ٍة تزوجها النبي‪ ،‬ولم يتزوّ ج‬
‫‪55‬‬
‫عليها امرأ ًة أخرى إلى أن توفيت‬

‫هذا و قد ذكر ابن سعد في طبقاته‪ 56‬أن التي قامت بدور الخاطبة بين رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪ ،‬وبين خديجة‪ ،‬هي نفيسة بنت ُمنَية أرسلتها خديجة رضي هللا عنها للنبي صلى‬
‫هللا عليه وسلم لتقوم بذلك‪ .‬ففي حديث روته أم سعد بنت سعد بن الربيع عن نفيسة بنت‬
‫صي امرأة حازمة جلدة‪،‬‬ ‫ُمنّية قالت‪ :‬كانت خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد ال ُع ّزى بن ُق ّ‬
‫شريفة مع ما أراد هللا بها من الكرامة والخير‪ ،‬وهي يومئذ أوسط قريش نسبا‪ ،‬وأعظمهم‬
‫شرفا‪ ،‬وأكثرهم ماال‪ ،‬وك ّل قومها كان حريصا على نكاحها لو قدر على ذلك‪ ،‬قد طلبوها‬
‫وبذلوا لها األموال‪ ،‬فأرسلتني دسيسا إلى محمد بعد أن رجع من عيرها من الشام‪ ،‬فقالت‪:‬‬
‫يت ذلك ودُعيت‬ ‫يا محمد ما يمنعك أن تز ّوج؟ فقال‪« :‬ما بيدي ما أتزوّ ج به»‪ ،‬قلت‪ :‬فإن ُك ِف َ‬
‫إلى الجمال والمال والشرف والكفاءة أال تجيب؟ قال‪« :‬فما هي»؟ قلت‪ :‬خديجة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ي‪ ،‬قال‪« :‬فأنا أفعل»‪ ،‬فذهبت فأخبرتها‪ ،‬فأرسلت إليه أن‬ ‫«وكيف لي بذلك؟» قالت‪ُ :‬قلت‪ :‬عل ّ‬
‫ائت لساعة كذا وكذا‪ ،‬وأرسلت إلى عمها عمرو بن أسد ليز ّوجها‪ ،‬فحضر ودخل رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم في عمومته‪ ،‬فزوّ جه أحدهم‪ ،‬فقال عمرو بن أسد‪ :‬هذا البُضع ال‬
‫يُقرع أنفه‪ ،‬وتزوجها رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وهو ابن خمس وعشرين سنة‪،‬‬

‫‪ 55‬صفي الرحمن المباركفوري‪،‬ـ الرحيق المختوم (الطبعة االولى)‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الهالل‪ ،‬صفحة ‪ .51‬بتصرّ ف‪.‬‬

‫‪ 56‬ج‪ 1‬ص‪.105‬‬

‫‪2‬‬
‫‪57‬‬
‫وخديجة يومئذ بنت أربعين سنة‪ ،‬وُ لدت قبل الفيل بخمس عشرة سنة‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬أبناؤها من النبي صلى هللا عليه و سلم‬

‫المطلب األول أبناؤها من النبي صلى هللا عليه و سلم‬


‫أنجب الهادي البشير صلى هللا عليه وسلم من خديجة رضي هللا عنها – كما ذكرنا –‬
‫البنين والبنات‪ ،‬فك ّل أوالده منها – عدا إبراهيم عليه السالم من مارية القبطية – إال أن‬
‫الذكور ماتوا جميعا وهم في سن الطفولة‪ ،‬أما اإلناث‪ B‬فقد حضرن معه جهاده لنشر الدعوة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وتوفين جميعا في حياته – عدا فاطمة توفيت بعده بستة أشهر رضي هللا عنهن‬
‫جميعا‪.‬‬

‫وفي رواية عن ابن سعد‪ 58‬عن ابن عباس قال‪ :‬كان أول من وُ لد لرسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم بمكة قبل النب ّوة‪ :‬القاسم‪ ،‬وبه كان يكنّى‪ ،‬ثم وُ لد له زينب‪ ،‬ثم رُقيّة‪ ،‬ثم فاطمة‪ ،‬ثم‬
‫أم كلثوم‪ ،59‬ثم وُ لد له في اإلسالم عبد هللا ُفسمّي الطيب‪ ،‬والطاهر‪ ،‬وأمهم جميعا خديجة‬
‫بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن ُقصي‪ ،..‬فكان أول من مات من ولده القاسم‪ ،‬ثم مات‬
‫عبد هللا بمكة‪ ،‬فقال العاص بن وائل السهمي – وهو من كفار مكة قد انقطع ولده فهو أبتر‪،‬‬
‫‪60‬‬
‫شا ِنئَكَ ُهوَ اأْل َ ْبتَ ُر‪[ ﴾ ‬‬
‫فأنزل هللا تعالى‪ِ  ﴿ :‬إنَّ َ‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬وفاتها واثر ذلك عن النبي‬

‫تو ّف يت السيدة خديجة في السنة العاشرة من البعثة‪ ،‬بعد المقاطعة التي كانت لبني هاشم‪،‬‬
‫وكانت قد بلغت من العمر حينها خمس ًا وستين سن ًة‪ ،‬ودُفنت‪ B‬في مقبرة ال ُحجون‪ ،‬وقد دفنها‬
‫الرسول‪ ،‬إاّل أنّه لم يص ِل عليها؛ إذ لم تكن صالة الجنازة مشروع ًة‪ ،‬وكان ذلك بعد وفاة ع ّم‬
‫أيام‪ B،‬وقيل بشهرين‬
‫الرسول أبي طالب بمد ٍة قصيرةٍ‪ ،‬فذكر الحاكم أنّها توفيت بعده بثالثة ٍ‬

‫‪ 57‬المصدر السابق البن سعد ج‪ 1‬ص‪105‬‬


‫‪ 58‬طبقات ابن سعد ج‪ 1‬ص‪ ،106‬طبعة بيروت‪ ،‬دار الكتب العلمية ط‪1410 ،1‬هـ‪1990 /‬م‪.‬‬
‫‪ 59‬من المعروف أن فاطمة رضي هللا عنها هي أصغر من أم كلثوم «المؤلفة» راجع ذلك في المراجع األخرى‪ ،‬وأيضا كتابـ «أمهات المؤمنين‬
‫وبناتـ الهادي البشير محمد صلى هللا عليه وسلم» ضمن موسوعة «صحابيات الهادي البشير محمد صلى هللا عليه وسلم» الكتاب األول‪ ،‬طبعة دار‬
‫الفكر العربي بالقاهرة‪2002 ،‬م‪ ،‬الفصل الثالث «ص‪.»217 – 187‬‬
‫‪ 60‬سورة الكوثر اآلية ‪3‬‬

‫‪2‬‬
‫أيام كما نقل ابن الجوزي‪ ،‬وس ّمي ذلك العام بعام الحزن؛ لما كان فيه من تتابع‬
‫وخمسة ٍ‬
‫‪61‬‬
‫األحزان على النبي؛ بموت عمّه ث ّم زوجته‬

‫الحجون؛ وهو جب ٌل يقابل مسجد العقبة‪ ،‬كان‬ ‫ُد ِفنت‪ B‬السيّدة خديجة ‪-‬رضي هللا عنها‪ -‬في ُ‬
‫مقبر ًة ألهل م ّكة المُكرَّ مة‪،‬وقد وردت عدّة فضائل لتلك المقبرة؛ إذ كانت تستقبل الكعبة‬
‫ي ‪-‬صلّى هللا عليه وسلّم‪ ،-‬كما ِقيل إنّ فيها قبر والدته آمنة‬
‫مستقيم‪ ،‬وقد امتدحها النب ّ‬
‫ٍ‬ ‫بشك ٍل‬
‫بنت وهب‪ ،‬وقبر عبدالرحمن بن أبي بكر الصدّيق‪.62‬‬

‫ي ‪-‬صلّى هللا عليه وسلّم‪ -‬يُكثر من الثناء على أ ّم المؤمنين خديجة ‪-‬رضي هللا‬ ‫كان النب ّ‬
‫هللا عليه وسلَّ َم إذا ذ َكرَ خَ ديج َة َأ ْثنى‬ ‫ي صلَّى ُ‬ ‫عنها‪ -‬بعد وفاتها‪ ،‬ويُروى في ذلك‪( :‬كان النَّب ُّ‬
‫ْق‪ ،‬قد أب َدلَكَ‬ ‫عليها‪ ،‬فأحسَنَ الثناءَ‪ ،‬قالت‪ :‬ف ِغرْ تُ يومًا‪ ،‬ف ُق ْلتُ ‪ :‬ما أكثرَ ما تذ ُك ُرها َحمرا َء ال ِّّ‪B‬‬
‫ِشد ِ‬
‫ت بي إذ ك َفرَ‬ ‫هللا عزَّ وج َّل بها خَ يرً ا منها‪ ،‬قال‪ :‬ما أب َدلَني ُ‬
‫هللا عزَّ وج َّل خَ يرً ا منها‪ ،‬قد آ َمنَ ْ‬ ‫ُ‬
‫هللا ع َّز‬ ‫س ْتني بما ِلها إذ حرَ مَني الناسُ ‪ ،‬ورزَ َقني ُ‬ ‫بي الناسُ ‪ ،‬وص َّد َق ْتني إذ ك َّذبَني الناسُ ‪ ،‬ووا َ‬
‫وج َّل ولَدَها إذ حرَ مَني أوال َد ال ِِّنّ‪B‬سا ِء)‪ 63،‬ويُشار إلى أنّ الفترة التي عاشتها أ ّم المؤمنين‬
‫ي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬مقارن ًة بغيرها من‬ ‫خديجة بنت خويلد كانت أطول م ّد ٍة مع النب ّ‬
‫ي ‪-‬صلّى هللا عليه‬ ‫أمّهات المؤمنين؛ إذ بلغت تلك المدّة خمسة وعشرين عام ًا‪ ،‬وقد قدّر النب ّ‬
‫ضحت فيه في سبيل الدعوة إلى هللا‪ ،‬ومدى صبرها‪ ،‬وتحمُّلها‬ ‫ّ‬ ‫وسلّم‪ -‬ما كانت تُعانيه‪ ،‬وما‬
‫ي ‪-‬صلَّى هللا عليه وسلَّم‪ -‬في ذروة المعاناة بعد‬ ‫لك ّل ابتال ٍء و ِمحن ٍة مرّ ت بها‪ .‬عاش النب ُّ‬
‫رحيل س ِِّيّ‪B‬دة قلبه األولى خديجة ‪-‬رضي هللا عنها‪ -‬بسبب ما يلقاه من أذى‪ B‬المشركين‬
‫وكيدهم‪ ،‬وبقيت ذكراها حيَّ ًة في قلبه تس ِِّل‪ّB‬يه في ظ ِّّ‪ِB‬ل انشغاله بأعماله الجليلة في الدَّعوة إلى‬
‫هللا‪ ،‬وتبليغ الوحي للناس‪ ،‬وجهوده في تأسيس الدولة اإلسالمية‪ .‬ولم ينسَ النبي ‪-‬صلَّى هللا‬
‫عليه وسلَّم‪ -‬خديجة بعد وفاتها وزواجه من أمَّهات المؤمنين بل كان دائم‪ B‬ال ِّّ‪ِB‬ذكر لها‪ ،‬فقد‬
‫مؤازر له في أوقاته‪B‬‬ ‫ٍ‬ ‫داعم ومعين له على تبليغ دعوته‪ ،‬وأكبر‬ ‫ٍ‬ ‫كانت ‪-‬رضي هللا عنها‪ -‬أكبر‬
‫ي ‪-‬صلَّى‬ ‫ي أيضا‪ 64،‬وما أن فقد‪ B‬النب ُّ‬ ‫ي والمال َّ‬
‫ِشره‪ ،‬كما كانت سنده العاطف َّ‬ ‫الحرجة تث ِِّبّ‪B‬ته وتب ِّ‪ّB‬‬
‫هللا عليه وسلَّم‪ -‬زوجته خديجة ‪-‬رضي هللا عنها‪ -‬وفقد معها في نفس العام عمَّه أبا طال ٍ‬
‫ب‬
‫حتى تراكم الحزن في قلب رسول هللا ‪-‬صلَّى هللا عليه وسلَّم‪ ،-‬وزاد من تلك المصائب‬

‫‪ 61‬عبد الحميد طهماز (‪ ،)1996‬السيدة خديجة ام المؤمنين (الطبعة الثانية)‪ ،‬دمشق‪ :‬دار القلم‪ ،‬صفحة ‪ .96-95‬بتصرّ ف‬
‫‪ 62‬محمد بن عبد هللا األزرقي (‪ ،)2003‬أخبار مكة وما جاء فيها من اآلثار (الطبعة األولى)‪ ،‬صفحة ‪ .832-827‬بتصرّ ف‪.‬‬

‫‪ 63‬رواه شعيبـ األرناؤوط‪ ،‬في تخريج المسند‪ ،‬عن عائشة أم المؤمنين‪ ،‬الصفحة أو الرقم‪ ،24864 :‬صحيح‪.‬‬
‫‪64‬‬
‫المباركفوري‪ ،‬الرحيق المختوم‪ ،‬الرياض‪ :‬دار السالم‪ ،‬صفحة ‪ .101‬بتصرّ ف‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫تجبُّر قومه وازدياد أذاهم له وألصحابه فخرج إلى الطَّائف أمالً بأن يستجيبوا لدعوته‬
‫ونصرته فما كان منهم إال أن آذوه أش َّد األذى‪ B،‬فلمَّا رأى ما ناله وأصحابه من أهل مكة لجأ‬
‫‪65‬‬
‫الِصديق لتبدأ رحلة الهجرة النبوية‪.‬‬
‫إلى صاحبه أبي بكر ِّّ‪B‬‬

‫المبحث الثالث ‪ :‬خديجة التاجرة ولماذا كانت تدعى في الجاهلية بالطاهرة‬


‫كانت‪  ‬خديجة ‪ -‬رضي هللا عنها ‪ -‬تعمل بالتجارة؛ فهي ناجحة وطموح‪ ،‬وبمقاييس عصرنا‬
‫فهي سيدة أعمال من الطراز األول‪ ،‬وهنا نُلقي ضوءًا على من يريدون تحييد المرأة‬
‫وتهميش دورها بنا ًء على ُحجج واهية‪ ،‬فالمرأة تستطيع أداء‪ B‬دورها كامالً في المجتمع؛ فها‬
‫هي أم المؤمنين‪ ‬خديجة تنجح في ِتجارتها وتصون نفسها في الوقت ذاته‪ ،‬ويكون طموحها‬
‫سببًا في ثرائها‪ ،‬الذي أصبح أكبر دعم لرسالة زوجها ودعوته إلى هللا‬

‫فقد كان أول ما يبرز من مالمح السيدة خديجة الشخصيَّة صفتي العفة والطهارة‪ ،‬هاتان‬
‫الصفتان التي قلما تسمع عن مثلهما في بيئة ال تعرف حرامًا وال حالالً‪ ،‬في بيئة تفشت فيها‬
‫الفاحشة حتى كان البغايا يضعن شارات حمراء تنبئ بمكانهن‪.‬‬
‫وفي ذات هذه البيئة‪ ،‬ومن بين نسائها انتزعت هذه المرأة العظيمة هذا اللقب الشريف‪،‬‬
‫ولقبت بـ"الطاهرة"‪ ،‬كما لُقب زوجها أيضً ا في ذات البيئة بـ"الصادق األمين"‪ ،‬ولو كان‬
‫لهذه األلقاب‪ B‬انتشار في هذا المجتمع آنذاك‪ ،‬لما كان لذكرها ونسبتها ألشخاص بعينهم‬
‫أهمية تذكر‪.‬‬
‫وفي شأنها قال عليه الصالة والسالم‪( :‬أفضل نساء الجنة‪ :‬خديجة بنت خويلد‪ ،‬وفاطمة بنت‬
‫محمد‪ ،‬ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم) ‪66‬و قال أيضا عنها‪( :‬خير نسائها مريم‪،‬‬
‫وخير نسائها‪ ‬خديجة) ‪. 67‬وهدا هو فضل خديجة لصبرها الجميل وجليل ما صنعته من‬
‫أعمال صالحة وآثار نافعة قيمة‪ ،‬وفضل فاطمة ألنها بضعة من محمد‪ ‬صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وأم النسل الشريف كله‬

‫الفصل الثالث ‪ :‬أم سلمة من المولد الى الوفاة‬


‫‪ 65‬عبد الحميد طهماز (‪ ،) 1998‬السيدة خديجة أم المؤمنين وسباقة الخلق إلى اإلسالم (الطبعة الثانية)‪ ،‬دمشق‪ :‬دار القلم‪ ،‬صفحة ‪.107-103‬‬
‫بتصرّ ف‪.‬‬

‫‪ 66‬سعيد أيوب‪ .‬زوجات الرسول صلى هللا عليه وسلم‪ -.‬ط‪ -.1‬بيروت ‪ :‬دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع‪1417 ،‬هـ‪1997 /‬م‪ -.‬ص‪ .‬ص‪ ‬‬
‫‪(( .42 -39‬شرح صحيح مسلم)) (‪)241-16/240‬‬

‫‪ 67‬صحيح البخاري (‪.)3604 ( )1388 /3‬‬

‫‪2‬‬
‫تُعتبر أ ّم سلمة من أجمل النساء‪ ،‬وأشرفهن نسب ًا‪ ،‬وقد تش ّرفت رضي هللا عنها برؤية‬
‫جبريل عليه السالم عندما دخل على النبي الكريم وهي عنده‪ ،‬وكان بهيئة إنسان ‪ 68.‬قال‬
‫النووي‪( :‬قوله إن أم سلمة رأت جبريل في صورة دحية‪ :‬هو – بفتح الدال وكسرها – وفيه‬
‫منقبة ألم سلمة رضي هللا عنها‪ .‬وفيه جواز رؤية البشر المالئكة ووقوع ذلك ويرونهم‬
‫على صورة اآلدميين ألنهم ال يقدرون على رؤيتهم على صورهم‪ ،‬وكان النبي صلى هللا‬
‫عليه وسلم يرى جبريل على صورة دحية غالب ًا‪ ،‬ورآه مرتين على صورته األصلية) وقد‬
‫‪69‬‬
‫عُ رف عن أم سلمة العديد من الصفات التي تميّزت بها عن غيرها منها‬

‫المبحث األول ‪ :‬اسمها ونسبها وكنيتها‬


‫المطلب األول ‪ :‬نشأة أم سلمة‬
‫اسمها ونسبها‬ ‫‪‬‬

‫َ ُ‬ ‫ُ‬
‫بن ال ُم ِغيْرَ ِة المَخْ ُزوْ ِميَّ ُة‪ِ ،‬بنْتُ عَ ِ ّم خَ ا ِل ِد ِ‬
‫بن‬ ‫هي‪ :‬أ ُّم الم ُْؤ ِم ِنيْنَ ‪ِ ،‬ه ْن ُد ِبنْتُ أ ِبي أ َميَّ َة ِ‬
‫‪70‬‬
‫الوَ ِل ْي ِد؛‪( ‬‬
‫‪ ‬‬
‫أبوها ‪ُ  :‬ح َذ ْي َف ُة‪ ،‬ويُلقبُ ‪ :‬زَ ا ُد الراكب؛ ألنه كان أح ُد األجواد‪ B،‬فكان إذا سافر ال‬
‫‪71‬‬
‫يترك أحدًا يرافقه ومعه زاد‪ ،‬بل يكفي رفقته من الزَّاد؛‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫ْن َج ِذي َم َة؛‪. ‬‬ ‫ُ‬
‫ْن رَ ِبي َع َة ب ِ‬
‫أ ُّم َها‪ :‬عَ ا ِت َك ُة ِبنْتُ عَ ا ِم ِر ب ِ‬
‫‪72‬‬
‫كب ِ‬ ‫ْن مَا ِل ِ‬
‫فقد نشأت أم سلمة في بيت من بيوت سادات‪ B‬قريش‪ ،‬فأبوها أبو أمية كان من سادات‪ B‬بني‬
‫مخزوم‪ ، ‬وألم سلمة من اإلخوة عامر الذي أسلم‪ ‬يوم فتح مكة‪ ،‬وعبد هللا وقد أسلم وهاجر‬
‫قبل الفتح‪ ،‬والمهاجر‪ ‬أسلم أيضً ا قبل الفتح ثم كان من قادة المسلمين في‪ ‬حروب الردة‪،‬‬
‫وهي ابنة عم الصحابي‪ ‬خالد بن الوليد‪ ‬وزعيم مشركي قريش‪ ‬أبي جهل عمرو بن هشام‪،‬‬
‫‪73‬‬
‫أنها أخت الصحابي‪ ‬عمار بن ياسر‪ ‬في الرضاعة‬
‫المطلب الثاني ‪:‬أم سلمة ذات الهجرتين‬

‫اطلع عليه بتاريخ ‪ .2018-8-31‬بتصرّ ف‪.‬‬ ‫‪" 68‬فضل أم سلمة رضي هللا عنها"‪ّ ،dorar.net ،‬‬
‫‪ 69‬ملك غالم مرتضى‪ ،‬تعدد زوجات الرسول صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬المدينة المنورة‪ :‬مجلة الجامعة اإلسالمية‪ ،‬صفحة ‪ ،158‬جزء ‪ .59‬بتصرّ ف‪.‬‬
‫‪ 70‬سير أعالم النبالء الذهبي ج‪ 2‬ص‪202‬‬
‫‪ 71‬اإلصابة البن حجر العسقالني جـ‪4‬صـ‪439‬‬
‫‪ 72‬الطبقات الكبرى البن سعد جـ‪3‬صـ‪181‬‬
‫‪ 73‬لخراط ‪ ،1995‬صفحة‪16-15 ‬‬

‫‪2‬‬
‫سلَمَة‪ ،‬وهو عَ ْبدُاللَّ ِه بْنُ عَ ْب ِداألَ َ‬
‫س ِد‪ B،‬وَ أُ ُّم ُه بَ َّر ُة‬ ‫سلَ َم َة ممن أسل َم قديمًا هي وزوجها أبو َ‬ ‫كانت أُ ُّم َ‬
‫ْن ُقصَ ّ ٍ‬
‫ي‪.‬‬ ‫ْن عَ ْب ِد َمنَ ِ‬
‫اف ب ِ‬ ‫ْن ِه َ‬
‫ش ِام ب ِ‬ ‫ِبنْتُ عَ ْب ِدا ْل ُمط َّ ِل ِ‬
‫بب ِ‬
‫‪ ‬‬
‫ْن َأ ِبي‬ ‫َ‬
‫سلَّ َم دَارَ أرْ َق َم ب ِ‬ ‫سلَ َم َة َق ْب َل َأنْ يَدْخُ لْ رَ سُو ُل اللَّ ِه صَ لَّى اللَّ ُه عَ لَ ْي ِه وَ َ‬
‫أسْ لَ َم زَ وْ ُج َها َأبُو َ‬
‫ْن َج ِميعًا وَ َم َع ُه‬ ‫ش ِة ِفي ا ْل ِه ْجرَ تَي ِ‬ ‫األَرْ َق ِم‪ ،‬وَ َق ْب َل َأنْ يَدْعُ وَ ِفي َها‪ ،‬وَ َكانَ َأبُو َ‬
‫سلَ َم َة ِمنْ ُم َها ِجرَ ِة ا ْل َحبَ َ‬
‫سلَ َم َة هناك‪.‬‬ ‫َ ُ‬ ‫امْ رَ َأتُ ُه أُ ُّم َ‬
‫يهمَا َج ِميعًا‪ ،‬فولدت له َ‬ ‫سلَ َم َة ِبنْتُ أ ِبي أ َميَّ َة ِف ِ‬
‫ثم قدما مكة وهاجرا إلى المدينة‪ ،‬فولدت له عُ مَر‪ ،‬وَ زَ ْينَب‪ ،‬وَ ُد َّرة‪ ،‬وأوالدها كلهم‬
‫‪74‬‬
‫صحابيون‬

‫المطلب الثالث ‪ :‬زواج أم سلمة بالنبي صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬

‫«إ َذا َحضَ رْ تُ ُم ا ْلم َِريضَ ‪َ ،‬أ ِو‬‫هللا صلى هللا عليه وسلم‪ِ :‬‬ ‫ت‪َ :‬قا َل رَ سُو ُل ِ‬ ‫سلَ َم َة َقالَ ْ‬‫مسل ٌم عَ نْ أُ ِ ّم َ‬
‫َات َأبُو َ‬
‫سلَ َم َة‬ ‫ت‪َ :‬فلَمَّا م َ‬ ‫ت‪َ ،‬فقُولُوا خَ يْرً ا‪َ ،‬ف ِإنَّ ا ْل َماَل ِئ َك َة ي َُؤ ِّمنُونَ عَ لَى مَا تَقُولُونَ »‪َ ،‬قالَ ْ‬ ‫ا ْل َم ِيّ َ‬
‫َات‪َ ،‬قالَ‪ُ " :‬قو ِلي‪:‬‬ ‫هللا ِإنَّ َأبَا َ‬
‫سلَ َم َة َق ْد م َ‬ ‫ي صلى هللا عليه وسلم‪َ ،‬ف ُق ْلتُ ‪ :‬يَا رَ سُو َل ِ‬ ‫َأتَ ْيتُ الن َِّب َّ‬
‫هللا مَنْ ُهوَ‬ ‫ت‪َ :‬ف ُق ْلتُ ‪َ ،‬ف َأعْ َقبَ ِني(أبدلني)‪ُ  ‬‬ ‫اغ ِفرْ ِلي وَ لَهُ‪ ،‬وَ َأعْ ِق ْب ِني ِم ْن ُه ُع ْقبَى َح َ‬
‫سنَ ًة "‪َ ،‬قالَ ْ‬ ‫الل ُه َّم ْ‬
‫خَ ْي ٌر ِلي ِم ْن ُه م َ‬
‫‪75‬‬
‫ُح َّمدًا صلى هللا عليه وسلم؛‬
‫سلَ َم َة خَ طَبَ َها َأبُو بَ ْك ٍر َفرَ َّد ْتهُ‪،‬‬ ‫ت ِع َّد ُة أُ ِ ّم َ‬ ‫قال ابنُ سع ٍد عن عُ مَرَ بْنَ َأ ِبي َ‬
‫سلَ َم َة َقالَ‪َ :‬لمَّا ا ْن َقضَ ْ‪B‬‬
‫ت‪ :‬مَرْ َحبًا ِبرَ سُو ِل‬ ‫سلَّ َم‪َ ،‬ف َقالَ ْ‬‫َث ِإلَ ْي َها رَ سُو ُل اللَّ ِه صَ لَّى اللَّ ُه عَ لَ ْي ِه وَ َ‬ ‫ثُ َّم خَ طَبَ َها ُعمَرُ َفرَ َّد ْتهُ‪َ ،‬فبَع َ‬
‫اللَّ ِه وَ ِبرَ سُو ِل ِه‪َ ،‬أخْ ِبرْ رَ سُو َل اللَّ ِه َأ ِنّي امْ رَ َأ ٌة َغيْرَ ى وَ َأ ِنّي مُصْ ِبيَ ٌة‪( ‬أي ذات أوالد صغار)‪،‬‬
‫ك‪ِ :‬إ ِنّي مُصْ ِبيَ ٌة َف ِإنَّ اللَّ َه‬ ‫َث ِإلَ ْي َها رسول هللا‪َ :‬أمَّا َقوْ لُ ِ‬ ‫شا ِهدٌ‪َ ،‬فبَع َ‬ ‫وَ َأنَّ ُه َليْسَ َأ َح ٌد ِمنْ َأوْ ِليَا ِئي َ‬
‫ك‪ ،‬وَ َأمَّا األَوْ ِليَا ُء َفلَيْسَ‬ ‫ك‪ِ :‬إ ِنّي َغيْرَ ى َفس ََأ ْد ُعو اللَّ َه َأنْ يُ ْذ ِهبَ َغيْرَ تَ ِ‬ ‫ك‪ ،‬وَ َأمَّا َقوْ لُ ِ‬ ‫ص ْبيَانَ ِ‬‫ك ِ‬ ‫سيَ ْك ِفي ِ‬‫َ‬
‫ت‪ :‬يَا ُع َم ُر‪( ‬ابنها)‪ُ ،‬ق ْم َفزَ ِوّ ْج رَ سُو َل اللَّ ِه‪َ ،‬ف َقا َل‬ ‫سيَرْ ضَ ا ِني‪َ ،‬قالَ ْ‬‫شا ِه ٌد وَ ال َغا ِئبٌ ِإال َ‬ ‫َأ َح ٌد ِم ْن ُه ْم َ‬
‫ك ُفاَل نَ َة رَ َحيَي ِ‬
‫ْن‬ ‫ش ْيئًا ِممَّا َأعْ ط َ ْيتُ أُخْ تَ ِ‬ ‫ك َ‬ ‫ص ِ‬ ‫"أمَا ِإ ِنّي اَل َأ ْن ُق ُ‬
‫سلَّ َم‪َ :‬‬
‫هللا عَ لَ ْي ِه وَ َ‬
‫هللا صَ لَّى ُ‬ ‫رَ سُو ُل ِ‬
‫‪76‬‬
‫شوُ َها ِليفٌ "؛‬ ‫ْن‪ ،‬وَ ِوسَا َد ًة ِمنْ َأد ٍَم‪َ B،‬ح ْ‬ ‫وَ َجرَّ تَي ِ‬
‫‪ ‬‬

‫‪ 74‬الطبقات الكبر البن سعد جـ‪3‬صـ‪181‬‬


‫‪ 75‬مسلم حديث‪919 :‬‬
‫‪( 76‬الطبقات الكبر البن سعد جـ‪8‬صـ‪71‬‬

‫‪2‬‬
‫سلَّ َم أُ َّم َ‬
‫سلَ َم َة‬ ‫ت‪َ :‬لمَّا تَزَ وَّ َج رَ سُو ُل اللَّ ِه صَ لَّى اللَّ ُه عَ لَ ْي ِه وَ َ‬ ‫ش َة َقالَ ْ‬‫روى ابنُ سع ٍد عَ نْ عَ ا ِئ َ‬
‫ت‪َ :‬فتَلَطَّفْتُ لَ َها َحتَّى رَ َأ ْيتُ َها َفرَ َأ ْيتُ َها وَ اللَّ ِه‬ ‫ش ِديدًا ِلمَا َذ َكرُ وا َلنَا ِمنْ َجمَا ِل َها‪َ ،‬قالَ ْ‬ ‫َح ِزنْتُ ُحزْ نًا َ‬
‫ت‪َ :‬ف َذ َكرْ تُ َذ ِلكَ ِل َح ْفصَ َة‪ ،‬وَ َكانَتَا يَدًا وَ ا ِح َد ًة‪،‬‬ ‫سْن وَ ا ْل َجمَا ِل‪َ ،‬قالَ ْ‬
‫ت ِلي ِفي ا ْل ُح ِ‬ ‫وُص َف ْ‬
‫َاف مَا ِ‬ ‫َأضْ ع َ‪B‬‬
‫ت لَ َها َح ْفصَ ُة َحتَّى رَ َأ ْت َها‪،‬‬ ‫ي َكمَا يَقُولُونَ ‪َ ،‬فتَلَط َّ َف ْ‬ ‫ت‪ :‬ال وَ اللَّ ِه ِإنْ َه ِذ ِه ِإال ا ْل َغيْرَ ُة‪ ،‬مَا ِه َ‬ ‫َف َقالَ ْ‬
‫ت‪َ :‬فرَ َأ ْيتُ َها بَ ْع ُد‬ ‫ي َكمَا تَقُو ِلينَ وَ ال َق ِريبٌ وَ ِإنَّ َها لَ َج ِميلَ ٌة‪َ ،‬قالَ ْ‬ ‫ت‪َ :‬ق ْد رَ َأ ْيتُ َها وَ ال وَ اللَّ ِه مَا ِه َ‬ ‫َف َقالَ ْ‬
‫ت َح ْفصَ ُة وَ لَ ِك ِنّي ُكنْتُ َغيْرَ ى؛‪ ،77 ‬وقال األرنؤوط‪[ :‬فيه]‪ B‬محمد بن‬ ‫ت َلعَمْ ِري َكمَا َقالَ ْ‬ ‫َف َكانَ ْ‪B‬‬
‫ي صلى هللا عليه‬ ‫عمرو هو الواقدي ال يحتج به؛ قال اإلمام الذهبي‪( ‬رحمه هللا)‪ :‬دَخَ َل الن َِّب ُّ‬
‫‪78‬‬
‫شرَ ِف ِهنَّ نَ َ‬
‫سبًا؛‪. ‬‬ ‫ت ِمنْ َأ ْج َم ِل ال ِنّسَا ِء وَ َأ ْ‬
‫اله ْجرَ ةِ‪ ،‬وَ َكانَ ْ‬ ‫وسلم بأم سلمة ِفي َ َ‬
‫سنَ ِة أرْ ب ٍَع ِمنَ ِ‬
‫‪ ‬‬
‫منزلة أم سلمة عند أزواج النبي صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫سلَ َم َة على عالقة طيبة بجميع أزواج النبي صلى هللا عليه وسلم؛ حتى إنهن ُكنَّ‬ ‫كانت أُ ُّم َ‬
‫سلَ َم َة لكي تتحدث نياب ًة عنهنَّ عند النبي صلى هللا عليه وسلم؛ روى البخار ُّ‬
‫ي‬ ‫يرسلنَ أُ َّم َ‬
‫ش ُة‪َ :‬ف ْ‬
‫اجتَمَعَ‬ ‫ت عَ ا ِئ َ‬ ‫ش َة َقالَ ْ‬‫بن الزبير َقالَ‪َ :‬كانَ النَّاسُ يَتَ َحرَّ وْ نَ ِب َهدَايَا ُه ْم يَوْ َم عَ ا ِئ َ‬ ‫عن عُرو َة ِ‬
‫سلَ َم َة‪ ،‬وَ اللَّ ِه ِإنَّ النَّاسَ يَتَ َح َّروْ نَ ِب َهدَايَا ُه ْ‪B‬م يَوْ َم عَ ا ِئ َ‬
‫ش َة‪،‬‬ ‫سلَ َم َة‪َ ،‬ف ُق ْلنَ ‪ :‬يَا أُ َّم َ‬
‫صَ وَ ا ِح ِبي ِإلَى أُ ِ ّم َ‬
‫ش ُة‪َ ،‬فم ُِري رَ سُو َل اللَّ ِه صلى هللا عليه وسلم َأنْ ي َْأمُرَ النَّاسَ‬ ‫وَ ِإنَّا ن ُِري ُد ا ْلخَ يْرَ َكمَا ت ُِري ُد ُه عَ ا ِئ َ‬
‫ي صلى هللا‬ ‫سلَ َم َة ِللن َِّب ّ ِ‬‫ت َذ ِلكَ أُ ُّم َ‬ ‫ت‪َ :‬ف َذ َكرَ ْ‬ ‫ْث مَا دَارَ ‪َ ،‬قالَ ْ‬ ‫ْث مَا َكانَ َأوْ َحي ُ‬ ‫َأنْ يُ ْهدُوا ِإلَ ْي ِه َحي ُ‬
‫ي َذ َكرْ تُ َل ُه َذاكَ ‪َ ،‬ف َأعْ رَ ضَ عَ ِنّي‪َ ،‬فلَمَّا َكانَ ِفي‬ ‫ت‪َ :‬ف َأعْ رَ ضَ عَ ِنّي‪َ ،‬فلَمَّا عَ ا َد ِإلَ َّ‬ ‫عليه وسلم َقالَ ْ‬
‫ي‬ ‫ي ا ْلوَ ْح ُ‬ ‫ش َة‪َ ،‬ف ِإنَّ ُه وَ اللَّ ِه مَا نَزَ َل عَ لَ َّ‬ ‫سلَ َم َة‪ ،‬اَل ت ُْؤ ِذي ِني ِفي عَ ا ِئ َ‬ ‫الثَّا ِلثَ ِة‪َ ،‬ذ َكرْ تُ َل ُه َف َقالَ‪ :‬يَا أُ َّم َ‬
‫‪79‬‬
‫اف امْ رَ َأ ٍة ِم ْن ُكنَّ َغي ِْر َها؛‪ ‬‬‫وَ َأنَا ِفي ِل َح ِ‬

‫المبحث الثاني ‪:‬مناقب أم سلمة‬


‫سلَ َم َة تُعد ِمن فقيهات‪ B‬الصحابيات‪ B،‬روت أُ ُّم َ‬
‫سلَ َم َة ثَالَثَمائَ ٍة وَ ثَمَا ِنيَ ٍة وَ َ‬
‫س ْب ِعيْنَ َح ِد ْيثًا‪،‬‬ ‫كانت أُ ُّم َ‬
‫ي ِبثَالَثَ ٍة‪ ،‬وَ مُسْ ِل ٌم ِبثَالَثَ َة‬
‫ار ُّ‬ ‫ي وَ مُسْ ِل ٌم لَ َها عَ لَى ثَالَثَ َة عَ َ‬
‫شرَ ‪ ،‬وَ ا ْن َفرَ َد البُخَ ِ‬ ‫وَ اتَّ َف َق البُخَ ِ‬
‫ار ُّ‬
‫‪80‬‬
‫عَ َ‬
‫شرَ ؛‪. ‬‬

‫‪ 77‬الطبقات الكبر البن سعد جـ‪8‬صـ‪75‬‬


‫‪ 78‬سير أعالم النبالء للذهبي جـ‪2‬صـ‪202‬‬
‫‪ 79‬البخاري حديث ‪3775‬‬
‫‪ 80‬سير أعالم النبالء للذهبي جـ‪2‬صـ‪210‬‬

‫‪2‬‬
‫شع ِْبيُّ‪ ،‬وَ َأبُو صَ ا ِل ٍح‬
‫سوَ ُد بنُ ي َِز ْيدَ‪ ،‬وَ ال َّ‬ ‫سلَ َم َة‪ ،‬وَ األَ ْ‬ ‫ب‪ ،‬وَ َ‬
‫ش ِق ْي ُق بنُ َ‬ ‫س ِيّ ِ‬ ‫رَ وَ ى عَ ْن َها‪َ :‬‬
‫س ِع ْي ُد بنُ ال ُم َ‬
‫ْن ُعمَرَ ‪ ،‬وَ عَ طَا ُء‬
‫بن ُمطْ ِع ٍم‪ ،‬وَ نَا ِفعٌ مَوْ الَ َها‪ ،‬وَ نَا ِف ٌع مَوْ لَى اب ِ‬ ‫ُجا ِهدٌ‪ ،‬وَ نَا ِف ُع بنُ ُجبَي ِْر ِ‬ ‫سمَّانُ ‪ ،‬وَ م َ‬‫ال َّ‬
‫‪81‬‬
‫ب‪ ،‬وَ ابْنُ َأ ِبي ُملَ ْي َك َة‪ ،‬وَ خَ ْلقٌ َك ِث ْي ٌر؛‪ ‬‬ ‫ش ْهرُ بنُ َحوْ َ‬
‫ش ٍ‬ ‫َاح‪ ،‬وَ َ‬ ‫َ‬
‫بنُ أ ِبي رَ ب ٍ‬

‫المطلب األول ‪ :‬رؤية جبريل عليه السالم‬


‫من مناقبها‪ B‬ما شرفت به رضي هللا عنها من رؤية جبريل عليه السالم في صورة دحية بن‬
‫خليفة الكلبي‪ :‬فقد روى الشيخان بإسنادهما‪ B‬عن معتمر بن سليمان التيمي قال‪ :‬سمعت أبي‬
‫عن أبي عثمان قال‪« :‬أنبئت أن جبريل أتى النبي صلى هللا عليه وسلم وعنده أم سلمة‬
‫فجعل يتحدث فقال النبي صلى هللا عليه وسلم ألم سلمة‪ :‬من هذا؟ أو كما قال‪ ،‬قالت‪ :‬هذا‬
‫دحية فلما قام قالت‪ :‬وهللا ما حسبته إال إياه حتى سمعت خطبة النبي صلى هللا عليه وسلم‬
‫يخبر خبر جبريل‪ ،‬أو كما قال‪ ،‬قال أبي‪ :‬قلت ألبي عثمان‪ :‬ممن سمعت هذا؟ قال‪ :‬من‬
‫‪82‬‬
‫أسامة بن زيد»‪.‬‬
‫قال النووي‪« :‬قوله إن أم سلمة رأت جبريل في صورة دحية‪ :‬هو – بفتح الدال وكسرها –‬
‫وفيه منقبة ألم سلمة رضي هللا عنها‪ ،‬وفيه جواز رؤية البشر المالئكة ووقوع ذلك‬
‫ويرونهم على صورة اآلدميين ألنهم ال يقدرون على رؤيتهم على صورهم‪ ،‬وكان النبي‬
‫صلى هللا عليه وسلم يرى جبريل على صورة دحية غالبا‪ ،‬ورآه مرتين على صورته‬
‫‪83‬‬
‫األصلية»‬
‫وقال ابن القيم‪« :‬ومن خصائصها أن جبريل دخل على النبي صلى هللا عليه وسلم وهي‬
‫‪84‬‬
‫عنده فرأته في صورة دحية الكلبي» فرضي هللا عنها وأرضاها‪.‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬السبب في ذكر النساء في القرآن‬

‫كانت أم سلمة‪ ،‬التي تزوجها الرسول في العام الرابع من الهجرة‪ ،‬سببا في نزول آية‬
‫عظيمة بالقرآن الكريم؛ ففي كتاب "السيرة النبوية" لعبد الملك بن هشام‪ ،‬أنه عن "عبد‬
‫الرحمن بن شيبة‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أم سلمة زوج النبي‪ ،‬تقول‪ :‬قلت للنبي يا رسول هللا‪ ،‬ما لنا‬
‫ال نُذكر في القرآن كما يُذكر الرجال؟ قالت‪ :‬فلم يرعني ذات يوم ظهرا إال نداؤه على‬
‫‪ 81‬سير أعالم النبالء للذهبي جـ‪2‬صـ‪202‬‬
‫‪ 82‬رواه البخاري (‪ ،)4980‬ومسلم (‪.)2451‬‬
‫‪(( 83‬شرح صحيح مسلم)) (‪.)241-16/240‬‬
‫‪(( 84‬جالء األفهام)) (ص‪.)136 :‬‬

‫‪2‬‬
‫شعري‪ ،‬ثم خرجتُ إلى حجرة من حجرهن‪ ،‬فجعلت‬ ‫ِ‬ ‫المنبر وأنا أسرح رأسي‪ ،‬فلففت‬
‫﴿إنَّ‬‫سمعي عند الجريد‪ ،‬فإذا‪ B‬هو يقول على المنبر‪« :‬يا أيها الناس‪ ،‬إن هللا يقول في كتابه‪ِ :‬‬
‫ات‬‫ات وَ الصَّا ِد ِقينَ وَ الصَّا ِد َق ِ‬ ‫ات وَ ا ْل َقا ِن ِتينَ وَ ا ْل َقا ِنتَ ِ‬‫َات وَ ا ْلم ُْؤ ِم ِنينَ وَ ا ْلم ُْؤ ِمنَ ِ‬
‫س ِل ِمينَ وَ ا ْلمُسْ ِلم ِ‬
‫ا ْل ُم ْ‬
‫َات وَ ا ْل ُمتَصَ ِ ّد ِقينَ وَ ا ْل ُمتَصَ ِ ّد َق ِ‬
‫ات وَ الصَّا ِئ ِمينَ‬ ‫اشع ِ‬ ‫اش ِعينَ وَ ا ْلخَ ِ‬ ‫ات وَ ا ْلخَ ِ‬ ‫َّابرَ ِ‬
‫الصَّاب ِرينَ وَ الص ِ‬
‫ِ‬ ‫وَ‬
‫ات َأعَ َّد اللَّ ُه لَ ُه ْم‬
‫ات وَ ال َّذا ِك ِرينَ اللَّ َه َك ِثيرً ا وَ ال َّذا ِكرَ ِ‬ ‫وج ُه ْم وَ ا ْل َحا ِفظ َ ِ‬
‫َات وَ ا ْل َحا ِف ِظينَ ُفرُ َ‬ ‫وَ الصَّا ِئم ِ‬
‫‪85‬‬
‫م َْغ ِفرَ ًة وَ َأ ْجرً ا عَ ِظيمًا﴾"‬
‫في كتابه‪ ،‬قال ابن حجر‪" :‬بعد توقيع الصلح بين الرسول والمشركين‪ ،‬وكان في نفوس‬
‫الصحابة شيء منه بسبب عودتهم من مكة دون فتح‪ ،‬قام‪ B‬رسول هللا‪ ،‬فقال‪« :‬يَا َأيُّ َها النَّاسُ ‪،‬‬
‫اح ِلقُوا» فما قام أحدٌ‪ ،‬ثم عاد بمثلها‪ ،‬فما قام رجلٌ‪ ،‬حتى عاد بمثلها‪ ،‬فما قام رجلٌ‪،‬‬ ‫ا ْن َحرُ وا وَ ْ‬
‫َّاس؟» قالت‪ :‬يا‬ ‫سلَ َم َة‪ ،‬مَا َ ْ‬
‫فرجع رسول هللا فدخل على أم سلمة‪ ،‬فقال‪« :‬يَا أُ َّم َ‬
‫شأنُ الن ِ‬
‫رسول هللا‪ ،‬قد دخلهم ما قد رأيت‪ ،‬فال تك ِلّمنَّ منهم إنسانًا‪ ،‬واع ِم ْد إلى َهد ِْيك حيث كان‬
‫فعلت ذلك فعل الناس ذلك‪ ،‬فخرج رسول هللا صلى هللا عليه وآله‬ ‫َ‬ ‫فانحره‪ ،‬واحلق‪ ،‬فلو قد‬
‫وسلم ال يك ِلّم أحدًا حتى أتى هديَه فنحرَ ه‪ ،‬ثم جلس‪ ،‬فحلق‪ ،‬فقام‪ B‬الناس ينحرون ويحلقون‪،‬‬
‫حتى إذا كان بين مكة والمدينة في وسط الطريق‪ ،‬فنزلت سورة الفتح"‪ .‬رواه أحمد‬

‫من بين العديد من النساء في تلك الحقبة الزمنية‪ ،‬وصفت بـ"الجمال البارع‪ ،‬والعقل البالغ‪،‬‬
‫والرأي الصائب"‪ ،‬فإشارتها على النبي صلى هللا عليه وآله وسلم "يوم الحديبية" تدل على‬
‫وفور عقلها وصواب رأيها‪ ،‬وفقا لما جاء في كتاب "اإلصابة‪ B‬في تمييز الصحابة"‪ ،‬البن‬
‫حجر العسقالني‪ ،‬في حديثه عن السيدة أم سلمة هند بنت أبي أمية‪ ،‬التي تعتبر من أمهات‬
‫المؤمنين ومن السابقين إلى اإلسالم‪ ،‬هاجرت مع زوجها أبي سلمة رضي هللا عنهما إلى‬
‫الحبشة‪.‬‬
‫قيل إنها أول امرأة هاجرت إلى المدينة‪ ،‬وأورد موقع دار اإلفتاء‪ B‬تفاصيل واقعة هجرتها‬
‫قائال‪" :‬كان رجال بنو المغيرة قد فرقوا بينها وبين زوجها وابنها؛ حيث أخذه بنو عبد‬
‫األسد‪ ،‬وحبسوها حتى رق لها واحد من بني عمومتها بعد حوالي عام‪ ،‬فقال لبني المغيرة‪:‬‬
‫أال تخرجون من هذه المسكينة؟‪ ،‬فرقتم بينها وبين زوجها وبين ابنها‪ ،‬فقالوا لها‪ :‬الحقي‬
‫بزوجك إن شئت‪ ،‬ورد بنو عبد األسد عند ذلك عليها ابنها‪ ،‬فرحلت مع ابنها على بعير‬
‫حتى وصلت إلى (التنعيم)‪ ،‬فلقيها عثمان بن طلحة وعرف أن ليس معها أحد‪ ،‬فأوصلها إلى‬

‫‪ 85‬األحزاب‪35 :‬‬

‫‪2‬‬
‫حيث يقيم زوجها‪ ،‬وكانت تقول‪ :‬ما أعلم أهل بيت أصابهم في اإلسالم ما أصاب آل أبي‬
‫سلمة‪ ،‬وما رأيت صاحبا‪ B‬قط ّ كان أكرم من عثمان بن طلحة"‪.‬‬
‫كانت أم سلمة‪ ،‬التي تزوجها الرسول في العام الرابع من الهجرة‪ ،‬سببا في نزول آية‬
‫عظيمة بالقرآن الكريم؛ ففي كتاب "السيرة النبوية" لعبد الملك بن هشام‪ ،‬أنه عن "عبد‬
‫الرحمن بن شيبة‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أم سلمة زوج النبي‪ ،‬تقول‪ :‬قلت للنبي يا رسول هللا‪ ،‬ما لنا‬
‫ال نُذكر في القرآن كما يُذكر الرجال؟ قالت‪ :‬فلم يرعني ذات يوم ظهرا إال نداؤه على‬
‫شعري‪ ،‬ثم خرجتُ إلى حجرة من حجرهن‪ ،‬فجعلت‬ ‫ِ‬ ‫المنبر وأنا أسرح رأسي‪ ،‬فلففت‬
‫﴿إنَّ‬‫سمعي عند الجريد‪ ،‬فإذا‪ B‬هو يقول على المنبر‪« :‬يا أيها الناس‪ ،‬إن هللا يقول في كتابه‪ِ :‬‬
‫ات‬‫ات وَ الصَّا ِد ِقينَ وَ الصَّا ِد َق ِ‬ ‫ات وَ ا ْل َقا ِن ِتينَ وَ ا ْل َقا ِنتَ ِ‬‫َات وَ ا ْلم ُْؤ ِم ِنينَ وَ ا ْلم ُْؤ ِمنَ ِ‬
‫س ِل ِمينَ وَ ا ْلمُسْ ِلم ِ‬
‫ا ْل ُم ْ‬
‫َات وَ ا ْل ُمتَصَ ِ ّد ِقينَ وَ ا ْل ُمتَصَ ِ ّد َق ِ‬
‫ات وَ الصَّا ِئ ِمينَ‬ ‫اشع ِ‬ ‫اش ِعينَ وَ ا ْلخَ ِ‬ ‫ات وَ ا ْلخَ ِ‬ ‫َّابرَ ِ‬
‫الصَّاب ِرينَ وَ الص ِ‬
‫ِ‬ ‫وَ‬
‫ات َأعَ َّد اللَّ ُه لَ ُه ْم‬
‫ات وَ ال َّذا ِك ِرينَ اللَّ َه َك ِثيرً ا وَ ال َّذا ِكرَ ِ‬ ‫وج ُه ْم وَ ا ْل َحا ِفظ َ ِ‬
‫َات وَ ا ْل َحا ِف ِظينَ ُفرُ َ‬ ‫وَ الصَّا ِئم ِ‬
‫م َْغ ِفرَ ًة وَ َأ ْجرً ا عَ ِظيمًا﴾" [األحزاب‪.]35 :‬‬
‫وفي كتابه‪ ،‬قال ابن حجر‪" :‬بعد توقيع الصلح بين الرسول والمشركين‪ ،‬وكان في نفوس‬
‫الصحابة شيء منه بسبب عودتهم من مكة دون فتح‪ ،‬قام‪ B‬رسول هللا‪ ،‬فقال‪« :‬يَا َأيُّ َها النَّاسُ ‪،‬‬
‫اح ِلقُوا» فما قام أحدٌ‪ ،‬ثم عاد بمثلها‪ ،‬فما قام رجلٌ‪ ،‬حتى عاد بمثلها‪ ،‬فما قام رجلٌ‪،‬‬ ‫ا ْن َحرُ وا وَ ْ‬
‫َّاس؟» قالت‪ :‬يا‬ ‫سلَ َم َة‪ ،‬مَا َ ْ‬
‫فرجع رسول هللا فدخل على أم سلمة‪ ،‬فقال‪« :‬يَا أُ َّم َ‬
‫شأنُ الن ِ‬
‫رسول هللا‪ ،‬قد دخلهم ما قد رأيت‪ ،‬فال تك ِلّمنَّ منهم إنسانًا‪ ،‬واع ِم ْد إلى َهد ِْيك حيث كان‬
‫فعلت ذلك فعل الناس ذلك‪ ،‬فخرج رسول هللا صلى هللا عليه وآله‬ ‫َ‬ ‫فانحره‪ ،‬واحلق‪ ،‬فلو قد‬
‫وسلم ال يك ِلّم أحدًا حتى أتى هديَه فنحرَ ه‪ ،‬ثم جلس‪ ،‬فحلق‪ ،‬فقام‪ B‬الناس ينحرون ويحلقون‪،‬‬
‫حتى إذا كان بين مكة والمدينة في وسط الطريق‪ ،‬فنزلت سورة الفتح"‪ .‬رواه أحمد‪.‬‬
‫﴿إنَّمَا ي ُِري ُد ُ‬
‫هللا‬ ‫وعن عمر بن أبي سلمة‪ ،‬ربيب النبي‪ ،‬قال‪" :‬لما نزلت هذه اآلية على النبي‪ِ :‬‬
‫ْت وَ يُط َ ِّهرَ ُك ْم تَطْ ِهيرً ا﴾‪ ،‬في بيت أم سلمة‪ ،‬فدعا‪ B‬فاطم َة وحسنًا‬ ‫الرّ ْجسَ َأ ْه َل البَي ِ‬ ‫ِليُ ْذ ِهبَ عَ ْن ُك ُم ِ‬
‫ي خلف ظهره فجلَّله بكسا ٍء‪ ،‬ثم قال‪« :‬اللَّ ُه َّم َه ُؤاَل ِء َأ ْه ُل بَ ْي ِتي‬ ‫وحس ْينًا فجلَّلَهم كساءً‪ ،‬وعل ٌّ‬ ‫ُ‬
‫الرّ ْجسَ وَ ط َ ِّهرْ ُه ْم تَطْ ِهيرً ا»‪ ،‬قالت أم سلمة‪ :‬وأنا معهم يا رسول هللا؟ قال‪:‬‬ ‫ب عَ ْن ُه ُم ِ‬ ‫َف َأ ْذ ِه ْ‪B‬‬
‫ت عَ لَى خَ ي ٍْر»"‪،‬‬ ‫ك‪ ،‬وَ َأ ْن ِ‬
‫ت عَ لَى َم َكا ِن ِ‬ ‫َ‬
‫«أ ْن ِ‬
‫‪86‬‬

‫المطلب الثالث ‪ :‬الرأي الصائب و وفاتها‬

‫‪ : 86‬صحيح الترمذي الصفحة أو الرقم‪3205 :‬‬

‫‪2‬‬
‫ْن مَخْ رَ َم َة وذلك َلمَّا َفرَ َغ رَ سُو ُل اللَّ ِه صلى هللا عليه وسلم من‬ ‫ي عَ ِن ال ِمسْ وَ ِر ب ِ‬ ‫روى البخار ُّ‬
‫ْن عَ مْ ٍرو‪َ ،‬قالَ‪َ :‬قا َل رَ سُو ُل اللَّ ِه صلى هللا عليه وسلم‬ ‫س َه ْي ِل ب ِ‬
‫كتابة صلح الحديبية مع ُ‬
‫ث‬ ‫اح ِلقُوا»‪َ ،‬قالَ‪َ :‬فوَ اللَّ ِه مَا َقا َم ِم ْن ُه ْم رَ ُج ٌل َحتَّى َقا َل َذ ِلكَ ثَالَ َ‬ ‫أِل َصْ َح ِاب ِه‪ُ « :‬قومُوا َفا ْن َحرُ وا ثُ َّم ْ‬
‫ت أُ ُّم‬‫َّاس‪َ ،‬ف َقالَ ْ‬
‫ي ِمنَ الن ِ‬ ‫سلَ َم َة‪َ ،‬ف َذ َكرَ َل َها مَا لَ ِق َ‬ ‫َرَّات‪َ ،‬فلَمَّا لَ ْم يَ ُق ْم ِم ْن ُه ْم َأ َح ٌد دَخَ َل عَ لَى أُ ِ ّم َ‬
‫م ٍ‬
‫ي اللَّ ِه‪َ ،‬أتُ ِحبُّ َذ ِلكَ ‪ ،‬اخْ رُ ْج ثُ َّم الَ تُ َك ِلّ ْم َأ َحدًا ِم ْن ُه ْم َك ِل َم ًة‪َ ،‬حتَّى تَ ْن َحرَ بُ ْدنَكَ ‪ ،‬وَ تَ ْد ُعوَ‬ ‫سلَ َم َة‪ :‬يَا نَ ِب َّ‬
‫َ‬
‫َحا ِل َقكَ َفي َْح ِل َقكَ ‪َ ،‬فخَ رَ َج َفلَ ْم يُ َك ِلّ ْم َأ َحدًا ِم ْن ُه ْم َحتَّى َف َع َل َذ ِلكَ نَ َحرَ بُ ْدنَهُ‪ ،‬وَ دَعَ ا َحا ِل َق ُه َف َحلَ َقهُ‪َ ،‬فلَمَّا‬
‫‪87‬‬
‫رَ َأوْ ا َذ ِلكَ َقامُوا‪َ ،‬فنَ َح ُروا وَ َج َع َل بَعْضُ ُه ْم ي َْح ِلقُ بَعْضً ا َحتَّى َكا َد بَعْضُ ُه ْم يَ ْقتُ ُل بَعْضً ا َغ ًّما؛‬
‫قال اإلما ُم ابنُ حجر العسقالني‪( ‬رحمه هللا)‪ :‬وإشارتها على النبي صلى هللا عليه وآله‬
‫‪88‬‬
‫وسلم يوم الحديبية تدل على وفور عقلها وصواب رأيها؛‬

‫وفاة أم سلمة‪:‬‬
‫ت َحتَّى بَلَ َغ َها َم ْقتَ ُل‬ ‫ات الم ُْؤ ِم ِنيْنَ ‪ُ ،‬ع ِّمرَ ْ‬ ‫َات ِمنْ أُ َّم َه ِ‬‫سلَ َم َة رضي هللا عنها آ ِخرَ مَنْ م َ‬ ‫ت أُ ُّم َ‬ ‫َكا َن ْ‬
‫ت عَ لَ ْي ِه َك ِثيْرً ا‪َ ،‬ل ْم تَ ْلب ْ‬
‫َث بَ ْع َد ُه ِإالَّ ي َِسيْرً ا‪،‬‬ ‫ي عَ لَ ْي َها‪ ،‬وَ َح ِزنَ ْ‬ ‫ْن الش َِّه ْي ِد‪َ ،‬فوَ َجم ْ‬
‫َت ِل َذ ِلكَ ‪ ،‬وَ ُغ ِش َ‬ ‫سي ِ‬ ‫ال ُح َ‬
‫سلَ َم َة سنة إحدى وستين من الهجرة في خالفة يزيد ين‬ ‫هللا تعالى‪ ،‬توفيت أُ ُّم َ‬ ‫ت ِإلَى ِ‬ ‫وَ ا ْنتَ َقلَ ْ‬
‫‪89‬‬
‫سنَ ًة‬
‫س ِعيْنَ َ‬ ‫ت أُ ُّم َ‬
‫سلَ َم َة نَ ْحوً ا ِمنْ ِت ْ‬ ‫ش ْ‬‫معاوية‪ ،‬عَ ا َ‬

‫‪ 87‬البخاري حديث‪2731:‬‬
‫‪ 88‬اإلصابة البن حجر العسقالني جـ‪4‬صـ‪440‬‬
‫‪ 89‬سير أعالم النبالء للذهبي جـ‪2‬صـ‪210‬‬

‫‪2‬‬
‫الخاتمة‬
‫إن سيرة أمهات المؤمنين اللواتي نزلت النصوص في بيوتهن‪ ،‬وكن التطبيق العملي لهذه‬
‫التعاليم‪ ،‬طبقن ذلك تحت سمع وبصر النبي‪ ‬صلى هللا عليه وسلم‪ ‬فسددهن وعلمهن‪،‬‬
‫وأطلقهن معلمات لنساء ذلك الجيل‪ ،‬ومرشدات ألجيال النساء فيما بعد‪.‬‬

‫وما ذلك إال مثل رائع ضربنه من خالل العظمة التي اكتسبنها في بيت النبوة‪ ،‬فأصبحن‬
‫المثل الرائد‪ ،‬والقدوة المتفردة عبر العصور‪..‬‬

‫وارتفعت مكانة المرأة في المجتمع اإلسالمي‪ ،‬وكانت أمهات المؤمنين رائدات التغيير في‬
‫ذلك المجتمع قريب العهد من الجاهلية‪.‬‬

‫كانت السيدة عائشة رضي هللا عنها من المناصرين للمرأة‪ ،‬والمدافعين عنها بال منازع‪،‬‬
‫وإليها وحدها تتطلع أبصار المستضعفات‪ B،‬لما ت ّم لها من المكانة الكبيرة في العلم واألدب‬
‫والدين‪ ،‬حتى تقطعت دون مقامها األعناق‪ ،‬وكانت أستاذة لمشيخة الصحابة األجالء في‬
‫كثير من أمور العلم والدين‪.‬‬

‫كما أن زوجات النبي صلى هللا عليه وسلم؛ زوجاته في الدنيا واآلخرة وأمهات المؤمنين‬
‫ولهن من الحرمة والتعـظيم ما يليق بهن كزوجات لخاتم النبيين فهن من آل بيته طاهرات‪،‬‬
‫مطهرات‪ ،‬طيبات‪ ،‬بريئات من كل سوء يقدح في أعراضهن وفرشهن‪ ،‬فالطيبات للطيبين‬
‫والطيبون للطيبات فرضي هللا عنهن وأرضاهن أجمعين وصلى هللا على نبيه الصادق‬
‫األمين‪.‬‬

‫المراجع‬

‫‪2‬‬
‫‪ -1‬أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل‪ ‬العسقالني الشافعي‪ .‬اإلص‪BB‬ابة في تمي‪BB‬يز الص‪BB‬حابة‪B/‬‬
‫تحقيق علي محمد البجاوي‪8 ،‬مج‪ -.‬ط‪ -.1‬بيروت‪ :‬دار الجيل‪1412 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -2‬أحم‪BB‬د حس‪BB‬ين ش‪BB‬رف ال‪BB‬دين‪ .‬أمه‪BB‬ات المؤم‪BB‬نين‪ -.‬ط‪ -.1‬الري‪BB‬اض‪ :‬أحم‪BB‬د ش‪BB‬رف ال‪BB‬دين‪،‬‬
‫‪1404‬هـ‪1984 /‬م‪.‬‬
‫‪ -3‬سامية منيسي‪ .‬الصحابيات ودورهن في بناء أمة اإلس‪B‬الم في عه‪B‬د الرس‪B‬ول ص‪BB‬لى هللا‬
‫عليه وسلم‪ ،‬الكتاب األول‪ :‬أمهات المؤمنين والقرشيات‪ -.‬القاهرة‪ :‬دار الم‪BB‬ريخ‪1409 ،‬هـ‪/‬‬
‫‪1988‬م‪.‬‬
‫‪ -4‬س‪BB‬عيد أي‪BB‬وب‪ .‬زوج‪BB‬ات الرس‪BB‬ول ص‪BB‬لى هللا علي‪BB‬ه وس‪BB‬لم‪ -.‬ط‪ -.1‬ب‪BB‬يروت‪ :‬دار اله‪BB‬ادي‬
‫للطباعة والنشر والتوزيع‪1417 ،‬هـ‪1997 /‬م‪.‬‬
‫‪ -5‬عائش‪BB‬ة عب‪BB‬دالرحمن‪ .‬نس‪BB‬اء الن‪BB‬بي ص‪BB‬لى هللا علي‪BB‬ه وس‪BB‬لم‪ -.‬ط‪ -.1‬ب‪BB‬يروت‪:‬دار الكت‪BB‬اب‬
‫العربي‪1403 ،‬هـ‪1983 -‬م‪.‬‬
‫‪  -6‬أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن هبة هللا بن عساكر‪ .‬األربعين في من‪BB‬اقب أمه‪BB‬ات‬
‫المؤمنين رحمة هللا عليهن أجمعين ‪ /‬تحقيق محمد مطيع الحاف‪BB‬ظ‪،‬ج‪ -.1‬ط‪ -.1‬دمش‪BB‬ق‪ :‬دار‬
‫الفكر‪1406 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -7‬عمرو يوسف‪ .‬زوجات الرسول ص‪BB‬لى هللا علي‪BB‬ه وس‪BB‬لم‪ -.‬اإلس‪BB‬كندرية‪:‬المرك‪BB‬ز الع‪BB‬ربي‬
‫للنشر والتوزيع‪ ،‬بدون سنة نشر‪.‬‬
‫‪ -8‬محب ال‪BB‬دين أحم‪BB‬د بن عبدهللا الط‪BB‬بري‪ .‬الس‪BB‬مط الثمين‪ /‬تحقي‪BB‬ق محم‪BB‬د علي قطب‪-.‬‬
‫القاهرة‪ :‬دار الحديث للنشر‪ ،‬بدون سنة نشر‪.‬‬
‫‪ -9‬محمد بن سعد بن منيع أبو عبدهللا البصري الزهري‪ .‬الطبقات‪ B‬الك‪BB‬برى‪ ،‬ج‪ -.8‬ب‪BB‬يروت‪:‬‬
‫صادر‪.‬‬ ‫دار‬

‫الفهرس‬

‫‪3‬‬ ‫‪:‬‬ ‫المقدمة‬

‫‪2‬‬
‫‪5‬‬ ‫الفصل األول ‪ :‬ترجمة أم المؤمنين عائشة رضي هللا عنها‬
‫‪5‬‬ ‫المبحث األول‪ .:‬نسب أم المؤمنين‬
‫‪5‬‬ ‫المطلب األول ‪ :‬اسمها ولقبها وكنيتها رضي هللا عنها‬
‫‪9‬‬ ‫المطلب الثاني ‪ :‬البيئة والترعية‬
‫‪10‬‬ ‫المطلب الثالث ‪ :‬مولد أمنا عائشة مع نشأتها رضي هللا عنها‬
‫‪11‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬زواجها من النبي‪ ‬صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫‪11‬‬ ‫المطلب األول ‪ :‬زواجها من النبي‪ ‬صلى هللا عليه وسلم‬
‫‪13‬‬ ‫المطلب الثاني ‪ :‬مكانة عائشة في قلبه صلى هللا عليه وسلم‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬شخصية عائشة العاملة المعلمة ‪ ،‬و حادث االفك ‪ ،‬ووفاتها رضي هللا‬
‫‪15‬‬ ‫عنها‬
‫‪23‬‬ ‫الفصل الثاني ‪ :‬خديجة بنت خويلد رضي هللا عنها‬
‫‪23‬‬ ‫المبحث األول ‪ :‬اسمها ونسبها‬
‫‪23‬‬ ‫المطلب األول ‪ :‬مولدها‬
‫‪24‬‬ ‫المطلب الثاني ‪ :‬إسالمها‬
‫‪25‬‬ ‫المطلب الثالث ‪ :‬زواجها بالنبي صلى هللا عليه و سلم‬
‫‪27‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬أبناؤها‪ B‬من النبي صلى هللا عليه و سلم‬
‫‪27‬‬ ‫المطلب األول ‪ :‬أبناؤها من النبي صلى هللا عليه و سلم‬
‫‪28‬‬ ‫المطلب الثاني ‪ :‬وفاتها وأثر ذلك على النبي‬
‫‪29‬‬ ‫المطلب الثالث ‪ :‬خديجة التاجرة و الطاهرة‬
‫‪30‬‬ ‫الفصل الثالث أم سلمة من المولد إلى الوفاة ‪.‬‬
‫‪31‬‬ ‫المبحث األول ‪ :‬اسمها ونسبها وكنيتها‬
‫‪31‬‬ ‫المطلب األول ‪ :‬نشأة أم سلمة رضي هللا عنها‬
‫‪32‬‬ ‫المطلب الثاني ‪ :‬أم سلمة ذات الهجرتين‬
‫‪34‬‬ ‫المطلب الثالث ‪ :‬زواجها من النبي صلى هللا عليه و سلم‬

‫‪2‬‬
‫‪34‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬مناقب أم سلمة رضي هللا عنها‬
‫‪34‬‬ ‫المطلب األول ‪ :‬رؤية جبريل عليه السالم‬
‫‪35‬‬ ‫المطلب الثاني ‪ :‬السبب في ذكر النساء في القرآن‬
‫‪37‬‬ ‫المطلب الثالث‪ .‬الرأي الصائب‪ ، B‬و وفاتها‬
‫‪39‬‬ ‫الخاتمة ‪:‬‬
‫‪40‬‬ ‫المراجع ‪:‬‬
‫‪41‬‬ ‫الفهرس‪:‬‬

‫‪2‬‬

You might also like