قضايا فقهية معاصرة ج1 الشيخ سعد الخثلان

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 74

1

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬


‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه‪ ،‬ومن اهتدى بهديه و اتبع سنته إلى يوم‬
‫الدين‪ ،‬أما بعد ‪....‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مجلسا مباركا‪ ،‬وأن يأجرالجميع‪ ،‬فإن هذه املجالس من مجالس الذكرالتي‬ ‫أسأل الله تعالى أن يجعل هذا املجلس‬
‫ً‬
‫مجلسا قالوا‪:‬‬ ‫أخبرالنبي ﷺ بأنها تحفها المالئكة‪ ،1‬وأن لله تعالى مالئكة سيارة تلتمس مجالس الذكر‪ ،‬فإذا وجدت‬
‫"هلم إلى حاجتكم"‪ ،‬فيقول الله‪" :‬أشهدكم أني قد غفرت لهم"‪ ،‬فتقول المالئكة‪" :‬يا رب إن فيهم فالنا ليس منهم‪،‬‬
‫و إنما أتى لحاجة فجلس معهم"‪ ،‬فيقول الله‪" :‬هم القوم ال يشقى بهم جليس"‪.2‬‬
‫وأجرا ً‬
‫وذكرا‪ ،‬فإن الله تعالى يذكره فيمن‬ ‫ولو لم ُيحصل من يجلس في هذه املجالس إال هذه الفائدة لكفى والله بها ً‬
‫نفعا ً‬
‫ْ ُ َ‬ ‫ُ ْ‬
‫حصل ً‬
‫علما ويستفيد!‬ ‫ُ‬ ‫غفرت لـهم]‪ ،3‬كيف وهو ُي‬ ‫عنده ويقول‪[ :‬أشه ُدكم أنـي قد‬

‫وقد كان سلفنا الصالح يرتحلون في سبيل طلب العلم‪ ،‬ويوجد معنا مجموعة من الخوة من حضروا ممن أتوا من‬
‫خارج مدينة الدمام‪ ،‬بعضهم أتى من الرياض ألجل حضور هذه الدورة فجزاهم الله ً‬
‫خيرا‪ ،‬وهذا يذكرنا بفعل السلف‬
‫الصالح الذين كانوا يرتحلون في سبيل طلب العلم‪ ،‬فنسأل الله تعالى أن ينفع بهذه الدروس وأن يبارك فيها‪.‬‬

‫‪--------------------------------------------------‬‬

‫أيها الخوة كنا قد بدأنا في الحديث عن النوازل وقسمناها إلى ثالثة أقسام‪:‬‬

‫‪ -١‬قسم متعلق بالعبادات‪.‬‬

‫‪ -۲‬وقسم بالمعامالت‪.‬‬

‫‪ -۳‬وقسم بما عداها‪.‬‬

‫أما النوازل في العبادات فسبق أن تحدثنا عنها العام الماض ي‪ ،‬ومن فاته ش يء يمكن أن يرجع للتسجيل‪.‬‬

‫الل َه عَزَ وَجَلَ‬


‫ن َ‬ ‫‪ 1‬يشير الشيخ حفظه الله إلى الحديث عند مسلم وغيره الذي يرويه أبو سعيد الخدري وأبو هريرة رضي الله عنهما‪( :‬لَا يَقْعُدُ قَ ْو ٌم يَذْكُرُو َ‬
‫اللهُ فِيمَن عِنْدَ ُه‪).‬‬
‫غشِيَتْ ُه ُم الرَحْ َمةُ‪َ ،‬ونَ َزَلتْ عليه ِم السَكِينَةُ‪ ،‬وَذَكَرَ ُهمُ َ‬
‫إِلَا حَفَتْ ُهمُ ال َملَائِكَةُ‪ ،‬وَ َ‬

‫ب النَاسِ‪ ،‬فإذا‬‫ضلًا عَن كُتَا ِ‬


‫ن في الأَ ْرضِ‪ ،‬فُ ُ‬ ‫‪ 2‬يشير الشيخ حفظه الله إلى حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند الترمذي وغيره ولفظ الترمذي‪( :‬إنَ لل ِه مَلائِكةً سَيَاحي َ‬
‫ي ٍء تركْتُم عِبادي َيصْنَعون؟ فيَقولون‪ :‬ترَكْناهم يَـحْمَدُونك‬ ‫َي شَ ْ‬ ‫ل اللهُ‪ :‬أ َ‬
‫وجَدوا قَوْمًا َيذْكُرون اللهَ تنادَوْا‪َ :‬هلُمُوا إلى بُغْيَتِكم‪ ،‬فيَجيئُون‪ ،‬فيَحُفُون بـهم إلى السَما ِء الدُنيا‪ ،‬فيَقو ُ‬
‫ْلُبون؟‬‫ي ٍء يَ ْ‬
‫َي ش ْ‬
‫َد تَـحْمِيدًا وتَـمْجيدًا وذِكْرًا‪ ،‬فيَقولُ‪ :‬فأ َ‬ ‫ويُـمَجِدونك ويَذْكُرونك‪ ،‬فيَقولُ‪ :‬هل رأَوْني؟ فيَقولون ‪:‬لا‪ ،‬فيَقولُ‪ :‬فكيف لو رأَوْني؟ فيَقولون‪ :‬لو رأَوْك لكانوا لك َأش َ‬
‫طلَبًا‪ ،‬قال‪ :‬فيَقولُ‪ :‬مِن أَيِ‬‫َشد لَـها َ‬
‫فيَقولون‪ :‬يَْلُبون الجنةَ‪ ،‬فيَقولُ‪ :‬وهل رَأوْها؟ قال‪ :‬فيَقولون ‪:‬لا‪ ،‬فيَقولُ‪ :‬فكيف لو رأَوْها؟ فيَقولون‪ :‬لو رأَوْها كانوا َأشَدَ عليها حِرصًا‪ ،‬وأ َ‬
‫َد مِنها خَ ْوفًا‪ ،‬قال‪ :‬فيَقولُ‪:‬‬
‫َد مِنها هَ َربًا‪ ،‬وَأش َ‬
‫شي ٍء يَتعَوَذون؟ فيَقولون‪ :‬مِن النَارِ‪ ،‬فيَقولُ‪ :‬وهل رأَوْها؟ فيَقولون ‪:‬لا‪ ،‬قال‪ :‬فيَقولُ‪ :‬فكيف لو رأَوْها؟ فيَقولون‪ :‬لو رأَوْها كانوا َأش َ‬
‫جلِيسُهم‪).‬‬ ‫فإن فيهم فُلانًا الـخََْا َء‪ ،‬لَـ ْم يُرِدْهم‪ ،‬إنَـما جا َء لِـحاجَةٍ‪ ،‬فيَقو ُل ‪:‬هُ ُم القَ ْومُ لا َيشْقى بِـهِم َ‬
‫إنِـي ُأشْهِدُكم أنِـي قد غف ْرتُ لَـهم‪ ،‬قال‪ :‬فيَقولون‪َ :‬‬

‫‪ 3‬جزء من حديث أخرجه الترمذي (‪ ،)0033‬وأحمد (‪ )4727‬واللفظ له‪ .‬وأخرجه البخاري (‪ ،)0736‬ومسلم (‪ )2062‬باختلاف يسير من حديث أبي هريرة‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫كذلك المعامالت أيضا سبق أن خصص لها دورة‪ ،‬لكن ليس بعنوان النوازل و إنما بعنوان (معامالت مالية معاصرة)‬
‫ً‬
‫وهي أيضا مسجلة‪.‬‬

‫أيضا‪ ،‬وهو ما سنتحدث عنه إن شاء الله‬‫وبقي القسم الثالث واألخيروهو‪ :‬النوازل في غيرالعبادات وفي غيرالمعامالت ً‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫في هذه الدورة وسيكون الحديث إن شاء الله تعالى أوال‪ :‬مقدمة عن أهمية العناية بفقه النوازل‪ ،‬و أيضا حقيقة‬
‫النوازل والمناهج المعاصرة في النظرفيها‪ ،‬وكيف يكون الحكم على النازلة‪ ،‬ومزالق النظرفي النوازل‪ ،‬وبعد هذه‬
‫ً‬
‫المقدمة نبدأ في الحديث عن أبرز النوازل في غيرالعبادات‪ ،‬و أيضا في غيرالمعامالت‪ ،‬ومما سنذكره إن شاء الله‬
‫الكالم عن‪ :‬التصويرالفوتوغرافي‪ ،‬ورفع أجهزة النعاش‪ ،‬وموت الدماغ‪ ،‬ويرتبط به نقل األعضاء‪ ،‬ورفع أجهزة‬
‫النعاش عن الميؤوس من شفائه‪ ،‬واألطعمة واألشربة المشتملة على نسبة يسيرة من الكحول‪ ،‬واللحوم المستوردة‪،‬‬
‫والحقوق المعنوية‪ ،‬والتسبيح بالمسبحة اللكترونية‪ ،‬وجوزة الطيب والزعفران‪ ،‬وزراعة الشعر‪.‬‬

‫ثم ننتقل بعد ذلك للكالم عن النوازل في فقه األسرة‪ :‬التلقيح الصناعي‪ ،‬وإسقاط الجنين المشوه‪ ،‬وما يسمى بزواج‬
‫المسيار‪ ،‬وزواج األصدقاء‪،‬والزواج العرفي‪ ،‬والزواج بنية الطالق‪ ،‬واختيارجنس الجنين‪ ،‬والبصمة الور اثية‪ ،‬ونفقة‬
‫الزوجة العاملة‪.‬‬
‫ً‬
‫و أيضا نوازل أخرى‪ :‬توريث المتسبب في حادث سيارة من مورثه‪ ،‬استخدام البنج في قطع يد السارق‪،‬إعادة اليد‬
‫المقطوعة لصاحبها‪ ،‬القصاص في الكسور والجراح والشجاج‪ ،‬سرقة الحقوق المعنوية‪.‬‬
‫وربما إذا اتسع الوقت ً‬
‫أيضا ننتقل للحديث عن نوازل أخرى‪ ،‬لكن هذه هي النوازل المفترض أننا نتكلم عنها في هذه‬
‫الدورة إن شاء الله تعالى‪.‬‬

‫ولعلي أبدأ بالمقدمة فأقول‪:‬‬


‫هذه الشريعة جعلها الله تعالى شاملة لكل ما يحتاج إليه البشر‪ ،‬وجعلها صالحة ومصلحة لكل زمان ومكان‪ ،‬هذه‬
‫الشريعة من عند الله سبحانه وتعالى‪ ،‬وقد بين الله عزوجل وبين رسوله ﷺ للناس جميع ما يحتاجون إليه‪ ،‬يقول أبو‬
‫ذررض ي الله عنه‪( :‬ما توفي رسول الله ﷺ وطائريطير بجناحيه إال وقد ذكرلنا منه ً‬
‫علما)‪.1‬‬
‫ً‬ ‫ُ َُ ْ َ‬ ‫َ ُ َْ ُ َ ُ‬ ‫ْ َْ ْ ُ َُ‬
‫الله تعالى أنزل على نبيه ﷺ قوله‪{ :‬ال َي ْو َم أك َملت لك ْم دينك ْم َو أت َم ْمت َعل ْيك ْم ن ْع َمتي َو َرضيت لك ُم ال ْسال َم دينا}‪ .2‬قد‬
‫ً‬
‫أكمل الله الدين‪ ،‬و أتم النعمة وجعل هذا الدين كامال‪.‬‬
‫ً‬
‫وطالب العلم عندما يطلب العلم عليه أن ُيعنى أوال بجانب التأصيل‪ ،‬فإنه ال يستطيع أن يطلب العلم ما لم يكن‬
‫مؤصال‪ ،‬وأن يتبع المنهجية الصحيحة في طلب العلم‪ ،‬وال بد أن يأخذ بقدرمعين في جميع العلوم الشرعية ال يقل عن‬
‫هذا القدر‪ ،‬لكن أهم علمين ينبغي التركيزعليهما العقيدة والفقه‪ .‬فالعقيدة ال تخفى أهمية العناية باالعتقاد‬
‫الصحيح‪ ،‬والفقه يمثل حياة الناس العملية‪ ،‬فالناس عندما تستفتي تسأل في الغالب عن األسئلة الفقهية‪ :‬أحكام‬

‫‪ 1‬هذا القدر رواه أحمد في مسنده (‪ )٢٦١/ ٥‬بلفظ‪[ :‬تركنا رسول الله ﷺ وما طائر يقلب جناحيه في الهواء إلا وهو يذكرنا منه علما]‪.‬‬
‫‪ 2‬سورة المائدة آية (‪.)٣‬‬
‫‪0‬‬
‫الصالة والزكاة والصيام والمعامالت واألطعمة واألشربة‪ ،‬فهذا يبين لنا أهمية هذين العلمين مع العناية أيضا بالعلوم‬
‫ً‬
‫األخرى خاصة ما كان متعلقا بكالم الله وكالم رسوله ﷺ‪.‬‬

‫وعندما نتكلم عن الفقه نجد أن بعض طلبة العلم يركزعلى ضبط كالم العلماء المتقدمين‪ ،‬وهذا في حد ذاته ش يء‬
‫حسن لكنه ُيغفل معرفة أحكام المسائل المستجدة والنوازل‪ ،‬فإذا ُسئل عن مسألة جديدة أو عن نازلة قال‪ :‬والله ما‬
‫عندي فيها علم‪.‬‬

‫هذا يعتبر قصور لدى طالب العلم‪ ،‬فال بد أن يكون هنالك توازن في طلب العلم‪ ،‬وأن يكون هناك عناية بكالم العلماء‬
‫المتقدمين‪ ،‬وأن يتوفرلدى طالب العلم الحد األدنى لمعرفة هذه النوازل والقضايا المستجدة‪ .‬ومثل هذه الدورات‬
‫تحقق الحد األدنى لمعرفة حكم هذه النوازل‪ ،‬ولكنها ال تغني طالب العلم عن التوسع‪ ،‬وأن يستزيد ً‬
‫علما في معرفة‬
‫أحكامها‪ ،‬لكنها تعطي مفاتيح‪ ،‬وتحقق الحد األدنى في معرفة أحكامها وتصورها‪.‬‬

‫‪--------------------------------------------------‬‬

‫عندما نقول النوازل فالمقصود بالنوازل‪:‬‬


‫معناها في اللغة‪ :‬جمع نازلة‪ ،‬والنازلة هي المصيبة الشديدة من مصائب الدهر‪ ،‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫خر ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ً‬ ‫َ‬ ‫َو َل ُر َّب نا َلة َي ُ‬
‫ج‪1‬‬ ‫امل َ‬ ‫ضيق بها الفتى ذرعا َوعند الله منها‬ ‫زٍ‬
‫ومن ذلك (قنوت النوازل) يعني‪ :‬الشدائد التي تحل بالمسلمين‪.‬‬

‫ومعنى النوازل اصطالحا‪ :‬الوقائع الجديدة التي لم يسبق فيها نص وال اجتهاد‪.‬‬

‫وقولنا (الوقائع) يعني‪ :‬كل ما يقع للناس من مسائل وقضايا ُيحتاج لبيان الحكم الشرعي فيها سواء أكانت في العبادات‬
‫أو في غيرها‪.‬‬

‫وقولنا (الجديدة)‪ :‬يخرج بها المسائل القديمة التي تكلم عنها العلماء السابقون‪.‬‬

‫قولنا في التعريف (التي لم يسبق فيها نص أو اجتهاد)‪ :‬هذا قيد يخرج به المسائل المنصوص عليها‪ ،‬أو المسائل التي‬
‫سبق فيها اجتهاد أو فتيا من العلماء السابقين‪.‬‬

‫والنوازل عندما تطلق يراد بها‪:‬‬

‫المسائل الجديدة التي لم يسبق الكالم فيها‪.‬‬


‫ً‬
‫ويراد بها أيضا المسائل القديمة لكن طرأ عليها ما يقتض ي إعادة النظرفيها‪ ،‬يعني لو ضربنا لهذا مثاال‪ :‬إخراج الشعير‬
‫في زكاة الفطر‪ ،‬كان الناس في زمن النبي عليه الصالة والسالم يخرجون الشعير‪ ،‬لكن لو أراد أحد اآلن في وقتنا الحاضر‬

‫‪ 1‬الأبيات للإمام الشافعي رحمه الله تعالى‪.‬‬


‫‪7‬‬
‫ً‬
‫أن يخرج الشعيرفي زكاة الفطرنقول له‪ :‬أن هذا ال يجزئ؛ ألن الشعيراآلن في وقتنا أصبح علفا للبهائم وليس قوتا‬
‫لآلدميين‪.‬‬

‫هنا هي مسألة قديمة لكن طرأ عليها ما يستدعي إعادة النظرفيها‪ ،‬وإعادة النظر فيها يكون بمقتض ى النصوص‪،‬‬
‫بمقتض ى األصول والقواعد الشرعية ونحو ذلك‪.‬‬
‫ً‬
‫فمثال قضية الشعيرنعرف أن مقصود الشارع من زكاة الفطرهو‪ :‬إعطاء الفقراء ما يكون قوتا لهم يستغنون به عن‬
‫السؤال يوم العيد‪ ،‬وهذا ال يحققه إخراج الشعيرفي وقتنا الحاضر‪.‬‬

‫وهذا المصطلح ‪-‬مصطلح النوازل‪ -‬كان بعض العلماء يستخدمونه؛ الحافظ ابن عبد البرفي كتابه [جامع بيان العلم‬
‫وفضله] قال‪" :‬باب اجتهاد الرأي على األصول عند عدم النصوص في حين نزول النازلة"‪.1‬‬

‫قال النووي في شرحه على مسلم‪" :‬فيه اجتهاد األئمة في النوازل وردها إلى األصول"‪.2‬‬

‫ابن القيم أيضا في [إعالم الموقعين] يقول‪" :‬قد كان أصحاب النبي ﷺ يجتهدون في النوازل"‪.3‬‬

‫ابن الرشد "الجد" توفى سنة ‪025‬هـ له كتاب بعنوان‪[ :‬نوازل ابن رشد]‪ ،‬وبعضهم يسميه [فتاوى ابن رشد] أو [أجوبة‬
‫ابن رشد]‪ ،‬فهذا المصطلح مصطلح قديم ومعروف‪.‬‬
‫ً‬
‫وعندما ننظرلكيفية تعامل الصحابة رض ي الله عنهم مع النوازل‪ ،‬طبعا في عهد النبي عليه الصالة والسالم كان النبي‬
‫ﷺ هو المرجع للصحابة‪ ،‬هو المرجع للناس‪ ،‬لكن بعد وفاة النبي ﷺ حصلت قضايا ونوازل جديدة فكيف تعامل‬
‫الصحابة مع هذه النوازل وهذه القضايا؟‬
‫أقول‪ :‬إن الصحابة رض ي الله عنهم كانوا إذا نزلت بهم النازلة يجتمع علماؤهم ويتشاورون ويتباحثون فيها‪ ،‬ثم يخرجون‬
‫ً‬
‫عن رأي‪ ،‬وهذا ما يسمى بـ(االجتهاد الجماعي)‪ ،‬وأذكرلهذا مثاال‪[ :‬قصة عمررض ي الله عنه لما خرج إلى الشام‪ ،‬حتى إذا‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫كان بالطريق أخبربأن الطاعون قد وقع بأرض الشام ومعه جيش‪ ،‬هو اآلن أمام نازلة‪ ،‬هو يسيربجيشه إلى الشام أخبر‬
‫بأن الطاعون قد وقع بأرض الشام‪ ،‬فما الذي فعله عمر؟‬
‫ً‬
‫جمع الصحابة‪ ،‬بدأ أوال بالمهاجرين واستشارهم وأخبرهم بأن الوباء قد وقع بأرض الشام فما رأيكم؟ هل نرجع أو‬
‫نستمر؟ فاختلفوا‪ ،‬قال بعضهم‪" :‬نرجع"‪ ،‬وقال بعضهم‪" :‬ال‪ ،‬بل نحن قد خرجنا ألمرفال نرجع"‪ ،‬ومنهم من قال‪" :‬معك‬
‫بقية أصحاب النبي ﷺ ونرى أن ال تقدم بهم على هذا الوباء"‪ ،‬فاختلفوا فقال عمر‪" :‬ارتفعوا عني"‪ .‬ثم دعا األنصار‬
‫فاستشارهم فاختلفوا كما اختلف المهاجرون‪ .‬ثم دعا من كان من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح فدعاهم‪ ،‬فلم‬
‫يختلفوا في أن يرجع عمر‪ ،‬وأن ال يقدم بالناس على هذا الوباء‪ ،‬فلما رآهم عمرقد أجمعوا ولم يختلفوا نادى في الناس‬
‫ً‬
‫بالرجوع‪ ،‬قال أبو عبيدة‪" :‬يا أميرالمؤمنين أفرارا من قدرالله"‪ ،‬قال‪" :‬لو قالها غيرك يا أبا عبيدة!! نحن نفرمن قدر‬

‫‪ 1‬جامع بيان العلم وفضله للحافظ ابن عبد البر (جـ‪.)٤٨٨/١‬‬


‫‪ 2‬شرح النووي على صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الإيمان باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت ما لم يشرع (جـ‪.)١٢٣ / ٢‬‬
‫‪[ 3‬أعلام الموقعين عن رب العالمين] لابن قيم الجوزية‪ ،‬باب خْاب عمر إلى أبي موسى‪ ،‬فصل‪ :‬كان أصحاب النبي ﷺ يجتهدون ويقيسون (جـ‪.)٣٥٨ / ١‬‬
‫‪5‬‬
‫إبل هبطت ً‬
‫واديا له عدوتان‪ :‬إحداهما خصبة واألخرى مجدبة‪ ،‬أليس إن رعت‬ ‫الله إلى قدرالله‪ ،‬أرأيت إن كان لك ٌ‬
‫الخصبة رعت بقدرالله‪ ،‬وإن رعت املجدبة رعت بقدرالله"‪ ،‬انظرإلى فقه عمررض ي الله عنه‪ ،‬بعد ذلك وهم‬
‫متجهزون للرجوع جاء عبد الرحمن بن عوف وكان قد تغيب لحاجته وقال إن عندي في هذه ً‬
‫علما‪ ،‬إني سمعت رسول‬
‫الله ﷺ يقول‪( :‬إذا وقع الطاعون بأرض فال تقدموا عليها‪ ،‬وإذا وقع بأرض و أنتم فيها فال تخرجوا منها) فحمد الله عمر‬
‫والصحابة وكبروا؛ ألنهم اجتهدوا ووفقهم الله تعالى للصواب]‪ ، 1‬فانظروا إلى هذه القصة العظيمة التي أوردها‬
‫البخاري وغيره‪ ،‬و انظروا كيف تعامل الصحابة مع هذه النازلة‪.‬‬

‫عمربإمكانه أن يقرر من نفسه‪ ،‬هو أميرالمؤمنين‪ ،‬وأحد العشرة المبشرين بالجنة‪ ،‬وأحد الخلفاء الراشدين‪ ،‬لكن لم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يكن يفعل هذا عمر‪ ،‬وليس هذا من هدي الصحابة؛ ألن من هديهم التشاور‪ ،‬والنسان يبقى بشرا ضعيفا قد يذهل‬
‫عن أبسط األشياء‪ ،‬ولذلك ال بد من التشاور والتباحث والسؤال‪ ،‬فجمع عمرالصحابة ثالث مرات وهو يجتمع معهم‬
‫حتى فتح الله عليهم وخلصوا إلى رأي تبين لهم فيما بعد أن هذا الرأي هو الصواب‪ ،‬وكما يقول بعض السلف‪ :‬ما‬
‫تشاور قوم إال وفقهم الله للصواب { َو َأ ْم ُر ُه ْم ُش َ‬
‫ورى َب ْي َن ُه ْم}‪.2‬‬
‫فمثل هذه القضايا والنوازل التي تهم األمة وتهم عموم الناس ينبغي أن ال ينفرد فيها ٌ‬
‫عالم برأي‪ ،‬و إنما يكون هناك‬
‫ً‬
‫(اجتهاد جماعي)‪ ،‬وهذا هو منهج الصحابة رض ي الله عنهم‪ ،‬و أيضا هو منهج التابعين من بعدهم‪ ،‬وفي القرون الماضية‬
‫ً‬
‫أيضا كان أهل العلم يجتمعون ويتشاورون في النوازل‪ ،‬وفي وقتنا الحاضر‪-‬أيضا األمة ال تزال بخير‪ -‬هناك عناية كبيرة‬
‫ُ‬
‫بفقه النوازل والقضايا والمسائل المستجدة‪ ،‬وقد أصبح هناك مؤسسات علمية ترعى االجتهاد الجماعي وتعنى‬
‫بدراسة النوازل والقضايا المستجدة ومن أبرزها‪ :‬املجامع الفقهية‪.‬‬
‫َ‬
‫وهناك عدة مجامع‪ ،‬من أبرز هذه املجامع‪[ :‬امل ْجمع الفقهي السالمي برابطة العالم السالمي]‪ ،‬وهو من أقدمها‪ ،‬وله‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قرابة ‪ 50‬عاما‪ ،‬وينعقد كل سنتين تقريبا‪ ،‬كان يرأسه الشيخ عبد الله بن حميد رحمه الله‪ ،‬ثم بعد ذلك سماحة‬
‫شيخنا عبد العزيزبن باز‪ ،‬ثم سماحة المفتي اآلن الشيخ عبدالعزيزآل الشيخ‪ ،‬ويضم نخبة من فقهاء العالم‬
‫السالمي‪ ،‬واستكتب بعض املختصين فإذا كانت القضية اقتصادية يستكتب اقتصادي‪ ،‬وإذا كانت طبية يستكتب‬
‫طبيب‪ ،‬وإذا كانت فلكية يستكتب فلكي‪ ،‬وهكذا‪ ،‬ثم يعرض املختصون ما لديهم‪ ،‬ويستكتب باحثون من طلبة العلم‪،‬‬
‫ويحصل نقاش مستفيض في تلك القضايا والنوازل‪ ،‬ثم الرؤية بعد ذلك بأن الموضوع قد نضج وقد أخذ حقه من‬
‫البحث ومن المناقشة يصدرقرار‪ ،‬وإن رؤي أنه لم يستكمل البحث والمناقشة يؤجل لمزيد من الدراسة‪ .‬و أيضا‬

‫ن‬
‫اللهِ بْ ِ‬
‫ن عَبْدِ َ‬ ‫‪ 1‬أخرجه البخاري (‪ )٥٢١٥‬كتاب الْب‪ ،‬باب ما يذكر في الْاعون‪ ،‬وعند مسلم باب الْاعون والْيرة والكهانة ونحوها (‪ ،)١١٢٥‬ولفظ البخاري‪( :‬عَ ْ‬
‫َن الوَبَا َء قَ ْد َوقَ َع بِأَ ْرضِ‬ ‫ن الجَرَاحِ َوَأصْحَا ُبهُ‪ ،‬فَأَخْبَرُوهُ أ َ‬ ‫عبَيْ َد َة بْ ُ‬
‫س ْرغَ لَقِ َيهُ أُمَرَا ُء ال َأجْنَادِ‪ ،‬أَبُو ُ‬
‫ن ِب َ‬
‫ج ِإلَى الشَ ْأمِ‪ ،‬حَتَى إِذَا كَا َ‬ ‫اللهُ عَ ْنهُ‪ ،‬خَرَ َ‬‫ب َرضِيَ َ‬ ‫ن الخََْا ِ‬ ‫َن عُمَ َر بْ َ‬‫س ‪:‬أ َ‬ ‫عَبَا ٍ‬
‫جتَ لِأَمْرٍ‪ ،‬وَلاَ نَرَى أَنْ‬ ‫َن ال َوبَا َء قَدْ وَ َق َع بِالشَأْمِ‪ ،‬فَاخْ َتلَفُوا‪ ،‬فَقَالَ بَ ْعضُهُ ْم ‪:‬قَ ْد خَرَ ْ‬
‫س َتشَا َر ُهمْ‪َ ،‬وأَخْبَرَ ُهمْ أ َ‬‫َولِينَ‪ ،‬فَدَعَا ُهمْ فَا ْ‬
‫ن الأ َ‬ ‫ل عُمَرُ‪ :‬ا ْدعُ لِي المُهَاجِرِي َ‬ ‫س ‪ :‬فَقَا َ‬
‫ن عَبَا ٍ‬ ‫الشَأْ ِم ‪.‬قَالَ ابْ ُ‬
‫عوْتُ ُهمْ‬
‫علَى هَذَا ال َوبَاءِ‪ ،‬فَقَا َل ‪:‬ارْتَفِعُوا عَنِي‪ ،‬ثُمَ قَا َل ‪:‬ادْعُوا لِي الَأ ْنصَارَ‪ ،‬فَدَ َ‬ ‫ن تُقْدِمَ ُه ْم َ‬‫اللهِ ﷺ‪ ،‬وَلاَ نَرَى أَ ْ‬ ‫ب َرسُو ِل َ‬ ‫صحَا ُ‬ ‫ك بَق َِي ُة النَاسِ َوأَ ْ‬ ‫ل بَ ْعضُهُ ْم ‪:‬مَعَ َ‬‫تَرْجِ َع عَنْهُ‪َ ،‬وقَا َ‬
‫ن مُهَاجِرَ ِة الفَتْحِ‪ ،‬فَدَعَوْتُهُمْ‪ ،‬فََل ْم يَخْتَِلفْ‬ ‫ش مِ ْ‬
‫خةِ قُرَ ْي ٍ‬
‫ن َمشْيَ َ‬‫ن كَانَ هَا ُهنَا مِ ْ‬ ‫ختِلَافِهِمْ‪ ،‬فَقَا َل‪:‬ارْتَفِعُوا عَنِي‪ ،‬ثُمَ قَا َل ‪:‬ا ْدعُ لِي مَ ْ‬ ‫ل المُهَاجِرِينَ‪ ،‬وَاخْ َتلَفُوا كَا ْ‬ ‫سلَكُوا سَبِي َ‬ ‫فَاسْ َتشَا َر ُهمْ‪َ ،‬ف َ‬
‫ن الجَرَاحِ‪َ :‬أفِرَارًا‬ ‫علَ ْي ِه ‪.‬قَالَ أَبُو عُ َبيْدَةَ بْ ُ‬
‫علَى ظَهْرٍ فََأصْ ِبحُوا َ‬ ‫ح َ‬ ‫س ‪:‬إِنِي مُصَبِ ٌ‬ ‫علَى هَذَا ال َوبَاءِ‪ ،‬فَنَادَى عُمَرُ فِي النَا ِ‬ ‫س وَلَا تُقْدِمَ ُه ْم َ‬ ‫ج َع بِالنَا ِ‬‫ن تَرْ ِ‬ ‫علَ ْي ِه رَجُلاَنِ‪ ،‬فَقَالُوا ‪:‬نَرَى أَ ْ‬ ‫مِنْ ُه ْم َ‬
‫خرَى جَدْبَةٌ‪،‬‬ ‫خصِبَةٌ‪ ،‬وَالأُ ْ‬ ‫ت وَادِيًا َل ُه عُدْوَتَانِ‪ ،‬إِحْدَاهُمَا َ‬ ‫ْ ْ‬‫ل َهبَ َ‬ ‫ِر مِنْ قَدَرِ اللَ ِه ِإلَى َقدَرِ اللَهِ‪ ،‬أَ َرأَ ْيتَ لَ ْو كَانَ لَكَ إِ ِب ٌ‬‫ل عُمَرُ ‪ :‬لَ ْو غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْ َدةَ؟ نَ َعمْ نَف ُ‬‫اللهِ؟ فَقَا َ‬
‫مِنْ قَدَرِ َ‬
‫ِن عِنْدِي فِي هَذَا‬ ‫ن مُتَغَيِبًا فِي بَ ْعضِ حَاجَتِ ِه ‪ -‬فَقَالَ ‪:‬إ َ‬ ‫ف ‪ -‬وَكَا َ‬ ‫ن عَوْ ٍ‬ ‫ن بْ ُ‬
‫ت الجَدْبَ َة رَعَيْتَهَا بِقَدَ ِر اللَهِ؟ قَالَ‪:‬فَجَا َء عَبْدُ الرَحْمَ ِ‬ ‫ن رَعَ ْي َ‬ ‫اللهِ‪َ ،‬وإِ ْ‬
‫ص َب َة رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ َ‬
‫ت الخَ ْ‬ ‫ن رَعَ ْي َ‬ ‫َألَ ْيسَ إِ ْ‬
‫ُم ا ْنصَرَفَ)‪.‬‬ ‫الل َه عُمَ ُر ث َ‬
‫علَيْهِ‪َ ،‬وإِذَا َوقَ َع بِأَ ْرضٍ َوأَ ْنُت ْم بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا مِ ْنهُ" قَالَ‪ :‬فَحَمِ َد َ‬ ‫اللهِ ﷺ يَقُولُ‪" :‬إِذَا سَمِعْ ُت ْم ِبهِ بِأَ ْرضٍ فَلَا تَقْدَمُوا َ‬ ‫ل َ‬ ‫ت َرسُو َ‬ ‫علْمًا‪ ،‬سَمِ ْع ُ‬ ‫ِ‬

‫‪ 2‬سورة الشورى آية (‪.)٣٤‬‬


‫‪0‬‬
‫ً‬
‫[ َم ْج َمع الفقه السالمي الدولي بمنظمة التعاون السالمي]‪ ،‬و أيضا له تقريبا ‪ 55‬عاما‪ ،‬ويفترض في نظامه أنه ينعقد كل‬
‫ً‬
‫سنة‪ ،‬لكن عمليا ينعقد كل سنتين أو ثالث‪ ،‬وفي كل عام في دولة من دول العالم السالمي‪ ،‬لكن مقره "جدة"‪ ،‬وصدر‬
‫منه قرارات أيضا في بعض القضايا والنوازل‪ ،‬يمكن أن يستفيد منها طالب العلم‪.‬‬

‫وهناك مجامع فقهية أخرى لكن أكثرها محلية مثل‪َ [ :‬مجمع الفقه] في السودان‪[ ،‬مجمع الفقه] في الهند وغيرها‪.‬‬

‫وهناك بعض الهيئات العلمية التي أيضا لها عناية باالجتهاد الجماعي ومنها‪[ :‬هيئة كبارالعلماء] في المملكة‪ ،‬وتنعقد‬
‫بجميع أعضائها كل ستة أشهر‪ ،‬وغالب ما يعرض عليها من النوازل والقضايا المستجدة في الغالب‪.‬‬

‫وهناك أيضا دور الفتاء في دول العالم السالمي‪ ،‬والهيئات الشرعية في المصارف فيما يتعلق بالمعامالت المالية‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫والرسائل العلمية أيضا لها عناية بفقه النوازل‪ ،‬فمثال عندنا في كلية الشريعة‪ :‬قسم الفقه في كلية الشريعة بالرياض‪،‬‬
‫عندنا مشروع النوازل في جميع أبواب الفقه من الطهارة إلى القرار‪ ،‬جميع أبواب الفقه‪ ،‬كلها في رسائل علمية‪ ،‬هذه‬
‫كلها ُعنيت بهذا الفقه‪ ،‬وهو فقه النوازل‪.‬‬

‫‪-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬


‫يا أخوان أؤكد على ما ذكرته من أن طالب العلم ال بد أن يكون لديه الحد األدنى لتصور ومعرفة حكم كل نازلة‪ ،‬ال بد‪.‬‬
‫ً‬
‫مسألة مستجدة (نازلة) ما يكون عندك فيها ش يء إطالقا‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫ال يحسن ‪-‬و أنت طالب علم اآلن‪ -‬أن يأتيك إنسان يسألك عن‬
‫ً‬
‫على األقل تضبط آراء املجامع الفقهية‪ ،‬أو مثال كبارأهل العلم تضبط آراءهم فيها‪ ،‬هذا هو الحد األدنى‪.‬‬

‫‪--------------------------------------------------‬‬

‫عندما ننظرللمناهج المعاصرة عند النظرفي النوازل نجد أن هناك ثالثة مناهج‪:‬‬

‫المنهج األول‪ :‬منهج التضييق والتشديد‪ ،‬ومن سمات هذا المنهج‪:‬‬

‫‪-‬أن معظم ما يفتي به التحريم‪ ،‬كل ش يء حرام حرام‪ ،‬ويشدد ويضيق على الناس‪.‬‬
‫‪ً -‬‬
‫أيضا من أبرز معالمه المبالغة في سد الذرائع‪ ،‬والمبالغة في االحتياط عند كل خالف‪.‬‬ ‫و‬
‫‪--------------------------------------------------‬‬

‫‪4‬‬
‫كل ُيحسنه‪ ،‬فمن السهل أن تقول‪" :‬حرام" وتنتهي‪ ،‬في أية مسألة جديدة تقول‪" :‬ال يجوز" وتنهي المسألة‪،‬‬ ‫والتشديد ٌ‬
‫الرخص عن الثقات"‪ ،1‬والنسان إذا‬ ‫كل ُيحسنه‪ ،‬إنما العلم ُ‬ ‫علما‪ ،‬العلم كما يقول سفيان‪" :‬التشديد ٌ‬‫ولكن هذا ليس ً‬
‫مسألة إن كان يعلم أجاب‪ ،‬وإن كان ال يعلم فيقول‪ :‬الله أعلم‪ ،‬أو يقول‪ :‬ال أعلم‪ ،‬وال يجوز له أن يقول "حرام"‬
‫ٍ‬ ‫ُسئل عن‬
‫ً‬
‫نفسيا‪ ،‬هذا غيرصحيح‪،‬‬ ‫وهوال يعلم‪ ،‬بعض الناس يرى أنه إذا قال "حرام" يعني أنه خرج من العهدة‪ ،‬وبعضهم ربما يرتاح‬
‫تحريم الحالل مثل تحليل الحرام أوأشد ألنه على األقل تحليل الحرام هومع األصل وهوالبراءة األصلية‪ ،2‬تحليل الحرام‬
‫على األقل إذا قال هو حالل هو على البراءة األصلية‪ ،‬لكن إذا قال حرام نقل المكلف عن البراءة األصلية‪.‬‬

‫مما أباح الله لهم‪ ،‬اقرأ سورة المائدة وسورة األنعام‪ ،‬تجد أن الله عز‬ ‫وقد أنكر الله تعالى على المشركين تحريم كثير َّ‬
‫ٍ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وجل أنكرعلى المشركين تحريم كثيرمما أباح الله للناس‪ ،‬كما قال سبحانه‪{ :‬ث َمان َية أز َواج م َن َّ‬
‫الضأن اثن ْين َوم َن ال َم ْعز‬ ‫ٍ‬
‫َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ ْ ُُْ‬ ‫ْ َ ْ ُ ْ َّ َ َ ْ َ َّ َ َ ْ ُ ْ َ َ ْ َ َّ ْ َ َ َ ْ َ َ ْ َ ْ َ ُ ْ ُ ْ َ َ ُ‬
‫ام األنث َي ْين نبئوني بعل ٍم إن كنتم صادقين (‪ )١٤١‬ومن البل‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫اثنين قل آلذكرين حرم أم األنثيين أما اشتملت عليه أرح‬
‫ْ َ ْ َ َ ْ َ َ ْ َ ْ ُ ْ َّ َ َ ْ َ َّ َ َ ْ ُ ْ َ َ ْ َ َّ ْ َ َ َ ْ َ َ ْ َ ْ َ ُ ْ ُ ْ َ َ ْ َ ْ ُ ْ ُ ْ ُ َ َ َ ْ َ َّ ُ َّ َ‬
‫صاك ُم الل ُه ب َهذا‬ ‫اثنين ومن البقراثنين قل آلذكرين حرم أم األنثيين أما اشتملت عليه أرحام األنثيين أم كنتم شهداء إذ و‬
‫َّ َ‬ ‫َْ‬ ‫َّ َ َ‬ ‫َ َ ْ َ ْ َ ُ َّ ْ َ َ َ َ َّ َ ً ُ َّ َّ َ َ ْ‬
‫اس بغ ْير عل ٍم إ َّن الله ال َي ْهدي الق ْو َم الظالمين}‪ ،3‬انظر التشديد في هذه‬ ‫فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الن‬
‫َ َّ َ‬ ‫َۡ‬ ‫َ َ َۡ‬ ‫َ ُۡ َ‬ ‫ُ ۤ َّ َ‬
‫المسألة‪{ ،‬ق ۡل َءالذك َرۡین َح َّر َم أم ٱألنث َی ۡين}‪ ،‬إنكارعلى املحرمين بغيرعلم ولهذا قال‪{ :‬ف َم ۡن أظل ُم م َّمن ٱفت َر ٰى َعلى ٱلله كذ ًبا‬
‫ُ َّ َّ َ َ ۡ‬
‫اس بغ ۡيرعل ٍم}‪ ،‬فالتحريم بغيرعلم هذا ال يجوز‪.‬‬ ‫لیضل ٱلن‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫أيضا ذكرالله تعالى في سورة المائدة و أنكرعلى من حرم الحالل‪َ { :‬ما َج َع َل الل ُه م ْن َبح َير ٍة َوال َسائ َب ٍة َوال َوصيل ٍة َوال َح ٍام‬ ‫ً‬
‫و‬
‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َو َلك َّن الذ َ‬
‫َّ‬
‫ين كف ُروا َيفت ُرون َعلى الله الكذ َب َوأكث ُر ُه ْم ال َي ْعقلون}‪{ ،4‬ق ْل َم ْن َح َّر َم زينة الله التي أخ َر َج لع َباده َوالطي َبات‬
‫َ ْز ‪َ َ ْ َ َّ َّ َ َ ْ َّ َ َ ُ َ ْ َ ٌ َ َ َ َ َ ٌ َ َ َ َ َ َ ْ ُ ُ ُ َ ْ َ ُ َ َ ُ ُ َ َ َ 5‬‬
‫ين َيفت ُرون‬ ‫من الر ق} ‪{ ،‬وال تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حالل وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذ‬
‫َ‬ ‫َ َّ ْ َ َ ْ‬
‫َعلى الله الكذ َب ال ُيفل ُحون}‪ 6‬واآليات في هذا كثيرة‪ ،‬يكفي أن تقرأ سورة المائدة وسورة األنعام ففيها النكارالشديد على‬
‫من حرم بغيرعلم‪.‬‬

‫هذا المنهج يسلكه بعض الخوة في زعمهم أن هذا هو الورع‪ ،‬وأن هذا هو االحتياط‪ ،‬وأن هذا يمنع الناس من التحلل‪،‬‬
‫ً‬
‫هذا غير صحيح‪ ،‬المسألة مسألة حالل وحرام‪ ،‬ال يجوز لك أن تخوض فيها وأن تتكلم فيها بغير علم‪ ،‬إذا هذا المنهج‬
‫منهج غيرسديد‪ ،‬ويقابله‪:‬‬

‫ُل أَحَدٍ)‪.‬‬
‫حسُِن ُه ك ُ‬
‫التشْدِي ُد فَيُ ْ‬
‫ن ثِقَ ٍة ‪ ،‬فَأَمَا َ‬
‫ص ُة مِ ْ‬
‫خ َ‬
‫الر ْ‬
‫ذكر الحافظ ابن عبد البر في كتابه جامع بيان العلم وفضله ما جاء عن سفيان الثوري رحمه الله ‪( :‬إِنَمَا الْ ِع ْل ُم عِنْدَنَا ُ‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 2‬المقصود بالبراءة الأصلية هي أن الأصل في الأشياء التي لم يرد فيها نص بالتحريم أنها مباحة شرعًا‪ ،‬حتى تثبت حرمتها‪.‬‬

‫‪ 3‬سورة الأنعام آيات (‪.)٢٨٨ -٢٨٣‬‬


‫‪ 4‬سورة المائدة آية (‪.)٢٠٣‬‬
‫‪ 5‬سورة الأعراف آية (‪.)٣١‬‬
‫‪ 6‬سورة النحل آية (‪.)٢٢٦‬‬
‫‪6‬‬
‫المنهج الثاني‪ :‬وهو منهج التساهل واالنحالل‪ ،‬كما يعبر عن ذلك الشاطبي‪" :1‬التساهل واالنحالل"‪ ،‬والتوسع الزائد‬
‫ً‬
‫تساهال ً‬
‫كبيرا في كثيرمن المسائل‪ ،‬ومعظم أجوبة المفتين ممن ينتهج هذا‬ ‫وهذا يوجد لدى بعض المفتين‪ ،‬نجد عندهم‬
‫المنهج‪ ،‬كل ش يء يجوز يجوز‪ ،‬حالل حالل‪ ،‬ال تحرموا على الناس‪ ،‬ال تشددوا على الناس‪.‬‬

‫ومن أبرز مالمح هذا المنهج‪:‬‬

‫*الفراط في العمل بالمصلحة ولو عارضت النصوص‪ :‬الناس لهم مصلحة في هذا الش يء‪،‬لكن يوجد نص يمنع من هذا‪،‬‬
‫فيقولوا ال تحولوا بين الناس وبين مصالحهم‪.‬‬

‫*ومن أبرز مالمح هذا المنهج‪ :‬تتبع الرخص والتلفيق بين المذاهب‪ ،‬والمبالغة في األخذ بالحيل الفقهية‪ ،‬والبحث عن‬
‫اآلراء الشاذة و إبرازها وتبنيها‪.‬‬
‫ً‬ ‫فهذا المنهج ً‬
‫أيضا منهج خطير‪ ،‬ال يقل خطورة عن المنهج األول‪ ،‬وبعض الناس يريد أن ُيخضع الشريعة للو اقع‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فيجعل الشريعة تجيز ما هو و اقع‪ ،‬وهذا خطأ‪ ،‬والواجب أن نخضع الو اقع لشريعة الله‪ ،‬هذا هو الواجب‪ :‬أن يخضع‬
‫ا‬
‫حالًل أحللناه‪ ،‬وما كان حرام َّ‬
‫حرمناه‪ .‬وال نتأثر بضغط الواقع‪ ،‬ونحاول أن نبحث عن‬ ‫الواقع لشريعة الله عز وجل؛ فما كان‬
‫المخارج والحيل وتمييع النصوص؛ ألجل مسايرة الواقع‪.‬‬
‫فينبغي ًإذا أن ُيعظم طالب العلم الدليل ويجعل الو اقع ً‬
‫تبعا للدليل‪.‬‬
‫ً‬
‫إذا هذان المنهجان خاطئان غيرسديدين‪.‬‬
‫شددت فيه الشريعة ُ‬
‫فيشدد فيه‪،‬‬ ‫المنهج الثالث‪ :‬منهج االعتدال المبني على الدليل‪ ،‬فال تشديد وال تساهل إال فيما َّ‬
‫لكن كسمة عامة "االعتدال"‪ ،‬مع النظرلألصول والقواعد الشرعية‪ ،‬والنظر في مقاصد الشريعة‪.‬‬

‫قال الشاطبي رحمه الله‪" :‬المفتي البالغ ذروة الدرجة هوالذي َيحمل الناس على الوسط المعهود فيما يليق بالجمهور‪،‬‬
‫فال يذهب بهم مذهب الشدة‪ ،‬وال يميل بهم إلى طرف االنحالل‪ ،‬والدليل لصحة هذا أن هذا هو الصراط المستقيم‪ ،‬فإن‬
‫الصراط المستقيم وسط بين الطرفين‪ ،‬وهوالصراط المستقيم الذي جاءت به الشريعة‪...‬الخ‪ 2"..‬والشاطبي رحمه الله‬
‫له كالم جيد في هذه القضية‪.‬‬
‫ولكن منهج االعتدال قلنا هو المنهج الصحيح‪ ،‬وهو المنهج الصواب‪ .‬لكن ليس دائ ًما الوسط هو الصواب‪ ،‬فقد يكون‬
‫الصواب هو التشديد في بعض القضايا‪ ،‬وقد يكون الصواب هو التسامح في بعض القضايا‪.‬‬

‫‪ 0‬يشير الشيخ حفظه الله إلى كلام الشاطبي في كتابه الموافقات‪ ،‬القسم الخامس‪ ،‬كتاب الاجتهاد حيث قال‪ :‬المفتي البالغ ذروة الدرجة هو الذي يَحمِل الناس على الوسط‬
‫المعهود فيما يليق بالجمهور‪ ،‬فلا يذهب بهم مذهب الشدة‪ ،‬ولا يميل إلى طرف الانحلال‪.‬‬

‫‪ 2‬المصدر السابق‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فإذا المعول عليه هوالدليل من الكتاب والسنة‪ ،‬فما َّ‬
‫شددت فيه النصوص ُيشدد فيه‪ ،‬وما جعلت النصوص فيه سعة‬
‫ً‬
‫ُيتسامح فيه‪ ،‬فمثال‪:‬‬
‫المعامالت المالية البعيدة عن الربا‪ :‬األصل فيها الحل والباحة فال ُيشدد فيها‪ ،‬لكن دائرة الربا هذه َّ‬
‫يشدد فيها ألن‬
‫الشريعة َّ‬
‫شددت فيها‪.‬‬
‫ُ‬ ‫عمليات التجميل‪ :‬الشريعة َّ‬
‫شددت فيها ‪-‬التي فيها تغيير لخلق الله‪ -‬فلعنت الواصلة والموصولة‪ ،‬والواشمة‬
‫والمستوشمة‪ ،‬والنامصة والمتنمصة‪ ،‬مع أنها قد يظنها بعض الناس مسألة سهلة‪ ،‬النمص مجرد ترقيق الحاجب؛ لكن‬
‫المسألة فيها لعن‪ ،‬فهذا يدل على التشديد في هذه القضية فال بد من التشديد فيها‪.‬‬
‫ً‬ ‫ًإذا الصواب هو االعتدال المبني على الدليل‪ ،‬فما َّ‬
‫شددت فيه الشريعة ُي َّ‬
‫شدد فيه‪ ،‬وما جعلت فيه سعة ُيتسامح فيه‪،‬‬
‫هذا هو المنهج الحق وهو منهج الراسخين في العلم فال تشديد وال تساهل‪.‬‬

‫‪--------------------------------------------------‬‬

‫كيفية الحكم على النازلة‪:‬‬


‫فال بد عند النظرفي النازلة من (التصور) قبل الحكم عليها‪ ،‬والخطأ في تصور المسألة يؤدي إلى الخطأ في الحكم‪.‬‬
‫التصور مهم ً‬
‫جدا‪ ،‬ولهذا عند العلماء مقولة مشهورة‪" :‬الحكم على الش يء فرع عن تصوره"‪.1‬‬

‫ابن القيم رحمه الله يقول‪" :2‬ال يتمكن المفتي وال الحاكم بالحق إال بنوعين من الفهم‪ :‬الفهم األول‪ :‬فهم الو اقع والفقه‬
‫فيه‪ .‬الفهم الثاني‪ :‬فهم حكم الله ورسوله في هذا الو اقع‪ .‬ثم يطبق أحدهما على اآلخر"‪.‬‬
‫ً‬
‫إذا ال بد من هذين الفهمين‪ ،‬الفهم األول الذي عبرعنه ابن القيم بـ(فهم الو اقع) هوالتصور الصحيح للمسألة والنازلة‪،‬‬
‫وهذا له أثركبير‪ ،‬وهذه هي الشكالية الكبيرة في الوقت الحاضرعند النظرفي النوازل‪ ،‬تجد بعض الناس عنده علم غزير‬
‫ً‬
‫قاصرا‪ ،‬فال يفهم النازلة الفهم الصحيح‪ ،‬وال يتصورها التصور الدقيق‪.‬‬ ‫لكن المشكلة عندما ينظرللنازلة يكون تصوره‬
‫ً‬
‫ولهذا ينبغي عند النظر في النوازل االستعانة باملختصين‪ ،‬فقد تكون المسألة مثال معقدة فتكون مسألة اقتصادية‬
‫فيستعان باالقتصادي‪ ،‬وقد تكون طبية فيستعان باألطباء‪ ،‬وقد تكون متعلقة بعلوم أخرى فيستعان بأهل التخصص‬
‫جدا‪ ،‬وفهم‬‫في تلك العلوم‪ ،‬فأكبرما يكون الخطأ في الحكم على النوازل من جهة الخطأ في التصور؛ ولذلك التصور مهم ً‬
‫ً‬ ‫اقع المسألة مهم ً‬
‫جدا‪ .‬ستأتينا أول مسألة بعد قليل مثال‪:‬‬ ‫و‬
‫‪--------------------------------------------------‬‬

‫‪ 1‬ونص هذه القاعدة عند العلماء هي كالآتي‪ " :‬الحكم على الشيء فرع عن تصوره " ذكرها ابن النجار الفتوحي الحنبلي في شرح الكوكب المنير‪ ،‬ووردت بنص‪" :‬‬
‫الحكم على الشيء فرع تصوره " في كتاب التقرير والتحبير" لابن المؤقت الحنفي‪ ،‬كما جاءت بلفظ‪ ":‬الحكم على الشيء فرع على تصوره" مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام‬
‫ابن تيمية ‪.‬‬

‫‪ 2‬إعلام الموقعين عن رب العالمين جـ‪/٢‬صـ‪.٢٠‬‬


‫‪13‬‬
‫(التصوير الفوتوغرافي)‬
‫الخالف في التصويرالفوتوغرافي بسبب الخالف في التصور‪ .‬التصويرحقيقته وطريقته هي سبب الخالف في التصوير‪،‬‬
‫فمن رآه أنه صورة بالمعنى الشرعي قال‪ :‬أنه محرم‪ ،‬ومن رأى أنه ليس صورة بالمعنى الشرعي قال‪ :‬ال ليس هو التصوير‬
‫ً‬
‫املحرم‪ .‬إذا التصور هنا يؤثرعلى الحكم في النازلة‪.‬‬

‫ثم بعد التصور الكامل والفهم الكامل للنازلة ينتقل لتطبيق الحكم على النازلة‪ ،‬وهذا التطبيق تطبيق مهم فال بد من‬
‫أن يكون هناك رسوخ في العلم وفهم صحيح ألمور الشريعة ألجل تطبيق ذلك الحكم على النازلة‪.‬‬
‫ً‬
‫والمسائل والقضايا الجديدة ينبغي عدم االستعجال في الحكم عليها ألنه أحيانا أول ما تكون المسألة جديدة ترد إلينا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وهي غيرمكتملة التصور والتصوير‪ ،‬ثم بعد ذلك تتضح المسألة مع مرورالزمن شيئا فشيئا‪ ،‬ثم تتضح أمور لواتضحت‬
‫لمن استعجل في الفتيا فيها من أول مرة لربما كان له رأي آخر‪.‬‬
‫مثاال‪( :‬األوراق النقدية) أول ما خرجت كان هناك فتاوى لبعض كبارأهل العلم فيها أنها ليست ً‬ ‫ً‬
‫نقدا‪ ،‬لكن‬ ‫أضرب لهذا‬
‫مع مرورالوقت اتضح أمرها أكثر‪ ،‬ثم اتضح أكثر‪ ،‬ثم استقررأي العلماء المعاصرين فيها على أنها نقد قائم بذاته‪.‬‬
‫يأتي في الوقت الحاضرمن يأخذ رأي عالم من العلماء الذين ذكروا ً‬
‫حكما في أول أمرها قبل اكتمال التصور فيها ويحتج‬
‫به ويقول‪ :‬أنها كذا وكذا‪ ،‬فأقول‪ :‬عند القضايا والمسائل المستجدة ينبغي عدم االستعجال في الحكم عليها حتى يكتمل‬
‫التصور‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أضرب مثاال من الو اقع المعاصراآلن‪ ،‬يعني مسألة جديدة‪ :‬العمالت الرقمية (بتكوين)‪ 1‬مثال‪ُ ،‬سئلت باألمس أكثر من‬
‫ً‬
‫سؤال عن حكمها‪ ،‬حقيقة هي حتى اآلن تصورها غيرمكتمل‪ ،‬ألن فيها غموض‪ ،‬وفيها أمور غيرواضحة لنا‪ ،‬وال ندري مثال‬
‫منشأها‪ ،‬ومصدرها‪ ،‬ومن الذي أنشأها؟ ومن الذي أصدرها؟ وما هي الجهة التي تبنتها؟ وما هي مرجعيتها؟ وما سبب‬
‫التذبذب الكبيرفيها؟! تذبذب ثمانية عشرألف دوالرإلى ثمانية آالف!! تذبذب كبير!! ما سبب هذا التذبذب؟! هذا سؤال‬
‫كبير‪ ،‬كل هذه األسئلة األجوبة عنها غيرواضحة؛ ولذلك ال نستطيع أن نحكم عليها اآلن‪ ،‬لكن ممكن على سبيل النصيحة‬
‫ً‬
‫ُيقال للناس ال تستعجلوا في التعامل بها‪ ،‬مثال كثيرمن الدول حذرت من التعامل بها‪ ،‬ومنها مؤسسة النقد عندنا هنا في‬
‫ً‬
‫تحذيرا من التعامل بها‪ ،‬أما الحكم الشرعي فيحتاج إلى اكتمال التصور‪ ،‬و أنا عندي أن‬ ‫المملكة أصدرت قبل فترة‬
‫التصور لها اآلن غيرمكتمل‪ ،‬وفيها غموض‪ ،‬وليست واضحة ً‬
‫تماما‪ ،‬ولذلك حتى بعض طلبة العلم املختصين بالمعامالت‬
‫تماما‪ ،‬هناك غموض في هذه العمالت‪ ،‬ولو‬‫أيضا عندهم نفس األمر‪ ،‬ذكروا أن تصورها لديهم غيرواضح ً‬ ‫والمهتمين بها ً‬
‫ً‬
‫قيل للناس مثال بالجوازو اكتتبوا ربما يكون في هذا تغريربهم مع هذا التذبذب الكبير‪ ،‬ولو قيل بعدم الجوازما ندري في‬
‫المستقبل ربما تكتسح العالم وتصبح هي العمالت التي يعتمد عليها الناس‪ ،‬فينبغي هنا التثبت والتريث حتى تتضح أكثر‪.‬‬

‫‪--------------------------------------------------‬‬

‫‪( 1‬هي عملة إلكترونية بشكل كامل تتداول عبر الإنترنت فقط من دون وجود فيزيائي لها) ويكيبيديا‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫هناك مزالق عند دراسة النوازل يقع فيها بعض الناس‪ ،‬ومن هذه المزالق‪:‬‬
‫ً‬
‫تفكيك النازلة وتقسيمها إلى أجزاء‪ :‬وهذا التفكيك قد يتسبب في الخطأ في الحكم على النازلة‪ ،‬وأضرب لهذا مثاال‬
‫بـ(التورق المنظم)‪ ،‬عندما يأتي إنسان للمصرف ويقول‪" :‬أ يد ً‬
‫نقدا أريد سيولة"‪ ،‬يقول (المصرف)‪" :‬نبيع عليك س ً‬
‫لعا‬ ‫ر‬
‫بثمن مؤجل‪ ،‬ثم توكلنا في بيعها على طرف ثالث"‪.‬‬

‫فهناك من يأتي ويفكك هذه المسألة‪ ،‬يقول‪" :‬البيع بالمؤجل هذا يجوز‪ ،‬الوكالة تجوز"‪ ،‬فينظر للبيع على أنه مسألة‬
‫مستقلة‪ ،‬والوكالة على أنها مسألة مستقلة‪ ،‬لكن في الحقيقة هذا العميل أتى للبنك بمجرد أنه وقع على الشراء‪ ،‬ثم وقع‬
‫نقدية‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫سيولة‬
‫ٍ‬ ‫على الوكالة ثبت في ذمته دين‪ ،‬وحصل ما أراد من‬

‫مملوكة للمصرف أو غير مقبوضة أو غير متعينة‬


‫ٍ‬ ‫وهذه المعاملة بهذه الطريقة فيها عدة محاذير‪ :‬إذا كانت السلعة غير‬
‫فهذا يفض ي إلى أن المصرف سيبيع ما ال يملك؛ ألنه يقول‪ :‬نحن نملك أرز‪ ،‬نملك حديد‪ ،‬نملك معادن‪ ،‬والبنك صادق‬
‫ويملك‪ ،‬لكن لو أن كل عميل أخذ سلعته لم تف هذه السلع لجميع العمالء‪ ،‬فهذا يفض ي إلى أن البنك يبيع ما ال يملك‪،‬‬
‫ً‬
‫فإذا نظرت إلى المسألة مفككة أن هذا بيع‪ ،‬وأن هذا وكالة تقول‪ :‬هذه تجوز‪ ،‬لكن لو نظرت إليها مجتمعة وأن المسألة‬
‫كلها صورية من أجل الحصول على سيولة نقدية مقابل مبلغ يثبت في الذمة فهذا ال يجوز‪ ،‬وهذا هو الذي دعا املجامع‬
‫الفقهية لتحريم التورق المنظم إذا كان بهذه الطريقة‪.‬‬
‫ُ‬
‫لكن بعض المصارف السالمية تالفت املحاذير التي ذكرت في التورق المنظم فقالوا‪ :‬نحن نشترط على البنك أنه ال‬
‫ً‬
‫يبيع سلعة إال وهو يملكها ويقبضها‪ ،‬وعندما يبيعها على العميل يبيعها وهي متعينة بحيث تكون بأرقام متسلسلة‪،‬‬
‫فالعميل عندما يشتري هذه السلعة ال تباع هذه السلعة على عميل آخر‪ ،‬والعميل بعد ذلك هو بالخيار‪ :‬إن شاء باعها‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫بنفسه‪ ،‬وإن شاء وكل البنك‪ ،‬بهذه الطريقة تزول الشكاالت في التورق المنظم‪ .‬إذا التفكيك للمسألة هذا من المزالق‬
‫عند النظرفي النوازل‪.‬‬

‫أيضا التأثربضغط الو اقع‪ :‬وهذا أشرت إليه قبل قليل‪ ،‬وهذا في الحقيقة إشكالية كبيرة لدى بعض طلبة‬ ‫ومن المزالق ً‬
‫العلم‪ :‬التأثربضغط الو اقع‪ ،‬ينبغي أن ال يكون هناك تأثربالو اقع عند النظرفي النوازل‪ ،‬و إنما يحرص طالب العلم على‬
‫التجرد‪ .‬صحيح أن تصحيح معامالت الناس مطلوب ما أمكن‪ ،‬لكن ال يكون هذا بلي أعناق النصوص وتمييع النصوص‬
‫ُ‬
‫الشريعة الو َ‬ ‫ُ‬
‫اقع‪ ،‬و إنما الواجب هو إخضاع الو اقع للشريعة‪.‬‬ ‫ألجل أن تساير‬

‫‪-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫‪12‬‬
‫قضية أخرى من النوازل وهي‪:‬‬

‫(األطعمة واألشربة المشتملة على نسبة كحول مستهلكة)‬


‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫أوال‪ :‬الكحول أصله كلمة "غول"‪ ،‬وغول وردت في القرآن عندما ذكرالله تعالى خمرالجنة قال‪{ :‬ال ف َيها غ ْو ٌل َوال ُه ْم‬
‫ْ ُ َ‬
‫َع ْن َها ُين َزفون}‪ ،1‬فالغول هو‪ :‬الكحول‪ ،‬والكحول هي أصل مادة السكار‪ ،‬ويسمى الكحول اليثيلي‪ ،‬وأما الكحول‬
‫الميثيلي فهي مادة سامة‪ ،‬فبينهما فرق‪ ،‬الخمروجميع المسكرات أصل السكارفيها هي مادة الكحول اليثيلي‪.‬‬

‫الكحول الموجود في األطعمة واألشربة يمكن تقسيمه إلى ثالثة أقسام‪:‬‬

‫القسم األول‪ :‬أن تكون نسبة الكحول كثيرة بحيث يحصل السكارلمن تناول هذا المطعوم أو المشروب‪ ،‬فهذا محرم‬
‫بالجماع‪ ،‬وهذا خمرواستعماله أو شربه من كبائرالذنوب‪.‬‬
‫القسم الثاني‪:‬أن تكون نسبة الكحول قليلة ال ُتسكر لكن كثيرها يسكر‪ ،‬فهذه ً‬
‫أيضا محرمة؛ لقول النبي ﷺ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫كثير ُه‪ ،‬فقليل ُه حرام]‪ ، 2‬وهي محرمة عند جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة‪ ،‬خالف الحنفية‬
‫أسك َر ُ‬ ‫[ما‬
‫الذين حصروا ذلك في عصيرالعنب‪ ،‬وقالوا‪ :‬غيرعصيرالعنب يجوز تناول القليل الذي ال يسكر‪ ،‬والصواب‪ :‬ما عليه‬
‫الجمهور من أن القليل الذي يسكر كثيره ‪-‬أن هذا القليل‪ -‬حرام سواء كان من عصيرالعنب أو من غيره؛ ألن الخمرهو‪:‬‬
‫الع ْق َل]‪ ،3‬كما قال عمربن الخطاب رض ي الله عنه وغيره‪ ،‬فالقول بالتفريق بين عصيرالعنب وغيره قول‬
‫خام َر َ‬
‫كل [ما َ‬
‫ضعيف‪.‬‬
‫ً‬
‫إذا القسم الثاني‪ :‬أن تكون نسبة الكحول قليلة ال تسكرلكن كثيرها يسكرفهي محرمة‪.‬‬
‫القسم الثالث‪ :‬وهي المقصودة هنا بهذا البحث أن تكون نسبة الكحول يسيرة ً‬
‫جدا‪ ،‬وكثيرها ال يسكر‪ ،‬وهي ما تسمى‬
‫بـ(مستهلكة)‪ ،‬وهذه توجد اآلن في كثيرمن المطعومات والمشروبات‪ٌ ،‬‬
‫كثيرمن المعلبات ال تخلو من نسبة كحول يسيرة‪،‬‬
‫وكثيرمن العصائرال تخلو من هذه النسبة حتى األلبان اآلن التي تحفظ لمدة طويلة ال تخلو من هذه النسبة‪ ،‬واألدوية‬
‫‪-‬معظم األدوية‪ -‬ال تخلو من هذه النسبة؛ ألن الصناعة الحديثة تفضل الكحول اليثيلي يعتبرونها أفضل مذيب‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أيضا يساعد في الحفظ‪ ،‬ويفضلونه على غيره‪ ،‬فأصبحت إذا هذه الكحول بالنسب اليسيرة موجودة اآلن في و اقعنا‬ ‫و‬
‫المعاصرفي معظم المطعومات‪ ،‬ومعظم المشروبات‪.‬‬

‫ما حكمها؟‬

‫نقول‪ :‬هذه ال حرج فيها‪ ،‬وعلى مقتض ى كالم العلماء المتقدمين‪ :‬إنه ال حرج فيها بالجماع‪.‬‬

‫‪ 1‬سورة الصافات الآية (‪.)٨٢‬‬


‫‪ 2‬أخرجه أبو داود (‪ ،)0061‬والترمذي (‪ ،)1605‬وابن ماجه (‪ ،)0020‬وأحمد (‪ )17430‬من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه‪.‬‬

‫‪ 3‬أخرجه البخاري في صحيحه من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما (‪ ،)٥٥٤٢‬وفيه‪[ :‬قا َم عُمَرُ علَى المِ ْنبَرِ‪ ،‬فقالَ‪ :‬أمَا بَعْدُ‪ ،‬نَزَلَ تَحْرِي ُم الخَمْرِ وهي مِن خَ ْمسَةٍ‪:‬‬
‫ْ ِة والشَعِيرِ‪ ،‬والخَمْ ُر ما خامَرَ العَقْلَ]‪.‬‬
‫ل والحِنْ َ‬
‫سِ‬‫ب والتَمْرِ والعَ َ‬
‫العِ َن ِ‬
‫‪10‬‬
‫ً‬
‫إجماعا في مسألة شبيهه بهذه المسألة ويسميها بعض العلماء‪-‬هذه المسألة‪ -‬بـ(نظرية‬ ‫نقل ابن تيمية‪1‬رحمه الله‬
‫االستهالك)‪ ،‬يقولون‪ :‬ألن هذه الكحول هي نسبة يسيرة ً‬
‫جدا فهي كالمستهلكة‪ ،‬كالنجاسة اليسيرة إذا وقعت في ماء‬
‫كثير‪ ،‬لو بال إنسان في البحرهل ينجس البحر؟ لو بال في بركة كبيرة هل تنجس البركة؟ فالنجاسة اليسيرة في الماء‬
‫الكثيرهي مستهلكة ال أثرلها‪ ،‬هكذا نسبة الكحول اليسيرة ً‬
‫جدا ليس لها أثر‪ ،‬وتكون مستهلكة في هذا المطعوم أو‬
‫المشروب‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫كثير ُه‪ ،‬فقليل ُه حرام]‪ 2‬نقول‪ :‬صحيح‪ ،‬ونحن نلتزم بهذا‪ ،‬ولكن هذه ال‬
‫أسك َر ُ‬ ‫فإن قال قائل‪ :‬أليس النبي ﷺ قال‪[ :‬ما‬
‫يسكر كثيرها‪ ،‬مهما أكثرالنسان منها ال يحصل له السكار‪ ،‬فلو أنك أخذت عصير برتقال الموجود اآلن الذي يباع في‬
‫البقاالت مهما أكثرت من شرب البرتقال ال يحصل السكار‪ ،‬فكثيرها ال يسكرفهي نسبة مستهلكة‪ ،‬ال حرج فيها‪ ،‬هذا هو‬
‫الذي عليه عامة أهل العلم‪ ،‬ولم أقف على أحد من كبارأهل العلم المعتبرين أنه منع من هذه المسألة‪ ،‬فتكاد تكون‬
‫محل إجماع بين جميع العلماء‪.‬‬

‫لكن نقول هذه المسألة؛ ألن بعض الناس عندما يقرأ مكونات بعض المطعومات أو المشروبات مثال يجد أن فيها‬
‫نسبة كحول فربما يثيرإشكالية على الناس‪ :‬كيف تتناولون هذا الش يء وفيه نسبة كحول‪ ،‬نقول ما دامت أنها نسبة‬
‫مستهلكة يسيرة جدا فهذه معفو عنها‪ ،‬وال حرج فيها‪.‬‬

‫شراب الشعيرالذي يسمى عندنا بالبيرة ‪-‬مع أن األفضل عدم تسميته بالبيرة‪ -‬ألن البيرة ترجمة غيرجيدة‪ ،‬ترجمة لكلمة‬
‫الخمرونحوها فاألحسن نسميه "شراب الشعير"‪ ،‬شراب الشعيرالموجود اآلن بالمملكة هذه نسبة الكحول ً‬
‫أيضا يسيرة‬
‫جدا تصل إلى فاصلة صفرخمسة ‪ ) 5.50 ( :‬هل الورع ترك شربها؟‪ ،‬ال‪ ،‬ليس الورع ترك شربها‪ ،‬إذا كنت ستتورع بترك‬
‫شربها تورع أيضا بترك شرب عصير البرتقال الذي نسبة الكحول فيه أكثر من شراب الشعير‪ ،‬عصير البرتقال فاصلة‬
‫صفرثمانية ‪ )5.50( :‬بينما شراب الشعيرفاصلة صفرخمسة ‪،) 5.50 ( :‬كما أفاد بذلك مختصون بهيئة الغذاء والدواء‪.‬‬
‫هذه كلها نسب مستهلكة ما دامت النسبة أقل من ‪ %1‬فهي من النسب اليسيرة المستهلكة‪ ،‬وعندنا ‪-‬ولله الحمد‪ -‬هنا‬
‫في المملكة العربية السعودية هيئة الغذاء والدواء عندها الرقابة الصارمة على جميع المطعومات والمشروبات التي‬
‫تدخل‪ ،‬ال يسمحون بدخول أي مطعوم أو مشروب فيه نسبة كحول قليلة فضال عن أن تكون كثيرة‪ ،‬لكن النسب‬
‫جدا فاصلة صفر خمسة ‪،) 5.50 ( :‬فاصلة صفر‬ ‫المستهلكة عندهم فتوى بأنه ال حرج فيها‪ ،‬كما ذكرت النسب يسيرة ً‬
‫ثمانية ‪ )5.50( :‬أقل من نصف ‪ - %1‬أقل من فاصلة خمسة صفربالمئة (‪ ، ) %5.05‬فهي ولله الحمد تخضع لمعايير‬
‫صارمة في هذا‪.‬‬

‫‪ 1‬قال شيخ الإسلام ‪ " :‬لو وقع خمر في م اء واستحالت ثم شربها شارب لم يكن شاربا للخمر‪ ،‬ولم يجب عليه حد الخمر؛ إذ لم يبق شيء من طعمها ولونها وريحها‪".‬‬
‫المستدرك على مجموع الفتاوى (‪.)12 /0‬‬

‫‪ 2‬أخرجه أبو داود (‪ ،)0061‬والترمذي (‪ ،)1605‬وابن ماجه (‪ ،)0020‬وأحمد (‪ )17430‬من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫هذه نسبة الكحول اليسيرة تدخل في كل ش يء‪ ،‬في معظم األشياء‪ً ،‬‬
‫طبعا في العطورات تكون النسبة فيها مرتفعة‪ ،‬حتى‬
‫دهن العود‪.‬‬
‫دهن العود فيه نسبة يسيرة ً‬
‫أيضا؛ ألن الصناعة الحديثة أدخلت الكحول اليثيلي في معظم المصنوعات؛ ألنهم‬
‫يعتبرونها أفضل ما عندنا‪ ،‬لكن مع هذا التقريرالذي ذكرت يرتفع الحرج والحمد لله‪.‬‬

‫ينتقل الحديث عن نازلة أخرى وهي‪:‬‬

‫(اللحوم المستوردة)‬
‫اللحوم المستوردة يمكن تقسيمها إلى قسمين‪:‬‬

‫‪-‬لحوم مستوردة من بالد كفارغيرأهل الكتاب‪.‬‬

‫‪-‬لحوم مستوردة من بالد كفارهم من أهل الكتاب‪.‬‬


‫أما المستوردة من كفارغيرأهل الكتاب فهذا واضح أنها محرمة‪ ،‬وال تجوز‪ ،‬إذا كان الذابح غيرمسلم‪ ،‬وهو ً‬
‫أيضا غير‬
‫هندوسيا أو ً‬
‫بوذيا فال تحل ذبيحته بالجماع‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫نصرانيا كأن يكون‬ ‫كتابي‪ :‬ليس يهو ًديا وال‬

‫أما إذا كانت اللحوم من بالد هي أهل كتاب مثل‪ :‬البرازيل أو فرنسا‪ ،‬فالدواجن التي تستورد لنا من البرازيل أو من‬
‫فرنسا أو من غيرها من البالد التي هي من أهل الكتاب‪ ،‬هل تحل أم ال؟‬
‫َُ‬ ‫ين ُأ ُوتوا ْالك َت َ‬
‫اب ح ٌّل لك ْم‬ ‫األصل هو حل ذبيحة الكتابي‪ :‬وهو اليهودي أو النصراني‪ ،‬كما قال الله تعالى‪َ { :‬و َط َع ُ‬
‫ام َّالذ َ‬
‫َ َ َ ُ ُ ْ ٌّ َ‬
‫ل ل ُه ْم}‪ ،1‬قال ابن عباس‪ :‬الطعام هو الذبائح‪2.‬‬ ‫وطعامكم ح‬

‫وعلى هذا جمهور المفسرين‪ ،‬أن المقصود بالطعام هو الذبائح‪ ،‬لكن الشكالية في هذه الذبائح واللحوم المستوردة‬
‫هو ما أثيرمن أنهم يقومون بـ(الصعق)‪ ،‬يعني يقومون بذبحها عن طريق الصعق‪.‬‬
‫وهذه قضية أثيرت من قديم‪ ،‬من أكثرمن أربعين ً‬
‫عاما وهي تثارهذه المسألة‪ ،‬واألقوال متضاربة‪ ،‬هناك من يقول‪:‬‬
‫إنهم بالفعل يذبحون بطريق الصعق‪ ،‬وهناك لجان ذهبت ورأوا أنهم ال يذبحونها بطريق الصعق‪ ،‬ولكن الذين يقولون‬
‫أنها تذبح بطريق الصعق يقولون‪ :‬إن أصحاب تلك المصانع إذا علموا بقدوم لجان للمر اقبة والنظروكذا‪ ،‬يغيرون‬
‫ويفعلون كما يريد المسلمون‪ ،‬يعني ال يذبحونها بالصعق‪ ،‬لكن ما إن تذهب هذه اللجان وتغادرإال ويعودون كما كانوا‪،‬‬
‫فالحقيقة اآلراء فيها متضاربة‪ ،‬وما دام اآلراء فيها متضاربة نبقى على األصل وهو الحل‪ ،‬ومما يدل لهذا حديث عائشة‬
‫َ َ ُ ْ َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُْ َ‬ ‫َ َ َّ َّ َ‬ ‫َّ َ‬
‫اس َم الله عليه ْأم ال]‪ ،‬فقال لهم‬ ‫إن ق ْو ًما َيأتوننا بالل ْحم ال ن ْدري أذكروا‬ ‫أن ق ْو ًما قالوا‪ :‬يا رسول الله‬ ‫رض ي الله عنها‪[ :‬‬
‫ُ ُ‬
‫النبي ﷺ‪[ :‬سموا أنت ْم َوكلوا]‪ 3‬رواه البخاري‪.‬‬

‫‪ 1‬سورة المائدة آية (‪.)5‬‬


‫‪ 2‬تفسير الحافظ ابن كثير رحمه الله سورة المائدة‪.‬‬
‫‪ 3‬أخرجه البخاري (‪ ،)4026‬وأبو داود (‪ ،)2622‬والنسائي في السنن الكبرى (‪ ،)4001‬وابن ماجه (‪ )0147‬واللفظ له‪ ،‬ولفظ البخاري‪[ :‬سَمُوا عليه أنتُ ْم و ُكلُوهُ]‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫فدل هذا على أن المهم أن تأتي الذبائح واللحوم من أهل الكتاب‪ ،‬و أنه ينبغي أال نفتش وأال نسأل وأال ندقق‪ ،‬و إنما‬
‫ُ ُ‬
‫المطلوب أن نفعل ما أمرنا بفعله وهو التسمية عند األكل‪ ،‬وقوله‪[ :‬سموا أنت ْم َوكلوا]‪ 1‬فيه نوع من التوبيخ لهم‪ ،‬لماذا‬
‫تسألون؟ ابن على األصل‪ ،2‬سم أنت وكل‪ ،‬وهذا يدل على أننا إذا جهلنا حال ذبائح أهل الكتاب أننا نبنيها على األصل‪،‬‬
‫وهو الحل والباحة‪.‬‬
‫ً‬
‫فنقول‪ :‬إذا هذا الدجاج المستورد‪ ،‬واللحوم المستوردة من بالد أهل الكتاب هذه األصل فيها الحل‪ ،‬ما لم نعلم بأنها‬
‫قد ذبحت بطريق الصعق‪.‬‬

‫فإن قال قائل‪ :‬إن بعض هؤالء النصارى الموجودين في تلك البلدان هم يتسمون بالنصارى لكنهم أشبه بالمالحدة‪ ،‬ال‬
‫يأتون الكنيسة‪ ،‬وال يأتون بالعبادات عند النصارى‪ ،‬نقول إن االنحراف العقدي عند النصارى من قديم‪ ،‬وقت نزول‬
‫َ َ ْ َ َ َ َّ َ َ ُ َّ َّ َ َ ُ َ َ َ ‪َّ َّ ُ َ َ َّ َ َ َ ْ َ َ 3‬‬
‫الل َه ُه َو ْال َمس ُ‬
‫يح ْاب ُن‬ ‫القرآن‪ ،‬فالله تعالى يقول‪{ :‬لقد كفرالذين قالوا إن الله ثالث ثالث ٍة} ‪{ ،‬لقد كفرالذين قالوا إن‬
‫َم ْرَي َم}‪ .4‬والله تعالى ذكرلنا انحر افاتهم‪ ،‬وأحل لنا ذبائحهم‪ ،‬فما دام أنها أمة يهودية أو نصرانية فاألصل هو حل‬
‫ذبائحهم‪ ،‬هذا هو األصل‪ ،‬وال نستطيع أن نحرم هذه الذبائح المستوردة من أهل الكتاب إال بأمرواضح فنبقى على‬
‫األصل وهو حل ذبائح أهل الكتاب‪.‬‬
‫هذا من جهة الحكم‪ ،‬ومن جهة ً‬
‫أيضا الفتيا للناس‪ ،‬وأما من جهة الورع ال شك أن الورع أال تؤكل‪ ،‬ويقتصرالنسان‬
‫على الذبائح والدواجن املحلية التي يطمئن على أنها ذبحت بالطريقة الشرعية‪ ،‬لكن هذا مقام الورع‪ ،‬ومقام تبيين‬
‫الحكم ش يء‪ ،‬ومقام الورع ش يء آخر‪.‬‬

‫فبعض أهل الخيروالصالح يتورعون من باب التورع ولكن يقول‪ :‬ال أحرمها على الناس ولكن أنا في خاصة نفس ي‬
‫أتورع‪ ،‬فال آكل إال الذبائح املحلية التي أطمئن أنها ذبحت بالطريقة الشرعية‪ ،‬هذا مقام جيد‪ ،‬مقام الورع مقام عال‪،‬‬
‫لكن من حيث الحكم ال نستطيع أن نحكم بالتحريم‪ ،‬وليس عندنا ش يء ظاهروواضح للجزم بتحريم هذه الذبائح‪،‬‬
‫وهناك اآلن جهود ‪ً -‬‬
‫حاليا‪ -‬تقوم بها هيئة الغذاء والدواء أيضا للتحقق من هذه المسألة أكثر‪ ،‬و أنا كنت مع مسؤولين‬
‫في هيئة الغذاء والدواء األسبوع الماض ي أيضا لهذا الموضوع ونرجو إن شاء الله تعالى التحقق من هذا الموضوع‪،‬‬
‫هذا فيما يتعلق بهذه النازلة‪.‬‬

‫‪ 1‬سبق تخريجه‪.‬‬
‫‪ 2‬صاغ أهل العلم قاعدة " الأصل في الأشياء الإباحة " استخلاصا من أدلة الشرع‪ ،‬قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى‪:‬‬
‫" اعلم أن الأصل في جميع الأعيان الموجودة على اختلاف أصنافها وتباين أوصافها أن تكون حلالا مْلقا للآدميين ‪ ،‬وأن تكون طاهرة لا يحرم عليهم ملابستها ومباشرتها‬
‫‪ ،‬ومماستها ‪ ،‬وهذه كلمة جامعة ‪ ،‬ومقالة عامة ‪ ،‬وقضية فاضلة عظيمة المنفعة ‪ ،‬واسعة البركة ‪ ،‬يفزع إليها حملة الشريعة ‪ ،‬فيما لا يحصى من الأعمال ‪ ،‬وحوادث الناس‬
‫‪ ،‬وقد دل عليها أدلة عشرة ‪ -‬مما حضرني ذكره من الشريعة – وهي ‪ :‬كتاب الله ‪ ،‬وسنة رسوله ‪ ،‬واتباع سبيل المؤمنين المنظومة في قوله تعالى‪ ( :‬أطيعوا الله وأطيعوا‬
‫الرسول وأولي الأمر منكم ) وقوله ‪ ( :‬إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ) ‪ ،‬ثم مسالك القياس ‪ ،‬والاعتبار ‪ ،‬ومناهج الرأي ‪ ،‬والاستبصار‪" .‬‬
‫مجموع الفتاوى (‪.)505 / 21‬‬

‫‪ 3‬سورة المائدة آية (‪.)٢٣‬‬


‫‪ 4‬سورة المائدة آية (‪.)٢١ ،٢٢‬‬
‫‪10‬‬
‫‪-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫(الحقوق المعنوية)‬
‫ننتقل بعد ذلك لنازلة أخرى وهي‪ :‬الحقوق المعنوية‪ ،‬والمراد بهذه الحقوق‪ :‬هي حقوق على ش يء غيرمادي‪ ،‬كحق‬
‫ً‬
‫المؤلف‪ ،‬والعالمة التجارية‪ ،‬ونحو ذلك‪ .‬فالحقوق المعنوية إذا حقوق ترد على ش يء غيرمادي‪:‬‬
‫‪ -‬سواء كان ً‬
‫نتاجا ً‬
‫ذهنيا‪ :‬كحق المؤلف‪ ،‬وحق املخترع‪ ،‬وحق إنتاج البرامج الحاسوبية‪.‬‬
‫‪-‬أو كان ثمرة لنشاط يجلب له العمالء‪ :‬كحق التاجرفي االسم التجاري‪ ،‬والعالمة التجارية‪ .‬هذه تسمى الحقوق‬
‫المعنوية‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ولم تبرز هذه الحقوق إال في الوقت الحاضر‪ ،‬فمثال "حق التأليف" ما كان معروفا في العصور الماضية‪ ،‬فقد كان‬
‫المؤلف يؤلف الكتاب َوي َو ُد أن غيره استنسخه ألجل نشرالعلم‪ ،‬ولم تكن المطابع موجودة‪ ،‬و إنما كانت الكتب‬
‫ُ‬
‫تستنسخ‪ ،‬فكان المؤلف يفرح أن الناس يستنسخون كتابه‪ ،‬حتى ينتشرالكتاب وحتى يستفيد منه الناس‪ ،‬ولم تكن‬
‫هذه الحقوق موجودة‪.‬‬

‫لكن لما ظهرت المطابع‪ ،‬ظهرت فكرة حقوق المؤلف عند الغرب‪ ،‬ثم انتقلت للمسلمين‪.‬‬

‫واختلف العلماء في النظر لهذه الحقوق‪ ،‬فمن العلماء المعاصرين من يرى أن هذه الحقوق غيرمحترمة‪ ،‬ويقول أن‬
‫المسلمين كانوا على مدارالعصور الماضية ما كانت هذه عندهم الحقوق محترمة‪ ،‬وكان العلماء ينقل بعضهم من‬
‫بعض‪ ،‬وينسخ بعضهم كتب بعض‪ ،‬ولم تكن هذه الحقوق محترمة‪ ،‬وممن ُ‬
‫اشتهرعنه هذا الرأي الشيخ صالح‬
‫الحصين‪ ،1‬وبعض العلماء المعاصرين‪.‬‬
‫يقابل ذلك ر ٌ‬
‫أي بأن هذه الحقوق محترمة ومصانة‪ ،‬وال يجوز التعدي عليها بأية صورة‪ ،‬حتى في مجال االنتفاع‬
‫الشخص ي واالستخدام الشخص ي؛ ألنه حتى في االنتفاع الشخص ي يرون أن هذا تعدي على حق إنسان‪ ،‬فيكون هذا‬
‫َ‬
‫كتاب ُمؤلف‪ ،‬فعندما تستفيد منه و أنت لم تشترهذا الكتاب تكون قد تعديت على حقه‪ ،‬وهذا الكتاب هو ثمرة فكره‬
‫ً‬
‫وجهده وتأليفه‪ ،‬ومن لوازم هذا القول‪ :‬أنه ال يجوز مطلقا االستفادة من البرامج الحاسوبية التي فيها مؤلفات‪ ،‬ومنها‬

‫‪ 1‬هو الشيخ صالح بن عبد الرحمن الحصين التميمي الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي وعضو هيئة كبار العلماء في السعودية ‪ ،‬توفى رحمه الله في‬
‫جمادى الآخرة ‪1707‬هـ‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫المكتبة الشاملة‪ ،‬وغيرها‪ ،‬فإن كل هذه البرامج الحاسوبية لن يستفاد منها‪ ،‬فالمكتبة الشاملة فيها آالف الكتب‬
‫حقوق للمؤلفين‪ ،‬فنقول‪ :‬كيف تستفيد منها وال تدري عن رأي المؤلف هل هو ر ٍ‬
‫اض بأن تستفيد منها أم ال؟ فكأنك‬
‫تعديت على حقه‪.‬‬

‫القول الثالث‪ :‬قو ٌل وسط بين القولين‪ ،‬وهو أن ما كان لالستعمال ولالستخدام الشخص ي‪ ،‬فإنه يجوز‪ ،‬وما كان على‬
‫سبيل المتاجرة فإنه ال يجوز‪.‬‬

‫وهذا القول من أبرز من ذهب إليه شيخنا عبد العزيز بن باز‪ ،‬والشيخ محمد بن عثيمين ‪-‬رحمهم الله تعالى‪ -‬وهو‬
‫األقرب في هذه المسألة‪ ،‬إذا كان على سبيل المتاجرة فالتعدي ظاهرعلى هذه الحقوق‪ ،‬فإن هذه ال شك أنها في‬
‫ً‬
‫الوقت الحاضرقد أصبحت حقوقا لها قيمة ولها ثمن‪.‬‬
‫واملجامع الفقهية‪ ،‬والهيئات العلمية‪ ،‬أقرت بأن هذه الحقوق المعنوية حقو ٌق محترمة‪ ،‬مصانة ً‬
‫شرعا‪ ،‬وإن كانت في‬
‫ً‬
‫الزمن السابق ليست كذلك‪ ،‬لكنها مع التطور والصناعة الحديثة‪ ،‬أصبحت هذه الحقوق حقوقا لها قيمة مادية في‬
‫ً‬ ‫ُعرف الناس‪ ،‬وربما تكون قيمتها المادية كبيرة ً‬
‫جدا قد تصل اآلالف أو الماليين‪ ،‬خاصة فيما يتعلق بالعالمات‬
‫التجارية ونحو ذلك‪.‬‬
‫فالقول المستقرعند أكثرالعلماء المعاصرين أنها حقو ٌق محترمة مصانة ً‬
‫شرعا‪ ،‬وأما الفادة منها فإذا كانت على‬
‫تعد على هذه الحقوق‪ ،‬أما إذا كانت على سبيل االستعمال الشخص ي‪ ،‬فال‬‫سبيل المتاجرة فال تجوز؛ ألن هذا فيه ٍ‬
‫بأس بذلك؛ ألنه على سبيل االستعمال الشخص ي يجب بذل العلم‪ ،‬وال يجوز كتمه‪ ،‬ولو أن أحدهم طلب منك ً‬
‫كتابا‬
‫أنت مؤلف له‪ ،‬وقال‪ :‬أريد أن أستفيد منه‪ ،‬وعندك عدة نسخ‪ ،‬وهو بحاجة لهذا الكتاب‪ ،‬يلزمك أن تبذله‪ ،‬وليس لك‬
‫نار]‪.1‬‬ ‫من‬ ‫بلجام‬ ‫القيامة‬ ‫تم ُه ُألج َم َ‬
‫يوم‬ ‫أن تكتم العلم‪َ [ ،‬من ُسئ َل عن علم َف َك َ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ََ‬
‫والعارية تجب مع غناء المالك وحاجة المستعيرعلى القول الراجح‪ ،‬كما اختارابن تيمية‪ ،‬و ابن القيم‪ ،‬وجميع‬
‫ََ َْ ُ َ ْ َ ُ َ‬
‫اعون}‪ ،2‬ومن منع الماعون‪ :‬منع العارية‪.‬‬ ‫املحققين من أهل العلم‪ ،‬والله تعالى ذم من يمنع الماعون {ويمنعون الم‬
‫ٌ‬ ‫ً‬
‫محتاج إليه‪.‬‬ ‫مستغن عنه‪ ،‬وأخوه‬
‫ٍ‬ ‫والمنع‪ :‬أي النسان يمنع أخاه المسلم شيئا هو‬

‫فإذا كان على سبيل االستخدام الشخص ي فالذي يظهرأن هذا ال بأس به‪ ،‬و أننا ال نعظم شأن هذه الحقوق التي لم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تعظيما فوق قدرها‪ ،‬و إنما نمنع من المتاجرة بها وأن يأتي إنسان‬ ‫تكن أصال معروفة في العصور الماضية‪ ،‬ال نعطيها‬
‫يتاجر بهذه الحقوق التي هي نتاج غيره‪ ،‬لكن على سبيل االستخدام الشخص ي ال بأس‪ .‬لو أردت أن تستخدم المكتبة‬
‫الشاملة‪ ،‬وتستفيد من الكتب الموجودة فيها فال بأس‪ ،‬أو أردت أن تستخدم البرامج الحاسوبية وتستفيد من الكتب‬
‫التي فيها ال حرج‪ ،‬هذا هو القول األظهروالله أعلم‪.‬‬

‫‪ 1‬أخرجه أبو داود (‪ ،)0056‬والترمذي (‪ ،)2072‬وابن ماجه (‪ ،)200‬وأحمد (‪ )4541‬باختلاف يسير‪ ،‬والْبراني في ((المعجم الأوسط)) (‪ )0022‬واللفظ له‪.‬‬

‫‪ 2‬سورة الماعون آية (‪.)٢‬‬


‫‪16‬‬
‫تعد على حقوق المؤلفين‪ ،‬لكن‬ ‫وعلى هذا‪ ،‬هذه البرامج الحاسوبية مثل‪ :‬المكتبة الشاملة ال يجوز بيعها‪ ،‬ألن فيها ٍ‬
‫ً‬
‫مثال أو إعارتها ال بأس‪ ،‬وهذا اآلن هو الذي عليه العمل ٌ‬
‫قائم على هذه البرامج الحاسوبية مثل المكتبة‬ ‫هبتها أو وقفها‬
‫ُ‬
‫الشاملة‪ ،‬تجد أنهم يسمحون بتداولها على سبيل الهبة‪ ،‬والتبرع‪ ،‬وعدم المعاوضة‪ ،‬لكن ال تباع المكتبة الشاملة‪ ،‬أو‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫تعد على حقوق المؤلفين‪ ،‬لكنها تبذل هبة‪ ،‬أو عارية‪ ،‬أو نحو ذلك‪،‬‬‫ما كان مثلها من البرامج الحاسوبية؛ ألن بيعها فيه ٍ‬
‫هذا هو حاصل كالم أهل العلم في هذه المسألة‪.‬‬

‫‪--------------------------------------------------‬‬

‫(التسبيح بالمسبحة اللكترونية)‬


‫ننتقل بعد ذلك للكالم على‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫التسبيح أوال من العبادات العظيمة التي ُرتب عليها األجرالجزيل‪ ،‬و [ َمن قال سبحان الله وبحمده غر َست له نخلة في‬
‫الجنة]‪.1‬‬
‫َ ُ َْ‬ ‫َ‬
‫يوما ألصحابه‪[ :‬أ َي ْعج ُزأ َح ُدك ْم أن‬ ‫جاء في صحيح مسلم‪ ،‬عن سعد بن أبي وقاص ‪-‬رض ي الله عنه‪ -‬أن النبي ﷺ قال ً‬
‫َُْ‬ ‫َ ْ َ ُ َّ َ َ ْ َ‬
‫ف َح َس َنة؟]‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول الله كيف يكسب ألف حسنة‪ ،‬قال‪ُ [ :‬ي َسب ُح م َئ َة َت ْسب َ‬
‫فيكت ُب له‬ ‫يح ٍة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫وم أل‬‫يكسب كل ي ٍ‬
‫ً‬ ‫ْ ْ ُ َ َ‬‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ ُ‬
‫ألف َح َسن ٍة‪ ،‬أ ْو ُي َحط عنه ألف خطيئة]‪2‬مجرد أنك تسبح مائة تسبيحة ُيكتب لك بها ألف حسنة‪ ،‬هل تأخذ منك وقتا‬
‫أو ً‬
‫جهدا ً‬
‫كبيرا؟!‬

‫عندما تقول‪ :‬سبحان الله‪ ،‬سبحان الله‪ ،‬سبحان الله‪ ،‬كم تأخذ من الوقت مائة مرة؟! تكسب ألف حسنة‪ ،‬وهذا يدل‬
‫يا إخواني على أن أبواب الخيركثيرة ومتيسرة‪ .‬إذا قلت سبحان الله مائة مرة‪ ،‬احسب كم تأخذ من الوقت؟ ال تزيد‬
‫ُ‬
‫على خمس دقائق‪ ،‬تحصل ألف حسنة أو ُيحط عنك ألف خطيئة‪ ،‬هذا فضل الله‪ ،‬وفضل الله يؤتيه من يشاء‪ .‬ولهذا‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫يوم اثنتي عشرة ألف تسبيحة]‪ ،3‬فينبغي أن يكثرالمسلم من‬
‫روي عن أبي هريرة ‪-‬رض ي الله عنه‪ -‬أنه‪[ :‬كان يسبح كل ٍ‬
‫التسبيح‪ ،‬ومن ذكرالله عزوجل‪.‬‬

‫على مرالعصور ُوجدت وسائل تعين على ضبط عدد التسبيح‪ ،‬ومن ذلك المسبحة‪ ،‬وتطورت في وقتنا الحاضر‬
‫ً‬
‫سواء كانت عبرأجهزة الجوال مثال‪ ،‬مجرد أنك تضغط على هذا البرنامج ُيخرج لك رقم‬
‫ً‬ ‫وأصبحت مسبحة إلكترونية‪،‬‬
‫واحد‪ ،‬اثنين‪ ،‬ثالثة‪ ،‬أو كان عن طريق خاتم التسبيح بأن تضغط عليه‪ُ ،‬‬
‫فيخرج لك الرقم‪ ،‬أو بغيرذلك من الوسائل‪،‬‬
‫فما حكم هذه الوسائل؟‬
‫ً‬
‫أوال هذا ُيرجعنا إلى الكالم عن حكم استخدام المسبحة في التسبيح‪.‬‬

‫‪ 1‬أخرجه الترمذي (‪ )0707‬واللفظ له‪ ،‬والنسائي في ((السنن الكبرى)) (‪ )13000‬باختلاف يسير‪.‬‬

‫ل مِن‬
‫حسَ َنةٍ؟ َفسََأَلهُ سَائِ ٌ‬
‫ف َ‬
‫ن يَ ْكسِبَ‪ ،‬كُلَ يَو ٍم َألْ َ‬
‫‪ 2‬صحيح مسلم من حديث سعد بن أبي وقاص (‪ ،)١٦٥٤‬ولفظه عند مسلم‪[ :‬كنَا عِنْ َد رَسولِ اللهِ ﷺ‪ ،‬فَقالَ‪ :‬أَيَعْجِزُ أَحَدُكُ ْم أَ ْ‬
‫خِْي َئةٍ]‪.‬‬
‫َط عنْه َألْفُ َ‬
‫حسَنَةٍ‪ ،‬أَ ْو يُح ُ‬
‫ف َ‬
‫ب له َألْ ُ‬
‫ح مِ َئةَ َتسْبِيحَةٍ‪ ،‬فيُكْتَ ُ‬
‫حسَ َنةٍ؟ قا َل ‪ُ :‬يسَبِ ُ‬
‫ف َ‬
‫سبُ أَحَ ُدنَا َألْ َ‬
‫ف يَكْ ِ‬
‫جَلسَائِهِ‪ :‬كي َ‬
‫ُ‬

‫‪ 3‬رواه ابن حجر العسقلاني في الإصابة (‪.)١٠٥ / ٨‬‬


‫‪12‬‬
‫ً‬
‫واستخدام المسبحة في التسبيح عامة العلماء المتقدمين على جوازه‪ ،‬بل لم نقف على من قال بكراهته فضال عن‬
‫ً‬
‫تحريمه‪ ،‬فضال عن بدعيته‪.‬‬

‫وقد تتبعت وتتبع بعض الخوة كالم أهل العلم المتقدمين‪ ،‬لم نجد من قال بتحريم ذلك‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وأما أثرابن مسعود رض ي الله عنه‪( :‬أنه رأى ً‬
‫ناسا يقولون‪ :‬سبحوا ألفا‪ ،‬هللوا ألفا‪ ،‬سبحوا مئة‪ ،‬فأنكرعليهم وقال‪:‬‬
‫إنكارعليهم‪ ،‬على طريقة التعبد وليس النكار على‬ ‫محمد ً‬
‫علما)‪ ،1‬فهذا ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫لقد أتيتم ببدعة ظلما‪ ،‬وقد فقتم أصحاب‬
‫مجرد عد التسبيح‪ ،‬إنكارفي الطريقة التي استخدموها؛ ألنهم اجتمعوا وأصبحوا يسبحون بطريقة معينة‪ ،‬سبحوا‬
‫مئة‪ ،‬هللوا مئة‪...‬وكذا‪ ،‬لكن ليس هذا فيه تصريح أن ابن مسعود أنكرعد التسبيح‪.‬‬
‫وقد ورد في بعض اآلثارالتسبيح بالنوى والحص ى ونحو ذلك‪ ،‬وأي فرق بين حبات خرز المسبحة‪ ،‬وبين التسبيح بالنوى‬
‫والحص ى؟!‬
‫ُ‬
‫ويقال أن أول من قال ببدعية تسبيح المسبحة هو رشيد رضا‪ ،2‬وكذلك في الوقت الحاضر األلباني‪ 3‬وبكر أبو زيد‪4‬‬

‫ً‬
‫جميعا‪.‬‬ ‫رحمهم الله تعالى‬

‫تقريبا رسالة عندنا في كلية الشريعة بعنوان "اآلراء المعاصرة التي ُحكم عليها بالشذوذ"‪،‬‬
‫و أنا ناقشت قبل شهر ً‬
‫وصاحب الرسالة ذكرهذه المسألة‪ ،‬وتتبع كالم المتقدمين‪ ،‬ولم يجد ً‬
‫أحدا من العلماء المتقدمين قال ببدعية‬
‫استخدام المسبحة‪ ،‬وأنها فقط ُوجدت عند بعض العلماء المعاصرين‪.‬‬
‫والصواب هو ما عليه عامة أهل العلم‪ ،‬من أن التسبيح بالمسبحة أنه جائزوال بأس به‪ ،‬وبأي صورة من صور‬
‫ً‬
‫سواء كانت من حبات الخرز‪ ،‬أو كانت بعداد التسبيح‪ ،‬أو كانت بالمسبحة اللكترونية‪ ،‬أو بأية وسيلة‪،‬‬ ‫المسبحة‪،‬‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫وهذه وسائل‪ ،‬ال ُيتعبد لله عزوجل بهذه الوسائل‪ ،‬لكن هي ملجرد ضبط العدد‪ ،‬مثال بعض الناس إذا كان في السيارة‬
‫يقول‪ :‬أنني إذا عددت بالصبع أخطئ في الرقم‪ ،‬لكن عندي العداد مباشرة و أنا في السيارة ألمس هذا البرنامج‪ ،‬أي‪:‬‬
‫"برنامج عداد التسبيح"‪ ،‬فأخرج لي رقم واحد‪ ،‬اثنان‪ ،‬ثالثة‪ ،‬أيسرلي من أن أستخدم أصابعي‪ .‬بل إن بعضهم يقول‪ :‬إن‬
‫هذه المسبحة تشجعني على التسبيح‪ ،‬كلما رأيتها سبحت‪ ،‬وربما لو لم تكن موجودة أذهل أو أنس ى‪ ،‬فهذا يقول‪ :‬أنه ال‬

‫َو َم‬
‫سجِدِ فََأتَاهُ ْم َوقَ ْد ك َ‬‫حصَى فِي الْمَ ْ‬ ‫ن بِالْ َ‬ ‫َن أُنَاسًا بِالْكُو َف ِة يُسَبِحُو َ‬ ‫ُدثَ أ َ‬‫‪ 1‬البدع لابن وضاح‪ ،‬باب ما يكون بدعة (‪ )٢٦‬ولفظه‪( :‬عَنْ َيسَارٍ أَبِي الْحَكَ ِم أن عبد الله بن مسعود ح ِ‬
‫علْمًا)‪.‬‬
‫ب مُحَمَ ٍد ﷺ ِ‬ ‫ضلْ ُتمْ َأصْحَا َ‬
‫ظلْمًا أَ ْو َق ْد َف َ‬
‫ع ًة ُ‬
‫ن الْ َمسْجِدِ‪َ ،‬ويَقُولُ‪ " :‬لَقَدْ أَحْدَ ْثتُ ْم بِدْ َ‬
‫خرَجَ ُه ْم مِ َ‬
‫حصَى حَتَى أَ ْ‬
‫حصِبُ ُهمْ بِالْ َ‬
‫ل يَ ْ‬
‫حصًى قَالَ‪َ :‬فَلمْ يَزَ ْ‬
‫ل مِنْ ُه ْم بَيْنَ يَدَ ْي ِه كَوْ َم َة َ‬
‫كُلُ رَجُ ٍ‬

‫من العلماء بالحديث والأدب والتاريخ والتفسير‪ ،‬وهو صاحب مجلة المنار‪ ،‬فتواه في استخدام المسبحة ذكرها في مجلة المنار (المجلد ‪ ،15‬ج‪ ،11‬ص ‪.)625 ،627‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 3‬هو الإمام والمحدث محمد ناصر الدين الألباني ويعد من علماء الحديث ذوي الشهرة في العصر الحديث‪ ،‬له الكثير من الكتب والمصنفات في علم الحديث وغيره‬
‫وأشهرها السلسلة الصحيحة والسلسلة الضعيفة وصحيح وضعيف الجامع وصفة صلاة النبي ﷺ‪ .‬وقد ذكر العلامة الألباني هذه المسألة في السلسلة الضعيفة (‪ )113/1‬عند‬
‫تخريجه لحديث (نعم المذكر السبحة) وعدد أمورا لبْلان هذا الحديث عنده‪.‬‬

‫‪ 4‬أحد كبار علماء الدين المعاصرين في السعودية تولى عضوية المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابْة العالم الإسلامي‪ ،‬وعضوية مجلس القضاء السعودي‪ ،‬وعضوية هيئة‬
‫كبار العلماء السعودية واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء‪ ،‬وقال ببدعيتها في رسالة له بعنوان (السبحة تاريخها وحكمه)‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫بأس بها‪ ،‬وكما ذكرت عن عامة العلماء المتقدمين أنهم لم ُينقل عنهم فيما وقفت عليه‪ ،‬أن ً‬
‫أحدا منهم قال بكراهيتها‪،‬‬
‫ً‬
‫فضال عن بدعيتها‪.‬‬

‫‪-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫(استخدام البنج في قطع يد السارق)‬


‫من النوازل في باب الحدود استخدام البنج في قطع يد السارق‪.‬‬
‫َ َّ ُ َ َّ َ ُ‬
‫السارقة‬‫من المعلوم أن حد السرقة قطع اليد‪ ،‬تقطع اليد اليمنى من مفصل الكف‪ ،‬كما قال الله تعالى‪{ :‬والسارق و‬
‫َ ْ َ ُ َ ْ َ ُ َ َ َ ً َ َ َ َ َ َ ً َ َّ َ َّ‬
‫الل ُه َعز ٌيز َحك ٌ‬
‫يم}‪.1‬‬ ‫فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكاال من الله و‬

‫فإذا استكملت السرقة شروطها فيجب القطع‪.‬‬


‫وكان الناس ً‬
‫قديما عندما تقطع يد السارق يؤتى بزيت مغلي شديد الحرارة‪ ،‬فإذا قطعت اليد غمست في هذا الزيت‪،‬‬
‫وهذا ما يسمى بـ"الحسم"؛ والغرض من ذلك إيقاف نزيف الدم؛ ألن اليد بعد قطعها تنزف ً‬
‫دما‪ ،‬فلو لم تحسم في هذا‬
‫الزيت المغلي الستمرالنزف معه إلى أن يموت‪.‬‬
‫أشد ً‬
‫إيالما من القطع نفسه‪ ،‬لكنهم كانوا في األزمنة السابقة ال‬ ‫جدا‪ ،‬بل بما يكون ُ‬
‫وغمس اليد في الزيت المغلي مؤلم ً‬
‫ر‬
‫بد منه‪ ،‬وليس عندهم حل آخر‪ ،‬فماذا يفعلون؟‬

‫أما في الوقت الحاضر‪-‬مع تقدم الطب‪ -‬يمكن إيقاف النزيف من غيرحاجة إلى غمسها في زيت مغلي‪ ،‬فبعد ما تقطع‬
‫اليد مباشرة يتولى الطبيب تضميدها وإعطاء هذا الذي قطعت يده ً‬
‫موادا ليقاف النزيف‪.‬‬

‫لكن المسألة التي بين أيدينا ليست محل خالف‪ ،‬هذه محل إجماع أنه يجوز للطبيب أن يعطي هذا الذي قطعت يده‬
‫ً‬
‫موادا ليقاف النزيف‪ ،‬وال يتعين الغمس في الزيت المغلي‪.‬‬

‫لكن المسألة األخرى التي بين أيدينا هي استخدام البنج عند قطع يد السارق بحيث ال يحس باأللم‪ ،‬هل هذا يجوز أو‬
‫ال يجوز؟‬

‫‪1‬سورة المائدة آية (‪.)٣٤‬‬


‫‪21‬‬
‫وهذا يرجع إلى مسألة‪ :‬هل مقصود الشارع من القطع إيالم السارق وقطع يده؟‪ ،‬أو أن اليالم غيرمقصود‪ ،‬وأن‬
‫المقصود فقط هو قطع يده‪ ،‬وأن تبقى يده مقطوعة؟‪.‬‬

‫اختلف العلماء المعاصرون في هذه المسألة‪:‬‬

‫فمنهم من يرى أنه ال يجوز استخدام البنج‪ ،‬ويقولون إن إيالم السارق أمرمطلوب‪ ،‬واستدلوا بقول الله عز وجل‪:‬‬
‫ََ ً‬ ‫َّ‬ ‫ََ ً‬ ‫َ‬ ‫َ َّ ُ َ َّ َ ُ َ ْ َ َ‬
‫السارقة فاقط ُعوا أ ْيد َي ُه َما َج َز ًاء ب َما ك َس َبا نكاال م َن الله}‪ ،‬قالوا‪ :‬فقوله {نكاال} تدل لذلك‪ ،‬وإن النكال هو‪:‬‬‫{والسارق و‬
‫العقوبة‪.‬‬

‫والقول الثاني‪ :‬أنه يجوز استخدام البنج عند قطع يد السارق‪ ،‬وإلى هذا القول ذهبت هيئة كبارالعلماء في المملكة‬
‫العربية السعودية باألغلبية‪ ،1‬واستدل أصحاب هذا القول بأن مقصود الشارع هو قطع اليد‪ ،‬وأن إيالم السارق في‬
‫ً‬
‫مقصودا‪ ،‬و إنما مقصود الشارع أن تقطع يده‪ ،‬وأن تبقى يده معلقة فيراها الناس فينزجروا عن السرقة‬ ‫القطع ليس‬
‫ويرتدعوا عنها‪.‬‬
‫َ َ َ َ ْ ُ ْ َ ْ َ ُ ُ َ َّ‬
‫الله َو َّ‬
‫الر ُسول}‪.2‬‬ ‫وإذا أردنا الترجيح بين القولين نعود لآلية‪ ،‬الله تعالى يقول‪{ :‬فإن تنازعتم في ش ي ٍء فردوه إلى‬
‫َ َّ ُ َ َّ َ ُ َ ْ َ َ‬
‫السارقة فاقط ُعوا أ ْيد َي ُه َما}‪ ،3‬فدلت اآلية على أن العقوبة في القطع‪ ،‬ولم يقل (فآذوهما‬‫يقول الله تعالى‪{ :‬والسارق و‬
‫َ ْ َ‬
‫بالقطع) أو أنه طلب إيالمهما بالقطع إنما قال‪{ :‬فاقط ُعوا} وهذا يدل على أن مقصود الشارع هو مجرد القطع ولهذا‬
‫َّ‬ ‫ََ ً‬ ‫َ‬
‫قال‪َ { :‬ج َز ًاء ب َما ك َس َبا نكاال م َن الله}‪ ،‬والنكال هو‪ :‬العقوبة لكن العقوبة وردت بالقطع فقط‪.‬‬

‫وهذا القول الثاني هو الراجح ‪-‬والله أعلم‪ -‬أنه يجوز استخدام البنج في قطع يد السارق‪ ،‬وأن إيالم السارق ليس‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫مقصودا‪ ،‬و إنما المقصود قطع يده‪ ،‬وإذا قطعت يد السارق مع استخدام البنج فيصدق عليها أنها قطعت‪ ،‬والله‬
‫َ ْ َ َ‬
‫تعالى يقول‪{ :‬فاقط ُعوا أ ْيد َي ُه َما}‪.‬‬

‫وهذه تشبه ما ذكرنا من غمس يد السارق في الزيت المغلي‪ ،‬ما دام أنه بالمكان إيقاف النزيف من غير غمسه في الزيت‬
‫فال حاجة لغمسه في الزيت‪ ،‬هكذا أيضا في الوقت الحاضرما دام بالمكان قطع يده من غيرإيالم عن طريق استخدام‬
‫البنج‪ ،‬فما المانع من هذا؟‬
‫ً‬
‫فإذا القول الراجح أنه يجوز استخدام البنج‪ ،‬وأن هذا ال بأس به‪ ،‬وهذا هو الذي عليه العمل‪ ،‬وصدربه قرارهيئة كبار‬
‫العلماء‪.‬‬

‫وإن كان اآلن القطع في السرقة قد قل في الوقت الحاضرمع كثرة السرقات‪ ،‬والشكالية ‪-‬حقيقة‪ -‬هي إشكالية قضائية‬
‫بحتة‪ ،‬وذلك ُلقبول رجوع ُ‬
‫المقر؛ ألن السرقات ً‬
‫غالبا ال تثبت بشهادة شهود‪ ،‬والسارق عندما يسرق لن يسرق وأحد‬

‫‪ 1‬صدر قرار هيئة كبار العلماء رقم (‪ )121‬بتاريخ ‪1712 - 13 - 24‬هـ بشأن استعمال المخدر في القصاص‪ ،‬وفيه‪ :‬قرر المجلس بالأكثرية جواز استعمال المخدر‬
‫"البنج" عند القصاص فيما دون النفس‪ ،‬إذا وافق صاحب الحق وهو " المجني عليه"‪3‬‬

‫‪ 2‬سورة النساء آية (‪.)٥٥‬‬


‫‪ 3‬سورة المائدة آية (‪.)٣٤‬‬
‫‪22‬‬
‫يشاهده‪ ،‬و إنما تثبت في الغالب بإقرارالسارق بعدما ُيقبض عليه‪ ،‬والسارق اآلن بعد ما ُيقبض عليه يعترف ُويقر‪ ،‬ثم‬
‫بعد ذلك إذا ذهب للقاض ي رجع عن إقراره‪ ،‬أو أنه ُيقرعند القاض ي ثم قبل التنفيذ يرجع عن إقراره‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫قال ابن تيمية رحمه الله‪( :‬إذا قبل رجوع المقرفلن ُيقام حد)‪ .1‬لكن الجمهور على قبول رجوع المقر‪ .‬والمالكية قالوا‬
‫ُ‬
‫أنه ال ُيقبل رجوع المقرإال إذا كان ثمة شبهة‪ .‬وقول المالكية أرجح‪ ،‬ولذلك لو أخذ بقول المالكية في هذه المسألة‬
‫فإنه سيقام حد القطع للسرقة‪ ،‬لكن الذي عليه العمل اآلن في الجهات القضائية هو األخذ بقول مذهب الحنابلة‪،‬‬
‫وقول الجمهور في قبول رجوع ُ‬
‫المقر‪.‬‬

‫ولذلك السارق ُيقبض عليه‪ُ ،‬ويقرويعترف‪ ،‬وربما ُحكم عليه‪ ،‬ثم يتراجع ُويقبل رجوعه‪ ،‬لذلك هذا هو السبب الرئيس ي‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫لقلة القطع في السرقة‪ُ ( :‬قبول رجوع ُ‬
‫المقر)‪ ،‬ولو أنه أخذ بالقول اآلخروهو عدم قبوله إال إذا كان هناك شبهة أو قرينة‬
‫ُ‬
‫تدل على أنه أكره أو نحو ذلك فهنا ال حرج‪ ،‬أما أن ُيقبض عليه والقرائن تقوم وتدل على سرقته‪ ،‬ربما كان هناك‬
‫وصدق اعتر افه‪ ،‬ثم يتراجع بعد ذلك‪ ،‬فلماذا‬‫بصمات‪ ،‬وربما كان هناك صور‪ ،‬وربما كان من أرباب السوابق‪ ،‬واعترف ُ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ُيقبل تراجعه؟! فإذا لم ُيقبل تراجعه أقيم هذا الحد‪ ،‬لكن إذا قبل التراجع فإنه سيقل إقامة هذا الحد‪ ،‬كما ترون أن‬
‫هذا هو الو اقع‪.‬‬

‫طبعا بالنسبة الستخدام البنج في قطع يد السارق إنما هو في (حد السرقة)‪ ،‬أما في (القصاص) ال يستخدم البنج إال‬
‫وحكم بالقصاص بقطع يد الجاني‪ ،‬فال يجوز‬ ‫شخصا اعتدى على آخر فقطع يده‪ُ ،‬‬
‫ً‬ ‫إذا أذن املجني عليه‪ ،‬فلو أن‬
‫ً‬
‫استخدام البنج إال إذا أذن املجني عليه بذلك‪ ،‬ألن اليالم في القصاص مقصود‪ ،‬والمماثلة مقصودة‪ ،‬فإذا استخدام‬
‫البنج الذي قلنا أنه يجوز إنما هو في حد السرقة‪ ،‬فقط القطع‪ ،‬أما في القصاص فال يجوز إال إذا أذن املجني عليه في‬
‫استخدامه‪.‬‬

‫‪--------------------------------------------------‬‬

‫(إعادة اليد المقطوعة صاحبها)‬


‫ننتقل إلى نا لة أخرى متعلقة ً‬
‫أيضا بهذه النازلة ومرتبطة بها وهي إعادة اليد المقطوعة لصاحبها‪.‬‬ ‫ز‬
‫عندما تقطع يد السارق هل يجوز أن تعاد اليد المقطوعة لصاحبها؟‬
‫وهم يقولون‪ :‬أنه يشترط لعادة اليد المقطوعة أن تعاد في الوقت نفسه‪ ،‬لو تأخرت لم يمكن ً‬
‫طبيا‪ ،‬لكن لو افترضنا‬
‫مثال أن هذا السارق أو قرابته اتفقوا مع مستشفى أهلي على أن يحضروا عربة فيها جميع مستلزمات العملية‪ ،‬ومن‬
‫حين قطع يده تجرى له العملية‪ ،‬وتعاد اليد له‪ ،‬هل هذا يجوز؟‬

‫ص ‪ -‬أَ ْولَى‬
‫النصُو ُ‬ ‫علَ ْيهِ ُ‬
‫ت َ‬
‫ط الْعُقُو َب ِة بِالتَوْبَ ِة ‪ -‬كَمَا دََل ْ‬ ‫ب فَِإسْقَا ُ‬ ‫َر غَيْرَ تَائِ ٍ‬ ‫َر تَا ِئبًا وَمَنْ َأق َ‬
‫ن مَنْ َأق َ‬
‫ق َبيْ َ‬
‫‪ 1‬مجموع الفتاوى(‪ )٣١/ ٢٦‬لشيخ الإسلام ابن تيمية‪ ،‬وجاء فيه‪( :‬بَلْ فَرْ ٌ‬
‫الرجُوعَ لَمَا قَا َم حَدٌ بِِإقْرَارِ فَإِذَا َلمْ تُقْبَلْ التَ ْو َب ُة بَعْ َد الِْإقْرَا ِر مَ َع أَنَ ُه قَ ْد يَكُونُ صَا ِدقًا فَالرُجُوعُ‬
‫علَى نَ ْفسِهِ؛ َولَ ْو قَبِ َل ُ‬
‫ن الِْإقْرَارِ؛ وَالْإِ ْقرَا ُر شَهَادَ ٌة مِ ْن ُه َ‬
‫ع عَ ْ‬
‫ن إسْقَاطِهَ ا بِالرُجُو ِ‬ ‫مِ ْ‬
‫الَذِي ُهوَ فِي ِه كَا ِذبٌ أَ ْولَى‪.).‬‬

‫‪20‬‬
‫نرجع إلى السؤال الذي طرحناه في المسألة السابقة‪:‬‬
‫ً‬
‫مقصودا آخر؟‬ ‫هل مقصود الشارع قطع اليد وأن تبقى اليد مقطوعة أو أن له‬

‫نعم هذا هو مقصود الشارع من القطع أن تبقى يد السارق مقطوعة‪ ،‬بحيث يراها الناس فيرتدعوا عن السرقة‪ ،‬وعلى‬
‫هذا فال يجوز إعادة اليد المقطوعة ليد صاحبها‪ ،‬فهذا يتنافى مع مقصود الشارع من القطع‪ ،‬وإذا قطعت يد السارق‪،‬‬
‫وبقيت مقطوعة ورآها الناس فإنهم يرتدعون عن السرقة ويخافون‪.‬‬
‫شرعا‪ ،‬وقد صدر ً‬
‫أيضا في هذا قرار لهيئة كبارالعلماء‪ 1‬بأنه ال يجوز إعادة اليد المقطوعة لصاحبها‬ ‫وهذا أمرمقصود ً‬
‫إذا قطعت في السرقة‪.‬‬

‫‪-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫(القصاص في الكسور والجراح والشجاج)‬


‫أيضا متعلقة بكتاب الجنايات وهي‪( :‬القصاص في الكسور والجراح والشجاج)‪ ،‬فعندما يقرأ طالب‬‫ننتقل لنا لة أخرى ً‬
‫ز‬
‫العلم كالم الفقهاء السابقين في القصاص والكسور والجراح والشجاج يجد أنهم يشترطون لالستيفاء‪( :‬األمن من‬
‫الحيف)‪ ،‬فإذا لم يوجد األمن من الحيف سقط القصاص و انتقل األمرإلى الدية؛ ففي [زاد المستقنع]‪ 2‬يقول صاحب‬
‫ٔ‬
‫الزاد‪(( :3‬للقصاص في الطرف شروط‪ :‬األول‪ :‬األمن من الحيف؛ بان يكون القطع من مفصل‪ ،‬وله حد ينتهي ٕاليه))‪،4‬‬
‫فيقتص من‬ ‫فعندهم أنه ال بد ٔان يكون القطع من مفصل‪ ،‬يعني ٕاذا اعتدى ٕانسان على ٓاخر فقطع اليد من المفصل ُ‬
‫الجاني‪.‬‬
‫ٔ‬
‫لكن ٕاذا قطع اليد ليس من المفصل‪ ،‬و ٕانما كسرذراعه من منتصفها ‪ ،‬فعندهم انه ال ُيقتص من الجاني‪ ،‬لماذا؟‬

‫‪ 1‬صدر في قرار لمجلس هيئة كبار العلماء القرار رقم ‪ 100‬في ‪1730 /0 /14‬هـ ‪ ،‬والمؤيد بالأمر السامي رقم ‪ 7/1452/2‬في ‪1734 /13/ 26‬هـ أنه لا يجوز إعادة‬
‫اليد المقْوعة في حد إلى صاحبها‪.‬‬

‫‪ 2‬كتاب [زاد المستقنع في اختصار المقنع] متن في الفقه مختصر جدا‪ ،‬على مذهب الإمام أحمد بن حنبل‪.‬‬

‫‪ 3‬وهو العلامة‪ :‬موسى بن أحمد الحجاوي‪.‬‬

‫‪[ 4‬زاد المستقنع اختصار المقنع]‪ ،‬كتاب الجنايات‪ ،‬باب ما يوجب القصاص فيما دون النفس‪.‬‬
‫‪27‬‬
‫ألنه ال يمكن االستيفاء من غيرحيف‪ٕ ،‬اذا قلنا للمجني عليه اكسريد الجاني‪ ،‬كيف يكسره؟ ال يستطيع إال بزيادة أونقص‬
‫ٔ‬
‫فال ُيؤمن من الحيف؛ فلذلك يقولون‪ :‬انه ال ُيستوفى القصاص في هذه الحالة ُويعدل عنه ٕالى الدية‪.‬‬
‫ٔ‬
‫ولهذا يشترطون في القصاص‪ :‬بان يكون القطع من مفصل له حد مثل مفصل الكف‪ ،‬فلوكسريده من الذراع‪ ،‬أوكسرها‬
‫من العضد‪ ،‬يقولون‪ :‬ال ُيستوفى القصاص‪.‬‬
‫ٔ‬ ‫واذا أتينا إلى الشجاج ً‬
‫أيضا والجراح فنفس الحكم عندهم‪ ،‬انه في الجراح ُيقتص في كل جرح ينتهي إلى عظم‬ ‫ٕ‬
‫الموض َحة)‪ ،‬والموضحة هي‪ :‬الشجة التي تصل ٕالى العظم‪.‬‬
‫كـ( ُ‬

‫وال ُيقتص في غير ذلك من الشجاج‪ .‬فعند العرب أنواع من الشجاج‪ :‬الحارصة والبازلة والباضعة والمتالحمة‬
‫ٔ‬
‫والسمحاق والموضحة والهاشمة والمنقلة‪ ،‬فعندهم ان هذه الشجاج ال ُيستوفى منها ٕاال في الموضحة فقط؛ ألن‬
‫الموضحة يمكن استيفاء القصاص من غيرحيف‪ ،‬وهكذا أيضا بالنسبة للجروح‪.‬‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫ومن يقرا في كتب الفقه يجد هذا الشرط وهو‪ :‬انه ُيشترط الستيفاء القصاص ٕامكان االستيفاء من غير حيف‪ ،‬ويتفرع‬
‫ٔ ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫عن هذا الشرط انه يجوز القصاص في امور‪ ،‬وال يجوز في امور اخرى؛ لعدم ٕامكانية االستيفاء من غيرحيف‪.‬‬
‫ٔ‬
‫ومع تقدم الطب في الوقت الحاضر ينبغي ان ُيعاد النظر فيما ذكره الفقهاء السابقون‪ ،‬وهذه وظيفة الفقهاء‬
‫المعاصرين‪.‬‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫فال ياتي ٕانسان او قاض ي ويقرا الزاد‪ ،‬او يقرا كتب الحنابلة ويطبق الموجود فيها بالنسبة للقصاص‪ ،‬لماذا؟ ألن الفقهاء‬
‫ٔ‬
‫السابقين معذورون‪ ،‬ذكروا هذه األمور بحسب ما توصل إليه الطب في زمنهم‪ ،‬انه ال يمكن االستيفاء من غير حيف‪ .‬في‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ُ‬
‫وقتنا الحاضر يمكن استيفاء القصاص من غير حيف في جميع ما ذكر بدقة كبيرة سواء في‪ :‬األطراف‪ ،‬او في الشجاج‪ ،‬او‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫في الجروح‪ ،‬او غيرها‪ ،‬ولذلك ينبغي ان ُيعاد النظرفي هذه األحكام‪.‬‬
‫ٓ‬
‫فمثال ٕانسان اعتدى على اخر فكسر يده من الذراع ف ُيمكن القصاص من الجاني بكسر يده من الذراع من غير حيف‬
‫فينظر بالسنتمترات موضع الكسر‪ُ ،‬ويحدد موضع الكسر عند الجاني ُويفعل به‬
‫عن طريق الطبيب‪ُ ،‬يجرى له عملية ُ‬
‫مثل ما فعل باملجني عليه تماما‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وهذا ممكن في الوقت الحاضربدقة كبيرة‪ ،‬ومثل ذلك ما ذكرمن الشجاج‪ ،‬وما ذكرمن الجروح‪ ،‬فكثيرمن القضايا التي‬
‫ٔ‬
‫كان الفقهاء السابقون يمنعون من القصاص فيها لعدم ٕامكانية القصاص من غير حيف يمكن في وقتنا الحاضر ان‬
‫ُيستوفى القصاص فيها مع األمن من الحيف؛ ولذلك ينبغي أن ُيعاد النظرفيها‪.‬‬
‫ٕوان شاء الله تعالى في شرح "دليل الطالب"‪ 1‬سأذكر هذه المسائل‪ ،‬وإن شاء الله قسم العبادات ً‬
‫تقريبا انتهى وفي طور‬
‫ٔ‬
‫المراجعة وسيخرج قريبا‪ .‬و ايضا القسم الثاني غيرالعبادات سيخرج إن شاء الله في مدة ال تزيد عن سنة من اآلن ٕباذن‬

‫‪ 1‬متن في الفقه الحنبلي اختصره الشيخ مرعي الكرمي من كتاب " منتهى الإرادات في جمع المقنع والتنقيح وزيادات " للعلامة تقي الدين محمد بن أحمد الفتوحي‬
‫المصري الشهير بابن النجار‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫متنا ً‬‫ً‬ ‫ٔ‬
‫فقهيا بحيث اذكر فيه ابرز‬ ‫الله تعالى‪ .‬و ايضا ربما ٕان شاء الله بعد االنتهاء من شرح الدليل‪ 1‬في النية أن أصنف‬
‫ٔ‬
‫المسائل التي ذكرها الفقهاء السابقون‪ ،‬و ابرز النوازل والمسائل المعاصرة؛ بحيث تكون كلها في متن واحد‪ ،‬فمثال‬
‫ٔ‬
‫(الغسيل الكلوي) هل يفطرالصائم ام ال؟ في سطرواحد‪ ،‬الغسيل الكلوي الدموي‪ ،‬و(الغسيل الكلوي البروتوني) مثال‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫انه يفطر الصائم‪ .‬بحيث من يقرا هذا المتن او من يحفظه يستطيع ان يضبط ابرز المسائل التي ذكرها الفقهاء‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫السابقون‪ ،‬و ابرز النوازل والمسائل المستجدة‪ ،‬ومن ضمنها ايضا هذه المسائل المتعلقة بالجنايات‪.‬‬
‫ٔ‬
‫فبعض المسائل التي ذكرها الفقهاء المتقدمون ينبغي للفقهاء المعاصرين ان يعيدوا النظرفيها بحسب المستجدات‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬ ‫ٔ‬ ‫ً‬
‫السلم في القدور؛ ألن القدور عندهم تصنع يدويا‪ ،‬وفي‬ ‫من ذلك مثال في أبواب المعامالت عندما ذكرالفقهاء انه ال يجوز‬
‫ُ‬
‫الوقت الحاضر أصبحت تصنع آليا‪ ،‬فأصبحت يمكن التماثل في صناعة القدور بدقة كبيرة‪ ،‬اسم الشركة والرقم‪،‬‬
‫ويعطيك أي قدر تريد‪ ،‬فهنا ما ذكره الفقهاء السابقون من عدم جواز السلم في القدور في السابق‪ ،‬في الوقت الحاضر‬
‫تغيرالحكم‪ ،‬نقول يجوز السلم في القدور ألن العلة التي ذكرها الفقهاء السابقون انتفت في الوقت الحاضر‪ ،‬و[الحكم‬
‫يدور مع علته وجودا وعدما]‪.‬‬
‫ٔ‬
‫المسالة ً‬ ‫ٔ‬
‫أيضا هي مسائل كثيرة‬ ‫فإذن تقدم الطب مثال‪ ،‬وتقدم الصناعة‪ ،‬له اثرفي تقريربعض األحكام الشرعية‪ .‬فهذه‬
‫ً‬
‫وليست مسألة واحدة‪ ،‬مسائل كثيرة في كتاب الجنايات‪ ،‬كان الفقهاء السابقون يمنعون من القصاص فيها خوفا من‬
‫الحيف‪ ،‬وفي وقتنا الحاضر نقول بالقصاص فيها ألجل األمن من الحيف‪.‬‬

‫(سرقة الحقوق المعنوية)‬


‫ٔ‬
‫ايضا من النوازل في كتاب الحدود‪ :‬سرقة الحقوق المعنوية‪.‬‬
‫الحقوق المعنوية تكلمنا عنها في درس سابق‪ ،‬وقلنا ٔان الحق المعنوي ُسلطة على ش يء غير مادي كحق ٔ‬
‫المولف ونحو‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٓ‬ ‫ً ٔ ً‬ ‫ذلك‪ ،‬لكن لو افترضنا ٔان ٔا ً‬
‫كتابا او بحثا من اخر‪ ،‬اتى لبحث لك او كتاب لك وغير االسم‪ ،‬بدل ما هو اسمك‬ ‫حدا سرق‬
‫جعله باسمه‪ ،‬فهل هذا يعتبرسرقة؟ وهل هذا ُيوجب القطع؟‬

‫الناس يسمونه سرقة‪ ،‬لكن السرقة ال بد أن تستوفي الشروط‪ ،‬شروط القطع لكي ُيحكم بالقطع‪.‬‬
‫ٔ‬
‫ال يهمنا ‪-‬الحقيقة‪ -‬المصطلح‪ ،‬هل يسمى سرقة او ليس بسرقة‪ ،‬لكن المهم اآلن هل الشروط اآلن منطبقة عليها؟‬
‫ٔ‬
‫الو اقع ان الشروط غيرمنطبقة وغيرمكتملة‪ ،‬لماذا؟‬
‫ٔ‬
‫‪ ‬ألن السرقة من غير حرز‪ ،‬ومن شروط القطع في السرقة ان تكون من حرز‪ ،‬اآلن الكتاب عندك‪ ،‬والبحث عندك‪،‬‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫لكن هذا استنسخه ووضع اسمه مكان اسمك‪ ،‬فاين الحرز الذي سرق منه هذا الكتاب او هذا البحث؟ السرقة‬
‫ٔ‬
‫اآلن من غيرحرز‪ ،‬هذا امر‪.‬‬

‫‪ 1‬أي كتاب دليل الْالب‪.‬‬


‫‪20‬‬
‫ٔ‬ ‫‪ ‬األمرالثاني ٔان ٔاصل المال المسروق ال زال ً‬
‫باقيا عند صاحبه‪ ،‬فالكتاب ال زال عندك فكيف ُيقال انها سرقة موجبة‬
‫للقطع؟‬
‫ٔ‬
‫على هذا نقول انها غيرموجبة للقطع‪ ،‬لكن يجب فيها التعزير‪ ،‬والتعزيريكون بحسب ما يراه القاض ي‪ ،‬لكن ُيعاقب هذا‬
‫السارق بعقوبة تعزيرية ٔتودبه‪.‬‬

‫‪--------------------------------------------------‬‬

‫(استخدام مدرات الحليب)‬


‫ٔ‬
‫من النوازل ايضا في كتاب الرضاع‪ :‬استخدام مدرات الحليب‪.‬‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫فتستخدم بعض النساء عقاقير تدر الحليب‪ ،‬فيخرج من المراة لبن وهي غير ذات زوج‪ٕ ،‬اما لكونها لم تتزوج او لكونها‬
‫ٔ‬ ‫ُ‬
‫مطلقة‪ ،‬أو لكونها أرملة‪ ،‬فترضع طفال في الحولين‪ ،‬فهل هذا الرضاع محرم تثبت به املحرمية ام ال؟‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫هذه المسألة ترجع لمسألة ذكرها الفقهاء السابقون‪ ،‬او ذكروا مسالة شبيهة بها وهي‪ٕ :‬اذا ثاب اللبن عن غير حمل فهل‬
‫هذا اللبن محرما أو غيرليس محرما؟‬

‫وهذا فيه خالف بين الفقهاء‪ ،‬على قولين‪:‬‬


‫ٔ‬
‫‪ ‬منهم من قال انه لبن غير محرم‪ ،‬وهذا هو المذهب عند الحنابلة‪ ،‬وقالوا ٕان اللبن املحرم هو اللبن الذي يثوب عن‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫حمل‪ ،‬بان تحمل المراة وتلد ويثوب اللبن‪.‬‬
‫ٔ‬ ‫ُ ُ ُ َّ َ َ َ ُ‬ ‫ٔ‬
‫‪ ‬والقول الثاني‪ :‬انه لبن محرم وذلك لعموم األدلة‪ ،‬ومنها قول الله عزوجل‪َ { :‬وأ َّم َهاتك ُم الالتي أ ْرض ْعنك ْم}‪ 1‬وهذه امراة‬
‫ً‬ ‫ٔ‬
‫ارضعت طفال لبنا فما الذي ُيخرج هذا اللبن من عموم األدلة؟‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫وهذا القول الثاني اختاره جمع من املحققين من اهل العلم‪ ،‬واختاره أبو العباس ابن تيمية‪ ،‬و ايضا ابن عثيمين وجمع‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫من اهل العلم‪ ،‬وهو القول الراجح‪ ،‬ما دام أنه لبن خرج من امراة فهو لبن محرم‪ ،‬بغض النظرعن سبب وثوب هذا اللبن‬
‫ٔ‬
‫هل هو عن حمل او عن غيرحمل‪.‬‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫وعلى ذلك فاستخدام هذه الهرمونات ٕاذا ثاب لبن بسببها فارضعت هذه المراة طفال في الحولين ٕفانه يكون ابنا لها من‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫الرضاع‪ ،‬وهذا قد تحتاج ٕاليه بعض النساء الالتي ياخذن اطفاال من دور الرعاية االجتماعية وتريد ان يكون هذا الطفل‬
‫ابنا لها من الرضاع فتستخدم هذه العقاقيرفترضعه‪.‬‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫لكن حسب كالم املختصين ان فيها خطورة‪ ،‬فقد يكون فيها اضرا ًرا طبية‪ ،‬فلذلك ال بد من استشارة الطبيب قبل‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ُ ٔ‬
‫استخدام هذه العقاقير‪ٕ ،‬اذا قدران ليس فيها ضرر فيظهرانه ال باس بذلك‪ ،‬ويكون هذا الطفل ابنا لها ٕاذا كان الرضاع‬
‫ٔ‬
‫خمس رضعات فاكثرفي الحولين‪.‬‬

‫‪ 1‬سورة النساء آية (‪.)١٣‬‬


‫‪24‬‬
‫ٔ‬ ‫ٔ ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫ويمكن ان تعدل المراة عن ذلك بامرايسرفتجعل مثال اختها ترضع هذا الطفل وتكون هي خالته‪ ،‬وبالتالي تكون خالته‬
‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫َّ‬ ‫ً ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬
‫من الرضاع‪ ،‬ويكون محرم لها‪ ،‬لكن احيانا قد ال يتيسر لها اخت مثال او نحو ذلك‪ ،‬فالمهم هو أال تلجا المراة لذلك ٕاال‬
‫بعد استشارة الطبيب املختص‪.‬‬
‫‪-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫(التصوير الفوتوغرافي)‬

‫ً‬ ‫ُ‬
‫التصويرالفوتوغرافي أول ما ظهرأطلق عليه (تصوير)‪ ،‬و(صورة)‪ ،‬وكان كثيرمن العلماء يشدد فيه أخذا من‬
‫ََ ً َ َ َ َ ُ َ َ‬ ‫َ َ َّ‬
‫صو ُرون]‪( ،1‬ولعن‬ ‫النصوص التي شددت في شأن التصوير‪ ،‬بل إن النبي ﷺ قال‪[ :‬أشد الناس عذابا يوم القيامة الم‬
‫‪َ َ ُ ُ ْ َ َ َ َ ْ َّ ُ َ ْ َ َ 3‬‬
‫خ ْلقي]‪4‬‬ ‫ُ‬
‫ينف َخ فيها الر َ‬ ‫ً َ‬ ‫الله المصور)‪[ ،2‬من َّ‬
‫بنافخ] ‪[ ،‬ومن أظلم ممن ذهب يخلق ك‬ ‫ٍ‬ ‫وليس‬ ‫وح‬ ‫أن‬ ‫ف‬ ‫صور صورة كل‬
‫َ ْ‬
‫[ ُيضاهون خلق الله]‪.5‬‬
‫فالعلماء أمام هذه النصوص التي شددت في التصويركانوا ً‬
‫قديما ‪-‬كان ً‬
‫كثيرا منهم‪ -‬يشدد في هذه القضية‪ ،‬لكن مع‬
‫مرورالوقت أصبحت قضية التصويرمن جهة التصور تتضح أكثرفأكثر‪ ،‬فحصل في ذلك اختالف كثيرفي التوجه‪ .‬فقد‬
‫كان توجه أكثرالعلماء السابقين هو التحريم‪ ،‬أما بالنسبة ألكثرالعلماء المعاصرين هو الجواز‪ ،‬وال يقال أن الناس‬
‫قديما يحرمون واآلن حللوا‪ ،‬هذا غيرصحيح‪ ،‬و إنما هذا سار ً‬
‫تبعا لظروف النظرلهذه النازلة‪.‬‬ ‫كانوا ً‬
‫ً‬
‫إذا هذه النازلة نريد اآلن أن نعرف التصور الصحيح للتصوير‪ ،‬هل هو بالفعل تصويرأو ليس بتصوير؟‬

‫ما يسمى بالتصويرالفوتوغرافي‪ ،‬ومثله التصويرالتلفزيوني هو يعتمد على عكس الصورة الحقيقية كما خلق الله‬
‫تعالى‪ ،‬لكنها تعالج بحكم التقنية الحديثة معالجة سريعة‪ ،‬تجعل الصورة الفوتوغر افية تثبت‪ ،‬والصورة التلفزيونية‬

‫‪ 1‬أخرجه البخاري (‪ ،)5253‬ومسلم (‪ )2132‬واللفظ له‪.‬‬

‫ن‬
‫نبي ﷺ عن ثَمَ ِ‬
‫عبْدًا حَجَامًا‪َ ،‬فسََألْ ُتهُ فَقالَ‪ :‬نَهَى ال ُ‬
‫‪ 2‬جزء من حديث أخرجه البخاري في صحيحه من حديث أبي جحيفة (‪ ،)١٠٤٦‬ولفظ البخاري‪َ [ :‬رأَ ْيتُ أبِي اشْتَرَى َ‬
‫َورَ]‪.‬‬
‫نَالمُص ِّ‬
‫ن الوَاشِ َم ِة والمَ ْوشُو َمةِ‪ ،‬وآكِ ِل الرِبَا ومُو ِكِلهِ‪ ،‬ولَعَ َ‬
‫ن الدَمِ‪ ،‬ونَهَى عَ ِ‬
‫ب وثَمَ ِ‬
‫ال َك ْل ِ‬

‫ح‬
‫ن يَنْفُخَ فِيهَا الرُو َ‬
‫الدنْيَا كُلِفَ أَ ْ‬
‫‪ 3‬أخرجه ابن تيمية في مجموع الفتاوى (‪ ،)٣٢٠/ ١٥‬وأخرجه البخاري (‪ ،)5200‬ومسلم (‪ ،)١٢٢٠‬ولفظ مسلم‪[ :‬مَن صَوَرَ صُورَةً في ُ‬
‫خ‪.].‬‬
‫س بنَافِ ٍ‬
‫يَومَ القِيَا َمةِ‪ ،‬وَلي َ‬

‫‪ 4‬أخرجه البخاري (‪ )5250‬واللفظ له‪ ،‬ومسلم (‪.)2111‬‬


‫ن خلْق الل ِه عز وجلَ]‪،‬‬
‫س عذابًا الذين يُضاهو َ‬
‫‪ 5‬جزء من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها الذي أخرجه الخْيب البغدادي في تاريخ بغداد‪[ :،‬إنَ أشدَ النا ِ‬
‫س عذابًا يومَ القيام ِة الذين يُضاهون الل َه في خلقِه‪].‬‬ ‫وأخرجه البخاري (‪ ،)5257‬ومسلم (‪ ،)2134‬والنسائي (‪ ،)5000‬وأحمد (‪ ،)27361‬ولفظ النسائي‪[ :‬إن َ‬
‫أشد النا ِ‬
‫‪26‬‬
‫تسرع سرعة كبيرة ال تدركها العين‪ ،‬يقال أن هذه السرعة تتراوح ما بين ‪ ١١‬إلى ‪٤٤‬مرة في الثانية‪ ،‬ليس في الدقيقة بل في‬
‫الثانية‪ ،‬وهذه ال تدركها العين‪.‬‬

‫ولذلك فكرة التصويرالفوتوغرافي هي نفسها فكرة التصويرالتلفزيوني‪ ،‬ال فرق‪ ،‬ومن فرق بينهما فليس عنده فهم‬
‫صحيح لهذه القضية أو تصور دقيق لها‪ .‬الفكرة واحدة‪ ،‬فالفكرة تعتمد على عكس الصورة الحقيقية كما خلق الله‬
‫عزوجل‪ ،‬وليس إنشاء شكال جديدا‪.‬‬

‫أرأيت صورتك في المرآة‪ ،‬ما هي صورتك فيها؟ هل هي شكل جديد أم أنها صورتك الحقيقية المنعكسة؟‬

‫هي في الحقيقة صورتك كما خلقك الله‪ ،‬لكن انعكست لك‪ ،‬فرأيت صورتك في المرآة‪.‬‬
‫ً‬
‫أيضا الماء عندما تنظرإليه وتظهرصورتك فيه هل هي شكل جديد لك أم أنها صورتك الحقيقية؟‬

‫هي صورتك الحقيقية لكن انعكست عن طريق الماء‪.‬‬


‫ً‬ ‫ولم يقل أحد من أهل العلم ً‬
‫قديما أو حديثا أن صورة النسان في المرآة أو الماء صورة محرمة‪.‬‬
‫ُ‬
‫فبحكم التقنية الحديثة أخذت فكرة صورة النسان في المرآة وفي الماء ونحو ذلك‪ ،‬وعولجت عبروسائل التقنية‬
‫ً‬
‫الحديثة فأصبحت تنتج التصويرالفوتوغرافي‪ ،‬ثم تطورت هذه الفكرة‪ ،‬وقيل تسرع هذه الصورة سرعة كبيرة تصل‬
‫إلى ‪٤٤‬مرة في الثانية فأنتج ذلك التصويرالتلفزيوني‪.‬‬

‫وعلى ذلك فإن التصويرالفوتوغرافي والتلفزيوني هو في الحقيقة عكس للصورة كما خلق الله عزوجل‪ ،‬وليس صورة‬
‫بالمعنى الشرعي‪ ،‬ولهذا فالوصف الدقيق أن يقال أنه‪( :‬عكس)‪ ،‬وليس صورة‪ ،‬وقد كان الناس عندنا هنا في المملكة‬
‫عكسا)‪ ،‬ويقول‪ :‬أنا أريد أن أذهب أعكس‪ ،‬وعندي عكس‪ ،‬ويسمون‬‫قديما كانوا يسمون الصورة ( ً‬
‫العربية السعودية ً‬
‫الصور عكوس‪ ،‬أنا أذكرأن الناس ً‬
‫قديما كانوا يسمونها عكس‪ ،‬الحقيقة أن هذا هو الوصف الدقيق لها‪ :‬أنها عكس‬
‫وليست صورة‪ ،‬وعلى هذا فالذي يظهرأنها ال تدخل في الصور املحرمة؛ ألنها هي انعكاس لصورة حقيقية‪.‬‬

‫ومما يدل على ذلك أن علة النهي عن التصوير‪ :‬لماذا نهت الشريعة عن التصويروورد فيها هذا التشديد لماذا؟ ما هي‬
‫علة النهي عن التصوير؟‬

‫العلة املجمع عليها والمنصوص عليها‪ :‬المضاهاة لخلق الله‪ ،‬ومما يدل على ذلك النصوص‪ ،‬بعض النصوص السابقة‬
‫َ ْ‬ ‫ُْ َ َْ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫صرحت بهذا‪ ،‬قال تعالى‪َ [ :‬و َمن أظل ُم م َّم ْن ذ َه َب َيخل ُق كخلقي]‪ُ [ ،1‬يضاهون خلق الله]‪.2‬‬

‫فعلة النهي عن التصويرهي المضاهاة واملحاكاة لخلق الله عزوجل‪ ،‬وهذا غيرمنطبق على الصور الفوتوغر افية‬
‫والتلفزيونية‪ ،‬فليس فيها محاكاة لخلق الله‪ ،‬وليس فيها مضاهاة لخلق الله‪.‬‬

‫‪ 1‬أخرجه البخاري (‪ )5250‬واللفظ له‪ ،‬ومسلم (‪.)2111‬‬


‫‪ 2‬سبق تخريجه‪.‬‬
‫‪22‬‬
‫ومن صور صورة فوتوغر افية ال يتعجب الناس منه‪ ،‬ألنها مجرد انعكاس لصورتك كما خلق الله عزوجل‪.‬‬

‫فعلة النهي غبرمنطبقة على التصويرالفوتوغرافي والتلفزيوني‪.‬‬


‫ً‬
‫مصورا‪ ،‬فكيف تقولون‬ ‫ً‬
‫وتصويرا‪ ،‬والذي يعمل ذلك يسمى‬ ‫فإن قال قائل‪ :‬إنها تسمى صورة‪ ،‬والناس يسمونها ً‬
‫صورا‬
‫أنها ال تعتبرصورة بالمعنى الشرعي؟‬

‫الجواب‪ :‬أن العبرة بالحقيقة وليست العبرة بالتسمية‪ ،‬أرأيت لو سمى بعض الناس الخمربغيراسمها‪ ،‬لو سموها‬
‫روحيا‪ ،‬أو أي اسم‪ ،‬هل هذا ينقل الحكم من التحريم أ ًبدا؟‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مشروبا‬
‫خمرا‪ ،‬أو أي اسم أخريبقى ً‬
‫خمرا‪ ،‬العبرة بالحقيقة‪.‬‬ ‫هي خمر ً‬
‫سواء سميتها ً‬
‫سواء سماه الناس صورة أو ً‬
‫عكسا‪ ،‬أي اسم آخرالعبرة بحقيقته‪ :‬هل‬ ‫ً‬ ‫هكذا ً‬
‫أيضا نقول‪ :‬هذا العمل العبرة بحقيقته‪،‬‬
‫تنطبق عليه علة النهي عن التصوير؟‬
‫الجواب‪ :‬أنها ال تنطبق‪ ،‬ثم ً‬
‫أيضا كما ترون اآلن معظم األمة و اقع في هذا‪ ،‬ال أقول هذا من باب التأثر بضغط الو اقع‪،‬‬
‫لكن نقول هذا من باب بيان خطورة الحكم في هذه المسألة بالتحريم‪.‬‬

‫أقول‪ :‬معظم األمة فال يقل عن‪ ٪٠٩‬و اقع في هذا في الصور‪ ،‬في الجوال‪ ،‬أو أنه يصور بالجوال‪ ،‬أو حتى بالكاميرا‪ ،‬ترون‬
‫في هذه الدورة اآلن‪ ،‬الكاميرا أمامنا اآلن‪.‬‬
‫ً‬
‫يعني ال يقل عن ‪ ،٪٠٩‬والتصويرمن كبائرالذنوب‪ ،‬وفاعل ذلك يعتبرفاسقا‪ ،‬فال نجرؤ على تفسيق معظم األمة إال‬
‫بدليل واضح كالشمس؛ ألن هذا فيه جرأة عظيمة‪ ،‬فلو قلت أن هذا من التصوير املحرم معنى ذلك أنك حكمت على‬
‫ً‬
‫أيضا حكمت على أن معظم األمة ال تدخل بيوتها المالئكة‪ .‬لو كان عندنا‬ ‫الشريحة األعظم من المسلمين بالفسق‪ ،‬و‬
‫ش يء واضح في هذا ال يهمنا وال نتأثربضغط الو اقع‪ ،‬لكن ال يوجد ش يء واضح بل الواضح خالفه‪ ،‬فال نجرؤ على الجزم‬
‫بأن هذا من التصويراملحرم الذي شددت فيه الشريعة إال بأمرواضح كالشمس؛ ألننا إذا نظرنا إلى مآالت هذه‬
‫المسألة نجد أنها مآالت كبيرة وخطيرة‪ ،‬فهذا يستدعي أن من أراد أن يحكم عليها بالتحريم وأنها من الصور املحرمة‬
‫يجب أن يستحضرهذا المعنى‪ ،‬و أنه يفسق أكثرالمسلمين‪ ،‬ويحكم أن المالئكة ال تدخل بيوت معظم المسلمين‪.‬‬

‫تنظيرا آخريقولون‪ :‬أنها محرمة لكن نجيزما كان فيه مصلحة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وهناك بعض العلماء سمعت لهم‬
‫ً‬
‫وعندي أن هذا الطرح غير صحيح وغيرموفق‪ ،‬إذا كانت محرمة ال نجيزمنها ش يء إطالقا؛ ألن النصوص شددت فيها‪:‬‬
‫ُْ َ َْ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫(لعن الله المصورين)‪َ [ ،1‬و َمن أظل ُم م َّم ْن ذ َه َب َيخل ُق كخلقي]‪ ،2‬الشريعة شددت فيها‪.‬‬
‫ََ ً َ َ َ َ ُ َ َ‬ ‫َ َ َّ‬
‫صو ُرون]‪ ،3‬كيف نجيزمنها ما تدعو إليه المصلحة؟‬ ‫[أشد الناس عذابا يوم القيامة الم‬

‫ن ال ُمصَوِرِينَ]‪.‬‬
‫‪ 1‬أصله الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه (‪ )٥٣٨٢‬وفيه‪[ :‬ولَعَ َ‬

‫‪ 2‬سبق تخريجه‪.‬‬
‫‪ 3‬أخرجه البخاري (‪ ،)5253‬ومسلم (‪ )2132‬واللفظ له‪.‬‬

‫‪03‬‬
‫هذا الطرح طرح غيرصحيح‪ ،‬فإما أن نقول‪ :‬أنها ال تدخل في التصويرواملحرم‪ ،‬أو نقول أنها تدخل ونمنع‪ ،‬ال نجيزمنها‬
‫ش يء‪.‬‬
‫لكن هناك ً‬
‫أيضا طرح آخرأنه يجازمنها ما تدعو إليه الضرورة‪ ،‬لكن أنا أعتبرالطرح بأنه يجوز ما تدعو إليه المصلحة‬
‫أنه طرح غيرسديد وغيرصحيح‪ ،‬ومخالف للنصوص والقواعد‪.‬‬
‫ً‬
‫أيضا من األطروحات في هذه النازلة الطرح بإجازة التصويرالتلفزيوني‪ ،‬ومنع التصويرالفوتوغرافي‪ ،‬هذا الطرح‬ ‫و‬
‫مبني على تصور غيردقيق لحقيقة التصوير‪ .‬فكرة التصويرالتلفزيوني هي نفسها فكرة التصويرالفوتوغرافي إال أن‬
‫هذه مسرعة‪ ،‬وهذه مثبتة‪ ،‬فهذه من األخطاء في هذه النازلة‪.‬‬

‫وكما ترون أن جميع األخطاء ترجع للخطأ في التصور‪ ،‬هذا يبين لنا أهمية تصور النازلة‪ ،‬والذي يظهر‪-‬والله أعلم‪ -‬في‬
‫أيضا نضع ضوابط‪.‬‬‫هذا النا لة هو القول بالجواز‪ ،‬لكن ً‬
‫ز‬

‫إذا قلنا الجوازال نفتح الباب على مصراعيه‪ ،‬لكن إنما نضع ضوابط‪:‬‬

‫الضابط األول‪ :‬أال تكون الصورة صورة لنساء إال عند الضرورة؛ ألن صورة المرأة قد تقع في يد رجل أجنبي فينظر‬
‫لها‪ ،‬وال يجوز للرجل األجنبي أن ينظرللمرأة األجنبية‪.‬‬

‫الضابط الثاني‪ :‬أال تعلق هذه الصور ألن تعليقها ذريعة لتعظيمها‪ ،‬وقد يفض ي هذا للوقوع في الشرك‪ ،‬وال يقول قائل‬
‫نحن اآلن في عصرالتقنية والعصرالحديث‪ ،‬كيف يقع الناس في الشرك؟‬

‫أقول‪ :‬قد أخبرالنبي ﷺ بإنه (لن تقوم الساعة حتى تعبد الالت والعزى‪ ،‬ولن تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء‬
‫ً‬
‫دوس عند ذي خلصة)‪ 1‬فسيرجع الناس لعبادة األصنام في آخرالزمان‪ ،‬فما دام أن األمركذلك إذا ال بد من سد جميع‬
‫الذرائع الموصلة للشرك‪ ،‬وأول ما وقع الشرك في قوم نوح كان بسبب تعظيم الصور‪ ،‬لكن الصور هي النصب التي‬
‫وضعوها‪ ،‬وضعوا ً‬
‫نصبا‪ .‬القصة المشهورة‪( :‬أنه كان هناك ناس صالحون معروفون بالقوة في العبادة فماتوا في وقت‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫شديدا‪ ،‬فأتى إليهم الشيطان فقال صوروهم‪ ،‬وليس المقصود بالتصويرالتصوير‬ ‫متقارب‪ ،‬فحزن عليهم القوم حزنا‬
‫المعروف اآلن‪ ،‬المقصود بالتصويرأن يضعوا لهم ً‬
‫نصبا‪ ،‬مجرد نصب‪ ،‬قال‪ :‬حتى إذا رأيتموها تذكرتم عبادتهم‬
‫فنشطتم في العبادة‪ ،‬انظرإلى مداخل الشيطان‪ ،‬فلم يقل‪ :‬صورها ألجل كذا‪ ،‬أتى بهم من طريق بعيد "حتى تنشطوا في‬
‫العبادة"‪ ،‬فاستحسنوا هذه الفكرة‪ ،‬فوضعوا هذه النصب والتماثيل ألولئك الصالحين‪ ،‬لما انقرض هذا الجيل و أتى‬

‫‪ 1‬رواه الذهبي في تاريخ الإسلام (‪ ،)٥٥٢/ ٢٠‬وقال عنه منكر ونصه‪( :‬لا تقومُ السَاع ُة حتَى تُعبَ َد اللاتَ والعزَى قالَ أبو هريرةَ كأنِي أنظرُ إلى نساءِ دوسٍ‬
‫ن بألياتِهنَ على صن ٍم يقالُ لَ ُه ذو الخلصة)‪.‬‬ ‫يصَْفِف َ‬
‫ل رَسوله بالهُدَى ودِينِ‬ ‫اللهُ‪{ :‬هو الذي أ ْرسَ َ‬ ‫ن أنْزَلَ َ‬ ‫ت لأَظُنُ حِي َ‬ ‫ن كُنْ ُ‬
‫ت والْعُزَى فَقُلتُ‪ :‬يا رَسولَ اللهِ‪ ،‬إ ْ‬ ‫ل والنَها ُر حتَى تُعْ َب َد اللا ُ‬‫ب اللَيْ ُ‬
‫وفي صحيح مسلم (‪[ :)١٥٠٢‬لا يَ ْذهَ ُ‬
‫ُل مَن في َق ْل ِب ِه مِثْقالُ‬
‫ن مِن ذلكَ ما شا َء اللَهُ‪ ،‬ثُمَ يَبْ َعثُ ا َلل ُه رِيحًا طَيِ َبةً‪ ،‬فَتَوَفَى ك َ‬ ‫سيَكو ُ‬
‫ك تامًا قا َل إنَه َ‬
‫ن كُِل ِه ولو كَرِ َه ال ُمشْرِكُونَ} [الصف‪ ]2 :‬أنَ ذل َ‬ ‫الحَقِ لِيُظْهِرَ ُه علَى الدِي ِ‬
‫ن إلى دِينِ آبائِهِ ْم‪.].‬‬ ‫ل مِن إيمانٍ‪ ،‬فَيَبْقَى مَن لا خَيْ َر فِيهِ‪ ،‬فَيَرْجِعُو َ‬ ‫ح ََب ِة خَرْدَ ٍ‬

‫‪01‬‬
‫الجيل الذي بعده قالوا‪ :‬إن آباءنا ما وضعوا هذه النصب والتماثيل إال لعبادتها فعبدوها من دون الله‪ ،‬فوقع الشرك‬
‫في بني آدم‪1).‬‬

‫ً‬
‫إذا تعليق ما كان معظما هذا ال يجوز‪ ،‬تعليق الصور ال يجوز‪ ،‬ألنه ذريعة لتعظيمها‪ ،‬التعظيم الذي قد يفض ي إلى‬
‫الشرك‪ ،‬هذا هو الضابط الثاني‪.‬‬
‫الضابط الثالث‪ :‬أال تكون الصور ألموات؛ ألن الغالب على األحياء تعظيم األموات‪ ،‬وألن صور األموات قد تفض ي أ ً‬
‫يضا‬
‫المي ُت ُي َع َّذ ُب ب ُب َكاء َ‬
‫الحي عليه]‪ 2‬فكيف‬ ‫لوقوع الشرك‪ ،‬وألن الميت قد يتأذى ويتعذب بتناقل وتداول صورته‪ ،‬إذا كان [ َ‬
‫أيضا هذا نوع من التعدي على الميت‪ ،‬هذا أفض ى إلى ربه‪ ،‬وال يرض ى بأن تتداول صورته بهذه‬ ‫ً‬
‫بتناقل صورته؟! و‬
‫الطريقة‪.‬‬
‫أيضا هذا قد يكون فيه منافاة لكمال الصبرالواجب عند المصيبة‪ ،‬قد يكون فيه نوع من الجزع‪ ،‬فإذن تكون‬ ‫ثم ً‬
‫الصور بهذه الضوابط الثالثة‪ :‬الضابط األول‪ :‬أال تكون الصور لنساء إال عند الضرورة‪ ،‬والضابط الثاني‪ :‬أال تعلق‬
‫هذه الصور‪ ،‬والضابط الثالث‪ :‬أال تكون صورا ألموات‪.‬‬
‫ً‬
‫إذا قلنا أن التصويرالتلفزيوني والفوتوغرافي يدخل في دائرة الصور الجائزة‪ ،‬على ذلك مثال‪ :‬تصويرالدورة بهذه‬
‫أيضا في الجوال والصور في الجوال‪ً ،‬‬
‫أيضا ال تمنع دخول‬ ‫الكاميرا ال حرج فيها إن شاء الله على هذا التقرير‪ .‬والتصوير ً‬
‫المالئكة والحمد لله‪ ،‬إذا ما هي الصور املحرمة التي وردت النصوص في التشديد فيها‪ ،‬وأن أشد الناس عذابا يوم‬
‫القيامة المصورون وغيرها من النصوص؟ ما هي الصور املحرمة؟‬

‫نقول‪ :‬الصور املحرمة هي ما تحقق فيه علة المضاهاة لخلق الله‪.‬‬


‫علة المضاهاة لخلق الله تتحقق اآلن في أي ش يء؟ تتحقق في (التماثيل ذوات األرواح)‪ ،‬هذه بالجماع أنها صور‬
‫محرمة‪ ،‬أن يوضع تمثال لنسان أو تمثال لحيوان‪ ،‬هذه صور محرمة بالجماع‪ ،‬هذه تمنع دخول المالئكة‪ ،‬ومن‬
‫يفعلها وقع في كبيرة من كبائرالذنوب‪ ،‬فهذه التماثيل ال تجوز‪ ،‬الصور لذوات األرواح‪ ،‬واآلن ‪-‬مع األسف‪ -‬تجد مثل‬
‫ً‬
‫هذه التماثيل تجد أحيانا صورة كاملة ألسد‪ ،‬لحيوان من الحيوانات‪ ،‬أو صورة لنسان منحوتة‪ ،‬هذه الصورة‬
‫املحرمة‪ ،‬هذا ش يء‪ ،‬الش يء الثاني‪ :‬رسومات ذوات األرواح‪ ،‬وإن كانت أخف من التماثيل من جهة وقوع الخالف فيها‪،‬‬
‫أما التماثيل بالجماع أنها صور محرمة‪ ،‬لكنها وقع فيها الخالف‪ :‬هل الصورة ال يشترط أن يكون لها ظل؟‬

‫الصحيح أن رسومات ذوات األرواح محرمة‪ ،‬ومما يدل لذلك (قصة السترالذي وضعته عائشة رض ي الله عنها لما‬
‫دخل عليها النبي ﷺ وعندها سترفيه رسومات‪ ،‬فغضب النبي عليه الصالة والسالم وقال‪:‬‬

‫ن الَتي كَا َنتْ في قَ ْومِ نُوحٍ في‬ ‫‪ 1‬أصل قصة وقوع الشرك في قوم نوح ما رواه البخاري في صحيحه (‪ ،)٨٥١٠‬من حديث ابن عباس رضي الله عنهما‪[ :‬صَا َرتِ الأوْثَا ُ‬
‫ق فَكَا َنتْ لِهَمْدَانَ‪ ،‬وأَمَا َنسْرٌ‬
‫عنْ َد سَ َبإٍ‪ ،‬وأَمَا يَعُو ُ‬
‫ف بالجَ ْوفِ‪ِ ،‬‬
‫ع كَا َنتْ لِهُذَ ْيلٍ‪ ،‬وأَمَا يَغُوثُ فَكَا َنتْ لِمُرَادٍ‪ ،‬ثُمَ لِبَنِي غَُْ ْي ٍ‬ ‫ود كَا َنتْ لِكَ ْلبٍ بدَوْ َمةِ الجَنْدَلِ‪ ،‬وأَمَا سُوَا ٌ‬ ‫ب بَعْدُ أمَا ٌ‬ ‫العَ َر ِ‬
‫ن إلى قَوْمِ ِهمْ‪ ،‬أنِ ا ْنصِبُوا إلى مَجَاِلسِ ِهمُ الَتي كَانُوا يَجِْلسُونَ أ ْنصَابًا وسَمُوهَا‬ ‫ن مِن قَ ْومِ نُوحٍ‪َ ،‬فلَمَا َهلَكُوا أ ْوحَى الشَ ْيَْا ُ‬ ‫ت ِلحِمْيَرَ لِآلِ ذِي الكَلَاعِ‪ ،‬أسْمَا ُء رِجَالٍ صَاِلحِي َ‬ ‫فَكَا َن ْ‬
‫ت‪].‬‬ ‫ك وتَنَسَخَ ال ِع ْل ُم عُبِ َد ْ‬‫بَأسْمَائِهِمْ‪ ،‬فَفَ َعلُوا‪َ ،‬فَل ْم تُعْ َبدْ‪ ،‬حتَى إذَا َهَلكَ أُولَئِ َ‬

‫‪ 2‬قْعة من حديث أخرجه البخاري (‪ ،)1222‬ومسلم (‪.)224‬‬

‫‪02‬‬
‫ََ ً َ َ َ َ ُ َ َ‬ ‫َ َ َّ‬
‫صو ُرون]‪ 1‬وأمر بهتك السترفصنع منه وسادة أو وسادتين)‪ ،2‬الرسومات فيها‬‫[أشد الناس عذابا يوم القيامة الم‬
‫محاكاة لخلق الله‪ ،‬ولهذا تجد أن الرسام لو رسم صورة إنسان يتعجب الناس منه؟ كيف هذه الرسمة كأنها صورة‬
‫حقيقية؟ ففيها محاكاة لخلق الله عزوجل ولهذا نقول‪ :‬إن هذا الرسومات من الصور املحرمة‪ ،‬وتمنع دخول المالئكة‪،‬‬
‫ً‬
‫وينبغي النكارفيها‪ ،‬وهذه مع األسف يتساهل فيها بعض الناس‪ ،‬يرسمون ذوات األرواح‪ ،‬وأحيانا تكون على وسائل‬
‫التواصل االجتماعي ً‬
‫أيضا‪ ،‬ينبغي التنبه والتنبيه لها‪ ،‬أنها ال تجوز‪ ،‬ما دامت ذوات أرواح؛ ألن علة النهي عن التصوير‬
‫منطبقة عليها ً‬
‫تماما‪ ،‬و أنا ذكرت هذا لحدى القنوات املحافظة‪ ،‬هم ال تظهرعندهم صور نساء‪ ،‬وليس عندهم‬
‫موسيقى لكن يتساهلون ‪-‬باجتهاد من بعض العاملين‪ -‬في بعض البرامج‪ ،‬تكون هناك رسومات لذوات األرواح‪ ،‬فقلت‬
‫إذا كانت الفئة المستهدفة من الكبارال تجوز‪ ،‬أما إذا كانت رسومات للصغارمثل‪ :‬الرسومات المتحركة للصغارفهذي‬
‫يتسامح فيها ألن الصغاريجوز لهم من الصور ما ال يجوز للكبار‪.‬‬

‫و(قصة عائشة رض ي الله عنها لما مربها النبي ﷺ كانت صغيرة في أول أمرها وكان عندها صورة فرس له جناحان‬
‫فقال عليه الصالة والسالم‪ :‬ما هذا؟‪ ،‬قالت‪ :‬هذا فرس‪ ،‬قال‪ :‬هل للفرس جناحان؟ قالت‪ :‬أما علمت أن خيل سليمان‬
‫لها جناحان؟ فضحك النبي ﷺ‪3).‬‬

‫وألن الصورة بيد الطفل كالممتهنة‪ ،‬فبالنسبة لألطفال قد يتسامح في حقهم‪ ،‬أما الكبار فال‪.‬‬

‫فإذا كانت الفئة المستهدفة بالرسومات الكبارهذه ال تجوز‪ ،‬وتمنع من دخول المالئكة‪ ،‬وهذه من القضايا التي‬
‫يتساهل بها كثيرمن الناس‪ ،‬إذن نحصرالصور املحرمة فيما انطبقت عليه علة النهي عن التصويروهي المضاهاة‬
‫لخلق الله‪ ،‬هذا هو الضابط‪ ،‬هذا حاصل كالم أهل العلم في هذه النازلة‪.‬‬

‫‪-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫‪ 1‬أخرجه البخاري (‪ ،)5253‬ومسلم (‪ ،)2132‬ولم أجده واردًا ضمن هذا السياق‪.‬‬

‫‪ 2‬يشير الشيخ حفظه الله إلى حديث عائشة رضي الله عنها الذي أخرجه البخاري (‪ )5257‬واللفظ له‪ ،‬ومسلم (‪ ،)2134‬وجاء فيه‪[ :‬قَ ِد َم رَسولُ الَل ِه ﷺ مِن سَ َفرٍ‪ ،‬وق ْد‬
‫ن‪،].‬‬ ‫اللهِ قاَلتْ‪ :‬فَجَ َعلْنَا ُه ِوسَادَ ًة أ ْو ِوسَادَتَيْ ِ‬
‫ن ُيضَاهُونَ بخَ ْلقِ َ‬ ‫س عَذَابًا يَو َم القِيَا َم ِة الَذِي َ‬
‫ت بقِرَامٍ لي علَى سَهْ َو ٍة لي فِيهَا تَمَاثِيلُ‪َ ،‬فلَمَا رَآ ُه رَسولُ ا َلل ِه ﷺ هَتَ َكهُ وقالَ‪ :‬أشَدُ النَا ِ‬ ‫سَتَ ْر ُ‬
‫س عَذَابًا‬ ‫إن مِن أشَدِ النَا ِ‬ ‫ل النبيُ ﷺ‪َ :‬‬ ‫ُم َتنَاوَلَ السِتْرَ فَهَ َت َكهُ‪ ،‬وقاَلتْ‪ :‬قا َ‬ ‫ت قِرَا ٌم فيه صُوَرٌ‪َ ،‬ف َتلَوَنَ وجْ ُههُ ث َ‬
‫علَيَ النبيُ ﷺ وفي البَ ْي ِ‬ ‫ل َ‬ ‫وفي رواية أخرى للبخاري (‪[ :)٦٢٠٥‬دَخَ َ‬
‫ن هذِه الصُوَرَ‪].‬‬ ‫ن ُيصَوِرُو َ‬ ‫يَومَ القِيَا َم ِة الَذِي َ‬
‫‪ 3‬يشير حفظه الله إلى حديث عائشة رضي الله عنها الذي أخرجه أبو داود (‪ ،)7202‬والنسائي في ((الكبرى)) (‪ ،)030/5‬وابن حبان (‪ )145/10‬باختلاف يسير‪ ،‬ونصه‪:‬‬
‫ن من رقاعٍ‪ ،‬فقالَ‪ :‬ما هذا الَذي أرى وسَْهُنَ؟ قال ‪ :‬فرسٌ‪ ،‬قالَ‪ :‬وما هذا الَذي عليهِ؟‬ ‫الل ِه ﷺ رأى عندَها بناتِ لعبٍ‪ ،‬ورأى بينَهُنَ فرسًا َلهُ جَناحا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫أن رسو َ‬ ‫[ َ‬
‫ت نواجذَهُ]‪.‬‬ ‫ك حتَى ب َد ْ‬ ‫أن لسَُليْمانَ خَيلًا لَها أجنحةٌ‪ ،‬قالت‪ :‬فضحِ َ‬ ‫س ل ُه جَناحانِ؟ قالت‪ :‬أما علِمتَ َ‬ ‫قالت‪ :‬جَناحانِ‪ .‬قال‪ :‬فر ٌ‬
‫‪00‬‬
‫(موت الدماغ)‬
‫ً‬
‫تعقيدا‪ ،‬ومما يدل على هذا‪ :‬أنها تكاد تكون المسألة‬ ‫(موت الدماغ)‪ :‬في الحقيقة هي من أشكل النوازل‪ ،‬وأكثرها‬
‫الوحيدة التي اختلفت فيها املجامع الفقهية‪ ،‬وهذه القضية قضية (موت الدماغ) حضرت فيها أربع أو خمس مؤتمرات‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫غموضا‪ ،‬فهي مسألة معقدة ‪-‬الحقيقة‪ -‬ومشكلة‪،‬‬ ‫حضرفيها تزداد المسألة عندي‬ ‫تجمع أطباء وفقهاء‪ ،‬وفي كل مرة أ‬
‫ُ‬
‫وسأبين لكم وجه الشكال فيها‪.‬‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬ما معنى موت الدماغ؟‬
‫موت الدماغ معناه‪ :‬توقف الدماغ عن العمل؛ وذلك بتعطل الدماغ عن القيام بوظائفه الحقيقية‪ ،‬فيحصل موت‬
‫الدماغ‪ ،‬وعند األطباء تفاصيل في حقيقة موت الدماغ‪.‬‬
‫ًّ‬
‫دماغيا وال تزال عليه األجهزة المنفسة‪ ،‬وأجهزة‬ ‫والذي يهمنا أنه إذا حكم األطباء على هذا المريض بأنه قد مات‬
‫ً‬ ‫ًّ‬
‫دماغيا‪ ،‬فهل يعتبرهذا موتا بالمعنى الشرعي أو‬ ‫القلب‪ ،‬وبقية األجهزة ال تزال عليه‪ ،‬لكن قد حكم األطباء بأنه قد مات‬
‫ال يعتبر؟‬
‫ويترتب على هذا أننا إذا قلنا‪ :‬أنه (موت) بالمعنى الشرعي‪ :‬فيجوز نقل أعضائه‪ ،‬وإذا قلنا أنه (ليس موت) بالمعنى‬
‫الشرعي‪ :‬ال يجوز نقل أعضائه‪.‬‬
‫ًّ‬
‫دماغيا ‪-‬حتى اآلن‪ ،-‬الميت وفاة طبيعية ال يمكن نقل أعضائه‪ ،‬إال في حالة‬ ‫ونقل األعضاء ال يمكن إال من الميت‬
‫ًّ‬ ‫ً‬
‫طبيعيا ثم مباشرة نقلت أعضاؤه في نفس اللحظة‪ ،‬إال أن بعض األطباء استثنى القرنية يقول‪:‬‬ ‫واحدة‪ :‬لو مات موتا‬
‫يمكن أن تنقل خالل ثالثين دقيقة من الوفاة الطبيعية‪ ،‬وبعدها غيريمكن‪.‬‬
‫أي‪ :‬أن أعضاء النسان تتلف بالوفاة الطبيعية ال يمكن نقلها‪،‬‬
‫ً‬
‫إذا موت الدماغ هو المصدرالوحيد لنقل األعضاء‪ ،‬وهذه هي المشكلة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ًّ ً‬
‫دماغيا ميتا بالمعنى الشرعي‪ :‬يجوز نقل أعضائه‪ ،‬وإذا قلنا‪ :‬أنه ليس ميتا بالمعنى الشرعي‪ :‬ال‬ ‫فإذا قلنا بأن الميت‬
‫يجوز نقل األعضاء‪.‬‬
‫ًّ ً‬
‫دماغيا ميتا بالمعنى الشرعي أم ال هو‪ :‬الخالف في تعريف الموت‪.‬‬ ‫وسبب الخالف في كون الميت‬
‫سبحان الله!! الموت تكاد تكون الحقيقة التي يجمع عليها بنو آدم‪ ،‬لكن مع ذلك هم مختلفون في تعريفه‪.‬‬
‫ما معنى الموت؟‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫صحيحا بالمعنى الشرعي‪.‬‬ ‫كثيرمن األطباء يعرف الموت بأنه‪ :‬أن ال عودة إلى الحياة‪ ،‬ولكن هذا التعريف ليس تعريفا‬
‫تعريف الموت بالمعنى الشرعي هو‪ :‬مفارقة الروح البدن‪.‬‬
‫دماغيا هو ميت‪ ،‬لكن يقصدون بذلك التعريف الطبي للموت‪،‬‬ ‫ًّ‬ ‫ولذلك نجد أن ً‬
‫كثيرا من األطباء يقولون‪ :‬أن الميت‬
‫بمعنى‪ :‬أن ال عودة إلى الحياة‪ ،‬ولكن عندما نقول أن هذا التعريف غيرصحيح وأن الموت هو‪ :‬مفارقة الروح البدن‪،‬‬
‫ها هنا يتوقفون ‪ ...‬يقولون‪ :‬ال ندري عن الروح‪.‬‬
‫ً‬
‫وهناك اتجاهان للفقهاء المعاصرين في اعتبارموت الدماغ موتا بالمعنى الشرعي‪:‬‬

‫‪07‬‬
‫دماغيا أنه ميت بالمعنى الشرعي‪ ،‬وإلى هذا ذهب مجمع الفقه السالمي الدولي بمنظمة‬ ‫ًّ‬ ‫هناك اتجاه يرى أن‪ :‬الميت‬
‫واحدا من مليارأن إنسان ُحكم عليه بأنه قد مات‬ ‫التعاون السالمي‪ ،1‬قالوا‪ :‬ألنه ال يمكن أن يعود للحياة‪ ،‬وال نجد وال ً‬
‫ًّ‬ ‫ً‬
‫دماغيا ورجع للحياة وعاش‪.‬‬ ‫موتا‬
‫ًّ‬ ‫ُ‬
‫دماغيا ثم عاشوا‪.‬‬ ‫اعترض عليهم وقيل بأنه‪ :‬وجد حاالت ألناس قد ماتوا‬
‫ًّ‬ ‫شخ َ‬‫َّ‬
‫دماغيا قد أخطأ‪ ،‬وإال لو‬ ‫صهم بأنه ميت‬ ‫فأجابوا عن ذلك‪ ،‬قالوا‪ :‬إن هؤالء عندهم خطأ في التشخيص‪ ،‬الذي‬
‫دماغيا‪ ،‬ولم يكن هناك خطأ في التشخيص ال يمكن أن يعودوا للحياة‪.‬‬ ‫ًّ‬ ‫كانوا ميتين‬
‫ً‬
‫ونسمع قصص وحكايات وربما أن بعضكم عنده قصص من هذا يقول‪ :‬أنا سمعت أو رأيت بأن فالنا ُحكم عليه بأنه‬
‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬
‫دماغيا ثم عاش‬ ‫دماغيا وشافاه الله تعالى وها هو يعيش بين الناس‪ ،‬فال نستطيع أن نجزم بأنه بالفعل كان ميتا‬ ‫ميت‬
‫إال إذا تأكدنا من صحة التشخيص؛ ألن المشكلة اآلن هي الخطأ في التشخيص‪ ،‬هكذا أجابوا‪.‬‬

‫ويقول أصحاب هذا االتجاه‪ :‬إن حياة هذا النسان حياة نباتية‪ ،‬بل قال بعضهم ‪-‬وهذا سمعته في أحد المؤتمرات‪-‬‬
‫قال‪ :‬لو أتينا بإنسان وقطعنا رأسه ووضعنا عليه هذه األجهزة الستمرقلبه ينبض واستمرت جميع أعضائه في الحياة‪.‬‬
‫مع أنه مخلوع الرأس‪ ،‬فيقولون‪ :‬هذه الحياة نباتية وليست حياة بالمعنى الشرعي‪ .‬هذه وجهة أصحاب هذا االتجاه‪.‬‬
‫ً‬
‫يقابله االتجاه اآلخريقولون‪ :‬إن موت الدماغ ليس موتا بالمعنى الشرعي‪ ،‬وهذا ما ذهب إليه املجمع الفقهي السالمي‬
‫برابطة العالم السالمي‪.2‬‬
‫يقولون‪ :‬ألن مقومات الحياة موجودة فيه‪ ،‬فعندما تقاس حرارته نجد أنها (‪ )١٣‬درجة‪ ،‬ونجد أنه يتنفس‪ ،‬ولو قسنا‬
‫الضغط عنده نجد أنه طبيعي‪ ،‬ويتبول ويتغوط‪ ،‬كيف نقول‪ :‬إن هذا ميت؟! فمقومات الحياة موجودة عنده‪.‬‬
‫والحقيقة أن هذه القضية مشكلة؛ إذا قلنا‪ :‬إنه موت بالمعنى الشرعي‪ :‬ال يجوز نقل األعضاء الذي فيه مصالح‬
‫ً‬
‫جال له اآلن ما يقارب ثالثين ً‬
‫عاما يعيش على كبد‬ ‫عظيمة‪ ،‬هناك أناس يعيشون اآلن على أعضاء غيرهم‪ ،‬أنا أعرف ر‬
‫دماغيا‪ ،‬عاش ثالثين سنة اآلن‪ ،‬وغيرهم‪ ،‬ففيها مصالح عظيمة‪ ،‬إذا قلنا‪ :‬بأن الميت‬‫ًّ‬ ‫مزروعة‪ ،‬يعني‪ :‬منقولة من ميت‬
‫ً‬ ‫ًّ‬
‫دماغيا ليس ميتا بالمعنى الشرعي ال يجوز نقل األعضاء‪،‬‬
‫دماغيا أنه موت بالمعنى الشرعي يترتب على هذا‪ :‬أنه يجوز أن تقسم تركته‪ ،‬ويجوز أن تتزوج‬ ‫ًّ‬ ‫إذا قلنا ً‬
‫أيضا بأن الميت‬
‫زوجته بعد انقضاء العدة‪.‬‬
‫ًّ‬
‫دماغيا أنه ميت بالمعنى الشرعي‪،‬‬ ‫وأذكرفي أحد اللقاءات العلمية كان هناك أحد المشائخ َّ‬
‫تبنى القول بأن الميت‬
‫ُ‬ ‫ًّ‬
‫دماغيا هل تقبل بأن تقسم تركته‪ ،‬وتزوج امرأته بعد‬ ‫فطرحت عليه هذا السؤال‪ ،‬قلت‪ :‬لو كان أخوك هو الميت‬
‫انقضاء العدة؟ فسكت‪ ،‬ثم قال‪ :‬نعم ألتزم بهذا‪.‬‬
‫عمليا ربما اختلف هذا الرأي‪ ،‬لكن هذا الزم قوي حقيقة‪ .‬و أنا متوقف حقيقة في هذه‬ ‫ً‬
‫طبعا هو التزام نظري‪ ،‬لكن ربما ًّ‬
‫المسألة؛ ألنها مشكلة‪ ،‬وسبب الشكال فيها الحقيقة ولماذا لم تحسم على مرالسنين‪ ،‬وعلى كثرة اللقاءات العلمية‬
‫والمؤتمرات والبحث؟ فقد أثريت بالبحث‪ ،‬لكن مع ذلك لم تحسم‪ ،‬ما هو السبب؟‬

‫‪ 1‬قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي (‪ ))٥/ ٣(٢٢‬المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية من ‪ 10-6‬صفر ‪1734‬هـ‪ ،‬الموافق ‪10 – 11‬‬
‫تشرين الأول (أكتوبر) ‪1260‬م‪.‬‬

‫‪ 2‬قرار المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابْة العالم الإسلامي في دورته العاشرة المنعقدة في مكة المكرمة (‪ ١٤ -١٨‬صفر ‪ ٢٨٠٤‬هـ) الموافق (‪ ١٢ – ٢٢‬أكتوبر‬
‫‪٢٥٤٢‬م)‪.‬‬

‫‪05‬‬
‫السبب‪ :‬ألن الموت بالمعنى الشرعي هو‪ :‬مفارقة الروح البدن‪ ،‬والروح ليست من عالم المادة هي من عالم آخر‪ ،‬من‬
‫ًّ‬
‫دماغيا أو أنها غيرموجودة‪ ،‬وال يمكن من‬ ‫عالم ال يستطيع البشرمعرفته‪ ،‬فال ندري هل الروح اآلن موجودة في الميت‬
‫خالل المعامل الطبية‪ ،‬واألجهزة والتقنية الحديثة أن نعرف هل الروح موجودة أو غيرموجودة‪ ،‬ألن الروح ال تخضع‬
‫ْ ْ َّ َ ً‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ََ ْ َُ َ‬
‫ون َك َعن الروح ُقل الر ُ‬
‫وح م ْن أ ْمر َربي َو َما أوتيتم م َن العلم إال قليال}‪ 1‬فهذا هو السبب‪.‬‬ ‫لعالم المادة‪{ .‬ويسأل‬
‫سبب الشكال‪ :‬تعلق الموضوع بالروح‪ ،‬الروح ال ندري عنها نحن البشر‪ ،‬وال نعرف حقيقتها‪ ،‬من عالم آخر‪ ،‬من أمر‬
‫ربي‪ ،‬ولذلك حقيقة المسألة مشكلة‪.‬‬
‫عمليا‪ُ ،‬‬
‫وعقد هذا‬ ‫لقاء عن عالمات مفارقة الروح البدن وتطبيقها ًّ‬ ‫مقترحا على وزارة الصحة بأن تعقد ً‬ ‫ً‬ ‫طرحت‬
‫المؤتمرواللقاء في الرياض‪ ،‬ولكن لم نجد عالمة واحدة نستطيع أن نقطع بها الحقيقة‪ ،‬حتى كل ما ذكره الفقهاء محل‬
‫ظن‪ :‬كبرودة األعضاء‪ ،‬وما ذكروه من ارتخاء العضالت ليست عالمات قاطعة على مفارقة الروح البدن‪ ،‬ما وجدنا وال‬
‫عالمة واحدة تدل داللة قاطعة على مفارقة الروح البدن‪ ،‬كل العالمات التي تتبعناها ما وجدنا فيها وال عالمة واحدة‪،‬‬
‫فالمسألة مشكلة‪.‬‬
‫ً‬
‫طرح أحد المشائخ في أحد اللقاءات قال‪ :‬لماذا ال نقول بتبعيض األحكام؟ فنقول‪ :‬هو ليس موتا بالمعنى الشرعي‪،‬‬
‫ونجيزفي الوقت نفسه نقل األعضاء؟ هذا طرح له وجاهته‪ ،‬لكن يرد عليه إشكاالت‪ :‬إذا قلنا موت بالمعنى الشرعي‪:‬‬
‫كيف نجيزنقل األعضاء؟ ألنه إذا قلنا‪ :‬موت بالمعنى الشرعي معنى ذلك‪ :‬أن أعضاءه ستؤخذ وهو حي‪ ،‬يعني يقصب‬
‫وهو حي‪ ،‬تؤخذ رئته وهو حي‪ُ ،‬يؤخذ كبده وهو حي‪ ،‬هذا مشكل‪ ،‬هذا هو الشكال في المسألة‪.‬‬
‫أيضا هو متوقف فيها؛ ألن الشكال فيها‬ ‫أنا متوقف في هذه المسألة كما كان شيخنا عبد العزيزبن باز حمه الله ً‬
‫ر‬ ‫و‬
‫أيضا أكبر‪ ،‬وما دام أن المسألة خالفية‪ ،‬الحمد لله هذا الخالف يجعل فيها سعة‪.‬‬ ‫كبير‪ ،‬واألمور المترتبة عليها ً‬
‫لكن ال بد لطالب العلم أن يتصور المسألة‪ ،‬ويتصور الشكال فيها‪ ،‬واألمور المترتبة عليها‪ .‬ولعلي أكتفي بهذا القدرفي‬
‫الحديث عن هذه النازلة وإال فالكالم عنها أطول مما ذكرت‪.‬‬
‫‪--------------------------------------------------‬‬
‫(رفع أجهزة النعاش عن الميؤوس من شفائه)‬

‫ننتقل لمسألة أخرى هي قريبة من هذه المسألة وهو مسألة‪ :‬رفع أجهزة النعاش عن الميؤوس من شفائه‪.‬‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬هل التداوي واجب؟ ألن وضع أجهزة النعاش هي نوع من المداواة‪.‬‬
‫ً‬ ‫التداوي هل هو واجب؟ التداوي ليس ً‬
‫واجبا‪ ،‬قال المام ابن تيمية رحمه الله‪" :‬ال أعلم سالفا أوجب التداوي"‪ .2‬لو‬
‫أراد النسان أال يتداوى ال يأثم‪ ،‬إال إذا قطع أنه سيهلك لو لم َ‬
‫يتداو‪ ،‬فيكون هذا من باب إلقاء النفس بالتهلكة‪ ،‬لكن‬
‫إذا كان دواء ظني قد يشفى وقد ال يشفى ال يلزمه أن يتداوى‪.‬‬
‫ولذلك تجد بعض كبارالسن مثال يرفض الدواء‪ :‬ينبغي عدم إجباره ما دام عقله معه‪ ،‬وقد جاء في صحيح البخاري‬
‫وغيره‪[ :‬أن النبي ﷺ في مرض موته أرادوا أن يعطوه ً‬
‫لدودا "يعني‪ :‬نوع من أنواع الدواء يوضع في الفم" فأشارإليهم أن‪:‬‬

‫‪ 1‬سورة الإسراء آية (‪.)٤٥‬‬


‫‪ 2‬مجموع الفتاوى (‪.)٥٦٨ / ١٢‬‬

‫‪00‬‬
‫ال]‪ .1‬كان في شدة المرض‪ ،‬فتشاوروا ‪-‬يعني عائشة ومن حولها‪ -‬قالوا هو ال يريد من كراهية المريض للدواء‪ ،‬نريد أن‬
‫نعطيه الدواء‪ .‬مثلما يكون عندك قريب مريض تقول‪ :‬أريد أن أغصبه على الدواء‪ ،‬أو أجبره على الدواء‪ .‬فقالوا‪ :‬من‬
‫باب كراهية المريض للدواء‪ .‬وهو عليه الصالة والسالم يشيرإليهم أن ال ‪ ...‬أن ال‪ ،‬فأعطوه هذا الدواء اللدود‪ ،‬فلما‬
‫أفاق عليه الصالة والسالم أمربأن يقتص من جميع من اشترك في إعطائه هذا الدواء‪ ،‬وقال‪ :‬يدخل اللدود في فم‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫جميعا‪ .‬وهذا ‪-‬الحقيقة‪ -‬درس عملي من النبي عليه الصالة‬ ‫الجميع‪ ،‬إال العباس فإنه لم يشهدكم‪ .‬وبالفعل اقتص منهم‬
‫والسالم‪ :‬بأن النسان ُحر‪ ،‬إذا قال‪ :‬ال أريد الدواء‪ ،‬ال تجبره على الدواء‪ ،‬فالنسان أهم ش يء أن يكون عقله معه‪ ،‬إذا‬
‫كان عقله معه هو صاحب القرار‪ ،‬هو يقول لك‪ :‬ال أريد هذا لماذا تجبره؟‬
‫جميعا إال العباس‪ ،‬والقصة في صحيح البخاري‪.‬‬ ‫ً‬ ‫فأمرالنبي عليه الصالة والسالم أن يقتص منهم‬
‫ًإذا‪ :‬التداوي ليس ً‬
‫واجبا‪.‬‬
‫ً‬
‫إنقاذا لحياته‪ ،‬فهنا يعني يكون ً‬
‫واجبا ألجل‬ ‫ووضع هذه األجهزة إذا كان على إنسان غيرميؤوس منه‪ :‬ال شك أن فيها‬
‫ٌ َ ََ‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫دماغيا‪ ،‬أو معه مرض قطع األطباء بأن الله أجرى‬ ‫ميؤوسا من شفائه‪ ،‬إما ميتا‬ ‫النقاذ‪ .‬لكن إذا كان هذا المريض‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وأمورا كثيرة‪ ،‬فهنا‪ :‬هل يجب بقاء هذه األجهزة‪،‬‬ ‫السنن أن هذا ال يشفى‪ ،‬وهذه األجهزة تستنفذ ماال ووقتا من األطباء‬
‫أو يجوز رفع هذه األجهزة عن هذا الميؤوس من شفائه؟‬
‫هناك اتجاهان للعلماء المعاصرين‪:‬‬
‫ُ‬
‫من أهل العلم من قال‪ :‬أن تبقى هذه األجهزة‪ ،‬ولكن أثيرعلى هذا اعتراض‪:‬‬
‫إذا بقيت من يتحمل تكلفة هذه األجهزة؟ وهي مكلفة‪ ،‬وبعض دول العالم السالمي دول ليست غنية حتى يقوم بها‬
‫أيضا حتى بيت المال يعجزعنها‪ ،‬حتى في الدول الغنية بما ً‬
‫أيضا يكون في هذا نفقات كثيرة وأموال‬ ‫بيت المال‪ ،‬وربما ً‬
‫ر‬
‫عظيمة تستنفذ‪ ،‬وربما أن أقارب هذا المتوفى أيضا يعجزون عن التكلفة المالية‪ ،‬فمن يقوم بها؟‬

‫االتجاه الثاني هو‪ :‬جوازرفع أجهزة النعاش عن الميؤوس من شفائه بشرط القطع من قبل ثالثة أطباء فأكثربأنه‬
‫ميؤوس من شفائه‪.‬‬
‫ً‬
‫أيضا‪ :‬اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتاء برئاسة‬ ‫وإلى هذا ذهب املجمع الفقهي برابطة العالم السالمي‪ ،2‬و‬
‫شيخنا عبد العزيزبن باز رحمه الله‪.3‬‬
‫ً‬
‫وهذا القول هو األظهر‪ :‬أنه إذا قطع األطباء بأنه ميؤوس من شفائه فيجوز رفع األجهزة عنه؛ ألن التداوي أصال ليس‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫واجبا‪ ،‬وليس هناك إنقاذ لحياته حتى يقال إن هذه األجهزة تنقذ حياته‪ ،‬هو ميؤوس من شفائه أصال‪.‬‬
‫فبقاء هذه األجهزة عليه ليس له كبيرفائدة‪ ،‬ثم ً‬
‫أيضا أنه يترتب على ذلك أموال عظيمة تستنفذ‪.‬‬
‫كان هناك سؤال على اللجنة الدائمة‪ :‬أن هناك رجل من إفريقيا ُوضعت له هذه األجهزة‪ ،‬و أنه يكلف المستشفى‬
‫شهريا ‪ 11‬ألف ريال! فمن يتحمل هذه التكلفة؟‬‫ًّ‬

‫‪ 1‬يشير الشيخ حفظه الله إلى حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في البخاري (‪ ،)٦٤٤٦‬ومسلم (‪ )١١٢٣‬ولفظ مسلم‪[ :‬لَدَ ْدنَا رَسولَ الل ِه ﷺ في‬
‫ق قا َل ‪:‬لا يَبْقَى أَحَ ٌد مِنكُم إلَا لُدَ‪ ،‬غَيْ ُر العَبَاسِ‪ ،‬فإنَه لَ ْم َيشْهَدْكُ ْم‪.].‬‬
‫ضهِ‪ ،‬فأشَا َر أَنْ لا َتلُدُونِي‪ ،‬فَ ُقلْنَا‪ :‬كَرَاهي َة المَرِيضِ لِلدَوَاءِ‪َ ،‬فلَمَا َأفَا َ‬
‫مَ َر ِ‬
‫‪ 2‬قرار المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابْة العالم الإسلامي في دورته الثانية والعشـرين المنعقدة بمـكة المكرمة‪ ،‬في المـدة من ‪ 27-21‬رجب ‪1700‬هـ التي يوافقها ‪-13‬‬
‫‪10‬مايو ‪2315‬م نظر في‪( :‬حكم إيقاف العلاج عن المريض الميؤوس من برئه)‪.‬‬

‫‪ 3‬فتاوى اللجنة الدائمة" (‪.)63/25‬‬

‫‪04‬‬
‫فاالتجاه الثاني هو األقرب‪ :‬أن رفع األجهزة يجوز في هذه الحال‪.‬‬
‫ً‬
‫وهذا في الحقيقة ليس قتال له؛ و إنما إبعاد لوسيلة كان ُيعتقد أنها وسيلة إنقاذ ثم تبين أنها ليست وسيلة إنقاذ‪.‬‬
‫فليس في هذه األجهزة إنقاذ لحياته؛ ألنه ميؤوس من شفائه‪ ،‬وهم لم يتعمدوا أن يقتلوه‪ ،‬و إنما هذه الوسيلة التي‬
‫كانوا يستخدمونها لنقاذه قيل أنها‪ :‬ليس لها فائدة في النقاذ‪ ،‬فرفعوا هذه الوسيلة‪ ،‬فهذا هو األظهر‪ .‬لكن ال يستعجل‬
‫في هذا‪ .‬و إنما ال بد أن يقطع بذلك ثالثة أطباء فأكثربأنه ميؤوس من شفائه‪.‬‬

‫فهذه المسألة تختلف عن المسألة السابقة‪ ،‬ينبغي عدم الخلط بينهما‪.‬‬


‫هذه القضية تختلف عن القضية السابقة‪ ،‬القضية السابقة هي موت الدماغ وما يترتب عليها من آثاروأحكام‪ ،‬هذه‬
‫المسألة مجرد رفع األجهزة؛ ألن بعض طلبة العلم يخلط بين المسألتين‪ ،‬رفع األجهزة أمرها سهل ليس الخالف فيها‬
‫ً‬
‫قويا كالخالف في مسألة موت الدماغ‪.‬‬
‫ُ‬
‫هناك دليل لمن أجازرفع األجهزة لم أذكره‪ ،‬يستدل بعض العلماء [بقصة عمربن الخطاب رض ي الله عنه لما طعن‪:‬‬
‫َ ُ ً‬
‫وه لبنا فخرج من جرحه‪ ،‬فلما رأى الصحابة أن اللبن خرج من جرحه علموا أنه ميت‪ ،‬و أنه ال فائدة من مداو اته‬ ‫سق‬
‫ً‬
‫ميؤوسا‬ ‫فتركوه ولم يداووه]‪ ،1‬فاستدل بهذا بعض العلماء المعاصرين على أنه‪ :‬ال يجب وضع األجهزة على من كان‬
‫ً‬ ‫منه‪ .‬يقول‪ :‬لو كان ً‬
‫واجبا لسعى الصحابة لنقاذ عمرومداو اته‪ ،‬لكن الصحابة قالوا‪ :‬نسقيه لبنا فإن خرج اللبن من‬
‫جرحه علمنا أنه لن يعيش‪ ،‬فسقوه اللبن فرأوا أن اللبن خرج من الجرح‪ ،‬فأدركوا أنه لن يعيش‪ ،‬فلذلك تركوا‬
‫مداو اته‪ ،‬ولم يسعوا إليها‪ ،‬مع أنه كان يوجد أطباء في وقتهم‪ ،‬لكن الصحابة رأوا أنه ميؤوس من مداو اته؛ لكون اللبن‬
‫خرج من الجرح‪.‬‬
‫‪-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬


‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬وصلى الله وسلم على نبينا محمد‪ ،‬وعلى آله وصحبه‪ ،‬ومن اهتدى بهديه‪ ،‬و اتبع سنته إلى يوم‬
‫الدين‪ .‬أما بعد‪.‬‬

‫‪--------------------------------------------------‬‬

‫(استخدام جوزة الطيب والزعفران)‬

‫أن عُمَرَ لمَا جُرِح سَقاه الْبيبُ لَ َبنًا فخرَج‬


‫‪ 1‬أخرج أحمد (‪ ،) 227‬وابن سعد في ((الْبقات الكبرى)) (‪ )070/0‬من رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه‪( :‬أُثِرَ َ‬
‫مِن جُرحِه‪ ،‬فقال الْبيبُ‪ :‬اعهَ ْد إلى الناسِ‪ ،‬فعهِد إليهِم ووصَى)‪.‬‬

‫‪06‬‬
‫ُ‬
‫قديمة جديدة‪ ،‬أما كونها قديمة فقد ذكرها بعض العلماء السابقين‪ ،‬وسأبين‬
‫ٍ‬ ‫مسألة‬
‫ٍ‬ ‫افتتح هذا املجلس بالكالم عن‬
‫وجه اعتبارها نازلة‪.‬‬
‫ً‬
‫مسألة (جوزة الطيب والزعفران)‪ ،‬أوال‪ :‬جوزة الطيب والزعفران هي مما يستخدم كمحسنات لبعض المطعومات‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫يستخدمه الطباخون‪ ،‬وتستخدم كذلك‬ ‫والمشروبات‪ ،‬فجوزة الطيب‪ :‬هي نبات يستخدم في تحسين الطبخ‪ ،‬و أكثرمن‬
‫ً‬
‫أيضا في التوابل فتضاف لبعض التوابل وبعض البهارات‪ ،‬والزعفران‪ :‬معروف ُيستخدم في القهوة أو في الشاي أو في‬
‫النعناع ونحوه‪.‬‬
‫ابن حجرالهيثمي المكي‪ 1‬له كتاب اسمه‪( :‬الزواجرعن اقتراف الكبائر) هو ٌ‬
‫كتاب مشهور‪ .‬سأقرأ كالم ابن حجر‪ -‬ليس‬
‫المسكرالطاهر‪ ،‬كالحشيشة واألفيون‬‫أكل ُ‬
‫ابن حجرالعسقالني‪ 2‬إنما الهيثمي‪ -‬قال‪( :‬الكبيرة السبعون بعد المئة‪ُ :‬‬
‫والشيكران‪ ،‬وكالعنبري والزعفران وجوزة الطيب‪ ،‬هذه كلها ُمسكرة)‪ ،3‬هذا من كالم ابن حجرالهيثمي‪.‬‬

‫والحشيشة واأليفون هذه من املخدرات المعروفة‪ ،‬والشيكران هو البنج‪ ،‬وقال‪( :‬كما صرح به النووي في بعضها‪،‬‬
‫فهنا أفاد ابن حجر َّ‬
‫بأن هذه كلها من ُ‬
‫المسكرات‪ ،‬واعتبرها من الكبائر‪.‬‬ ‫ُ‬
‫وغيره في باقيها)‪ُ ،‬‬
‫ْ‬ ‫صاحب [عون المعبود]‪َ 4‬‬
‫تعقب ابن حجرالهيثمي في هذا‪ ،‬وقال‪( :‬إن جوزة الطيب ليس فيها ُسكر‪ ،‬و إنما فيها تفت ٌير‬
‫زرع بأرضنا) هناك في‬‫أيضا الزعفران قال‪( :‬إنه ُي ُ‬
‫قطعا)‪ ،‬وكذلك ً‬ ‫المسكرات ً‬ ‫وبعض التخدير‪ ،‬وليست من جنس ُ‬
‫ٌ‬
‫المسكرات‬ ‫بالغة عظيمة‪ ،‬فإنه عد العنبروالزعفران من ُ‬ ‫المسكرات فيه ُم‬
‫الهند‪ ،‬وقال‪( :‬إن قول ابن حجرأنه من ُ‬
‫ُ‬
‫ط االعتبار‪ ،‬ولم ُ‬ ‫وجعل استعمالها من الكبائركالخمر‪ ،‬وهذا ٌ‬
‫كالم ٌ‬
‫يثبت قط من األئمة القدماء من العلماء‬ ‫باطل وساق‬
‫سكرمفر ًدا؟ هل حصلت له التجربة‬ ‫كرهما‪ ،‬فمن أين قال العالمة القرش ي‪ -‬يقصد ابن حجر‪ -‬إن الزعفران ُي ُ‬ ‫بالنبات ُس ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫مفردا؟ كال‪ ،‬بل ثبت بالتجربة أنه ال ُيسكرإال مع الشراب‪ ،‬وقد سألت غيرمرة من أدركنا من األطباء‬
‫على أنه ُيسكر ً‬
‫ُ‬
‫الحذاق أصحاب التجربة والعلم والفهم كلهم اتفقوا على أنه ال يسكر)‪ ....5‬إلى أخرما ذكر‪.‬‬
‫ُ‬
‫فصاحب [عون المعبود] تعقب ابن حجرالهيثمي في هذا‪ ،‬ونريد اآلن تحقيق القول في هذه المسألة‪.‬‬
‫َّ‬
‫اآلن أصبح الزعفران وجوزة الطيب ترد إلينا ُمصنعة وتستخدم مع األطعمة واألشربة‪ ،‬أما جوزة الطيب فالذي يظهر‬
‫ْ‬
‫التفتير‪ ،‬ولذلك عندنا في المملكة هي ممنوعة من دخول‬ ‫أن استخدام كميات كبيرة منها أنها قد تؤدي لإلسكارأو‬

‫‪ 1‬عالم من علماء المسلمين‪ ،‬وفقيه من كبار فقهاء الشافعية المتأخرين‪ ،‬توفي رحمه الله عام ‪ ٥٢٣‬هـ‪.‬‬

‫‪ 2‬هو شيخ الإسلام‪ ،‬علَم الأعلام‪ ،‬أمير المؤمنين في الحديث‪ ،‬حافظ العصر‪ :‬شهاب الدين أبو الفضل‪ ،‬أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن أحمد‪ ،‬الكناني الشافعي‬
‫المصري المولد والوفاة‪ ،‬الحافظ الإمام المعروف بابن حجر العسقلاني‪ ،‬توفي رحمه الله عام ‪٤٥١‬هـ‪.‬‬

‫‪ 3‬الزواجر عن اقتراف الكبائر‪ ،‬لابن حجر الهيثمي صفحة ‪.٣٠٥‬‬

‫‪[ 4‬عون المعبود شرح سنن أبي داود] هو أحد كتب الحديث‪ ،‬ألفه الشيخ محمد شمس الحق العظيم آبادي توفي رحمه الله عام ‪٢٣١٥‬هـ‪.‬‬

‫‪[ 5‬عون المعبود شرح سنن أبي داود] للعظيم آبادي (جـ ‪ )١١٨/ ٥‬كتاب الأشربة‪.‬‬
‫‪02‬‬
‫َّ ْ‬
‫المملكة إال في التوابل بنسب معينة‪ ،‬لكن لو استخدمت بكميات كبيرة فإنها قد تؤدي ربما ليس لإلسكارو إنما للتفتير‬
‫ٌ‬
‫المصحوب بالنشوة‪ ،‬وهي كما ذكرت ممنوعة عندنا في المملكة إال في التوابل فقط‪.‬‬ ‫والتخدير‪ ،‬لكنها ال تصل لإلسكار‬
‫َُ‬ ‫وأما الزعفران فالذي يظهر ً‬
‫أيضا أنه عند التحقيق‪ :‬أنه ال يدخل في ُ‬
‫المفترات إذا استخدم‬ ‫المسكرات‪ ،‬ولكنه من‬
‫بكميات كبيرة‪ ،‬أما إذا استخدم بكمية يسيرة لصالح القهوة أو الشاي ونحوه؛ الذي يظهرأنه ال حرج فيه وال ُيعتبرمن‬
‫َُ‬
‫المفترات‪ ،‬و أنا أحببت أن ألفت النظرلهذه المسألة‪ ،‬ألن بعض طلبة العلم ال يتنبه لها‪ ،‬ور أيت فتاوى في بعض‬
‫المو اقع في الشبكة العنكبوتية‪ ،‬رأيت فتوى بتحريم الزعفران من أحد المشايخ من إحدى دول الخليج بتحريم‬
‫َُ‬ ‫الزعفران ونقل كالم ابن حجر‪ 1‬وقال‪ :‬أنه ُيعتبرمن ُ‬
‫المفترات ولذلك‬ ‫المسكرات‪ ،‬والو اقع أنه من المنبهات القوية ومن‬
‫ُ‬
‫لو تناولت الزعفران في الليل تالحظ أنه في الغالب ُيصيب النسان بأرق‪ ،‬يرى تلك الليلة أنه لم يأته النوم‪ ،‬عندما‬
‫َُ‬ ‫جدا‪ ،‬وربما ً‬
‫يبحث يجد أن السبب هو الزعفران‪ ،‬فهو منبه قوي ً‬
‫المفترات لكنها ال يصل لإلسكار‪،‬‬ ‫أيضا يدخل في‬
‫والنسبة المستخدمة عندنا هنا يعني في الزعفران في القهوة والشاي ونحوه؛ نسبة يسيرة وقليلة‪ ،‬لكن لو استخدم‬
‫أيضا إذا استخدم بنسب كبيرة وهو ُمضر ً‬ ‫َّ‬
‫التفتيروربما إلى التخدير ً‬
‫أيضا بالصحة‪.‬‬ ‫بنسب كبيرة فهذا قد يؤدي إلى‬

‫هذا هو الحاصل في هذه المسألة‪ ،‬وال بد أن يكون عند طالب العلم تصور عن هذه المسائل‪ ،‬ألن بعض طلبة العلم‬
‫ُ‬
‫لما طرحت هذه المسائل ما كان عنده أدنى تصور عن هذا قال‪ :‬أول مرة أسمع عنها‪ ،‬فال بد يكون عندك تصور عما‬
‫قيل وما ُيقال عنها‪ ،‬فهذه كلها هناك من منعها كابن حجرالهيثمي وجماعة والصواب أنها هي إذا استخدمت بكميات‬
‫ُ‬
‫يسيرة أنه ال حرج فيها‪ ،‬إنما تمنع إذا استخدمت بكميات كبيرة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وهناك رسالة أشرفت عليها طبعت اآلن في كتاب عنوانها‪" :‬النوازل في األشربة"‪ ،2‬وتعرض وتكلم عن هذه المسألة‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫الباحث ً‬
‫كالما مفصال‪ ،‬وخلص إلى هذه النتيجة؛ أن استخدامها بكميات يسيرة ال حرج فيه‪ ،‬وأن الممنوع‬
‫استخدامها بكميات كبيرة‪.‬‬

‫‪--------------------------------------------------‬‬

‫(زراعة الشعر)‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ننتقل بعد ذلك ً‬
‫أيضا لنازلة أخرى وهي زراعة الشعر‪ ،‬زراعة الشعر كنت قد كتبت فيه بحثا ثم ط َّور فخرج في هذا‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫أيضا صورت هذه‬ ‫الكتاب‪- 3‬خرج هذا العام‪ -‬وإال أصله بحث ُمحكم واستعرضت فيه ‪-‬يعني اآلراء حول هذه النازلة‪ -‬و‬
‫النازلة كما أفاد املختصون‪ ،‬ومن أراد التوسع في بحثها فليرجع لهذا الكتاب‪ ،‬ويقع في ثالث وستين صفحة‪ ،‬لكن نأخذ‬
‫خالصة ما فيه‪.‬‬

‫‪[ 1‬الزواجر عن اقتراف الكبائر] صفحة ‪.٣٠٥‬‬


‫‪ 2‬لزين العابدين بن الشيخ بن أزوين ‪٢٨٣١‬هـ‪.‬‬

‫‪ 3‬وهو كتاب (أحكام زراعة الشعر وإزالته)‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬تكلمت عن حقيقة وصل الشعر‪ ،‬وأن العلماء اتفقوا على تحريم وصل الشعرفي الجملة‪ ،‬وقد جاء في ذلك حديث‬
‫ً‬ ‫ََ ُ َ ََ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫والم ْست ْوصلة]‪ ،1‬بل جاء ما هو أشد وهو (أن امرأة َّزوجت ابنتها فمرضت فتساقط‬ ‫ابن عمر‪[ :‬ل َع َن الل ُه الواصلة‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫شعرها‪ ،‬فجاءت للنبي ﷺ‪ ،‬فقالت‪ :‬يا رسول الله إني أنكحت ابنتي فاشتكت‪ ،‬يعني‪ :‬مرضت‪ ،‬فتساقط شعرها)‪ ،‬وفي‬
‫ٌ َ‬ ‫ً‬ ‫رو اية‪( :‬إن لي ابنة ُعريسا ‪-‬تعني‪َّ :‬‬
‫مرق شعرها‪ ،‬أفأص ُل شعرها؟ فقال النبي ﷺ‪:‬‬‫فت َّ‬ ‫تزوجت حديثا‪ -‬أصابتها حصبة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫[ َل َع َن الله َ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫الواصلة َوال ُم ْست ْوصلة])‪ ،2‬حتى في هذه الحالة لم يأذن لها النبي عليه الصالة والسالم‪ ،‬وهذا يدل على شدة‬
‫األمر‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫واختلف العلماء في علة النهي عن الوصل‪ ،‬وقد ذكرت األقوال في هذا الكتاب‪ ،‬ثم ر َّجحت القول بأن العلة هي‬
‫شعر‪ ،‬وقال‪ :‬يا أهل المدينة أين علماؤكم؟‪،‬‬ ‫ُ َّ‬
‫المنصوص عليها في [حديث معاوية لما قدم المدينة وأخرج كبة من ٍ‬
‫ْ‬
‫وسم ُاه الزور]‪3‬هذا في صحيح مسلم‪.‬‬
‫سمعت رسول الله ﷺ ينهى عن هذا‪َّ ،‬‬

‫سم ُاه الزور) فيه إشارة لعلة النهي عن الوصل وهو التزوير‪ ،‬الزور‪ :‬من التزوير‪ ،‬فمعنى ذلك أن الوصل إنما‬
‫وقوله‪َّ ( :‬‬
‫ُحرم ألجل ما فيه من التزوير‪ ،‬والتدليس‪ ،‬والغش‪ ،‬والخداع‪ ،‬ونحوه‪ ،‬هذا هو القول الراجح‪.‬‬

‫وجه‬ ‫َ َ‬
‫وعلى ذلك إذا وصلت المرأة شعرها بشعرآدمي فإنه محرم‪ ،‬أما إذا وصلت شعرها بشعرغيرآدمي؛ فإن كان على ٍ‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫شعرا أم صوفا أم َو َب ًرا أم‬
‫الناظرألول َوهلة أنه غيرطبيعي فإنه جائز سواء أكان ً‬
‫ُ‬ ‫ال يشبه الشعرالطبيعي بحيث ُيدرك‬
‫ُ‬
‫بحيث إن الناظر ُ‬
‫حرم‪،‬‬ ‫طبيعيا فإنه َي ُ‬
‫ًّ‬ ‫يظنه ً‬
‫شعرا‬ ‫قرامل‪ ،‬أما إذا كان الموصول بشعرالمرأة ُيشب ُه الشعرالطبيعي‬
‫وبرأو شعر صناعي أو غيرذلك‪.‬‬
‫بصوف أو ٍ‬
‫ٍ‬ ‫بشعرأو‬
‫ٍ‬ ‫سواء أكان‬
‫ُ‬
‫ثم بعد ذلك تكلمت عن حكم زراعة الشعر‪ ،‬والفرق بينها وبين الوصل‪ ،‬وأن زراعة الشعرتجري لمن يعاني من الصلع‬
‫وسقوط شعرالرأس والحاجبين واألهداب واللحية والشارب و ُربما مناطق أخرى من الجسم‪.‬‬

‫وفكرة الزراعة تقوم على أخذ شريحة من جلدة فروة الرأس الذي يحتوي على ٍ‬
‫شعروزرعها في المكان الخالي‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫هو أخذ من جسم النسان من مكان ونقل ُه لمكان آخر‪ ،‬هذا معنى زراعة الشعروحقيقتها‪ ،‬ونقلت عن املختصين كيف‬
‫تكون زراعة الشعر‪ ،‬لكن هذه هي ُ‬
‫فكرتها‪ ،‬آراء العلماء فيها اختلفوا على قولين‪:‬‬

‫القول األول‪ :‬جواززراعة الشعر‪ ،‬ومن أبرز من قال به من العلماء المعاصرين الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله‪.‬‬

‫‪ 1‬أخرجه البخاري في صحيحه (‪.)٥٥٣٢‬‬

‫ت ابْ َنةً لَهَا‪ ،‬فَاشْتَ َكتْ‬


‫ج ِ‬ ‫ن الأنْصَا ِر زَوَ َ‬ ‫‪ 2‬أخرجه البخاري (‪ )5235‬بمعناه‪ ،‬مسلم (‪ )2102‬من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله‪ ،‬ولفظ مسلم‪( :‬أنَ امْرََأ ًة ِم َ‬
‫ت‪) .‬‬ ‫صلَاتُ‪ .‬وفي روايةٍ‪ :‬لُعِنَ المُوصِلَا ُ‬ ‫ن الوَا ِ‬
‫إن زَوْجَهَا يُرِيدُهَا َأفََأصِ ُل شَعَرَهَا؟ فَقالَ رَسولُ الل ِه ﷺ‪ :‬لُعِ َ‬ ‫بي ﷺ فَقالَتْ‪َ :‬‬ ‫ط شَعْرُهَا‪ ،‬فأ َتتِ الن َ‬ ‫فَ َتسَا َق َ‬
‫ص َبةٌ‬‫ح ْ‬‫ورواية أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما في مسلم أيضًا (‪( : )١٢١١‬جَا َءتِ امْ َرأَةٌ إلى النبيِ ﷺ‪ ،‬فَقاَلتْ‪ :‬يا رَسولَ اللهِ‪ ،‬إنَ لي ا ْب َن ًة عُر َِيسًا َأصَابَتْهَا َ‬
‫صلَ َة‪ ،‬وفي روايةٍ ‪ :‬فَتَمَرَطَ شَعْرُهَا‪).‬‬ ‫صَل َة وَالْ ُمسْتَ ْو ِ‬‫اللهُ الوَا ِ‬
‫صلُهُ‪ ،‬فَقالَ‪ :‬لَعَنَ َ‬
‫ق شَعْرُهَا َأفََأ ِ‬‫فَتَمَرَ َ‬
‫ن رَسو َل الل ِه ﷺ َبلَ َغ ُه‬ ‫حدًا يَفْ َعُلهُ إلَا اليَهُودَ إ َ‬
‫‪ 3‬صحيح مسلم (‪ )١٢١٢‬ولفظه عند مسلم‪ ( :‬قَ ِد َم مُعَاوِيَ ُة المَدِي َن َة َفخََْ َبنَا َوأَخْرَجَ ك َُب ًة مِن شَعَرٍ‪ ،‬فَقالَ‪ :‬ما كُ ْنتُ أُرَى أنَ أَ َ‬
‫َفسَمَا ُه الزُورَ‪).‬‬
‫‪71‬‬
‫القول الثاني‪ :‬تحريم زراعة الشعر‪ ،‬قال به بعض العلماء‪ ،‬وال أعرف أن ً‬
‫أحدا من العلماء الكبار‪ ،‬لكن قال به بعض‬
‫الباحثين‪.‬‬

‫من أدلة القول بالجواز‪:‬‬


‫ً‬
‫كل منهم َملكا‪ ،‬فأتى‬ ‫َ‬
‫قصة [الثالثة من بني إسرائيل األقرع واألبرص واألعمى‪ ،‬الذين أراد الله أن يبتليهم‪ ،‬فبعث إلى ٍ‬
‫األبرص‪ ،‬وقال‪ :‬أي ش ٍيء أحب إليك؟ قال‪ :‬أن يذهب عني هذا البرص‪ ،‬قال‪ :‬فأي المال أحب إليك؟ قال‪ :‬البل‪ ،‬فمسح‬
‫َّ‬ ‫ُ َ ً‬
‫واد من البل‪.‬‬
‫عطي ناقة عشراء‪ ،‬فولد هذا‪ ،‬ونتج هذا حتى أصبح له ٍ‬ ‫عليه فذهب عنه البرص‪ ،‬وأ‬

‫ثم أتى لألقرع قال‪ :‬أي ش ٍيء أحب إليك؟ قال‪ :‬أن يذهب عني هذا القرع‪ ،‬فمسح عليه فذهب عنه القرع‪ ،‬قال‪ :‬أي المال‬
‫ُ ً‬
‫واد من البقر‪.‬‬
‫أحب إليك؟ قال‪ :‬البقر‪ ،‬فأعطاه بقرة فنتجت وحتى أصبح عنده ٍ‬
‫فأ ُ‬‫ُ‬ ‫ثم ذهب لألعمى‪ ،‬قال‪ :‬أي ش ٍيء أحب إليك؟ قال‪ :‬أن َي ُر َّد الله َّ‬
‫بصرالناس‪ ،‬فمسح عليه فأبصر‪ ،‬قال‪ :‬أي‬ ‫إلي بصري‪،‬‬
‫ً‬ ‫ُ ً‬
‫واد من الغنم‪.‬‬
‫المال أحب إليك؟ قال‪ :‬الغنم‪ ،‬فأعطاه شاة فأيضا نتجت حتى أصبح عنده ٍ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬
‫فهؤالء بدل الله أحوالهم‪ ،‬ذهبت عنهم هذه العاهات‪ ،‬ورزقهم الله أمواال عظيمة‪ ،‬ثم إن هذا الملك أتى لكل ٍ‬
‫واحد‬
‫جل فقير‪ ،‬وقد انقطعت بي حبال السفر‪ ،‬وال‬ ‫منهم على هيئته األولى‪ ،‬أتى لألبرص على هيئة أبرص فقير‪ ،‬وقال‪ :‬إنني ر ٌ‬
‫ُ‬ ‫بالغ لي إال بالله ثم بك‪ ،‬أسألك بالذي أذهب عنك البرص‪ ،‬وأغناك بهذه البل أن ُتعطيني ً‬
‫بعيرا ً‬
‫واحدا أتبلغ به في‬
‫سفري‪ ،‬قال‪ :‬الحقوق كثيرة‪ ،‬يعني‪ :‬المتطلبات والنفقات كثيرة ما أستطيع‪ ،‬قال‪ :‬ألم تكن كذا؟ بدأ ُيذك ُره‪ ،‬ألم تكن‬
‫كاذبا َّ‬
‫كابرا عن كابر‪-‬جحد نعمة الله‪ -‬قال‪ :‬إن كنت ً‬ ‫ثت هذا المال ً‬ ‫ر ُ‬ ‫ً‬
‫فصيرك الله إلى‬ ‫فقيرا فأغناك الله؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬إنما و‬
‫ما كنت‪.‬‬
‫فرد عليه األقرع بمثل ما ر َّد األبرص‪ ،‬فدعا عليه قال‪ :‬إن كنت ً‬
‫كاذبا‬ ‫ثم ذهب لألقرع فقال مثل ما قال لألبرص‪َّ ،‬‬
‫َّ‬
‫فصيرك الله إلى ما كنت‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وكنت ً‬ ‫ُ‬
‫كنت أعمى َّ‬
‫فرد الله َّ‬
‫فقيرا فأغناني الله‪ ،‬فخذ من أموالي ما شئت ودع‬ ‫علي بصري‪،‬‬ ‫ثم ذهب لألعمى‪ ،‬فقال‪ :‬قد‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫إلي مما تترك‪ ،‬فقال‪ :‬أمسك عليك مالك‪ ،‬و إنما أنا مل ٌك بعثني الله تعالى لكم‪ ،‬وقد‬
‫تأخذه أحب َّ‬ ‫منها ما شئت‪ ،‬فوالله ما‬
‫َ‬
‫وسخط على صاحبيك‪1].‬‬ ‫رض َي الله عنك‬
‫هذه قصة عظيمة يا إخوان‪َّ ،‬‬
‫قصها النبي عليه الصالة والسالم ألجل أن نأخذ العبرة وأن النسان ال يزدري الفقراء‬
‫َّ‬
‫والمساكين‪ ،‬وأن يعطف عليهم‪ ،‬وأن يتذكرن َعم الله عليه‪ ،‬وأال يجحد نعمة الله عليه‪.‬‬
‫نظرإليه نظرة ازدراء واحتقار‪ ،‬هذا ال يجوز‪ ،‬هذا أخوك المسلم َ‬ ‫َ ُ‬
‫ابتلي بالفقر فينبغي أن‬ ‫بعض الناس إذا رأى الفقيري‬
‫تسعى لمساعدته بقدرما تستطيع‪ ،‬وبعض الناس يعني من قلة التوفيق أنه يبخل ويأمرالناس بالبخل‪ ،‬ال هو الذي‬
‫يعطيه‪ ،‬وال يترك الناس يعطونه فيقول للناس‪" :‬ال تعطونه هذا شحات‪ ،‬هذا كذاب‪ ،‬هذا كذا هذا كذا"‪ ،‬وهو غير‬

‫‪ 1‬أخرجه مسلم في صحيحه (‪.)١٥٦٨‬‬


‫‪72‬‬
‫متأكد‪ ،‬وغيرمتحقق‪ .‬فإذا كنت لن تساعد هذا الفقيراترك الناس ُيساعدونه‪ ،‬ال تكن من الذين يبخلون ويأمرون‬
‫الناس بالبخل‪ ،‬فازدراء الفقراء والمساكين هذا موجود لدى بعض النفوس‪ ،‬فينبغي الحذر‪.‬‬

‫ولهذا كانوا يقولون عن المام أحمد‪ :‬ال نرى الفقراء في مجلس أعزمنهم من مجلس المام أحمد‪.‬‬
‫ويحترمهم‪ُ ،‬‬
‫ويدعوهم‬ ‫ُ‬ ‫وكان شيخنا عبد العزيزبن بازرحمه الله ال يرض ى بأن ُيهان في مجلسه فقير‪ ،‬كان ُيعزهم ُويكرمهم‬
‫معه للغداء‪.‬‬
‫عطي ً‬
‫شعرا‬ ‫الملك على األقرع‪ُ ،‬وأ َ‬ ‫َ‬
‫الشاهد من هذه القصة‪ :‬أن هذا الرجل األقرع طلب أن يذهب عنه القرع‪ ،‬فمسح‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫حسنا‪َّ ،‬‬
‫محرما لما‬ ‫فدل ذلك على أن السعي في إزالة هذا العيب واستنبات الشعرالحسن أنه ال بأس به‪ ،‬إذ لو كان‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫استدالل قوي‪.‬‬ ‫فعله الملك‪ ،‬وهذا كما ترون‬
‫التجمل ُ‬ ‫َّ‬
‫والحسن‪ ،‬و إنما هو من‬ ‫ثم إن األصل الباحة‪ ،‬وزرع الشعرليس من باب التغييرلخلق الله‪ ،‬أو طلب ٍ‬
‫مزيد من‬
‫باب رد ما خلق الله عزوجل وإزالة العيب‪ ،‬وما كان كذلك فإن قواعد الشرع ال تمنع منه‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ثم إن الصلع والقرع ُيعتبران ً‬
‫عيبا في النسان يجد من أصيب به األلم النفس ي‪ .‬وقد دلت األدلة على جوازالعالج‬
‫والتداوي وإزالة العيوب التي تقع لإلنسان‪.‬‬

‫وأما من قال بالمنع من زراعة الشعر‪ ،‬فقالوا‪ :‬إن هذا يدخل في الوصل املحرم‪ ،‬والقول الراجح‪ :‬هو القول بجواز‬
‫زراعة الشعرلقوة أدلته‪ ،‬وأما ما ذكره املخالفون من دخول ذلك في الوصل فهذا غيرصحيح‪ ،‬وذلك للفروق الكثيرة‬
‫ُ‬
‫المضاف‬ ‫ضاف إلى الشعرش ٌيء آخرغيرالشعراألول‪ ،‬وهذا ُ‬ ‫بين الوصل وزراعة الشعر‪ ،‬فمن الفروق‪ :‬أنه في الوصل ُي‬
‫المضاف هو الشعرنفسه مع جزء من الجلد يحوي ُبصيالت‬ ‫شعرا أو غيره‪ ،‬بينما في زراعة الشعرفإن ُ‬
‫إما أن يكون ً‬
‫نقل من مؤخرالرأس إلى َّ‬
‫مقدمه أو إلى المواضع التي ُير ُاد فيها زراعة الشعر‪،‬‬ ‫الشعر‪ ،‬غاية ما في األمرأن الشعر ُي ُ‬
‫وذكرت في هذا الكتاب ستة فروق بين الوصل والشعر فمن أ اد ً‬ ‫ُ‬
‫مزيدا من التوسع في بحث هذه المسألة فليرجع إليها‪.‬‬ ‫ر‬
‫والخالصة أن القول الراجح هو‪ :‬جواززراعة الشعر‪ ،‬و أنه ال حرج في ذلك إن شاء الله‪.‬‬

‫‪-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫(التلقيح الصناعي)‬

‫ننتقل بعد ذلك للنوازل في فقه األسرة‪ :‬ومن النوازل في فقه األسرة (التلقيح الصناعي) أو ما يسمى بـ(طفل األنبوب)‪.‬‬
‫‪70‬‬
‫إن بعض الناس قد ال ُيرزق بذرية‪ ،‬ويريد النجاب عن طريق التلقيح الصناعي‪ ،‬أو ما يسمى بأطفال األنابيب‪ ،‬فما حكم‬
‫ذلك؟‬
‫َ َ‬
‫الجواب‪ :‬النسان بحاجة إلى الولد‪ ،‬والولد من النعم العظيمة‪ ،‬ولذلك زكريا عليه السالم دعا الله تعالى فقال‪{ :‬رب ال‬
‫َت َذ ْرني َف ْر ًدا َو َأ ْن َت َخ ْي ُر ْال َوارث َين}‪ُ 1‬‬
‫وجبل النسان على محبة الولد‪ ،‬وهذه الحاجة لها اعتبارها‪.‬‬

‫والتلقيح الصناعي له عدة طرق‪:‬‬


‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فإن كان بين الزوجين بحيث تؤخذ النطفة الذكرية للزوج وتحقن في رحم الزوجة نفسها‪ ،‬وتلقح هذا التلقيح بالجمع‬
‫ما بين الحيوان المنوي والبويضة في رحم الزوجة فإن هذا ال بأس به؛ ألنه هو تلقيح من ماء الزوج لبويضة الزوجة‬
‫ولكن ذلك لم يتم بالطريقة الطبيعية فاستدعى ذلك التدخل الطبي‪.‬‬
‫وقد يترتب على ذلك كشف عورات وكشف العورة هنا يجوز للضرورة أو للحاجة الملحة التي تنزل منزلة الضرورة‪،‬‬
‫فإن المنع من كشف العورة ألجل درء الفتنة‪ ،‬وهنا كشف العورة إنما هو للحاجة الملحة‪ ،‬والفتنة هنا غيرواردة مع‬
‫ً‬
‫أخذ االحتياطات الالزمة‪ .‬فإذا إذا كان ذلك بين الزوجين وكان عن طريق التلقيح الداخلي فهو أسلوب جائز‪.‬‬

‫و أيضا من األساليب أن يؤخذ الحيوان المنوي والبويضة وتلقح خارج الرحم بعد ذلك‪ ،‬ثم يتم إدخالها إلى رحم المرأة‬
‫بعد ذلك بالطريقة الطبية‪ ،‬هذه ً‬
‫أيضا جائزة؛ ألنها تدور ما بين بويضة المرأة والحيوان المنوي للزوج‪.‬‬
‫َ‬
‫أما إذا كان ذلك خ َر َج عن نطاق الزوجين‪ ،‬كما في بعض البالد غيرالسالمية‪ ،‬فإن هذا محرم وال يجوز بإجماع العلماء‪.‬‬
‫فإن في البلدان غيرالسالمية إذا كان العقم من الزوج يؤخذ حيوان منوي من غيرالزوج وتلقح به هذه المرأة وهي‬
‫زوجته‪ ،‬وهذا ال يجوز‪ ،‬وهذا هو معنى الزنا‪ .‬لماذا حرم الزنا؟ ألنه يحقق اختالط األنساب‪ ،‬وهذا هو معنى الزنا هذا‬
‫محرم ً‬
‫قطعا‪.‬‬

‫إذن التلقيح الصناعي إذا كان في دائرة الزوجين ال بأس به مع أخذ االحتياطات الكبيرة بضمان ذلك الضمانات‬
‫الكافية‪ ،‬وأن هذا إنما يدور في دائرة الزوج والزوجة فقط‪.‬‬
‫ً‬
‫أسلوبا لمن لم يرزق بذرية أنه يلجأ‬ ‫أقره املجمع الفقهي السالمي في رابطة العالم السالمي‪ ،‬وبذلك يكون هذا‬ ‫هذا ما َّ‬
‫لهذا األسلوب الطبي‪ ،‬وقد نجح مع كثيرمن األشخاص‪.‬‬
‫هناك أناس لم يرزقوا بذرية ولجأوا إلى طفل األنابيب ورزقهم الله تعالى بذرية وهم يعيشون عيشة مستقرة والحمد‬
‫لله‪ ،‬هذا من نعم الله تعالى على الناس والشريعة السالمية لم تمنع ما كان فيه مصالح وال يترتب عليه ضرر ما دام أنه‬
‫في محيط الزوجين فال بأس به‪.‬‬
‫‪--------------------------------------------------‬‬

‫(اختيار جنس الجنين)‬


‫ننتقل مباشرة إلى اختيار جنس الجنين‪ :‬ما حكم اختيارجنس الجنين بأن يختارالنسان هذا الجنين ً‬
‫ذكرا أو أنثى؟‬

‫‪ 1‬سورة الأنبياء (‪.)٤٥‬‬


‫‪77‬‬
‫ً‬
‫نقول‪ :‬اختيارجنس الجنين أوال هل هو ممكن أم غيرممكن؟ أنا أرغب ممن يتصدى للفتوى والبحث في المسائل‬
‫شيئا َّ‬ ‫ً‬
‫ويتبين الو اقع بخالفه! ألن هذا حصل في فتوى أن‬ ‫الفقهية أال يستعجل في الجزم بالنفي ألنه ال يدري قد ينفي‬
‫طبيا وأرغب ممن يتصدى‬ ‫اختيارجنس الجنين غيرممكن‪ ،‬وأن من يقول بذلك فهو كذا وكذا‪ ،‬والو اقع أنه ممكن ًّ‬
‫للفتوى أال ينفي‪ .‬فقد كان فقهاؤنا السابقون يفترضون األشياء غيرالو اقعة‪ ،‬يقول‪ :‬حتى لو وقعت يتصورها طالب‬
‫العلم‪.‬‬
‫جبلت النفوس على حب الذكور‪ ،‬وهذا أمرمعروف من قديم الزمان وكانوا في الجاهلية يحتقرون األنثى‪ ،‬حتى بلغ األمر‬
‫ْ ُْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ ُ َ ْ‬ ‫َ َ َْ ُْ َُ َ ْ‬
‫ودة ُسئلت (‪ )٨‬بأي ذن ٍب قتلت}‪َ { ،1‬وإذا ُبش َرأ َح ُد ُه ْم باألنثى ظ َّل َو ْج ُه ُه‬ ‫ببعضهم إلى أن يدفنها وهي حية {وإذا الموء‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫ُم ْس َو ًّدا َو ُه َو َكظ ٌ‬
‫يم (‪َ )٨٨‬يت َو َارى م َن الق ْوم م ْن ُسوء َما ُبش َربه أ ُي ْمسكه َعلى هو ٍن أ ْم َيدسه في الت َراب أال َس َاء َما‬
‫ُ‬
‫ُ َ‬
‫َي ْحك ُمون}‪2‬هذا موجود في الجاهلية وعند العرب‪ ،‬وكتابات بعض المعاصرين أن هذا غيرموجود فهو مصادم للقرآن‪،‬‬
‫بل هو موجود‪.‬‬
‫صحيح ال تثبت نسبته لبعض الصحابة كعمربن الخطاب‪ ،‬عمرلم يثبت عنه هذا‪ ،‬أنه دفن ابنته وكانت تمسح التراب‬
‫ً‬
‫عن لحيته هذا غيرصحيح‪ ،‬و إنما أكبربناته حفصة‪ ،‬ولم يثبت عن عمرأنه وأد بنتا قط‪ ،‬لكن هذا موجود عند العرب‪،‬‬
‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ ََ َ ُ ُ ْ ُْ‬
‫األ ْن َثى َظ َّل َو ْج ُه ُه ُم ْس َو ًّدا َو ُه َو َكظ ٌ‬
‫يم (‪َ )٨٨‬يت َو َارى م َن الق ْوم م ْن ُسوء َما‬ ‫والله تعالى ذكره في القرآن {وإذا بشرأحدهم ب‬
‫ح ُك ُمو َن}‪3‬‬ ‫ُبش َربه َأ ُي ْمس ُك ُه َع َلى ُهون َأ ْم َي ُدس ُه في الت َراب َأال َس َاء َما َي ْ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫ً‬
‫فمحبة الذكور موجودة‪ ،‬واختيارجنس الجنين أصبح ممكنا مع التقدم الطبي اآلن‪ ،‬يستطيع النسان أن يطلب من‬
‫ً‬ ‫األطباء أن يختاروا له أن يكون أوالده ً‬
‫ذكورا أو إناثا‪ ،‬هذا ممكن‪.‬‬
‫ما حكم هذا من الناحية الشرعية؟‬
‫ً‬
‫طبعا اختيارجنس الجنين بالطرق غيرالطبية هذا موجود من قديم‪ ،‬واآلن يوجد مشكلة في البلدان التي فيها كثافة‬
‫سكانية عالية كما في الهند والصين‪ ،‬في الصين والهند مسموح بطفل واحد‪ ،‬فإذا حملت الزوجة يكشفون عن الجنين‬
‫فإذا كانت أنثى أجهضت‪ ،‬فأصبح اآلن عندهم اختالل في التركيبة السكانية‪ ،‬أصبح عدد الذكور أكثرمن عدد الناث‪،‬‬
‫والمشكلة اآلن في تزايد عندهم ألنهم يتدخلون في ذلك عن طريق إجهاض الناث‪.‬‬

‫الحكم الشرعي الختيارجنس الجنين‪ :‬هذا ُبحث في مجمع الفقه السالمي ور ابطة العالم السالمي‪ ،‬إذا كان بالطرق‬
‫الطبيعية فال بأس مثل (النظام الغذائي) ‪-‬ال ندري عن صحة هذا‪ ،-‬لكن بعض العامة يتناقلون أن مأكوالت معينة إذا‬
‫ً‬
‫أكلها الزوج أو الزوجة فأنها تتسبب في أن تنجب الذكور مثال‪ ،‬وكــ(الغسول المهبلي‪ ،‬أو الغسول الكيميائي) أن المرأة‬
‫ًّ‬
‫تأخذ دشا من غسول يكون فيه أحماض أو يكون فيه أشياء حمضية وتغسل فرجها قبل الجماع فإن حملت تحمل‬
‫بذكر‪ ،‬هذا قيل والله أعلم بصحته‪.‬‬
‫أيضا بتوقيت الجماع بـ(تحري وقت الباضة)‪ ،‬فإن كان قبل أو بعد يأتي ذكرأو أنثى هذا عند بعض الناس فيها تجارب‪،‬‬ ‫ً‬
‫وهذه األصل فيها الجواز‪.‬‬
‫ولكن المسألة المهمة هي التدخل الطبي الختيارجنس الجنين بحيث يتدخل األطباء في الكروموسومات‪ ،‬ويتدخلون‬
‫ما بين البويضة والحيوان المنوي‪ ،‬بحيث يكون الجنس الذي يرغبون فيه‪ ،‬والغالب هو الرغبة في الذكور أكثرمن‬

‫‪ 1‬سورة التكوير آيات (‪.)٥ - ٤‬‬


‫‪ 2‬سورة النحل آيات (‪.)٥٥ - ٥٤‬‬
‫‪ 3‬سورة النحل آيات (‪.)٥٥ – ٥٤‬‬
‫‪75‬‬
‫الناث‪ ،‬ولكن بعض الناس يرغب في الناث‪ ،‬أن يكون عنده كل أوالده ذكور فيرغب في التدخل الطبي لكي يكون مولوده‬
‫ً‬
‫القادم أنثى‪ ،‬وبعض الناس يكون أوالدهم كلهم إناث فيرغب في التدخل الطبي فيكون المولود القادم ذكرا‪ ،‬ونسبة‬
‫نجاح التدخل الطبي ليست كبيرة حتى اآلن‪ ،‬وحضرعندنا في املجمع الفقهي مجموعة من األطباء املختصين وقالوا أن‬
‫ً‬
‫النسبة تدور ما بين (‪ )%١٩ - %١٩‬ولكن قد ترتفع هذه النسبة مستقبال مع التقدم العلمي‪.‬‬

‫املجمع الفقهي منع من التدخل الطبي الختيارجنس الجنين إال في حالة الضرورة العالجية في األمراض الور اثية‪.‬‬
‫ً‬
‫‪-‬أقرأ عليكم قراراملجمع الفقهي أوال ثم نعلق عليه‪:-‬‬
‫ً‬
‫(أوال‪ :‬يجوز اختيارجنس الجنين بالطرق الطبيعية كالنظام الغذائي‪ ،‬والغسول الكيميائي‪ ،‬وتوقيت الجماع بتحري‬
‫وقت الباضة لكونها أسباب مباحة ال محذور فيها‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬ال يجوز أي تدخل طبي الختيارجنس الجنين إال في حالة الضرورة العالجية في األمراض الور اثية التي تصيب‬ ‫ً‬
‫الذكور دون الناث أو بالعكس‪ ،‬فيجوز حينئذ التدخل بالضوابط الشرعية المقررة على أن يكون ذلك بقرارمن‬
‫تقريرا ًّ‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫طبيا بإجماع يؤكد أن حالة‬ ‫لجنة طبية مختصة ال يقل عدد أعضائها عن ثالثة من األطباء العدول‪ ،‬تقدم‬
‫المريضة تستدعي أن يكون هناك تدخل طبي حتى ال يصاب الجنين بالمرض الور اثي‪ ،‬ومن ثم يعرض التقريرعلى‬
‫جهات االختصاص جهة االفتاء املختصة لصدار ما ترى‪1).‬‬

‫إذن فقط أجازالتدخل الطبي الختيارجنس الجنين في حاالت الضرورة العالجية‪ ،‬وحاالت الضرورة العالجية هي‬
‫الحاالت التي إذا كان النجاب فيها للذكور فإنه تصيبه أمراض ور اثية‪ ،‬وإذا كان الناث ال يصيب أو العكس‪ ،‬إذا كان‬
‫ذكورا ال يصاب‪ ،‬حاالت معروفة ًّ‬ ‫إناثا يصاب النسل بأمراض ور اثية وإن كان ً‬ ‫ً‬
‫طبيا فقالوا‪ :‬هنا يجوز‪.‬‬ ‫النجاب‬
‫مثال أتى هذا الزوج وقال‪ :‬إني إذا رزقت بإناث يصبن بأمراض ور اثية‪ ،‬وإذا رزقت بذكور ال يصابون بأمراض ور اثية‪،‬‬
‫تالف لهذه األمراض الور اثية‪.‬‬ ‫فيجوز التدخل لجعل نسله من الذكور أو العكس‪ ،‬ألن هذه حاالت ضرورة‪ ،‬وفيها ٍ‬
‫ً‬
‫أما اختيارجنس الجنين ألجل التشهي‪ ،‬هذا ال يجوز؛ ألن فيه تدخال في خلق الله عزوجل‪ ،‬وفيه إخالل بالتركيبة‬
‫السكانية التي وضعها الله تعالى لمصلحة البشر‪ ،‬فإن أي مجتمع ال بد أن يكون فيه ذكور و إناث‪ ،‬فإذا سمح للناس‬
‫بالتدخل في اختيارجنس الجنين ربما اتجه الناس في هذا املجتمع إلى اختيارجنس الجنين‪ ،‬ربما اتجه الناس في هذا‬
‫املجتمع إلى اختيارالذكور فقط‪ ،‬فيحصل في هذا من المفاسد ما ال يخفى‪ ،‬ولذلك رأينا بعض هذه المفاسد في الدول‬
‫ذات الكثافة السكانية لما اتجه الناس لجهاض الناث والبقاء على الذكور‪ ،‬أصبح الذكور أكثرمن الناث‪ ،‬فحصل في‬
‫ذلك اختالل في التركيبة السكانية وترتب على ذلك مفاسد‪.‬‬
‫ً‬
‫إذا اختيارجنس الجنين إنما يجوز فقط في الحاالت العالجية في األمراض الور اثية فقط وال يجوز في غيره‪.‬‬
‫‪--------------------------------------------------‬‬
‫َّ‬
‫المشوه)‬ ‫(إسقاط الجنين‬
‫َّ‬
‫المشوه‪.‬‬ ‫ننتقل بعد ذلك ً‬
‫أيضا إلى نازلة من النوازل المتعلقة بفقه األسرة وهي‪ :‬إسقاط الجنين‬

‫‪ 1‬نص قرار مجلس المجمع الفقهي الإسلامي برابْة العالم الإسلامي في دورته التاسعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة في الفترة من ‪22‬ـ‪/24‬شوال‪1726/‬هـ التي يوافقها‬
‫‪0‬ـ‪/6‬نوفمبر‪2334/‬م‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫أوال‪ :‬الجنين يبدأ في التخلق في بطن أمه نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم تنفخ فيه الروح‪ ،‬ونفخ الروح إنما يكون في طور‬
‫ض َغ ٍة ُم َخ َّل َق ٍة َو َغ ْير ُم َخ َّل َق ٍة}‪ 1‬يعني بعد مرورمئة وعشرين ً‬
‫يوما‬ ‫يوما‪ ،‬ولهذا قال الله تعالى‪ُ { :‬م ْ‬ ‫المضغة‪ ،‬بعد مرور(‪ً )125‬‬
‫ُ‬
‫بعد طور المضغة نطفة ثم علقة ثم مضغة‪ ،‬ثم تنفخ فيه الروح بعد طور المضغة وقد وضح هذا النبي ﷺ‪:‬‬
‫ذلك‪ُ ،‬ث َّم َيكو ُن في ذلك ُم ْ‬
‫ض َغ ًة م ْث َل َ‬
‫ذلك]‪2‬‬ ‫إن َأ َح َد ُك ْم ُي ْج َم ُع َخ ْل ُق ُه في َب ْطن ُأمه َأ ْ َبع َين َي ْو ًما‪ُ ،‬ث َّم َيكو ُن في ذلك َع َل َق ًة م ْث َل َ‬
‫[ َّ‬
‫ر‬
‫ً‬
‫وح]‪ ،3‬إذا نفخ الروح‬ ‫الم َلك َُف َي ْن ُف ُخ فيه الر َ‬
‫يوما‪ُ [ ،‬ث َّم ُي ْر َس ُل َ‬
‫كم أصبحت؟ أربعين وأربعين وأربعين كم؟ مائة وعشرون ً‬
‫يوما [ َو ُي ْؤ َم ُرب َأ ْ َبع َكل َمات‪ :‬ب َك ْتب ر ْزقه‪َ ،‬و َأ َجله‪َ ،‬و َع َمله‪َ ،‬و َشق ٌّي‪َ ،‬أ ْو َسع ٌ‬
‫يد]‪4‬‬ ‫بعد مئة وعشرين ً‬
‫ٍ‬ ‫ر‬
‫سبحان الله! رزق النسان مكتوب وهو في بطن أمه‪ ،‬أول ما بدأ الرزق (بكتب رزقه)‪ ،‬لن يأتيك من الرزق إال ما كتب‬
‫ُ‬
‫الله لك‪ ،‬الحقيقة أن هذه المعاني إن استقرت لدى المسلم تورث الطمأنينة وتزيل عنه القلق والتوتر‪ ،‬الرزق‬
‫ً‬
‫أسبابا‪ ،‬لكن‬ ‫مكتوب و أنت في بطن أمك‪ ،‬ال يزيد الرزق حرص حريص ولكن أنت مأمور فقط بفعل أسباب لكونها‬
‫اطمئن لن يأتيك من الرزق إال ما كتب الله لك‪ ،‬وهكذا األجل‪[ ،‬بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد]‪.‬‬
‫ًإذا نفخ الروح ذكرنا أنه بعد مئة وعشرين ً‬
‫يوما‪.‬‬
‫َّ‬
‫المشوه في طور األربعين فهنا ال حرج في السقاط ألي‬ ‫َّ‬
‫المشوه‪ ،‬فهنا إذا كان الجنين‬ ‫تأتي لنا مسألة إسقاط الجنين‬
‫ً‬
‫سبب‪ ،‬وعند الحنابلة يجوز السقاط مطلقا حتى بدون سبب‪ ،‬وإن كان األولى أال يكون السقاط إال بسبب‪ ،‬ألن هذا‬
‫نطفة وليس بإنسان ما فيه روح إنه إذا كان يجوز العزل فكذلك ً‬
‫أيضا بعد أن تصل النطفة إلى الرحم‪.‬‬ ‫و‬

‫أيضا لم تنفخ فيه الروح‪ ،‬لكن السقاط أشد منه في األربعين إال‬ ‫يوما فهو ً‬ ‫أما إذا كان ما بين األربعين ومئة وعشرين ً‬
‫مشو ًه‪ ،‬وعمره أقل من مئة وعشرين ً‬
‫يوما‪ ،‬فهنا ال بأس‬ ‫لوجود حاجة أو مصلحة‪ ،‬إذا أخبراألطباء بأن الجنين سيكون َّ‬
‫ً‬
‫بإسقاطه ألنك في الحقيقة لم تقتل إنسانا إنما أسقطت نطفة أو علقة أو مضغة وال يترتب على هذا أي ش يء آخر‪.‬‬
‫يوما فأكثر‪ ،‬هنا نفخت فيه الروح وأخبراألطباء بأن هذا الجنين سيكون‬ ‫الشكال إذا بلغ عمرالحمل مئة وعشرين ً‬
‫َ‬
‫مشو ًها لو ُولد فهل يجوز إسقاطه أو ال يجوز؟‬ ‫َّ‬
‫ً‬
‫الجواب‪ :‬إذا نفخت فيه الروح فقد أصبح إنسانا؛ ألن النسان مكون من جسد وروح‪ ،‬وإسقاطه بعد مئة وعشرين‬
‫َّ‬
‫المشوه إذا بلغ عمرالحمل مئة‬ ‫يوما هو في الحقيقة قتل لنفس معصومة‪ ،‬وعلى هذا فال يجوز إسقاط الجنين‬ ‫ً‬
‫وعشرين ً‬
‫يوما فأكثر‪.‬‬
‫مشو ًها‪ ،‬كم‬
‫مشو ًها‪ ،‬الله سبحانه وتعالى هو الذي خلقه وهو متكفل برزقه‪ ،‬وربما أنه ال يخرج َّ‬ ‫وأما القول بأنه سيخرج َّ‬
‫مشو ًها أن الله يعوضه بأمور‬
‫مشو ًها‪ ،‬وربما إذا خرج َّ‬ ‫مشو ًها ولم يخرج َّ‬ ‫من الحاالت التي قرر األطباء بأنه سيخرج َّ‬
‫ُ ْ َ ُ َ َّ ُ َ ُ‬ ‫هل ُت ْن َ‬ ‫ً‬
‫بض َعفائك ْم]‪.5‬‬ ‫ص ُرون َوترزقون إال‬ ‫سببا لرزق الوالدين‪ ،‬و[ ْ‬ ‫أخرى قد تكون‬
‫مشوهة‪ ،‬دعها لخالقها حتى وإن كانت‬ ‫لكن ال يجوز االعتداء على النفس المعصومة وقتلها بحجة أنها ستكون َّ‬
‫نفسا معصومة سواء كان‬ ‫يوما ال يجوز السقاط‪ ،‬والذي ُيسقط ويأمربالسقاط قد قتل ً‬ ‫مشوهة‪ ،‬فبعد مئة وعشرين ً‬ ‫َّ‬
‫ممرضا أو حتى الوالدان اللذان يأمران بالسقاط مشتركان في جريمة القتل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫طبيبا أو‬‫ً‬

‫‪ 1‬سورة الحج آية (‪.)٥‬‬


‫‪ 2‬أخرجه مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن مسعود (‪.)١٦٨٣‬‬
‫‪ 3‬المصدر السابق‪.‬‬
‫‪ 4‬المصدر السابق‪.‬‬
‫‪ 5‬أخرجه البخاري في صحيحه من حديث مصعب بن سعد (‪.)١٤٥٦‬‬
‫‪74‬‬
‫لكن ترد عندنا مشكلة أخرى وهي عمرالحمل‪:‬‬
‫اآلن عرفنا أن هذا الحكم الشرعي مرتبط بعمرالحمل‪ ،‬فكيف نحدد عمرالحمل مئة وعشرين ً‬
‫يوما؟؟‬
‫الجواب‪ :‬األطباء هنا يحددون عمرالحمل أول يوم من آخرحيضة‪ ،‬يحسبون عمرالحمل من هذا الوقت‪ ،‬وهذه‬
‫شرعا غيرصحيحة‪.‬‬ ‫الح ْسبة ً‬
‫الحساب الصحيح من حين التقاء الحيوان المنوي بالبويضة هنا يبدأ عمرالحمل‪ ،‬لكن نحن اآلن أمام أمرو اقع‪.‬‬
‫هل يمكن أن يحسب عمرالحمل بالموجات فوق الصوتية؟‬
‫يمكن‪ ،‬لكن الشكال أن الموجات فوق الصوتية مرتبطة بالحاسب المبرمج على حساب الحمل بأول يوم من آخر‬
‫حيضة‪.‬‬
‫أحد األطباء أفادنا بهذه المعلومة ونقلها عن بعض األطباء املختصين‪ ،‬ونحن اآلن نقع في إشكالية كبيرة ‪-‬مع األسف‪-‬‬
‫ألن الطب عندنا نحن المسلمين مرتبط بالطب عند الغرب‪ ،‬والغرب ال يهمه عمر الحمل مئة وعشرين أو مئة وعشرة أو‬
‫مئة وثالثين‪ ،‬ليس عندهم هذه االعتبارات التي عندنا نحن المسلمين‪.‬‬
‫فالشكال اآلن أن األطباء المسلمين ُيقلدون األطباء الغرب في حساب عمرالحمل‪ ،‬يحسبونه من أول يوم من آخر‬
‫حيضة‪ ،‬والمرأة اآلن في حال الحيض فكيف تحسب الحمل؟!! هم لهم فلسفتهم الخاصة بهم لكن من الناحية‬
‫ًّ‬ ‫الشرعية ُي َ‬
‫حسب من حين التقاء الحيوان المنوي بالبويضة‪ ،‬ولذلك ال بد لألطباء المسلمين أن يجدوا حال لهذه‬
‫الشكالية ألنها ترتبط بها أحكام شرعية‪.‬‬
‫حسنا كيف حسبتها مئة وعشرين ً‬ ‫ً‬ ‫لو أتانا شخص وقال عمر الحمل مئة وعشرين ً‬
‫يوما؟ قال‪ :‬أخبرني الطبيب‪،‬‬ ‫يوما‪،‬‬
‫ً‬
‫حسنا كيف حسبها الطبيب؟ نجد أنه حسبها من أول يوم من آخرحيضة‪ ،‬هل هذه حسبة صحيحة؟‬
‫هذه ليست حسبة صحيحة‪ ،‬لكن هم يقولون من أول يوم من آخرحيضة يضاف لها أسبوعان‪ ،‬وهناك فرق من‬
‫يوما وهذه بالنسبة لنا مؤثرة‪ ،‬وقد قلنا مئة وعشرين يوما تنفخ فيه الروح‪ .‬فعندنا هذا‬ ‫أسبوعين إلى خمسة عشر ً‬
‫يوما‪ ،‬فما عندنا اآلن من حساب دقيق لعمرالحمل‪ ،‬ولذلك‬ ‫الفرق يصل من عشرة أيام إلى أسبوعين إلى خمسة عشر ً‬
‫ال بد لألطباء المسلمين أن يسعوا ليجاد حل لهذه الشكالية ألنه اآلن حساب عمرالحمل منقول لنا من الطب الغربي‬
‫وهو ال تهمه هذه القضايا‪ ،‬لكن نحن المسلمين تهمنا كثيرا‪ ،‬وحتى اليوم الواحد مؤثر‪ ،‬يعني المسألة اآلن تقريبية ليس‬
‫عندنا قطع‪ ،‬فيصل للتفاوت إلى أسبوعين ما بين التقديرالطبي والتلقيح‪ ،‬فاألسبوعان مؤثرة في الفتوى‪ ،‬فلذلك‬
‫جميعا ونوص ي األطباء بأن يسعوا ليجاد حل لهذه الشكالية حتى يمكن تحديد عمرالحمل بدقة‪ ،‬ألنها‬ ‫ً‬ ‫نطرحها لكم‬
‫مسألة مهمة يترتب عليها أحكام شرعية ومنها هذه المسألة وهي إسقاط الجنين المشوه‪.‬‬
‫‪-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫(زواج المسيار)‬
‫‪76‬‬
‫مسألة أخرى وهي ما يسمى بزواج المسيار‪ ،‬وهذا المصطلح معروف‪ ،‬زواج المسيار‪ :‬هذا المصطلح معروف في دول‬
‫الخليج‪ ،‬لكن في غيردول الخليج ال يعرفونه‪ ،‬في دول الشام ومصر والمغرب العربي وبقية الدول ال يعرفون زواج‬
‫المسيار‪ ،‬هو موجود عند دول الخليج‪ ،‬وإن كان الفقهاء قد يبحثون مسائل شبيهة به مثل‪ :‬نكاح النهاريات والليليات‪،‬‬
‫ً‬
‫هذا موجود‪ ،‬رجل يتزوج امرأة تعمل خارج منزلها‪ ،‬وترجع إلى زوجها نها ًرا‪ ،‬أو العكس مثال‪.‬‬

‫وزواج ما يسمى بزواج المسيارهو نكاح مكتمل األركان والشروط‪ ،‬ونكاح بـ(ولي وشاهدين و إيجاب وقبول)؛ مكتمل‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫األركان والشروط‪ ،‬لكن يتفاهم الزوج مع الزوجة على أن تسقط عنه بعض حقوقها‪ ،‬فتسقط عنه النفقة‪ ،‬وتسقط‬
‫ً‬
‫عنه مثال المبيت‪ ،‬وربما يتفاهم معها على تأخيرالنجاب‪.‬‬

‫ما حكم هذا الزواج؟‬


‫ً‬
‫ُبحث هذا في املجمع الفقهي لرابطة العالم السالمي‪ ،1‬كنت معهم مشاركا في البحث‪ ،‬الحقيقة أننا أمام زواج مكتمل‬
‫ً‬
‫اجتماعيا‬ ‫األركان والشروط ال نستطيع أن نبطله‪ ،‬لكنه ليس هو الزواج المثالي المنشود‪ ،‬هو زواج قد يكون غيرالئق‬
‫عند بعض الناس‪ ،‬لكنه من الناحية الشرعية مكتمل األركان والشروط‪ :‬هو بولي وشاهدين و إيجاب وقبول‪ ،‬فهو من‬
‫اجتماعيا عند بعض الناس‪ ،‬وهناك بعض األنكحة الصحيحة ً‬
‫شرعا‬ ‫ً‬ ‫الناحية الشرعية زواج صحيح‪ ،‬لكنه غيرالئق‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وغيرالئق اجتماعيا‪ ،‬أرأيت مثال‪ :‬زواج الرجل بخادمته‪ ،‬أو زواج المرأة بالسائق‪ ،‬هو من الناحية الشرعية إذا اكتمل‬
‫ً‬
‫اجتماعيا ال‬ ‫ً‬
‫اجتماعيا غيرالئق‪ ،‬وكونه غيرالئق‬ ‫الشروط‪ ،‬وكان بولي وشهود و إيجاب وقبول صحيح ً‬
‫شرعا‪ ،‬لكنه‬
‫يجعلنا نقول أنه غيرصحيح ً‬
‫شرعا‪.‬‬
‫ً‬
‫هكذا أيضا بالنسبة لما يسمى بزواج المسيار‪ ،‬وقد يصلح لشريحة من املجتمع قد تكون المرأة مثال مطلقة أو أرملة‬
‫زوجا يتردد عليها في بيتها مع أوالدها يكون ً‬
‫زوجا لها‪ ،‬وتتنازل عن بعض‬ ‫وعندها أوالدها وال تريد أن تترك أوالدها‪ ،‬وتريد ً‬
‫حقوقها في المبيت ونحو ذلك‪ ،‬فهو يحقق مصلحة لها من جهة إعفافها ووجود زوج لها يتردد عليها من حين آلخر‪،‬‬

‫‪ 1‬وقد صدر قرار مجلس المجمع الفقهي الإسلامي برابْة العالم الإسلامي في دورته الثامنة عشــرة المنعقــدة بمكة المكرمة في الفترة من ‪1724/0/17-13‬هـ الذي‬
‫يــوافقه ‪2330/7/12-6‬م بشأن‪( :‬عقود النكاح المستحدثة)‪ ،‬ونص القرار‪:‬‬
‫[يؤكد المجمع أن عقود الزواج المستحدثة وإن اختلفت أسماؤها‪ ،‬وأوصافها‪ ،‬وصورها‪ ،‬لا بد أن تخضع لقواعد الشريعة المقررة وضوابْها‪ ،‬من توافر الأركان‪،‬‬
‫والشروط‪ ،‬وانتفاء الموانع‪.‬‬
‫وقد أحدث الناس في عصرنا الحاضر بعض تلك العقود المبينة أحكامها فيما يأتي‪:‬‬
‫‪ -1‬إبرام عقد زواج تتنازل فيه المرأة عن السكن والنفقة وال َقسْم أو بعض منها‪ ،‬وترضى بأن يأتي الرجل إلى دارها في أي وقت شاء من ليل أو نهار‪.‬‬
‫ويتناول ذلك أيضًا إبرام عقد زواج على أن تظل الفتاة في بيت أهلها‪ ،‬ثم يلتقيان متى رغبا في بيت أهلها أو في أي مكان آخر‪ ،‬حيث لا يتوافر سكن لهما ولا نفقة‪.‬‬
‫هذان العقدان وأمثالهما صحيحان إذا توافرت فيهما أركان الزواج وشروطه وخلوه من الموانع‪ ،‬ولكن ذلك خلاف الأولى‪.‬‬
‫‪ -2‬الزواج المؤقت بالإنجاب وهو عقد مكتمل الأركان والشروط إلا أن أحد العاقدين يشترط في العقد أنه إذا أنجبت المرأة فلا نكاح بينهما‪ ،‬أو أن يْلقها‪.‬‬
‫وهذا الزواج فاسد لوجود معنى المتعة فيه؛ لأن التوقيت بمدة معلومة كشهر أو مجهولة كالإنجاب يصيره متعة‪ ،‬ونكاح المتعة مجمع على تحريمه‪.‬‬
‫‪ -0‬الزواج بنية الْلاق وهو زواج توافرت فيه أركان النكاح وشروطه وأضمر الزوج في نفسه طلاق المرأة بعد مدة معلومة كعشرة أيام‪ ،‬أو مجهولة ؛ كتعليق الزواج‬
‫على إتمام دراسته أو تحقيق الغرض الذي قدم من أجله‪.‬‬
‫وهذا النوع من النكاح على الرغم من أن جماعة من العلماء أجازوه‪ ،‬إلا أن المجمع يرى منعه؛ لاشتماله على الغش والتدليس‪ .‬إذ لو علمت المرأة أو وليها بذلك لم يقبلا‬
‫هذا العقد‪ .‬ولأنه يؤدي إلى مفاسد عظيمة وأضرار جسيمة تسيء إلى سمعة المسلمين‪].‬‬

‫‪72‬‬
‫ويحقق مصلحة للزوج من جهة ً‬
‫أيضا إعفافه وأن له زوجة يتردد عليها من غيرأن تشترط عليه المبيت‪ ،‬ففيه مصلحة‬
‫للطرفين‪.‬‬

‫فإذا حصل التراض ي فال مانع‪ ،‬وأما قول بعض الناس أن زواج المسياريجعل المرأة كالسلعة الممتهنة التي يتزوج بها‬
‫الرجل ألجل المتعة‪ ،‬وأن هذا ال يليق‪ ،‬وفيه امتهان لكرامة المرأة فنقول‪ :‬نحن نشترط رضا المرأة‪ ،‬هذا الكالم إنما‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫صحيحا لو أن المرأة أجبرت عليه‪ ،‬لكن يشترط رضا المرأة‪ ،‬فإذا رضيت المرأة بهذا هل تكون لكم وصاية على‬ ‫يكون‬
‫المرأة؟ وأن هذا الزواج ال يصح لها؟!! فهي قد رضيت به‪ ،‬ظروفها ال تساعدها في أن تقبل بالزواج المعتاد‪ ،‬ظروفها‬
‫تجعلها ال تقبل إال بهذا النوع من الزواج‪ ،‬كما ذكرنا أرملة أو مطلقة عندها أوالدها تريد أن تبقى لتربية أوالدها‪ ،‬وتقبل‬
‫بزوج يتردد عليها من وقت آلخر‪ ،‬هي ترض ى بهذا‪ ،‬فليس فيه امتهان لكرامة المرأة‪ ،‬إنما االمتهان لكرامة المرأة لو أن‬
‫ُ‬
‫المرأة أجبرت على ذلك‪ ،‬لكن أول شرط رضا المرأة بهذا الزواج‪ ،‬فإذا حصل‪ :‬التراض ي من الزوجين‪ ،‬وحصلت‬
‫الشروط‪ ،‬وحصلت األركان والشروط فما المانع من هذا الزواج! هو جائز ً‬
‫شرعا‪.‬‬

‫مناف‬
‫لكن هناك بعض الشروط التي ال تصح منها‪ :‬شرط عدم النجاب‪ ،‬هذا الشرط غيرصحيح حتى لو كتب‪ ،‬ألنه ٍ‬
‫أيضا شرط‬‫لمقتض ى عقد النكاح‪ ،‬لكنه ال يؤثرعلى صحة النكاح‪ ،‬لكن الشرط نفسه غير صحيح‪ .‬وشرط عدم النفقة ً‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫مناف لمقتض ى عقد النكاح‪ .‬وهذه يمكن أن ال تجعل شروطا و إنما تكون بالتفاهم بين الزوجين‪ ،‬لكن‬‫غيرصحيح ألنه ٍ‬
‫ً‬
‫ال تجعل شروطا‪ .‬ألنها شروط غيرصحيحة‪ ،‬لكن تكون بالتفاهم‪:‬‬
‫يتفاهم الزوج مع الزوجة يقول‪ :‬أرغب في تأخيرالنجاب أو ال أريد النجاب في هذا الوقت‪ ،‬أوال أريد أن تعفيني من‬
‫ً‬
‫النفقة ونحو ذلك‪ .‬إذا كان بالتفاهم بين الزوجين ال حرج‪ ،‬لكن أن يجعل شرطا فهذا الشرط غير صحيح‪ ،‬لكنه ال يؤثر‬
‫على صحة عقد النكاح‪.‬‬

‫والضجة التي أثيرت في بعض الصحف أثيرت من جهة أن بعض الناس صوروا هذا النكاح بغيرصورته الحقيقية‪،‬‬
‫قالوا إن فيه امتهان لكرامة المرأة‪ ،‬وفيه إرضاء لمتع الزوج وغرائزه‪ ،‬لكن هذا إنما يكون لو كانت المرأة مجبرة‪ ،‬نحن‬
‫اآلن نشترط رضا المرأة‪ ،‬فال حرج فيه من الناحية الشرعية‪.‬‬

‫الشكال الحقيقة في تسميته بـ"المسيار"‪ ،‬وحتى املجمع في قراره ما سماه بالمسيار‪ ،‬لكن الناس هم الذين تعارفوا على‬
‫تسميته بالمسيار‪ ،‬وبعض الر افضة‪ ،‬يقولون‪ :‬عندكم أنتم يا أهل السنة ش يء يشبه نكاح المتعة عندنا وهو زواج‬
‫المسيار‪ ،‬هذا غير صحيح‪ ،‬نكاح المتعة محرم ونكاح المتعة‪ :‬أن يتمتع الرجل بالمرأة مدة معينة ثم يطلقها‪ ،‬هذا ال‬
‫يجوز‪ ،‬واستقرإجماع أهل السنة والجماعة على تحريمه‪ .‬أما نكاح المسيارهو نكاح بولي وشاهدين و إيجاب وقبول‬
‫ً‬
‫نكاح مكتمل األركان والشروط ومؤبد ‪-‬ليس مؤقتا‪ ،-‬فهناك فرق بينه وبين نكاح المتعة‪.‬‬

‫هناك ما يسمى بنكاح األصدقاء‪ ،‬وهو شبيه بزواج المسيارلكن على الطريقة األوروبية‪ ،‬هو زواج مسيارعلى الطريقة‬
‫ً‬
‫األوروبية‪ ،‬تعرفون أنه في أوروبا تكاليف المعيشة باهظة واليجارعندهم مرتفع والشاب ال يستطيع أن يوفرمسكنا‬
‫للزوجة‪ ،‬فيتعرف هذا الشاب على فتاة‪ ،‬هو مسلم وهي مسلمة‪ ،‬ويقولون بدل ما تبقى هذه العالقة محرمة‪ ،‬يعقد‬

‫‪53‬‬
‫الزوج على هذه المرأة بعقد مكتمل األركان والشروط‪ :‬ولي وشاهدين ومهرو إيجاب وقبول‪ ،‬لكن ال يكون للزوجة‬
‫مسكن‪ ،‬ويكون غيرملزم بالمبيت و إنما يأخذها كالصديق‪ ،‬يأخذها معه للفندق‪ ،‬للمطعم‪ ،‬ألي مكان وترجع لبيت‬
‫أهلها‪ ،‬فهو كزواج المسيار لكن بالطريقة األوروبية‪.‬‬
‫فهذا الزواج ً‬
‫أيضا نقول فيه كما قلنا في نكاح المسيار‪ :‬أي أنه ال بأس به من الناحية الشرعية‪ ،‬وإن كان من الناحية‬
‫االجتماعية قد يكون غيرالئق لدى بعض الناس‪ ،‬لكنه من الناحية الشرعية ما دام مكتمل األركان والشروط فال بأس‬
‫به‪ ،‬وبدل ما تكون عالقة بين هذا الشاب والشابة عالقة غيرشرعية ُت َّ‬
‫حول إلى عالقة شرعية‪ ،‬بدل ما يمش ي معها‬
‫ويذهب معها كصديق يذهب معها كزوج‪ ،‬وهذا يحتاج له المسلمون في أوروبا‪ ،‬وفي بعض البلدان التي فيها أقليات‬
‫إسالمية‪.‬‬

‫‪--------------------------------------------------‬‬

‫(النكاح بنية الطالق)‬


‫هذا ذكرناه ً‬
‫عرضا وإال فهو ليس نازلة‪ ،‬هو مذكور‪ ،‬ذكره الفقهاء السابقون‪ ،‬والخالف فيه معروف بين أهل العلم‪،‬‬
‫فمنهم من أجازه وقال‪ :‬إن النية ال تؤثرعلى صحة النكاح‪ ،‬ومنهم من منع منه‪.‬‬
‫أيضا مكتمل األركان والشروط‪ :‬ويتم بولي وشاهدين ومهرو إيجاب وقبول‪ ،‬مكتمل األركان‬ ‫والحقيقة أنه هو نكاح ً‬
‫ً‬
‫والشروط لكن ينوي الرجل أن يطلق هذه المرأة بعد مدة معينة كمبتعث مثال للدراسة أو للعمل يقول‪ :‬أريد أن أتزوج‬
‫من هذه المرأة مدة ثم إذا أردت أن أرجع إلى بلدي طلقتها‪.‬‬

‫فمن أهل العلم من أجازه‪ ،‬و ابن قدامة في [المغني] نسبه ألكثرأهل العلم‪ ،1‬ومن أبرز من أجازه من العلماء‬
‫المعاصرين سماحة شيخنا عبد العزيزبن بازرحمه الله‪ ،2‬وقالوا إنه مكتمل األركان والشروط‪ ،‬النية غيرمؤثرة‪،‬‬
‫وروجع الشيخ عبد العزيز في هذه المسألة مرا ًرا وقال‪ :‬إن الرجل قد يتزوج بنية الطالق‪ ،‬ثم يرغب في المرأة فال يطلقها‪.‬‬
‫والقول الثاني‪ :‬أنه ال يجوز‪ ،‬وهذا هو الذي أقره املجمع الفقهي السالمي‪ ،3‬وأظن الشيخ محمد بن عثيمين رجحه‬
‫ً‬ ‫حمه الله ً‬
‫أيضا‪ ،‬وجمع من أهل العلم‪ .‬وجد أصحاب هذا القول أن فيه غشا‪ ،‬ووجه الغش‪ :‬أن هذه المرأة لو علمت‬ ‫ر‬
‫بأن هذا الزوج سيطلقها أو علم بذلك وليها لم يرضوا‪ ،‬فإن أي عاقل يعلم بأن الزوج يتزوج موليته وهو سيطلقها بعد‬
‫مدة ال يرض ى بذلك‪ ،‬فإن علم ورض ي فقد أصبح نكاح متعة‪ ،‬وهذا يحصل في بعض البلدان‪ ،‬يعرفون بأن الزوج‬
‫سيتزوج شهرا ثم يطلقها‪ ،‬هذا اآلن تحول إلى نكاح متعة بهذا العرف والموجود‪ ،‬فنقول‪ :‬ال يخلو‪ :‬إما أن تعلم الزوجة‬

‫‪ 1‬المغني (‪.)٢٢٥ / ٢‬‬

‫‪ 2‬مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز‪.)20 /7( :‬‬

‫‪ 3‬قرارات المجمع الفقهي الإسلامي برابْة العالم الإسلامي في دورته الثامنة عشــرة المنعقــدة بمكة المكرمة في الفترة من ‪1724/0/17-13‬هـ الذي يــوافقه ‪-6‬‬
‫‪2330/7/12‬م بشأن‪( :‬عقود النكاح المستحدثة)‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫ووليها بأنه سيطلقها أو ال‪ ،‬فإن علمت أنه سيطلق فإن هذا أصبح نكاح متعة ومحرم‪ ،‬وإن لم تعلم بأنه سيطلق فإن‬
‫ً‬
‫هذا يعتبرغشا‪.‬‬

‫كان الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله‪ 1‬يقول‪ :‬لوال الغش لقلت بالجواز‪ ،‬وهو كذلك ليس فيه إشكالية إال الغش‪.‬‬
‫ثم إن هذا النوع من النكاح قد ُأس يء استخدامه‪ ،‬فبعض الناس يذهب إلى بعض الدول الفقيرة ويتزوج ً‬
‫عددا من‬
‫النساء‪ ،‬يتزوج ويطلق‪ ،‬يتزوج ويطلق‪ ،‬بل ذكرأحد المشايخ في أثناء مناقشة هذا الموضوع في املجمع الفقهي يقول‪:‬‬
‫ً‬
‫إن رجال في سنة واحدة تزوج ثالثين امرأة‪ ،‬حتى العدد يمكن اآلن ما يضبطه ثالثين امرأة‪ ،‬لو حسبتها على أيام السنة ما‬
‫تأتي‪ ،‬لكنهم يتساهلون في مسألة العدة فقد أس يء استخدامه‪.‬‬
‫أيضا من فقهاء املجمع يقول‪ :‬كنت أجيزه‪ ،‬فذهبت إلى إحدى البلدان واستقبلني أناس في المطار‬ ‫وأحد المشايخ ً‬
‫وقالوا‪ :‬ماذا تريد؟ هذا اللون أحمريعني زنا‪ ،‬وهذا أخضرزواج دائم‪ ،‬وهذا لون أصفرزواج بنية الطالق‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫فأصبح عبث‪ ،‬يقول‪ :‬فتراجعت عن قولي بجوازالنكاح بنية الطالق‪ ،‬وأصبحت أفتي بعدم جوازه‪ ،‬ألنه أس يء‬
‫استخدامه‪.‬‬
‫والذين أجازوه من الفقهاء السابقين مثل الشيخ ابن بازرحمه الله؛ أجازوه لرجل ذهب لبلد غربة‪ ،‬مثل‪ :‬إنسان ذهب‬
‫لتجارة أو لدراسة ويبقى سنين ويريد أن يعف نفسه‪ ،‬فنقول‪ :‬إن هذه المرأة إذا بقيت معه سنين ربما يرغب فيها‪ ،‬هذه‬
‫وجهتهم‪.‬‬
‫ولم يجيزوا الزواج بهذا العبث الذي نسمع به اآلن‪ :‬يذهب إنسان لبالد فقيرة ويتزوج ً‬
‫عددا من النساء‪ ،‬يتزوج ويطلق‪،‬‬
‫يتزوج ويطلق‪ ،‬مثل هذا أشبه بالعبث‪ ،‬هذا ال يجوز‪.‬‬
‫ولذلك فنقول ‪ :‬القول الراجح أن النكاح بنية الطالق أنه ال يجوز ألجل ما فيه من الغش‪.‬‬
‫‪--------------------------------------------------‬‬

‫إجابات عن بعض األسئلة‬

‫س‪ :‬الشركة املختصة في صناعة العطور لها طريقة تتميزبها‪ ،‬هل يجوز للشركة أن تكشف عن هذا الطريقة‪ ،‬وتصنع‬
‫مثل هذه العطور باسم يشبه اسم العطرالذي قامت به الشركة األولى؟‬
‫ج‪ :‬على كل حال فإن الشركة األولى ليس لها الحق أن تمنع غيرها كونها ابتكرت هذا الش يء‪ ،‬واستطاعت الشركة‬
‫الثانية أن تعرف هذا السروتقوم بتصنيع مثله فيظهرأن األصل في هذا الباحة إال إذا كان هناك تسجيل عالمة‬
‫تجارية لحقوق اختراع‪ ،‬فتحترم وفق األنظمة في هذا‪.‬‬

‫‪ 1‬فتاوى نور على الدرب الشريط رقم ‪ ،١٢٠‬من موقع الشيخ رحمه الله‪.‬‬
‫‪52‬‬
‫س‪ :‬هل الرجل يذكرالله جل وعال أثناء ما بين الرجل وأهله‪ ،‬وإن كان في دورة المياه هل يذكرالله في قلبه؟‬
‫َ ََْ‬ ‫َّ َ َ‬ ‫ان َ‬‫َّ ُ َّ َ ْ َ َّ ْ َ َ‬ ‫ْ َّ‬
‫وجنب الش ْيطان ما َرزقتنا]‪1‬هذا هو الذكرالوارد‪ ،‬وأما‬ ‫بسم الله‪ ،‬اللهم جنبنا الشيط‬ ‫ج‪ :‬الذكرالوارد هو أن يقول‪[ :‬‬
‫الذكرفي دورات المياه فال يذكرالله تعالى إال في قلبه فقط‪.‬‬

‫س‪ :‬إذا كان الرجل لديه بنات كثر‪ ،‬هل يجوز له تحديد الجنس؟‬
‫ج‪:‬ال يجوز إال في الطرق العالجية فقط‪ ،‬حتى وإن رزق ببنات فإن النسان ال يدري أين يكون الخير؟ كم من بنت خير‬
‫ً‬
‫حجابا له من النار‪.2‬‬ ‫من عشرات الرجال‪ ،‬ثم ً‬
‫أيضا ورد الفضل في حق من رزق ببنات وصبرعليهن‪ ،‬وأنهن يكن‬

‫س‪ :‬طبيب في كلية الفنون التطبيقية أجبره أستاذه على رسم صورة من الفن وفيها بعض الصلبان‪ ،‬فما حكم فعل‬
‫هذا الطالب؟ عند الرفض يتم رسوب الطالب‪.‬‬
‫ج‪ :‬األصل أن هذا ال يجوز إذا كان فيه صور ذوات أرواح‪ ،‬أما إذا كان صورة فيها صليب وستمسح‪ ،‬وهو مضطرلهذا‬
‫ويخش ى من الرسوب فأرجو أن ال يكون في هذا بأس إن شاء الله‪.‬‬

‫س‪ :‬ماحكم أخذ خلية من جسم الزوج وتطويرها وحقن البويضة؟‬


‫ً‬
‫محتاجا لذلك لكونه لم يرزق بذرية فال بأس بهذا كما ذكرنا‪ ،‬أما‬ ‫ج‪ :‬إذا كان في حدود الزوجين ما بين الزوجين‪ ،‬وكان‬
‫ألجل الترفه فقط وهو عنده أوالد فهذا ال يجوز؛ ألنه يترتب على ذلك كشف عورات‪ ،‬ويترتب على ذلك أمور أخرى‪.‬‬

‫س‪ :‬ما حكم استئجاررحم امرأة ونقل بويضة ملقحة إلى رحم امر ٍأة أخرى لتحمل بالنيابة عن األم؟‬
‫ج‪ :‬هذا ال يجوز‪ ،‬هذا موجود عند الغرب‪ ،‬لم أذكرهذه المسألة لوضوحها؛ ألن الحكم الشرعي و ٌ‬
‫اضح فيها‪ .‬فكيف‬
‫يجعل ماء رجل في رحم امرأة أجنبية!‪ ،‬هذا هو الزنا‪ ،‬هذا ال يجوز‪.‬‬
‫ال يجوز هذا العمل‪ ،‬إنما الذي أجازه فقهاء العصر‪ :‬إذا كان عند الرجل زوجتان وأراد أن ينقل بويضة امرأة إلى رحم‬
‫زوجته الثانية‪ ،‬ورضيت بذلك الزوجتان‪ ،‬وكان التلقيح من مائه‪ ،‬هذا ال بأس به‪ ،‬لكن من األم اآلن؟ األم لهذا الجنين‬
‫من هي؟ هل هي صاحبة البويضة أو التي حملت به؟‬
‫هذي عرضت لي المسألة قبل مدة‪ .‬الحقيقة المسألة مشكلة‪ُ ،‬أم هذا الطفل من هي؟‬
‫نعم؟ هل هي صاحبة البويضة؟ أم التي حملت به تسعة أشهر؟!!!‬

‫أخرجه البخاري في صحيحه من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما (‪.)٣١٢٢‬‬ ‫‪1‬‬

‫ت َفصَبَرَ عليهِنَ؛ كُنَ ل ُه حِجابًا مِنَ النارِ) الذي أخرجه البخاري (‪ ،)1716‬ومسلم‬
‫ي بِشي ٍء مِنَ البَنا ِ‬
‫‪ 2‬يشير الشيخ إلى حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها‪( :‬مَنِ ابْتُِل َ‬
‫(‪ ،)2022‬والترمذي (‪ )1210‬واللفظ له‪ ،‬وأحمد (‪.)27355‬‬

‫‪50‬‬
‫‪---------------------------------------------------------------------------------------------- -------------------------------------------‬‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه و اتبع سنته إلى يوم‬
‫الدين‪ .‬أما بعد‪:‬‬
‫فنواصل الحديث عن النوازل‪ ،‬وال زلنا في النوازل في فقه األسرة‪.‬‬
‫‪--------------------------------------------------‬‬
‫ُ‬
‫)تجميد النطف(‬
‫هناك ما يسمى بتجميد النطف‪ ،‬وتجميد النطف معناه‪ :‬أن الحيوان المنوي يجمد تحت درجة برودة عالية تصل إلى‬
‫(‪ )١٨٩‬درجة تحت الصفر‪ ،‬وقد تصل إلى (‪ )٤٩٩‬أو أكثر‪ ،‬وهذا التجميد يحفظ خصائص الحيوان المنوي‪.‬‬
‫يحتاج إلى تجميد النطف من الذين ُيبتلون بأمراض مستعصية‪ ،‬مثل من يبتلى بالسرطان ‪-‬عافانا الله و إياكم‪ -‬وهو ال‬
‫شابا‪ ،‬ويرغب في تجميد نطفه؛ ألنه إذا استخدم الكيماوي فإنه يصبح غيرقادرعلى النجاب؛ ألن الحيوانات‬ ‫يزال ًّ‬
‫ُ‬
‫المنوية لديه تموت‪ ،‬فيريد قبل أن يستخدم الكيماوي في عالج السرطان يريد أن تجمد نطفه‪ ،‬ثم تنقل بعد ذلك إلى‬
‫زوجته‪ ،‬ويرزق بذرية من مائه هو‪.‬‬
‫طبعا إذا كان بين غيرالزوجين فإنه ال يجوز‪ ،‬هذا محرم بالجماع‪ ،‬وال إشكال في تحريمه‪ ،‬لكن ً‬
‫أيضا إذا‬ ‫هذا الموضوع ً‬
‫ً‬
‫كان بين الزوجين من غيرحاجة فإنه ال يجوز؛ لما يترتب عليه من محاذيرشرعية من خشية اختالط األنساب‪ ،‬و أيضا‬
‫من كشف العورات وغيرذلك‪.‬‬
‫مستعص‪ ،‬ويريد تجميد نطفه ألنه عند العالج قد‬ ‫ٍ‬ ‫لكن إذا قامت الحاجة لهذا األمرمثل ما ذكرت‪ :‬إنسان ابتلي بمرض‬
‫يؤثرهذا العالج على النجاب لديه‪.‬‬
‫ً‬
‫بنكا ًّ‬
‫خاصا بي‪ ،‬وينقل لزوجتي‪ ،‬وأرزق بذلك بذرية‪ ،‬فال أحرم من الذرية‪.‬‬ ‫فيقول‪ :‬أنا أريد أن أجعل لي‬
‫خش اختالط األنساب‪ ،‬أو‬ ‫خاصا بالزوج والزوجة‪ ،‬ولم ُي َ‬
‫الذي يظهرأن هذا األمرإذا تم تحت رقابة صارمة‪ ،‬وكان ًّ‬
‫انتقال هذا المني أو الماء إلى غيرالزوجة‪ ،‬أنه ال حرج فيه إن شاء الله؛ ألنه أخذ من مائه ولقح به زوجته‪ ،‬كما قلنا في‬
‫طفل األنابيب‪ ،‬وقد عرضت وزارة الصحة على هيئة كبارالعلماء أن تجعل هذا لدينا في المملكة‪ ،‬ولكن كثيرمن‬
‫المشايخ في الهيئة تحفظوا على هذا الموضوع‪ ،‬وقالوا‪ :‬نخش ى أن يترتب عليه بعض األمور‪ ،‬ولذلك لم ُيقر‪.‬‬
‫لكنه موجود بكثرة في الغرب‪ ،‬فمن حيث الحكم الشرعي الذي يظهر‪ :‬أنه إذا كان تحت رقابة صارمة‪ ،‬ولم يتطرق إليه‬
‫ُ‬
‫الشك وال بنسبة (‪ ،)%١‬وأن هذه الحيوانات المنوية ستنقل للزوجة مباشرة فإن هذا ال حرج فيه إن شاء الله؛ ألن‬
‫ُ‬
‫هذا النسان اآلن ابتلي بهذا المرض‪ ،‬فلماذا نجمع عليه مصيبتين؟ المرض‪ ،‬والحرمان من الذرية‪ ،‬وبالمكان أن تحقن‬

‫‪57‬‬
‫زوجته من مائه‪ ،‬ولكن مع التشديد في الصرامة في حفظ هذا الماء‪ ،‬يفترض أن يكون هذا تحت رعاية مؤسسات‬
‫موثوقة‪ ،‬أو رعاية دول ونحو ذلك‪ ،‬حتى ال يكون هناك مجال الختالط األنساب ونحو هذا‪.‬‬
‫‪--------------------------------------------------‬‬
‫)البصمة الور اثية(‬
‫ننتقل لنازلة أخرى وهي البصمة الور اثية‪ :‬البصمة الور اثية وتسمى‪ :‬بالحمض النووي‪ ،‬ومعناها ‪-‬معنى هذه البصمة‪-‬‬
‫هي البنية الجينية‪ ،‬والجينات هي‪ :‬المورثات التي تدل على هوية كل إنسان بعينه‪ُ ،‬ويرمزللمادة المورثة الموجودة في‬
‫الخاليا ب ـ(‪ ،)DNA‬بعضهم ُيسميها ال (‪ ،)DNA‬بعضهم يسميها بالبصمة الور اثية‪ ،‬بعضهم يسميها بالحمض النووي‪،‬‬
‫لمسمى واحد‪ ،‬فتعني المادة المورثة الموجودة في خاليا جميع الكائنات الحية‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫كلها أسماء‬
‫وهذه الجينات أو المورثات الحية هي األحماض األمينية الموجودة لدى كل إنسان‪ ،‬فإنه في داخل النواة التي تستقرفي‬
‫خلية النسان يوجد فيها (‪ )٤١‬من الصبغات التي تسمى‪ :‬بالكروموسومات‪ ،‬وهذه الكروموسومات تتكون من المادة‬
‫الور اثية التي تسمى بالحمض النووي‪ ،‬وكل واحد من هذه الكروموسومات يحتوي على عدد كبيرمن الجينات‬
‫الور اثية‪ ،‬وقد تبلغ في الخلية الواحدة مائة ألف (‪ )١٩٩.٩٩٩‬مورث جيني أو أكثر‪ ،‬وهذه المورثات الجينية هي التي‬
‫تتحكم في صفات النسان والطريقة التي يعمل بها‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫و أثبت الطب الحديث أن كل إنسان يمتلك جينوما خاصا به دونما سواه‪ ،‬ال يمكن أن يتشابه مع غيره كبصمات‬
‫ً‬
‫األصابع‪ ،‬بحيث ال تتطابق الصفات الجينية بين شخص وآخرأبدا‪.‬‬
‫ً‬
‫ولهذا جرى إطالق عبارة (بصمة ور اثية) للداللة على تثبيت هوية الشخص أخذا من عينة الحمض النووي الذي‬
‫يحمله النسان عن أبيه وأمه‪ ،‬فإن كل شخص يحمل في خليته الجينية (‪ )٤١‬من صبغات الكروموسومات‪ ،‬يرث‬
‫ً‬
‫كروموسوما من أمه‪.‬‬ ‫ً‬
‫كروموسوما من أبيه و (‪)٤١‬‬ ‫نصفها (‪)٤١‬‬
‫فمجموعهما‪ )٤١ + ٤١( :‬ينتج كروموسومات خاصة به ال تتطابق مع كروموسومات أبيه وال مع كروموسومات أمه‪.‬‬
‫وقد أصبح ُيستفاد من هذه البصمة في الوقت الحاضر‪ُ ،‬يستفاد منها في مجاالت عديدة كما في إثبات النسب‪ ،‬ونتيجة‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫إثبات النسب فيها قطعية أو شبه قطعية‪ ،‬فيمكن إذا أخذ الحمض النووي من شخص‪ ،‬وأخذ من أبيه ُيعرف بشكل‬
‫ً‬
‫قاطع هل هو أبوه فعال أم ال!‪.‬‬
‫ً‬
‫ُويستفاد منها في الجرائم الجنائية التي تحتاج لتحديد الهوية‪ ،‬فإذا وجد مثال شخص في جريمة وأريد معرفة هويته‬
‫ً‬
‫ُيؤخذ الحمض النووي‪ُ ،‬ويعرف هل هو فالن فعال أم ال؟!‪.‬‬
‫ً‬
‫وكذلك ُيستفاد منها أيضا عند اشتباه المواليد في المستشفيات وغيرها‪ ،‬وعند االختالف في دعوى النسب‪ ،‬فأصبحت‬
‫هذه البصمة ُيستفاد منها في أمور كثيرة‪.‬‬
‫فنحن اآلن أمام هذا الو اقع فما أثرهذه البصمة في األحكام الشرعية؟‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬من جهة إثبات النسب فيمكن أن ُيستفاد منها عند التنازع‪ ،‬لكن ال يعتمد عليها في نفي النسب‪.‬‬
‫الطريق الوحيد لنفي النسب هو "اللعان"‪ ،‬وما عاداه ال يعتمد عليه حتى الحمض النووي‪ ،‬لماذا؟‬
‫ألن هذه كلها تبقى قرائن‪ ،‬وألن الشبه الذي يكاد يصل لدرجة القطع في عهد النبي عليه الصالة والسالم لم يعتبره‪،‬‬
‫فإنه في قصة [هالل بن أمية لما العن امرأته قال النبي ﷺ‪" :‬أبصروها فإن جاءت به كذا وكذا وكذا فهو لشريك ابن‬

‫‪55‬‬
‫مطابقا للوصف الذي ذكره النبي عليه الصالة والسالم ً‬ ‫ً‬
‫تماما]‪ ،1‬لكن هل ألحقها‬ ‫سحماء الذي ُرم َي بالزنا"‪ ،‬فأتت به‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬
‫النبي عليه الصالة والسالم به؟ أبدا‪ .‬قال‪" :‬هو لك يا هالل إال أن تالعن"‪ ،‬فالعن هالل ونفى النسب‪.‬‬
‫لما ذكرالنبي عليه الصالة والسالم هذه الصفات (خدلج الساقين‪...‬إلى آخرما ذكر) هذه قريبة من القطع‪ ،‬انظروا!‬
‫فإن أتت به كذا وكذا وكذا فهو لهالل‪ ،‬فأتت به على الوصف المذكور لكن النبي ﷺ لم يعتبرذلك‪ ،‬إنما جعل المعتبر‬
‫في نفي النسب هو (اللعان)‪.‬‬
‫فإذا شك رجل في نسب ولده من ابن أو بنت‪ ،‬ثم أجرى الحمض النووي‪ ،‬وقال‪ :‬هذا ليس مني‪ ،‬فنقول‪ُ :‬ينسب لك‪ ،‬وإذا‬
‫أيضا فيه معنى آخروهو أنه يلعن نفسه أربع مرات‪ ،‬يعني هذا‬ ‫أ دت أن ينفى عنك العن‪ ،‬ال بد من اللعان؛ ألن اللعان ً‬
‫ر‬
‫ليس باألمرالهين‪ ،‬يشهد بالله أربع مرات إنه لمن الصادقين‪ ،‬والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ‪ ،‬هذا‬
‫ليس باألمرالهين لن يقدم عليه إال وهو متحقق في الغالب من ص ْدق نفسه‪.‬‬
‫ً‬
‫إذا الطريق الوحيد لنفي النسب هو اللعان‪ ،‬ليس هناك طريق آخر‪ ،‬فال يعتمد على البصمة الور اثية في (نفي‬
‫النسب)‪.‬‬

‫أما في حالة (إثبات النسب) فيمكن أن ُيعتمد عليه في ذلك‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫جرى الحمض النووي‪ ،‬فمن أثبت الحمض‬ ‫في َ‬‫‪ ‬حاالت التنازع على مجهول النسب‪ ،‬فإذا تنازع اثنان في نسب مولود ُ‬
‫النووي أنه ابنه ُي َ‬
‫لحق به‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ ‬وفي حالة اشتباه المواليد في المستشفيات أيضا ُيعتمد على الحمض النووي في إثبات النسب هنا‪ ،‬وفي حال‬
‫ضياع األطفال واختالطهم‪ ،‬وتعذرمعرفة أهلهم فيمكن أن ُيستفاد من الحمض النووي في إثبات النسب ال في‬
‫نفيه‪.‬‬

‫وينبغي أن يكون استعمال الحمض النووي في الحاالت الضيقة‪ :‬إما في الجرائم الجنائية‪ ،‬أو في حاالت إثبات النسب‬
‫خاصة في حاالت االشتباه‪ ،‬لكن ال يتوسع في ذلك‪ ،‬وأن يحاط بقدركبيرمن السرية ومن الصرامة‪.‬‬
‫صدرعندنا في المملكة تنظيم من مجلس الوزراء بأنه ال تقوم مستشفيات بإثبات الحمض النووي إال بأمر قضائي أو‬
‫من الجهات األمنية عندما تحتاج إلى ذلك؛ ألن بعض الناس عندهم وسوسة‪ ،‬يشك في أوالده‪ ،‬هل هم أوالدي أم ال؟ أنا‬
‫أذهب وأجرب أعمل لهم حمض نووي‪ ،‬ثم يتسبب في مشاكل‪ ،‬ربما أن المرأة مجرد أن يذهب بهم لجراء حمض نووي‬
‫َّ‬
‫تطلب الطالق منه‪ ،‬ويتسبب هذا في مشاكل‪ ،‬فال ُي َمكن من ذلك إال إذا وجد سبب يستدعي كأن تزني امراته ويريد أن‬
‫يتثبت هل هذا الحمل من الزنا أو ليس من الزنا‪ ،‬فإن كان من الزنا العن‪ ،‬وإن كان من غيرالزنا لم يالعن‪ ،‬فيستفاد‬
‫منه في هذا‪ ،‬ألن بعض الناس قد ُيبتلى بمثل هذا‪ ،‬فيقول إذا حملت من الزنا فأريد أن أالعنها وإن لم تحمل من الزنا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فلن أالعن‪ ،‬ويبقى له القرارهل ُيطلق أو ال ُيطلق‪ ،‬إن تابت فاألمرله ُيطلق أم ال‪.‬‬
‫ْ َ َ ُ ْ َ َ ْ َ ُ َ ْ َ َ‬
‫أما إن لم تتب فيجب عليه الطالق‪﴿ ،‬الخبيثات للخبيثين َوالخبيثون للخبيثات﴾‪.2‬‬
‫ً‬
‫إذا نخلص من هذا إلى )أن البصمة الور اثية يمكن أن يستفاد منها في إثبات النسب وال يعتمد عليها في نفيه)‪.‬‬

‫علْمًا‪ ،‬فَقالَ‪:‬‬
‫أن عِ ْندَ ُه منه ِ‬
‫ن مَالِكٍ‪َ ،‬وأَنَا أُرَى َ‬ ‫سبَ‬ ‫ت َأنَ َ‬
‫‪ 1‬يشير الشيخ حفظه الله إلى الحديث الذي أخرجه مسلم (‪ ،)1720‬والنسائي (‪ ،)0706‬ولفظ مسلم‪[ :‬سََأ ْل ُ‬
‫ل رَسولُ اللهِ ﷺ‪ :‬أَ ْبصِرُوهَا‪ ،‬فإنْ‬ ‫سلَامِ‪ ،‬قالَ‪ :‬فلاعَنَهَا‪ ،‬فَقا َ‬ ‫ُمهِ‪ ،‬وَكانَ أَوَ َل رَجُ ٍل لَاعَنَ في الإ ْ‬
‫ن مَالِكٍ لِأ ِ‬
‫ن سَحْمَاءَ‪ ،‬وَكانَ أَخَا البَرَا ِء ب ِ‬ ‫ف امْ َرأَ َتهُ بشَرِيكِ ا ْب ِ‬
‫ن أُمَيَ َة قَذَ َ‬
‫إنَ ِهلَا َل ب َ‬
‫ت أنَهَا جَا َءتْ به أَكْحَ َل جَعْدًا حَ ْمشَ‬ ‫سحْمَاءَ‪ ،‬قالَ‪َ :‬فأُنْ ِب ْئ ُ‬
‫ش السَا َقيْنِ فَهو ِلشَرِيكِ ابْنِ َ‬
‫ت به أَكْحَلَ جَعْدًا حَ ْم َ‬ ‫ن جَا َء ْ‬ ‫ن فَهو لِ ِهلَا ِل بنِ أُم ََيةَ‪ ،‬وإ ْ‬ ‫ض سَ ِبًْا َقضِيءَ العَيْ َنيْ ِ‬‫جَا َءتْ به َأبْيَ َ‬
‫السَا َقيْنِ]‪.‬‬
‫‪ 2‬سورة النور الآية (‪.)20‬‬
‫‪50‬‬
‫‪-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬


‫)نفقة الزوجة العاملة(‬
‫ً‬
‫أيضا من المسائل‪ ،‬أو من النوازل المتعلقة بفقه األسرة‪ :‬نفقة الزوجة العاملة‪ ،‬أو نفقة الزوجة الموظفة‪.‬‬

‫من المعلوم أن الزوجة تجب لها النفقة على زوجها‪ ،‬لكن هل نفقة الزوجة الموظفة على زوجها مثل نفقة الزوجة غير‬
‫الموظفة؟ هل للوظيفة أو للعمل أثرفي إسقاط أو تخفيف النفقة أم ال؟‪.‬‬

‫هذه المسألة حقيقة تعتبرمن النوازل‪ ،‬لماذا تعتبرمن النوازل؟ ألن العمل بالنسبة للمرأة‪ ،‬العمل في الوظائف لم يكن‬
‫ٌ‬
‫موجود عليها اآلن‪ .‬األصل في المرأة أنها تقر في بيتها‪ ،‬وهي مكفولة ومأمور بالنفاق عليها‬ ‫ً‬
‫موجودا بهذه الصورة التي هي‬
‫من قبل زوجها إن كانت متزوجة‪ ،‬أو من قبل والدها‪ ،‬أو من قبل أخيها إن لم يكن لها زوج وال أب‪ ،‬فهي مكفولة النفقة‪.‬‬

‫لكن كما ترون اآلن أن و اقع المرأة في الوقت الحاضر اختلف عن و اقع المرأة من قبل‪ ،‬وأصبح كثير من النساء من‬
‫الموظفات ومن العامالت‪. .‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وإذا تزوج الرجل امرأة موظفة‪ ،‬كيف تكون نفقتها؟‬
‫أوال‪ :‬نقول النفقة إنما وجبت ً‬‫ً‬
‫شرعا بسبب عقد الزوجية مقابل تمكين الزوجة للزوج من االستمتاع بها‪ ،‬فهي مقابل‬
‫االستمتاع بها‪.‬‬
‫والمرأة العاملة يتحقق االستمتاع بها لكنه ال يتحقق التمكين التام‪ ،‬فجزء من وقتها هي خارج المنزل‪ ،‬تكون خارج المنزل‬
‫ً‬
‫مثال ست أو ثمان ساعات أو أكثرأو أقل‪ ،‬فال يتحقق التمكين من االستمتاع بها إال بعضه‪ ،‬ال يتحقق التمكين التام و إنما‬
‫بعضه‪ ،‬وعلى ذلك فهذا يؤثرعلى النفقة‪ ،‬فتنقص نفقة المرأة العاملة في مقابل نقص التمكين التام للزوج‪.‬‬
‫ثم إن ً‬
‫أيضا المرأة العاملة تحتاج من الكسوة وما يتبعها ما ال تحتاج المرأة غيرالعاملة‪ ،‬ألن المرأة العاملة قد تريد أن‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫جديدا‪ ،‬وهذا بخالف المرأة‬ ‫جديدا أمام زميالتها‪ ،‬هي تذهب كل يوم لمكان العمل‪ ،‬فهي قد تريد أن تلبس شيئا‬ ‫تلبس‬
‫غير العاملة المستقرة في بيتها‪ ،‬فحوائج المرأة العاملة أكثر من غير العاملة‪ ،‬وعلى هذا فالذي يظهر ‪-‬والله أعلم‪ -‬أن‬
‫المرأة العاملة يجب لها النفقة‪ ،‬لكن نفقتها أقل من نفقة المرأة غيرالعاملة‪ ،‬نفقتها أقل‪.‬‬
‫ُ َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫فلو قدر أن هذه المرأة مثال إذا كانت غير عاملة نفقتها كذا‪ ،‬إذا أراد أن ُينفق على المرأة العاملة‪ ،‬فإنها تقدر بأقل من‬
‫نفقة المرأة غيرالعاملة‪.‬‬
‫‪54‬‬
‫المرأة غير العاملة هي ممكنة لزوجها التمكين التام طيلة الوقت‪ ،‬المرأة العاملة ليست ممكنة لزوجها التمكين التام‪،‬‬
‫جزء من الوقت ست أو ثماني ساعات أو أكثر أو أقل تكون في مكان العمل وال تكون في المنزل‪ ،‬وهذا له ٌ‬
‫أثر في إنقاص‬
‫النفقة‪ ،‬وليس في إسقاطها و إنما في إنقاص النفقة‪.‬‬
‫فهذا ًإذا نقول‪ :‬إن عمل المرأة له ٌ‬
‫أثرفي إنقاص النفقة‪ ،‬وليس في إسقاطها‪ ،‬هذا الذي يظهر‪-‬والله أعلم‪ -‬في هذه المسألة‪.‬‬

‫‪--------------------------------------------------‬‬

‫)توريث المتسبب في حادث سيارة من ُمورثه(‬


‫ننتقل لنوازل أخرى‪ .‬من النوازل المتعلقة بالرث‪ ،‬توريث المتسبب في حادث سيارة من ُمورثه‪.‬‬

‫من موانع الرث‪ :‬القتل‪.‬‬


‫ٌ‬
‫الث‬
‫علل ث ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫(ويمنع الشخص من الميراث واح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـدة من ٍ‬
‫الشك كاليقين)‪1‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ر ٌق ٌ‬
‫وقتل واخت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـالف دين فافهم فليس‬

‫هذه من "منظومة الرحبي" رحمه الله‪.‬‬

‫والقتل عند الفقهاء‪ ،‬سواء كان قتل عمد‪ ،‬أو قتل شبه عمد‪ ،‬أو قتل خطأ‪ ،‬على خالف بينهم‪ ،‬في القتل الخطأ‪ ،‬هل القتل‬
‫الخطأ من موانع الرث أم ال؟‬

‫فاختلف العلماء في هذه المسألة على قولين‪:‬‬

‫فيمنع من الرث‪ ،‬وهذا هو المذهب‬‫الم َورث‪ُ ،‬‬ ‫ٌ‬


‫إنسان قريبه ُ‬ ‫القول األول‪ :‬أن القتل الخطأ من موانع الرث‪ ،‬فإذا قتل‬
‫عند الشافعية‪ ،‬والحنابلة‪ ،‬ولهذا ذكره الشافعي في [الرحبية]‪ ،‬وهو المذهب ً‬
‫أيضا عند الحنابلة‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َْ َ َ‬
‫س لقات ٍل م َن الم َيراث ش ْي ٌء]‪2‬وهذا الحديث أخرجه أبو داود‬ ‫واستدلوا لهذا القول بما روي أن النبي ﷺ قال‪ [ :‬لي‬
‫والترمذي‪ ،‬وضعفه الترمذي‪.‬‬
‫ً‬
‫يعة الستعجال الوارث مال ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫المورث‪ ،‬فإن كان المورث ذا ثروة وغني‪ ،‬ربما أن هذا‬ ‫و أيضا قالوا إن القتل قد يكون ذر‬
‫ً‬ ‫الوا ث يقتله‪َّ ،‬‬
‫ويدعي أنه قتله خطأ ألجل أن يتعجل تركته‪.‬‬ ‫ر‬
‫القول الثاني‪ :‬أن القتل الخطأ ليس من موانع الرث‪ ،‬وذهب إلى هذا القول الحنفية والمالكية‪ ،‬وقالوا إن الله عزوجل‬
‫َْ َ َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫س لقات ٍل‬ ‫قسم المواريث‪ ،‬وليس هناك دليل ظاهر يدل على منع الوارث من مال مورثه إذا قتله خطأ‪ ،‬وأما حديث [ لي‬

‫‪ 1‬متن الرحبية في علم الفرائض الأبيات (‪ ،)٢٢- ٢٦‬من تأليف أبي عبد الله محمد بن علي بن محمد بن الحسن الرحبي الشافعي المعروف بابن المتقنة المتوفى ‪ 544‬هـ‪.‬‬

‫ث شَيْءٌ)‪ ،‬وقال الترمذي لا يصح‪.‬‬


‫ن الْمِيرَا ِ‬
‫ل مِ َ‬
‫‪ 2‬رواه مالك وأحمد وابن ماجه وأبو داود (‪ )٨٥٦٨‬بهذا اللفظ‪ ،‬ورواية النسائي والترمذي (‪( :)١٢٠٥‬لَ ْيسَ ِللْقَاتِ ِ‬
‫‪56‬‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م َن الم َيراث ش ْي ٌء]‪ 1‬فهو حديث ضعيف‪ ،‬ال يصح‪ ،‬وإذا كان ضعيفا فإنه ليس هناك دليل يدل على منع الوارث من ميراث‬
‫مورثه إذا قتله بطريق الخطأ‪.‬‬
‫ً‬
‫يعة إلى تعجل الوارث من مال ُمورثه‪ ،‬فإذا قامت القرينة الدالة لذلك ُ‬
‫فيمنع‪ ،‬أما إذا‬ ‫وأما القول بأن ذلك قد يكون ذر‬
‫فيبنى على األصل‪ ،‬وهو أن األصل أن الوارث يرث من قريبه‪ ،‬وهذا القول الثاني وهو أن الوارث يرث من مورثه‬‫لم تقم ُ‬
‫إذا قتله بطريق الخطأ‪ ،‬رجحه الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى ورجحه جمع من املحققين من أهل العلم‪.‬‬

‫الذي يهمنا هنا في هذه المسألة هوحوادث السيارات‪ ،‬إذا تسبب الوارث في قتل مورثه عن طريق حادث سيارة‪ ،‬ولم يكن‬
‫ذلك بطريق العمد‪ ،‬وال شبه العمد‪ ،‬و إنما بطريق الخطأ‪ ،‬كأن يكون ركب معه في السيارة والده‪ ،‬ثم وقع له حادث على‬
‫ً‬
‫الطريق‪ ،‬وقرر المرورأن على هذا االبن نسبة من الخطأ‪ ،‬عليه مثال خمسين في المائة‪ ،‬فهنا قد تسبب هذا االبن في وفاة‬
‫أبيه‪ .‬فعلى مذهب الحنابلة والشافعية‪ ،‬أن هذا االبن ُيحرم من الميراث‪.‬‬
‫لكن هذا االبن قد يكون هو االبن البار بهذا األب‪ ،‬قد يكون لهذا الرجل ابنان‪ ،‬أحدهما ٌ‬
‫عاق فيه‪ ،‬ال يمتثل ألوامر أبيه‬
‫ُ‬ ‫ً َّ‬ ‫ٌ‬
‫مرة‪ ،‬ثم قدر أن‬
‫وال يطيعه وال يبر به‪ ،‬واآلخر ابن بار صالح‪ ،‬كلما طلب أبوه منه شيئا لبى طلبه‪ ،‬فأركبه في السيارة ذات ٍ‬
‫وقع له حادث سيارة‪ ،‬فمات األب‪.‬‬

‫فعلى هذا القول ُيحرم هذا االبن البارمن الميراث‪ ،‬ويرث هذا االبن العاق‪.‬‬

‫هذا مما يبين رجحان القول بأن القاتل الخطأ يرث من مورثه ما لم تقم بينة أو قرينة على أنه أراد تعجل الميراث‪ ،‬وعلى‬
‫هذا ففي مثالنا السابق في الحوادث المرورية التي تسبب فيها بعض الناس في وفاة مورثيهم‪ ،‬نقول على القول الراجح‬
‫أنهم ال ُيحرمون من الميراث‪ ،‬و إنما يرثون منهم‪.‬‬
‫ً‬
‫فهذا االبن الذي أركب والده‪ ،‬صحيح أنه تسبب في حادث سيارة‪ ،‬إما بالسرعة‪ ،‬أو لكونه مثال لم ينتبه‪ ،‬أو لضعف‬
‫التركيز‪ ،‬أو لمكالمة جوال‪ ،‬أو لغير ذلك‪ ،‬فوقع هذا الحادث فتسبب في وفاة والده‪ ،‬لكنه لم يتعمد‪ ،‬فكيف ُيحرم من‬
‫الميراث؟!‬
‫ُ‬
‫ثم إن الحادث الذي أصاب والده يمكن أن يصيبه هو‪ ،‬وهذا ما يبين على أنه لم يتعمد؛ السيارة أصيبت بحادث‪ ،‬يمكن‬
‫أن ُيصاب السائق‪ ،‬ويمكن أن ُيصاب الراكب‪.‬‬

‫وعلى هذا فالقول الراجح‪ ،‬أن هذا الوارث ال ُيحرم من مورثه‪ ،‬ما دام أن القتل بطريق الخطأ‪ ،‬إال إذا قامت البينة أو‬
‫القرينة على أنه قصد تعجل الميراث‪.‬‬

‫وهذه المسألة ُعرضت على هيئة كبارالعلماء و أقرت الهيئة باألغلبية‪ 2‬أن القاتل في حوادث السيارات ال ُيحرم من مال‬
‫مورثه‪ ،‬ما لم تقم قرينة تدل على أنه تعجل الميراث‪ ،‬لكنه باألغلبية ليس بالجماع‪ ،‬فهناك بعض المشايخ على مذهب‬

‫‪ 1‬سبق تخريجه‪.‬‬
‫‪ 2‬صدرت فتوى قضائية وقرار رقم (‪ )١٢٢‬بتاريخ ‪٢٨١٣ /٦ /٢١‬هـ من مجلس هيئة كبار العلماء في دورته االسابعة والخمسين والتي انعقدت في مدينة الْائف‪ ،‬في‬
‫موضوع [حكم توريث المتسبب في موت مورثه في حوادث السيارات] برئاسة فضيلة المفتي العام للمملكة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ‪ ،‬وجاء فيها‪" :‬استكمل‬
‫المجلس دراسة هذا الموضوع بعد اطلاعه على البحوث المعدة فيه‪ ،‬وعلى مرئيات القضاة واختلافهم في المسألة‪ ،‬وتصنيف آراء القضاة الذين وردت إجاباتهم ثم جرت‬
‫‪52‬‬
‫ً‬
‫الحنابلة‪ ،‬وأن القتل الخطأ يمنع من الميراث مطلقا‪ ،‬واألظهر ‪-‬والله أعلم‪ -‬أنه ال يمنع ما لم تقم القرينة على أنه تعجل‬
‫ذلك‪.‬‬

‫‪-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬


‫نجيب عن بعض األسئلة‪.‬‬

‫سؤال‪ :‬رفع المام من السجدة الثانية ولم يكبر‪ ،‬ولم يرفع بعض المصلين من السجود إال عند سماع تكبيرة الركوع من‬
‫المام‪ ،‬وفاتهم قراءة الفاتحة وبعضهم فاته الركوع ً‬
‫أيضا‪ ،‬هل يجبرعنه المام أم يأتي بركعة ثانية‪ً ،‬‬
‫علما بإن المام سجد‬
‫السهو؟‬

‫الجواب‪ :‬أما بالنسبة لمن فاته الركوع فقد فاته ركن‪ ،‬فال بد أن يأتي بالركوع وما بعده وإال بطلت تلك الركعة ولزمه أن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يأتي بركعة أخرى بدال عنها‪ ،‬وأما من فاته قراءة الفاتحة فقراءة الفاتحة بالنسبة للمأموم ليست ركنا و إنما هي واجبة‬
‫فقط‪ ،‬وهذا الوجوب يسقط في حاالت‪ :‬يسقط في حالة المسبوق‪ ،‬ويسقط في حالة السهو‪ ،‬وفي حالة النسيان‪ ،‬وفي مثل‬
‫هذه الحالة يسقط ال يضر‪ ،‬فإذا كان مجرد فاتته الفاتحة ال يضر‪ ،‬ويتحملها المام عنه؛ ألن المام يتحمل عن المأموم‬
‫واجبات الصالة‪ ،‬لكن إذا فاته ركن هنا ال بد أن يأتي بهذا الركن‪ ،‬وال يكفي سجود السهو لإلمام في آخرالصالة‪.‬‬

‫‪--------------------------------------------------‬‬

‫سؤال‪ :‬ما هو الضابط في تقويم األسنان؟‬

‫الجواب‪ :‬تقويم األسنان إنما يكون عند وجود عيب في األسنان‪ ،‬ولذلك لو ذهب إنسان لطبيب األسنان وأسنانه ليست‬
‫ً‬
‫بحاجة إلى تقويم‪ ،‬مستقيمة أصال تجد أن الطبيب يعتذرمنه‪ ،‬يقول له‪ :‬أسنانك سليمة ال تحتاج تقويم‪ ،‬إنما التي تحتاج‬
‫إلى تقويم التي بها عيب‪.‬‬

‫والقاعدة أن ما كان من باب إزالة العيب فهو جائز وال يعتبر من التغيير لخلق الله عز وجل‪ ،‬ولهذا [لعن النبي ﷺ‬
‫الواشمة والمستوشمة والنامصة والمتنمصة والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله]‪ ،1‬وتأمل قوله‪[ :‬للحسن]‪ ،‬وهذا‬
‫ُ‬
‫يدل على أنه إذا كان ليس للحسن و إنما لزالة عيب فإنه ال بأس به‪ ،‬ولهذا عرفجة بن أسعد [عندما قطع أنفه أمره النبي‬

‫مداولات ومناقشات‪ ،‬رأى المجلس بعدها بالأكثرية توريث المتسبب في الحادث من مورثه‪ ،‬ما لم تقم تهمة بتعجله موت مورثه‪ ،‬وتقدير ذلك راجع للقاضي‪ .‬وبالله التوفيق‬
‫وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه‪".‬‬
‫حسْنِ‪،‬‬
‫ت ِللْ ُ‬
‫ت وال ُمسْتَ ْوشِماتِ‪ ،‬والمُتَنَمِصاتِ‪ ،‬والمُتَفَلِجا ِ‬
‫‪ 1‬يشير الشيخ حفظه الله إلى حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه‪ ،‬ولفظ البخاري‪( :‬لَعَنَ اللَ ُه الواشِما ِ‬
‫ق اللَ ِه تَعالَى)‪.‬‬
‫خلْ َ‬
‫ت َ‬
‫المُغَيِرا ِ‬

‫‪03‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ﷺ أن يتخذ أنفا من فضة فأنتن‪ ،‬فأمره أن يتخذ أنفا من ذهب]‪1‬؛ ألن هذا من باب إزالة العيب‪ ،‬والذي يظهر ‪-‬والله‬
‫ً‬
‫أعلم‪ -‬أن تقويم األسنان أنه ال بأس به مطلقا‪ ،‬هناك بعض العلماء المعاصرين من فرق بين ما إذا كان المقصود به‬
‫التجمل أو إزالة عيب‪ ،‬وهذا عندي غير ظاهر؛ ألن أصل التقويم كله لزالة العيب‪ ،‬ثم هو مجرد شد لألسنان‪ ،‬فال يقال‬
‫فيه ً‬
‫تغييرا لخلق الله عز وجل؛ ألن إذا كان ليس فيه عيب فال يحتاج تقويم‪.‬‬

‫‪--------------------------------------------------‬‬

‫سؤال‪ :‬ماتت امرأة عن أخ وأخت ألم‪ ،‬و أبناء أخ ألب‪( ،‬إذا كان المقصود من السؤال أخ ألم وأخت ألم و أبناء أخ ألب) إذا‬
‫كان هكذا‪ ،‬ألن األخ لم يبي ن لنا األخ هو ألم أو ألب أو شقيق‪ ،‬لكن الذي يظهر ‪ :‬أنه يقصد من السؤال (أخ ألم وأخت ألم‪،‬‬
‫و أبناء أخ ألب)‪.‬‬

‫الجواب‪ :‬فاألخ ألم واألخت ألم يرثان الثلث؛ ألن المسألة كاللة؛ والكاللة هي‪ :‬التي ليس فيها وارث‪ ،‬و من ليس له ولد وال‬
‫والد ذكر‪ ،‬فاألخ ألم واألخت ألم يرثان الثلث‪ ،‬والباقي ألبناء األخ ألب‪.‬‬

‫‪--------------------------------------------------‬‬

‫سؤال‪ :‬الحقوق المعنوية هل هي أوسع مما قلتم مثل‪ :‬اعتداء اللفظ‪ ،‬والقذف يدخل في الحقوق المعنوية؟‬

‫الجواب‪ :‬ال‪ ،‬ليست هذه المقصودة‪ .‬هذا األخ السائل يقصد التعويض عن الضرر المعنوي‪ ،‬وهذه ليست هي‬
‫المقصودة في البحث‪.‬‬
‫الحقوق المعنوية هي التي ذكرناها مثل‪ :‬حقوق المؤلف‪ ،‬مثل حق العالمة التجارية‪ ،‬االسم التجاري‪ ،‬هذه هي الحقوق‬
‫المعنوية‪ ،‬لكن يقصد األخ االعتداء اللفظي‪ ،‬والقذف ‪-‬يقصد التعويض عن الضرر المعنوي‪ -‬وهذا موجود بكثرة في‬
‫الغرب‪ ،‬فعندهم يقول‪ :‬أن األلم النفس ي هذا ال بد يكون له تعويض‪ ،‬فإنسان قذف آخرفيحد ثمن الجلدة‪ ،‬لكن يقول‪:‬‬
‫شرعا التعويض عن الضرر‬‫تعويضا عن الضرر المعنوي الذي لحق بي‪ ،‬نقول‪ :‬هذا غير معتبر ً‬ ‫ً‬ ‫أنا أريد غير الحد‪ ،‬أريد‬
‫المعنوي غير معتبر ‪ ،‬و إنما المعتبر التعويض عن الضرر الحس ي‪ ،‬أو الضرر الحس ي الذي ترتب على الضرر المعنوي‪،‬‬
‫ً‬
‫أما مجرد أضرار معنوية تقدر عند الغرب باآلآلف‪ ،‬وأحيانا بأرقام كبيرة هذه فيها عدم عدالة‪ ،‬و لذلك يذكر في قصص‬
‫ً‬
‫نسانا‪ ،‬هذه كلها غير معتبرة‪ ،‬و المعتبر ً‬
‫شرعا هو التعويض عن‬ ‫فيها غرابة في تعويضات كبيرة ألجل أذى نفس ي لحق إ‬
‫الضرر الحس ي‪ ،‬أو الضرر الحس ي الذي ترتب على الضرر المعنوي‪.‬‬

‫‪--------------------------------------------------‬‬

‫ب في الجاهليةِ قال‬
‫‪ 1‬أخرجه الترمذي (‪ ،)1443‬والنسائي (‪ )5102‬واللفظ له‪ ،‬وأحمد (‪ ،)23267‬من حديث عرفجة بن أسعد أنه‪( :‬أصيب أنفُه يو َم الكُلا ِ‬
‫لنبي ﷺ أن يتخذه من ذهبٍ)‪.‬‬
‫ن عليه فأمره ا ُ‬
‫فاتخذ أنفًا من فض ٍة فأنت َ‬

‫‪01‬‬
‫سؤال‪ :‬هل الرجل عامل بنفس وقت عمل المرأة أي يكونا نفس الوقت خارج المنزل‪ ،‬مع العلم بعد عودتها لم تقصر في‬
‫حق زوجها‪ ،‬فهل تنقص نفقتها؟‬

‫الجواب‪ :‬األصل كما ذكرنا أن نفقة المرأة هي مقابل التمكين‪ ،‬فإذا كانت المرأة هي موجودة في البيت طيلة الوقت ليست‬
‫كالمرأة الموجودة جزء من الوقت بغض النظر عن وجود الزوج‪ ،‬وجود الزوج هنا غير مؤثر؛ ألن هذا مقابل التمكين‬
‫فقط فالذي يظهرأن وجود الزوج أو عدم وجوده أنه غير مؤثربهذه المسألة‪.‬‬

‫‪--------------------------------------------------‬‬

‫سؤال‪ :‬ما حكم أخذ السمسرة على التوفيق بين البائع والمشتري في عقود المقاوالت؟‬
‫الجواب‪ :‬ال بأس به‪ ،‬هذا من قديم الزمان‪ ،‬حتى في عهد النبي عليه الصالة والسالم‪ ،‬الذي يتوسط بين البائع والمشتري‬
‫و يأخذ مقابل ذلك بما يسمى السمسرة هذا جائز و ال بأس به‪.‬‬

‫‪--------------------------------------------------‬‬
‫ً‬
‫سؤال‪ :‬في زمن تسارع النوازل والفتن وتواليها السريع ال سيما أن عملية الفرز والتمحيص ومعرفة أحكامها سيأخذ وقتا‬
‫كبيرا ‪-‬كما أشرتم‪ ،-‬فما هي النصيحة العامة؟‬ ‫ً‬
‫ً‬
‫الجواب‪ :‬صحيح ما ذكره األخ الكريم‪ ،‬فعال إشكالية أن النوازل كثيرة ومتسارعة‪ ،‬لكن أحسب أن مثل هذه الدورات‬
‫تحقق لطالب العلم أن يعرف الحد األدنى ألحكام هذه النوازل‪ ،‬يعني اآلن في هذه الدورة أخذنا كم نازلة‪ ،‬أصبح لدى كل‬
‫أيضا إذا ضممت لذلك الدورتين الماضيتين أصبح عنده تصور الحد األدنى عن كل‬ ‫ً‬
‫واحد منكم تصور عن كل نازلة‪ ،‬و‬
‫قضية في معظم أبواب الفقه‪ ،‬فمثل هذه الدورات تحقق هذا الجانب‪ ،‬وإال كما ذكراألخ الكريم‪.‬‬
‫ً‬ ‫ويمكن ً‬
‫أيضا أن تعقد دورات في النوازل من حين ألخر‪ ،‬يمكن بعد سنوات ‪-‬مثال‪ -‬تعقد أيضا دورة في النوازل وتذكر‬
‫النوازل المستجدة األخرى فيها‪ ،‬لكن من أفضل الطرق لتصور هذه النوازل مثل هذه الدورات؛ ألنها تعطي طالب العلم‬
‫تصورا‪ ،‬وتثير لديه إشكاالت‪ ،‬وتعطيه الحد األدنى لمعرفة وتصور هذه النوازل وهذه المسائل المستجدة‪ ،‬أنتم اآلن‬ ‫ً‬
‫ً‬
‫تصورا عن واحدة من هذه النوازل سيستفيد منها طيلة حياته‪،‬‬ ‫استمعتم لعرض عدد من النوازل كل واحد منكم أخذ‬
‫لكن من المهم ً‬
‫أيضا أن تستذكروا ما أخذتموه في هذه الدورة مرة أخرى؛ ألن االستماع مرة واحدة قد ال يكفي‪ ،‬يمكن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ذلك لمن كتب أن يراجع ما كتب‪ ،‬أو عن طريق التسجيل‪ ،‬والخوان سجلوا اآلن الدورة صوتا وصورة‪ ،‬يمكن أن تراجع‬
‫مرة أخرى حتى تستقرفي الذهن أكثر‪ ،‬فمثل هذه الدورات تعطي الحد األدنى في هذه القضايا وهذه المسائل‪.‬‬

‫‪--------------------------------------------------‬‬

‫سؤال‪ :‬ما حكم شحن الجوال في المسجد؟‬

‫الجواب‪ :‬شحن الجوال في المسجد يترتب عليه استهالك كمية يسيرة من الكهرباء من بيت مال المسلمين‪ ،‬ألن المساجد‬
‫اآلن في المملكة كلها على بيت المال‪ ،‬في بعض الدول قد يكون ليس على بيت المال بل على بعض املحسنين‪ ،‬حتى عندنا‬
‫‪02‬‬
‫في المملكة مساجد لكنها قليلة يتولى المالك كل ما يتعلق بالمسجد‪ ،‬لكن سأتكلم عن األعم األغلب وأن ذلك من بيت‬
‫مال المسلمين‪ ،‬هل ُيتسامح في هذا االستخدام؟ إذا نظرنا إلى النصوص الشرعية نجد أنها تتسامح في الش يء اليسير‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ومن ذلك قول النبي ﷺ‪" :‬إذا دخل أحدكم بستانا فلينادي ثالثا يا راعي البستان فإن أجابه و إال فليأكل‪ ،‬و إذا مر على‬
‫ً‬
‫ماشية فلينادي يا راعي البل ثالثا فإن أجابه وإال شرب"‪ ،1‬هذا الحديث عند أصحاب السنن له شواهد وطرق متعددة‬
‫ً‬
‫وهوبمجموعها ثابت‪ ،‬وأخذ به فقهاء الحنابلة وهوالمذهب عندهم‪ ،‬وقالوا‪ :‬إنه يجوز لمن وجد بستانا غيرمحاط بسور‬
‫أن يأكل من ثمرالبستان‪ ،‬ويستحب له أن ينادي راعي البستان‪ ،‬فإن أتى و إال أكل‪ ،‬لكن ليس له أن يحمل في جيبه [غير‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أيضا لو وجد إبال فيستحب أن ينادي راعي البل‪ ،‬وله أن يحلب وال حرج عليه‪ ،‬أخذ بظاهر‬ ‫متخذ خبنة] يأكل فقط‪ .‬و‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫حل َب َّن َ‬
‫ماشية َ‬
‫أح ٍد بغير إذنه]‪،2‬‬ ‫أح ٌد‬ ‫هذا الحديث فقهاء الحنابلة‪ ،‬ومنع من هذا الجمهور واستدلوا بقول النبي ﷺ‪[ :‬ال ي‬
‫صحيح فيحمل على من أتى لبستان ليس عليه حائط وأراد أن يأكل منه‪ ،‬أو‬ ‫ٌ‬ ‫ولكن ما دام أن حديث "يا راعي البستان"‪3‬‬
‫ً‬
‫لماشية ليس لها راع وأراد أن يشرب من لبنها من غير أن يحمل شيئا معه‪ ،‬وأما حديث‪:‬‬
‫ْ‬
‫أح ٍد بغير إذنه]‪ ،4‬يكون في غيرهذه الحال‪.‬‬ ‫أح ٌد ماشي َة َ‬ ‫ُ‬
‫َحل َب َّن َ‬ ‫[ال‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫حل َب َّن َ‬
‫أح ٍد بغير إذنه]‪.5‬‬ ‫ماشية َ‬ ‫أح ٌد‬ ‫فيكون حديث "يا راعي البستان" خاص بعموم ‪[ :‬ال ي‬

‫المذاهب األخرى ‪-‬الحنفية والمالكية والشافعية‪ -‬على عدم الجواز‪ ،‬والحنابلة على أن هذا جائز‪ ،‬واألظهر هو مذهب‬
‫ً‬
‫صحيحا فنعمل بجميع األحاديث‪ ،‬وال نعمل بأحاديث‬ ‫الحنابلة في هذه المسألة؛ ألن الحديث ‪-‬كما قلنا‪ -‬صحيح‪ ،‬ومادام‬
‫ونترك أحاديث أخرى‪ ،‬والشافعي رحمه الله قال‪( :‬إن صح حديث "يا راعي البستان" أخذت به) لكنه شكك بصحته‪،‬‬
‫لكن له شواهد وطرق متعددة‪ ،‬والذي يظهربجميع طرقه وشواهده أنه صحيح‪.‬‬

‫الشاهد من هذه القصة‪ :‬أنه إذا جاز لإلنسان أن يشرب من ماشية أحد بغير إذنه إذا نادى‪ :‬يا صاحب البستان‪ ،‬فما‬
‫أصال‪ ،‬فهو من باب أولى أنه يجوز‪ ،‬ثم ً‬‫ً‬ ‫بالك بشحن جوال‪ ،‬وهو ً‬
‫أيضا‬ ‫أيضا من بيت مال المسلمين الذي له حق فيه‬
‫ُ‬
‫اللقطة في الش يء اليسيرالذي ال تلتفت له أوساط همة الناس يجوز أخذه كالسوط والعصا والمبالغ اليسيرة مثال‪ :‬ريال‪،‬‬
‫ريالين‪ ،‬خمسة رياالت إذا وجدتها في الطريق يجوز أن تأخذها‪ ،‬فإذا كان هذا في األمالك الخاصة ومع ذلك يجوز لكونها‬
‫أشياء يسيرة‪ ،‬فما بالك إذا كان من بيت مال المسلمين والنسان له ٌ‬
‫حق فيه‪ ،‬فهو أولى بالجواز‪ ،‬وعلى هذا التقريرالذي‬
‫أيضا مر افق المسجد كلها وضعت‬ ‫يظهر ‪-‬والله أعلم‪ -‬أنه يجوز شحن الجوال في المسجد‪ ،‬وأن هذا ال حرج فيه‪ ،‬ثم إن ً‬
‫أيضا شحن الهاتف‬‫لخدمة المصلين‪ ،‬فهذه الكهرباء تض يء لخدمة المصلين‪ ،‬وهذه المياه والمكيفات‪ ،‬ومن ذلك ً‬
‫الجوال خاصة للمعتكفين‪ ،‬الذي يظهرأن هذا يعتبرمن خدمة المصلين‪ ،‬وأن هذا ال حرج فيه‪ ،‬ثم ً‬
‫أيضا أن هذا في عرف‬
‫الناس من الش يء الذي يتسامح فيه‪ ،‬لو ذهبت ألي إنسان اآلن حتى لو كان ً‬
‫فقيرا وقلت‪ :‬اشحن الجوال لي‪ ،‬هل سيمتنع؟‬

‫ن‬
‫‪ 1‬يشير الشيخ إلى حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الذي أخرجه ابن ماجه (‪ ،)2033‬وأحمد (‪ ،)11375‬واللفظ عند أحمد‪[ :‬إذا أتَى أحَدُكم حائًْا‪ ،‬فأَرادَ أ ْ‬
‫ن أَجابَه‪ ،‬وإلَا‬
‫ب الإب ِل ‪-‬أو يا راعيَ الإب ِل ‪-‬فإ ْ‬
‫ب مِن ألبانِها‪ ،‬فلْيُنا ِد ‪:‬يا صاح َ‬
‫ن يش َر َ‬
‫يأكُلَ‪ ،‬فلْيُنا ِد ‪:‬يا صاحبَ الحائطِ‪ ،‬ثلاثًا‪ ،‬فإنْ أَجابَه‪ ،‬وإلَا فلْيأكُلْ‪ ،‬وإذا مرَ أحَدُكم بإبلٍ‪ ،‬فأَراد أ ْ‬
‫فلْيش َربْ]‪.‬‬
‫‪ 2‬صحيح أبي داود (‪ ،)١٦١٣‬ولفظ البخاري (‪[ :)١٨٣٥‬إلا بإذنه]‪.‬‬
‫‪ 3‬المقصود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الذي أخرجه ابن ماجه (‪ ،)2033‬وأحمد (‪ )11375‬السابق‪.‬‬
‫‪ 4‬المصدر السابق‪.‬‬
‫‪ 5‬المصدر السابق‪.‬‬
‫‪00‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ال‪ ،‬لن يمتنع‪ ،‬حتى و إن كان ً‬
‫فقيرا‪ ،‬وإن كان مثال عامال‪ ،‬إن كان أي إنسان تقول له‪ :‬اشحن لي هذا الجوال ال يمتنع‪ ،‬ألن‬
‫هذا من األشياء اليسيرة التي تعارف الناس على التسامح فيها‪ ،‬وعلى هذا فالذي يظهرأن هذا ال حرج فيه‪.‬‬

‫‪--------------------------------------------------‬‬

‫سؤال‪ :‬هل يجوز للمرأة أن تعمل بدون إذن زوجها؟‬

‫الجواب‪ :‬ال يجوز ذلك‪ ،‬ال بد من إذن الزوج‪ ،‬فإذا كان ال يجوز لها أن تصوم وزوجها حاضرإال بإذنه‪ ،‬فما بالك بأن تعمل‬
‫موظفة‪.‬‬

‫‪--------------------------------------------------‬‬

‫سؤال‪ :‬هل يجب على الزوجة العاملة أن تنفق على زوجها املحتاج؟ سواء كان احتياجه قبل الزواج أو بعده‪.‬‬

‫الجواب‪ :‬ال يجب‪ ،‬إنما النفقة تجب على الزوج‪ ،‬وال تجب على الزوجة ولو كانت موظفة وزوجها فقير‪ .‬انظر للذين‬
‫يطالبون بحقوق المرأة ويقولون أن المرأة مظلومة‪ ،‬نقول‪ :‬حتى في هذه الصورة المرأة اآلن موظفة وغنية والزوج فقير‬
‫ومع ذلك ال نلزمها بأن تنفق على الزوج‪ ،‬فأي ظلم للمرأة؟!‪ ،‬بل المرأة أعطيت حقها وزيادة‪ ،‬فالمرأة غيرمطالبة بالنفقة‬
‫على الزوج‪ .‬لكن من المروءة وحسن العشرة أنها إذا كانت غنية وزوجها فقير أنها تعطيه من مالها‪ ،‬لكن هذا على سبيل‬
‫االستحباب وليس على سبيل الوجوب‪.‬‬

‫‪--------------------------------------------------‬‬

‫سؤال‪ :‬ما حدود والية الرجل على المرأة‪ ،‬لكثرة الخلط في هذه المسألة؟‬

‫الجواب‪ :‬والية الرجل على المرأة لها عدة صور‪ ،‬لكن ما المقصود بوالية الرجل على المرأة؟‬

‫هل المقصود بوالية الرجل على المرأة في النكاح؟‪ ،‬نعم الرجل ولي على المرأة في النكاح‪ ،‬وال يجوز للمرأة أن تتزوج‬
‫بنفسها بغيرإذن وليها‪( ،‬و أيما امرأة نكحت نفسها بغيرإذن وليها فنكاحها باطل)‪.‬‬

‫ووالية المرأة في مالها‪ :‬ليس للرجل والية على المرأة في مالها‪ ،‬فالمرأة حرة في مالها‪ ،‬حتى الزوج ليس على والية للمرأة في‬
‫مالها‪ ،‬وال األب ليس له والية في مال ابنته وال األخ‪ ،‬فإذا كان المقصود الوالية في المال فليس له والية عليها‪.‬‬

‫وإذا كان المقصود والية الزوج على زوجته‪ ،‬فنعم الزوج قوام على المرأة مسؤول عنها وهو ولي أمرها وهو الولي لها‪،‬‬
‫َ َ َ َّ َ َّ ُ َ ْ َ‬
‫ض ُه ْم َع َل ٰى َب ْ‬ ‫َ ُ َ َّ ُ َ َ َ‬
‫ض}‪ ،1‬ألن الحياة الزوجية هي‬ ‫ٍ‬ ‫ع‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫الل‬ ‫ل‬ ‫ض‬ ‫ف‬ ‫ا‬‫م‬ ‫ب‬ ‫اء‬‫س‬ ‫الن‬ ‫ى‬ ‫ل‬ ‫والله سبحانه وتعالى يقول‪{ :‬الرجال قوامون ع‬
‫شركة بين زوج وزوجة‪ ،‬والشركة ال بد لها من مدير ورئيس‪ ،‬وإال تضطرب األمور‪ ،‬فحسمت الشريعة هذه المسألة‬
‫وجعلت الزوج هو المديرلهذه الشركة وهو الرئيس لها‪ ،‬فالزوج يعتبر ًّ‬
‫وليا للزوجة‪ ،‬ويلزمها أن تطيعه في ذلك‪.‬‬

‫والية األب على ابنته‪ :‬نعم‪ ،‬األب ولي البنته‪ ،‬هو الذي يزوجها وهو المسؤول عنها‪ ،‬ويمنعها من األمور املحرمة‪.‬‬

‫‪ 1‬سورة النساء آية (‪.) ٣٨‬‬


‫‪07‬‬
‫ً‬
‫فإذا الوالية تحتمل عدة أمور‪ ،‬ومعظم الذين يطلقون (والية المرأة) يقصدون من ذلك أن الرجل ليس له والية على‬
‫ً‬
‫المرأة مطلقا‪ ،‬وأن الزوجة ليس للرجل والية عليها‪ ،‬ويريدون بذلك أن تتمرد النساء على الرجال وأن يحصل التحلل في‬
‫ً‬
‫املجتمع‪ ،‬وهذه دعوات ضالة‪ ،‬وربما استخدموا إساءات من بعض الرجال تجاه النساء وجعلوها مثاال لسوء استخدام‬
‫ُ‬
‫بعض الرجال للوالية على المرأة‪ ،‬إذا كان هناك سلوكيات خاطئة فتنكرهذه السلوكيات‪ ،‬لكن أصل الحكم يبقى‪.‬‬

‫‪--------------------------------------------------‬‬

‫سؤال‪ :‬ما حد النفقة؟ وهل يدخل فيها المسكن والمأكل والمشرب؟‬

‫الجواب‪ :‬النفقة المرجع فيها للعرف‪ ،‬والناس يعرفون النفقة أن يوفر الزوج لزوجته الطعام والشراب والكسوة‬
‫والسكن‪ ،‬هذا هو المطلوب من الزوج تجاه الزوجة‪.‬‬

‫‪--------------------------------------------------‬‬

‫سؤال‪ :‬هل تكون النفقة عند الحاجة؟ أم تكون بصورة ثابتة بأن تكون شهرية أو أسبوعية؟‬

‫الجواب‪ :‬بحسب ما تكون فيه المصلحة‪ ،‬إما أن تكون عند الحاجة أو تكون أسبوعية أو شهرية أو بحسب ما يرى الزوج‬
‫ُ‬ ‫والزوجة أن فيه مصلحة‪ ،‬ليس هناك طريقة واحدة محددة ً‬
‫شرعا‪ ،‬المقصود كفاية المرأة وأوالدها بالنفقة‪ .‬لو قدرأن‬
‫الزوج ال ينفق على الزوجة وأوالدها أو أنه ُيقتر عليهم في النفقة فيجوز للمرأة أن تأخذ من مال زوجها بغير علمه وبغير‬
‫إذنه ما يكفيها وأوالدها بالمعروف‪ ،‬والدليل لهذا ما جاء في الصحيحين أن امرأة أبي سفيان أتت النبي ﷺ فقالت‪ :‬يا‬
‫رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح ال يعطيني ما يكفيني وولدي‪ ،‬فقال لها النبي ﷺ‪( :‬خذي ما يكفيك وولدك‬
‫بالمعروف)‪ ،‬فأذن لها النبي ﷺ أن تأخذ من زوجها بغيرإذنه وبغيرعلمه لكن بالمعروف‪ ،‬تأخذ بقدرما يكفيها في األمور‬
‫األساسية لكن ال تزيد على ذلك في األمور الكمالية غيراألساسية‪ ،‬مثال إذا زوجها ال ينفق عليهم أو أنه مقترفي النفقة لها‬
‫أن تفتح محفظته وتأخذ بعض ما في املحفظة من مال ألجل أن تنفق على نفسها وعلى أوالدها‪ ،‬هذا جائز ً‬
‫شرعا لكن ال‬
‫تتوسع في ذلك إنما يكون ذلك بالمعروف‪.‬‬

‫‪--------------------------------------------------‬‬
‫سؤال‪ :‬هل خدمة المرأة لزوجها واجبة ً‬
‫شرعا أم أنها مستحبة؟‬
‫ُ‬
‫الجواب‪ :‬هذه األسئلة بدأت اآلن تثارفي هذا الوقت الذي نعيشه اآلن‪ ،‬هل المرأة يجب عليها خدمة زوجها أم ال‪ ،‬مع أن‬
‫المسألة من قديم وهي مذكورة في كتب الفقه‪ ،‬وهي مسألة خالفية بين العلماء هل المرأة يجب عليها أن تخدم في بيت‬
‫ً‬
‫زوجها أو أنها غيرمطالبة أصال بالخدمة والزوج هو الذي يأتي بمن يخدم ومن يطبخ وغيرذلك‪ ،‬القول الراجح في هذه‬
‫وعرف املجتمع يرى أن خدمة المرأة لزوجها أنها من‬ ‫المسألة أن المرجع في ذلك إلى العرف‪ ،‬فإذا كان ُعرف الناس ُ‬
‫المعاشرة بالمعروف فيلزمها ذلك‪ ،‬وهذا هو ُ‬
‫العرف المستقرفي املجتمعات السالمية أن قيام المرأة ببيت الزوج من‬
‫الطبخ والغسل والخدمة ونحو ذلك أنها من المعاشرة بالمعروف‪ ،‬وعليه فيلزمها ذلك‪ ،‬وليس من المعاشرة‬

‫‪05‬‬
‫بالمعروف أن المرأة تبقى في بيت الزوج وتهمل بيتها فال تطبخ وال تنظف وال تصلح أي ش يء في البيت‪ ،‬هذه عتبرعند‬
‫الناس أنها زوجة مقصرة ومهملة‪ ،‬لكن قال الفقهاء إذا كان الزوجة ُيخدم مثلها فيلزم الزوج أن يأتي لها بخادم‪ ،‬فإذا‬
‫كانت في بيت أهلها عندهم خدم وهم من طبقة ُيخدم مثلها فهنا ُيلزم الزوج بأن يأتي لها بخادمة‪ .‬أما إذا كانت ممن ال‬
‫ُيخدم مثلها وهي في بيت أهلها ال يوجد عندهم خدم فال يلزم الزوج أن يأتي لها بخادم وتكون هي ال ُملزمة بالطبخ‬
‫والغسل وتنظيف المنزل ونحو ذلك‪.‬‬

‫‪--------------------------------------------------‬‬

‫سؤال‪ :‬هل للزوج أن يفرض على الزوجة العاملة أن تشاركه بالنفقة على المنزل وأوالدهما مقابل مو افقته على عملها‬
‫كموظفة؟‬

‫الجواب‪ :‬نعم‪ ،‬إذا لم تشترط عليه بذلك عند العقد فله ذلك‪ ،‬أما إذا اشترطت عليه ذلك في العقد فليس له ذلك‪،‬‬
‫ُ‬
‫وهذه فائدة الشرط‪ ،‬إذا كان في العقد شرط على الزوج أن تعمل الزوجة موظفة‪ ،‬فحين إذن تعمل الزوجة وليس له‬
‫التدخل فيها‪ ،‬أما إذا لم يشترط عليه ذلك ثم بعد الزواج أرادت أن تعمل موظفة اشترط عليها أن تشاركه في النفقة في‬
‫المنزل فله ذلك ألن الزوجة ستقتطع ً‬
‫جزءا من وقتها للعمل خارج المنزل‪.‬‬

‫‪--------------------------------------------------‬‬

‫سؤال‪ :‬إذا قامت القرينة أو البينة على أن الوارث تعجل الميراث‪ ،‬هل هذا قتل خطأ أم أنه انتقل إلى العمد أو شبه‬
‫العمد؟‬
‫ً‬
‫الجواب‪ :‬العمد أو شبه العمد هذه تحتاج إلى بينة‪،‬لكن أحيانا تكون البينة غيرمكتملة‪ ،‬ويوجد قرائن ال تصل إلى‬
‫درجة البينة على إنه قد تعجل الميراث فيمكن أن تأتي هنا مسألة تبعيض األحكام‪ ،‬فال يقتص منه لكن ُيحرم من‬
‫الميراث‪.‬‬

‫‪--------------------------------------------------‬‬

‫سؤال‪ :‬كيف لو مات الزوج ولم ُيعلم بزواجه من الثانية؟‬

‫الجواب‪ :‬إذا استطاعت الزوجة الثانية أن تثبت زواجه بها فلها حق في الميراث ألنها هي زوجته‪ ،‬وزواجها صحيح‬
‫مكتمل األركان والشروط‪.‬‬

‫‪-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬


‫‪00‬‬
‫سؤال‪ :‬ما حكم قراءة القرآن في جهازالجوال؟ وهل األجركقراءته في المصحف؟ وبماذا نرد على من يغضب على من‬
‫يقرأ في جهازالجوال؟‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مطبوعا على ورق‬ ‫الجواب‪ :‬أوال‪ ،‬هل المصحف المكتوب في عهد النبي ﷺ هل هو المصحف المطبوع اآلن؟! هل كان‬
‫ً‬
‫في عهد النبي ﷺ؟! إذا ماذا كان؟‬

‫مكتوبا على ألواح وعلى كرب النخل ونحوها‪ ،‬ثم تطور األمرفي عهد عثمان رض ي الله عنه‪ ،‬فأصبح ُيكتب كله على‬
‫ً‬ ‫كان‬
‫ُ‬
‫ألواح بطريقة أفضل‪ ،‬ثم تطور األمرفنقط المصحف‪ ،‬ثم تطورت الصنعة فأصبح ُيكتب على الورق ُويطبع‪ ،‬ثم تطور‬
‫األمرفي وقتنا الحاضرفأصبح هذا المصحف المطبوع ُيصور في الجوال‪ ،‬العبرة بقراءة القارئ‪ ،‬وليس العبرة بكونه‬
‫يقرأ المصحف من على لوح‪ ،‬أو من على مصحف ورقي‪ ،‬أو على مصحف الجوال‪ ،‬ال يختلف الحكم وال يختلف األجر‪،‬‬
‫األجرهو نفس األجر‪ ،‬المهم قراءتك للقرآن‪ ،‬قرأته عن حفظ عن ظهرقلب‪ ،‬أو قرأته من لوح‪،‬أو قرأته في مصحف‬
‫من ورق مطبوع‪ ،‬أو قرأته من جوال‪ ،‬األجرواحد ال يختلف‪ ،‬وأما كون بعض الناس ينكرعلى من يقرأ القرآن في‬
‫ً‬
‫الجوال‪ ،‬فهذا لجهله‪ ،‬وبعض الناس إذا ألف شيئا أنكرما سواه‪ ،‬بل إنني أقول أن وجود المصحف في الجوال هو من‬
‫نعم الله علينا في هذا الزمان‪ ،‬ألن المصحف معك في كل وقت‪ ،‬تستطيع أن تفتح المصحف في أي مكان وتقرأ‪ ،‬هذه‬
‫نعمة من الله عزوجل‪ ،‬فيختارالنسان ما هو األنسب له‪ ،‬وما هو األريح له‪ ،‬بعض الناس يرتاح للقراءة من المصحف‬
‫المطبوع الورقي‪ ،‬بعض الناس يرتاح للقراءة من المصحف الموجود في الجوال‪ ،‬ال حرج في هذا‪ ،‬وال حرج في هذا‪،‬‬
‫واألجرواحد‪ ،‬أما من يعتقد أن القراءة من المصحف في الجوال أقل من القراءة في المصحف المطبوع على الورق‬
‫المنكرالذي ينكرالقراءة من الجوال هذا هو الذي‬ ‫فهذا غيرصحيح‪ ،‬األجرواحد ال يختلف‪ ،‬فأقول ُينكرعلى ُ‬
‫المنكر‪ُ ،‬‬
‫ً‬
‫ينبغي النكارعليه‪ ،‬أما الذي يقرأ من الجوال فهو على صواب‪ ،‬ويختارالنسان ما هو األنسب له‪ ،‬واألكثر راحة له‪.‬‬

‫‪--------------------------------------------------‬‬
‫ً‬
‫سبوعيا إلى األحساء يوم السبت ويرجعون الخميس إلى الدمام‪،‬‬ ‫سؤال‪ :‬ما حكم طالب الجامعات الذين يسافرون أ‬
‫يوميا‪ ،‬والسؤال‪ :‬هل يترخصون برخص السفروالجمع والقصرباعتبارأنهم مسافرون؟‬ ‫يتبضعون ً‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الجواب‪ :‬أوال‪ ،‬كم المسافة ما بين الدمام إلى األحساء؟ المهم أنها أكثرمن مائة كيلو‪ ،‬إذا هي مسافة سفر‪ ،‬في الطريق‬
‫هم مسافرون‪ ،‬لهم أن يترخصوا بجميع رخص السفر في الطريق‪.‬‬

‫أما في إقامتهم في الدمام هم عند أهلهم فليسوا مسافرين‪ ،‬و إقامتهم في األحساء هناك في الجامعة هل يعتبرون‬
‫مسافرين أم ال؟‬

‫للعرف‪ ،‬هل هم في ُعرف الناس يعتبرون مسافرين‪ ،‬أو ليسوا مسافرين؟‬ ‫هذه مسألة ترجع ُ‬
‫ً‬ ‫إذا أردنا أن يتضح ُ‬
‫العرف‪ ،‬نسأل سؤاال عن الفطرفي نهاررمضان‪ ،‬لو أفطروا في نهاررمضان أمام مجمع من الناس‪،‬‬
‫هل الناس ينكرون عليهم‪ ،‬أو يعذرونهم ويقولون أنكم مسافرون؟‬

‫‪04‬‬
‫في الو اقع أنهم ينكرون‪ ،‬لو قال مسافر‪ ،‬كيف تكون مسافر! أنتم مقيمون اآلن هنا تدرسون‪،‬أنتم لستم مسافرين‪،‬‬
‫وهذا يدل على أنهم في العرف ليسوا مسافرين‪ ،‬وعلى هذا فهم كصاحب القامتين‪ ،‬ال يترخصون برخص السفرهنا في‬
‫الدمام وال في األحساء‪ ،‬إنما يترخصون في الطريق‪ ،‬كصاحب الزوجتين الذي له زوجة في بلد وزوجة في بلد‪ ،‬لو كان‬
‫الشخص له زوجة في الدمام‪ ،‬وزوجة في األحساء‪ ،‬ال يترخص في الدمام وال في األحساء‪ ،‬و إنما في الطريق فقط‪ ،‬هكذا‬
‫ً‬
‫أيضا بالنسبة لهؤالء الطالب‪.‬‬

‫‪--------------------------------------------------‬‬
‫ٌ‬ ‫سؤال‪ :‬شخص عليه ٌ‬
‫دين‪ ،‬وهو مبلغ كبير‪ ،‬وأراد أن ُيجمعه ليسدده للدائن‪ ،‬هذا المبلغ بلغ النصاب‪ ،‬وحال عليه‬
‫الحول‪ ،‬فهل تجب عليه الزكاة؟‬
‫ٌ‬
‫وواجب سداده‪ ،‬فال تجب الزكاة في هذا المال‬ ‫ٌ‬
‫مستحق في ذمته‪،‬‬ ‫الجواب‪ :‬ما دام أن هذا الشخص مدين‪ ،‬والدين‬
‫ً‬
‫املجمع‪ ،‬ألن هذا المال في الحقيقة ليس مستحقا للمدين‪ ،‬إنما مستحق للدائن‪ ،‬هو مستحق للدائن‪ ،‬هو ُيجمعه له‪،‬‬
‫ً‬
‫والزكاة إنما وجبت على سبيل المواساة‪ ،‬ولذلك الدين له أثرفي إسقاط الزكاة‪ ،‬لو كان عندك مثال مائة ألف ريال‪،‬‬
‫ٌ‬
‫مستحق للدائنين في الحقيقة‪.‬‬ ‫وعليك دين مقداره مائة ألف ريال‪ ،‬فليس عليك زكاة‪ ،‬ألن هذا المبلغ الذي لك هو‬

‫‪--------------------------------------------------‬‬
‫سؤال‪ :‬لي كفيل خالف مكتب العمل في تصفية الخدمة الوظيفية هل يحق لي أن أشتكي وآخذ مستحقاتي كاملة‪ً ،‬‬
‫علما‬
‫ً‬
‫مضطرا؟‬ ‫بأني َوقعت على عقد معه مستحقات ناقصة‪ ،‬لكنني كنت‬

‫الجواب‪ :‬نعم‪ ،‬لك الحق في هذا‪ ،‬ما دام أنه قد أكرهك على التوقيع و أنت غيرمقتنع بذلك‪ ،‬فلك الحق بأن تطالب‬
‫حق لك‪.‬‬‫بالمستحقات التي تراها أنها ٌ‬

‫‪--------------------------------------------------‬‬

‫سؤال‪ :‬هل ُيشترط الوضوء عند مس شاشة الهاتف المنقول الذي فيه المصحف؟‬
‫ً‬
‫مفتوحا‪،‬‬ ‫الجواب‪ :‬ال ُيشترط الوضوء عند مس شاشة الهاتف المنقول الذي فيه المصحف‪ ،‬ولو كان المصحف‬
‫وذلك ألمور‪:‬‬

‫األمراألول‪ :‬أن المكتوب في المصحف اللكتروني هو في الحقيقة مجرد ذبذبات كهربائية تجتمع بطريقة معينة حتي‬
‫ُ‬
‫تكون صورة المصحف‪ ،‬وبعضها تكون هي صورة المصحف نفسها‪ ،‬رأيت لو أن مصحف ُوضعت صورته في المرآة‪،‬‬
‫هل يجوز أال تلمس المرآة التي فيها صورة المصحف؟! يجوز‪ ،‬هكذا ً‬
‫أيضا‪ ،‬لو افترضنا أن هذا هو المصحف نفسه‬
‫الموجود في الجوال هو مثل المصحف الورقي‪ ،‬وأن الصنعة تطورت‪ ،‬أقول لو افترضنا هذا الفرض‪ ،‬فيجوز ً‬
‫أيضا‬
‫مسه‪ ،‬لماذا؟‬

‫‪06‬‬
‫ألن الهاتف الجوال له شاشتان‪ ،‬شاشة داخلية‪ ،‬وشاشة خارجية‪ ،‬فالشاشة الخارجية هي بمثابة الحائل‪ ،‬فكأنك‬
‫تمس المصحف من وراء حائل‪ ،‬فعلى جميع التقديرات نقول‪ :‬يجوز مس المصحف عبرشاشة الهاتف المنقول‪ ،‬وال‬
‫ُ‬
‫تشترط الطهارة لذلك‪.‬‬

‫‪--------------------------------------------------‬‬

‫سؤال‪ :‬ما حكم سكن الشغالة في البيت؟ وهل تعتبرمن املحارم ؟ وكذلك السائق الخاص؟‬

‫الجواب‪ :‬السائق ينبغي أن يكون سكنه خارج المنزل‪ ،‬وال يكون داخل المنزل‪ ،‬ألن وجوده داخل المنزل يسبب فتنة‬
‫عظيمة‪ ،‬فتنة من السائق وبه‪ ،‬فيكون سكنه خارج المنزل‪ ،‬وأما الخادمة‪ ،‬ال حرج أن تكون داخل المنزل‪ ،‬لكن تكون‬
‫بعيدا عن الفتنة‪ ،‬وهي امر ٌأة أجنبية ُ‬
‫فيتعامل معها كما ُيتعامل مع سائرالنساء األجنبيات ‪ ،‬ليست من‬ ‫في مكان آمن‪ً ،‬‬
‫املحارم‪.‬‬

‫‪--------------------------------------------------‬‬

‫سؤال‪ :‬ما هو الضابط في تهذيب الحواجب؟‬


‫ٌ‬
‫سواء كان‬ ‫الجواب‪ :‬الحواجب ال يجوز نمصها‪ ،‬قد لعن النبي ﷺ النامصة والمتنمصة‪ ،‬والنمص هو ترقيق الحواجب‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مشوها للمرأة أو للرجل‪ ،‬فال بأس بأن يؤخذ‬ ‫ذلك بالنتف أو بالقص‪ ،‬إال إذا كان شعرالحاجب طويال‪ ،‬بحيث يكون‬
‫القدرالمشوه‪ ،‬ألن هذا من باب إزالة العيب‪ ،‬والقاعدة أن ما كان من باب إزالة العيب فهو جائز‪ ،‬ولذلك في حديث ابن‬
‫مسعود‪ ،‬المتفلجات للحسن‪ ،‬لعن النامصة والمتنمصة والواشمة والمستوشمة‪ ،‬والمتفلجات للحسن‪ ،‬المغيرات‬
‫خلق الله‪ُ ،‬يفهم منه أن ذلك إن كان ليس للحسن‪ ،‬و إنما لزالة العيب‪ ،‬فإنه يكون ً‬
‫جائزا‪.‬‬

‫‪--------------------------------------------------‬‬

‫سؤال‪ :‬الصور التي للشرح‪ ،‬هل تجوز ؟‬

‫الجواب‪ :‬على التفصيل ذكرنا‪ ،‬إذا كانت صورة فوتوغر افية ال بأس‪ ،‬إذا كانت رسومات لذوات أرواح فإنها ال تجوز‪ ،‬إال‬
‫إذا كانت ً‬
‫صورا ألعضاء‪ ،‬صورة ليد‪ ،‬لعين‪ ،‬لرجل‪ ،‬لوجه‪ ،‬هذه ال بأس بها‪.‬‬

‫‪--------------------------------------------------‬‬

‫سؤال‪ :‬بالنسبة للعطور التي تحتوي على نسبة من الكحول معلوم أن من شربها فإنه ُيسكر‪ ،‬هل يجوز التعطربها؟‬
‫طبعا شرب ما يؤدي إلى السكارهذا محرم بالجماع‪ ،‬حتى ولو كان ً‬
‫عطرا‪ ،‬لو كان أي ش يء‪ ،‬على أن العطور‬ ‫الجواب‪ً :‬‬
‫فيها ُسمية كبيرة‪ ،‬فشربها يؤدي للوفاة كما ذكرأهل االختصاص‪ ،‬وإن كان فيها الكحول الميثيلي وهو مادة ُسمية‪،‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫أنواعا من‬ ‫وهذه تؤدي للوفاة‪ ،‬وهذا حصل في بعض مناطق المملكة‪ ،‬وأعلن عنه في الصحف‪ ،‬عن أناس شربوا‬
‫العطور وحصلت لهم الوفاة‪.‬‬

‫‪02‬‬
‫لكن السؤال هو عن التعطربها‪ ،‬التعطر بها ال شك أن فيها نسبة من الكحول‪ ،‬وهذا يرجع لمسألة خالفية‪ ،‬وهي مسألة‬
‫هل الخمرنجسة أم طاهرة؟ والجمهور على نجاستها‪ ،‬والقول الثاني أنها طاهرة‪ ،‬وهو قول ربيعة‪ ،‬واختاره الشيخ ابن‬
‫عثيمين‪ ،‬وهو قو ٌل راجح‪ ،‬ألنه ليس هناك دليل ظاهريدل على النجاسة‪ ،‬وأما اآلية فالمقصود بالنجاسة النجاسة‬
‫ً‬ ‫المعنوية‪ ،‬بدليل أن الله َ‬
‫أيضا مما يدل لذلك أن الصحابة أر اقوها لما‬ ‫قرن معها الميسرواألنصاب واألزالم‪ ،‬و‬
‫ُحرمت‪ ،‬ولو كانت نجسة لما فعل ذلك الصحابة‪ ،‬وعلى ذلك فال بأس بالتعطربهذه العطور‪ ،‬ال حرج في ذلك إن شاء‬
‫الله‪.‬‬

‫‪--------------------------------------------------‬‬

‫سؤال‪ :‬هل يصلح االستدالل لجوازالبنج للقطع‪ ،‬وأن العلة القطع ال اليالم‪ ،‬بحديث "وليحد أحدكم شفرته وليرح‬
‫ذبيحته" ووجه الداللة أنه مع كون الذبح جائزأو مستحب قد يجب‪ ،‬وأن الشرع حث على إراحة الدابة‪ ،‬وعدم الجمع‬
‫بين القتل واأللم قبل (أتريد أن تميتها موتتين)‪ ،‬من باب أولى النسان لكرامته‪ ،‬وإن جازقطع يده للسرقة‪ ،‬فال ُيجمع له‬
‫بين ألم فقد اليد لبقية عمره‪ ،‬وألم القطع؟‬
‫ٌ‬
‫الجواب‪ :‬نعم‪ ،‬هذا االستنباط استنباط جيد‪ ،‬وهذا األخ الكريم‪ ،‬ما شاء الله عنده َملكة وقدرة عالية على االستنباط‪،‬‬
‫ٌ‬
‫مستقبل مشرق‪.‬‬ ‫فله إن شاء الله‬

‫‪--------------------------------------------------‬‬

‫سؤال‪ :‬حكم إزالة الثدي الزائد لدى الرجال؟‬

‫الجواب‪ :‬القاعدة أن ما كان من باب إزالة العيب فهو جائز‪ ،‬فإذا كان هذا ش يء زائد عن الخلقة المعتادة‪ ،‬فال حرج‪.‬‬

‫‪--------------------------------------------------‬‬

‫سؤال‪ :‬ما حكم حلق شعر الصدر؟‬

‫الجواب‪ :‬ال بأس به‪ ،‬الشعور تنقسم إلى ثالثة أقسام‪:‬‬

‫القسم األول‪ :‬شعور يحرم حلقها‪ ،‬كشعراللحية‪.‬‬

‫القسم الثاني‪ :‬شعور يستحب إزالتها‪ ،‬كشعرالعانة‪ ،‬والبط‪ ،‬والشارب‪ ،‬يستحب حفه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫مسكوت عنها‪ ،‬كشعرالصدر‪ ،‬والساقين‪ ،‬واليدين‪ ،‬وهذه ال بأس بها‪ ،‬تلحق بالجائز‪.‬‬ ‫والقسم الثالث‪ :‬شعور‬

‫فال بأس بإزالة شعرالصدر‪.‬‬

‫‪--------------------------------------------------‬‬

‫‪43‬‬
‫سؤال‪ :‬هل نبض الجنين يدل على نفخ الروح؟ ومن سقط بعد النبض هل ُيكفن‪ُ ،‬ويدفن قبل أن يكمل مائة وعشرين‬
‫ً‬
‫يوما؟‬

‫الجواب‪ :‬نبض الجنين ال يدل على نفخ الروح‪ ،‬ويقولون نبض الجنين حتى لو في األربعين يبدأ النبض‪ ،‬وال يدل على نفخ‬
‫الروح‪ ،‬بل حتى التخليق ال يدل على نفخ الروح‪ ،‬التخليق يبدأ بعد ثمانين ً‬
‫يوما‪ ،‬وال يدل على نفخ الروح‪ ،‬نفخ الروح ال‬
‫ُيعرف إال عن طريق الوحي‪ ،‬ال ُيعرف عن طريق الطب‪ ،‬ألن الروح من أمرالله عزوجل‪ ،‬ليست من عالم المادة وال‬
‫ً‬ ‫يعرفها البشر‪ ،‬وقد أخبرالنبي ﷺ بأن نفخ الروح يكون بعد مائة وعشرين ً‬
‫يوما‪ ،‬فإذا النبض والحركة والتخليق‪ ،‬كل‬
‫يوما‪ ،‬هذا ليس بإنسان‪ ،‬هذا نطفة أو‬ ‫هذه ال تدل على نفخ الروح‪ .‬ولو من سقط إذا سقط الجنين قبل مائة وعشرين ً‬
‫علقة أو مضغة‪ ،‬فليس له حرمة‪ ،‬إنما ُيتخلص منه بالطريقة المناسبة‪ ،‬لكن إذا كان بعد مائة وعشرين ً‬
‫يوما فإنه‬
‫إنسان ُيغسل ُويكفن ُويصلى عليه ُويدفن في مقابرالمسلمين ُويدعى له بالرحمة ولوالديه بالشفاعة‪ ،‬هل ُيدعى له‬
‫ً‬
‫أصال ما عليه ذنوب‪ ،‬وألن ً‬
‫فيدعى‬‫أيضا أطفال المسلمين في الجنة بالجماع‪ُ ،‬‬ ‫بالمغفرة؟ ال ُيدعى له بالمغفرة ألنه هو‬
‫ً‬
‫شفيعا لهما‪.‬‬ ‫بالرحمة‪ُ ،‬ويدعى لوالديه بأن يكون‬

‫‪--------------------------------------------------‬‬

‫يوما من التدخل بقدرالله؟ وإذا لم يكن هناك تدخل نفخ‬ ‫سؤال‪ :‬تقول السائلة أال يكون إجهاض الجنين قبل أربعين ً‬
‫ً‬
‫الروح فيه وأصبح إنسانا؟‬
‫ً‬ ‫يوما هو ٌ‬
‫الجواب‪ :‬النسان مكون من جسد وروح‪ ،‬قبل مائة وعشرين ً‬
‫جسد بال روح‪ ،‬ال يسمى إنسانا‪ ،‬هو ال زال نطفة‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أو علقة‪ ،‬أو مضغة‪ ،‬ولكن السقاط من غير سبب مكروه‪ ،‬ولهذا جاء في صحيح مسلم أن النبي ﷺ ُسئل عن العزل‪،‬‬
‫وأدا‪ ،‬وذلك إذا كان لغيرحاجة فهو مكروه‪ ،‬أما إذا كان لحاجة فال بأس به‪ ،‬مثل ما‬ ‫قال‪( :‬ذاك ُ‬
‫الوأد الخفي)‪ ،‬فسماه ً‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫ذكرفي الجنين المشوه‪ ،‬أو مثال امرأة اغتصبت وحملت بالكراه‪ ،‬وأسقط ما في بطنها مثال وهي ال زالت في األربعين هذا‬
‫ً‬
‫يوما‪ ،‬فقول السائلة في السؤال أن هذا‬ ‫إنسانا إال بعد مائة وعشرين ً‬ ‫يعتبرحاجة‪ ،‬أو غيرذلك من األسباب‪ ،‬فال ُيسمى‬
‫تدخل في خلق الله‪ ،‬هذا غيرصحيح‪ ،‬ألنه ليس إنسان إال بعد نفخ الروح فيه‪.‬‬

‫‪--------------------------------------------------‬‬
‫ً‬
‫سؤال‪ :‬امرأة سقط منها جنين عمره أربعة أشهرميتا فألقته في دورة المياه‪ ،‬ماذا عليها أن تفعل؟‬
‫ُ‬
‫الجواب‪ :‬إذا كان هذا قد نفخت فيه الروح فتكون قد أخطأت‪ ،‬ألن الواجب تغسيله وتكفينه والصالة عليه ودفنه‪ ،‬أما‬
‫ُ‬
‫إذا كان لم تنفخ فيه الروح‪ ،‬فليس عليها ش يء‪ ،‬وهي قالت أربعة أشهر‪ ،‬ال ندري كم عمرالجنين باأليام وهل الموت كان‬
‫قبل أربعة أشهر؟ إن كان قبل أربعة أشهرمات ثم سقط فليس عليها ش يء‪ ،‬وبكل حال اآلن األمرانتهى‪ ،‬فهي ألقته‬
‫و انتهى‪ ،‬وعليها التوبة إلى الله عزوجل‪ ،‬ألنه هي فقط أخطأت في كونها لم تقم بحقوق هذا الطفل من التغسيل‬
‫ُ‬
‫والتكفين والصالة عليه والدفن في مقابرالمسلمين‪ ،‬على تقديرأنه نفخت فيه الروح‪ ،‬فعليها فقط التوبة إلى الله عز‬
‫وجل‪ ،‬وليس عليها ش ٌيء آخرغيرهذا‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫‪--------------------------------------------------‬‬
‫ٌ‬
‫ومعلوم أنهم ال‬ ‫سؤال‪ :‬إسقاط الجنين أمرمعروف عند الفقهاء وكانوا يمنعون السقاط بعد مائة وعشرين ً‬
‫يوما‪،‬‬
‫تقريبا‪ ،‬أال ُيكتفى بذلك؟‬
‫يضبطونها بدقة‪ ،‬بل يعملون بغالب الظن‪ ،‬ويحسبونه من أيام التبويض ً‬
‫ُ‬
‫الجواب‪ :‬بحسب المكان‪ ،‬يعني اتقوا الله ما استطعتم‪ ،‬لكن ُيجتهد في هذا‪ ،‬لكن المدة تحتسب من حين التلقيح‪،‬‬
‫ً ُ‬ ‫ُ‬
‫ُويمكن للمرأة أن تساعد في هذا‪ ،‬من حين انقطاع الدورة عندها‪ ،‬تقدرمتى كان التلقيح مثال‪ ،‬وتحسب المدة بما يغلب‬
‫على الظن في هذا‪ ،‬لكن أقول مع تقدم الطب في الوقت الحاضر‪ ،‬أال يمكن إيجاد وسيلة طبية متقدمة يمكن معها‬
‫ُ‬
‫حساب عمرالحمل بدقة؟‪ ،‬أتوقع أن هذا ممكن‪ ،‬ممكن لو اهتم األطباء المسلمون بهذا يمكن أن ُيوجدوا‪ ،‬وإال ما ذكر‬
‫في السؤال صحيح‪ ،‬أنه ما دام ال توجد وسيلة طبية متقدمة ُيعمل بغلبة الظن بحساب المرأة‪ ،‬وبحساب الذي أشرنا‬
‫إليه‪ ،‬لكن أقول أن األطباء المسلمين يمكن أن ُيوجدوا وسيلة طبية متقدمة يمكن معها حساب عمرالحمل بدقة على‬
‫الطريقة الشرعية‪.‬‬

‫‪--------------------------------------------------‬‬

‫سؤال‪ :‬زنى بامرأة وأسقطت وال ُيعلم عمرالسقاط‪ ،‬فهل عليه ش يء وهو جاهل؟‬
‫أوال‪ ،‬عليه التوبة إلى الله سبحانه و تعالى من هذا العمل‪ ،‬فإن الزنا من كبائرالذنوب‪ ،‬الله تعالى يقول‪َ :‬‬ ‫ً‬
‫﴿وال‬ ‫الجواب‪:‬‬
‫َّ‬
‫﴿وال َ‬ ‫ساء َسبيال﴾[السراء‪ ]١٤ :‬ومن تاب‪ ،‬تاب الله عليه‪ ،‬كما قال سبحانه‪َ :‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫كان فاحشة َو َ‬‫َّ ُ َ‬ ‫َت َ‬
‫ذين ال‬ ‫قرُبوا الزنا إنه‬
‫ُ َ َ‬
‫ضاعف ل ُه‬ ‫ثامايي‬ ‫لق َأ ً‬
‫فعل ذل َك َي َ‬‫الحق َوال َيزنو َن َو َمن َي َ‬ ‫َ َ َ َّ ً َ َ َ َ ُ َ َّ َ َّ َ َّ َ َّ‬
‫الل ُه إال ب َ‬ ‫َيدعون مع الله إلها آخروال يقتلون النفس التي حرم‬
‫َ‬
‫نات َوكان‬ ‫َ َ‬ ‫َّ ُ َ َ‬ ‫ً َُ َ َُ‬ ‫َ ً‬ ‫هانايإال َمن َ َ َ َ َ‬ ‫ُ ً‬ ‫ُ‬
‫يامة َو َيخلد فيه م‬ ‫ذاب َي َ‬ ‫َ‬
‫تاب و َآمن وعم َل ع َمال صالحا فأولئك يبد ُل الله سيئاتهم حس ٍ‬ ‫وم الق َ‬ ‫الع ُ‬
‫حيما﴾[الفرقان‪]٣٩-١٨ :‬‬ ‫الل ُه َغ ً‬
‫فورا َر ً‬ ‫َّ‬

‫وأما بالنسبة لإلسقاط‪ ،‬إن كان السقاط قبل مائة وعشرين ً‬


‫يوما‪ ،‬فال يلحقهم ش يء‪ ،‬أما إذا كان إسقاط بعد مائة‬
‫ً‬
‫أوال التوبة إلى الله عزوجل‪ً ،‬‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫ثانيا فيه الكفارة‬ ‫نفس معصومة‪ ،‬ففيه‬
‫وعشرين يوما‪ ،‬أي بعد أربعة أشهر فهذا قتل ٍ‬
‫المغلظة وهي صيام شهرين متتابعين في حق المتسبب في السقاط‪ ،‬ألن الرقاب اآلن ال توجد‪ ،‬األصل عتق رقبة‪ ،‬لكن‬
‫الرق انقرض من العالم و انقطع‪ُ ،‬‬
‫فينتقل لصيام شهرين متتابعين إذا كان السقاط بعد مائة وعشرين ً‬
‫يوما‪ ،‬أما إذا‬
‫كان قبل مائة وعشرين ً‬
‫يوما‪ ،‬فال حرج‪ ،‬أي ال يترتب ش يء على هذا السقاط مع وجوب التوبة إلى الله عزوجل من هذا‬
‫األمر‪.‬‬

‫‪--------------------------------------------------‬‬

‫سؤال‪ :‬ماذا عن ماء الزوج وبويضة الزوجة في رحم أجنبية‪ ،‬وهو موجود بما يسمى ب "تأجيراألرحام"؟‬

‫‪42‬‬
‫الجواب‪ :‬هذا ال يجوز‪ ،‬تؤخذ البويضة من امرأة توضع في رحم امرأة أجنبية‪ ،‬هذا ال يجوز‪ ،‬إنما الذي يجوز لو كانت هي‬
‫ُ‬
‫الزوجة األخرى للرجل‪ ،‬فأخذ من بويضة هذه الزوجة ُووضعت في زوجته األخرى من مائه هو‪ ،‬ال بأس به‪ ،‬وقد طرحنا‬
‫تساؤ ٌل‪ ،‬أيهما األم؟ هل األم األولى أو الثانية؟ األم التي حملت به وولدته؟ أم األم صاحبة البويضة؟!‬

‫‪--------------------------------------------------‬‬

‫سؤال‪ :‬هل يجوز الزواج ببنت خال أمي؟‬

‫الجواب‪ :‬نعم‪ ،‬يجوز الزواج ببنت خال أمك‪ ،‬بنت خالك‪ ،‬أو بنت خال أمك‪ ،‬أو بنت خال أبيك‪ ،‬هذه يجوز أن تتزوج‬
‫بها‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫صفحة (‪) 2‬‬ ‫‪ ‬الدرس األول (‪)1‬‬
‫صفحة (‪) 7‬‬ ‫‪ ‬الدرس الثاني (‪)2‬‬
‫صفحة (‪) 12‬‬ ‫‪ ‬الدرس الثالث (‪)1‬‬
‫صفحة (‪) 17‬‬ ‫‪ ‬الدرس الرابع (‪)5‬‬
‫صفحة (‪) 21‬‬ ‫‪ ‬الدرس الخامس (‪) 0‬‬
‫صفحة (‪) 25‬‬ ‫‪ ‬الدرس السادس (‪) 6‬‬
‫صفحة (‪) 20‬‬ ‫‪ ‬الدرس السابع (‪) 7‬‬
‫صفحة (‪) 11‬‬ ‫‪ ‬الدرس الثامن (‪) 0‬‬
‫صفحة (‪)10‬‬ ‫‪ ‬الدرس التاسع (‪) 9‬‬
‫صفحة (‪)51‬‬ ‫‪ ‬الدرس العاشر(‪) 15‬‬
‫صفحة (‪)50‬‬ ‫‪ ‬الدرس الحادي عشر(‪) 11‬‬
‫صفحة (‪) 54‬‬ ‫‪ ‬الدرس الثاني عشر(‪) 12‬‬
‫صفحة (‪) 57‬‬ ‫‪ ‬الدرس الثالث عشر(‪) 11‬‬
‫صفحة (‪) 60‬‬ ‫‪ ‬الدرس الرابع عشر(‪) 15‬‬
‫صفحة (‪) 66‬‬ ‫‪ ‬الدرس الخامس عشر(‪)10‬‬

‫‪47‬‬

You might also like