Professional Documents
Culture Documents
الصراط ـ عبد الله ياسين
الصراط ـ عبد الله ياسين
الصراط ـ عبد الله ياسين
المقدمةـ
الـص ـراط
إن احلمد هلل ،حنمده ونستعينه ونستغفره ،ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن سيئات
أعمالنا ،من يهده اهلل فال مضل له ،ومن يضلل فال هادي له.
وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له ،وأشهد أن حممداً عبده ورسوله.
أما بع د ،فه ذه رس الة مجعت فيها أق وال أئمة وعلم اء املس لمني يف كفر وردة َمن
ح ّكم الق وانني الوض عية ،وأيض اً الف رق بني من جعل الق وانني الوض عية تش ريعاً عام اً
وقانون اً ملزم اً ،وبني من ك ان حيكم بالش رع احلكيم من كت اب وس نة ،ولكنه حكم يف
مسألة أو قضية خبالف الشرع ،ومل جيعله قانوناً أو شرعاً هلوى يف نفسه ،أو ملصلحة ،أو
لظلم احملكوم عليه .فمن حكم بالقوانني الوضعية فهو كافر مرتد ،أما من حكم يف مسألة
أو قض ية هلوى أو ظلم أو رش وة أو غريها من غري اعتق اد ،بل هو يعتقد أنه ع اص هلل
تعاىل ،فهذا فاسق وعاص هلل وال يكفر.
ومن ق رأ أق وال األئمة علم يقين اً كفر وردة َمن ح ّكم الق وانني الوض عية ،وكيف أن
أئمة املسلمني جاهدوا الطواغيت بأقالمهم ،ومل يبخلوا على املسلمني يف بيان أمرهم منذ
ب دء ظه ورهم وعل وهم على أهل اإلس الم؛ وذلك منذ منتصف الق رن التاسع عشر
امليالدي ،ولكن عم أم رهم على كافة البالد اإلس المية والعربية إال القليل ج داً؛ منذ
سقوط اخلالفة العثمانية يف العقد الثاين من القرن العشرين ،فصار العلمانيون املارقون هم
حكام املسلمني ،وبسبب قلة العلم واإلميان –كما هو معلوم -قُبِل هذا الداخل الغريب
على جسد األمة ،ومل جياهد كما فعل أجدادنا عندما جاهدوا التتار حينما حاولوا إدخال
"الياسق" إىل بالد اإلسالم ،وهو أول دستور كفري حُي كم به يف بالدناَ ( ،ولَـكِ َّ
ن الل ّ َه
م) ،وانربي هلم سالطني املسلمني املماليك آنذاك وعلماء املسلمني العاملني وعلى سلَّ َ
َ
رأسهم ابن تيمية ،فقاتلوهم وقتلوهم.
()2
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
وما احلال يف بالد الراف دين الي وم؛ إال نس خة وص ورة ملا ك ان قد حصل إب ان
االس تعمار األورويب لبالد اإلس الم ،فقد رحل االس تعمار ووضع أفراخه ب دالً عن ه ،وها
هم يض عون يف بالد الراف دين ط اغوت ف اجر؛ ليحكم املس لمني ،ولكن هيه ات؛ فأس ود
ين
د ِ ظ ِه َر ُه َعلَى ال ِّ
اإلس الم هلم باملرص اد ،فاهلل عز وجل وع دنا ،ووع ده حق (لِ ُي ْ
ن ا ْل َه َوى ،إِنْ ُ
ه َو إِاَّل ق َع ِط ُه) ،ورس ولنا ص لى اهلل عليه وس لم ( َو َما يَن ُِك ِل ّ ِ
حى) القائل –كما يف احلديث الص حيح" :-مث تك ون خالفة على منه اج ي ُيو َ
ح ٌ َو ْ
النبوة" ،بعد امللك اجلربي الذي نعيش زمانه.
ولكن؛ اعلموا أيها املسلمون ،أن نبيكم صلى اهلل عليه وسلم جاهد بضعاً وعشرين
غزوة يف عشر سنني ،والصحابة الكرام من بعده ،وما قام الدين إال ببذل النفس واملال يف
س بيل اهلل ،فرس ولنا الك رمي ص لى اهلل عليه وس لم ُش َّج وجهه الك رمي ،وس ال دمه الط اهر
واغربت قدماه ،والصحابة بذلوا نفوسهم وقُتل من قُتل شهيداً الزكي ،وكسرت رباعيتهّ ،
بش ر هبا الرس ول ص لى اهلل عليه وس لم إال يف س بيل اهلل ،ولن تع ود اخلالفة الراش دة اليت ّ
ما يَ ْعلَ ِ
م الل ُّه ج َّن َة َولَ َّ
خلُو ْا ا ْل َم أَن تَ ْد ُس ْب ُت ْ
ح ِ بال دم واملال والنفس؛ (أَ ْم َ
ين).
صابِ ِر َم ال َُّم َويَ ْعلَ َه ُدو ْا ِمنك ْ
جا َ
ين َالَّ ِذ َ
فالرسول صلى اهلل عليه وسلم ومعه أصحابه جاهدوا مشركي العرب والعجم ،ومن
بع ده الص حابة رض وان اهلل عليهم جاه دوا املرت دين من م دعي النب وة وم انعي الزك اة،
وك انوا كلمة واح دة يف ردة م انعي الزك اة ال ذين امتنع وا عن ش ريعة من ش رائع ال دين،
ين ُكل ُّ ُهد ُ وأرادوا اإلحلاد يف دين اهلل وجعله أج زاء ،ولكن ي أىب اهلل حىت ( َويَكُونَ ال ِّ
لِل ّه) ،فمن أراد أال يك ون ال دين كله هلل؛ كاملش رعني للنظم الوثنية يف زمانن ا ،فه ؤالء
ك إخواهنم من م انعي الزك اة يف زمن الص ديق رضي اهلل عن ه ،وعلى املس لمني أن يقت دوا
بسلفهم من الصحابة يف تكفريهم وحرهبم واستئصال شأفتهم ليكون الدين كله هلل.
ويف اخلت ام أخي املس لم؛ أوص يك بتق وى اهلل ،والعمل لدينه إلقامة ش رعه ،و(إِالَّ
ِ ِ ِ
تَنفُرواْ يُ َع ِّذبْ ُك ْم َع َذاباً أَليماً َويَ ْستَْبد ْل َق ْوماً َغْيَر ُك ْم َوالَ تَ ُ
ضُّروهُ َشْيئاً).
()3
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
حونَ ) ،ومن االعتصام حببل اهلل ونبذ الفرقة ،أن نكون على م َف ِر ُ ما لَ َد ْي ِه ْ ب بِ َح ْز ٍ
ِ
ما ك ان عليه رسول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم وص حابته؛ عقي دة وعلم اً وعمالً ،فص راط
سـ َت ِقيماً َفــاتَّبِ ُعو ُه) ،أما ط رق الض الل طي ُم ْ ص َرا ِ هـذَا ِ ن َ اهلل واحد ( َوأَ َّ
والغواية واإلحلاد فهي كث رية ،فه ذه س بل ،والس بل مآهلا إىل الن ار ( َوال َ تَ َّتبِ ُعــو ْا
ه) ،وأن جنعل عقي دتنا حية يف قلوبنا نعمل سبِيلِ ِ ُم َعن َ ق بِك ْ ل َف َت َف َّر َ الس ُب َ
ُّ
هبا كما ن ؤمن هبا ،ال مبج رد حرب على ورق كما حصل مع األدعي اء ،ف إهنم إىل زوال ال
ج َفاء) ،وأما أهل الس نة ،أهل التوحيد واجله اد ،فهم ب ُ ه ُ حمالة ( َفأَ َّما ال َّزبَ ُد َفيَذْ َ
ُث فِي مك ُ اس َفيَ ْ ب اقون ويف ازدي اد –إن ش اء اهللَ ( -وأَ َّما َمــا يَن َفــ ُع ال َّن َ
ض) وهم الذين قال فيهم الصادق املصدوق" :ال تزال طائفة من أميت ظاهرين على األ َ ْر ِ
احلق ،ال يض رهم من خ الفهم ،وال من خ ذهلم ،حىت تق وم الس اعة" ،هم اجملاه دون يف
فلسطني ،والعراق ،وأفغانستان ،والشيشان ،وكشمري ،واجلزائر ،فهذه الطائفة املنصورة
–بإذن اهلل -ستبقى جتاهد حىت تقيم حكم اهلل يف أرض اهلل ،وحىت يبايعون خليفة رسول
ضو ْا بِأَن اهلل صلى اهلل عليه وسلم حممد بن عبد اهلل وهو املهدي ،أما األدعياء ف إهنم ( َر ُ
ُم َعـ ذَاباً ذ ْبك ْ ـرو ْا ُي َعـ ِّف) ،ف أقول لألدعي اء( :إِال َّ تَن ِفـ ُ خ َوالِـ ِع ا ْل َ يَكُو ُنو ْا َم َ
ش ْيئاً).ض ُّرو ُه َ ُم َوال َ تَ ُل َق ْوماً َغ ْي َرك ْ س َت ْب ِد ْ أَلِيماً َويَ ْ
()4
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
ق ال العالمة حممد بن إب راهيم آل الش يخ –رمحه اهلل – يف رس الته الش هرية "حتكيم
الق وانني" :إن من الكفر األك ـ ــبر المس ـ ــتبين ،تنزيل الق ـ ــانون اللعين ،منزلة ما ن ـ ــزل به
ال ــروح األمين ،على قلب محمد ص ــلى اهلل عليه وس ــلم ،ليك ون من املن ذرين ،بلس ان
ع ريب م بني ،يف احلكم به بني الع املني ،وال رد إليه عند تن ازع املتن ازعني ،مناقضة ومعان دة
هـردُّو ُه إِلَى الل ّ ـ ِ
ي ٍء َفـ ُ
شـ ْ م فِي َ لق ول اهلل عز وج لَ ( :فـ ِ
ـإن تَ َنــا َز ْع ُت ْ
ـر
خ ْيـ ٌ ك َـر َذلِ ـ َ
خـ ِه َوا ْليَ ـ ْو ِم اآل ِ
م ُت ْؤ ِم ُنــونَ بِالل ّ ـ ِ ول إِن كُن ُت ْ سـ ِ الر ُ
َو َّ
ْ
ن تَأ ِويال ً)...
س ُ
ح َ َوأَ ْ
ِ
ك ُه ُم الْ َك افُرو َن)َِ( ،و َمن مَّلْ َنز َل اللّ هُ فَأ ُْولَـئِ َ
َ قال تعاىل بعد ذلكَ ( :و َمن مَّلْ حَيْ ُكم مِب َا أ
ِ
ك ُه ُم ك ُه ُم الظَّال ُمو َن)َ ( ،و َمن مَّلْ حَيْ ُكم مِب َا أَن َز َل اللّ هُ فَأ ُْولَـئ َ حَيْ ُكم مِب َا أن َز َل اللّ هُ فَأ ُْولَـئِ َ
اس ُقو َن).الْ َف ِ
ف انظر كيف س ّجل تع اىل على احلاكمني بغري ما أن زل اهلل الكفر والظلم والفس وق،
ومن املمتنع أن يس مي اهلل س بحانه احلاكم بغري ما أن زل اهلل ك افراً وال يك ون ك افراً ،بل
هو ك افر مطلق اً ،إما كفر عمل وإما كفر اعتق اد ،وما ج اء عن ابن عب اس –رضي اهلل
عنهم ا -يف تفسري ه ذه اآلية من رواية ط اووس وغ ريه ي دل أن احلاكم بغري ما أن زل اهلل
كافر إما كفر اعتقاد ناقل عن امللة ،وإما كفر عمل ال ينقل عن امللة.
أح ـ ــدها :أن جيحد احلاكم بغري ما أن زل اهلل أحقية حكم اهلل ورس وله وهو معىن ما
روي عن ابن عب اس ،واخت اره ابن جرير أن ذلك هو جح ود ما أن زل اهلل من احلكم
الشرعي ،وهذا ما ال نزاع فيه بني أهل العلم ،فإن األصول املتقررة املتفق عليها بينهم أن
من جحد أص الً من أصول الدين أو فرع اً جممع اً عليه ،أو أنكر حرف اً مما جاء به الرسول
صلى اهلل عليه وسلم ،قطعياً ،فإنه كافراً الكفر الناقل عن امللة.
()5
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
الثـ ــاني :أن ال جيحد احلاكم بغري ما أن زل اهلل ك ون حكم اهلل ورس وله حق اً ،لكن
اعتقد أن حكم غري الرس ول ص لى اهلل عليه وس لم أحسن من حكم ه ،وأمت وأمشل؛ ملا
حيتاجه الن اس من احلكم بينهم عند التن ازع ،إما مطلق اً أو بالنس بة إىل ما اس تجد من
احلوادث ،اليت نش أت عن تط ور الزم ان وتغري األح وال ،وه ذا أيض اً ال ريب أنه ك افر،
لتفض يله أحك ام املخل وقني اليت هي حمض زبالة األذه ان ،وص رف ُحثالة األفك ار ،على
حكم احلكيم احلميد...
الثالث :أن ال يعتقد كونه أحسن من حكم اهلل ورسوله ،لكن اعتقد أنه مثله ،فهذا
ك النوعني ال ذين قبل ه ،يف كونه ك افراً الكفر الناقل عن املل ة ،ملا يقتض يه ذلك من تس وية
ي ٌء)،
شـ ْه َ س َك ِ
م ْثلِـ ِ املخل وق باخلالق واملناقضة واملعان دة لقوله عز وج ل( :لَ ْي َ
وحنوها من اآليات الكرمية ،الدالة على تفرد الرب بالكمال ،وتنزيهه عن ممثالة املخلوقني،
يف الذات والصفات واألفعال واحلكم بني الناس فيما يتنازعون فيه.
الراب ــع :أن ال يعتقد ك ون حكم احلاكم بغري ما أن زل اهلل مماثالً حلكم اهلل ورس وله،
فض الً عن أن يعتقد كونه أحسن من ه ،لكن اعتقد ج واز احلكم مبا خيالف حكم اهلل
ورس وله ،فه ذا كال ذي قبله يص ُد ُق عليه ما يص دق علي ه ،العتق اده ج واز ما علم
بالنصوص الصحيحة الصرحية القاطعة حترميه.
الخ ــامس :وهو أعظمها وأش ــملها وأظهرها معان ــدة للش ــرع ،ومك ــابرة ألحكام ــه،
ومش ـ ــاقةـ هلل ورس ـ ــوله ،ومض ـ ــاهاة بالمح ـ ــاكم الش ـ ــرعية ،إع ـ ــداداً وإم ـ ــدادا وإرص ـ ــادا
وتأصيال ،وتفريعا وتشكيال وتنويعا وحكما وإلزاما ،ومراجع ومستندات.
فكما أن للمح ـ ــاكم الش ـ ــرعية مراجع مس ـ ــتمدات ،مرجعهاـ كلها إلى كت ـ ــاب اهلل
وسنة رسوله صلى اهلل عليه وسلم.
فلهــذه المحــاكم مراجــع ،هي :القــانون المل ّفق من شــرائع شــتى ،وقــوانين كثـيرة،
كالقــانون الفرنســي ،والقــانون األمــريكي ،والقــانون البريطــاني ،وغيرها من القــوانين،
ومن مذاهب بعض البدعيين المنتسبين إلى الشريعة وغير ذلك.
فه ــذه المح ــاكم في كث ــير من أمص ــار اإلس ــالم مهي ــأة مكمل ــة ،مفتوحة األب ــواب،
والنـ ـ ــاس إليها أسـ ـ ــراب إثر أسـ ـ ــراب ،يحكم حكامها بينهم بما يخـ ـ ــالف حكم السـ ـ ــنة
()6
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
والكتاب ،من أحكام ذلك القانون ،وتلزمهمـ به ،وتقرهم عليه ،وتحتمه عليهم ..فأي
كفر ف ـ ــوق ه ـ ــذا الكف ـ ــر ،وأي مناقضة للش ـ ــهادة ب ـ ــأن محم ـ ــداً رس ـ ــول اهلل بعد ه ـ ــذه
المناقضة.
ِ
وذ ْكر أدلة مجيع ما ق دمنا على وجه البسط معلومة معروف ة ،ال حيتمل ذكرها ه ذا
املوضع.
كيف ترض ــون أن تج ــري عليكم أحك ــام أمث ــالكم ،وأفك ــار أش ــباهكم ،أو من هم
دونكم ،ممن يجوز عليهم الخطأ ،بل خطأهم أكثر من صوابهم بكثير ،بل ال صــواب
في حكمهم إال ما هو مستمد من حكم اهلل ورسوله ،نصاً أو استنباطا؟!!
وخضـــوع النـــاس ورضـــوخهم لحكم ربهم خض ــوع ورض ــوخ لحكم من خلقهم
تعـ ـ ــالى ليعبـ ـ ــدوه؛ فكما ال يسـ ـ ــجد الخلق إال هلل ،وال يعبـ ـ ــدون إال إيـ ـ ــاه وال يعبـ ـ ــدون
المخلــوق ،فكــذلك يجب أن ال يرضــخوا وال يخضــعوا أو ينقــادوا إال لحكم الحكيم
العليم الحميـ ــد ،الـ ــرؤوفـ الـ ــرحيم ،دون حكم المخلـ ــوق ،الظلـ ــوم الجهـ ــول ،الـ ــذي
أهلكته الشـ ــكوك والشـ ــهوات والشـ ــبهات ،واسـ ــتولت على قلـ ــوبهم الغفلة والقسـ ــوة
والظلمات.
فيجب على العقالء أن يربـ ـ ـ ـ ــأوا بنفوسـ ـ ـ ـ ــهم عنـ ـ ـ ـ ــه ،لما فيه من االسـ ـ ـ ـ ــتعباد لهم،
والتحكم فيهم باألهواء واألغراض ،واألغالط واألخطاء ،فضالً عن كونه كفرا بنص
م
ه ُ
ك ُ ف ُأ ْولَـئِ َ ه َل الل ّ ُم ا أَن َز َ كم ب ِ َ
ح ُ م يَ ْ من لَّ ْ
قوله تعـ ـ ــالىَ ( :و َ
ا ْلكَافِ ُرونَ ).
()7
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
وأما القسم الثــاني :من قس مي كفر احلاكم مبا أن زل اهلل ،وهو ال ذي ال يخــرج من
الملة.
فقد تق دم أن تفسري ابن عب اس –رضي اهلل عنهم ا -لق ول اهلل عز وج لَ ( :و َمن
م ا ْل َ
كــافِ ُرونَ ) ،قد مشل ذلك ه ُ ـه َف ُأ ْولَـ ـئِ َ
ك ُ مــا أَنــ َز َ
ل الل ّـ ُ حكُم بِ َ لَّ ْ
م يَ ْ
القسم ،وذلك يف قوله –رضي اهلل عنه -يف اآلية" :كفر دون كفر" ،وقوله أيض اً" :ليس
بالكفر الذي تذهبون إليه".
وذلك أن حتمله ش هوته وه واه على احلكم يف القضــية بغري ما أن زل اهلل ،مع اعتق اده
أن حكم اهلل ورسوله هو احلق ،واعرتافه على نفسه باخلطأ وجمانبة اهلدى.
وه ذا وإن مل خيرجه كف ره عن املل ة ،فإنه معص ية عظمى أكرب من الكب ائر ،كالزنا
وشرب اخلمر ،والسرقة واليمني الغموس ،وغريها ،فإن معصية مساها اهلل يف كتابه كفراً،
أعظم من معصية مل يسمها كفراً.
نسأل اهلل أن جيمع املسلمني على التحاكم إىل كتابه ،انقياداً ورضاءاً ،إنه ويل ذلك
والقادر عليه"( .رسالة حتكيم القوانني ،للشيخ حممد بن إبراهيم).
"وأما الذي قيل فيه (كفر دون كفر) إذا حاكم إىل غري اهلل مع اعتقاد أنه عاص وأن
حكم اهلل هو احلق؛ فهذا الذي يصدر منه المرة وحنوها ،أما الذي جعل قــوانين بــترتيب
وتخضــيع فهو كفر؛ وإن ق الوا :أخطأنا وحكم الش رع أع دل ،فف رق بني املق رر واملثبت
واملرجع ،جعلوه هو املرجع؛ قهذا كفر ناقل عن الملة" (الفتاوى.)12/280 :
()8
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
"البلد التي يحكم فيها بالقانون ليست بلد إسالم ،جتب اهلجرة منها ،وك ذلك إذا
بفشو الكفر وظهوره،
ظهرت الوثنية من غري نكري ،وال غريت؛ فتجب اهلجرة ،فالكفر ّ
هذه بلد كفر .أما إذا كان قد حيكم فيها بعض األفراد أو وجود كفريات قليلة ال تظهر؛
فهي بلد إسالم" ،مث قال" :لو قال من حكم القانون :أنا أعتقد أنه باطل .فهذا ال أثر له،
بل هو ع زل للش رع ،كما لو ق ال أح د :أنا أعبد األوث ان ،وأعتقد أهنا باط ل .وإذا قــدر
على الهجرة من بالد تقام فيها القوانين؛ وجب ذلك" (الفتاوى.)189-6/188 :
"ال جيوز استبدال الشريعة اإلهلية بالقوانني الوضعية اليت ما أنزل اهلل هبا من سلطان،
وإس ناد مثل ه ذه املش اكل إىل أهل الق وانني من إس ناد األمر إىل غري أهل ه ،ألنه من
التحـ ــاكم إلى الطـ ــاغوت ال ذي أمر اهلل ب الكفر به يف قول ه( :أَلَ ْ
م تَ َر إِلَى الَّ ِذ َ
ين
مونَ )...اآلية" (الفتاوى.)12/274 : يَ ْز ُع ُ
" ...ختص يص أعض اء ق انونيني جبانب األعض اء الش رعيني يف ه ذه اهليئة –وهي
هيئ ات املص احلات والفصل يف اخلالف ات اليت تنشأ عن تط بيق األنظمة التجارية –كما
ينص عليه التبليغ ال ذي أُرسل إىل األعض اء ،وتع يني األعض اء الق انونيني مع الش رعيني؛
معن اه االش رتاك يف األحك ام اليت يص دروهنا باسم املص احلة ،وتوقيعها من قبل الش رعيني
والقانونيني مع اً ،وهذا بال شك جيعل هذه األحكام خاضعة آلراء هؤالء القانونيني ،كما
أهنا خاض عة آلراء الش رعيني ،وهــذا فيه تســوية بين الشــرع والقــوانين الوضــعية ،وفتح
باب لتحكيم القوانين الوضــعية ،واســتبدال الشــريعة اإلســالمية الســمحاء بها ،وهذا ما
يأب اه إم ام املس لمني حفظه اهلل ،ويأب اه كل مس لم ص ادق يف إس المه ،ألنه بحكم غ ــير
الش ــريعة بين الن ــاس معن ــاه الكفر والخ ــروج من اإلس ــالم ،والعي اذ باهلل" (الفت اوى :رقم
.)4044
"فمن دعا غري اهلل من األنبياء واألولياء والصاحلني ،فما شهد أن ال إله إال اهلل؛ شاء
أم أىب ،ومن أطاع غري الرسول صلى اهلل عليه وسلم وتبعه يف خالف ما جاء به الرسول
()9
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
عاملاً ،وحكم الق ــوانين الوض ــعية أو حكم هبا؛ فما ش هد أن حمم داً رس ول اهلل؛ ش اء أو
أىب ،بل إما أن يك ون ك ــافرا أو تاركا ل واجب ش هادة أن حمم داً رس ول اهلل" (الفت اوى:
رقم (.)4035
"عبادة الطاعة أقسام :إن أقر على نفسه أنه عاص ومذنب وآثر شهوته؛ فهو كسائر
املعاصي يف أنه ال يصل إىل الكفر .أما إن كان ال يدري فهذا فيه تفصيل :إن كان أخلد
إىل أرض البطالة فهذا ملوم ،الواجب سؤال أهل الذكر إذا مل يعلم ،وإذا علم أنه خالف
ق ول الرس ول ص لى اهلل عليه وس لم ،وأنه ليس م ذنباً؛ فه ذا ش ــرك أك ــبر مثل الق ــوانين
الوضعية المتخذة في المحاكم من هذا الباب ،جعلوه مثل الرسول تكتب به الصكوك
أن احلق لفالن واحلق لفالن ،والق انون ال ذي ج اء من فرنسا جُي َعل مثل رس ول اهلل ،ف إذا
كان ه ذا لو ك ان العلماء ،فكيف الذي جاء من الشياطني وأمريكا وفرنسا؟ وإذا كان
من ب اب احلكم فهو أعظم ،ما فيه حكم إال مبا ج اء به الرس ول ص لى اهلل عليه وس لم،
فمن اختذ مطاع اً مع اهلل فقد أش رك يف الرس الة واأللوهي ة ،وه ذان الواحد منهما كف ر،
بخالف المس ــألة الواح ــدة فإنها ليست مثل ال ــذي مص ــمم ومحكم ،ف ــإن ه ــذا مرت ــد،
وهو أغلظ كفرا من اليهودي والنصراني" (الفتاوى.)12/280 :
* ق ال الش يخ أمحد ش اكر –رمحه اهلل -معلق اً على كالم احلافظ ابن كثري عند
ة يَ ْب ُغونَ )" :أقول :أفيجــوز في شـرع اهلل
هلِيَّ ِ م ا ْل َ
جا ِ تفسريه لقوله تعاىل( :أَ َف ُ
ح ْك َ
تع ــالى أن يحكم المس ــلمون في بالدهم بتش ــريع مقتبس عن تش ــريعات أوروبا الوثنية
()10
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
الملحــدة؟ بل بتش ريع تدخله األه واء واآلراء الباطلة ،يغريونه ويبدلونه كما يشاؤون ،ال
يبايل واضعه أوافق شرعة اإلسالم أم خالفها؟!
إن املس لمني مل يُبلَ وا هبذا قط –فيما نعلم من ت ارخيهم -إال يف ذلك العه د ،عهد
التت ار ،وك ان من أس وأ عه ود الظلم والظالم ،ومع ه ذا؛ ف إهنم مل خيض عوا ل ه ،بل غلب
اإلسالم التتار ،مث مزجهم فأدخلهم يف شرعته ،وزال أثر ما صنعوا بثبات املسلمني على
دينهم وش ريعتهم ،ومبا أن احلكم الس يئ اجلائر ك ان مص دره الفريق احلاكم إذ ذاك ،مل
يندمج فيه أحد من أفراد األمم اإلسالمية احملكومة ،ومل يتعلّموه ومل يعلّموه أبناءهم ،فما
أسرع ما زال أثره.
أفرأيتم هذا الوصف القوي من احلافظ ابن كثري –يف القرن الثامن[ -اهلجري] لذاك
القــانون الوضــعي ،ال ذي ص نعه ع دو اإلس الم جنك يز خ ان؟ ألســتم ترونه يصف حــال
المســلمين في هــذا العصــر ،في القــرن الرابع عشر الهجــري؟ إال يف ف رق واحد أش رنا
إليه آنف اً :أن ذلك ك ان يف طبقة خاصة من احلك ام أتى عليها الزمن س ريعاً ،فان دجمت يف
األمة اإلس المية وزال أثر ما ص نعت ،مث ك ان املس لمني اآلن أس وأ ح االً ،واشد ظلم اً
وظالم اً منهم ،ألن أك ثر األمم اإلس المية اآلن تك اد تن دمج يف ه ذه الق وانني املخالفة
للش ريعة ،واليت هي أش به ش يء ب ذاك (الياس ق) ال ذي اص طنعه رجل ك افر ظ اهر الكف ر،
هذه القوانين التي يصطنعها ناس ينتسبون لإلسالم ،مث يتعلمها أبناء املسلمني ويفخ رون
بذلك آباء وأبناء ،مث جيعلون مرد أمرهم إىل معتنقي هذا (الياسق العصــري) وحيقرون من
خيالفهم يف ذل ك ،ويس مون من ي دعوهم إىل االستمس اك ب دينهم وش ريعتهم (رجعي اً)
و(جام داً) إىل مثل ذلك من األلف اظ البذيئ ة ،بل إهنم أدخل وا أي ديهم فيما بقي يف احلكم
من التشريع اإلسالمي ،يريدون حتويله إىل (ياســقهم) اجلديد باهلُوينا واللني تارة ،وباملكر
واخلديعة تارة ،ومبا ملكت أيديهم من السلطات تارات ،ويصرحون وال يستحيون بأهنم
يعمل ون على فصل الدولة من الـ ــدين! أفيج وز إذن –مع ه ذا -ألحد من املس لمني أن
يعتنق ه ذا ال ــدين الجديد ،أعين التش ــريع الجدي ــد؟! أو جيوز ألب أن يرسل أبن اءه لتعلّم
هذا ،واعتناقه واعتقاده والعمل به ،عاملاً كان األب أو جاهالً؟! أو جيوز لرجل مسلم أن
يلي القضاء يف ظل هذا (الياسق العصــري) وأن يعمل به ويعرض عن شريعته البينة؟! ما
أظن أن رجالً مسلما يعرف دينه ويؤمن به مجلة وتفصيالً ،ويؤمن بأن هذا القرآن أنزله
اهلل تعاىل على رسوله صلى اهلل عليه وسلم كتاب اَ حمكم اً ال يأتيه الباطل من بني يديه وال
من خلف ه ،وب أن طاعته وطاعة الرس ول ص لى اهلل عليه وس لم ال ذي ج اء به واجبة قطعية
()11
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
الوج وب يف كل ح ال ،ما أظنه يس تطيع إال أن جيزم غري م رتدد وال مت أول؛ ب أن والية
القضاء يف هذه احلال باطلة بطالناً أصلياً ،ال يلحقه التصحيح وال اإلجازة.
إن األمر في هــذه القــوانين الوضــعية واضح وضــوح الشــمس ،هي كفر بــواح ،ال
خفـ ــاء فيه وال مـ ــداورة ،وال عـ ــذر ألحد ممن ينتسب لإلسـ ــالم –كائنا من كـ ــان -في
العمل بها ،أو الخضوع لها ،أو إقرارهــا ،فليحــذر امــرؤ لنفســه ،وكل امــرىء حســيب
نفسه" (عمدة التفسري ،172-4/171 :وانظر قريباً منه يف كلمة احلق ألمحد شاكر ص
.)19
* وقال –معلقاًـ على األثر المروي عن ابن عباس وغيره( :كفر دون كفر):-
" ..وهذه اآلثار –عن ابن عباس وغريه -مما يلعب به المضللون في عصـرنا هـذا،
اجلراء على ال دين؛ جيعلوهنا عـ ـ ـ ــذراً أو إباحية من المنتس ـ ـ ــبين للعلم ،ومن غ ريهم من ّ
للقوانين الوثنية الموضوعة الـتي ضــربت على بالد اإلســالم .وهناك أثر عن أيب جملز يف
ج دال اإلباض ية اخلوارج إي اه ،فيما ك ان يص نع بعض األم راء من اجلور ،فيحكم ون يف
بعض قض ــائهم بما يخ ــالف الش ــريعة؛ عم ــداً إلى اله ــوى ،أو جهال ب ــالحكم ،واخلوارج
من مذهبهم أن مرتكب الكبرية كافر ،فهم جيادلون يريدون من أيب جملز أن يوافقهم على
ما ي رون من كفر ه ؤالء األم راء ،ليك ون ذلك ع ذراً هلم فيما ي رون من اخلروج عليهم
بالس يف ،وه ذان األث ران روامها الط ربي ()12026 ،12025؛ كتب عليهما أخي
السيد حممود حممد شاكر تعليق اً نفيس اً جداً ،قوي اً صرحياً ،فرأيت أن أُثبت هنا نص أوىل
رواييت الط ربي ،مث تعليق أخي على الرواي تني .ف روى الط ربي ( )12025عن عم ران بن
حدير قال" :أتى أبا جملز ناس من بين عمرو بن سدوس ،فقالوا :يا أبا جملز ،أرأيت قول
كــافِ ُرونَ ) أحق م ا ْل َه ُك ُ ل الل ُّه َف ُأ ْولَـــئِ َما أَن َز َ
حكُم بِ َ م يَ ْ اهللَ ( :و َمن لَّ ْ
م
ه ُ ك ُل الل ّ ـ ُه َف ُأ ْولَـ ـئِ َ ما أن َز َ حكُم بِ َ ه و؟ ق ال :نعم ،ق الواَ ( :و َمن لَّ ْ
م يَ ْ
ل الل ُّهما أَن َز َ حكُم بِ َ م يَ ْ مونَ ) أحق ه و؟ ق ال :نعم ،ق الواَ ( :و َمن لَّ ْ الظَّالِ ُ
س ُقونَ ) أحق هو؟ قال :نعم ،قال :فقالوا :يا أبا جملز ،فيحكم م ا ْل َفا ِ
ه ُ ك َُف ُأ ْولَـئِ َ
هؤالء مبا أنزل اهلل؟ قال :هو دينهم الذي يدينون به ،وبه يقولون ،وإليه يدعون ،فإن هم
فرق! قال :أنتم أوىل تركوا ش يئاً منه عرفوا أهنم أص ابوا ذنب اً ،فق الوا :ال واهلل ،ولكنك تُ ّ
هبذا م ين! ال أرى ،وإنكم ت رون ه ذا وال حترج ون! ولكنها أُن زلت يف اليه ود والنص ارى
وأهل الشرك أو حنواً من هذا".
()12
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
مث روى الط ربي ( )12026حنو معن اه ،وإس ناده ص حيحان .فكتب أخي الس يد
محمود محمد شاكر مبناسبة هذين األثرين ما نصه" :اللهم إني أبرأ إليك من الضــاللة،
وبع ـ ـ ــد ،ف ـ ـ ــإن أهل ال ـ ـ ــريب والفتن ممن تص ـ ـ ــدروا للكالم في زماننا ه ـ ـ ــذا ،قد تلمس
المعـ ـ ــذرة ألهل السـ ـ ــلطان في تـ ـ ــرك الحكم بما أنـ ـ ــزل اهلل ،وفي القضـ ـ ــاء في الـ ـ ــدماء
واألعراض واألموال بغـير شــريعة اهلل الـتي أنزلها في كتابــه ،وفي اتخـاذهم قـانون أهل
الكفر شريعة في بالد اإلسالم .فلما وقف على هذين الخبرين؛ اتخــذهما رأيا يــرى به
صواب القضاء في األموال واألعـراض والـدماءـ بغـير ما أنـزل اهلل ،وأن مخالفة شـريعة
اهلل في القضاء العام ال تكفر الراضي بها ،والعامل عليها.
والن اظر يف ه ذين اخلربين؛ ال حميض له عن معرفة الس ائل واملس ؤول ،ف أبو جملز
(الحق بن محد الشيباين السدوسي) تابعي ثقة ،وكان حيب علي اً –رضي اهلل عنه -وكان
ق وم أيب جملز –وهم بنو ش يبان -من ش يعة علي ي وم اجلمل وص ّفني ،فلما ك ان أمر
احلكمني ي وم ص فني ،واع تزلت اخلوارج ،ك ان فيمن خ رج على علي –رضي اهلل عن ه-
طائفة من بين شيبان ،ومن بين سدوس بن شيبان بن ذهل ،وهؤالء الذين سألوا أبا جملز،
ن اس من بين عم رو بن س دوس (كما يف األث ر ،)12025 :وهم نفر من األباض ية (كما
يف األثر ،)12026 :واألباضية من مجاعة اخلوارج احلرورية ،وهم أصحاب عبد اهلل بن
أب اض التميمي ،وهم يقول ون مبقالة س ائر اخلوارج يف التحكيم ،ويف تكفري علي –رضي
اهلل عن ه -إذ ح ّكم احل َكمني ،وأن علي اً مل حيكم مبا أن زل اهلل يف أمر التحكيم ،مث إن عبد
اهلل بن أب اض ق ال :إن من خ الف اخلوارج ك افر ليس مبش رك ،فخ الف أص حابه ،وأق ام
اخلوارج على أن أحك ام املش ركني جتري على من خ الفهم .مث اف رتقت األباض ية بعد عبد
اهلل بن أب اض اإلم ام افرتاق اً ال ن دري معه –يف أمر اخلربين -من أي الف رق ك ان ه ؤالء
الس ائلون ،بيد أن األباض ية كلها تق ول :إن دور خمالفيهم دور توحي د ،إال معس كر
السلطان فإنه دور كفر عندهم ،مث قالوا أيضاً :إن مجيع ما افرتض اهلل سبحانه وتعاىل على
خلقه إميان ،وأن كل كب رية فهي كفر نعم ة ،ال كفر ش رك ،وأن مرتكيب الكب ائر يف الن ار
خالدون خملدون أبداً .ومن البنّي أن الذين سألوا أبا جملز من األباضية ،إمنا كانوا يريدون
أن يُلزم وه يف تكفري األم راء ألهنم يف معس كر الس لطان ،وألهنم رمبا عص وا أو ارتكب وا
بعض ما هناهم اهلل عن ارتكابه .ولذلك قال هلم يف اخلرب األول" :فإن هم تركوا شيئاً منه
عرفوا أهنم قد أصابوا ذنب اً" ،وقال هلم يف اخلرب الثاين" :إهنم يعملون مبا يعملون ويعلمون
أنه ذنب".
()13
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
وإذن ،فلم يكن س ؤاهلم عما احتج به مبتدعة زمانن ـ ـ ــا ،من القض ـ ـ ــاء في األم ـ ـ ــوال
واألعراض والدماءـ بقانون مخـالف لشـريعة أهل اإلسـالم ،وال في إصـدار قـانون ملـزم
ألهل اإلسـ ــالم ،باالحتك ام إىل حكم غري حكم اهلل يف كتابه وعلى لس ان نبيه ص لى اهلل
عليه وس لم ،فه ذا الفعل إع ــراض عن حكم اهلل ،ورغبة عن دين ه ،وإيث ــار ألحك ام أهل
الكفر على حكم اهلل س بحانه وتع اىل :وهـ ــذا كفـ ــر ،ال يشك أحد من أهل القبلة على
اختالفهم؛ في تكفير القائل به والداعي إليه.
وال ذي حنن فيه الي وم؛ هو هجر ألحك ام اهلل عامة بال اس تثناء ،وإيث ــار أحك ام غري
حكمه يف كتابه وس نة نبيه ص لى اهلل عليه وس لم ،وتعطيل لكل ما يف ش ريعة اهلل ،بل بلغ
األمر مبلغ االحتجاج على تفضيل أحكام القــانون الموضــوع ،على أحكــام اهلل المنزلة،
وادعاء احملتجني لذلك بأن أحكام الشريعة إمنا نزلت لزمان غري زماننا ،ولعلل وأسباب
انقض ت ،فس قطت األحك ام كلها بانقض ائها ،ف أين ه ذا مما بين اه من ح ديث أيب جملز
والنفر من األباضية من بين عمرو بن سدوس!!.
ولو ك ان األمر على ما ظن وا يف خرب أيب جمل ز ،أهنم أرادوا خمالفة الس لطان يف حكم
من أحك ام الش ريعة ،فإنه لم يح ــدث في ت ــاريخ اإلس ــالم أن سن ح ــاكم حكم ـاً وجعله
شريعة ملزمةـ للقضاءـ بها ،هذه واحدة.
وأخرى :أن احلاكم الذي حكم يف قضية بعينها بغري حكم اهلل فيها؛ فإنه:
إما أن يكون حكم هبا وهو جاهل ،فهذا أمره أمر اجلاهل بالشريعة.
وإما أن يكون حكم هبا هوى ومعصية؛ فهذا ذنب تناله التوبة ،وتلحقه املغفرة.
وإما أن يك ون حكم به مت أوالً حكم اً خ الف به س ائر العلم اء؛ فه ذا حكمه حكم
كل متأول يستمد تأويله من اإلقرار بنص الكتاب وسنة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم.
()14
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
فمن احتج هبذين األث رين وغريمها يف غري باهبا ،وص رفها إىل غري معناه ا ،رغبة يف
نصرة سلطان ،أو احتياالً على تسويغ احلكم بغري ما أنزل اهلل وفرض على عباده ،فحكمه
يف الش ريعة حكم اجلاحد حلكم من أحك ام اهلل :أن يس تتاب ،ف إن أصر وك ابر وجحد
حكم اهلل ،ورضي بتب ديل األحك ام؛ فحكم الك افر املصر على كف ره مع روف ألهل ه ذا
ال دين .وكتبه حمم ود حممد ش اكر" ،تفسري الط ربي( "10/348 ،عم دة التفس ري:
.)1/684
"وها هي ذي اآليات يف هذه السورة –النساء ،-من اآلية 59 :إىل آخر اآلية،65:
واضحة الداللة ،صرحية اللفظ ،ال حتتاج إىل طول شرح ،وال حتتمل التالعب بالتأويل.
يأمرنا اهلل س بحانه فيها بطاعته وطاعة رس وله ،وأويل األمر من ا ،أي من املس لمني.
ويأمرنا إذا تنازعنا يف ش يء واختلفنا أن ن رده إىل حكم اهلل يف كتابه وحكم رس وله يف
ه َوا ْليَ ْو ِم اآْل ِ
خ ِر). م ُت ْؤ ِم ُنونَ بِاللَّ ِ
سنته .ويقول يف ذلك( :إِن كُن ُت ْ
فريش دنا س بحانه وتع اىل إىل أن طاعته وطاعة رس وله يف ش أن الن اس كلهم ،وفيما
يعرض هلم من قضايا وخالف ونزاع شــرط في اإليمــان باهلل واليــوم اآلخــر .وكما قال
احلافظ ابن كثري آنفاً( :فدل على أن من مل يتحاكم يف حمل النزاع إىل الكتاب والسنة وال
يرجع إليهما يف ذلك؛ فليس مؤمناً باهلل وال باليوم اآلخر).
مث يرينا اهلل س بحانه حكمه يف ال ذين يزعم ون أهنم يؤمن ون برس وله حممد ص لى اهلل
ت َو َق ْد مو ْا إِلَى الطَّ ُ
اغو ِ حا َك ُعليه وس لم ومبا أن زل إلي ه ،مث يري دون (أَن يَ َت َ
ه) ،فيحكم بأهنم منافقون؛ ألهنم إذا دعوا إىل ما أنزل اهلل وإىل ُأ ِم ُرو ْا أَن يَ ْك ُف ُرو ْا بِ ِ
الرسول؛ صدوا عنه صدوداً ،والنفاق شر أنواع الكفر.
مث يعلمنا اهلل س بحانه وتع اىل أنه مل يرسل الرسل عبث اً ،وإمنا أرس لهم ليطيعهم الن اس
بإذن اهلل.
مث يقسم ربنا تبارك وتعاىل بنفسه الكرمية املقدسة؛ أن الناس ال يكونون مؤمنني حىت
حيتكم وا يف ش أهنم كله إىل رس وله حممد ص لى اهلل عليه وس لم ،وحىت يرض وا حبكمه
طائعني خاضعني ،ال جيدون يف حكمه حرجاً يف أنفسهم ،وحىت يُسلموا يف دخيلة قلوهبم
()15
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
إىل حكم اهلل ورسوله تسليماً كامالً ،ال ينافقون به املؤمنون ،وال خيضعون يف قبوله لقوة
ح اكم أو غ ريه ،بل يرض ون به مهما يلق وا يف ذلك من مش قة أو مؤن ة ،وأنهم إن لم
يفعلوا لم يكونوا مؤمنين قط ،بل دخلوا في عداد الكافرين والمنافقين.
ف انظروا أيها املس لمون ،يف مجيع البالد اإلس المية ،أو البالد اليت تنتسب لإلس الم يف
أقط ار األرض ،إىل ما ص نع بكم أع داؤكم املبش رون واملس تعمرون؛ إذ ض َربوا على
املس لمني ق ــوانين ض ــالة م دمرة لألخالق واآلداب واألدي ان ..ق ــوانين إفرنجية وثنية ،مل
ُتنْب َ على ش ريعة وال دين ،بل بُ نيت على قواعد وض عها رجل ك افر وث ين ،أىب أن ي ؤمن
برسول عصره –عيسى عليه السالم -وأصر على وثنيته ،إىل ما كان من فسقه وفجوره
وهتتكه! .هذا هو جوستنيان ،أبو القوانني وواضع أسسها فيما يزعمون ،والذي مل ِ
يستح
رجل من كب ار رج االت مصر املنتس بني –ظلم اً وزوراً -إىل اإلس الم ،أن ي رتجم قواعد
ذاك الرجل الفاسق الوثين ،ويسميها "مدونة جوستنيان"! سخرية وهزاء بـ"مدونة مالك"،
إح دى موس وعات الفقه اإلس المي املبين على الكت اب والس نة ،واملنس وبة إىل إم ام دار
اهلجرة .فانظروا إىل مبلغ ذلك الرجل من السخف ،بل من الوقاحة واالستهتار!.
هذه القوانين التي فرضها على المســلمين أعــداء اإلســالم الســافروا العــداوة ،هي
في حقيقتها دين آخر جعل ـ ــوه دينا للمس ـ ــلمين ب ـ ــدال من دينهم النقي الس ـ ــامي ،ألنهم
أوجب ــوا عليهم طاعته ــا ،وغرس ــوا في قل ــوبهم حبها وتقدس ــها والعص ــبية لها ،حىت لقد
جتري على األلسنة واألقالم كثرياً كلمات "تقديس القانون"" ،قدسية القضاء" ،و"حرمة
احملكم ة" وأمث ال ذلك من الكلم ات اليت ي أبون أن توصف هبا الش ريعة اإلس المية وآراء
الفقهاء اإلسالميني ،بل هم حينئذ يصفوهنا بكلمات "الرجعية"" ،اجلمود"" ،الكهنوت"،
"شريعة الغاب" ..إىل أمثال ما ترى من املنكرات يف الصحف واجملالت والكتب العصرية
اليت يكتبها أتباع أولئك الوثنيني!.
مث ص اروا يطلق ون على ه ذه الق وانني ودراس تها كلمة "الفق ه" ،و"الفقي ه"،
و"التش ريع" ،و"املش ّرع" ..وما إىل ذلك من الكلم ات اليت يطلقها علم اء اإلس الم على
الش ريعة وعلمائه ا ،وينح درون فيتج رؤون على املوازنة بني دين اإلس الم وش ريعته ،وبني
دينهم المفترى الجديد!!
مث نفوا شريعتهم اإلسالمية عن كل شيء ،وصرح كثري منهم يف كثري من أحكامها
القطعية الثب وت والداللة بأهنا ال تناسب ه ذا العص ر ،وأهنا ُش رعت لق وم ب دائيني غري
()16
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
متم دنني .فال تص لح هلذا العصر اإلف رجني الوث ين!! خصوص اً يف احلدود املنصوصة يف
الكتاب والعقوبات الثابتة يف السنة ،فرتى الرجل املنتسب لإلسالم ،املتمسك به يف ظاهر
أمره ،املشرب قلبه هذه القوانني الوثنية ،يتعصب هلا ما ال يتعصب لدينه ،بل جيتهد ليتربأ
من العص بية لإلس الم؛ خش ية أن يُ رمى ب اجلمود والرجعي ة! مث هو يص لي كما يص لي
املس لمون ،ويص وم كما يص وم املس لمون ،وقد حيج كما حيج املس لمون .ف إذا ما انتصب
إلقامة الق انون؛ لبسه ش يطان ال دين اجلدي د ،فق ام له قومة األسد حيمي عرين ه ،ونفى عن
عقله كل ما ع رف من دينه األص لي! ورأى أن ه ذه الق وانني ألصق بقلب ه ،وأق رب إىل
نفسه! .هذا يف املستمسك منهم بدين اإلسالم ،وهم األقل .دع عنك أكثرهم.
وقد رىب لنا املستعمرون من هذا النوع طبقات ،أرضعوهم لبان هذه القوانني ،حىت
ص ار منهم فئ ات عالية الثقاف ة ،واس عة املعرف ة ،يف ه ذا الل ون من ال دين اجلدي د ،ال ذي
نس خوا به ش ريعتهم ،ونبغت فيهم نوابغ يفخ رون هبا على رج ال الق انون يف أوروب ا،
فصــار للمســلمين من أئمة الكفر ما لم ُي ْبتل به اإلســالم في أي دور من أدوار الجهل
بالـدين في بعض العصـور .وصار هذا الـدين الجديد هو القواعد األساسية اليت يتحاكم
إليها املسلمون يف أكثر بالد اإلسالم وحيكمون هبا ،سواء منها ما وافق يف بعض أحكامه
ش يئاً من أحك ام الش ريعة ،وما خالفه ا .وكله باطل وخ روج؛ ألن ما وافق الش ريعة إمنا
وافقها مصادفة ،ال اتباع اً هلا ،وال طاعة ألمر اهلل وأمر رسوله .فاملوافق واملخالف كالمها
م رتكس يف محأة الض اللة ،يق ود ص احبه إىل الن ار ،ال جيوز ملس لم أن خيضع له أو يرضى
به" (عمدة التفسري.)3/212 :
"ن رى يف بعض بالد املس لمني ق وانني ض ربت عليه ا ،نقلت عن أوروبا الوثنية
امللحدة ،وهي قوانني ختالف اإلسالم خمالفة جوهرية يف كثري من أصوهلا وفروعها ،بل إن
يف بعض ها ما ينقض اإلس الم ويهدم ه ،وذلك أمر واضح ب ديهي ،ال خيالف فيه إال من
يغالط نفس ه ،وجيهل دينه أو يعاديه من حيث ال يش عر .وهي يف كثري من أحكامها أيض اً
توافق التشريع اإلسالمي ،أو ال تنافيه على األقل.
وإن العمل بها في بالد المسلمين غير جائز حـتى فيما وافق التشـريع اإلسـالمي،
ألن من وض ــعها حين وض ــعها لم ينظر إلى موافقتها لإلس ــالم أو مخالفته ــا ،وإنما نظر
إلى موافقتها لق ــوانين أوروبا أو لمبادئها وقواع ــدها ،وجعلها هي األصل ال ــذي يرجع
()17
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
إليــه ،فهو آثم مرتد بهــذا ،ســواء أوضع حكما موافقا لإلســالم أم مخالفا ...أما ال ذي
جيتهد ويش رع على قواعد خارجة عن قواعد اإلس الم؛ فإنه ال يك ــون مس ــلما ،إذا قصد
إىل وضع ما ي راه من األحك ام ،وافقت اإلس الم أم خالفته فك انت موافقته للص واب ،إن
وافقه من حيث ال يعرف ه ،بل من حيث ال يقص ده ،غري حمم ودة ،بل ك انوا هبا ال يقلّ ون
عن أنفس هم كف ــراً حني خيالفون ،وه ذا ب ــديهي" (تعليق الش يخ أمحد ش اكر على مس ند
اإلمام أمحد بن حنبل ،306-6/301 :رقم .)4668
ولكن ه ذه الق وانني أفس دت على الن اس عق وهلم وفط رهتم اإلس المية ،بل فط رهتم
اآلدمية .فحكمت على هذين الفاسقني القاتلني بالتعزير ببضع سنني من األشغال الشاقة!
دون النظر إىل اجلرمية اخللقية البش عة ،ودون نظر إىل القتل العم د ،وخاصة قتل األب
الوال د .وك ان التعليل لنقل احلد من القتل إىل التعزير أعجب! بتص وير الرجل القتيل
املظلوم –املعتدى على دمه وعرضه -بصورة املخطئ املتسبب يف هاتني اجلرميتني! بزعم
أنه رجل كبري السن ت زوج ام رأة فتي ة! مبا وض عه املبش رون وأتب اعهم يف نف وس املنتس بني
لإلسالم من إنكار زواج الكبري بالصغرية ،قصداً إىل املساس باملقام األعلى .وال أحب أن
أقول أكثر من هذا.
ولكين أق ول :إنه ال يشك مسـ ــلم "عالما كـ ــان أو عاميـ ــا" أن هـ ــذا ال يصـ ــدر عن
مس ــلم ،وأن المس ــلم ال ــذي يقوله أو يرضى ب ــه؛ يخ ــرج من اإلس ــالم إلى حم ــأة الكفر
والردة ،والعياذ باهلل" (عمدة التفسري.)1/480 :
()18
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
"...أما اآلن ،وأك ثر البالد اليت تنتسب إلى اإلس ـ ـ ـ ــالم ،وتس ـ ـ ـ ــمي نفس ـ ـ ـ ــها بالدا
إسالمية ،ثم تحكم بتشريع آخر غير دين اإلسالم ،تشريع مقتبس عن القوانين الوثنية
والنصـ ـ ـ ــرانية واألمم الملحـ ـ ـ ــدة ،ه ؤالء ال حيت اجون إىل احليل للظه ور مبظهر العمل
الص حيح! بل هم يكتب ون العقود ظ اهرة ص رحية بالربا وب العقود الباطلة يف دين اإلس الم،
ألنهم اتخذوا دينا غيره بخضوعهم ورضاهم بتشريع غير شريعته( "...عمدة التفسري:
.)1/333
" ...ف انظروا أيها املس لمون –إن كنتم مس لمني -إىل بالد اإلس الم يف كافة أقط ار
األرض إال قليالً؛ وقد ض ربت عليها الق ـ ــوانين الك ـ ــافرة الملعون ـ ــة ،املقتبسة من ق وانني
أوروبا الوثنية امللح دة ،اليت اس تباحت الربا اس تباحة ص رحية بألفاظها وروحه ا( "..عم دة
التفسري.)1/336 :
"واملتالعب ون بال دين من أهل عص رنا ،وأولي اؤهم من عاب ـ ــدي التش ـ ــريع الوث ـ ــني
األجنبي –بل التشريع اليهودي في الربا -يلعبون بالقرآن ،ويزعمون أن هذه اآلية تدل
على أن الربا احملرم هو األض عاف املض اعفة! ليج يزوا ما بقي من أن واع الرب ا ،على ما
ترضاه أهواؤهم وأهواء سادهتم" (عمدة التفسري.)3/38 :
"أما الخــارجون عن شــريعة اهلل وحــدوده ،ال ذي يط البون مبس اواة املرأة بالرجل يف
املرياث –من اجلمعي ات النس ائية الف اجرة املتهتك ة ،ومن الرج ال أو أش باه الرج ال ال ذين
يروجون هلذه الدعوة ويتملّقون النسوة فيما يصدرون ويرددون –فإمنا هم خارجون من ّ
اإلســالم خــروج المرتــدين ،التصــال ذلك بأصل العقيــدة وإنكــار التشــريع اإلســالمي،
فيجب على كل مسلم أن يقاومهمـ ما استطاع ،وأن يدفع شــرهم عن دينه وعن أمتــه"
(عمدة التفسري.)1/473 :
()19
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
"مث هي قد خ رجت –أي مدينة القس طنطينية -بعد ذلك من أي دي املس لمني ،منذ
أعلنت حكومتهم هناك أنها حكومة غير إسالمية وغير دينية ،وعاهدتـ الكفــار أعــداء
اإلسالم ،وحكمت أمتها بأحكام القــوانين الوثنية الكــافرة .وسيعود الفتح اإلسالمي هلا
إن شاء اهلل ،كما بشر به رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم" (عمدة التفسري.)2/256 :
"نريد أن نح ــارب الوثنية الحديثة والش ــرك الح ــديث ،الل ذين ش اعا يف بالدنا ويف
أك ثر بالد اإلس الم ،تقلي داً ألوروبا الوثنية امللح دة ،كما ح ــارب س ــلفنا الص ــالح الوثنية
القديمة والشرك القديم ...نريد أن نثابر على ما دعونا وندعو إليه من العودة إىل كتاب
اهلل وسنة رسوله يف قضائنا كله ،يف كل بالد اإلسالم ،وهدم الطاغوت اإلفــرنجي الذي
م تَ َر ض ِرب على املس لمني يف عقر دارهم يف ص ورة قـ ــوانين .واهلل تع اىل يق ول( :أَلَ ْ ُ
ل ِمن ك َو َمـا ُأ ِ
نـز َ ل إِلَ ْيـ َ ما ُأ ِ
نـز َ م آ َم ُنو ْا بِ َ مونَ أَنَّ ُه ْ ين يَ ْز ُع ُ إِلَى الَّ ِذ َ
ــرو ْا أَن ــد ُأ ِم ُاغوتِ َو َق ْ مو ْا إِلَى الطَّ ُ حـــا َك ُ يــدونَ أَن يَ َت َ ك ُي ِر ُ َق ْبلِـــ َ
ل ضالَال ً بَ ِعيــداًَ ،وإِذَا قِي ـ َ م َ ضلَّ ُه ْان أَن ُي ِ الش ْيطَ ُ َّ ه َو ُي ِري ُديَ ْك ُف ُرو ْا بِ ِ
ين م َنــافِ ِق َت ا ْل ُل َرأَ ْي َ
س ـو ِ ل الل ُّه َوإِلَى َّ
الر ُ م تَ َعالَ ْو ْا إِلَى َما أَن َز َ لَ ُه ْ
ى ح َّت َك ال َ ُي ْؤ ِم ُنــونَ َ صــ ُدودا) ،مث يق ولَ ( :فال َ َو َربِ ّــ َ ً ك ُ صــدُّونَ َعنــ َ يَ ُ
ح َرجـاًـ م َ س ِه ْ م ال َ يَجِ ُدو ْا فِي أَن ُف ِ م ُث َّ ج َر بَ ْي َن ُه ْ ش َ ما َ ك فِي َ مو َ كّ ُح ِ ُي َ
سلِيما)" (كلمة احلق ،أمحد شاكر ،ص.)7-5 ً مو ْا تَ ْ س ِل ّ ُ ت َو ُي َ ض ْي َما َق َ ِ ّم َّ
"إن من ق ـ ّدم أي قــانون أو أي رأي على الحكم بكتــاب اهلل وســنة رســوله صــلى
اهلل عليه وسـ ـ ــلم ،فهو كـ ـ ــافر يجب قتاله حىت يرجع إىل حكم اهلل ورس وله ،وال حي ّكم
ـذر
سواه يف قليل أو كثري .وهذا شيء بــديهي معلــوم من دين اإلســالم بالضــرورة ،ال يعـ ُ
بجهله أحد ،أياً كانت منزلته من العلم أو اجلهل ،ومن ّ
الرقي أو االحنطاط" (كلمة احلق،
أمحد شاكر ،ص.)65
* ق ال الش يخ حمم ود ش اكر –رمحه اهلل -يف تعليقه على الط ربي ..." :فلم يكن
س ؤاهلم –يعين س ؤال األباض ية أليب جملز عن تفسري اآلية –عما احتج به مبتدعة زمانن ــا،
()20
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
من القضاء في األموال واألعراض والدماء بقانون مخــالف لشــريعة أهل اإلســالم ،وال
في إصــدار قــانون مل ــزم ألهل اإلس ــالم ،باالحتكــام إلى حكم غــير حكم اهلل في كتابه
وعلى لسان نبيه صلى اهلل عليه وســلم ،فهــذا الفعل إعــراض عن حكم اهلل ،ورغبة عن
دينه ،وإيثــار ألحكــام أهل الكفر على حكم اهلل ســبحانه وتعــالى ،وهــذا كفــر ،ال يشك
أحد من أهل القبلة على اختالفهم؛ في تكفير القائل به والداعي إليه" (تفسري الطربي:
.)10/348
* ق ال الش يخ حممد أمني الش نقيطي –رمحه اهلل :-أخ رج الرتم ذي وغ ريه عن ع دي
بن حامت –رضي اهلل عنه -أنه أتى النيب صلى اهلل عليه وسلم ويف عنقه صليب من ذهب،
خ ُذو ْا
فق ال له ص لى اهلل عليه وس لم" :اط رح ه ذا ال وثن من عنق ك" ومسعه يق رأ( :اتَّ َ
ه) –وك ان ع دي يف اجلاهلية م أَ ْربَابـاً ِ ّمن ُد ِ
ون الل ّـ ِ هبَــانَ ُه ْ
م َو ُر ْ
ه ْ أَ ْ
حبَا َر ُ
نص رانياً -فق ال ع دي :ما كنا نعب دهم من دون اهلل .فق ال له النيب ص لى اهلل عليه وس لم:
"أمل حيل وا لكم ما ح رم اهلل ،وحيرم وا عليكم ما أحل اهلل ،فتتبع وهم؟" ق ال :بلى .ق ال:
"ذلك عبادهتم" .وهو معىن اختاذهم أرباباً.
وه ذا التفسري النب وي املقتضي أن كل من يتبع مشـ ــرعاً فيما أحل وحـ ــرم ،مخالفا
لتش ــريع اهلل؛ أنه عابد ل ــه ،متخ ــذه رب ـاً ،مش ــرك ب ــه ،ك ــافر باهلل ،هو تفس ــير ص ــحيح ال
شك في صــحته ،واآليــات القرآنية الشــاهدة لصــحته ال تكــاد تحصــيها في المصــحف
الكريم ،وسنبني –إن شاء اهلل -طرفاً من ذلك:
اعلم وا –أيها اإلخ وان -أن اإلش ــراك باهلل في حكم ــه ،واإلش ــراك به في عبادت ــه؛
كالهما بمعــنى واحد ال فــرق بينهما البتــة ،فالــذي يتبع نظاما غــير نظــام اهلل ،وتشــريعا
غير ما شرعه اهلل ،وقانونا مخالفا لشرع اهلل من وضع البشرُ ،معرضا عن نور الســماء
الـ ــذي أنزله اهلل على لسـ ــان رسـ ــوله ،من كـ ــان يفعل هـ ــذا هو ومن كـ ــان يعبد الصـ ــنم
ويســجد للــوثن؛ ال فــرق بينهما البتة بوجه من الوجــوه ،فهما واحــد ،فكالهما مشــرك
باهلل ،هــذا أشــرك به في عبادتــه ،وهــذا أشــرك به في حكمــه ،واإلشــراك به في عبادتــه،
واإلشراك به في حكمه كالهما سواء.
()21
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
وقد قال اهلل جل وعال يف اإلشراك به يف عبادته( :فَ َمن َك ا َن َي ْر ُجو لَِق اء َربِِّه َفْلَي ْع َم ْل
ِِ ِ ِ عمالً حِل
صا اً َواَل يُ ْش ِر ْك بعبَ َادة َربِّه أ َ
َحداً). ََ َ
ص ْر بِ ِه َوأَمْسِ ْع
ض أَب ِ ِ
الس َم َاوات َواأْل َْر ِ ْ ب َّاإلشراك به يف حكمه أيض اً(ِ :لَ ِهُ َغْي ُ ِ ِ ِ
وقال يف
َح داً) ،ويف ق راءة ابن ع امر من الس بعة: َما هَلُم ِّمن ُدون ه من َويِل ٍّ َواَل يُ ْش ِر ُك يِف ُحكْم ه أ َ
ِِ ِ ِ ِِ
َح داً)، َح داً) بصيغة النهي املطابقة لقولهَ ( :واَل يُ ْش ِر ْك بعبَ َادة َربِّه أ َ ( َواَل ُت ْش ِر ُك يِف ُحكْم ه أ َ
فكالمها إشراك باهلل.
ول ذا؛ بني النيب ص لى اهلل عليه وس لم لع دي بن ح امت أهنم ملا اتبع وا نظ امهم يف
التحليل والتح رمي ،وش رعهم املخ الف لش رع اهلل؛ ك انوا عب دة هلم ،متخ ذيهم أرباب اَ.
واآليات القرآنية يف املصحف الكرمي املصرحة هبذا املعىن ال تكاد حتصيها" (العذاب النمري
يف جمالس الشنقيطي يف التفسري ،ص 2266و ،2267من تفسري سورة التوبة .وانظر –
لسماع حماضرات تفسري سورة التوبة -موقع طريق اإلسالم االلكرتوين).
" مث بني ص فات من يس تحق احلكم والتش ريع والتحليل والتح رمي واألمر والنهي؛
ض َج َع َل لَ ُكم ِّم ْن الس ماو ِ
ات َواأْل َْر ِ ِ فقال( :ذَلِ ُكم اللَّه ريِّب علَي ِه َت و َّك ْل ِ ِ ِ
يب ،فَاطُر َّ َ َ ت َوإلَْي ه أُن ُ ُ َُ َْ َ ُ
ِ
يع البَص ريُ، ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
الس م ُس َكمثْله َش ْيءٌ َو ُه َو َّ أَن ُفس ُك ْم أ َْز َواجاً َوم َن اأْل َْن َعام أ َْز َواجاً يَ ْذ َر ُؤ ُك ْم فيه لَْي َ
ٍ ِ ِ ِ ِ ط ِّ ِ
يم).
الر ْز َق ل َمن يَ َشاءُ َو َي ْقد ُر إنَّهُ ب ُك ِّل َش ْيء َعل ٌ ض َيْب ُس ُ ات َواأْل َْر ِ السماو ِ
يد َّ َ َ لَهُ َم َقالِ ُ
هذه صفات من له أن حيكم وحيلل وحيرم ويأمر وينهى .أفرتون –أيها اإلخوان -أن
واح داً من هـ ــؤالء القـ ــردة الخنـ ــازير الكالب أبنـ ــاء الكالب الـ ــذين يضـ ــعون القـ ــوانين
الوضعية؛ فيهم واحد يستحق هذه الصفات اليت هي صفات من له أن حيكم وحيرم ويأمر
وبنهى؟!!
ومن اآلي ات الدالة على ه ِذا النوع قوله تع اىل ِيف سورة القص صَ ( :و ُه َو اللَّهُ اَل إِلَ هَ
ْم َوإِلَْي ه ُت ْر َجعُ و َن) ،مث بني صفات من له أن ِ يِف
إ ُه َو لَ هُ احْلَ ْم ُد اأْل ُوىَل َواآْل خ َرة َولَ هُ احْلُك ُ
ِاَّل
حيكم فقال( :قُ ْل أ ََرأ َْيتُ ْم إِن َج َع َل اللَّهُ َعلَْي ُك ُم اللَّْي َل َس ْر َمداً إِىَل َي ْوِم الْ ِقيَ َام ِة َم ْن إِلَهٌ َغْي ُر اللَّ ِه
َّه َار َس ْر َمداً إِىَل َي ْوِم الْ ِقيَ َام ِة ِ ِ
يَأْتي ُكم بِضيَاء أَفَاَل تَ ْس َمعُو َن ،قُ ْل أ ََرأ َْيتُ ْم إِن َج َع َل اللَّهُ َعلَْي ُك ُم الن َ
()22
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
من إِلَ ه َغي ر اللَّ ِه ي أْتِي ُكم بِلَي ٍل تَس ُكنُو َن فِي ِه أَفَاَل ُتب ِ
ص ُرو َنَ ،و ِمن رَّمْح َتِ ِه َج َع َل لَ ُك ُم اللَّْي َل ْ َ ْ ٌ ِ ْ ُ َِ ِ ِ ْ ِ ْ
ضلِ ِه َولَ َعلَّ ُك ْم تَ ْش ُكُرو َن).
َّه َار لتَ ْس ُكنُوا فيه َولتَْبَتغُوا من َ ْ
ف َوالن َ
هل في الكفـ ــرة القـ ــردة الخنـ ــازير الكالب أبنـ ــاء الكالب الـ ــذين يضـ ــعون النظم،
ويزعم ون أهنم يُرتّب ون هبا عالق ات اإلنس ان ،ويض بطون هبا ش ؤونه؛ هل يف ه ؤالء من
يس تحق أن يوصف هبذه الص فات اليت هي ص فات من له أن حيكم وي أمر وينهى وحيلل
وحيرم؟!
واحلاصل أن التشريع ال يكون إال لألعلى الذي ال مُي كن أن يكون فوقه آمر وال ناه
وال متصرف ،فهو للسلطة العليا .أما المخلوق الجاهل الكافر المســكين؛ فليس له أن
يحلل ويحرم.
ه ذا الق رآن العظيم ينص رفون عن ه ،وت رى الواحد ال ذي هو مس ؤول عنهم يُعلن يف
غري حياء من اهلل وال حياء من الناس بوجه ال ماء فيه ،وبكل وقاحة؛ أنه حي ّكم يف نفسه
ويف الناس الذين هم رعيته الذين هو مسؤول عنهم ،حي ّكم يف أدياهنم ،ويف أنفسهم ،ويف
عقوهلم ،ويف أنس اهبم ،ويف أم واهلم ،ويف أعراضهم ،قانونـاً أرضــيا وضــعه خنــازير كفــرة
جهلة أنتن من الكالب والخنـ ــازير ،وأجهل خلق اهلل ،معرض اً عن ن ور الس ماء ال ذي
وضعه اهلل جل وعال على لسان خلقه ،فهذا من طمس البصائر ،ال يص ّدق به إال من رآه
()23
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
–والعياذ باهلل .-اللهم ال تطمس بصائرنا ،وال تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا" (العذاب النمري
من جمالس الشنقيطي يف التفسري ،ص 2270و 2271من تفسري سورة التوبة).
"فه ذه اآلي ات الكرمية ت دل على أن كل من يتبع نظاما غــير نظــام اهلل –وإن ســماه
قانونا أو دسـ ـ ــتورا أو سـ ـ ــماه ما سـ ـ ــماه -فهو كـ ـ ــافر باهلل ،ولو ك ان ك افراً قبل ذلك
وارتكب ش يئاً يعلم أن اهلل حرمه فحلل ما يعلم أن اهلل حرم ه ،أو ح رم ما يعلم أن اهلل
حلله ،فإنه ولو كان كافراً قبل هذا يزداد بذلك كفراً جديداً إىل كفره األول ،كما قال
ـر) ،وه ذا مع روف ال ن زاع فيه بني سي ُء ِزيَــا َد ٌة فِي ا ْل ُك ْفـ ِما ال َّن ِ هن ا( :إِنَّ َ
العلماء ،فاحلالل هو ما أحله اهلل ،واحلرام هو ما حرمه اهلل ،والدين هو ما شرعه اهلل ،وال
تش ريع إال هلل؛ ألن التش ريع واألمر والنهي ال يك ون إال للس لطة اليت ليس فوقها ش يء،
واهلل جل وعال هو خ الق ه ذا اخلل ق ،وخ الق النعم اليت أنعم هبا علي ه ،فهو املل ك؛ فال
يرضى أن ي أمر فيه غ ريه وينهى ،بل األمر له وح ده ،والنهي له وح ده ،والتش ريع له
وح ده ،فكل مشــروع دونه ضــال ،وكل متبع تشــريعا غــير تشــريعه فهو كــافر به جل
وعال.
وقد بني اهلل جل وعال يف آيات كثرية هذا املعىن ،فكان قوم يف زمن النيب صلى اهلل
فعجب اهلل نبيه وادعوا أهنم مؤمنونّ ، عليه وسلم أرادوا أن يتحاكموا إىل غري شرع اهللّ ،
من ك ذب دع واهم ،وأن دع واهم اإلميان ال تصح بوجه من الوج وه مع إرادهتم التح اكم
م آ َم ُنــو ْا مــونَ أَنَّ ُه ْ م تَ ـ َر إِلَى الَّ ِذ َ
ين يَ ْز ُع ُ إىل غري اهلل ،وذلك يف قول ه( :أَلَ ْ
مو ْا إِلَى حــا َك ُـدونَ أَن يَ َت َ ك ُي ِريـ ُ ل ِمن َق ْبلِ ـ َ ك َو َما ُأ ِ
نز َ ل إِلَ ْي َ ما ُأ ِ
نز َ بِ َ
م ضلَّ ُه ْ ان أن ُي َِ الش ْيطَ ُ
َّ يده َو ُي ِر ُ َ ُ
اغوتِ َو َق ْد أ ِم ُرو ْا أن يَ ْك ُف ُرو ْا بِ ِ الطَّ ُ
فعجبه من دع واهم اإلميان وهم يري دون التح اكم إىل غري ما ش رعه ضالَال ً بَ ِعيداً)ّ ، َ
اهلل ،وهذا ال خيفى.
وأقسم جل وعال يف آية من كتابه أنه ال يؤمن أحد حىت يكون متّبع اً يف قرارة نفسه
ملا ج اء به س يد الرسل حممد ص لوات اهلل وس المه علي ه ،وذلك قول هَ ( :فال َ َو َربِ ّ َ
ك ال َ
ـدو ْا فِي م ال َ يَجِـ ُ
م ُث َّ
ج َر بَ ْي َن ُه ْشـ َ مــا َ ك فِي َمو َ كّ ُ ح ِ ى ُي َ ح َّت َُي ْؤ ِم ُنونَ َ
س ـلِيماً) .ه ذا قسم من اهلل مو ْا تَ ْ س ِل ّ ُت َو ُي َ ما َق َ
ض ْي َ ح َرجاًـ ِ ّم َّ م َ أَن ُف ِ
س ِه ْ
ج َر
شــ َمــا َ ك فِي َمــو َ كّ ُ
ح ِى ُي َ ح َّت َ ك ال َ ُي ْؤ ِم ُنــونَ َ أقسم ب هَ ( :فال َ َو َربِ ّــ َ
()24
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
م) فما ظنك بالـذين يُح ّكمـون فيما شـجر بينهم قـانون نـابليون وما جـرى بعـده
بَ ْي َن ُه ْ
من زباالت أذهان الكفرة؟! أال ترون أن اهلل أقسم يف هذه اآلية من سورة النساء أهنم ال
يؤمنون؟ ومن أصدق من اهلل قيالً ،ومن أصدق من اهلل حديثاً؟!
فعلى كل مس لم أن يعلم أن احلاكم هو اهلل ،وأن احلكم هلل وح ده ،وأنه ال حُي ّل إال
اهلل ،وال حُي ّرم إال اهلل" (الع ذاب النمري من جمالس الش نقيطي يف التفس ري ،ص 2302و
،2303من تفسري سورة التوبة).
"وهبذه النصوص السماوية اليت ذكرنا؛ يظهر غاية الظهور أن الذين يتبعون القوانين
الوضعية اليت شرعها الشيطان على ألسنة أوليائه خمالفة ملا شرعه اهلل جل وعال على ألسنة
رسله صلى اهلل عليهم وسلم؛ أنه ال يشك في كفرهم وشــركهم إال من طمس اهلل على
بصيرته ،وأعماه عن نور الوحي مثلهم.
اعلم أنه جيب التفص يل بني النظ ـ ـ ــام الوض ـ ـ ــعي ال ذي يقتضي حتكيمه الكفر خبالق
الس موات ،وبني النظ ام ال ذي ال يقتضي ذل ك .وإيض اح ذلك أن النظ ام قس مان :إداري
وشرعي.
أما اإلداري الذي يراد به ضبط األمور وإتقاهنا على وجه غري خمالف للشرع ،فهذا
ال م انع من ه ،وال خمالف فيه من الص حابة فمن بع دهم .وقد عمل عمر رضي اهلل عنه من
ذلك أش ياء كث رية ما ك انت يف زمن النيب ص لى اهلل عليه وس لم ،ك َكْتبه أمساء اجلُند يف
دي وان ألجل الض بط ،ومعرفة من غ اب ومن حض ر ،كما إيض اح املقص ود منه يف س ورة
بين إسرائيل يف الكالم على العاقلة اليت حتمل دية اخلطأ؛ مع أن النيب صلى اهلل عليه وسلم
مل يفعل ذلك ،ومل يعلم بتخلّف كعب بن مالك عن غزوة تبوك؛ إال بعد أن وصل تبوك
دار صفوان بن أمية وجعله صلى اهلل عليه وسلم ،وكاشرتائه –أعين عمر رضي اهلل عنهَ -
إياها س جناً يف مكة املكرم ة ،مع أنه ص لى اهلل عليه وس لم مل يتخذ س جناً هو وال أبو
بكر .مثل هذا من األمور اإلدارية اليت تُفعل إلتقان األمور مما ال خيالف الشرع؛ ال بأس
ب ه ،كتنظيم ش ؤون املوظفني ،وتنظيم إدارة األعم ال على وجه ال خيالف الش رع .فه ذا
الن وع من األنظمة الوض عية ال ب أس ب ه ،وال خيرج عن قواعد الش رع من مراع اة املص احل
العامة.
()25
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
وأما النظ ام الش رعي املخ الف لتش ريع خ الق الس موات واألرض؛ فتحكيمه كفر
خبالق الس موات واألرض ،ك دعوى أن تفض يل ال ذكر على األن ثى يف املرياث ليس
بإنص اف ،وأهنما يل زم اس تواؤمها يف املرياث .وك دعوى أن تع دد الزوج ات ظلم ،وأن
الطالق ظلم للم رأة ،وأن ال رجم والقطع وحنومها أعم ال وحش ية ال يس وغ فعلها
باإلنسان ،وحنو ذلك.
فتحكيم ه ذا الن وع من النظ ام يف أنفس اجملتم ع ،وأم واهلم وأعراض هم ،وأنس اهبم
وعقوهلم وأدياهنم؛ كفر خبالق السموات واألرض ،ومترد على نظام السماء الذي وضعه
من خلق اخلالئق كلها ،وهو أعلم مبصاحلها" (أضواء البيان.)4/67 :
"اعلم أن اهلل جل وعال بني يف آيات كثرية صفات من يستحق أن يكون احلكم له،
فعلى كل عاقل أن يتأمل الص فات املذكورة ،اليت سنوض حها اآلن إن ش اء اهلل ،ويقابلها
مع ص فات البشر المشــرعين للقــوانين الوضــعية ،فينظر هل تنطبق عليهم ص فات من له
التشريع! –سبحان اهلل وتعاىل عن ذلك ،-فإن كانت تنطبق عليهم –ولن تكون -فليتبع
تش ريعهم ،وإن ظهر يقين اً أهنم أحقر وأخس وأذل وأصـ ــغر من ذل ك؛ فليقف هبم عند
حدهم ،وال جياوزه هبم إىل مقام الربوبية ،سبحانه وتعاىل أن يكون له شريك يف عبادته،
أو حكمه ،أو ملكه.
فمن اآليات اليت أوضح هبا اهلل تعاىل صفات من له احلكم والتشريع قوله هناَ ( :و َما
ِ ِ ٍ ِِِ
ْم هُ إِىَل اللَّه) ،مث ق ال مبين اً ص فات من له احلكمَ ( :ذل ُك ُم اللَّهُ اخَتلَ ْفتُ ْم في ه من َش ْيء فَ ُحك ُ ْ
ِ ِ
الس َم َاوات َواأْل َْر ِ
ض َج َع َل لَ ُكم ِّم ْن أَن ُفس ُك ْم أ َْز َواج اً ِ
يب ،فَ اطُر َّ ِ ِ ِ
ريِّب َعلَْي ه َت و َّك ْل ُ ِ
ت َوإلَْي ه أُن ُ َ َ
ِ ِ
يع البَص ريُ ،لَ هُ َم َقالي ُد ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
الس م ُ
س َكمثْل ه َش ْيءٌ َو ُه َو َّ َوم َن اأْل َْن َع ام أ َْز َواج اً يَ ْذ َر ُؤ ُك ْم في ه لَْي َ
يم).. ِ ٍ ِ ِ ِ ط ِّ ِ ات َواأْل َْر ِالسماو ِ
الر ْز َق ل َمن يَ َشاءُ َو َي ْقد ُر إنَّهُ ب ُك ِّل َش ْيء َعل ٌ ض َيْب ُس ُ َّ َ َ
فهل يف الكف ــرة الفج ــرة المش ــرعين للنظم الش ــيطانية من يس تحق أن يوصف بأنه
ض إليه األم ور ويَُت َو َّكل علي ه؟ وأنه ف اطر الس موات واألرض ،أي ال رب ال ذي تف َّو ُ
خالقهما وخمرتعهما على غري مث ال س ابق؟ وأنه هو ال ذي خلق للبشر أزواج اً؟ وخلق هلم
الضــ ْأ ِ
ن َّ مانِيَــ َة أَ ْز َواجٍ ِ ّم َ
ن أزواج األنع ام الثمانية املذكورة يف قوله تع اىل( :ثَ َ
ير)؟! وأن ص ُ
مي ُع البَ ِ الس َِّ ه َو
ي ٌء َو ُ
ش ْ ه َ م ْثلِ ِ ن)...؟! وأنه (لَ ْي َ
س َك ِ ا ْث َن ْي ِ
()26
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
ق ـرّ ْز َ
ط الـ ِ
سـ ُ ت َواأْل َ ْر ِ
ض)؟! وأنه هو ال ذين (يَ ْب ُ ما َوا ِ
الس ـ َ
َّ (لَ ُه َمقَالِي ـ ُد
ي ٍءشــ ْ ل َ شــا ُء َويَقْــ ِد ُر) أي يض يقه على من يش اء؟! وهو (بِكُــ ِ ّ من يَ َ لِ َ
م)؟!. َعلِي ٌ
فعليكم –أيها املس لمون -أن تتفهم وا ص فات من يس تحق أن يش رع وحيلل وحيرم،
وال تقبلوا تشريعاً من كافر خسيس حقير جاهل.
صرح اهلل بأنه أمرهم به يف هذه اآلية ،شـرط في اإليمـان فالكفر بالطاغوت الذي ّ
ه َف َقـ ِد ن يَ ْك ُفـ ْر بِالطَّ ُ
اغوتِ َو ُي ـ ْؤ ِمن بِالل ّ ـ ِ م ْكما بينه تع اىل يف قول هَ ( :ف َ
َى) ،فيفهم منه أن من مل يكفر بالط اغوت مل ــو ْثق َ ك بِــا ْل ُع ْر َو ِة ا ْل ُ
ســ َ
م َ
اس َت ْ
ْ
مرتد مع اهلالكني.يتمسك بالعروة الوثقى ،ومن مل يستمسك هبا فهو ّ
ص ْر بِ ِه
ض أَب ِ ِ
الس َم َاوات َواأْل َْر ِ ْ
ب َّ الدالةِ على ذلك قوله تع اىل( :لَ هُِ َغِْي ُ ِ ِ
ومن اآلي ات
ِ
َح داً) فهل يف الكف ـ ــرة الفج ـ ــرة َوأَمْس ْع َما هَلُم ِّمن ُدون ه من َويِل ٍّ َواَل يُ ْش ِر ُك يِف ُحكْم ه أ َ
المشــرعين من يستحق أن يوصف بأن له غيب السموات واألرض؟! وأن يبالغ يف مسعه
وبصره إلحاطة مسعه بكل املسموعات وبصره بكل املبصرات؟ وأنه ليس ألحد دونه من
ويل؟ سبحانه وتعاىل عن ذلك علواً كبرياً.
()27
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
ومن اآليات الدالة على ذلك قوله تعاىلَ ( :ذلِ ُكم بِأَنَّهُ إِ َذا ُد ِع َي اللَّهُ َو ْح َدهُ َك َف ْرمُتْ َوإِن
ْم لِلَّ ِه الْ َعلِ ِّي الْ َكبِ ِري) .فهل يف الكف ــرة الفج ــرة المش ــرعين للنظم ِِ ِ
يُ ْش َر ْك ب ه تُ ْؤمنُ وا فَ احْلُك ُ
الش ــيطانية من يس تحق أن يوصف يف أعظم كت اب مساوي بأنه العلي الكب ري؟! س بحانك
ربنا وتعاليت عن كل ما ال يليق بكمالك وجاللك.
ومن اآليات الدالة على ذلك قوله تعاىل( :وهو اللَّه اَل إِلَه إِاَّل ه و لَه احْل م د يِف اأْل ُوىَل
واآْل ِخ ر ِة ولَه احْل كْم وإِلَي ِه ترجع و َن ،قُل أَرأَيتم إَِنُ َجع لُ اللَّه َعلَي ُكمُ َاللَّي ُل سَ ْرمُداً إِىَل ي ومِ
َْ ْ َ ُْ ْ َ َ َ ُ َ ْ ُ ْ َ َ ْ َ َ َ َ ُ ُ ُ َ ْ ُْ َ ُ
ِ ِ ِ ِ ِ
َّه َارالْقيَ َامة َم ْن إِلَهٌ َغْيُر اللَّه يَأْتي ُكم بِضيَاء أَفَاَل تَ ْس َمعُو َن ،قُ ْل أ ََرأ َْيتُ ْم إِن َج َع َل اللَّهُ َعلَْي ُك ُم الن َ
ص ُرو َنَ ،و ِمن س رمداً إِىَل ي وِم الْ ِقيام ِة من إِلَ ه َغي ر اللَّ ِه ي أْتِي ُكم بِلَي ٍل تَس ُكنُو َن فِي ِه أَفَاَل ُتب ِ
ْ ْ ْ َْ ََ َْ ٌ ُْ َ َ َْ
ض له َولَ َعل ُك ْم تَ ْش ُكُرو َن) ..فهلَّ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ َّ ِ ِ
َّه َار لتَ ْس ُكنُوا فيه َولتَْبَتغُوا من فَ ْ رَّمْح َت ه َج َع َل لَ ُك ُم اللْي َل َوالن َ
يف مشرعي القوانين الوضعية من يستحق بأن يوصف بأن له احلمد يف األوىل واآلخرة؟!
وأنه هو الذي يصرف الليل والنهار مبينا بذلك كمال قدرته ،وعظمة إنعامه على خلقه؟!
س بحان خ الق الس موات واألرض جل وعال أن يك ون له ش ريك يف حكمه أو عبادته أو
ملكه.
ِِ ِِ
ْم إِالَّ للّ ه أ ََم َر أَالَّ َت ْعبُ ُدواْ إِالَّ إِيَّاهُ
الدالة على ذلك قوله تع اىل( :إن احْلُك ُ ِ
ومن اآلي ات
ِ
َّاس الَ َي ْعلَ ُم و َن) ..فهل يف أولئك من يستحق أن يوصف ِّين الْ َقيِّ ُم َولَـك َّن أَ ْكَث َر الن ِ
ك الد ُ
ذَل َ
بأنه هو اإلله املعبود وحده ،وأن عبادته وحده هي الدين القيم؟! سبحان اهلل وتعاىل عما
يقول الظاملون علواً كبرياً.
مِب ِ
اح َذ ْر ُه ْم أَن اح ُكم َبْيَن ُهم َا أَن َز َل اللّ هُ َوالَ َتتَّبِ ْع أ َْه َو ُ
اءه ْم َِو ْ ِ ومنها قوله تع اىلَ ( :وأَن ْ
ض اعلَ ْم أَمَّنَا يُِري ُد اللّ هُ أَن يُص َيب ُهم بَِب ْع ِ
ك فَ ِإن َت َولَّْواْ فَ ْ
ض َما أَن َز َل اللّ هُ إِلَْي َ
وك َعن َب ْع ِ
َي ْفتنُ َ
َح َس ُن ِم َن اللّ ِه ِِ ِ ذُنُ وهِبِم وإِ َّن َكثِ رياً ِّمن الن ِ ِ
ْم اجْلَاهليَّة َيْبغُ و َن َو َم ْن أ ْ َّاس لََفاس ُقو َن ،أَفَ ُحك َ َ َْ
ُحكْم اً لَِّق ْوم يُوقنُ و َن) ..فهل يف أولئك المشـرعين من يستحق أن يوصف بأن حكمه مبا ِ ٍ
أن زل اهلل وأنه خمالف التب اع اهلوى؟ وأن من ت وىل عنه أص ابه اهلل ببعض ذنوب ه ،ألن
يؤاخذ جبميعها إال يف اآلخرة؟ وأنه ال حكم أحسن من حكمه لقوم يوقنون؟ الذنوب ال َ
سبحان ربنا وتعاىل عن كل ما ال يليق بكماله وجالله...
()28
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
وملا ك ان التش ريع ومجيع األحك ام –ش رعية ك انت أو كونية قدري ة -من خص ائص
الربوبية –كما دلت عليه اآليات املذكورة-؛ كان كل من اتبع تشريعاً غير تشــريع اهلل؛
قد اتخذ ذلك المش ــروع ربــاً ،وأش ــركه مع اهلل .واآلي ات الدالة على ه ذا كث رية ،وقد
قدمناها مراراً ،وسنعيد منها ما فيه كفاية ،فمن ذلك وهو من أوضحه وأصرحه؛ أنه يف
زمن النيب ص لى اهلل عليه وس لم وقعت من اظرة بني ح زب ال رمحن وح زب الش يطان ،يف
حكم من أحك ام التح رمي والتحلي ل .وح زب ال رمحن يتبع ون تش ريع ال رمحن يف وحيه يف
حترميه ،وح زب الش يطان يتبع ون وحي الش يطان يف حتليل ه .وقد حكم اهلل بينهم ا ،وأفىت
فيما تن ازعوا فيه فتوى مساوية قرآنية تتلى يف سورة األنع ام .وذلك أن الشيطان ملا أوحى
إىل أوليائه فق ال هلم يف وحي ه :س لوا حمم داً عن الش اة تص بح ميت ة؛ من هو ال ذي قتله ا؟
فأجابوهم أن اهلل هو الذي قتلها .فقالوا :امليتة إذاً ذبيحة اهلل ،وما ذحبه اهلل كيف تقولون
إنه ح رام؟ مع أنكم تقول ون إن ما ذحبتم وه بأي ديكم حالل ،ف أنتم إذاً أحسن من اهلل
وأحل ذبيحة .فأنزل اهلل –بإمجاع من يعتد به من أهل العلم -قوله تعاىلَ ( :وال َ تَ ْأ ُكلُو ْا
ه) يعين امليت ة ،أي :وإن زعم الكف ار أن اهلل ه َعلَ ْيـ ِ م الل ّـ ِ اسـ ُ م ُيذْ َك ِر ْ ما ل َ ِْم َّ
ق) والض مري عائد إىل األكل سـ ٌ ذكاها بي ده الكرمية بس كني من ذهبَ ( ،وإِنَّ ُه لَ ِف ْ
ق) أي :خ روج عن طاعة اهلل، سـ ٌ املفه وم من قول هَ ( :وال َ تَـ ْـأ ُكلُو ْا) ،وقول ه( :لَ ِف ْ
م وحـ ونَ إِلَى أَ ْولِيَــآئِ ِه ْ ين لَ ُي ُط َ الش ـيَا ِ َّ ن
واتب اع لتش ريع الش يطانَ ( ،وإِ َّ
ُم) أي :بقوهلم :ما ذحبتموه حالل وما ذبح اهلل حرام؛ فأنتم إذاً أحسن من جا ِدلُوك ْ لِ ُي َ
اهلل وأحل تذكي ة .مث بنّي الفت وى الس ماوية من رب الع املني يف احلكم بني الف ريقني من
ش ـ ِركُونَ ) ،فهي فت وى مساوية من م ُْم لَ ُ م إِنَّك ْـوه ْمـ ُ قوله تع اىلَ ( :وإِنْ أَطَ ْع ُت ُ
اخلالق جل وعال ص رح فيها ب أن متبع تشـ ــريع الشـ ــيطان المخـ ــالف لتشـ ــريع الـ ــرحمن
مشرك باهلل...
ما ومن اآلي ات الدالة على حنو ما دلت عليه آية األنع ام املذكورة قوله تع اىل( :إِنَّ َ
شــ ِركُونَ )، ه ُم ْ هم بِــ ِ ين ُ ســ ْلطَا ُن ُه َعلَى الَّ ِذ َ
ين يَ َت َولَّ ْونَــ ُه َوالَّ ِذ َ ُ
فصرح بتوليهم للشيطان ،أي :باتباع ما يزين هلم من الكفر واملعاصي خمالفاً ملا جاءت به
ه هم بِـــ ِ ين ُ الرس ل ،مث ص رح ب أن ذلك إش راك به يف قوله تع اىلَ ( :والَّ ِذ َ
ش ِركُونَ ) ،وص رح أن الطاعة يف ذلك ال ذي يش رعه الش يطان هلم ويزين ه؛ عب ادة ُم ْ
م أَ ْع َه ْد للش يطان .ومعل وم أن من عبد الش يطان فقد أش رك ب الرمحن ،ق ال تع اىل( :أَلَ ْ
ُم َعـــ ُد ٌّو الشـــ ْيطَانَ إِنَّ ُه لَك ْ
َّ م أَن اَّل تَ ْع ُب ُ
ـــدوا إِلَ ْيك ْ
ُم َيـــا بَنِي آ َد َ
ُم ل ِمنك ْ ض ـ َّ َ
ـد أ َمَ ،ولَ َقـ ْ ص َراط ٌ م ْ
ُّس َت ِقي ٌ هذَا ِ اع ُب ُدونِي َ َ
ينَ ،وأنْ ْ ُّم ِب ٌ
()29
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
م تَكُو ُنوا ج ِباّل ً َك ِثيراً) ،وي دخل فيهم متبع وا نظ ام الش يطان دخ والً أولي اً( ،أَ َفلَ ْ ِ
تَ ْع ِقلُونَ ) ...والش يطان ع امل ب أن ط اعتهم له املذكورة إش راك ب ه ،كما ص رح ب ذلك
ل وت ربأ منهم يف اآلخ رة ،كما نص اهلل عليه يف س ورة إب راهيم يف قوله تع اىلَ ( :و َقــا َ
ق
حــ ّ ِ ُم َو ْعــ َد ا ْل َ ن الل ّــ َه َو َعــ َدك ْ ــر إِ َّ
ُ ي األ َ ْم ُضــ َ
ما ق ِ ان لَ َّ الشــ ْيطَ ُ َّ
ن مو َِ ُ ُتكْ ر ـ ش
ْ َ أ ـا
ـمَ ِ ب ت
ُ ـر
ْ ـف
َ َ
ك ي ّ ِ نِ إ ( ه: قول إىل ) .. ُم
ْ ك تُ ف
ْ َ لخْ َ ـأ
ـفَ ُم
ْ ك ُّ ت دع َو َو َ
ل) ،فقد اع رتف ب أهنم ك انوا مش ركني به من قبل –أي يف دار ال دنيا -ومل ِمن َق ْب ُ
يكفر بشركهم ذلك إال يوم القيامة...
"فمن اتخذ تش ــريعا غ ــير تش ــريع اهلل ،واتبع نظاما غ ــير نظ ــام اهلل ،وقانونا غ ــير ما
ش ــرعه اهلل –س ــواء س ــماه نظام ـاً أو دس ــتورا ،أو س ــماه ما س ــماه -هو ك ــافر باهلل؛ ألنه
يق دم ما ش رعه الش يطان على ألس نة أوليائه مما مجع من زب االت أذه ان الكف رة على ن ور
الس ماء ال ذي أنزله اهلل جل وعال على رس له ليُستض اء به يف أرض ه ،وتنشر به عدالته
وطمأنينته ورخاؤه يف األرض.
وه ذا مما ال نــزاع فيــه ،وهــذا الشــرك الــذي هو شــرك اتبــاع ،اتبــاع قــانون ونظــام
وتش ــريع هو ال ذي ي وبّخ اهلل مرتكبه ي وم القيامة على رؤوس األش هاد يف س ورة يس يف
ـــــدوا
ُ م أَن اَّل تَ ْع ُب ـــــد إِلَ ْيك ْ
ُم يَـــــا بَنِي آ َد َ ْ م أَ ْع َه
قوله تع اىل( :أَلَ ْ
()30
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
الش ْيطَانَ ..)...ما عبدوا الشيطان بأن سجدوا للشيطان ،وال ركعوا للشيطان ،وال
َّ
سن لهم من النظم والقوانين
صاموا له ،وال صلوا ،وإمنا عبادتهم للشيطان هي اتباع ما ّ
من الكفر باهلل ومعاصي اهلل" (الع ذب النمري من جمالس الش نقيطي يف التفس ري ،ص
،2301من تفسري سورة التوبة).
"كل من اتبع تشريع أحد ونظامه ،واتبع تشريع الشيطان املخالف لتشريع اهلل ،كل
متبع لتشريع الشيطان الذي يشرعه على ألسنة أوليائه تاركاً لتشريع اهلل الذي شرعه على
ألسنة رسله؛ كافر مشرك باهلل" (العذاب النمري ،ص ،2239تفسري سورة التوبة).
"إن كل من يتبع نظام اً وتشريعاً وقانون اً خمالف اً ملا شرعه اهلل على لسان رسول اهلل
صلى اهلل عليه وسلم؛ فهو مشرك باهلل كافر متخذ ذلك املتبوع رب اً" (العذب النمري ،ص
،2268تفسري سورة التوبة).
"احلالل هو ما أحله اهلل ،واحلرام هو ما حرمه اهلل ،وال دين هو ما ش رعه اهلل ،وإن
كل من اتبع نظام اً وتش ريعاً وقانون اً –ولو مساه ما مساه -غري ما أنزله اهلل يف وحيه على
نبيه صلى اهلل عليه وسلم أنه كــافر بذلك ،فإن كان كافراً قبله؛ ازداد كفراً جديداً إىل
كفره األول ،وإن كان يزعم اإلميان؛ فقد جاء مبا يكفر به" (العذاب النمري ،ص،2300
تفسري سورة التوبة).
* قال الشيخ عبد الرزاق عفيفي –رمحه اهلل" :-حاالت احلاكمني بغري ما أنزل اهلل:
األوىل :من مل يبذل جهده يف ذلك ،ومل يسأل أهل العلم ،وعبد اهلل على غري بصرية
أو حكم بني الناس يف خصومة؛ فهو آمث ضال ،مستحق العذاب إن مل يتب ويتغمده اهلل
()31
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
ع
م َ
الس ـ ْ
َّ ن ع ْل ٌ
م إِ َّ ه ِ ك بِ ـ ِس لَ َ
ْف َما لَ ْي َبرمحت ه ،ق ال اهلل تع اىلَ ( :وال َ تَق ُ
س ُؤوال ً). ك َكانَ َع ْن ُه َم ْ ل ُأولـئِ َ ص َر َوا ْل ُفؤَا َد ُك ُّ
َوا ْلبَ َ
الثاني ة :وك ذا من علم احلق ورضي حبكم اهلل ،ولكن غلبه ه واه أحيان ـ ـ ـاً فعمل يف
نفس ه ،أو حكم بني الن اس –في بعض المس ــائل أو القض ــايا -على خالف ما علمه من
الشرع لعصبية أو لرشــوة –مثالً -فهو آثم ،لكنه غــير كــافر كفــراً يخــرج من اإلســالم
حيز يف نفسه ما إذا كان معرتف اً بأنه أساء ،ومل ينتقص شرع اهلل ،ومل يسيء الظن به ،بل ّ
ص در من ه ،وي رى أن اخلري والص الح يف العمل حبكم اهلل تع اىل .روى احلاكم عن بري دة
رضي اهلل عنه ،عن النيب صلى اهلل عليه وسلم أنه قال" :قاضيان يف النار ،وقاض يف اجلنة:
قاض عرف احلق فقضى به؛ فهو يف اجلنة ،وقاض عرف احلق فجار متعمداً ،أو قضى بغري
علم ،فهما يف النار".
الثالثة :من كان منتسباً لإلسالم ،عاملاً بأحكامه ،مث وضع للناس أحكام اً ،وهيأ هلم
نظم ـاً ،ليعملــوا بها ويتحــاكموا إليهــا ،وهو يعلم أهنا ختالف أحك ام اإلس الم ،فهو كــافر
خارج من ملة اإلسالم.
وك ــذا احلكم فيمن أمر بتش كيل جلنة أو جلان ل ذلك ،ومن أمر الن اس بالتح اكم إىل
تلك النظم والق ـ ـ ـ ـ ــوانين ،أو محلهم على التح اكم إليها وهو يعلم أهنا خمالفة لش ريعة
اإلسالم.
وكــذا من يت وىل احلكم هبا ،وطبقها يف القض ايا ،وطبقها يف القض ايا ،ومن أطــاعهم
في التحـ ــاكم إليها باختيـ ــاره ،مع علمه بمخالفتها لإلسـ ــالم .فجميع ه ؤالء ش ركاء يف
اإلع راض عن حكم اهلل ،لكن بعض هم يضع تش ريعاً يض اهي به تش ريع اإلس الم ويناقضه
احلكم يِل
َ على علم منه وبينة .وبعضهم باألمر بتطبيقه ،أو محل األمة على العمل به ،أو َو َ
به بني الناس ،أو ن ّفذ احلكم مبقتض اه .وبعضهم بطاعة الوالة والرضا مبا شرعوا هلم ما مل
يأذن به اهلل ومل ينزل به سلطاناً .فكلهم قد اتبع هواه بغري هدى من اهلل ،وصدق عليهم
إبليس ظنه ف اتبعوه ،وكـ ــانوا شـ ــركاء في الزيـ ــغ ،واإللحـ ــاد ،والكفـ ــر ،والطغيـ ــان ،وال
ينفعهم علمهم بشرع اهلل ،واعتقادهم ما فيه ،مع إعراضهم عنه ،وتجافيهم ألحكامــه،
بتشريع من عند أنفســهم ،وتطبيقــه ،والتحــاكم إليــه ،كما لم ينفع إبليس علمه بــالحق،
()32
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
واعتقاده إياه ،مع إعراضه عنه ،وعدم االستسالم واالنقياد إليه" (شبهات حول السنة،
ورسالة احلكم بغري ما أنزل اهلل ،ص.)65-63
* سئل الشيخ عبد اهلل بن حممد الغنيمان –حفظه اهلل :-تارك احلكم مبا أنزل اهلل إذا
جعل القض ـ ــاء عامة ب ـ ــالقوانين الوض ـ ــعية؛ هل يكف ر؟ وهل يف َّرق بينه وبني من يقضي
بالشرع مث حيكم يف بعض القضايا مبا خيالف الشرع هلوى أو رشوة وحنو ذلك؟
فأج اب" :أي نعم؛ التفرقةـ واجبــة ،ف رق بني من نبذ حكم اهلل جل وعال ،وأطرحه
واسـ ـ ـ ــتعاض به حكم الق وانني وحكم الرج ال ،فإنه يكونه كفـ ـ ـ ـ ًـر مخرج ـ ـ ـ ـاً من الملة
اإلسالمية ،وأما من كان ملتزماً بالدين اإلسالمي إال أنه عاص ظامل؛ حبيث أنه يتبع هواه
يف بعض األحكام ،ويتبع مصلحة دنيوية مع إقراره بأنه ظامل يف هذا ،فإن هذا ال يكون
كف راً خمرج اً من املل ة ،ومن ي رى احلكم ب القوانني مثل احلكم يف الش رع ويس تحله؛ فإنه
يكفر أيض اً كف راً خمرج اً من املل ة؛ ولو في قضــية واحــدة" (جملة املش كاة ،الع دد ،4ص
.)247
* ق ال الش يخ محود بن عقالء الش عييب –رمحه اهلل تع اىل .."-وكما أن ِّ
احملكم
للقوانين الوضعية كافر –كما تقدم -فإن المشرع للقوانين والواضع لها كــافر أيض اً،
ألنه بتشريعه للناس هذه القوانني صار شريكاً هلل سبحانه وتعاىل يف التشريع."...
"ومما تق دم من اآلي ات الكرمية وتعليقنا عليه ا ،يت بني أن من حكم بغري ما أن زل اهلل،
وأع رض عن ش رع اهلل وحكم ه؛ أنه ك ــافر باهلل العظيم ،خ ــارج من اإلس ــالم ،وك ذلك
مثله من وضع للنـــاس تشـــريعات وضـــعية ،ألنه لو مل ي رض هبا ملا حكم هبا؛ ف إن الواقع
يكذب ه ،ف الكثري من احلك ام لديه من الص الحيات يف تأجيل احلكم وتغيري الدس تور
واحلذف وغريها .وإن تنزلنا وقلنا :إهنم مل يضعوها ويشرعوها لشعوهبم ،فمن الذي ألزم
الرعية بالعمل هبا ومعاقبة من خالفه ا؟ وما ح ـ ــالهم وح ـ ــال التت ـ ــار ال ـ ــذي نقل ابن تيمية
()33
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
وابن كث ـ ــير –رحمهما اهلل -اإلجم ـ ــاع على كف ـ ــرهم ببعيد ،ف إن التت ار مل يض عوا ومل
يشرعوا (الياسق) ،بل الذي وضعه أحد حكامهم األوائل ويسمى (جنكز خان) ،فصورة
هؤالء كحال أولئك.
وب ذلك يت بني أن احلاكم بغري ما أن زل اهلل تع اىل؛ يقع يف الكفر من جهة أو جه تني:
األولى :من جهة التش رييع إن ش رع .الثانية :من جهة احلكم إن حكم" (رس الة تكفري
احلكام واملشرعني للقوانني الوضعية لإلمام الشعييب).
"أما علماء املسلمني؛ ففرقوا ،فإذا ذكروا احلكم بغري ما أنزل اهلل هنا؛ فصلوا بني من
يفعله هوى أو شهوة ،أما إذا تكلموا عن القوانين الوضعية؛ فال يفصلون بين المستحل
والجاحد أو من فعلهـ هـــوى؛ كما س بق يف تقرير الش يخ حممد بن إب راهيم؛ فق ال( :أما
الذي جعل قوانني برتتيب وختضيع؛ فهو كفر ،وإن قالوا :أخطأنا وحكم الشرع أعدل،
ففرق بني املقرر واملثبت ،واملرجع جعلوه هو املرجع ،فهذا هو كفر ناقل عن امللة) وكذا
فيما نقلنا عن ابن كثري من أنه كفر مبج رد التح اكم ،ف ارجع إىل قول ه ،ومثله ش يخنا
يفص لون يف الق وانني الوض عية" (ال رد على
الش نقيطي وابنا ش اكر وغ ريهم؛ كلهم ال ِّ
افرتاءات العنربي ،لإلمام الشعييب).
* ق ال الش يخ ابن ع ثيمني –رمحه اهلل" :-إن ال ذين يحكمـ ــون الق ـ ــوانين –اآلن-
وي رتكون وراءهم كت اب اهلل وس نة رس وله ص لى اهلل عليه وس لم؛ ما هم بمؤمـ ــنين...
وهؤالء المحكمون للقوانين ال يحكمونها في قضية معينة خالفوا فيها الكتاب والسنة؛
هلوى أو لظلم ،ولكنهم استبدلوا الـدين بهـذه القــوانين ،جعلــوا هـذا القـانون يحل محل
الشــريعة ،وهــذا كفر؛ حــتى لو صــلوا وصــاموا وتصــدقوا وحجــوا ،هم كفــار ما دامــوا
كعــدلوا عن حكم اهلل-وهم يعلم ون حبكم اهلل-إىل ه ذا الق وانني املخالفة ل ه( :فَالَ َو َربِّ َ
ِ الَ يؤ ِمن و َن حىَّت حُي ِّكم َ ِ
تض ْي َ يما َش َجَر َبْيَن ُه ْم مُثَّ الَ جَيِ ُدواْ يِف أَن ُفس ِه ْم َحَرج اً مِّمَّا قَ َ
وك ف َ ُْ ُ َ َ َ ُ
َويُ َس لِّ ُمواْ تَ ْس لِيماً) ،فال تسـ ـ ــتغرب إذا قلنـ ـ ــا :إن من اسـ ـ ــتبدل شـ ـ ــريعة اهلل بغيرها من
القوانين؛ فإنه يكفر ولو صام وصلى" (شرح رياض الصاحلني ،ابن عثيمني-3/311 :
.)312
()34
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
* وق ــال الش ــيخ ابن ع ــثيمين –رحمه اهلل -مجيبا على الس ــؤال عن ص ــفة الحكم
بغير ما أنزل اهلل:
القسم األول :أن يبطل حكم اهلل ليحل حمل حكم آخر طـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاغوتي ،حبيث يلغي
نحــون
الحكم بالشريعة بين الناس ،ويجعل بدله حكم آخر من وضع البشر؛ كالذين يُ ّ
األحكام الشرعية في المعاملة بين الناس ،ويحلون محلها القــوانين الوضــعية ،فهــذا ال
شك أنه اســتبدال بش ريعة اهلل س بحانه وتع اىل غريه ا ،وهو كفر مخــرج عن الملــة ،ألن
هذا جعل نفسه مبنزلة اخلالق؛ حيث شرع لعباد اهلل ما مل يأذن به اهلل تعاىل ،وهذا شــرك؛
كما يف قوله تعاىل( :أ َْم هَلُ ْم ُشَر َكاء َشَرعُوا هَلُم ِّم َن الدِّي ِن َما مَلْ يَأْ َذن بِِه اللَّهُ).
القسم الث اين :أن تبقى أحك ام اهلل عز وجل على ما هي علي ه ،وتك ون الس لطة هلا،
ويك ون احلكم منوط اً هبا ،ولكن ي أيت ح اكم من احلك ام فيحكم بغري ما تقتض يه ه ذه
األحكام ،أي :حيكم بغري ما أنزل اهلل ،فهذا له ثالث حاالت:
-احلال األوىل :أن حيكم مبا خيالف شريعة اهلل معتقداً أن ذلك أفضل من حكم اهلل
وأنفع لعب اد اهلل ،أو معتق داً أنه مماثل حلكم اهلل ،أو يعتقد أنه يج ـ ـ ــوز له احلكم بغري ما
أن زل اهلل ،فه ذا كفر خيرج به احلاكم من املل ة ،ألنه مل ي رض حبكم اهلل ،ومل جيعل اهلل
حكماً بني عباده.
احلال الثاني ة :أن حيكم بغري ما أن زل اهلل معتق داً أن حكم اهلل تع اىل هو األفضل
واألنفع لعب اده ،لكنه خ رج عنه وهو يش عر أنه ع اص هلل ،وإمنا يريد اجلور والظلم
للمحكوم عليه؛ ملا بينه وبينه من عداوة ،فهو حيكم بغري ما أنزل اهلل ال كراهة حلكم اهلل،
وال اس تبدال ب ه ،وال اعتق اد بأنه –أي احلكم ال ذي حكم ب ه -أفضل من حكم اهلل ،أو
مساو له ،أو أنه جيوز احلكم به ،لكن من أجل اإلضرار باحملكوم عليه حكم بغري ما أنزل
اهلل ،ففي هذه احلال ال نقول :إن هذا احلاكم كافر ،بل نقول :إنه ظامل معتد وجائر.
احلال الثالث ة :أن حيكم بغري ما أن زل اهلل وهو يعتقد أن حكم اهلل تع اىل هو األفضل
واألنفع لعباد اهلل ،وأنه حبكمه هذا عاص هلل ،ولكنه حكم هلوى يف نفسه ملصلحة تعود له
أو للمحك وم ل ه ،فه ذا فسق وخ روج عن طاعة اهلل ،وعلى ه ذه األح وال الثالثة يت نزل
()35
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
ك ُه ُم الْ َك افُِرو َن) وه ذا ي نزل على احلالة قوله تع اىلَ ( :و َمن مَّلْ حَيْ ُكم مِب َا أَن َز َل اللّ هُ فَأ ُْولَـئِ َ
ك ُه ُم الظَّالِ ُمو َن) ينزل على احلالة الثانيةَ ( .و َمن أنز َل اللّهُ فَأ ُْولَـئِ َ مِب
األوىلَ ( .و َمن مَّلْ حَيْ ُكم َا َ
ك هم الْ َف ِ ِ مِب
اس ُقو َن) ينزل على احلالة الثالثة" (فقه العبادات ،ابن مَّلْ حَيْ ُكم َا أ َ
َنز َل اللّ هُ فَأ ُْولَـئ َ ُ ُ
عثيمني ،ص ،34ط .دار الكتب العلمية).
هل هن اك ف رق بني المسـ ــألة المعينة الـ ــتي يحكم فيها القاضي بغري ما أن زل اهلل،
وبني المسائل التي تعتبر تشريعاً عاماً؟
فأجاب فضيلته:
"نعم؛ هناك فرق ،فإن املسائل اليت تعترب تشريعاً عاماً ال يتأتى فيها التقسيم السابق،
وإمنا هي من القسم األول فقط ،ألن هذا المشـرع تشــريعا يخـالف اإلسـالم إنما شـرعه
العتق ــاده أنه أص ــلح من اإلس ــالم ،وأنفع للعب ــاد –كما س بقت اإلش ارة إلي ه .-واحلكم
بغري ما أنزل اهلل ينقسم إىل قسمني:
أحدمها :أن يستبدل هذا احلكم حبكم اهلل تعاىل ،حبيث يكون عاملاً حبكم اهلل ،ولكنه
يرى أن احلكم املخالف له أوىل وأنفع للعباد من حكم اهلل ،أو أنه مساو حلكم اهلل ،أو أن
الع دول عن حكم اهلل إليه ج ائر ،فيجعله الق انون ال ذي جيب التح اكم إلي ه ،فمثل ه ذا
كـ ــافر كفـ ــراً مخرج ـ ـاً عن الملة؛ ألن فاعله مل ي رض باهلل رب اً ،وال مبحمد رس والً ،وال
َح َس ُن ِم َن اللّ ِه ِِ ِ
ْم اجْلَاهليَّة َيْبغُ و َن َو َم ْن أ ْ باإلس الم دين اً ،وعليه ينطبق قوله تع اىل( :أَفَ ُحك َ
ٍ ِ
ك ُه ُم ُحكْم اً لَِّق ْوم يُوقنُ و َن) ،وقوله تع اىلَ ( :و َمن مَّلْ حَيْ ُكم مِب َا أَن َز َل اللّ هُ فَأ ُْولَـئِ َ
ين َك ِر ُه وا َما َن َّز َل اللَّهُ َس نُ ِطيعُ ُك ْم يِف َب ْع ِ ِِ الْ َك افِرو َن)،وقوله تعاىلَ ( :ذلِ َ ِ
ض ك ب أَن َُّه ْم قَالُوا للَّذ َ ُ
ِ ِ ِ ِ
وه ُه ْم َوأ َْدبَ َار ُه ْم،
ض ربُو َن ُو ُج َ َّ
ف إذَا َت َوفْت ُه ْم الْ َماَل ئ َك ةُ يَ ْ اأْل َْم ِر َواللهُ َي ْعلَ ُم إ ْس َر َار ُه ْم ،فَ َكْي َ
َّ
ِ
ط أ َْع َماهَلُ ْم) ،وال ينفعه صالة ،وال َحبَ َ
ض َوانَهُ فَأ ْط اللَّهَ َو َك ِر ُهوا ِر ْ َس َخ َ ك بِأَن َُّه ُم اتََّبعُوا َما أ ْ ذَل َ
ببعض ك افر به كل ه ،ق ال اهلل تع اىل( :أََفُت ْؤ ِمنُ و َن زك اة ،وال ص وم ،وال حج؛ ألن الك افر ٍ
ي يِف احْلَيَ ِاة ُّ ض فَما جزاء من ي ْفعل ذَلِ َ ِ ِ ِ ِ ٍ ِ ِ ِ ِ
الد ْنيَا ك من ُك ْم إالَّ خ ْز ٌ بَب ْعض الْكتَاب َوتَ ْك ُفُرو َن بَب ْع َ َ َ َ َ َ ُ
اب َو َما اللّ هُ بِغَافِ ٍل َع َّما َت ْع َملُ و َن) ،وقال سبحانه( :إِ َّن َش ِّد الْع َذ ِ ِ ِ
َو َي ْو َم الْقيَ َام ة يُ َر ُّدو َن إِىَل أ َ َ
ض ين يَ ْك ُف ُرو َن بِاللّ ِه َو ُر ُس لِ ِه َويُِري ُدو َن أَن يُ َفِّرقُ واْ َبنْي َ اللّ ِه َو ُر ُس لِ ِه َوي ُقولُ و َن نُ ْؤ ِم ُن بَِب ْع ٍ َّ ِ
الذ َ
()36
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
الث اين :أن يس تبدل حبكم اهلل تع اىل حكم اً خمالف اً له يف قضــية معينة دون أن يجعل
ذلك قانوناً جيب التحاكم إليه؛ فله ثالث حاالت:
األوىل :أن يفعل ذلك عاملاَ حبكم اهلل تع اىل ،معتق داً أن ما خالفه أوىل منه وأنفع
للعباد ،وأنه مساو له ،أو أن العدول عن حكم اهلل إليه جائز ،فهذا كافر كفراً خمرج اً عن
امللة؛ ملا سبق يف القسم األول.
الثاني ة :أن يفعل ذلك عاملاَ حبكم اهلل ،معتق داً أنه أوىل وأنف ع ،لكن خالفه بقصد
اإلض رار ب احملكوم عليه أو نفع احملك وم ل ه ،فه ذا ظ امل وليس بك افر ،وعليه يت نزل قوله
ك ُه ُم الظَّالِ ُمو َن).
أنز َل اللّهُ فَأ ُْولَـئِ َ مِب
تعاىلَ ( :و َمن مَّلْ حَيْ ُكم َا َ
الثالث ة :أن يك ون ك ذلك ،لكن خالفه هلوى يف نفس ه ،أو مص لحة تع ود إلي ه؛ فه ذا
َنز َل اللّ هُ فَأ ُْولَـئِ َ
ك ُه ُم مِب
فاسق وليس بكافر ،وعليه يتنزل قول اهلل تعاىلَ ( :و َمن مَّلْ حَيْ ُكم َا أ َ
اس ُقو َن)" (جمموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمني ،2/144 :فتاوى العقيدة للشيخ الْ َف ِ
ابن عثيمني :ص.)268
" من مل حيكم مبا أن زل اهلل اس تخفافاً به ،أو احتق اراً له ،أو اعتق اداً أن غ ريه أص لح
من ه ،وأنفع للخل ق؛ فهو ك افر كف راً خمرج اً عن املل ة ،ومن ه ــؤالء من يض ــعون للن ــاس
تشــريعات تخــالف التشــريعات اإلســالمية؛ لتكــون منهاجا يســير النــاس عليــه ،فــإنهم لم
يض ــعوا تلك التش ــريعات المخالفة للش ــريعة اإلس ــالمية إال وهم يعتق ــدون أنها أص ــلح
وأنفع للخلق ،إذ من املعلوم بالضرورة العقلية ،واجلبلّة الفطرية :أن اإلنسان ال يعدل عن
منه اج إىل منه اج خيالفه إال وهو يعتقد فضل ما ع دل إليه ونقص ما ع دل عن ه" (فت اوى
الشيخ حممد ابن العثيمني ،2/143 :فتاوى العقيدة للشيخ ابن عثيمني :ص.)267
* رسالة بعنوان" :وجوب تحكيم شـريعة اهلل ،وحكم من حكم بغيرهــا" لعـدد من
العلمــاس؛ هم( :محمد بن إبــراهيم ،وعبد العزيز الشــثري ،وعبد اللطيف بن إبــراهيم،
()37
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
وعمر بن حسن ،وعبد العزيز ابن باز ،وعبد اهلل بن حميد ،وعبد اهلل بن عقيل ،وعبد
العزيز بن رشيد ،وعبد اللطيف بن محمد ،ومحمد بن عودة ،ومحمد بن مهيزع):
"من حممد بن إب راهيم ،وعبد العزيز الش ثري ،وعبد اللطيف بن إب راهيم ،وعمر بن
حس ن ،وعبد العزيز بن ب از ،وعبد اهلل بن محي د ،وعبد اهلل بن عقي ل ،وعبد العزيز بن
رش يد ،وعبد اللطيف بن حمم د ،وحممد بن ع ودة ،وحممد بن مه يزع؛ إىل من ي راه من
املسلمني ،سلك اهلل بنا وهبم سبيل عباده املؤمنني..
...وإن من أقبح الس يئات ،وأعظم املنك رات :التح اكم إىل غري ش ريعة اهلل من
القــوانين الوضــعية ،والنظم البشرية ،وعادات األسالف واألجداد اليت قد وقع فيها كثري
من الناس اليوم ،وارتضاها بدالَ من شريعة اهلل اليت بعث هبا رسوله حممداً صلى اهلل عليه
وسلم .وال ريب أن ذلك من أعظم النفاق ،ومن أكــبر شـعائر الكفر والظلم والفســوق
وأحك ــام الجاهلية اليت أبطلها الق رآن ،وح ّذر منها الرس ول ص لى اهلل عليه وس لم ،ق ال
ِ ِ َّ ِ
يدو َن أَن ك يُِر ُ ك َو َما أُن ِز َل ِمن َقْبل َ ين َي ْزعُ ُمو َن أَن َُّه ْم َآمنُواْ مِب َا أُن ِز َل إِلَْي َ
تعاىل( :أَمَلْ َتَر إىَل الذ َ
الش يطَا ُن أَن ي ِ ِ ِ ِ
ض الَالً ض لَّ ُه ْم َ ُ َيتَ َح ا َك ُمواْ إِىَل الطَّاغُوت َوقَ ْد أُم ُرواْ أَن يَ ْك ُف ُرواْ بِ ه َويُِري ُد َّ ْ
نك ِِ بعِي داً ،وإِ َذا قِيل هَل م َتع الَواْ إِىَل ما أَنز َل اللّ ه وإِىَل َّ ِ
ص دُّو َن َع َ ني يَ ُت الْ ُمنَ افق َ الر ُس ول َرأَيْ َ َ َ َُ َ ُْ َ ْ َ َ
مِب ِ
اح َذ ْر ُه ْم أَن َنز َل اللّ هُ َوالَ َتتَّبِ ْع أ َْه َو ُ
اءه ْم َو ْ اح ُكم َبْيَن ُهم َا أ َ ص ُدوداً) ،وق ال تع اىلَ ( :وأَن ْ ُ
ض ِ
اعلَ ْم أَمَّنَا يُِري ُد اللّ هُ أَن يُص َيب ُهم بَِب ْع ِ ك فَ ِإن َت َولَّْواْ فَ ْ ض َما أَن َز َل اللّ هُ إِلَْي َ وك َعن َب ْع ِ ِ
َي ْفتنُ َ
َح َس ُن ِم َن اللّ ِه ِِ ِ ذُنُ وهِبِم وإِ َّن َكثِ رياً ِّمن الن ِ ِ
ْم اجْلَاهليَّة َيْبغُ و َن َو َم ْن أ ْ َّاس لََفاس ُقو َن ،أَفَ ُحك َ َ َْ
ك ُه ُم ِ
ـئ ل ُو
أ ف ه ل ال ل ز َنأ ا مِب م ك مَّل ن م و ( ل: وج عز ال وق )، ن و نِ
وق ي مٍ
ُحكْم اً لَِّ ْ ُ ُ َ
و ق
َ َ ْ حَيْ ُ َ َ َ ّ ُ َ ْ َ َ
ك ُه ُم الظَّالِ ُمو َن)َ ( ،و َمن مَّلْ حَيْ ُكم مِب َا أَن َز َل ِ
الْ َك افُرو َن)َ ( ،و َمن مَّلْ حَيْ ُكم مِب َا أن َز َل اللّ هُ فَأ ُْولَـئِ َ
اس ُقو َن).ك هم الْ َف ِ ِ
اللّهُ فَأ ُْولَـئ َ ُ ُ
وه ذا حتذير ش ديد من اهلل س بحانه وتع اىل جلميع العب اد؛ من اإلع راض عن كتابه
وسنة رسوله ص لى اهلل عليه وس لم ،والتحاكم إىل غريمها ،وحكم صــريح من الــرب عز
وجل على من حكم بغير شـريعته بأنه كـافر وظـالم وفاسق ومتخلق بـأخالق المنـافقين
وأهل الجاهلية.
وحكم وا ش ريعته يف كل ش يء، فاح ذروا أيها املس لمون ما ح ذركم اهلل من هِّ ،
ض وا من أعرض عن شريعة ِ
واحذروا ما خالفها ،وتواصوا بذلك فيما بينكم ،وعادوا وأبغ ُ
اهلل أو تناقص ها أو اس تهزأ هبا يف التح اكم إىل غريه ا ،لتف وزوا بكرامة اهلل وتَس لموا من
()38
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
عق اب اهلل ،وت ؤدوا ب ذلك ما أوجب اهلل عليكم من م واالة أوليائه احلاكمني بش ريعته،
الراضني بكتابه وسنة رسوله صلى اهلل عليه وسلم ،ومعاداة أعدائه الراغبني عن شريعته،
املعرضني عن كتابه وسنة رسوله صلى اهلل عليه وسلم" (فتاوى الشيخ حممد بن إبراهيم:
،260-12/256وانظر :الدرر السنية.)225-16/219 :
* قال الشيخ حممد حامد الفقي –رمحه اهلل :-ويدخل يف ذلك بال شك (يعين معىن
الطاغوت) :الحكم بــالقوانين األجنبية عن اإلسالم وشرائعه من كل ما وضــعه اإلنسان
ليحكم به يف ال دماء والف روج واألم وال ،وليبطل هبا ش رائع اهلل من إقامة احلدود ،وحترمي
الربا والزنا واخلمر وحنو ذلك ،مما أخذت هذه القوانني حتللها وحترمها بنفوذها ومنفذيها،
والقــوانين نفســها طــواغيت ،وواضــعوها ومروجوهاـ طــواغيت ،وأمثاهلا من كل كت اب
وضعه العقل البشري ليصرف عن احلق الذي جاء به رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إما
قصداً أو عن غري قصد من واضعه؛ فهو طاغوت" (التعليق على فتح اجمليد :ص.)243
"..ومثل ه ذا وشر من ه؛ من اختذ من كالم الفرجنة ق ــوانين يتح اكم إليها يف ال دماء
علم وتبني له من كتاب اهلل وسنة رسوله صلى اهلل والفروج واألموال ،ويقدمها على ما َ
عليه وس لم ،فهو بال شك ك ــافر مرتد إذا أص ّر عليها ومل يرجع إىل احلكم مبا أن زل اهلل،
وال ينفعه أي اسم تس ّمى ب ه ،وال أي عمل من ظ واهر أعم ال الص الة والص يام وحنوه ا"
(التعليق على فتح اجمليد :ص.)348
* قال الشيخ عبد اهلل بن جربين حفظه اهلل" :احلمد هلل وحده ،وبعد:
فإن شيخنا ووالدنا مساحة الشيخ حممد بن إبراهيم آل الشيخ كان شديداً قوي اً يف
إنكار احملدثات والبدع ،وكالمه املذكور من أسهل ما كان يقول يف القوانين الوضعية،
وقد مسعناه يف التقرير يش نّع ويش دد على أهل الب دع وما يقع ون فيه من خمالفة للش رع،
ومن َوض عِهم أحكام اً وس نناً يض اهؤون هبا حكم اهلل تع اىل ،وي ربأ من أفع اهلم ،ويحكم
()39
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
ل، فمن نقل عين أنه رجع –رمحه اهلل -عن كالمه املذكور؛ فقد أخطأ يف النق
واملرجع يف مثل هذه النصوص الشرعية من الكتاب والسنة ،وكالم أجلّة العلماء عليها؛
ين َيْزعُ ُم و َن أَن َُّه ْم َآمنُ واْ مِب َا ِ َّ ِ
كما يف كت اب التوحي د ،ب اب ق ول اهلل تع اىل( :أَمَلْ َت َر إىَل الذ َ
ك)...اآلي ة ،وش روحه ألئمة ال دعوة رمحهم اهلل تع اىل ،وغ ريه من املؤلف ات أُن ِز َل إِلَْي َ
الصرحية" (كتاب الرد على العنربي ،حملمد احلصم :ص.)72
* قال الشيخ صاحل بن فوزان الفوزان حفظه اهلل" :ال جتوز طاعة األمراء والرؤساء
يف احلكم بني الن اس بغري الش ريعة اإلس المية؛ ألنه جيب التح اكم إىل كت اب اهلل وس نة
رس وله يف مجيع املنازع ات واخلص ومات وش ؤون احلي اة؛ ألن ه ذا هو مقتضى العبودية
والتوحيد؛ ألن التشريع حق هلل وحده ،كما قال تعاىل( :أَالَ لَ هُ اخْلَْل ُق َواأل َْم ُر) ،أي :هو
ْمهُ إِىَل اللَّ ِه) ،وقال تعاىل: ٍ ِِ ِ
اخَتلَ ْفتُ ْم فيه من َش ْيء فَ ُحك ُ
احل َكم وله احلُكم ،وقال تعاىلَ ( :و َما ْ
ول إِن ُكنتم ُتؤ ِمن و َن بِاللّ ِه والْي وِم ِ ِ الرس ِ ِ ِ ٍ ِ
اآلخ ِر َذل َ
ك َ َْ ُْ ْ ُ (فَإن َتنَ َاز ْعتُ ْم يِف َش ْيء َفُر ُّدوهُ إىَل اللّه َو َّ ُ
َح َس ُن تَأْ ِويالً).
َخْيٌر َوأ ْ
فالتحاكم إىل شرع اهلل ليس لطلب العدل فقط ،وإمنا هو يف الدرجة األوىل تعبّد هلل،
وحق هلل وح ده ،وعقي دة ،فمن احتكم إلى غــير شــرع اهلل من ســائر األنظمة والقــوانين
البشرية ،فقد اتخذ واضعي تلك القوانين والحاكمين بها شــركاء هلل في تشــريعه ،قال
اهلل تع اىل( :أ َْم هَلُ ْم ُش َر َكاء َش َرعُوا هَلُم ِّم َن ال دِّي ِن َما مَلْ يَ أْذَن بِ ِه اللَّهُ) ،وق ال تع اىلَ ( :وإِ ْن
وه ْم إِنَّ ُك ْم لَ ُم ْش ِر ُكو َن).
أَطَ ْعتُ ُم ُ
ِ َّ ِ
حتاكم إىل غري ش ِرعه ،قِ ال تع اىل( :أَمَلْ َت َر إىَل الذِ َ
ين وقد نفى اهلل اإلميان عمن
ك يُِري ُدو َن أَن َيتَ َح ا َك ُمواْ إىَل َيْزعُ ُم و َن أَن َُّه ْم َآمنُ واْ مِب َا أُن ِز َل إِلَْي َ
ك َو َما أُن ِز َل من َقْبل َ
()40
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
فمن دعا إىل حتكيم القـــوانين البشـ ــرية ،فقد جعل هلل ش ريكاً يف الطاعة والتش ريع،
ومن حكم بغري ما أن زل اهلل؛ ي رى أنه أحسن أو مس او ملا أن زل اهلل وش رعه ،أو أنه جيوز
احلكم هبذا؛ فهو ك ـ ــافر باهلل ،وإن زعم أنه م ؤمن؛ ألن اهلل أنكر على من يريد التح اكم
إىل غري ش رعه ،وك ّذهبم يف زعمهم اإلميان؛ ألن قول هَ ( :ي ْزعُ ُم و َن) متض من لنفي اإلميان؛
ألن ه ذه الكلمة تق ال غالب اً ملن ي ّدعي دع وى هو فيها ك اذب ،وألن تحكيم الق ــوانين
تحكيم للط ـ ـ ــاغوت ،واهلل قد أمر ب الكفر بالط اغوت ،وجعل الكفر بالط اغوت ركن
ك بِ الْعُْر َو ِة ِ ِ ِ ِ
التوحي د؛ كما ق ال تع اىل( :فَ َم ْن يَ ْك ُف ْر بِالطَّاغُوت َويُ ْؤمن بِاللّ ه َف َق د ْ
استَ ْم َس َ
الْ ُو ْث َق َى)؛ فمن حكم القـ ـ ــوانين لم يكن موحـ ـ ــداً ،ألنه اتخذ هلل شـ ـ ــريكاً في التشـ ـ ــريع
والطاع ــة ،ولم يكفر بالط ــاغوت ال ــذي أمر أن يكفر ب ــه ،وأط ــاع الش ــيطان ،كما ق ال
ضالَالً بَعِيداً)...
ضلَّ ُه ْم َ يد الشَّيطَا ُن أَن ي ِ
ُ تعاىلَ ( :ويُِر ُ ْ
ومثل الق ـ ــانون ال ـ ــذي ذك ـ ــره "أي ابن كث ـ ــير" عن التت ـ ــار ،وحكم بكفر من جعله
بديال عن الشريعة اإلسالمية :القوانين الوضعية التي ُجعلت اليوم في كثــير من الــدول
هي مصــادر األحكــام ،وأُلغيت من أجلها الشريعة اإلسالمية ،إال فيما يسمونه باألحوال
الشخصية .والدليل على كفر من فعل ذلك آيات كثرية ،منها قوله تعاىلَ ( :و َمن مَّلْ حَيْ ُكم
يما مِب ا أَن ز َل اللّ ه فَأُولَـئِك هم الْ َك افِرو َن) ،وقول ه( :فَالَ وربِّك الَ يؤ ِمن و َن حىَّت حُي ِّكم َ ِ
وك ف َ َ َ َ ُْ ُ َ َ َ ُ ُ ُ ْ َ ُُ َ َ
ِ ِ ِ
ض الْكتَاب َوتَ ْك ُفُرو َن بَب ْع ٍ
ض). ِ ِ
َش َجَر َبْيَن ُه ْم) ،وقوله تعاىل( :أََفُت ْؤمنُو َن بَب ْع ِ
وكما قلنا قريب اً :إنه جيب حتكيم الش ريعة عقي دة ودين اً ي دان اهللُ ب ه ،ال من أجل
طلب العدالة فقط" (اإلرشاد إىل صحيح االعتقاد والرد على أهل الشرك واإلحلاد للشيخ
الفوزان :ص.)90-87
-ما حكم تنحية الشريعة اإلسالمية واستبداهلا بقوانني وضعية؛ كالقانون الفرنسي
نص فيه على أن قض ايا النك اح واملرياث بالش ريعة
والربيط اين وغريمها ،مع جعله قانون اً يُ ُّ
اإلسالمية؟!
()41
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
"من حنّى الش ريعة اإلس المية هنائي اً ،وأحل حملها الق انون؛ فه ذا دليل على أنه ي رى
ج واز ه ذا الش يء ،ألنه ما حنّاها وأحل حملها الق انون؛ إال ألنه ي رى أهنا أحسن من
الش ريعة ،ولو ك ان ي رى أن الش ريعة أحسن منها ملا أزاح الش ريعة وأحل حملها الق انون،
فهذا كفر باهلل عز وجل.
أما من نص على أن قض ايا النك اح واملرياث فقط تك ون على حسب الش ريعة ،ه ذا
ي ؤمن ببعض الكت اب ويكفر ببعض ،يعين حي ّكم الش ريعة يف بعض ،ومينعها يف بعض،
والدين ال يتجزأ ،حتكيم الشريعة ال يتجزأ ،فال بد من تطبيق الشريعة تطبيق اً كامالً ،وال
يطبق بعض ها وي رتك بعض ها (أس ئلة وأجوبة يف مس ائل اإلميان والكف ر ،موقع الش يخ
الفوزان االلكرتوين).
ك ُه ُم الْ َك افُِرو َن) ،يف ه ذه اآلية"ق ال اهلل تع اىلَ ( :و َمن مَّلْ حَيْ ُكم مِب َا أَن َز َل اللّ هُ فَأ ُْولَـئِ َ
الكرمية أن احلكم بغري ما أن زل اهلل كف ر ،وه ذا الكفر ت ارة يك ون كف راً أكرب ينقل عن
املل ة ،وت ارة يك ون كف راً أص غر ال خيرج عن املل ة ،وذلك حبسب ح ال احلاكم ،فإنه إن
اعتقد أن احلكم مبا أن زل اهلل غري واجب وأنه خمرّي في ه ،أو اس تهان حبكم اهلل واعتقد أن
غ ريه من الق وانني والنظم الوض عية أحسن من ه ،وأنه ال يص لح هلذا الزم ان ،وأراد ب احلكم
بغري ما أنزل اهلل اسرتضاء الكفار واملنافقني؛ فهذا كفر أكرب.
وإن اعتقد وج وب احلكم مبا أن زل اهلل وعلمه في هـ ـ ــذه الواقعة ،وع دل عنه مع
اعرتافه بأنه مستحق للعقوبة؛ فهذا عاص ويسمى كافراً كفراً أصغر ،وإن جهل حكم اهلل
فيها مع بذل جهده واستفراغ وسعه يف معرفة احلكم ،وأخطأه؛ فهذا خمطئ له أجر على
اجتهاده ،وخطؤه مغفور .وهذا يف احلكم يف القضية الخاصة ،وأما الحكم في القضــايا
العامة فإنه يختلف.
قال شيخ اإلسالم ابن تيمية( :فإن احلاكم إذا كان ديّن اً لكنه حكم بغري علم؛ كان
من أهل النار .وإن ك ان عاملاً لكنه حكم خبالف احلق الذي يعلمه؛ ك ان من أهل النار.
وإذا حكم بال ع دل وال علم؛ أوىل أن يك ون من أهل الن ار .وه ذا إذا حكم يف قضـ ــية
()42
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
لشخص .وأما إذا حكم حكمـاً عامـاً يف دين املسلمني؛ فجعل احلق باطال والباطل حق اً،
والس نة بدعة والبدعة س نة ،واملع روف منك راً واملنكر معروف اً ،وهنى عما أمر اهلل به
ورس وله ،وأمر مبا هنى اهلل عنه ورس وله ،فه ذا ل ون آخر حيكم فيه رب الع املني ،وإله
ْم َوإِلَْي ِه
املرس لني ،مالك ي وم ال دين ،ال ذي له احلمد يف األوىل واآلخ رةَ ( :ولَ هُ احْلُك ُ
ُتْر َجعُ و َن)ُ ( ،ه َو الَّ ِذي أ َْر َس َل َر ُس ولَهُ بِاهْلُ َدى َو ِدي ِن احْلَ ِّق لِيُظْ ِه َرهُ َعلَى ال دِّي ِن ُكلِّ ِه َو َك َفى
بِاللَّ ِه َش ِهيداً).
وق ال –ابن تيمي ة -أيض اً" :وال ريب أن من مل يعتقد وج وب احلكم مبا أن زل اهلل
على رسوله فهو كافر .فمن استحل أن حيكم بني الناس مبا يراه هو عدالً من غري اتباع
ملا أنزل اهلل فهو كافر .فإنه ما من أمة إال وهي تأمر باحلكم بالعدل ،وقد يكون العدل يف
دينها ما يراه أكابرهم ،بل كثري من املنتسبني إىل اإلسالم حيكمون بعاداهتم اليت مل ينزهلا
اهلل؛ كسواليف البادية (أي :عادات من سلفهم) وكانوا األمراء املطاعني ،ويرون أن هذا
هو ال ذي ينبغي احلكم به دون الكت اب والس نة ،وه ــذا هو الكفر ،ف إن كث رياً من الن اس
أسلموا ولكن ال حيكمون إال بالعادات اجلارية اليت يأمر هبا املط اعون ،فه ؤالء إذا عرفوا
أنه ال جيوز هلم احلكم مبا أنزل اهلل؛ فلم يلتزموا بذلك ،بل استحلوا أن حيكموا خبالف ما
أنزل اهلل؛ فهو كفار) انتهى كالم ابن تيمية.
وق ال الش يخ حممد بن إب راهيم( :وأما ال ذي قيل فيه أنه كفر دون كف ر؛ إذا ح اكم
إىل غري اهلل مع اعتق اد أنه ع اص ،وأن حكم اهلل هو احلق؛ فه ذا ال ذي يص در منه املرة
وحنوه ا .أما ال ذي جعل الق وانني ب رتتيب وختض يع؛ فهو كفر؛ وإن ق الوا :أخطأنا وحكم
الشرع أعدل .فهذا كفر ناقل عن امللة).
فف ـ ـ ّـرق –رحمه اهلل -بين الحكم الج ـ ــزئي ال ـ ــذي ال يتك ـ ــرر ،وبين الحكم الع ـ ــام
الـ ــذي هو مرجع في جميع األحكـ ــام أو غالبهـ ــا ،وقـ ــررـ أن هـ ــذا الكفر ناقل عن الملة
مطلق ـاً ،وذلك ألن من نحى الشــريعة اإلســالمية وجعل القــانون الوضــعي بــديالً منهــا؛
فه ــذا دليل على أنه ي ــرى أن الق ــانون أحسن وأص ــلح عن الش ــريعة ،وه ــذا ال شك أنه
كفر أك ــبر يخ ــرج من الملة وين ــاقض التوحي ــد" (كت اب التوحيد للش يخ الف وزان :ص
.)39
()43
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
* ق ال ش يخ اإلس الم مفيت الدولة العثمانية مص طفى ص ربي –رمحه اهلل تع اىل" :-إن
هذا الفصل [أي فصل الدين عن الدولة] مؤامرة بالدين للقضــاء عليه ،وقد كان يف كله
بدعة أح دثها العص ريون املتفرجنون يف البالد اإلس المية كي ــدا لل ــدين ومحاولة للخ ــروج
عليه ...بل ارتداد عنه من احلكومة أوالً ومن األمة ثانياً ،إن مل يكن بارتداد الداخلني يف
حوزة احلكومة تلك باعتبارهم أفراد ،فباعتبارهم مجاعة ،وهو أقصر طريق اً إىل الكفر من
ارت داد األف راد ،بل إنه يتض من ارت داد األف راد أيض اً لقب وهلم الطاعة لتلك احلكومة املرت دة
اليت ّادعت االستقالل لنفسها بعد أن كانت خاضعة حلكم اإلسالم عليها ...فإذا خــرج
عن اإلســالم من ال يقبل س لطة ال دين عليه ب األمر والنهي ،وت ّدخله يف أعماله ح ال كونه
فرداً من أفراد املسلمني؛ فكيف ال خيرج من ال يقبل هذه السلطة وهذا التدخل بصفة أنه
داخل يف هيئة احلكومة" (موقف العقل والعلم والعامل من رب العاملني.)4/280 :
"إن ما فعله الكماليون –[وهي حكومة مصطفى كمال الرتكية آنذاك] -يف اخلالفة
والسلطة –[وهو فصل الدين عن الدولة] -خمالفة للشرع اإلسالمي؛ أمر بديهي غني عن
البحث والمنـ ـ ــاظرة عند الفطر السـ ـ ــليمة ...وهي أن خمالفتها للش رع ال جيوز أن تُتل ّقى
بالنظر العادي ،وال تُشبَّه باألفعال الصادرة من املؤمنني املذنبني الذين خلطوا عمالً صاحلاً
وآخر س يئاً ،ورج وا أن يت وب اهلل عليهم ،بل ه ذه املخالفة أمر مقص ود عن دهم بذات ه،
ألهنم يرمون بفعاهلم هذه إىل التملّص عن ربقة الشرع اإلسالمي...
إن ما ابتدعه الكم اليون من جتريد اخلالفة من الس لطة ،وإيق اع الفرقة بينهم ا؛ أمر
يرجع إىل ارت ــداد احلكومة الرتكي ة ،وانتزاعها عن لباس ها ال ديين ...مث أمل يكفكم مس ألة
إلغ اء احملاكم الش رعية؛ مع أهنا بس يطة وص رحية يف الداللة على الـ ــنزوح والمـ ــروق عن
اإلسـ ــالم .ف إىل مىت حتامون عنهم ،وتق ّرون عليهم ما ص در منهم مما يض يق عنه نط اق
التأوي ل ،وإىل أي ش يء حتتاجونه يف االطالع واالقتن اع خبطتهم الكفريـ ـ ـ ــة ،فهل أنتم
ماكثون حىت تعرتفوا بأهنم كافرون ...افرتاق احلكومة الرتكية احلاضرة عن اخلالفة ارتداد
عن ال دين ...ولعم ري ال توجد مس ألة أدعى إىل اس تنهاض علم اء ال دين ل واجبهم من
هاتني املسألتني؛ أعين تفكيك احلكومة عن اخلالفة ،وإلغاء احملاكم الشرعية" (النكري على
منكري النعمة من الدين واخلالفة واألمة للشيخ مصطفى صربي :ص.)140،134،84
()44
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
* قال الشيخ عبد الرمحن بن حممد الدوسري –رمحه اهلل -يف جوابه على سؤال (من
هو امللح د؟) ..." :وال ذي يع دل بربه غ ريه ،فيتأهله ب احلب والتعظيم وقب ــول مبادئ ــه ،أو
تنفيذ نظمه وتشـ ــريعاته باستحسـ ــان؛ يك ون ملح داً ...أو غـ ــير حـ ــدود (اهلل) وأحكامه
حبجة التط وير واحلض ارة والرفق باإلنس ان وما إىل ذل ك؛ فهو ملح ــد" (األجوبة املفي دة
ملهمات العقيدة للشيخ الدوسري :ص.)28
"يكفر ،وجتري عليه وعلى ماله أحكام املرتد" (األجوبة املفيدة ملهمات العقيدة :ص
.)28
" ...وك ذلك االحتك ام إىل غري حكم اهلل رغبة أو قب والً ملا أحله األحب ار والرهب ان
أو الرؤساء السياســيون أو الروحانيون ...وكذلك الذين بدلوا قوالً غري الذي قيل هلم،
فجعل وا ح دود ال وطن ف وق ح دود اهلل ،وحمبة اجلنس والق وم ف وق حمبت ه ،أو ان دفع باسم
التحرر والتطور وحنو مما وضعته الربوتوكوالت الصهيونية سراً ،ونفــذه تالميذ اإلفــرنج
جهــراً؛ من كل ما هو خمالف حلكم اهلل ،وخارج عن تعاليم اإلسالم؛ فهو مشــرك أيض اً"
(األجوبة املفيدة ملهمات العقيدة :ص.)13
()45
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
"إن الوثنية برمسها اخلاص وص بغتها الواح دة اليت جتمعها هي :تق ديس غري اهلل ،أو
تحكيم غ ريه ،وتشــريع ما هو من اف لش رعه احلكيم" (األجوبة املفي دة ملهم ات العقي دة:
ص)29
"فكل منحرف عن تعاليم اإلسالم ،معطل لحدوده ،محتكم إلى غــير شــريعة اهلل؛
ال جيوز وص فه ب أي لقب من ألق اب املدح والش رف؛ مهما ك ان ،ففي احلديث" :ال
تقول وا للفاسق س يداً ،فإنه إن يكن س يداً فقد أس خطتم ربكم" ،وأي فاسق أعظم فســقا
ممن ابتغى غــير اهلل حكمــا ،وشــرع له ما يــأذن به اهلل من المبــادئ والمــذاهب المادية
الحديثة المرتكــزة على الفلســفة الغربية بإيحــاء من الصــهاينة" (األجوبة املفيدة ملهمات
العقيدة :ص.)24
"حق اً لقد جعل وا –[أي احل ّك ام] -ألنفس هم منزلة أعظم من منزلة رب الع املني؛ إذ
حص روا طاعته واالنقي اد حلكمه يف الش يء القلي ل ،وأوجبوا على الن اس االنقي اد حلكمهم
يف كل شيء ،واالستسالم هلم يف كل ناحية ،وفرضوا على الناس تأليههم دون اهلل ،وقد
تع ّدوا وجتاوزوا ب الظلم واجلح ود ق ول من ق الَ ( :س أُن ِز ُل ِمثْ َل َما أَنَ َ
زل اللّ هُ) ،وبلغ وا من
جتاوز احلدود ما مل يبلغه أي ك ــافر يف س ابق الق رون" (األجوبة املفي دة ملهم ات العقي دة:
ص.)39
* ق ال الش يخ عبد ال رمحن بن حممد بن قاسم –رمحه اهلل.. :-كمن حيكم بقـ ــوانين
الجاهلية والقــوانين الدولية ،بل مجيع من حكم بغري ما أن زل اهلل؛ س واء ك ان ب القوانني،
أو بش يء خمرتع وهو ليس من الش رع ،أو ب اجلور يف احلكم؛ فهو ط ـ ــاغوت من أك ـ ــبر
الطواغيت" (حاشية األصول الثالثة :ص.)135
()46
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
ومعىن اآلية أن اهلل أنكر على من ي دعي اإلميان مبا أنزله اهلل على رس وله وعلى
األنبياء قبله ،وهو مع ذلك يريد أن يتحاكم يف فصل اخلصومات إىل غري كتاب اهلل وسنة
ِ َّ ِ
ين َي ْزعُ ُم و َن) اس تفهام إنك ار رس وله ص لى اهلل عليه وس لم؛ ف إن قول ه( :أَمَلْ َت َر إىَل الذ َ
وتبكيت ،وذم ملن عدل عن الكتاب والسنة ،ورغب فيما سوامها من الباطل ،وهو املراد
بالطــاغوت ههنا ،كما تقدم من قول ابن القيم :إنه ما جتاوز به العبد حده من معبود أو
متب وع أو مط اع ،فكل من ح ــاكم إلى غ ــير كت ــاب اهلل وس ــنة رس ــوله ص ــلى اهلل عليه
وسلم؛ فقد حاكم إلى الطــاغوت الــذي أمر اهلل عبــاده المؤمــنين أن يكفــروا بــه ،أي مبا
ج اءهم به الط اغوت ال ذي يتح اكمون إلي ه ،ف إن التح اكم ليس إال إىل كت اب اهلل وس نة
رس وله ...فمن ح اكم إىل غريمها فقد جتاوز به ح ده ،وخــرج عما شــرعه اهلل ورســوله،
وكذلك من عبد شيئاً دون اهلل؛ فإمنا عبد الطاغوت ،فهو الذي دعا إىل كل باطل وزينه
ملن فعل ه ،وه ذا ين ايف التوحي د؛ ف إن التوحيد هو الكفر بكل ط اغوت عب ده العاب دون من
دون اهلل .فمن دعا إلى تحكيم غير اهلل ورسوله؛ فقد ترك ما جاء به الرســول ،ورغب
عنــه ،وجعلهـ شــريكاً هلل في الطاعــة ،وخــالف ما جــاء به الرســول صــلى اهلل عليه وســلم
يما َش َجَر َبْيَن ُه ْم).فيما أمر اهلل به في قوله( :فَالَ وربِّك الَ يؤ ِمنو َن حىَّت حُي ِّكم َ ِ
وك ف َ َ َ َ ُْ ُ َ َ َ ُ
ويف آية الب اب أنكر اهلل زعمهم اإلميان وأك ذهبم؛ ملا يف ض من ( َيْزعُ ُم و َن) من نفي
إمياهنم ،ف إن ( َيْزعُ ُم و َن) إمنا يق ال غالب اً ملن ادعى دع وى هو فيها ك اذب ،حيققه قول ه:
َ
ه)؛ ألن الكف ر بالط اغوت ركن ـرو ْا بِ ـ ِ ـد ُأ ِمـ ُ
ـرو ْا أن يَ ْك ُفـ ُ ( َو َقـ ْ
()47
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
* ق ال الش يخ عبد ال رمحن الس عدي رمحه اهلل تع اىل يف تفسري قوله تع اىلَ ( :ف ِإن
ل )...واآلية اليت ســو ِ الر ُ
ه َو َّــردُّو ُه إِلَى الل ّــ ِ
ي ٍء َف ُ
شــ ْ
م فِي َ تَ َنــا َز ْع ُت ْ
بعدها" :كتاب اهلل وسنة رسوله ،عليهما بناء الدين ،وال يستقيم إال هبما ،فالرد إليهما
خ ِر).ه َوا ْليَ ْو ِم اآل ِ
م ُت ْؤ ِم ُنونَ بِالل ّ ِ شـــرط في اإليمـــان ،فله ذا ق ال( :إِن ك ُ
ُنت ْ
ف دل ذلك على أن من لم يــرد إليهما مســائل الــنزاع؛ فليس بمــؤمن حقيقــة ،بل مــؤمن
()48
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
مــونَ أَنَّ ُه ْ
م عجب تع اىل عب اده من ح ال املن افقني (الَّ ِذ َ
ين يَ ْز ُع ُ ّ بالط ـ ــاغوت ...ي
ُ
ـدونَ أَن آ َم ُنو ْا) بما جاء به الرسول وبما قبله .ومع هــذا ( ُي ِريـ ُ
اغوتِ) وهــو ك ل من حكم بغ ير ش رع مو ْا إِلَى الطَّ ُ
حا َك ُ
يَ َت َ
ـرو ْا بِـ ِ َ ُ
ه) ـرو ْا أن يَ ْك ُفـ ُ
هللا فهو طاغوت .والحال أنهم ( َو َق ْد أ ِمـ ُ
فكيف جيتمع ه ذا اإلميان؟ ف إن اإلميان يقتضي االنقي اد لش رع اهلل ،وحتكيمه يف كل أمر
من األم ور ،فمن زعم أنه م ؤمن واخت ار حكم الط اغوت على حكم اهلل؛ فهو كــاذب يف
ذلك" (تفسري السعدي.)262 :
"ومن ت رك ه ذا التحكيم املذكور ،غـ ــير ملـ ــتزم لـ ــه؛ فهو كـ ــافر .ومن تركه –مع
التزامه -فله حكم أمثاله من العاصين" (تفسري السعدي.)264 :
"وكل من ح اكم إىل غري حكم اهلل ورس وله؛ فقد ح اكم إىل الط ــاغوت ،وإن زعم
أنه مؤمن؛ فهو كاذب .فاإلميان ال يصح وال يتم إال بتحكيم اهلل ورسوله يف أصول الدين
وفروع ه ،ويف كل احلق وق .فمن ح اكم إىل غري اهلل ورس وله؛ فقد اختذ ذلك رب اً ،وقد
حاكم إىل الطاغوت" (القول السديد يف مقاصد التوحيد :ص.)133
* قال الشيخ محود التوجيري رمحه اهلل" :النوع الثاين من املشاهبة ،وهو من أعظمها
شراً ،وأسوئها عاقبة :ما ابتلي به كثريون؛ من اطّراح األحكام الشرعية ،واالعتياض عنها
بحكم الط ــاغوت من الق ــوانين والنظام ــات اإلفرنجية ،أو الش بيهة باإلفرجني ة ،املخ الف
َح َس ُن ِم َن اللّ ِه ِِ ِ
كل منها للش ريعة احملمدي ة ،قد ق ال تع اىل( :أَفَ ُحك َ
ْم اجْلَاهليَّة َيْبغُ و َن َو َم ْن أ ْ
ن شـ َر ُعوا لَ ُهم ِ ّم َ شـ َر َكاء َ م ُ ُحكْم اً لَِّق ْوٍم يُوقِنُ و َن) وق ال تع اىل( :أَ ْم لَ ُه ْ
م ي بَ ْي َن ُه ْضـ َ ل لَ ُق ِ صـ ِ مـ ُة ا ْل َف ْ م يَ ْأذَن بِ ِ
ه اللَّ ُه َولَ ْواَل َكلِ َ ين َما لَ ْ د ِ ال ِّ
م). َ
َاب ألِي ٌ
م َعذ ٌ َ
ين ل ُه ْ
م َ َّ
ن الظالِ ِ َوإِ َّ
وقد احنرف عن الدين بسبب هذه املش اهبة فئام من الناس ،فمستقل من االحنراف،
ومستكثر .وآل بكثري منهم إىل الردة والخروج من دين اإلسالم بالكلية ،فال حول وال
()49
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
ق وة إال باهلل العلي العظيم ،والتح ــاكم إلى غ ــير الش ــريعة المحمدية من الض ــالل البعيد
م آ َم ُنو ْا مونَ أَنَّ ُه ْ ين يَ ْز ُع ُ م تَ َر إِلَى الَّ ِذ َ والنفاق األكبر ،ق ال اهلل تع اىل( :أَلَ ْ
مو ْا إِلَى حــا َك ُ ك ُي ِري ـ ُدونَ أَن يَ َت َ ل ِمن َق ْبلِ ـ َ ك َو َما ُأ ِ
نز َ ل إِلَ ْي َ ما ُأ ِ
نز َ بِ َ
مضلَّ ُه ْان أن ُي ِ َ الش ْيطَ ُ َّ يد
ه َو ُي ِر ُ َ ُ
اغوتِ َو َق ْد أ ِم ُرو ْا أن يَ ْك ُف ُرو ْا بِ ِ الطَّ ُ
ل الل ّـ ُه َوإِلَى َ
م تَ َعــالَ ْو ْا إِلَى َمــا أنـ َز َ ل لَ ُه ْ ً
ضـالَال ً َب ِعيــداَ ،وإِذَا قِيـ َ َ
صـ ُدوداً) .مث نفى تب ارك ك ُ صـدُّونَ َعنـ َ ين َي ُ م َنــافِ ِق َ ت ا ْل ُ ل َرأَ ْي َ س ـو ِ الر ُ
َّ
وتع اىل اإلميان عمن مل حُي ِّكم الرس ول ص لى اهلل عليه وس لم عند التن ازع ،ويرضى حبكمه
ويطمئن إليه قلب ه ،وال يبقى لديه شك أن ما حكم به هو احلق ال ذي جيب املصري إلي ه،
في ذعن ل ذلك وينق اد له ظ اهراً وباطن اً .وأقسم س بحانه وتع اىل على النفي بنفسه الكرمية
مــا ك فِي َ مــو َ كّ ُح ِ ى ُي َ ح َّت َ ك ال َ ُي ْؤ ِم ُنــونَ َ املقدس ة؛ فق ال تع اىلَ ( :فال َ َو َربِ ّـ َ
ت ضـ ْي َما َق َ ح َرجـاً ِ ّم َّ م َسـ ِه ْم ال َ يَجِـ ُدو ْا فِي أَن ُف ِ م ُث َّ ج َر بَ ْي َن ُه ْ شـ َ َ
ً
سلِيما). ْ
مو ا ت َ ْ س ِل ّ ُ َو ُي َ
وما أكثر المعرضين عن أحكام الشريعة المحمدية من أهل زمانن ا ،وال سيما أهل
األمصار الذين غلبت عليهم احلرية اإلفرجنية ،وهان لديهم ما أنزل اهلل على رسوله حممد
ص لى اهلل عليه وس لم من الكت اب واحلكم ة ،فاعتاض وا عن التح اكم إليهما بالتح اكم إىل
الق ــوانين والسياس ــات والنظام ــات اليت ما أن زل اهلل هبا من س لطان ،وإمنا هي متلق اة عن
ال دول الك افرة باهلل ورس وله ،أو من يتش به هبم وحيذو ح ذوهم من الط ــواغيت الـ ــذين
ينتسبون إلى اإلسالم وهم عنه بمعزل.
وأقبح من فعل املن افقني :ما يُ ذ َكر عن بعض أهل زمانن ا؛ أهنم ق الوا :إن العمل ُ
بالشريعة احملمدية يؤخرهم عن اللحاق بأمم اإلفرنج وأضراهبم من أعداء اهلل تع اىل ،وهذه
ردة صــريحة ،واهلل المســؤول أن يقيض ألهلهــا ،ولكل من لم يــرض بأحكــام الشــريعة
المحمديـ ــة؛ من يعـ ــاملهم معاملةـ أبي بكر الصـ ــديق رضي اهلل عنه إلخـ ــوانهم من قبـ ــل"
(الدرر السنية.)228-16/226 :
* وقال أيضاً:
"ومن اطّ راح األحك ام الش رعية :ما يفعله كثري من املنتس بني إىل اإلس الم من إبــدال
احلدود والتعزيرات باحلبس؛ موافقة لإلفرنج وأشباههم من أعداء اهلل تعاىل .وهذا مصداق
ما يف حديث أيب أمامة رضي اهلل عنه؛ أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال :لتنقضن
()50
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
عرى اإلسالم عروة عروة ،وكلما انتقضت عروة تشبث الناس باليت تليها ،فأوهلن نقض اً
احلكم ،وآخرهن الصالة" (الدرر السنية.)16/228 :
* ق ال الش يخ عبد اهلل بن قعود رمحه اهلل تع اىل" :إن رفع أحك ام شرعية من أحك ام
اإلسالم معروف حكمها من دين اإلسالم بالضرورة ،وإحالل قوانين وضـعية من صنيع
البشر خمالفة هلا؛ بدالً منها ،واحلكم هبا بني الناس ،ومحلهم على التحاكم إليها؛ إن ذلك
شرك باهلل في حكمه" (الشريعة اإلسالمية ال القوانني الوضعية :ص.)179
* ق ال الش يخ ص احل ابن إب راهيم البليهي ..." :ف احلكم بــالقوانين الوضــعية املخالفة
للش ريعة اإلس المية؛ إلحـ ــاد وكفر وفسـ ــاد وظلم للعبـ ــاد ،فال يس ود األمن ،وال حتفظ
احلق وق الش رعية؛ إال بالعمل بش ريعة اإلس الم كله ا؛ عقي دة وعب ادة وأحكام اً وأخالق اً
وس لوكاً ونظام اً ،ف احلكم بغري ما أن زل اهلل هو حكم بعمل خمل وق ملخل وق مثل ه ،وهو
حكم بأحكـام طاغوتية ...وال فرق بني األحوال الشخصية والعامة واخلاصة ،فمن فـرق
بينها في الحكم فهو ملحد زن ـ ـ ــديق ك ـ ـ ــافر باهلل العظيم" (السلس بيل على حاش ية زاد
املستنقع.)2/384 :
()51
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
* ق ال الش يخ حممد الكت اين رمحه اهلل تع اىل :ومن المكفــرات :اتب اع عوائد الكف ار،
والتم ذهب مبذاهبهم ،والعمل بق وانينهم ...ومن مجلتها –أعين تلك الق وانني -احلكم يف
القضايا النازلة بني اخللق بغري ما حكم به فيها امللك احلق ،بل بضوابط عقلية ،وسياسات
كفرية ،وآراء فكرية مل يأت هبا شرع وال دين ،وال نزل هبا ملك من مالئكة إله العاملني،
ض َعفة اإلميان؛ ممن اس تذله وأغ واه الش يطان ،ح اولوا
وإمنا هي أحك ام خمتلفة وافقهم فيها َ
هبا تب ــديل الش ــرع املط اع ...وت رويج كف ــرهم وش ــركهم وكلمتهم ،والكت اب والس نة
مملوءان بالتحذير من هذا ،والتنفري عنه ،والوعيد عليه ،والتقريع والتوبيخ ملن يفعله ،أو
مييل بقلبه إليه( "...نصيحة أهل اإلسالم :ص.)191
* ق ال الش يخ حممد رش يد رضا –رمحه اهلل تع اىل -يف تفسري قوله تع اىلَ ( :وإِذَا
ل الل ّ ُه" :)...اآلية ناطقة ب أن من صد وأعــرض م تَ َعالَ ْو ْا إِلَى َما أَن َز َ
ل لَ ُه ْ
قِي َ
عن حكم اهلل ورسوله صلى اهلل عليه وسلم عمـداً ،وال سيما بعد دعوته إليه ،وتذكريه
ب ه؛ فإنه يك ون منافقـ ـ ـاً يعتد بما يزعمه من اإليم ـ ــان ،وما يدعيه من اإلس ـ ــالم" (تفسري
املنار.)5/227 :
ولعم ري إن الش بهة يف األم راء الواض ــعين للق ــوانين أش د ،واجلواب عنهم أعس ر،
وهذا التأويل يف حقهم ال يظهر ،وأن العقل ليعسر عليه أن يتصور أن مؤمن اً مذعناً لدين
اهلل ،يعتقد أن كتابه يفرض عليه حكم اً ،مث هو يغرّي ه باختياره ،ويســتبدل به حكم اً آخر
بإرادته ،إعراضاً عنه وتفضيالً لغريه عليه ،ويعتد مع ذلك بإيمانه وإسالمه!!.
والظ اهر أن ال واجب على املس لمني يف مثل ه ذه احلال مع مثل ه ذا احلاكم؛ أن
يلزموه بإبطال ما وضعه خمالف اً حلكم اهلل ،وال يكتفوا بعدم مساعدته عليه ومشايعته فيه،
()52
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
ف إن مل يق دروا؛ فالـــدار ال تعتـــبر دار إســـالم فيما يظه ــر ،ولألحك ام فيها حكم آخ ر"
(تفسري املنار.)5/349 :
* ق ال الش يخ إمساعيل األزه ري الس لفي رمحه اهلل تع اىل" :نس وا الق رآن ،وأطرح وه
خلف ظه ورهم بالكلي ة ،واعتاض وا عنه بقـ ــوانين الكفـ ــار وآراء ابتـ ــدعوها تق ّوالً على
الش ريعة الغ راء األمحدي ة ،ومل يرض وا حبكم اهلل ورس وله فيهم ،ورض وا بأحك ام الكف ار
وآرائهم...
أي عقل يكون ملن ال يرضى حبكم أحكم احلاكمني وأعلم العاملني وأعدل العادلني،
ويرضى حبكم اجلاهلني وأظلم الظاملني؟!...
إن االعتي اض عن الق انون الس ماوي ال ذي ج اء به الص ادق املص دوق ص لوات اهلل
وس المه عليه وآل ه ،بالق انون األرضي اإلنس اين الش يطاين ...هو من أعظم أس باب املقت
واحلرم ان ،وأكرب موجب ات العقوبة واخلذالن .كيف ال وهو اختاذ ل دين اهلل ه زواً وهلواً
ولعباً ،وتبديل لنعمة اهلل بالنقمة ،وللشكران بالكفران ،وشرعُ دي ٍن مل يأذن به اهلل ،واتباعٌ
وعشو عن ذكر الرمحن ٌّ لغري سبيل املؤمنني ،ومشاقة وحمادة وحماربة وخيانة هلل ولرسوله،
وإع راض عن ه ...فما بالك مبن دعا الن اس كافة عرب اً وعجم اً م ؤمنهم وك افرهم ،إىل
ق انون اخرتعه هو أو غ ريه من جنس اخلي االت الباطل ة ،فخ رج هو وأخ رج به عن طاعة
وحادمها وشاقّهما مبخالفة أمرمها...
اهلل وطاعة رسوله ،وحارهبما ّ
ال عذر هلذا وأمثاله من الضُّالل الذين منشأ ضالهلم اإلعراض عن الوحي الذي جاء
به الرسول صلى اهلل عليه وسلم ،ولو ظن أنه مهتد فإنه مفرط بإعراضه عن اتباع اهلدى،
ف إذا ضل أويت من تفريطه وإعراض ه ...من املمتنع بالس مع أن يتم األ الع امل كلهم ش رقاً
وغراً من أمة سيدنا حممد صلى اهلل عليه وسلم على اتباع القوانني البشرية ،وعدم املباالة
بالق انون اإلهلي ،بل ال بد أن يك ون فيهم ولو واحد ينكر على ه ؤالء الك ل؛ إما بلس انه
إن أمكنه ذلك ومل يفتكوا به ،وإما بقلبه إن مل ميكنه وظن الفتك به...
ول ذلك؛ ك ان تق دمي آراء الغري وعق وهلم وأذواقهم ووج داناهتم وسياس اهتم املخالفة
املناب ذة لسياسة الش ريعة احلقة الص حيحة حمبط اً للعمل البت ة ،ورمبا ك ان ردة ومروقا عن
()53
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
هوا َما م َك ِر ُ ك بِأَنَّ ُه ْ األمة اإلسالمية وامللة احلنيفية أعاذنا اهلل منها ،قال تع اىلَ ( :ذلِ َ
ِ حبَطَ أَ ْع َ ل اللَّ ُه َفأَ ْ أَن َز َ
ط اللَّهَ ك بِ أَن َُّه ُم اتََّبعُ وا َما أ ْ
َس َخ َ مالَ ُه ْ
م) ،وقال تعاىل( :ذَل َ
ط أ َْع َماهَلُ ْم).
َحبَ َ َو َك ِر ُهوا ِر ْ
ض َوانَهُ فَأ ْ
فليح ذر السياس يون أن يسوس وا الن اس بغري ما أن زل اهلل؛ ف إهنم –مع أهنم ال يتم هلم
أمر وال يس تقيم هلم ح ال -خُي شى عليهم من ال ــردة والم ــروق من ال ــدين ،فيكون ون ممن
خسر ال دنيا واآلخ رة ...فه ـ ـ ــؤالء ال ـ ـ ــردة الم ـ ـ ــارقون ال دواء أنجع فيهم من تمكين
الصوارم البواتر من رقابهم ،وقطع دابـرهم حـتى ال يقـوى حـزبهم ،وال يكـثر جمعهم،
أبادهم اهلل ودمرهم ،وشتت شملهم ومزقهمـ كل ممزق...
من ظن أن ه ذه الش ريعة الكاملة اليت ما ط رق الع امل ش ريعة أكمل منه ا؛ ناقصة
حتت اج إىل سياسة خارجة عنها تكمله ا؛ فهو كمن ظن أن بالن اس حاجة إىل رس ول آخر
غري رسوهلم الذي حيل هلم الطيبات وحيرم عليهم اخلبائث ،وكذلك من ظن أن شيئاً من
أحك ام الكت اب والس نة النبوية الثابتة الص حيحة ،خبالف السياسة واملص لحة اليت يقتض يها
نظام الدنيا؛ فهو كافر قطعاً" (حتذير أهل اإلميان عن احلكم بغري ما أنزل الرمحن).
* ق ال الش يخ عبد اهلل بن محيد رمحه اهلل يف (بي ان ما يف نظ ام العمل والعم ال من
األخطاء والتناقض والضالل) :جاء يف املادة ( )40أن احملاكم احمللية ،أو اهليئات القضائية
اليت تنشأ خصيص اً لذلك؛ هي املرجع املختص حلل عموم القضايا املتنازع فيها ،واليت ال
ميكن حلها على مقتضى التحكيم املدرج يف املادة (. )38اهـ.
ويالحظ عليه ا :أن ه ذه احملاكم املش ار إليها يف ه ذه املادة ،إن ك ان يقصد هبا
احملاكم الشرعية اليت حتكم بنصوص الكتاب والسنة ،فنعم يلزم الرجوع إليها ،وإن كان
يقصد هبا أي حمكمة غري ش رعية ،ف الرجوع إليها من التحـ ـ ــاكم إلى الطـ ـ ــاغوت املأمور
ت َو َقـ ْ
ـد مو ْا إِلَى الطَّ ُ
اغو ِ يدونَ أَن َي َت َ
حا َك ُ ب الكفر ب ه؛ يف قوله تع اىلُ ( :ي ِر ُ
ه)...ُأ ِم ُرو ْا أَن َي ْك ُف ُرو ْا بِ ِ
ال جيوز ألحد أن يتحاكم إىل غري ما أنزل اهلل ،سواء هذا النظام أو غريه من النظم
املس تمدة من غري كت اب اهلل وس نة رس وله ص لى اهلل عليه وس لم؛ ألن ه ذه الق وانني
()54
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
الوض عية من مجلة الحكم الطـ ــاغوتي؛ ال ذي هنى اهلل ورس وله عن التح اكم إلي ه ،وإمنا
ال واجب التح اكم إىل ما أن زل اهلل يف كتابه وعلى لس ان رس وله ص لى اهلل عليه وس لم"
(الدرر السنية.)16/298،297 :
"ومن أص در تش ريعاً عام اً ملزم اً للن اس يتع ارض مع حكم اهلل؛ فه ذا يخ ــرج من
الملة كافراً" (أمهية اجلهاد ،لعلي العلياين :ص.)196
* ق ال ش يخ األزهر حممد اخلضر حسني –رمحه اهلل تع اىل" :-فصل ال دين عن
السياسة ه دم ملعظم حق ائق ال دين ،وال يق دم عليه املس لمون إال بعد أن يكون وا غري
مسلمني" (حتكيم الشريعة ،للصاوي :ص.)33
* ق ال الش يخ عبد العزيز آل حممد الس ليماين" :فكل حكم س وى حكم اهلل؛ فهو
باطل مردود ،وكل حاكم بغري حكمه وحكم رسوله صلى اهلل عليه وسلم؛ فهو طاغوت
كافر باهلل" (موارد الظمآن.)1/43 :
* قال الشيخ عبد الرمحن بن حسن رمحه اهلل" :من دعا إىل حتكيم غري اهلل ورسوله؛
ور ِغب عن ه ،وجعل هلل ش ريكاً يف فقد ت رك ما ج اء به الرس ول ص لى اهلل عليه وس لمَ ،
الطاع ة ،وخ الف ما ج اء به رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم فيما أم ره اهلل تع اىل به يف
م ه ْ
هــ َواء ُ ــع أَ ْ ل الل ّــ ُه َوال َ تَ َّت ِب ْ مــا أَنــ َز َ احكُم َب ْي َن ُهم بِ َن ْ قول هَ ( :وأَ ِ
ك) ،وقوله تع اىل: ل الل ُّه إِلَ ْي َ ض َما أَن َز َ ك َعن بَ ْع ِ م أَن يَ ْفتِ ُنو َ ه ْاحذ َْر ُ َو ْ
م ال َم ُث َّ
ج َر بَ ْي َن ُه ْ
شـ َ ما َ ك فِي َ مو َ كّ ُ
ح ِ ى ُي َ ح َّت َ ( َفال َ َو َربِ ّ َ
ك ال َ ُي ْؤ ِم ُنونَ َ
س ِليماً). مو ْا تَ ْ س ِل ّ ُ ت َو ُي َ ض ْي َما َق َ ح َرجاً ِ ّم َّم َ س ِه ْ ج ُدو ْا فِي أَن ُف ِ يَ ِ
()55
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
فمن خ الف ما أمر اهلل به ورس وله ص لى اهلل عليه وس لم؛ ب أن حكم بني الن اس بغري
ما أنزل اهلل ،أو طلب ذلك اتباعاً ملا يهواه ويريده؛ فقد خلع ربقة اإلسالم واإليمــان من
عنقه ،وإن زعم أنه مؤمن" (فتح اجمليد.)345 :
* ق ال الش يخ س ليمان بن عبد اهلل بن حممد بن عبد الوه اب رمحه اهلل تع اىل" :وقد
جنح اخلوارج إىل العموم لظاهر اآلية ،وقالوا :إهنا نص يف أن كل من حكم بغري ما أنزل
اهلل فهو كافر ،وكل من أذنب فقد حكم بغري ما أنزل اهلل؛ فوجب أن يكون كافراً .وقد
انعقد إمجاع أهل الس نة واجلماعة على خالفهم .ونحن لم نكفر إال من لم يحكم بما
ـاهرهمـ على
أن ــزل اهلل من التوحي ــد ،بل حكم بض ــده ،وفعل الش ــرك ،ووالى أهل ــه ،وظ ـ ُ
الموحدين" (التوضيح عن توحيد اخلالق يف جواب أهل العراق :ص.)141
"إن التحاكم إىل الطاغوت مناف لإلميان ومضاد له ،فال يصح إميان إال بالكفر به،
وت رك التح اكم إلي ه ،فمن مل يكفر بالط اغوت مل ي ؤمن باهلل" (فت اوى األئمة النجدي ة:
.)1/358
* الشـ ـ ــيخ عبد اللطيف بن عبد الـ ـ ــرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهـ ـ ــاب
رحمه اهلل:
()56
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
* قال الشيخ محد بن علي بن عتيق النجدي –رمحه اهلل تعاىل -عندما ذكر قول ابن
كثري يف حكم من حتاكم إىل غري ش رع اهلل تع اىل ،وذكر فت واه يف تكف ريه للتت ار" :قلت:
ومثل ه ؤالء ما وقع فيه عامة الب وادي ومن ش اهبهم؛ من حتكيم ع ادات آب ائهم ،وما
وضــعه أوائلهم من املوضوعات امللعونة اليت يسموهنا شرع الرفاقة؛ يقدموهنا على كتاب
اهلل وس نة رس وله ص لى اهلل عليه وس لم ،ومن فعل ذلك فهو ك ــافر جيب قتاله حىت يرجع
إىل حكم اهلل تع اىل ورس وله ص لى اهلل عليه وس لم" (س بيل النج اة والفك اك من م واالة
املرتدين وأهل اإلشراك :ص.)84
"البلد إذا ظهر فيها الش رك ،وأُعلنت فيها احملرم ات ،وعُطِّلت فيها مع امل ال دين؛
تك ون بالد كفر ،تُغنَم أم وال أهله ا ،وتس تباح دم اؤهم ،وقد زاد أهل ه ذه البلد بإظه ار
املسبّة هلل ولدينه ،ووضعوا قوانين ينفذوهنا يف الرعية ،خمالفة لكتاب اهلل وسنة نبيه صلى
اهلل عليه وس لم ،وقد علمت أن ه ذه كافية وح دها يف إخــراج من أتى بها من اإلســالم.
ه ذا وحنن نق ول :قد يوجد فيها من ال حُي َكم بكف ره يف الب اطن؛ من مستض عف وحنوه"
(الدرر السنية.)9/257 :
* ق ال الش يخ عبد اهلل أبا بطني رمحه اهلل –فيما يش مله الط اغوت ..." :-ويش مل
أيض اً كل من نص به الن اس للحكم بينهم بأحك ــام الجاهلية املض ادة حلكم اهلل ورس وله"
(جمموعة التوحيد :ص.)93
معرف اً الطاغوت" :-وحاصله: * قال الشيخ سليمان بن سحمان رمحه اهلل تعاىل – ّ
أن الط اغوت ثالثة أن واع :ط ــاغوت حكم ،وط اغوت عب ادة ،وط اغوت طاعة ومتابع ة.
واملقص ود يف ه ذه الورقة هو ط اغوت احلكم ،ف إن كث رياً من الطوائف املنتس بني إىل
اإلسالم؛ قد صاروا يتحاكمون إلى عادات آبــائهم ،ويسمون ذلك احلق بشرع الرفاقة،
كقوهلم :شرع عجمـان ،وشـرع قحطـان ،وغري ذلك ،وهذا هو الطـاغوت بعينه؛ الذي
أمر اهلل باجتنابه" (الدرر السنية.)10/503 :
()57
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
ذم اهلل يف كتابه من أع رض عن وقد تظ اهرت األدلة الش رعية بالداللة على ذل ك ،ف ّ
م
ح ُك َ ه لِيَ ْســولِ ِ ه َو َر ُ حكم رس وله ،ق ال اهلل تع اىلَ ( :وإِذَا ُد ُعـ وا إِلَى اللَّ ِ
حــقُّ يَـ ْ
ـأ ُتوا م ا ْل َ ض ـونَ َ ،وإِن يَكُن لَّ ُه ُ ـق ِ ّم ْن ُهم ُّم ْع ِر ُم إِذَا َف ِريـ ٌ بَ ْي َن ُه ْ
خــافُونَ أَن ض أَ ِم ا ْرتَــا ُبوا أَ ْم يَ َ ين ،أَفِي ُق ُلــوبِ ِهم َّم َر ٌ عنِ َ ه ُمــذْ ِ إِلَ ْيـ ِ
مــا
مونَ ،إِنَّ َ م الظَّالِ ُ ه ُ ك ُ ـل ُأ ْولَئِ ـ َ
س ـول ُُه بَـ ْ م َو َر ُ ـف اللَّ ُه َعلَ ْي ِه ْ حيـ َ يَ ِ
مم َب ْي َن ُه ْ
ح ُك َ ه لِيَ ْسولِ ِ ه َو َر ُ ين إِذَا ُد ُعوا إِلَى اللَّ ِ م ْؤ ِمنِ َ ل ا ْل َُكانَ َق ْو َ
حونَ ). م ْفلِ ُ م ا ْل ُه ُ ك ُ ُ َ
م ْع َنا َوأطَ ْع َنا َوأ ْولَئِ َ س ِأَن يَ ُقولُوا َ
واعلم أنه ما دعا داع إىل ح ق؛ إال ك ان للش يطان ش بهة عن ده يصد هبا الن اس عن ه،
ومن ذلك أنه إذا قيل ألهل الط اغوت :ارجع وا إىل حكم اهلل ورس وله ،واترك وا أحك ام
الطواغيت؛ قالوا :إنا ال نفعل ذلك إال خوف اً من أن يقتل بعضنا بعض اً ،فإين إذا مل أوافق
ص احيب على التح اكم إىل "ش رع الرفاق ة" قتلين أو قتلت ه" (ال درر الس نية-10/507 :
.)508
"إذا ع رفت أن التح اكم إىل الط اغوت كفر؛ فقد ذكر اهلل يف كتاب ه :أن الكفر أكرب
ن ل) ،وق الَ ( :وا ْل ِف ْت َن ُة أَ َ
ش ُّد ِم َ من القت ل ،ق الَ ( :وا ْل ِف ْت َن ُة أَ ْكبَ ُر ِم َ
ن ا ْل َق ْت ِ
ل) .والفتنة هي الكفر ،فلو اقتتلت البادية واحلاضرة حىت يذهبوا؛ لك ان أهون من ا ْل َق ْت ِ
ينصبوا يف األرض طاغوت اً حيكم خبالف شريعة اإلسالم اليت بعث اهلل هبا رسوله صلى أن ّ
()58
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
اهلل عليه وس لم ...فلو ذهبت دني اك كله ا؛ ملا ج از لك احملاكمة إىل الط اغوت ألجله ا،
اضطرك مضطر وخرّي ك بني أن حُت اكم إىل الطاغوت ،أو تبذل دنياك ،لوجب عليك ّ ولو
البذل ،ومل جَيُْز لك احملاكمة إىل الطاغوت" (الدرر السنية.)10/510 :
* ق ال اإلم ام الش وكاين رمحه اهلل تع اىل" :منه ا :أهنم –[أي :بعض أهل اليمن يف
زمانه] -يحكمون ويتحاكمون إىل من يَعرف األحكــام الطاغوتية منهم يف مجيع األمور
اليت تن وهبم وتع رض هلم ...وال شك وال ريب أن هـ ـ ـ ــذا كفر باهلل س بحانه وتع اىل
وبشريعته اليت أمر هبا على لسان رسوله صلى اهلل عليه وسلم ،واختارها لعباده يف كتابه
وعلى لس ان رس وله ص لى اهلل عليه وس لم ،بل كف روا جبميع الش رائع من عند آدم عليه
الس الم إىل اآلن ،وه ـ ــؤالء جه ـ ــادهم واجب ،وقت ـ ــالهم متعين؛ ح ـ ــتى يقبل ـ ــوا أحك ـ ــام
المطهــرة ،ويخرج ــوا من جميع ما ّ اإلس ــالم ،وي ــذعنوا له ــا ،ويحكمــوا بينهم بالش ــريعة
هم فيه من الطـ ــواغيت الشـ ــيطانية ...وقد تق رر يف القواعد اإلس المية أن منكر القطعي
وجاح ده ،والعامل على خالفه مترداً ،أو اس تحالالً ،أو اس تخفافاً ،ك افر باهلل وبالش ريعة
املطهرة اليت اختارها اهلل تعاىل لعباده ...وال شك وال ريب أن ارتكاب هؤالء ملثل هذه
األمور الكبرية من أعظم األسباب املوجبة للكفر ،السالبة لإلميان اليت يتعني على كل فرد
من أف راد املس لمني إنكاره ا ،وجيب على كل ق ادر أن يقاتل أهلها حىت يع ودوا إىل دين
اإلسالم" (الدواء العاجل يف دفع العدو الصائل :ص.)27-25
* ق ال العالمة يوسف بن يوسف املق ري رمحه اهلل تع اىل –إجابة على س ؤال عن
بعض القبائل من جهة احلج از؛ يتح اكمون إىل األع راف املخالفة للش رع" :-إن عوائد
القبائل املعروفة عندهم اليت يسموهنا بأمساء اخرتعوها ،وأوضاع وضعوها منابذة للشريعة،
ومن حكم هبا أو ألزم؛ فهو خارج من الــدين ،متورط يف جهنم مع الضالني ،ومن اعتقد
صحة ذلك فهو كافر ال محالة ...وال حيل التحاكم إليه ،واهلل أعلم مبصاحل عباده ،وإمنا
ألقى ذلك الكف رة واجلهلة من امللح دين ،وألق وا ذلك إىل ش ياطينهم ل ريدوهم ،ويزعم ون
أهنم يريدون بذلك صالح األمور ،ودفع الفنت والشرور ،فيخرجوهنم بذلك عن دينهم،
كما أخ رج الش يطان أهل الش رك بعب ادة األوث ان ...ف إذا ك ان ذلك يف األع راف اليت
ابت دعها أهل اإلس الم ،فما بالك بأحك ام الك افرين الطغ اة" .وقد ص حح ج واب املق ري
()59
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
العالمة تقي الدين الفيت ،ومجاعة كثريون من علماء زبيد؛ منهم الفخر الناشري ،واجلمال
القم اط ،واجلم ال ال زيلعي ،واجلم ال النه اري( .الس يف البت ار على من ي وايل الكف ار،
للعالمة عبد اهلل بن عبد الباري األهدل ،ص.)38-36
* ق ال اإلم ام إس حاق بن راهوي ه" :أمجع املس لمون على أن من سب اهلل ،أو سب
رسوله صلى اهلل عليه وسلم ،أو دفع شيئاً مما أنزل اهلل عز وجـل ،أو قتل نبي اً من أنبياء
اهلل عز وجل ،أنه كــافر بذلك ،وإن كان مقراً بكل ما أنزل اهلل" (الصارم املسلول على
شامت الرسول صلى اهلل عليه وسلم.)2/15 :
* س ئل ش يخ اإلس الم ابن تيمية رمحه اهلل عن التتــار الــذي يقــدمون إلى الشــام مــرة
بعد مــرة ،وتكلمــوا بالشــهادتين ،وانتســبوا إلى اإلســالم ،ولم يبقــوا على الكفر الــذي
كانوا عليه في أول األمــر ،فهل يجب قتــالهم أم ال؟ وما الحجة على قتــالهم؟ ....وما
حكم من كــان معهم ممن يفر إليهم من عســكر المســلمين –األمــراء وغــيرهم-؟ وما
حكم من أخرجـ ــوه معهم مكره ـ ــا؟ ...وما يقـ ــال فيمن ي ـ ــزعم أنهم مس ـ ــلمون...؟ وما
الــواجب على جماعة المســلمين من أهل العلم والــدين ،وأهل القتــال ،وأهل األمــوال
في أمرهم؟
فأج اب رمحه اهلل تع اىل" :احلمد هلل رب الع املني ،نعم ،يجب قت ال ه ؤالء بكت اب
اهلل ،وسنة رسوله ،واتفاق أئمة املسلمني...
كل طائفة خرجت عن شريعة من شرائع اإلسالم الظاهرة املتواترة ،فإنه جيب قتاهلا
باتف اق أئمة املس لمني ،وإن تكلمت بالش هادتني .ف إن أق روا بالش هادتني وامتنع وا عن
الص لوات اخلمس وجب قت اهلم حىت يص لوا .وإن امتنع وا عن الزك اة وجب قت اهلم حىت
يؤدوا الزكاة .وكذلك إن امتنعوا عن صيام شهر رمضان أو حج البيت العتيق .وكذلك
إن امتنع وا عن حترمي الف واحش ،أو الزن ا ،أو امليس ر ،أو اخلم ر ،أو غري ذلك من حمرم ات
الش ريعة .وكــذلك إن امتنعــوا عن الحكم في الــدماء واألمــوال واألعــراض واألبضــاع
ونحوها بحكم الكتـ ــاب والسـ ــنة .وك ذلك إن امتنع وا عن األمر ب املعروف والنهي عن
()60
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
املنكر ،وجهاد الكفار ...وقد اتفق الصحابة واألئمة على قتال مانعي الزكاة ،وإن كانوا
يصلون اخلمس ويصومون شهر رمضان ،وهؤالء مل يكن هلم شبهة سائغة ،فلهذا كانوا
مرتدين...
وقد شاهدنا عسكر القوم؛ فرأينا مجهورهم ال يصلون ،ومل نر يف عسكرهم مؤذن اً
وخربوا من ديارهم ما ال يعلمه إال
وال إماماً ،وقد أخذوا من أموال املسلمني وذراريهمّ ،
اهلل.
...وهم يف بالدهم –مع متكنهم -ال حيج ون ال بيت الع تيق ،وإن ك ان فيهم من
يصلي ويصوم؛ فليس الغالب عليهم إقام الصالة وإيتاء الزكاة.
وهم يق اتلون على ملك جنكس خان ،فمن دخل يف ط اعتهم جعل وه ولي اً هلم وإن
ك ان ك افراً ،ومن خ رج عن ذلك جعل وه ع دواً هلم وإن ك ان من خي ار املس لمني ،وال
والصغار.
يقاتلون على اإلسالم ،وال يضعون اجلزية َ
وهم حياربون املس لمني ويع ادوهنم أعظم مع اداة ،ويطلب ون من املس لمني الطاعة هلم
وبذل األموال ،والدخول فيما وضعه لهم –[أي :الياســق] -ذلك امللك الكافر املشرك
املشابه لفرعون أو النمرود وحنومها...
وه ذا الك افر [ غ ازان] عال يف األرض؛ يستض عف أهل امللل كلهم من املس لمني
واليهود والنصارى ومن خالفه من املشركني...
فهم ي ّدعون دين اإلس الم ،ويعظّم ون دين أولئك الكف ار على دين املس لمني،
ويطيع وهنم ويوال وهنم أعظم بكثري من طاعة اهلل ورس وله وم واالة املؤم نني ،والحكم فيما
شجر بين أكابرهم بحكم الجاهلية ،ال بحكم اهلل ورسوله.
وك ذلك األك ابر من وزرائهم وغ ريهم؛ جيعل ون دين اإلس الم ك دين اليه ود
والنصارى ،وأن هذه كلها طرق إىل اهلل؛ مبنزلة املذاهب األربعة عند املس لمني ...ومعلوم
باالض ــطرار من دين المس ــلمين ،وباتف ــاق جميع المس ــلمين؛ أن من س ــوغ اتب ــاع غ ــير
()61
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
دين اإلســالم ،أو اتبــاع شــريعة غــير شــريعة محمد صــلى اهلل عليه وســلم فهو كــافر...
وكل من قفز إليهم من أمـ ـ ــراء العسـ ـ ــكر وغـ ـ ــير األمـ ـ ــراء فحكمه حكمهم ،وفيهم من
الردة عن شرائع اإلسالم بقدر ما ارتد عنه من شــرائع اإلســالم ،وإذا كــان الســلف قد
ســمعوا مــانعي الزكــاة مرتــدين "مع كــونهم يصــومون ،ويصــلون ،ولم يكونــوا يقــاتلون
جماعة المس ــلمين" فكيف بمن ص ــار مع أع ــداء اهلل ورس ــوله ق ــاتالً للمس ــلمين؟! فمن
قفز عنهم إىل التت ار ك ان أحق بالقت ال من كثري من التت ار؛ ف إن التت ار فيهم املك ره وغري
املك ره ...وحنن علينا أن نقاتل العس كر مجيع ه؛ إذ ال يتم يز املك ره من غ ريه ...ومن زعم
أهنم يق اتلون كما تُقاتَل البغ اة املت أولون؛ فقد أخطأ خطأ قبيح اً ،وضل ض الالً بعي داً"
(جمموع الفتاوى.)531-28/509 :
"كل طائفة ممتنعة عن ال تزام ش ريعة من ش رائع اإلس الم الظ اهرة املت واترة من ه ؤالء
الق وم وغ ريهم ،فإنه جيب قت اهلم حىت يل تزموا ش رائعه ،وإن ك انوا مع ذلك ن اطقني
بالش هادتني ،ومل تزمني بعض ش رائعه ،كما قاتل أبو بكر الص ديق والص حابة –رضي اهلل
عنهم -مانعي الزكاة ،وعلى ذلك اتفق الفقهاء بعدهم بعد سابقة مناظرة عمر أليب بكر
رضي اهلل عنهم ا ،ف اتفق الص حابة –رضي اهلل عنهم -على القت ال على حق وق اإلس الم،
عمالً بالكتاب والسنة ...فأميا طائفة امتنعت من بعض الصلوات املفروضات ،أو الصيام،
أو احلج ،أو عن ال تزام حترمي ال دماء ،واألم وال ،واخلم ر ،والزن ا ،وامليس ر ،أو عن نك اح
ذوات احملارم ،أو عن التزام جهاد الكفار ،أو ضرب اجلزية على أهل الكتاب ،وغري ذلك
من واجبات الدين وحمرماته –اليت ال عذر ألحد يف جحودها وتركها -اليت يكفر اجلاحد
لوجوهبا ،ف إن الطائفة املمتنعة تقاتَل عليها وإن ك انت مق رة هبا .وه ذا مما ال أعلم فيه
خالف اً بني العلم اء .وإمنا اختلف الفقه اء يف الطائفة املمتنعة إذا أص رت على ت رك بعض
الس نن كركعيت الفج ر ،واألذان واإلقامة –عند من ال يق ول بوجوهبا -وحنو ذلك من
الشعائر...
وه ؤالء [أي :التت ار] عند احملققني من العلم اء ليس وا مبنزلة البُغ اة اخلارجني على
اإلمام ،أو اخلارجني عن طاعته ،كأهل الشام مع أمري املؤمنني علي بن أيب طالب –رضي
اهلل عنه -فإن أولئك خارجون عن طاعة إمام معني ،أو خارجون عليه إلزالة واليته .وأما
()62
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
الم ــذكورون فهم خ ــارجون عن اإلس ــالم ،مبنزلة م انعي الزك اة ،ومبنزلة اخلوارج ال ذين
قاتلهم علي بن أيب طالب رضي اهلل عنه.
...فهؤالء القوم –املسؤول عنهم -عسكرهم مشتمل على قوم كفار من النصارى
واملشركني ،وعلى قوم منتسبني إىل اإلسالم –وهم مجهور العسكر -ينطقون بالشهادتني
إذا طلبت منهم ،ويعظّمون الرسول ،وليس فيهم من يصلي إال قليل جداَ ،وصوم رمضان
أكثر فيهم من الصالة ،واملسلم عندهم أعظم من غريه ،وللصاحلني من املسلمني عندهم
ق در ،وعن دهم من اإلس الم بعض ه ،وهم متف اوتون في ه ،لكن ال ذي عليه ع ّامتهم وال ذي
يق اتلون عليه متض من ل رتك كثري من ش رائع اإلس الم أو أكثره ا ،ف إهنم أوالً يوجب ون
اإلسالم وال يقاتلون من تركه ،بل من قاتل على دولة املغول عظّموه وتركوه وإن كان
ك افراً ع دواً هلل ورس وله ،وكل من خ رج عن دولة املغ ول أو عليها اس تحلوا قتاله وإن
والص غار،
كان من خيار املسلمني .فال جياهدون الكفار ،وال يلزمون أهل الكتاب اجلزية َّ
وال ينهون أحداً من عسكرهم أن يعبد ما شاء من مشس أو قمر أو غري ذلك ،بل الظاهر
من س ريهتم أن املس لم عن دهم مبنزلة الع دل أو الرجل الص احل أو املتط وع من املس لمني،
والكافر عندهم مبنزلة الفاسق يف املسلمني أو مبنزلة تارك التطوع.
وك ذلك –أيض اً -ع امتهم ال حيرم ون دم اء املس لمني وأم واهلم ،إال أن ينه اهم عنها
سلطاهنم ،أي :ال يلتزمون تركها ،وإذا هناهم عنها أو عن غريها أطاعوه لكونه سلطاناً ال
مبج رد ال دين .وع امتهم ال يل تزمون أداء الواجب ات ،ال من الص الة ،وال من الزك اة ،وال
من احلج ،وال غري ذلك ،وال يلــتزمون الحكم بينهم بحكم اهلل ،بل يحكمــون بأوضــاع
لهم توافق اإلســالم تــارة وتخالفه أخــرى .وإمنا كان امللتزم لشرائع اإلسالم الشيزبرون،
وهو الذي أظهر من شرائع ما استفاض عند الناس .وأما هؤالء فدخلوا فيه وما الــتزموا
شرائعه.
وقتال هذا الضرب واجب بإجماع المسلمين ،وما يشك في ذلك من عرف دين
اإلسالم وعرف حقيقة أمرهم ،فإن هذا املسلم الذي هم عليه ودين اإلسالم ال جيتمعان
أبداً" (جمموع الفتاوى.)506-28/502 :
* فائدة :يف حال التتار وطوائفهم الذين حارهبم املسلمني يف زمن ابن تيمية:
()63
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
-وطائفة ك انت مس لمة فارت ّدت عن اإلس الم ،وانقلبت على عقبيه ا؛ من الع رب،
والف رس ،وال روم ،وغ ريهم .وه ؤالء أعظم جرم اً عند اهلل وعند رس وله واملؤم نني من
الك افر األص لي من وج وه كث رية .ف إن ه ؤالء جيب قتلهم حتم اً ما مل يرجع وا إىل ما
خرج وا عن ه ،وال جيوز أن يُعقد هلم ذم ة ،وال هدن ة ،وال أم ان ،وال يُطلَق أس ريهم ،وال
يف ادى مبال وال رج ال ،وال تؤكل ذب ائحهم ،وال تُنكح نس ائهم ،وال يس رتقون ،مع
بق ائهم على ال ردة باالتف اق ،ويُقتَل من قاتل منهم ومن مل يُقات ل؛ كالش يخ اهلرم،
والز ِمن؛ باتفاق العلماء ،وكذا نساؤهم عند اجلمهور...
واألعمىَّ ،
-وفيهم –أيض اً -من ك ان ك افراً؛ فانتسب لإلس الم ومل يل تزم ش رائعه؛ من إقامة
الصالة ،وإيتاء الزكاة ،وحج البيت ،والكف عن دماء املسلمني وأمواهلم ،والتزام اجلهاد
يف سبيل اهلل ،وضرب اجلزية على اليهود والنصارى ،وغري ذلك.
وهــؤالء يجب قتــالهم بإجمــاع المســلمين ،كما قاتل الصــديق مــانعي الزكــاة ،بل
ه ــؤالء شر منهم من وج ــوه ،وكما قاتل الص ــحابة –أيض ـاً -مع أم ــير المؤم ــنين –علي
رضي اهلل عنه -الخوارج بأمر رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم...
-وفيهم ص نف رابع شر من ه ؤالء ،وهم ق وم ارت دوا عن ش رائع اإلس الم ،وبق وا
مستمسكني باالنتساب إليه .فهؤالء الكفار المرتــدون ،والــداخلون فيه من غــير الـتزام
لشـ ـ ـ ــرائعه ،والمرتـ ـ ـ ــدون عن شـ ـ ـ ــرائعه ال عن سـ ـ ـ ــمته ،كلهم يجب قتـ ـ ـ ــالهم بإجمـ ـ ـ ــاع
المسلمين؛ حتى يلتزموا شرائع اإلسالم( "...جمموع الفتاوى.)416-413 /28 :
()64
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
* فـائ ـ ــدة:
يت بني من خالل نص وص ابن تيمي ة؛ أن من خ رج عن الش ريعة وال دين اإلس المي،
كمن شرع أو اتبع شريعة غري شريعة اإلسالم ،وسن هلا القوانني والتشريعات ،فمن فعل
ذلك فهو كافر مرتد وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم ،ويقاتل كقتال أيب بكر رضي اهلل
عنه والصحابة ملانعي الزكاة الكفرة املرتدين ،وقد نص ابن تيمية على كفر مانعي الزكاة
يف مواضع كث رية ج داً يف فتاوي ه ،وأيض اً من انضم إىل ه ؤالء –اخلارجني عن الش ريعة
املرت دين -من املس لمني وص ار يف جن دهم ص ار مرت داً مثلهم .فه ؤالء التت ار ش ابه ح اهلم
ح ال الكف ار يف زمانن ا ،فجند التت ار يق اتلون على ملك جنكس خان وعص بية جلنس هم
الت رتي ،وجن ود الط واغيت يق اتلون دفاع اً عن كراسي أس يادهم ودفاع اً عن مب ادئهم
الكفرية من قومية وعلمانية ،وعن صنمهم املسمى الوطن واألرض ،وأن أكابرهم جيعلون
دين اإلسالم كدين اليهود والنصارى ،وكلها طرق إىل اهلل ،كدعاة جهنم يف زماننا الذين
ي دعون إىل وح دة األدي ان ،وأن اجلميع أبن اء إب راهيم عليه الس الم ،وأننا واليه ود أبن اء
عمومة ،وأن عسكر التتار فيه النصارى واملشركون ومن كان منتسباً لإلسالم ،وعسكر
الق وم الي وم ك ذلك ،فال والء وال ب راء .وأن التت ار ال جياه دون الكف ار بل تع اونوا مع
األرمن ونص ارى ق ربص ضد املس لمني ،واحلال الي وم ك ذلك فالقت ال موجه للمس لمني،
والسجون والزنازين وحبال املشانق للمسلمني ،أما الكفار أصحاب العيون الزرق فلهم
البالد كلها يصولون وجيولون.
وعامة جند التتار ال يلتزمون الواجبات من صالة وصيام وزكاة ،أي تركوا جنس
العمل ،وعامة جيوش الطغاة كذلك.
وأخ رياً؛ أخرب ابن تيمية أن قت ال التت ار واجب ،ونق ول :وقت ال ط واغيت عص رنا
واجب أيضاً .ا.هـ
"وكما ذم املدعني لإلميان بالكتب كلها؛ وهم يرتكون التحاكم إىل الكتاب والسنة،
ويتح ــاكمون إلى بعض الط ــواغيت المعظمة من دون اهلل؛ كما يص يب ذلك كث رياً ممن
ي ــدعي اإلس ــالم وينتحل ه؛ يف حتاكمهم إىل مق االت الص ابئة الفالس فة أو غ ريهم ،أو إىل
()65
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
سياسة بعض الملوك الخارجين عن شريعة اإلسالم من ملوك الترك وغــيرهم" (جمموع
الفتاوى.)12/339 :
"فإن احلاكم إذا كان ديِّن اً لكنه حكم بغري علم؛ كان من أهل النار ،وإن كان عاملاً
لكنه حكم خبالف احلق الذي يعلمه؛ كان من أهل النار ،وإذا حكم بال عدل وال علم؛
كان أوىل أن يكون من أهل النار .وهذا إذا حكم يف قضية معينة لشخص.
وأما إذا حكم حكمـ ـ ـاً عامـ ـ ـاً يف دين املس لمني ،فجعل احلق ب اطالً والباطل حق اً،
والس نة بدعة والبدعة س نة ،واملع روف منك راً واملنكر معروف اً ،وهنى عما أمر اهلل به
ورس وله ،وأمر مبا هنى اهلل عنه ورس وله؛ فه ذا ل ون آخر حيكم فيه رب الع املني ،وإله
املرسلني ،مالك يوم الدين" (جمموع الفتاوى.)35/388 :
()66
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
" فمن ت رك الش رع احملكم املنزل على حممد بن عبد اهلل خ امت األنبي اء ،وحتاكم إىل
غري من الش رائع املنس وخة؛ كف ــر ،فكيف مبن حتاكم إىل الياسق وق دمها علي ه؟! من فعل
ذلك كفر بإجماع المسلمين" (البداية والنهاية.)13/128 :
* قال ابن القيم –رمحه اهلل -يف بيان حكم من ح ّكم يف القضايا املعينة" :والصحيح
أن احلكم بغري ما أنزل اهلل يتناول الكفرين األصغر واألكرب حبسب حال احلاكم ،فإنه إن
اعتقد وج وب احلكم مبا أن زل اهلل في ه ــذه الواقعةـ ،وع دل عنه عص ياناً ،مع اعرتافه بأنه
مستحق للعقوبة؛ فهذا كفر أصغر ،وإن اعتقد أنه غري واجب وأنه خمري فيه ،مع تيقنه بأنه
حكم اهلل؛ فه ذا كفر أك رب ،وإن َج ِهله وأخط أه فه ذا خمطئ له حكم املخط ئني" (م دارج
السالكني.)1/337 :
"وإذا حكم بغري ما أنزل اهلل ،أو فعل ما مساه رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم كفراً،
وهو ملتزم لإلسالم وشرائعه ،فقد قام به كفر وإسالم" (الصالة :ص.)33
* ق ال العالمة ابن أيب العز احلنفي –رمحه اهلل -يف بي ان ُحكم من ح ّكم يف القض ايا
املعين ة :وهنا أمر جيب التفطن له؛ وه و :أن احلكم بغري ما أن زل اهلل قد يكون كف راً ينقل
عن امللة ،وقد يكون معصية كبرية أو صغرية ،ويكون كفراً إما جمازي اً ،وإما كفراً أصغر،
على القولني املذكورين .وذلك حبسب حال احلاكم ،فإنه إن اعتقد أن احلكم مبا أنزل اهلل
غري واجب ،وأنه خمري في ه ،أو اس تهان به مع تيقنه أنه حكم اهلل؛ فه ذا كفر أك رب .وإن
اعتقد وج وب احلكم مبا أن زل اهلل ،وعلمه يف هـ ــذه الواقعـ ــة ،وع دل عنه مع اعرتافه بأنه
مس تحق للعقوب ة؛ فه ذا ع اص ،ويس مى ك افراً كف راً جمازي اً أو كف راً أص غر" (ش رح
الطحاوية.)324-323 :
()67
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
المحتويات
املقدمة
* العالمة حممد بن إبراهيم آل الشيخ رمحه اهلل تعاىل
* العالمة الشيخ أمحد شاكر رمحه اهلل تعاىل
* الشيخ حممود شاكر رمحه اهلل تعاىل
* الشيخ حممد أمني الشنقيطي رمحه اهلل تعاىل
* الشيخ عبد الرزاق عفيفي رمحه اهلل تعاىل
* الشيخ عبد اهلل بن حممد الغنيمان
* الشيخ محود بن عقالء الشعييب رمحه اهلل
* الشيخ ابن عثيمني رمحه اهلل
* رس الة بعن وان "وج وب حتكيم ش ريعة اهلل ،وحكم من حكم بغريه ا" لع دد من
العلم اء؛ هم (حممد بن إب راهيم ،وعبد العزيز الش ثري ،وعبد اللطيف بن إب راهيم ،وعمر
بن حس ن ،وعبد العزيز بن ب از ،وعبد اهلل بن محي د ،وعبد اهلل بن عقي ل ،وعبد العزيز بن
رشيد ،وعبد اللطيف بن حممد ،وحممد بن عودة ،وحممد بن مهيزع)
* الشيخ حممد حامد الفقي رمحه اهلل
* الشيخ عبد اهلل بن جربين
* الشيخ صاحل بن فوزان الفوزان
* شيخ اإلسالم مصطفى صربي رمحه اهلل
* عبد الرمحن بن حممد الدوسري
* الشيخ عبد الرمحن بن حممد بن قاسم رمحه اهلل
* الشيخ العالمة عبد الرمحن السعدي رمحه اهلل
* الشيخ محود التوجيري رمحه اهلل
* الشيخ عبد اهلل بن قعود رمحه اهلل
* الشيخ صاحل بن إبراهيم البليهي
* الشيخ حممود األلوسي رمحه اهلل
* حممد الكتاين رمحه اهلل
* الشيخ العالمة حممد رشيد رضا رمحه اهلل
* الشيخ إمساعيل األزهري السلفي رمحه اهلل
()68
منرب التوحيد واجلهاد
الـص ـراط
()69
منرب التوحيد واجلهاد