Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 8

‫حبث الشيخ العابدين بن حنفية " حفظه اهلل " عن مواقيت الصالة و باخلصوص صالة الفجر‬

‫‪ - 1‬احلمد هلل محدا كثريا طيبا مباركا فيه‪ ،‬والصالة والسالم على عبده ورسوله‪ ،‬وصفوته من خلقه‪ ،‬حممد بن عبد اهلل‪ ،‬وعلى‬
‫آله وصحبه ومن وااله ‪.‬‬
‫اما بعد‪ :‬فإن من املسائل الشرعية اليت كثر فيها االختالف وانتشر‪ ،‬وحتدث فيها من علم وجهل‪ ،‬ومن هب ودب؛ اعتماد تقومي‬
‫الفلكيني يف وقت صالة الفجر خباصة‪ ،‬فان بعض اهل العلم قرر أن تقوميهم متقدم على طلوع الفجر‪ ،‬ألنه راقبه فألفاه ال يتبني‬
‫إال بعد مدة اختلف الناس فيها‪ ،‬فقال بعضهم هي عشر دقائق‪ ،‬ووصل بعضهم هبا إىل أربعني دقيقة ‪.‬‬
‫ومن العجب أن يقول هذا بعض الفلكيني يف بلدنا منذ أيام‪ ،‬ويقرره بعض علماء الشام‪ ،‬وهو قول غري صحيح بل هو متناقض‬
‫مضطرب بالنسبة للفلكيني‪ ،‬بل ولغريهم كما سيتبني لك إن شاء اهلل ‪.‬‬
‫ومساجدنا تعيش آثار هذا االختالف‪ ،‬منذ أكثر من عشرين عاما‪ ،‬إذ غدا أذان صالة الفجر ال يدل على دخول وقت الصالة‬
‫بالفعل عند معظم الناس يف صالة الصبح النه يعتمد فيه على تقومي الفلكيني‪ ،‬وهو خمالف للواقع كما يظن القائلون‪ ،‬واملقلدون‪،‬‬
‫والتقليد ليس علما‪ ،‬وكنا نسأل عن حكم هذا األذان الذي يتقدم على الوقت فيؤدي إىل تضليل الناس يف أهم ركن بعد‬
‫الشهادتني‪ ،‬هل جيوز أو ال جيوز ؟ ‪.‬‬
‫وقد بلغ األمر باجلهة اليت يرجع إليها البت يف هذه الشعرية أن اعترب بعض املسؤولني فيها االعتماد على هذه اجلداول دليال على‬
‫الوفاء للوطن وحمبته!!‪ ~،‬وخمالفتها قرينة على االرتباط جبهات خارجية‪ ،‬ولك أن تقول هو دليل عندهم على كراهته !!‪ ~،‬وقد قيل‬
‫هذا يف أمور أخرى أيضا ‪.‬‬
‫وأعرف واهلل من كان يستأين بالصالة بعد األذان ثالثني دقيقة أو أزيد‪ ،‬مث تغري (والؤه) فصار يقتصر على أقل من عشر دقائق!!‬
‫‪.‬‬
‫وبعض الناس يصلي راتبة الصبح مباشرة بعد األذان‪ ،‬وينتظر صالة الفريضة ‪.‬‬
‫وبعضهم يؤخر الراتبة اىل أقصى ما ميكن من التأخري ‪.‬‬
‫وأعرف من يدأب على تأخري الراتبة على الفريضة‪ ،‬ويصليها يف املسجد باستمرار‪ ،‬وهذا أشبه ما يكون بالبدعة‪ ،‬وألنه يضلل من‬
‫ال يعرف والسيما إذا كان ممن عرف باحملافظة على الصالة ‪.‬‬
‫وأعرف من ترك صالة الصبح يف املساجد رأسا ألنه اقتنع بأن الفجر ال يطلع اال بعد أربعني دقيقة !!‪ ،‬فحاولت ثنيه عن صنعه‪،‬‬
‫فأفلحت يف أن أقنعه بالصالة مع اجلماعة‪،‬؛مث إعادهتا إن شاء !!‪ ،‬فحمدت اهلل على هذا اإلجناز ‪.‬‬
‫ويعظم خطر املخالفة للوقت يف زمن الشتاء حسب ظن بعضهم حيث يطالب الناس بتقليص املدة الفاصلة بني األذان واإلقامة‬
‫كي يتمكنوا من االلتحاق بأعماهلم‪ ،‬وتتدخل االدارة لتلزم األئمة هبذا التقليص !! ‪.‬‬
‫وقد سرى هذا االختالف إىل وقت إمساك من أراد الصوم‪ ،‬فإن من الناس من يأمر أهله أن يعدوا له سحوره بعد أن يؤذن‬
‫للصالة‪ ،‬ويعترب ذلك مطلوبا ألن تأخري السحور فيه من الفضل والربكة ما هو معلوم من األحاديث‪ ،‬ورمبا فعل ذلك الطالعه‬
‫على من خالف من السلف يف هذا األمر‪ ،‬وهو خالف صار شاذا حيث استقر اإلمجاع على لزوم اإلمساك مىت تبني الفجر ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫ولو ذهبت أسرد لك ما أعلمه مما حصل لطال األمر فلننصرف إىل غريه ‪.‬‬
‫إن هذا الذي ذكرته من االختالف واالضطراب وتشكيك الناس يف عبادهتم تعرفه هيآت الدولة يف خمتلف مستوياهتا وال أعلم‬
‫مع ذلك حماولة لتوضيح األمر وبيان احلق فيه‪ ،‬فلهذا كتبت هذه األسطر لعلها تكون سببا يف جلب انتباه اهل العلم وطالبه اىل‬
‫هذه املسألة ليقولوا فيها ما ينفع الناس‪ ،‬وينهي هذا النزاع الذي طال‪ ،‬وال حول وال قوة إال باهلل ‪~...‬‬

‫‪ - 2‬أوقات الصالة كلها مرتبطة بالشمس عينا أو أثرا‪ ،‬فبداية ظهور ضوئها هو وقت صالة الفجر‪ ،‬وغياب بقية الضوء هو‬
‫وقت صالة العشاء‪ ،‬واختفاء قرصها هو وقت املغرب‪ ،‬وزواهلا هو وقت الظهر‪ ،‬وهناية القامة هو وقت صالة العصر ‪.‬‬
‫وقد دل كتاب اهلل على هذه األوقات جمملة‪ ،‬وجاءت السنة القولية والعملية ببياهنا بداية وهناية ‪.‬‬
‫وأمجع آية أشري فيها إىل أوقات الصالة قول اهلل تعاىل‪" :‬أقم الصالة لدلوك الشمس إىل غسق الليل وقرآن الفجر"‪ ( ،‬اإلسراء‪:‬‬
‫‪ ،)78‬وقد نزلت بعد افرتاض الصالة فيتعني أن تشمل كل أوقاهتا‪ ،‬وكيف يعقل ان ال تشملها وقد أمر فيها النيب صلى اهلل عليه‬
‫وآله وسلم بالتنفل؟ ‪.‬‬
‫ووجه مشوهلا الصلوات كلها أن دلوك الشمس ميلها‪ ،‬وبداية امليل هو زوال الشمس عن كبد السماء‪ ،‬وهناية امليل غروب‬
‫الشمس‪ ،‬وبينهما العصر‪ ،‬فهذه ثالثة أوقات‪ ،‬وغسق الليل ظلمته‪ ،‬وهو وقت العشاء مبغيب الشفق‪ ،‬وقرآن الفجر‪ ،‬هو صالة‬
‫الفجر ‪.‬‬
‫ومن ذلك قول اهلل تعاىل‪" :‬وأقم الصالة طريف النهار وزلفا من الليل"(إبراهيم‪ ،)114:‬وطرف النهار األول الفجر‪ ،‬والثاين‬
‫املغرب‪ ،‬وقيل الظهر والعصر‪ ~،‬وفيه دليل على اشرتاكهما يف الوقت‪ ،‬والزلف مجع زلفة كقربة وغرفة‪ ،‬هي من الزلف مبفتوحتني‬
‫مبعىن الدنو والقرب‪ ،‬ومعناه ساعات من الليل قريبة من النهار‪ ،‬فيدل على صالة العشاء‪ ،‬وقيل هي واملغرب‪ ،‬وقد يرتجح مبعىن‬
‫الزلف أن هناية وقت العشاء ثلث الليل‪ ،‬ألن منتصفه ال يصدق عليه الدنو من النهار‪ ،‬وقد جاء أنه منتصفه‪ ~،‬وهو توسعة بذكر‬
‫وقتني هلا كالتوسعة يف وقت العصر لصعوبة التحديد على من مل يعرف ظل الزوال‪ ،‬فذكر هلا يف احلديث عالمتان‪ ،‬خبالف‬
‫غروب الشمس وزواهلا وطلوع الفجر‪ ،‬فإن عالماهتا سهلة واضحة ‪.‬‬
‫ومن ذلك قول اهلل تعاىل‪" :‬فسبحان اهلل حني متسون وحني تصبحون وله احلمد يف السموات واألرض وعشيا وحني تظهرون"‬
‫(الروم‪17~:‬و‪ ،)18‬وفيهما داللة على الصلوات اخلمس أيضا‪ ،‬وهو مأثور عن مالك وغريه ‪.‬‬
‫ومما دل عليه ظاهر هذه اآليات املبادرة بالصالة يف أول الوقت‪ ،‬فإن الالم يف قوله تعاىل‪" :‬لدلوك الشمس" الم التأقيت كما‬
‫يقولون‪ ،‬ودل على ذلك الظرف يف قوله تعاىل‪" :‬حني متسون وحني تصبحون"‪ ،‬كما دلت الغاية يف قوله تعاىل‪" :‬إىل غسق‬
‫الليل" على أول وقت العشاء‪ ،‬وهناية وقت املغرب‪ ~،‬وهذا من بديع اإلجياز ‪.‬‬
‫ودل على هذا أيضا عمومات القرآن اليت فيها األمر باملسارعة إىل اخلريات‪ ،‬ومدح من يعجل هبا كقوله تعاىل‪" :‬سارعوا إىل‬
‫مغفرة من ربكم"(آل عمران‪ ،)133:‬وقوله‪" :‬سابقوا إىل مغفرة من ربكم"(احلديد‪ ،)21:‬وقوله‪" :‬إهنم كانوا يسارعون يف‬
‫اخلريات"(األنبياء‪ ،)90:‬وقوله‪" :‬وعجلت إليك رب لرتضى"(طه‪ ،)84~:‬وقول النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم حني سئل أي‬
‫األعمال أحب إىل اهلل تعاىل؟‪ ،‬فقال‪" :‬الصالة على مواقيتها"‪ ،‬وأخص منه قوله‪" :‬الصالة يف أول وقتها"‪،‬‬

‫‪2‬‬
‫‪ - 3‬داللة كتاب اهلل تعاىل على أوقات الصلوات داللة جمملة فسرت بأفعال النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم وأقواله الكثرية‪،‬‬
‫وميكن الرجوع هبا إىل حديثني فعليني‪ ،‬أحدمها هو الذي أمه فيه جربيل عليه السالم يومني متوالني بعد افرتاض الصالة‪ ،‬وقد‬
‫رواه أبو داود والرتمذي‪ ،‬والثاين جاء بيانا للذي سأله عن وقت الصالة فأمره أن يصلي معهم يومني‪ ~،‬وقد رواه مسلم والرتمذي‬
‫عن بريدة ‪.‬‬
‫وإمنا ذكرت هذا ألدلل على ما سبق وهو أن األصل أن تؤدى الصالة يف أول وقتها‪ ،‬كما يدل عليه قوله صلى اهلل عليه وآله‬
‫وسلم يف احلديث األول‪ ،‬حديث ابن عباس‪ ،‬وقول الواصف لفعله يف احلديث الثاين وهو بريدة؛ يف بيان هذه األوقات‪" :‬حني‬
‫زالت الشمس"‪" ~،‬حني صار ظله مثله"‪" ~،‬حني كان ظله مثليه"‪" ،‬حني أفطر الصائم"‪" ،‬حني غاب الشفق"‪" ،‬حني طلع الفجر"‪،‬‬
‫فهذا هو أول الوقت‪ ،‬وال شك أن الناس خيتلفون يف معرفة أول بعض األوقات كالفجر والزوال‪ ،‬فإن تبني طلوع الفجر خيتلف‬
‫بالنسبة لألفراد ألمور سأذكرها فيما بعد إن شاء اهلل‪ ،‬وبداية الزوال أمر دقيق ال يضبطه إال من رصد حركة الظل قبل الزوال‬
‫بوقت ما‪ ،‬ومن مل يعرف ذلك ال يتأتى له أن يعرف بداية وقت العصر‪ ~،‬وهلذا جاء يف احلديث بيان طول الظل حني صلى الظهر‬
‫بأنه قدر شراك النعل‪ ،‬وهو السري الذي تشد به‪ ،‬ويف بعض األحاديث حدد وقت الظهر بدحوض الشمس‪" :‬إذا دحضت‬
‫الشمس"‪ ،‬أي زالت ‪.‬‬
‫واملقصود~ أن من علم بدخول الوقت فصالته صحيحة‪ ،‬وإن مل يظهر ذلك لغريه ‪.‬‬
‫وملا كان وقت الصالة موسعا بني يف احلديثني هناية تلك األوقات يف اليوم الثاين على هذا الرتتيب‪" :‬حني كان ظله مثله"‪" ،‬حني‬
‫كان ظله مثليه"‪" ،‬قبل أن يغيب الشفق"‪ " ،‬إىل ثلث الليل"‪" ،‬وصلى الفجر فأسفر"‪.‬‬
‫وال بأس أن أخص صالة الفجر بشيء من التفصيل ألن هذا إمنا كتبته من أجلها‪ ،‬فأذكر قول النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم‪:‬‬
‫"إن بالال يؤذن بليل فكلوا واشربوا حىت يؤذن ابن أم مكتوم‪ ،‬قال‪ :‬ومل يكن بينهما إال أن ينزل هذا ويرقى هذا"‪ ،‬رواه مسلم‬
‫عن ابن عمر رضي اهلل عنهما ‪.‬‬
‫الحظ قوله عن بالل‪" :‬يؤذن بليل"‪ ،‬وهذه حقيقة‪ ،‬ألهنا األصل ال جماز‪ ،‬مث قول ابن عمر عن الفارق الزمين بني وقت أذانه وأذان‬
‫ابن أم مكتوم‪:" :‬ومل يكن بينهما ‪ ...‬اخل ‪.‬‬
‫وقد جاء يف رواية البخاري هلذا احلديث‪" :‬وكان رجال أعمى ال ينادي حىت يقال له‪" :‬أصبحت‪ ،‬أصبحت"‪ ،‬أي دخلت يف‬
‫الصباح‪ ،‬ويف هذا مع الذي قبله داللة واضحة على أن أذانه كان أول الوقت‪ ،‬وأن الصحابة كانوا يرصدون ظهور أول ضوء‬
‫الفجر‪ ،‬والناس ال يستوون يف ذلك كما سبق‪ ،‬وال أحسب أن وسائل الرصد يف هذا األمر توقيفية‪ ،‬ومن قال بذلك تناقض ألنه‬
‫ال يطرد قاعدته‪ ،‬وليس حتديد أوائل الشهور وأواخرها من هذا القبيل للدليل اخلاص ‪.‬‬
‫وإذا استقام هذا وهو مستقيم إن شاء اهلل فإين أتساءل عن مقدار الفارق الزمين بني األذانني حبسب ما ذكره ابن عمر‪ ،‬ال شك‬
‫أنه فارق يسري‪ ،‬ألهنما كانا يؤذنان يف موضع واحد‪ ،‬ومل تكن هناك صومعة يقضى يف صعودها والنزول منها وقت كبري‪،‬‬
‫وستقف على كالم احلافظ العسقالين الذي يؤيد هذا الظاهر‪ ،‬وهو أن األذان يف عهد النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم كان عند‬
‫أول بزوغ ضوء الفجر‪ ،‬واحلافظ ابن حجر أعظم األمة حفظا واستحضارا للروايات والطرق واختالف ألفاظ احلديث‪ ،‬ومن‬
‫كان كذلك كان أعلم باألحكام من غريه ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫وال يصح أن يعرتض على هذا بلفظ التبني يف قول اهلل تعاىل‪" :‬وكلوا واشربوا حىت يتبني لكم اخليط األبيض من اخليط األسود‬
‫من الفجر"البقرة (‪ ،)186‬حيث جعل اهلل تعاىل التبني غاية حلل األكل والشرب ممن يريد الصوم‪ ،‬فإنه من التيسري والسعة ورفع‬
‫احلرج الذي طبع هذا الدين‪ ،‬ويقال عنه ما سبق من أن الناس خيتلفون يف ذلك‪ ،‬لكن ال يصح أن يعمل كل أحد على تبينه هو‪،‬‬
‫وإال الخنرم النظام‪ ،‬وصلى كل أحد يف الوقت الذي يراه‪ ،‬وأمسك كما يرى‪ ،‬لكن إذا انفرد املرء عن الناس فإن األمر يرجع إىل‬
‫تبينه هو ‪ .‬الصالة ال يقدم املرء عليها إال إذا تأكد أن وقتها قد دخل‪ ،‬لقول اهلل تعاىل‪" :‬إن الصالة كانت على املؤمنني كتابا‬
‫موقوتا"(النساء‪ ،)103:‬وإذا صلى شاكا يف دخول الوقت كانت باطلة‪ ،‬ولو وقعت فيه ‪.‬‬
‫وقد راقبت طلوع الفجر مرات عدة‪ ،‬ومنها يف صيف ‪ ،1428‬وقارنته باجلدول الذي يعده الفلكيون‪ ،‬فألفيته يتأخر عنه بنحو‬
‫عشر دقائق فيما ظهر يل‪ ،‬وأعدت ذلك يف شهر رمضان من هذا العام (‪ ،)1438‬وكان معي غريي‪ ،‬فكان الفارق كاألول‪ ،‬مع‬
‫أن املنطقة اليت راقبنا الفجر فيها هبا أضواء اصطناعية يف املوضع الذي يبزغ فيه الفجر‪ ،‬وهو مرتفع شيئا ما عما جاوره‪ ،‬مما يعين‬
‫أن ذلك الفارق يقل لو كان املوضع مستويا ‪.‬‬
‫ويشتد عجبك من أن الناس كلهم يعتمدون على حساب الفلكيني يف كل األوقات إال وقت الفجر‪ ،‬فإهنم خيالفوهنم فيه‪،‬‬
‫ويقولون إهنم مل يتبينوه‪ ،‬مع أن حساب الفلكيني واحد‪ ،‬يعتمدون فيه على حركة الشمس‪ ،‬ودوران األرض حوهلا‪ ،‬وقد علمت‬
‫أن أوقات الصالة كلها مرتبطة هبا ‪.‬‬
‫لو كان صحيحا أن الوقت الذي يعينه الفلكيون متقدما على الفجر هبذا الذي اختلفوا فيه النعكس ذلك على بقية األوقات‪،‬‬
‫فيكون طلوع الشمس ووقت الظهر والعصر وغروب الشمس ومغيب الشفق كل منها متقدما ب‪ 40‬دقيقة أو بعشرين‪ ،‬أو غري‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫لكن مقارنة هذه األوقات مبا يف تلك اجلداول يبني موافقتها للواقع‪ ،‬فأين اخللل إذن؟‪ ،‬أهو يف هذه الدعاوى اليت كثرت أم يف‬
‫حساب الفلكيني ؟ ‪.‬‬
‫من ذا الذي يقول إن طلوع الشمس أو غروهبا أو زواهلا يتأخر عما يف تلك اجلداول بذلك القدر؟‪ ،‬ال أحد يقول هبذا إال يف‬
‫الفجر‬
‫وليس صحيحا أن وقت الفجر عندهم يكون عند الفجر الكاذب‪ ،‬ألنه لو كان كذلك ملا كانت بقية األوقات موافقة للواقع‬
‫ألن النهار ال يبتدئ من ذلك الفجر ‪.‬‬
‫فإن أردت أن تعرف السبب الذي جعل صالة الفجر ختتص هبذا التشكيك يف وقتها؛ فإين ذاكر لك أن الفلكيني يرصدون‬
‫بتقوميهم طلوع الفجر يف أول بزوغه‪ ،‬وال يكاد يراه إال قليل من الناس حينئذ ‪.‬‬
‫وهذا غري منكور يف الشرع‪ ،‬بدليل اختالف الناس يف التبني كما سبق‪ ،‬وقد مر بك شيء من هذا حني ذكرت لك رصد‬
‫الصحابة للفجر‪ ،‬وسأعود إليه بعد إن شاء اهلل ‪.‬‬
‫وليعلم أن أول بزوغ الفجر يرى يف املوضع الذي تكون الشمس فيه حتت األفق‪ ،‬وهو غري موضع طلوعها‪ ،‬مث يقوى الضوء يف‬
‫ذلك املوضع‪ ،‬فيكون ارتفاعه فيه عن األفق أكثر من غريه‪ ،‬ويأخذ يف االنتشار إىل ميني تلك النقطة الضوئية ويسارها‪ ،‬إىل أن‬
‫يتبني الفجر لعموم الناس ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫لكن الناس يتفاوتون يف تبينه حبسب تفاوت أبصارهم يف القوة‪ ،‬وحبسب معرفتهم مبوضع بزوغ الفجر الذي يتبع موضع الشمس‬
‫حتت األفق‪ ،‬وهو قريب من تبعية اهلالل هلا ليلة أول الشهر ‪.‬‬
‫وموضع بزوغ الفجر يف فصل الصيف مثال يف جهة وهران وبلعباس ومعسكر ومستغامن وحنوها يكون يف الشمال الشرقي‪،‬‬
‫خبالف الربيع واخلريف فإنه يكون يف الشرق‪ ،‬ومن ال يعرف هذا فإنه يلتمس الفجر يف غري موضع طلوعه‪ ،‬فيقرر أنه مل يطلع ‪.‬‬
‫وينضاف إىل هذا ما قد يكون بني الرائي واألفق من األضواء االصطناعية‪ ،‬وللفرق يف التبني بني الليايل املقمرة وغري املقمرة‪،‬‬
‫واالرتفاع واالخنفاض‪ ،‬وغري ذلك ‪.‬‬
‫ومرد مغاالة بعض الناس يف القول بالتأخري ظنهم أهنم إن مل يشاهدوا ضوء الفجر فهو مل يطلع‪ ،‬مع أن األفق حيجبه عنهم ما‬
‫ذكرناه من قبل غالبا‪ ،‬فال يكادون يتبينونه حىت يبلغ سلخ النهار الليل فوق رؤوسهم‪ ،‬وهو ال يبلغ ذلك املستوى إال بعد حنو‬
‫نصف الساعة ‪.‬‬
‫وهلذا فنحن ال نكذب الفلكيني يف ضبطهم هلذه املواقيت للتناقض الذي نقع فيه‪ ،‬وألننا علمنا موافقتهم للواقع يف طلوع الشمس‬
‫وغروهبا وزواهلا‪ ،‬وألن اهلل ذم الكفار بقوله‪" :‬بل كذبوا مبا مل حييطوا بعلمه"(يونس‪. )39~:‬‬
‫لكنين أنبه إىل أن ما ألزم به بعض العلماء ومنهم الشيخ حممد رشيد رضا يف تفسريه ألزم الذين يعتمدون على الفلكيني يف‬
‫موقيت الصالة بأنه يلزمهم االعتماد عليهم يف إثبات اهلالل‪ ،‬وذكر قول اهلل تعاىل‪" :‬أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون‬
‫ببعض"(البقرة‪. )85:‬‬
‫أقول إن هذا غري الزم هلم لورود النص فيه خبصوصه‪ ،‬فإن قول النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم‪" :‬حنن أمة أمية ال نكتب وال‬
‫حنسب ‪ ...‬احلديث خاص بالسياق‪ ،‬وهو إثبات األهلة‪ ،‬وليس صحيحا أن اخلطاب فيه ألصحابه وحدهم‪ ،‬وقد كان يغلب‬
‫عليهم عدم معرفة القراءة والكتابة‪ ،‬وهو ما ذهب إليه احلافظ ابن حجر‪ ،‬فإن األصل عموم خطابه ألمته مجيعا‪ ،‬وألن الزم هذا‬
‫أن يقال باالعتماد على هذا العلم مىت مهر فيه املسلمون ‪.‬‬
‫وأنبه إىل أن عدم مطابقة حساب الفلكيني للواقع أحيانا يأيت من كوهنم ال يضعون يف حساهبم خصائص تضاريس اجلهات من‬
‫االرتفاع أو االخنفاض عن السطح العام‪ ،‬أو عن مستوى سطح البحر إن كان هو مرجع قاعدة حساهبم‪ ،‬فهذا منشأ اخلطإ‬
‫احملتمل ‪.‬‬
‫لكن هذا ال يتجاوز يف الغالب الدقيقة اىل الثالث تقدميا أو تأخريا‪ ،‬وأحسب أن هذا األمر ممكن التدارك بالنظر إىل تقدم وسائل‬
‫ضبط املواقع ‪.‬‬

‫‪ -5‬آخر ما جرى احلديث عنه فيما سبق من هذه الكلمات هو أن الفلكيني يرصدون الفجر يف أول بزوغه‪ ،‬وأن تبينه ال يتأتى‬
‫ملعظم الناس حينئذ‪ ،‬وبناء على ذلك حصل هذا االختالف يف الفارق الذي بني تقوميهم وبني ما يرتاءى للناظرين ‪.‬‬
‫وقد حصل التأكد من صحة تقوميهم يف طلوع الشمس وزواهلا وغروهبا‪ ،‬وهو قرينة على صحة تقوميهم‪ ،‬إذ إن ذلك الفارق‬
‫املختلف فيه لو كان صحيحا النعكس على بقية األوقات‪ ،‬وأنا ال أتكلم إال على التقومي الذي أتعامل معه منذ عقود يف بلدي ‪.‬‬
‫واملستيقن أن من ضبط وقتا من أوقات الصالة يف يوم معني من العام الشمسي يف موضع حمدد من األرض مل حيصل فيه حتول؛‬

‫‪5‬‬
‫فإن ذلك الوقت ال يتغري فيما يأيت من السنوات‪ ،‬وما يقال من ميالن حمور األرض فإنه طفيف ال يظهر أثره إال يف قرون‪،‬‬
‫ويؤكد هذا أن مواقيت جداول الفلكيني ثابتة إال مما قد يدخل عليها من التصحيح الطفيف لألخطاء الناشئة عما سبقت اإلشارة‬
‫إليه ‪.‬‬
‫بعد هذا فليعلم أن أحكام الشرع وتقديراته يف الزمان واملكان والصفات يكون املطلوب فيها التحديد والضبط‪ ،‬مىت كان ذلك‬
‫متيسرا‪ ،‬وهو األصل‪ ،‬والتقريب والتغليب مىت كان التحديد متعسرا‪ ،‬وهذا من يسر هذه الشريعة ومساحتها‪ ،‬وكوهنا أمية كما‬
‫وصفها به بعض أهل العلم ‪.‬‬
‫فمثال إذا كان املرء حبيث يرى الشمس فإن غروهبا حد النتهاء النهار فيفطر ويصلي‪ ،‬وقد حصل هذا للنيب صلى اهلل عليه وآله‬
‫وسلم يف بعض أسفاره‪ ،‬إذ أمر من كان معه أن جيدح هلم فراجعه ثالث مرات ألنه كان يظن أن النهار ما زال قائما‪ ،‬فبني له‬
‫النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم ذلك‪ ،‬وهذا فيه دليل على أنه ال يلزم الصائم أن ميسك جزءا من الليل لتمكنه من عالمة هي‬
‫يقني‪ ،‬خبالف من مل يكن يف مثل هذه احلال‪ ،‬وشروق الشمس من هذا القسم أيضا ‪.‬‬
‫وهكذا من كان حبيث يرى الكعبة فإن املطلوب منه استقبال عينها وال بد‪ ،‬خبالف من مل يكن كذلك فإن املطلوب منه استقبال‬
‫شطرها كما قال اهلل تعاىل‪" :‬ومن حيث خرجت فول وجهك شطر املسجد احلرام"( ‪. )148‬‬
‫وإمعانا يف هذا التقريب والتيسري جاء قول النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم‪" :‬ما بني املشرق واملغرب قبلة"‪ ،‬وهذا فيمن كانت‬
‫الكعبة تقع منه إىل جهة اجلنوب‪.‬‬
‫ومن القسم الثاين هناية وقت العشاء فإنه ملا كان التحديد بالثلث عسريا جاءت التوسعة بذكر منتصف الليل‪ ،‬وقريب منه بداية‬
‫وقت العصر ‪.‬‬
‫والغرض من إيراد هذا أن نتساءل عن األمور اليت اعتمد الشرع فيها على التقريب؛ هل جيوز أن يعتمد فيها على التحديد‬
‫والتدقيق مىت كان ذلك متيسرا؟‪ ،‬الظاهر أنه ال مانع منه‪ ،‬ألنه هو األصل ‪.‬‬
‫ومن األمثلة على ذلك أن غسل الوجه واجب يف الوضوء‪ ،‬وهذا ال يتيسر يف الغالب إال بغسل جزء من الرأس‪ ،‬وهو احملاذي‬
‫للوجه‪ ،‬ويقال هذا يف غسل اليدين إىل املرفقني‪ ،‬والرجلني إىل الكعبني‪ ،‬فإن اإلتيان بالواجب متوقف يف الغالب على غسل غريه‬
‫مما جاوره‪ ،‬فلو أن امرأ متكن من االقتصار على الواجب فإنه ال يالم ألنه األصل‪ ،‬ويقال هذا يف التوجه شطر املسجد احلرام‪ ،‬فإن‬
‫من اعتمد على ما يدله على استقبال عني الكعبة كالبوصلة‪ ،‬فقد يسر اهلل له أن يفعل األصل‪ ،‬ورصد األوقات يف أوهلا ومنها‬
‫الفجر من هذا القبيل‪ ،‬ال فرق بني أن يكون حبساب الفلكيني‪ ،‬أو بتحري األفراد العاديني ‪.‬‬
‫ومما يؤيد هذا الذي قلته ما سبق يف حديث ابن عمر يف الفارق بني أذاين بالل وابن أم مكتوم رضي اهلل عنهما‪ ،‬فإنه فارق ضئيل‬
‫كما سبق بيانه‪ ،‬مع أن األول كان يؤذن بليل كما هو نص احلديث ‪.‬‬
‫قال احلافظ رمحه اهلل بعد أن بني ما يف هذه املسألة من اإلشكال الكبري‪ ،‬وهو قول الراوي عن ابن أم مكتوم‪" :‬وكان رجال‬
‫أعمى ال ينادي حىت يقال له أصبحت أصبحت"‪ ~،‬ووجه اإلشكال عنده ما يلزم من ذلك من خمالفة اإلمجاع على عدم جواز‬
‫األكل وغريه من املفطرات بعد طلوع الفجر‪ ،‬إال عند من شذ‪ ،‬واستبعاده ما تأول غريه عليه احلديث من أن معىن "أصبحت"‬
‫قاربت الصباح‪ ،‬قال‪" :‬مث ظهر يل أنه ال يلزم من كون املراد من قوهلم أصبحت أي قاربت الصباح؛ وقوع أذانه قبل الفجر‪،‬‬
‫‪6‬‬
‫الحتمال أن يكون قوهلم ذلك يقع يف آخر جزء من الليل‪ ،‬وأذانه يقع يف أول جزء من طلوع الفجر‪ ،‬وهذا وإن كان مستبعدا‬
‫يف العادة‪ ،‬فليس مبستبعد من مؤذن النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم املؤيد باملالئكة‪ ،‬فال يشاركه فيه من مل يكن بتلك الصفة‪،‬‬
‫وقد روى أبو قرة من وجه آخر عن عمر حديثا فيه‪" :‬وكان ابن أم مكتوم يتوخى الفجر فال خيطئه"‪ ،‬انتهى كالمه‪ ،‬واملقصود‬
‫حتري الصحابة وإخبارهم ابن أم مكتوم بذلك ‪.‬‬
‫وقد يكون يف كالم حافظ األمة ما يتعقب‪ ،‬وكنت أستغربه منذ أزيد من عشرين عاما‪ ،‬لكوين أعتقد أن ثبوت األحكام ال يناط‬
‫مبثل هذا األمر وإن كنت ال أستكثر حصوله على ذلك العهد الذي ال نظري له‪ ،‬لكنه مع ذلك حماولة للعمل بالنصوص وطاعتها‬
‫مجيعا إذا تعلقت مبسألة واحدة‪ ،‬مع أن هذا الذي ذهب إليه مؤيد بأحاديث صحيحة تقدم بعضها‪ ،‬وهو من القوة مبكان‪ ،‬ودونه‬
‫فيها ما جاء عن أم املؤمنني عائشة رضي اهلل عنها‪" :‬إن كان رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم ليصلي الصبح فينصرف النساء‬
‫متلفعات مبروطهن ما يعرفن من الغلس"‪ ،‬وقد كان يقرأ يف الصبح ما بني الستني إىل املئني‪ ،‬وقرأ بسورة ق‪ ،‬وبسورة الطور‪،‬‬
‫وبسورة املؤمنون ومل يكملها ‪.‬‬
‫أضف إىل ذلك أن قراءته كانت مرتسلة متأنية‪ ،‬وكان يضطجع إذا صلى راتبة الفجر‪ ،‬كل هذا يقوي أن أذان الفجر على عهده‬
‫كان يف أول وقته كما ذكره احلافظ‪ ،‬وأن أصحابه كانوا يرصدونه ويتحرونه ‪.‬‬

‫‪ - 6‬املستخلص ‪:‬‬

‫‪ - 1‬بني ربنا سبحانه وتعاىل مواقيت الصالة يف كتابه إمجاال‪ ،‬وفسرهتا السنة القولية والفعلية تفسريا شافيا كافيا ‪.‬‬
‫‪ - 2‬أما مواقيت الصيام فهي منصوصة يف الكتاب والسنة معا من وقت تبني الفجر إىل غروب الشمس‪ ،‬واملعول عليه لزوم‬
‫اإلمساك بتبني طلوع الفجر‪ ،‬وما خالفه فشذوذ ‪.‬‬
‫‪ - 3‬من األوقات ما له عالمة يستيقن هبا دخول الوقت يف أوله‪ ،‬فمن شاهدها ممن كان مواجها لألفق عمل عليها كطلوع‬
‫الشمس وغروهبا ‪.‬‬
‫‪ - 4‬ومن األوقات ما عالمته خفية يف بدايته فال يراها معظم الناس إال بعد مضي وقت ما‪ ،‬فيختلف الناس فيها إثباتا ونفيا‪،‬‬
‫ومن ذلك طلوع الفجر‪ ،‬وزوال الشمس‪ ،‬وهناية القامة اليت هي بداية وقت العصر ملن مل يعلم ظل الزوال ‪.‬‬
‫‪ - 5‬الشرع يعتمد التحديد والتدقيق يف الزمان واملكان وغريمها مما ترتبط به األحكام‪ ،‬حيث يكون ذلك ميسورا الحرج فيه‪،‬‬
‫ويعتمد التقريب والتغليب لرفع الكلفة واحلرج ‪.‬‬
‫‪ - 6‬لكن مهما تيسر للمسلم الوسيلة اليت يتحقق هبا التحديد؛ فإنه ال مانع من اعتمادها‪ ،‬ألهنا مما يتأدى به األصل‪ ،‬وهو‬
‫الصالة يف أول وقتها‪ ،‬واإلمساك أو اإلفطار يف أول وقتهما ‪.‬‬
‫‪ - 7‬إن جداول املواقيت اليت يعدها الفلكيون ال بد منها للمسلمني‪ ،‬بل هي من األمور الضرورية ألن احملافظة على ركنني من‬
‫أركان اإلسالم ومها الصالة والصيام متوقفة عليها‪ ،‬لتعذر االعتماد على وسائل املعاينة املرتبطة بعني الشمس وظلها وأثرها‬
‫بسبب سعة املدن وما حيول دون ذلك من البنيان واألضواء وغريها ‪.‬‬
‫‪ - 8‬إن ما يف جداول الفلكيني من خمالفة حلقيقة املواقيت مرده كما أراه يف خصوص بلدي إىل أمور‪:‬‬

‫‪7‬‬
‫‪ --‬رصدهم الوقت يف أوله‪ ،‬وهو أمر خيفى على معظم الناس فيطلقون القول بأن ما يف اجلدول متقدم على الوقت‪ ،‬مث خيتلفون‬
‫يف قدر هذا التقدم كما نراه يف وقت الفجر‪ ،‬وقد ذكر يل بعضهم قبل أشهر أن وقت الزوال متقدم فرصدته فألفيته موافقا‬
‫للوقت الشرعي يف قسم التدقيق‪ ،‬لكن ذلك يتطلب مالحظة ظل العود الذي ينصبه املراقب عموديا مدة نصف ساعة أو أكثر‬
‫قبل منتصف النهار ‪.‬‬
‫‪ --‬وقد يرجع اخلطأ إىل القاعدة اليت مت على أساسها حساب الوقت‪ ،‬وهي السطح العام أو مستوى البحر‪ ،‬من غري أن يوضع‬
‫يف احلسبان االرتفاع و االخنفاض عن ذلك املستوى‪ ،‬وهذا ما استيقناه خبصوص غروب الشمس وطلوعها‪ ،‬فإهنا تتقدم أحيانا‬
‫بنحو الثالث دقائق‪ ،‬ورمبا تأخرت يف مواضع أخرى بذلك القدر ألسباب خمالفة ألسباب التقدم ‪.‬‬
‫‪ --‬ومن عرف هذا اخللل فعالجه هو اآليت‪:‬‬
‫‪ --‬فعلى افرتاض التقدم قبل الوقت ممن علمه فاألمر واضح‪ ،‬فال تصح الصالة وال حيرم األكل والشرب أو حيرم حسب أول‬
‫النهار أو آخره ‪.‬‬
‫‪ --‬وعلى افرتاض التأخر عن الوقت‪ ،‬وهذا نادر‪ ،‬فيحتاط للصوم باإلمساك استصحابا لألصل اال ملن تيقن دخول الوقت‪،‬‬
‫فيفطر من تيقن انقضاء النهار وكان منفردا‪ ،‬وخري له أن يستأين إن كان يف اجلماعة‪ ،‬وال حرج يف اعتماد ذلك يف وقت الصالة‬
‫ألنه موسع ‪.‬‬
‫‪ -- 9‬وهذا ليس إال حماولة لرتق الفتق‪ ،‬ورأب الصدع يف التعامل مع هذه الوسيلة الضرورية يف هذا العصر‪ ،‬وإال فإنه جيب‬
‫وجوبا كفائيا مؤكدا على أهل االختصاص من الفقهاء وعلماء الفلك واجلغرافية الطبيعية وغريهم من املسلمني يف البلد الواحد‬
‫سواء أضمتهم هيئة أو ال؛ أن يتعانوا على الطرق اليت يتم هبا كتابة املواقيت كتابة صحيحة تزيل هذا اإلشكال الذي استفحل‬
‫وطال أمده‪ ،‬وشكك الناس يف صحة أعظم عبادة عند املسلمني بعد الشهادتني ‪.‬‬
‫بل جيب على اهليآت اليت تعىن هبذا األمر يف العامل اإلسالمي أن تتشاور وتتعاون على إجناز تقومي واحد لكل العامل ال االسالمي‬
‫وحده‪ ،‬فإنه من غري املقبول أن يكون بني تقومي اهليئة الفالنية وتقومي هيئة أخرى فارق نصف الساعة‪ ،‬بل أكثر يف صالة الفجر‬
‫يف املدينة الواحدة ‪.‬‬
‫هذا ما يسر اهلل كتابته ومل أكتب كل ما كنت أريد من التفاصيل لدقة احلروف وعسر الكتابة علي يف هذا اجلهاز‪ ،‬فما كان فيه‬
‫من صواب فمن اهلل وما كان فيه من خطإ فمن نفسي ومن الشيطان‪ ،‬اللهم لك احلمد وإليك املشتكى وأنت املستعان وبك‬
‫املستغاث وعليك التكالن‪ ،‬وصلى اهلل على سيدنا حممد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إىل يوم الدين‪ ،‬واحلمد هلل رب‬
‫العاملني ‪.‬‬
‫كتبه بن حنفية العابدين‬
‫عني املانعة‪ /‬بلدية عني احلجر‪ ،‬يف ‪ 12‬من شوال ‪ ،1438‬املوافق ‪ 6‬جيولية ‪2017‬‬

‫‪8‬‬

You might also like