خيانات ذهبية

You might also like

Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 36

‫خيانات ذهبية (‪ :)1‬طقوس النهاية‬

‫‪ Saturday, June 1, 2013  ‬‬

‫"الموت فن‪،‬‬
‫على غرار كل ماعداه‬
‫وإني أمارسه بإتقان‪..‬‬
‫أمارسه حتى يصير جهنم‬
‫أمارسه حتى يبدو حقيقة‬
‫في وسعكم القول إنه دعوتي"[‪.]1‬‬
‫ب ق ْد يسكنُ المسافة بين نَصل الدوا ِة وبياض‬ ‫ُ‬
‫فموت الكات ِ‬ ‫ت قليالً على ذكر االنتحار‪ M‬في عالم المبدعين‪،‬‬
‫لنأ ِ‬
‫إيقاع َرقّ ِ‬
‫اص الحياة‬ ‫ِ‬ ‫السأم المفاجئ من‬
‫ِ‬ ‫ألعراض‬
‫ِ‬ ‫حزين‬
‫ٍ‬ ‫ت قُنو ٍط ومسا ٍء‬
‫الورقة؛‪" ‬ألنّه ُمعرضٌ دائِمـًا ُك َّل ذا ِ‬
‫َورتابَ ِة التَنفُس ال ُم ِملّة"[‪.]2‬‬
‫تلك الخيانات الذهبية‪ ،‬التي كان المبدعون أبطالها وضحاياها‪ ،‬التهمت هواءهم وأرواحهم‪ ،‬بقدر ما صنعت من‬
‫ت يحملها أعالم الفن واألدب‪.‬‬
‫األلم رايا ٍ‬
‫يقول التشيكي فرانز‪ M‬كافكا (‪ 3‬يوليو ‪ 3 -1883‬يونيو ‪" )1924‬إن المقدم على االنتحار هو ذلك السجين الذي‬
‫يراهم يعدون له منصة اإلعدام في الساحة ويعتقد أن هذا قدر‪ M‬يقرره بنفسه‪ ..‬يهرب في الليل من زنزانته‪،‬‬
‫ينزل إلى الساحة ويشنق‪ M‬نفسه"‪ .‬أما الفرنسي ألبير كامي فيرى‪ M‬أن "االنتحار‪ M‬يتم في سكون القلب مثل عمل‬
‫فني عظيم‪ .‬ويتفق معه مواطنه أونوريه دي بلزاك‪ ،‬إذ يعتبر أن "كل انتحار هو نظام راق للحزن"[‪.]3‬‬
‫تلك الجاذبية القاتلة لالنتحار تركت بصمتها الراسخة على لحظة الختام في حياة كثير من المبدعين‪ ،‬بد ًءا من‬
‫رسام المنمنمات الهندي داسوانت (‪ ،)1584 -1560‬والمهندس المعماري‪ M‬اإليطالي فرانشيسكو‪ M‬بوروميني‪( M‬‬
‫‪ ،)1667 -1599‬ومرو ًرا‪ M‬بالرسام البريطاني‪ M‬روبرت فاغان (‪ ،)1816 – 1721‬والرسامة الفرنسية‬
‫كونستانس ماييه (‪ ،)1821 -1775‬وانتها ًء بالرسام‪ M‬الياباني كازان واتانابي‪ ،)1841 -1793( M‬والرسام‪M‬‬
‫الهولندي فنسنت فان غوغ (‪.)1890 -1853‬‬
‫بعض المنتحرين من المشاهير‪ ،‬من الكاتب الياباني‪ M‬يوكيو ميشيما (‪ )1970‬إلى المغنية اإليطالية داليدا (‬
‫‪ ،)1987‬ومن الروائي‪ M‬األمريكي إرنست هيمنغواي (‪ )1961‬إلى الشاعرة األمريكية آن سيكستون (‪،)1974‬‬
‫ومن الشاعر الروسي فالديمير‪ M‬ماياكوفسكي‪ )1930( M‬إلى المؤلفة والقاصة اإلنجليزية فرجينيا وولف (‬
‫‪ ، )1941‬وجدوا أنها رسالتهم‪ M‬األخيرة وردهم على حياة لم تعد محتملة‪ ..‬لكنها الحياة‪ ،‬والبقاء فيها على رغم‬
‫كل شيء‪ ،‬فعل إرادة وليس ترفـًا‪ M‬يمكن االستغناء عنه في لحظة يأس‪.‬‬
‫ولنأخذ مثالً على ذلك مالبسات انتحار يوكو ميشيما في قاعدة إيجيغايا العسكرية في ‪ 25‬نوفمبر‪ ،1970 M‬الذي‬
‫حصل بالسيف‪ M‬وفقـًا لطريقة السيبوكو‪ M‬أو الهاراكيري‪ M،‬بعد محاولة فاشلة لالنقالب العسكري‪ .]4[M‬فقد احتل‬
‫ميشيما وقلة من رفاقه مقر كلية األركان العسكرية في قلب طوكيو‪ M‬واحتجزوا‪ M‬قائدهم ثم صعد ميشيما‪ M‬إلى‬
‫شرفة الكلية المطلة على ساحة التدريب وألقى كلمة عصيبة لم تستغرق‪ M‬أكثر من عشر دقائق في الجنود‬
‫الشباب المندهشين لحديثه دعاهم فيها رفض خضوع‪ M‬اليابان ألمريكا وإلى تغيير دستورها‪" M‬السلمي" الذي‬
‫فرض عليها بعد االحتالل األمريكي عام ‪ ،1945‬والعودة إلى تقاليد اليابان العسكرية وقيمها القومية التاريخية‬
‫قبل أن ينجرف مجتمعها مع موجة التغريب والتأمرك في العقود األخيرة‪ ،‬وعلى الرغم من أن رد فعل الجنود‬
‫كان أقرب إلى السخرية بل إن بعضهم أغرق في الضحك‪ ،‬لعصبية ميشيما وغرابة أفكاره ـ بمعيار الجيل‬
‫الجديد في اليابان ـ ولحركاته الدرامية المبالغ فيها‪ ،‬على الرغم من ذلك فإن ميشيما قرر‪ M‬المضي في عملية‬
‫االنتحار[‪.]5‬‬
‫‪ ‬وقبل دخوله القاعدة العسكرية‪ ،‬نظم يوكيو ميشيما‪" M‬جيساي‪ ‬نو كو" أو "قصائد‪ M‬الموت" التي تعد تقليدًا متبعـًا‬
‫ضمن طقوس االنتحار في اليابان[‪ .]6‬ويرى‪ M‬مترجم أعمال ميشيما وكاتب سيرته الذاتية جون ناثان أن‬
‫محاولة االنقالب لم تكن سوى ذريعة لتنفيذ طقوس االنتحار‪ M‬التي لطالما حلم بها هذا األديب الياباني[‪.]7‬‬
‫ومن األسماء العالمية أيضـًا الكاتب والروائي‪ M‬الياباني الشهير ياسوناري كاواباتا‪ M،‬الذي نال جائزة نوبل‬
‫لآلداب عام ‪ ،1968‬وبعدها بأربعة أعوام قرر‪ M‬االنتحار بخنق نفسه بالغاز‪ ،‬في ظل أحاديث عن تأثره بصدمة‬
‫انتحار تلميذه وصديقه يوكو ميشيما‪  ،‬وقصة حُبٍّ فاشلة‪ ،‬واكتشاف‪ M‬إصابته بمرض باركنسون[‪.]8‬‬
‫الكاتبة األرجنتينية الشهيرة مارتا لينش انتحرت في منزلها في ‪ 8‬أكتوبر ‪ ،1985‬بعد أن طالها اإلحباط‪ ،‬حين‬
‫رأت أن الزمن بدأ يتالعب بمالمحها مع تقدم الزمن‪ ،‬فلم تحتمل ما رأته‪ ،‬وتناولت مسدسها‪ M‬وانتحرت‪ .‬وقد أفاد‬
‫زوجها أنها كانت على صراع مرير مع تقدم السن قبل انتحارها‪ M‬بعشرين سنة‪ ،‬ويبدو‪ M‬أنها خرجت في النهاية‬
‫بال أمل‪.‬‬

‫أم ٌر مماثل نراه في حالة انتحار القاصة اإلنجليزية فرجينيا وولف‪ M‬التي ألقت بنفسها في النهر‪ ،‬بعد أن تركت‬
‫لزوجها رسالة‪ ،‬مما جاء فيها‪ :‬‬
‫"إنني على يقين من أنني أرجع لجنوني من جديد‪ .‬أشعر أننا ال يمكن أن نمر في فترة أخرى من هذه الفترات‬
‫الرهيبة‪ .‬وأنا لن اشفى هذه المرة‪ .‬أبدأ بسماع أصوات‪ ،‬وال يمكنني التركيز‪ M.‬ولذا سأفعل ما يبدو أنه أفضل‬
‫شيء يمكن القيام به‪ ...‬ال أستطيع أن أواصل إفساد حياتك أكثر من هذا‪ .‬ال أعتقد أن شخصين من الممكن أن‬
‫يكونا أكثر سعادة مما كنا نحن‪.‬‬
‫‪ ‬ف‪.]9[".‬‬
‫هوامش‬

‫[‪.Sylvia Plath, Ariel, New York, Harper Perennial Modern Classics, 1964 ]1‬‬
‫[‪ ]2‬ليث العبدويس‪ ،‬وقائع انتحار كاتب غاضب‪ ،‬جريدة "القدس العربي"‪ ،‬لندن‪ 18 ،‬مايو ‪.2012‬‬
‫[‪ ]3‬د‪ .‬محمد المهدي‪ ،‬من تاريخ االنتحـار‪ ..‬هنري دي مونترالن‪ M..‬الحياة خارج الزمـن‪ ،‬مجلة "وجهات نظر‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬يوليو‪.2009 M‬‬
‫[‪ ]4‬محمود داود‪ ،‬اليوم األخير من حياة الروائي‪ M‬الياباني يوكيو ميشيما‪ ،‬جريدة "الثورة"‪ ،‬دمشق‪ 15 ،‬نوفمبر‬
‫‪.2009‬‬
‫[‪ ]5‬د‪ .‬محمد جابر األنصاري‪ ،‬انتحار المثقّفين العرب وقضايا راهنة في الثقافة العربية‪ ،‬المؤسسة العربيّة‬
‫للدراسات والنشر‪ ،‬ط‪ ،2‬بيروت‪.1999 ،‬‬
‫[‪Donald Keene, The Pleasures of Japanese Literatures, New York, Columbia ]6‬‬
‫‪.University Press, 1988‬‬
‫[‪John Nathan, Mishima: A biography, Little Brown and Company: ]7‬‬
‫‪.Boston/Toronto, 1974‬‬
‫[‪Donald Keene, Five Modern Japanese Novelists, New York, Columbia ]8‬‬
‫‪.University Press, 2005‬‬
‫[‪Phyllis Rose, Woman of Letters: A Life of Virginia Woolf,  ]9‬‬
‫‪.London, Routledge, 1986‬‬

‫خيانات ذهبية (‪ :)2‬االجتياح‬

‫‪  Thursday, June 6, 2013  ‬‬


‫من يستقرئ السير الذاتية واللحظات األخيرة لعد ٍد من مشاهير المنتحرين في العالم العربي‪ ،‬سيجد أن األسباب‬
‫تعددت‪ ،‬من االكتئاب إلى المرض‪ ،‬ومن الظروف‪ M‬االجتماعية إلى الصدمات الحياتية‪ ،‬مرو ًرا‪ M‬بالهم الوطني‬
‫العام[‪.]1‬‬
‫من هؤالء األدباء والفنانين المنتحرين نذكر الشاعر اللبناني خليل حاوي (‪ )1982-1919‬الذي أطلق‬
‫الرصاص على رأسه جهة العين اليسرى من بندقيته‪ ،‬بعد الحصار اإلسرائيلي‪ M‬لبيروت‪ .‬حاوي الذي بدا‬
‫كثير من أعماله األدبية التي أعطت إيحا ًء عن معاناته‪ ،‬مثل "نهر الرماد"‪" ،‬الناي‬
‫ٍ‬ ‫رافضـًا ومتمردًا في‬
‫والريح"‪" ،‬بيادر‪ M‬الجوع"‪" ،‬رسائل الحب والحياة"‪ ،‬عاش ظروفـًا‪ M‬تواطأت عليه منذ الصغر‪ ،‬وأولها‪ M‬مرض‬
‫والده حين كان عمره في سن الحادية عشرة‪ ،‬وهو ما اضطره إلى العمل في صباه ح ّماالً وعامالً في الطين‬
‫ورصف‪ M‬الطرق‪.‬‬
‫كما مر بتجربة حُبٍّ فاشلة‪ ،‬إذ ضاع عليه ُحبُّه األول واألقوى بسبب تقاليد الضيعة‪ .‬شغف ‪ -‬كما يروي أخوه‬
‫إيليا حاوي‪ -‬بفتاة "كانت وحيدة والديها‪ ،‬جميلة هيفاء‪ ،‬عالية الجبين‪ ،‬ووجنتاها موردتان‪ ،‬وعيناها سوداوان‪،‬‬
‫وشعرها منسدل على كتفيها‪ ،‬ونظم‪ M‬فيها شعره الريفي‪ ،‬وأحبها حبه األول الذي ظل حيـًا في أعماقه‪ ،‬وكل حُبٍّ‬
‫آخر كان طيفـًا منه وانعكاسـًا له‪ ،‬وقد‪ M‬تواعد وتلك الفتاة على الزواج وقررا أن يقترنا‪ ..‬إال أنها ُخطبت في‬
‫غيابه ألحد أقاربها‪ M‬وعاد خليل ينظم فيها شعر اللوعة والحسرات‪ ،‬وهو شعر ما زلنا نحتفظ به بخط يده بعضه‬
‫نشر ومعظمه لم ينشر"[‪.]2‬‬
‫غلبت على شعر حاوي مسحة من التشاؤم‪ ،‬فكان كثيرًا ما يكتب عن الموت‪ ،‬إذ يقول في قصيدته "في جوف‬
‫الحوت"‪:‬‬
‫"ومتى يمهلنا الجالد والسوط الم ّدمى؟‬
‫فنموت‬
‫بين أي ٍد حانيات‬
‫في سكوت‪ ،‬في سكوت"[‪.]3‬‬
‫كما يقول في القصيدة نفسها‪:‬‬
‫"يتمطى الموت في أعضائه‬
‫عض ًوا فعضوا‪ ،‬ويموت‬
‫كل ما أعرفه أني أموت‬
‫مضغة تافهة في جوف‪ M‬حوت"‪.‬‬
‫‪ ‬غير أن االجتياح اإلسرائيلي‪ M‬للعاصمة اللبنانية أصاب خليل حاوي‪ M‬في مقتل[‪ ،]4‬وهو الشاعر الذي قصر‬
‫معظم شعره ‪ -‬إن لم يكن كله‪ -‬على قضايا االنبعاث القومي والحضاري‪ M‬في مواجهة عقم االنحطاط وشراسة‬
‫األعداء‪ .‬ومن شرفة غرفته المطلة على الجامعة األمريكية في بيروت‪ ،‬عبر حاوي‪ M‬عن رفضه للهزيمة‪ .‬و"مع‬
‫رؤيته للدبابات وهي تجتاح بيروت؛ تناول بندقية صيد لديه‪ ،‬وقتل فيها المحتل اإلسرائيلي‪ ،‬لكنه قتله داخله"[‬
‫‪.]5‬‬
‫والالفت لالنتباه أن خليل حاوي فكر في عملية انتحار علني على رؤوس‪ M‬األشهاد يعلن فيها احتجاجه الصارخ‬
‫على تردي األوضاع العربية‪ ،‬ثم يلجأ إلى فعل االنتحار‪ M‬باعتباره الفعل الوحيد المتاح أمامه‪.‬‬
‫"فاتني طبع المجاهد‬
‫لم أعد غير شاهد‬
‫فألمت غير شهيد‬
‫مفصحـًا عن غصة اإلفصاح‬
‫في قطع الوريد"[‪.]6‬‬
‫وكان يتصور‪ M‬نفسه وقد حمل مسدسه وذهب به إلى منطقة الحمراء المكتظة بالناس ليقوم بانتحاره العلني‪،‬‬
‫غير أنه أدرك أنه ليس في تقاليد الحياة العربية "فعل انتحار"‪.‬‬
‫وبالمثل فعل األديب األردني تيسير السبول (‪ 23‬يناير ‪ 15 – 1939‬نوفمبر‪ )1973 M‬الذي انتحر بطلق ناري‬
‫ت صعبة قبل ذلك‪ ،‬إذ أدت حرب يونيو‪ 1967 M‬إلى زعزعة ما‬
‫أطلقه على نفسه‪ .‬كان السبول قد عاش سنوا ٍ‬
‫استقام من حياته‪ ،‬وكانت الصدمة مؤلمة وشديدة عليه فبكى الهزيمة دونما انتظار للعزاء‪.‬‬
‫ترك لنا عملين أدبيين مهمين هما "أحزان صحراوية" وهو ديوان شعري ‪ ،‬ثم روايته "أنت منذ اليوم"‪M‬‬
‫الحائزة على جائزة جريدة "النهار" البيروتية للرواية عام ‪ .1968‬وفي‪ M‬كال العملين يشير السبول إلى أنه مقبل‬
‫على الموت[‪ .]7‬كان مفرط الحساسية‪ ،‬مهمومـًا‪ M‬بما يحدث على الساحة العربية‪ ،‬في حين عزا البعض حالته‬
‫ت عاطفية‪ .‬ويقال إنه أصيب بمرض خبيث في عينيه قبل رحيله‪.‬‬
‫النفسية السيئة في أواخر أيامه إلى مشكال ٍ‬
‫يوم من عمله في اإلذاعة األردنية ‪ -‬كان يشغل وقتها منصب رئيس البرامج‬
‫هكذا عاد تيسير السبول ذات ٍ‬
‫الثقافية‪ -‬وأطلق الرصاص على نفسه وهو مستلق‪ M‬على فراشه‪ ،‬في حين كانت زوجته األديبة والطبيبة‬
‫المشهورة مي يتيم تحضر له فنجان قهوته المعتاد‪.‬‬
‫أما آخر ما كتبه السبول باتفاق النقاد معلنـًا عن انتحاره فهو‪:‬‬
‫‪" ‬أنا يا صديقي‬
‫أسير مع الوهم أدري‬
‫أيمم نحو تخوم النهاية‬
‫نبيـًا غريب المالمح أمضي‬
‫إلى غير غاية‬
‫سأسقط ال ب ّد‪ ،‬يمأل جوفي‪ M‬الظالم‬
‫نبيـًا قتيالً وما فاه بعد بآية‬
‫وأنت صديقي‬
‫وأعلم‪ ..‬لكن قد اختلفت بي طريقي‬
‫سأسقط ال ب ّد‬
‫أسقط يمأل جوفي الظالم‬
‫غديرك‪ ،‬بعد‬
‫إذا ما التقينا بذات منام‬
‫تفيق الغداة وتنسى‪..M‬‬
‫لكم أنت تنسى‬
‫عليك السالم؟؟"[‪.]8‬‬
‫إنها النهاية التي يعرفها‪ M‬تيسير السبول‪ ،‬إذ يقول في قصيدته "بورتريه"‪:‬‬
‫"أنا يا صديقي أسير على حافة الليل‬
‫يعرفني‪ M‬العت ُم أكثر مما تظن مصابيح أمي‬
‫ويعرفني الموت أكثر مما تظن الحياة‪.‬‬
‫أنا يا صديقي‬
‫أسير ألسقط في آخر السطر قافلةً من صراخ‬
‫وخاطرة خذلت كنهها الكلمات"[‪.]9‬‬
‫هوامش‪:‬‬

‫[‪ ]1‬خليل الشيخ‪ ،‬االنتحار في األدب العربي‪ ،‬المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪.1997 ،‬‬
‫[‪ ]2‬إيليا حاوي‪ ،‬قراءة في شعر خليل حاوي‪ ،‬مجلة الفكر العربي المعاصر‪ ،‬عدد يونيو‪ /‬يوليو‪،1983 ‬‬
‫بيروت‪ ،‬ص ‪.28‬‬
‫[‪ ]3‬خليل حاوي‪ ،‬األعمال الكاملة‪ ،‬دار العودة‪ ،‬بيروت‪.1982 ،‬‬
‫[‪ ]4‬د‪ .‬محمد جابر األنصاري‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫[‪ ]5‬طالل الطريفي‪ ،‬انتحـار األدبـاء ترجمة عشق للخيـال‪ ..‬بلغـة المـوت‪ ،‬مجلة "المجلة"‪ ،‬لندن‪ 13 ،‬سبتمبر‪M‬‬
‫‪.2007‬‬
‫[‪ ]6‬خليل حاوي‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫[‪ ]7‬إبراهيم خليل‪ ،‬تيسير سبول من الشعر إلى الرواية‪ ،‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ M،‬بيروت‪.2005 ،‬‬
‫[‪ ]8‬تيسير السبول‪ ،‬األعمال الكاملة‪ ،‬دار ورد للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪.1998 ،‬‬
‫[‪ ]9‬المرجع نفسه‪.‬‬

‫خيانات ذهبية (‪ :)3‬أسهل من التثاؤب‬

‫‪  Monday, June 10, 2013  ‬‬

‫‪ ‬‬

‫عزا البعض انتحار الرسام والشاعر العراقي‪ M‬إبراهيم زاير (‪ )1972 -1944‬إلى هموم سياسية‪ ،‬في حين قال‬
‫آخرون إنه عانى أزمة عاطفية وذهب فريق ثالث إلى القول بوجود مشكالت مالية وراء االنتحار‪ .‬الشاعر‬
‫الذي كان ناشطـًا‪ M‬في صفوف‪ M‬فصيل فلسطيني‪ M‬في بيروت‪ ،‬انتحر بإطالق النار على رأسه يوم ‪ 24‬إبريل‬
‫‪ 1972‬في العاصمة اللبنانية‪ .‬بعد انتحاره بأيام قليلة‪ ،‬ولِ ْ‬
‫دت ابنته في العاصمة العراقية بغداد‪ ،‬التي شيع فيها‬
‫باعتباره "شهيد المقاومة الفلسطينية والنضال المسلح"‪.‬‬
‫انتقص الموت المبكر من صورة هذا الشاعر والرسام التي كان من الممكن أن تكتمل وأن تندفع أكثر وأكثر‪،‬‬
‫وهو الذي جعلته الظروف يرى في موته ضرورة وحالً‪.‬‬
‫"تك‪ ،‬تك‪ ،‬األمر أسهل من التثاؤب"‪ .‬هكذا‪ ‬كان يردد أمام أصدقائه وهو يشير بيده وكأنه يمسك المسدس‪ .‬ثم‬
‫فعلها في شقة في بيروت وهو وحيد‪ ،‬إلى الحد الذي جعله يحسن إطالق النار على صدغه كما كان مقدرًا له‬
‫أمام العدو‪ .‬رحل إبراهيم زاير تاركـًا وراءه قصاصة كتب عليها‪" :‬لقد قررت االنتحار‪ ،‬آسف إلزعاجكم"‪،‬‬
‫كما لو أنها آخر مقطع شعري ممكن أن يكتبه شاعر وهو يختار حتفه[‪.]1‬‬
‫في قصيدته "وردة الضحايا"‪ ،‬يقول إبراهيم زاير‪:‬‬
‫ك وذ ّكروني‪ M‬بنوايا البحر‪ ،‬وبكوا‪ M‬عني عند جثتي وأنا أتيت‪ ..‬وقفت إلى جسد‬
‫"ج ّملوني وردة الضحايا إلي ِ‬
‫ُ‬
‫وجئت أنقش لوثتي على أعمدة النهار)‬ ‫ُ‬
‫رحلت في موتي‬ ‫الدالالت أقول وصوتي حداء يتلوى يفارقه الحنين (أنا‬
‫ُ‬
‫وعرفت أنهم قتلوني (مرّة أخرى) وتابعوا نشيدي"[‪.]2‬‬ ‫بحثت يتبعني تحي ُ‬
‫ّرت من غربة نفسي‬ ‫ُ‬
‫الشاعر العراقي‪ M‬قاسم جبارة قصيدة تقيم في عزلتها‪ .‬قصيدة منسية بالتمام‪ M‬والكمال‪.‬‬
‫ولد عام ‪ ،1935‬وهاجر‪ M‬إلى فيينا عام ‪ ،1977‬وهناك راح يبيع الصحف تارة ويعمل عامل تنظيف تارةً‬
‫ت من التشرد‪ ،‬لكن زواجه انتهى بالطالق عام ‪ ،1986‬إثر محاولة انتحار‬
‫أخرى‪ .‬تزوج واستقر بعد سنوا ٍ‬
‫فاشلة لزوجته‪ .‬الشاعر المنزوي المتحفظ والصموت‪ ،‬انتحر بإطالق النار على رأسه في منفاه في فيينا‪ M‬عام‬
‫‪ ،1987‬بعدما اشترى‪ M‬مسدسـًا قديمـًا من بائع خردوات‪ M‬وكتب "كل أعضائي هادئة باستثناء العراق"‪ M.‬لم يحسن‬
‫التصويب‪ ،‬فبقي مشلوالً‪ M‬في المستشفى إلى أن فارقته الحياة[‪.]3‬‬
‫ثمة إشارات في قصيدته إلى أنه شاعر منفي مرتين‪ ،‬مرّة في وطنه وثانية في منفاه‪ ،‬حتى أنه يورد فيينا‪،‬‬
‫العاصمة النمساوية‪ ،‬مكانـًا لقصيدة كتبها عام ‪ .1982‬ويذكر أيضــًا في قصيدة بعنوان "نشيد‪ M‬نصفي"‪:‬‬
‫"راض بالموت وبالمنفى‪ ،‬وبعنف الركالت وبالمرحاض الرطب‪ ،‬وبالغرفة في آخر طابق‪ M‬وبتوزيع‪ M‬اإلعالنات‬
‫ٍ‬
‫وبموزارت‪ M‬الممنوع عل ّي‬
‫بحذاء العسكر‬
‫ي‬
‫بجواز هولند ٍّ‬
‫بفتا ٍة مفلس ٍة‬
‫ت‬
‫راض بالصم ِ‬
‫ٍ‬
‫وبالثرثرة العظمى‬
‫الهائل‬
‫ِ‬ ‫بالهذيان‬
‫بئر أسود‬
‫بالذكرى إذ تسقط في ِ‬
‫باللحية والشعر الكث‬
‫ْ‬
‫القوادين‬ ‫وبسمح صحون‬
‫ِ‬ ‫وبالجلد المدبوغ‬
‫بنشيد الصف الثالث‬
‫بصديقة المالية‬
‫بالقرآن‬
‫بتنزيالت السوق‬
‫ب أجالف‬
‫بأصحا ٍ‬
‫برسائل حوليات تأتي من بغداد‬
‫‪ ‬بالطابور‪ M‬الخامس‬
‫بقلعة صالح‬
‫بترتيالت أسمعها حين أنام… كأني ٍن ال متنا ٍه…"[‪.]4‬‬
‫أما القاص والروائي‪ M‬العراقي مهدي الراضي فقد كان للخيبة نصيب في نهايته عام ‪ ،2007‬حيث كان الفشل‬
‫مصير تفاعالته مع محيطه‪ .‬فعلى الجانب السياسي‪ M‬كان يرى أن السياسة العربية متشبعة بالرأي األوحد‪،‬‬
‫والتيار الحاكم‪ .‬ولعل ما زاد من صدمة مهدي؛ أنه كان معارضـًا‪ M‬لنظام صدام حسين‪ ،‬والنظام الذي جاء بعده‬
‫على ح ٍد سواء‪ .‬كما أن مهدي طرق باب العشق والحب‪ ،‬ولم يكن مصيره إال الويل والتعاسة‪ ،‬ذلك أنه وقع في‬
‫غرام إحدى األديبات‪ ،‬ليكتشف‪ M‬الحقـًا أنه حُبٌّ من طرف واحد‪.‬‬
‫تحدث الراضي عن معاناته قبل االنتحار؛ في إحدى رواياته األخيرة‪ ،‬التي أطلق عليها اسم "بيان الحب‬
‫والعذاب"‪ ،‬والتي توضح مدى خيبته‪ ،‬وسوداوية الحياة التي كان يعيشها‪ ،‬كترنمه في أعماله "حلم يوم ما"‬
‫و"مدن الشمع" و"حفلة إعدام" و"العراقي‪ M‬المهجور"‪ .‬ضاق مهدي الراضي ذرعـًا بتهميشه األدبي‬
‫والسياسي‪ ،‬فقرر أن ينفذ في نفسه حكم اإلعدام[‪.]5‬‬
‫ابن مدينة حمص‪ ،‬الشاعر السوري‪ M‬عبدالباسط‪ M‬الصوفي‪ )1960 -1931( M‬عانى ويالت الحب والغربة‪ ،‬حتى‬
‫قرر التخلص من حياته‪ .‬كان عبدالباسط عاشقـًا لفتاة لم يستطع الزواج بها لظروف قاهرة‪ ،‬وكانت النتيجة‬
‫شاعرًا مهشم الفؤاد‪ .‬سافر إلى إفريقيا في بعثة لتدريس اللغة العربية‪ ،‬وربما‪ M‬كان ذلك هروبـًا زائفـًا سرعان ما‬
‫أدرك زيفه[‪ .]6‬فقد أوفدته وزارة التربية والتعليم لتدريس العربية في غينيا في ‪ ،1960‬وهناك أصيب بانهيار‬
‫عصبي وأقدم‪ M‬على عدة محاوالت انتحار‪ ،‬ومات في مستشفى‪ M‬في كوناكري في ‪ 20‬يوليو‪ ،1960 M‬ونُقل جثمانه‬
‫بحرًا إلى بلده حيث دفن بعد شهرين من وفاته‪.‬‬
‫هو الذي صاح يومـًا‪" :‬كيف ال أشكو ودائي‪ M‬ليس يشفيه دواء"‪ ،‬والذي اعترف ملء دفاتره الشعرية بمعاناته‪،‬‬
‫إذ يقول في قصيدته "مكادي"‪M:‬‬
‫"فـ"سيزيف" من قبل‪ ،‬ش َّد إلى الصخرة الجامدة‬
‫تسلق‪ ،‬يحمل أثقال خيبته الخالدة‬
‫مكادي! أنا بعض "سيزيف"‪ M‬بعض الذي كابده‬
‫فرغت على الزرقة األبدية‪،‬‬
‫قلبـًا هشيمـًا وروحـًا خراب‬
‫تسلقتها‪ ،‬لجة وعرة‪ ،‬وارتميت عليها‪،‬‬
‫ي الرغاب‬
‫عص َّ‬
‫مكادي! أنا بعض "سيزيف"‪ M‬بعض الذي جالده‬
‫يطاردني‪ M‬اليأس‪ ،‬دامي السياط‪ ،‬كما طارده‬
‫مكادي! هما‪ :‬الصخر والعقم في لجتي الصاعدة"[‪.]7‬‬
‫هوامش‪:‬‬

‫[‪ ]1‬عالية ممدوح‪ ،‬الشاعر العراقي‪ M‬إبراهيم زاير‪ :‬متى تفتح الشبابيك للثورة؟!‪ ،‬جريدة "الرياض"‪ ،‬الرياض‪،‬‬
‫‪ 24‬مايو ‪.2012‬‬
‫[‪ ]2‬إبراهيم زاير‪ ،‬وردة الضحايا‪ ،‬مجلة "مواقف"‪ ،‬بيروت‪ ،‬العدد ‪ ،21‬يونيو‪.1972 M‬‬
‫[‪ ]3‬جمانة حداد‪ ،‬سيجيء الموت وستكون له عيناك‪ :‬مئة وخمسون‪ M‬شاعرًا انتحروا في القرن العشرين‪ ،‬الدار‬
‫العربية للعلوم ناشرون‪/‬دار‪ M‬النهار‪ ،‬بيروت‪ ،2008 ،‬ص ‪.449‬‬
‫[‪ ]4‬عوّاد ناصر‪ ،‬من يعرف قاسم جبارة؟‪ ،‬جريدة "الزمان"‪ ،‬بغداد‪ 17 ،‬فبراير ‪.2012‬‬
‫[‪ ]5‬طالل الطريفي‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫[‪ ]6‬لينا هويان الحسن‪ ،‬بورتريه‪ :‬عبد الباسط الصوفي‪ M‬كيف ال أشكو ودائي ليس يشفيه دواء‪ ،‬جريدة‬
‫"الثورة"‪ ،‬دمشق‪ 6 ،‬سبتمبر‪.2006 M‬‬
‫[‪ ]7‬عبدالباسط الصوفي‪ ،‬أبيات ريفية‪ ،‬منشورات‪ M‬وزارة الثقافة السورية‪ ،‬دمشق‪.2004 ،‬‬

‫خيانات ذهبية (‪ :)4‬جالد الحواس‬

‫‪  Monday, June 17, 2013      ‬‬


‫في عام ‪ 1979‬أطلق الكاتب والقاص المصري‪ M‬محمد رجائي‪ M‬عليش النار على رأسه‪ .‬وجاء في تقارير رجال‬
‫الشرطة أن الكاتب المذكور‪ M‬و ِج َد في سيارته منتحرًا على مقربة من شقتين كان يمتلكهما في الحي نفسه‪ ،‬ولم‬
‫ٌ‬
‫اعتراف صريح بنية‬ ‫تُعرف األسباب الكامنة وراء االنتحار‪ M‬إال بعد وصول‪ M‬رسالة منه إلى النائب العام فيها‬
‫االنتحار‪.‬‬
‫وانتحر الشاعر المصري أحمد عبيدة في أواخر العام ‪ ،1974‬بعد حادث اعتقاله وكان عائدًا من أحد البرامج‬
‫اإلذاعية‪ ،‬وكان من عادات عبيدة أن يحمل كل كتاباته في حقيبة جلدية ضخمة‪ ،‬فصادرتها مباحث أمن الدولة‪.‬‬
‫وعندما أفرجوا عنه حاول استرداد‪ M‬كتاباته النقدية وأشعاره وترجماته‪ ،‬إذ إنه كان يجيد عدة لغات‪ ،‬فأنكرت‬
‫المباحث كل ذلك‪ .‬وعلى إثر ذلك أصيب عبيدة بما يشبه اللوثة‪ ،‬وانتحر في غرفته الكائنة بحدائق‪ M‬القبة‪ ،‬بعد أن‬
‫سكب على جسده صفيحة كيروسين‪ ،‬وأشعل النار في نفسه‪ .‬لم تكتب عن الواقعة سوى مجلة "الحوادث"‬
‫اللبنانية‪ ،‬لكن رفاقه في جمعية كتاب الغد‪ ،‬أصدروا‪ M‬ما استطاعوا أن يعثروا عليه من أشعار في كتيب صغير‪،‬‬
‫هذه القصائد التي ال غنى عن قراءتها لقراءة المشهد الشعري في ذلك الوقت[‪.]1‬‬
‫مزق الفنان التشكيلي‪ M‬السوري لؤي كيالي أعمال معرض كامل له في عام ‪ 1967‬قبل أن يحرق‪ M‬نفسه عام‬
‫‪ .1978‬ويبدو للكثير ممن عرف لؤي كيالي أن األيام والظروف‪ M‬والواقع ضيق‪ M‬األفق‪ ،‬ومحاربة أوساط‪M‬‬
‫التشكيليين له وقتها‪ ،‬وعدم االعتراف بموهبته‪ ،‬أحرقت أحالم الفنان داخله‪ ،‬وقيدته أمام لوحاته‪ ،‬ما دفعه ألن‬
‫يشتغل جالدًا لحواسه‪ ،‬متشككـًا هو نفسه من قيمة إبداعه[‪.]2‬‬
‫عانى كيالي مرض الصرع واتهمه اآلخرون بالجنون‪ .‬بدأت تظهر عليه‪ ،‬في خريف عام ‪ ،1965‬بوادر‪ M‬أزمة‬
‫ت صارخةً تمثّل عذاب اإلنسان ونضاله‪.‬‬
‫نفسية‪ ،‬وأخذ يرسم‪ M‬بالفحم لوحا ٍ‬
‫في ‪ 24‬إبريل‪  1967‬أقام معرضه السابع في المركز الثقافي العربي بدمشق‪ ،‬تحت عنوان "في سبيل‬
‫القضية"‪ ،‬لكنه تعرض في معرضه هذا‪ ،‬النتقادات تهجميّة من قبل فئة من الفنانين والكتّاب‪ ،‬في الندوة وفي‪M‬‬
‫الصحافة‪.‬‬
‫م ّزق‪ ،‬عقب المعرض لوحاته هذه‪ ،‬وتوقف عن مزاولة الرسم‪ ،‬قبل أن تتفاقم في العام التالي أزمته النفسية‪،‬‬
‫وانقطع عن التدريس‪ ،‬واعتكف وحيدًا في بيته المستأجر‪ M‬بح ّي العفيف بدمشق‪ ،‬قبل أن يغادره إلى حلب‪.‬‬
‫ص ِحبَه بعضُ أهله من حلب إلى بيروت لمعالجته عند الطبيب السوري األستاذ بالجامعة األمريكية الدكتور‬
‫‪َ  ‬‬
‫عالء الدين الدروبي‪ M،‬فاستر ّد صحته النفسية‪.‬‬
‫في مطلع العام الدراسي ‪ 1970-1969‬عاد إلى التدريس في كلية الفنون الجميلة بدمشق‪ ،‬ثم ما لبثت صحته‬
‫النفسية أن تر ّد ْ‬
‫ت‪ .‬في مايو ‪ ،1977‬سافر‪ M‬إلى العاصمة األردنية بلوحات لعرضها‪ M‬في "غاليري عالية"‪ ،‬لكن‬
‫المعرض لم يُقَم لخطأ في اإلجراءات‪ ،‬فكان لهذا الحادث تأثير كبير في نفسه‪.‬‬
‫في الشهر التالي‪ ،‬أقام معرضه الثاني عشر في صالة الشعب للفنون الجميلة برعاية‪   ‬وزارة الثقافة السورية‪،‬‬
‫لكنه تعرّض لتهجمات من قبل فنانين وكتّاب في حلب‪ .‬اعتزم الهجرة إلى إيطاليا‪ ،‬فباع بيته وما يملك‪ ،‬وغادر‬
‫البالد في ديسمبر‪ M‬وهو يحلم بأن يزاول الرسم في روما في مناخ أفضل‪ .‬غير أنه عاد إلى حلب في فبراير‬
‫‪ 1978‬مخيّب الرجاء‪.‬‬
‫اعتزل الناس‪ ،‬وأدمن على تعاطي‪ M‬حبوب مه ّدئة مخ ّدرة‪ ،‬فكان بذلك كمن ينتحر رويدًا رويدًا على مرأى من‬
‫عارفيه![‪]3‬‬
‫يكشـف الباحث أنـور محمد في دراسـة غير منشـورة عن حياة لؤي كيالي‪ ،‬أن هذا التشكيلي السوري‪ M‬البارز‪،‬‬
‫عاقب جسده باالنتحار‪ M‬حينما أحرق نفسه بسيجارة مشتعلة‪ .‬ويقول إن أسباب انتحـاره ليـست عبثية كما أُشيع‬
‫وقتها‪ ،‬بل أتت نتيجة إحساسه الطاغي بالعزلة واإلحبـاط‪ ،‬في محيط لم يق ّدر موهبـته بما تستحق‪ .‬ويشير في‬
‫فصل خاص إلى أن لؤي كيالي كان يحب مطربة مغمورة‪ ،‬تعمل في أحد المالهي الليلية في حلب ولم يجهر‬
‫بهذا األمر أمام أحد‪ ،‬وإنما كان يذهب إلى الملهى كل ليلة لرؤية تلك المغنية واالستماع‪ M‬إلى صوتها‪ ،‬ثم يقوم‬
‫بإحـراق ورقـة نقـدية من فئـة الخمسمئة ليرة‪ .‬كان هذا المبلغ يعادل آنئ ٍذ ثمن لوحة من لوحاته‪ ،‬وحينما سأله‬
‫هذا الباحث الذي رافقه في سنواته األخيرة‪ :‬هل تحبها فعالً؟‪ ،‬أجاب‪" :‬ما المانع؟"‪ ،‬فقال له‪" :‬لو كنت تحبها‬
‫كما تقول‪ ،‬لفعلت ما فعله فان غوغ‪ ،‬حينما قطع أذنيه وقدمهما هدية لحبيبته"‪ ...‬فما كان من لؤي إال أن قرّب‬
‫سيجارة مشتعلة من أذنه‪ ،‬وقال‪" :‬هل يروق‪ M‬لك ذلك؟"[‪.]4‬‬
‫كان لؤي كيالي ضد فكرة الموت‪ ،‬لكنه كان محاصرًا وتفاقمت محنته بعد أن تم الحجر عليه في مشفى‬
‫لألمراض العقلية‪ .‬علم بأمره بكري الناصر مدير الثقافة حينها في حلب‪ ،‬فأرسل كتابـًا إلى المحافظ‪ M‬يطالبه‬
‫بعدم معاملة لؤي كيالي الفنان التشكيلي والمدرس‪ M‬في جامعة دمشق كلية الفنون الجميلة بصفته مجنونـًا‪ .‬فللفن‬
‫كرامة‪ ،‬ولحواس الفنان كرامة من الواجب أن نصونها‪ .‬وقبل أن يحترق لؤي‪ ،‬كانت ثمة حرائق تشتعل في‬
‫عقله المتيقظ‪.‬‬
‫في ليل ‪ 10 – 9‬سبتمبر من عام ‪ ،1978‬احترق وهو في سريره‪ .‬نُقل بطائرة عمودية من مستشفى جامعة‬
‫حلب إلى المستشفى العسكري‪ M‬بحرستا شمالي دمشق‪ ،‬قبل أن يفارق الحياة في مستشفى حرستا في ‪26‬‬
‫ديسمبر‪ .‬وفي‪ M‬اليوم التالي ووري الثرى في "مقبرة الصالحين" في حلب‪.‬‬
‫أما الشاعر الكردي مصطفى محمد‪ ،‬ابن مدينة الحسكة‪ ،‬فقد كان في السابعة والعشرين من عمره حين انتحر‬
‫في حلب عام ‪ ،1979‬وكانت له مجموعتان شعريتان تحت الطبع "أبواب تتهيأ للخروج" و"عودة الغيوم‬
‫الصامتة"‪ .‬خرج مصطفى من منزل ذويه قبل أسبوع‪ M‬من حادثة االنتحار ومن دون علم أحد‪ ،‬ليجدوه فيما بعد‬
‫في مدينة حلب قرب مرآب المدينة المركزي‪ M‬وقد تبين أنه كان قد قذف‪ M‬بنفسه من على سطح أحد األبنية‬
‫القريبة من مرآب المدينة‪ .‬وقد عثر على وصية في جيبه تبرئ أي شخص من قتله وتؤكد أنه قام بهذا الفعل‬
‫من تلقاء نفسه ونتيجة ضغوط نفسية خاصة به في محيطه[‪.]5‬‬
‫هوامش‬
‫[‪ ]1‬شعبان يوسف‪ ،‬الكبار يكذبون أيضـًا‪ ،‬جريدة "الشروق"‪ M،‬القاهرة‪ 3 ،‬نوفمبر ‪.2012‬‬
‫[‪ ]2‬ثقافة االنتحار‪ ..‬لماذا ينتحر المثقفون؟‪ ،‬جريدة "النهار"‪ ،‬الكويت‪ 1 ،‬ديسمبر‪.2007 M‬‬
‫[‪ ]3‬فاضل السباعي‪ ،‬الفن التشكيلي‪ M‬في سوريا‪ :‬لؤي كيالي‪ ،‬موقع منتدى‪ M‬الشام الثقافي‪.1994 ،‬‬
‫[‪ ]4‬ندرة المنتحرين في بلد يفتقر إلى مقبرة للسيارات‪ ،‬مجلة العلوم االجتماعية‪ ،‬الرياض‪ 14 ،‬يوليو‪.2009 M‬‬
‫[‪ ]5‬ثقافة االنتحار‪ ..‬لماذا ينتحر المثقفون؟‪ ،‬مصدر‪ M‬سابق‪.‬‬

‫خيانات ذهبية (‪ :)5‬المبتسرون‬

‫‪  Wednesday, July 10, 2013  ‬‬

‫‪ ‬‬

‫قائمة مشاهير‪ M‬المنتحرين العرب تضم أيضـًا د‪ .‬درية شفيق إحدى رائدات حركة تحرير المرأة في مصر في‬
‫النصف األول من القرن العشرين‪ ،‬والتي ينسب إليها الفضل في حصول المرأة المصرية على حق االنتخاب‬
‫والترشح في دستور مصر عام ‪ .1956‬غير أن درية شفيق‪ ،‬التي‪  ‬أسست عام ‪" 1952‬اتحاد بنت النيل" الذي‬
‫يعد أول حزب نسائي سياسي‪ M‬في مصر‪ ،‬عانت بسبب األوضاع السياسية المتغيرة في مصر بعد ثورة يوليو‪M‬‬
‫‪ ،1952‬وعدم وجود‪ M‬نشاط سياسي حقيقي‪ ،‬وعاشت درية شفيق في عزلة نحو ‪ 18‬عامـًا قبل أن تنتحر‬
‫بالسقوط من شرفة منزلها في ‪ 30‬سبتمبر ‪.1975‬‬
‫وانتحرت الكاتبة والمترجمة المصرية أروى صالح‪ ،‬مؤلفة كتاب "المبتسرون"‪ ،‬في ‪ 7‬يونيو ‪ .1997‬أروى‪،‬‬
‫ابنة الحركة الطالبية المنتمية إلى اليسار‪ ،‬ألقت بنفسها من الدور الثاني عشر في مبنى العمارة التي كانت‬
‫تقطنها في القاهرة‪ ،‬وقد ذكرت بعض الصحف أنها انتحرت نتيجة للعنف الذكوري‪ M،‬في حين أنها ألمحت إلى‬
‫اإلحباط الذي كان يكتنفها في كتابها األخير‪ ،‬وكأنها فيه تكشف زيف الشيوعية التي كانت تؤمن بها‪ ،‬كما أنها‬
‫لم تحتمل ما سمته بالخيانة من رفاقها‪ ،‬الذين تبرأوا من معتقدهم بعد انهيار‪ M‬الشيوعية العالمية‪.‬‬
‫كما أن احتقارها لذاتها ورفاقها‪ M‬الذين كانوا يبيعونها‪ M‬الوهم كما تصف؛ زاد من دوافع االنتحار‪ M‬لديها‪،‬‬
‫خصوصـًا‪ M‬أنها كانت تروي‪ M‬في مسودة كتابها؛ أنها كانت تشتري أبخس بضاعة من الكالم على لسان أحدهم‪،‬‬
‫وتدفع لذلك ثمنـًا باهظـًا في ساعات متأخرة من الليل‪ ،‬األمر الذي جعلها تنتقم من هذا العالم الذي جعل منها‬
‫أضحوكة لهذا اليساري أو ذاك‪ .‬لذا انتقمت من هؤالء الباعة بفضحهم‪ ،‬على الرغم من أنهم حاولوا كثيرًا ثنيها‬
‫عن ذكر أسماء‪ .‬ونتيجة لكل هذا قررت أروى‪ M‬االنتحار؛ انتقامـًا من سذاجتها في السير مع ركب أناس ال‬
‫يتقنون إال الكالم‪ .‬ومن يقرأ "سرطان‪ M‬الروح" الذي صدر عن دار النهر في ‪ ،1998‬ويضم‪ M‬خالصة وافية عن‬
‫أعمالها غير المنشورة‪ ،‬سيرصد‪ M‬فكرة محورية حول االنعزالية واالكتئاب والشرود في أحالم اليقظة‪ .‬وتتحدث‬
‫عل‪ .‬تقول د‪ .‬نوال‬
‫أروى في هذا الكتاب عن محاولة انتحار سابقة‪ ،‬قبل أن تلفظ أنفاسها األخيرة بالسقوط‪ M‬من ٍ‬
‫السعداوي إنه قبل انتحار أروى "جاءني صوتها عبر التليفون‪ :‬موتي‪ M‬سالحي األخير ضد المبتسرين وناقصي‬
‫التكوين"[‪.]1‬‬
‫أما الدكتور‪ M‬إسماعيل أدهم (‪ 13‬يناير ‪ 23 -1911‬يوليو ‪ )1940‬مؤلف كتاب "لماذا أنا ملحد" الذي أثار ضجة‬
‫كبرى في الساحة الثقافية آنذاك‪ ،‬فقد أثار خبر انتحاره ضجة أخرى وقتذاك‪ M.‬كان إسماعيل أدهم يجيد عددًا من‬
‫اللغات‪ ،‬وله كثير من الدراسات والكتب والبحوث‪ ،‬لكنه واجه صعوبات مجتمعية بسبب موقفه من األديان‪ ،‬إذ‬
‫يقول "إن األسباب التي دعتني للتخلي عن اإليمان باهلل كثيرة منها ما هو علمي بحت ومنها‪ M‬ما هو فلسفي‬
‫صرف ومنها ما هو بين بين ومنها ما يرجع لبيئتي وظروفي‪ M‬ومنها ما يرجع ألسباب سيكولوجية"[‪.]2‬‬
‫ويضيف‪ M‬قائالً "وكانت نتيجة هذه الحياة أني خرجت عن األديان وتخليت عن كل المعتقدات وأمنت بالعلم‬
‫وحده وبالمنطق العلمي‪ ،‬ولشد ما كانت دهشتي وعجبي أني وجدت نفسي أسعد حاالً وأكثر اطمئنانـًا‪ M‬من‬
‫حالتي حينما كنت أغالب نفسي لالحتفاظ بمعتقد ديني"[‪.]3‬‬
‫تقول الباحثة د‪ .‬رجاء بن سالمة "عمد الشيخ يوسف‪ M‬الدجوي إلى استعداء السلطة السياسية بقوله إن صاحب‬
‫الرسالة يطعن في دين الدولة ومليكها حامي الدين والعلم‪ ،‬وإن ما جاء فيها يتناقض مع الفطرة اإلسالمية التي‬
‫جبل عليها سائر البشر‪ .‬وهو ما يدل على تعاضد المؤسستين الدينية والسياسية في محاصرة الفكر‪ ..‬وقد لبت‬
‫وزارة النحاس نداء الشيخ يوسف‪ M‬الدجوي واستجابت للدعوة التي قدمها شيوخ األزهر ضد إسماعيل أدهم‪،‬‬
‫وقامت النيابة بالتحقيق معه ومصادرة رسالته وتفتيش منزله فوجدت فيه رسالة (لماذا أنا ملحد؟)‪ ،‬وملفات‬
‫أخرى تحوي بعض نسخ من بحوث متعددة عن فلسفة النشوء واالرتقاء‪ ،‬وكتاب (لماذا أنا ملحد؟) لراسل‪،‬‬
‫ومظروفـًا يحوي‪ M‬أكثر من ثالثين صفحة من كتاب بخطه يشرع في تأليفه ينكر فيه وجود‪ M‬هللا ويؤكد إلحاده‪.‬‬
‫وقد حالت جنسيته التركية وحالته الصحية بينه وبين السجن واكتفت النيابة بتحذيره وتعطيل مجلة اإلمام التي‬
‫نشرت الرسالة ألول مرة‪ ..‬يقول إسماعيل أدهم في بعض مقاالته إن شيخ األزهر قرر‪ M‬بمرسوم‪ M‬مسجدي‬
‫حرماني الجنة جزاء لكفري‪ ..‬وألن الرقابة تنتقل بالعدوى‪ ،‬وتتّسع‪ M‬دائرتها تلقائيـًا‪ ،‬فإن العزل الذي تقوم عليه‬
‫طال محقّق أعماله الكاملة‪ .‬فقد ذكر لي أحد المفكرين المصريين المطّلعين (ال أذكر اسمه خوفـًا عليه من‬
‫العدوى نفسها) أن أحمد الهراوي‪ M‬طرد من جامعة صنعاء ألنه درّس أحد مؤلفات إسماعيل أدهم في النقد‬
‫األدبي وصادف‪ M‬أن كان هذا المؤلّف منشو ًرا‪ M‬في المجلّد الذي يتض ّمن رسالته (لماذا أنا ملحد)"[‪.]4‬‬
‫عانى إسماعيل أدهم أمراض الصدر لفترة طويلة‪ ،‬وأدت آراؤه في الدين إلى شعوره بالعزلة‪ ،‬حتى كره الحياة‬
‫التي ال تنتهي إلى شيء‪ ،‬فكانت النهاية‪ .‬فقد فوجئت‪ M‬األوساط العلمية والثقافية بخبر انتحار د‪ .‬إسماعيل أدهم‬
‫بإلقاء نفسه في البحر على شاطئ جليم في اإلسكندرية‪ ،‬وسط محاولة بعض رواد‪ M‬الشاطئ إنقاذه من دون‬
‫جدوى‪ .‬وبعد بضع ساعات‪ ،‬انتشل رجال األمن واإلسعاف جثته‪ ،‬ووجدت في مالبسه رسالة قال فيها إنه‬
‫انتحر زهدًا في الحياة وكراهية لها‪ .‬وأوصى أدهم بإحراق جثته وعدم دفنه في مقابر المسلمين‪ ،‬لكن وصيته لم‬
‫تنفذ وتم دفنه وسط أجواء من الصمت‪ ،‬ولم يمش في جنازته إال خمسة أشخاص[‪.]5‬‬
‫وذهب البعض إلى القول بأن إسماعيل أدهم "إنه الصورة المضادة للشهيد‪ .‬الشهيد يعزل بالتضحية التي تنقله‬
‫إلى دائرة القداسة‪ ،‬والمنتحر‪ M‬يعزل بتضحية فردية تع ّدها المجموعة (هدرًا) وهباء‪ ،‬أي مدنّسـًا ضديدًا للمق ّدس‬
‫اإلضحوي‪ .‬أما أن يكون المنتحر ملحدًا‪ ،‬فتلك مسرحة ألقصى صور الغيريّة المرفوضة‪ .‬الغيريّة التي تأتي‬
‫من (الداخل) في عالم ما زال فيه الدم وثاقـًا‪ M‬يشد الدنيوي إلى المق ّدس إلنتاج العنف العتيق"[‪.]6‬‬
‫هوامش‬

‫[‪ ]1‬د‪ .‬نوال السعداوي‪ ،‬حلمي سالم وأروى صالح‪ ،‬جريدة "المصري اليوم"‪ ،‬القاهرة‪ 5 ،‬أغسطس ‪.2012‬‬
‫[‪ ]2‬د‪ .‬إسماعيل أحمد أدهم‪ ،‬أعمال مختارة‪ ،‬منشورات‪ M‬الجمل‪ ،‬بيروت‪.2010 ،‬‬
‫[‪ ]3‬المرجع نفسه‪.‬‬
‫[‪ ]4‬د‪ .‬رجاء بن سالمة‪ ،‬إسماعيل أدهم واختالفه غير المحتمل مثاالً عن آليات الحجز الرقابي‪ M،‬موقع "الحوار‬
‫المتمدن"‪ ،‬العدد ‪ 4 ،2455‬نوفمبر ‪.2008‬‬
‫[‪ ]5‬هاني الخير‪ ،‬مشاهير وظرفاء القرن العشرين‪ ،‬دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،1993 ،‬ص‬
‫‪.65‬‬
‫[‪ ]6‬د‪ .‬رجاء بن سالمة‪ ،‬مصدر سابق‪.‬‬

‫خيانات ذهبية (‪ :)6‬عطر الموت‬

‫‪  Tuesday, August 6, 2013  ‬‬

‫شكل انتحار الشاعر والناقد المصري فخري أبو السعود (‪ )1940-1910‬صدمة‪ ‬لألوساط األدبية في مصر‪.‬‬
‫كان هذا الباحث الموهوب في مجال األدب المقارن‪ ،‬مبتعثـًا في بعثة دراسية إلنجلترا (‪.]1[)1934 - 1932‬‬
‫وحين عاد إلى الوطن وبصحبته زوجته اإلنجليزية‪ ،‬التي تعرف عليها في رحاب الجامعة‪ ،‬وأنجب منها‬
‫ولدين‪ ،‬أقام في اإلسكندرية مع أسرته الصغيرة‪ .‬وحدث أن سافرت زوجته إلى لندن مع ولديه‪ ،‬قبل نشوب‬
‫نيران الحرب العالمية الثانية بأسابيع قليلة‪ ،‬فلما اشتعلت ميادين القتال في أوروبا عام ‪ 1939‬واستهدفت‬
‫الطائرات األلمانية المدن البريطانية الرئيسية وكان الولدان من بين األطفال البريطانيين المرحلين إلى‬
‫الواليات المتحدة‪ ،‬من أجل تجنيبهم‪ M‬األخطار‪ ،‬فغرقت بهم السفينة جميعـًا[‪.]2‬‬
‫أما زوجته فقد منعتها أجواء الحرب عن العودة ثانية إلى مصر‪ ،‬فانقطعت أخبارها عنه‪ ،‬ففقد صوابه‬
‫وشجاعته معـًا‪.‬‬
‫وكانت هذه الحالة األليمة‪ ،‬ضياع أسرته‪ ،‬سبب انتحاره حيث أطلق رصاصته من مسدسه على رأسه في أحد‬
‫أيام شهر مارس من عام ‪ 1940‬فكانت نهايته‪ ،‬وطويت صفحة أيامه[‪.]3‬‬
‫لم يترك الراحل فخري وصيته كعادة المنتحرين‪ ،‬بل ترك بخط يده المرتعشة وعلى بياض الورق‪ ،‬بيتين من‬
‫الشعر أحدهما للمتنبي والثاني‪ M‬لزهير بن أبي سلمى‪ .‬أما بيت المتنبي فهو‪:‬‬
‫وإني لمن قوم كرام نفوسهم‪   ‬ترفع أن تحيا بلحم وأعظم‬
‫أما بيت زهير فهو‪:‬‬
‫سئمت تكاليف الحياة ومن يعش‪  ‬ثمانين حوالً ال أبالك يسأم‬
‫وقد وضع كلمة ثالثين بدالً من ثمانين‪ ،‬ذلك أنه عندما أنهى حياته‪ ،‬وهو في حالة انهيار نفسي واكبه االكتئاب‬
‫الشديد‪ ،‬كان في حوالي الثالثين من العمر[‪.]4‬‬
‫وكان أحمد العاصي (‪ )1930 -1903‬شاعرًا معروفـًا في عصره‪ ،‬وقد أصدر ديوانـًا يتيمـًا هو "ديوان‬
‫العاصي" وكتب له أحمد شوقي‪ M‬مقدمة شعرية يشيد في أول بيت منها بالتشابه بين اسم العاصي ونهر‪ M‬العاصي‬
‫الذي يتدفق‪ M‬في أرض سوريا‪.‬‬
‫التحق العاصي بمدرسة الطب في القاهرة‪ ،‬ولما أصيب بمرض الصدر هجر دراسة الطب‪ ،‬والتحق بكلية‬
‫اآلداب‪ ،‬وتخرج في قسم الفلسفة‪ ،‬ليعمل موظفـًا بمكتبة هذه الكلية‪.‬‬
‫انعكست حياته المرضية القاسية‪ ،‬وثقافته الفلسفية‪ ،‬وحساسيته الشعرية على قصائده‪ ،‬فجاءت متشائمة ذات‬
‫نظرة عبثية إلى الحياة‪ .‬وهذا الشاعر الذي حياه شوقي‪ M‬بقصيدة كان قد دعاه فيها إلى الكف عن الشكوى‪ M‬ألنه ال‬
‫يزال شابـًا في مقتبل الحياة‪ ،‬انتحر وهو في السابعة والعشرين من عمره بعد أن أصدر ديوانه الوحيد عام‬
‫‪ 1926‬وأصدر إلى جانبه رواية منشورة اآلن هي "غادة لبنان"[‪.]5‬‬
‫غير أن التعبير عن عالمه الحزين القاتم لم يفرج همه‪ ،‬فغلبته هواجسه‪ ،‬حتى أغلق نوافذ‪ M‬مسكنه في القاهرة‪،‬‬
‫وأنهى‪ ‬حياته بيده تاركـًا قصاصة بخط يده يقول فيها‪" :‬جبان من يكره الموت‪ ،‬جبان من ال يرحب‪ ‬بذلك‬
‫المالك الطاهر‪ .‬إنني أستعذب الموت‪ ،‬وهو لي كالعطر"‪.]6[M‬‬
‫ويحدث أحد مؤرخي‪ M‬حياته وهو األديب الناقد محمد محمود زيتون بأنه انتحر بأن دهن جسمه بمادة كاوية ثم‬
‫أوى الى فراشه‪ .‬وظلت هذه المادة تأكل جسمه بالتدريج وتحرق الفراش ببطء‪ ،‬من الساعة التاسعة صباحـًا‪M‬‬
‫حتى الخامسة من اليوم التالي‪ ،‬حيث قضت عليه وأحرقت‪ M‬الحجرة‪.‬‬
‫ورمى الشاعر المصري صالح الشرنوبي (‪ )1951 -1924‬بنفسه تحت عجالت القطار عام ‪ 1951‬بعد أن‬
‫ترك في جيبه ورقة توصي‪ M‬أهله بطباعة ديوانه‪ ،‬وقد كان شاعرًا رومانتيكيـًا صعلوكـًا‪ M‬رغم تعليمه الديني‪ .‬فقد‬
‫حصل على الثانوية األزهرية من المعهد األحمدي بطنطا‪ M‬عام ‪ ،1947‬لكنه فشل في االلتحاق بدار العلوم بعد‬
‫أن اجتاز االمتحان التحريري‪ ،‬بسبب تعنت أستاذ الشريعة في االمتحان الشفهي للقرآن الكريم‪ .‬التحق بكلية‬
‫أصول الدين ثم هجرها بعد سبعة أشهر من الدراسة‪.‬‬
‫بعد عام من تركه كلية أصول الدين‪ ،‬عاد إلى بلطيم ليعمل مدرسـًا بالمدرسة االبتدائية‪ .‬ترك بلطيم إلى القاهرة‬
‫بعد أن رفض أبناء عمه يده في طلب شقيقتهم التي كان يحبها ويرى في ارتباطه بها نهاية كل متاعبه‪.‬‬
‫في القاهرة تعاطى‪ M‬كل ألوان الضياع‪ ،‬وعاقر كل ألوان الصعلكة‪ ،‬وكتب أروع وأبدع قصائد الشك والحزن‬
‫والحرمان والموت سواء وهو مقيم بحجرة الدجاج على سطح أحد المنازل‪ ،‬أو وهو ملتجئ‪ ،‬بعد أن طردته‬
‫صاحبة البيت لعجزه عن دفع اإليجار‪ ،‬إلى مغارة بجبل المقطم‪ ،‬أو وهو مقيم في بدروم تحت األرض يخيل‬
‫إلى داخله أنه يستنشق هواء قد سبق تنفسه حسب تعبير‪ M‬الدكتور عبد الحي دياب[‪.]7‬‬
‫عمل مدرسـًا‪ M‬بمدرسة أجنبية للبنات هي مدرسة "سان جورج"‪ ،‬لكنه فصل منها لكثرة تخلفه وعدم التزامه‬
‫بمواعيد الحضور واالنصراف‪ .‬مرة ثانية حاول االلتحاق بكلية دار العلوم ليلقى نفس النتيجة التي لقيها عام‬
‫‪ ،1947‬وعلى يد نفس أستاذ الشريعة‪ .‬التحق بكلية الشريعة‪ ،‬لكنه سرعان ما هجرها لنفس األسباب التي هجر‬
‫بها كلية أصول الدين‪.‬‬
‫كتب عنه عدد من أبرز األدباء المصريين مثل كامل الشناوي‪ M‬وصديقه صالح جودت‪ ،‬وقد قدم ألحد دواوينه‬
‫علي أحمد باكثير‪ ،‬وقال عنه العقاد إنه "لو عاش لب َّز شوقيا"‪.‬‬
‫تعرف على الممثلين والممثالت وكتب أغنيات بعض األفالم‪ ،‬كما أنه عرف وذاق كل خصائص عالم الفن إلى‬
‫درجة التخمة‪ .‬علم كامل الشناوي‪ M‬بمأساة الشاعر صالح الشرنوبي فعينه مصححـًا في جريدة "األهرام" لتظل‬
‫المأساة قائمة نتيجة لنمط الحياة التي قد استغرقت هذا الشاعر‪.‬‬
‫في إجازة عيد األضحى عاد الشاعر إلى بلطيم لتكون النهاية الحزينة‪ ،‬ولتشيع بلطيم شاعرها يوم ‪ 17‬سبتمبر‬
‫‪.1951‬‬
‫الشاعر المصري‪ M‬منير رمزي (‪ ،)1945 -1925‬كان بدوره مهمومـًا‪ M‬بفكرة الموت في قصائده‪ ،‬وهو ما‬
‫نلمسه في مجموعته الشعرية الوحيدة "بريق‪ M‬الرماد" التي نشرت بعد رحيله عام ‪ .1997‬انتحر بإطالق النار‬
‫على نفسه في ‪ 25‬مايو ‪ 1945‬بسبب قصة حب فاشلة‪ ،‬بعدما كتب على قصاصة ورق‪" :‬أنا هارب"‪.‬‬
‫يقول في قصيدته "أنا الغريب"‪:‬‬
‫"أهيم بين مجالس الموتى‬
‫هامسـًا في آذانهم‬
‫بأغان ّي التي ال معنى لها‪،‬‬
‫أرسلها في خفوت‬
‫خائفـًا إيقاظهم‪،‬‬
‫ثم أجلس في صمت"[‪.]8‬‬
‫وفي قصيدته "في الليل األبدي"‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫"نهاري قصير‪ ،‬ولكن ليل أبدي‪..‬‬
‫لي ٌل مرّت أطرافه‪،‬‬
‫لم تعكس صفحة قلبي شعاعـًا واحدًا‬
‫لكوكب من كواكبه‪..‬‬
‫أسدلت عين ّي حتى ال يروعني‪،‬‬
‫ما يحوطني‪ M‬من ظالم"[‪.]9‬‬
‫هوامش‬

‫[‪ ]1‬خيرالدين الزركلي‪ ،‬األعالم‪ ،‬دار العلم للماليين‪ ،‬بيروت‪.1990 ،‬‬


‫[‪ ]2‬عبدالعليم القباني‪ ،‬فخري أبوالسعود (‪ )1940 - 1910‬حياته وشعره مع مالمح من عصره وإشارات إلى‬
‫آثاره النثرية‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪.1973 ،‬‬
‫[‪ ]3‬محمد عبدالغني حسن‪ ،‬أعالم من الشرق والغرب‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬القاهرة‪.1950 ،‬‬
‫[‪ ]4‬هاني الخير‪ ،‬اليوم األخير في حياتهم‪ ..‬فخري أبو السعود‪ ..‬الرحيل المبكر‪ ،‬جريدة "الثورة" السورية‪1 ،‬‬
‫أبريل ‪.2010‬‬
‫[‪ ]5‬زكي محمد مجاهد‪ ،‬األعالم الشرقية في المائة الرابعة عشرة الهجرية‪ ،‬مكتبة مجاهد‪ ،‬القاهرة‪.1963 ،‬‬
‫[‪ ]6‬معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين‪ ،‬مؤسسة جائزة عبدالعزيز‪ M‬سعود البابطين لإلبداع الشعري‪،‬‬
‫ط‪ ،2‬القاهرة‪.2002 ،‬‬
‫[‪ ]7‬صالح الشرنوبي‪ M،‬ويكيبيديا‪ M..‬الموسوعة الحرة اإللكترونية‪.‬‬
‫[‪ ]8‬منير رمزي‪ ،‬بريق الرماد‪ ،‬دار شرقيات‪ M‬للنشر والتوزيع‪.1997 ،‬‬
‫[‪ ]9‬المرجع نفسه‪.‬‬
‫خيانات ذهبية (‪ :)7‬أعشاب الليل الطويلة‬

‫‪  Wednesday, August 21, 2013      ‬‬

‫رصاصة قاتلة أنهت حياة الشاعر والمخرج والرسام‪ M‬اللبناني أنطوان مشحور‪ M‬المولود عام ‪1936‬؛ إذ انتحر‬
‫بإطالق النار على رأسه صباح يوم ‪ 17‬نوفمبر‪ ،1975 M‬بعدما كان أس ّر إلى صديق‪ M‬له قبل أيام باعتزامه‬
‫االنتحار‪ُ .‬و ِج َد في سريره في شقته الواقعة في أحد مباني شارع الحمراء‪ ،‬وحوله صور زوجته اليونانية التي‬
‫كانت هجرته بعد خالف حا ٍد بينهما‪ .‬لم تكن قصائد هذا الشاعر السوريالي‪ M‬تخلو من مفردة "ليل" أو "عتمة"‪.‬‬
‫ومن مجموعته الشعرية الوحيدة الصادرة باللغة الفرنسية عام ‪ 1965‬بعنوان "أعشاب الليل الطويلة"‪ ،‬نطالع‬
‫عبارات مثل‪:‬‬
‫"سأبسط خيوط‪ M‬الدم في جسدي‬
‫شراعـًا وسأقول وداعـًا لألرض"[‪.]1‬‬
‫وأيضـًا‪:‬‬
‫أحدثك عن الموت‪.‬‬
‫ِ‬ ‫"سألتِني أن‬
‫عندما رأيته للمرة األخيرة كان‬
‫قد غيّر تسريحة شعره"‪.‬‬
‫وهكذا بدا االنتحار ومحاوالت التخلص من الحياة أمرًا مألوفـًا‪ M‬لدى عدد من المبدعين‪ ،‬ورأينا من يقدم لنا‬
‫تصورًا فلسفيـًا للمأساة‪ ،‬ومن ذلك ما أورده األديب النوبي‪ M‬الراحل إدريس علي الذي قال في حوار صحفي قبل‬
‫واقع مهين‪ .‬فأنا لم أحبب الحياة بما‬
‫ٍ‬ ‫وفاته بقليل‪" :‬أرى أن مسألة االنتحار أشرف‪ M‬وأنبل وسيلة لالنسحاب من‬
‫فيها من تفاهات وصراعات وتفاوت طبقي‪ ،‬وروايتي‪" M‬تحت خط الفقر" تُعري هذا الواقع وتفضح المستور‬
‫ُ‬
‫حاولت االنتحار بإلقاء‬ ‫ُ‬
‫واكتشفت أنه ال فائدة من الكتابة‪ .‬لقد‬ ‫وتكشف المسكوت عنه‪ .‬وقد مات ابني منتحرًا‪،‬‬
‫نفسي في النيل أكثر من مرة‪ ،‬ولكن النيل أبى أن يبتلع جثتي"[‪.]2‬‬
‫األجزاء األربعة التي صدرت من سيرته الذاتية بعنوان "كتابة البوح" كانت بالفعل "مشاهد من قلب الجحيم"‪.‬‬
‫لكن جرأتها غطّت على‬
‫ربما لم تلفت هذه السيرة كثيرين‪ .‬ربما لم يهتم فيها بالتفاصيل الفنية واللغة والبناء‪ّ ،‬‬
‫كل هذه العناصر‪ .‬هذه الجرأة كانت سببـًا في أن تالحقه المشكالت واألحزان‪ .‬وكان آخرها مصادرة روايته‬
‫"الزعيم يحلق شعره"‪ ،‬التي تناول فيها سنوات قضاها في العمل في ليبيا‪.‬‬
‫ثم صدرت روايته "انفجار جمجمة" التي عبّر فيها ببراعة عن هواجسه الداخلية‪ ،‬مف ّككـًا األنظمة القمعية‪ .‬هذه‬
‫الرواية غيّرت حياته؛ إذ كان يعمل فى إحدى الشركات مضطه ًدا‪ M‬ومعزوالً‪ M‬باعتباره كاتبـًا مجنونـًا شيوعيـًا‪،‬‬
‫لكن فجأة حصلت الرواية على جائزة معرض الكتاب في القاهرة‪ ،‬فالتقى إدريس علي مع الرئيس المصري‬
‫الذي صافحه‪ ،‬وتغيّرت حياته‪ ،‬وزاد راتبه‪ ،‬وصار‪ M‬أمينـًا لمكتبة الشركة[‪.]3‬‬
‫غير أنه بقي وفيـًا لحياته المعذبة القلقة‪ ،‬حتى وافاه األجل المحتوم‪.‬‬
‫ربما يكون إدريس علي (‪ )2010 -1940‬األكثر سعادة بموته‪ .‬فقد حقق أخيرًا "حلمـًا" سعى إليه طويالً‪.‬‬
‫جرّب االنتحار مرارًا‪ ،‬احتجاجـًا على األوضاع‪ M‬البائسة التي عاناها طويالً‪ ،‬لكنه في كل مرة كان يفشل في‬
‫بلوغ مبتغاه‪ .‬وفي أحد أيام ديسمبر‪ M‬الشتوية حقق "حلّمه"‪ .‬مات‪ ،‬لكن في فراشه‪ ،‬متأثرًا بأزمة قلبية لم يستطع‬
‫تح ّملها‪.‬‬
‫ومن الجزائر‪ ،‬يبرز اسم الشاعرة الجزائرية صفية كتو (‪ )1989 -1944‬التي خرجت من بيتها ذات صباح‬
‫شتوي بارد‪ ،‬ولم تتردد في رمي جسدها من أعلى‪ ‬جسر تيليملي بوسط‪ M‬الجزائر العاصمة‪ ،‬لتنتشل جثة هامدة‬
‫عند الشارع السفلي من أعلى ثمانية طوابق‪ M‬كاملة‪.‬‬
‫صفية كتو هو االسم الفني للشاعرة التي كانت في وثائقها الرسمية تحمل اسم زهرة رابحي‪ ،‬وولدت في مدينة‬
‫العين الصفراء عند بوابة الجنوب الغربي للجزائر حيث عملت مدرسة للغة الفرنسية حتى سنة ‪ 1969‬لتنتقل‬
‫إلى مدينة الجزائر‪ M.‬في سنة ‪ 1973‬أصبحت صحفية في وكالة األنباء الجزائرية‪ ،‬ومن عناوين كتبها األدبية‪،‬‬
‫المجموعة الشعرية "صديقتي‪ M‬القيثارة" سنة ‪ 1979‬والمجموعة القصصية "الكوكب البنفسجي" إضافة إلى‬
‫عناوين أخرى‪.‬‬
‫قبل انتحار الشاعرة صفية كتو‪ ،‬كان الشاعر الشاب (حينها) عبد هللا بوخالفة (‪ 2 -1964‬أكتوبر ‪ )1988‬الذي‬
‫بدأ يشق طريقه بتجربة شعرية مختلفة‪ ،‬قد أنهى حياته بطريقة مأساوية في ضاحية مدينة قسنطينة بالشرق‬
‫الجزائري‪ .‬لم يتردد هذا الناشط الطالبي في إلقاء نفسه أمام القطار الذي حوله إلى أشالء‪ .‬ولم تصدر أشعاره‬
‫في كتب إال بعد سنوات طويلة على رحيله‪ ،‬بجهود بعض أصدقائه ومحبيه‪ ،‬وذلك عن منشورات المكتبة‬
‫الوطنية عام ‪.2005‬‬
‫يقول عبدهللا بوخالفة في قصيدته "التروبادور ‪:"1‬‬
‫"يبني من الياسمين الساللم‬
‫يبني من االنتحار‪ M‬الندى‬
‫بعدما كان يصبّ الماء في األنعام"[‪.]4‬‬
‫وفي قصيدة "التروبادور‪:"2 M‬‬
‫"وقال لها‪:‬‬
‫علّميني الفراق‬
‫أنا سيد اليائسين‬
‫ُ‬
‫وانتحرت مع أوراق الصباح‬ ‫ُ‬
‫فتحت الرؤى‪M‬‬
‫ُ‬
‫انتحرت‬ ‫مع النور والسحب الشجرية‬
‫ومن شفتيك تفجّرت المطرات التي حملتني إلى الليل"[‪.]5‬‬
‫بعد ست سنوات من انتحار الشاعر عبد هللا بوخالفة‪ ،‬أقدم شاعر آخر وهو فاروق‪ M‬اسميرة على رمي جسده من‬
‫أعلى الجسر المعلق لمدينة قسنطينة من علو يقترب من ‪ 200‬متر‪ ،‬وكان ذلك سنة ‪ ،1994‬وهو الشاعر‬
‫المميز الذي كان يعد لرسالة ماجستير‪ M.‬وكان قد أحيا بشعره ذكرى صديقه عبد هللا بوخالفة في أكثر من‬
‫قصيدة وتأثر كثيرًا لرحيله بتلك الطريقة قبل أن يلحقه‪.‬‬
‫‪ ‬وبعد سنين من رحيله بتلك الطريقة‪ ،‬كتب عنه صديقه الشاعر عادل صياد يقول‪'' :‬لست أدري ماذا كان يقول‬
‫صديقي فاروق‪ M‬وهو يهوي بجسده من الجسر المعلّق في الخواء‪ .‬بالتأكيد لم يكن ينوي االنتحار‪ ..‬كان يرغب‬
‫في اختراق القشرة األرضية‪ ،‬والنفاذ منها إلى الفراغ الفسيح‪ ،‬والتحليق في أرجائه تحليقـًا أبديـًا‪ ،‬يليق بجناحيه‬
‫وقدرته على الطيران''‪.‬‬
‫لم تتوقف‪ M‬ظاهرة انتحار الشعراء في الجزائر عند هذا الحد‪ ،‬ففي سنة ‪ 2010‬أقدمت الشاعرة الشابة هادية‬
‫رجيمي على االنتحار داخل بيتها وهي التي لم تتجاوز‪ M‬الثالثين من العمر‪ ،‬وفعلت ذلك بعد أن أصدرت‬
‫مجموعتها الشعرية األولى "عطر الثرى"‪ .‬وتبقى أسباب االنتحار مجهولة‪.‬‬
‫ظاهرة انتحار الشعراء في الجزائر ليست وليدة سنوات االستقالل‪ ،‬بل تجاوزت ذلك في التاريخ المعاصر‪.‬‬
‫ولعل أشهر المنتحرين قبل هذه الفترة هو الشاعر مبارك جلواح الذي رمى بنفسه في نهر السين بالعاصمة‬
‫الفرنسية باريس سنة ‪ 1943‬وهو المولود‪ M‬سنة ‪ 1908‬بضاحية سطيف‪ M‬بالشرق الجزائري‪ ،‬تاركـًا‪ M‬ديوانـًا‬
‫شعريـًا بعنوان "دخان اليأس"‪ .‬وبعد‪ M‬سنين طويلة من رحيله المفجع جمع الناقد عبد هللا الركيبي كل أعماله في‬
‫كتاب بعنوان "جلواح"[‪.]6‬‬
‫الظروف‪ M‬الصحية الصعبة حالت دون متابعة الشاعر المغربي كريم حوماري‪ ،‬المولود‪ M‬عام ‪ 1972‬في مدينة‬
‫صفرو‪ ،‬تحصيله الدراسي‪ .‬في قصائده التي أثبتت موهبته الصاعدة‪ ،‬كانت تيمات الموت والوحدة والجروح‬
‫والحزن والهزيمة حاضرة بقوة‪ .‬كتب إلى صديقه قبل أيام من رحيله رسالة يقول فيها‪" :‬عين األشباح‬
‫تطاردني‪ M‬صباح مساء"[‪ ،]7‬قبل أن ينتحر بشنق نفسه يوم ‪ 4‬مارس ‪.1997‬‬
‫يقول كريم حوماري‪ M‬في قصيدته "يحفر الليل قبري وينام"‪:‬‬
‫"أظل مفتوح العين‬
‫‪ ‬حتى يشنق‪ M‬خط الفجر عنق هيامي‬
‫‪ ‬يحفر الليل قبري‪ M‬وينام"‪.8‬‬
‫ويقول في "سفر داخلي"‪:‬‬
‫"أمشي ليس في طريقي غير نوافذ مشرعة على ضياء من خرير دمي‪ .‬قلبي مكفّن في هواه‪ ،‬قدماي بال وقع‪.‬‬
‫أمشي على رصيف الغواية وليس في هذه الطريق غير الضياع الرابض في أنفاسي"[‪.]9‬‬
‫وفي قصيدة "قل ٌ‬
‫ق صامت" يقول‪:‬‬
‫"ذبل الياسمين في فمي‬
‫وشقائق النعمان‬
‫مغمورةٌ برماد عظامي‬
‫هكذا‪ ،‬أموت سالمـًا‬
‫في حديقة جنوني"‪.]10[M‬‬
‫هوامش‬

‫[‪Antoine Mechawar, Les longues herbes de la nuit, Ed. Harb Bijjani, Byrouth, ]1‬‬
‫‪.1965‬‬
‫[‪ ]2‬خالد شحاتة‪ ،‬إدريس علي‪ ،‬حاولت االنتحار‪ M‬ورفض النيل ابتالع جثتي‪ ،‬مجلة "المرأة اليوم"‪ ،‬أبوظبي‪،‬‬
‫‪ 17‬مارس ‪ ،2011‬ص ‪.99-98‬‬
‫[‪ ]3‬محمد شعير‪ ،‬إدريس علي‪ ..‬وقائع موت معلن‪ ،‬جريدة "األخبار"‪ ،‬بيروت‪ 1 ،‬ديسمبر ‪.2010‬‬
‫[‪ ]4‬جمانة حداد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.483‬‬
‫[‪ ]5‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.483‬‬
‫[‪ ]6‬صفية كتو تفتح جرح المنتحرين في الشعر الجزائري‪ ،‬مدونة "الخير شوار"‪ 1 ،‬مارس ‪.2012‬‬
‫[‪ ]7‬جمانة حداد‪ ،‬ص ‪.487‬‬
‫[‪ ]8‬كريم حوماري‪ ،‬تقاسيم على آلة الجنون‪ ،‬جمعية قدماء تالميذ ثانوية األصيلي‪ ،‬دار قرطبة‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬
‫‪.1997‬‬
‫[‪ ]9‬المرجع نفسه‪.‬‬
‫[‪ ]10‬المرجع نفسه‪.‬‬

‫خيانات ذهبية (‪ :)8‬خشخشة األكفان‬

‫‪  Saturday, September 7, 2013  ‬‬

‫كان الشاعر السوداني‪ M‬عبدالرحيم أبو ذكري (‪ )1989-1943‬يقول ألصدقائه‪" :‬أشعر أن لي مكانـًا في الحياة‬
‫ينتظرني‪ M‬وأن هذا‪  ‬المكان لن يمأله أح ٌد غيري في الشعر والترجمة"‪ ،‬لكن صاحب ديوان "الرحيل في الليل"‬
‫عانى باكرًا سلسلة انهيارات عصبية وحاالت اكتئاب وإرهاق‪ ،‬وكانت صحته ضعيفة هشة[‪ .]1‬وضع أبو‬
‫ذكري حدًا إلبداعه برمي نفسه من مبنى أكاديمية العلوم السوفيتية صباح ‪ 5‬نوفمبر ‪ 1989‬وسط‪ M‬ثلوج‬
‫موسكو[‪.]2‬‬
‫يقول أبو ذكري في قصيدته "في الفاجعة"‪:‬‬
‫"لحظتها ُ‬
‫قلت‪ :‬أموت هنا‪...‬‬
‫عيناك لد َّ‬
‫ي كفن‬ ‫ِ‬
‫عينك أشرب طعم الموت العالق‬
‫ِ‬ ‫من‬
‫في أفق األجفان‬
‫فيك وأنصت‪:‬‬
‫أتمعن ِ‬
‫أسمع خشخشة األكفان"[‪.]3‬‬
‫قائمة األدباء والشعراء العرب المنتحرين تطول‪ ،‬وتضم من السودان مثالً‪ :‬الشعراء محمد عبد الرحمن شيبون‬
‫(‪ ،)1961-1930‬وسامي‪ M‬يوسف قبريال (‪ ،)1975 -1951‬وأحمد الطيب عبدالحفيظ‪.‬‬
‫ساهمت في إضاءة عوالم االنتحار‪ M‬عدة روائع أدبية عربية وغربية خطتها أقالم إبداعية ألدباء عرب وغير‬
‫عرب‪ ،‬مثل جورج باطاي‪ ،‬وجورج‪ M‬سالم‪ ،‬وغابرييل مارسيل‪ ،‬وألبير كامو‪ ،‬والمغربي‪ M‬محمد أسليم‪ ،‬ممن مثل‬
‫الموت نقطة ارتكاز في أعمالهم‪ ،‬وقد‪ M‬قادهم ذلك إلى الشعور بعبثية الحياة[‪.]4‬‬
‫وهناك نصوص غربية تشاكس تيمة الموت‪ ،‬بكيفية أو بأخرى‪ ،‬مثل "الميت" لجورج باطاي[‪]5‬؛‬
‫"ميثولوجيات‪ M‬الموت" لمناحيم‪ M‬روث؛‪" ‬الطقوس الجنائزية؛ الحداد" لمناحيم‪ M‬روث‪.‬‬
‫أما الشعر العربي‪ ،‬قديمه وحديثه فلم يخل هو اآلخر من شعراء تأملوا الموت‪ ،‬نذكر منهم‪ :‬عنترة بن شداد‪،‬‬
‫وسيد بن عامر المصطلقي‪ ،‬وطرفة بن العبد‪ ،‬وعمر الخيام‪ .‬وفي حقل الفلسفة‪ ،‬اعتبر أفالطون الفلسفة تأمالً‬
‫في الموت‪ ،‬ويرى ول ديورانت أن "الموت أصل الديانات كلها"[‪ ،]6‬وع َّد شوبنهاور‪ M‬الموت الموضوع‬
‫الرئيسي للفلسفة والملهم األكبر للتفكير الفلسفي‪ ،‬فيما اعتبر الفيلسوف‪ M‬المصري د‪ .‬عبد الرحمن بدوي الموت‬
‫فعالً فيه قضاء على فعل‪.‬‬
‫وتقدم الشاعرة اللبنانية جمانة حداد أنطولوجيا للشعراء المنتحرين تحت عنوان "سيجيء الموت وستكون له‬
‫ت شخصية في‬
‫عيناك‪ :‬مئة وخمسون شاعرًا انتحروا في القرن العشرين"‪ .‬األنطولوجيا‪ M‬التي تضم تأمال ٍ‬
‫الموت واالنتحار‪ ،‬ترسم صورتين متناقضتين إلى ح ّد ما‪ .‬واحدة‪ ،‬هي األكثر طغيانـًا‪ ،‬كأنما تمجّد فيها جمانة‬
‫حداد الموت االنتحاري‪ ،‬أو تنحاز غالبـًا إلى جعله خيارًا شبه بطولي أو موقفـًا ض ّد الحياة الفارغة نفسها[‪.]7‬‬
‫يبرز هذا في عدد من االقتباسات من كتاب كثر تسبق العناوين الفرعية في المدخل‪ ،‬من قبيل‪" :‬أنا أموت إ ًذا‬
‫أنا موجود"‪" M،‬حي هو كل من يمكنه أن يختار الكف عن العيش"‪" ،‬في أحد األيام سأكون ميتة بيضاء‬
‫كالثلج…"‪" ،‬أحبك يا موتي الطويل المرّ"‪" ،‬الموت ّ‬
‫فن وإني أمارسه بإتقان"…إلخ‪ .‬أو حين تكتب الشاعرة‬
‫اللبنانية‪" :‬نعم‪ .‬مئة وخمسون‪ ،‬في القرن العشرين‪ ،‬انتحروا…‪ .‬احتقروا… هذه الحياة االنتحارية‪ .‬مئة‬
‫وخمسون بطالً وبطلة ازدروا‪ M‬العروش كلها‪ ،‬الباطلة منها وغير الباطلة‪ ،‬وارتموا في الهاوية"[‪.]8‬‬
‫أما الصورة األخرى المناقضة لهذه الصورة السحرية الجذابة‪ ،‬فهي حين تسأل ح ّداد‪" :‬هل االنتحار‪ M‬شعر؟"‪،‬‬
‫وتجيب‪" :‬ظللت أرى االنتحار شعرًا حتى رأيته‪ .‬أعني حتى رأيته بأم العين‪ .‬فعندما‪ M‬نشاهد األجساد المشوّهة‬
‫والممزقة‪ ،‬ال يظل هناك شاعرية الفعل‪ ،‬بل بشاعة النتيجة في ذاتها"[‪ .]9‬وتذكر‪ M‬في هذا السياق مشهد جدتها‬
‫المنتحرة‪ ،‬مستعرضة أشكال االنتحار المختلفة‪ ،‬القاسية في معظمها‪ M.‬ال تنفي ح ّداد قسوة االنتحار من حيث‬
‫الشكل‪ ،‬أي طريقة الموت (ولذلك تمتدح االنتحار بالحبوب المنومة‪" :‬أدركت أن االنتحار بالحبوب المنوّمة‬
‫ربما يكون األكثر "جمالية")‪ ،‬أما من حيث الجوهر فاالنتحار غالبـًا هو فعل طقوسي‪ ،‬وصرخة رمزية‪ ،‬ال‬
‫سيما حين تأتي من شاعر‪.‬‬
‫وفي سياق الحديث عن حوافز االنتحار‪ M‬تجزم حداد‪" :‬ال‪ ،‬ليس االنتحار‪ M‬ا ّمحاء في الضرورة‪ .‬ليس تنازالً‪ ،‬ليس‬
‫استسالمـًا‪ ،‬ليس اندحارًا‪ ،‬ليس تراجعـًا‪ ،‬ليس غيابـًا وال هزيمة‪ :‬بل هو غالبـًا هجوم إلى األمام"‪.‬‬
‫هوامش‬

‫[‪ ]1‬جمانة حداد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.397‬‬


‫[‪ ]2‬كمال الجزولي‪ ،‬عبدالرحيم أبو ذكري‪ :،‬نهاية العالم خلف النافذة‪ ،‬دار تراث ودار العلوم‪ ،‬الخرطوم‪،‬‬
‫‪.2005‬‬
‫[‪ ]3‬عبدالرحيم أبو ذكري‪ ،‬الرحيل في الليل‪ ،‬دار عزة للنشر والتوزيع‪ ،‬الخرطوم‪.2001 M،‬‬
‫[‪ ]4‬د‪ .‬غسان السيد‪ ،‬إشكالية الموت في أدب جورج سالم‪ ،‬غابرييل مارسيل‪ ،‬ألبير كامو‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دار‬
‫معد للنشر والتوزيع‪ ،‬دمشق‪ ،1993 ،‬ص ‪.77‬‬
‫[‪ ]5‬جورج باطاي‪" ،‬الميت"‪ ،‬ترجمـة محمد أسليـم‪ ،‬فصلية "إسراف"‪ ،‬باريس‪.2000 ،‬‬
‫[‪ ]6‬حسين العودات‪ ،‬الموت في الديانات الشرقية‪ ..‬عرض تاريخي‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬األهالي للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،1992 ،‬ص ‪.16‬‬
‫[‪ ]7‬سامر أبو هواش‪ ،‬مئة وخمسون شاعرًا انتحروا‪ M‬في القرن العشرين‪ ،‬موقع "أوان"‪ 9 ،‬يناير ‪.2008‬‬
‫[‪ ]8‬جمانة حداد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.29‬‬
‫[‪ ]9‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.53‬‬
‫خيانات ذهبية (‪ :)9‬حديث الجثة‬

‫‪  Sunday, October 27, 2013  ‬‬

‫في األدب العربي الحديث كتابات عدة عن االنتحار‪ ،1‬مثل النصوص السردية للمغربي‪ M‬محمد أسليم التي‬
‫تحمل عنوان "حديث الجثة"‪ .2‬يبدو محمد أسليم ممتلئـًا بعشق الموت واالنتحار؛ إذ يقول‪" :‬لما عزمت على‬
‫وضع ح ٍد لحياتي بتناول كمية كبرى من العقاقير وإحراق‪ M‬جثتي‪ ،‬ولما دبجت قبل ذلك خطابـًا أوضح فيه‬
‫أسباب انتحاري"‪( M‬ص ‪)21‬؛ "حاول أن يموت‪ .‬جرع حفنات رمل وحصى‪ M‬وأقراصـًا‪ M‬عديدة" (ص ‪)26‬؛ "‪...‬‬
‫ماذا يتم عندما ألقي بجثتي اآلن تحت هذه القوة العمياء؟" (ص ‪)28‬؛ "‪ ...‬بيني وبين الموت قيد شعرة‪ .‬أهو‬
‫موعده قد حان؟ لو أني أقوم‪ ،‬وأبتلع صيدلية المنزل فأسقط‪ M‬جثة هامدة" (ص ‪)55‬؛ "‪ ...‬قد أنتحر بأن ألقي‬
‫بنفسي من الطابق العاشر‪ M‬كما فعل جاري البدين منذ بضعة أيام" (ص ‪)57‬؛ "أي سبيل إلى الموت المريح؟ لو‬
‫أيقنت أن موتي سيستنزفني قبل محوي لداهمته قبل أن يداهمني‪ ،‬لتناولت دفعة واحدة كمية هائلة من عقاقير ما‬
‫تكاد تبلغ الحنجرة حتى تنيمني وتميتني"‪( M‬ص ‪)58‬؛ "كيف أنتحر؟" (ص ‪)64‬؛ "انتحار الطفل الزبير"‪( M‬ص‬
‫‪)73‬؛ "قلت‪ :‬يا لغباوتي! لماذا اخترت هذه الطريقة "المتوحشة" في إخراج موتي؟‪ M‬اآلن فقط أدرك أن أحسن‬
‫ُ‬
‫استمسكت ووثبت يدي‬ ‫طريقة يملكها المرء لصنع موته هي أن يتناول أكياس أقراص" (ص ‪)84‬؛ "‪ ...‬ثم‬
‫على السطح بقوة وسحبتهما‪ M‬ملقيـًا بنفسي في الخواء" (ص ‪)87‬؛ "أتمنى لو تنبت لي أجنحة بالسرعة ذاتها‬
‫فأطير"‪( M‬ص ‪.)88‬‬
‫ويقدم المنفلوطي رؤية أخالقية خالصة لالنتحار؛ إذ يقول في كتابه "النظرات"‪:‬‬
‫"إن الرجل المؤمن يعتقد وال شك بسوء عاقبة المنتحر‪ ،‬فكيف هان عليه‪ ،‬وهو في آخر يوم من أيام حياته‪ ،‬أن‬
‫يضم إلى خسارة دنياه خسارة آخرته‪ ،‬وهي العزاء الباقي له عن كل ما القاه في حياته من شقاء وعناء؟"‪.3‬‬
‫ويقرر هذا الكاتب األديب أن "االنتحار منتهى ما تصل إليه النفس من الجبن والخور‪ ،‬وما يصل إليه العقل من‬
‫االضطراب والخبل‪ ،‬وأحسب أن اإلنسان ال يقدم على االنتحار‪ ،‬وفي رأسه ذرة من العقل والشعور"‪.‬‬
‫ومما قاله المنفلوطي‪ .." :‬والمنتحر‪ M‬يبغض نفسه أشد مما يبغض العدو عدوه‪ ،‬فهو شاذ بطبيعته‪ ،‬غريب في‬
‫خلقه‪ ،‬معان ٌد إلرادة هللا تعالى في بقاء الكون وعنوانه‪ ،‬ومن كان هذا شأنه كان بال قلب وال عقل‪.‬‬
‫وبوضوح‪ M‬شديد يرى المنفلوطي أنه "ما س ِّمي القاتل مجرمـًا إال ألنه قاسي القلب متحجر الفؤاد‪ ،‬وأقسى‪ M‬منه‬
‫وجدة ما بين القاتل والمقتول‪ ،‬فهو أكبر المجرمين‪ ،‬وأقسى‬
‫قاتِ ُل نفسه؛ ألنه ليس بينه وبينها من الضغينة وال َم ِ‬
‫القاتلين"‪.4‬‬
‫ويطرح صاحب "النظرات" رؤيته ومنطقه في هذه المسألة‪ ،‬موضحـًا أنه "يخدع المنتحر نفسه إن ظن أنه‬
‫مقتنع بفضل الموت على الحياة‪ ،‬وأنه إنما يفعل فعلته عن روي ٍة وبصيرة‪ ،‬فإنه ال يكاد يضع قدمه في المأزق‬
‫األول من مآزق الموت حتى يثوب إلى رُشده وهُداه ويحاول‪ M‬التخلص مما وقع فيه لو وجد إلى ذلك سبيالً‪.‬‬
‫"إن ألقى نفسه في الماء تخبَّط وبسط‪ M‬يده إلى من يرجو الخالص على يده وو َّد لو يفتدي نفسه بكل ما تملك‬
‫يمينه‪ ،‬وإن حبس نفسه في غرفته ليموت مختنقـًا بالغاز و َّد لو سقط عليه سقف الغرفة ليستنشق‪ M‬نسمة من‬
‫كسير اليد والرجل‪ ،‬فاسد‪ M‬السمع والبصر"‪.5M‬‬
‫َ‬ ‫نسمات الهواء‪ ،‬ولو عاش بعد ذلك‬
‫ويضيف‪ M‬قائالً‪" :‬إن فكرة االنتحار نزعة من نزعات الشيطان‪ ،‬وخطرة من خطرات النفس الشريرة‪ ،‬فمن‬
‫ح َّدثته نفسه بقتل نفسه فليتريث ريثما يتبين كيف يكون صبره على احتمال سكرات الموت‪ ،‬وآالم النَّزع‪ ،‬وماذا‬
‫يكون حديث الناس عنه بعد موته‪ ،‬وهل يمكن أن يكون بينهم عاذ ٌر له أو مشفق عليه‪ ،‬أو مقتصد في النيل منه‬
‫والسخرية به؟ وليعرض على مخيلته قبل ذلك أشكال العذاب وأنواع‪ M‬العقاب التي أعدها هللا في الدار اآلخرة‬
‫ألمثاله‪.‬‬
‫"إني ال أظنه بعد ذلك فاعالً‪ ،‬إال إذا كان وحشـًا في ثوب إنسان‪ ،‬أو بطالً من أبطال المارستان"‪.6‬‬
‫أما الكاتبة اللبنانية ياسمين خالط ‪ -‬المولودة في مصر‪ -‬فقد كتبت رواية بعنوان "ستقول لي عند المغيب"‪،7‬‬
‫يقع االنتحار في صلب أحداثها‪ .‬القصة التي تسردها‪ M‬خالط في هذه الرواية يمكن تلخيصها على النحو اآلتي‪:‬‬
‫شابة فرنسية تدعى كلير تقرر السفر إلى شرقنا لوضع نفسها في خدمة عالمة اجتماع تدعى أورتانس‪ M‬زيمينا‬
‫وتعيش في دير للعمل على موضوع االنتحار‪ M‬وكشف أسباب تواتره أحيانـًا داخل عائل ٍة واحدة‪ .‬وبسرعة‪ ،‬تهتم‬
‫كلير بهذا الموضوع‪ M‬إلى حد تقوم فيه بحضّ أورتانس على اإلسراع في معالجته من منطلق الخطر الذي يته ّدد‬
‫ت دؤوبة في هذا االتجاه‪ ،‬تالحظ كلير‬
‫أحد أفراد هذه العائلة‪ ،‬إن صحّت النظرية المطروحة‪ .‬وبعد محاوال ٍ‬
‫تهرّب أورتانس‪ M‬من إنجاز مهمتها‪ ،‬قبل أن ينكشف‪ M‬لها انتماء هذه األخيرة إلى العائلة المه َّددة ورغبتها في‬
‫توكيل هذه المهمة إليها‪ ..‬قبل انتحارها‪.‬‬
‫وقد يخيب أمل القارئ الذي ينتظر معالجة مباشرة لموضوع‪ M‬االنتحار وتفاصيل مثيرة حوله‪ .‬فعلى هذا‬
‫المستوى تعمد الروائية إلى مقاربة تتجنب فيها التحليل السيكولوجي لمصلحة تشييد بارع للمناخ الذي يقود إلى‬
‫االنتحار بواسطة جُم ٍل شعرية قوية‪.‬‬
‫هوامش‪:‬‬

‫‪ 1‬خليل الشيخ‪ ،‬االنتحار في األدب العربي‪ ،‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬بيروت‪.1997 ،‬‬
‫‪ 2‬محمد أسليم‪ ،‬حديث الجثة‪ ،‬منشورات مجلة "عالمات"‪ ،‬مكناس‪.1996 ،‬‬
‫‪ 3‬مصطفى لطفي المنفلوطي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.152‬‬
‫‪ 4‬المرجع نفسه‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.154 -153‬‬
‫‪ 5‬المرجع نفسه‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.154‬‬
‫‪ 6‬المرجع نفسه‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪.154‬‬
‫‪ 7‬ياسمين خالط‪ ،‬ستقول لي عند المغيب‪ ،‬دار المجلة الفينيقية‪ ،‬بيروت‪.2010 ،‬‬

‫خيانات ذهبية (‪ :)10‬لحظة الحقيقة‬

‫‪  Saturday, December 14, 2013  ‬‬


‫في الدراما أيضـًا‪ ،‬كان االنتحار بطالً‪.‬‬
‫بداية‪ ،‬سنجد عددًا ال يستهان به من األفالم العربية يحمل في طياته كلمة "انتحار"‪ ،‬مثل "انتحار صاحب‬
‫الشقة" (‪ )1986‬إخراج أحمد يحيى وبطولة نبيلة عبيد وكمال الشناوي‪ ،‬و"انتحار‪ M‬مدرس ثانوي" (‪)1989‬‬
‫إخراج ناصر حسين وبطولة حسين فهمي وإحسان القلعاوي وهياتم وعفاف شعيب‪ ،‬و"قبل الوصول لسن‬
‫االنتحار" (‪ )1988‬إخراج شفيق شامية وبطولة شكري سرحان وكمال يس وفايزة كمال‪.‬‬
‫في رائعة نجيب محفوظ "بداية ونهاية" التي تحولت إلى عمل سينمائي‪ M،‬كان الشر هو االغتصاب المؤدي إلى‬
‫االنتحار‪ ،‬حيث يأخذنا المخرج الكبير صالح أبو سيف الذي كان عاشقـًا لمالمح صالح منصور إلى "نفيسة"‬
‫العانس ‪ -‬التي جسدت سناء جميل دورها ببراعة‪ -‬تقع في الخطيئة مع صالح منصور‪ .‬وما إن يكتشف‪ M‬شقيقها‬
‫أمرها حتى يسارع إلى اصطحابها‪ M‬إلى النيل لتنتحر‪ ،‬قبل أن ينتحر هو أيضـًا‪.‬‬
‫وفي فيلم "زوجة رجل مهم" (‪ ،)1988‬ينتحر الضابط القاسي (أحمد زكي) برصاصة في الرأس‪ ،‬بعد أن يقتل‬
‫والد زوجته (ميرفت أمين) برصاصة من مسدسه‪ .‬مشهد مؤثر أداره المخرج محمد خان باقتدار ليضعنا أمام‬
‫نهاية ال تخلو من داللة لسطوة األمن وعجزها لحظة الحقيقة‪.‬‬
‫في فيلم "يوم مر ويوم‪ M‬حلو" (‪ )1988‬إخراج خيري بشارة وبطولة فاتن حمامة ومحمد منير وعبلة كامل‬
‫وسيمون‪ ،‬نتابع حكاية عائشة‪ ،‬األرملة التي توفي زوجها‪ M‬وترك لها خمسة أطفال‪ ،‬سناء وسعاد ولمياء وأسماء‬
‫ونور‪ .‬تتزوج االبنة الكبرى‪ M‬سناء من عرابي النجار العائد من الخليج‪ .‬ال يتكفل عرابي بشيء‪ ،‬وألن األم تريد‬
‫ستر بناتها فإنها توافق على عيشه معهم في غرفة داخل الشقة‪ ،‬لكنه يتصرف‪ M‬كأنه صاحب البيت وتطفح عليه‬
‫شخصيته المنحرفة بلعب القمار وتدخين المخدرات في البيت‪ ،‬ثم يتحرش باالبنة الثالثة لمياء ويقيم معها‬
‫عالقة آثمة‪ .‬وعندما تكتشف زوجته الحقيقة تقدم الشقيقة على االنتحار‪ M‬بحرق نفسها‪.‬‬
‫ٌ‬
‫خوف من الفضيحة وشعو ٌر متعاظم‪ M‬بالذنب‪.‬‬ ‫االنتحار هنا‬
‫في فيلم "بئر الخيانة" (‪ )1987‬إخراج علي عبدالخالق وبطولة نور الشريف وعزت العاليلي‪ ،‬تدور‪ M‬أحداث‬
‫الفيلم في إطار ملفات المخابرات المصرية حول جابر عبدالغفار علي‪ ،‬العامل في ميناء اإلسكندرية الذي‬
‫يعيش حياته من سرقة البضائع في الميناء‪ ،‬ويحاول جاهدًا استرضاء زوجته غزالة‪ .‬غير أن األمور تضيق‪ M‬به‬
‫بعد القبض عليه وترحيله ألداء الخدمة العسكرية‪ ،‬فيقرر الهروب من الجيش وبعدها إلى إيطاليا‪ .‬ذات يوم‬
‫يدخل السفارة اإلسرائيلية بحثـًا عن عمل‪ ،‬لتصطاده المخابرات اإلسرائيلية وتبدأ في تجنيده‪ ،‬إلى أن يسقط‬
‫ويفتضح أمره‪ .‬في النهاية‪ ،‬ينتحر جابر فيقول العقيد نادر الشين عنه إنه "عاش خاين ومات كافر"‪M.‬‬
‫وفي مسلسل "الخواجة عبدالقادر" بطولة يحيى الفخراني وسوسن بدر ومحمود الجندي‪ ،‬تستوقفنا‪ M‬محاولة‬
‫انتحار "الخواجة"‪ .‬ففي الحلقة الثالثة من المسلسل (تأليف عبدالرحيم‪ M‬كمال‪ ،‬وإخراج شادي الفخراني) نتابع‬
‫كيف تسيطر الرغبة في الموت على الخواجة عبدالقادر‪ ،‬مما يدفعه إلى محاولة االنتحار‪ ،‬لكن الخادم األسمر‬
‫فضل هللا ينقذه في اللحظة األخيرة‪ .‬ويغضب الخواجة عبدالقادر من فضل هللا ألنه أنقذ حياته‪ ،‬لكنه ال يخفي‬
‫إعجابه بهذا الخادم ألنه صريح‪.1‬‬
‫وفي عام ‪ ،2011‬أقفلت بعض المسلسالت الدرامية السورية‪ ،‬في خواتيم قصصها‪ M‬االجتماعية‪ ،‬على فكرة‬
‫انتحار بعض شخصياتها‪ M‬السلبية حالً نهائيـًا لمأساة هذه الشخصيات التائهة‪ ،‬للتخلص من عبء وجودها‪M‬‬
‫االجتماعي الخارج عن أخالقيات الجماعة البشرية‪ .‬أما اإلقدام على االنتحار في مسلسالت أخرى‪ ،‬فكان‬
‫إلنعاش الشخصية أساسـًا‪ ،‬وإعادتها إلى الحياة‪ ،‬في حين كان تناول االنتحار‪ M‬كوميديـًا يؤدي وظيفة السخرية‬
‫من المجتمع‪.‬‬
‫ففي مسلسل "العشق الحرام"‪ ،‬لمؤلفه بشار بطرس ومخرجه تامر إسحاق‪ ،‬يختار األب الخارج عن فلسفة‬
‫المجتمع األخالقية ‪ -‬الذي لعب دوره عباس نوري‪ -‬االنتحار نهايةً تراجيدية‪ ،‬بعد أن اصطدمت نزواته‬
‫بالضوابط‪ M‬االجتماعية‪.‬‬
‫وال يبتعد‪ ‬سامر رضوان‪ ‬كاتب هذه مسلسل "الوالدة من الخاصرة" (إخراج رشا شربتجي) عن فكرة االنتحار‬
‫للقضاء على "واصل"‪ ،‬الذي يجسّد دوره سلوم حداد‪ .‬وهو رجل أعمال ثري يملك معمالً لألقمشة‪ .‬وعلى‬
‫الرغم من َّ‬
‫أن "واصل"‪ M‬رجل متسامح في بعده اإلنساني‪ ،‬فإنه يعاني عذابـًا نفسيـًا‪ ،‬وشعورًا بالذنب‪ ،‬مما أودى‬
‫به إلى اقتراف فعل االنتحار‪ ،‬فيرمي بنفسه من مكان مرتفع وينهي حياته‪.‬‬
‫وفي مسلسل "الغفران" للكاتب حسن سامي يوسف والمخرج حاتم علي‪ ،‬تقدم "وفاء" على االنتحار‪ ،‬بعد أن‬
‫كسر "محمود" قلبها وف ّ‬
‫ك ارتباطه ومشروعه بالزواج منها‪ .‬وهنا فكرة اإلقدام‪ M‬على االنتحار‪ ،‬بابتالع كمية من‬
‫حبوب األسبرين‪ ،‬تودي بها إلى المستشفى‪ ،‬حيث يت ّم إسعافها من قبل أخويها‪ ،‬وبالتالي‪ M‬إسعاف الكاتب في‬
‫خدمة فكرته الجوهرية في المسلسل‪ ،‬وهي "الغفران"‪.‬‬
‫وتناولت سلسلة "بقعة ضوء" الكوميدية (للمخرج عامر فهد‪ ،‬والتي كتب لوحاتها مجموعة من المؤلفين‪ ،‬تحت‬
‫إشراف مازن طه) فكرة االنتحار‪ M‬في إحدى لوحاتها‪ M.‬وكانت الفكرة في جوهرها بعيدة بطبيعتها عن‬
‫التراجيديا؛ إذ تقوم على إقدام شابين‪ ،‬لم يجدا عمالً‪ ،‬على رمي نفسيهما من أعلى جبل قاسيون‪ ،‬ولكن بقالب‬
‫كوميدي يرمز‪ M‬إلى شقاء جيل واسع من الشباب في بحثه عن فرص العمل‪ .‬وبغض النظر عن الطريقة‬
‫الساخرة في اختيار الشابين لكتابة الوصية قبل مماتهما (وهي أشبه ببيان صحفي يعلنان فيه عن رفضهما‬
‫لحياتهما القاسية)‪ .‬ورغم أنهما مقبالن على الموت‪َّ ،‬‬
‫فإن صياغة الوصية مليئة بالخوف من البوح بكلمات ال‬
‫يرضى عنها رجال األمن‪.2‬‬
‫هوامش‪:‬‬

‫‪ 1‬سما أشرف‪ ،‬الخواجة عبدالقادر يحاول االنتحار في الحلقة الثالثة‪ ،‬موقع "البديل" اإللكتروني‪ 23 ،‬يوليو‬
‫‪.2012‬‬
‫‪ 2‬عبدالحسيب زيني‪ ،‬االنتحار في الدراما‪ ..‬تخاطر بين المؤلفين وحلول حتمية للخالص من الشخصية‪،‬‬
‫جريدة "بلدنا"‪ ،‬دمشق‪ 6 ،‬سبتمبر ‪.2011‬‬

You might also like