الصراط ـ عبد الله ياسين

You might also like

Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 69

‫الـص ــراط‬

‫عبد اهلل ياسين‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫المقدمةـ‬
‫الـص ـراط‬

‫إن احلمد هلل‪ ،‬حنمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن سيئات‬
‫أعمالنا‪ ،‬من يهده اهلل فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‪.‬‬

‫وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن حممداً عبده ورسوله‪.‬‬

‫أما بع د‪ ،‬فه ذه رس الة مجعت فيها أق وال أئمة وعلم اء املس لمني يف كفر وردة َمن‬
‫ح ّكم الق وانني الوض عية‪ ،‬وأيض اً الف رق بني من جعل الق وانني الوض عية تش ريعاً عام اً‬
‫وقانون اً ملزم اً‪ ،‬وبني من ك ان حيكم بالش رع احلكيم من كت اب وس نة‪ ،‬ولكنه حكم يف‬
‫مسألة أو قضية خبالف الشرع‪ ،‬ومل جيعله قانوناً أو شرعاً هلوى يف نفسه‪ ،‬أو ملصلحة‪ ،‬أو‬
‫لظلم احملكوم عليه‪ .‬فمن حكم بالقوانني الوضعية فهو كافر مرتد‪ ،‬أما من حكم يف مسألة‬
‫أو قض ية هلوى أو ظلم أو رش وة أو غريها من غري اعتق اد‪ ،‬بل هو يعتقد أنه ع اص هلل‬
‫تعاىل‪ ،‬فهذا فاسق وعاص هلل وال يكفر‪.‬‬

‫ومن ق رأ أق وال األئمة علم يقين اً كفر وردة َمن ح ّكم الق وانني الوض عية‪ ،‬وكيف أن‬
‫أئمة املسلمني جاهدوا الطواغيت بأقالمهم‪ ،‬ومل يبخلوا على املسلمني يف بيان أمرهم منذ‬
‫ب دء ظه ورهم وعل وهم على أهل اإلس الم؛ وذلك منذ منتصف الق رن التاسع عشر‬
‫امليالدي‪ ،‬ولكن عم أم رهم على كافة البالد اإلس المية والعربية إال القليل ج داً؛ منذ‬
‫سقوط اخلالفة العثمانية يف العقد الثاين من القرن العشرين‪ ،‬فصار العلمانيون املارقون هم‬
‫حكام املسلمني‪ ،‬وبسبب قلة العلم واإلميان –كما هو معلوم‪ -‬قُبِل هذا الداخل الغريب‬
‫على جسد األمة‪ ،‬ومل جياهد كما فعل أجدادنا عندما جاهدوا التتار حينما حاولوا إدخال‬
‫"الياسق" إىل بالد اإلسالم‪ ،‬وهو أول دستور كفري حُي كم به يف بالدنا‪َ ( ،‬ولَـكِ َّ‬
‫ن الل ّ َه‬
‫م)‪ ،‬وانربي هلم سالطني املسلمني املماليك آنذاك وعلماء املسلمني العاملني وعلى‬ ‫سلَّ َ‬
‫َ‬
‫رأسهم ابن تيمية‪ ،‬فقاتلوهم وقتلوهم‪.‬‬

‫وحكما إىل يومنا ه ذا بق انون أوروبا‬


‫وحلت مص يبة إقص اء ال دين عن احلي اة‪ُ ،‬‬
‫ص ب علينا حكام من أبناء جلدتنا يتكلمون بلساننا‪،‬‬‫وأقصي القرآن والسنة‪ ،‬ونُ ِّ‬
‫َ‬ ‫وأمريكا‪،‬‬
‫وال ي دينون ب ديننا‪ ،‬بل دينهم العلمانية واالش رتاكية والبعثية وغريها مما هو مع روف‪،‬‬
‫وذلك بعد أن وضعهم أسيادهم الروم من أوروبا وأمريكا على سدة احلكم‪ ،‬فتغري احلاكم‬
‫وبقي القانون الوثين رابضاً على قلوب األمة‪.‬‬

‫(‪)2‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫وما احلال يف بالد الراف دين الي وم؛ إال نس خة وص ورة ملا ك ان قد حصل إب ان‬
‫االس تعمار األورويب لبالد اإلس الم‪ ،‬فقد رحل االس تعمار ووضع أفراخه ب دالً عن ه‪ ،‬وها‬
‫هم يض عون يف بالد الراف دين ط اغوت ف اجر؛ ليحكم املس لمني‪ ،‬ولكن هيه ات؛ فأس ود‬
‫ين‬
‫د ِ‬ ‫ظ ِه َر ُه َعلَى ال ِّ‬
‫اإلس الم هلم باملرص اد‪ ،‬فاهلل عز وجل وع دنا‪ ،‬ووع ده حق (لِ ُي ْ‬
‫ن ا ْل َه َوى‪ ،‬إِنْ ُ‬
‫ه َو إِاَّل‬ ‫ق َع ِ‬‫ط ُ‬‫ه)‪ ،‬ورس ولنا ص لى اهلل عليه وس لم ( َو َما يَن ِ‬‫ُك ِل ّ ِ‬
‫حى) القائل –كما يف احلديث الص حيح‪" :-‬مث تك ون خالفة على منه اج‬ ‫ي ُيو َ‬
‫ح ٌ‬ ‫َو ْ‬
‫النبوة"‪ ،‬بعد امللك اجلربي الذي نعيش زمانه‪.‬‬

‫ولكن؛ اعلموا أيها املسلمون‪ ،‬أن نبيكم صلى اهلل عليه وسلم جاهد بضعاً وعشرين‬
‫غزوة يف عشر سنني‪ ،‬والصحابة الكرام من بعده‪ ،‬وما قام الدين إال ببذل النفس واملال يف‬
‫س بيل اهلل‪ ،‬فرس ولنا الك رمي ص لى اهلل عليه وس لم ُش َّج وجهه الك رمي‪ ،‬وس ال دمه الط اهر‬
‫واغربت قدماه‪ ،‬والصحابة بذلوا نفوسهم وقُتل من قُتل شهيداً‬ ‫الزكي‪ ،‬وكسرت رباعيته‪ّ ،‬‬
‫بش ر هبا الرس ول ص لى اهلل عليه وس لم إال‬ ‫يف س بيل اهلل‪ ،‬ولن تع ود اخلالفة الراش دة اليت ّ‬
‫ما يَ ْعلَ ِ‬
‫م الل ُّه‬ ‫ج َّن َة َولَ َّ‬
‫خلُو ْا ا ْل َ‬‫م أَن تَ ْد ُ‬‫س ْب ُت ْ‬
‫ح ِ‬ ‫بال دم واملال والنفس؛ (أَ ْم َ‬
‫ين)‪.‬‬
‫صابِ ِر َ‬‫م ال َّ‬‫ُم َويَ ْعلَ َ‬‫ه ُدو ْا ِمنك ْ‬
‫جا َ‬
‫ين َ‬‫الَّ ِذ َ‬

‫فالرسول صلى اهلل عليه وسلم ومعه أصحابه جاهدوا مشركي العرب والعجم‪ ،‬ومن‬
‫بع ده الص حابة رض وان اهلل عليهم جاه دوا املرت دين من م دعي النب وة وم انعي الزك اة‪،‬‬
‫وك انوا كلمة واح دة يف ردة م انعي الزك اة ال ذين امتنع وا عن ش ريعة من ش رائع ال دين‪،‬‬
‫ين ُكل ُّ ُه‬‫د ُ‬ ‫وأرادوا اإلحلاد يف دين اهلل وجعله أج زاء‪ ،‬ولكن ي أىب اهلل حىت ( َويَكُونَ ال ِّ‬
‫لِل ّه)‪ ،‬فمن أراد أال يك ون ال دين كله هلل؛ كاملش رعني للنظم الوثنية يف زمانن ا‪ ،‬فه ؤالء‬
‫ك إخواهنم من م انعي الزك اة يف زمن الص ديق رضي اهلل عن ه‪ ،‬وعلى املس لمني أن يقت دوا‬
‫بسلفهم من الصحابة يف تكفريهم وحرهبم واستئصال شأفتهم ليكون الدين كله هلل‪.‬‬

‫ويف اخلت ام أخي املس لم؛ أوص يك بتق وى اهلل‪ ،‬والعمل لدينه إلقامة ش رعه‪ ،‬و(إِالَّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تَنفُرواْ يُ َع ِّذبْ ُك ْم َع َذاباً أَليماً َويَ ْستَْبد ْل َق ْوماً َغْيَر ُك ْم َوالَ تَ ُ‬
‫ضُّروهُ َشْيئاً)‪.‬‬

‫صــ َر ُه الل ّــ ُه)‪ .‬وعليكم‬ ‫نصــ ُرو ُه َفق ْ‬


‫َــد نَ َ‬ ‫وإن مل تنص روا دين اهلل‪ ،‬فـ(إِال َّ تَ ُ‬
‫ميعـاً َوال َ تَ َف َّر ُقــو ْا)‪ ،‬ف اقرؤوا ت ارخيكم؛ فما‬ ‫ج ِ‬‫ه َ‬ ‫ـل الل ّـ ِ‬ ‫مو ْا بِ َ‬
‫ح ْبـ ِ‬ ‫ص ُ‬
‫اع َت ِ‬‫بـ( َو ْ‬
‫ض ربت علينا الذلة إال باختالفنا وتفرقن ا‪ ،‬وبس بب ذنوبن ا‪ ،‬وحبنا لل دنيا‪َ ( ،‬واَل تَكُو ُنوا‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫ً‬
‫شـيَعا ُكـ ُّ‬ ‫م َو َكــا ُنوا ِ‬‫ين َف َّر ُقــوا ِدي َن ُه ْ‬
‫ن الَّ ِذ َ‬ ‫ين‪ِ ،‬م َ‬
‫شـ ِركِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ا ْل ُ‬‫ِم َ‬

‫(‪)3‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫حونَ )‪ ،‬ومن االعتصام حببل اهلل ونبذ الفرقة‪ ،‬أن نكون على‬ ‫م َف ِر ُ‬ ‫ما لَ َد ْي ِه ْ‬ ‫ب بِ َ‬‫ح ْز ٍ‬
‫ِ‬
‫ما ك ان عليه رسول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم وص حابته؛ عقي دة وعلم اً وعمالً‪ ،‬فص راط‬
‫سـ َت ِقيماً َفــاتَّبِ ُعو ُه)‪ ،‬أما ط رق الض الل‬ ‫طي ُم ْ‬ ‫ص َرا ِ‬ ‫هـذَا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫اهلل واحد ( َوأَ َّ‬
‫والغواية واإلحلاد فهي كث رية‪ ،‬فه ذه س بل‪ ،‬والس بل مآهلا إىل الن ار ( َوال َ تَ َّتبِ ُعــو ْا‬
‫ه)‪ ،‬وأن جنعل عقي دتنا حية يف قلوبنا نعمل‬ ‫سبِيلِ ِ‬ ‫ُم َعن َ‬ ‫ق بِك ْ‬ ‫ل َف َت َف َّر َ‬ ‫الس ُب َ‬
‫ُّ‬
‫هبا كما ن ؤمن هبا‪ ،‬ال مبج رد حرب على ورق كما حصل مع األدعي اء‪ ،‬ف إهنم إىل زوال ال‬
‫ج َفاء)‪ ،‬وأما أهل الس نة‪ ،‬أهل التوحيد واجله اد‪ ،‬فهم‬ ‫ب ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫حمالة ( َفأَ َّما ال َّزبَ ُد َفيَذْ َ‬
‫ُث فِي‬ ‫مك ُ‬ ‫اس َفيَ ْ‬ ‫ب اقون ويف ازدي اد –إن ش اء اهلل‪َ ( -‬وأَ َّما َمــا يَن َفــ ُع ال َّن َ‬
‫ض) وهم الذين قال فيهم الصادق املصدوق‪" :‬ال تزال طائفة من أميت ظاهرين على‬ ‫األ َ ْر ِ‬
‫احلق‪ ،‬ال يض رهم من خ الفهم‪ ،‬وال من خ ذهلم‪ ،‬حىت تق وم الس اعة"‪ ،‬هم اجملاه دون يف‬
‫فلسطني‪ ،‬والعراق‪ ،‬وأفغانستان‪ ،‬والشيشان‪ ،‬وكشمري‪ ،‬واجلزائر‪ ،‬فهذه الطائفة املنصورة‬
‫–بإذن اهلل‪ -‬ستبقى جتاهد حىت تقيم حكم اهلل يف أرض اهلل‪ ،‬وحىت يبايعون خليفة رسول‬
‫ضو ْا بِأَن‬ ‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم حممد بن عبد اهلل وهو املهدي‪ ،‬أما األدعياء ف إهنم ( َر ُ‬
‫ُم َعـ ذَاباً‬ ‫ذ ْبك ْ‬ ‫ـرو ْا ُي َعـ ِّ‬‫ف)‪ ،‬ف أقول لألدعي اء‪( :‬إِال َّ تَن ِفـ ُ‬ ‫خ َوالِـ ِ‬‫ع ا ْل َ‬ ‫يَكُو ُنو ْا َم َ‬
‫ش ْيئاً)‪.‬‬‫ض ُّرو ُه َ‬ ‫ُم َوال َ تَ ُ‬‫ل َق ْوماً َغ ْي َرك ْ‬ ‫س َت ْب ِد ْ‬ ‫أَلِيماً َويَ ْ‬

‫ات ُه َّن أ ُُّم الْ ِكتَ ِ‬


‫اب‬ ‫ٌ‬ ‫ات حُّمْ َك َم‬
‫ٌ‬ ‫اب ِمْن هُ آي‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ك الْ ِكتَ‬ ‫ي أَن َز َل َعلَْي َ‬ ‫َ‬ ‫وأخ رياً أق ول‪ُ ( :‬ه َو الَّ ِذ‬
‫ين يف ُقلُ وهِبِ ْم َزيْ ٌغ َفيَتَّبِعُ و َن َما تَ َش ابَهَ ِمْن هُ ابْتِغَ اء الْ ِفْتنَ ِة َوابْتِغَ اء‬ ‫َّ ِ‬
‫ات فَأ ََّما الذ َ‬
‫هِب‬
‫ُخ ُر ُمتَ َش ا َ ٌ‬
‫َوأ َ‬
‫الس بُ َل َفَت َف َّر َق بِ ُك ْم َعن َس بِيلِ ِه)‪،‬‬‫اطي ُم ْس تَ ِقيماً فَ اتَّبِعُوهُ َوالَ َتتَّبِعُ واْ ُّ‬ ‫َن هـ َذا ِص ر ِ‬
‫َ‬
‫ِِ‬
‫تَأْ ِويل ه)‪َ ( ،‬وأ َّ َ‬
‫ِ‬ ‫يِف ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫( َو َمن َيْبتَ ِغ َغْيَر ا ِإل ْسالَم ديناً َفلَن يُ ْقبَ َل مْنهُ َو ُه َو اآلخَرة م َن اخْلَاس ِر َ‬
‫ين)‪.‬‬

‫والسالم عليكم ورمحة اهلل وبركاته‪.‬‬

‫(‪)4‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫أقوال األئمة والعلماء في الحكم بالقوانين‬


‫الوضعية‪ ،‬وفي التفريق بين الحكم في‬
‫القضايا المعيّنة والتشريع العام‬
‫* العالمة محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه اهلل تعالى‪:‬‬

‫ق ال العالمة حممد بن إب راهيم آل الش يخ –رمحه اهلل – يف رس الته الش هرية "حتكيم‬
‫الق وانني‪" :‬إن من الكفر األك ـ ــبر المس ـ ــتبين‪ ،‬تنزيل الق ـ ــانون اللعين‪ ،‬منزلة ما ن ـ ــزل به‬
‫ال ــروح األمين‪ ،‬على قلب محمد ص ــلى اهلل عليه وس ــلم‪ ،‬ليك ون من املن ذرين‪ ،‬بلس ان‬
‫ع ريب م بني‪ ،‬يف احلكم به بني الع املني‪ ،‬وال رد إليه عند تن ازع املتن ازعني‪ ،‬مناقضة ومعان دة‬
‫ه‬‫ـردُّو ُه إِلَى الل ّ ـ ِ‬
‫ي ٍء َفـ ُ‬
‫شـ ْ‬ ‫م فِي َ‬ ‫لق ول اهلل عز وج ل‪َ ( :‬فـ ِ‬
‫ـإن تَ َنــا َز ْع ُت ْ‬
‫ـر‬
‫خ ْيـ ٌ‬ ‫ك َ‬‫ـر َذلِ ـ َ‬
‫خـ ِ‬‫ه َوا ْليَ ـ ْو ِم اآل ِ‬
‫م ُت ْؤ ِم ُنــونَ بِالل ّ ـ ِ‬ ‫ول إِن كُن ُت ْ‬ ‫سـ ِ‬ ‫الر ُ‬
‫َو َّ‬
‫ْ‬
‫ن تَأ ِويال ً)‪...‬‬
‫س ُ‬
‫ح َ‬ ‫َوأَ ْ‬
‫ِ‬
‫ك ُه ُم الْ َك افُرو َن)‪َِ( ،‬و َمن مَّلْ‬ ‫َنز َل اللّ هُ فَأ ُْولَـئِ َ‬
‫َ‬ ‫قال تعاىل بعد ذلك‪َ ( :‬و َمن مَّلْ حَيْ ُكم مِب َا أ‬
‫ِ‬
‫ك ُه ُم‬ ‫ك ُه ُم الظَّال ُمو َن)‪َ ( ،‬و َمن مَّلْ حَيْ ُكم مِب َا أَن َز َل اللّ هُ فَأ ُْولَـئ َ‬ ‫حَيْ ُكم مِب َا أن َز َل اللّ هُ فَأ ُْولَـئِ َ‬
‫اس ُقو َن)‪.‬‬‫الْ َف ِ‬

‫ف انظر كيف س ّجل تع اىل على احلاكمني بغري ما أن زل اهلل الكفر والظلم والفس وق‪،‬‬
‫ومن املمتنع أن يس مي اهلل س بحانه احلاكم بغري ما أن زل اهلل ك افراً وال يك ون ك افراً‪ ،‬بل‬
‫هو ك افر مطلق اً‪ ،‬إما كفر عمل وإما كفر اعتق اد‪ ،‬وما ج اء عن ابن عب اس –رضي اهلل‬
‫عنهم ا‪ -‬يف تفسري ه ذه اآلية من رواية ط اووس وغ ريه ي دل أن احلاكم بغري ما أن زل اهلل‬
‫كافر إما كفر اعتقاد ناقل عن امللة‪ ،‬وإما كفر عمل ال ينقل عن امللة‪.‬‬

‫أما األول‪ :‬وهو كفر االعتقاد فهو أنواع‪:‬‬

‫أح ـ ــدها‪ :‬أن جيحد احلاكم بغري ما أن زل اهلل أحقية حكم اهلل ورس وله وهو معىن ما‬
‫روي عن ابن عب اس‪ ،‬واخت اره ابن جرير أن ذلك هو جح ود ما أن زل اهلل من احلكم‬
‫الشرعي‪ ،‬وهذا ما ال نزاع فيه بني أهل العلم‪ ،‬فإن األصول املتقررة املتفق عليها بينهم أن‬
‫من جحد أص الً من أصول الدين أو فرع اً جممع اً عليه‪ ،‬أو أنكر حرف اً مما جاء به الرسول‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬قطعياً‪ ،‬فإنه كافراً الكفر الناقل عن امللة‪.‬‬

‫(‪)5‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫الثـ ــاني‪ :‬أن ال جيحد احلاكم بغري ما أن زل اهلل ك ون حكم اهلل ورس وله حق اً‪ ،‬لكن‬
‫اعتقد أن حكم غري الرس ول ص لى اهلل عليه وس لم أحسن من حكم ه‪ ،‬وأمت وأمشل؛ ملا‬
‫حيتاجه الن اس من احلكم بينهم عند التن ازع‪ ،‬إما مطلق اً أو بالنس بة إىل ما اس تجد من‬
‫احلوادث‪ ،‬اليت نش أت عن تط ور الزم ان وتغري األح وال‪ ،‬وه ذا أيض اً ال ريب أنه ك افر‪،‬‬
‫لتفض يله أحك ام املخل وقني اليت هي حمض زبالة األذه ان‪ ،‬وص رف ُحثالة األفك ار‪ ،‬على‬
‫حكم احلكيم احلميد‪...‬‬

‫الثالث‪ :‬أن ال يعتقد كونه أحسن من حكم اهلل ورسوله‪ ،‬لكن اعتقد أنه مثله‪ ،‬فهذا‬
‫ك النوعني ال ذين قبل ه‪ ،‬يف كونه ك افراً الكفر الناقل عن املل ة‪ ،‬ملا يقتض يه ذلك من تس وية‬
‫ي ٌء)‪،‬‬
‫شـ ْ‬‫ه َ‬ ‫س َك ِ‬
‫م ْثلِـ ِ‬ ‫املخل وق باخلالق واملناقضة واملعان دة لقوله عز وج ل‪( :‬لَ ْي َ‬
‫وحنوها من اآليات الكرمية‪ ،‬الدالة على تفرد الرب بالكمال‪ ،‬وتنزيهه عن ممثالة املخلوقني‪،‬‬
‫يف الذات والصفات واألفعال واحلكم بني الناس فيما يتنازعون فيه‪.‬‬

‫الراب ــع‪ :‬أن ال يعتقد ك ون حكم احلاكم بغري ما أن زل اهلل مماثالً حلكم اهلل ورس وله‪،‬‬
‫فض الً عن أن يعتقد كونه أحسن من ه‪ ،‬لكن اعتقد ج واز احلكم مبا خيالف حكم اهلل‬
‫ورس وله‪ ،‬فه ذا كال ذي قبله يص ُد ُق عليه ما يص دق علي ه‪ ،‬العتق اده ج واز ما علم‬
‫بالنصوص الصحيحة الصرحية القاطعة حترميه‪.‬‬

‫الخ ــامس‪ :‬وهو أعظمها وأش ــملها وأظهرها معان ــدة للش ــرع‪ ،‬ومك ــابرة ألحكام ــه‪،‬‬
‫ومش ـ ــاقةـ هلل ورس ـ ــوله‪ ،‬ومض ـ ــاهاة بالمح ـ ــاكم الش ـ ــرعية‪ ،‬إع ـ ــداداً وإم ـ ــدادا وإرص ـ ــادا‬
‫وتأصيال‪ ،‬وتفريعا وتشكيال وتنويعا وحكما وإلزاما‪ ،‬ومراجع ومستندات‪.‬‬

‫فكما أن للمح ـ ــاكم الش ـ ــرعية مراجع مس ـ ــتمدات‪ ،‬مرجعهاـ كلها إلى كت ـ ــاب اهلل‬
‫وسنة رسوله صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫فلهــذه المحــاكم مراجــع‪ ،‬هي‪ :‬القــانون المل ّفق من شــرائع شــتى‪ ،‬وقــوانين كثـيرة‪،‬‬
‫كالقــانون الفرنســي‪ ،‬والقــانون األمــريكي‪ ،‬والقــانون البريطــاني‪ ،‬وغيرها من القــوانين‪،‬‬
‫ومن مذاهب بعض البدعيين المنتسبين إلى الشريعة وغير ذلك‪.‬‬

‫فه ــذه المح ــاكم في كث ــير من أمص ــار اإلس ــالم مهي ــأة مكمل ــة‪ ،‬مفتوحة األب ــواب‪،‬‬
‫والنـ ـ ــاس إليها أسـ ـ ــراب إثر أسـ ـ ــراب‪ ،‬يحكم حكامها بينهم بما يخـ ـ ــالف حكم السـ ـ ــنة‬

‫(‪)6‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫والكتاب‪ ،‬من أحكام ذلك القانون‪ ،‬وتلزمهمـ به‪ ،‬وتقرهم عليه‪ ،‬وتحتمه عليهم‪ ..‬فأي‬
‫كفر ف ـ ــوق ه ـ ــذا الكف ـ ــر‪ ،‬وأي مناقضة للش ـ ــهادة ب ـ ــأن محم ـ ــداً رس ـ ــول اهلل بعد ه ـ ــذه‬
‫المناقضة‪.‬‬

‫ِ‬
‫وذ ْكر أدلة مجيع ما ق دمنا على وجه البسط معلومة معروف ة‪ ،‬ال حيتمل ذكرها ه ذا‬
‫املوضع‪.‬‬

‫فيا معشر العقالء! ويا مجاعات األذكياء وأويل النّها!‬

‫كيف ترض ــون أن تج ــري عليكم أحك ــام أمث ــالكم‪ ،‬وأفك ــار أش ــباهكم‪ ،‬أو من هم‬
‫دونكم‪ ،‬ممن يجوز عليهم الخطأ‪ ،‬بل خطأهم أكثر من صوابهم بكثير‪ ،‬بل ال صــواب‬
‫في حكمهم إال ما هو مستمد من حكم اهلل ورسوله‪ ،‬نصاً أو استنباطا؟!!‬

‫تدعونهم يحكمـون في أنفسـكم ودمـائكم وأبشـاركم‪ ،‬وأعراضـكم وفي أهـاليكم‬


‫من أزواجكم وذراريكم‪ ،‬وفي أم ــوالكم وس ــائر حق ــوقكم!! وي ــتركون ويرفض ــون أن‬
‫يحكمــوا فيكم بحكم اهلل ورس ــوله‪ ،‬ال ــذي ال يتطــرق إليه الخطــأ‪ ،‬وال يأتيه الباطل من‬
‫بين يديه وال من خلفه تنزيل من حكيم حميد!!‬

‫وخضـــوع النـــاس ورضـــوخهم لحكم ربهم خض ــوع ورض ــوخ لحكم من خلقهم‬
‫تعـ ـ ــالى ليعبـ ـ ــدوه؛ فكما ال يسـ ـ ــجد الخلق إال هلل‪ ،‬وال يعبـ ـ ــدون إال إيـ ـ ــاه وال يعبـ ـ ــدون‬
‫المخلــوق‪ ،‬فكــذلك يجب أن ال يرضــخوا وال يخضــعوا أو ينقــادوا إال لحكم الحكيم‬
‫العليم الحميـ ــد‪ ،‬الـ ــرؤوفـ الـ ــرحيم‪ ،‬دون حكم المخلـ ــوق‪ ،‬الظلـ ــوم الجهـ ــول‪ ،‬الـ ــذي‬
‫أهلكته الشـ ــكوك والشـ ــهوات والشـ ــبهات‪ ،‬واسـ ــتولت على قلـ ــوبهم الغفلة والقسـ ــوة‬
‫والظلمات‪.‬‬

‫فيجب على العقالء أن يربـ ـ ـ ـ ــأوا بنفوسـ ـ ـ ـ ــهم عنـ ـ ـ ـ ــه‪ ،‬لما فيه من االسـ ـ ـ ـ ــتعباد لهم‪،‬‬
‫والتحكم فيهم باألهواء واألغراض‪ ،‬واألغالط واألخطاء‪ ،‬فضالً عن كونه كفرا بنص‬
‫م‬
‫ه ُ‬
‫ك ُ‬ ‫ف ُأ ْولَـئِ َ‬ ‫ه َ‬‫ل الل ّ ُ‬‫م ا أَن َز َ‬ ‫كم ب ِ َ‬
‫ح ُ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫من لَّ ْ‬
‫قوله تعـ ـ ــالى‪َ ( :‬و َ‬
‫ا ْلكَافِ ُرونَ )‪.‬‬

‫(‪)7‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫السادس‪ :‬ما يحكم به كثير من رؤساء العشــائر‪ ،‬والقبائل من البــوادي ونحــوهم‪،‬‬


‫من حكايـات آبـائهم وأجـدادهم‪ ،‬وعـاداتهم الـتي يسـمونها "سـلومهم"‪ ،‬يتوارثـون ذلك‬
‫منهم‪ ،‬ويحكمـ ــون به ويحضـ ــون على التحـ ــاكم إليه عند الـ ــنزاع‪ ،‬بقـ ــاءا على أحكـ ــام‬
‫الجاهلية‪ ،‬وإعراضا ورغبة عن حكم اهلل ورسوله‪ ،‬فال حول وال قوة إال باهلل‪.‬‬

‫وأما القسم الثــاني‪ :‬من قس مي كفر احلاكم مبا أن زل اهلل‪ ،‬وهو ال ذي ال يخــرج من‬
‫الملة‪.‬‬

‫فقد تق دم أن تفسري ابن عب اس –رضي اهلل عنهم ا‪ -‬لق ول اهلل عز وج ل‪َ ( :‬و َمن‬
‫م ا ْل َ‬
‫كــافِ ُرونَ )‪ ،‬قد مشل ذلك‬ ‫ه ُ‬ ‫ـه َف ُأ ْولَـ ـئِ َ‬
‫ك ُ‬ ‫مــا أَنــ َز َ‬
‫ل الل ّـ ُ‬ ‫حكُم بِ َ‬ ‫لَّ ْ‬
‫م يَ ْ‬
‫القسم‪ ،‬وذلك يف قوله –رضي اهلل عنه‪ -‬يف اآلية‪" :‬كفر دون كفر"‪ ،‬وقوله أيض اً‪" :‬ليس‬
‫بالكفر الذي تذهبون إليه"‪.‬‬

‫وذلك أن حتمله ش هوته وه واه على احلكم يف القضــية بغري ما أن زل اهلل‪ ،‬مع اعتق اده‬
‫أن حكم اهلل ورسوله هو احلق‪ ،‬واعرتافه على نفسه باخلطأ وجمانبة اهلدى‪.‬‬

‫وه ذا وإن مل خيرجه كف ره عن املل ة‪ ،‬فإنه معص ية عظمى أكرب من الكب ائر‪ ،‬كالزنا‬
‫وشرب اخلمر‪ ،‬والسرقة واليمني الغموس‪ ،‬وغريها‪ ،‬فإن معصية مساها اهلل يف كتابه كفراً‪،‬‬
‫أعظم من معصية مل يسمها كفراً‪.‬‬

‫نسأل اهلل أن جيمع املسلمني على التحاكم إىل كتابه‪ ،‬انقياداً ورضاءاً‪ ،‬إنه ويل ذلك‬
‫والقادر عليه"‪( .‬رسالة حتكيم القوانني‪ ،‬للشيخ حممد بن إبراهيم)‪.‬‬

‫* وقال في التفريق بين القضايا المعينة والتشريع العام‪:‬‬

‫"وأما الذي قيل فيه (كفر دون كفر) إذا حاكم إىل غري اهلل مع اعتقاد أنه عاص وأن‬
‫حكم اهلل هو احلق؛ فهذا الذي يصدر منه المرة وحنوها‪ ،‬أما الذي جعل قــوانين بــترتيب‬
‫وتخضــيع فهو كفر؛ وإن ق الوا‪ :‬أخطأنا وحكم الش رع أع دل‪ ،‬فف رق بني املق رر واملثبت‬
‫واملرجع‪ ،‬جعلوه هو املرجع؛ قهذا كفر ناقل عن الملة" (الفتاوى‪.)12/280 :‬‬

‫* وقال رحمه اهلل‪:‬‬

‫(‪)8‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫"البلد التي يحكم فيها بالقانون ليست بلد إسالم‪ ،‬جتب اهلجرة منها‪ ،‬وك ذلك إذا‬
‫بفشو الكفر وظهوره‪،‬‬
‫ظهرت الوثنية من غري نكري‪ ،‬وال غريت؛ فتجب اهلجرة‪ ،‬فالكفر ّ‬
‫هذه بلد كفر‪ .‬أما إذا كان قد حيكم فيها بعض األفراد أو وجود كفريات قليلة ال تظهر؛‬
‫فهي بلد إسالم"‪ ،‬مث قال‪" :‬لو قال من حكم القانون‪ :‬أنا أعتقد أنه باطل‪ .‬فهذا ال أثر له‪،‬‬
‫بل هو ع زل للش رع‪ ،‬كما لو ق ال أح د‪ :‬أنا أعبد األوث ان‪ ،‬وأعتقد أهنا باط ل‪ .‬وإذا قــدر‬
‫على الهجرة من بالد تقام فيها القوانين؛ وجب ذلك" (الفتاوى‪.)189-6/188 :‬‬

‫* وقال رحمه اهلل‪:‬‬

‫"ال جيوز استبدال الشريعة اإلهلية بالقوانني الوضعية اليت ما أنزل اهلل هبا من سلطان‪،‬‬
‫وإس ناد مثل ه ذه املش اكل إىل أهل الق وانني من إس ناد األمر إىل غري أهل ه‪ ،‬ألنه من‬
‫التحـ ــاكم إلى الطـ ــاغوت ال ذي أمر اهلل ب الكفر به يف قول ه‪( :‬أَلَ ْ‬
‫م تَ َر إِلَى الَّ ِذ َ‬
‫ين‬
‫مونَ ‪ )...‬اآلية" (الفتاوى‪.)12/274 :‬‬ ‫يَ ْز ُع ُ‬

‫* وقال رحمه اهلل‪:‬‬

‫"‪ ...‬ختص يص أعض اء ق انونيني جبانب األعض اء الش رعيني يف ه ذه اهليئة –وهي‬
‫هيئ ات املص احلات والفصل يف اخلالف ات اليت تنشأ عن تط بيق األنظمة التجارية –كما‬
‫ينص عليه التبليغ ال ذي أُرسل إىل األعض اء‪ ،‬وتع يني األعض اء الق انونيني مع الش رعيني؛‬
‫معن اه االش رتاك يف األحك ام اليت يص دروهنا باسم املص احلة‪ ،‬وتوقيعها من قبل الش رعيني‬
‫والقانونيني مع اً‪ ،‬وهذا بال شك جيعل هذه األحكام خاضعة آلراء هؤالء القانونيني‪ ،‬كما‬
‫أهنا خاض عة آلراء الش رعيني‪ ،‬وهــذا فيه تســوية بين الشــرع والقــوانين الوضــعية‪ ،‬وفتح‬
‫باب لتحكيم القوانين الوضــعية‪ ،‬واســتبدال الشــريعة اإلســالمية الســمحاء بها‪ ،‬وهذا ما‬
‫يأب اه إم ام املس لمني حفظه اهلل‪ ،‬ويأب اه كل مس لم ص ادق يف إس المه‪ ،‬ألنه بحكم غ ــير‬
‫الش ــريعة بين الن ــاس معن ــاه الكفر والخ ــروج من اإلس ــالم‪ ،‬والعي اذ باهلل" (الفت اوى‪ :‬رقم‬
‫‪.)4044‬‬

‫* وقال رحمه اهلل‪:‬‬

‫"فمن دعا غري اهلل من األنبياء واألولياء والصاحلني‪ ،‬فما شهد أن ال إله إال اهلل؛ شاء‬
‫أم أىب‪ ،‬ومن أطاع غري الرسول صلى اهلل عليه وسلم وتبعه يف خالف ما جاء به الرسول‬

‫(‪)9‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫عاملاً‪ ،‬وحكم الق ــوانين الوض ــعية أو حكم هبا؛ فما ش هد أن حمم داً رس ول اهلل؛ ش اء أو‬
‫أىب‪ ،‬بل إما أن يك ون ك ــافرا أو تاركا ل واجب ش هادة أن حمم داً رس ول اهلل" (الفت اوى‪:‬‬
‫رقم (‪.)4035‬‬

‫* وقال رحمه اهلل‪:‬‬

‫امسي‪ ،‬ف إن أك ثر املنتس بني إليه يف ه ذا ال وقت يق ال هلم‬


‫"إس الم األك ثر إس الم ٌّ‬
‫(املس لمون) امساً ضد اليه ود والنص ارى‪ .‬من ُوجد منه ما ينقضه فإنه إس الم االسم وال‬
‫حب وال كرام ة‪ .‬أفيظن أن من رض وا باألوث ان وعب دوها وح اموا دوهنا‪ ،‬وجب وا هبا‬
‫اجلباي ات‪ ،‬وحكمــوا القــوانين‪ ،‬أفبعد هــذا إســالم؟! هل هذا إال الكفر الذي بُعث ص لى‬
‫اهلل عليه وسلم هبدمه؟!" (الفتاوى‪ ،‬املسلمون واإلسالم)‪.‬‬

‫* وقال رحمه اهلل‪:‬‬

‫"عبادة الطاعة أقسام‪ :‬إن أقر على نفسه أنه عاص ومذنب وآثر شهوته؛ فهو كسائر‬
‫املعاصي يف أنه ال يصل إىل الكفر‪ .‬أما إن كان ال يدري فهذا فيه تفصيل‪ :‬إن كان أخلد‬
‫إىل أرض البطالة فهذا ملوم‪ ،‬الواجب سؤال أهل الذكر إذا مل يعلم‪ ،‬وإذا علم أنه خالف‬
‫ق ول الرس ول ص لى اهلل عليه وس لم‪ ،‬وأنه ليس م ذنباً؛ فه ذا ش ــرك أك ــبر مثل الق ــوانين‬
‫الوضعية المتخذة في المحاكم من هذا الباب‪ ،‬جعلوه مثل الرسول تكتب به الصكوك‬
‫أن احلق لفالن واحلق لفالن‪ ،‬والق انون ال ذي ج اء من فرنسا جُي َعل مثل رس ول اهلل‪ ،‬ف إذا‬
‫كان ه ذا لو ك ان العلماء‪ ،‬فكيف الذي جاء من الشياطني وأمريكا وفرنسا؟ وإذا كان‬
‫من ب اب احلكم فهو أعظم‪ ،‬ما فيه حكم إال مبا ج اء به الرس ول ص لى اهلل عليه وس لم‪،‬‬
‫فمن اختذ مطاع اً مع اهلل فقد أش رك يف الرس الة واأللوهي ة‪ ،‬وه ذان الواحد منهما كف ر‪،‬‬
‫بخالف المس ــألة الواح ــدة فإنها ليست مثل ال ــذي مص ــمم ومحكم‪ ،‬ف ــإن ه ــذا مرت ــد‪،‬‬
‫وهو أغلظ كفرا من اليهودي والنصراني" (الفتاوى‪.)12/280 :‬‬

‫* العالمة الشيخ أحمد شاكر رحمه اهلل تعالى‪:‬‬

‫* ق ال الش يخ أمحد ش اكر –رمحه اهلل‪ -‬معلق اً على كالم احلافظ ابن كثري عند‬
‫ة يَ ْب ُغونَ )‪" :‬أقول‪ :‬أفيجــوز في شـرع اهلل‬
‫هلِيَّ ِ‬ ‫م ا ْل َ‬
‫جا ِ‬ ‫تفسريه لقوله تعاىل‪( :‬أَ َف ُ‬
‫ح ْك َ‬
‫تع ــالى أن يحكم المس ــلمون في بالدهم بتش ــريع مقتبس عن تش ــريعات أوروبا الوثنية‬

‫(‪)10‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫الملحــدة؟ بل بتش ريع تدخله األه واء واآلراء الباطلة‪ ،‬يغريونه ويبدلونه كما يشاؤون‪ ،‬ال‬
‫يبايل واضعه أوافق شرعة اإلسالم أم خالفها؟!‬

‫إن املس لمني مل يُبلَ وا هبذا قط –فيما نعلم من ت ارخيهم‪ -‬إال يف ذلك العه د‪ ،‬عهد‬
‫التت ار‪ ،‬وك ان من أس وأ عه ود الظلم والظالم‪ ،‬ومع ه ذا؛ ف إهنم مل خيض عوا ل ه‪ ،‬بل غلب‬
‫اإلسالم التتار‪ ،‬مث مزجهم فأدخلهم يف شرعته‪ ،‬وزال أثر ما صنعوا بثبات املسلمني على‬
‫دينهم وش ريعتهم‪ ،‬ومبا أن احلكم الس يئ اجلائر ك ان مص دره الفريق احلاكم إذ ذاك‪ ،‬مل‬
‫يندمج فيه أحد من أفراد األمم اإلسالمية احملكومة‪ ،‬ومل يتعلّموه ومل يعلّموه أبناءهم‪ ،‬فما‬
‫أسرع ما زال أثره‪.‬‬

‫أفرأيتم هذا الوصف القوي من احلافظ ابن كثري –يف القرن الثامن‪[ -‬اهلجري] لذاك‬
‫القــانون الوضــعي‪ ،‬ال ذي ص نعه ع دو اإلس الم جنك يز خ ان؟ ألســتم ترونه يصف حــال‬
‫المســلمين في هــذا العصــر‪ ،‬في القــرن الرابع عشر الهجــري؟ إال يف ف رق واحد أش رنا‬
‫إليه آنف اً‪ :‬أن ذلك ك ان يف طبقة خاصة من احلك ام أتى عليها الزمن س ريعاً‪ ،‬فان دجمت يف‬
‫األمة اإلس المية وزال أثر ما ص نعت‪ ،‬مث ك ان املس لمني اآلن أس وأ ح االً‪ ،‬واشد ظلم اً‬
‫وظالم اً منهم‪ ،‬ألن أك ثر األمم اإلس المية اآلن تك اد تن دمج يف ه ذه الق وانني املخالفة‬
‫للش ريعة‪ ،‬واليت هي أش به ش يء ب ذاك (الياس ق) ال ذي اص طنعه رجل ك افر ظ اهر الكف ر‪،‬‬
‫هذه القوانين التي يصطنعها ناس ينتسبون لإلسالم‪ ،‬مث يتعلمها أبناء املسلمني ويفخ رون‬
‫بذلك آباء وأبناء‪ ،‬مث جيعلون مرد أمرهم إىل معتنقي هذا (الياسق العصــري) وحيقرون من‬
‫خيالفهم يف ذل ك‪ ،‬ويس مون من ي دعوهم إىل االستمس اك ب دينهم وش ريعتهم (رجعي اً)‬
‫و(جام داً) إىل مثل ذلك من األلف اظ البذيئ ة‪ ،‬بل إهنم أدخل وا أي ديهم فيما بقي يف احلكم‬
‫من التشريع اإلسالمي‪ ،‬يريدون حتويله إىل (ياســقهم) اجلديد باهلُوينا واللني تارة‪ ،‬وباملكر‬
‫واخلديعة تارة‪ ،‬ومبا ملكت أيديهم من السلطات تارات‪ ،‬ويصرحون وال يستحيون بأهنم‬
‫يعمل ون على فصل الدولة من الـ ــدين! أفيج وز إذن –مع ه ذا‪ -‬ألحد من املس لمني أن‬
‫يعتنق ه ذا ال ــدين الجديد‪ ،‬أعين التش ــريع الجدي ــد؟! أو جيوز ألب أن يرسل أبن اءه لتعلّم‬
‫هذا‪ ،‬واعتناقه واعتقاده والعمل به‪ ،‬عاملاً كان األب أو جاهالً؟! أو جيوز لرجل مسلم أن‬
‫يلي القضاء يف ظل هذا (الياسق العصــري) وأن يعمل به ويعرض عن شريعته البينة؟! ما‬
‫أظن أن رجالً مسلما يعرف دينه ويؤمن به مجلة وتفصيالً‪ ،‬ويؤمن بأن هذا القرآن أنزله‬
‫اهلل تعاىل على رسوله صلى اهلل عليه وسلم كتاب اَ حمكم اً ال يأتيه الباطل من بني يديه وال‬
‫من خلف ه‪ ،‬وب أن طاعته وطاعة الرس ول ص لى اهلل عليه وس لم ال ذي ج اء به واجبة قطعية‬

‫(‪)11‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫الوج وب يف كل ح ال‪ ،‬ما أظنه يس تطيع إال أن جيزم غري م رتدد وال مت أول؛ ب أن والية‬
‫القضاء يف هذه احلال باطلة بطالناً أصلياً‪ ،‬ال يلحقه التصحيح وال اإلجازة‪.‬‬

‫إن األمر في هــذه القــوانين الوضــعية واضح وضــوح الشــمس‪ ،‬هي كفر بــواح‪ ،‬ال‬
‫خفـ ــاء فيه وال مـ ــداورة‪ ،‬وال عـ ــذر ألحد ممن ينتسب لإلسـ ــالم –كائنا من كـ ــان‪ -‬في‬
‫العمل بها‪ ،‬أو الخضوع لها‪ ،‬أو إقرارهــا‪ ،‬فليحــذر امــرؤ لنفســه‪ ،‬وكل امــرىء حســيب‬
‫نفسه" (عمدة التفسري‪ ،172-4/171 :‬وانظر قريباً منه يف كلمة احلق ألمحد شاكر ص‬
‫‪.)19‬‬

‫* وقال –معلقاًـ على األثر المروي عن ابن عباس وغيره‪( :‬كفر دون كفر)‪:-‬‬

‫"‪ ..‬وهذه اآلثار –عن ابن عباس وغريه‪ -‬مما يلعب به المضللون في عصـرنا هـذا‪،‬‬
‫اجلراء على ال دين؛ جيعلوهنا عـ ـ ـ ــذراً أو إباحية‬ ‫من المنتس ـ ـ ــبين للعلم‪ ،‬ومن غ ريهم من ّ‬
‫للقوانين الوثنية الموضوعة الـتي ضــربت على بالد اإلســالم‪ .‬وهناك أثر عن أيب جملز يف‬
‫ج دال اإلباض ية اخلوارج إي اه‪ ،‬فيما ك ان يص نع بعض األم راء من اجلور‪ ،‬فيحكم ون يف‬
‫بعض قض ــائهم بما يخ ــالف الش ــريعة؛ عم ــداً إلى اله ــوى‪ ،‬أو جهال ب ــالحكم‪ ،‬واخلوارج‬
‫من مذهبهم أن مرتكب الكبرية كافر‪ ،‬فهم جيادلون يريدون من أيب جملز أن يوافقهم على‬
‫ما ي رون من كفر ه ؤالء األم راء‪ ،‬ليك ون ذلك ع ذراً هلم فيما ي رون من اخلروج عليهم‬
‫بالس يف‪ ،‬وه ذان األث ران روامها الط ربي (‪)12026 ،12025‬؛ كتب عليهما أخي‬
‫السيد حممود حممد شاكر تعليق اً نفيس اً جداً‪ ،‬قوي اً صرحياً‪ ،‬فرأيت أن أُثبت هنا نص أوىل‬
‫رواييت الط ربي‪ ،‬مث تعليق أخي على الرواي تني‪ .‬ف روى الط ربي (‪ )12025‬عن عم ران بن‬
‫حدير قال‪" :‬أتى أبا جملز ناس من بين عمرو بن سدوس‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا أبا جملز‪ ،‬أرأيت قول‬
‫كــافِ ُرونَ ) أحق‬ ‫م ا ْل َ‬‫ه ُ‬‫ك ُ‬ ‫ل الل ُّه َف ُأ ْولَـــئِ َ‬‫ما أَن َز َ‬
‫حكُم بِ َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫اهلل‪َ ( :‬و َمن لَّ ْ‬
‫م‬
‫ه ُ‬ ‫ك ُ‬‫ل الل ّ ـ ُه َف ُأ ْولَـ ـئِ َ‬ ‫ما أن َز َ‬ ‫حكُم بِ َ‬ ‫ه و؟ ق ال‪ :‬نعم‪ ،‬ق الوا‪َ ( :‬و َمن لَّ ْ‬
‫م يَ ْ‬
‫ل الل ُّه‬‫ما أَن َز َ‬ ‫حكُم بِ َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫مونَ ) أحق ه و؟ ق ال‪ :‬نعم‪ ،‬ق الوا‪َ ( :‬و َمن لَّ ْ‬ ‫الظَّالِ ُ‬
‫س ُقونَ ) أحق هو؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فقالوا‪ :‬يا أبا جملز‪ ،‬فيحكم‬ ‫م ا ْل َفا ِ‬
‫ه ُ‬ ‫ك ُ‬‫َف ُأ ْولَـئِ َ‬
‫هؤالء مبا أنزل اهلل؟ قال‪ :‬هو دينهم الذي يدينون به‪ ،‬وبه يقولون‪ ،‬وإليه يدعون‪ ،‬فإن هم‬
‫فرق! قال‪ :‬أنتم أوىل‬ ‫تركوا ش يئاً منه عرفوا أهنم أص ابوا ذنب اً‪ ،‬فق الوا‪ :‬ال واهلل‪ ،‬ولكنك تُ ّ‬
‫هبذا م ين! ال أرى‪ ،‬وإنكم ت رون ه ذا وال حترج ون! ولكنها أُن زلت يف اليه ود والنص ارى‬
‫وأهل الشرك أو حنواً من هذا"‪.‬‬

‫(‪)12‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫مث روى الط ربي (‪ )12026‬حنو معن اه‪ ،‬وإس ناده ص حيحان‪ .‬فكتب أخي الس يد‬
‫محمود محمد شاكر مبناسبة هذين األثرين ما نصه‪" :‬اللهم إني أبرأ إليك من الضــاللة‪،‬‬
‫وبع ـ ـ ــد‪ ،‬ف ـ ـ ــإن أهل ال ـ ـ ــريب والفتن ممن تص ـ ـ ــدروا للكالم في زماننا ه ـ ـ ــذا‪ ،‬قد تلمس‬
‫المعـ ـ ــذرة ألهل السـ ـ ــلطان في تـ ـ ــرك الحكم بما أنـ ـ ــزل اهلل‪ ،‬وفي القضـ ـ ــاء في الـ ـ ــدماء‬
‫واألعراض واألموال بغـير شــريعة اهلل الـتي أنزلها في كتابــه‪ ،‬وفي اتخـاذهم قـانون أهل‬
‫الكفر شريعة في بالد اإلسالم‪ .‬فلما وقف على هذين الخبرين؛ اتخــذهما رأيا يــرى به‬
‫صواب القضاء في األموال واألعـراض والـدماءـ بغـير ما أنـزل اهلل‪ ،‬وأن مخالفة شـريعة‬
‫اهلل في القضاء العام ال تكفر الراضي بها‪ ،‬والعامل عليها‪.‬‬

‫والن اظر يف ه ذين اخلربين؛ ال حميض له عن معرفة الس ائل واملس ؤول‪ ،‬ف أبو جملز‬
‫(الحق بن محد الشيباين السدوسي) تابعي ثقة‪ ،‬وكان حيب علي اً –رضي اهلل عنه‪ -‬وكان‬
‫ق وم أيب جملز –وهم بنو ش يبان‪ -‬من ش يعة علي ي وم اجلمل وص ّفني‪ ،‬فلما ك ان أمر‬
‫احلكمني ي وم ص فني‪ ،‬واع تزلت اخلوارج‪ ،‬ك ان فيمن خ رج على علي –رضي اهلل عن ه‪-‬‬
‫طائفة من بين شيبان‪ ،‬ومن بين سدوس بن شيبان بن ذهل‪ ،‬وهؤالء الذين سألوا أبا جملز‪،‬‬
‫ن اس من بين عم رو بن س دوس (كما يف األث ر‪ ،)12025 :‬وهم نفر من األباض ية (كما‬
‫يف األثر‪ ،)12026 :‬واألباضية من مجاعة اخلوارج احلرورية‪ ،‬وهم أصحاب عبد اهلل بن‬
‫أب اض التميمي‪ ،‬وهم يقول ون مبقالة س ائر اخلوارج يف التحكيم‪ ،‬ويف تكفري علي –رضي‬
‫اهلل عن ه‪ -‬إذ ح ّكم احل َكمني‪ ،‬وأن علي اً مل حيكم مبا أن زل اهلل يف أمر التحكيم‪ ،‬مث إن عبد‬
‫اهلل بن أب اض ق ال‪ :‬إن من خ الف اخلوارج ك افر ليس مبش رك‪ ،‬فخ الف أص حابه‪ ،‬وأق ام‬
‫اخلوارج على أن أحك ام املش ركني جتري على من خ الفهم‪ .‬مث اف رتقت األباض ية بعد عبد‬
‫اهلل بن أب اض اإلم ام افرتاق اً ال ن دري معه –يف أمر اخلربين‪ -‬من أي الف رق ك ان ه ؤالء‬
‫الس ائلون‪ ،‬بيد أن األباض ية كلها تق ول‪ :‬إن دور خمالفيهم دور توحي د‪ ،‬إال معس كر‬
‫السلطان فإنه دور كفر عندهم‪ ،‬مث قالوا أيضاً‪ :‬إن مجيع ما افرتض اهلل سبحانه وتعاىل على‬
‫خلقه إميان‪ ،‬وأن كل كب رية فهي كفر نعم ة‪ ،‬ال كفر ش رك‪ ،‬وأن مرتكيب الكب ائر يف الن ار‬
‫خالدون خملدون أبداً‪ .‬ومن البنّي أن الذين سألوا أبا جملز من األباضية‪ ،‬إمنا كانوا يريدون‬
‫أن يُلزم وه يف تكفري األم راء ألهنم يف معس كر الس لطان‪ ،‬وألهنم رمبا عص وا أو ارتكب وا‬
‫بعض ما هناهم اهلل عن ارتكابه‪ .‬ولذلك قال هلم يف اخلرب األول‪" :‬فإن هم تركوا شيئاً منه‬
‫عرفوا أهنم قد أصابوا ذنب اً"‪ ،‬وقال هلم يف اخلرب الثاين‪" :‬إهنم يعملون مبا يعملون ويعلمون‬
‫أنه ذنب"‪.‬‬

‫(‪)13‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫وإذن‪ ،‬فلم يكن س ؤاهلم عما احتج به مبتدعة زمانن ـ ـ ــا‪ ،‬من القض ـ ـ ــاء في األم ـ ـ ــوال‬
‫واألعراض والدماءـ بقانون مخـالف لشـريعة أهل اإلسـالم‪ ،‬وال في إصـدار قـانون ملـزم‬
‫ألهل اإلسـ ــالم‪ ،‬باالحتك ام إىل حكم غري حكم اهلل يف كتابه وعلى لس ان نبيه ص لى اهلل‬
‫عليه وس لم‪ ،‬فه ذا الفعل إع ــراض عن حكم اهلل‪ ،‬ورغبة عن دين ه‪ ،‬وإيث ــار ألحك ام أهل‬
‫الكفر على حكم اهلل س بحانه وتع اىل‪ :‬وهـ ــذا كفـ ــر‪ ،‬ال يشك أحد من أهل القبلة على‬
‫اختالفهم؛ في تكفير القائل به والداعي إليه‪.‬‬

‫وال ذي حنن فيه الي وم؛ هو هجر ألحك ام اهلل عامة بال اس تثناء‪ ،‬وإيث ــار أحك ام غري‬
‫حكمه يف كتابه وس نة نبيه ص لى اهلل عليه وس لم‪ ،‬وتعطيل لكل ما يف ش ريعة اهلل‪ ،‬بل بلغ‬
‫األمر مبلغ االحتجاج على تفضيل أحكام القــانون الموضــوع‪ ،‬على أحكــام اهلل المنزلة‪،‬‬
‫وادعاء احملتجني لذلك بأن أحكام الشريعة إمنا نزلت لزمان غري زماننا‪ ،‬ولعلل وأسباب‬
‫انقض ت‪ ،‬فس قطت األحك ام كلها بانقض ائها‪ ،‬ف أين ه ذا مما بين اه من ح ديث أيب جملز‬
‫والنفر من األباضية من بين عمرو بن سدوس!!‪.‬‬

‫ولو ك ان األمر على ما ظن وا يف خرب أيب جمل ز‪ ،‬أهنم أرادوا خمالفة الس لطان يف حكم‬
‫من أحك ام الش ريعة‪ ،‬فإنه لم يح ــدث في ت ــاريخ اإلس ــالم أن سن ح ــاكم حكم ـاً وجعله‬
‫شريعة ملزمةـ للقضاءـ بها‪ ،‬هذه واحدة‪.‬‬

‫وأخرى‪ :‬أن احلاكم الذي حكم يف قضية بعينها بغري حكم اهلل فيها؛ فإنه‪:‬‬

‫إما أن يكون حكم هبا وهو جاهل‪ ،‬فهذا أمره أمر اجلاهل بالشريعة‪.‬‬

‫وإما أن يكون حكم هبا هوى ومعصية؛ فهذا ذنب تناله التوبة‪ ،‬وتلحقه املغفرة‪.‬‬

‫وإما أن يك ون حكم به مت أوالً حكم اً خ الف به س ائر العلم اء؛ فه ذا حكمه حكم‬
‫كل متأول يستمد تأويله من اإلقرار بنص الكتاب وسنة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫وأما أن يك ون ك ان يف زمن أيب جملز أو قبله أو بع ده ح اكم حكم بقض اء يف أم ر‪،‬‬


‫جاح داً حلكم من أحك ام الش ريعة‪ ،‬أو م ؤثراً ألحك ام أهل الكفر على أحك ام أهل‬
‫اإلسالم‪ ،‬فذلك لم يكن قط‪ ،‬فال ميكن صرف كالم أيب جملز واألباضيني إليه‪.‬‬

‫(‪)14‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫فمن احتج هبذين األث رين وغريمها يف غري باهبا‪ ،‬وص رفها إىل غري معناه ا‪ ،‬رغبة يف‬
‫نصرة سلطان‪ ،‬أو احتياالً على تسويغ احلكم بغري ما أنزل اهلل وفرض على عباده‪ ،‬فحكمه‬
‫يف الش ريعة حكم اجلاحد حلكم من أحك ام اهلل‪ :‬أن يس تتاب‪ ،‬ف إن أصر وك ابر وجحد‬
‫حكم اهلل‪ ،‬ورضي بتب ديل األحك ام؛ فحكم الك افر املصر على كف ره مع روف ألهل ه ذا‬
‫ال دين‪ .‬وكتبه حمم ود حممد ش اكر"‪ ،‬تفسري الط ربي‪( "10/348 ،‬عم دة التفس ري‪:‬‬
‫‪.)1/684‬‬

‫* وقال الشيخ أحمد شاكر –رحمه اهلل‪:-‬‬

‫"وها هي ذي اآليات يف هذه السورة –النساء‪ ،-‬من اآلية‪ 59 :‬إىل آخر اآلية‪،65:‬‬
‫واضحة الداللة‪ ،‬صرحية اللفظ‪ ،‬ال حتتاج إىل طول شرح‪ ،‬وال حتتمل التالعب بالتأويل‪.‬‬

‫يأمرنا اهلل س بحانه فيها بطاعته وطاعة رس وله‪ ،‬وأويل األمر من ا‪ ،‬أي من املس لمني‪.‬‬
‫ويأمرنا إذا تنازعنا يف ش يء واختلفنا أن ن رده إىل حكم اهلل يف كتابه وحكم رس وله يف‬
‫ه َوا ْليَ ْو ِم اآْل ِ‬
‫خ ِر)‪.‬‬ ‫م ُت ْؤ ِم ُنونَ بِاللَّ ِ‬
‫سنته‪ .‬ويقول يف ذلك‪( :‬إِن كُن ُت ْ‬

‫فريش دنا س بحانه وتع اىل إىل أن طاعته وطاعة رس وله يف ش أن الن اس كلهم‪ ،‬وفيما‬
‫يعرض هلم من قضايا وخالف ونزاع شــرط في اإليمــان باهلل واليــوم اآلخــر‪ .‬وكما قال‬
‫احلافظ ابن كثري آنفاً‪( :‬فدل على أن من مل يتحاكم يف حمل النزاع إىل الكتاب والسنة وال‬
‫يرجع إليهما يف ذلك؛ فليس مؤمناً باهلل وال باليوم اآلخر)‪.‬‬

‫مث يرينا اهلل س بحانه حكمه يف ال ذين يزعم ون أهنم يؤمن ون برس وله حممد ص لى اهلل‬
‫ت َو َق ْد‬ ‫مو ْا إِلَى الطَّ ُ‬
‫اغو ِ‬ ‫حا َك ُ‬‫عليه وس لم ومبا أن زل إلي ه‪ ،‬مث يري دون (أَن يَ َت َ‬
‫ه)‪ ،‬فيحكم بأهنم منافقون؛ ألهنم إذا دعوا إىل ما أنزل اهلل وإىل‬ ‫ُأ ِم ُرو ْا أَن يَ ْك ُف ُرو ْا بِ ِ‬
‫الرسول؛ صدوا عنه صدوداً‪ ،‬والنفاق شر أنواع الكفر‪.‬‬

‫مث يعلمنا اهلل س بحانه وتع اىل أنه مل يرسل الرسل عبث اً‪ ،‬وإمنا أرس لهم ليطيعهم الن اس‬
‫بإذن اهلل‪.‬‬

‫مث يقسم ربنا تبارك وتعاىل بنفسه الكرمية املقدسة؛ أن الناس ال يكونون مؤمنني حىت‬
‫حيتكم وا يف ش أهنم كله إىل رس وله حممد ص لى اهلل عليه وس لم‪ ،‬وحىت يرض وا حبكمه‬
‫طائعني خاضعني‪ ،‬ال جيدون يف حكمه حرجاً يف أنفسهم‪ ،‬وحىت يُسلموا يف دخيلة قلوهبم‬

‫(‪)15‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫إىل حكم اهلل ورسوله تسليماً كامالً‪ ،‬ال ينافقون به املؤمنون‪ ،‬وال خيضعون يف قبوله لقوة‬
‫ح اكم أو غ ريه‪ ،‬بل يرض ون به مهما يلق وا يف ذلك من مش قة أو مؤن ة‪ ،‬وأنهم إن لم‬
‫يفعلوا لم يكونوا مؤمنين قط‪ ،‬بل دخلوا في عداد الكافرين والمنافقين‪.‬‬

‫ف انظروا أيها املس لمون‪ ،‬يف مجيع البالد اإلس المية‪ ،‬أو البالد اليت تنتسب لإلس الم يف‬
‫أقط ار األرض‪ ،‬إىل ما ص نع بكم أع داؤكم املبش رون واملس تعمرون؛ إذ ض َربوا على‬
‫املس لمني ق ــوانين ض ــالة م دمرة لألخالق واآلداب واألدي ان‪ ..‬ق ــوانين إفرنجية وثنية‪ ،‬مل‬
‫ُتنْب َ على ش ريعة وال دين‪ ،‬بل بُ نيت على قواعد وض عها رجل ك افر وث ين‪ ،‬أىب أن ي ؤمن‬
‫برسول عصره –عيسى عليه السالم‪ -‬وأصر على وثنيته‪ ،‬إىل ما كان من فسقه وفجوره‬
‫وهتتكه!‪ .‬هذا هو جوستنيان‪ ،‬أبو القوانني وواضع أسسها فيما يزعمون‪ ،‬والذي مل ِ‬
‫يستح‬
‫رجل من كب ار رج االت مصر املنتس بني –ظلم اً وزوراً‪ -‬إىل اإلس الم‪ ،‬أن ي رتجم قواعد‬
‫ذاك الرجل الفاسق الوثين‪ ،‬ويسميها "مدونة جوستنيان"! سخرية وهزاء بـ"مدونة مالك"‪،‬‬
‫إح دى موس وعات الفقه اإلس المي املبين على الكت اب والس نة‪ ،‬واملنس وبة إىل إم ام دار‬
‫اهلجرة‪ .‬فانظروا إىل مبلغ ذلك الرجل من السخف‪ ،‬بل من الوقاحة واالستهتار!‪.‬‬

‫هذه القوانين التي فرضها على المســلمين أعــداء اإلســالم الســافروا العــداوة‪ ،‬هي‬
‫في حقيقتها دين آخر جعل ـ ــوه دينا للمس ـ ــلمين ب ـ ــدال من دينهم النقي الس ـ ــامي‪ ،‬ألنهم‬
‫أوجب ــوا عليهم طاعته ــا‪ ،‬وغرس ــوا في قل ــوبهم حبها وتقدس ــها والعص ــبية لها‪ ،‬حىت لقد‬
‫جتري على األلسنة واألقالم كثرياً كلمات "تقديس القانون"‪" ،‬قدسية القضاء"‪ ،‬و"حرمة‬
‫احملكم ة" وأمث ال ذلك من الكلم ات اليت ي أبون أن توصف هبا الش ريعة اإلس المية وآراء‬
‫الفقهاء اإلسالميني‪ ،‬بل هم حينئذ يصفوهنا بكلمات "الرجعية"‪" ،‬اجلمود"‪" ،‬الكهنوت"‪،‬‬
‫"شريعة الغاب"‪ ..‬إىل أمثال ما ترى من املنكرات يف الصحف واجملالت والكتب العصرية‬
‫اليت يكتبها أتباع أولئك الوثنيني!‪.‬‬

‫مث ص اروا يطلق ون على ه ذه الق وانني ودراس تها كلمة "الفق ه"‪ ،‬و"الفقي ه"‪،‬‬
‫و"التش ريع"‪ ،‬و"املش ّرع"‪ ..‬وما إىل ذلك من الكلم ات اليت يطلقها علم اء اإلس الم على‬
‫الش ريعة وعلمائه ا‪ ،‬وينح درون فيتج رؤون على املوازنة بني دين اإلس الم وش ريعته‪ ،‬وبني‬
‫دينهم المفترى الجديد!!‬

‫مث نفوا شريعتهم اإلسالمية عن كل شيء‪ ،‬وصرح كثري منهم يف كثري من أحكامها‬
‫القطعية الثب وت والداللة بأهنا ال تناسب ه ذا العص ر‪ ،‬وأهنا ُش رعت لق وم ب دائيني غري‬

‫(‪)16‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫متم دنني‪ .‬فال تص لح هلذا العصر اإلف رجني الوث ين!! خصوص اً يف احلدود املنصوصة يف‬
‫الكتاب والعقوبات الثابتة يف السنة‪ ،‬فرتى الرجل املنتسب لإلسالم‪ ،‬املتمسك به يف ظاهر‬
‫أمره‪ ،‬املشرب قلبه هذه القوانني الوثنية‪ ،‬يتعصب هلا ما ال يتعصب لدينه‪ ،‬بل جيتهد ليتربأ‬
‫من العص بية لإلس الم؛ خش ية أن يُ رمى ب اجلمود والرجعي ة! مث هو يص لي كما يص لي‬
‫املس لمون‪ ،‬ويص وم كما يص وم املس لمون‪ ،‬وقد حيج كما حيج املس لمون‪ .‬ف إذا ما انتصب‬
‫إلقامة الق انون؛ لبسه ش يطان ال دين اجلدي د‪ ،‬فق ام له قومة األسد حيمي عرين ه‪ ،‬ونفى عن‬
‫عقله كل ما ع رف من دينه األص لي! ورأى أن ه ذه الق وانني ألصق بقلب ه‪ ،‬وأق رب إىل‬
‫نفسه!‪ .‬هذا يف املستمسك منهم بدين اإلسالم‪ ،‬وهم األقل‪ .‬دع عنك أكثرهم‪.‬‬

‫وقد رىب لنا املستعمرون من هذا النوع طبقات‪ ،‬أرضعوهم لبان هذه القوانني‪ ،‬حىت‬
‫ص ار منهم فئ ات عالية الثقاف ة‪ ،‬واس عة املعرف ة‪ ،‬يف ه ذا الل ون من ال دين اجلدي د‪ ،‬ال ذي‬
‫نس خوا به ش ريعتهم‪ ،‬ونبغت فيهم نوابغ يفخ رون هبا على رج ال الق انون يف أوروب ا‪،‬‬
‫فصــار للمســلمين من أئمة الكفر ما لم ُي ْبتل به اإلســالم في أي دور من أدوار الجهل‬
‫بالـدين في بعض العصـور‪ .‬وصار هذا الـدين الجديد هو القواعد األساسية اليت يتحاكم‬
‫إليها املسلمون يف أكثر بالد اإلسالم وحيكمون هبا‪ ،‬سواء منها ما وافق يف بعض أحكامه‬
‫ش يئاً من أحك ام الش ريعة‪ ،‬وما خالفه ا‪ .‬وكله باطل وخ روج؛ ألن ما وافق الش ريعة إمنا‬
‫وافقها مصادفة‪ ،‬ال اتباع اً هلا‪ ،‬وال طاعة ألمر اهلل وأمر رسوله‪ .‬فاملوافق واملخالف كالمها‬
‫م رتكس يف محأة الض اللة‪ ،‬يق ود ص احبه إىل الن ار‪ ،‬ال جيوز ملس لم أن خيضع له أو يرضى‬
‫به" (عمدة التفسري‪.)3/212 :‬‬

‫* وقال رحمه اهلل‪:‬‬

‫"ن رى يف بعض بالد املس لمني ق وانني ض ربت عليه ا‪ ،‬نقلت عن أوروبا الوثنية‬
‫امللحدة‪ ،‬وهي قوانني ختالف اإلسالم خمالفة جوهرية يف كثري من أصوهلا وفروعها‪ ،‬بل إن‬
‫يف بعض ها ما ينقض اإلس الم ويهدم ه‪ ،‬وذلك أمر واضح ب ديهي‪ ،‬ال خيالف فيه إال من‬
‫يغالط نفس ه‪ ،‬وجيهل دينه أو يعاديه من حيث ال يش عر‪ .‬وهي يف كثري من أحكامها أيض اً‬
‫توافق التشريع اإلسالمي‪ ،‬أو ال تنافيه على األقل‪.‬‬

‫وإن العمل بها في بالد المسلمين غير جائز حـتى فيما وافق التشـريع اإلسـالمي‪،‬‬
‫ألن من وض ــعها حين وض ــعها لم ينظر إلى موافقتها لإلس ــالم أو مخالفته ــا‪ ،‬وإنما نظر‬
‫إلى موافقتها لق ــوانين أوروبا أو لمبادئها وقواع ــدها‪ ،‬وجعلها هي األصل ال ــذي يرجع‬

‫(‪)17‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫إليــه‪ ،‬فهو آثم مرتد بهــذا‪ ،‬ســواء أوضع حكما موافقا لإلســالم أم مخالفا‪ ...‬أما ال ذي‬
‫جيتهد ويش رع على قواعد خارجة عن قواعد اإلس الم؛ فإنه ال يك ــون مس ــلما‪ ،‬إذا قصد‬
‫إىل وضع ما ي راه من األحك ام‪ ،‬وافقت اإلس الم أم خالفته فك انت موافقته للص واب‪ ،‬إن‬
‫وافقه من حيث ال يعرف ه‪ ،‬بل من حيث ال يقص ده‪ ،‬غري حمم ودة‪ ،‬بل ك انوا هبا ال يقلّ ون‬
‫عن أنفس هم كف ــراً حني خيالفون‪ ،‬وه ذا ب ــديهي" (تعليق الش يخ أمحد ش اكر على مس ند‬
‫اإلمام أمحد بن حنبل‪ ،306-6/301 :‬رقم ‪.)4668‬‬

‫* وقال رحمه اهلل‪:‬‬

‫ت علينا القوانني الوثنية!‪..‬‬


‫"فانظروا ماذا جنَ ْ‬
‫ت زوج رجل ام رأة ش ابة‪ ،‬وك ان له ابن ش اب ال خياف اهلل‪ ،‬وال ي رقب يف خلُق وال‬
‫ع رض إالً وال ذم ة‪ .‬فزنا ب امرأة أبي ه‪ ،‬مث ش عر اجملرم ان ب أن الرجل يك اد يكشف ما ركبا‬
‫من فجور‪ ،‬فتآمرا وقتاله‪ ،‬وثبتت هذه الوقائع‪ .‬وقد استحق هذان الفاجران القتل جبرمية‬
‫الفج ور بني احملارم‪ ،‬واس تحقا القتل م رة أخ رى بقتل األب وال زوج –ف امليت أبو االبن‬
‫وزوج املرأة‪ -‬عمداً‪.‬‬

‫ولكن ه ذه الق وانني أفس دت على الن اس عق وهلم وفط رهتم اإلس المية‪ ،‬بل فط رهتم‬
‫اآلدمية‪ .‬فحكمت على هذين الفاسقني القاتلني بالتعزير ببضع سنني من األشغال الشاقة!‬
‫دون النظر إىل اجلرمية اخللقية البش عة‪ ،‬ودون نظر إىل القتل العم د‪ ،‬وخاصة قتل األب‬
‫الوال د‪ .‬وك ان التعليل لنقل احلد من القتل إىل التعزير أعجب! بتص وير الرجل القتيل‬
‫املظلوم –املعتدى على دمه وعرضه‪ -‬بصورة املخطئ املتسبب يف هاتني اجلرميتني! بزعم‬
‫أنه رجل كبري السن ت زوج ام رأة فتي ة! مبا وض عه املبش رون وأتب اعهم يف نف وس املنتس بني‬
‫لإلسالم من إنكار زواج الكبري بالصغرية‪ ،‬قصداً إىل املساس باملقام األعلى‪ .‬وال أحب أن‬
‫أقول أكثر من هذا‪.‬‬

‫ولكين أق ول‪ :‬إنه ال يشك مسـ ــلم "عالما كـ ــان أو عاميـ ــا" أن هـ ــذا ال يصـ ــدر عن‬
‫مس ــلم‪ ،‬وأن المس ــلم ال ــذي يقوله أو يرضى ب ــه؛ يخ ــرج من اإلس ــالم إلى حم ــأة الكفر‬
‫والردة‪ ،‬والعياذ باهلل" (عمدة التفسري‪.)1/480 :‬‬

‫* وقال رحمه اهلل‪:‬‬

‫(‪)18‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫"‪...‬أما اآلن‪ ،‬وأك ثر البالد اليت تنتسب إلى اإلس ـ ـ ـ ــالم‪ ،‬وتس ـ ـ ـ ــمي نفس ـ ـ ـ ــها بالدا‬
‫إسالمية‪ ،‬ثم تحكم بتشريع آخر غير دين اإلسالم‪ ،‬تشريع مقتبس عن القوانين الوثنية‬
‫والنصـ ـ ـ ــرانية واألمم الملحـ ـ ـ ــدة‪ ،‬ه ؤالء ال حيت اجون إىل احليل للظه ور مبظهر العمل‬
‫الص حيح! بل هم يكتب ون العقود ظ اهرة ص رحية بالربا وب العقود الباطلة يف دين اإلس الم‪،‬‬
‫ألنهم اتخذوا دينا غيره بخضوعهم ورضاهم بتشريع غير شريعته‪( "...‬عمدة التفسري‪:‬‬
‫‪.)1/333‬‬

‫* وقال رحمه اهلل‪:‬‬

‫"‪ ...‬ف انظروا أيها املس لمون –إن كنتم مس لمني‪ -‬إىل بالد اإلس الم يف كافة أقط ار‬
‫األرض إال قليالً؛ وقد ض ربت عليها الق ـ ــوانين الك ـ ــافرة الملعون ـ ــة‪ ،‬املقتبسة من ق وانني‬
‫أوروبا الوثنية امللح دة‪ ،‬اليت اس تباحت الربا اس تباحة ص رحية بألفاظها وروحه ا‪( "..‬عم دة‬
‫التفسري‪.)1/336 :‬‬

‫* وقال رحمه اهلل‪:‬‬

‫"واملتالعب ون بال دين من أهل عص رنا‪ ،‬وأولي اؤهم من عاب ـ ــدي التش ـ ــريع الوث ـ ــني‬
‫األجنبي –بل التشريع اليهودي في الربا‪ -‬يلعبون بالقرآن‪ ،‬ويزعمون أن هذه اآلية تدل‬
‫على أن الربا احملرم هو األض عاف املض اعفة! ليج يزوا ما بقي من أن واع الرب ا‪ ،‬على ما‬
‫ترضاه أهواؤهم وأهواء سادهتم" (عمدة التفسري‪.)3/38 :‬‬

‫* وقال رحمه اهلل‪:‬‬

‫"أما الخــارجون عن شــريعة اهلل وحــدوده‪ ،‬ال ذي يط البون مبس اواة املرأة بالرجل يف‬
‫املرياث –من اجلمعي ات النس ائية الف اجرة املتهتك ة‪ ،‬ومن الرج ال أو أش باه الرج ال ال ذين‬
‫يروجون هلذه الدعوة ويتملّقون النسوة فيما يصدرون ويرددون –فإمنا هم خارجون من‬ ‫ّ‬
‫اإلســالم خــروج المرتــدين‪ ،‬التصــال ذلك بأصل العقيــدة وإنكــار التشــريع اإلســالمي‪،‬‬
‫فيجب على كل مسلم أن يقاومهمـ ما استطاع‪ ،‬وأن يدفع شــرهم عن دينه وعن أمتــه"‬
‫(عمدة التفسري‪.)1/473 :‬‬

‫* وقال رحمه اهلل‪:‬‬

‫(‪)19‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫"مث هي قد خ رجت –أي مدينة القس طنطينية‪ -‬بعد ذلك من أي دي املس لمني‪ ،‬منذ‬
‫أعلنت حكومتهم هناك أنها حكومة غير إسالمية وغير دينية‪ ،‬وعاهدتـ الكفــار أعــداء‬
‫اإلسالم‪ ،‬وحكمت أمتها بأحكام القــوانين الوثنية الكــافرة‪ .‬وسيعود الفتح اإلسالمي هلا‬
‫إن شاء اهلل‪ ،‬كما بشر به رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم" (عمدة التفسري‪.)2/256 :‬‬

‫* وقال رحمه اهلل‪:‬‬

‫"نريد أن نح ــارب الوثنية الحديثة والش ــرك الح ــديث‪ ،‬الل ذين ش اعا يف بالدنا ويف‬
‫أك ثر بالد اإلس الم‪ ،‬تقلي داً ألوروبا الوثنية امللح دة‪ ،‬كما ح ــارب س ــلفنا الص ــالح الوثنية‬
‫القديمة والشرك القديم‪ ...‬نريد أن نثابر على ما دعونا وندعو إليه من العودة إىل كتاب‬
‫اهلل وسنة رسوله يف قضائنا كله‪ ،‬يف كل بالد اإلسالم‪ ،‬وهدم الطاغوت اإلفــرنجي الذي‬
‫م تَ َر‬ ‫ض ِرب على املس لمني يف عقر دارهم يف ص ورة قـ ــوانين‪ .‬واهلل تع اىل يق ول‪( :‬أَلَ ْ‬ ‫ُ‬
‫ل ِمن‬ ‫ك َو َمـا ُأ ِ‬
‫نـز َ‬ ‫ل إِلَ ْيـ َ‬ ‫ما ُأ ِ‬
‫نـز َ‬ ‫م آ َم ُنو ْا بِ َ‬ ‫مونَ أَنَّ ُه ْ‬ ‫ين يَ ْز ُع ُ‬ ‫إِلَى الَّ ِذ َ‬
‫ــرو ْا أَن‬ ‫ــد ُأ ِم ُ‬‫اغوتِ َو َق ْ‬ ‫مو ْا إِلَى الطَّ ُ‬ ‫حـــا َك ُ‬ ‫يــدونَ أَن يَ َت َ‬ ‫ك ُي ِر ُ‬ ‫َق ْبلِـــ َ‬
‫ل‬ ‫ضالَال ً بَ ِعيــداً‪َ ،‬وإِذَا قِي ـ َ‬ ‫م َ‬ ‫ضلَّ ُه ْ‬‫ان أَن ُي ِ‬ ‫الش ْيطَ ُ‬ ‫َّ‬ ‫ه َو ُي ِري ُد‬‫يَ ْك ُف ُرو ْا بِ ِ‬
‫ين‬ ‫م َنــافِ ِق َ‬‫ت ا ْل ُ‬‫ل َرأَ ْي َ‬
‫س ـو ِ‬ ‫ل الل ُّه َوإِلَى َّ‬
‫الر ُ‬ ‫م تَ َعالَ ْو ْا إِلَى َما أَن َز َ‬ ‫لَ ُه ْ‬
‫ى‬ ‫ح َّت َ‬‫ك ال َ ُي ْؤ ِم ُنــونَ َ‬ ‫صــ ُدودا)‪ ،‬مث يق ول‪َ ( :‬فال َ َو َربِ ّــ َ‬ ‫ً‬ ‫ك ُ‬ ‫صــدُّونَ َعنــ َ‬ ‫يَ ُ‬
‫ح َرجـاًـ‬ ‫م َ‬ ‫س ِه ْ‬ ‫م ال َ يَجِ ُدو ْا فِي أَن ُف ِ‬ ‫م ُث َّ‬ ‫ج َر بَ ْي َن ُه ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ما َ‬ ‫ك فِي َ‬ ‫مو َ‬ ‫كّ ُ‬‫ح ِ‬ ‫ُي َ‬
‫سلِيما)" (كلمة احلق‪ ،‬أمحد شاكر‪ ،‬ص‪.)7-5‬‬ ‫ً‬ ‫مو ْا تَ ْ‬ ‫س ِل ّ ُ‬ ‫ت َو ُي َ‬ ‫ض ْي َ‬‫ما َق َ‬ ‫ِ ّم َّ‬

‫* وقال رحمه اهلل‪:‬‬

‫"إن من ق ـ ّدم أي قــانون أو أي رأي على الحكم بكتــاب اهلل وســنة رســوله صــلى‬
‫اهلل عليه وسـ ـ ــلم‪ ،‬فهو كـ ـ ــافر يجب قتاله حىت يرجع إىل حكم اهلل ورس وله‪ ،‬وال حي ّكم‬
‫ـذر‬
‫سواه يف قليل أو كثري‪ .‬وهذا شيء بــديهي معلــوم من دين اإلســالم بالضــرورة‪ ،‬ال يعـ ُ‬
‫بجهله أحد‪ ،‬أياً كانت منزلته من العلم أو اجلهل‪ ،‬ومن ّ‬
‫الرقي أو االحنطاط" (كلمة احلق‪،‬‬
‫أمحد شاكر‪ ،‬ص‪.)65‬‬

‫* الشيخ محمود شاكر رحمه اهلل تعالى‪:‬‬

‫* ق ال الش يخ حمم ود ش اكر –رمحه اهلل‪ -‬يف تعليقه على الط ربي‪ ..." :‬فلم يكن‬
‫س ؤاهلم –يعين س ؤال األباض ية أليب جملز عن تفسري اآلية –عما احتج به مبتدعة زمانن ــا‪،‬‬

‫(‪)20‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫من القضاء في األموال واألعراض والدماء بقانون مخــالف لشــريعة أهل اإلســالم‪ ،‬وال‬
‫في إصــدار قــانون مل ــزم ألهل اإلس ــالم‪ ،‬باالحتكــام إلى حكم غــير حكم اهلل في كتابه‬
‫وعلى لسان نبيه صلى اهلل عليه وســلم‪ ،‬فهــذا الفعل إعــراض عن حكم اهلل‪ ،‬ورغبة عن‬
‫دينه‪ ،‬وإيثــار ألحكــام أهل الكفر على حكم اهلل ســبحانه وتعــالى‪ ،‬وهــذا كفــر‪ ،‬ال يشك‬
‫أحد من أهل القبلة على اختالفهم؛ في تكفير القائل به والداعي إليه" (تفسري الطربي‪:‬‬
‫‪.)10/348‬‬

‫* الشيخ محمد أمين الشنقيطي رحمه اهلل تعالى‪:‬‬

‫* ق ال الش يخ حممد أمني الش نقيطي –رمحه اهلل‪ :-‬أخ رج الرتم ذي وغ ريه عن ع دي‬
‫بن حامت –رضي اهلل عنه‪ -‬أنه أتى النيب صلى اهلل عليه وسلم ويف عنقه صليب من ذهب‪،‬‬
‫خ ُذو ْا‬
‫فق ال له ص لى اهلل عليه وس لم‪" :‬اط رح ه ذا ال وثن من عنق ك" ومسعه يق رأ‪( :‬اتَّ َ‬
‫ه) –وك ان ع دي يف اجلاهلية‬ ‫م أَ ْربَابـاً ِ ّمن ُد ِ‬
‫ون الل ّـ ِ‬ ‫هبَــانَ ُه ْ‬
‫م َو ُر ْ‬
‫ه ْ‬ ‫أَ ْ‬
‫حبَا َر ُ‬
‫نص رانياً‪ -‬فق ال ع دي‪ :‬ما كنا نعب دهم من دون اهلل‪ .‬فق ال له النيب ص لى اهلل عليه وس لم‪:‬‬
‫"أمل حيل وا لكم ما ح رم اهلل‪ ،‬وحيرم وا عليكم ما أحل اهلل‪ ،‬فتتبع وهم؟" ق ال‪ :‬بلى‪ .‬ق ال‪:‬‬
‫"ذلك عبادهتم"‪ .‬وهو معىن اختاذهم أرباباً‪.‬‬

‫وه ذا التفسري النب وي املقتضي أن كل من يتبع مشـ ــرعاً فيما أحل وحـ ــرم‪ ،‬مخالفا‬
‫لتش ــريع اهلل؛ أنه عابد ل ــه‪ ،‬متخ ــذه رب ـاً‪ ،‬مش ــرك ب ــه‪ ،‬ك ــافر باهلل‪ ،‬هو تفس ــير ص ــحيح ال‬
‫شك في صــحته‪ ،‬واآليــات القرآنية الشــاهدة لصــحته ال تكــاد تحصــيها في المصــحف‬
‫الكريم‪ ،‬وسنبني –إن شاء اهلل‪ -‬طرفاً من ذلك‪:‬‬

‫اعلم وا –أيها اإلخ وان‪ -‬أن اإلش ــراك باهلل في حكم ــه‪ ،‬واإلش ــراك به في عبادت ــه؛‬
‫كالهما بمعــنى واحد ال فــرق بينهما البتــة‪ ،‬فالــذي يتبع نظاما غــير نظــام اهلل‪ ،‬وتشــريعا‬
‫غير ما شرعه اهلل‪ ،‬وقانونا مخالفا لشرع اهلل من وضع البشر‪ُ ،‬معرضا عن نور الســماء‬
‫الـ ــذي أنزله اهلل على لسـ ــان رسـ ــوله‪ ،‬من كـ ــان يفعل هـ ــذا هو ومن كـ ــان يعبد الصـ ــنم‬
‫ويســجد للــوثن؛ ال فــرق بينهما البتة بوجه من الوجــوه‪ ،‬فهما واحــد‪ ،‬فكالهما مشــرك‬
‫باهلل‪ ،‬هــذا أشــرك به في عبادتــه‪ ،‬وهــذا أشــرك به في حكمــه‪ ،‬واإلشــراك به في عبادتــه‪،‬‬
‫واإلشراك به في حكمه كالهما سواء‪.‬‬

‫(‪)21‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫وقد قال اهلل جل وعال يف اإلشراك به يف عبادته‪( :‬فَ َمن َك ا َن َي ْر ُجو لَِق اء َربِِّه َفْلَي ْع َم ْل‬
‫ِِ ِ ِ‬ ‫عمالً حِل‬
‫صا اً َواَل يُ ْش ِر ْك بعبَ َادة َربِّه أ َ‬
‫َحداً)‪.‬‬ ‫ََ َ‬

‫ص ْر بِ ِه َوأَمْسِ ْع‬
‫ض أَب ِ‬ ‫ِ‬
‫الس َم َاوات َواأْل َْر ِ ْ‬ ‫ب َّ‬‫اإلشراك به يف حكمه أيض اً‪(ِ :‬لَ ِهُ َغْي ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وقال يف‬
‫َح داً)‪ ،‬ويف ق راءة ابن ع امر من الس بعة‪:‬‬ ‫َما هَلُم ِّمن ُدون ه من َويِل ٍّ َواَل يُ ْش ِر ُك يِف ُحكْم ه أ َ‬
‫ِِ ِ ِ‬ ‫ِِ‬
‫َح داً)‪،‬‬ ‫َح داً) بصيغة النهي املطابقة لقوله‪َ ( :‬واَل يُ ْش ِر ْك بعبَ َادة َربِّه أ َ‬ ‫( َواَل ُت ْش ِر ُك يِف ُحكْم ه أ َ‬
‫فكالمها إشراك باهلل‪.‬‬

‫ول ذا؛ بني النيب ص لى اهلل عليه وس لم لع دي بن ح امت أهنم ملا اتبع وا نظ امهم يف‬
‫التحليل والتح رمي‪ ،‬وش رعهم املخ الف لش رع اهلل؛ ك انوا عب دة هلم‪ ،‬متخ ذيهم أرباب اَ‪.‬‬
‫واآليات القرآنية يف املصحف الكرمي املصرحة هبذا املعىن ال تكاد حتصيها" (العذاب النمري‬
‫يف جمالس الشنقيطي يف التفسري‪ ،‬ص‪ 2266‬و‪ ،2267‬من تفسري سورة التوبة‪ .‬وانظر –‬
‫لسماع حماضرات تفسري سورة التوبة‪ -‬موقع طريق اإلسالم االلكرتوين)‪.‬‬

‫* وقال رحمه اهلل‪:‬‬

‫" مث بني ص فات من يس تحق احلكم والتش ريع والتحليل والتح رمي واألمر والنهي؛‬
‫ض َج َع َل لَ ُكم ِّم ْن‬ ‫الس ماو ِ‬
‫ات َواأْل َْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫فقال‪( :‬ذَلِ ُكم اللَّه ريِّب علَي ِه َت و َّك ْل ِ ِ ِ‬
‫يب‪ ،‬فَاطُر َّ َ َ‬ ‫ت َوإلَْي ه أُن ُ‬ ‫ُ َُ َْ َ ُ‬
‫ِ‬
‫يع البَص ريُ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الس م ُ‬‫س َكمثْله َش ْيءٌ َو ُه َو َّ‬ ‫أَن ُفس ُك ْم أ َْز َواجاً َوم َن اأْل َْن َعام أ َْز َواجاً يَ ْذ َر ُؤ ُك ْم فيه لَْي َ‬
‫ٍ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ط ِّ ِ‬
‫يم)‪.‬‬
‫الر ْز َق ل َمن يَ َشاءُ َو َي ْقد ُر إنَّهُ ب ُك ِّل َش ْيء َعل ٌ‬ ‫ض َيْب ُس ُ‬ ‫ات َواأْل َْر ِ‬ ‫السماو ِ‬
‫يد َّ َ َ‬ ‫لَهُ َم َقالِ ُ‬

‫هذه صفات من له أن حيكم وحيلل وحيرم ويأمر وينهى‪ .‬أفرتون –أيها اإلخوان‪ -‬أن‬
‫واح داً من هـ ــؤالء القـ ــردة الخنـ ــازير الكالب أبنـ ــاء الكالب الـ ــذين يضـ ــعون القـ ــوانين‬
‫الوضعية؛ فيهم واحد يستحق هذه الصفات اليت هي صفات من له أن حيكم وحيرم ويأمر‬
‫وبنهى؟!!‬

‫ومن اآلي ات الدالة على ه ِذا النوع قوله تع اىل ِيف سورة القص ص‪َ ( :‬و ُه َو اللَّهُ اَل إِلَ هَ‬
‫ْم َوإِلَْي ه ُت ْر َجعُ و َن)‪ ،‬مث بني صفات من له أن‬ ‫ِ‬ ‫يِف‬
‫إ ُه َو لَ هُ احْلَ ْم ُد اأْل ُوىَل َواآْل خ َرة َولَ هُ احْلُك ُ‬
‫ِاَّل‬
‫حيكم فقال‪( :‬قُ ْل أ ََرأ َْيتُ ْم إِن َج َع َل اللَّهُ َعلَْي ُك ُم اللَّْي َل َس ْر َمداً إِىَل َي ْوِم الْ ِقيَ َام ِة َم ْن إِلَهٌ َغْي ُر اللَّ ِه‬
‫َّه َار َس ْر َمداً إِىَل َي ْوِم الْ ِقيَ َام ِة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يَأْتي ُكم بِضيَاء أَفَاَل تَ ْس َمعُو َن‪ ،‬قُ ْل أ ََرأ َْيتُ ْم إِن َج َع َل اللَّهُ َعلَْي ُك ُم الن َ‬

‫(‪)22‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫من إِلَ ه َغي ر اللَّ ِه ي أْتِي ُكم بِلَي ٍل تَس ُكنُو َن فِي ِه أَفَاَل ُتب ِ‬
‫ص ُرو َن‪َ ،‬و ِمن رَّمْح َتِ ِه َج َع َل لَ ُك ُم اللَّْي َل‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ ٌ ِ ْ ُ َِ ِ ِ ْ ِ ْ‬
‫ضلِ ِه َولَ َعلَّ ُك ْم تَ ْش ُكُرو َن)‪.‬‬
‫َّه َار لتَ ْس ُكنُوا فيه َولتَْبَتغُوا من َ ْ‬
‫ف‬ ‫َوالن َ‬

‫هل في الكفـ ــرة القـ ــردة الخنـ ــازير الكالب أبنـ ــاء الكالب الـ ــذين يضـ ــعون النظم‪،‬‬
‫ويزعم ون أهنم يُرتّب ون هبا عالق ات اإلنس ان‪ ،‬ويض بطون هبا ش ؤونه؛ هل يف ه ؤالء من‬
‫يس تحق أن يوصف هبذه الص فات اليت هي ص فات من له أن حيكم وي أمر وينهى وحيلل‬
‫وحيرم؟!‬

‫آخَر اَل إِلَهَ إِاَّل ُه َو‬ ‫ِ‬


‫القصص‪َ ( :‬واَل تَ ْدعُ َم َع اللَّه إِهَل اً َ‬ ‫ومن ذلك قوله تعاىل يف أخريات‬
‫ْم َوإلَْي ه ُت ْر َجعُ و َن)‪ ..‬واآلي ات القرآنية يف مثل ه ذه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُك ُّل َش ي ٍء َهالِ ٌ ِاَّل‬
‫ك إ َو ْج َه هُ لَ هُ احْلُك ُ‬ ‫ْ‬
‫كثرية جداً‪.‬‬

‫واحلاصل أن التشريع ال يكون إال لألعلى الذي ال مُي كن أن يكون فوقه آمر وال ناه‬
‫وال متصرف‪ ،‬فهو للسلطة العليا‪ .‬أما المخلوق الجاهل الكافر المســكين؛ فليس له أن‬
‫يحلل ويحرم‪.‬‬

‫والعجب كل العجب من قوم ك ان عن دهم كت اب اهلل‪ ،‬ورثوا اإلس الم عن آب ائهم‪،‬‬


‫وعن دهم ه ذا الق رآن العظيم‪ ،‬والن ور املبني‪ ،‬وس نة خري اخللق ص لى اهلل عليه وس لم‪ ،‬ي بني‬
‫اهلل ورسوله كل شيء‪ ،‬ومع ذلك يُعرضون عن هذا؛ زاعمني أنه ال حيسن القيام بشؤون‬
‫الدنيا بعد تطوراهتا الراهنة‪ ،‬يطلبون الصواب يف زباالت أذهان كفرة خنــازير‪ ،‬ال يعلمون‬
‫شيئاً!! هذا من طمس البصائر –والعياذ باهلل‪ -‬ال يُص ّدق به إال من رآه‪ ،‬ولكن اخلفافيش‬
‫يعميها نور القرآن الكرمي‪ ،‬فالقرآن العظيم نور عظيم‪ ،‬واخل ّفاش ال يكاد أن يرى النور‪:‬‬

‫فوافقها قطع من الليل مظلم‬ ‫خفافيش أعماها النهار بضوئه‬

‫ه ذا الق رآن العظيم ينص رفون عن ه‪ ،‬وت رى الواحد ال ذي هو مس ؤول عنهم يُعلن يف‬
‫غري حياء من اهلل وال حياء من الناس بوجه ال ماء فيه‪ ،‬وبكل وقاحة؛ أنه حي ّكم يف نفسه‬
‫ويف الناس الذين هم رعيته الذين هو مسؤول عنهم‪ ،‬حي ّكم يف أدياهنم‪ ،‬ويف أنفسهم‪ ،‬ويف‬
‫عقوهلم‪ ،‬ويف أنس اهبم‪ ،‬ويف أم واهلم‪ ،‬ويف أعراضهم‪ ،‬قانونـاً أرضــيا وضــعه خنــازير كفــرة‬
‫جهلة أنتن من الكالب والخنـ ــازير‪ ،‬وأجهل خلق اهلل‪ ،‬معرض اً عن ن ور الس ماء ال ذي‬
‫وضعه اهلل جل وعال على لسان خلقه‪ ،‬فهذا من طمس البصائر‪ ،‬ال يص ّدق به إال من رآه‬

‫(‪)23‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫–والعياذ باهلل‪ .-‬اللهم ال تطمس بصائرنا‪ ،‬وال تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا" (العذاب النمري‬
‫من جمالس الشنقيطي يف التفسري‪ ،‬ص‪ 2270‬و‪ 2271‬من تفسري سورة التوبة)‪.‬‬

‫* وقال رحمه اهلل‪:‬‬

‫"فه ذه اآلي ات الكرمية ت دل على أن كل من يتبع نظاما غــير نظــام اهلل –وإن ســماه‬
‫قانونا أو دسـ ـ ــتورا أو سـ ـ ــماه ما سـ ـ ــماه‪ -‬فهو كـ ـ ــافر باهلل‪ ،‬ولو ك ان ك افراً قبل ذلك‬
‫وارتكب ش يئاً يعلم أن اهلل حرمه فحلل ما يعلم أن اهلل حرم ه‪ ،‬أو ح رم ما يعلم أن اهلل‬
‫حلله‪ ،‬فإنه ولو كان كافراً قبل هذا يزداد بذلك كفراً جديداً إىل كفره األول‪ ،‬كما قال‬
‫ـر)‪ ،‬وه ذا مع روف ال ن زاع فيه بني‬ ‫سي ُء ِزيَــا َد ٌة فِي ا ْل ُك ْفـ ِ‬‫ما ال َّن ِ‬ ‫هن ا‪( :‬إِنَّ َ‬
‫العلماء‪ ،‬فاحلالل هو ما أحله اهلل‪ ،‬واحلرام هو ما حرمه اهلل‪ ،‬والدين هو ما شرعه اهلل‪ ،‬وال‬
‫تش ريع إال هلل؛ ألن التش ريع واألمر والنهي ال يك ون إال للس لطة اليت ليس فوقها ش يء‪،‬‬
‫واهلل جل وعال هو خ الق ه ذا اخلل ق‪ ،‬وخ الق النعم اليت أنعم هبا علي ه‪ ،‬فهو املل ك؛ فال‬
‫يرضى أن ي أمر فيه غ ريه وينهى‪ ،‬بل األمر له وح ده‪ ،‬والنهي له وح ده‪ ،‬والتش ريع له‬
‫وح ده‪ ،‬فكل مشــروع دونه ضــال‪ ،‬وكل متبع تشــريعا غــير تشــريعه فهو كــافر به جل‬
‫وعال‪.‬‬

‫وقد بني اهلل جل وعال يف آيات كثرية هذا املعىن‪ ،‬فكان قوم يف زمن النيب صلى اهلل‬
‫فعجب اهلل نبيه‬ ‫وادعوا أهنم مؤمنون‪ّ ،‬‬ ‫عليه وسلم أرادوا أن يتحاكموا إىل غري شرع اهلل‪ّ ،‬‬
‫من ك ذب دع واهم‪ ،‬وأن دع واهم اإلميان ال تصح بوجه من الوج وه مع إرادهتم التح اكم‬
‫م آ َم ُنــو ْا‬ ‫مــونَ أَنَّ ُه ْ‬ ‫م تَ ـ َر إِلَى الَّ ِذ َ‬
‫ين يَ ْز ُع ُ‬ ‫إىل غري اهلل‪ ،‬وذلك يف قول ه‪( :‬أَلَ ْ‬
‫مو ْا إِلَى‬ ‫حــا َك ُ‬‫ـدونَ أَن يَ َت َ‬ ‫ك ُي ِريـ ُ‬ ‫ل ِمن َق ْبلِ ـ َ‬ ‫ك َو َما ُأ ِ‬
‫نز َ‬ ‫ل إِلَ ْي َ‬ ‫ما ُأ ِ‬
‫نز َ‬ ‫بِ َ‬
‫م‬ ‫ضلَّ ُه ْ‬ ‫ان أن ُي ِ‬‫َ‬ ‫الش ْيطَ ُ‬
‫َّ‬ ‫يد‬‫ه َو ُي ِر ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫اغوتِ َو َق ْد أ ِم ُرو ْا أن يَ ْك ُف ُرو ْا بِ ِ‬ ‫الطَّ ُ‬
‫فعجبه من دع واهم اإلميان وهم يري دون التح اكم إىل غري ما ش رعه‬ ‫ضالَال ً بَ ِعيداً)‪ّ ،‬‬ ‫َ‬
‫اهلل‪ ،‬وهذا ال خيفى‪.‬‬

‫وأقسم جل وعال يف آية من كتابه أنه ال يؤمن أحد حىت يكون متّبع اً يف قرارة نفسه‬
‫ملا ج اء به س يد الرسل حممد ص لوات اهلل وس المه علي ه‪ ،‬وذلك قول ه‪َ ( :‬فال َ َو َربِ ّ َ‬
‫ك ال َ‬
‫ـدو ْا فِي‬ ‫م ال َ يَجِـ ُ‬
‫م ُث َّ‬
‫ج َر بَ ْي َن ُه ْ‬‫شـ َ‬ ‫مــا َ‬ ‫ك فِي َ‬‫مو َ‬ ‫كّ ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ى ُي َ‬ ‫ح َّت َ‬‫ُي ْؤ ِم ُنونَ َ‬
‫س ـلِيماً)‪ .‬ه ذا قسم من اهلل‬ ‫مو ْا تَ ْ‬ ‫س ِل ّ ُ‬‫ت َو ُي َ‬ ‫ما َق َ‬
‫ض ْي َ‬ ‫ح َرجاًـ ِ ّم َّ‬ ‫م َ‬ ‫أَن ُف ِ‬
‫س ِه ْ‬
‫ج َر‬
‫شــ َ‬‫مــا َ‬ ‫ك فِي َ‬‫مــو َ‬ ‫كّ ُ‬
‫ح ِ‬‫ى ُي َ‬ ‫ح َّت َ‬ ‫ك ال َ ُي ْؤ ِم ُنــونَ َ‬ ‫أقسم ب ه‪َ ( :‬فال َ َو َربِ ّــ َ‬

‫(‪)24‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫م) فما ظنك بالـذين يُح ّكمـون فيما شـجر بينهم قـانون نـابليون وما جـرى بعـده‬
‫بَ ْي َن ُه ْ‬
‫من زباالت أذهان الكفرة؟! أال ترون أن اهلل أقسم يف هذه اآلية من سورة النساء أهنم ال‬
‫يؤمنون؟ ومن أصدق من اهلل قيالً‪ ،‬ومن أصدق من اهلل حديثاً؟!‬

‫فعلى كل مس لم أن يعلم أن احلاكم هو اهلل‪ ،‬وأن احلكم هلل وح ده‪ ،‬وأنه ال حُي ّل إال‬
‫اهلل‪ ،‬وال حُي ّرم إال اهلل" (الع ذاب النمري من جمالس الش نقيطي يف التفس ري‪ ،‬ص‪ 2302‬و‬
‫‪ ،2303‬من تفسري سورة التوبة)‪.‬‬

‫* وقال –رحمه اهلل‪ -‬في تفسير سورة الكهف‪:‬‬

‫"وهبذه النصوص السماوية اليت ذكرنا؛ يظهر غاية الظهور أن الذين يتبعون القوانين‬
‫الوضعية اليت شرعها الشيطان على ألسنة أوليائه خمالفة ملا شرعه اهلل جل وعال على ألسنة‬
‫رسله صلى اهلل عليهم وسلم؛ أنه ال يشك في كفرهم وشــركهم إال من طمس اهلل على‬
‫بصيرته‪ ،‬وأعماه عن نور الوحي مثلهم‪.‬‬

‫اعلم أنه جيب التفص يل بني النظ ـ ـ ــام الوض ـ ـ ــعي ال ذي يقتضي حتكيمه الكفر خبالق‬
‫الس موات‪ ،‬وبني النظ ام ال ذي ال يقتضي ذل ك‪ .‬وإيض اح ذلك أن النظ ام قس مان‪ :‬إداري‬
‫وشرعي‪.‬‬

‫أما اإلداري الذي يراد به ضبط األمور وإتقاهنا على وجه غري خمالف للشرع‪ ،‬فهذا‬
‫ال م انع من ه‪ ،‬وال خمالف فيه من الص حابة فمن بع دهم‪ .‬وقد عمل عمر رضي اهلل عنه من‬
‫ذلك أش ياء كث رية ما ك انت يف زمن النيب ص لى اهلل عليه وس لم‪ ،‬ك َكْتبه أمساء اجلُند يف‬
‫دي وان ألجل الض بط‪ ،‬ومعرفة من غ اب ومن حض ر‪ ،‬كما إيض اح املقص ود منه يف س ورة‬
‫بين إسرائيل يف الكالم على العاقلة اليت حتمل دية اخلطأ؛ مع أن النيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫مل يفعل ذلك‪ ،‬ومل يعلم بتخلّف كعب بن مالك عن غزوة تبوك؛ إال بعد أن وصل تبوك‬
‫دار صفوان بن أمية وجعله‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وكاشرتائه –أعين عمر رضي اهلل عنه‪َ -‬‬
‫إياها س جناً يف مكة املكرم ة‪ ،‬مع أنه ص لى اهلل عليه وس لم مل يتخذ س جناً هو وال أبو‬
‫بكر‪ .‬مثل هذا من األمور اإلدارية اليت تُفعل إلتقان األمور مما ال خيالف الشرع؛ ال بأس‬
‫ب ه‪ ،‬كتنظيم ش ؤون املوظفني‪ ،‬وتنظيم إدارة األعم ال على وجه ال خيالف الش رع‪ .‬فه ذا‬
‫الن وع من األنظمة الوض عية ال ب أس ب ه‪ ،‬وال خيرج عن قواعد الش رع من مراع اة املص احل‬
‫العامة‪.‬‬

‫(‪)25‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫وأما النظ ام الش رعي املخ الف لتش ريع خ الق الس موات واألرض؛ فتحكيمه كفر‬
‫خبالق الس موات واألرض‪ ،‬ك دعوى أن تفض يل ال ذكر على األن ثى يف املرياث ليس‬
‫بإنص اف‪ ،‬وأهنما يل زم اس تواؤمها يف املرياث‪ .‬وك دعوى أن تع دد الزوج ات ظلم‪ ،‬وأن‬
‫الطالق ظلم للم رأة‪ ،‬وأن ال رجم والقطع وحنومها أعم ال وحش ية ال يس وغ فعلها‬
‫باإلنسان‪ ،‬وحنو ذلك‪.‬‬

‫فتحكيم ه ذا الن وع من النظ ام يف أنفس اجملتم ع‪ ،‬وأم واهلم وأعراض هم‪ ،‬وأنس اهبم‬
‫وعقوهلم وأدياهنم؛ كفر خبالق السموات واألرض‪ ،‬ومترد على نظام السماء الذي وضعه‬
‫من خلق اخلالئق كلها‪ ،‬وهو أعلم مبصاحلها" (أضواء البيان‪.)4/67 :‬‬

‫* وقال الشيخ رحمه اهلل‪:‬‬

‫"اعلم أن اهلل جل وعال بني يف آيات كثرية صفات من يستحق أن يكون احلكم له‪،‬‬
‫فعلى كل عاقل أن يتأمل الص فات املذكورة‪ ،‬اليت سنوض حها اآلن إن ش اء اهلل‪ ،‬ويقابلها‬
‫مع ص فات البشر المشــرعين للقــوانين الوضــعية‪ ،‬فينظر هل تنطبق عليهم ص فات من له‬
‫التشريع! –سبحان اهلل وتعاىل عن ذلك‪ ،-‬فإن كانت تنطبق عليهم –ولن تكون‪ -‬فليتبع‬
‫تش ريعهم‪ ،‬وإن ظهر يقين اً أهنم أحقر وأخس وأذل وأصـ ــغر من ذل ك؛ فليقف هبم عند‬
‫حدهم‪ ،‬وال جياوزه هبم إىل مقام الربوبية‪ ،‬سبحانه وتعاىل أن يكون له شريك يف عبادته‪،‬‬
‫أو حكمه‪ ،‬أو ملكه‪.‬‬

‫فمن اآليات اليت أوضح هبا اهلل تعاىل صفات من له احلكم والتشريع قوله هنا‪َ ( :‬و َما‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِِِ‬
‫ْم هُ إِىَل اللَّه)‪ ،‬مث ق ال مبين اً ص فات من له احلكم‪َ ( :‬ذل ُك ُم اللَّهُ‬ ‫اخَتلَ ْفتُ ْم في ه من َش ْيء فَ ُحك ُ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الس َم َاوات َواأْل َْر ِ‬
‫ض َج َع َل لَ ُكم ِّم ْن أَن ُفس ُك ْم أ َْز َواج اً‬ ‫ِ‬
‫يب‪ ،‬فَ اطُر َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ريِّب َعلَْي ه َت و َّك ْل ُ ِ‬
‫ت َوإلَْي ه أُن ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يع البَص ريُ‪ ،‬لَ هُ َم َقالي ُد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الس م ُ‬
‫س َكمثْل ه َش ْيءٌ َو ُه َو َّ‬ ‫َوم َن اأْل َْن َع ام أ َْز َواج اً يَ ْذ َر ُؤ ُك ْم في ه لَْي َ‬
‫يم)‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ط ِّ ِ‬ ‫ات َواأْل َْر ِ‬‫السماو ِ‬
‫الر ْز َق ل َمن يَ َشاءُ َو َي ْقد ُر إنَّهُ ب ُك ِّل َش ْيء َعل ٌ‬ ‫ض َيْب ُس ُ‬ ‫َّ َ َ‬

‫فهل يف الكف ــرة الفج ــرة المش ــرعين للنظم الش ــيطانية من يس تحق أن يوصف بأنه‬
‫ض إليه األم ور ويَُت َو َّكل علي ه؟ وأنه ف اطر الس موات واألرض‪ ،‬أي‬ ‫ال رب ال ذي تف َّو ُ‬
‫خالقهما وخمرتعهما على غري مث ال س ابق؟ وأنه هو ال ذي خلق للبشر أزواج اً؟ وخلق هلم‬
‫الضــ ْأ ِ‬
‫ن‬ ‫َّ‬ ‫مانِيَــ َة أَ ْز َواجٍ ِ ّم َ‬
‫ن‬ ‫أزواج األنع ام الثمانية املذكورة يف قوله تع اىل‪( :‬ثَ َ‬
‫ير)؟! وأن‬ ‫ص ُ‬
‫مي ُع البَ ِ‬ ‫الس ِ‬‫َّ‬ ‫ه َو‬
‫ي ٌء َو ُ‬
‫ش ْ‬ ‫ه َ‬ ‫م ْثلِ ِ‬ ‫ن‪)...‬؟! وأنه (لَ ْي َ‬
‫س َك ِ‬ ‫ا ْث َن ْي ِ‬

‫(‪)26‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫ق‬ ‫ـرّ ْز َ‬
‫ط الـ ِ‬
‫سـ ُ‬ ‫ت َواأْل َ ْر ِ‬
‫ض)؟! وأنه هو ال ذين (يَ ْب ُ‬ ‫ما َوا ِ‬
‫الس ـ َ‬
‫َّ‬ ‫(لَ ُه َمقَالِي ـ ُد‬
‫ي ٍء‬‫شــ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫شــا ُء َويَقْــ ِد ُر) أي يض يقه على من يش اء؟! وهو (بِكُــ ِ ّ‬ ‫من يَ َ‬ ‫لِ َ‬
‫م)؟!‪.‬‬ ‫َعلِي ٌ‬

‫فعليكم –أيها املس لمون‪ -‬أن تتفهم وا ص فات من يس تحق أن يش رع وحيلل وحيرم‪،‬‬
‫وال تقبلوا تشريعاً من كافر خسيس حقير جاهل‪.‬‬

‫الرس ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬


‫ول‬ ‫تعاىل‪( :‬فَإن َتنَ َاز ْعتُ ْم يِف َش ْيء َف ُر ُّدوهُ إىَل اللّه َو َّ ُ‬
‫ِ‬
‫ونظري هذه اآلية الكرمية قوله‬
‫ِ‬
‫َحس ن تَأْ ِويالً)‪ ،‬فقوله فيها‪َ ( :‬ف ر ُّدوهُ إىَلِ‬
‫ُ‬ ‫ك َخْي ٌر َوأ ْ َ ُ‬ ‫إِن ُكنتُ ْم ُت ْؤ ِمنُو َن بِاللّ ِه َوالَْي ْوم اآلخ ِر َذل َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عجب نبيه ص لى اهلل عليه وس لم بعد قول ه‪:‬‬ ‫ْم هُ إِىَل اللَّه)‪ .‬وقد ّ‬ ‫اللّ ه) كقوله يف ه ذه (فَ ُحك ُ‬
‫( َف ُر ُّدوهُ إِىَل اللّ ِه) من ال ذين ي ّدعون اإلميان مع أهنم يري دون احملاكمة إىل من مل يتصف‬
‫بص فات من له احلكم‪ ،‬املعرب عنه يف اآلية بالط اغوت‪ ،‬وكل تح ــاكم إلى غ ــير ش ــرع اهلل‬
‫ِ َّ ِ‬
‫فهو تحاكم إلى الطـاغوت‪ ،‬وذلك يف قوله تعاىل‪( :‬أَمَلْ َت َر إىَل الذ َ‬
‫ين َيْزعُ ُم و َن أَن َُّه ْم َآمنُ واْ‬
‫وت َوقَ ْد أ ُِم ُرواْ أَن‬ ‫ك ي ِري ُدو َن أَن يتَح ا َكمواْ إِىَل الطَّاغُ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ َ ُ‬ ‫ك َو َما أُن ِز َل من َقْبل َ ُ‬ ‫مِب َا أُن ِز َل إِلَْي َ‬
‫ضالَالً بَعِيداً)‪.‬‬ ‫يد الشَّيطَا ُن أَن ي ِ‬
‫ضلَّ ُه ْم َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫يَ ْك ُفُرواْ بِه َويُِر ُ ْ‬

‫صرح اهلل بأنه أمرهم به يف هذه اآلية‪ ،‬شـرط في اإليمـان‬ ‫فالكفر بالطاغوت الذي ّ‬
‫ه َف َقـ ِد‬ ‫ن يَ ْك ُفـ ْر بِالطَّ ُ‬
‫اغوتِ َو ُي ـ ْؤ ِمن بِالل ّ ـ ِ‬ ‫م ْ‬‫كما بينه تع اىل يف قول ه‪َ ( :‬ف َ‬
‫َى)‪ ،‬فيفهم منه أن من مل يكفر بالط اغوت مل‬ ‫ــو ْثق َ‬ ‫ك بِــا ْل ُع ْر َو ِة ا ْل ُ‬
‫ســ َ‬
‫م َ‬
‫اس َت ْ‬
‫ْ‬
‫مرتد مع اهلالكني‪.‬‬‫يتمسك بالعروة الوثقى‪ ،‬ومن مل يستمسك هبا فهو ّ‬

‫ص ْر بِ ِه‬
‫ض أَب ِ‬ ‫ِ‬
‫الس َم َاوات َواأْل َْر ِ ْ‬
‫ب َّ‬ ‫الدالةِ على ذلك قوله تع اىل‪( :‬لَ هُِ َغِْي ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ومن اآلي ات‬
‫ِ‬
‫َح داً) فهل يف الكف ـ ــرة الفج ـ ــرة‬ ‫َوأَمْس ْع َما هَلُم ِّمن ُدون ه من َويِل ٍّ َواَل يُ ْش ِر ُك يِف ُحكْم ه أ َ‬
‫المشــرعين من يستحق أن يوصف بأن له غيب السموات واألرض؟! وأن يبالغ يف مسعه‬
‫وبصره إلحاطة مسعه بكل املسموعات وبصره بكل املبصرات؟ وأنه ليس ألحد دونه من‬
‫ويل؟ سبحانه وتعاىل عن ذلك علواً كبرياً‪.‬‬

‫آخ َر اَل إِلَ هَ إِاَّل ُه َو‬ ‫ِ‬


‫اآلي ات الدالة على ذلك قوله ِتع اىل‪َ ( :‬واَل تَ ْدعُ َم َع اللَّه إِهَل اً َ‬ ‫ومن‬
‫ْم َوإِلَْيه تُ ْر َجعُو َن)‪ .‬فهل يف الكفرة الفجــرة المشــرعين‬ ‫ُك ُّل َشي ٍء َهالِ ٌ ِاَّل‬
‫ك إ َو ْج َههُ لَهُ احْلُك ُ‬ ‫ْ‬
‫من يستحق أن يوصف بأنه اإلله الواحد؟! وأن كل شيء هالك إال وجهه؟ وأن اخلالئق‬
‫أخس خلقه بصفاته‪.‬‬ ‫يرجعون إليه؟ تبارك ربنا وتعاظم وتقدس أن يوصف ّ‬

‫(‪)27‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫ومن اآليات الدالة على ذلك قوله تعاىل‪َ ( :‬ذلِ ُكم بِأَنَّهُ إِ َذا ُد ِع َي اللَّهُ َو ْح َدهُ َك َف ْرمُتْ َوإِن‬
‫ْم لِلَّ ِه الْ َعلِ ِّي الْ َكبِ ِري)‪ .‬فهل يف الكف ــرة الفج ــرة المش ــرعين للنظم‬ ‫ِِ ِ‬
‫يُ ْش َر ْك ب ه تُ ْؤمنُ وا فَ احْلُك ُ‬
‫الش ــيطانية من يس تحق أن يوصف يف أعظم كت اب مساوي بأنه العلي الكب ري؟! س بحانك‬
‫ربنا وتعاليت عن كل ما ال يليق بكمالك وجاللك‪.‬‬

‫ومن اآليات الدالة على ذلك قوله تعاىل‪( :‬وهو اللَّه اَل إِلَه إِاَّل ه و لَه احْل م د يِف اأْل ُوىَل‬
‫واآْل ِخ ر ِة ولَه احْل كْم وإِلَي ِه ترجع و َن‪ ،‬قُل أَرأَيتم إَِنُ َجع لُ اللَّه َعلَي ُكمُ َاللَّي ُل سَ ْرمُداً إِىَل ي ومِ‬
‫َْ‬ ‫ْ َ ُْ ْ َ َ َ ُ َ ْ ُ ْ َ َ ْ َ‬ ‫َ َ َ ُ ُ ُ َ ْ ُْ َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َّه َار‬‫الْقيَ َامة َم ْن إِلَهٌ َغْيُر اللَّه يَأْتي ُكم بِضيَاء أَفَاَل تَ ْس َمعُو َن‪ ،‬قُ ْل أ ََرأ َْيتُ ْم إِن َج َع َل اللَّهُ َعلَْي ُك ُم الن َ‬
‫ص ُرو َن‪َ ،‬و ِمن‬ ‫س رمداً إِىَل ي وِم الْ ِقيام ِة من إِلَ ه َغي ر اللَّ ِه ي أْتِي ُكم بِلَي ٍل تَس ُكنُو َن فِي ِه أَفَاَل ُتب ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َْ ََ َْ ٌ ُْ َ‬ ‫َ َْ‬
‫ض له َولَ َعل ُك ْم تَ ْش ُكُرو َن)‪ ..‬فهل‬‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّه َار لتَ ْس ُكنُوا فيه َولتَْبَتغُوا من فَ ْ‬ ‫رَّمْح َت ه َج َع َل لَ ُك ُم اللْي َل َوالن َ‬
‫يف مشرعي القوانين الوضعية من يستحق بأن يوصف بأن له احلمد يف األوىل واآلخرة؟!‬
‫وأنه هو الذي يصرف الليل والنهار مبينا بذلك كمال قدرته‪ ،‬وعظمة إنعامه على خلقه؟!‬
‫س بحان خ الق الس موات واألرض جل وعال أن يك ون له ش ريك يف حكمه أو عبادته أو‬
‫ملكه‪.‬‬

‫ِِ‬ ‫ِِ‬
‫ْم إِالَّ للّ ه أ ََم َر أَالَّ َت ْعبُ ُدواْ إِالَّ إِيَّاهُ‬
‫الدالة على ذلك قوله تع اىل‪( :‬إن احْلُك ُ‬ ‫ِ‬
‫ومن اآلي ات‬
‫ِ‬
‫َّاس الَ َي ْعلَ ُم و َن)‪ ..‬فهل يف أولئك من يستحق أن يوصف‬ ‫ِّين الْ َقيِّ ُم َولَـك َّن أَ ْكَث َر الن ِ‬
‫ك الد ُ‬
‫ذَل َ‬
‫بأنه هو اإلله املعبود وحده‪ ،‬وأن عبادته وحده هي الدين القيم؟! سبحان اهلل وتعاىل عما‬
‫يقول الظاملون علواً كبرياً‪.‬‬

‫ت َو َعلَْي ِه َف ْليََت َو َّك ِل الْ ُمَت َو ِّكلُ و َن)‪..‬‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِِ‬


‫ْم إِالَّ للّ ه َعلَْي ه َت َو َّك ْل ُ‬
‫ومنها قوله تع اىل‪( :‬إن احْلُك ُ‬
‫فهل فيهم من يستحق أن يَُت َو َّكل عليه‪ ،‬وتُ َف َوض األمور إليه؟!‬

‫مِب‬ ‫ِ‬
‫اح َذ ْر ُه ْم أَن‬ ‫اح ُكم َبْيَن ُهم َا أَن َز َل اللّ هُ َوالَ َتتَّبِ ْع أ َْه َو ُ‬
‫اءه ْم َِو ْ‬ ‫ِ ومنها قوله تع اىل‪َ ( :‬وأَن ْ‬
‫ض‬ ‫اعلَ ْم أَمَّنَا يُِري ُد اللّ هُ أَن يُص َيب ُهم بَِب ْع ِ‬
‫ك فَ ِإن َت َولَّْواْ فَ ْ‬
‫ض َما أَن َز َل اللّ هُ إِلَْي َ‬
‫وك َعن َب ْع ِ‬
‫َي ْفتنُ َ‬
‫َح َس ُن ِم َن اللّ ِه‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ذُنُ وهِبِم وإِ َّن َكثِ رياً ِّمن الن ِ ِ‬
‫ْم اجْلَاهليَّة َيْبغُ و َن َو َم ْن أ ْ‬ ‫َّاس لََفاس ُقو َن‪ ،‬أَفَ ُحك َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫ُحكْم اً لَِّق ْوم يُوقنُ و َن)‪ ..‬فهل يف أولئك المشـرعين من يستحق أن يوصف بأن حكمه مبا‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫أن زل اهلل وأنه خمالف التب اع اهلوى؟ وأن من ت وىل عنه أص ابه اهلل ببعض ذنوب ه‪ ،‬ألن‬
‫يؤاخذ جبميعها إال يف اآلخرة؟ وأنه ال حكم أحسن من حكمه لقوم يوقنون؟‬ ‫الذنوب ال َ‬
‫سبحان ربنا وتعاىل عن كل ما ال يليق بكماله وجالله‪...‬‬

‫(‪)28‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫وملا ك ان التش ريع ومجيع األحك ام –ش رعية ك انت أو كونية قدري ة‪ -‬من خص ائص‬
‫الربوبية –كما دلت عليه اآليات املذكورة‪-‬؛ كان كل من اتبع تشريعاً غير تشــريع اهلل؛‬
‫قد اتخذ ذلك المش ــروع ربــاً‪ ،‬وأش ــركه مع اهلل‪ .‬واآلي ات الدالة على ه ذا كث رية‪ ،‬وقد‬
‫قدمناها مراراً‪ ،‬وسنعيد منها ما فيه كفاية‪ ،‬فمن ذلك وهو من أوضحه وأصرحه؛ أنه يف‬
‫زمن النيب ص لى اهلل عليه وس لم وقعت من اظرة بني ح زب ال رمحن وح زب الش يطان‪ ،‬يف‬
‫حكم من أحك ام التح رمي والتحلي ل‪ .‬وح زب ال رمحن يتبع ون تش ريع ال رمحن يف وحيه يف‬
‫حترميه‪ ،‬وح زب الش يطان يتبع ون وحي الش يطان يف حتليل ه‪ .‬وقد حكم اهلل بينهم ا‪ ،‬وأفىت‬
‫فيما تن ازعوا فيه فتوى مساوية قرآنية تتلى يف سورة األنع ام‪ .‬وذلك أن الشيطان ملا أوحى‬
‫إىل أوليائه فق ال هلم يف وحي ه‪ :‬س لوا حمم داً عن الش اة تص بح ميت ة؛ من هو ال ذي قتله ا؟‬
‫فأجابوهم أن اهلل هو الذي قتلها‪ .‬فقالوا‪ :‬امليتة إذاً ذبيحة اهلل‪ ،‬وما ذحبه اهلل كيف تقولون‬
‫إنه ح رام؟ مع أنكم تقول ون إن ما ذحبتم وه بأي ديكم حالل‪ ،‬ف أنتم إذاً أحسن من اهلل‬
‫وأحل ذبيحة‪ .‬فأنزل اهلل –بإمجاع من يعتد به من أهل العلم‪ -‬قوله تعاىل‪َ ( :‬وال َ تَ ْأ ُكلُو ْا‬
‫ه) يعين امليت ة‪ ،‬أي‪ :‬وإن زعم الكف ار أن اهلل‬ ‫ه َعلَ ْيـ ِ‬ ‫م الل ّـ ِ‬ ‫اسـ ُ‬ ‫م ُيذْ َك ِر ْ‬ ‫ما ل َ ْ‬‫ِم َّ‬
‫ق) والض مري عائد إىل األكل‬ ‫سـ ٌ‬ ‫ذكاها بي ده الكرمية بس كني من ذهب‪َ ( ،‬وإِنَّ ُه لَ ِف ْ‬
‫ق) أي‪ :‬خ روج عن طاعة اهلل‪،‬‬ ‫سـ ٌ‬ ‫املفه وم من قول ه‪َ ( :‬وال َ تَـ ْـأ ُكلُو ْا)‪ ،‬وقول ه‪( :‬لَ ِف ْ‬
‫م‬ ‫وحـ ونَ إِلَى أَ ْولِيَــآئِ ِه ْ‬ ‫ين لَ ُي ُ‬‫ط َ‬ ‫الش ـيَا ِ‬ ‫َّ‬ ‫ن‬
‫واتب اع لتش ريع الش يطان‪َ ( ،‬وإِ َّ‬
‫ُم) أي‪ :‬بقوهلم‪ :‬ما ذحبتموه حالل وما ذبح اهلل حرام؛ فأنتم إذاً أحسن من‬ ‫جا ِدلُوك ْ‬ ‫لِ ُي َ‬
‫اهلل وأحل تذكي ة‪ .‬مث بنّي الفت وى الس ماوية من رب الع املني يف احلكم بني الف ريقني من‬
‫ش ـ ِركُونَ )‪ ،‬فهي فت وى مساوية من‬ ‫م ْ‬‫ُم لَ ُ‬ ‫م إِنَّك ْ‬‫ـوه ْ‬‫مـ ُ‬ ‫قوله تع اىل‪َ ( :‬وإِنْ أَطَ ْع ُت ُ‬
‫اخلالق جل وعال ص رح فيها ب أن متبع تشـ ــريع الشـ ــيطان المخـ ــالف لتشـ ــريع الـ ــرحمن‬
‫مشرك باهلل‪...‬‬

‫ما‬ ‫ومن اآلي ات الدالة على حنو ما دلت عليه آية األنع ام املذكورة قوله تع اىل‪( :‬إِنَّ َ‬
‫شــ ِركُونَ )‪،‬‬ ‫ه ُم ْ‬ ‫هم بِــ ِ‬ ‫ين ُ‬ ‫ســ ْلطَا ُن ُه َعلَى الَّ ِذ َ‬
‫ين يَ َت َولَّ ْونَــ ُه َوالَّ ِذ َ‬ ‫ُ‬
‫فصرح بتوليهم للشيطان‪ ،‬أي‪ :‬باتباع ما يزين هلم من الكفر واملعاصي خمالفاً ملا جاءت به‬
‫ه‬ ‫هم بِـــ ِ‬ ‫ين ُ‬ ‫الرس ل‪ ،‬مث ص رح ب أن ذلك إش راك به يف قوله تع اىل‪َ ( :‬والَّ ِذ َ‬
‫ش ِركُونَ )‪ ،‬وص رح أن الطاعة يف ذلك ال ذي يش رعه الش يطان هلم ويزين ه؛ عب ادة‬ ‫ُم ْ‬
‫م أَ ْع َه ْد‬ ‫للش يطان‪ .‬ومعل وم أن من عبد الش يطان فقد أش رك ب الرمحن‪ ،‬ق ال تع اىل‪( :‬أَلَ ْ‬
‫ُم َعـــ ُد ٌّو‬ ‫الشـــ ْيطَانَ إِنَّ ُه لَك ْ‬
‫َّ‬ ‫م أَن اَّل تَ ْع ُب ُ‬
‫ـــدوا‬ ‫إِلَ ْيك ْ‬
‫ُم َيـــا بَنِي آ َد َ‬
‫ُم‬ ‫ل ِمنك ْ‬ ‫ض ـ َّ‬ ‫َ‬
‫ـد أ َ‬‫م‪َ ،‬ولَ َقـ ْ‬ ‫ص َراط ٌ م ْ‬
‫ُّس َت ِقي ٌ‬ ‫هذَا ِ‬ ‫اع ُب ُدونِي َ‬ ‫َ‬
‫ين‪َ ،‬وأنْ ْ‬ ‫ُّم ِب ٌ‬

‫(‪)29‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫م تَكُو ُنوا‬ ‫ج ِباّل ً َك ِثيراً)‪ ،‬وي دخل فيهم متبع وا نظ ام الش يطان دخ والً أولي اً‪( ،‬أَ َفلَ ْ‬ ‫ِ‬
‫تَ ْع ِقلُونَ )‪ ...‬والش يطان ع امل ب أن ط اعتهم له املذكورة إش راك ب ه‪ ،‬كما ص رح ب ذلك‬
‫ل‬ ‫وت ربأ منهم يف اآلخ رة‪ ،‬كما نص اهلل عليه يف س ورة إب راهيم يف قوله تع اىل‪َ ( :‬و َقــا َ‬
‫ق‬
‫حــ ّ ِ‬ ‫ُم َو ْعــ َد ا ْل َ‬ ‫ن الل ّــ َه َو َعــ َدك ْ‬ ‫ــر إِ َّ‬
‫ُ‬ ‫ي األ َ ْم‬ ‫ُضــ َ‬
‫ما ق ِ‬ ‫ان لَ َّ‬ ‫الشــ ْيطَ ُ‬ ‫َّ‬
‫ن‬ ‫مو ِ‬‫َ ُ ُ‬‫ت‬‫ك‬‫ْ‬ ‫ر‬ ‫ـ‬ ‫ش‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ـا‬
‫ـ‬‫م‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ت‬
‫ُ‬ ‫ـر‬
‫ْ‬ ‫ـ‬‫ف‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬‫ِ‬ ‫إ‬ ‫(‬ ‫ه‪:‬‬ ‫قول‬ ‫إىل‬ ‫)‬ ‫‪..‬‬ ‫ُم‬
‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ت‬‫ُ‬ ‫ف‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫خ‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ـأ‬
‫ـ‬‫ف‬‫َ‬ ‫ُم‬
‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ُّ‬ ‫ت‬ ‫د‬‫ع‬ ‫َو َو َ‬
‫ل)‪ ،‬فقد اع رتف ب أهنم ك انوا مش ركني به من قبل –أي يف دار ال دنيا‪ -‬ومل‬ ‫ِمن َق ْب ُ‬
‫يكفر بشركهم ذلك إال يوم القيامة‪...‬‬

‫وعلى كل ح ـ ــال؛ فال شك أن كل من أط ـ ــاع غ ـ ــير اهلل في تش ـ ــريع مخ ـ ــالف لما‬


‫ير‬
‫كثِ ٍ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫شـ ــرعه اهلل؛ فقد أشـ ــرك به مع اهلل‪ ،‬كما ي دل ل ذلك قول ه‪َ ( :‬و َك َذلِ َ‬
‫ك َزيَّ َ‬
‫م) فس ماهم ش ركاء ملا‬ ‫شــ َر َكآ ُؤ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ل أَ ْوال َ ِد ِ‬
‫ين َق ْتــ َ‬
‫شــ ِركِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ا ْل ُ‬ ‫ِ ّم َ‬
‫ن‬ ‫ش َر ُعوا لَ ُهم ِ ّم َ‬ ‫ش َر َكاء َ‬ ‫م ُ‬ ‫أط اعوهم يف قتل األوالد‪ .‬وقوله تع اىل‪( :‬أَ ْم لَ ُه ْ‬
‫ه اللَّ ُه) فقد س ــمى اهلل تع ــالى ال ــذين يش ــرعون من ال ــدين‬ ‫م َي ْأذَن بِ ِ‬‫ين َما لَ ْ‬ ‫د ِ‬ ‫ال ِّ‬
‫ما لم ي ــأذن به اهلل ش ــركاء‪ .‬ومما يزيد ذلك إيض احاً؛ أن ما ذك ره اهلل عن الش يطان ي وم‬
‫ما‬‫ت بِ َ‬ ‫القيام ة؛ من أنه يق ول لل ذين ك انوا يش ركون به يف دار ال دنيا‪( :‬إِنِ ّي َك َف ْر ُ‬
‫ـل) أن ذلك اإلش راك املذكور ليس فيه ش يء زائد على أنه‬ ‫ن ِمن َق ْبـ ُ‬ ‫مو ِ‬‫ش َر ْك ُت ُ‬ ‫أَ ْ‬
‫ي‬‫دعاهم إىل طاعته فاستجابوا له‪ ،‬كما صرح بذلك يف قوله تعاىل عنه‪َ ( :‬و َما َكانَ لِ َ‬
‫م لِي)" (أض واء‬ ‫ج ْب ُت ْ‬ ‫ُم َف ْ‬
‫اسـ َت َ‬ ‫ن إِال َّ أَن َد َعـ ْو ُتك ْ‬ ‫سـ ْلطَا ٍ‬‫َعلَ ْيكُم ِ ّمن ُ‬
‫البيان‪ ،425-4/419 :‬يف تفسري اآلية (‪ )10‬من سورة الشورى)‪.‬‬

‫* وقال رحمه اهلل‪:‬‬

‫"فمن اتخذ تش ــريعا غ ــير تش ــريع اهلل‪ ،‬واتبع نظاما غ ــير نظ ــام اهلل‪ ،‬وقانونا غ ــير ما‬
‫ش ــرعه اهلل –س ــواء س ــماه نظام ـاً أو دس ــتورا‪ ،‬أو س ــماه ما س ــماه‪ -‬هو ك ــافر باهلل؛ ألنه‬
‫يق دم ما ش رعه الش يطان على ألس نة أوليائه مما مجع من زب االت أذه ان الكف رة على ن ور‬
‫الس ماء ال ذي أنزله اهلل جل وعال على رس له ليُستض اء به يف أرض ه‪ ،‬وتنشر به عدالته‬
‫وطمأنينته ورخاؤه يف األرض‪.‬‬

‫وه ذا مما ال نــزاع فيــه‪ ،‬وهــذا الشــرك الــذي هو شــرك اتبــاع‪ ،‬اتبــاع قــانون ونظــام‬
‫وتش ــريع هو ال ذي ي وبّخ اهلل مرتكبه ي وم القيامة على رؤوس األش هاد يف س ورة يس يف‬
‫ـــــدوا‬
‫ُ‬ ‫م أَن اَّل تَ ْع ُب‬ ‫ـــــد إِلَ ْيك ْ‬
‫ُم يَـــــا بَنِي آ َد َ‬ ‫ْ‬ ‫م أَ ْع َه‬
‫قوله تع اىل‪( :‬أَلَ ْ‬

‫(‪)30‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫الش ْيطَانَ ‪ ..)...‬ما عبدوا الشيطان بأن سجدوا للشيطان‪ ،‬وال ركعوا للشيطان‪ ،‬وال‬
‫َّ‬
‫سن لهم من النظم والقوانين‬
‫صاموا له‪ ،‬وال صلوا‪ ،‬وإمنا عبادتهم للشيطان هي اتباع ما ّ‬
‫من الكفر باهلل ومعاصي اهلل" (الع ذب النمري من جمالس الش نقيطي يف التفس ري‪ ،‬ص‬
‫‪ ،2301‬من تفسري سورة التوبة)‪.‬‬

‫* وقال رحمه اهلل‪:‬‬

‫"كل من اتبع تشريع أحد ونظامه‪ ،‬واتبع تشريع الشيطان املخالف لتشريع اهلل‪ ،‬كل‬
‫متبع لتشريع الشيطان الذي يشرعه على ألسنة أوليائه تاركاً لتشريع اهلل الذي شرعه على‬
‫ألسنة رسله؛ كافر مشرك باهلل" (العذاب النمري‪ ،‬ص‪ ،2239‬تفسري سورة التوبة)‪.‬‬

‫* وقال رحمه اهلل‪:‬‬

‫"إن كل من يتبع نظام اً وتشريعاً وقانون اً خمالف اً ملا شرعه اهلل على لسان رسول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم؛ فهو مشرك باهلل كافر متخذ ذلك املتبوع رب اً" (العذب النمري‪ ،‬ص‬
‫‪ ،2268‬تفسري سورة التوبة)‪.‬‬

‫* وقال رحمه اهلل‪:‬‬

‫"احلالل هو ما أحله اهلل‪ ،‬واحلرام هو ما حرمه اهلل‪ ،‬وال دين هو ما ش رعه اهلل‪ ،‬وإن‬
‫كل من اتبع نظام اً وتش ريعاً وقانون اً –ولو مساه ما مساه‪ -‬غري ما أنزله اهلل يف وحيه على‬
‫نبيه صلى اهلل عليه وسلم أنه كــافر بذلك‪ ،‬فإن كان كافراً قبله؛ ازداد كفراً جديداً إىل‬
‫كفره األول‪ ،‬وإن كان يزعم اإلميان؛ فقد جاء مبا يكفر به" (العذاب النمري‪ ،‬ص‪،2300‬‬
‫تفسري سورة التوبة)‪.‬‬

‫* الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه اهلل تعالى‪:‬‬

‫* قال الشيخ عبد الرزاق عفيفي –رمحه اهلل‪" :-‬حاالت احلاكمني بغري ما أنزل اهلل‪:‬‬

‫األوىل‪ :‬من مل يبذل جهده يف ذلك‪ ،‬ومل يسأل أهل العلم‪ ،‬وعبد اهلل على غري بصرية‬
‫أو حكم بني الناس يف خصومة؛ فهو آمث ضال‪ ،‬مستحق العذاب إن مل يتب ويتغمده اهلل‬

‫(‪)31‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫ع‬
‫م َ‬
‫الس ـ ْ‬
‫َّ‬ ‫ن‬ ‫ع ْل ٌ‬
‫م إِ َّ‬ ‫ه ِ‬ ‫ك بِ ـ ِ‬‫س لَ َ‬
‫ْف َما لَ ْي َ‬‫برمحت ه‪ ،‬ق ال اهلل تع اىل‪َ ( :‬وال َ تَق ُ‬
‫س ُؤوال ً)‪.‬‬ ‫ك َكانَ َع ْن ُه َم ْ‬ ‫ل ُأولـئِ َ‬ ‫ص َر َوا ْل ُفؤَا َد ُك ُّ‬
‫َوا ْلبَ َ‬

‫الثاني ة‪ :‬وك ذا من علم احلق ورضي حبكم اهلل‪ ،‬ولكن غلبه ه واه أحيان ـ ـ ـاً فعمل يف‬
‫نفس ه‪ ،‬أو حكم بني الن اس –في بعض المس ــائل أو القض ــايا‪ -‬على خالف ما علمه من‬
‫الشرع لعصبية أو لرشــوة –مثالً‪ -‬فهو آثم‪ ،‬لكنه غــير كــافر كفــراً يخــرج من اإلســالم‬
‫حيز يف نفسه ما‬ ‫إذا كان معرتف اً بأنه أساء‪ ،‬ومل ينتقص شرع اهلل‪ ،‬ومل يسيء الظن به‪ ،‬بل ّ‬
‫ص در من ه‪ ،‬وي رى أن اخلري والص الح يف العمل حبكم اهلل تع اىل‪ .‬روى احلاكم عن بري دة‬
‫رضي اهلل عنه‪ ،‬عن النيب صلى اهلل عليه وسلم أنه قال‪" :‬قاضيان يف النار‪ ،‬وقاض يف اجلنة‪:‬‬
‫قاض عرف احلق فقضى به؛ فهو يف اجلنة‪ ،‬وقاض عرف احلق فجار متعمداً‪ ،‬أو قضى بغري‬
‫علم‪ ،‬فهما يف النار"‪.‬‬

‫الثالثة‪ :‬من كان منتسباً لإلسالم‪ ،‬عاملاً بأحكامه‪ ،‬مث وضع للناس أحكام اً‪ ،‬وهيأ هلم‬
‫نظم ـاً‪ ،‬ليعملــوا بها ويتحــاكموا إليهــا‪ ،‬وهو يعلم أهنا ختالف أحك ام اإلس الم‪ ،‬فهو كــافر‬
‫خارج من ملة اإلسالم‪.‬‬

‫وك ــذا احلكم فيمن أمر بتش كيل جلنة أو جلان ل ذلك‪ ،‬ومن أمر الن اس بالتح اكم إىل‬
‫تلك النظم والق ـ ـ ـ ـ ــوانين‪ ،‬أو محلهم على التح اكم إليها وهو يعلم أهنا خمالفة لش ريعة‬
‫اإلسالم‪.‬‬

‫وكــذا من يت وىل احلكم هبا‪ ،‬وطبقها يف القض ايا‪ ،‬وطبقها يف القض ايا‪ ،‬ومن أطــاعهم‬
‫في التحـ ــاكم إليها باختيـ ــاره‪ ،‬مع علمه بمخالفتها لإلسـ ــالم‪ .‬فجميع ه ؤالء ش ركاء يف‬
‫اإلع راض عن حكم اهلل‪ ،‬لكن بعض هم يضع تش ريعاً يض اهي به تش ريع اإلس الم ويناقضه‬
‫احلكم‬ ‫يِل‬
‫َ‬ ‫على علم منه وبينة‪ .‬وبعضهم باألمر بتطبيقه‪ ،‬أو محل األمة على العمل به‪ ،‬أو َو َ‬
‫به بني الناس‪ ،‬أو ن ّفذ احلكم مبقتض اه‪ .‬وبعضهم بطاعة الوالة والرضا مبا شرعوا هلم ما مل‬
‫يأذن به اهلل ومل ينزل به سلطاناً‪ .‬فكلهم قد اتبع هواه بغري هدى من اهلل‪ ،‬وصدق عليهم‬
‫إبليس ظنه ف اتبعوه‪ ،‬وكـ ــانوا شـ ــركاء في الزيـ ــغ‪ ،‬واإللحـ ــاد‪ ،‬والكفـ ــر‪ ،‬والطغيـ ــان‪ ،‬وال‬
‫ينفعهم علمهم بشرع اهلل‪ ،‬واعتقادهم ما فيه‪ ،‬مع إعراضهم عنه‪ ،‬وتجافيهم ألحكامــه‪،‬‬
‫بتشريع من عند أنفســهم‪ ،‬وتطبيقــه‪ ،‬والتحــاكم إليــه‪ ،‬كما لم ينفع إبليس علمه بــالحق‪،‬‬

‫(‪)32‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫واعتقاده إياه‪ ،‬مع إعراضه عنه‪ ،‬وعدم االستسالم واالنقياد إليه" (شبهات حول السنة‪،‬‬
‫ورسالة احلكم بغري ما أنزل اهلل‪ ،‬ص‪.)65-63‬‬

‫* الشيخ عبد اهلل بن محمد الغنيمان‪:‬‬

‫* سئل الشيخ عبد اهلل بن حممد الغنيمان –حفظه اهلل‪ :-‬تارك احلكم مبا أنزل اهلل إذا‬
‫جعل القض ـ ــاء عامة ب ـ ــالقوانين الوض ـ ــعية؛ هل يكف ر؟ وهل يف َّرق بينه وبني من يقضي‬
‫بالشرع مث حيكم يف بعض القضايا مبا خيالف الشرع هلوى أو رشوة وحنو ذلك؟‬

‫فأج اب‪" :‬أي نعم؛ التفرقةـ واجبــة‪ ،‬ف رق بني من نبذ حكم اهلل جل وعال‪ ،‬وأطرحه‬
‫واسـ ـ ـ ــتعاض به حكم الق وانني وحكم الرج ال‪ ،‬فإنه يكونه كفـ ـ ـ ـ ًـر مخرج ـ ـ ـ ـاً من الملة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وأما من كان ملتزماً بالدين اإلسالمي إال أنه عاص ظامل؛ حبيث أنه يتبع هواه‬
‫يف بعض األحكام‪ ،‬ويتبع مصلحة دنيوية مع إقراره بأنه ظامل يف هذا‪ ،‬فإن هذا ال يكون‬
‫كف راً خمرج اً من املل ة‪ ،‬ومن ي رى احلكم ب القوانني مثل احلكم يف الش رع ويس تحله؛ فإنه‬
‫يكفر أيض اً كف راً خمرج اً من املل ة؛ ولو في قضــية واحــدة" (جملة املش كاة‪ ،‬الع دد‪ ،4‬ص‬
‫‪.)247‬‬

‫* الشيخ حمود بن عقالء الشعيبي رحمه اهلل‪:‬‬

‫* ق ال الش يخ محود بن عقالء الش عييب –رمحه اهلل تع اىل‪ .."-‬وكما أن ِّ‬
‫احملكم‬
‫للقوانين الوضعية كافر –كما تقدم‪ -‬فإن المشرع للقوانين والواضع لها كــافر أيض اً‪،‬‬
‫ألنه بتشريعه للناس هذه القوانني صار شريكاً هلل سبحانه وتعاىل يف التشريع‪."...‬‬

‫مث ذكر أدلة على ذلك‪ ،‬مث قال‪:‬‬

‫"ومما تق دم من اآلي ات الكرمية وتعليقنا عليه ا‪ ،‬يت بني أن من حكم بغري ما أن زل اهلل‪،‬‬
‫وأع رض عن ش رع اهلل وحكم ه؛ أنه ك ــافر باهلل العظيم‪ ،‬خ ــارج من اإلس ــالم‪ ،‬وك ذلك‬
‫مثله من وضع للنـــاس تشـــريعات وضـــعية‪ ،‬ألنه لو مل ي رض هبا ملا حكم هبا؛ ف إن الواقع‬
‫يكذب ه‪ ،‬ف الكثري من احلك ام لديه من الص الحيات يف تأجيل احلكم وتغيري الدس تور‬
‫واحلذف وغريها‪ .‬وإن تنزلنا وقلنا‪ :‬إهنم مل يضعوها ويشرعوها لشعوهبم‪ ،‬فمن الذي ألزم‬
‫الرعية بالعمل هبا ومعاقبة من خالفه ا؟ وما ح ـ ــالهم وح ـ ــال التت ـ ــار ال ـ ــذي نقل ابن تيمية‬

‫(‪)33‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫وابن كث ـ ــير –رحمهما اهلل‪ -‬اإلجم ـ ــاع على كف ـ ــرهم ببعيد‪ ،‬ف إن التت ار مل يض عوا ومل‬
‫يشرعوا (الياسق)‪ ،‬بل الذي وضعه أحد حكامهم األوائل ويسمى (جنكز خان)‪ ،‬فصورة‬
‫هؤالء كحال أولئك‪.‬‬

‫وب ذلك يت بني أن احلاكم بغري ما أن زل اهلل تع اىل؛ يقع يف الكفر من جهة أو جه تني‪:‬‬
‫األولى‪ :‬من جهة التش رييع إن ش رع‪ .‬الثانية‪ :‬من جهة احلكم إن حكم" (رس الة تكفري‬
‫احلكام واملشرعني للقوانني الوضعية لإلمام الشعييب)‪.‬‬

‫* وقال رحمه اهلل‪:‬‬

‫"أما علماء املسلمني؛ ففرقوا‪ ،‬فإذا ذكروا احلكم بغري ما أنزل اهلل هنا؛ فصلوا بني من‬
‫يفعله هوى أو شهوة‪ ،‬أما إذا تكلموا عن القوانين الوضعية؛ فال يفصلون بين المستحل‬
‫والجاحد أو من فعلهـ هـــوى؛ كما س بق يف تقرير الش يخ حممد بن إب راهيم؛ فق ال‪( :‬أما‬
‫الذي جعل قوانني برتتيب وختضيع؛ فهو كفر‪ ،‬وإن قالوا‪ :‬أخطأنا وحكم الشرع أعدل‪،‬‬
‫ففرق بني املقرر واملثبت‪ ،‬واملرجع جعلوه هو املرجع‪ ،‬فهذا هو كفر ناقل عن امللة) وكذا‬
‫فيما نقلنا عن ابن كثري من أنه كفر مبج رد التح اكم‪ ،‬ف ارجع إىل قول ه‪ ،‬ومثله ش يخنا‬
‫يفص لون يف الق وانني الوض عية" (ال رد على‬
‫الش نقيطي وابنا ش اكر وغ ريهم؛ كلهم ال ِّ‬
‫افرتاءات العنربي‪ ،‬لإلمام الشعييب)‪.‬‬

‫* الشيخ ابن عثيمين رحمه اهلل‪:‬‬

‫* ق ال الش يخ ابن ع ثيمني –رمحه اهلل‪" :-‬إن ال ذين يحكمـ ــون الق ـ ــوانين –اآلن‪-‬‬
‫وي رتكون وراءهم كت اب اهلل وس نة رس وله ص لى اهلل عليه وس لم؛ ما هم بمؤمـ ــنين‪...‬‬
‫وهؤالء المحكمون للقوانين ال يحكمونها في قضية معينة خالفوا فيها الكتاب والسنة؛‬
‫هلوى أو لظلم‪ ،‬ولكنهم استبدلوا الـدين بهـذه القــوانين‪ ،‬جعلــوا هـذا القـانون يحل محل‬
‫الشــريعة‪ ،‬وهــذا كفر؛ حــتى لو صــلوا وصــاموا وتصــدقوا وحجــوا‪ ،‬هم كفــار ما دامــوا‬
‫ك‬‫عــدلوا عن حكم اهلل‪-‬وهم يعلم ون حبكم اهلل‪-‬إىل ه ذا الق وانني املخالفة ل ه‪( :‬فَالَ َو َربِّ َ‬
‫ِ‬ ‫الَ يؤ ِمن و َن حىَّت حُي ِّكم َ ِ‬
‫ت‬‫ض ْي َ‬ ‫يما َش َجَر َبْيَن ُه ْم مُثَّ الَ جَيِ ُدواْ يِف أَن ُفس ِه ْم َحَرج اً مِّمَّا قَ َ‬
‫وك ف َ‬ ‫ُْ ُ َ َ َ ُ‬
‫َويُ َس لِّ ُمواْ تَ ْس لِيماً)‪ ،‬فال تسـ ـ ــتغرب إذا قلنـ ـ ــا‪ :‬إن من اسـ ـ ــتبدل شـ ـ ــريعة اهلل بغيرها من‬
‫القوانين؛ فإنه يكفر ولو صام وصلى" (شرح رياض الصاحلني‪ ،‬ابن عثيمني‪-3/311 :‬‬
‫‪.)312‬‬

‫(‪)34‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫* وق ــال الش ــيخ ابن ع ــثيمين –رحمه اهلل‪ -‬مجيبا على الس ــؤال عن ص ــفة الحكم‬
‫بغير ما أنزل اهلل‪:‬‬

‫"احلكم بغري ما أنزل اهلل ينقسم إىل قسمني‪:‬‬

‫القسم األول‪ :‬أن يبطل حكم اهلل ليحل حمل حكم آخر طـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاغوتي‪ ،‬حبيث يلغي‬
‫نحــون‬
‫الحكم بالشريعة بين الناس‪ ،‬ويجعل بدله حكم آخر من وضع البشر؛ كالذين يُ ّ‬
‫األحكام الشرعية في المعاملة بين الناس‪ ،‬ويحلون محلها القــوانين الوضــعية‪ ،‬فهــذا ال‬
‫شك أنه اســتبدال بش ريعة اهلل س بحانه وتع اىل غريه ا‪ ،‬وهو كفر مخــرج عن الملــة‪ ،‬ألن‬
‫هذا جعل نفسه مبنزلة اخلالق؛ حيث شرع لعباد اهلل ما مل يأذن به اهلل تعاىل‪ ،‬وهذا شــرك؛‬
‫كما يف قوله تعاىل‪( :‬أ َْم هَلُ ْم ُشَر َكاء َشَرعُوا هَلُم ِّم َن الدِّي ِن َما مَلْ يَأْ َذن بِِه اللَّهُ)‪.‬‬

‫القسم الث اين‪ :‬أن تبقى أحك ام اهلل عز وجل على ما هي علي ه‪ ،‬وتك ون الس لطة هلا‪،‬‬
‫ويك ون احلكم منوط اً هبا‪ ،‬ولكن ي أيت ح اكم من احلك ام فيحكم بغري ما تقتض يه ه ذه‬
‫األحكام‪ ،‬أي‪ :‬حيكم بغري ما أنزل اهلل‪ ،‬فهذا له ثالث حاالت‪:‬‬

‫‪ -‬احلال األوىل‪ :‬أن حيكم مبا خيالف شريعة اهلل معتقداً أن ذلك أفضل من حكم اهلل‬
‫وأنفع لعب اد اهلل‪ ،‬أو معتق داً أنه مماثل حلكم اهلل‪ ،‬أو يعتقد أنه يج ـ ـ ــوز له احلكم بغري ما‬
‫أن زل اهلل‪ ،‬فه ذا كفر خيرج به احلاكم من املل ة‪ ،‬ألنه مل ي رض حبكم اهلل‪ ،‬ومل جيعل اهلل‬
‫حكماً بني عباده‪.‬‬

‫احلال الثاني ة‪ :‬أن حيكم بغري ما أن زل اهلل معتق داً أن حكم اهلل تع اىل هو األفضل‬
‫واألنفع لعب اده‪ ،‬لكنه خ رج عنه وهو يش عر أنه ع اص هلل‪ ،‬وإمنا يريد اجلور والظلم‬
‫للمحكوم عليه؛ ملا بينه وبينه من عداوة‪ ،‬فهو حيكم بغري ما أنزل اهلل ال كراهة حلكم اهلل‪،‬‬
‫وال اس تبدال ب ه‪ ،‬وال اعتق اد بأنه –أي احلكم ال ذي حكم ب ه‪ -‬أفضل من حكم اهلل‪ ،‬أو‬
‫مساو له‪ ،‬أو أنه جيوز احلكم به‪ ،‬لكن من أجل اإلضرار باحملكوم عليه حكم بغري ما أنزل‬
‫اهلل‪ ،‬ففي هذه احلال ال نقول‪ :‬إن هذا احلاكم كافر‪ ،‬بل نقول‪ :‬إنه ظامل معتد وجائر‪.‬‬

‫احلال الثالث ة‪ :‬أن حيكم بغري ما أن زل اهلل وهو يعتقد أن حكم اهلل تع اىل هو األفضل‬
‫واألنفع لعباد اهلل‪ ،‬وأنه حبكمه هذا عاص هلل‪ ،‬ولكنه حكم هلوى يف نفسه ملصلحة تعود له‬
‫أو للمحك وم ل ه‪ ،‬فه ذا فسق وخ روج عن طاعة اهلل‪ ،‬وعلى ه ذه األح وال الثالثة يت نزل‬

‫(‪)35‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫ك ُه ُم الْ َك افُِرو َن) وه ذا ي نزل على احلالة‬ ‫قوله تع اىل‪َ ( :‬و َمن مَّلْ حَيْ ُكم مِب َا أَن َز َل اللّ هُ فَأ ُْولَـئِ َ‬
‫ك ُه ُم الظَّالِ ُمو َن) ينزل على احلالة الثانية‪َ ( .‬و َمن‬ ‫أنز َل اللّهُ فَأ ُْولَـئِ َ‬ ‫مِب‬
‫األوىل‪َ ( .‬و َمن مَّلْ حَيْ ُكم َا َ‬
‫ك هم الْ َف ِ‬ ‫ِ‬ ‫مِب‬
‫اس ُقو َن) ينزل على احلالة الثالثة" (فقه العبادات‪ ،‬ابن‬ ‫مَّلْ حَيْ ُكم َا أ َ‬
‫َنز َل اللّ هُ فَأ ُْولَـئ َ ُ ُ‬
‫عثيمني‪ ،‬ص‪ ،34‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية)‪.‬‬

‫* وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه اهلل‪:‬‬

‫هل هن اك ف رق بني المسـ ــألة المعينة الـ ــتي يحكم فيها القاضي بغري ما أن زل اهلل‪،‬‬
‫وبني المسائل التي تعتبر تشريعاً عاماً؟‬

‫فأجاب فضيلته‪:‬‬

‫"نعم؛ هناك فرق‪ ،‬فإن املسائل اليت تعترب تشريعاً عاماً ال يتأتى فيها التقسيم السابق‪،‬‬
‫وإمنا هي من القسم األول فقط‪ ،‬ألن هذا المشـرع تشــريعا يخـالف اإلسـالم إنما شـرعه‬
‫العتق ــاده أنه أص ــلح من اإلس ــالم‪ ،‬وأنفع للعب ــاد –كما س بقت اإلش ارة إلي ه‪ .-‬واحلكم‬
‫بغري ما أنزل اهلل ينقسم إىل قسمني‪:‬‬

‫أحدمها‪ :‬أن يستبدل هذا احلكم حبكم اهلل تعاىل‪ ،‬حبيث يكون عاملاً حبكم اهلل‪ ،‬ولكنه‬
‫يرى أن احلكم املخالف له أوىل وأنفع للعباد من حكم اهلل‪ ،‬أو أنه مساو حلكم اهلل‪ ،‬أو أن‬
‫الع دول عن حكم اهلل إليه ج ائر‪ ،‬فيجعله الق انون ال ذي جيب التح اكم إلي ه‪ ،‬فمثل ه ذا‬
‫كـ ــافر كفـ ــراً مخرج ـ ـاً عن الملة؛ ألن فاعله مل ي رض باهلل رب اً‪ ،‬وال مبحمد رس والً‪ ،‬وال‬
‫َح َس ُن ِم َن اللّ ِه‬ ‫ِِ ِ‬
‫ْم اجْلَاهليَّة َيْبغُ و َن َو َم ْن أ ْ‬ ‫باإلس الم دين اً‪ ،‬وعليه ينطبق قوله تع اىل‪( :‬أَفَ ُحك َ‬
‫ٍ ِ‬
‫ك ُه ُم‬ ‫ُحكْم اً لَِّق ْوم يُوقنُ و َن)‪ ،‬وقوله تع اىل‪َ ( :‬و َمن مَّلْ حَيْ ُكم مِب َا أَن َز َل اللّ هُ فَأ ُْولَـئِ َ‬
‫ين َك ِر ُه وا َما َن َّز َل اللَّهُ َس نُ ِطيعُ ُك ْم يِف َب ْع ِ‬ ‫ِِ‬ ‫الْ َك افِرو َن)‪،‬وقوله تعاىل‪َ ( :‬ذلِ َ ِ‬
‫ض‬ ‫ك ب أَن َُّه ْم قَالُوا للَّذ َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وه ُه ْم َوأ َْدبَ َار ُه ْم‪،‬‬
‫ض ربُو َن ُو ُج َ‬ ‫َّ‬
‫ف إذَا َت َوفْت ُه ْم الْ َماَل ئ َك ةُ يَ ْ‬ ‫اأْل َْم ِر َواللهُ َي ْعلَ ُم إ ْس َر َار ُه ْم‪ ،‬فَ َكْي َ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫ط أ َْع َماهَلُ ْم)‪ ،‬وال ينفعه صالة‪ ،‬وال‬ ‫َحبَ َ‬
‫ض َوانَهُ فَأ ْ‬‫ط اللَّهَ َو َك ِر ُهوا ِر ْ‬ ‫َس َخ َ‬ ‫ك بِأَن َُّه ُم اتََّبعُوا َما أ ْ‬ ‫ذَل َ‬
‫ببعض ك افر به كل ه‪ ،‬ق ال اهلل تع اىل‪( :‬أََفُت ْؤ ِمنُ و َن‬ ‫زك اة‪ ،‬وال ص وم‪ ،‬وال حج؛ ألن الك افر ٍ‬
‫ي يِف احْلَيَ ِاة ُّ‬ ‫ض فَما جزاء من ي ْفعل ذَلِ َ ِ ِ ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫الد ْنيَا‬ ‫ك من ُك ْم إالَّ خ ْز ٌ‬ ‫بَب ْعض الْكتَاب َوتَ ْك ُفُرو َن بَب ْع َ َ َ َ َ َ ُ‬
‫اب َو َما اللّ هُ بِغَافِ ٍل َع َّما َت ْع َملُ و َن)‪ ،‬وقال سبحانه‪( :‬إِ َّن‬ ‫َش ِّد الْع َذ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َو َي ْو َم الْقيَ َام ة يُ َر ُّدو َن إِىَل أ َ َ‬
‫ض‬ ‫ين يَ ْك ُف ُرو َن بِاللّ ِه َو ُر ُس لِ ِه َويُِري ُدو َن أَن يُ َفِّرقُ واْ َبنْي َ اللّ ِه َو ُر ُس لِ ِه َوي ُقولُ و َن نُ ْؤ ِم ُن بَِب ْع ٍ‬ ‫َّ ِ‬
‫الذ َ‬

‫(‪)36‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫ك ُه ُم الْ َك افُِرو َن َح ّق اً َوأ َْعتَ ْدنَا‬


‫ك َس بِيالً‪ ،‬أ ُْولَـئِ َ‬
‫ِ‬ ‫يدو َن أَن يت ِ‬
‫َّخ ُذواْ َبنْي َ َذل َ‬ ‫َ‬ ‫ض َويُِر ُ‬ ‫َونَ ْك ُف ُر بَِب ْع ٍ‬
‫ين َع َذاباً ُّم ِهيناً)‪.‬‬ ‫ِ ِ‬
‫ل ْل َكاف ِر َ‬

‫الث اين‪ :‬أن يس تبدل حبكم اهلل تع اىل حكم اً خمالف اً له يف قضــية معينة دون أن يجعل‬
‫ذلك قانوناً جيب التحاكم إليه؛ فله ثالث حاالت‪:‬‬

‫األوىل‪ :‬أن يفعل ذلك عاملاَ حبكم اهلل تع اىل‪ ،‬معتق داً أن ما خالفه أوىل منه وأنفع‬
‫للعباد‪ ،‬وأنه مساو له‪ ،‬أو أن العدول عن حكم اهلل إليه جائز‪ ،‬فهذا كافر كفراً خمرج اً عن‬
‫امللة؛ ملا سبق يف القسم األول‪.‬‬

‫الثاني ة‪ :‬أن يفعل ذلك عاملاَ حبكم اهلل‪ ،‬معتق داً أنه أوىل وأنف ع‪ ،‬لكن خالفه بقصد‬
‫اإلض رار ب احملكوم عليه أو نفع احملك وم ل ه‪ ،‬فه ذا ظ امل وليس بك افر‪ ،‬وعليه يت نزل قوله‬
‫ك ُه ُم الظَّالِ ُمو َن)‪.‬‬
‫أنز َل اللّهُ فَأ ُْولَـئِ َ‬ ‫مِب‬
‫تعاىل‪َ ( :‬و َمن مَّلْ حَيْ ُكم َا َ‬

‫الثالث ة‪ :‬أن يك ون ك ذلك‪ ،‬لكن خالفه هلوى يف نفس ه‪ ،‬أو مص لحة تع ود إلي ه؛ فه ذا‬
‫َنز َل اللّ هُ فَأ ُْولَـئِ َ‬
‫ك ُه ُم‬ ‫مِب‬
‫فاسق وليس بكافر‪ ،‬وعليه يتنزل قول اهلل تعاىل‪َ ( :‬و َمن مَّلْ حَيْ ُكم َا أ َ‬
‫اس ُقو َن)" (جمموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمني‪ ،2/144 :‬فتاوى العقيدة للشيخ‬ ‫الْ َف ِ‬
‫ابن عثيمني‪ :‬ص‪.)268‬‬

‫* وقال رحمه اهلل‪:‬‬

‫" من مل حيكم مبا أن زل اهلل اس تخفافاً به‪ ،‬أو احتق اراً له‪ ،‬أو اعتق اداً أن غ ريه أص لح‬
‫من ه‪ ،‬وأنفع للخل ق؛ فهو ك افر كف راً خمرج اً عن املل ة‪ ،‬ومن ه ــؤالء من يض ــعون للن ــاس‬
‫تشــريعات تخــالف التشــريعات اإلســالمية؛ لتكــون منهاجا يســير النــاس عليــه‪ ،‬فــإنهم لم‬
‫يض ــعوا تلك التش ــريعات المخالفة للش ــريعة اإلس ــالمية إال وهم يعتق ــدون أنها أص ــلح‬
‫وأنفع للخلق‪ ،‬إذ من املعلوم بالضرورة العقلية‪ ،‬واجلبلّة الفطرية‪ :‬أن اإلنسان ال يعدل عن‬
‫منه اج إىل منه اج خيالفه إال وهو يعتقد فضل ما ع دل إليه ونقص ما ع دل عن ه" (فت اوى‬
‫الشيخ حممد ابن العثيمني‪ ،2/143 :‬فتاوى العقيدة للشيخ ابن عثيمني‪ :‬ص‪.)267‬‬

‫* رسالة بعنوان‪" :‬وجوب تحكيم شـريعة اهلل‪ ،‬وحكم من حكم بغيرهــا" لعـدد من‬
‫العلمــاس؛ هم‪( :‬محمد بن إبــراهيم‪ ،‬وعبد العزيز الشــثري‪ ،‬وعبد اللطيف بن إبــراهيم‪،‬‬

‫(‪)37‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫وعمر بن حسن‪ ،‬وعبد العزيز ابن باز‪ ،‬وعبد اهلل بن حميد‪ ،‬وعبد اهلل بن عقيل‪ ،‬وعبد‬
‫العزيز بن رشيد‪ ،‬وعبد اللطيف بن محمد‪ ،‬ومحمد بن عودة‪ ،‬ومحمد بن مهيزع)‪:‬‬

‫"من حممد بن إب راهيم‪ ،‬وعبد العزيز الش ثري‪ ،‬وعبد اللطيف بن إب راهيم‪ ،‬وعمر بن‬
‫حس ن‪ ،‬وعبد العزيز بن ب از‪ ،‬وعبد اهلل بن محي د‪ ،‬وعبد اهلل بن عقي ل‪ ،‬وعبد العزيز بن‬
‫رش يد‪ ،‬وعبد اللطيف بن حمم د‪ ،‬وحممد بن ع ودة‪ ،‬وحممد بن مه يزع؛ إىل من ي راه من‬
‫املسلمني‪ ،‬سلك اهلل بنا وهبم سبيل عباده املؤمنني‪..‬‬

‫‪ ...‬وإن من أقبح الس يئات‪ ،‬وأعظم املنك رات‪ :‬التح اكم إىل غري ش ريعة اهلل من‬
‫القــوانين الوضــعية‪ ،‬والنظم البشرية‪ ،‬وعادات األسالف واألجداد اليت قد وقع فيها كثري‬
‫من الناس اليوم‪ ،‬وارتضاها بدالَ من شريعة اهلل اليت بعث هبا رسوله حممداً صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪ .‬وال ريب أن ذلك من أعظم النفاق‪ ،‬ومن أكــبر شـعائر الكفر والظلم والفســوق‬
‫وأحك ــام الجاهلية اليت أبطلها الق رآن‪ ،‬وح ّذر منها الرس ول ص لى اهلل عليه وس لم‪ ،‬ق ال‬
‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫يدو َن أَن‬ ‫ك يُِر ُ‬ ‫ك َو َما أُن ِز َل ِمن َقْبل َ‬ ‫ين َي ْزعُ ُمو َن أَن َُّه ْم َآمنُواْ مِب َا أُن ِز َل إِلَْي َ‬
‫تعاىل‪( :‬أَمَلْ َتَر إىَل الذ َ‬
‫الش يطَا ُن أَن ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض الَالً‬ ‫ض لَّ ُه ْم َ‬ ‫ُ‬ ‫َيتَ َح ا َك ُمواْ إِىَل الطَّاغُوت َوقَ ْد أُم ُرواْ أَن يَ ْك ُف ُرواْ بِ ه َويُِري ُد َّ ْ‬
‫نك‬ ‫ِِ‬ ‫بعِي داً‪ ،‬وإِ َذا قِيل هَل م َتع الَواْ إِىَل ما أَنز َل اللّ ه وإِىَل َّ ِ‬
‫ص دُّو َن َع َ‬ ‫ني يَ ُ‬‫ت الْ ُمنَ افق َ‬ ‫الر ُس ول َرأَيْ َ‬ ‫َ َ َُ‬ ‫َ ُْ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مِب‬ ‫ِ‬
‫اح َذ ْر ُه ْم أَن‬ ‫َنز َل اللّ هُ َوالَ َتتَّبِ ْع أ َْه َو ُ‬
‫اءه ْم َو ْ‬ ‫اح ُكم َبْيَن ُهم َا أ َ‬ ‫ص ُدوداً)‪ ،‬وق ال تع اىل‪َ ( :‬وأَن ْ‬ ‫ُ‬
‫ض‬ ‫ِ‬
‫اعلَ ْم أَمَّنَا يُِري ُد اللّ هُ أَن يُص َيب ُهم بَِب ْع ِ‬ ‫ك فَ ِإن َت َولَّْواْ فَ ْ‬ ‫ض َما أَن َز َل اللّ هُ إِلَْي َ‬ ‫وك َعن َب ْع ِ‬ ‫ِ‬
‫َي ْفتنُ َ‬
‫َح َس ُن ِم َن اللّ ِه‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ذُنُ وهِبِم وإِ َّن َكثِ رياً ِّمن الن ِ ِ‬
‫ْم اجْلَاهليَّة َيْبغُ و َن َو َم ْن أ ْ‬ ‫َّاس لََفاس ُقو َن‪ ،‬أَفَ ُحك َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫ك ُه ُم‬ ‫ِ‬
‫ـئ‬ ‫ل‬ ‫ُو‬
‫أ‬ ‫ف‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ل‬ ‫ز‬ ‫َن‬‫أ‬ ‫ا‬ ‫مِب‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫مَّل‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫ل‪:‬‬ ‫وج‬ ‫عز‬ ‫ال‬ ‫وق‬ ‫)‪،‬‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫ن‬‫ِ‬
‫وق‬ ‫ي‬ ‫م‬‫ٍ‬
‫ُحكْم اً لَِّ ْ ُ ُ َ‬
‫و‬ ‫ق‬
‫َ َ ْ حَيْ ُ َ َ َ ّ ُ َ ْ َ َ‬
‫ك ُه ُم الظَّالِ ُمو َن)‪َ ( ،‬و َمن مَّلْ حَيْ ُكم مِب َا أَن َز َل‬ ‫ِ‬
‫الْ َك افُرو َن)‪َ ( ،‬و َمن مَّلْ حَيْ ُكم مِب َا أن َز َل اللّ هُ فَأ ُْولَـئِ َ‬
‫اس ُقو َن)‪.‬‬‫ك هم الْ َف ِ‬ ‫ِ‬
‫اللّهُ فَأ ُْولَـئ َ ُ ُ‬
‫وه ذا حتذير ش ديد من اهلل س بحانه وتع اىل جلميع العب اد؛ من اإلع راض عن كتابه‬
‫وسنة رسوله ص لى اهلل عليه وس لم‪ ،‬والتحاكم إىل غريمها‪ ،‬وحكم صــريح من الــرب عز‬
‫وجل على من حكم بغير شـريعته بأنه كـافر وظـالم وفاسق ومتخلق بـأخالق المنـافقين‬
‫وأهل الجاهلية‪.‬‬

‫وحكم وا ش ريعته يف كل ش يء‪،‬‬ ‫فاح ذروا أيها املس لمون ما ح ذركم اهلل من ه‪ِّ ،‬‬
‫ض وا من أعرض عن شريعة‬ ‫ِ‬
‫واحذروا ما خالفها‪ ،‬وتواصوا بذلك فيما بينكم‪ ،‬وعادوا وأبغ ُ‬
‫اهلل أو تناقص ها أو اس تهزأ هبا يف التح اكم إىل غريه ا‪ ،‬لتف وزوا بكرامة اهلل وتَس لموا من‬

‫(‪)38‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫عق اب اهلل‪ ،‬وت ؤدوا ب ذلك ما أوجب اهلل عليكم من م واالة أوليائه احلاكمني بش ريعته‪،‬‬
‫الراضني بكتابه وسنة رسوله صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬ومعاداة أعدائه الراغبني عن شريعته‪،‬‬
‫املعرضني عن كتابه وسنة رسوله صلى اهلل عليه وسلم" (فتاوى الشيخ حممد بن إبراهيم‪:‬‬
‫‪ ،260-12/256‬وانظر‪ :‬الدرر السنية‪.)225-16/219 :‬‬

‫* الشيخ محمد حامد الفقي رحمه اهلل‪:‬‬

‫* قال الشيخ حممد حامد الفقي –رمحه اهلل‪ :-‬ويدخل يف ذلك بال شك (يعين معىن‬
‫الطاغوت)‪ :‬الحكم بــالقوانين األجنبية عن اإلسالم وشرائعه من كل ما وضــعه اإلنسان‬
‫ليحكم به يف ال دماء والف روج واألم وال‪ ،‬وليبطل هبا ش رائع اهلل من إقامة احلدود‪ ،‬وحترمي‬
‫الربا والزنا واخلمر وحنو ذلك‪ ،‬مما أخذت هذه القوانني حتللها وحترمها بنفوذها ومنفذيها‪،‬‬
‫والقــوانين نفســها طــواغيت‪ ،‬وواضــعوها ومروجوهاـ طــواغيت‪ ،‬وأمثاهلا من كل كت اب‬
‫وضعه العقل البشري ليصرف عن احلق الذي جاء به رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إما‬
‫قصداً أو عن غري قصد من واضعه؛ فهو طاغوت" (التعليق على فتح اجمليد‪ :‬ص‪.)243‬‬

‫* وقال معلقاًـ على قول البن كثير‪:‬‬

‫"‪..‬ومثل ه ذا وشر من ه؛ من اختذ من كالم الفرجنة ق ــوانين يتح اكم إليها يف ال دماء‬
‫علم وتبني له من كتاب اهلل وسنة رسوله صلى اهلل‬ ‫والفروج واألموال‪ ،‬ويقدمها على ما َ‬
‫عليه وس لم‪ ،‬فهو بال شك ك ــافر مرتد إذا أص ّر عليها ومل يرجع إىل احلكم مبا أن زل اهلل‪،‬‬
‫وال ينفعه أي اسم تس ّمى ب ه‪ ،‬وال أي عمل من ظ واهر أعم ال الص الة والص يام وحنوه ا"‬
‫(التعليق على فتح اجمليد‪ :‬ص‪.)348‬‬

‫* الشيخ عبد اهلل بن جبرين‪:‬‬

‫* قال الشيخ عبد اهلل بن جربين حفظه اهلل‪" :‬احلمد هلل وحده‪ ،‬وبعد‪:‬‬

‫فإن شيخنا ووالدنا مساحة الشيخ حممد بن إبراهيم آل الشيخ كان شديداً قوي اً يف‬
‫إنكار احملدثات والبدع‪ ،‬وكالمه املذكور من أسهل ما كان يقول يف القوانين الوضعية‪،‬‬
‫وقد مسعناه يف التقرير يش نّع ويش دد على أهل الب دع وما يقع ون فيه من خمالفة للش رع‪،‬‬
‫ومن َوض عِهم أحكام اً وس نناً يض اهؤون هبا حكم اهلل تع اىل‪ ،‬وي ربأ من أفع اهلم‪ ،‬ويحكم‬

‫(‪)39‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫بــردتهم وخــروجهم من اإلســالم‪ ،‬حيث طعنوا يف الشرع‪ ،‬وعطلوا حدوده‪ ،‬واعتقدوها‬


‫وحش ية؛ كالقص اص يف القتلى‪ ،‬والقطع يف الس رقة‪ ،‬ورجم ال زاين‪ ،‬ويف إب احتهم للزنا إذا‬
‫ك ان برضى الط رفني‪ ..‬وحنو ذل ك‪ ،‬وكث رياً ما يتع رض ل ذلك يف دروس الفقه والعقي دة‬
‫والتوحي د‪ ،‬وال أذكر أنه تراجع عن ذل ك‪ ،‬وال أن له كالم اً ي ربر فيه احلكم بغري ما أن زل‬
‫يسهل فيه يف التحاكم إىل الطواغيت الذين حيكمون بغري ما أنزل اهلل‪ ،‬وقد‬ ‫اهلل تعاىل‪ ،‬أو ّ‬
‫عدهم الشيخ حممد بن عبد الوهاب رمحه اهلل من رؤوس الطواغيت‪..‬‬

‫ل‪،‬‬ ‫فمن نقل عين أنه رجع –رمحه اهلل‪ -‬عن كالمه املذكور؛ فقد أخطأ يف النق‬
‫واملرجع يف مثل هذه النصوص الشرعية من الكتاب والسنة‪ ،‬وكالم أجلّة العلماء عليها؛‬
‫ين َيْزعُ ُم و َن أَن َُّه ْم َآمنُ واْ مِب َا‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫كما يف كت اب التوحي د‪ ،‬ب اب ق ول اهلل تع اىل‪( :‬أَمَلْ َت َر إىَل الذ َ‬
‫ك‪)...‬اآلي ة‪ ،‬وش روحه ألئمة ال دعوة رمحهم اهلل تع اىل‪ ،‬وغ ريه من املؤلف ات‬ ‫أُن ِز َل إِلَْي َ‬
‫الصرحية" (كتاب الرد على العنربي‪ ،‬حملمد احلصم‪ :‬ص‪.)72‬‬

‫* الشيخ صالح بن فوزان الفوزان‪:‬‬

‫* قال الشيخ صاحل بن فوزان الفوزان حفظه اهلل‪" :‬ال جتوز طاعة األمراء والرؤساء‬
‫يف احلكم بني الن اس بغري الش ريعة اإلس المية؛ ألنه جيب التح اكم إىل كت اب اهلل وس نة‬
‫رس وله يف مجيع املنازع ات واخلص ومات وش ؤون احلي اة؛ ألن ه ذا هو مقتضى العبودية‬
‫والتوحيد؛ ألن التشريع حق هلل وحده‪ ،‬كما قال تعاىل‪( :‬أَالَ لَ هُ اخْلَْل ُق َواأل َْم ُر)‪ ،‬أي‪ :‬هو‬
‫ْمهُ إِىَل اللَّ ِه)‪ ،‬وقال تعاىل‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِِ ِ‬
‫اخَتلَ ْفتُ ْم فيه من َش ْيء فَ ُحك ُ‬
‫احل َكم وله احلُكم‪ ،‬وقال تعاىل‪َ ( :‬و َما ْ‬
‫ول إِن ُكنتم ُتؤ ِمن و َن بِاللّ ِه والْي وِم ِ ِ‬ ‫الرس ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫اآلخ ِر َذل َ‬
‫ك‬ ‫َ َْ‬ ‫ُْ ْ ُ‬ ‫(فَإن َتنَ َاز ْعتُ ْم يِف َش ْيء َفُر ُّدوهُ إىَل اللّه َو َّ ُ‬
‫َح َس ُن تَأْ ِويالً)‪.‬‬
‫َخْيٌر َوأ ْ‬

‫فالتحاكم إىل شرع اهلل ليس لطلب العدل فقط‪ ،‬وإمنا هو يف الدرجة األوىل تعبّد هلل‪،‬‬
‫وحق هلل وح ده‪ ،‬وعقي دة‪ ،‬فمن احتكم إلى غــير شــرع اهلل من ســائر األنظمة والقــوانين‬
‫البشرية‪ ،‬فقد اتخذ واضعي تلك القوانين والحاكمين بها شــركاء هلل في تشــريعه‪ ،‬قال‬
‫اهلل تع اىل‪( :‬أ َْم هَلُ ْم ُش َر َكاء َش َرعُوا هَلُم ِّم َن ال دِّي ِن َما مَلْ يَ أْذَن بِ ِه اللَّهُ)‪ ،‬وق ال تع اىل‪َ ( :‬وإِ ْن‬
‫وه ْم إِنَّ ُك ْم لَ ُم ْش ِر ُكو َن)‪.‬‬
‫أَطَ ْعتُ ُم ُ‬
‫ِ َّ ِ‬
‫حتاكم إىل غري ش ِرعه‪ ،‬قِ ال تع اىل‪( :‬أَمَلْ َت َر إىَل الذِ َ‬
‫ين‬ ‫وقد نفى اهلل اإلميان عمن‬
‫ك يُِري ُدو َن أَن َيتَ َح ا َك ُمواْ إىَل‬ ‫َيْزعُ ُم و َن أَن َُّه ْم َآمنُ واْ مِب َا أُن ِز َل إِلَْي َ‬
‫ك َو َما أُن ِز َل من َقْبل َ‬

‫(‪)40‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫ك الَ يُ ْؤ ِمنُو َن َحىَّتَ حُيَ ِّك ُم َ‬ ‫الطَّاغُ ِ‬


‫وك‬ ‫وت َوقَ ْد أ ُِمُرواْ أَن يَ ْك ُفُرواْ بِِه) إىل قوله تعاىل‪( :‬فَالَ َو َربِّ َ‬
‫ت َويُ َسلِّ ُمواْ تَ ْسلِيماً)‪.‬‬ ‫ِ‬
‫يما َش َجَر َبْيَن ُه ْم مُثَّ الَ جَيِ ُدواْ يِف أَن ُفس ِه ْم َحَرجاً مِّمَّا قَ َ‬
‫ضْي َ‬ ‫فَ‬
‫ِ‬

‫فمن دعا إىل حتكيم القـــوانين البشـ ــرية‪ ،‬فقد جعل هلل ش ريكاً يف الطاعة والتش ريع‪،‬‬
‫ومن حكم بغري ما أن زل اهلل؛ ي رى أنه أحسن أو مس او ملا أن زل اهلل وش رعه‪ ،‬أو أنه جيوز‬
‫احلكم هبذا؛ فهو ك ـ ــافر باهلل‪ ،‬وإن زعم أنه م ؤمن؛ ألن اهلل أنكر على من يريد التح اكم‬
‫إىل غري ش رعه‪ ،‬وك ّذهبم يف زعمهم اإلميان؛ ألن قول ه‪َ ( :‬ي ْزعُ ُم و َن) متض من لنفي اإلميان؛‬
‫ألن ه ذه الكلمة تق ال غالب اً ملن ي ّدعي دع وى هو فيها ك اذب‪ ،‬وألن تحكيم الق ــوانين‬
‫تحكيم للط ـ ـ ــاغوت‪ ،‬واهلل قد أمر ب الكفر بالط اغوت‪ ،‬وجعل الكفر بالط اغوت ركن‬
‫ك بِ الْعُْر َو ِة‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫التوحي د؛ كما ق ال تع اىل‪( :‬فَ َم ْن يَ ْك ُف ْر بِالطَّاغُوت َويُ ْؤمن بِاللّ ه َف َق د ْ‬
‫استَ ْم َس َ‬
‫الْ ُو ْث َق َى)؛ فمن حكم القـ ـ ــوانين لم يكن موحـ ـ ــداً‪ ،‬ألنه اتخذ هلل شـ ـ ــريكاً في التشـ ـ ــريع‬
‫والطاع ــة‪ ،‬ولم يكفر بالط ــاغوت ال ــذي أمر أن يكفر ب ــه‪ ،‬وأط ــاع الش ــيطان‪ ،‬كما ق ال‬
‫ضالَالً بَعِيداً)‪...‬‬
‫ضلَّ ُه ْم َ‬ ‫يد الشَّيطَا ُن أَن ي ِ‬
‫ُ‬ ‫تعاىل‪َ ( :‬ويُِر ُ ْ‬

‫ومثل الق ـ ــانون ال ـ ــذي ذك ـ ــره "أي ابن كث ـ ــير" عن التت ـ ــار‪ ،‬وحكم بكفر من جعله‬
‫بديال عن الشريعة اإلسالمية‪ :‬القوانين الوضعية التي ُجعلت اليوم في كثــير من الــدول‬
‫هي مصــادر األحكــام‪ ،‬وأُلغيت من أجلها الشريعة اإلسالمية‪ ،‬إال فيما يسمونه باألحوال‬
‫الشخصية‪ .‬والدليل على كفر من فعل ذلك آيات كثرية‪ ،‬منها قوله تعاىل‪َ ( :‬و َمن مَّلْ حَيْ ُكم‬
‫يما‬ ‫مِب ا أَن ز َل اللّ ه فَأُولَـئِك هم الْ َك افِرو َن)‪ ،‬وقول ه‪( :‬فَالَ وربِّك الَ يؤ ِمن و َن حىَّت حُي ِّكم َ ِ‬
‫وك ف َ‬ ‫َ َ َ ُْ ُ َ َ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ْ َ ُُ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض الْكتَاب َوتَ ْك ُفُرو َن بَب ْع ٍ‬
‫ض)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َش َجَر َبْيَن ُه ْم)‪ ،‬وقوله تعاىل‪( :‬أََفُت ْؤمنُو َن بَب ْع ِ‬

‫وكما قلنا قريب اً‪ :‬إنه جيب حتكيم الش ريعة عقي دة ودين اً ي دان اهللُ ب ه‪ ،‬ال من أجل‬
‫طلب العدالة فقط" (اإلرشاد إىل صحيح االعتقاد والرد على أهل الشرك واإلحلاد للشيخ‬
‫الفوزان‪ :‬ص‪.)90-87‬‬

‫* وسئل الشيخ الفوزان‪:‬‬

‫‪ -‬ما حكم تنحية الشريعة اإلسالمية واستبداهلا بقوانني وضعية؛ كالقانون الفرنسي‬
‫نص فيه على أن قض ايا النك اح واملرياث بالش ريعة‬
‫والربيط اين وغريمها‪ ،‬مع جعله قانون اً يُ ُّ‬
‫اإلسالمية؟!‬

‫(‪)41‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫فأجاب الشيخ حفظه اهلل‪:‬‬

‫"من حنّى الش ريعة اإلس المية هنائي اً‪ ،‬وأحل حملها الق انون؛ فه ذا دليل على أنه ي رى‬
‫ج واز ه ذا الش يء‪ ،‬ألنه ما حنّاها وأحل حملها الق انون؛ إال ألنه ي رى أهنا أحسن من‬
‫الش ريعة‪ ،‬ولو ك ان ي رى أن الش ريعة أحسن منها ملا أزاح الش ريعة وأحل حملها الق انون‪،‬‬
‫فهذا كفر باهلل عز وجل‪.‬‬

‫أما من نص على أن قض ايا النك اح واملرياث فقط تك ون على حسب الش ريعة‪ ،‬ه ذا‬
‫ي ؤمن ببعض الكت اب ويكفر ببعض‪ ،‬يعين حي ّكم الش ريعة يف بعض‪ ،‬ومينعها يف بعض‪،‬‬
‫والدين ال يتجزأ‪ ،‬حتكيم الشريعة ال يتجزأ‪ ،‬فال بد من تطبيق الشريعة تطبيق اً كامالً‪ ،‬وال‬
‫يطبق بعض ها وي رتك بعض ها (أس ئلة وأجوبة يف مس ائل اإلميان والكف ر‪ ،‬موقع الش يخ‬
‫الفوزان االلكرتوين)‪.‬‬

‫* وقال الشيخ حفظه اهلل‪:‬‬

‫ك ُه ُم الْ َك افُِرو َن)‪ ،‬يف ه ذه اآلية‬‫"ق ال اهلل تع اىل‪َ ( :‬و َمن مَّلْ حَيْ ُكم مِب َا أَن َز َل اللّ هُ فَأ ُْولَـئِ َ‬
‫الكرمية أن احلكم بغري ما أن زل اهلل كف ر‪ ،‬وه ذا الكفر ت ارة يك ون كف راً أكرب ينقل عن‬
‫املل ة‪ ،‬وت ارة يك ون كف راً أص غر ال خيرج عن املل ة‪ ،‬وذلك حبسب ح ال احلاكم‪ ،‬فإنه إن‬
‫اعتقد أن احلكم مبا أن زل اهلل غري واجب وأنه خمرّي في ه‪ ،‬أو اس تهان حبكم اهلل واعتقد أن‬
‫غ ريه من الق وانني والنظم الوض عية أحسن من ه‪ ،‬وأنه ال يص لح هلذا الزم ان‪ ،‬وأراد ب احلكم‬
‫بغري ما أنزل اهلل اسرتضاء الكفار واملنافقني؛ فهذا كفر أكرب‪.‬‬

‫وإن اعتقد وج وب احلكم مبا أن زل اهلل وعلمه في هـ ـ ــذه الواقعة‪ ،‬وع دل عنه مع‬
‫اعرتافه بأنه مستحق للعقوبة؛ فهذا عاص ويسمى كافراً كفراً أصغر‪ ،‬وإن جهل حكم اهلل‬
‫فيها مع بذل جهده واستفراغ وسعه يف معرفة احلكم‪ ،‬وأخطأه؛ فهذا خمطئ له أجر على‬
‫اجتهاده‪ ،‬وخطؤه مغفور‪ .‬وهذا يف احلكم يف القضية الخاصة‪ ،‬وأما الحكم في القضــايا‬
‫العامة فإنه يختلف‪.‬‬

‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪( :‬فإن احلاكم إذا كان ديّن اً لكنه حكم بغري علم؛ كان‬
‫من أهل النار‪ .‬وإن ك ان عاملاً لكنه حكم خبالف احلق الذي يعلمه؛ ك ان من أهل النار‪.‬‬
‫وإذا حكم بال ع دل وال علم؛ أوىل أن يك ون من أهل الن ار‪ .‬وه ذا إذا حكم يف قضـ ــية‬

‫(‪)42‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫لشخص‪ .‬وأما إذا حكم حكمـاً عامـاً يف دين املسلمني؛ فجعل احلق باطال والباطل حق اً‪،‬‬
‫والس نة بدعة والبدعة س نة‪ ،‬واملع روف منك راً واملنكر معروف اً‪ ،‬وهنى عما أمر اهلل به‬
‫ورس وله‪ ،‬وأمر مبا هنى اهلل عنه ورس وله‪ ،‬فه ذا ل ون آخر حيكم فيه رب الع املني‪ ،‬وإله‬
‫ْم َوإِلَْي ِه‬
‫املرس لني‪ ،‬مالك ي وم ال دين‪ ،‬ال ذي له احلمد يف األوىل واآلخ رة‪َ ( :‬ولَ هُ احْلُك ُ‬
‫ُتْر َجعُ و َن)‪ُ ( ،‬ه َو الَّ ِذي أ َْر َس َل َر ُس ولَهُ بِاهْلُ َدى َو ِدي ِن احْلَ ِّق لِيُظْ ِه َرهُ َعلَى ال دِّي ِن ُكلِّ ِه َو َك َفى‬
‫بِاللَّ ِه َش ِهيداً)‪.‬‬

‫وق ال –ابن تيمي ة‪ -‬أيض اً‪" :‬وال ريب أن من مل يعتقد وج وب احلكم مبا أن زل اهلل‬
‫على رسوله فهو كافر‪ .‬فمن استحل أن حيكم بني الناس مبا يراه هو عدالً من غري اتباع‬
‫ملا أنزل اهلل فهو كافر‪ .‬فإنه ما من أمة إال وهي تأمر باحلكم بالعدل‪ ،‬وقد يكون العدل يف‬
‫دينها ما يراه أكابرهم‪ ،‬بل كثري من املنتسبني إىل اإلسالم حيكمون بعاداهتم اليت مل ينزهلا‬
‫اهلل؛ كسواليف البادية (أي‪ :‬عادات من سلفهم) وكانوا األمراء املطاعني‪ ،‬ويرون أن هذا‬
‫هو ال ذي ينبغي احلكم به دون الكت اب والس نة‪ ،‬وه ــذا هو الكفر‪ ،‬ف إن كث رياً من الن اس‬
‫أسلموا ولكن ال حيكمون إال بالعادات اجلارية اليت يأمر هبا املط اعون‪ ،‬فه ؤالء إذا عرفوا‬
‫أنه ال جيوز هلم احلكم مبا أنزل اهلل؛ فلم يلتزموا بذلك‪ ،‬بل استحلوا أن حيكموا خبالف ما‬
‫أنزل اهلل؛ فهو كفار) انتهى كالم ابن تيمية‪.‬‬

‫وق ال الش يخ حممد بن إب راهيم‪( :‬وأما ال ذي قيل فيه أنه كفر دون كف ر؛ إذا ح اكم‬
‫إىل غري اهلل مع اعتق اد أنه ع اص‪ ،‬وأن حكم اهلل هو احلق؛ فه ذا ال ذي يص در منه املرة‬
‫وحنوه ا‪ .‬أما ال ذي جعل الق وانني ب رتتيب وختض يع؛ فهو كفر؛ وإن ق الوا‪ :‬أخطأنا وحكم‬
‫الشرع أعدل‪ .‬فهذا كفر ناقل عن امللة)‪.‬‬

‫فف ـ ـ ّـرق –رحمه اهلل‪ -‬بين الحكم الج ـ ــزئي ال ـ ــذي ال يتك ـ ــرر‪ ،‬وبين الحكم الع ـ ــام‬
‫الـ ــذي هو مرجع في جميع األحكـ ــام أو غالبهـ ــا‪ ،‬وقـ ــررـ أن هـ ــذا الكفر ناقل عن الملة‬
‫مطلق ـاً‪ ،‬وذلك ألن من نحى الشــريعة اإلســالمية وجعل القــانون الوضــعي بــديالً منهــا؛‬
‫فه ــذا دليل على أنه ي ــرى أن الق ــانون أحسن وأص ــلح عن الش ــريعة‪ ،‬وه ــذا ال شك أنه‬
‫كفر أك ــبر يخ ــرج من الملة وين ــاقض التوحي ــد" (كت اب التوحيد للش يخ الف وزان‪ :‬ص‬
‫‪.)39‬‬

‫* شيخ اإلسالم مصطفى صبري رحمه اهلل‪:‬‬

‫(‪)43‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫* ق ال ش يخ اإلس الم مفيت الدولة العثمانية مص طفى ص ربي –رمحه اهلل تع اىل‪" :-‬إن‬
‫هذا الفصل [أي فصل الدين عن الدولة] مؤامرة بالدين للقضــاء عليه‪ ،‬وقد كان يف كله‬
‫بدعة أح دثها العص ريون املتفرجنون يف البالد اإلس المية كي ــدا لل ــدين ومحاولة للخ ــروج‬
‫عليه‪ ...‬بل ارتداد عنه من احلكومة أوالً ومن األمة ثانياً‪ ،‬إن مل يكن بارتداد الداخلني يف‬
‫حوزة احلكومة تلك باعتبارهم أفراد‪ ،‬فباعتبارهم مجاعة‪ ،‬وهو أقصر طريق اً إىل الكفر من‬
‫ارت داد األف راد‪ ،‬بل إنه يتض من ارت داد األف راد أيض اً لقب وهلم الطاعة لتلك احلكومة املرت دة‬
‫اليت ّادعت االستقالل لنفسها بعد أن كانت خاضعة حلكم اإلسالم عليها‪ ...‬فإذا خــرج‬
‫عن اإلســالم من ال يقبل س لطة ال دين عليه ب األمر والنهي‪ ،‬وت ّدخله يف أعماله ح ال كونه‬
‫فرداً من أفراد املسلمني؛ فكيف ال خيرج من ال يقبل هذه السلطة وهذا التدخل بصفة أنه‬
‫داخل يف هيئة احلكومة" (موقف العقل والعلم والعامل من رب العاملني‪.)4/280 :‬‬

‫* وقال الشيخ رحمه اهلل‪:‬‬

‫"إن ما فعله الكماليون –[وهي حكومة مصطفى كمال الرتكية آنذاك]‪ -‬يف اخلالفة‬
‫والسلطة –[وهو فصل الدين عن الدولة]‪ -‬خمالفة للشرع اإلسالمي؛ أمر بديهي غني عن‬
‫البحث والمنـ ـ ــاظرة عند الفطر السـ ـ ــليمة‪ ...‬وهي أن خمالفتها للش رع ال جيوز أن تُتل ّقى‬
‫بالنظر العادي‪ ،‬وال تُشبَّه باألفعال الصادرة من املؤمنني املذنبني الذين خلطوا عمالً صاحلاً‬
‫وآخر س يئاً‪ ،‬ورج وا أن يت وب اهلل عليهم‪ ،‬بل ه ذه املخالفة أمر مقص ود عن دهم بذات ه‪،‬‬
‫ألهنم يرمون بفعاهلم هذه إىل التملّص عن ربقة الشرع اإلسالمي‪...‬‬

‫إن ما ابتدعه الكم اليون من جتريد اخلالفة من الس لطة‪ ،‬وإيق اع الفرقة بينهم ا؛ أمر‬
‫يرجع إىل ارت ــداد احلكومة الرتكي ة‪ ،‬وانتزاعها عن لباس ها ال ديين‪ ...‬مث أمل يكفكم مس ألة‬
‫إلغ اء احملاكم الش رعية؛ مع أهنا بس يطة وص رحية يف الداللة على الـ ــنزوح والمـ ــروق عن‬
‫اإلسـ ــالم‪ .‬ف إىل مىت حتامون عنهم‪ ،‬وتق ّرون عليهم ما ص در منهم مما يض يق عنه نط اق‬
‫التأوي ل‪ ،‬وإىل أي ش يء حتتاجونه يف االطالع واالقتن اع خبطتهم الكفريـ ـ ـ ــة‪ ،‬فهل أنتم‬
‫ماكثون حىت تعرتفوا بأهنم كافرون‪ ...‬افرتاق احلكومة الرتكية احلاضرة عن اخلالفة ارتداد‬
‫عن ال دين‪ ...‬ولعم ري ال توجد مس ألة أدعى إىل اس تنهاض علم اء ال دين ل واجبهم من‬
‫هاتني املسألتني؛ أعين تفكيك احلكومة عن اخلالفة‪ ،‬وإلغاء احملاكم الشرعية" (النكري على‬
‫منكري النعمة من الدين واخلالفة واألمة للشيخ مصطفى صربي‪ :‬ص‪.)140،134،84‬‬

‫(‪)44‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫* عبد الرحمن بن محمد الدوسري‪:‬‬

‫* قال الشيخ عبد الرمحن بن حممد الدوسري –رمحه اهلل‪ -‬يف جوابه على سؤال (من‬
‫هو امللح د؟)‪ ..." :‬وال ذي يع دل بربه غ ريه‪ ،‬فيتأهله ب احلب والتعظيم وقب ــول مبادئ ــه‪ ،‬أو‬
‫تنفيذ نظمه وتشـ ــريعاته باستحسـ ــان؛ يك ون ملح داً‪ ...‬أو غـ ــير حـ ــدود (اهلل) وأحكامه‬
‫حبجة التط وير واحلض ارة والرفق باإلنس ان وما إىل ذل ك؛ فهو ملح ــد" (األجوبة املفي دة‬
‫ملهمات العقيدة للشيخ الدوسري‪ :‬ص‪.)28‬‬

‫* وقال رحمه اهلل في جوابه على سؤال (ما حكم الملحد؟)‪:‬‬

‫"يكفر‪ ،‬وجتري عليه وعلى ماله أحكام املرتد" (األجوبة املفيدة ملهمات العقيدة‪ :‬ص‬
‫‪.)28‬‬

‫* وقال الشيخ رحمه اهلل في جوابه على سؤال (ما هو الشرك؟)‪:‬‬

‫"‪ ...‬وك ذلك االحتك ام إىل غري حكم اهلل رغبة أو قب والً ملا أحله األحب ار والرهب ان‬
‫أو الرؤساء السياســيون أو الروحانيون‪ ...‬وكذلك الذين بدلوا قوالً غري الذي قيل هلم‪،‬‬
‫فجعل وا ح دود ال وطن ف وق ح دود اهلل‪ ،‬وحمبة اجلنس والق وم ف وق حمبت ه‪ ،‬أو ان دفع باسم‬
‫التحرر والتطور وحنو مما وضعته الربوتوكوالت الصهيونية سراً‪ ،‬ونفــذه تالميذ اإلفــرنج‬
‫جهــراً؛ من كل ما هو خمالف حلكم اهلل‪ ،‬وخارج عن تعاليم اإلسالم؛ فهو مشــرك أيض اً"‬
‫(األجوبة املفيدة ملهمات العقيدة‪ :‬ص‪.)13‬‬

‫* وقال رحمه اهلل‪:‬‬


‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫مِم‬
‫ِ ِ "ق ال اهلل تع اىل‪َ ( :‬و َم ْنِ أَظْلَ ُم َّ ِن ا ْفَت َرى َعلَى اللّ ه َك ذباً أ َْو قَ َال أ ُْوح َي إيَلَّ َومَلْ يُ َ‬
‫وح‬
‫زل اللّهُ)‪ ،‬أي‪ :‬ال أحد أظلم من أهل هذه األوصاف‪،‬‬ ‫إلَْيه َش ْيءٌ َو َمن قَ َال َسأُن ِز ُل مثْ َل َما أَنَ َ‬
‫فهم على غاية من الشرك‪ ،‬فال أحد أشد ظلم اً وأعظم شركاً وجرم اً ممن بــذل مجهــوده‬
‫األدبي أو المــادي أو المعنــوي لتقرير مذاهبه ومبادئه وفلســفاتهـ المخالفة لشــرع اهلل‪،‬‬
‫أو املناقضة مللة إبراهيم‪ ،‬بل هو يف عمله هذا من المحــادين هلل ورســوله‪ ،‬فانتبهوا يا أويل‬
‫األبصار" (األجوبة املفيدة ملهمات العقيدة‪ :‬ص‪.)29‬‬

‫* وقال رحمه اهلل‪:‬‬

‫(‪)45‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫"إن الوثنية برمسها اخلاص وص بغتها الواح دة اليت جتمعها هي‪ :‬تق ديس غري اهلل‪ ،‬أو‬
‫تحكيم غ ريه‪ ،‬وتشــريع ما هو من اف لش رعه احلكيم" (األجوبة املفي دة ملهم ات العقي دة‪:‬‬
‫ص‪)29‬‬

‫* وقال رحمه اهلل‪:‬‬

‫"فكل منحرف عن تعاليم اإلسالم‪ ،‬معطل لحدوده‪ ،‬محتكم إلى غــير شــريعة اهلل؛‬
‫ال جيوز وص فه ب أي لقب من ألق اب املدح والش رف؛ مهما ك ان‪ ،‬ففي احلديث‪" :‬ال‬
‫تقول وا للفاسق س يداً‪ ،‬فإنه إن يكن س يداً فقد أس خطتم ربكم"‪ ،‬وأي فاسق أعظم فســقا‬
‫ممن ابتغى غــير اهلل حكمــا‪ ،‬وشــرع له ما يــأذن به اهلل من المبــادئ والمــذاهب المادية‬
‫الحديثة المرتكــزة على الفلســفة الغربية بإيحــاء من الصــهاينة" (األجوبة املفيدة ملهمات‬
‫العقيدة‪ :‬ص‪.)24‬‬

‫* وقال رحمه اهلل‪:‬‬

‫"حق اً لقد جعل وا –[أي احل ّك ام]‪ -‬ألنفس هم منزلة أعظم من منزلة رب الع املني؛ إذ‬
‫حص روا طاعته واالنقي اد حلكمه يف الش يء القلي ل‪ ،‬وأوجبوا على الن اس االنقي اد حلكمهم‬
‫يف كل شيء‪ ،‬واالستسالم هلم يف كل ناحية‪ ،‬وفرضوا على الناس تأليههم دون اهلل‪ ،‬وقد‬
‫تع ّدوا وجتاوزوا ب الظلم واجلح ود ق ول من ق ال‪َ ( :‬س أُن ِز ُل ِمثْ َل َما أَنَ َ‬
‫زل اللّ هُ)‪ ،‬وبلغ وا من‬
‫جتاوز احلدود ما مل يبلغه أي ك ــافر يف س ابق الق رون" (األجوبة املفي دة ملهم ات العقي دة‪:‬‬
‫ص‪.)39‬‬

‫* الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم رحمه اهلل‪:‬‬

‫* ق ال الش يخ عبد ال رمحن بن حممد بن قاسم –رمحه اهلل‪.. :-‬كمن حيكم بقـ ــوانين‬
‫الجاهلية والقــوانين الدولية‪ ،‬بل مجيع من حكم بغري ما أن زل اهلل؛ س واء ك ان ب القوانني‪،‬‬
‫أو بش يء خمرتع وهو ليس من الش رع‪ ،‬أو ب اجلور يف احلكم؛ فهو ط ـ ــاغوت من أك ـ ــبر‬
‫الطواغيت" (حاشية األصول الثالثة‪ :‬ص‪.)135‬‬

‫* وقال الشيخ رحمه اهلل‪:‬‬

‫(‪)46‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫ين َيْزعُ ُم و َن أَن َُّه ْم َآمنُ واْ مِب َا أُن ِز َل إِلَْي َ‬


‫ك َو َما‬ ‫َ‬ ‫* "ب اب ق ول اهلل تع اىل‪( :‬أَمَلْ َت َر إِىَل الَّ ِذ‬
‫وت َوقَ ْد أ ُِم ُرواْ أَن يَ ْك ُف ُرواْ بِ ِه)‪ ،‬ت رجم‬ ‫ك ي ِري ُدو َن أَن يتَح ا َكمواْ إِىَل الطَّاغُ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ َ ُ‬ ‫أُن ِز َل من َقْبل َ ُ‬
‫املص نف –الش يخ حممد بن عبد الوه اب رمحه اهلل –هبذه اآلي ة؛ الدالة على كفر من أراد‬
‫التحاكم إلى غير كتاب اهلل وسنة نبيه صلى اهلل عليه وسـلم‪ ،‬وإن كان مع ذلك يدعي‬
‫اإلميان مبا أن زل اهلل على رس وله واملرس لني قبل ه‪ ...‬فحيث ك ان التوحيد هو معىن ش هادة‬
‫أن ال إله إال اهلل‪ ،‬مش تمالً على اإلميان بالرس ول ص لى اهلل عليه وس لم مس تلزماً ل ه‪ ،‬نبه‬
‫املص نف على ما تض منه التوحيد واس تلزمه؛ من حتكيم الرس ول ص لى اهلل عليه وس لم يف‬
‫م وارد ال نزاع؛ إذ ه ذا هو مقتضى الش هادة والزمه ا‪ ،‬فمن عرفها ال بد له من االنقي اد‬
‫حلكم اهلل‪ ،‬والتسليم ألمره الذي جاء على يد رسوله صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬فمن شهد أن‬
‫ال إله إال اهلل‪ ،‬مث عدل إىل حتكيم غري الرسول صلى اهلل عليه وسلم يف موارد النزاع‪ ،‬فقد‬
‫كذب يف شهادته‪.‬‬

‫ومعىن اآلية أن اهلل أنكر على من ي دعي اإلميان مبا أنزله اهلل على رس وله وعلى‬
‫األنبياء قبله‪ ،‬وهو مع ذلك يريد أن يتحاكم يف فصل اخلصومات إىل غري كتاب اهلل وسنة‬
‫ِ َّ ِ‬
‫ين َي ْزعُ ُم و َن) اس تفهام إنك ار‬ ‫رس وله ص لى اهلل عليه وس لم؛ ف إن قول ه‪( :‬أَمَلْ َت َر إىَل الذ َ‬
‫وتبكيت‪ ،‬وذم ملن عدل عن الكتاب والسنة‪ ،‬ورغب فيما سوامها من الباطل‪ ،‬وهو املراد‬
‫بالطــاغوت ههنا‪ ،‬كما تقدم من قول ابن القيم‪ :‬إنه ما جتاوز به العبد حده من معبود أو‬
‫متب وع أو مط اع‪ ،‬فكل من ح ــاكم إلى غ ــير كت ــاب اهلل وس ــنة رس ــوله ص ــلى اهلل عليه‬
‫وسلم؛ فقد حاكم إلى الطــاغوت الــذي أمر اهلل عبــاده المؤمــنين أن يكفــروا بــه‪ ،‬أي مبا‬
‫ج اءهم به الط اغوت ال ذي يتح اكمون إلي ه‪ ،‬ف إن التح اكم ليس إال إىل كت اب اهلل وس نة‬
‫رس وله‪ ...‬فمن ح اكم إىل غريمها فقد جتاوز به ح ده‪ ،‬وخــرج عما شــرعه اهلل ورســوله‪،‬‬
‫وكذلك من عبد شيئاً دون اهلل؛ فإمنا عبد الطاغوت‪ ،‬فهو الذي دعا إىل كل باطل وزينه‬
‫ملن فعل ه‪ ،‬وه ذا ين ايف التوحي د؛ ف إن التوحيد هو الكفر بكل ط اغوت عب ده العاب دون من‬
‫دون اهلل‪ .‬فمن دعا إلى تحكيم غير اهلل ورسوله؛ فقد ترك ما جاء به الرســول‪ ،‬ورغب‬
‫عنــه‪ ،‬وجعلهـ شــريكاً هلل في الطاعــة‪ ،‬وخــالف ما جــاء به الرســول صــلى اهلل عليه وســلم‬
‫يما َش َجَر َبْيَن ُه ْم)‪.‬‬‫فيما أمر اهلل به في قوله‪( :‬فَالَ وربِّك الَ يؤ ِمنو َن حىَّت حُي ِّكم َ ِ‬
‫وك ف َ‬ ‫َ َ َ ُْ ُ َ َ َ ُ‬

‫ويف آية الب اب أنكر اهلل زعمهم اإلميان وأك ذهبم؛ ملا يف ض من ( َيْزعُ ُم و َن) من نفي‬
‫إمياهنم‪ ،‬ف إن ( َيْزعُ ُم و َن) إمنا يق ال غالب اً ملن ادعى دع وى هو فيها ك اذب‪ ،‬حيققه قول ه‪:‬‬
‫َ‬
‫ه)؛ ألن الكف ر بالط اغوت ركن‬ ‫ـرو ْا بِ ـ ِ‬ ‫ـد ُأ ِمـ ُ‬
‫ـرو ْا أن يَ ْك ُفـ ُ‬ ‫( َو َقـ ْ‬

‫(‪)47‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫ح داً‪ ،‬ومن‬‫التوحيد‪ ،‬فإذا اختل هذا ال ركن لم يكن مو ِ ّ‬


‫لم يكفر بالطاغوت لم يؤمن باهلل‪ ،‬والتوحيد هو أساس‬
‫اإليمان الذي تصح به األعمال‪ ،‬وتفسده بفساده‪...‬‬

‫ض الَالً بَعِي داً) يعين أن الشيطان يريد‬ ‫الش يطَا ُن أَن ي ِ‬


‫ض لَّ ُه ْم َ‬ ‫ُ‬ ‫قال تعالى‪َ ( :‬ويُِري ُد َّ ْ‬
‫أن يضل هؤالء –املتحاكمني إىل الطاغوت‪ -‬عن سبيل احلق واهلدى ضالالً بعيداً‪ ،‬فيجور‬
‫هبم جوراَ شديداً‪ ،‬فبني تعاىل يف هذه اآلية أن التحاكم إىل الطاغوت مما يأمر به الشيطان‪،‬‬
‫ويزينه ملن أطاع ه‪ ،‬وأن ذلك مما أضل به الش يطان من أض له‪ ،‬وأك ده باملص در‪ ،‬ووص فه‬
‫بالبعد‪ ،‬فدل على أن ذلك من أعظم الضالل‪ ،‬والبعد عن اهلدى‪ ،‬فال ميكنهم الرجوع إىل‬
‫ل‬‫س ـو ِ‬ ‫الر ُ‬ ‫م تَ َعالَ ْو ْا إِلَى َما أَن َز َ‬
‫ل الل ّ ُه َوإِلَى َّ‬ ‫ل لَ ُه ْ‬ ‫احلق أبداَ‪َ ( ،‬وإِذَا قِي َ‬
‫صـ ُدوداً)‪ .‬ف إن املن افقني يكره ون احلق‬ ‫ك ُ‬ ‫صـدُّونَ َعنـ َ‬ ‫ين يَ ُ‬ ‫م َنافِ ِق َ‬ ‫َرأَ ْي َ‬
‫ت ا ْل ُ‬
‫وأهل ه‪ ،‬ويه وون ما خيالفه من الباط ل‪ ،‬فيمتنع ون ب ذلك من املصري إليك لتحكم بينهم‪،‬‬
‫ومينعون غريهم‪ ،‬فبني تعاىل صفتهم‪ ،‬وأن من فعل ذلك أو طلبه‪ ،‬وإن زعم أنه مؤمن؛ فإنه‬
‫يف غاية البعد من اإلميان‪ ،‬ق ال ابن القيم‪ :‬ه ذا دليل على أن من ُدعي إىل حتكيم الكت اب‬
‫صـدُّونَ ) الزم‪ ،‬وهو مبعىن يُعرض ون؛ ألن مص دره‬ ‫والس نة ف أىب أنه من املن افقني‪ ،‬و(يَ ُ‬
‫ص ُدوداً)‪ .‬وما أك ثر من اتصف هبذا الوصف خصوص اً من ي دعي العلم‪ ،‬ف إهنم ص دوا‬ ‫( ُ‬
‫عما توجبه األدلة من كت اب اهلل وس نة نبيه إىل أق وال من خيطئ كث رياً؛ ممن ينتسب إىل‬
‫األئمة األربعة يف تقليدهم من ال جيوز تقليده‪ ،‬وجعلوا قوله املخالف لنص الكتاب والسنة‬
‫وقواعد الش ريعة هو املعتمد عن دهم؛ ال ذي ال تصح الفت وى إىل ب ه‪ ،‬بل ومن يجعل‬
‫المعتمد النظم والقـ ـ ـ ــوانين اإلفرنجية ويـ ـ ـ ــدعي اإلسـ ـ ـ ــالم‪ .‬وق ال ش يخنا‪( :‬المرتضي‬
‫بالسياسات والقوانين كـافر يجب قتلــه‪ ،‬وإن المنــافقين أشد من الكفـار الخلص‪ ،‬ومن‬
‫ظن أن حكم غ ـ ــير رسـ ــول اهلل صـ ــلى اهلل عليه وسـ ــلم أحسن من حكمـ ــه؛ فهو ك ـ ــافر‬
‫بإجماع المسلمين‪ ،‬فاهلل املستعان) (حاشية كتاب التوحيد‪ :‬ص‪.)285-283‬‬

‫* الشيخ العالمة عبد الرحمن السعدي رحمه اهلل‪:‬‬

‫* ق ال الش يخ عبد ال رمحن الس عدي رمحه اهلل تع اىل يف تفسري قوله تع اىل‪َ ( :‬ف ِإن‬
‫ل‪ )...‬واآلية اليت‬ ‫ســو ِ‬ ‫الر ُ‬
‫ه َو َّ‬‫ــردُّو ُه إِلَى الل ّــ ِ‬
‫ي ٍء َف ُ‬
‫شــ ْ‬
‫م فِي َ‬ ‫تَ َنــا َز ْع ُت ْ‬
‫بعدها‪" :‬كتاب اهلل وسنة رسوله‪ ،‬عليهما بناء الدين‪ ،‬وال يستقيم إال هبما‪ ،‬فالرد إليهما‬
‫خ ِر)‪.‬‬‫ه َوا ْليَ ْو ِم اآل ِ‬
‫م ُت ْؤ ِم ُنونَ بِالل ّ ِ‬ ‫شـــرط في اإليمـــان‪ ،‬فله ذا ق ال‪( :‬إِن ك ُ‬
‫ُنت ْ‬
‫ف دل ذلك على أن من لم يــرد إليهما مســائل الــنزاع؛ فليس بمــؤمن حقيقــة‪ ،‬بل مــؤمن‬

‫(‪)48‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫مــونَ أَنَّ ُه ْ‬
‫م‬ ‫عجب تع اىل عب اده من ح ال املن افقني (الَّ ِذ َ‬
‫ين يَ ْز ُع ُ‬ ‫ّ‬ ‫بالط ـ ــاغوت‪ ...‬ي‬
‫ُ‬
‫ـدونَ أَن‬ ‫آ َم ُنو ْا) بما جاء به الرسول وبما قبله‪ .‬ومع هــذا ( ُي ِريـ ُ‬
‫اغوتِ) وهــو ك ل من حكم بغ ير ش رع‬ ‫مو ْا إِلَى الطَّ ُ‬
‫حا َك ُ‬
‫يَ َت َ‬
‫ـرو ْا بِـ ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ه)‬ ‫ـرو ْا أن يَ ْك ُفـ ُ‬
‫هللا فهو طاغوت‪ .‬والحال أنهم ( َو َق ْد أ ِمـ ُ‬
‫فكيف جيتمع ه ذا اإلميان؟ ف إن اإلميان يقتضي االنقي اد لش رع اهلل‪ ،‬وحتكيمه يف كل أمر‬
‫من األم ور‪ ،‬فمن زعم أنه م ؤمن واخت ار حكم الط اغوت على حكم اهلل؛ فهو كــاذب يف‬
‫ذلك" (تفسري السعدي‪.)262 :‬‬

‫* وقال رحمه اهلل‪:‬‬

‫"ومن ت رك ه ذا التحكيم املذكور‪ ،‬غـ ــير ملـ ــتزم لـ ــه؛ فهو كـ ــافر‪ .‬ومن تركه –مع‬
‫التزامه‪ -‬فله حكم أمثاله من العاصين" (تفسري السعدي‪.)264 :‬‬

‫* وقال رحمه اهلل‪:‬‬

‫"وكل من ح اكم إىل غري حكم اهلل ورس وله؛ فقد ح اكم إىل الط ــاغوت‪ ،‬وإن زعم‬
‫أنه مؤمن؛ فهو كاذب‪ .‬فاإلميان ال يصح وال يتم إال بتحكيم اهلل ورسوله يف أصول الدين‬
‫وفروع ه‪ ،‬ويف كل احلق وق‪ .‬فمن ح اكم إىل غري اهلل ورس وله؛ فقد اختذ ذلك رب اً‪ ،‬وقد‬
‫حاكم إىل الطاغوت" (القول السديد يف مقاصد التوحيد‪ :‬ص‪.)133‬‬

‫* الشيخ حمود التويجري رحمه اهلل‪:‬‬

‫* قال الشيخ محود التوجيري رمحه اهلل‪" :‬النوع الثاين من املشاهبة‪ ،‬وهو من أعظمها‬
‫شراً‪ ،‬وأسوئها عاقبة‪ :‬ما ابتلي به كثريون؛ من اطّراح األحكام الشرعية‪ ،‬واالعتياض عنها‬
‫بحكم الط ــاغوت من الق ــوانين والنظام ــات اإلفرنجية‪ ،‬أو الش بيهة باإلفرجني ة‪ ،‬املخ الف‬
‫َح َس ُن ِم َن اللّ ِه‬ ‫ِِ ِ‬
‫كل منها للش ريعة احملمدي ة‪ ،‬قد ق ال تع اىل‪( :‬أَفَ ُحك َ‬
‫ْم اجْلَاهليَّة َيْبغُ و َن َو َم ْن أ ْ‬
‫ن‬ ‫شـ َر ُعوا لَ ُهم ِ ّم َ‬ ‫شـ َر َكاء َ‬ ‫م ُ‬ ‫ُحكْم اً لَِّق ْوٍم يُوقِنُ و َن) وق ال تع اىل‪( :‬أَ ْم لَ ُه ْ‬
‫م‬ ‫ي بَ ْي َن ُه ْ‬‫ضـ َ‬ ‫ل لَ ُق ِ‬ ‫صـ ِ‬ ‫مـ ُة ا ْل َف ْ‬ ‫م يَ ْأذَن بِ ِ‬
‫ه اللَّ ُه َولَ ْواَل َكلِ َ‬ ‫ين َما لَ ْ‬ ‫د ِ‬ ‫ال ِّ‬
‫م)‪.‬‬ ‫َ‬
‫َاب ألِي ٌ‬
‫م َعذ ٌ‬ ‫َ‬
‫ين ل ُه ْ‬
‫م َ‬ ‫َّ‬
‫ن الظالِ ِ‬ ‫َوإِ َّ‬

‫وقد احنرف عن الدين بسبب هذه املش اهبة فئام من الناس‪ ،‬فمستقل من االحنراف‪،‬‬
‫ومستكثر‪ .‬وآل بكثري منهم إىل الردة والخروج من دين اإلسالم بالكلية‪ ،‬فال حول وال‬

‫(‪)49‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫ق وة إال باهلل العلي العظيم‪ ،‬والتح ــاكم إلى غ ــير الش ــريعة المحمدية من الض ــالل البعيد‬
‫م آ َم ُنو ْا‬ ‫مونَ أَنَّ ُه ْ‬ ‫ين يَ ْز ُع ُ‬ ‫م تَ َر إِلَى الَّ ِذ َ‬ ‫والنفاق األكبر‪ ،‬ق ال اهلل تع اىل‪( :‬أَلَ ْ‬
‫مو ْا إِلَى‬ ‫حــا َك ُ‬ ‫ك ُي ِري ـ ُدونَ أَن يَ َت َ‬ ‫ل ِمن َق ْبلِ ـ َ‬ ‫ك َو َما ُأ ِ‬
‫نز َ‬ ‫ل إِلَ ْي َ‬ ‫ما ُأ ِ‬
‫نز َ‬ ‫بِ َ‬
‫م‬‫ضلَّ ُه ْ‬‫ان أن ُي ِ‬ ‫َ‬ ‫الش ْيطَ ُ‬ ‫َّ‬ ‫يد‬
‫ه َو ُي ِر ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫اغوتِ َو َق ْد أ ِم ُرو ْا أن يَ ْك ُف ُرو ْا بِ ِ‬ ‫الطَّ ُ‬
‫ل الل ّـ ُه َوإِلَى‬ ‫َ‬
‫م تَ َعــالَ ْو ْا إِلَى َمــا أنـ َز َ‬ ‫ل لَ ُه ْ‬ ‫ً‬
‫ضـالَال ً َب ِعيــدا‪َ ،‬وإِذَا قِيـ َ‬ ‫َ‬
‫صـ ُدوداً)‪ .‬مث نفى تب ارك‬ ‫ك ُ‬ ‫صـدُّونَ َعنـ َ‬ ‫ين َي ُ‬ ‫م َنــافِ ِق َ‬ ‫ت ا ْل ُ‬ ‫ل َرأَ ْي َ‬ ‫س ـو ِ‬ ‫الر ُ‬
‫َّ‬
‫وتع اىل اإلميان عمن مل حُي ِّكم الرس ول ص لى اهلل عليه وس لم عند التن ازع‪ ،‬ويرضى حبكمه‬
‫ويطمئن إليه قلب ه‪ ،‬وال يبقى لديه شك أن ما حكم به هو احلق ال ذي جيب املصري إلي ه‪،‬‬
‫في ذعن ل ذلك وينق اد له ظ اهراً وباطن اً‪ .‬وأقسم س بحانه وتع اىل على النفي بنفسه الكرمية‬
‫مــا‬ ‫ك فِي َ‬ ‫مــو َ‬ ‫كّ ُ‬‫ح ِ‬ ‫ى ُي َ‬ ‫ح َّت َ‬ ‫ك ال َ ُي ْؤ ِم ُنــونَ َ‬ ‫املقدس ة؛ فق ال تع اىل‪َ ( :‬فال َ َو َربِ ّـ َ‬
‫ت‬ ‫ضـ ْي َ‬‫ما َق َ‬ ‫ح َرجـاً ِ ّم َّ‬ ‫م َ‬‫سـ ِه ْ‬‫م ال َ يَجِـ ُدو ْا فِي أَن ُف ِ‬ ‫م ُث َّ‬ ‫ج َر بَ ْي َن ُه ْ‬ ‫شـ َ‬ ‫َ‬
‫ً‬
‫سلِيما)‪.‬‬ ‫ْ‬
‫مو ا ت َ ْ‬ ‫س ِل ّ ُ‬ ‫َو ُي َ‬

‫وما أكثر المعرضين عن أحكام الشريعة المحمدية من أهل زمانن ا‪ ،‬وال سيما أهل‬
‫األمصار الذين غلبت عليهم احلرية اإلفرجنية‪ ،‬وهان لديهم ما أنزل اهلل على رسوله حممد‬
‫ص لى اهلل عليه وس لم من الكت اب واحلكم ة‪ ،‬فاعتاض وا عن التح اكم إليهما بالتح اكم إىل‬
‫الق ــوانين والسياس ــات والنظام ــات اليت ما أن زل اهلل هبا من س لطان‪ ،‬وإمنا هي متلق اة عن‬
‫ال دول الك افرة باهلل ورس وله‪ ،‬أو من يتش به هبم وحيذو ح ذوهم من الط ــواغيت الـ ــذين‬
‫ينتسبون إلى اإلسالم وهم عنه بمعزل‪.‬‬

‫وأقبح من فعل املن افقني‪ :‬ما يُ ذ َكر عن بعض أهل زمانن ا؛ أهنم ق الوا‪ :‬إن العمل‬ ‫ُ‬
‫بالشريعة احملمدية يؤخرهم عن اللحاق بأمم اإلفرنج وأضراهبم من أعداء اهلل تع اىل‪ ،‬وهذه‬
‫ردة صــريحة‪ ،‬واهلل المســؤول أن يقيض ألهلهــا‪ ،‬ولكل من لم يــرض بأحكــام الشــريعة‬
‫المحمديـ ــة؛ من يعـ ــاملهم معاملةـ أبي بكر الصـ ــديق رضي اهلل عنه إلخـ ــوانهم من قبـ ــل"‬
‫(الدرر السنية‪.)228-16/226 :‬‬

‫* وقال أيضاً‪:‬‬

‫"ومن اطّ راح األحك ام الش رعية‪ :‬ما يفعله كثري من املنتس بني إىل اإلس الم من إبــدال‬
‫احلدود والتعزيرات باحلبس؛ موافقة لإلفرنج وأشباههم من أعداء اهلل تعاىل‪ .‬وهذا مصداق‬
‫ما يف حديث أيب أمامة رضي اهلل عنه؛ أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال‪ :‬لتنقضن‬

‫(‪)50‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫عرى اإلسالم عروة عروة‪ ،‬وكلما انتقضت عروة تشبث الناس باليت تليها‪ ،‬فأوهلن نقض اً‬
‫احلكم‪ ،‬وآخرهن الصالة" (الدرر السنية‪.)16/228 :‬‬

‫* الشيخ عبد اهلل بن قعود رحمه اهلل‪:‬‬

‫* ق ال الش يخ عبد اهلل بن قعود رمحه اهلل تع اىل‪" :‬إن رفع أحك ام شرعية من أحك ام‬
‫اإلسالم معروف حكمها من دين اإلسالم بالضرورة‪ ،‬وإحالل قوانين وضـعية من صنيع‬
‫البشر خمالفة هلا؛ بدالً منها‪ ،‬واحلكم هبا بني الناس‪ ،‬ومحلهم على التحاكم إليها؛ إن ذلك‬
‫شرك باهلل في حكمه" (الشريعة اإلسالمية ال القوانني الوضعية‪ :‬ص‪.)179‬‬

‫* الشيخ صالح بن إبراهيم البليهي‪:‬‬

‫* ق ال الش يخ ص احل ابن إب راهيم البليهي‪ ..." :‬ف احلكم بــالقوانين الوضــعية املخالفة‬
‫للش ريعة اإلس المية؛ إلحـ ــاد وكفر وفسـ ــاد وظلم للعبـ ــاد‪ ،‬فال يس ود األمن‪ ،‬وال حتفظ‬
‫احلق وق الش رعية؛ إال بالعمل بش ريعة اإلس الم كله ا؛ عقي دة وعب ادة وأحكام اً وأخالق اً‬
‫وس لوكاً ونظام اً‪ ،‬ف احلكم بغري ما أن زل اهلل هو حكم بعمل خمل وق ملخل وق مثل ه‪ ،‬وهو‬
‫حكم بأحكـام طاغوتية‪ ...‬وال فرق بني األحوال الشخصية والعامة واخلاصة‪ ،‬فمن فـرق‬
‫بينها في الحكم فهو ملحد زن ـ ـ ــديق ك ـ ـ ــافر باهلل العظيم" (السلس بيل على حاش ية زاد‬
‫املستنقع‪.)2/384 :‬‬

‫* الشيخ محمود األلوسي رحمه اهلل‪:‬‬

‫* ق ال اإلم ام حمم ود األلوسي رمحه اهلل تع اىل‪" :‬ال شك يف كفر من يستحسن‬


‫الق انون ويفض له على الش رع‪ ،‬ويق ول‪ :‬هو أوفق باحلكمة وأص لح لألم ة‪ ،‬ويتم يز غيظ اً‬
‫ويتقص ف غضباً إذا قيل له يف أمر‪ :‬أمر الشرع فيه كذا‪ ،‬كما شاهدنا ذلك يف بعض من‬ ‫ّ‬
‫خذهلم اهلل فأصمهم وأعمى أبصارهم‪ ...‬فال ينبغي التوقف يف تكفير من يستحسن ما هو‬
‫بنّي املخالفة للشرع منها [القوانني الوضعية] ويق ّدمه على األحكام الشرعية منتقص اً هلا"‬
‫(تفسري روح املعاين‪ )28-20/21 :‬باختصار)‪.‬‬

‫* محمد الكتاني رحمه اهلل‪:‬‬

‫(‪)51‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫* ق ال الش يخ حممد الكت اين رمحه اهلل تع اىل‪ :‬ومن المكفــرات‪ :‬اتب اع عوائد الكف ار‪،‬‬
‫والتم ذهب مبذاهبهم‪ ،‬والعمل بق وانينهم‪ ...‬ومن مجلتها –أعين تلك الق وانني‪ -‬احلكم يف‬
‫القضايا النازلة بني اخللق بغري ما حكم به فيها امللك احلق‪ ،‬بل بضوابط عقلية‪ ،‬وسياسات‬
‫كفرية‪ ،‬وآراء فكرية مل يأت هبا شرع وال دين‪ ،‬وال نزل هبا ملك من مالئكة إله العاملني‪،‬‬
‫ض َعفة اإلميان؛ ممن اس تذله وأغ واه الش يطان‪ ،‬ح اولوا‬
‫وإمنا هي أحك ام خمتلفة وافقهم فيها َ‬
‫هبا تب ــديل الش ــرع املط اع‪ ...‬وت رويج كف ــرهم وش ــركهم وكلمتهم‪ ،‬والكت اب والس نة‬
‫مملوءان بالتحذير من هذا‪ ،‬والتنفري عنه‪ ،‬والوعيد عليه‪ ،‬والتقريع والتوبيخ ملن يفعله‪ ،‬أو‬
‫مييل بقلبه إليه‪( "...‬نصيحة أهل اإلسالم‪ :‬ص‪.)191‬‬

‫* الشيخ العالمة محمد رشيد رضا رحمه اهلل‪:‬‬

‫* ق ال الش يخ حممد رش يد رضا –رمحه اهلل تع اىل‪ -‬يف تفسري قوله تع اىل‪َ ( :‬وإِذَا‬
‫ل الل ّ ُه‪" :)...‬اآلية ناطقة ب أن من صد وأعــرض‬ ‫م تَ َعالَ ْو ْا إِلَى َما أَن َز َ‬
‫ل لَ ُه ْ‬
‫قِي َ‬
‫عن حكم اهلل ورسوله صلى اهلل عليه وسلم عمـداً‪ ،‬وال سيما بعد دعوته إليه‪ ،‬وتذكريه‬
‫ب ه؛ فإنه يك ون منافقـ ـ ـاً يعتد بما يزعمه من اإليم ـ ــان‪ ،‬وما يدعيه من اإلس ـ ــالم" (تفسري‬
‫املنار‪.)5/227 :‬‬

‫َنز َل اللّــهُ فَأ ُْولَ ــئِ َـ‬


‫ك ُه ُم‬ ‫* وقال الشيخ في تفسير قوله تعالى‪َ ( :‬و َمن لَّ ْم يَ ْح ُكم بِ َما أ َ‬
‫الْ َكافِ ُرو َن)‪:‬‬

‫ٍ "وذهب بعض هم إىل أن الكفر مش روط بش رط مع روف من القواعد العام ة‪ ،‬وهو‬


‫أن من مل حيكم مبا أن زل اهلل –منك راً له أو راغب اً عن ه؛ العتق اده بأنه ظلم‪ ،‬مع علمه بأنه‬
‫حكم اهلل‪ ..‬أو حنو ذلك –مما ال جيامع اإلميان واإلذعان‪.‬‬

‫ولعم ري إن الش بهة يف األم راء الواض ــعين للق ــوانين أش د‪ ،‬واجلواب عنهم أعس ر‪،‬‬
‫وهذا التأويل يف حقهم ال يظهر‪ ،‬وأن العقل ليعسر عليه أن يتصور أن مؤمن اً مذعناً لدين‬
‫اهلل‪ ،‬يعتقد أن كتابه يفرض عليه حكم اً‪ ،‬مث هو يغرّي ه باختياره‪ ،‬ويســتبدل به حكم اً آخر‬
‫بإرادته‪ ،‬إعراضاً عنه وتفضيالً لغريه عليه‪ ،‬ويعتد مع ذلك بإيمانه وإسالمه!!‪.‬‬

‫والظ اهر أن ال واجب على املس لمني يف مثل ه ذه احلال مع مثل ه ذا احلاكم؛ أن‬
‫يلزموه بإبطال ما وضعه خمالف اً حلكم اهلل‪ ،‬وال يكتفوا بعدم مساعدته عليه ومشايعته فيه‪،‬‬

‫(‪)52‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫ف إن مل يق دروا؛ فالـــدار ال تعتـــبر دار إســـالم فيما يظه ــر‪ ،‬ولألحك ام فيها حكم آخ ر"‬
‫(تفسري املنار‪.)5/349 :‬‬

‫* الشيخ إسماعيل األزهري السلفي رحمه اهلل‪:‬‬

‫* ق ال الش يخ إمساعيل األزه ري الس لفي رمحه اهلل تع اىل‪" :‬نس وا الق رآن‪ ،‬وأطرح وه‬
‫خلف ظه ورهم بالكلي ة‪ ،‬واعتاض وا عنه بقـ ــوانين الكفـ ــار وآراء ابتـ ــدعوها تق ّوالً على‬
‫الش ريعة الغ راء األمحدي ة‪ ،‬ومل يرض وا حبكم اهلل ورس وله فيهم‪ ،‬ورض وا بأحك ام الكف ار‬
‫وآرائهم‪...‬‬

‫أي عقل يكون ملن ال يرضى حبكم أحكم احلاكمني وأعلم العاملني وأعدل العادلني‪،‬‬
‫ويرضى حبكم اجلاهلني وأظلم الظاملني؟!‪...‬‬

‫إن االعتي اض عن الق انون الس ماوي ال ذي ج اء به الص ادق املص دوق ص لوات اهلل‬
‫وس المه عليه وآل ه‪ ،‬بالق انون األرضي اإلنس اين الش يطاين‪ ...‬هو من أعظم أس باب املقت‬
‫واحلرم ان‪ ،‬وأكرب موجب ات العقوبة واخلذالن‪ .‬كيف ال وهو اختاذ ل دين اهلل ه زواً وهلواً‬
‫ولعباً‪ ،‬وتبديل لنعمة اهلل بالنقمة‪ ،‬وللشكران بالكفران‪ ،‬وشرعُ دي ٍن مل يأذن به اهلل‪ ،‬واتباعٌ‬
‫وعشو عن ذكر الرمحن‬ ‫ٌّ‬ ‫لغري سبيل املؤمنني‪ ،‬ومشاقة وحمادة وحماربة وخيانة هلل ولرسوله‪،‬‬
‫وإع راض عن ه‪ ...‬فما بالك مبن دعا الن اس كافة عرب اً وعجم اً م ؤمنهم وك افرهم‪ ،‬إىل‬
‫ق انون اخرتعه هو أو غ ريه من جنس اخلي االت الباطل ة‪ ،‬فخ رج هو وأخ رج به عن طاعة‬
‫وحادمها وشاقّهما مبخالفة أمرمها‪...‬‬
‫اهلل وطاعة رسوله‪ ،‬وحارهبما ّ‬

‫ال عذر هلذا وأمثاله من الضُّالل الذين منشأ ضالهلم اإلعراض عن الوحي الذي جاء‬
‫به الرسول صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬ولو ظن أنه مهتد فإنه مفرط بإعراضه عن اتباع اهلدى‪،‬‬
‫ف إذا ضل أويت من تفريطه وإعراض ه‪ ...‬من املمتنع بالس مع أن يتم األ الع امل كلهم ش رقاً‬
‫وغراً من أمة سيدنا حممد صلى اهلل عليه وسلم على اتباع القوانني البشرية‪ ،‬وعدم املباالة‬
‫بالق انون اإلهلي‪ ،‬بل ال بد أن يك ون فيهم ولو واحد ينكر على ه ؤالء الك ل؛ إما بلس انه‬
‫إن أمكنه ذلك ومل يفتكوا به‪ ،‬وإما بقلبه إن مل ميكنه وظن الفتك به‪...‬‬

‫ول ذلك؛ ك ان تق دمي آراء الغري وعق وهلم وأذواقهم ووج داناهتم وسياس اهتم املخالفة‬
‫املناب ذة لسياسة الش ريعة احلقة الص حيحة حمبط اً للعمل البت ة‪ ،‬ورمبا ك ان ردة ومروقا عن‬

‫(‪)53‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫هوا َما‬ ‫م َك ِر ُ‬ ‫ك بِأَنَّ ُه ْ‬ ‫األمة اإلسالمية وامللة احلنيفية أعاذنا اهلل منها‪ ،‬قال تع اىل‪َ ( :‬ذلِ َ‬
‫ِ‬ ‫حبَطَ أَ ْع َ‬ ‫ل اللَّ ُه َفأَ ْ‬ ‫أَن َز َ‬
‫ط اللَّهَ‬ ‫ك بِ أَن َُّه ُم اتََّبعُ وا َما أ ْ‬
‫َس َخ َ‬ ‫مالَ ُه ْ‬
‫م)‪ ،‬وقال تعاىل‪( :‬ذَل َ‬
‫ط أ َْع َماهَلُ ْم)‪.‬‬
‫َحبَ َ‬ ‫َو َك ِر ُهوا ِر ْ‬
‫ض َوانَهُ فَأ ْ‬

‫فليح ذر السياس يون أن يسوس وا الن اس بغري ما أن زل اهلل؛ ف إهنم –مع أهنم ال يتم هلم‬
‫أمر وال يس تقيم هلم ح ال‪ -‬خُي شى عليهم من ال ــردة والم ــروق من ال ــدين‪ ،‬فيكون ون ممن‬
‫خسر ال دنيا واآلخ رة‪ ...‬فه ـ ـ ــؤالء ال ـ ـ ــردة الم ـ ـ ــارقون ال دواء أنجع فيهم من تمكين‬
‫الصوارم البواتر من رقابهم‪ ،‬وقطع دابـرهم حـتى ال يقـوى حـزبهم‪ ،‬وال يكـثر جمعهم‪،‬‬
‫أبادهم اهلل ودمرهم‪ ،‬وشتت شملهم ومزقهمـ كل ممزق‪...‬‬

‫من ظن أن ه ذه الش ريعة الكاملة اليت ما ط رق الع امل ش ريعة أكمل منه ا؛ ناقصة‬
‫حتت اج إىل سياسة خارجة عنها تكمله ا؛ فهو كمن ظن أن بالن اس حاجة إىل رس ول آخر‬
‫غري رسوهلم الذي حيل هلم الطيبات وحيرم عليهم اخلبائث‪ ،‬وكذلك من ظن أن شيئاً من‬
‫أحك ام الكت اب والس نة النبوية الثابتة الص حيحة‪ ،‬خبالف السياسة واملص لحة اليت يقتض يها‬
‫نظام الدنيا؛ فهو كافر قطعاً" (حتذير أهل اإلميان عن احلكم بغري ما أنزل الرمحن)‪.‬‬

‫* الشيخ عبد اهلل بن حميد رحمه اهلل‪:‬‬

‫* ق ال الش يخ عبد اهلل بن محيد رمحه اهلل يف (بي ان ما يف نظ ام العمل والعم ال من‬
‫األخطاء والتناقض والضالل)‪ :‬جاء يف املادة (‪ )40‬أن احملاكم احمللية‪ ،‬أو اهليئات القضائية‬
‫اليت تنشأ خصيص اً لذلك؛ هي املرجع املختص حلل عموم القضايا املتنازع فيها‪ ،‬واليت ال‬
‫ميكن حلها على مقتضى التحكيم املدرج يف املادة (‪. )38‬اهـ‪.‬‬

‫ويالحظ عليه ا‪ :‬أن ه ذه احملاكم املش ار إليها يف ه ذه املادة‪ ،‬إن ك ان يقصد هبا‬
‫احملاكم الشرعية اليت حتكم بنصوص الكتاب والسنة‪ ،‬فنعم يلزم الرجوع إليها‪ ،‬وإن كان‬
‫يقصد هبا أي حمكمة غري ش رعية‪ ،‬ف الرجوع إليها من التحـ ـ ــاكم إلى الطـ ـ ــاغوت املأمور‬
‫ت َو َقـ ْ‬
‫ـد‬ ‫مو ْا إِلَى الطَّ ُ‬
‫اغو ِ‬ ‫يدونَ أَن َي َت َ‬
‫حا َك ُ‬ ‫ب الكفر ب ه؛ يف قوله تع اىل‪ُ ( :‬ي ِر ُ‬
‫ه)‪...‬‬‫ُأ ِم ُرو ْا أَن َي ْك ُف ُرو ْا بِ ِ‬

‫ال جيوز ألحد أن يتحاكم إىل غري ما أنزل اهلل‪ ،‬سواء هذا النظام أو غريه من النظم‬
‫املس تمدة من غري كت اب اهلل وس نة رس وله ص لى اهلل عليه وس لم؛ ألن ه ذه الق وانني‬

‫(‪)54‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫الوض عية من مجلة الحكم الطـ ــاغوتي؛ ال ذي هنى اهلل ورس وله عن التح اكم إلي ه‪ ،‬وإمنا‬
‫ال واجب التح اكم إىل ما أن زل اهلل يف كتابه وعلى لس ان رس وله ص لى اهلل عليه وس لم"‬
‫(الدرر السنية‪.)16/298،297 :‬‬

‫* وقال رحمه اهلل‪:‬‬

‫"ومن أص در تش ريعاً عام اً ملزم اً للن اس يتع ارض مع حكم اهلل؛ فه ذا يخ ــرج من‬
‫الملة كافراً" (أمهية اجلهاد‪ ،‬لعلي العلياين‪ :‬ص‪.)196‬‬

‫* الشيخ محمد الخضر حسين رحمه اهلل‪:‬‬

‫* ق ال ش يخ األزهر حممد اخلضر حسني –رمحه اهلل تع اىل‪" :-‬فصل ال دين عن‬
‫السياسة ه دم ملعظم حق ائق ال دين‪ ،‬وال يق دم عليه املس لمون إال بعد أن يكون وا غري‬
‫مسلمني" (حتكيم الشريعة‪ ،‬للصاوي‪ :‬ص‪.)33‬‬

‫* الشيخ عبد العزيز آل محمد السليماني‪:‬‬

‫* ق ال الش يخ عبد العزيز آل حممد الس ليماين‪" :‬فكل حكم س وى حكم اهلل؛ فهو‬
‫باطل مردود‪ ،‬وكل حاكم بغري حكمه وحكم رسوله صلى اهلل عليه وسلم؛ فهو طاغوت‬
‫كافر باهلل" (موارد الظمآن‪.)1/43 :‬‬

‫* الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب‪:‬‬

‫* قال الشيخ عبد الرمحن بن حسن رمحه اهلل‪" :‬من دعا إىل حتكيم غري اهلل ورسوله؛‬
‫ور ِغب عن ه‪ ،‬وجعل هلل ش ريكاً يف‬ ‫فقد ت رك ما ج اء به الرس ول ص لى اهلل عليه وس لم‪َ ،‬‬
‫الطاع ة‪ ،‬وخ الف ما ج اء به رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم فيما أم ره اهلل تع اىل به يف‬
‫م‬ ‫ه ْ‬
‫هــ َواء ُ‬ ‫ــع أَ ْ‬ ‫ل الل ّــ ُه َوال َ تَ َّت ِب ْ‬ ‫مــا أَنــ َز َ‬ ‫احكُم َب ْي َن ُهم بِ َ‬‫ن ْ‬ ‫قول ه‪َ ( :‬وأَ ِ‬
‫ك)‪ ،‬وقوله تع اىل‪:‬‬ ‫ل الل ُّه إِلَ ْي َ‬ ‫ض َما أَن َز َ‬ ‫ك َعن بَ ْع ِ‬ ‫م أَن يَ ْفتِ ُنو َ‬ ‫ه ْ‬‫احذ َْر ُ‬ ‫َو ْ‬
‫م ال َ‬‫م ُث َّ‬
‫ج َر بَ ْي َن ُه ْ‬
‫شـ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ك فِي َ‬ ‫مو َ‬ ‫كّ ُ‬
‫ح ِ‬ ‫ى ُي َ‬ ‫ح َّت َ‬ ‫( َفال َ َو َربِ ّ َ‬
‫ك ال َ ُي ْؤ ِم ُنونَ َ‬
‫س ِليماً)‪.‬‬ ‫مو ْا تَ ْ‬ ‫س ِل ّ ُ‬ ‫ت َو ُي َ‬ ‫ض ْي َ‬‫ما َق َ‬ ‫ح َرجاً ِ ّم َّ‬‫م َ‬ ‫س ِه ْ‬ ‫ج ُدو ْا فِي أَن ُف ِ‬ ‫يَ ِ‬

‫(‪)55‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫فمن خ الف ما أمر اهلل به ورس وله ص لى اهلل عليه وس لم؛ ب أن حكم بني الن اس بغري‬
‫ما أنزل اهلل‪ ،‬أو طلب ذلك اتباعاً ملا يهواه ويريده؛ فقد خلع ربقة اإلسالم واإليمــان من‬
‫عنقه‪ ،‬وإن زعم أنه مؤمن" (فتح اجمليد‪.)345 :‬‬

‫* سليمان بن عبد اهلل بن محمد بن عبد الوهاب‪:‬‬

‫* ق ال الش يخ س ليمان بن عبد اهلل بن حممد بن عبد الوه اب رمحه اهلل تع اىل‪" :‬وقد‬
‫جنح اخلوارج إىل العموم لظاهر اآلية‪ ،‬وقالوا‪ :‬إهنا نص يف أن كل من حكم بغري ما أنزل‬
‫اهلل فهو كافر‪ ،‬وكل من أذنب فقد حكم بغري ما أنزل اهلل؛ فوجب أن يكون كافراً‪ .‬وقد‬
‫انعقد إمجاع أهل الس نة واجلماعة على خالفهم‪ .‬ونحن لم نكفر إال من لم يحكم بما‬
‫ـاهرهمـ على‬
‫أن ــزل اهلل من التوحي ــد‪ ،‬بل حكم بض ــده‪ ،‬وفعل الش ــرك‪ ،‬ووالى أهل ــه‪ ،‬وظ ـ ُ‬
‫الموحدين" (التوضيح عن توحيد اخلالق يف جواب أهل العراق‪ :‬ص‪.)141‬‬

‫* وقال رحمه اهلل‪:‬‬

‫"إن التحاكم إىل الطاغوت مناف لإلميان ومضاد له‪ ،‬فال يصح إميان إال بالكفر به‪،‬‬
‫وت رك التح اكم إلي ه‪ ،‬فمن مل يكفر بالط اغوت مل ي ؤمن باهلل" (فت اوى األئمة النجدي ة‪:‬‬
‫‪.)1/358‬‬

‫* الشـ ـ ــيخ عبد اللطيف بن عبد الـ ـ ــرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهـ ـ ــاب‬
‫رحمه اهلل‪:‬‬

‫* ق ال الش يخ عبد اللطيف بن عبد ال رمحن بن حسن بن حممد بن عبد الوه اب –‬


‫رمحهم اهلل تع اىل‪ -‬عما حيكم به أهل الس والف من الب وادي وغ ريهم من ع ادات اآلب اء‬
‫واألج داد؛ هل يطلق عليهم ب ذلك الكفر بعد التعري ف؟ فأج اب‪" :‬من حتاكم إىل غري‬
‫كت اب اهلل تع اىل وس نة رس وله ص لى اهلل عليه وس لم بعد التعري ف؛ فهو ك ــافر‪ ،‬ق ال اهلل‬
‫ِ‬
‫ك ُه ُم الْ َك افُرو َن)‪ ،‬وقال تعاىل‪( :‬أَ َف َغ ْي َر ِد ِ‬
‫ين‬ ‫َنز َل اللّ هُ فَأ ُْولَـئِ َ‬ ‫مِب‬
‫تعاىل‪َ ( :‬و َمن مَّلْ حَيْ ُكم َا أ َ‬
‫ه يَ ْب ُغونَ ) (الدرر السنية‪.)10/426 :‬‬ ‫الل ّ ِ‬

‫* الشيخ حمد بن علي بن عتيق النجدي رحمه اهلل‪:‬‬

‫(‪)56‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫* قال الشيخ محد بن علي بن عتيق النجدي –رمحه اهلل تعاىل‪ -‬عندما ذكر قول ابن‬
‫كثري يف حكم من حتاكم إىل غري ش رع اهلل تع اىل‪ ،‬وذكر فت واه يف تكف ريه للتت ار‪" :‬قلت‪:‬‬
‫ومثل ه ؤالء ما وقع فيه عامة الب وادي ومن ش اهبهم؛ من حتكيم ع ادات آب ائهم‪ ،‬وما‬
‫وضــعه أوائلهم من املوضوعات امللعونة اليت يسموهنا شرع الرفاقة؛ يقدموهنا على كتاب‬
‫اهلل وس نة رس وله ص لى اهلل عليه وس لم‪ ،‬ومن فعل ذلك فهو ك ــافر جيب قتاله حىت يرجع‬
‫إىل حكم اهلل تع اىل ورس وله ص لى اهلل عليه وس لم" (س بيل النج اة والفك اك من م واالة‬
‫املرتدين وأهل اإلشراك‪ :‬ص‪.)84‬‬

‫* وقال الشيخ رحمه اهلل‪:‬‬

‫"البلد إذا ظهر فيها الش رك‪ ،‬وأُعلنت فيها احملرم ات‪ ،‬وعُطِّلت فيها مع امل ال دين؛‬
‫تك ون بالد كفر‪ ،‬تُغنَم أم وال أهله ا‪ ،‬وتس تباح دم اؤهم‪ ،‬وقد زاد أهل ه ذه البلد بإظه ار‬
‫املسبّة هلل ولدينه‪ ،‬ووضعوا قوانين ينفذوهنا يف الرعية‪ ،‬خمالفة لكتاب اهلل وسنة نبيه صلى‬
‫اهلل عليه وس لم‪ ،‬وقد علمت أن ه ذه كافية وح دها يف إخــراج من أتى بها من اإلســالم‪.‬‬
‫ه ذا وحنن نق ول‪ :‬قد يوجد فيها من ال حُي َكم بكف ره يف الب اطن؛ من مستض عف وحنوه"‬
‫(الدرر السنية‪.)9/257 :‬‬

‫* الشيخ عبد اهلل أبا بطين رحمه اهلل‪:‬‬

‫* ق ال الش يخ عبد اهلل أبا بطني رمحه اهلل –فيما يش مله الط اغوت‪ ..." :-‬ويش مل‬
‫أيض اً كل من نص به الن اس للحكم بينهم بأحك ــام الجاهلية املض ادة حلكم اهلل ورس وله"‬
‫(جمموعة التوحيد‪ :‬ص‪.)93‬‬

‫* الشيخ سليمان بن سحمان رحمه اهلل‪:‬‬

‫معرف اً الطاغوت‪" :-‬وحاصله‪:‬‬ ‫* قال الشيخ سليمان بن سحمان رمحه اهلل تعاىل – ّ‬
‫أن الط اغوت ثالثة أن واع‪ :‬ط ــاغوت حكم‪ ،‬وط اغوت عب ادة‪ ،‬وط اغوت طاعة ومتابع ة‪.‬‬
‫واملقص ود يف ه ذه الورقة هو ط اغوت احلكم‪ ،‬ف إن كث رياً من الطوائف املنتس بني إىل‬
‫اإلسالم؛ قد صاروا يتحاكمون إلى عادات آبــائهم‪ ،‬ويسمون ذلك احلق بشرع الرفاقة‪،‬‬
‫كقوهلم‪ :‬شرع عجمـان‪ ،‬وشـرع قحطـان‪ ،‬وغري ذلك‪ ،‬وهذا هو الطـاغوت بعينه؛ الذي‬
‫أمر اهلل باجتنابه" (الدرر السنية‪.)10/503 :‬‬

‫(‪)57‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫* وقال رحمه اهلل‪:‬‬

‫ل‬ ‫ما ُأنـ ِ‬


‫ـز َ‬ ‫م آ َم ُنو ْا بِ َ‬‫مونَ أَنَّ ُه ْ‬ ‫ين يَ ْز ُع ُ‬‫م تَ َر إِلَى الَّ ِذ َ‬ ‫"فقوله تعاىل‪( :‬أَلَ ْ‬
‫ك ‪ )..‬اآلي ة‪ ،‬بي ان ب أن من زعم اإلميان باهلل وبرس وله‪،‬‬ ‫ل ِمن َق ْبلِ َ‬ ‫نز َ‬ ‫ك َو َما ُأ ِ‬‫إِلَ ْي َ‬
‫وهو حيكم غري شريعة اإلسالم؛ فهو كاذب منافق‪ ،‬ضال عن الصراط املستقيم‪ ،‬كما قال‬
‫م‬ ‫ج َر بَ ْي َن ُه ْ‬
‫شـ َ‬ ‫مــا َ‬ ‫ك فِي َ‬ ‫مو َ‬ ‫كّ ُ‬
‫ح ِ‬‫ى ُي َ‬ ‫ح َّت َ‬‫ك ال َ ُي ْؤ ِم ُنونَ َ‬ ‫تع اىل‪َ ( :‬فال َ َو َربِ ّ َ‬
‫مو ْا‬ ‫ســ ِل ّ ُ‬ ‫ت َو ُي َ‬ ‫ضــ ْي َ‬ ‫ما َق َ‬ ‫ح َرجــاًـ ِ ّم َّ‬ ‫م َ‬ ‫ـــدو ْا فِي أَن ُف ِ‬
‫ســ ِه ْ‬ ‫م ال َ يَجِ ُ‬ ‫ُث َّ‬
‫سلِيما)‪ ،‬فأقسم بنفس ه‪ :‬أن اخللق ال يؤمن ون حىت حي ّكم وا الرس ول ص لى اهلل عليه‬ ‫ً‬ ‫تَ ْ‬
‫وس لم يف مجيع م وارد ال نزاع‪ ،‬ف إذا حكم انتفى احلرج باطن اً‪ ،‬وحصل التس ليم الكامل‬
‫ظاهراً‪ ،‬فمن مل حيصل منه ذلك؛ فاإلميان منتف عنه‪.‬‬

‫ذم اهلل يف كتابه من أع رض عن‬ ‫وقد تظ اهرت األدلة الش رعية بالداللة على ذل ك‪ ،‬ف ّ‬
‫م‬
‫ح ُك َ‬ ‫ه لِيَ ْ‬‫ســولِ ِ‬ ‫ه َو َر ُ‬ ‫حكم رس وله‪ ،‬ق ال اهلل تع اىل‪َ ( :‬وإِذَا ُد ُعـ وا إِلَى اللَّ ِ‬
‫حــقُّ يَـ ْ‬
‫ـأ ُتوا‬ ‫م ا ْل َ‬ ‫ض ـونَ ‪َ ،‬وإِن يَكُن لَّ ُه ُ‬ ‫ـق ِ ّم ْن ُهم ُّم ْع ِر ُ‬‫م إِذَا َف ِريـ ٌ‬ ‫بَ ْي َن ُه ْ‬
‫خــافُونَ أَن‬ ‫ض أَ ِم ا ْرتَــا ُبوا أَ ْم يَ َ‬ ‫ين‪ ،‬أَفِي ُق ُلــوبِ ِهم َّم َر ٌ‬ ‫عنِ َ‬ ‫ه ُمــذْ ِ‬ ‫إِلَ ْيـ ِ‬
‫مــا‬
‫مونَ ‪ ،‬إِنَّ َ‬ ‫م الظَّالِ ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫ـل ُأ ْولَئِ ـ َ‬
‫س ـول ُُه بَـ ْ‬ ‫م َو َر ُ‬ ‫ـف اللَّ ُه َعلَ ْي ِه ْ‬ ‫حيـ َ‬ ‫يَ ِ‬
‫م‬‫م َب ْي َن ُه ْ‬
‫ح ُك َ‬ ‫ه لِيَ ْ‬‫سولِ ِ‬ ‫ه َو َر ُ‬ ‫ين إِذَا ُد ُعوا إِلَى اللَّ ِ‬ ‫م ْؤ ِمنِ َ‬ ‫ل ا ْل ُ‬‫َكانَ َق ْو َ‬
‫حونَ )‪.‬‬ ‫م ْفلِ ُ‬ ‫م ا ْل ُ‬‫ه ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م ْع َنا َوأطَ ْع َنا َوأ ْولَئِ َ‬ ‫س ِ‬‫أَن يَ ُقولُوا َ‬

‫واعلم أنه ما دعا داع إىل ح ق؛ إال ك ان للش يطان ش بهة عن ده يصد هبا الن اس عن ه‪،‬‬
‫ومن ذلك أنه إذا قيل ألهل الط اغوت‪ :‬ارجع وا إىل حكم اهلل ورس وله‪ ،‬واترك وا أحك ام‬
‫الطواغيت؛ قالوا‪ :‬إنا ال نفعل ذلك إال خوف اً من أن يقتل بعضنا بعض اً‪ ،‬فإين إذا مل أوافق‬
‫ص احيب على التح اكم إىل "ش رع الرفاق ة" قتلين أو قتلت ه" (ال درر الس نية‪-10/507 :‬‬
‫‪.)508‬‬

‫* وقال رحمه اهلل‪:‬‬

‫"إذا ع رفت أن التح اكم إىل الط اغوت كفر؛ فقد ذكر اهلل يف كتاب ه‪ :‬أن الكفر أكرب‬
‫ن‬ ‫ل)‪ ،‬وق ال‪َ ( :‬وا ْل ِف ْت َن ُة أَ َ‬
‫ش ُّد ِم َ‬ ‫من القت ل‪ ،‬ق ال‪َ ( :‬وا ْل ِف ْت َن ُة أَ ْكبَ ُر ِم َ‬
‫ن ا ْل َق ْت ِ‬
‫ل)‪ .‬والفتنة هي الكفر‪ ،‬فلو اقتتلت البادية واحلاضرة حىت يذهبوا؛ لك ان أهون من‬ ‫ا ْل َق ْت ِ‬
‫ينصبوا يف األرض طاغوت اً حيكم خبالف شريعة اإلسالم اليت بعث اهلل هبا رسوله صلى‬ ‫أن ّ‬

‫(‪)58‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫اهلل عليه وس لم‪ ...‬فلو ذهبت دني اك كله ا؛ ملا ج از لك احملاكمة إىل الط اغوت ألجله ا‪،‬‬
‫اضطرك مضطر وخرّي ك بني أن حُت اكم إىل الطاغوت‪ ،‬أو تبذل دنياك‪ ،‬لوجب عليك‬ ‫ّ‬ ‫ولو‬
‫البذل‪ ،‬ومل جَيُْز لك احملاكمة إىل الطاغوت" (الدرر السنية‪.)10/510 :‬‬

‫* اإلمام الشوكاني رحمه اهلل‪:‬‬

‫* ق ال اإلم ام الش وكاين رمحه اهلل تع اىل‪" :‬منه ا‪ :‬أهنم –[أي‪ :‬بعض أهل اليمن يف‬
‫زمانه]‪ -‬يحكمون ويتحاكمون إىل من يَعرف األحكــام الطاغوتية منهم يف مجيع األمور‬
‫اليت تن وهبم وتع رض هلم‪ ...‬وال شك وال ريب أن هـ ـ ـ ــذا كفر باهلل س بحانه وتع اىل‬
‫وبشريعته اليت أمر هبا على لسان رسوله صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬واختارها لعباده يف كتابه‬
‫وعلى لس ان رس وله ص لى اهلل عليه وس لم‪ ،‬بل كف روا جبميع الش رائع من عند آدم عليه‬
‫الس الم إىل اآلن‪ ،‬وه ـ ــؤالء جه ـ ــادهم واجب‪ ،‬وقت ـ ــالهم متعين؛ ح ـ ــتى يقبل ـ ــوا أحك ـ ــام‬
‫المطهــرة‪ ،‬ويخرج ــوا من جميع ما‬ ‫ّ‬ ‫اإلس ــالم‪ ،‬وي ــذعنوا له ــا‪ ،‬ويحكمــوا بينهم بالش ــريعة‬
‫هم فيه من الطـ ــواغيت الشـ ــيطانية‪ ...‬وقد تق رر يف القواعد اإلس المية أن منكر القطعي‬
‫وجاح ده‪ ،‬والعامل على خالفه مترداً‪ ،‬أو اس تحالالً‪ ،‬أو اس تخفافاً‪ ،‬ك افر باهلل وبالش ريعة‬
‫املطهرة اليت اختارها اهلل تعاىل لعباده‪ ...‬وال شك وال ريب أن ارتكاب هؤالء ملثل هذه‬
‫األمور الكبرية من أعظم األسباب املوجبة للكفر‪ ،‬السالبة لإلميان اليت يتعني على كل فرد‬
‫من أف راد املس لمني إنكاره ا‪ ،‬وجيب على كل ق ادر أن يقاتل أهلها حىت يع ودوا إىل دين‬
‫اإلسالم" (الدواء العاجل يف دفع العدو الصائل‪ :‬ص‪.)27-25‬‬

‫* العالمة يوسف بن يوسف المقري رحمه اهلل‪:‬‬

‫* ق ال العالمة يوسف بن يوسف املق ري رمحه اهلل تع اىل –إجابة على س ؤال عن‬
‫بعض القبائل من جهة احلج از؛ يتح اكمون إىل األع راف املخالفة للش رع‪" :-‬إن عوائد‬
‫القبائل املعروفة عندهم اليت يسموهنا بأمساء اخرتعوها‪ ،‬وأوضاع وضعوها منابذة للشريعة‪،‬‬
‫ومن حكم هبا أو ألزم؛ فهو خارج من الــدين‪ ،‬متورط يف جهنم مع الضالني‪ ،‬ومن اعتقد‬
‫صحة ذلك فهو كافر ال محالة‪ ...‬وال حيل التحاكم إليه‪ ،‬واهلل أعلم مبصاحل عباده‪ ،‬وإمنا‬
‫ألقى ذلك الكف رة واجلهلة من امللح دين‪ ،‬وألق وا ذلك إىل ش ياطينهم ل ريدوهم‪ ،‬ويزعم ون‬
‫أهنم يريدون بذلك صالح األمور‪ ،‬ودفع الفنت والشرور‪ ،‬فيخرجوهنم بذلك عن دينهم‪،‬‬
‫كما أخ رج الش يطان أهل الش رك بعب ادة األوث ان‪ ...‬ف إذا ك ان ذلك يف األع راف اليت‬
‫ابت دعها أهل اإلس الم‪ ،‬فما بالك بأحك ام الك افرين الطغ اة"‪ .‬وقد ص حح ج واب املق ري‬

‫(‪)59‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫العالمة تقي الدين الفيت‪ ،‬ومجاعة كثريون من علماء زبيد؛ منهم الفخر الناشري‪ ،‬واجلمال‬
‫القم اط‪ ،‬واجلم ال ال زيلعي‪ ،‬واجلم ال النه اري‪( .‬الس يف البت ار على من ي وايل الكف ار‪،‬‬
‫للعالمة عبد اهلل بن عبد الباري األهدل‪ ،‬ص‪.)38-36‬‬

‫* اإلمام إسحاق بن راهويه رحمه اهلل‪:‬‬

‫* ق ال اإلم ام إس حاق بن راهوي ه‪" :‬أمجع املس لمون على أن من سب اهلل‪ ،‬أو سب‬
‫رسوله صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬أو دفع شيئاً مما أنزل اهلل عز وجـل‪ ،‬أو قتل نبي اً من أنبياء‬
‫اهلل عز وجل‪ ،‬أنه كــافر بذلك‪ ،‬وإن كان مقراً بكل ما أنزل اهلل" (الصارم املسلول على‬
‫شامت الرسول صلى اهلل عليه وسلم‪.)2/15 :‬‬

‫* شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه اهلل‪:‬‬

‫* س ئل ش يخ اإلس الم ابن تيمية رمحه اهلل عن التتــار الــذي يقــدمون إلى الشــام مــرة‬
‫بعد مــرة‪ ،‬وتكلمــوا بالشــهادتين‪ ،‬وانتســبوا إلى اإلســالم‪ ،‬ولم يبقــوا على الكفر الــذي‬
‫كانوا عليه في أول األمــر‪ ،‬فهل يجب قتــالهم أم ال؟ وما الحجة على قتــالهم؟‪ ....‬وما‬
‫حكم من كــان معهم ممن يفر إليهم من عســكر المســلمين –األمــراء وغــيرهم‪-‬؟ وما‬
‫حكم من أخرجـ ــوه معهم مكره ـ ــا؟‪ ...‬وما يقـ ــال فيمن ي ـ ــزعم أنهم مس ـ ــلمون‪...‬؟ وما‬
‫الــواجب على جماعة المســلمين من أهل العلم والــدين‪ ،‬وأهل القتــال‪ ،‬وأهل األمــوال‬
‫في أمرهم؟‬

‫فأج اب رمحه اهلل تع اىل‪" :‬احلمد هلل رب الع املني‪ ،‬نعم‪ ،‬يجب قت ال ه ؤالء بكت اب‬
‫اهلل‪ ،‬وسنة رسوله‪ ،‬واتفاق أئمة املسلمني‪...‬‬

‫كل طائفة خرجت عن شريعة من شرائع اإلسالم الظاهرة املتواترة‪ ،‬فإنه جيب قتاهلا‬
‫باتف اق أئمة املس لمني‪ ،‬وإن تكلمت بالش هادتني‪ .‬ف إن أق روا بالش هادتني وامتنع وا عن‬
‫الص لوات اخلمس وجب قت اهلم حىت يص لوا‪ .‬وإن امتنع وا عن الزك اة وجب قت اهلم حىت‬
‫يؤدوا الزكاة‪ .‬وكذلك إن امتنعوا عن صيام شهر رمضان أو حج البيت العتيق‪ .‬وكذلك‬
‫إن امتنع وا عن حترمي الف واحش‪ ،‬أو الزن ا‪ ،‬أو امليس ر‪ ،‬أو اخلم ر‪ ،‬أو غري ذلك من حمرم ات‬
‫الش ريعة‪ .‬وكــذلك إن امتنعــوا عن الحكم في الــدماء واألمــوال واألعــراض واألبضــاع‬
‫ونحوها بحكم الكتـ ــاب والسـ ــنة‪ .‬وك ذلك إن امتنع وا عن األمر ب املعروف والنهي عن‬

‫(‪)60‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫املنكر‪ ،‬وجهاد الكفار‪ ...‬وقد اتفق الصحابة واألئمة على قتال مانعي الزكاة‪ ،‬وإن كانوا‬
‫يصلون اخلمس ويصومون شهر رمضان‪ ،‬وهؤالء مل يكن هلم شبهة سائغة‪ ،‬فلهذا كانوا‬
‫مرتدين‪...‬‬

‫وقد شاهدنا عسكر القوم؛ فرأينا مجهورهم ال يصلون‪ ،‬ومل نر يف عسكرهم مؤذن اً‬
‫وخربوا من ديارهم ما ال يعلمه إال‬
‫وال إماماً‪ ،‬وقد أخذوا من أموال املسلمني وذراريهم‪ّ ،‬‬
‫اهلل‪.‬‬

‫‪ ...‬وهم يف بالدهم –مع متكنهم‪ -‬ال حيج ون ال بيت الع تيق‪ ،‬وإن ك ان فيهم من‬
‫يصلي ويصوم؛ فليس الغالب عليهم إقام الصالة وإيتاء الزكاة‪.‬‬

‫وهم يق اتلون على ملك جنكس خان‪ ،‬فمن دخل يف ط اعتهم جعل وه ولي اً هلم وإن‬
‫ك ان ك افراً‪ ،‬ومن خ رج عن ذلك جعل وه ع دواً هلم وإن ك ان من خي ار املس لمني‪ ،‬وال‬
‫والصغار‪.‬‬
‫يقاتلون على اإلسالم‪ ،‬وال يضعون اجلزية َ‬

‫‪ ...‬فه ذا –[أي أكرب مق دَّميهم غ ازان]‪ -‬وأمثاله من مق دميهم ك ان غايته بعد‬


‫اإلسالم أن جيعل حممداً صلى اهلل عليه وسلم مبنزلة هذا امللعون –[أي‪ :‬جنكسخان]‪...-‬‬

‫وهم حياربون املس لمني ويع ادوهنم أعظم مع اداة‪ ،‬ويطلب ون من املس لمني الطاعة هلم‬
‫وبذل األموال‪ ،‬والدخول فيما وضعه لهم –[أي‪ :‬الياســق]‪ -‬ذلك امللك الكافر املشرك‬
‫املشابه لفرعون أو النمرود وحنومها‪...‬‬

‫وه ذا الك افر [ غ ازان] عال يف األرض؛ يستض عف أهل امللل كلهم من املس لمني‬
‫واليهود والنصارى ومن خالفه من املشركني‪...‬‬

‫فهم ي ّدعون دين اإلس الم‪ ،‬ويعظّم ون دين أولئك الكف ار على دين املس لمني‪،‬‬
‫ويطيع وهنم ويوال وهنم أعظم بكثري من طاعة اهلل ورس وله وم واالة املؤم نني‪ ،‬والحكم فيما‬
‫شجر بين أكابرهم بحكم الجاهلية‪ ،‬ال بحكم اهلل ورسوله‪.‬‬

‫وك ذلك األك ابر من وزرائهم وغ ريهم؛ جيعل ون دين اإلس الم ك دين اليه ود‬
‫والنصارى‪ ،‬وأن هذه كلها طرق إىل اهلل؛ مبنزلة املذاهب األربعة عند املس لمني‪ ...‬ومعلوم‬
‫باالض ــطرار من دين المس ــلمين‪ ،‬وباتف ــاق جميع المس ــلمين؛ أن من س ــوغ اتب ــاع غ ــير‬

‫(‪)61‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫دين اإلســالم‪ ،‬أو اتبــاع شــريعة غــير شــريعة محمد صــلى اهلل عليه وســلم فهو كــافر‪...‬‬
‫وكل من قفز إليهم من أمـ ـ ــراء العسـ ـ ــكر وغـ ـ ــير األمـ ـ ــراء فحكمه حكمهم‪ ،‬وفيهم من‬
‫الردة عن شرائع اإلسالم بقدر ما ارتد عنه من شــرائع اإلســالم‪ ،‬وإذا كــان الســلف قد‬
‫ســمعوا مــانعي الزكــاة مرتــدين "مع كــونهم يصــومون‪ ،‬ويصــلون‪ ،‬ولم يكونــوا يقــاتلون‬
‫جماعة المس ــلمين" فكيف بمن ص ــار مع أع ــداء اهلل ورس ــوله ق ــاتالً للمس ــلمين؟! فمن‬
‫قفز عنهم إىل التت ار ك ان أحق بالقت ال من كثري من التت ار؛ ف إن التت ار فيهم املك ره وغري‬
‫املك ره‪ ...‬وحنن علينا أن نقاتل العس كر مجيع ه؛ إذ ال يتم يز املك ره من غ ريه‪ ...‬ومن زعم‬
‫أهنم يق اتلون كما تُقاتَل البغ اة املت أولون؛ فقد أخطأ خطأ قبيح اً‪ ،‬وضل ض الالً بعي داً"‬
‫(جمموع الفتاوى‪.)531-28/509 :‬‬

‫* وقال ابن تيمية عن هؤالء التتار‪:‬‬

‫"كل طائفة ممتنعة عن ال تزام ش ريعة من ش رائع اإلس الم الظ اهرة املت واترة من ه ؤالء‬
‫الق وم وغ ريهم‪ ،‬فإنه جيب قت اهلم حىت يل تزموا ش رائعه‪ ،‬وإن ك انوا مع ذلك ن اطقني‬
‫بالش هادتني‪ ،‬ومل تزمني بعض ش رائعه‪ ،‬كما قاتل أبو بكر الص ديق والص حابة –رضي اهلل‬
‫عنهم‪ -‬مانعي الزكاة‪ ،‬وعلى ذلك اتفق الفقهاء بعدهم بعد سابقة مناظرة عمر أليب بكر‬
‫رضي اهلل عنهم ا‪ ،‬ف اتفق الص حابة –رضي اهلل عنهم‪ -‬على القت ال على حق وق اإلس الم‪،‬‬
‫عمالً بالكتاب والسنة‪ ...‬فأميا طائفة امتنعت من بعض الصلوات املفروضات‪ ،‬أو الصيام‪،‬‬
‫أو احلج‪ ،‬أو عن ال تزام حترمي ال دماء‪ ،‬واألم وال‪ ،‬واخلم ر‪ ،‬والزن ا‪ ،‬وامليس ر‪ ،‬أو عن نك اح‬
‫ذوات احملارم‪ ،‬أو عن التزام جهاد الكفار‪ ،‬أو ضرب اجلزية على أهل الكتاب‪ ،‬وغري ذلك‬
‫من واجبات الدين وحمرماته –اليت ال عذر ألحد يف جحودها وتركها‪ -‬اليت يكفر اجلاحد‬
‫لوجوهبا‪ ،‬ف إن الطائفة املمتنعة تقاتَل عليها وإن ك انت مق رة هبا‪ .‬وه ذا مما ال أعلم فيه‬
‫خالف اً بني العلم اء‪ .‬وإمنا اختلف الفقه اء يف الطائفة املمتنعة إذا أص رت على ت رك بعض‬
‫الس نن كركعيت الفج ر‪ ،‬واألذان واإلقامة –عند من ال يق ول بوجوهبا‪ -‬وحنو ذلك من‬
‫الشعائر‪...‬‬

‫وه ؤالء [أي‪ :‬التت ار] عند احملققني من العلم اء ليس وا مبنزلة البُغ اة اخلارجني على‬
‫اإلمام‪ ،‬أو اخلارجني عن طاعته‪ ،‬كأهل الشام مع أمري املؤمنني علي بن أيب طالب –رضي‬
‫اهلل عنه‪ -‬فإن أولئك خارجون عن طاعة إمام معني‪ ،‬أو خارجون عليه إلزالة واليته‪ .‬وأما‬

‫(‪)62‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫الم ــذكورون فهم خ ــارجون عن اإلس ــالم‪ ،‬مبنزلة م انعي الزك اة‪ ،‬ومبنزلة اخلوارج ال ذين‬
‫قاتلهم علي بن أيب طالب رضي اهلل عنه‪.‬‬

‫‪ ...‬فهؤالء القوم –املسؤول عنهم‪ -‬عسكرهم مشتمل على قوم كفار من النصارى‬
‫واملشركني‪ ،‬وعلى قوم منتسبني إىل اإلسالم –وهم مجهور العسكر‪ -‬ينطقون بالشهادتني‬
‫إذا طلبت منهم‪ ،‬ويعظّمون الرسول‪ ،‬وليس فيهم من يصلي إال قليل جداَ‪ ،‬وصوم رمضان‬
‫أكثر فيهم من الصالة‪ ،‬واملسلم عندهم أعظم من غريه‪ ،‬وللصاحلني من املسلمني عندهم‬
‫ق در‪ ،‬وعن دهم من اإلس الم بعض ه‪ ،‬وهم متف اوتون في ه‪ ،‬لكن ال ذي عليه ع ّامتهم وال ذي‬
‫يق اتلون عليه متض من ل رتك كثري من ش رائع اإلس الم أو أكثره ا‪ ،‬ف إهنم أوالً يوجب ون‬
‫اإلسالم وال يقاتلون من تركه‪ ،‬بل من قاتل على دولة املغول عظّموه وتركوه وإن كان‬
‫ك افراً ع دواً هلل ورس وله‪ ،‬وكل من خ رج عن دولة املغ ول أو عليها اس تحلوا قتاله وإن‬
‫والص غار‪،‬‬
‫كان من خيار املسلمني‪ .‬فال جياهدون الكفار‪ ،‬وال يلزمون أهل الكتاب اجلزية َّ‬
‫وال ينهون أحداً من عسكرهم أن يعبد ما شاء من مشس أو قمر أو غري ذلك‪ ،‬بل الظاهر‬
‫من س ريهتم أن املس لم عن دهم مبنزلة الع دل أو الرجل الص احل أو املتط وع من املس لمني‪،‬‬
‫والكافر عندهم مبنزلة الفاسق يف املسلمني أو مبنزلة تارك التطوع‪.‬‬

‫وك ذلك –أيض اً‪ -‬ع امتهم ال حيرم ون دم اء املس لمني وأم واهلم‪ ،‬إال أن ينه اهم عنها‬
‫سلطاهنم‪ ،‬أي‪ :‬ال يلتزمون تركها‪ ،‬وإذا هناهم عنها أو عن غريها أطاعوه لكونه سلطاناً ال‬
‫مبج رد ال دين‪ .‬وع امتهم ال يل تزمون أداء الواجب ات‪ ،‬ال من الص الة‪ ،‬وال من الزك اة‪ ،‬وال‬
‫من احلج‪ ،‬وال غري ذلك‪ ،‬وال يلــتزمون الحكم بينهم بحكم اهلل‪ ،‬بل يحكمــون بأوضــاع‬
‫لهم توافق اإلســالم تــارة وتخالفه أخــرى‪ .‬وإمنا كان امللتزم لشرائع اإلسالم الشيزبرون‪،‬‬
‫وهو الذي أظهر من شرائع ما استفاض عند الناس‪ .‬وأما هؤالء فدخلوا فيه وما الــتزموا‬
‫شرائعه‪.‬‬

‫وقتال هذا الضرب واجب بإجماع المسلمين‪ ،‬وما يشك في ذلك من عرف دين‬
‫اإلسالم وعرف حقيقة أمرهم‪ ،‬فإن هذا املسلم الذي هم عليه ودين اإلسالم ال جيتمعان‬
‫أبداً" (جمموع الفتاوى‪.)506-28/502 :‬‬

‫* فائدة‪ :‬يف حال التتار وطوائفهم الذين حارهبم املسلمني يف زمن ابن تيمية‪:‬‬

‫* قال ابن تيمية –رحمه اهلل‪:-‬‬

‫(‪)63‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫"فإن عسكرهم مشتمل على أربع طوائف‪:‬‬

‫‪ -‬كافرة باقية على كفرها‪ :‬من الكرج‪ ،‬واألرمن‪ ،‬واملغل‪.‬‬

‫‪ -‬وطائفة ك انت مس لمة فارت ّدت عن اإلس الم‪ ،‬وانقلبت على عقبيه ا؛ من الع رب‪،‬‬
‫والف رس‪ ،‬وال روم‪ ،‬وغ ريهم‪ .‬وه ؤالء أعظم جرم اً عند اهلل وعند رس وله واملؤم نني من‬
‫الك افر األص لي من وج وه كث رية‪ .‬ف إن ه ؤالء جيب قتلهم حتم اً ما مل يرجع وا إىل ما‬
‫خرج وا عن ه‪ ،‬وال جيوز أن يُعقد هلم ذم ة‪ ،‬وال هدن ة‪ ،‬وال أم ان‪ ،‬وال يُطلَق أس ريهم‪ ،‬وال‬
‫يف ادى مبال وال رج ال‪ ،‬وال تؤكل ذب ائحهم‪ ،‬وال تُنكح نس ائهم‪ ،‬وال يس رتقون‪ ،‬مع‬
‫بق ائهم على ال ردة باالتف اق‪ ،‬ويُقتَل من قاتل منهم ومن مل يُقات ل؛ كالش يخ اهلرم‪،‬‬
‫والز ِمن؛ باتفاق العلماء‪ ،‬وكذا نساؤهم عند اجلمهور‪...‬‬
‫واألعمى‪َّ ،‬‬

‫‪-‬وفيهم –أيض اً‪ -‬من ك ان ك افراً؛ فانتسب لإلس الم ومل يل تزم ش رائعه؛ من إقامة‬
‫الصالة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪ ،‬وحج البيت‪ ،‬والكف عن دماء املسلمني وأمواهلم‪ ،‬والتزام اجلهاد‬
‫يف سبيل اهلل‪ ،‬وضرب اجلزية على اليهود والنصارى‪ ،‬وغري ذلك‪.‬‬

‫وهــؤالء يجب قتــالهم بإجمــاع المســلمين‪ ،‬كما قاتل الصــديق مــانعي الزكــاة‪ ،‬بل‬
‫ه ــؤالء شر منهم من وج ــوه‪ ،‬وكما قاتل الص ــحابة –أيض ـاً‪ -‬مع أم ــير المؤم ــنين –علي‬
‫رضي اهلل عنه‪ -‬الخوارج بأمر رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪...‬‬

‫‪ -‬وفيهم ص نف رابع شر من ه ؤالء‪ ،‬وهم ق وم ارت دوا عن ش رائع اإلس الم‪ ،‬وبق وا‬
‫مستمسكني باالنتساب إليه‪ .‬فهؤالء الكفار المرتــدون‪ ،‬والــداخلون فيه من غــير الـتزام‬
‫لشـ ـ ـ ــرائعه‪ ،‬والمرتـ ـ ـ ــدون عن شـ ـ ـ ــرائعه ال عن سـ ـ ـ ــمته‪ ،‬كلهم يجب قتـ ـ ـ ــالهم بإجمـ ـ ـ ــاع‬
‫المسلمين؛ حتى يلتزموا شرائع اإلسالم‪( "...‬جمموع الفتاوى‪.)416-413 /28 :‬‬

‫(‪)64‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫* فـائ ـ ــدة‪:‬‬

‫يت بني من خالل نص وص ابن تيمي ة؛ أن من خ رج عن الش ريعة وال دين اإلس المي‪،‬‬
‫كمن شرع أو اتبع شريعة غري شريعة اإلسالم‪ ،‬وسن هلا القوانني والتشريعات‪ ،‬فمن فعل‬
‫ذلك فهو كافر مرتد وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم‪ ،‬ويقاتل كقتال أيب بكر رضي اهلل‬
‫عنه والصحابة ملانعي الزكاة الكفرة املرتدين‪ ،‬وقد نص ابن تيمية على كفر مانعي الزكاة‬
‫يف مواضع كث رية ج داً يف فتاوي ه‪ ،‬وأيض اً من انضم إىل ه ؤالء –اخلارجني عن الش ريعة‬
‫املرت دين‪ -‬من املس لمني وص ار يف جن دهم ص ار مرت داً مثلهم‪ .‬فه ؤالء التت ار ش ابه ح اهلم‬
‫ح ال الكف ار يف زمانن ا‪ ،‬فجند التت ار يق اتلون على ملك جنكس خان وعص بية جلنس هم‬
‫الت رتي‪ ،‬وجن ود الط واغيت يق اتلون دفاع اً عن كراسي أس يادهم ودفاع اً عن مب ادئهم‬
‫الكفرية من قومية وعلمانية‪ ،‬وعن صنمهم املسمى الوطن واألرض‪ ،‬وأن أكابرهم جيعلون‬
‫دين اإلسالم كدين اليهود والنصارى‪ ،‬وكلها طرق إىل اهلل‪ ،‬كدعاة جهنم يف زماننا الذين‬
‫ي دعون إىل وح دة األدي ان‪ ،‬وأن اجلميع أبن اء إب راهيم عليه الس الم‪ ،‬وأننا واليه ود أبن اء‬
‫عمومة‪ ،‬وأن عسكر التتار فيه النصارى واملشركون ومن كان منتسباً لإلسالم‪ ،‬وعسكر‬
‫الق وم الي وم ك ذلك‪ ،‬فال والء وال ب راء‪ .‬وأن التت ار ال جياه دون الكف ار بل تع اونوا مع‬
‫األرمن ونص ارى ق ربص ضد املس لمني‪ ،‬واحلال الي وم ك ذلك فالقت ال موجه للمس لمني‪،‬‬
‫والسجون والزنازين وحبال املشانق للمسلمني‪ ،‬أما الكفار أصحاب العيون الزرق فلهم‬
‫البالد كلها يصولون وجيولون‪.‬‬

‫وعامة جند التتار ال يلتزمون الواجبات من صالة وصيام وزكاة‪ ،‬أي تركوا جنس‬
‫العمل‪ ،‬وعامة جيوش الطغاة كذلك‪.‬‬

‫وأخ رياً؛ أخرب ابن تيمية أن قت ال التت ار واجب‪ ،‬ونق ول‪ :‬وقت ال ط واغيت عص رنا‬
‫واجب أيضاً‪ .‬ا‪.‬هـ‬

‫* وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه اهلل تعالى‪:‬‬

‫"وكما ذم املدعني لإلميان بالكتب كلها؛ وهم يرتكون التحاكم إىل الكتاب والسنة‪،‬‬
‫ويتح ــاكمون إلى بعض الط ــواغيت المعظمة من دون اهلل؛ كما يص يب ذلك كث رياً ممن‬
‫ي ــدعي اإلس ــالم وينتحل ه؛ يف حتاكمهم إىل مق االت الص ابئة الفالس فة أو غ ريهم‪ ،‬أو إىل‬

‫(‪)65‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫سياسة بعض الملوك الخارجين عن شريعة اإلسالم من ملوك الترك وغــيرهم" (جمموع‬
‫الفتاوى‪.)12/339 :‬‬

‫*وقال أيضاً في التفريق بين القضايا المعينة والتشريع العام‪:‬‬

‫"فإن احلاكم إذا كان ديِّن اً لكنه حكم بغري علم؛ كان من أهل النار‪ ،‬وإن كان عاملاً‬
‫لكنه حكم خبالف احلق الذي يعلمه؛ كان من أهل النار‪ ،‬وإذا حكم بال عدل وال علم؛‬
‫كان أوىل أن يكون من أهل النار‪ .‬وهذا إذا حكم يف قضية معينة لشخص‪.‬‬

‫وأما إذا حكم حكمـ ـ ـاً عامـ ـ ـاً يف دين املس لمني‪ ،‬فجعل احلق ب اطالً والباطل حق اً‪،‬‬
‫والس نة بدعة والبدعة س نة‪ ،‬واملع روف منك راً واملنكر معروف اً‪ ،‬وهنى عما أمر اهلل به‬
‫ورس وله‪ ،‬وأمر مبا هنى اهلل عنه ورس وله؛ فه ذا ل ون آخر حيكم فيه رب الع املني‪ ،‬وإله‬
‫املرسلني‪ ،‬مالك يوم الدين" (جمموع الفتاوى‪.)35/388 :‬‬

‫* الحافظ ابن كثير رحمه اهلل‪:‬‬

‫اهلِيَّ ِة َيْبغُ و َن)‪:‬‬


‫* ق ال احلافظ ابن كثري رمحه اهلل يف تفس ريه قوله تع اىل‪( :‬أَفَحكْم اجْل ِ‬
‫ُ َ َ‬
‫"ينكر تع اىل على من خ رج عن حكم اهلل احملكم املش تمل على كل خري الن اهي عن كل‬
‫ش ر‪ ،‬وع دل إىل ما س واه من اآلراء واأله واء واالص طالحات اليت وض ــعها الرج ــال بال‬
‫مستند من ش ريعة اهلل‪ ،‬كما ك ان أهل اجلاهلية حيكمون به من الض الالت واجله االت مما‬
‫يض عوهنا ب آرائهم وأه وائهم‪ ،‬وكما حيكم به التت ار من السياس ات امللكية املأخوذة عن‬
‫ملكهم جنكيز خان الذي وضع هلم الياسق‪ ،‬وهو عبارة عن كتاب جمموع من أحكام قد‬
‫اقتبس ها من ش رائع شىت من اليهودية والنص رانية؛ فص ارت يف بنيه ش رعاً متبع اً يق دموهنا‬
‫على احلكم بكت اب اهلل وس نة رس وله ص لى اهلل عليه وس لم‪ ،‬فمن فعل ذلك فهو كـ ــافر‬
‫يجب قتاله؛ حىت يرجع إىل حكم اهلل ورسوله فال حي ّكم سواه يف قليل وال كثري" (تفسري‬
‫ابن كثري‪.)2/64 :‬‬

‫* وقال رحمه اهلل‪:‬‬

‫(‪)66‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫" فمن ت رك الش رع احملكم املنزل على حممد بن عبد اهلل خ امت األنبي اء‪ ،‬وحتاكم إىل‬
‫غري من الش رائع املنس وخة؛ كف ــر‪ ،‬فكيف مبن حتاكم إىل الياسق وق دمها علي ه؟! من فعل‬
‫ذلك كفر بإجماع المسلمين" (البداية والنهاية‪.)13/128 :‬‬

‫* اإلمام ابن القيم رحمه اهلل‪:‬‬

‫* قال ابن القيم –رمحه اهلل‪ -‬يف بيان حكم من ح ّكم يف القضايا املعينة‪" :‬والصحيح‬
‫أن احلكم بغري ما أنزل اهلل يتناول الكفرين األصغر واألكرب حبسب حال احلاكم‪ ،‬فإنه إن‬
‫اعتقد وج وب احلكم مبا أن زل اهلل في ه ــذه الواقعةـ‪ ،‬وع دل عنه عص ياناً‪ ،‬مع اعرتافه بأنه‬
‫مستحق للعقوبة؛ فهذا كفر أصغر‪ ،‬وإن اعتقد أنه غري واجب وأنه خمري فيه‪ ،‬مع تيقنه بأنه‬
‫حكم اهلل؛ فه ذا كفر أك رب‪ ،‬وإن َج ِهله وأخط أه فه ذا خمطئ له حكم املخط ئني" (م دارج‬
‫السالكني‪.)1/337 :‬‬

‫* وقال رحمه اهلل‪:‬‬

‫"وإذا حكم بغري ما أنزل اهلل‪ ،‬أو فعل ما مساه رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم كفراً‪،‬‬
‫وهو ملتزم لإلسالم وشرائعه‪ ،‬فقد قام به كفر وإسالم" (الصالة‪ :‬ص‪.)33‬‬

‫* ابن أبي العز الحنفي رحمه اهلل‪:‬‬

‫* ق ال العالمة ابن أيب العز احلنفي –رمحه اهلل‪ -‬يف بي ان ُحكم من ح ّكم يف القض ايا‬
‫املعين ة‪ :‬وهنا أمر جيب التفطن له؛ وه و‪ :‬أن احلكم بغري ما أن زل اهلل قد يكون كف راً ينقل‬
‫عن امللة‪ ،‬وقد يكون معصية كبرية أو صغرية‪ ،‬ويكون كفراً إما جمازي اً‪ ،‬وإما كفراً أصغر‪،‬‬
‫على القولني املذكورين‪ .‬وذلك حبسب حال احلاكم‪ ،‬فإنه إن اعتقد أن احلكم مبا أنزل اهلل‬
‫غري واجب‪ ،‬وأنه خمري في ه‪ ،‬أو اس تهان به مع تيقنه أنه حكم اهلل؛ فه ذا كفر أك رب‪ .‬وإن‬
‫اعتقد وج وب احلكم مبا أن زل اهلل‪ ،‬وعلمه يف هـ ــذه الواقعـ ــة‪ ،‬وع دل عنه مع اعرتافه بأنه‬
‫مس تحق للعقوب ة؛ فه ذا ع اص‪ ،‬ويس مى ك افراً كف راً جمازي اً أو كف راً أص غر" (ش رح‬
‫الطحاوية‪.)324-323 :‬‬

‫(‪)67‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫المحتويات‬
‫املقدمة‬
‫* العالمة حممد بن إبراهيم آل الشيخ رمحه اهلل تعاىل‬
‫* العالمة الشيخ أمحد شاكر رمحه اهلل تعاىل‬
‫* الشيخ حممود شاكر رمحه اهلل تعاىل‬
‫* الشيخ حممد أمني الشنقيطي رمحه اهلل تعاىل‬
‫* الشيخ عبد الرزاق عفيفي رمحه اهلل تعاىل‬
‫* الشيخ عبد اهلل بن حممد الغنيمان‬
‫* الشيخ محود بن عقالء الشعييب رمحه اهلل‬
‫* الشيخ ابن عثيمني رمحه اهلل‬
‫* رس الة بعن وان "وج وب حتكيم ش ريعة اهلل‪ ،‬وحكم من حكم بغريه ا" لع دد من‬
‫العلم اء؛ هم (حممد بن إب راهيم‪ ،‬وعبد العزيز الش ثري‪ ،‬وعبد اللطيف بن إب راهيم‪ ،‬وعمر‬
‫بن حس ن‪ ،‬وعبد العزيز بن ب از‪ ،‬وعبد اهلل بن محي د‪ ،‬وعبد اهلل بن عقي ل‪ ،‬وعبد العزيز بن‬
‫رشيد‪ ،‬وعبد اللطيف بن حممد‪ ،‬وحممد بن عودة‪ ،‬وحممد بن مهيزع)‬
‫* الشيخ حممد حامد الفقي رمحه اهلل‬
‫* الشيخ عبد اهلل بن جربين‬
‫* الشيخ صاحل بن فوزان الفوزان‬
‫* شيخ اإلسالم مصطفى صربي رمحه اهلل‬
‫* عبد الرمحن بن حممد الدوسري‬
‫* الشيخ عبد الرمحن بن حممد بن قاسم رمحه اهلل‬
‫* الشيخ العالمة عبد الرمحن السعدي رمحه اهلل‬
‫* الشيخ محود التوجيري رمحه اهلل‬
‫* الشيخ عبد اهلل بن قعود رمحه اهلل‬
‫* الشيخ صاحل بن إبراهيم البليهي‬
‫* الشيخ حممود األلوسي رمحه اهلل‬
‫* حممد الكتاين رمحه اهلل‬
‫* الشيخ العالمة حممد رشيد رضا رمحه اهلل‬
‫* الشيخ إمساعيل األزهري السلفي رمحه اهلل‬

‫(‪)68‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬
‫الـص ـراط‬

‫* الشيخ عبد اهلل بن محيد رمحه اهلل‬


‫* الشيخ حممد اخلضر حسني رمحه اهلل‬
‫* الشيخ عبد العزيز آل حممد السليماين‬
‫* الشيخ عبد الرمحن بن حسن بن حممد بن عبد الوهاب‬
‫* سليمان بن عبد اهلل بن حممد بن عبد الوهاب‬
‫* الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرمحن بن حسن بن حممد بن عبد الوهاب رمحه اهلل‬
‫* محد بن علي بن عتيق النجدي رمحه اهلل‬
‫* الشيخ عبد اهلل أبا بطني رمحه اهلل‬
‫* الشيخ سليمان بن سحمان رمحه اهلل‬
‫* اإلمام الشوكاين رمحه اهلل‬
‫* العالمة يوسف بن يوسف املقري رمحه اهلل‬
‫* اإلمام إسحاق بن راهويه رمحه اهلل‬
‫* شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل‬
‫* احلافظ ابن كثري رمحه اهلل‬
‫* اإلمام ابن القيم رمحه اهلل‬
‫* ابن أيب العز احلنفي رمحه اهلل‬

‫منبر التوحيد والجهاد‬


‫* * *‬
‫‪:ptth‬‬
‫‪:ptth‬‬
‫‪:ptth‬‬
‫‪:ptth‬‬
‫‪:ptth‬‬

‫(‪)69‬‬
‫منرب التوحيد واجلهاد‬

You might also like