Professional Documents
Culture Documents
شخصية الشهيد مصطفى شمران
شخصية الشهيد مصطفى شمران
شخصية الشهيد مصطفى شمران
6
الشهيد مصطفى شمران المقاوم
يقول الشهيد شمران لدى اندالع شرارة الثورة في ايران " :أعددت نفسي مع مجموعة من االيرانيين كانوا قد تلقوا
تدريبات في معسكرات أمل للذهاب الى طهران ,فتطوع 500شاب من حركة أمل للذهاب للقتال الى جانب اخوتهم
االيرانيين ,وتكلمت بهذا الخصوص مع السوريين الذين أبدوا استعدادهم Hلتأمين طائرة توضع بتصرفنا ,لكن كما تعلمون
".سقطت طهران بأقل من 24ساعة وغادر الشاه .بعدها انتقل الى ايران مع 72شخص بينهم مقاتلين من حركة أمل
عندما نذكر الدكتور مصطفى شمران البد أن نذكر دوره المهم في استنهاض االروح الثورة لدى الشباب لبنان ومساهمته
في تحضير الدورات العسكرية خالل عامي 1973و 1974للميالد وبعد ذلك المساهمة في مواجهة اسرائيل وعمالئها
.ابان اجتياح 1978
كان له دور في االعداد والتوجيه لجيل مقاوم في وجه العدو الصهيوني وطبعا دوره الهام والطليعي في ايران االسالمية
واستشهاده في هذا السبيل .فهو من القادة القدوة الذين زرعوا روح المقاومة في جيل كبير .وهو أحد أركان المقاومة
لكل غازي ومحتل ,في محورنا االسالمي المقاوم مع اخوانه الكرام في الحرس الثوري والعلماء االفاصل الذين تربوا في
مدرسة االمام الخميني .
في قلي الشهيد شمران صرخات المحرومين ,في تواضعه قدوة ومثل العالم المتمكن العارف الزاهد ,وفي فكره وقلبه امام
سيد من الشجرة الطيبة المباركة هو االمام القائد السيد موسى الصدر ( أعاده المولى) ,في وجدانه وجهاده عنوان أساس
.عو أن يمون عونا ً للمحرومين والمعذبين من حركة أفضل لالنسان هي حركة أمل
7
كان شمران رجالً نزيها ً يمتلك عاطفة انسانية نبيلة وعميقة ,يتأثر ويتألم بشدة لما يصيب البشرية .مناجاته العرفانية التو
وصلتنا من مخطوطاته تعبر عن مدى الحب الخالص االلهي ,وحبه للنوع البشري حتى كان يعرف بين أصدقائه ب"اله
.الحب" .كان شمران انسنا موحدا يكره الجنوح الى كل تيار ال يتبنى الفكر االسالمي
كما كان يتميز بالرقة واالحساس المفرط ,ويتظالم من صميم قلبه الالم المحرومين كما ذكرنا سابقا ً ويشاركهم همومهم
بعواطفه المستفيضة .ولقد كتب في مذكراته مصورا تلك الفترة من حياته ,فقال ":عندما كنت عائداً تحت جنح الليل
المظلم ,شاهدت شخصا ً فقبراً يرتجف من البرد القارس وسط ثلوج الشتاء ,غير أنه لم يكن بامكاني أن أعد له مكانا دافئا ً.
فقررت ان اقضي يلك الليلة مثله أرتعش من البرد بعيداً عن المأوى ,وقد فعلت؛ فقطعت الليل حتى الصباح وأنا أرتجف من
شدة البرودة لدرجة أنني أصبت بالمر الشديد ,وما أجمله من مرض .
الشهيد القائد طفالً محبا ً للعزلة غارقا ً في التأمل والتفكر متجنبا ً للصخب والضجيج ومستغرقا ً في مشاهدة جمال وجالل
الطبيعة والوجود اإللهي .كما كان معجبا ً بالسماء وعاشقا ً للنجوم المتأللئة .وبعد أن أنهى دراسته االبتدائية في مدرسة
( انتصارية) بالقرب من ( پامنار) فإنه انتقل إلى ثانوية دار الفنون ،ثم قضى العامين األخيرين في ثانوية (البرز) دون
مصاريف دراسية ،وكان تلميذاً ممتازاً على طوال هذه المرحلة.
التحق الشهيد القائد مصطفى شمران بالكلية الفنية في جامعة طهران ،وبدأ دراسته في قسم الهندسة الكهربائية ،ول ّما كانت
تلك الفترة متزامنة مع مرحلة االنقالب في ايران فإنه اضطلع بالنشاط الواسع في النضال السياسي الشعبي والتظاهرات
الخطيرة المناوئة للنظام الشاهي الملكي البائد .وحيثما كان األلم والعناء والعمل والمسؤولية والمشاكل والمخاطر ،كان
الشهيد القائد حاضراً؛ فكان وسط التظاهرات العارمة في مواجهة حمالت القمع العنفي بالرصاص والدبابات ،وفي خضم
المسؤوليات الكبرى ،وكان دائما ً ما يعرض نفسه للخطر من أجل إنقاذ حياة زمالئه .لم يكن يشارك في مراسم األفراح
والمسرات ،وكانت سعادته الكبرى في إسعاد اآلخرين وتحمل آالمهم ،لدرجة أنه كان يشعر بالضيق والقلق عندما تستدعيه
الضرورة لحضور أحد األفراح ،ألنه كان دائم التفكير في شقاء البؤساء والمحرومين من مثل هذه المتع والمباهج.
وقف الشهيد شمران في الصف المعارض لنظام الشاه منذ الخامسة عشرة من عمره ،مستفيداً من وجود مفكرين كبار أمثال:
الشهيد مطهري ،والمرحوم آية هللا طالقاني ،فكان يستلهم فكرهم ،ويق ّوم به أفكاره ،لينهض بدور فاعل في النشاطات
الطالبية .وبادر إلى تشكيل االتحاد اإلسالمي للطلبة في جامعة طهران ،كذلك واصل نشاطاته الجهادية في اميركا ،وأقدم هو
ومجموعة من رفاقه على تأسيس أول جمعية طالبية إسالمية في أميركا ،فقطع عنه نظام الشاه منحته الدراسية التي كان
أخذها لتفوقه الدراسي ،ومع انطالق ثورة 4حزيران عام 1963م بدأ الشهيد شمران فصالً جديداً في نضاله ،إذ توجه إلى
مصر ليقضي سنتين في دورة مكثفة لتعليم فنون حرب العصابات والحروب غير النظامية ،وحصل فيها على المرتبة األولى
بين المتدربين ،وأخذ على عاتقه فور انتهاء الدورة مسؤولية تعليم المجاهدين اإليرانيين هناك.
ومع انتصار الثورة اإلسالمية في إيران ،عاد إلى وطنه بعد ثالث وعشرين سنة من االبتعاد عنه ،ووضع كل تجاربه وخبراته
وقدراته تحت تصرف الثورة ،وتقلد فيها مناصب عدة .وحاز على ثقة االمام الخميني (قده) ،فكان ثقته ويده التي تقبض على
8
العصر ،ولدى تشكيل مجلس الدفاع األعلى في الجمهورية
" زناد الثورة الفتية .حتى ان االمام الخميني (قده) لقبه بـ"حمزة
االسالمية االيرانية بعد انتصار الثورة ،عينه اإلمام الخميني (رض) ممثالً ومستشاراً له في هذا المجلس.
ولم يكد يمضي سوى أربعة أعوام على بدء الدكتور شمران لنشاطاته حتى اشتعل أوار الصراع والحروب الداخلية في
لبنان .وفي الحقيقة فإن هذه الحروب كانت هي التي مهدت الطريق أمام (إسرائيل) الجتياح لبنان ،وكانت هي التي أضافت
المزيد من الحرمان والفقر ألوضاع الشيعة؛ كما كانت هي التي حركت الكتائب ضد الشيعة من جهة ،وأوقعت الصدامات
بين الشيعة والعناصر اليسارية المأجورة للعراق أو للمنظمات اللبنانية والفلسطينية العميلة للقوى الدولية من جهة أخرى.
9
ولقد ازدادت األمور سو ًء ا فيما بعد ،حيث اسفرت هذه المأساة عن خالفات وانشقاقات في الصف اإلسالمي اللبناني المناوئ
للصهاينة وحرف أنظار اإلسالميين عن الفتنة واالعتداءات اإلسرائيلية ،ولهذا فإن النهضة واالنتفاضة الفلسطينية ــ
اللبنانية ضد الصهيونية قد تحولت على األثر إلى حركة شعبية بدون أدنى أثر للدور المؤثر والفعال للتنظيمات السياسية
والعسكرية السابقة .ولالطالع على المزيد من التفصيالت حول قضايا وأحداث تلك الفترة يمكن الرجوع إلى كتاب (لبنان)
يصور فيها شهيدنا الكبير بعض أبعاد تلك المرحلة ،حيث يقولّ الذي ألفه الدكتور شمران .غير أننا نكتفي هنا بعدة سطور
في كتابه المذكور" :إن إيماني بالثورة هو الذي دفعني التخاذ خطوة على هذا الطريق مما عرضني دائما ً للخطر والموت،
ذراعي الستقبال شتى المخاطر ،على أنني لم
ّ غير أنني لم أكن ألخشى الموت مع إيماني بالهدف وتحرير فلسطين؛ ففتحت
أعد أؤمن اليوم بهؤالء الثوار ،ولم أعد راضيا ً وال مقتنعاً ،فلقد فقدوا شخصيتهم الثورية ،وال أعتقد أنهم يهدفون إلى
.تحرير فلسطين
وكلما حاولت إرضاء نفسي وإقناع قلبي بأن المقاومة الفلسطينية هي تلك الشعلة المقدسة التي ينبغي الحفاظ عليها من
أجل تحرير البشر والسهر على بقائها بالقلب والنفس والروح ،فإنني ال أستطيع ذلك ،ولألسف ،أو على األقل أجدني أخدع
:نفسي وأهيم في خياالت الثورة المعسولة وأتمنى أن أتجرع كأس الشهادة األوفى" .وهاهو يشتكي إلى هللا قائالً
يا إلهي ،إننا نتحمل كل هذا الظلم والعسف والتهاجم والتهم بصدر رحب وفي سبيلك ومن أجل تحقيق الهدف المقدس "
وهو تحرير فلسطين ،ولسوف نظل بجانب الفلسطينيين رغم كل ذلك دون أن ندخر جهداً في بذل شتى ألوان التضحية على
طريق تحرير فلسطين" .ولقد عملت أيادي التفرقة الصهيونية من جهة وخيانة العمالء المارونيين والفلسطينيين من جهة
أخرى على إيجاد جو قاتل وباعث على القنوط لدرجة أن الشهيد شمران يصور ذهاب آماله مع الريح في بعض كتاباته،
فيقول" :يا إلهي ،لقد شددت الرحال إلى هذه البالد تحدوني الطموحات الكبرى؛ تلك الطموحات النقية والمقدسة واإللهية
التي ال يشوبها شيء من حب النفس أو االندفاع .لقد كنت أرجو أن أبذل نفسي في سبيل الثورة الفلسطينية كوثيقة على
تحرير فلسطين .وكنت آمل أن أحج إلى القدس سيراً على األقدام وأسجد هناك هلل تعالى شكراً على لطفه ورحمته .وكنت
أحلم أن أجاهد في سبيل الحق والعدل وأن أكون خالًّ وعونا ً للمحرومين والبؤساء والمساكين .وكنت أرجو… كنت أرجو أن
أكون شمعة تحترق من أعالها إلى أسفلها حتى أدفع الظلمة إلى االنقشاع وال أدع مجاالً للكفر والجهل والظلم للسيطرة على
الوجود… وأما اآلن ،فقد تخليت عن اآلمال ،واستسلمت للقضاء والقدر بقلب مصدوع يائس .أخطو نحو الموت فقيراً بائسا ً
بعد أن أدركت بأنني أيضا ً لم أكن أفضل وال أرفع منهم خالل كل هذا التاريخ المشحون باآلالم" .وتعتبر بعض حكايات كتاب
"لبنان" التي عايشها الشهيد شمران بنفسه على قدر من األلم والشجاعة بحيث تصلح كل منها إلنتاج فيلم رائع ومؤثر
حول الشهامة والشجاعة والحرمان والمظلومية التي تميز الشيعة اللبنانيين .ومن ذلك قصة (النبعة) والحصار الذي فرضه
عليها الكتائب لعدة أشهر ،وذكريات الشهيد شمران حول تلك المنطقة ومسجدها وقاعدتها إلعداد الكوادر ومستشفاها،
.وكذلك قصة شارع أسعد األسعد في منطقة الشياح وإقدامه على إنقاذ طفل وأمه في براثن الموت ،وأيضا ً ملحمة بنت جبيل
اختفاء اإلمام موسى الصدر
في يوم 29من شهريور 1357هــ.ش المصادف ليوم 31من أغسطس 1978م وقعت حادثة اختطاف اإلمام موسى
الصدر زعيم الشيعة في لبنان الذي كان بمثابة قاعدة محكمة وضمانة قوية للبنان والمنطقة؛ وكان ذلك على أعتاب انتصار
الثورة اإلسالمية المباركة في إيران ،تلك الثورة التي كان شيعة لبنان من أكثر المنشدين إليها ،والساعين نحوها،
والمعلقين آمالهم عليها ،والمقربين منها .وفي تلك األيام كان الشهيد العظيم يحترق بنار الحسرة واأللم على اختفاء اإلمام
موسى الصدر من ناحية ،ومن ناحية أخرى فانه كان هائما ً في حب انتصار الثورة اإلسالمية بقيادة اإلمام الخميني الذي
كان في الحقيقة انتصاراً آلماله وتطلعاته .وكان هذا االحتراق والشوق اللذان تتجلى فيهما العاطفة والشعور بالمسؤولية
يمثل كل منهما أمالً غاليا ً بالنسبة له؛ فبينما كان يبذل المساعي لتقصي حقيقة اختفاء اإلمام موسى الصدر ،كان في نفس
الوقت متأهبا ً للقيام بدوره في انتصار الثورة اإلسالمية؛ فقد قام هو وأصدقاؤه وزمالؤه بالمزيد من التحريات حول اختفاء
اإلمام موسى الصدر ثم ما لبثوا أن أوقفوا اإلمام الخميني على نتيجة هذه المساعي ،كما بعث به اإلمام عدة مرات عندما
كان مقيما ً في نوفل لوشاتو كممثل له إلى ليبيا من أجل تقصي ألمور ،ولكن بال جدوى لألسف .لقد كان دائما ً ما يوجه
األنظار قدر استطاعته إلى مظلومية الشيعة في لبنان ،وينادي بعظم المسؤولية اإلسالمية تجاه قضية اإلمام موسى الصدر.
ولهذا فإنه نظم عدداً من االضرابات العامة والتظاهرات الواسعة في لبنان بهذا الصدد ،كما نظم مسيرة كبرى من بيروت
10
إلى دمشق لدى اجتماع عدد من قادة ورؤساء الدول اإلسالمية في سوريا .أالّ أن كافة هذه المحاوالت والتحديات لم تسفر
.عن نتيجة واضحة ،ومازال مصير هذا الزعيم اإلسالمي مجهوالً
11
كلبنان وغيره من الدول :أوالً :إن اهتمامي وقلقي الشديد يتعلق بإيران دون سواها ،فأوضح أن أخطار الثورة تهددنا وإنني
.أتحدث عن هذه المواضيع حفاظا ً على إيران
ثانيا ً :إنني أمضيت في لبنان ثمانية أعوام كانت مزيجا ً من العناء والمخاطر وصراع الموت والحياة والشهادة؛ Hفلو كان ثمة
من يريد أن يعرف شيئا ً عن لبنان واإلمام موسى الصدر فإنني أفضل مصدر مطلع للراغبين .وإن الذي يثير دهشتي هو
تأثر البعض بكتابات اليساريين واليمينيين وعمالء األجانب" .لقد كان الدكتور شمران هو أول من نظم الدورات التدريبية
للحرس الثوري وبادر هو شخصيا ً بتعليم كوادره .وبعد ذلك ُعين معاونا ً لرئيس الوزراء في شؤون الثورة وانكب على حل
.المعضالت واألزمات التي أل ّمت بالبالد
في كردستان
في األيام األخيرة من انتصار الثورة قامت األحزاب الكردية اليسارية بتحركات مضادة للحكومة المركزية وذلك بإثارة
النعرة القومية لدى الشباب األكراد ورفع شعار الحكم الذاتي .وقد بدأت األحزاب اليسارية الكردية مواجهتها المسلحة
للثورة اإلسالمية بالهجوم على مقر مهاباد وانتزاع أسلحة القواعد الحدودية واالستيالء على مدينة سرو الحدودية وقتل
خمسة وعشرين من عناصر الحرس الثوري في مدينة مريوان .وقد وقعت هذه األحداث عندما لم تكن هناك قوات حكومية
في المنطقة وبدون أدنى مواجهة للمهاجمين .وفي مثل هذه الظروف نزل الدكتور شمران إلى الساحة حيث ارتدى مالبس
القتال ألول مرة في غائلة مدينة سرو وتقدم القوات المسلحة في هجوم مضاد على األعداء وفتح الطريق أمام الدبابات
لتتقدم إلى األمام .وقد كان هذا التحرك الشجاع من جانب الدكتور شمران سببا ً في رفع معنويات القوات العسكرية ودفعها
لتمشيط المنطقة .وبعد ذلك قام الدكتور شمران بمأمورية مع الجنرال الشهيد فالحي الذي كان قائداً للقوات البرية آنذاك
.للتوجه إلى مريوان وتسوية األمور بالطرق السلمية
يقول الدكتور شمران في كتابه "كردستان"" :مكثنا عشرة أيام في مريوان؛ وبعد سلسلة من النشاط الدائب واالجتماعات
الكثيرة المطولة مع كافة األطراف نجحنا في حل قضية مريوان بسالم .وكانت الشخصيات البارزة في المدينة على وفاق
معنا ،غير ان األحزاب اليسارية كانت تتآمر بال هوادة وتسعى إلى إراقة الدماء واتساع نطاق الشغب والتمرد .وكانت غائلة
پاوه هي المؤامرة األخرى لألحزاب اليسارية الكردية فيما بعد؛ ففي تاريخ 24/5/1358هــ.ش بدأ الهجوم على مدينة
پاوه ،ووصل ذروته في منتصف الليل وظل متواصالً بعنف طوال اليوم التالي .وكانت المدينة على وشك السقوط عندما
حلقت المروحية التي كانت تقله هو والشهيد سرافراز والجنرال فالحي في أجواء المدينة ،ورغم الرشقات المتالحقة نحوها
من كل حدب وصوب فإنها نجحت في الهبوط .وبعد التحقق من األوضاع ،حيث إنه لم يكن ثمة أمل في بقائهم على قيد
الحياة ،فإن الدكتور شمران بعث بالشهيد الجنرال فالحي في أول فرصة إلى كرمانشاه لتوفير األمتعة والمعدات وتقديم
تقرير حول األوضاع ،بينما أخذ هو على عاتقه قيادة العمليات في أسوأ ظروف ممكنة .وكانت خطوته األولى بعث األمل من
جديد في نفوس رجال المقاومة في هذه الظروف االستثنائية؛ فمن بين ستين من مقاتلي الحرس الثوري القادمين من
مناطق أخرى لم يكن قد بقي سوى ستة عشر شخصاً ،من بينهم ستة أو سبعة من الجرحى ،بينما كان العشرة الباقون
يصارعون الموت وقد تغلب عليهم التعب والتهالك والجزع والجوع في ظروف صعبة للغاية بعد أسبوع كامل من الحصار؛
فلقد فقدوا الكثير من زمالئهم ،لدرجة أن خمسة وعشرين جريحا ً من عناصر حرس الثورة استشهدوا بشكل وحشي دفعة
واحدة عند سقوط مستشفى المدينة .وكانت بقايا األمل تتبدد بمرور الوقت؛ فعندما كانت المروحية التي جاءت باألمتعة
وكان على متنها عدد كبير من الجرحى تزمع االقالع في طريق العودة فإنها سقطت جراء نيران العدو مما عمق المأساة
واليأس في النفوس ،فقد شاهد هؤالء المقاومون األبطال جمعا ً من زمالئهم مرة أخرى وهم يستشهدون أمام أعينهم في
مظلومية صارخة! وهو ما لم يكن بوسع أحد تحمله! فأخذ بعضهم يصرخون بجنون ،وراح بعضهم يضربون برؤوسهم
الجدران ،بينما جلس بعضهم اآلخر يولول مفجوعا ً! وكان على الدكتور شمران في مثل هذه الحال بصفته قائداً بطالً أن
.يكون نموذجا ً للصبر والتحمل أمام الجميع فضالً عن قيادة العمليات
يقول الدكتور شمران في كتابه (كردستان) مصوراً تلك اللحظات" :إننا جميعا ً حرس للثورة ،وجئنا طلبا ً للشهادة،
وسنتحمل شتى المصائب ابتغاء وجه هللا األعلى ،ولن نفر من ساحة المعركة فرار الجبناء األذالء؛ Hلقد جئنا لنرفع عاليا ً
راية الثورة اإلسالمية الخفاقة ،وجئنا لنلقن العالم أجمع درسا ً في اإليمان والتضحية والشهادة ،وجئنا لنحيي ذكرى ملحمة
الحسين (ع) وأصحابه .إننا لنفخر بالشهادة في سبيل هللا ،وندعو هللا أن نلقاه بأكفان مخضبة بالدماء .إننا ال نخشى الموت
12
ولسوف نجعل أعداء الثورة يشاهدون كيف يضحي المؤمن بنفسه ،وكيف أنهم سيدفعون الثمن غالياً ،وبالتأكيد فإن اإلمام
الخميني والشعب اإليراني لن يقفوا مكتوفي األيدي ."..وأمضى الدكتور شمران ليلة ليالء مع عدد قليل من أفراد الحرس
المتعبين المنهارين تحت حصار آالف المسلحين الذين كان يتوجس منهم االنقاض الوحشي بين حين وآخر .وحوالي
الساعة الرابعة صباحا ً ،وعندما وصلت عمليات القتل والنهب مداها ،تجمع عناصر الحزب الديمقراطي المنحل حول مكبر
الصوت في داخل المدينة ووجهوا النداء التالي" :كل من يعلن وفاءه للحزب الديمقراطي فهو في أمن وسالمة .إننا لم نأت
"إلى هنا أالّ للقضاء على الحرس والدكتور شمران
.
وقد ورد في كتاب "كردستان" للدكتور شمران" :كنا نقف على سطح منزل الحرس صباح يوم 27/5/1358هــ.ش
هللا أكبر ،فقلت ماذا
وأبصارنا تمتد إلى المدينة بينما يتساقط الرصاص علينا من كل جهة؛ وفجأة صاح رجال الحرس :
حدث؟ فأجابوا لقد أصدر اإلمام الخميني بيانا ً تاريخيا ً مما يعتبر أساسا ً للتطورات الثورية الكبرى في بالدنا .إنه بيان غ ّير
مصير كردستان وإيران ،بل إنه أعظم بيان ثوري يصدره الرجل العظيم ذو الثمانين عاما ً وهو الذي لم يقطع دراسية
عسكرية ولم يطلع على استراتيجية الحرب ولم يخض تجربة في التكتيكات العسكرية .فلقد أصبح اإلمام الخميني قائداً عاما ً
للقوات المسلحة ،وأصدر أمراً للجيش بالتوجه إلى پاوه خالل أربع وعشرين ساعة واستئصال شأفة المناوئين للثورة".
وتغيرت األوضاع بانتشار أمر اإلمام ،والذ بالفرار أعداء الثورة الذين كانوا يقرعون طبول االنتصار ،وعادت الروح إلى
عناصر الحرس الجرحى والمتعبين ،فأعادوا االستيالء على المدينة بأكملها وكافة المرتفعات المحيطة بها بال خسائر وال
.أضرار سوى اثنين أو ثالثة من الشهداء
وفي كتاب "كردستان" نقرأ ما يلي" :لقد كنا في حالة دفاع حتى صدور ذلك األمر التاريخي لإلمام ،وكنا نسعى جاهدين
للحفاظ على ما بقي لدينا أمام هجمات العدو المتتالية ،ولكن كل شيء تبدل بمجرد انتشار أمر اإلمام؛ فلقد استعاد شبابنا
المتعبون والجرحى واليائسون روحهم المعنوية العالية ،بينما فقد العدو القوي والمقتدر معنوياته بسرعة مذهلة" .وبعد
االنتصارات األولية وجه الدكتور شمران خطابا ً حماسيا ً إلى الشعب اإليراني لخص فيه أحداث پاوه ووقائعها الدموية وما
جرى فيها من معارك ضارية .وغداة تحرير پاوه ،أي في يوم 28/5/1358هــ.ش قاد الدكتور شمران تلك القوات المتعبة
مع ما انضم إليها من مقاتلين جدد ،ونجح في تحرير مدينة (نوسود) .وبعد نوسود جاء دور مريوان ،ثم بسطام ،ثم بانه،
فأما مدينة بانه فقد استسلمت بدون اشتباكات ،ثم هربت القوات المناوئة للثورة بقيادة جالل الحسيني (شقيق عز الدين
الحسيني) إلى العراق قبل وصول الدكتور شمران .وبعد ذلك بيوم واحد ،وعند دخوله إلى مدينة سردشت بعد طي طريق
شاق وعسير تحوطه األخطار ،وبينما كان الدكتور شمران يشاهد األعداء يفرون من أمامه ،فقد استقبله األهالي المسلمون
.والطيبون األكراد بشغف وشوق وترحاب كبير وهم ينثرون النقود والحلوى على رأسه هو وجنود اإلسالم
يقول الدكتور شمران في مذكراته التي كتبها على خلسة من المعارك" :يا إلهي ،لقد منحتني القدرة على جعل المستحيل
ممكنا ً ،فكللتني بالنصر في أشد المعارك ضراوة ،وحققت لي ما لم أكن أتخيله ،وجعلت من نصيبي هذا النصر الذي لم أكن
أتوقعه… إلهي ،أنت الذي وهبتني كل هذه الشجاعة ألخوض غمار المهالك مستقبالً الشهادة H،وجعلت الرعب والخوف
يسيطران على قلوب المتآمرين فيفرون من أمامي كالنمل والجراد ويتحاشون مواجهتي" .وعن طريق االستفادة من قوة
إيمانه هو وأصحابه واستخدام التكتيكات الحربية والنفسية المعقدة ،فقد استطاع الدكتور شمران استعادة كافة مناطق
كردستان من قبضة المناوئين للثورة خالل ما ال يزيد على عشرة أيام .يصور الدكتور شمران في كتابه "كردستان" تلك
علي الحصار في منطقة كذا وليلة كذا،
ّ األيام فيكتب" :لقد كان أصدقاؤنا يستمعون من االذاعة والتلفزيون إلى أنهم ضربوا
ولكن الحقيقة هي أننا كنا نحن الذين نلقي بأنفسنا وسط المحاصرة فنفجر قوات العدو من الداخل .وهذا هو السبب في أن
األخبار كانت تقول عنا مثالً بأننا محاصرون في بسطام (بين مريوان وبانه) أو سواها من المواقع" .كما يقول" :وكان أن
استسلمت بانه دون اطالق رصاصة واحدة ،وكذلك سردشت التي كانت من أعتى وأخطر مواقع العدو؛ فإن قواتنا سيطرت
عليها بعد مواجهة خفيفة لم يذهب ضحيتها سوى عدد طفيف من الجرحى .إن القصف لم يكن هو الذي انتصر في
كردستان ،بل قوة اإليمان ،وقوة الشهادة ،وأمر اإلمام الخميني" .وكان الدكتور شمران في سردشت عندما تلقى نبأ وفاة
آية هللا الطالقاني ،فعاد إلى طهران بمجرد سماع هذا الخبر المؤسف ،وهو الذي الحق فلول األعداء حتى داخل الحدود
العراقية .ولكم كان جميالً وجهه الذي لفحته بأشعة الشمس ،وكذلك نظراته المفعمة بالحنان ومالمحه الواثقة .لقد ذهب
حينها إلى مقبرة "بهشت زهراء" بنفس تلك الحلة العسكرية التي كان يرتديها في پاوه .وبات شمران شخصية محبوبة
ورمزاً ونموذجا ً للشاب الثوري وهو الذي لم يكن معروفا ً بين الناس حتى ذلك اليوم .وكان هذا األمر إضافة إلى األكاذيب
13
والشائعات التي أثارتها ضده التجمعات اليسارية سببا ً في خلق جو مغرض من الدعاية في محاولة للمساس بشخصيته في
عدد من الصحف العميلة ،فوجهوا إليه التهم واالفتراءات تحت ذرائع واهية .ولألسف فإن هذا التيار الدعائي دفع
بالمسؤولين لجعله يتخلى عن االستمرار في جهاده في كردستان ويترك الباقي لقوات الشرطة والدرك في تلك األيام .ومن
ثم فقد عادت القوات العسكرية إلى قواعدها ،كما غادرت قوات المتطوعين المنطقة ،فخمدت تلك الحركة الشعبية العارمة
التي كانت قد توهجت طاعة ألمر اإلمام ،مما جعل المناوئين للثورة يعاودون نشاطهم من جديد ويبثون الدعايات الواسعة
التي تتحدث عن مظلوميتهم المزعومة فضالً عن نشر التهديد والرعب هنا وهناك؛ فأقدموا على إغالق الطرق من جديد،
وهاجموا المواطنين والجنود وعناصر الحرس وقتلوا عدداً منهم ،كما أعدموا عدداً آخر على رؤوس األشهاد واستمروا في
إيجاد جو من الرعب والفزع .وعندئذ لم يستطع الدكتور شمران أن يظل صامتاً؛ كما اكتشف أولئك الذين فكروا بأن الحل
يكمن في اسناد أمن المنطقة إلى قوات الدرك بأنهم وقعوا في الخطأ ،فتقرر أن يعود الجيش والقوات العسكرية إلى الساحة
من جديد ،وإثر هذا القرار فإن الدكتور شمران ما لبث أن توجه إلى سردشت وقاد نخبة من العسكريين ووجهوا ضربة
قاصمة للعدو .وبعد هذه العمليات فكر العدو في حيلة أخرى وفتح باب المحادثات بغية وضع حد لهذه الهجمات واستغالل
الفرصة لتجديد قواه المحطمة؛ وألن الدكتور شمران لم يكن يعقد أمالً على المحادثات فإنه غادر المنطقة واضطر إلى
العودة إلى طهران ،وذلك في نفس الوقت الذي كانت فيه عمليات االجرام والقتل وإراقة الدماء والغارات الوحشية على
األهالي مازالت مستمرة في المنطقة .ولم تسفر المحادثات عن نتائج ،بينما استمرت هذه األحوال السيئة على ما هي عليه
في كردستان حتى بداية الحرب المفروضة .وسيطرت الفلول المناوئة للثورة من جديد على تلك المناطق التي كانت قد
حررتها القوات الثورية ،وظلت بعض المناطق ومنها سردشت خاضعة لنفوذهم حتى أواسط سنوات الحرب ،وأما بعض
المناطق األخرى مثل نوسود فقد ظلت في قبضتهم حتى تحرير حلبچه .لقد غادر شمران كردستان بينما كان صدى صوته
المجلجل مازال يدوي بين سهول ومرتفعات زاگرس مانحا ً الروح واألمل للمقاتلين ،وودع المواطنين األكراد بقلب مملوء
.بالمحبة والتعاطف وصدر يموج بالبغض والغضب الثوري ضد أعدائهم ،وهو الذي لم يثق أبداً بأعداء الشعب
يقول في كتابه "كردستان"" :إننا ال نتحمل العداء لإلسالم والثورة اإلسالمية في إيران ،وإننا لم نكن نرغب في أن ينزل
الجيش إلى ساحة المعارك لنقمع معارضينا بقوة السالح .لقد كنا نأمل أن نمنح الحرية حتى للخونة والكفار والضالين…
وكنا نود استخدام المنطق في الرد على رصاصاتهم؛ ولكننا ولألسف أدركنا بأنه ال أثر للمنطق والحب والسالم على القلوب
المظلمة الفاقدة لإليمان" .في وزارة الدفاع وعاد الدكتور شمران ف ُع ّين وزيراً للدفاع باقتراح من مجلس الثورة وأمر من
سماحة اإلمام ،وذلك بتاريخ .16/8/1358وكان أول شخص غير عسكري يتولى هذا المنصب .وبعد تس ّنمه للمنصب
الجديد ،انخرط الدكتور شمران في إعداد سلسلة من البرامج الواسعة والتأسية أمالً في تبديل الجيش إلى مؤسسة ثورية
متطورة .ومن أبرز تلك البرامج تنقية الجيش بنا ًء على أسس منطقية وصحيحة ،وإقرار العالقات العادلة والحميمة والقلبية
القائمة على الترتيب والنظام ،وصب االهتمام على الصناعات واألبحاث الدفاعية ودفعها إلى الحركة والحيوية .وكان
االهتمام الخاص الذي يوليه اإلمام والشعب للدكتور شمران فضالً عن منصبه الرفيع وقدرته وكفاءته سببا ً في إثارة
التحركات الغامضة والمشبوهة الرامية إلى المساس بشخصيته الناصعة .وباتت هذه الهجمات العدائية التي كانت ُتشن ضده
على صورة دعايات صحافية من الشدة بحيث أثرت حتى على بعض أصدقائه الجهالء والتجمعات اإلسالمية غير الواعية
فراحوا يكررون هم أيضا ً نفس هذه التهم واألكاذيب ببالدة تامة .وكان هؤالء قد بدأوا حملتهم من لبنان وجعلوا من حادثة
"تل الزعتر" مقمعة ينهالون بها على رأس كل من يدافع عنه .والمثير للدهشة أن غالبيتهم لم يكونوا يعرفون شيئا ً عن تل
الزعتر وال عن حقيقة االمر .ثم ما لبثوا أن توسلوا بحادثة "قارنا" وتسليح اقطاعيي كردستان؛ وكانوا قد خططوا لترويج
كل هذا األكاذيب في كل مكان بحيث ال يجسر أحد على االقتراب من مواقع األزمة وإسداء النصح .كما أن بعض التنظيمات
.على غرار "پيكار" كانوا ينوون اغتياله ولكنهم فشلوا في مسعاهم
في مجلس الشورى ممثالً عن أهالي طهران
ورشح الدكتور شمران نفسه بشكل مستقل في الدورة األولى النتخابات مجلس الشورى اإلسالمي؛ ورغم كل هذه األجواء
المسمومة وبدون التوسل بالحمالت الدعائية فانه نجح في دخول المجلس ممثالً عن طهران بعد أن منحه أهاليها األوفياء
أكثر من مليون صوت .يقول الدكتور شمران بهذا الصدد" :إلهي ،لقد غمرني الناس بحبهم الزائد وأغرقوني بلطفهم
وعطفهم حتى جعلوني أشعر بالخجل وأحسب نفسي من الصغر بحيث ال أستطيع رد هذا الجميل .فامنحني يا إلهي الفرصة
"والمقدرة على أداء هذا الدين حتى أكون الئقا ً بكل هذا العطف والمحبة
.
14
في مجلس الدفاع األعلى
وفي تاريخ 20/2/1359هــ.ش ،ولدى تشكيل مجلس الدفاع األعلى ،عينه قائد الثورة اإلسالمية الكبير ممثالً ومستشاراً
له في هذا المجلس .وهذا هو نص قرار التعيين :بسم هللا الرحمن الرحيم سيادة األستاذ الدكتور مصطفى شمران أ ّيده هللا
تعالى؛ تشكيالً لمجلس الدفاع القومي األعلى استناداً إلى على المادة العاشرة بعد المائة من دستور الجمهورية اإلسالمية
نمر به من ظروف استثنائية فإن على سيادتكم في إيران ،فقد تقرر تعيين سيادتكم مشاوراً لي في هذا المجلس .ونظراً لما ّ
إلي كل أسبوع .روح هللا القيام بالمتابعة التامة والدقيقة لكافة األحداث الداخلية المتعلقة بدوائر الجيش المختلفة وإرسالها َّ
يلحون عليه بإصرار من أجل الموسوي الخميني وأما في الدورة األولى من انتخابات رئاسة الجمهورية فقد ظل أصدقاؤه ّ
ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ،ولكنه رفض بشدة .ويقول الدكتور شمران في مذكراته الخاصة موضحا ً سلبياته في هذا
:المجال
ــ إنني لست سياسيا ً ،ولم أتالعب بالسياسة طوال حياتي ،كما أنني أبغض السياسة ،وعلى صاحب هذا المنصب أن يكون 1
.سياسيا ً في الوقت الحاضر
ــ إنني إنسان متصلب ،وشديد التمسك بالمعايير اإللهية واإلنسانية واإلسالمية ،وليس عندي أدنى استعداد للتضحية بما 2
.أمتلكه من موازين أو التخلي عن طريقتي و ُمثلي
.ــ إنني إنسان متواضع وخاشع ،ولكنني عندما يج ّد الجد فإنني ال أساوم وال أصالح . 3
ــ إنني شخص عارف ،وأجدني أشد قربا ً من عالم القلب والروح من واقعيات الحياة .كما أنني زاهد ودرويش في حياتي 4
الخاصة وهارب من عالئق الحياة ،وإنكم اآلن في حاجة إلى من يهتم أيضا ً بعالم المادة غير مقتصر على عالم الروح من
.أجل تلبية متطلبات الشعب
ــ إن هذه الدنيا ليست لي ،ولقد جئت خطأ ً في هذا الزمان وهذا المكان ،وال تناغم بين أفكاري وأسلوبي ومشاعري وهذه 5
األجواء الكائنة .لقد كان يرجح القيام بدور حيث ال يوجد اآلخرون أو حيث ال يستطيعون .كما كان يرى الواجب الكفائي
واجبا ً عين ّيا ً طبقا ً لما لديه من كفاءات كبيرة وكان يعجل في أدائه ،ولذلك فإنه لم يتجاهل لبنان حتى وهو في إيران ،وكانت
آالم لبنان وفلسطين مزيجا ً مع كل كيانه .وكان الدكتور شمران يشعر باأللم الشديد تجاه التفرقة والخالفات الداخلية واألنانية
والتشبث بالرأي والتكبر وعدم الخلوص ،ولكنه كان يقابل كل ذلك بأداء واجباته وتكاليفه اإللهية بصدق وإخالص .يقول في
مذكراته التي كتبها في أهواز" :إنني مطلع بما فيه الكفاية على المشاكل الراهنة وأريد المساعدة في العمل على حلها .كما
أنني ال أريد أن أزيد الطين بلّ ة ،بل أريد أن أعمل في صمت وهدوء في سبيل هللا وحسب ،وأرغب في خدمة اإلسالم والثورة
والوطن بكل ما أستطيع ،وال أتوقع على ذلك جزا ًء من أحد وال شكوراً .لقد كنت آمل أن يقوم مسؤولونا بواجباتهم بدراية
كاملة ومعرفة تامة بعد انتصار الثورة ،وأالّ يلقوا بالثورة في مستنقع من الخالف والتشتت ،وأالّ يفكروا أالّ في هللا تعالى،
وأالّ يعملوا أالّ له ،وأن يلقوا تحت أقدامهم بالغرور وهوى النفس ،وأن يجسدوا الثورة نموذجا ً ف ّذاً في التاريخ وفي العالم.
إن الخالفات الراهنة تدل على أننا نخوض غمار تجربة خطيرة وشاقة للغاية ،وإن علينا أن نبذل المزيد من الجهود وأن
نتحمل المصائب والمشاكل أمالً في زيادة الوعي واالستعداد ألداء هذه الرسالة حتى نكون جديرين بهذا االنتصار .إنني
أعتقد أنه ال جدوى من النصح والنقد بينما نحن غارقون في الخالفات العاصفة نتخبط في مستنقع التهم والشائعات ،بل
يجب علينا أن نتخلص بالعمل الصالح والصبر والمقاومة حتى نجسد المعايير اإلنسانية واإللهية الصحيحة ونضع المشاعل
"على الطريق حتى يراه الناس بوضوح ويختاروا مسارهم السليم .
فرق العشرة آالف مقاتل
إن الذي استخلصه الدكتور شمران من تجربته العملية المكثفة في النشاطات العسكرية هو أن مخلفات عهد الحكم الملكي
البائد مازالت تثقل كاهل الجيش من ناحية ،ومن ناحية أخرى فإن التهديدات والممارسات الخيانية في أطراف البالد
(والسيما على الحدود الغربية) كانت من الخطورة بحيث لم يعد ثمة مجال سوى إبداع وابتكار مشروع جديد حتى ال تفقد
15
القوات المسلحة اقتدارها وقوتها الدفاعية الدائمة .ولهذا فإن الدكتور شمران قدم قانونا ً لمجلس الثورة الذي لم يلبث أن
صادق عليه ،وهو القانون الذي ينص على تشكيل فيالق يضم كل منها عشرة آالف مقاتل من القوى الشعبية .وتحمل
الجيش مسؤولية التعاون معه في تحقيق هذا المشروع ،ولكن هذا االقتراح تأخر تنفيذه بسبب معارضة رئيس االركان
المشتركة في ذلك الوقت ،حتى شنت القوات البعثية هجومها بتاريخ 31/6/1359هــ.ش على حدودنا المفتوحة فشلّت
حركة المقاومة الشعبية .وبعد أزمة سقوط خرمشهر ،قام المرحوم الشهيد الدكتور بهشتي بزيارة تفقديه لمناطق العمليات،
فالتقى في أهواز بالمرحوم الشهيد الدكتور شمران .وعندها بادره بالقول :لقد أدركت اآلن السبب في إصرارك على تشكيل
فرق العشرة آالف مقاتل ،فلو كان هذا المشروع خرج إلى حيز التنفيذ لما فقدنا خرمشهر! لقد كان الدكتور شمران واثقا ً
بأنه من الممكن إيجاد تحول في الجيش من الداخل عن طريق تشكيل هذه الفرق واالستفادة من العسكريين المؤمنين.
وعالوة على ذلك فإنه سيكون لدينا دائما ً قوات مؤمنة ومخلصة مما يساعدنا على احباط مؤامرات األعداء وصد هجماتهم
في كل مكان .والجدير بالذكر أن الدكتور شمران قدم هذا المشروع بينما كانت الحرب المفروضة لم يشتعل أوراها بعد ،ولم
.تكن قوات تعبئة المستضعفين قد تشكلت هي األخرى
في خوزستان
ولم يستطع الدكتور شمران أن يقر له قرار إثر الهجوم الجبان الذي شنه الجيش البعثي على حدود إيران اإلسالمية
وانقضاضه العاجل على المدن والقرى واألهالي العزل؛ فتوجه مباشرة إلى اإلمام الخميني واستأذنه في الذهاب إلى أهواز
بصحبة آية هللا الخامنئي (الذي كان هو اآلخر ممثالً لإلمام في مجلس الدفاع األعلى في ذلك الوقت وعضواً في مجلس
الشورى اإلسالمي) .وألن الشهيد شمران كان دائما ً ما يركب المخاطر وال يخشى الموت ،فإنه ما لبث أن قام بأول هجوم
فدائي على دبابات العدو التي لم يكن بينها وبين مدينة أهواز اآليلة للسقوط سوى كيلومترات قليلة ،وكان ذلك بعد وصوله
إلى أهواز بليلة واحدة .تشكيل مقر الحروب غير المنتظمة (حرب العصابات) واجتمعت حول الدكتور شمران فرق من
المقاتلين المتطوعين ،فقام بتنظيمهم وإعدادهم ومن ثم تشكيل مقر للحرب غير المنتظمة (الميليشيا) في أهواز؛ وقد أخذت
هذه الفرق تتقوى وتنتظم بالتدريج فأدت خدمات متعددة .وفضالً ع ّما قام به هذا المقر من بطوالت في العمليات الفدائية
التي نفذتها العناصر الثورية إلرباك الجيوش البعثية المجهزة والحيلولة دون تقدمها نحو مدينة أهواز ،فإنه شارك في
عمليات الفرق الهندسية وساعدها في نصب مضخات المياه على شواطئ نهر كارون وشق قناة تبلغ نحو عشرين كيلومتراً
طوالً ومائة متر عرضا ً خالل شهر واحد ،مما جعل مجرى مياه النهر يتحول نحو دبابات العدو ،فاضطر العدو لالنسحاب
لعدة كيلومترات ،وقد شاهد أمامه حاجزاً هائالً ،وبالتالي عدم التفكير في احتالل مدينة أهواز .إن أحد أبرز ما قام به
الدكتور شمران من أعمال مهمة وأساسية في أهواز هو التنسيق بين الجيش والحرس والمتطوعين؛ ومع أن هذا التنسيق
كان مؤثراً وفعاالً جداً في مقاومة أهواز أالّ أن الشهيد شمران لم يستطع الذهاب إلى باقي مناطق العمليات مثل خرمشهر
.والمبادرة إلى اتخاذ نفس هذه الخطوة ،وذلك بسبب ما كانت تتعرض له أهواز من خطر السقوط
انتصار سوسنگرد
وأصر صدام على احتالل سوسنگرد بعد أن يئس من دخول أهواز ،فهاجم سوسنگرد للمرة الثانية وحاصرت دبابات العدو ّ
المدينة لمدة ثالثة أيام ،إلى أن استطاع عدد من أفراده دخول المدينة في اليوم الثالث .وألن الدكتور شمران كان في شدة
القلق بسبب محاصرة عدد من زمالئه ومقاتليه األبطال في تلك المدينة ،فإنه وبعد مداوالت متعددة مع آية هللا الخامنئي،
وضع الجيش على أهبة االستعداد لشن هجوم غير متكافئ وألول مرة؛ كما نظم القوات الشعبية وقوات الحرس الثوري
بجانب قوات الجيش وهاجم العدو من طريق أهواز سوسنگرد بأسلوب جديد وخطة مستحدثة .وعندما كان الدكتور شمران
يتقدم نحو المدينة وكله شوق لمساعدة ولقاء إخوانه المحاصرين في سوسنگرد ،فوجئ بالوقوع في محاصرة دبابات
العدو ،وحينئذ عمد إلى تمرير من معه بشكل ما ،وألقى بنفسه في خنادق المحاصرة كواحد من تكتيكاته المعهودة .وهنا
تنشب معركة ضارية ،فتحمل عليه القوات الخاصة من خلف دبابات العدو ،فيغير الشهيد شمران مواقعه من خندق إلى آخر
وهو يتصدى للمهاجمين كأسد هصور في ساحة المواجهة ،وبينما كانت دبابات العدو تمطره بالنيران هي األخرى فقد
استشهد زميله الذي كان بصحبته في حين أصيب هو بجراح في ساقه اليسرى ،ومع ذلك فقد قفز داخل سيارة نقل عراقية
بمساعدة شاب جسور كان قد وصل إلى ساحة القتال ،وقاد السيارة بمهارة فائقة وسط قوات العدو مما أخل بنظامها
وأصابها بالذهول ،ثم ما لبث أن لحق بزمالئه فيه غبطة وحبور بالقرب من بوابة سوسنگرد .وبنفس هذه السيارة أوصل
الدكتور شمران نفسه إلى أحد المستشفيات في أهواز ،ولكنه لم يبق في أكثر من ليلة واحدة ثم ما لبث أن عاد إلى مقر
16
الحروب غير المنتظمة (المليشيا) وأخذ يوجه ارشاداته بساق مجروحة وأليمة إلى زمالئه األوفياء .واللطيف في األمر هو
أن اجتماعا ً عقد بجوار سريره في تلك الليلة بالمستشفى بمشاركة القادة العسكريين (الجنرال الشهيد فالحي قائد الفرقة
،92والشهيد كالهدوز ،وعدد من قادة الحرس ،والعقيد محمد سليمي الذي كان رئيسا ً لمقر الشهيد شمران) ،إضافة إلى
محافظ خوزستان ،والشهيد حجة اإلسالم محالتي (الذي كان ممثالً لإلمام في قوات الحرس) وفي نفس هذا االجتماع الذي
هللا أكبر)
.كان قد عقد للتشاور ،وفي نفس تلك الليلة ،قدم الشهيد شمران اقتراحه بالهجوم على مرتفاعات (
استئناف التحرك من جديد
ورغم إصرار واقتراح المسؤولين واألصدقاء ،فإن الدكتور شمران لم يكن مستعداً لمغادرة أهواز وترك مقر الحروب غير
المنظمة والعودة إلى طهران للعالج ،وأمضى كل تلك المدة في ذلك المقر .وبينما كانت ماثلة أمامه وهو في تلك الحالة
الخرائط العسكرية للمنطقة ومدى تقدم العدو وتحرك القوات اإليرانية ،فإنه كان دائم التفحص فيها وإبداع مشاريع ممتازة
وتقديم اقتراحات بناءة في المجاالت العسكرية والهندسية المختلفة وحتى في الحقل الثقافي .وبالتدريج يستطيع السير
بمساعدة عكاز تحت إبطه ،ويستعد للعودة إلى الجبهة من جديد .ولم يعد الدكتور شمران يتحمل الجلوس والسيما بعد
معركة 15دي ماه سنة 1359هــ.ش التي تمخضت عن انكسار بعض قواتنا وأسفرت عن مأساة الهويزة ،فاستنفر عدداً
من المقاتلين الشجعان والمضحين وأقلع معهم بعدد من المروحيات التي كانت تحت قيادته رغم ذلك العكاز ،وتحرك لشن
هجوم على قوات العدو ومهماته خلف الجبهة في طريق (جفير ــ طاليه) ،ولكن تلك المروحيات لم تستطع تجاوز منطقة
.الهويزة بسبب نيران العدو المكثفة ،فاضطرت للعودة إلى قواعدها .وشعر هو بالضيق واأللم الشديد بسبب هذه العودة
لقاء إمام األمة
وأخيراً ،وفي شهر اسفند سنة 1359هــ.ش ألقى الدكتور شمران عكازه ،ثم أسرع في تفقد جبهات القتال في أهواز
بصحبة عدد من زمالئه بينما كان مايزال يظلع قليالً .وبعد ذلك توجه إلى طهران ألول مرة بعد إصابته للقاء إمام األمة
وتقديم تقرير له حول أوضاع العمليات؛ وعندما مثل بين يدي اإلمام أخبره بما وقع من أحداث وقدم له تقريراً مفصالً حول
العمليات مع مزيد من االقتراحات .وكان إمام األمة (ره) يستمع إليه بعطف أبوي ومحبة خاصة ،ثم دعا له ولزمالئه من
المقاتلين وقدم له االرشادات والتوصيات الخاصة .وكان الدكتور شمران متألما ً مما يسيطر على الجبهات من صمت
ً
وسكون ،فكان يسعى إلعادة الحركة والنشاط إليها عن طريق ما يقدمه من اقتراحات وبرامج جديدة .لقد كان مصرا على
هللا أكبر) ثم على مدينة (بستان) والوصول إلى مضيق (چذابه) بالقرب من الحدود لقطع التعجيل بالهجوم على مرتفعات (
االرتباط بين القوات العراقية في الشمال والجنوب مع حدود العراق .وفي النهاية وفي يوم 31من شهر أرديبهشت سنة
هللا أكبر) بعد هجوم منسق ومباغت مما يعتبر من أعظم االنتصارات في ذلك 1360هــ.ش تم فتح وتحرير مرتفعات (
الوقت بعد انتصار سوسنگرد .وكان الشهيد شمران أول من وضع قدميه مع زمالئه من جنود اإلسالم األبطال على
هللا أكبر) .وفي اليوم التالي وبرفقة قائده الباسل إيرج رستمي وعدد من الجنود المضحين والمقتدرين استطاعوا مرتفعات (
االستيالء على كافة مرتفعات شحيطيه (شاهسوند) بينما كان اآلخرون يشاهدون هذا االقدام الجسور وسط هالة من الدهشة
هللا أكبر) أصر الدكتور شمران على ضرورة اإلسراع بتوجيه قواتنا واالعجاب .وبعد االنتصار الذي تحقق في مرتفعات (
إلى (بستان) قبل أن يستطيع العدو إحكام مواقعه ،غير أن ذلك لم يحدث ،فأقدم الشهيد شمران على تنفيذ مشروع االستيالء
على ( دهالوية) بفضل ما أبداه مقاتلو مقر الحروب غير المنظمة من تضحية وإيثار وبطولة بقيادة إيرج رستمي .وكان
تحرير (دهالوية) في حد ذاته إجرا ًء شجاعا ً وخطراً ومثيراً لإلعجاب؛ فلقد أقامت القوة المؤمنة من عناصر المقر جسراً
على نهر الكرخة وعبرت النهر إلى وسط قوات العدو ،وحررت (دهالوية) بعون هللا تعالى ،حيث كان هذا أول انتصار بعد
عزل بني صدر من القيادة العامة للقوات المسلحة ،كما كان مقدمة النتصارات أخرى كثيرة .وفي الثالثين من شهر خرداد
سنة 1360هــ.ش شارك الشهيد شمران في اجتماع طارئ لمجلس الدفاع األعلى في أهواز حضره المرحوم آية هللا
إشراقي ،وانتقد القوات على ما يع ّم ها من صمت وسكون ،وقدم من جديد اقتراحاته العسكرية ومن بينها الهجوم على
(.بستان)
نحو مذبح العشق
واستشهد إيرج رستمي قائد منطقة دهالوية فجر الحادي والثالثين من خرداد سنة 1360هــ.ش ،فشعر الدكتور مصطفى
باأللم المفجع جراء ذلك ،ولكنه اختار قائداً آخر ليحل محل الشهيد رستمي في جبهة دهالوية .وكان الدكتور شمران قد وجه
17
عدداً من الوصايا التي ال سابق لها إلى زمالئه في آخر اجتماع لمقر الحروب غير المنظمة قبل رحيله إلى دهالوية بليلة
واحدة .ويقال إن الجميع كانوا يو ّد عونه لدى خروجه ثم شيعوه إلى مرمى البصر بعيون مغرورقة بالدموع .وتحرك الدكتور
شمران نحو سوسنگر ،والتقى في الطريق بالمرحوم آية هللا إشراقي والجنرال الشهيد فالحي ،فقبل أحدهم اآلخر للمرة
األخيرة ،ثم واصل طريقه حتى بلغ مذبح العشق .وكان كافة المقاتلين قد اجتمعوا في قناة خلف دهالويةّ ،
فعزاهم وبارك لهم
استشهاد قائدهم إيرج رستمي ،ثم قال لهم بصوت محزون ومختنق ونظرة عميقة سابحة في الضياء" :لقد أحب هللا
"رستمي فأخذه إليه ،وسيأخذني إليه أيضا ً إذا ما كان يحبني
.
الشهادة
وانتهى كالمه؛ ثم ودع كافة المقاتلين وقبل ما بين أعينهم بعد أن قدم القائد الجديد لرفقاء الجهاد ،ووقف على الخط
األمامي للجبهة عند أقرب نقطة للعدو خلف ساتر ترابي ،وحذر المقاتلين بصفته قائداً مح ّنكا ً يدرك القضايا واألمور المهمة
في حينها بأالّ يتقدموا عن هذه النقطة ألن العدو ُيرى بالعين المجردة ،والشك أن العدو قد رآهم أيضا ً .وانهمر سيل
القذائف؛ وبينما كان يوجه إليهم أوامره بالتفرق وكان هو أيضا ً متجها ً إلى أحد المالجئ أصابته شظية في رأسه من
الخلف ،فارتفع صياح المحيطين به ممن شاهدوا ما حدث ،وأوصلوه بسرعة إلى سيارة االسعاف؛ وكان وجهه الملكوتي
المبتسم بمالمحه الواثقة والمخضب بالدم والتراب يتحدث إليهم بعمق ،رغم أ ّنه لم ينبس ببنت شفة ولم ينظر إلى أحد .وفي
مستشفى سوسنگرد ،الذي سمي فيما بعد بمستفى الشهيد شمران ،قدمت له االسعافات األولية ثم اتجهت سيارة االسعاف
نحو األهواز .ولألسف فإن جسده فقط هو الذي وصل إلى أهواز ،بينما كانت روحه تحلّق في الملكوت األعلى بكفنه
ملبية نداء ربها {ارجعي إلى ربك راضية مرضية} .واصدر قائد الثورة اإلسالمية ً المد ّمى ،الذي كان لباسه في القتال،
الكبير بيانا ً بمناسبة استشهاد الدكتور مصطفى شمران فيما يلي بعض سطوره" :لقد اختتم شمران العزيز طريق الجهاد
الذي ش ّق ه لنفسه منذ بداية حياته بإيمان واثق بالهدف اإللهي العظيم وعقيدة طاهرة نقية بعيداً عن التلوث باالنتماء إلى
األجهزة والتنظيمات السياسية المختلفة؛ فلقد شقّ طريقه في الحياة مستضيئا ً بنور المعرفة والزلفى إلى هللا تعالى والجهاد
في سبيله حتى ضحى بنفسه من أجل ذلك .لقد عاش عزيزاً مرفوع الرأس واستشهد شامخا ً مرفوع الرأس فوصل إلى الحق
تعالى .إن العظمة تكمن في الجهاد في سبيل هللا بعيداً عن الضجة والضوضاء السياسية والتظاهر الشيطاني ،والتضحية
ً
بالنفس في سبيل هذا الهدف ال من أجل األهواء النفسية؛ وهذه هي منقبة البشر اإللهيين .لقد لحق بالرفيق األعلى رافال في
حلل العزة والكرامة ،فرحمة هللا عليه وجلّت ذكراه .وأما نحن ،فهل بوسعنا أن نتحلّى بمثل هذه الفضيلة؟ إن هللا تعالى هو
.
"وحده الكفيل باألخذ بأيدينا وإخراجنا من ظلمات الجهل وهوى األنفس
18
:الخاتمة
أربعون عام ًا على ارتحال الشهيد مصطفى شمران ،عبر الى اآلخرة سالك ًا درب الجهاد والشهادة حامالً
نداء األنبياء ،وكان من الصادقين والصابرين الذين ال ينشر لهم ديوان وال ينصب لهم ميزان «إنما يوفى
الصابرون أجرهم بغير حساب».
من معين العلم والعرفان والجهاد تسنم قمم المجد في عمره الفتي اكتسب حكمة العارفين ،كتب على
صفحة عمره الكثير من المآثر الجبّارة التي باتت هي والخلود على ميعاد تسعة وأربعون عام ًا تضجّ
بالعطاء طالما تواردت فيها حياة الج ّد الموصول على مدى الساعات والدقائق واللحظات ،كان موصوالً
بالفقراء والمحرومين متواصالً مع قضاياهم ،فأفضل لحظات حياته وأسعدها سقوط شاه إيران وعودة
اإلمام الخميني الى أرض الثورة اإلسالمية في إيران ،وأكبر أمل عنده تحرير القدس الشريف ،وأكبر ألم
عنده إخفاء اإلمام القائد السيد موسى الصدر وتغييبه.
أصاب حظ ّ ًا من النبوغ العلمي وتسنّم درجات العشق اإللهي فكان دمه منذور ًا ليروي تراب جبهات الحق
ل مكان. في ك ّ
أيها الشهيد الذي بذر عمره على درب المحرومين Iوالمظلومين I،أحاول أن أعبر الى عالمك من باب ال
يوقعني في مهب الحزن وما أنا بمأمون منه فال أعثر على غيره سبيالً ،مرج في نفسي أن أعدّد صفاتك
ل حبره وانت ال تخاف الموت وأحار من أي المواقع ارتقي فتتسع الرؤية وتضيق العبارة فيما القلم يست ّ
ل منحى حيث عملت وأقمت وسجلت كتاب ًا من التاريخ ال ي على النسيان وأنت في حياتك في ك ّ وأنت العص ّ
تضخ فينا عزيمة ووعي ًا.
ّ ينسى وال زلت
ل الحدود والسدود ،كانتأجل ،فإنّ الشهيد مصطفى شمران شخصية عالمية في جهادها تجاوزت ك ّ
بوصلتها وقبلتها نصرة الحق أينما كان داخل إيران أو في الواليات المتحدة األميركية ،في أوروبا أو
مصر ،في سورية أو لبنان ،في وعيه المبكر ارتكز على حتميّة إسقاط عرش الشاه وهو في جبروته
مراهن ًا على انتصار الثورة اإليرانية بقيادة اإلمام الخميني في زمن اعتقاله وسجنه وإبعاده الى ما وراء
الحدود.
19
:المصادر والمراجع
كتب:
غم في عشق كتاب
كتاب الدكتور شمران (كردستان)
كتاب الدكتور شمران (لبنان)
مذكرات شمران
مواقع :
موقع المستشارية الثقافية للجمهورية االسالمية االيرانية
موقع الوفاق
https://al-verfagh.ir
مقاالت :
20
\مقالة لعضو في المجلس السياسي ( أبو سعيد الخنساء)
مقاالت وأراء العلمار والمفكرين
جريدة النهار
دار الوالية واالعالم
21