Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 37

‫الصايف – ‪46‬‬ ‫سلسلة اإلسالم‬

‫‪www.saaid.net/kutob‬‬

‫أربعون دليال على بطالن عقيدة «توارث الخطيئة»‬

‫وعقيدة «صلب المسيح»‬

‫*************‬

‫داللة العهد القديم‪ ،‬والعهد الجديد‪ ،‬والمنطق‪ ،‬والتاريخ‬


‫على بطالن‪:‬‬

‫‪ ‬عقيدة توارث الخطيئة‬


‫‪ ‬وعقيدة صلب المسيح‬

‫وإثبات أنهما خرافيتان‪ ،‬وليستا حقيقيتين‬

‫*************‬

‫«أربعون وقفة علمية ومنطقية‪ ،‬للمثقفين والمثقفات فقط »‬

‫*************‬
‫تأليف‪ :‬ماجد بن سليمان‬

‫مجادى األوىل‪ 1439 ،‬هجري‬

‫املوافق فرباير‪ 2018 ،‬ميالدي‬


‫بسم اهلل الرحمـٰن الرحيم‬

‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم على مجيع األنبياء واملرسلني‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫فإن املسيحيني االصصار) ‪ 1‬يعتقدون أن خطيئة أبيهم آدم ملا أكل من الشجرة مل يغفرها اهلل له‪ ،‬وأن‬
‫تلك اخلطيئة انتقلت إىل بصيه على مر القرون والعصور وتوارثوها مصه‪ ،‬ويعتقدون أن املسيح عيسى ابن‬
‫ـخـلِّـصا هلم من تلك اخلطيئة‪ ،‬و َّ‬
‫أن من مل يؤمن به‬ ‫ِ‬
‫مرمي َرضي بصلبه على الصليب وقتله عليه ليكون ُم َ‬
‫ـخـلِّـص فإن اخلطيئة ستكون لصيقةً به‪ ،‬وأنه سيلقى اهلل يوم القيامة هبا‪ ،‬وستكون عاقبته الدخول يف‬
‫ك ُـم َ‬
‫الصار حبسب اعتقادهم‪.‬‬

‫وهذا البحث املختصر يصاقش هاتني العقيدتني اعقيدة توار اخلطيئة‪ ،‬وعقيدة للب املسيح ليكون‬
‫فاديا وخملصا من وجوه عدة‪ ،‬حيث أن كثريا من املثقفني واملثقفات يشعرون بالشك واحلرية وعدم‬
‫االقتصاع هباتني العقيدتني‪ ،‬وال جيدون عصد رجال الدين إجابة شافية‪ ،‬بل رمبا ذهبوا ليسألوهنم عصها‬
‫فيجدون التهديد من طرح مثل هذه األسئلة‪ ،‬فال جيدون أمامهم بُدًّا من اإلميان هبا بدافع التقليد‬
‫قمت هبذا البحث لِـ ـيُـ ـ ـ َج ـ ـلِّـ ـي األمر ويوضحه‬
‫للمجتمع أو بدافع اخلوف من رجال الكصيسة‪ ،‬فلهذا ُ‬
‫بأسلوب علمي هادئ‪ ،‬معتمدا على نصوص التوراة واإلجنيل‪ ،‬وكذلك على املصطق العقلي الذي يتفق‬
‫عليه البشر كلهم‪.‬‬

‫مناقشة منطقية لعقيدة توراث الخطيئة‬

‫‪ .1‬إنه من املتفق عليه بني مجيع العقالء أنه ليس للصاس ذنب أصال في أكل أبيهم آدم من الشجرة‪،‬‬
‫فإهنم مل يَأمروا أباهم بذلك ومل يُشاركوه يف األكل‪ ،‬وبصاء عليه فلو أن اهلل سيؤاخذ البشر بذنب‬

‫‪ 1‬الصصار) هم املعروفون اآلن باملسيحيني ‪ ،‬وهم أتباع املسيح عيسى ابن مرمي ‪ ،‬ووجه تسميتهم هبذه التسمية «نصار)» هو تصالرهم فيما بيصهم‪.‬‬

‫وقيل إهنم ُس ـ ُّـمـوا بذلك تبعا للحواريني الذين ولفوا أنفسهم بذلك ‪ ،‬كما قال عيسى عليه السالم‪ :‬من أنصاري إىل اهلل قال ال ـ ـحواريون حنن‬
‫أنصار اهلل‪.‬‬

‫وقيل إهنم ُسـ ـ ُّـمـوا بذلك من أجل أهنم نزلوا أرضا يقال هلا «نالرة» بفلسطني‪.‬‬

‫وقيل إهنم ُسـ ـ ُّـمـوا بذلك ألن عيسى خر مصها‪.‬‬

‫وعلى كل حال فكلمة «نصار)» أللها من الصصرة ‪ ،‬وهي لفة مدح وثصاء‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫حق‬
‫فبأي ٍّ‬
‫أبيهم لكان ظاملا – حاشاه من ذلك ‪ ،-‬ألهنم مل يتسببوا يف ذلك اخلطأ ألال‪ِّ ،‬‬
‫يتحملون ذنبا مل يفعلوه ؟‬
‫َّ‬
‫العليا‪ ،‬ومن ذلك أن اهلل نَـ َّـزَه نفسه عن الظلم كما‬
‫ومن املعلوم أن اهلل له األمساء احلسىن والصفات ُ‬
‫قال اهلل تعاىل‪:‬‬

‫يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعل ـ ــتُه بيصكم ُم َ‬
‫‪1‬‬
‫ـح ـ َّـرما فال تظالَـموا‪.‬‬

‫‪ .2‬وبناء عليه فإن تحميل اإلنسان ذنب غيره يُـ ـعـ ـتـ ـب ــر من القبائح التي يتـ ــرفَّع عنها البشر‪،‬‬
‫يليق وصف رب البشر (وهو اهلل) بذلك‪ ،‬فلو أن أحدا من الصاس َح َّـمـل شخصا آخر‬ ‫فكيف ُ‬
‫ُّه العـ ـُت ـ ـ ـبِـر ذلك ظلما‪ ،‬ألن األول مل يكن متسببا يف خطأِ جدِّهِ‪ِّ ،‬‬
‫فبأي‬ ‫ِ‬
‫تبِعات خطأ ارتكبه جد ُ‬
‫ـحمل تبِعاته‪ ،‬كيف وهو مل يكن موجودا على سطح األرض ملا ارتكب جده ذلك اخلطأ‪،‬‬ ‫حق يُ َّ‬
‫ٍّ‬
‫حق يتحمل ذنبه؟!‬
‫فبأي ٍّ‬
‫الس ـ ـفه والظلم‪ ،‬فكيف يليق ولف اهلل بذلك‪،‬‬
‫فإذا كانت مؤاخذة اإلنسان بذنب غريه يعترب من َّ‬
‫الذي هو أعدل العادلني وأحكم احلاكمني وأرحم الرامحني‪ ،‬وهو العليم اخلبري سبحانه وتعاىل؟!‬

‫وولف أنفسصا بصفات الكمال؟‬


‫َ‬ ‫أم أنصا نُـحـ ِـسن ولف اهلل بأولاف الصقص‬

‫أعدل من اهلل‪ ،‬وهذا ال يقوله عاقل عصده ذرة من عِلم‪.‬‬


‫مقتضى هذا الكالم أن البشر ُ‬

‫‪ .3‬يقال أيضا‪ :‬طاملا أن الذي فـَ ـ ـ َع ـ ـل اخلطيئة هو آدم‪ ،‬فلماذا مل ُُي ِّملهُ اهلل مهمة تكفري اخلطيئة‪،‬‬
‫املسيح عِوضا عصه ؟‬
‫َ‬ ‫ـح ِّـملها‬
‫ويُ َ‬
‫أين املصطق والعدل يف هذا؟‬
‫لِ َـم لَـم يُصلب آدم بدل املسيح يف حيصه وانتهى املوضوع؟ هذا هو مقتضى العقل والعدل‬
‫واإلنصاف‪.‬‬
‫واجلواب‪ :‬ال ميكن أن يفعل اهلل هذا ألال ألنه عادل رحيم حكيم‪ ،‬يضع األمور مواضعها‪.‬‬
‫‪ .4‬كذلك فإن من مقتضى املصطق والعدل واإلنصاف أن تكون كفارة الذنب متكافئة مع الذنب‪ ،‬أيًّا‬
‫كان ذلك الذنب‪ ،‬وهذا مبدأ متفق عليه بني العقالء‪ ،‬فلو أن إنسانًا ق ــطع إشارة مرور – مثال ‪-‬‬
‫لكانت الك ـ ـ ــفارة دفع مبلغ مايل معني‪ ،‬أو حبس ملدة وجيزة‪.‬‬

‫‪ 1‬رواه مسلم ا‪ 2722‬عن أيب ذر الغفاري رضي اهلل عصه‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫أما أن تكون عقوبة املخطئ دفع كل ما ميلك أو حبسه مد) احلياة فهذا ال يُِقُّرُه قانون إلـٰهي وال‬
‫بشري‪.‬‬
‫إذا تقرر هذا فهل من العدل والرمحة والتكافؤ بني الذنب وبني الكفارة أن تكون كفارة أكل آدم‬
‫من الشجرة أن يُصلب املسيح ويتعذب ويُهان ويُبصق يف وجهه ويوضع الشوك على رأسه؟‬
‫هذا القدر من العقوبة يرتفع عصه أقسى البشر‪ ،‬فكيف يصح نسبته إىل رب البشر؟‬
‫هذا مع اعتقادنا حنن املسلمني أن املسيح مل يصلب ومل يقتل ألال‪ ،‬بل رفعه اهلل إليه يف السماء ملا‬
‫هم اليهود بقتله‪ ،‬وإمنا ذكرنا ذلك تَـصَ ُّـزال ألجل التوضيح‪.‬‬
‫َّ‬
‫يقال كذلك‪ :‬هل من العدل والرمحة والتكافؤ بني الذنب وكفارته أن يتحمل باليني البشر ذنب‬
‫أبيهم األبعد اآدم مصذ بدأ اخلليقة إىل يوم القيامة؟‬
‫هذا املبدأ ليس من الرمحة يف شيء‪ ،‬وليس من العدل يف شيء أبدا‪ ،‬وحاشا اهلل أن يوقِ َعهُ على‬
‫البشر‪.‬‬

‫‪ .7‬كذلك فإن إيقاع الذنوب على األطفال الـ ُّـرضَّع يعترب من الغلظة والقساوة اليت ال تليق بالبشر‪،‬‬
‫وتعترب من اجلرائم البشرية يف قانون البشر‪ ،‬فكيف يليق نسبة هذا إىل شريعة املسيح‪ ،‬اليت تلقاها من‬
‫رب البشر وهو اهلل؟‬
‫خري من اهلل وأرحم مصه؟! تعاىل اهلل عن ذلك‪.‬‬
‫أم أن البشر ٌ‬
‫‪ .6‬الذنب – بطبيعته – شيء اكتسبه اإلنسان مبا عملت يداه‪ ،‬ألنه فـ ـَ ــعل شيئا كان مـصهيا عن فعله‪،‬‬
‫أو ترك شيئا كان مأمورا بفعله‪ ،‬وليس اكتساب الذنب ُيصل بالوراثة!‬
‫‪ .2‬لو كان اكتساب الذنوب يصتقل بالوراثة‪ ،‬فلماذا مل تتوار البشرية إال هذا الذنب؟‬
‫فآباؤنا وأجدادنا على مر العصور والقرون إىل يومصا هذا يفعلون الذنوب‪ ،‬فلماذا هذا الذنب‬
‫بالذات هو الذي توارثته البشرية كلهم دون غريه من الذنوب؟!‬

‫‪ .8‬لو كانت عقيدة اخلطيئة حقيقة فعال لكان يكفي المسيح أن يدعو اهلل أن يُـك ِّـفر عن البشر‬
‫هذه الخطيئة وينتهي األمر‪.‬‬
‫فلماذا مل ُيصل ذلك‪ ،‬السيما والصصار) يعتقدون أن املسيح ابن الرب؟‬

‫لو كانت عقيدة توار اخلطيئة تصص على أن عيسى سيطلب من اهلل سبحانه وتعالى ويدعوه‬
‫ألن يغفر للصاس ذنبهم الذي ت ـ ـ ـوارثوه اعلى افرتاض حصول توار الـ ــخطيئة ؛ لكان هذا التصرف‬

‫‪4‬‬
‫مقبوال‪ ،‬فإن دعاء الصاس لبعضهم أمر مطلوب‪ ،‬فهذا يدعو اهلل أن يسامح هذا ويغفر له ذنوبه‪،‬‬
‫دخل ذاك اجلصة‪ ،‬وهكذا‪ ،‬أما أن‬ ‫وهذا يدعو اهلل أن يوفق هذا يف االمتحان‪ ،‬وهذا يدعو اهلل أن ي ِ‬
‫ُ‬
‫يقتل اإلنسان نفسه ليغفر اهلل للصاس فهذا تصرف ال عالقة له باملغفرة‪ ،‬وما الذي ُيبه اهلل يف هذا‬
‫التصرف وجيعله سببا للمغفرة؟!‬
‫‪ .9‬يقال أيضا‪ :‬ملاذا مل يغفر املسيح هذه اخلطيئة بصفسه ليصهي املوضوع؟ السيما واملسيحيون يعتقدون‬
‫بأنه هو الرب‪.‬‬
‫اقتل‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ملاذا تطلبت مغفرة اخلطيئة إذالل املسيح لصفسه هذا اإلذالل البَ ــشع الذي ال تتقبله البهائم ٌ‬
‫للشوك على رأسه ‪ .‬احاشا املسيح أن ُيصل له‬‫ِ‬ ‫ووضع‬ ‫وللب على اخلشبةِ‪،‬‬ ‫وبصق على الوجه‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫إن كون املسيح مل يغفر اخلطيئة يلزم مصه أنه ليس هو الرب‪ ،‬أو أن اخلطيئة خرافة وليست حقيقة‪،‬‬
‫أو أن كليهما غري لحيح‪ ،‬ال املسيح رب‪ ،‬وال اخلطيئة حقيقية‪ ،‬وهذا هو احلق؛ فاملسيح بشر‬
‫رسول‪ ،‬واخلطيئة غفرها اهلل آلدم يف حيصها ملا طلب من ربه املغفرة‪.‬‬

‫‪ .11‬الصصار) يؤمصون بأن اهلل له لفتان عظيمتان ومها الرحـمة والعدل‪ ،‬وهذا اعتقاد لحيح ال غبار‬
‫العلى‪.‬‬
‫عليه‪ ،‬ألن اهلل له األمساء احلسىن والصفات ُ‬
‫ولكصهم يطبقون لفة العدل تطبيقا غري لحيح‪ ،‬فهم يعتقدون أن حتقيق العدل اإللـٰهي ُيصل بأن‬
‫تُعاقب مجيع ذرية آدم وذريته على خطيئته األوىل اليت ارتكبها آدم نفسه وطُـ ـ ِرد بسببها من اجلصة‪،‬‬
‫وهي األكل من الشجرة‪ ،‬هذا هو اعتقادهم وهذا هو فَهمهم ملقتضى العدالة الربانية‪.‬‬
‫وهذا االعتقاد غري لحيح ‪ ،‬فإن العدل مبفهومه اللغوي ال ُيصل بتوريث البشر ذنبا مل يعملوه‬
‫إطالقا‪ ،‬أين العدل يف هذا؟‬

‫مث إن هذا الفعل ال تصح نسبته ألحد من البشر ملا فيه من مغالطات فكيف تصح نسبته لرب‬
‫البشر؟!‬

‫ليس هذا فحسب‪ ،‬بل الصصار) يعتقدون أيضاً أن للب املسيح تتحقق به العدالة اإللـٰهية يف‬
‫العقاب!‬
‫أما الرحمة اإللـٰهية فيعتقدون أهنا ال تتحقق إال عن طريق تكفري ذنوب البشر بفضل املسيح ملا‬
‫للب نفسه وعرضها للموت واإلهانة الفظيعة ‪ -‬بزعمهم‪.‬‬ ‫َ‬
‫أين الرحمة في هذا باهلل عليكم؟!‬

‫‪5‬‬
‫التطبيق الصحيح ملبدأ الرمحة يكون برمحة اجلميع‪ ،‬املسيح وغريه من البشر‪ ،‬وليس بأن يغفر للبشر‬
‫على حساب كرامة املسيح!‬

‫هذا االعتقاد يتصاقض قلبا وقالبا مع اعـ ـ ـتقاد أنه اهلل رحيم عادل حكيم‪ ،‬يقدر على العفو‪ ،‬وُيب‬
‫العفو‪ ،‬ويرحم عباده‪ ،‬وُيب جناهتم‪.‬‬

‫فأي طائفة من الصصار) هي املستحقة لتكفري هذه‬ ‫‪ .11‬لو افرتضصا أن عقيدة توار اخلطيئة لواب؛ ُّ‬
‫اخلطيئة؟ هل هي طائفة الكاثوليك أم األرثوذكس أم الربوتستانت أم ال َـموا ِرنة ‪ 1‬أم ماذا؟!‬
‫من املعلوم قطعا أن كل طائفة تصظر إىل األخر) على أهنا طائفة ضالة‪ ،‬ورمبا تعتربها كافرة خارجة‬
‫فم ن األوىل من أتباع هذه الفرق بتكفري اخلطيئة عصه حىت‬
‫عن دين املسيح ألال‪ ،‬فإذا كان هذا حقا َ‬
‫ـح َح مساره من اآلن؟‬
‫ـص ِّ‬
‫يُ َ‬
‫‪ .12‬إنصا لو افرتضصا – مجرد افتراض – أن خطيئة أبيصا آدم مل يغفرها اهلل‪ ،‬وأن ـ ــها انتقلت عرب األجــيال‬
‫وتوارثها الصاس‪ ،‬وأن على كل إنسان أن يُطهر نفسه مصها؛ فإن عدل اهلل يقتضي أن يقوم كل فرد‬
‫بصفسهِ‪ ،‬وال يعتمد على غريه‪ ،‬سواء كان ذلك الغري هو املسيح‬
‫الذنب ِ‬ ‫مبهمة التخلص من ذلك َّ‬
‫عيسى ابن مرمي أو غريه‪ ،‬فإن اهلل شرع األديان لكي يعمل الصاس ِ‬
‫بأنفسهم ويقوموا بالعالقة املباشرة‬
‫بيصهم وبني خالقهم ورازقهم وهو اهلل‪ ،‬أما أن يعمل عصهم غريهم بالصيابة عصهم فإن اهلل مل يشرع‬
‫ذلك‪ ،‬ألهنم إن فعلوا ذلك فلن حتصل العبودية مصهم هلل خالقهم ورازقهم‪.‬‬

‫‪ 1‬بدأت نشأة طائفة املوارنة يف سصة ‪681‬م ملا جاء بطريرك أنطاكية وهو ايوحصا مارون بعقيدة جديدة لتفسري طبيعة املسيح‬
‫بزعمه‪ ،‬قال فيها إن املسيح له طبيعتا ن ومشيئة واحدة‪ ،‬نظرا اللتقاء الطبيعتني يف أقصوم واحد‪ ،‬فعارضته كصيسة‬
‫القسطصطيصية والكصيسة الكاثوليكية‪ ،‬وعقدوا جممعا حضره حوايل مئتني ومثانني أسقفا‪ ،‬وقرروا أن املسيح له طبيعتان‬
‫ومشيئتان‪ ،‬وطردوا ولعصوا البطريرك مارون‪ ،‬فانفصلت كصيسة أنطاكية‪ ،‬وتعرض مارون لالضطهاد‪ ،‬فلجأ إىل جبل‬
‫لبصان‪ ،‬ومسوا أتباعه اال َـموارنة ‪ ،‬وهي طائفة باقية إىل اآلن‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫األدلة النقلية ال ُـمثبتة لبطالن عقيدة توارث الخطيئة‬

‫‪ .13‬إ نك لو قرأت األناجيل األربعة والرسائل الثالثة والعشرين امللحقة هبا من أوهلا إىل آخرها لوجدت‬
‫أهنا خالية متاما من نص واضح وصريح ال ُيتمل التأويل أن الصاس توارثوا خطيئة أبيهم آدم وأن‬
‫اهلل مل يغفرها له يف حيصها‪.‬‬
‫‪ .14‬بل على العكس من ذلك‪ ،‬فإن املراجع اإلجنيلية الـمتوافرة بيد الصصار) بعهديه القدمي واجلديد تدل‬
‫على أن اإلنسان ُياسب على ذنبه فحسب‪ ،‬وال يتعدَّ) الذنب لاحب الذنب إىل غريه‪ ،‬ال أبصائه‬
‫وال غريهم‪ ،‬فبصاء على ذلك فذنب أبيصا آدم مل يصتقل ألبصائه‪ ،‬فبطلت بذلك عقيدة توار اخلطيئة‪.‬‬
‫ففي سفر حزقيال ا‪: 21- 19/18‬‬

‫«وأنتم تقولون‪ :‬ملاذا ال ُيمل االبن من إمث األب ؟ أما االبن فقد فعل حقا وعدال‪َ .‬حـ ـ ِف َظ مجيع‬
‫فرائضي وعمل هبا فحياة ُييا‪.‬‬

‫الصفس اليت ختطئ هي متوت‪ .‬االبن ال يحمل من إثم األب‪ ،‬واألب ال يحمل من إثم االبن‪ .‬بِ ـُّر‬
‫البار عليه يكون‪ ،‬و َش ـ ـُّر الشرير عليه يكون»‪.‬‬

‫ويف سفر التثصية ا‪: 16/24‬‬

‫«ال يُقتل اآلباء عن األوالد‪ ،‬وال يُقتل األوالد عن اآلباء‪ ،‬كل إنسان خبطيئته يقتل»‪.‬‬

‫‪ .17‬ومن أدلة بطالن عقيدة توار اخلطيئة أن هذه العقيدة لو كانت حقيقية لدل على ذلك األنبياء‬
‫الذين جاءوا قبل المسيح وقبل موسى‪ ،‬مثل إبراهيم وإسحاق ويعقوب ويوسف وغريهم من‬
‫ـخـلِّص لتتخلصوا من‬
‫أنبياء بين إسرائيل وغريهم‪ ،‬ولقالوا ألقوامهم‪ :‬آمصوا باملسيح أنه هو الفادي وال ُـم َ‬
‫اخلطيئة وال تذهبوا إىل اجلحيم‪ ،‬بيصما الواقع أن هذا غري مذكور عصهم إطالقا‪ ،‬ولو كانت هذه‬
‫العقيدة حقيقية لبيصوها للصاس‪ ،‬ألنه من املعلوم أن وظيفة األنبياء هي إرشاد أقوامهم لما فيه خير‬
‫لهم‪ ،‬فإن األنبياء مـرسلون من عصد اهلل‪ ،‬ووظيفتهم هي بيان طريق الصجاة من الصار ألقوامهم‬
‫ليجتصبوه‪ ،‬وبيان طريق الولول للجصة ليسلكوه‪ ،‬وال جيوز هلم إخفاء عقيدة اخلطيئة – لو كانت‬
‫حقيقية – إطالقا‪ ،‬السيما واجلهل هبا سبب للهالك األبدي السرمدي يف نار جهصم‪ ،‬وإال فما‬
‫اهلدف من إرساهلم؟‬
‫وهصا يأيت سؤال َح ـ ـيَّـ ـَر القساوسة املخدوعني هبذه العقيدة كثريا وهو‪ :‬ما هو وضع الصاس الذين‬
‫عاشوا قبل املسيح على مد) قرون كثرية؟‬

‫‪7‬‬
‫هم ما آمصوا باملسيح بأنه ُمـخلِّصهم من اخلطيئة ألهنم كانوا قبله‪ ،‬فكيف سيتطهرون إذن من‬
‫اخلطيئة املزعومة؟‬
‫أم أن كل من جاء قبل المسيح سيذهبون للجحيم‪ ،‬أم ما هو مصيرهم بالضبط؟‬
‫‪ .16‬كذلك‪ ،‬فلو كانت اخلطيئة األوىل ُمتَوارثة فعال عرب القرون‪ ،‬فلِماذا تأخر الرب يف إرسال املسيح‬
‫خملصا كل تلك املدة؟!‬
‫لو كانت عقيدة اخلطيئة حقيقية ألرسل اهلل املسيح فورا بعد آدم‪ ،‬أو خالل وقت آدم‪ ،‬ليتحرر‬
‫فلما مل ي ُكن ذلك‬
‫الصاس مصها‪ ،‬وال يتوارثوها‪ ،‬هذا هو مقتضى لفة الرمحة اليت يتصف هبا الرب‪َّ ،‬‬
‫تبني أن هذه العقيدة ومهية‪ ،‬ليس هلا ألل أبدا‪.‬‬

‫وم َعلِّما‪ ،‬وليس فاديا وخملصا‪ ،‬وهذا‬


‫‪ .12‬لقد جاء يف املصادر اإلجنيلية تقرير أن اهلل أرسل املسيح رسوال ُ‬
‫كاف لنقض هذه العقيدة وإثبات أنها خرافة‪ ،‬وذلك يف إجنيل يوحصا ا‪: 2- 1/3‬‬ ‫دليل ٍ‬
‫كان إنسان من الفريسيين اسمه نيقوديموس‪ ،‬رئيس لليهود‪.‬‬

‫هذا جاء إلى يسوع ليال وقال له‪ :‬يا ُمعـ ـلِّم‪ ،‬نعلم أنك قد أتيت من اهلل ُمعـ ـلِّما‪ ،‬ألن ليس أحد‬
‫يقدر أن يعمل هذه اآليات التي أنت تعمل إن لم يكن اهلل معه‪.‬‬

‫فقول رئيس اليهود للمسيح‪ :‬ايا ُمعـ ـلِّم‪ ،‬نعلم أنك قد أتيت من اهلل ُمعـ ـلِّما)‪ ،‬فهصا تقرير أن‬
‫املسيح أرسله اهلل إىل اليهود رسوال ومعلما‪ ،‬ألن الرسول يُعلِّم الصاس الذين أرسل إليهم ما أرسله اهلل‬
‫به من العلم‪ ،‬ومن املعلوم أن املسيح قد علَّم الصاس اإلجنيل‪ ،‬ودهلم على اخلري‪.‬‬

‫ولم يقل رئيس اليهود للمسيح إنه جاء فاديا‪ ،‬أو ُمـخـلِّـصا‪ ،‬أو إنه ابن اهلل‪ ،‬أو إنه هو اهلل‪ ،‬وال‬
‫غير ذلك من األقوال السائدة بين جماهير المسيحيين‪.‬‬

‫واملسيح أقَـ َّـر هذا اليهودي على كالمه‪ ،‬ومل يقل له إنك خمطئ يف كالمك‪ ،‬ولو كان هذا اليهودي‬
‫ولحح كالمه‪ ،‬ألن هذه وظيفته َك ُـم َـع ـلِّم‪ ،‬وهي أن يُِقَّره على‬
‫خمطئا يف كالمه العرتض عليه املسيح َّ‬
‫الصواب‪ ،‬ويصلح له اخلطأ‪ ،‬وإال مل يكن معلما على احلقيقة‪.‬‬

‫‪ .18‬أيها القارئ الكرمي‪ :‬قد بيـن اهلل يف عدة مواضع من كتابه املقدس احملفوظ وهو االقرآن الكرمي كل‬
‫إنسان ُيمل حسصاته وسيئاته‪ ،‬فإذا كان يوم القيامة تـُجاز) كل نفس مبا كسبت‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫هتن بعمله يوم القيامة‪ ،‬إن فعل‬
‫قال اهلل تعاىل ﴿كل نفس مبا كسبت رهيصة﴾‪ ،‬يعين كل إنسان مر ٌ‬
‫خريا جازاه اهلل خريا‪ ،‬وإن فعل شرا جازاه اهلل شرا وعقوبة‪ ،‬وال يؤاخذ اهلل أحدا بذنب غريه‪ ،‬وهذا هو‬
‫مقتضى العدل واإلنصاف‪.‬‬
‫وقال اهلل تعاىل ‪‬ال يكلف اهلل نفسا إال وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت‪.‬‬
‫وقال اهلل تعاىل ‪ ‬فمن يعمل مثقال ذرة خريا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره‪.‬‬
‫س إَّال عل ْيـها وال تزُر‬
‫ب ُكلُّ نـ ْف ٍ‬‫ب ُك ِّل َش ْيء وال تكْس ُ‬ ‫وقال تعاىل ‪ ‬قُ ْل أَغَْيـَر اللَّهِ أَبْغِي َربًّا َوُه َو َر ُّ‬
‫وازرة و ْزر أُ ْخر ٰى ُمثَّ إِ َ ٰىل َربِّ ُكم َّم ْرِج ُع ُك ْم فـَيُـَصبِّئُ ُكم ِمبَا ُك ُصت ْم فِيهِ َ ْختتَلِ ُفون‪.‬‬
‫ض َّل فَإَِّمنَا ي ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ضلُّ َعلَْيـ َها وال تزُر وازرة و ْزر أُ ْخرى‬ ‫َ‬ ‫وقال تعاىل ‪‬م ِن ْاهتَ َد ٰ) فَإَِّمنَا يَـ ْهتَدي لصَـ ْف ِسهِ َوَمن َ‬
‫ث َر ُسوال‪.‬‬ ‫ني َح َّ ٰىت نَـْبـ َع َ‬ ‫َوَما ُكصَّا ُم َع ِّذبِ َ‬
‫نفس إمث نفس أخر)‪ ،‬وال ِو ُزر هو اإلمث‪ ،‬بل كل‬ ‫ِ‬
‫ومعىن قوله ‪‬ال تزُر وازرٌة وزر أخر)‪ ‬أي‪ :‬ال تتحمل ٌ‬
‫نفس تتحمل ما فعلته من إمث‪.‬‬
‫‪ .19‬كذلك فقد علَّمصا اهلل أن نطلب مصه املغفرة إذا حنن أذنبصا‪ ،‬ووعدنا باملغفرة إن كصا لادقني يف‬
‫ذلك‪ ،‬كل هذا لتحقيق العبودية له سبحانه وتعاىل‪ ،‬وليكون االتصال بيصصا وبيصه مباشرا‪ ،‬ومل يطلب‬
‫اهلل من نبيه عيسى إطالقا قتل نفسه لتكفري خطايا الصاس‪ ،‬فهذا االعتقاد يتصاىف مع لفات اهلل‬
‫سبحانه وتعاىل االرحيم‪ ،‬الغفور‪ ،‬التواب‪ ،‬احلكيم‪ ،‬العادل ‪.‬‬
‫اد َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َسَرفُوا َعلَى‬ ‫ين أ ْ‬‫ي الذ َ‬ ‫قال اهلل تعاىل يف القرآن يف حث الصاس على التوبة من الذنوب ‪‬قُ ْل يَا عبَ َ‬
‫الرِحيم * َوأَنِيبُوا إِ َىل‬ ‫الذنُ َ ِ ِ‬ ‫أَن ُف ِس ِهم َال تَـ ْقصَطُوا ِمن َّر ْمحَةِ اللَّهِ إِ َّن اللَّهَ يَـ ْغ ِفر ُّ‬
‫وب َمج ًيعا إنَّهُ ُه َو الْغَ ُف ُ‬
‫ور َّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫َح َس َن َما أُن ِزَل إِلَْي ُكم ِّمن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ربِّ ُكم وأ ِ‬
‫صصُرون * َواتَّبِ ُعوا أ ْ‬ ‫اب ُمثَّ َال تُ َ‬ ‫َسل ُموا لَهُ من قـَْب ِل أَن يَأْتيَ ُك ُم الْ َع َذ ُ‬ ‫َ ْ َ ْ‬
‫ِ‬
‫طت‬
‫س يَا َح ْسَرتَا َعلَى َما فَـَّر ُ‬ ‫ول نَـ ْف ٌ‬ ‫َنت ْم َال تَ ْش ُعُرون * أَن تَـ ُق َ‬ ‫َّربِّ ُكم ِّمن قَـْب ِل أَن يَأْتيَ ُك ُم الْ َع َذ ُ‬
‫اب بَـ ْغَتةً َوأ ُ‬
‫صت ِم َن الْ ُمت َِّقني * أ َْو تَـ ُق َ‬
‫ول‬ ‫َن اللَّهَ َه َد ِاِن لَ ُك ُ‬‫ول لَْو أ َّ‬ ‫اخ ِرين * أ َْو تَـ ُق َ‬ ‫الس ِ‬‫صت لَ ِم َن َّ‬ ‫ِيف ج ِ ِ‬
‫صب اللَّه َوإِن ُك ُ‬ ‫َ‬
‫ت ِهبَا‬ ‫ك آيَ ِايت فَ َك َّذبْ َ‬ ‫َن ِيل َكَّرًة فَأَ ُكو َن ِم َن الْ ُم ْح ِسصِني * بَـلَ ٰى قَ ْد َجاءَتْ َ‬ ‫اب لَْو أ َّ‬ ‫ني تَـَر) الْ َع َذ َ‬‫حَ‬
‫ِ‬
‫س ِيف‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫واستَ ْكبـرت وُك ِ‬
‫ين َك َذبُوا َعلَى اللَّه ُو ُج ُ‬
‫وه ُهم ُّم ْس َوَّدةٌ أَلَْي َ‬ ‫صت م َن الْ َكاف ِرين * َويَـ ْوَم الْقيَ َامة تـََر) الذ َ‬ ‫َ ْ َْ َ َ َ‬
‫ِ‬
‫السوءُ َوَال ُه ْم َُْيَزنُون‪.‬‬ ‫ين اتـَّ َق ْوا ِمبََف َازهتِ ْم َال َميَ ُّس ُه ُم ُّ‬ ‫َّ ِ‬
‫َّم َمثْـ ًو) لِّلْ ُمَت َكِِّربين * َويُـصَ ِّجي اللَّهُ الذ َ‬‫َج َهص َ‬
‫وقال اهلل تعاىل يف ولف املؤمصني ‪ ‬والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا اهلل فاستغفروا‬
‫لذنوهبم ومن يغفر الذنوب إال اهلل ومل يُصروا على ما فعلوا وهم يعلمون * أولئك جزاؤهم مغفرة‬
‫من رهبم وجصات جتري من حتتها األهنار ونِ ْـعـم أجر العاملني‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫شرب مخر‪ ،‬أو غري ذلك ‪ ،‬وأحس بالذنب ورغب يف‬
‫فإذا ارتكب اإلنسان ذنبا اسرقة‪ ،‬كذبا‪ ،‬زنا‪َ ،‬‬
‫التوبة ف ـ ـ ــما عليه إال أن يطلب من اهلل الـمغفرة ويكون لادقا يف ذلك‪ ،‬بأن يعزم على عدم العودة‪،‬‬
‫ويكون نادما على ارتكاب الذنب‪ ،‬ويُقلِع عن الذنب‪ ،‬فإذا حتققت هذه الشروط الثالثة فإن اهلل‬
‫سيبدِّل سيئاته إىل ح ـ ــسصات‪ ،‬ألن اهلل رحيم بعباده‪ ،‬يفرح بإقباهلم عـ ـ ـ ـ ــليه‪ ،‬وُيب‬
‫سيفرح بتوبته‪ ،‬بل ُ‬
‫أن يغفر هلم‪ ،‬ولو كانت ذنوهبم مثل اجلبال‪ ،‬قال اهلل يف القرآن ‪‬واهلل يريد أن يتوب عليكم‪ ،‬وقال‬
‫وع ِـمل َع ِـمال لاحلا فأولئك يُبدل اهلل سيئاهتم حسصاهتم وكان اهلل غفورا‬
‫‪‬إال من تاب وآمن َ‬
‫رحيما‪.‬‬

‫البشر من طبيعته اخلطأ‪،‬‬ ‫بشر مثلصا‪ ،‬و ُ‬ ‫بشر مثلصا‪ ،‬وأمصا حواء ٌ‬
‫‪ .21‬واحلق الذي ال شك فيه أن أبانا آدم ٌ‬
‫فلما أخطآ وأكال من الشجرة اليت هنامها اهلل عن األكل مصها؛ استغفرا رب ـ ـ ـ ـهما وتابا إىل اهلل فغ ـ ـفر‬
‫اهلل لـهما وانتهى الموضوع‪ ،‬ومل تبق اخلطيئة يف ذمتهما‪ ،‬فضال عن انتقاهلا إىل ذريتهما عرب‬
‫األجيال والقرون مث موت املسيح على الصليب ليحصل تكفري اخلطيئة‪ ،‬واملصاحلة بني اهلل وبني‬
‫خلقه كما يقولون‪ ،‬هذا كله من حتريف بولس يف دين املسيح‪ ،1‬وليس هلل حاجة يف هذا‪ ،‬والذي‬
‫تقرره شريعة اإلسالم هو ما تقدم‪ِ ،‬من أن اهلل غفر آلدم وحواء وانتهى املوضوع يف حيصه‪ ،‬وليس‬
‫هصاك ذنب مورو ‪ ،‬وليس هصاك عداء بني اهلل وبني خلقه بسبب هذه اخلطيئة‪.‬‬

‫فصل مختصر مفيد في بيان قصة أبينا آدم لما أكل من الشجرة ثم مغفرة اهلل لذلك الذنب‪،‬‬
‫كما وردت في القرآن الكريم‬
‫جل ثصاؤه أبانا آدم وزوجته أمصا حواء عن أكل مثار شجرة بعيصها من أشجار اجلصة‪ ،‬دون‬
‫هنى اهلل َّ‬
‫سائر أشجارها‪ ،‬فأغوامها الشيطان باألكل مصها‪ ،‬فأخطآ فأكال مصها‪ ،‬ألن البشر بطبيعتهم غري‬
‫معصومني عن الوقوع يف اخلطأ‪ ،‬مث تابا وطلبا من اهلل املغفرة فغفر اهلل هلما ذنبهما‪ ،‬ألن اهلل رحيم‬
‫بعباده‪ ،‬يق ـ ـ ـ ـ ـبل توبة من أخطأ مصهم مث تاب‪ ،‬فإنه يعلم مصهم طبيعة اخلطأ ألنه خلقهم غري‬
‫معصومني‪ ،‬فمحا اهلل عصهم ذنبهم‪ ،‬وانتهى األمر حبمد اهلل‪.‬‬

‫َنت‬
‫اس ُك ْن أ َ‬ ‫آد ُم ْ‬ ‫وقد جاء ذكر قصتهما يف مواضع من القرآن الكرمي‪ ،‬قال اهلل تعاىل ﴿وقـُلْصَا يَا َ‬
‫َّجَرَة فَـتَ ُكونَا ِم َن الظَّالِ ِمني * فَأ ََزَّهلَُما‬
‫ث شْئتُ َما َوَال تَـ ْقَربَا هذه الش َ‬
‫اجلصَّةَ وُك َال ِمْصـها ر َغ ًدا حي ُ ِ‬
‫َ َ َْ‬ ‫ك َْ َ‬ ‫َوَزْو ُج َ‬
‫ض ُك ْم لِبَـ ْعض َع ُد ٌّو َولَ ُك ْم ِيف ْاأل َْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض ُم ْستَـ َقٌّر‬ ‫َخَر َج ُه َما ِمَّا َكانَا فيهِ َوقـُ ْلصَا ْاهبِطُوا بَـ ْع ُ‬
‫الشَّْيطَا ُن َعْصـ َها فَأ ْ‬

‫‪ 1‬سيأيت يف نقطة رقم ‪ِ 22‬ذكـ ُـر تفصيل مفيد يف دور بولس يف إدخال هذه العقيدة – عقيدة اخلطيئة األوىل – يف دين املسيح‬
‫بعد رفعه إىل السماء‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫الرِحيم * قُـ ْلصَا ْاهبِطُوا ِمْصـ َها‬ ‫ِ‬ ‫اع إىل حني * فَـتَـلَ َّقى ِ ِ ِ‬
‫اب َعلَْيه إِنَّهُ ُه َو التَّـ َّو ُ‬
‫اب َّ‬ ‫آد ُم من َّربِّه َكل َمات فَـتَ َ‬
‫َ‬ ‫َوَمتَ ٌ‬
‫ين َك َفُروا‬ ‫َّ ِ‬ ‫مج ًيعا فَإِ َّما يَأْتِيَـصَّ ُكم ِّم ِّين ُه ًد) فَ َمن تَبِ َع ُه َداي فََال َخ ْو ٌ ِ‬ ‫َِ‬
‫ف َعلَْيه ْم َوَال ُه ْم َُْيَزنُون * َوالذ َ‬ ‫َ‬
‫‪1‬‬
‫اب الصَّا ِر ُه ْم فِ َيها َخالِ ُدون﴾‪.‬‬
‫َل َح ُ‬ ‫َوَك َّذبُوا بِآيَاتِصَا أُولَٰئِ َ‬
‫كأ ْ‬
‫اس ُك ْن‬ ‫آد ُم ْ‬ ‫وقد جاء ذكر قصة أكل آدم وحواء من الشجرة يف سورة األعراف‪ ،‬قال تعاىل ﴿ َويَا َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫اجلصَّةَ فَ ُك َال ِمن حي ُ ِ‬
‫س‬ ‫َّجَرَة فَـتَ ُكونَا م َن الظَّالمني * فَـ َو ْس َو َ‬ ‫ث شْئتُ َما َوَال تَـ ْقَربَا هذه الش َ‬ ‫ْ َْ‬ ‫ك َْ‬ ‫َنت َوَزْو ُج َ‬ ‫أ َ‬
‫َّجَرةِ إَِّال‬‫ال َما نـَ َها ُك َما َربُّ ُك َما َع ْن هذه الش َ‬ ‫ي َعْصـ ُه َما ِمن َس ْوآهتِِ َما َوقَ َ‬ ‫ي َهلَُما َما ُووِر َ‬
‫ِ ِ‬
‫َهلَُما الشَّْيطَا ُن ليُْبد َ‬
‫َّال ِحني * فَ َدَّال ُمهَا بِغُُرور فَـلَ َّما‬ ‫امسَهما إِ ِِّن لَ ُكما لَ ِمن الص ِ‬ ‫ني أَو تَ ُكونَا ِمن ْ ِ ِ‬
‫َ َ‬ ‫اخلَالدين * َوقَ َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫أَن تَ ُكونَا َملَ َك ْ ِ ْ‬
‫ت َهلما سوآتـُهما وطَِف َقا ََيْ ِ‬
‫ان َعلَْي ِه َما ِمن َوَرِق ا ْجلَصَّةِ َونَ َ‬
‫اد ُامهَا َربـُّ ُه َما أَ َملْ أَنْـ َه ُك َما‬ ‫ص َف ِ‬
‫َّجَرةَ بَ َد ْ َُ َ ْ ُ َ َ‬ ‫ذَاقَا الش َ‬
‫َّجَرةِ َوأَقُل لَّ ُك َما إِ َّن الشَّْيطَا َن لَ ُك َما َع ُد ٌّو ُّمبِني * قَ َاال َربَّـصَا ظَلَ ْمصَا أَن ُف َسصَا َوإِن َّملْ تَـ ْغ ِف ْر‬ ‫ِ‬
‫َعن تلْ ُك َما الش َ‬
‫ض ُم ْستَـ َقٌّر َوَمتَاعٌ‬ ‫ض ُك ْم لِبَـ ْعض َع ُد ٌّو َولَ ُك ْم ِيف ْاأل َْر ِ‬ ‫ال ْاهبِطُوا بَـ ْع ُ‬ ‫اس ِرين * قَ َ‬ ‫اخلَ ِ‬
‫لَصَا َوتـَ ْر َمحْصَا لَصَ ُكونَ َّن ِم َن ْ‬
‫‪2‬‬
‫ال فِ َيها َحتْيَـ ْو َن َوفِ َيها متَُوتُو َن َوِمْصـ َها ُختَْر ُجون﴾‪.‬‬ ‫إِ َىل ِحني * قَ َ‬

‫آد َم ِمن قَـْب ُل‬ ‫ىل َ‬ ‫ِ ِ‬


‫كما جاء ذكر قصة آدم وأكله من الشجرة يف سورة طـٰه‪ ،‬قال تعاىل ﴿ َولََق ْد َعه ْدنَا إ ََ‬
‫ََب * فـَ ُق ْلصَا يا آدم إِ ّن‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يس أ ََ‬ ‫اس ُج ُدواْ آلدم فَ َس َج ُد َواْ إالّ إبْل َ‬ ‫فـَصَس َي َوَملْ َجن ْد لَهُ َع ْزماً * َوإِ ْذ قـُلْصَا ل ْل َمالَئ َكة ْ‬
‫ك أَالّ َجت ِ‬
‫ك‬ ‫) * َوأَنّ َ‬ ‫وع ف َيها َوالَ تَـ ْعَر َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ك فَالَ َُيْ ِر َجصّ ُك َما ِم َن ا ْجلَصّةِ فَـتَ ْش َق َى * إِ ّن لَ َ‬ ‫ك َولَِزْوِج َ‬ ‫َه َذا َع ُد ّو لّ َ‬
‫ك َعلَ َى َش َجَرةِ ا ْخلُلْ ِد َوُملْك‬ ‫ال يا آدم َه ْل أ َُدلّ َ‬ ‫الشْيطَا ُن قَ َ‬ ‫س إِلَْيهِ ّ‬ ‫ض َح َى * فـَ َو ْس َو َ‬ ‫الَ تَظْ َمأُ فِ َيها َوالَ تَ ْ‬
‫ان َعلَي ِهما ِمن ورِق ْ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ص َى َاد ُم َربّهُ‬ ‫اجلَصّة َو َع َ‬ ‫ََ‬ ‫ت َهلَُما َس ْوءَاتُـ ُه َما َوطَف َقا ََيْص َف ْ َ‬ ‫الّ يَـْبـلَ َى * فَأَ َكالَ ِمْصـ َها فَـبَ َد ْ‬
‫‪3‬‬
‫اب َعلَْيهِ َوَه َد)﴾‪.‬‬ ‫اجتَبَ ُاه َربّهُ فَـتَ َ‬
‫) * ُمثّ ْ‬ ‫فـَغََو َ‬
‫شرح اآليات‪:‬‬

‫جل ثصاؤه أبانا آدم وزوجته حواء عن أكل مثار شجرة ُم َـع ـيَّـصَــة من أشجار اجلصة‪ ،‬اهلل أعلم‬
‫هنى اهلل َّ‬
‫ما هي تلك الشجرة‪ ،‬فإن اهلل مل يضع لعباده دليال على حتديد نوع تلك الشجرة‪ ،‬ومل يذكر ذلك‬
‫يف القرآن‪ ،‬ومل يذكر ذلك الص ي محمد اللى اهلل عليه وسلم يف أحاديثه‪.‬‬

‫‪ 1‬سورة البقرة‪. 39 – 37 :‬‬


‫‪ 2‬سورة األعراف‪. 27 – 19 :‬‬
‫‪3‬سورة طـٰه‪. 122 – 117 :‬‬

‫‪11‬‬
‫وقد قيل إهنا شجرة البُـ ـ ْر‪ ،‬وقيل كانت شجرة العصب‪ ،‬وقيل إهنا شجرة التني‪ ،‬وعلى كل حال فالعلم‬
‫بصوع تلك الشجرة ال يرتتب عليه عمل وفائدة‪ ،‬واجلهل به ال يضر‪ ،‬ولو كان يف العلم به خري ألخرب‬
‫اهلل به‪.‬‬

‫ك َولَِزْوِج َ‬
‫ك فَالَ‬ ‫عبده آدم من إغواء الشيطان فقال ﴿فـَ ُقلْصَا يا آدم إِ ّن َه َذا َع ُد ّو لّ َ‬
‫وقد َّ‬
‫حذر اهلل‬
‫اجلَصّةِ فَـتَ ْش َق َى﴾‪ ،‬أي إنك إن استمعت إىل الشيطان وأكلت من الشجرة فسيكون‬
‫َُيْ ِر َجصّ ُك َما ِم َن‬ ‫ْ‬
‫عقاب ذلك اخلرو من اجلصة‪ ،‬مث تتعرض للشقاء‪ ،‬بالكدح والعمل يف األرض بدال أن تكون‬
‫ُم ــصَـ ـ َّـع ـ ــما يف اجلصة‪.‬‬

‫ك الَ تَظْ َمأُ فِ َيها َوالَ‬


‫) * َوأَنّ َ‬ ‫ك أَالّ َجت ِ‬
‫وع ف َيها َوالَ تـَ ْعَر َ‬
‫ُ َ‬ ‫مث قال اهلل واعدا له إن فعل ذلك ﴿إِ ّن لَ َ‬
‫ض َحى﴾‪ ،‬أي لك إن مل تأكل من الشجرة أن تبقى يف اجلصة خالدا فيها ال جتوع وال تعر) من‬ ‫تَ ْ‬
‫اللباس‪ ،‬بل تلبس لباس أهل اجلصة من احلرير والديبا ‪ ،‬وأنك ال يُصيبك العطش وال تضحى‪ ،‬أي ال‬
‫يُصيبك احلر الشديد‪.‬‬

‫ولكن الشيطان حسد آدم على هذه الصعمة‪ ،‬فأغواه وزوجته‪ ،‬ووسوس هلما وزيَّن هلما األكل من‬
‫حرم اهلل علهما األكل مصها‪ ،‬وأقسم هلما أنه نالح هلما يف مشورته عليهما‪ ،‬وهو‬ ‫الشجرة اليت َّ‬
‫كاذب يف ذلك‪ ،‬وِما قاله هلما ليمكر بِـ ِهما‪ :‬إمنا هناكما ربكما عن األكل من مثار هذه الشجرة‬
‫من أجل أن ال تكونا ملَ َكني‪ ،‬ومن أجل أن ال تكونا خال َدين يف احلياة‪ ،‬فانطلت عليهما ِخدعة‬
‫إبليس لعصه اهلل‪ ،‬فأكال مصها‪ ،‬فغضب اهلل عليهما‪ ،‬وقال هلما أمل أهنكما عن األكل من تلك‬
‫الشجرة‪ ،‬وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو ُمبني‪ ،‬أي ظاهر العداوة؟‬

‫فصزع اهلل عصهما لباسهما‪ ،‬لباس أهل اجلصة‪ ،‬عقوبة هلما على تلك اخلطيئة‪ ،‬فراحا يغطيان عورتيهما‬
‫ان َعلَْي ِه َما ِمن َوَرِق ْ‬
‫اجلَصّة﴾‪ ،‬أي‪ :‬فأخذا يصزعان من ورق‬ ‫بأوراق اجلصة كما قال تعاىل ﴿وطَِف َقا ََيْ ِ‬
‫ص َف ِ‬
‫َ‬
‫أشجار اجلصة ويلصقانه على أنفسهما ليسرتا ما انكشف من عورتيهما‪.‬‬

‫ندما عظيما‪ ،‬وقاال‪ :‬ربصا ظلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمصا أنفسصا باألكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فلما علم آدم وحواء بأهنما أخطآ ندما ً‬
‫الشجرة‪ ،‬وإن مل تغفر لصا وترمحصا لصكونن من اخلاسرين‪ ،‬أي ِمـ َّمن أضاعوا حظَّهم يف دنياهم‬
‫وأُخراهم‪ ،‬فاستغفرا اهلل‪ ،‬أي طلبا مصه املغفرة وقبول التوبة‪ ،‬فأهلمهما اهلل قول كلمات فيها دعاء‬
‫وتذلل واستغفار فقاالها‪ ،‬قال اهلل تعاىل ﴿ فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب‬
‫الرحيم﴾‪ ،‬والكلمات هي ﴿ ربصا ظلمصا أنفسصا وإن مل تغفر لصا وترمحصا لصكونن من اخلاسرين﴾‪ ،‬فلما‬

‫‪12‬‬
‫قاالها تاب اهلل عليهما وغفر ذنبهما‪ ،‬كما قال تعاىل ﴿مث اجتباه ربه فتاب عليه وهد)﴾‪ ،‬ألن اهلل‬
‫تعاىل رحيم بعباده‪ ،‬يقبل توبة من أقبل عليه طالبا املغفرة والعفو‪ ،‬كما قال تعاىل عن نفسه ﴿وهو‬
‫الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون﴾‪.‬‬

‫مث بعد ذلك أهبط اهلل آدم وحواء من اجلصة إىل هذه األرض اليت نعيش عليها ‪ ،‬ليستقر آدم وذريته‬
‫يف األرض إىل أن تصقضي آجال الصاس ‪ ،‬مث يبعثهم اهلل يوم القيامة وُياسبهم ‪ ،‬فمن اختار طريق‬
‫اإلميان كان مصريه إىل اجلصة ‪ ،‬ومن أعرض عن اإلميان كان من أهل الصار عياذا باهلل ‪ ،‬قال اهلل تعاىل‬
‫ال فِ َيها َْحتيَـ ْو َن‬
‫اع إِ َىل ِحني * قَ َ‬ ‫ض ُك ْم لِبَـ ْعض َع ُد ٌّو َولَ ُك ْم ِيف ْاأل َْر ِ‬
‫ض ُم ْستَـ َقٌّر َوَمتَ ٌ‬ ‫ال ْاهبِطُوا بَـ ْع ُ‬ ‫﴿قَ َ‬
‫َوفِ َيها متَُوتُو َن َوِمْصـ َها ُختَْر ُجون﴾‪.‬‬

‫‪ .21‬وللفائدة العلمية‪ ،‬ف هصاك مزيد تفصيل يف إثبات أن مبدأ توار اخلطيئة األوىل ليس إال خرافة‪،‬‬
‫جيدها القارئ الكرمي والقارئة الكرمية يف الرابطني التاليني‪:‬‬
‫‪http://www.gospeltruth.net/OS100bibleverses.htm‬‬

‫‪https://www.christiancourier.com/articles/276-original-sin-and-a-‬‬
‫‪misapplied-passage‬‬

‫‪13‬‬
‫‪ .22‬سر المسألة – خداع بولس للناس‪ ،‬وهو العامل التاريخي‬

‫وهصا قد يأيت سائل مثقف‪ ،‬أو سائلة مثقفة‪ ،‬فيسأالن سؤاال مصطقيا فيقوالن‪:‬‬
‫إذا كانت املصادر اإلجنيلية املعالرة تقرر أنه ليس مثة خطيئة متوارثة‪ِ ،‬‬
‫فمن أين دخلت عليصا هذه‬
‫العقيدة؟‬
‫أحد مسألة اخلالص؟‬
‫وبصاء على ماذا يعلمصا القساوسة ويؤكدون لصا يف كل يوم َ‬
‫ما هو عمدهتم يف هذه األقوال والعقائد البعيدة كل البعد عما هو مذكور يف العهد القدمي واجلديد‬
‫من الصصوص اليت تقرر خالف ما يقررونه يف الكصائس‪ ،‬فضال عن كوهنم ميصعون املثقفني واملثقفات‬
‫من جمرد السؤال عصها فضال عن االعرتاض؟!‬
‫اجلواب هو ما سصع ِرضه يف الصفحات القليلة القادمة بإجياز عن مصدر عقيدة اخلطيئة من األلف‬
‫إىل الياء‬
‫مقدمة‬ ‫‪‬‬

‫إن التاريخ يبني أن عقيدة أن ااملسيح ابن اهلل مل تُعرف بني أتباع املسيح إال بعد رفعه إىل السماء‪ ،‬والذي‬
‫أدخلها رجل يهودي امسه شاول‪ ،‬عُِرف الحقا باسم بولس الرسول‪ ،‬اويُلفظ أحيانا‪ :‬بولص ‪ ،‬ابتدع هذه العقيدة‬
‫وعقائد أخر) وأدخلها مجيعا يف املسيحية األللية الصحيحة‪ ،‬فصار الصصار) ااملسيحيون ال يَـ ـ ْـتـ ــبعون يف‬
‫احلقيقة والواقع دين املسيح اليسوع الذي جاء به من عصد اهلل‪ ،‬بل يتبعون الدين احملرف الذي ابتدعه بولس‪.‬‬
‫وبولس يف األلل رجل يهودي كما أسلفصا‪ ،‬ظهر على مسرح األحدا بعد رفع املسيح حبوايل ثال إىل مخس‬
‫سصوات‪ ،‬فانقلب فجأة ودون مقدمات من َع ُدٍّو جمرم ومتطرف يف عداوته ضد يسوع ورسالته وأتباعه‪ ،‬إىل رسول‬
‫موحى إليه ِمن قَِـب ِـل اهلل ومن قِـَبل يسوع أيضا‪ ،‬ف ّادعى مخسة أمور‪:‬‬
‫األول‪ :‬أنه رسول ُمـ ـ َع ـ ـَّيـ ـ ـن من قِبل يسوع‪.‬‬

‫الثاني‪َّ :‬ادعى أن اليسوع أَوحى إليه إجنيالً‬


‫الثالث‪َّ :‬ادعى أن املسيح ابن اهلل‪.‬‬
‫الرابع‪َّ :‬ادعى أن خطيئة أبيصا آدم وأمصا حواء مل تُغفر‪ ،‬وأن البشرية توارثتها عرب القرون‪ ،‬وهي املعروفة ب ـ‬
‫«اخلطيئة» أو «املعصية األوىل» ‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬ا َّدعى بولس أن يسوع أرسله اهلل فصزل إىل األرض ليُصلب ويتعذب فداء للبشرية من خطيئة أبَويهم‬
‫آدم وحواء ‪.‬‬
‫هدف بولس النهائي هو الوصول إلى هدفين‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫‪14‬‬
‫األول‪ :‬هدم دين املسيح من الداخل‪ ،‬بتحريفه وتشويهه وحتويله إىل دين آخر خمتلف متاما يف جوه ِرهِ عن دين‬
‫املسيح‪.‬‬
‫جعله متوافقا مع مبادئهم الوثصية‪.‬‬ ‫الثاني‪ :‬استمالة الوثصيني الرومان إىل الدين اجلديد الذي َّ‬
‫لممه هلم‪ ،‬بأن َ‬
‫ولكي ُيقق بولس هدفه بسهولة ويتجصب املواجهة مع أتباع املسيح‪ ،‬دخل بولس يف دين املسيح ايف الظاهر ‪،‬‬
‫وحبه يف الظاهر‪ ،‬ويف الباطن‬ ‫وكان ذلك مصه نفاقا وخداعا ألتباع املسيح احلقيقيني‪ ،‬بأن كان يُظهر اتِّ ـ ـ َ‬
‫ـباع املسيح َّ‬
‫كان َيفي الكفر به وبدعوته‪ ،‬وبعبارة أخر) فقد كان بولس مصاف ًقا‪ ،‬جعل نفاقه ستارا يتسرت به‪ ،‬ونقطة بداية‬
‫يصطلق مصها إىل عملية ختريب واسعة الصطاق يف رسالة ودين يسوع املسيح‪.‬‬
‫ومن اإليجاز ننتقل إلى التفصيل لفهم دور بولس في تحريف رسالة المسيح‪ ،‬وبيان ذلك يتضح في ستة‬
‫نقاط نسردها على سبيل اإليجاز ثم نتكلم على كل واحدة بالتفصيل‬

‫النقطة األولى‪ :‬إثبات عداوة بولس للمسيح وأتباعه‬ ‫‪‬‬

‫النقطة الثانية‪ :‬بولس يدَّعي أنه رسول مُـعـيَّن من عند المسيح‪ ،‬وينقلب انقالبا مفاجئا من عدو شرس‬ ‫‪‬‬
‫للمسيح ودعوته إلى نبي موحى إليه من المسيح نفسه!‬

‫النقطة الثالثة‪ :‬دعوى بولس أن المسيح ابن الرب‪( ،‬تعالى اهلل عن أن يتخذ ولدا)‬ ‫‪‬‬

‫النقطة الرابعة‪ :‬دعوى بولس أن المسيح هو الرب‪( ،‬تعالى اهلل عن ذلك)‬ ‫‪‬‬

‫النقطة الخامسة‪ :‬دعوى بولس أن خطيئة أبيهم آدم باقية‪ ،‬وأن البشر توارثوها‪ ،‬وأن اهلل أرسل ابنه‬ ‫‪‬‬
‫المسيح (فاديا) لـ ـ ـيُـ ـخلصهم من خطيئة أبيهم آدم‪ ،‬بأن يموت مقتوال مصلوبا‪ ،‬وبذلك يرضى الرب‬
‫وتـتـم المصالحة بينه وبين البشر‬

‫النقطة السادسة‪ :‬إثبات كذب بولس في دعواه أن المسيح أرسله وغيرها من الدعاوى‬ ‫‪‬‬

‫التفصيل‬

‫النقطة األولى‪ :‬إثبات عداوة بولس للمسيح وأتباعه‬ ‫‪‬‬

‫مقدمة‪ :‬كان الصاس يف فلسطني يصظرون للمسيح ابن مرمي قبل أن يبدأ يف دعوته على أنه إنسان مثلهم‪ ،‬وملا بدأ‬
‫دعوته لقومه اليهود انقسموا إىل قسمني‪:‬‬

‫األول‪ٌ :‬‬
‫قوم لدقوه وآمصوا برسالته واتبعوه‪ ،‬وأنه ن ي بشر مرسل من اهلل سبحانه وتعاىل إليهم‬

‫والقسم الثاني‪ٌ :‬‬


‫قوم كذبوه ومل يؤمصوا به‪ ،‬واهتموه بأنه مدَّع للصبوة‪.‬‬
‫وقد حاول أعداء املسيح من اليهود توريط املسيح مع السلطات الرومانية احلاكمة لفلسطني آنذاك‪ ،‬لعلهم‬
‫يصطادونه بكلمة يقوهلا ضد تلك السلطات‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫وهصا قد يسأل سائل فيقول‪ :‬ملاذا يكره اليهود املسيح؟‬
‫فاجلواب‪ :‬إن دعوة املسيح وتعاليمه السمحة تتصاقض مع طبائع اليهود املادية الشرهة‪ ،‬وقلوهبم القاسية املتكربة‬
‫املتحجرة‪ ،‬فلما جاءهم اهتموه بأنه مدَّع للصبوة‪ ،‬وكفروا باآليات الدالة على نبوته‪ ،‬وقالوا إهنا تتم مبساعدة‬
‫الشياطني‪.‬‬
‫وبعد رفع املسيح إىل السماء بسصوات قليلة جاء بولس اليهودي‪ ،‬املتطبع بطبائع اليهود من رأسه إىل أمخص‬
‫فادعى أن املسيح إلـٰه وأنه ابن اهلل‪ ،‬فتبعه من تبعه على هذا االعتقاد‪ ،‬فصشأ قسم ثالث يضاف إىل‬
‫ق َدميه‪َّ ،‬‬
‫القسمني اآلنف ذكرمها‪.‬‬
‫سرد النصوص ال ُـمـثبتة لعداوة بولس للمسيح ودينه وأتباعه‬ ‫‪‬‬
‫جاء عصه يف «أعمال الرسل» «‪:»3/8‬‬ ‫‪‬‬

‫«وأما شاول فكان يسطو على الكنيسة‪ ،‬وهو يدخل البيوت وجير رجاال ونساء ويسلمهم إلى‬
‫السجن»‪.‬‬

‫وقال يف «رسالته إىل أهل غالطية» ا‪: 13/1‬‬ ‫‪‬‬

‫« فإنكم مسعتم بسرييت قبال يف الديانة اليهودية‪ ،‬أِن كصت أضطهد كنيسة اهلل بإفراط وأُتـ ـلفها»‪.‬‬

‫وجاء عصه يف «أعمال الرسل» ا‪ 11-9/26‬أنه قال للملِك أغريباس‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫« فأنا ارتأيت يف نفسي أنه يصبغي أن ألصع أمورا كثرية مضادة السم يسوع الناصري‪.‬‬

‫فحبست في سجون كثيرين من القديسين‪ ،‬آخذا السلطان من قِ ـ ـ ـَبل‬


‫ُ‬ ‫وفعلت ذلك أيضا يف أورشليم‪،‬‬
‫رؤساء الكهصة‪ .1‬وملا كانوا يُـ ـقتلون ألقيت قرعة بذلك‪.‬‬

‫ويف كل اجملامع كصت أعاقبهم مرارا كثيرة‪ ،‬وأضطرهم إىل التجديف‪ .2‬وإذ أَفـ ـ ـ َرط َحـ ـ ـَص ـ ـقي عليهم كصت‬
‫أطردهم إلى المدن التي في الخارج»‪.‬‬

‫جاء عن بولس يف بداية اإللحاح التاسع من «أعمال الرسل»‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫«أما شاول فكان مل يزل ينفث تهددا وقتال على تالميذ الرب‪ ،‬فتقدم إىل رئيس الكهصة‬

‫وطلب مصه رسائل إىل دمشق‪ ،‬إىل اجلماعات‪ ،‬حىت إذا وجد أناسا من الطريق‪ ،‬رجاال أو نساء‪،‬‬
‫يسوقهم موثقين إلى أورشليم‬

‫ويف ذهابه حد أنه اقرتب إىل دمشق فبغتة أبرق حوله نور من السماء‬

‫‪ 1‬أي أنه كان يستمد سلطته يف التقتيل من رؤساء الكهصة اليهود‪.‬‬


‫‪ 2‬التجديف هو الكذب والبهتان وقول الكفر‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫فسقط على األرض ومسع لوتا قائال له‪ :‬شاول‪ ،‬شاول ملاذا تضطهدِن‬

‫فقال‪ :‬من أنت يا سيد؟ فقال الرب‪ :‬أنا يسوع الذي أنت تضطهده‪ .‬لعب عليك أن ترفس مصاخس‬

‫فقال وهو مرتعد ومتحري‪ :‬يا رب‪ ،‬ماذا تريد أن أ فعل؟ فقال له الرب‪ :‬قم وادخل املديصة فيقال لك ماذا‬
‫يصبغي أن تفعل»‪.‬‬

‫النقطة الثانية‪ :‬بولس يكذب على الناس‪ ،‬ويدَّعي أنه رسول ُمـعـيَّن من عند المسيح نفسه‪ ،‬وينقلب‬ ‫‪‬‬
‫انقالبا مفاجئا من عدو شرس للمسيح ودعوته إلى نبي موحى إليه من المسيح نفسه!‬

‫جاء عصه يف «أعمال الرسل» ا‪ 18- 12/26‬أنه قال للملِك أغريباس‪:‬‬

‫«وملا كصت ذاهبا يف ذلك إىل دمشق بسلطان وولية من رؤساء الكهصة‬

‫رأيت يف نصف الصهار يف الطريق‪ ،‬أيها امللِك‪ ،‬نورا من السماء أفضلُ من ملعان الشمس‪ ،‬قد أبرق حويل‬
‫وحول الذاهبني معي‪.‬‬

‫فلما سقطصا مجيعصا على األرض مسعت لوتا يكلمين ويقول باللغة العربانية‪ :‬شاول‪ ،1‬شاول‪ ،‬ملاذا‬
‫تضطهدِن؟ لعُب عليك أن ترفس مصاخس‬

‫فقلت أنا‪ :‬من أنت يا سيد؟ فقال‪ :‬أنا يسوع الذي أنت تضطهده ‪.‬‬

‫أيت وبما سأُظهر‬


‫ظهرت لك‪ ،‬ألنتخبك خادما وشاهدا بما ر ُ‬
‫ُ‬ ‫ولكن قم وقف على رجليك ألِن هلذا‬
‫لك به‬

‫مصقذا إياك من الشعب ومن األمم الذين أنا اآلن أرسلك إليهم‬

‫لتفتح عيوهنم كي يرجعوا من ظلمات إىل نور‪ ،‬ومن سلطان الشيطان إىل اهلل‪ ،‬حىت يصالوا باإلميان يب‬
‫غفران اخلطايا ونصيبا مع املقدسني»‪.‬‬

‫انتهى كالمه‪.‬‬

‫التعليق‪:‬‬

‫ما هو مكتوب يف هذا الصص ليس إال دعو) َّادعاها بولس لصفسه‪ ،‬ليس عليها إثبات‪ ،‬وكل إنسان مبقدوره أن‬
‫يدَّعيها‪ ،‬وسيتبني كذبه فيما قال قريبا‪.‬‬

‫وقال بولس يف رسالته إىل أهل غالطية ا‪: 12-11 ،1/1‬‬

‫«بولس‪ ،‬رسول ال من الصاس وال بإنسان‪ ،‬بل بيسوع المسيح واهلل اآلب الذي أقامه من األموات‪.‬‬

‫‪« 1‬شاول» هو اسم «بولس» األللي‪ ،‬وقد تسمى بعد ذلك باسم «بولس»‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫وأُ َعـ ـِّرفكم أيها اإلخوة اإلنجيل الذي بُـ ـ ِّشـ ـ ُ‬
‫رت به‪ ،‬أنه ليس حبسب إنسان‬

‫ألِن مل أَْق ـ ـَبله من عصد إنسان وال علِمته‪ .‬بل بإعالن يسوع المسيح» ‪.‬‬

‫وقال كما يف «أعمال الرسل» ا‪ 21/22‬أن اهلل قال له‪« :‬اذهب‪ ،‬فإني سأرسلك إلى األمم بعيدا» ‪.‬‬

‫النتيجة‬ ‫‪‬‬

‫كانت نتيجة دعو) بولس أنه رسول من عصد املسيح وأن املسيح أوحى إليه إجنيال أنه استحوذ على كل‬
‫وحل محله يف نظر الصاس‪ ،‬كما أنه َسحب البساط من حتت تالميذ املسيح احلقيقيني‬ ‫لالحيات املسيح‪َّ ،‬‬
‫حل محل‬
‫الذين تلقوا عن املسيح‪ ،‬ألنه لار يف مصزلة أعلى مصهم‪ ،‬إذ َّادعى أنه رسول‪ ،‬وبطبيعة احلال فإنه َّ‬
‫املسيح يف نظرهم‪ ،‬ولار عصده سلطات تشريعية وتصفيذية كاملة ليضع ما شاء من العقائد‪ ،‬وميحو ما شاء‬
‫كما ُيلو له‪ ،‬والصاس لدقته يف كذبه‪ ،‬تعاىل اهلل عن إفك هذا األفَّ ـ ــاك عُـلُ ـ َّـوا كبريا‪.‬‬

‫وحجم دعو) بولس أن املسيح أوحى له إجنيال يتضح من حجم رسائله امللحقة باألناجيل األربعة‪ ،‬واليت‬
‫اختذها املسيحيون ديصا‪ ،‬فإن عدد الرسائل امللحقة باألناجيل ثالثا وعشرين‪ ،‬يوجد مصها أربعة عشر رسالة‬
‫مصسوبة إليه‪ ،‬أي ما يعادل ‪ %61‬من تلك الرسائل هي من وضع بولس!‬

‫تعليق على ما تقدم من النصوص التي تقرر انتقال بولس المفاجئ من العداوة للمسيح ودينه وأتباعه إلى‬ ‫‪‬‬
‫رسول موحى إليه من قــبـل المسيح‬

‫عدو إىل‬
‫قال الشيخ متويل يوسف شل ي عن بولس‪ :‬وهصا جيد القارئ فجوة‪ ،‬وذلك أن بولس انتقل فجأة من ٍّ‬
‫صدِّر ملا أبغضه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ن ي‪ ،‬ومن ُمبغض إىل ُم َ‬
‫فهل اهلل َيتار أنبياءه من األشرار أو اخلصوم لديصه؟‬

‫وهل ميكن – من الصاحية الصفسية – أن يصتقل رجل من حالة عداوة شيء إىل حالة اإلميان به طفرة واحدة‪،‬‬
‫فضال عن أن يكون أحد أعمدة وأسس العقيدة اليت كان يكفر هبا ويقتل ألحاهبا ويزرع الفزع يف قلوب‬
‫معتصقيها؟‪1‬‬

‫أترك اجلواب للقارئ الكرمي والقارئة الكرمية‪.‬‬

‫وقال الشيخ محمد أبو زهرة – رمحه اهلل ‪ -‬مستشهدا مبا تقدم‪:‬‬

‫إن ذلك الرجل الذي كاد للمسيحية هذا الكيد‪ ،‬وآذ) أهلها ذلك اإليذاء‪ ،‬قد انتقل إىل املسيحية فجأة من‬
‫له‪2.‬‬ ‫غري مقدمات تقدمت ذلك االنتقال‪ ،‬وال متهيدات ُم ِّهدت‬

‫‪« 1‬أضواء على املسيحية»‪ ،‬ص ‪. 86‬‬


‫‪« 2‬محاضرات يف الصصرانية»‪ ،‬ص ‪ ،21‬باختصار يسري‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫النقطة الثالثة‪ :‬دعوى بولس أن المسيح ابن اهلل‪( ،‬تعالى اهلل عن أن يتخذ ولدا)‬ ‫‪‬‬

‫جاء يف أعمال الرسل ا‪ 21-21/9‬عن بولس‪« :‬وللوقت جعل يُكـ ـ ـِّرز يف اجملامع باملسيح‪ :‬أن هذا هو ابن‬
‫اهلل‪.‬‬

‫فبُهت مجيع الذين كانوا يسمعون وقالوا‪ :‬أليس هذا هو الذي أهلك يف أورشليم الذين يَ ْدعُون هبذا االسم؟‬
‫وقد جاء إىل هصا هلذا ليسوقهم موثقني إىل رؤساء الكهصة؟!»‬

‫النقطة الرابعة‪ :‬دعوى بولس أن المسيح هو الرب‪( ،‬تعالى اهلل عن ذلك)‬ ‫‪‬‬

‫جاء يف كالم بولس أن املسيح هو الرب‪ ،‬قال يف رسالته إىل أهل رومية ا‪: 9/11‬‬

‫«وليس ذلك فقط‪ ،‬بل نفتخر أيضا باهلل‪ ،‬بربنا يسوع المسيح‪ ،‬الذي نِلصا به اآلن املصاحلة»‪.‬‬

‫وقال يف ا‪ 11/7‬من الرسالة نفسها‪:‬‬

‫«ألنك إن اعرتفت بفمك بالرب يسوع‪ ،‬وآمصت بقلبك أن اهلل أقامه من األموات‪ ،‬خلصت»‪.‬‬

‫فماذا كانت النتيجة من تقرير بولس لهاتين العقيدتين بين بني إسرائيل؟‬

‫بصاء على هاتني العقيدتني اللَّـ ـ ـ ـ ــتني ب ـ ـثَّـ ــهما بولس يف بين إسرائيل اعقيدة أن املسيح هو الرب وابن الرب فقد‬
‫لار عصد املسيحيني إلـٰهان اثصان؛ اآلب واالبن‪ ،‬فصاروا يتوجهون إىل املسيح بالدعاء‪ ،‬ويعبدونه‪ ،‬بعد أن كانوا‬
‫يعبدون اهلل وحده‪ ،‬وبهذا التحريف دخل الشرك بثوب جديد في بني إسرائيل بغطاء ديني‪ ،‬وسار هذا‬
‫بيصهم بشكل غير رسمي وغير ملزم ‪ ،‬واستمر الوضع هكذا بني مؤيد ومعارض‪ ،‬حىت مت فرض وتثبيت عقيدة‬
‫تأليه املسيح وبـُـصُـ َّـوتـِ ِـه هلل بعد ثالثة قرون يف جممع نيقية سصة ‪327‬م‪ ،‬أي بعد رفع املسيح حبوايل ‪311‬سصة‪،‬‬
‫فصار الشخص املسيحي عصدما يقول‪ :‬اهلل‪ ،‬الرب‪ ،‬أو‪ :‬يا إلـٰهي‪ ،‬فإنه يعين املسيح عيسى ابن مرمي‪.‬‬

‫النقطة الخامسة‪ :‬دعوى بولس أن خطيئة أبيهم آدم باقية‪ ،‬وأن البشر توارثوها‪ ،‬وأن اهلل أرسل ابنه‬ ‫‪‬‬
‫المسيح (فاديا) لـ ـ ـيُـ ـخلصهم من خطيئة أبيهم آدم‪ ،‬بأن يموت مقتوال مصلوبا‪ ،‬وبذلك يرضى الرب‬
‫وتـتـم المصالحة بينه وبين البشر‬

‫تفصيل‬
‫مل ِ‬
‫يكتف اليهودي بولس مبا تقدم من حتريف يف رسالة املسيح عيسى ابن مرمي الصافية‪ ،‬واملتمثلة بدعو) أن‬
‫املسيح ابن اهلل وأن املسيح أوحى إليه إجنيال‪ ،‬بل أضاف عليها أمرا آخر‪ ،‬تطور فيما بعد حىت لار أحد‬
‫وسـ ِّميت فيما بعد باسم‬
‫احملاور والعقائد املهمة اليت تدور عليها الديانة اجلديدة اليت اخرتعها ابولس ُ‬
‫ااملسيحية ‪ ،‬فقد اخرتع بولس من خمالفة آدم وحواء ألمر رهبما وأكلِهما من الشجرة اليت هنامها عن األكل‬

‫‪19‬‬
‫مصها‪ ،‬اخرتع من ذلك عقيدةً جديدة اشتُهرت باسم «اخلطيئة» أو «املعصية األوىل»‪ ،‬حيث َّادعى بولس أن‬
‫تلك اخلطيئة اليت ارتكبها آدم كبرية جدا‪ ،‬وأ ن اهلل مل يغفرها آلدم وحواء‪ ،‬وأنه ال ميكن ألي عدد من احليوانات‬
‫اليت تُذبح كقرابني لكي تُـ َكــفِّر عصها‪ ،‬وأن البشر توارثوا هذه اخلطيئة مصذ عشرات القرون‪ ،‬قرنا بعد قرن‪ ،‬فال‬
‫يولد طفل إال وهو حامل هلذا الذنب‪ ،‬وأن السبيل الوحيد لتكفري هذا الذنب هو أن اهلل أرسل ابصه الوحيد‬
‫يسوع اعيسى إىل األرض هبيئة بشرية لــيُ ـقــتَل على الصليب‪ ،‬ليكون هو األضحية حبسب زعمه‪ ،‬ليُ َكفِّر عن‬
‫البشر تلك اخلطيئة‪ ،‬فمن آمن باملسيح أنه ابن اهلل وأن اهلل أرسله ليُ َكـ ــفِّر عن البشر ذلك الذنب فإن املسيح‬
‫ومن تبِعاته‪ ،‬ومن مل يؤمن فسيبقى مرهونا بذنبه وتكون عاقبته الصار‪.‬‬ ‫سيخ ـ ـ ــلِّصه من هذا الذنب ِ‬
‫ُ‬
‫فرا هذا املبدأ على أجيال الصصار)‪ ،‬ظانني أهنم فعال توارثوا تلك اخلطيئة‪ ،‬وأن طريق اخلالص من هذا الذنب‬
‫ال يكون إال باعتقاد أن اليسوع هو ال ُـم َخـ ــلِّص‪ ،‬وأن اليسوع لن َيلص أحدا حىت يعبده ويتوجه إليه بالدعاء‪،‬‬
‫ـخـ ِّـلص والفادي من تلك اخلطيئة‪.‬‬ ‫ويعتقد أنه ابن اهلل وأنه هو ال ُـم َ‬
‫واملسيحيون يعتقدون ذلك فعال بالرغم من أهنم ال ذنب هلم يف هذا التوار املزعوم‪ ،‬وبالرغم من أن آدم قد‬
‫تاب ألال من ذنبه فَ ـ ـ َـغـ ـ ـَفـ ـ َـر اهلل له وانتهى موضوع اخلطيئة يف حيصه قبل قرون غابرة‪ ،‬ولم ي ـ ــعُـ ــد للذنب‬
‫وجود!‬

‫قال الباحث املتخصص األستاذ عبد الوهاب بن لاحل الشايع حفظه اهلل‪:‬‬

‫قتل اليهود للمسيح على الصليب فقد جعل بولس من تلك احلادثة إحد)‬ ‫«بصاء على ما عُ ِرف وشاع من ِ‬
‫ـشـ ـ ِّـكلها بتؤدة على أنقاض ديانة ورسالة املسيح عليه السالم‪،‬‬ ‫أهم العقائد يف الديانة اليت أخذ يـُ ــصشئها ويـُ ـ َ‬
‫مرتكزا على العقيدتني السابقتني اللتني أنشأمها اعقيدة اخلطيئة أو املعصية األوىل‪ ،‬وعقيدة تأليه املسيح وبـُـصُـ َّـوتـِ ِـه‬
‫هلل ‪.‬‬

‫حيث زعم بولس أن من لفات اهلل سبحانه وتعاىل العدل والرحمة‪ ،‬فبمقتضى عدله كان عليه أن يعاقب‬
‫البشرية كلها على تلك اخلطيئة واملعصية األوىل اليت توارثوها عن أبويهم آدم وحواء‪ ،‬ومبقتضى رحمته كان عليه‬
‫أن يغفر للبشرية تلك اخلطيئة‪ .‬وملا كانت تلك اخلطيئة أو املعصية كبرية جدا وال ميكن ألي أضحية من‬
‫األغصام أو األبقار أو غريها من احليوانات مهما بلغ عددها أن تُـ ـ َكـ ــفِّر عصها فلم تكن هصاك وسيلة أو سبيل‬
‫أمام اهلل اسبحانه وتعاىل عما يقولون لتكفري تلك اخلطيئة عن البشرية واجلمع بني عدله ورمحته ومصاحلته مع‬
‫البشرية إال أن يرسل اهلل اتعاىل عما يقولون ابصه الوحيد يسوع – عيسى ابن مرمي عليه السالم – الذي جتسد‬
‫هبيئة بشرية ونزل إىل األرض لكي يُهان ويعذب ويقتل على الصليب وهو راض‪ ،‬ليكون هو األضحية أو‬
‫كل من يؤمن بأن يسوع هو ابن اهلل الوحيد‪ ،‬وأنه قُـتِل على الصليب‬
‫ـخلِّص َّ‬
‫الفادي أو املخلص الذي يَفدي ويُ َ‬
‫ليفديهم بصفسه من تلك اخلطيئة‪ ،‬ويصاحلهم مع أبيه اهلل – سبحانه وتعاىل عما يصفون – الذي كان غضبانا‬
‫عليهم‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫وأنه بعد أن ُدفِن ملدة ثالثة أيام بلياليها قام من املوت وقام لتالميذه وغريهم‪ ،‬وبعد أربعني يوما ُرفِع إىل السماء‬
‫وجلس على ميني اهلل‪ ،‬وإنه سيعود لألرض مرة ثانية ليُحاسب األحياء واألموات‪.‬‬

‫وهذا هو التكييف أو التعليل الذي اعتمد عليه بولس لتأليه املسيح عيسى ابن مرمي عليه السالم‪ ،‬وقدَّمه إىل‬
‫الوثصيني األوربيني وغريهم من شعوب اإلمرباطورية الرومانية ال كرسول من اهلل اسبحانه وتعاىل إىل بين‬
‫إسرائيل‪ ،‬وإنما كابن هلل نزل إلى األرض لكي يُهان ويُقتل على الصليب لكي يفديهم بصفسه ويصقذهم من‬
‫غضب أبيه اإللـٰه لكي يغفر هلم خطية أبيهم آدم وأمهم حواء اليت توارثوها مصهما فيما عُ ِرف عصدهم باسم‬
‫اخلطيئة أو املعصية األوىل‪.‬‬

‫وهبذه العقائد الوثصية ازدادت أعداد الوثصيني األوربيني وغريهم الداخلني إىل هذه الديانة اجلديدة القريبة من‬
‫»‪1 .‬‬ ‫أفهامهم ومعتقداهتم وما اعتادوا عليه‪ ،‬واليت ستعرف فيما بعد باسم ااملسيحية‬

‫انتهى كالمه حفظه اهلل‪.‬‬

‫مقتطفات تثبت أن تقرير الخطيئة األولى وعقيدة الفداء إنما هو من كالم بولس‬

‫‪ ‬رسالة بولس إلى أهل رومية (‪:)22 – 22/3‬‬

‫« ُمـ ـ ـتبررين مجانا بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح ‪.‬‬

‫الذي قدمه اهلل كفارة باإليمان بدمه‪ ،‬إلظهار بره‪ ،‬من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال اهلل» ‪.‬‬

‫‪ ‬رسالة بولس إلى أهل رومية (‪:)11 – 8/2‬‬

‫«ولكن اهلل بـ ـ ـَّي ـ ـن محبته لنا‪ ،‬ألنه ونحن بعد خطاةٍ مات المسيح ألجلنا‪.‬‬

‫فباألولى كثيرا ونحن ُمتبررون اآلن بدمه نخلص به من الغضب‪.‬‬

‫ألنه إن كنا ونحن أعداء قد صولحنا مع اهلل بموت ابنه‪ ،‬فباألولى كثيرا ونحن مصالحون نخلص‬
‫بحياته‪.‬‬

‫وليس ذلك فقط‪ ،‬بل نفتخر أيضا باهلل‪ ،‬بربنا يسوع المسيح‪ ،‬الذي نلنا به اآلن المصالحة» ‪.‬‬

‫‪ ‬رسالة بولس إلى أهل رومية (‪:)9/11‬‬

‫‪1‬‬
‫ص ‪ 113 – 112‬من كتاب‪« :‬تاريخ الصصرانية – مدخل لصشأهتا ومراحل تطورها عرب التاريخ»‪ ،‬املؤلف‪ :‬عبد الوهاب بن لاحل‬
‫الشايع‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫« ألنك إن اعترفت بفمك بالرب يسوع‪ ،‬وآمنت بقلبك أن اهلل أقامه من األموات‪ ،‬خلصت»‪.‬‬

‫‪ ‬وقال كما في رسالة بولس الرسول األولى إلى أهل كورنثوس (‪:)2-3/12‬‬

‫« فإنني سلمت إليكم في األول ما قبلته أنا أيضا‪ :‬أن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب‬

‫وأنه ُدف ـ ـ ـن‪ ،‬وأنه قام في اليوم الثالث حسب الكتب» ‪.‬‬

‫‪ ‬وقال كما في رسالته إلى أهل غالطية (‪:)2 – 2/2‬‬

‫«ولكن لما جاء تمام الزمان‪ ،‬أرسل اهلل ابنه وقد ُولــد من امرأة ليحرر بالفداء أولئك الخاضعين‬
‫للشريعة» ‪.‬‬

‫‪ ‬وقال أيضا في رسالته إلى أهل غالطية (‪:)13/3‬‬

‫«المسيح افتدانا من لعنة الناموس‪ ،‬إذ صار لعنة ألجلنا‪ ،‬ألنه مكتوب‪ :‬ملعون كل من عُ ـ ـلِّق على‬
‫خشبة» ‪.‬‬

‫تعليق‪ :‬تبني ِما سبق من كالم بولس أنه هو واضع هذه العقيدة‪ ،‬عقيدة اخلطيئة‪ ،‬وأهنا ليست من عصد اهلل‪ ،‬ولو‬
‫أهنا كانت ِمن عصد اهلل لقررها املسيح نفسه‪ ،‬ألنه رسول من عصد اهلل‪ ،‬يبني للصاس أمور ديصهم‪.‬‬
‫فإذا تبني أهنا عقيدة خمرتعة من عصد بولس فإنه يبطل بذلك ما بعدها‪ ،‬وهي عقيدة التحرر من اخلطيئة‪ ،‬بكون‬
‫املسيح كان فاديا وخملصا للصاس من تلك اخلطيئة املزعومة‪.‬‬
‫كما تبطل بذلك عقيدة للب املسيح اليت جاء هبا بولس‪ ،‬ويبقى احلق الذي قررته األناجيل مث القرآن بأن اهلل‬
‫ـسهُ أذ)‪.‬‬
‫رفع املسيح إىل السماء دون أن يَ َـمـ َّ‬
‫مث تأمل أيها القارئ الكرمي بـُ ــغض بولس للتوراة‪ ،‬كيف أنه ولف الصاموس االذي هو التوراة بأنه لعص ًة‪.‬‬
‫وانظر أيضا إىل ولفه للمسيح بأنه لعصة‪ ،‬وذلك يف قوله الار لعصة ألجلصا !‬
‫مث بعد ذلك يقول هذا اخلبيث خمادعا للصاس أن املسيح أوحى إليه‪ ،‬وأنه ن ي أرسله املسيح إىل الصاس‪.‬‬
‫مث انظر إىل املسيحيني كيف يُصدقونه ويـُ َعظِّمونه فيما َّادعاه لصفسه بأنه رسول!‬
‫وخالصة القول‪:‬‬
‫إن التاريخ يثبت أن عقيدة أن ااملسيح ابن اهلل مل تُعرف بني أتباع املسيح إال بعد رفعه إىل السماء‪ ،‬والذي‬
‫أدخلها هو اليهودي شاول‪ ،‬والذي عُ ِرف الحقا باسم بولس الرسول‪ ،‬اويُلفظ أحيانا‪ :‬بولص ‪ ،‬ابتدع هذه‬
‫العقيدة وعقائد أخر) وأدخلها مجيعا يف املسيحية األللية الصحيحة‪ ،‬فصار الصصار) ااملسيحيون ال يَـ ـْتـ ــبعون‬
‫يف احلقيقة والواقع دين املسيح اليسوع الذي جاء به من عصد اهلل‪ ،‬بل يتبعون الدين احملرف الذي ابتدعه بولس‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫وبولس يف األلل رجل يهودي كما أسلفصا‪ ،‬ظهر على مسرح األحدا بعد رفع املسيح حبوايل ثال إىل مخس‬
‫سصوات‪ ،‬فانقلب فجأة ودون مقدمات من َع ُدٍّو جمرم ومتطرف يف عداوته ضد يسوع ورسالته وأتباعه‪ ،‬إىل رسول‬
‫موحى إليه ِمن قَِـب ِـل اهلل ومن قَِـبل يسوع أيضا‪ ،‬ف ّادعى مخسة أمور‪:‬‬
‫األول‪ :‬أنه رسول ُمـ ـ َع ـ ـَّيـ ـ ـن من قِبل يسوع‪.‬‬

‫الثاني‪َّ :‬ادعى أن اليسوع أَوحى إليه إجنيالً‬


‫الثالث‪َّ :‬ادعى أن املسيح ابن اهلل‪.‬‬
‫الرابع‪َّ :‬ادعى أن خطيئة أبيصا آدم وأمصا حواء مل تُغفر‪ ،‬وأن البشرية توارثتها عرب القرون‪ ،‬وهي املعروفة ب ـ‬
‫«اخلطيئة» أو «املعصية األوىل» ‪.‬‬
‫الخامس‪َّ :‬ادعى بولس أن يسوع أرسله اهلل فصزل إىل األرض ليُصلب ويتعذب فداء للبشرية من خطيئة أبَويهم‬
‫آدم وحواء ‪.‬‬
‫هدف بولس النهائي هو الوصول إلى هدفين‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫األول‪ :‬هدم دين املسيح من الداخل‪ ،‬بتحريفه وتشويهه وحتويله إىل دين آخر خمتلف متاما يف جوه ِرهِ عن دين‬
‫املسيح‪.‬‬
‫جعله متوافقا مع مبادئهم الوثصية‪.‬‬ ‫الثاني‪ :‬استمالة الوثصيني الرومان إىل الدين اجلديد الذي َّ‬
‫لممه هلم‪ ،‬بأن َ‬
‫ولكي ُيقق بولس هدفه بسهولة ويتجصب املواجهة مع أتباع املسيح‪ ،‬دخل بولس يف دين املسيح ايف الظاهر ‪،‬‬
‫وحبه يف الظاهر‪ ،‬ويف الباطن‬ ‫وكان ذلك مصه نفاقا وخداعا ألتباع املسيح احلقيقيني‪ ،‬بأن كان يُظهر اتِّ ـ ـ َ‬
‫ـباع املسيح َّ‬
‫كان َيفي الكفر به وبدعوته‪ ،‬وبعبارة أخر) فقد كان بولس مصاف ًقا‪ ،‬جعل نفاقه ستارا يتسرت به‪ ،‬ونقطة بداية‬
‫يصطلق مصها إىل عملية ختريب واسعة الصطاق يف رسالة ودين يسوع املسيح‪.‬‬

‫**********************************************‬

‫‪23‬‬
‫خاتمة‬

‫تبني لصا يف هذا البحث بطالن عقيدة توار اخلطيئة املصسوبة إىل أبيصا آدم إىل مجيع بصيه من عشرات القرون‪،‬‬
‫تلك العقيدة اخلرافية اليت يعتقدها مجاهري الصصار) ااملسيحيني يف طول العامل وعرضه‪ ،‬واليت تصص على أن مجيع‬
‫اخلليقة تستحق العقوبة على ذنب أبيصا آدم مع كوهنا مل تفعله‪.‬‬

‫كما تبني لصا أن هذا الظن واالعتقاد ال يصح نسبته للبشر العاديني مثـ ـ ـ ـ ـلي ومثل القارئ الكرمي‪ ،‬فمن باب أوىل‬
‫فإنه ال تصح نسبته إىل اهلل الرحيم العادل‪ ،‬ألن اهلل له لفات الكمال‪.‬‬

‫كما تبني لصا أنه ال تصح نسبة هذه العقيدة إىل شريعة عيسى ابن مرمي اليت جاء هبا‪ ،‬فاإلجنيل الذي جاء به‬
‫عيسى ابن مرمي ولفه اهلل بأن فيه هد) ونورا‪ ،‬وجاء هلداية أمة بين إسرائيل‪ ،‬فرسالة عيسى األللية هي للهداية‬
‫واإلرشاد‪.‬‬
‫كما تبني لصا أن بولس ومن تبعه من القساوسة أدخلوا يف دين املسيح عقائد ليست مصه‪ ،‬كعقيدة أن املسيح ابن‬
‫اهلل‪ ،‬وأنه هو الرب‪ ،‬كما أدخل فيه عقيدة توار ذنب آدم‪ ،‬وأن اهلل مل يغفره له‪ ،‬وأوهم الصاس أن املسيح مات‬
‫مقتوال على الصليب‪ ،‬وأن اهلل مل يرفعه‪ ،‬وأنه مات من أجل تكفري خطيئة أبيصا آدم‪َ ،‬فتـ ـ َـرك الصاس عبادة اهلل‪ ،‬اليت‬
‫هي جوهر دين املسيح وغريه من األنبياء‪ ،‬وعبدوا املسيح ألهنم لاروا يعتقدون أنه هو اهلل‪ ،‬وأنه ابن اهلل‪ ،‬فصار‬
‫مستحقا للعبادة يف نظرهم‪ ،‬فبهذا تغري دين املسيح رأسا على عقب‪ ،‬ومل يبق مصه إال ال ُـمسميات فقط‪.‬‬

‫وِِما رسخ هذه العقائد يف أوربا إقرار جممع نيقية هلا والذي عُِقد يف عام ‪327‬م‪ ،‬فقد دعا إمرباطور الرومان آنذاك‬
‫‪ -‬قسطصطني ‪ -‬لعقد هذا اجملمع الذي حضره جمٌّ غفري من البطاركة ورجال الدين الصصار)‪ ،‬وذلك بعد حصول‬
‫خالفات بيصهم يف هذه األمور العقائدية ‪ ،‬فمصهم من قال بقول بولس‪ ،‬ومصهم من أنكره‪ ،‬فجمعهم قسطصطني‬
‫وحسم اخلالف بيصهم بإقرار ما قرره بولس من عقائد قبل ثال قرون‪ ،‬مع أن القساوسة الذين يصكرون هذا القول‬
‫هم أكثر يف العدد مخس مرات من القائلني به‪ ،‬ولكن لكون قسطصطني رجل وثين‪ ،‬يؤمن بصزول آهلة من السماء‪،‬‬
‫فقد مال إىل قول من قال إن اهلل أنزل املسيح من السماء على أنه ابصه الوحيد‪ ،‬وفرض هذا املعتقد بالقوة بني‬
‫اليهود وبني املسيحيني حىت يوحد قلوب الصاس وتوجهاهتم‪ ،‬مع أنه مل يكن مسيحيا يف ذاك الوقت!‬
‫فالقصد يف إمضاء آراء بولس كان سياسيا حبتا‪ ،‬وهذا هو سر املسألة كلها‪.‬‬
‫ومن املعلوم أن الصصار) ميثلون جزءا ليس باهلني من ِملكته فلهذا دعا قسطصطني لعقد هذا اجملمع لتوحيد اجلبهة‬
‫الداخلية‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫همسة في آذان العقالء والمثقفين‬

‫نـحن بشر‪ ،‬نصدفع إىل اخلطأ بطبيعتصا البشرية‪ ،‬مث تعرتيصا حاالت الصدم‪ ،‬وقد تتطور إىل العزمية على اإلقالع‪ ،‬ولكن‬
‫اإلنسان بطبيعته البشرية ال يلبث كثرياً حىت تصازعه نفسه إىل اخلطأ‪ ،‬رمبا يقاوم ويقاوم كثرياً‪ ،‬يقاوم الشيطان‬
‫ونفسه‪ ،‬ولكن يف الصهاية رمبا يصتصر على نفسه وال يقع يف الذنب واخلطأ‪ ،‬ورمبا يسقط فيقع يف ارتكاب الذنب‪،‬‬
‫واإلسالم كدين رباِن يـَُق ـ ـ ِّدر هذه الطبيعة اإلنسانية ويعرتف هبا‪ ،‬ألنه دين متوافق مع طبيعة البشر اليت متيل إىل‬
‫اخلري والشر‪ ،‬فإذا ارتكب اإلنسان ذنباً فإنه مطالب بالتوبة‪ ،‬يف أي وقت ويف أي مكان وألي عدد من املرات‪،‬‬
‫وإذا فعل خرياً فإنه مطالب باالستمرار‪ ،‬قال اهلل يف كتابه ‪‬إن اهلل ُيب التوابني وُيب املتطهرين‪.‬‬

‫وهذه هي رسالة األنبياء كلهم بال استثصاء انوح وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وغريهم ‪ ،‬كلهم يأمرون بالتوبة‬
‫واإلقالع من الذنوب‪.‬‬

‫فاخلالص احلقيقي من الذنوب والصجاة احلقيقية من الصار ال تكون بسفك دم إنسان آخر‪ ،‬بل تكون بأن يُصلِح‬
‫اإلنسان ما بيصه وبني ربه‪ ،‬باإلميان الصحيح الذي أرشد إليه القرآن وبالعمل الصاحل‪ ،‬فبِ ِهما يصال اإلنسان رمحة اهلل‬
‫ومغفرته وثوابه وجصته‪ ،‬وهذا هو القول الذي ترتاح إليه الصفس‪ ،‬ويطمئن إليه العقل‪ ،‬وهو الذي أرشدت إليه‬
‫األنبياء قاطبة‪ ،‬وليس هذا مبستغرب عليهم‪ ،‬ألنه جاؤوا برساالهتم من مصدر واحد‪ ،‬وهو اهلل وحده ال شريك له‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫حوار علمي هادئ مع عقيدة صلب المسيح‬

‫«عشرون وقفة علمية ومنطقية»‬

‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم على مجيع األنبياء واملرسلني‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫مناقشة منطقية لعقيدة صلب المسيح‬

‫‪ .1‬فإنه حبسب اعتقاد الصصار) ااملسيحيني فإن املسيح ابن اهلل‪ ،‬وهذا االعتقاد فيه تصاقض مع عقيدة‬
‫أن ُك َّل أب يُ ِـحب ابصه‪ ،‬ومن املعلوم أيضا أن َّ‬
‫كل أب يرحم ابنه ويدافع‬ ‫الصلب‪ ،‬فإنه من املعلوم َّ‬
‫َّ‬
‫عنه إذا ألابه ضر‪ ،‬وبصاء على هذا فلو كان املسيح ابن اهلل حقا فإن اهلل لن يقبل بأن حتصل مغفرة‬
‫بصلب ابصه وقتله وتعريضه ألعـ ـ ــظم اإلهانة‪ ،‬كالبصق على وجهه ووضع الشوك على‬‫ِ‬ ‫ذنوب الصاس‬
‫رأسه‪ ،‬هذا مستحيل‪ ،‬ألن إهانة االبن تعود على األب أيضا‪ ،‬هذا على افرتاض لحة هذه‬
‫العقيدة‪.‬‬
‫فتبني من هذا أن هـٰذين االعتقادين متصاقضا ن‪ ،‬فال ميكن أن يكون املسيح ابن اهلل مث جيعل اهلل‬
‫تكفري خطايا الصاس مرهونا بأذية ابصه وإهانته‪ ،‬فإما أن يكون املسيح ليس ابصا هلل‪ ،‬وإما أن تكون‬
‫عقيدة الصلب خرافية مل حتد ألال‪ ،‬وإما أن تكون العقيدتان كالمها خرافيتني‪.‬‬

‫ضحي‬
‫‪ .2‬إن الشخص العادي إذا تعرض ابصه ملثل هذه اإلهانة الفظيعة فإنه ستقوم قائمته‪ ،‬ورمبا يُ ِّ‬
‫حبياته إلنقاذ ابصه‪ ،‬فكيف مل ُيصل هذا ِمن اهلل وهو القوي‪ ،‬الذي خلق الكون كله‪ ،‬وتدبري الكون‬
‫بيده‪ ،‬بأن يأمر بسحق كل املتآمرين على املسيح؟‬
‫لـِ َـم لَــم يأمر اهلل املالئكة أن تدفع عن املسيح هذا الشر؟ السيما واملسيحيون يعتقدون أن املسيح‬
‫ابن اهلل؟‬

‫طبعا حنن نقول هذا على افرتاض أن قصة الصلب وقعت فعال وأهنا ليست خرافية!‬

‫‪ .3‬لو افرتضصا أن عقيدة اخلطيئة وقعت فعال‪ ،‬وأن الصاس توارثوا فعال خطية أبيهم آدم؛ أمل جيد الرب‬
‫ااهلل وسيلة لتكفريها إال هذه الطريقة القاسية وال ُـمـهيصة‪ ،‬بأن يُصلب املسيح االذي يقول‬
‫املسيحيون إنه ابصه ويُقتل ويُهان أمام الصاس‪ ،‬مث تصشر هذه اإلهانة يف كتب التاريخ على مر‬
‫القرون؟‬

‫‪26‬‬
‫هذا على افرتاض لحة هاتني العقيدتني‪ ،‬عقيدة اخلطيئة األوىل‪ ،‬وعقيدة للب املسيح‪.‬‬

‫حق اب ِن رئيس دولة أو ملِك لـما لدَّق‬


‫‪ .4‬لو أن وسائل اإلعالم حاولت نقل مثل هذه القصة يف ِّ‬
‫الصاس ذلك‪ ،‬فكيف يُصدقوهنا يف حق شخص يدَّعون أنه ابن اهلل‪ ،‬خالق السماوات واألرض‬
‫والكون كله؟!‬

‫‪ .7‬لو كان املسيح ربا فمن الذي كان يدبر أمور الكون يف األيام الثالثة اليت حصل فيها للبه مث موته‬
‫– على افرتاض لحة قصة للبه مث موته؟!‬

‫لرب هذا الكون ليبقى فيه ثالثة أيام بعد للبه وقتله‪ ،‬محاطا بالرتاب من‬
‫أي قرب اتسع ِّ‬
‫‪ .6‬ويا عجبا! ُّ‬
‫مجيع اجلوانب؟‬
‫كيف يتسع القرب الصغري الضيق األرجاء لرب العاملني؟‬
‫يس ـ ُـعـ ــهُ قرب ضيق‪ ،‬مث ُييطه الرتاب من مجيع‬
‫من املعلوم أن اهلل أكرب من كل شيء‪ ،‬فكيف َ‬
‫اجلهات؟! كيف؟‬
‫رب هلذا الكون مث يولف بأنه مات وانتقل إىل قرب‬
‫كيف يستقيم يف العقل أن يولف املسيح بأنه ٌّ‬
‫ضيق األرجاء؟‬
‫إن الذي يعتقد هذا االعتقاد فإنه يف احلقيقة يصاقض نفسه!‬

‫‪ .2‬إن املصادر اإلجنيلية نفسها تُقرر بطالن دفن الرب يف قرب‪ ،‬امع اعتقادنا القطعي أن املسيح ليس‬
‫ربا‪ ،‬بل هو بشر رسول مثلصا ‪ ،‬ففي أعمال الرسل ا‪: 49-48/2‬‬

‫الع ــلِ ُّي اوهو الرب ال يسكن يف هياكل مصصوعات األيدي‪ ،‬كما يقول الص ي‪.‬‬
‫«لكن َ‬
‫السماء كرسي يل‪ ،‬واألرض موطئ لقدمي‪ ،‬أي بيت تبصون يل؟»‬

‫‪ .8‬إن القول بأن املسي ح رب أو ابن الرب يتصاقض مع القول بأنه مات مصلوبا‪ ،‬ألن الموت صفةُ‬
‫ٍ‬
‫نقص عظيمة ال تليق بمن كان ربا‪ ،‬بل تليق بالبشر‪.‬‬
‫ـعززا ُمـ َكـرما‪ ،‬ومحاه‬
‫طبعا حنن نقول هذا مع اعتقادنا اجلازم بأن املسيح بشر رسول‪ ،‬رفعه اهلل إليه ُم َّ‬
‫من الصلب والقتل واإلهانة‪ ،‬وسصبني هذا بشيء من التفصيل يف ثصايا هذا البحث املتواضع إن شاء‬
‫اهلل‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫‪ .9‬رب العاملني ااهلل غفور رحيم‪ ،‬يغفر للصاس ذنوهبم إذا تابوا مهما َعظُ َمت تلك الذنوب‪ ،‬بل إنه‬
‫يغفر ألناس مل يتوبوا‪ ،‬وهو غين عن أن يُـ َع ِّذب نبيا عظيما ويعرضه للقتل واإلهانة والصلب احبسب‬
‫اعتقاد من يعتقد ذلك لتحصل املغفرة لقوم آخرين مل يروا املسيح وال آدم وليس هلم ذنب أو‬
‫مشاركة يف ذنب أبيهم آدم ألال‪.‬‬
‫‪ .11‬إن املصطق العقلي يؤكد أن عقيدة حترير الصاس من اخلطيئة عن طريق للب املسيح ليست لحيحة‪،‬‬
‫ألهنا تتضمن معاقبة شخص على خطأ شخص آخر‪ ،‬وهذا ليس من العدل وال الرمحة يف شيء‪،‬‬
‫وال ميكن أن تكون من تعاليم الرب‪ ،‬الرحيم خبلقه‪.‬‬
‫ومن أقرب األمثلة على هذه العقيدة أن يقوم رجل خبلع أحد أسصانه لكي َيفف أمل األسصان الذي‬
‫ألاب أحد أبصائ ه‪ ،‬فإذا كان هذا الفعل ليس من العقل يف شيء‪ ،‬فكذلك عقيدة التحرر من‬
‫اخلطيئة ليست من العقل يف شيء‪ ،‬إذ ال يليق باهلل تعاىل أن يرسل اهلل املسيح ليموت مصلوبا‬
‫مقتوال‪ ،‬ألن هذا يتصاىف مع لفيت العدل والرمحة‪ِ ،‬ما يدل على أن هذه العقيدة خرافية ومن لصع‬
‫البشر‪ ،‬ومل يُـقُِّرها الرب إطالقا‪ ،‬يؤكد هذا أهنا مل ترد يف األناجيل‪ ،‬بل هي من تعاليم اليهودي بولس‬
‫الذي انقلب فجأة من عدو لدود للمسيح وتعاليمه وتالميذه إىل رجل ادَّعى أنه ن ي بعد رفع‬
‫املسيح بسصوات‪ ،‬وسيأيت توضيح ذلك قريبا إن شاء اهلل‪.‬‬
‫‪ .11‬كذلك فإن من مقتضى املصطق والعدل واإلنصاف أن تكون كفارة الذنب متكافئة مع الذنب‪ ،‬أيًّا‬
‫كان ذلك الذنب‪ ،‬وهذا مبدأ متفق عليه بني العقالء‪ ،‬فلو أن إنسانا قـ ــطع إشارة مرور – مثال ‪-‬‬
‫لكانت الك ـ ـ ــفارة دفع مبلغ مايل معني‪ ،‬أو حبس ملدة وجيزة‪.‬‬
‫أما أن تكون عقوبة املخطئ دفع كل ما ميلك أو حبسه مد) احلياة فهذا ال يُِقُّرُه قانون إلـٰهي وال‬
‫بشري‪.‬‬
‫إذا تقرر هذا فهل من العدل والرمحة والتكافؤ بني الذنب وبني الكفارة أن تكون كفارة أكل آدم‬
‫من الشجرة أن يُصلب املسيح ويتعذب ويُهان ويُبصق يف وجهه ويوضع الشوك على رأسه؟‬
‫هذا الفعل يرتفع عصه أقسى البشر‪ ،‬فكيف يصح نسبته إىل رب البشر؟‬
‫هم‬
‫هذا مع اعتقادنا كمسلمني أن املسيح مل يصلب ومل يقتل‪ ،‬بل رفعه اهلل إليه يف السماء ملا َّ‬
‫اليهود بقتله‪ ،‬وإمنا ذكرنا ذلك تَـصَ ُّـزال ألجل التوضيح‪.‬‬
‫يقال كذلك‪ :‬هل من العدل والرمحة والتكافؤ بني الذنب وكفارته أن يتحمل باليني البشر ذنب‬
‫أبيهم األبعد اآدم مصذ بدأ اخلليقة إىل يوم القيامة؟‬

‫‪28‬‬
‫هذا املبدأ ليس من الرمحة يف شيء‪ ،‬وليس من العدل يف شيء أبدا‪ ،‬وحاشا اهلل أن يوقِ َعهُ على‬
‫الصاس‪.‬‬

‫‪ .12‬ومن العجيب عصد املسيحيني أهنم أبغضوا اليهود ألهنم قتلوا املسيح – حبسب اعتقادهم ‪،-‬‬
‫واستمر هذا البغض لقرون عديدة بعد رفع املسيح‪ ،‬مع أن ال ُـمـتوقع أال يكون ذلك البغض‪ ،‬ألن‬
‫ـح ـ ـبَّـ ــبا إليهم لكونه كان سببا لتخليصهم من الذنب األللي‬
‫قتل املسيح وللبه يصبغي أن يكون ُم َ‬
‫الذي يعتقدونه‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫األدلة النقلية ال ُـمث ـ ـب ـ ـتة لبطالن عقيدة صلب المسيح‬

‫‪ .13‬قصة الصلب تتصاقض مع ما هو مقرر يف املصادر املسيحية‪ ،‬فإن العهد القدمي يصص على أن‬
‫املصلوب ملعون‪ ،‬فهل يليق اللعن بِ ــصَـ ـب ٍّـي عظيم مثل املسيح؟‬
‫مث كيف يصح بالعقول املستقيمة والضمائر احلية أن يكون املسيح ملعونا مع كوهنم يعتقدون أنه‬
‫ربا؟!‬
‫جاء يف التوراة يف سفر التثصية ا‪: 23-22 :21‬‬
‫وعلِّق على خشبة‪ ،‬فال تثبت جثته على‬ ‫«وإذا كان على إنسان خطيـئة حقها الموت ف ُقـ ـتل ُ‬
‫المـ ـ ـعلَّق ملعون من اهلل‪ .‬فال تُـ ـن ـ ـ ِّجس أرضك التي‬
‫الخشبة‪ ،‬بل تدفنه في ذلك اليوم‪ .‬ألن ُ‬
‫يعطيك الرب إلـٰهك نصيبا»‪.‬‬
‫وبصاء على هذا؛ فلو لح أن املصلوب ملعو ٌن لبطلت قطعا عقيدة أن املسيح قد تعرض للصلب‪،‬‬
‫ألنه ال يستقيم أن يكون املسيح مصلوبا ملعونا‪.‬‬

‫‪ .14‬ومن العجيب أن املسيحيني يقرؤون يف التوراة أن ال ُـم َـع ـلَّق مل ـعو ٌن من اهلل‪ ،‬مث هم جيعلون الصليب‬
‫شعار ديصهم ويُعظمونه تعظيما كبريا‪ ،‬وُيلِفون به‪ ،‬يف حني أن العقل والعاطفة تقتضيان أن ُُيِّرقوا‬
‫ومعبودهم‪ ،‬وأُهني‬ ‫ب عليه إلـٰ ُههم‬ ‫الصليب حيث وجدوه‪ ،‬وي َك ِّسروه ويض ِّمخوه بالصجاسة‪ ،‬ألنه ِ‬
‫ُ‬ ‫لـل َ‬
‫ُ‬ ‫َُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫ُخ ـ ِز َ‬
‫ي‪.‬‬ ‫عليه وفُضح وأ ْ‬

‫‪ .17‬إن قصة قتل املسيح وللبه تُصاقض اإلجنيل نفسه‪ ،‬ففي إجنيل الوقا ‪ 42-41/22‬أن المسيح لم‬
‫يكن راضيا عن أن يقتل‪ ،‬وكان حريصا على الصجاة من القتل‪ ،‬فإذا كان األمر كذلك فكيف يصح‬
‫أن يقال إنه نزل فاديا وخملصا؟‬
‫ـس ـلَّـ َـم نفسه لليهود بكل رضا لتتحقق عقيدة تكفري اخلطيئة والصلب‬
‫لو كان املسيح فاديا وخملصا لَ َ‬
‫اليت تصص عليها املسيحية املعالرة‪ ،‬ولَ َـما حاول الفرار مصهم واالستخفاء مع أمه يف اجلليل وغريها‪.‬‬

‫اقرأ معي أيها املثقف وأيتها املثقفة هذا الصص من إجنيل لوقا الذي يبني حرص املسيح على الصجاة‬
‫من القتل‪:‬‬

‫«وانفصل عنهم نحو رمية حجر وجثا على ركبتيه وصلى قائال‪ :‬يا أبتاه‪ ،‬إن شئت أن تُجيز‬
‫عني هذه الكأس‪ .1‬ولكن لتكن ال إرادتي بل إرادتك»‪.‬‬

‫‪ 1‬تُـجـيز الكأس‪ ،‬أي تتجاوز بكأس املوت عين‪ ،‬فال أتعذب وال أُقتل‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫ويوجد مثل هذا الصص يف إجنيل مرقص ا‪ 36- 37/14‬وكذلك مىت ا‪. 39/26‬‬

‫‪ .16‬مث فكر معي أيها القارئ يف الصص السابق‪ ،‬أيهما أقرب لرمحة اهلل ولطفه‪ ،‬أن يستجيب اهلل دعاء‬
‫املسيح فيتجاوز به كأس املوت‪ ،‬أم يُسلِ َمه ألعدائه ليُهيصوه ويقتلوه ويُريقوا دمه؟!‬
‫ـخ ـلِّص‪ ،‬ال املسيح وال‬
‫‪ .12‬كذلك‪ ،‬فقد جاء يف سفر أشعياء أن اهلل هو ال ُـم َخ ـ ـلِّ ــص‪ ،‬وليس غريه ُم َ‬
‫غريه‪:‬‬
‫«أنا أنا الرب‪ ،‬وليس غيري ُمـ ـ ــخ ـ ـلِّ ــص»‪.‬‬
‫فإذا مل يكن املسيح خملصا فقد بطلت هذه العقائد الثال ؛ عقيدة اخلطيئة األوىل‪ ،‬وعقيدة التحرر‬
‫مصها وعقيدة الصلب‪.‬‬

‫مسهُ أدنى أذى‬


‫‪ .18‬قاصمة الظهر ‪ -‬اإلنجيل يُقرر أن اهللُ رفـ ــع المسيح دون أن ي َّ‬
‫قومهُ بأن اهلل سريفعه إليه‪ ،‬يريد هبذا طمأنتهم‬
‫ملا اشتد اضطهاد اليهود للمسيح‪ ،‬وشعر خبطر القتل؛ أخرب َ‬
‫لحقوا به أدىن أذ)‪ ،‬وهذا اإلخبار من املسيح‬ ‫بأن أعداءه من اليهود لن َيلصوا إليه ويقتلوه أو ي ِ‬
‫ُ‬
‫للحواريني قد جاء ذكره يف إجنيل مىت ا‪ 17:9‬حني قال املسيح لتالميذ يوحصا‪:‬‬

‫العرس أن ينوحوا ما دام العريس معهم؟ ولكن ستأتي أيام حين‬


‫«فقال لهم يسوع‪ :‬هل يستطيع بنو ُ‬
‫يُرفع العريس عنهم‪ ،‬فحينئذ يصومون»‪.‬‬

‫فتأمل أيها القارئ الكرمي وأيتها القارئة الكرمية قوله ايُرفع العريس ‪ ،‬ومل يقل ايُقتل أو ايصلب ‪ ،‬وال غري‬
‫وللِب‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ذلك من العبارات اليت اعتمدت عليها املسيحية املعالرة يف عقيدة أن املسيح قُتل ُ‬

‫وهذا متوافق أيضا مع ما يف يوحصا ا‪ : 14/3‬وكما رفع موسى احلية يف الربية هكذا يصبغي أن يُرفع ابن‬
‫اإلنسان‪.‬‬

‫كما جاء يف إجنيل يوحصا أن املسيح أخرب قومه بطريق اإلشارة أن اهلل سريفعه‪ ،‬وأنه لن يقتل ولن يصلب‪،‬‬
‫ففي إجنيل يوحصا ا‪: 36 – 32 / 2‬‬
‫«سمع الفريسيون ‪ 1‬الجمع يتناجون بهذا من نحوه‪ ،‬فأرسل الفريسيون ورؤساء الكهنة خداما‬
‫ليُمسكوه‬

‫‪ 1‬الفريسيون هم طائفة من غالة اليهود املتعصبني واملتشددين باملظاهر اخلارجية للورع والتدين‪ ،‬ومصها التقيد حبرفية الشريعة أو الصاموس مثل‬

‫‪31‬‬
‫فقال لهم يسوع‪ :‬أنا معكم زمانا يسيرا بعد‪ ،‬ثم أمضي إلى الذي أرسلني‬

‫ستطلبونني وال تجدونني‪ ،‬وحيث أكون أنا ال تقدرون أنتم أن تأتوا‬

‫فقال اليهود فيما بينهم‪ :‬إلى أين هذا ُم ـ ـ ْزم ـ ـع ‪ 1‬أن يذهب حتى ال نجده نحن؟ لعله ُم ـ ـ ْزم ـ ـع أن‬
‫يذهب إلى شتات اليونانيين ويعلم اليونانيين‬

‫ما هذا القول الذي قال‪( :‬ستطلبونني وال تجدونني‪ ،‬وحيث أكون أنا ال تقدرون أنتم أن تأتوا؟)»‬

‫فقول املسيح اأمضي إلى الذي أرسلني وقوله بعدها استطلبونني وال تجدونني‪ ،‬وحيث أكون أنا ال‬
‫تقدرون أنتم أن تأتوا داللة لرُية على أن املسيح سريفعه اهلل إىل السماء ولن يبقى على األرض‪ ،‬وبصاء‬
‫‪2‬‬
‫عليهِ فإن الشخص الذي للبوه وقتلوه ليس هو املسيح قطعا‪.‬‬

‫كذلك فلو كان املسيح هو املقتول لكان موجودا‪ ،‬ولكان مكانه معروفا أمامهم قد وللوا إليه‪ ،‬واليهود‬
‫سيكونون قد طلبوه ووجدوه وللبوه وقتلوه – على زعم من يقول ذلك – فكيف يستقيم هذا مع قول‬
‫املسيح استطلبونني وال تجدونني‪ ،‬وحيث أكون أنا ال تقدرون أنتم أن تأتوا ‪.‬‬

‫واملسيح لادق فيما يقول‪ ،‬لن يكذب على الصاس‪ ،‬ألن الكذب لفة رديئة‪ ،‬حاشا األنبياء أن يتصفوا‬
‫هبا‪.‬‬

‫وبعبارة أخر) فكالم املسيح ال يتحقق إال بواحدة من اثصتني‪ ،‬إما أن َيرب املسيح خبرب كاذب‪ ،‬وهو أهنم‬
‫يطلبونه وال جيدونه‪ ،‬مث تتبني احلقيقة يف أهنم طلبوه ووجدوه‪ ،‬وهذا مستحيل ألن املسيح مل ولن يكذب‪.‬‬

‫أو يكون املسيح لادقا‪ ،‬فطلبوه ومل جيدوه‪ ،‬وهذا ال يتحقق إال برفعه إىل السماء‪ ،‬وحلول شخص آخر‬
‫مكانه يشبه املسيح‪ ،‬فقتله اليهود ظصا مصهم أنه هو املسيح‪.‬‬

‫وهذه اجلرأة ليست مستغربة عليهم‪ ،‬فقتل األنبياء وال ُـمصلِحني هو دأهبم‪.‬‬

‫االمتصاع عن أداء أي عمل يوم السبت‪ ،‬أو خمالطة غري اليهود‪ ،‬إذ يُعتربون جنِسني‪ ،‬وقد آذوا املسيح عليه السالم‪ .‬نقال من «تاريخ الصصرانية‪،‬‬
‫مدخل لصشأهتا ومراحل تطورها عرب التاريخ»‪ ،‬ص ‪ ،79‬املؤلف‪ :‬عبد الوهاب بن لاحل الشايع‪ ،‬ط ‪.1‬‬
‫عازم‪.‬‬ ‫‪ِ 1‬‬
‫ُمـزمـ ٌـع أي ٌ‬
‫‪ 2‬فائدة‪ :‬يف قول املسيح اأمضي إلى الذي أرسلني دليل لريح على أنه رسول من عصد اهلل‪ ،‬وليس ابن اهلل كما يُقال‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫وهذا القول هو احلق الذي ال ِمرية فيه‪ ،‬وهو الذي لدَّقه القرآن‪ ،‬كالم اهلل احملفوظ‪ ،‬قال اهلل يف القرآن‬
‫اختَـلَ ُفوا فِيهِ لَِفي َش ٍّ‬
‫ك ِّمْصهُ َما َهلُم بِهِ ِم ْن عِلْم إَِّال اتـِّبَاعَ‬ ‫ين ْ‬
‫ِ َّ ِ‬ ‫‪‬وما قَـتَـلُوه وما للَب ٰ ِ‬
‫وه َولَكن ُشبِّهَ َهلُ ْم َوإ َّن الذ َ‬
‫ََ ُ ََ َ ُ ُ‬
‫وه يَِقيصًا * بل رفعه اهلل إليه وكان اهلل عزيزا حكيما‪.‬‬ ‫الظَّ ِّن َوَما قـَتَـلُ ُ‬
‫شخص آخر‪ ،‬وأما املسيح فرفعه اهلل إليه‬
‫ٌ‬ ‫فاحلالل من هذا كله أن املسيح ليس هو املقتول‪ ،‬بل املقتول‬
‫يف السماء‪ ،‬يف معجزة عظيمة‪ ،‬وكرامة رفيعة‪ ،‬مل حتصل لص ي قبله‪ ،‬فأعزه اهلل وخذل أعداءه‪.‬‬

‫كما جاء يف إجنيل يوحصا ا‪ 31 :16‬أن املسيح قال ألتباعه قبل رفعِهِ أن اهلل معه‪ ،‬وأنه لن‬ ‫‪.19‬‬
‫يُ ْس ـ ـ ــلِ َم ـ ـهُ ألعدائه الذين يريدون قتله‪ ،‬وأنه هبذا سيكون قد انتصر عليهم‪ ،‬وأنه سيغلب العامل‪ ،‬وهذا‬
‫الصص يثبت أن اهلل أوحى إليه عن طريق ال َـمـلَـك جربيل أن اهلل سيصجيه مصهم‪ ،‬كما أن هذا الصص يصسف‬
‫الصلب من أساسها‪ ،‬ويثبت عقيدة الرفع إىل السماء دون أن ميسوه بأذ)‪ ،‬وإال فكيف يكون قد‬
‫عقيدة َّ‬
‫غلب العامل مع كونه مغلوبا مصلوبا على خشبة؟ هذا ال يستقيم مع هذا!‬
‫وهذه هي العقيدة الصحيحة اليت قررها القرآن الحقا‪.‬‬

‫وهصا فائدة لطيفة جدا‪ ،‬وهي أن املسيح كان حريصا على الصجاة من القتل‪ِ ،‬ما يدل على أنه مل يكن‬
‫فاديا وال خملصا‪ ،‬إذ لو كان كذلك ألسَل َم نفسه لليهود لتتحقق عقيدة تكفري اخلطيئة والصلب اليت تصص‬
‫عليها املسيحية املعالرة‪ ،‬ولَ َـما حاول الفرار مصهم واالستخفاء مع أمه يف اجلليل وغريها‪.‬‬

‫الدليل القرآني ال ُـمث ـ ـب ت ألن المسيح لم يقتل ولم يصلب‪ ،‬بل رفعه اهلل إليه في السماء‬

‫‪ .21‬احلق الذي ال شك فيه أن املسيح مل يُصلب ومل يقتل‪ ،‬بل رفعه اهلل إليه كما هو‪ ،‬ومحاه من‬
‫اإلهانة‪ ،‬وهذا هو القول الذي قاله اهلل سبحانه وتعاىل يف القرآن‪ ،‬وهو خالق اخللق والعليم بشؤوهنم‪ .‬قال‬
‫اهلل يف القرآن ‪‬وما قتلوه وما للبوه ولكن ُش ـ ـ ـبِّـ َـه هلم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك مصه وما قتلوه يقيصا‬
‫* بل رفعه اهلل إليه وكان اهلل عزيزا حكيما‪.‬‬

‫شبهة والجواب عليها‬


‫فإن قيل إنه قد جاء يف إجنيل «مىت» ا‪ 34 / 17‬أن الذي كان معلقا على خشبة الصليب قال عصد‬
‫موته اإيلي‪ ،‬إيلي‪ ،‬لِـ َـم شبقتين؟‬

‫أي‪ :‬إلـٰهي‪ ،‬إلـٰهي‪ ،‬لِـ َـم تركتين‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫فمن الذي قال ذلك؟‬

‫فاجلواب سهل جدا‪ ،‬وهو أن الذي قال ذلك هو الشخص املصلوب الذي ألقى اهلل عليه شبه املسيح‪،‬‬
‫فأخذوه وللبوه وقتلوه ودفصوه‪ ،‬وليس هو املسيح نفسه‪ ،‬كما قال اهلل يف القرآن ‪‬وما قتلوه وما للبوه‬
‫ولكن ُش ـبِّـهَ هلم وما قتلوه يقيصا * بل رفعه اهلل إليه وكان اهلل عزيزا حكيما‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫خالصة وخاتمة‬
‫تبني ِما سبق أن عقيدة للب املسيح ال تصح يف العقول وال يف املصطق‪ ،‬وخمالفة للمصادر اإلجنيلية‪،‬‬
‫ـج ِّـرد ملعرفة احلق لو فكر يف قرارة نفسه باستقاللية تفكري وترك تقليد اجملتمع‬
‫والشخص املسيحي ال ُـمـتَ َ‬
‫جانبا فإنه لن يقبل هذا‪.‬‬

‫كذلك فلو أن الشخص املسيحي قرأ القرآن االكتاب ال ـ ـمقدس يف دين اإلسالم لتبيصت له احلقيقة‪،‬‬
‫فإن اهلل رحيم بعباده‪ ،‬مل يرتكهم هكذا بدون داللة وإرشاد‪ ،‬فإمنا ملا حترف دين املسيح بعد رفعه إىل‬
‫السماء أرسل نبيه محمدا‪ ،‬وأنزل عليه القرآن ليكون كتاب هداية وإرشاد للصاس كلهم‪ ،‬وبني فيه أن‬
‫املسيح مل يُصلب ومل يقتل ومل يُـ َه ن‪ ،‬بل رفعه اهلل إليه قبل أن ميسه األذ)‪ ،‬نعم‪ ،‬رفعه اهلل إليه يف معجزة‬
‫مساوية ربانية مل حتصل لص ي قبله‪ ،‬ومحى نبيه العظيم من اإلهانة والقتل‪ ،‬وهذا هو املوافق للعقل‪ ،‬والالئق‬
‫بقدر املسيح ومكانته‪ ،‬بأن يرسله اهلل إىل بين إسرائيل مث ُيميه من اإلهانة واألذ) حبوله وقوته‪ ،‬ألنه قوي‬
‫غالب‪ ،‬فاحلمد هلل على نعمة القرآن‪ ،‬ونعمة وضوح احلق والولول إليه‪.‬‬

‫نسأل اهلل اهلداية للصواب‪ ،‬والسالمة من أليم العقاب‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫مت الكتاب حبمد اهلل‪ ،‬وقد مت فيه إثبات ستة أمور؛‬

‫األول‪ :‬بطالن عقيدة توار اخلطيئة األوىل‬

‫ـخـلِّصا‬ ‫الثاني‪ :‬بطالن عقيدة أن اهلل بعث املسيح فاديا ُ‬


‫وم َ‬
‫الثالث‪ :‬بطالن عقيدة للب املسيح‬

‫الرابع‪ :‬إثبات أن البشر يولدون بريئني من الذنوب‬

‫ـخـلِّصا‬ ‫الخامس‪ :‬أن اهلل بعث املسيح نبيا ومعلما‪ ،‬وليس فاديا ُ‬
‫وم َ‬
‫السادس‪ :‬أن اهلل رفع املسيح إليه يف السماء قبل أن ميسه أدىن أذ)‬

‫******‬

‫كل هذه اإلثباتات بداللة‬

‫العهد القديم‪ ،‬والجديد‪ ،‬والمنطق‪ ،‬والتاريخ‪ ،‬والقرآن الكريم‬

‫******‬

‫ويف اخلتام‪ ،‬ندعو اهلل فصقول‪ :‬اللهم اجعلصا مفاتيح للخري‪ ،‬مغاليق للشر‪ ،‬وللى اهلل على أنبياءه محمد‬
‫وعيسى وموسى‪ ،‬وسائر أنبيائه‪ ،‬وسلَّم ً‬
‫تسليما كثريا‪.‬‬

‫اللهم هل بلغت‪ ،‬اللهم فاشهد‬

‫تم الكتاب بحمد اهلل‪ ،‬نفع اهلل به قارئه وكاتبه وناشره‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‬

‫المؤلف‪ :‬ماجد بن سليمان‬

‫‪majed.alrassi@gmail.com‬‬

‫‪00966505906761‬‬

‫ليلة الحادي عشر من شهر صفر لعام ‪ 1238‬هجري‬

‫الموافق ‪ 21‬نوفمبر لعام ‪ 2112‬ميالدي‬

‫‪36‬‬
‫مراجع علمية لمن أراد االستزادة والفائدة – وهي منشورة في موقع‪:‬‬
‫«الدين الواضح»‬

‫‪www.saaid.net/The-clear-religion‬‬

‫‪ .1‬الكتاب املقدس – القرآن‬

‫‪ .2‬تعريف موجز بالكتاب املقدس – القرآن‬

‫‪ .3‬ملاذا خلقنا اهلل؟‬

‫‪ .4‬قصة أبينا آدم يف القرآن‬

‫‪ .5‬‫املكانة العظيمة ملرمي العذراء وابنها النيب العظيم املسيح عيسى ابن مرمي يف دين اإلسالم‬

‫‪ .6‬قصة املسيح من املهد إىل اللحد‬


‫‪ .7‬قصة رفع النيب العظيم املسيح عيسى ابن مرمي إىل السماء وتَـ ـ ِ‬
‫ـنج ـ ــيته من األذى‬

‫‪ .8‬التغيريات والتطورات التدرجيية اليت حدثت لرسالة يسوع بعد رفعه على مدى عدة قرون‬

‫‪ .9‬الدالئل على حتريف دين اليسوع بعد رفعه إىل السماء‬

‫‪ .10‬أربعون دليال على بطالن عقيدة «توارث اخلطيئة» وعقيدة «صلب املسيح»‬

‫‪ .11‬أين التوراة واإلجنيل األصلِ ـ ـيَّـ ـ ْـي ـ ــن؟‬

‫‪ .12‬مهال أيتها الدكتورة ‪ ....‬ال تسيب اإلسالم‬

‫‪ .13‬حوار علمي هادئ مع القساوسة‬

‫‪ .14‬موقف اإلسالم من اإلرهاب‬

‫‪Who Deserves to be Worshipped? .15‬‬

‫‪Eleven facts about Jesus .16‬‬

‫‪The Amazing Prophecies of Muhammad in the Bible .17‬‬

‫***‬

You might also like