Professional Documents
Culture Documents
امهات المسلمين
امهات المسلمين
2
شكر خاص
البد لنا ونحن نخطو خطواتنا األخيرة في الحياة
الجامعية من وقفة نعود إلى أعوام قضيناها في رحاب
الجامعة مع أساتذتنا الكرام -الذين قدموا لنا الكثير باذلين
بذلك جهودا كبيرة في بناء جيل الغد لتبعث األمة من
.جديد
وقبل أن نمضي نقدم أسمى آيات الشكر واالمتنان
والتقدير والمحبة إلى الذين حملوا أقدس رسالة في
.الحياة ،إلى الذين مهدوا لنا طريق العلم -والمعرفة
إلى جميع أساتذتنا األفاضل وأخص بالتقدير والشكر
:محمد بلسعل للدكتور-
الذي نقول له بشراك قول رسول هللا صلى هللا
:عليه وسلم
إن الحوت في البحر ،والطير في السماء ،ليصلون«
» على معلم الناس الخير
كما نتقدم له بجزيل الشكر وعظيم االمتنان على
جميع التوجيهات و الخدمات التي أسداها لنا في هذه
السنة وأطال هللا عمره لخدمة البحث العلمي ومساعدة
.الطلبة
باسم هللا الرحمان الرحيم مقدمة :
2
الحم ُد هلل ،حمدًا طيبًا مبار ًكا فيه ،كما ينبغي لجالل وجهه وعظيم سلطانه ،والصالة
والسالم على نبينا محمد الذي بعثه ُ
هللا هاديًا ومبشرً ا ونذيرً ا ،وداعيًا إلى هللا بإذنه
.وسراجا منيرً ا
ً
أما بعد:
فلقد تناولت في هذا البحث سيرة البعض من زوجات النبي صلى هللا عليه وسلم أمهات
المؤمنين -رضي هللا عنهن أجمعين ،-ففي سيرتهن الكثير من المواقف المشرفة
واألحداث Bالهامة التي تنفع سائر المسلمين ويقدمن لهم مثالً صادق ًا على سلوك المرأة
المسلمة المجاهدة في سبيل هللا والحافظة لبيتها وزوجها ،فمن أجل ذلك وجب علينا
التعرف على زوجات النبي صلى هللا عليه وسلم ،وعلى حياتهن وفضلهن ،ومكانتهن في
اإلسالم بعد دخولهن بيت النبي صلى هللا عليه وسلم ،تلك الثريات المضيئة التي سطعن
في بيت الرسول صلى هللا عليه وسلم واهتدين بهديه صلى هللا عليه وسلم ،وننهل من هذه
الينابيع الدافقة Bبنور العلم والمعرفة ،العامرة بنور اإليمان.
ولما لسيرة زوجات رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أمهات المؤمنين رضي هللا عنهن من
قيمة كبيرة في حياة األمة اإلسالمية ،فهن معلمات وقدوة لنساء البشرية ،لذا أردت كتابة
هذا البحث ،وتناولت شخصياتهن من خالل عدة مباحث أساسية وهي كاآلتي:
الفصل األول :ترجمة أم المؤمنين عائشة رضي هللا عنها
المبحث األول .:نسب أم المؤمنين
المطلب األول :اسمها ولقبها وكنيتها رضي هللا عنها
المطلب الثاني :البيئة والترعية
المطلب الثالث :مولد أمنا عائشة مع نشأتها رضي هللا عنها
المبحث الثاني :زواجها من النبي صلى هللا عليه وسلم.
المطلب األول :زواجها من النبي صلى هللا عليه وسلم
المطلب الثاني :مكانة عائشة في قلبه صلى هللا عليه وسلم
المطلب الثالث :شخصية عائشة العاملة المعلمة ،و حادث االفك ،ووفاتها رضي هللا
عنها
الفصل الثاني :خديجة بنت خويلد رضي هللا عنها
2
المبحث األول :اسمها ونسبها
المطلب األول :مولدها
المطلب الثاني :إسالمها
المطلب الثالث :زواجها بالنبي صلى هللا عليه و سلم
المبحث الثاني :أبناؤها Bمن النبي صلى هللا عليه و سلم
المطلب األول :أبناؤها من النبي صلى هللا عليه و سلم
المطلب الثاني :وفاتها وأثر ذلك على النبي
المطلب الثالث :خديجة التاجرة و الطاهرة
الفصل الثالث أم سلمة من المولد إلى الوفاة .
المبحث األول :اسمها ونسبها وكنيتها
المطلب األول :نشأة أم سلمة رضي هللا عنها
المطلب الثاني :أم سلمة ذات الهجرتين
المطلب الثالث :زواجها من النبي صلى هللا عليه و سلم
المبحث الثاني :مناقب أم سلمة رضي هللا عنها
المطلب األول :رؤية جبريل عليه السالم
المطلب الثاني :السبب في ذكر النساء في القرآن
المطلب الثالث .الرأي الصائب ، Bو وفاتها
وفي ختام هذا البحث أسأل هللا سبحانه وتعالى أن يقبل منا هذا الجهد المتواضع وينفع به
المسلمين ويهديهم ،ويجعله في ميزان حسناتنا يوم القيام
2
كانت -رضي هللا عنها " :-بحرً ا زاخرً ا في ال ِ ّدين ،وخزانة ِحكمة وتشريع ،وكانت
ْ
سارت يسير في ركابها ال ِعلم والفضل والتُّقى "1مدرس ًة قائمة بذاتها ،حيثما
بعض من جوانب شخصيتها من خالل التعريف بنسبها وتنشئتها رضي ٍ سنحاول مالمسة
هللا عنها في (المبحث األول) والحديث عن جوازها بالرسول صلى هللا عليه سلم في
(المبحث الثاني ) ،وسنبين شخصيتها العالمة المعلمة مع حادث اإلفك حتى وفاتها رضي
.هللا عنها
2تهذيب سير أعالم النبالء ،لإلمام الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ،ت748 :هـ" ،تح :شعيب األرنؤوط ،مؤسسة الرسالة،
الطبعة األولى1412 :هـ1992 -م.)1/54( ،
2
أمها :أم رومان ،قيل :اسمها زينب ،6وقيل :دعد 7بنتُ عامر بن عمير بن عبدشمس
بن ُذه ِل بن دُهمان بن الحارث بن تَيم بن مالك بن كنانة ،يلتقي نسبها مع النبي
صلى هللا عليه وسلم من جهة أ ِّمها عند الج ِ ّد الحادي عشر أو الثاني عشر.8
وعلى هذا؛ فعائشة قرشيَّة تيميَّة من أبيها ،وكنانيَّة من أمها،يجتمع نسبها مع نسب النبي
صلى هللا عليه وسلم عند مرة بن كعب ،وهو الج ُّد السابع .
ثالثا :كنيتها رضي هللا عنها
ي من عالمات الشرف ،ورمزً ا للفخر والفضل ،ونجد أنَّ من المعلوم أن العرب تَعتبر التك ِنّ َ
عائشة رضي هللا عنها تُكنى بأكثرَ من كنية:
ي صلى هللا عليه وسلم؛ حيث إنها رغبت أن القول األول :أن الذي كنَاها بذلك النب ُّ -
يكون لها كنية ،وال شكَّ أن الكنية نوعٌ من التكريم ،فأرادت عائشة رضي هللا عنها
أن يَك ِنيَها النبي صلى هللا عليه وسلم؛ فعن عروة عنها أنها قالت" :ك ُّل صواحبي
لهنَّ ُكنية" ،قال(( :فاكتَني بابنك عب ِدهللا)) -يعني ابنَ اخ ِتها أسماء -قال :فكانتB
تُكنى بأ ِ ّم عبدهللا.
2
ي صلى هللا عليه وسلم، وعن عائشة قالت :لما وُ لد عبد هللا بن الزبير أتيتُ به النب َّ
فت َفل في فيه ،فكان أول شيء دخل جو َفه ،وقال :هو عب ُد هللا ،وأنت أ ُّم عبد هللا ،فما
زلتُ أُكنى بها ،وما ولَدت قط.10
القول الثاني :أنها أسقطَت ولَدًا من النبي صلى هللا عليه وسلم ،فمات ،وقد سماه -
عبدهللا؛ وهذا ال دلي َل عليه.
ي صلى هللا عليه وسلم شيئًا على الصواب ،وسألَته أن قال الحافظ ُ رحمه هللا" :ولم تلد للنب ّ ِ
11
بابن أختك ،فاكتنَت أ َّم عبدهللا"تُكنى ،فقال :اكتني ِ
وقال النووي رحمه هللا" :وأما ما رُ ويناه في كتاب ابن الس ِنّي عن عائشة رضي هللا عنها،
قالت" :أسقَطتُ من النبي صلى هللا عليه وسلم ِسقطًا فسمَّاه عبدهللا ،وكنَاني أ َّم عبدهللا"،
12
فحديث Bضعيف"
رابعا :لقبها:
وكما كان لها أكثرُ من كنية ،فقد كان لها كذلك أكثرُ من ل َقب ،وقد لقَّبها بهذه األلقاب
عظيم منزلتها عنده ،وسم ِّو مكانتها فيِ ي صلى هللا عليه وسلم ،وهذا يدل على النب ُّ
قلبه صلى هللا عليه وسلم؛ إذ إنَّه لم يش َغله اهتماماته الدعوية ألداء رسالته بما
تحمله هذه المه َّمة من انشغاالت سياسية ،وحربية ،وقضائية ،وغير ذلك ،لكنه لم
ينسَ أ َّم المؤمنين فيل ِّقبها بألقاب يبعث على نفسها البهجة والسرور ،فمن ذلك:
oعائش) :كان يلقبها بهذا التَّرخيم؛ من ذلك ما ثبَت في الحديث في قوله صلى
13
هللا عليه وسلم(( :يا عائش ،هذا جبريل يَقرأ عليك السالم))
ي عن ابن عبَّاس يحدث عن oموفقة) :فقد لقَّبها بذلك كما ورد في سنن الترمذ ِّ
رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال(( :مَن كان له فرَ طان من أمتي أدخلَه
هللا تعالى بهما الجنة)) ،فقالت عائشة :فمن كان له فرَ ط ٌ من أمَّتك؟ قال:
((ومن كان له فرَ ط يا موفقة)) ،قالت :ف َمن لم يكن له فرط من أمتك؟ قال:
10رواه أبو داود ( ،)4970( )3739وابن حبان ( )7117وإسناده حسَ ن ،وانظر :مسند أحمد ( ،)24619والمعجم الكبير للطبراني (/22
)442رقم ( ،)1080وقال األلباني :صحيح.
12األذكار ( ،)265والحديث رواه ابن السُّني ،وقال ابن كثير (" :)405 /6ال يَثبت"،ـ وقال الشوكاني :موضوع؛ انظر :الفوائد المجموعة (
،)137وكذا ح َكم عليه بالوضع السيوطيُّ ؛ الآللئ ( ،)272 /1وابن الجوزي في الموضوعات (.)9 /2
2
((فأنا فرَ ط ٌ ألمتي ،لن يُصابوا بمثلي)) ، 14ومعنى (فرَ طان) يعني من مات له
ولَدان.
حميراء) :وثبَت ذلك عند النَّسائي في السنن الكبرى؛ عن عائشة قالت :دخل o
15
الحبشة المسج َد يلعبون ،فقال لي(( :يا ُحميراء ،أتحبين أن تنظري إليهم))
ومعناها بيضاء.
قال الذهبيُّ" :وكانت امرأ ًة بيضا َء جميلة ،ومن ثَم يقال لها :الحميراء" ،وقال:
"والح ميراء في لغة أهل الحجاز :هي البيضاء بشقرة ...ثم إن العرب إذا قالت :فالنٌ ُ
ي اللون ب ِحلية سوداء ،فإن كان في لون أهل الهند، أبيض ،فإنهم يريدون الحنط َّ
قالوا :أسمر ،وآدم ،وإن كان في سواد التكرور ،قالوا :أسود ،وكذلك كل من غلب
عليه السَّواد ،قالوا :أسود أو شديد األدمة ،ومن ذلك قوله صلى هللا عليه وسلم:
16
((بُعثتُ إلى األحمر واألسود))
وقال األزهري" :وكانت العرب تس ِّمي العج َم :الحمراء ،ورقاب المزاود؛ لغلَبة
البياض على ألوانهم ،ويقولون لمن عال لونَه البياضُ :أحمر؛ ولذلك قال النبي صلى
هللا عليه وسلم لعائشة(( :يا ُحميراء))؛ لغلَبة البياض على لونها ،وقال عليه السالم:
((بُعثت إلى األسود واألحمر)) فأسوَ دُهم :العرب ،وأحمرهم :العجم ،وكل لون بهذا
االعتبار يدور بين السواد والبياض الذي هو الحمرة".17
والمالحظ أنها رضي هللا عنها حازَ ت الكنية واللقب من الحبيب صلى هللا عليه
َ
لعظيم شأنها عنده ،ورفيع مكانتها لدَيه.
ِ وسلم ،وهذا
الص ِ ّديقة) :ورَ د ذلك في حديث بني المنتفق ،18واشتَهر بين العلماء تلقيبُها به؛
19
فقد كان مسرو ٌق يقول :ح َّدثَتني الص ِ ّديقة بنت الص ِ ّديق.
14رواه الترمذي في الشمائل ( ،)391ورواه في السنن كتاب الجنائز ،باب ما جاء في ثواب من قدم ً
ولدا ( .)1062قال :حسن غريب
16صحيح :رواه أحمد ( ،)14303( ،)304 /3وابن أبي شيبة ( ،)433 /11وصححه األلباني في اإلرواء (.)317 /1
19رواه ابن سعد ( ،)61 /8والذهبي في سير أعالم النبالء بسنده (.)181 /2
2
قال أبو نُعيم" :عائشة زوج النبي صلى هللا عليه وسلم ،الص ِ ّديقة Bبنت الصديق،
العَتيقة بنت العتيق ،حبيبة الحبيب"...20
المطلب الثاني :البيئة والترعية
الصديقة بنت الصديق ولدت في بيت إيماني متميز في حمل هموم الدعوة ،وشاهدت
منذ نعومة أظفارها تفاصيل نشوء الدين اإلسالمي وتفاعلت معه بكل ما فيه من آالم
وآمال.
قالت رضي هللا عنها( :لم أعقل أبوي إال وهما يدينان الدين ،ولم يمر علينا يوم إال
يأتينا فيه رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم ،-طرفي النهار :بكرة وعشية ،ثم بدا
ألبي بكر ،فابتنى مسجدا بفناء داره ،فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن ،فيقف عليه
نساء المشركين وأبناؤهم ،يعجبون منه وينظرون إليه ،وكان أبوبكر رجال بكاء ،ال
21
يملك عينيه إذا قرأ القرآن ،فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين).
وقد كانت أم المؤمنين تشارك في كثير من أحداث Bاألمة وقد بدأتها بالهجرة إلى
المدينة المنورة للحاق برسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -وأبيها الصديق -
رضي هللا عنه .فالصديقة Bبنت الصديق كانت منذ أن فتحت عينيها مساهمة
ومشاركة في خدمة هذا الدين ورسوله وأهله لذلك كانت مشاركاتها في كل مناحي
الحياة اإلسالمية وفق الضوابط الشرعية ،حتى الغزوات منها ففي غزوة أحد كانت
رضي هللا عنها تنقل الماء بالقرب ثم تفرغه في أفواه الصحابة المنهكين من القتال
والعطش.
روى البخاري -رحمه هللا -عن أنس رضي هللا عنه ،قال( :لما كان يوم أحد،
انهزم الناس عن النبي صلى هللا عليه وسلم ،قال :ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر،
وأم سليم وإنهما لمشمرتان ،أرى خدم سوقهما تنقزان القرب ،22 وقال غيره :تنقالن
القرب على متونهما ،ثم تفرغانه في أفواه القوم ،ثم ترجعان فتمآلنها ،ثم تجيئان
23
فتفرغانها في أفواه القوم.
20حلية األولياء ( ،)43 /2وانظر "أسد الغابة" ( ،)1383 /1و"الثقات"ـ البن حبان (.)323 /2
2
المطلب الثالث :مولد ام المؤمنين عائشة رضي هللا عنها ونشأتها
ولدت أم المؤمنين عائشة -رضي هللا عنها -في مكة المكرمة قبل الهجرة بسبع
سنين تقريب ًا .وقد تربت -رضي هللا عنها -شطرا في بيت الصديق (تسع سنين
(24.حيث نشأت في بيت أ ّول من أسلم من ال ّرجال فتربّت على حبّ اإلسالم العظيم
وتش ّرب قلبها الطّاهر معاني الدين وقيمه وأخالقيّاته.وأتمت Bالشطر اآلخر من
تربيتها في بيت النبوة (تسع سنين أيضً ًا) وتُع ُّد عائشة رضي هللا عنها من أعظم من
تربّى في مدرسة النبوة ،فمنذ طفولتها سمعت آيات القرآن الكريم ،والحكمة ،وعندما
وصلت العقد الثاني من عمرها كانت مستوعبة لكافة ثقافات Bمجتمعها ،وتمكنت من
التفوق على اآلخرين في مختلف مجاالت علوم عصرها ،فرضي هللا عنها
وأرضاها
بعد وفاة خديجة -رضي هللا عنها -لبث رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -نحو
سنتين أوقريبًا من ذلك 25 دون زوجة ،ثم جاءته خولة بنت حكيم -رضي هللا عنها
-فعرضت عليه خطبة عائشة بنت أبي بكر الصديق 26 فعقد عليها الرسول -صلى
هللا عليه وسلم -بمكة ،وهي بنت ست سنين ودخل بها في المدينة المنورة ،وهي
بنت تسع سنين.
فقد كانت كانت مُسمَّا ًة لجبير بن مطعم ،فخطبها رسول هللا -صلَّى هللا عليه وسلَّم
-بعد أن سلَّها أبوها من أهله.
وقد أورد صاحبُ الطبقات Bعن ابن عباس قال :خطب رسول هللا -صلَّى هللا عليه
وسلَّم -إلى أبي بكر الصديق عائشة ،فقال أبو بكر :يا رسول هللا ،قد كنتُ وعدتُ
بها أو ذكرتها لمطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف البنه جبير ،فدعني حتى أسلَّها
منهم ،ففعل ،ثم تزوجها رسول هللا -صلَّى هللا عليه وسلَّم -وكانت ِبكرً ا
24نداء اإليمان -صحيح مسلم -باب تزويج األب البكر الصغيرة -حديث رقم 3545
25صحيح البخاري ،ج.4/252
26مجمع الزوائد للهيثمي ،دار الريان ،بيروت لبنان عام 1407هـ ،ج - 9/225مسند اإلمام أحمد ،مؤسسة قرطبة ،مصر ،ج.211 -6/210
2
يتبيَّن من خالل المصادر التاريخية :أنَّ النبي صلَّى هللا عليه وسلَّم تزوجها في
شوال سَنة عشر ،أو إحدى عشرة من النبوَّة بعد سَوْ دة بعام ،وهي بنت ِّ
ست سنين،
وبقيت عنده ِتسع سنين ،ولم يتز َّوج ِبكرً ا غيرها.
وقد وصفت أم المؤمنين -رضي هللا عنها -زواجها من رسول هللا -صلى هللا
عليه وسلم -فقالت :تزوجني الرسول -صلى هللا عليه وسلم -وأنا بنت ست
سنين ،فقدمنا المدينة فنزلنا في بني الحرث بن خزرج فوعكتُ فتمرق شعري،
فوفى جميمة ،فأتتني أمي أم رومان وإني لفي أرجوحة ومعي صواحب لي،
فصرخت بي فأتيتها Bال أدري ما تريد بي ،فأخذت بيدي حتى أوقفتني على باب الدار
وإني ألنهج 27حتى سكن بعض نفسي ثم أخذت شيئ ًا من ماء فمسحت به وجهي
ورأسي ،ثم أدخلتني الدار ،فإذا Bنسوة من األنصار في البيت ،فقلن على الخير
والبركة وعلى خير طائر ،فأسلمتني إليهن فأصلحن من شأني ،فلم يرعني إال
رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -ضحى فأسلمتني إليه ،وأنا يومئذ بنت تسع
28
سنين
ك قب َل ي -صلّى هللا عليه وسلّم -قوله( :أُ ِريتُ ِ حيث رُ وي في صحيح البخاري عن النب ّ
حرير ،فقلتُ له :ا ْك ِشفْ ، ٍ ك في سَرَ َق ٍة من ْن ،رأيتُ ال َملَكَ ي َْح ِملُ ِ
ك مَرَّ تَي ِ
أتزوج ِ
َ أن
ك في ض ِه ،ثم أُ ِريتُ ِ
ك ي َْح ِملُ ِ أنت ،فقلتُ :إن يَ ُكنْ هذا من عن ِد ِ
هللا يُمْ ِ فكشف فإذا Bهي ِ
أنت ،فقلتُ :إن يَكُ هذا من عن ِد حرير ،فقلتُ :ا ْك ِشفْ ،فكشف ،فإذا هي ِ ٍ سَرَ َق ٍة من
ي -صلّى هللا عليه وسلّم -قد رأى ض ِه) 29،وفي الحديث الصّ حيح أنّ النب ّ هللا يُمْ ِ
ِ
جبريل -عليه السالم -قد أتاه في هيئة عائشة رضي هللا عنها ،وأخبره أنّها زوجته
في الدّنيا واآلخرة ،فتزوّ جها رسول هللا صلّى هللا عليه وسلّم.
وقد كانت رضي هللا عنها وأرضاها أحب الناس إلى رسول هللا -صلى هللا عليه
وسلم -حتى كان عليه والصالة والسالم يصرح بذلك كما ورد في حديث عمروبن
العاص -رضي هللا عنه -حيث سأله :أي الناس أحب إليك يا رسول هللا؟ قال:
30
عائشة .قال :فمن الرجال؟ قال :أبوها.
27يعني :ثار نفسي من التعب
28صحيح البخاري ،ج.252 - 4/251
29رواه البخاري ،في صحيح البخاري ،عن عائشة أم المؤمنين ،الصفحة أو الرقم ، 7012 :صحيح.
2
قال اإلمام الذهبي -رحمه هللا تعالى ( :-وهذا خبر ثابت على رغم أنوف
الروافض ،وما كان عليه السالم ليحب إال طيب ًا ،وقد قال :لوكنت متخذا خليال من
31
هذه األمة التخذت أبا بكر خليال ،ولكن أخوة اإلسالم أفضل).
ي صلّى هللا عليه وسلّم، اصطفى هللا تعالى عائشة -رضي هللا عنها -من بين زوجات النب ّ
وكلّهنّ لهنّ الفضل والمقام الرّ فيع ،إاّل أنّ عائشة -رضي هللا عنها -نالت شيئ ًا من
ي عليه السالم ،وإنّ الوحي الخصوصيّة؛ فقد Bجاء جبريل -عليه السالم -في هيئتها إلى النب ّ
ي هللا
ي وهو معها إال في لحاف عائشة كما أخبر نب ّ ما نزل في لحاف أح ٍد من زوجات النب ّ
آيات قرآنيّة فيها حين ب ّرأها من حادثة األفك ٍ صلّى هللا عليه وسلّم ،وقد أنزل هللا تعالى
ي صلّى هللا عليه وسلّمفلم يكن فيها شكّ ؛ فحين التي تع ّرضت لها ،وأمّا مكانتها عند النب ّ
سُئل عليه السّالم عن أحبّ النّا س إليه قال :عائشة ،ذاكر ًا إيّاها باسمها ،ولقد قال صلّى
سائر الط َّ ِ هللا عليه وسلّم( :فض ُل عائش َة على ال ِِّنّBسا ِء ،كفض ِل الثَّري ِد على
32
عام) ِ
يتحرَّ وْ ن بهداياهم يو َم عائش َة ،فاجتمع أزواج فقد جاء في الحديث الصحيح :كان الناسُ َ
النبي صلَّى هللا عليه وسلَّم إلى أ ِ ّم سلمة ،فقلنَ لها :إنَّ الناس يتح َّروْ ن بهداياهم Bيو َم
عائشة ،فقولي لرسول هللا صلَّى هللا عليه وسلَّم يأمر الناس أن يُهدوا له أينما
فعادت الثانية ،فلم يَرُ َّد عليها ،فلمَّا
ِ ْ
فذكرت أ ُّم سلمة له ذلك ،فسكت فلم يرُ َّد عليها، كان ،
ي الوحي وأنا كانت الثالثة قال(( :يا أ َّم سلمة ،ال ت ُْؤذيني في عائشة ،فإنَّه و ِ
هللا ما نزل عل َّ
لحاف امرأ ٍة منكنَّ غيرها)) ،33وكان صلَّى هللا عليه وسلَّم يستأنس بها في الحديث، ِ في
س ُّر بقربها ،ويعْ رف ِرضاها ِمن سَخَ طها؛ فقد Bقال صلَّى هللا عليه وسلَّم لها(( :إ ِنّي ويُ َ
ي غضْ بَى)) ،قالت :وكيف يا رسول هللا؟ قال: كنت ع ِنّي راضية ،وإذا ِ
كنت عل َّ ألعل ُم إذا ِ
ورب
ِّ قلت :ال،
ي غضبَى ِ كنت عل َّ
ورب محمَّد ،وإذا ِ ِّ كنت ع ِنّي راضي ًةِ ،
قلت :ال، ((إذا ِ
34
إبراهيم)) B،قالت" :أجلْ ،وهللا ما أهجر إالَّ اسمك".
ُفص ح عائشة -رضي هللا عنها -بنفسها عن فضلها ،وعن تلك المنزلة السامية، وت ِ
31أخرجه البخاري في صحيحه ،ج.3/1338
32
رواه البخاري ،في صحيح البخاري ،عن أنس بن مالك ،الصفحة أو الرقم ، 3770 :صحيح
2
والمكانة الرفيعة التي كانت تحتلُّها في نفس رسول هللا -صلَّى هللا عليه وسلَّم -فتقول:
" ُفضلتُ على نساء النبي -صلَّى هللا عليه وسلَّم -بعشر ،قيل :ما هنَّ يا أ َّم المؤمنين؟
قالت :لم ينكح ِبكرً ا قط غيري ،ولم ينكح امرأة أبواها Bمهاجران غيري ،وأنزل هللا -عز
تزوجها،
ْ وجل -براءتي من السماء ،وجاءه جبريل بصورتي من السماء في حريرة ،وقال:
فإنها امرأتك ،فكنتُ أغتسل أنا وهو من إناء واحد ،ولم يكن يفعل ذلك بأحد ِمن نسائه
غيري ،وكان ينزل عليه الوحي وهو معي ،ولم يكن ينزل عليه وهو مع أحد من نسائه
ي فيها،غيري ،و َقبَض هللا نفسه وهو بين سحري ونَ ْحري ،ومات في الليلة التي يدور عل َّ
35
و ُد ِفن في بيتي
روت عائشة - رضي هللا عنها – أيضا على ما يد ُّل على ُحسن معاشرة النبي -صلَّى ْ وقد
هللا عليه وسلَّم -لها فقالت" :وهللا لقد رأيتُ رسو َل هللا -صلَّى هللا عليه وسلَّم -يقوم
على باب ُحجرتي ،والحبش ُة يلعبون بال ِحراب ،ورسول هللا -صلَّى هللا عليه وسلَّم -
أجلي ،حتى أكونَ أنا يَسْ تُرني بردائه ألنظرَ إلى َل ِعبهم من بين أُذنه وعاتقه ،ثم يقوم ِمن ْ
36
التي أنصرف"؛
المطلب الثالث :شخصية عائشة العالمة المعلمة مع حادث اإلفك حتى الوفاة
أوال :شخصية عائشة العالمة المعلمة
كانت عائشة –رضي هللا عنها -التي رافقت رسول هللا –صلى هللا عليه وسلم -ألكثر من
تسع سنين لم تكن أمور الغيرة وأحزاب النساء تأخذها عن النهل من معين النبوة العذب،
فقد كانت في حياتها معه متعلمة وحافظة وعابدة كما وصفتها مليكة" :أنها كانت ال تسمع
شيئ ًا ال تعرفه إال راجعت فيه حتى تعرف .
2
ومن تأمل كتب السنة والمسانيد ،خرج له ك ٌّم كبير وصحيح من روايات أم المؤمنين -
رضي هللا عنها -وما ذاك إال ألنها كانت مالزم ًة لبيت النبوة ال تفارقه ،حديث َة السن،
و َّقادة الحفظ والذكاء ،مُحبَّة للتَّلقي والفهم والعمل.
جمعت من هذا ك ِلّه علمًا ج ًّما غزيرً ا ،كما قال الزهري -رحمه هللا تعالى :-لو ُجمع
ْ ولقد
37
علم عائشة إلى علم جميع النساء ،لكان علم عائشة أفضل
كما أن هللا قد وهبها الذكاء والفطنة وسرعة الحافظة؛ قال ابن كثير" :لم يكن في األُمم مثل
وعلمها ،وفصاحتها Bوعقلها" ،ويقول ال َّذهبي" :أفقه نساء األمَّة على عائشة في ِحفظها ِ
اإلطالق ،وال أعل ُم في أمَّة محمد -بل وال في النساء مطلقًا -امرأ ًة أعل َم منها".
وقد تَجاوز عدد األحاديث Bالتي رو ْتها ألفين ومائة حديث عن النبي -صلَّى هللا عليه وسلَّم
-وهي مشتهرة في كتب السنة :البخاري ،ومسلم ،والسنن ،والمسانيد ،وغيرها.
قال الحافظ الذهبي :مسند عائشة يبلغ ألفين ومائتين وعشرة أحاديث B،اتفق البخاري ومسلم
لها على مائة وأربعة وسبعين حديثًا ،وانفرد البخاري بأربعة وخمسين ،وانفرد مسلم بتسعة
38
وستين
فهذا يد ُّل على مكانتها بين الصحابة رضي هللا عنهم ،فكانت Bمرجعًا يرجعون إليها؛ لتب ِيّن
لهم وجه الصواب.وقد Bكانوا رضي هللا عنهم يَرجعون إليها في علم الفرائض (المواريث)؛
مسروق أنه قيل له :هل كانت عائش ُة تُحسن الفرائض؟ قال :وهللا ،لقد رأيتُ أصحاب ٍ عن
39
محمد صلى هللا عليه وسلم األكابرَ يَسألونها عن الفرائض
بطب وال بشعر من عائشة -رضي
ٍّ ويقول عروة بن الزبير" :ما رأيت أحدًا أعلم بفقه وال
عصرها في ثالثة
ِ هللا عنها" ،وقال فيها أبو عمر بن عبدالبر" :إن عائشة كانت وحيد َة
40
علوم :علم الفقه ،وعلم الطب ،وعلم الشعر"
وعن أبي موسى األشعري :ما أش َكل علينا أصحابَ رسول هللا صلى هللا عليه وسلم
41
وجدنا عندها منه ِعلمًا حديث قطَ ،
فسألنا عائش َة إال َ ٌ
41صحيح :رواه الترمذي ( ،)3818وقال :حسنٌ صحيح غريب ،وصححه األلباني في "صحيح المشكاة"ـ ()6185
2
ثانيا :حادثة اإلفك:
لم تَسلَ ْم ال ِ ّ
ص ِ ّديقة الطاهرة من ال َق ْذف ،على ما ع ُِرف من طهرها وع َّف ِتها ونبل أخالقها! Bفقد
تعرَّضت إلساءة قاسية أُصيبت بالمرض إزاءها ،وعانت الكثير حتى أنزل هللا -عز وجل ْ
الص ِ ّديقة تحكي لنا قصتها؛ كما ورد عند اإلمام البخاري -رحمه هللا - -براءتها ،وها هي ِ ّ
الذي قال :ح َّدثَنا عبدالعزيز بن عبدهللا ،ح َّدثَنا إبراهيم بن سعد عن صالح ،عن ابن شهاب،
قال :ح َّدثَني عروة بن الزبير ،وسعيد بن المسيب ،وعلقمة بن و َّقاص ،وعبيدهللا بن عبدهللا
بن عتبة بن مسعود عن عائشة -رضي هللا عنها -زوج النبي -صلَّى هللا عليه وسلَّم -
حين قال لها أه ُل اإلفك ما قالوا ،وكلهم ح َّدثَني طائف ًة من حديثها ،وبعضهم كان أوْ عى
الحديث الذي ح َّدثَني
َ لحديثها من بعض ،وأثبت له اقتصاصً ا ،وقد وعيت عن ك ِ ّل رجل منهم
عن عائشة ،وبعض حديثهم يص ِ ّدق بعضً ا ،وإن كان بعضهم أوعى له من بعض.
قالوا :قالت عائشة :كان رسو ُل هللا -صلَّى هللا عليه وسلَّم -إذا أراد سفرً ا أ ْقرع بين
أزواجه ،فأيهنَّ خرج سهمها خرج بها رسو ُل هللا -صلَّى هللا عليه وسلَّم -معه ،قالت
عائشة :فأقرع بيننا في غزو ٍة غزاها ،فخرج فيها سهمي ،فخرجتُ مع رسول هللا -صلَّى
فسرْ نا حتى إذا هللا عليه وسلَّم -بعدَما أُنزل ال ِحجاب ،فكنت أُ ْح َمل في هودجي وأنزل فيهِ ،
فرغ رسول هللا -صلَّى هللا عليه وسلَّم -من غزوته تلك و َق َفل ،دنوْ نا من المدينة قافلين
آ َذن ليل ًة بالرحيل ،فقمت حين آذنوا بالرحيل ،فمشيتُ حتى جاوزتُ الجيش ،فلما قضيتB
رحلي فلَمسْ تُ صدري ،فإذاِ Bعق ٌد لي من جزع ظفار قد انقطع ،فرجعت شأني أقبلتُ إلى ْ
فالتمستُ عقدي فحبسني ابتغاؤه ،قالت :وأقبل الرهط الذين كانوا يُر ِّحلوني فاحتملوا
هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنتُ أركب عليه ،وهم ي َْحسبُون أني فيه ،وكان النساء إذ
ذاك ِخفا ًفا لم يَ ْهبُ ْلنَ ،ولم يغشهنَّ اللحم ،إنما يأكلن ال ُع ْلقة من الطعام ،فلم يستنكر القوم ِخفَّة
سنّ ِ ،فبعثوا الجمل فساروا ،ووجدتُ الهودج حين رفعوه وحملوه ،وكنت جاري ًة حديث َة ال ِ ّ
ِعقدي بعدما استم َّر الجيش ،فجئتُ منازلهم وليس بها منهم داع وال مجيب ،فتي َّممتُ منزلي
الذي كنتُ به ،وظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إليَّ ،فبينا أنا جالسة في منزلي غلب ْتني
عيني ف ِنمت ،وكان صفوان بن المعطَّل السُّلمي ،ثم الذكواني ،من وراء الجيْش ،فأصبح
عند منزلي ،فرأى سوا َد إنسان نائم فعَرَ فني حين رآني ،وكان رآني قبل ال ِحجاب،
فاستيقظت باسترجاعه حين عَ رَ فني فخمَّرْ تُ وجهي بجلبابي ،ووهللا ما تكلمْ نا بكلمة ،وال ُB
فوطئ على ي ِدها ،فقمتُ إليها سمعتُ منه كلمة غير استرجاعه ،وهوى حتى أناخ راحلته ِ
فركبتها ،فانطلق يقود بي الراحلة ،حتى أتينا الجيش موغرين في نَ ْحر الظهيرة ،و ُهم نزول.
2
ُ
ي بن سلول ،قال عروة: قالت :ف َه َلك مَن َه َلك ،وكان الذي تولَّى ِكبْرَ اإلفك عبدَهللا بن أب ّ ِ
أُخبرت أنه كان يُشاع ويُتحدَّث به عنده فيقرُّ ه ،ويستمعه ويستوشيه ،وقال عروة أيضً ا :لم
وحمْ نة بنت َج ْحش في
يس َّم من أهل اإلفك أيضً ا Bإال حسَّان بن ثابت ،و ِمسْ طح بن أثاثةَ ،
ناس آخرين ال علم لي بهم ،غير أنَّهم عصبة -كما قال هللا تعالى -وإنَّ كبر ذلك يُقال له
ي بن سلول. ُ
عبدهللا بن أب ّ ِ
قال عروة :كانت عائشة تكره أن يُسبَّ عندها حسَّان ،وتقول :إنه الذي قال:
قالت :فبكيتُ تلك الليلة ،حتى أصبحت ال يرقأ لي دَمْ ع ،وال أكتحل بنوم ،ثم أصبحتُ أبكي،
قالت :ودعا رسو ُل هللا -صلَّى هللا عليه وسلَّم -علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين
2
است ْلبث الوحي ،يسألهما ويستشيرهما في ِفراق أهله ،قالت :فأمَّا أسامة فأشار على رسول
نفسه ،فقالهللا -صلَّى هللا عليه وسلَّم -بالذي يعلم ِمن براءة أه ِله ،وبالذي يعلم لهم في ِ
ي فقال :يا رسول هللا ،لم يض ِيّق هللا عليك، أسامة :أهلك ،وال نعلم إالَّ خيرً ا ،وأما عل ٌّ
والنساء سواها كثير ،وس ِل الجاري َة تصد ْقك ،قالت :فدعا رسول هللا -صلَّى هللا عليه
وسلَّم -ب َِريرة ،فقال :أي بريرة ،هل رأيت من شيء يَريبك؟ قالت له بريرة :والذي ب َعثَك
بالحق ما رأيتُ عليها أمرً ا قط َأ ْغ ِمصه ،غيرَ أنَّها جاري ٌة حديثة ال ِ ّ
سنّ ِ ،تنام عن عجين
أهلها ،فتأتي الداجنُ فتأكله.
ُ
قالت :فقام رسول هللا -صلَّى هللا عليه وسلَّم -من يومه فاستعذر ِمن عبدهللا بن أب ّ ٍ
ي وهو
على المنبر ،فقال :يا معشر المسلمين ،مَن يَع ِذرني من رجل قد بلغني عنه أذاه في أهلي؟
وهللا ما علمتُ على أهلي إالَّ خيرً ا ،ولقد ذكروا رجالً ما علمت عليه إالَّ خيرً ا ،وما يدخل
على أهلي إال معي.
قالت :فقام سعد بن معاذ أخو بني عبد األشهل ،فقال :أنا يا رسول هللاَ ،أع ِذرك ،فإن كان
من األوس ضربتُ عن َقه ،وإن كان من إخواننا Bمن الخزرج أمرْ تَنا ففعلنا أمرَ ك ،قالت :فقام
رجل من الخزرج وكانت أ ُّم حسان بنت عمه من َف ِخذه ،وهو سعد بن عبادة ،وهو س ِيّد
كذبت،َ صالحا ،ولكن احتمل ْته الحمية ،فقال لسعد:
ً الخزرج ،قالت :وكان قبل ذلك رجالً
لعَمْ رُ هللا ال تقتله ،وال تق ِدر على ق ْتله ،ولو كان ِمن رهطك ما أحببت أن يُقتل ،فقام Bأُ َ
سيْد
َ
كذبت ،لعمر هللا لنقتلنَّه ،فإنك منا ِفق بن ُحضَ ير -وهو ابن عم سعد -فقال لسعد بن عبادة:
تجادل عن المنافقين ،قالت فثار الحيَّان -األوس والخزرج -حتى همُّوا أن يقتتلوا ورسو ُل
هللا -صلَّى هللا عليه وسلَّم -قائم Bعلى المنبر ،قالت فلم يز ْل رسول هللا -صلَّى هللا عليه
وسلَّم -يُخ ِّفضهم ،حتى سكتُوا و َ
س َك َ
ت.
قالت :فبكيتُ يومي ذلك كلَّه ال يرقأ لي دمع ،وال أكتحل بنوم ،قالت :وأصبح أبواي عندي،
وقد بكيت ليلتين ويو ًما ال يرقأ لي دمع ،وال أكتحل بنوم ،حتى إني ألظنُّ أنَّ البكاء فا ِلق
ي امرأة من األنصار ،فأذنتُ لها، ْ
فاستأذنت عل َّ كبدي ،فبينا أبواي جا ِلسان عندي وأنا أبكي،
فجلست تبكي معي ،قالت :فبينا نحن على ذلك دخل رسول هللا -صلَّى هللا عليه وسلَّم - ْ
علينا ،فسلَّم ،ثم جلس ،قالت :ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل قبلَها ،وقد لبث شهرً ا ال
يوحى إليه في شأني بشيء ،قالت فتش َّهد رسول هللا -صلَّى هللا عليه وسلَّم -حين جلس، َ
فسيبرّ ئُك هللا ،وإن كنت
ِ ثم قال :أمَّا بعد يا عائشة ،إنَّه بلغني عنك كذا وكذا ،فإنْ كنت بريئة
2
ألممت بذنب فاستغفري هللا ،وتوبي إليه ،فإنَّ العبد إذا Bاعترف ثم تاب ،تاب هللا عليه.
ِ
قالت :فلمَّا قضى رسول هللا -صلَّى هللا عليه وسلَّم -مقالتَه َقلَص دمعي ،حتى ما أحسُّ
منه قطرة ،فقلت ألبي :أ ِجبْ رسول هللا -صلَّى هللا عليه وسلَّم -ع ِنّي فيما قال ،فقال أبي:
وهللا ما أدري ما أقول لرسول هللا -صلَّى هللا عليه وسلَّم -فقلت ألمي :أجيبي رسول
هللا -صلَّى هللا عليه وسلَّم -فيما قال ،قالت أمي :وهللا ما أدري ما أقول لرسول هللا -
صلَّى هللا عليه وسلَّم.
سن ،ال أقرأ من القرآن كثيرً ا :-إني وهللا ،لقد علمتُ لقد فقلت -وأنا جارية حديثة ال ِ ّ
الحديث حتى استقرَّ في أنفسكم ،وصدقتم به ،فلئن قلتُ لكم :إني بريئة ،ال َ سمعتم هذا
تُص ِ ّدقوني ،ولئن اعترفت لكم بأمر -وهللا يعلم أني منه بريئة -لتص ِ ّد ُقني ،فوهللا ال أجد لي
ص ُفونَ } [يوسف: ستَعَانُ عَ لَى مَا تَ ِ
ولكم َمثَالً إال أبا يوسف حين قالَ { :فصَ بْرٌ َج ِمي ٌل وَ اللَّ ُه ا ْل ُم ْ
،]18ثم تحولتُ واضطجعت على فراشي ،وهللا يعلم أني حينئذ بريئة ،وأنَّ هللا مب ِّرئي
ش ْأني في نفسي كان ببراءتي ،ولكن وهللا ما كنتُ أظنُّ أنَّ هللا منزل في شأني وحيًا يتلَى ،لَ َ
ي بأمر ،ولكن كنت أرجو أن يرى رسول هللا -صلَّى هللا عليه أحقرَ من أن يتكلم هللا ف َّ
وسلَّم -في النوم رؤيا يُب ِّرئني هللا بها ،فوهللا ما رام رسو ُل هللا -صلَّى هللا عليه وسلَّم -
نزل عليه ،فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء، ُ
مجلسَه ،وال خرج أح ٌد من أهل البيت حتى أ ِ
شات ِمن ِث َقل القول الذي أُنزل ٍ الجمَان وهو في يوم حتى إنَّه ليتحدَّر منه من العرق ِمث ُل ُ
عليه.
فكانت أ َّول كلمة تكلَّم ْB س ِّري عن رسول هللا -صلَّى هللا عليه وسلَّم -وهو يضحك، قالت :ف ُ
بها أن قال :يا عائشة ،أمَّا هللا فقد Bب َّرأك ،قالت :فقالت لي أ ِّميُ :قومي إليه ،فقلت :وهللا ال
(إنَّ الَّ ِذينَ َجا ُؤوا أقوم إليه ،فإني ال أحمد إالَّ هللا -عز وجل -قالت :وأنزل هللا -تعالى ِ :-
{إنَّ الَّ ِذينَ َجا ُؤوا ك عُصْ بَ ٌة ِم ْن ُك ْم} [النور ...]11 :العشر اآليات B،قال -عز وجل ِ :- ِباإْل ِ ْف ِ
ئ ِم ْن ُه ْم مَا ا ْكتَسَبَ ِمنَ اإْل ِ ْثِBم ش ًّرا لَ ُك ْم بَلْ ُهوَ خَ ْي ٌر َل ُك ْم ِل ُك ِ ّل امْ ِر ٍ سبُو ُه َ ك عُصْ بَ ٌة ِم ْن ُك ْم الَ تَ ْح َِباإْل ِ ْف ِ
س ِمعْ تُمُو ُه ظَنَّ ا ْلم ُْؤ ِمنُونَ وَ ا ْلم ُْؤ ِمنَاتُ وَ الَّ ِذي تَوَ لَّى ِكبْرَ ُه ِم ْن ُه ْم َل ُه عَ َذابٌ عَ ِظي ٌم * لَوْ الَ ِإ ْذ َ
ش َهدَا ِء ش َهدَا َء َف ِإ ْBذ لَ ْم ي َْأتُوا ِبال ُّ
ِب َأ ْنف ُِس ِه ْم خَ يْرً ا وَ َقالُوا َه َذا ِإ ْفكٌ م ُِبينٌ * لَوْ الَ َجا ُؤوا عَ لَ ْي ِه ِب َأرْ بَ َع ِة ُ
س ُك ْمَف ُأولَ ِئكَ ِع ْن َد اللَّ ِه ُه ُم ا ْل َكا ِذبُونَ * وَ لَوْ الَ َفضْ ُل اللَّ ِه عَ لَ ْي ُك ْم وَ رَ ْح َمتُ ُه ِفي ال ُّد ْنيَا وَ اآْل ِخرَ ِة لَ َم َّ
ِفي مَا َأ َفضْ تُ ْBم ِفي ِه عَ َذابٌ عَ ِظي ٌمِ * إ ْذ تَلَ َّقوْ نَ ُه ِب َأ ْل ِسنَ ِت ُك ْم وَ تَقُولُونَ ِب َأ ْفوَ ا ِه ُك ْBم مَا َليْسَ َل ُك ْم ِب ِه ِع ْل ٌم
س ِم ْعتُمُو ُه ُق ْلتُ ْم مَا يَ ُكونُ َلنَا َأنْ نَتَ َكلَّ َم ِب َه َذا سبُونَ ُه َه ِيّنًا وَ ُهوَ ِع ْن َد اللَّ ِه عَ ِظي ٌم * وَ لَوْ الَ ِإ ْذ َ وَ تَ ْح َ
2
سب َْحانَكَ َه َذا بُ ْهتَانٌ عَ ِظي ٌم * يَ ِعظ ُ ُك ُم اللَّ ُه َأنْ تَعُودُوا ِل ِم ْث ِل ِه َأبَدًا ِإنْ ُك ْنتُ ْم م ُْؤ ِم ِنينَ * وَ يُبَ ِيّنُ اللَّ ُه ُ
ش ُة ِفي الَّ ِذينَ آ َمنُوا لَ ُه ْم عَ َذابٌ َات وَ اللَّ ُه عَ ِلي ٌم َح ِكي ٌمِ * إنَّ الَّ ِذينَ يُ ِحبُّونَ َأنْ تَ ِشيعَ ا ْل َفا ِح َ لَ ُك ُم اآْل ي ِB
َأ ِلي ٌم ِفي ال ُّد ْنيَا وَ اآْل ِخرَ ِة وَ اللَّ ُه يَ ْعلَ ُم وَ َأ ْنتُ ْم الَ تَ ْعلَمُونَ * وَ لَوْ الَ َفضْ ُل اللَّ ِه عَ لَ ْي ُك ْم وَ رَ ْح َمتُ ُه وَ َأنَّ
اللَّ َه رَ ُؤوفٌ رَ ِحي ٌم} [النور ،]20 - 11:ثم أنزل هللا هذا في براءتي.
قالت عائشة :وكان رسول هللا -صلَّى هللا عليه وسلَّم -سأل زينبَ بنت جحش عن أمْ ري
أحمي سمعي وبصري ،وهللا ما علمت أو رأيت؟ فقالت :يا رسول هللاْ ،
ِ فقال لزينب :ماذا
علمتُ إال خيرً ا ،قالت عائشة :وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي -صلَّى هللا عليه
فهلكت فيمَن هلَك.
ْ تحارب لها،
ِ ْ
وطفقت أختُها َحمْ نة وسلَّم -فعَصَ مها هللا بالورع ،قالت:
قال ابن ِشهاب :فهذا الذي بلغني من حديث هؤالء ال َّر ْهط ،ثم قال عروة :قالت عائشة:
وهللا ،إنَّ الرجل الذي ِقيل له ما قيل ليقولُ :سبحان هللا! فوالذي نفسي بيده ما كشفتُ من
كنف أنثى قط ،قالت :ثم ُق ِتل بع َد ذلك في سبيل هللا." 42
وهكذا فق ِد انتصرت عائشة في حديث اإلفك ،وبرَّ أها هللا -تعالى -مما قالوا بالقرآن
وآبت إلى بيتها أوب َة الظافر المتين ،وظلَّت
ْ الكريم ،وقدرت عائشة هذا االنتصارَ ح َّق قدره،
أعوامًا مع رسول هللا -صلَّى هللا عليه وسلَّم -في ِنعمة وسعادة وسرور ،يتنزل الوحي
من هللا في بيتها ،ويُقرئها جبريل السالم ،43ويحبُّها رسول هللا -صلَّى هللا عليه وسلَّم -
44
ويُع ِظ ّمها المسلمون.
ثالثا :وفاتها رضي هللا عنها
مرضت أُ ُّم المؤمنين عائشة في آ ِخ ِر حياتها مرضً ا أ ْلزمها الفراشَ ،وأحاطها الصحاب ُة
ْ
42صحيح البخاري ،)3/64( ،كتاب المغازي ،باب :حديث اإلفك ،تحت رقم (.)4141
" 43في موكبـ السيرة النبوية"؛ للدكتور محمد المختار ولد اباه الشنقيطي1405 ،هـ 1984 -م.
" 44في موكبـ السيرة النبوية"؛ للدكتور محمد المختار ولد اباه الشنقيطي1405 ،هـ 1984 -م.
2
بعنايتهم واهتمامهم بص َّح ِتها ،فكان يدخل عليها بعضُ الصحابة الذين هم ِمن قرابتها ،مثل
لتخفيف وطأة المرض عنها ،ولم تكن تحبُّ أن تسمع مَن ِ عبدهللا بن عباس ،فيُثني عليها؛
ي عبدهللا بن عباس ،ولم أكن أُحبُّ أن يُثني عليها ،قالت -رضي هللا عنها " :-أثنَى عل َّ
45
أسمع أحدًا اليوم يُثني علي ،لوددتُ أ ِنّي كنت نسيًا منسيًّا.
تُو ِّفيت -رضي هللا عنها -سنة 57هـ؛ وهذا ما قاله هشام بن عروة ،وأحمد بن حنبل
وغيرهم.
وقد قيل :إنها مدفونة بغربي جامع دمشق ،وهذا غلط فاحش ،لم تَقدَم -رضي هللا عنها -
إلى دمشق أصالً ،وإنما هي مدفونة بالبقيع ،46وقد صلَّى عليها أبو هريرة بع َد الوتر في
شهر رمضان ،و ُد ِفنت بالبقيع.
المبحث األول :سيرتها رضي هللا عنها الو زواجها بالنبي صلى هللا عليه
وسلم
2
هللا عليه وسلم وهي بنت أربعين سنة ،وكان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ابن خمس
وعشرين سنة ،وقال أبو عمر وأجمع أهل العلم " :أن خديجة – رضي هللا عنها -ولدت
لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم أربع بنات هن :زينب وفاطمة ورقية وأم كلثوم -رضي
47
هللا عنهن ،-وأجمعوا أنها ولدت له القاسم ،وبه كان يكنى صلى هللا عليه وسلم
يلتقي نسبها بنسب النبي صلى هللا عليه وسلم في الجد الخامس ،قصي بن كالب.
قال ابن هشام :كانت خديجة يومئ ٍذ أوسط نساء قريش نسبًا ،وأعظمهن شر ًفا ،وأكثرهن
مااًل 48فقد كانت عاقلة جليلة دينة مصونة كريمة من أهل الجنة ،وكان النبي -صلى هللا
عليه وسلم -يُثني عليها ويفضلها على سائر أمهات المؤمنين ،ويبالغ في تعظيمها ،حتى إن
عائشة كانت تقول" :ما غرت من امرأة ما غرت من خديجة من كثرة ذكر النبي -صلى
49
هللا عليه وسلم – لها"
كان ميالدها في مكة قبل عام الفيل بخمس عشرة سنة ،عرفت بذكائها Bوجالله قدرها بل
إنها من النساء الكمَّل ،والكمَّل في النساء قليل ،نقية السريرة ...صافية Bالروح ...ذات حسن
وجمال ..اجتمع لها حسن الخلق وشرف الحسب وعلو النسب مصونة كريمة.
كانت السيدة خديجة أول من آمن باهلل -سبحانه ،-وبرسالة محم ٍد -عليه الصالة والسالم،-
فقد صدّقت Bبما جاء به من عند ربه ،فآمنت به وآزرته ،وخفّفت عنه ما أل ّم به ،ومن
المواقف الشاهدة على ذلك؛ وقوفها إلى جانبه ومؤازرته حين نزل عليه الوحي أول مر ٍة
بواسطة جبريل -عليه السالم ،-وأخبرها بما رأى في غار حرا ٍء ،وفي ذلك روى اإلمام
يج َةَ ،فقالَ :زَ ِِّّBملُو ِني زَ ِِّّBملُو ِني َفزَ َّملُو ُه حتَّى َذ َهبَ ع ْنهالبخاري في صحيحه( :دَخَ َل علَى خَ ِد َ
ت لهَ :كاَّل ، وأخْ بَرَ َها الخَ بَرَ ،وقالَ :ق ْد خَ ِشيتُ علَى نَ ْف ِسي َفقالَ ْ يج ُة ،ما لي َ الرَّ وْ عُ َ ،فقالَ :يا خَ ِد َ
يث ،وتَ ْح ِم ُل ال َكلَّ ،وتَ ْق ِري
الح ِد َ
ص ُل ال َّر ِح َم ،وتَصْ ُد ُق َ ْشرْ َ ،فوَ اللَّ ِه ال يُخْ ِزيكَ اللَّ ُه أبَدًا B،إنَّكَ َلتَ ِأب ِ
َ 5150
ت به ورَ َق َة بنَ نَوْ ف ِل)يج ُة حتَّى أتَ ْ ت به خَ ِد َ الح ِِّّBق ،ثُ َّم ا ْنطَلَ َق ْ
ب َ ضيْفَ ،وتُعِينُ علَى نَوَ ا ِئ ِ ال َّ
47محب الدين أحمد بن عبدهللا الطبري .السمط الثمين /تحقيقـ محمد علي قطب -.القاهرة :دار الحديث للنشر1980[،م؟] -.ص .ص .24 -23
51أبو القاسم السهيلي ( ،)2000الروض األنف في شرح السيرة النبوية (الطبعة االولى) ،بيروت:ـ دار إحياء التراث ،صفحة ،273جزء .2
بتصرّ ف.
2
كانت السيدة خديجة -رضي هللا عنهاِ -ن ْعم الزوجة في ك ّل المواقف التي تع ّرض لها
رسول هللا -صلّى هللا عليه وسلّم ،-فخفّفت Bعن المسلمين ما أصابهم من المحن
واالبتالءات B،وخاص ًة ما ح ّل بهم من مقاطعة قريش لبني هاشم وبني عبد المطلب ،بعدم
صلح تزويجهم أو الزواج منهم ،وعدم بيعهم أو الشراء منهم ،وعدم الرأفة بهم أو قبول ال ُ
سنوات ،وقد تحمّلت السيدة خديجة ذلك ،وصبرت ٍ منهم ،وقد استمرت المقاطعة مدة ثالث
الشعب مع زوجها وساندته في ذلك ،وعملت على تأمين الطعام للمسلمين المحاصرين في ِ
بمعاونة ابن أخيها حكيم بن حزام ،إذ كان يُرسل الطعام إلى عمّته ليالً[ .52
فكانت Bرضي هللا عنها أول من أسلم وأمن برسالة محمد صلى هللا عليه وسلم من اللحظة
األولى ولم تتردد رضي هللا عنها ،ونالت شرف السبق حتى أنه جاء جبريل إلى النبي
ي اللَّ ُه عَ ْنهَُ ،قالَ: ض َ صلى هللا عليه وسلم مبشرا لما لها بسبب ذلك السبق عَ نْ َأ ِبي ُهرَ يْرَ َة رَ ِ
ت َم َع َهايج ُة َق ْد َأتَ ْ سلَّ َمَ ،ف َقالَ :يَا رَ سُو َل اللَّ ِهَ :ه ِذ ِه خَ ِد َ هللا عَ لَ ْي ِه وَ َ
ي صَ لَّى ُ " َأتَى ِجب ِْري ُل الن َِّب َّ
شرْ َهاسالَ َم ِمنْ رَ ِبّ َها وَ ِم ِنّي وَ بَ ِ ّ ي َأتَ ْتكَ َفا ْقرَ ْأ عَ لَ ْي َها ال َّ
شرَ ابٌ َ ،ف ِإ َذا ِه َِإنَا ٌء ِفي ِه ِإدَا ٌمَ ،أوْ طَعَا ٌم َأوْ َ
ب الَ صَ خَ بَ ِفي ِه ،وَ الَ نَصَ بَ " الجنَّ ِة ِمنْ َقصَ ٍ
53
ْت ِفي َ ِببَي ٍ
والقصب :لؤلؤ مجوف واسع كالقصر المنيف ،والصخب :اختالط األصوات B،والنصب:
التعب.
لقد سبق لخديجة رضي هللا عنها أن تزوجت مرتين قبل زواجها من الرسول صلى هللا
عليه وسلم.
تزوجت عتيق بن عابد بن عبدهللا بن مخزوم ،فولدت له عبدهللا ،وجارية اسمها هند،
أسلمت وصحبت ،54ومات عتيق.
ثم تزوجت أبا هالة بن النباش بن زرارة التميمي ،ومات عنها أيضً ا Bوقد ولدت له :هندًا
وهالة وهما ذكران ،وكالهما أسلم وصحب النبي صلى هللا عليه وسلم .وتقدم لخطبتها كثير
52عبد الحميد طهماز ( ،)1996السيدة خديجة ام المؤمنين (الطبعة الثانية) ،دمشق :ار القلم ،صفحة .91-88بتصرّ ف
2
من أشراف قريش ،وكلهم كان حريصً ا على نكاحها لو قدر على ذلك ،لشرفها وجمالها
ومالها ،وقد أعرضت عن ذلك وانصرفت إلى تنمية أموالها بالتجارة ،فقد Bكانت تستأجر
الرجال في مالها وتضاربهم إياه..
حتى سمعت بصدق الرسول -صلّى هللا عليه وسلّم -وأمانته وكرم أخالقه ،فعرضت عليه
أن يعمل معها في التجارة ،ويتولّى أمر القوافل بما فيها من البضائع ،فخرج تاجر ًا
بأموالها ،ورافقه غالم ًا لها اسمه مَيسَرَ ة ،وحين عودتهم من رحلة التجارة أخبرها غالمها
بما رأى من الرسول من كرم األخالق و ُحسنها ،كما أنّها رأت أمان ًة وبرك ًة في أموالها لم
ترَ ها من قبل ،فأدركت Bأنّه الزوج المناسب لها ،وأخبرت صديقتها نفيسة بنت منيّة بما وقع
عرض عليه الزواج من خديجة ،ف َق ِبل، في نفسها تجاه الرسول ،فذهبت نفيسة إلى الرسول تَ ِ
وأخبر أعمامه باألمر ،وتقدّموا ب ِخطبة خديجة له من عمّها ،وت ّم العقد بينهما بحضور بني
هاشم ورؤساء مضر ،وكان ذلك بعد رحلة التجارة إلى الشام بشهرين ،وكانت السيدة
خديجة قد بلغت من العمر أربعين سن ًة ،وبذلك كانت أول امرأ ٍة تزوجها النبي ،ولم يتزوّ ج
55
عليها امرأ ًة أخرى إلى أن توفيت
هذا و قد ذكر ابن سعد في طبقاته 56أن التي قامت بدور الخاطبة بين رسول هللا صلى هللا
عليه وسلم ،وبين خديجة ،هي نفيسة بنت ُمنَية أرسلتها خديجة رضي هللا عنها للنبي صلى
هللا عليه وسلم لتقوم بذلك .ففي حديث روته أم سعد بنت سعد بن الربيع عن نفيسة بنت
صي امرأة حازمة جلدة، ُمنّية قالت :كانت خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد ال ُع ّزى بن ُق ّ
شريفة مع ما أراد هللا بها من الكرامة والخير ،وهي يومئذ أوسط قريش نسبا ،وأعظمهم
شرفا ،وأكثرهم ماال ،وك ّل قومها كان حريصا على نكاحها لو قدر على ذلك ،قد طلبوها
وبذلوا لها األموال ،فأرسلتني دسيسا إلى محمد بعد أن رجع من عيرها من الشام ،فقالت:
يت ذلك ودُعيت يا محمد ما يمنعك أن تز ّوج؟ فقال« :ما بيدي ما أتزوّ ج به» ،قلت :فإن ُك ِف َ
إلى الجمال والمال والشرف والكفاءة أال تجيب؟ قال« :فما هي»؟ قلت :خديجة ،قال:
ي ،قال« :فأنا أفعل» ،فذهبت فأخبرتها ،فأرسلت إليه أن «وكيف لي بذلك؟» قالتُ :قلت :عل ّ
ائت لساعة كذا وكذا ،وأرسلت إلى عمها عمرو بن أسد ليز ّوجها ،فحضر ودخل رسول
هللا صلى هللا عليه وسلم في عمومته ،فزوّ جه أحدهم ،فقال عمرو بن أسد :هذا البُضع ال
يُقرع أنفه ،وتزوجها رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وهو ابن خمس وعشرين سنة،
55صفي الرحمن المباركفوري،ـ الرحيق المختوم (الطبعة االولى) ،بيروت :دار الهالل ،صفحة .51بتصرّ ف.
56ج 1ص.105
2
57
وخديجة يومئذ بنت أربعين سنة ،وُ لدت قبل الفيل بخمس عشرة سنة
وفي رواية عن ابن سعد 58عن ابن عباس قال :كان أول من وُ لد لرسول هللا صلى هللا
عليه وسلم بمكة قبل النب ّوة :القاسم ،وبه كان يكنّى ،ثم وُ لد له زينب ،ثم رُقيّة ،ثم فاطمة ،ثم
أم كلثوم ،59ثم وُ لد له في اإلسالم عبد هللا ُفسمّي الطيب ،والطاهر ،وأمهم جميعا خديجة
بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن ُقصي ،..فكان أول من مات من ولده القاسم ،ثم مات
عبد هللا بمكة ،فقال العاص بن وائل السهمي – وهو من كفار مكة قد انقطع ولده فهو أبتر،
60
شا ِنئَكَ ُهوَ اأْل َ ْبتَ ُر[ ﴾
فأنزل هللا تعالىِ ﴿ :إنَّ َ
تو ّف يت السيدة خديجة في السنة العاشرة من البعثة ،بعد المقاطعة التي كانت لبني هاشم،
وكانت قد بلغت من العمر حينها خمس ًا وستين سن ًة ،ودُفنت Bفي مقبرة ال ُحجون ،وقد دفنها
الرسول ،إاّل أنّه لم يص ِل عليها؛ إذ لم تكن صالة الجنازة مشروع ًة ،وكان ذلك بعد وفاة ع ّم
أيام B،وقيل بشهرين
الرسول أبي طالب بمد ٍة قصيرةٍ ،فذكر الحاكم أنّها توفيت بعده بثالثة ٍ
2
أيام كما نقل ابن الجوزي ،وس ّمي ذلك العام بعام الحزن؛ لما كان فيه من تتابع
وخمسة ٍ
61
األحزان على النبي؛ بموت عمّه ث ّم زوجته
الحجون؛ وهو جب ٌل يقابل مسجد العقبة ،كان ُد ِفنت Bالسيّدة خديجة -رضي هللا عنها -في ُ
مقبر ًة ألهل م ّكة المُكرَّ مة،وقد وردت عدّة فضائل لتلك المقبرة؛ إذ كانت تستقبل الكعبة
ي -صلّى هللا عليه وسلّم ،-كما ِقيل إنّ فيها قبر والدته آمنة
مستقيم ،وقد امتدحها النب ّ
ٍ بشك ٍل
بنت وهب ،وقبر عبدالرحمن بن أبي بكر الصدّيق.62
ي -صلّى هللا عليه وسلّم -يُكثر من الثناء على أ ّم المؤمنين خديجة -رضي هللا كان النب ّ
هللا عليه وسلَّ َم إذا ذ َكرَ خَ ديج َة َأ ْثنى ي صلَّى ُ عنها -بعد وفاتها ،ويُروى في ذلك( :كان النَّب ُّ
ْق ،قد أب َدلَكَ عليها ،فأحسَنَ الثناءَ ،قالت :ف ِغرْ تُ يومًا ،ف ُق ْلتُ :ما أكثرَ ما تذ ُك ُرها َحمرا َء ال ِّّB
ِشد ِ
ت بي إذ ك َفرَ هللا عزَّ وج َّل بها خَ يرً ا منها ،قال :ما أب َدلَني ُ
هللا عزَّ وج َّل خَ يرً ا منها ،قد آ َمنَ ْ ُ
هللا ع َّز س ْتني بما ِلها إذ حرَ مَني الناسُ ،ورزَ َقني ُ بي الناسُ ،وص َّد َق ْتني إذ ك َّذبَني الناسُ ،ووا َ
وج َّل ولَدَها إذ حرَ مَني أوال َد ال ِِّنّBسا ِء) 63،ويُشار إلى أنّ الفترة التي عاشتها أ ّم المؤمنين
ي -عليه الصالة والسالم -مقارن ًة بغيرها من خديجة بنت خويلد كانت أطول م ّد ٍة مع النب ّ
ي -صلّى هللا عليه أمّهات المؤمنين؛ إذ بلغت تلك المدّة خمسة وعشرين عام ًا ،وقد قدّر النب ّ
ضحت فيه في سبيل الدعوة إلى هللا ،ومدى صبرها ،وتحمُّلها ّ وسلّم -ما كانت تُعانيه ،وما
ي -صلَّى هللا عليه وسلَّم -في ذروة المعاناة بعد لك ّل ابتال ٍء و ِمحن ٍة مرّ ت بها .عاش النب ُّ
رحيل س ِِّيّBدة قلبه األولى خديجة -رضي هللا عنها -بسبب ما يلقاه من أذى Bالمشركين
وكيدهم ،وبقيت ذكراها حيَّ ًة في قلبه تس ِِّلّBيه في ظ ِِّّBل انشغاله بأعماله الجليلة في الدَّعوة إلى
هللا ،وتبليغ الوحي للناس ،وجهوده في تأسيس الدولة اإلسالمية .ولم ينسَ النبي -صلَّى هللا
عليه وسلَّم -خديجة بعد وفاتها وزواجه من أمَّهات المؤمنين بل كان دائم Bال ِِّّBذكر لها ،فقد
مؤازر له في أوقاتهB ٍ داعم ومعين له على تبليغ دعوته ،وأكبر ٍ كانت -رضي هللا عنها -أكبر
ي -صلَّى ي أيضا 64،وما أن فقد Bالنب ُّ ي والمال َّ
ِشره ،كما كانت سنده العاطف َّ الحرجة تث ِِّبّBته وتب ِّّB
هللا عليه وسلَّم -زوجته خديجة -رضي هللا عنها -وفقد معها في نفس العام عمَّه أبا طال ٍ
ب
حتى تراكم الحزن في قلب رسول هللا -صلَّى هللا عليه وسلَّم ،-وزاد من تلك المصائب
61عبد الحميد طهماز ( ،)1996السيدة خديجة ام المؤمنين (الطبعة الثانية) ،دمشق :دار القلم ،صفحة .96-95بتصرّ ف
62محمد بن عبد هللا األزرقي ( ،)2003أخبار مكة وما جاء فيها من اآلثار (الطبعة األولى) ،صفحة .832-827بتصرّ ف.
63رواه شعيبـ األرناؤوط ،في تخريج المسند ،عن عائشة أم المؤمنين ،الصفحة أو الرقم ،24864 :صحيح.
64
المباركفوري ،الرحيق المختوم ،الرياض :دار السالم ،صفحة .101بتصرّ ف.
2
تجبُّر قومه وازدياد أذاهم له وألصحابه فخرج إلى الطَّائف أمالً بأن يستجيبوا لدعوته
ونصرته فما كان منهم إال أن آذوه أش َّد األذى B،فلمَّا رأى ما ناله وأصحابه من أهل مكة لجأ
65
الِصديق لتبدأ رحلة الهجرة النبوية.
إلى صاحبه أبي بكر ِّّB
فقد كان أول ما يبرز من مالمح السيدة خديجة الشخصيَّة صفتي العفة والطهارة ،هاتان
الصفتان التي قلما تسمع عن مثلهما في بيئة ال تعرف حرامًا وال حالالً ،في بيئة تفشت فيها
الفاحشة حتى كان البغايا يضعن شارات حمراء تنبئ بمكانهن.
وفي ذات هذه البيئة ،ومن بين نسائها انتزعت هذه المرأة العظيمة هذا اللقب الشريف،
ولقبت بـ"الطاهرة" ،كما لُقب زوجها أيضً ا في ذات البيئة بـ"الصادق األمين" ،ولو كان
لهذه األلقاب Bانتشار في هذا المجتمع آنذاك ،لما كان لذكرها ونسبتها ألشخاص بعينهم
أهمية تذكر.
وفي شأنها قال عليه الصالة والسالم( :أفضل نساء الجنة :خديجة بنت خويلد ،وفاطمة بنت
محمد ،ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم) 66و قال أيضا عنها( :خير نسائها مريم،
وخير نسائها خديجة) . 67وهدا هو فضل خديجة لصبرها الجميل وجليل ما صنعته من
أعمال صالحة وآثار نافعة قيمة ،وفضل فاطمة ألنها بضعة من محمد صلى هللا عليه
وسلم ،وأم النسل الشريف كله
66سعيد أيوب .زوجات الرسول صلى هللا عليه وسلم -.ط -.1بيروت :دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع1417 ،هـ1997 /م -.ص .ص
(( .42 -39شرح صحيح مسلم)) ()241-16/240
2
تُعتبر أ ّم سلمة من أجمل النساء ،وأشرفهن نسب ًا ،وقد تش ّرفت رضي هللا عنها برؤية
جبريل عليه السالم عندما دخل على النبي الكريم وهي عنده ،وكان بهيئة إنسان 68.قال
النووي( :قوله إن أم سلمة رأت جبريل في صورة دحية :هو – بفتح الدال وكسرها – وفيه
منقبة ألم سلمة رضي هللا عنها .وفيه جواز رؤية البشر المالئكة ووقوع ذلك ويرونهم
على صورة اآلدميين ألنهم ال يقدرون على رؤيتهم على صورهم ،وكان النبي صلى هللا
عليه وسلم يرى جبريل على صورة دحية غالب ًا ،ورآه مرتين على صورته األصلية) وقد
69
عُ رف عن أم سلمة العديد من الصفات التي تميّزت بها عن غيرها منها
َ ُ ُ
بن ال ُم ِغيْرَ ِة المَخْ ُزوْ ِميَّ ُةِ ،بنْتُ عَ ِ ّم خَ ا ِل ِد ِ
بن هي :أ ُّم الم ُْؤ ِم ِنيْنَ ِ ،ه ْن ُد ِبنْتُ أ ِبي أ َميَّ َة ِ
70
الوَ ِل ْي ِد؛(
أبوها ُ :ح َذ ْي َف ُة ،ويُلقبُ :زَ ا ُد الراكب؛ ألنه كان أح ُد األجواد B،فكان إذا سافر ال
71
يترك أحدًا يرافقه ومعه زاد ،بل يكفي رفقته من الزَّاد؛
ْن َج ِذي َم َة؛. ُ
ْن رَ ِبي َع َة ب ِ
أ ُّم َها :عَ ا ِت َك ُة ِبنْتُ عَ ا ِم ِر ب ِ
72
كب ِ ْن مَا ِل ِ
فقد نشأت أم سلمة في بيت من بيوت سادات Bقريش ،فأبوها أبو أمية كان من سادات Bبني
مخزوم ، وألم سلمة من اإلخوة عامر الذي أسلم يوم فتح مكة ،وعبد هللا وقد أسلم وهاجر
قبل الفتح ،والمهاجر أسلم أيضً ا قبل الفتح ثم كان من قادة المسلمين في حروب الردة،
وهي ابنة عم الصحابي خالد بن الوليد وزعيم مشركي قريش أبي جهل عمرو بن هشام،
73
أنها أخت الصحابي عمار بن ياسر في الرضاعة
المطلب الثاني :أم سلمة ذات الهجرتين
اطلع عليه بتاريخ .2018-8-31بتصرّ ف. " 68فضل أم سلمة رضي هللا عنها"ّ ،dorar.net ،
69ملك غالم مرتضى ،تعدد زوجات الرسول صلى هللا عليه وسلم ،المدينة المنورة :مجلة الجامعة اإلسالمية ،صفحة ،158جزء .59بتصرّ ف.
70سير أعالم النبالء الذهبي ج 2ص202
71اإلصابة البن حجر العسقالني جـ4صـ439
72الطبقات الكبرى البن سعد جـ3صـ181
73لخراط ،1995صفحة16-15
2
سلَمَة ،وهو عَ ْبدُاللَّ ِه بْنُ عَ ْب ِداألَ َ
س ِد B،وَ أُ ُّم ُه بَ َّر ُة سلَ َم َة ممن أسل َم قديمًا هي وزوجها أبو َ كانت أُ ُّم َ
ْن ُقصَ ّ ٍ
ي. ْن عَ ْب ِد َمنَ ِ
اف ب ِ ْن ِه َ
ش ِام ب ِ ِبنْتُ عَ ْب ِدا ْل ُمط َّ ِل ِ
بب ِ
ْن َأ ِبي َ
سلَّ َم دَارَ أرْ َق َم ب ِ سلَ َم َة َق ْب َل َأنْ يَدْخُ لْ رَ سُو ُل اللَّ ِه صَ لَّى اللَّ ُه عَ لَ ْي ِه وَ َ
أسْ لَ َم زَ وْ ُج َها َأبُو َ
ْن َج ِميعًا وَ َم َع ُه ش ِة ِفي ا ْل ِه ْجرَ تَي ِ األَرْ َق ِم ،وَ َق ْب َل َأنْ يَدْعُ وَ ِفي َها ،وَ َكانَ َأبُو َ
سلَ َم َة ِمنْ ُم َها ِجرَ ِة ا ْل َحبَ َ
سلَ َم َة هناك. َ ُ امْ رَ َأتُ ُه أُ ُّم َ
يهمَا َج ِميعًا ،فولدت له َ سلَ َم َة ِبنْتُ أ ِبي أ َميَّ َة ِف ِ
ثم قدما مكة وهاجرا إلى المدينة ،فولدت له عُ مَر ،وَ زَ ْينَب ،وَ ُد َّرة ،وأوالدها كلهم
74
صحابيون
«إ َذا َحضَ رْ تُ ُم ا ْلم َِريضَ َ ،أ ِوهللا صلى هللا عليه وسلمِ : تَ :قا َل رَ سُو ُل ِ سلَ َم َة َقالَ ْمسل ٌم عَ نْ أُ ِ ّم َ
َات َأبُو َ
سلَ َم َة تَ :فلَمَّا م َ تَ ،فقُولُوا خَ يْرً اَ ،ف ِإنَّ ا ْل َماَل ِئ َك َة ي َُؤ ِّمنُونَ عَ لَى مَا تَقُولُونَ »َ ،قالَ ْ ا ْل َم ِيّ َ
َاتَ ،قالَُ " :قو ِلي: هللا ِإنَّ َأبَا َ
سلَ َم َة َق ْد م َ ي صلى هللا عليه وسلمَ ،ف ُق ْلتُ :يَا رَ سُو َل ِ َأتَ ْيتُ الن َِّب َّ
هللا مَنْ ُهوَ تَ :ف ُق ْلتُ َ ،ف َأعْ َقبَ ِني(أبدلني)ُ اغ ِفرْ ِلي وَ لَهُ ،وَ َأعْ ِق ْب ِني ِم ْن ُه ُع ْقبَى َح َ
سنَ ًة "َ ،قالَ ْ الل ُه َّم ْ
خَ ْي ٌر ِلي ِم ْن ُه م َ
75
ُح َّمدًا صلى هللا عليه وسلم؛
سلَ َم َة خَ طَبَ َها َأبُو بَ ْك ٍر َفرَ َّد ْتهُ، ت ِع َّد ُة أُ ِ ّم َ قال ابنُ سع ٍد عن عُ مَرَ بْنَ َأ ِبي َ
سلَ َم َة َقالََ :لمَّا ا ْن َقضَ ْB
ت :مَرْ َحبًا ِبرَ سُو ِل سلَّ َمَ ،ف َقالَ َْث ِإلَ ْي َها رَ سُو ُل اللَّ ِه صَ لَّى اللَّ ُه عَ لَ ْي ِه وَ َ ثُ َّم خَ طَبَ َها ُعمَرُ َفرَ َّد ْتهَُ ،فبَع َ
اللَّ ِه وَ ِبرَ سُو ِل ِهَ ،أخْ ِبرْ رَ سُو َل اللَّ ِه َأ ِنّي امْ رَ َأ ٌة َغيْرَ ى وَ َأ ِنّي مُصْ ِبيَ ٌة( أي ذات أوالد صغار)،
كِ :إ ِنّي مُصْ ِبيَ ٌة َف ِإنَّ اللَّ َه َث ِإلَ ْي َها رسول هللاَ :أمَّا َقوْ لُ ِ شا ِهدٌَ ،فبَع َ وَ َأنَّ ُه َليْسَ َأ َح ٌد ِمنْ َأوْ ِليَا ِئي َ
ك ،وَ َأمَّا األَوْ ِليَا ُء َفلَيْسَ كِ :إ ِنّي َغيْرَ ى َفس ََأ ْد ُعو اللَّ َه َأنْ يُ ْذ ِهبَ َغيْرَ تَ ِ ك ،وَ َأمَّا َقوْ لُ ِ ص ْبيَانَ ِك ِ سيَ ْك ِفي َِ
ت :يَا ُع َم ُر( ابنها)ُ ،ق ْم َفزَ ِوّ ْج رَ سُو َل اللَّ ِهَ ،ف َقا َل سيَرْ ضَ ا ِنيَ ،قالَ ْشا ِه ٌد وَ ال َغا ِئبٌ ِإال َ َأ َح ٌد ِم ْن ُه ْم َ
ك ُفاَل نَ َة رَ َحيَي ِ
ْن ش ْيئًا ِممَّا َأعْ ط َ ْيتُ أُخْ تَ ِ ك َ ص ِ "أمَا ِإ ِنّي اَل َأ ْن ُق ُ
سلَّ َمَ :
هللا عَ لَ ْي ِه وَ َ
هللا صَ لَّى ُ رَ سُو ُل ِ
76
شوُ َها ِليفٌ "؛ ْن ،وَ ِوسَا َد ًة ِمنْ َأد ٍَمَ B،ح ْ وَ َجرَّ تَي ِ
2
سلَّ َم أُ َّم َ
سلَ َم َة تَ :لمَّا تَزَ وَّ َج رَ سُو ُل اللَّ ِه صَ لَّى اللَّ ُه عَ لَ ْي ِه وَ َ ش َة َقالَ ْروى ابنُ سع ٍد عَ نْ عَ ا ِئ َ
تَ :فتَلَطَّفْتُ لَ َها َحتَّى رَ َأ ْيتُ َها َفرَ َأ ْيتُ َها وَ اللَّ ِه ش ِديدًا ِلمَا َذ َكرُ وا َلنَا ِمنْ َجمَا ِل َهاَ ،قالَ ْ َح ِزنْتُ ُحزْ نًا َ
تَ :ف َذ َكرْ تُ َذ ِلكَ ِل َح ْفصَ َة ،وَ َكانَتَا يَدًا وَ ا ِح َد ًة، سْن وَ ا ْل َجمَا ِلَ ،قالَ ْ
ت ِلي ِفي ا ْل ُح ِ وُص َف ْ
َاف مَا ِ َأضْ ع َB
ت لَ َها َح ْفصَ ُة َحتَّى رَ َأ ْت َها، ي َكمَا يَقُولُونَ َ ،فتَلَط َّ َف ْ ت :ال وَ اللَّ ِه ِإنْ َه ِذ ِه ِإال ا ْل َغيْرَ ُة ،مَا ِه َ َف َقالَ ْ
تَ :فرَ َأ ْيتُ َها بَ ْع ُد ي َكمَا تَقُو ِلينَ وَ ال َق ِريبٌ وَ ِإنَّ َها لَ َج ِميلَ ٌةَ ،قالَ ْ تَ :ق ْد رَ َأ ْيتُ َها وَ ال وَ اللَّ ِه مَا ِه َ َف َقالَ ْ
ت َح ْفصَ ُة وَ لَ ِك ِنّي ُكنْتُ َغيْرَ ى؛ ،77 وقال األرنؤوط[ :فيه] Bمحمد بن ت َلعَمْ ِري َكمَا َقالَ ْ َف َكانَ ْB
ي صلى هللا عليه عمرو هو الواقدي ال يحتج به؛ قال اإلمام الذهبي( رحمه هللا) :دَخَ َل الن َِّب ُّ
78
شرَ ِف ِهنَّ نَ َ
سبًا؛. ت ِمنْ َأ ْج َم ِل ال ِنّسَا ِء وَ َأ ْ
اله ْجرَ ةِ ،وَ َكانَ ْ وسلم بأم سلمة ِفي َ َ
سنَ ِة أرْ ب ٍَع ِمنَ ِ
منزلة أم سلمة عند أزواج النبي صلى هللا عليه وسلم:
سلَ َم َة على عالقة طيبة بجميع أزواج النبي صلى هللا عليه وسلم؛ حتى إنهن ُكنَّ كانت أُ ُّم َ
سلَ َم َة لكي تتحدث نياب ًة عنهنَّ عند النبي صلى هللا عليه وسلم؛ روى البخار ُّ
ي يرسلنَ أُ َّم َ
ش ُةَ :ف ْ
اجتَمَعَ ت عَ ا ِئ َ ش َة َقالَ ْبن الزبير َقالََ :كانَ النَّاسُ يَتَ َحرَّ وْ نَ ِب َهدَايَا ُه ْم يَوْ َم عَ ا ِئ َ عن عُرو َة ِ
سلَ َم َة ،وَ اللَّ ِه ِإنَّ النَّاسَ يَتَ َح َّروْ نَ ِب َهدَايَا ُه ْBم يَوْ َم عَ ا ِئ َ
ش َة، سلَ َم َةَ ،ف ُق ْلنَ :يَا أُ َّم َ
صَ وَ ا ِح ِبي ِإلَى أُ ِ ّم َ
ش ُةَ ،فم ُِري رَ سُو َل اللَّ ِه صلى هللا عليه وسلم َأنْ ي َْأمُرَ النَّاسَ وَ ِإنَّا ن ُِري ُد ا ْلخَ يْرَ َكمَا ت ُِري ُد ُه عَ ا ِئ َ
ي صلى هللا سلَ َم َة ِللن َِّب ّ ِت َذ ِلكَ أُ ُّم َ تَ :ف َذ َكرَ ْ ْث مَا دَارَ َ ،قالَ ْ ْث مَا َكانَ َأوْ َحي ُ َأنْ يُ ْهدُوا ِإلَ ْي ِه َحي ُ
ي َذ َكرْ تُ َل ُه َذاكَ َ ،ف َأعْ رَ ضَ عَ ِنّيَ ،فلَمَّا َكانَ ِفي تَ :ف َأعْ رَ ضَ عَ ِنّيَ ،فلَمَّا عَ ا َد ِإلَ َّ عليه وسلم َقالَ ْ
ي ي ا ْلوَ ْح ُ ش َةَ ،ف ِإنَّ ُه وَ اللَّ ِه مَا نَزَ َل عَ لَ َّ سلَ َم َة ،اَل ت ُْؤ ِذي ِني ِفي عَ ا ِئ َ الثَّا ِلثَ ِةَ ،ذ َكرْ تُ َل ُه َف َقالَ :يَا أُ َّم َ
79
اف امْ رَ َأ ٍة ِم ْن ُكنَّ َغي ِْر َها؛ وَ َأنَا ِفي ِل َح ِ
2
شع ِْبيُّ ،وَ َأبُو صَ ا ِل ٍح
سوَ ُد بنُ ي َِز ْيدَ ،وَ ال َّ سلَ َم َة ،وَ األَ ْ ب ،وَ َ
ش ِق ْي ُق بنُ َ س ِيّ ِ رَ وَ ى عَ ْن َهاَ :
س ِع ْي ُد بنُ ال ُم َ
ْن ُعمَرَ ،وَ عَ طَا ُء
بن ُمطْ ِع ٍم ،وَ نَا ِفعٌ مَوْ الَ َها ،وَ نَا ِف ٌع مَوْ لَى اب ِ ُجا ِهدٌ ،وَ نَا ِف ُع بنُ ُجبَي ِْر ِ سمَّانُ ،وَ م َال َّ
81
ب ،وَ ابْنُ َأ ِبي ُملَ ْي َك َة ،وَ خَ ْلقٌ َك ِث ْي ٌر؛ ش ْهرُ بنُ َحوْ َ
ش ٍ َاح ،وَ َ َ
بنُ أ ِبي رَ ب ٍ
كانت أم سلمة ،التي تزوجها الرسول في العام الرابع من الهجرة ،سببا في نزول آية
عظيمة بالقرآن الكريم؛ ففي كتاب "السيرة النبوية" لعبد الملك بن هشام ،أنه عن "عبد
الرحمن بن شيبة ،قال :سمعت أم سلمة زوج النبي ،تقول :قلت للنبي يا رسول هللا ،ما لنا
ال نُذكر في القرآن كما يُذكر الرجال؟ قالت :فلم يرعني ذات يوم ظهرا إال نداؤه على
81سير أعالم النبالء للذهبي جـ2صـ202
82رواه البخاري ( ،)4980ومسلم (.)2451
(( 83شرح صحيح مسلم)) (.)241-16/240
(( 84جالء األفهام)) (ص.)136 :
2
شعري ،ثم خرجتُ إلى حجرة من حجرهن ،فجعلت ِ المنبر وأنا أسرح رأسي ،فلففت
﴿إنَّسمعي عند الجريد ،فإذا Bهو يقول على المنبر« :يا أيها الناس ،إن هللا يقول في كتابهِ :
اتات وَ الصَّا ِد ِقينَ وَ الصَّا ِد َق ِ ات وَ ا ْل َقا ِن ِتينَ وَ ا ْل َقا ِنتَ َِات وَ ا ْلم ُْؤ ِم ِنينَ وَ ا ْلم ُْؤ ِمنَ ِ
س ِل ِمينَ وَ ا ْلمُسْ ِلم ِ
ا ْل ُم ْ
َات وَ ا ْل ُمتَصَ ِ ّد ِقينَ وَ ا ْل ُمتَصَ ِ ّد َق ِ
ات وَ الصَّا ِئ ِمينَ اشع ِ اش ِعينَ وَ ا ْلخَ ِ ات وَ ا ْلخَ ِ َّابرَ ِ
الصَّاب ِرينَ وَ الص ِ
ِ وَ
ات َأعَ َّد اللَّ ُه لَ ُه ْم
ات وَ ال َّذا ِك ِرينَ اللَّ َه َك ِثيرً ا وَ ال َّذا ِكرَ ِ وج ُه ْم وَ ا ْل َحا ِفظ َ ِ
َات وَ ا ْل َحا ِف ِظينَ ُفرُ َ وَ الصَّا ِئم ِ
85
م َْغ ِفرَ ًة وَ َأ ْجرً ا عَ ِظيمًا﴾"
في كتابه ،قال ابن حجر" :بعد توقيع الصلح بين الرسول والمشركين ،وكان في نفوس
الصحابة شيء منه بسبب عودتهم من مكة دون فتح ،قام Bرسول هللا ،فقال« :يَا َأيُّ َها النَّاسُ ،
اح ِلقُوا» فما قام أحدٌ ،ثم عاد بمثلها ،فما قام رجلٌ ،حتى عاد بمثلها ،فما قام رجلٌ، ا ْن َحرُ وا وَ ْ
َّاس؟» قالت :يا سلَ َم َة ،مَا َ ْ
فرجع رسول هللا فدخل على أم سلمة ،فقال« :يَا أُ َّم َ
شأنُ الن ِ
رسول هللا ،قد دخلهم ما قد رأيت ،فال تك ِلّمنَّ منهم إنسانًا ،واع ِم ْد إلى َهد ِْيك حيث كان
فعلت ذلك فعل الناس ذلك ،فخرج رسول هللا صلى هللا عليه وآله َ فانحره ،واحلق ،فلو قد
وسلم ال يك ِلّم أحدًا حتى أتى هديَه فنحرَ ه ،ثم جلس ،فحلق ،فقام Bالناس ينحرون ويحلقون،
حتى إذا كان بين مكة والمدينة في وسط الطريق ،فنزلت سورة الفتح" .رواه أحمد
من بين العديد من النساء في تلك الحقبة الزمنية ،وصفت بـ"الجمال البارع ،والعقل البالغ،
والرأي الصائب" ،فإشارتها على النبي صلى هللا عليه وآله وسلم "يوم الحديبية" تدل على
وفور عقلها وصواب رأيها ،وفقا لما جاء في كتاب "اإلصابة Bفي تمييز الصحابة" ،البن
حجر العسقالني ،في حديثه عن السيدة أم سلمة هند بنت أبي أمية ،التي تعتبر من أمهات
المؤمنين ومن السابقين إلى اإلسالم ،هاجرت مع زوجها أبي سلمة رضي هللا عنهما إلى
الحبشة.
قيل إنها أول امرأة هاجرت إلى المدينة ،وأورد موقع دار اإلفتاء Bتفاصيل واقعة هجرتها
قائال" :كان رجال بنو المغيرة قد فرقوا بينها وبين زوجها وابنها؛ حيث أخذه بنو عبد
األسد ،وحبسوها حتى رق لها واحد من بني عمومتها بعد حوالي عام ،فقال لبني المغيرة:
أال تخرجون من هذه المسكينة؟ ،فرقتم بينها وبين زوجها وبين ابنها ،فقالوا لها :الحقي
بزوجك إن شئت ،ورد بنو عبد األسد عند ذلك عليها ابنها ،فرحلت مع ابنها على بعير
حتى وصلت إلى (التنعيم) ،فلقيها عثمان بن طلحة وعرف أن ليس معها أحد ،فأوصلها إلى
85األحزاب35 :
2
حيث يقيم زوجها ،وكانت تقول :ما أعلم أهل بيت أصابهم في اإلسالم ما أصاب آل أبي
سلمة ،وما رأيت صاحبا Bقط ّ كان أكرم من عثمان بن طلحة".
كانت أم سلمة ،التي تزوجها الرسول في العام الرابع من الهجرة ،سببا في نزول آية
عظيمة بالقرآن الكريم؛ ففي كتاب "السيرة النبوية" لعبد الملك بن هشام ،أنه عن "عبد
الرحمن بن شيبة ،قال :سمعت أم سلمة زوج النبي ،تقول :قلت للنبي يا رسول هللا ،ما لنا
ال نُذكر في القرآن كما يُذكر الرجال؟ قالت :فلم يرعني ذات يوم ظهرا إال نداؤه على
شعري ،ثم خرجتُ إلى حجرة من حجرهن ،فجعلت ِ المنبر وأنا أسرح رأسي ،فلففت
﴿إنَّسمعي عند الجريد ،فإذا Bهو يقول على المنبر« :يا أيها الناس ،إن هللا يقول في كتابهِ :
اتات وَ الصَّا ِد ِقينَ وَ الصَّا ِد َق ِ ات وَ ا ْل َقا ِن ِتينَ وَ ا ْل َقا ِنتَ َِات وَ ا ْلم ُْؤ ِم ِنينَ وَ ا ْلم ُْؤ ِمنَ ِ
س ِل ِمينَ وَ ا ْلمُسْ ِلم ِ
ا ْل ُم ْ
َات وَ ا ْل ُمتَصَ ِ ّد ِقينَ وَ ا ْل ُمتَصَ ِ ّد َق ِ
ات وَ الصَّا ِئ ِمينَ اشع ِ اش ِعينَ وَ ا ْلخَ ِ ات وَ ا ْلخَ ِ َّابرَ ِ
الصَّاب ِرينَ وَ الص ِ
ِ وَ
ات َأعَ َّد اللَّ ُه لَ ُه ْم
ات وَ ال َّذا ِك ِرينَ اللَّ َه َك ِثيرً ا وَ ال َّذا ِكرَ ِ وج ُه ْم وَ ا ْل َحا ِفظ َ ِ
َات وَ ا ْل َحا ِف ِظينَ ُفرُ َ وَ الصَّا ِئم ِ
م َْغ ِفرَ ًة وَ َأ ْجرً ا عَ ِظيمًا﴾" [األحزاب.]35 :
وفي كتابه ،قال ابن حجر" :بعد توقيع الصلح بين الرسول والمشركين ،وكان في نفوس
الصحابة شيء منه بسبب عودتهم من مكة دون فتح ،قام Bرسول هللا ،فقال« :يَا َأيُّ َها النَّاسُ ،
اح ِلقُوا» فما قام أحدٌ ،ثم عاد بمثلها ،فما قام رجلٌ ،حتى عاد بمثلها ،فما قام رجلٌ، ا ْن َحرُ وا وَ ْ
َّاس؟» قالت :يا سلَ َم َة ،مَا َ ْ
فرجع رسول هللا فدخل على أم سلمة ،فقال« :يَا أُ َّم َ
شأنُ الن ِ
رسول هللا ،قد دخلهم ما قد رأيت ،فال تك ِلّمنَّ منهم إنسانًا ،واع ِم ْد إلى َهد ِْيك حيث كان
فعلت ذلك فعل الناس ذلك ،فخرج رسول هللا صلى هللا عليه وآله َ فانحره ،واحلق ،فلو قد
وسلم ال يك ِلّم أحدًا حتى أتى هديَه فنحرَ ه ،ثم جلس ،فحلق ،فقام Bالناس ينحرون ويحلقون،
حتى إذا كان بين مكة والمدينة في وسط الطريق ،فنزلت سورة الفتح" .رواه أحمد.
﴿إنَّمَا ي ُِري ُد ُ
هللا وعن عمر بن أبي سلمة ،ربيب النبي ،قال" :لما نزلت هذه اآلية على النبيِ :
ْت وَ يُط َ ِّهرَ ُك ْم تَطْ ِهيرً ا﴾ ،في بيت أم سلمة ،فدعا Bفاطم َة وحسنًا الرّ ْجسَ َأ ْه َل البَي ِ ِليُ ْذ ِهبَ عَ ْن ُك ُم ِ
ي خلف ظهره فجلَّله بكسا ٍء ،ثم قال« :اللَّ ُه َّم َه ُؤاَل ِء َأ ْه ُل بَ ْي ِتي وحس ْينًا فجلَّلَهم كساءً ،وعل ٌّ ُ
الرّ ْجسَ وَ ط َ ِّهرْ ُه ْم تَطْ ِهيرً ا» ،قالت أم سلمة :وأنا معهم يا رسول هللا؟ قال: ب عَ ْن ُه ُم ِ َف َأ ْذ ِه ْB
ت عَ لَى خَ ي ٍْر»"، ك ،وَ َأ ْن ِ
ت عَ لَى َم َكا ِن ِ َ
«أ ْن ِ
86
2
ْن مَخْ رَ َم َة وذلك َلمَّا َفرَ َغ رَ سُو ُل اللَّ ِه صلى هللا عليه وسلم من ي عَ ِن ال ِمسْ وَ ِر ب ِ روى البخار ُّ
ْن عَ مْ ٍروَ ،قالََ :قا َل رَ سُو ُل اللَّ ِه صلى هللا عليه وسلم س َه ْي ِل ب ِ
كتابة صلح الحديبية مع ُ
ث اح ِلقُوا»َ ،قالََ :فوَ اللَّ ِه مَا َقا َم ِم ْن ُه ْم رَ ُج ٌل َحتَّى َقا َل َذ ِلكَ ثَالَ َ أِل َصْ َح ِاب ِهُ « :قومُوا َفا ْن َحرُ وا ثُ َّم ْ
ت أُ ُّمَّاسَ ،ف َقالَ ْ
ي ِمنَ الن ِ سلَ َم َةَ ،ف َذ َكرَ َل َها مَا لَ ِق َ َرَّاتَ ،فلَمَّا لَ ْم يَ ُق ْم ِم ْن ُه ْم َأ َح ٌد دَخَ َل عَ لَى أُ ِ ّم َ
م ٍ
ي اللَّ ِهَ ،أتُ ِحبُّ َذ ِلكَ ،اخْ رُ ْج ثُ َّم الَ تُ َك ِلّ ْم َأ َحدًا ِم ْن ُه ْم َك ِل َم ًةَ ،حتَّى تَ ْن َحرَ بُ ْدنَكَ ،وَ تَ ْد ُعوَ سلَ َم َة :يَا نَ ِب َّ
َ
َحا ِل َقكَ َفي َْح ِل َقكَ َ ،فخَ رَ َج َفلَ ْم يُ َك ِلّ ْم َأ َحدًا ِم ْن ُه ْم َحتَّى َف َع َل َذ ِلكَ نَ َحرَ بُ ْدنَهُ ،وَ دَعَ ا َحا ِل َق ُه َف َحلَ َقهَُ ،فلَمَّا
87
رَ َأوْ ا َذ ِلكَ َقامُواَ ،فنَ َح ُروا وَ َج َع َل بَعْضُ ُه ْم ي َْح ِلقُ بَعْضً ا َحتَّى َكا َد بَعْضُ ُه ْم يَ ْقتُ ُل بَعْضً ا َغ ًّما؛
قال اإلما ُم ابنُ حجر العسقالني( رحمه هللا) :وإشارتها على النبي صلى هللا عليه وآله
88
وسلم يوم الحديبية تدل على وفور عقلها وصواب رأيها؛
وفاة أم سلمة:
ت َحتَّى بَلَ َغ َها َم ْقتَ ُل ات الم ُْؤ ِم ِنيْنَ ُ ،ع ِّمرَ ْ َات ِمنْ أُ َّم َه ِسلَ َم َة رضي هللا عنها آ ِخرَ مَنْ م َ ت أُ ُّم َ َكا َن ْ
ت عَ لَ ْي ِه َك ِثيْرً اَ ،ل ْم تَ ْلب ْ
َث بَ ْع َد ُه ِإالَّ ي َِسيْرً ا، ي عَ لَ ْي َها ،وَ َح ِزنَ ْ ْن الش َِّه ْي ِدَ ،فوَ َجم ْ
َت ِل َذ ِلكَ ،وَ ُغ ِش َ سي ِ ال ُح َ
سلَ َم َة سنة إحدى وستين من الهجرة في خالفة يزيد ين هللا تعالى ،توفيت أُ ُّم َ ت ِإلَى ِ وَ ا ْنتَ َقلَ ْ
89
سنَ ًة
س ِعيْنَ َ ت أُ ُّم َ
سلَ َم َة نَ ْحوً ا ِمنْ ِت ْ ش ْمعاوية ،عَ ا َ
87البخاري حديث2731:
88اإلصابة البن حجر العسقالني جـ4صـ440
89سير أعالم النبالء للذهبي جـ2صـ210
2
الخاتمة
إن سيرة أمهات المؤمنين اللواتي نزلت النصوص في بيوتهن ،وكن التطبيق العملي لهذه
التعاليم ،طبقن ذلك تحت سمع وبصر النبي صلى هللا عليه وسلم فسددهن وعلمهن،
وأطلقهن معلمات لنساء ذلك الجيل ،ومرشدات ألجيال النساء فيما بعد.
وما ذلك إال مثل رائع ضربنه من خالل العظمة التي اكتسبنها في بيت النبوة ،فأصبحن
المثل الرائد ،والقدوة المتفردة عبر العصور..
وارتفعت مكانة المرأة في المجتمع اإلسالمي ،وكانت أمهات المؤمنين رائدات التغيير في
ذلك المجتمع قريب العهد من الجاهلية.
كانت السيدة عائشة رضي هللا عنها من المناصرين للمرأة ،والمدافعين عنها بال منازع،
وإليها وحدها تتطلع أبصار المستضعفات B،لما ت ّم لها من المكانة الكبيرة في العلم واألدب
والدين ،حتى تقطعت دون مقامها األعناق ،وكانت أستاذة لمشيخة الصحابة األجالء في
كثير من أمور العلم والدين.
كما أن زوجات النبي صلى هللا عليه وسلم؛ زوجاته في الدنيا واآلخرة وأمهات المؤمنين
ولهن من الحرمة والتعـظيم ما يليق بهن كزوجات لخاتم النبيين فهن من آل بيته طاهرات،
مطهرات ،طيبات ،بريئات من كل سوء يقدح في أعراضهن وفرشهن ،فالطيبات للطيبين
والطيبون للطيبات فرضي هللا عنهن وأرضاهن أجمعين وصلى هللا على نبيه الصادق
األمين.
المراجع
2
-1أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقالني الشافعي .اإلصBBابة في تميBBيز الصBBحابةB/
تحقيق علي محمد البجاوي8 ،مج -.ط -.1بيروت :دار الجيل1412 ،هـ.
-2أحمBBد حسBBين شBBرف الBBدين .أمهBBات المؤمBBنين -.ط -.1الريBBاض :أحمBBد شBBرف الBBدين،
1404هـ1984 /م.
-3سامية منيسي .الصحابيات ودورهن في بناء أمة اإلسBالم في عهBد الرسBول صBBلى هللا
عليه وسلم ،الكتاب األول :أمهات المؤمنين والقرشيات -.القاهرة :دار المBBريخ1409 ،هـ/
1988م.
-4سBBعيد أيBBوب .زوجBBات الرسBBول صBBلى هللا عليBBه وسBBلم -.ط -.1بBBيروت :دار الهBBادي
للطباعة والنشر والتوزيع1417 ،هـ1997 /م.
-5عائشBBة عبBBدالرحمن .نسBBاء النBBبي صBBلى هللا عليBBه وسBBلم -.ط -.1بBBيروت:دار الكتBBاب
العربي1403 ،هـ1983 -م.
-6أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن هبة هللا بن عساكر .األربعين في منBBاقب أمهBBات
المؤمنين رحمة هللا عليهن أجمعين /تحقيق محمد مطيع الحافBBظ،ج -.1ط -.1دمشBBق :دار
الفكر1406 ،هـ.
-7عمرو يوسف .زوجات الرسول صBBلى هللا عليBBه وسBBلم -.اإلسBBكندرية:المركBBز العBBربي
للنشر والتوزيع ،بدون سنة نشر.
-8محب الBBدين أحمBBد بن عبدهللا الطBBبري .السBBمط الثمين /تحقيBBق محمBBد علي قطب-.
القاهرة :دار الحديث للنشر ،بدون سنة نشر.
-9محمد بن سعد بن منيع أبو عبدهللا البصري الزهري .الطبقات BالكBBبرى ،ج -.8بBBيروت:
صادر. دار
الفهرس
2
5 الفصل األول :ترجمة أم المؤمنين عائشة رضي هللا عنها
5 المبحث األول .:نسب أم المؤمنين
5 المطلب األول :اسمها ولقبها وكنيتها رضي هللا عنها
9 المطلب الثاني :البيئة والترعية
10 المطلب الثالث :مولد أمنا عائشة مع نشأتها رضي هللا عنها
11 المبحث الثاني :زواجها من النبي صلى هللا عليه وسلم.
11 المطلب األول :زواجها من النبي صلى هللا عليه وسلم
13 المطلب الثاني :مكانة عائشة في قلبه صلى هللا عليه وسلم
المطلب الثالث :شخصية عائشة العاملة المعلمة ،و حادث االفك ،ووفاتها رضي هللا
15 عنها
23 الفصل الثاني :خديجة بنت خويلد رضي هللا عنها
23 المبحث األول :اسمها ونسبها
23 المطلب األول :مولدها
24 المطلب الثاني :إسالمها
25 المطلب الثالث :زواجها بالنبي صلى هللا عليه و سلم
27 المبحث الثاني :أبناؤها Bمن النبي صلى هللا عليه و سلم
27 المطلب األول :أبناؤها من النبي صلى هللا عليه و سلم
28 المطلب الثاني :وفاتها وأثر ذلك على النبي
29 المطلب الثالث :خديجة التاجرة و الطاهرة
30 الفصل الثالث أم سلمة من المولد إلى الوفاة .
31 المبحث األول :اسمها ونسبها وكنيتها
31 المطلب األول :نشأة أم سلمة رضي هللا عنها
32 المطلب الثاني :أم سلمة ذات الهجرتين
34 المطلب الثالث :زواجها من النبي صلى هللا عليه و سلم
2
34 المبحث الثاني :مناقب أم سلمة رضي هللا عنها
34 المطلب األول :رؤية جبريل عليه السالم
35 المطلب الثاني :السبب في ذكر النساء في القرآن
37 المطلب الثالث .الرأي الصائب ، Bو وفاتها
39 الخاتمة :
40 المراجع :
41 الفهرس:
2