المادية التاريخية عند كارل ماركس

You might also like

Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 3

‫المدة الزمنية‪ :‬ساعة ونصف‬ ‫االستاذ‪ :‬بن عبد هللا‬

‫محاضرات مقياس‪ :‬مذاهب فلسفية كبرى‬


‫الدرس‪ :‬المادية التاريخية عند كارل ماركس‬
‫تعريف المادية التاريخية‪ :‬هي المقاربة المنهجية‪ ‬للتأريخ الماركسي‪ ‬الذي يركز على المجتمعات البشرية وتطورها مع‬
‫مرور الوقت‪ ،‬ويؤكد بأن هذه المقاربة المنهجية قابلة للمالحظة‪ ،‬وقد تم التعبير عن هذا األمر ألول مرة من قبل كارل‬
‫ماركس (‪ )1883-1818‬باعتباره مؤسس نظرية التصور المادي للتاريخ‪.‬‬
‫ً‬
‫عامة‬ ‫تبحث المادية التاريخية عن أسباب التطورات والتغيرات في المجتمع البشري من خالل الوسائل التي ينتج‪ 7‬بها البشر‬
‫ضروريات الحياة‪ ،‬وتفترض أن الطبقات االجتماعية والعالقة بينها إلى جانب الهياكل السياسية وأساليب التفكير في‬
‫المجتمع‪ ،‬تستند إلى النشاط االقتصادي المعاصر وتعكسه‪.‬‬

‫منذ زمن‪ ‬ماركس‪ُ  ‬ع ِّدلَت النظرية ووُ ِّس َعت من قبل الكتاب الماركسيين‪ ،‬ولها اآلن العديد‪ 7‬من األوجه الماركسية وغير‬
‫الماركسية‪ ،‬ويحاجج الماركسيون بأن المادية التاريخية هي المقاربة العلمية لدراسة‪ ‬التاريخ‪.‬‬

‫جذورها التاريخية‪*:‬‬
‫لم يستخدم ماركس مصطلح "المادية التاريخية" ليصف نظريته‪ ،‬فقد ظهر ألول مرة في كتاب‪ ‬فريدريك إنجلز‪" ‬االشتراكية‪:‬‬
‫الطوباوية والعلمية" في عام ‪ ،1880‬ويتضح اهتمام ماركس المبدئي بالمادية في أطروحة الدكتوراه الخاصة به‪ ،‬التي قارنت‬
‫بين الذرية الفلسفية (المذهب الذري) لديموقريطوس والفلسفة المادية إلبيقور‪ ،‬وكذلك في قراءاته الوثيقة آلدم سميث وكتاب‬
‫آخرين في االقتصاد السياسي الكالسيكي‪.‬‬

‫وضّح وفصّل كل من ماركس‪ 7‬وإنجلز تصورهما المادي للتاريخ ألول مرة داخل صفحات "األيدولوجية األلمانية" في عام‬
‫‪ ،1845‬والكتاب الذي يعتبره‪ 7‬الماركسيون‪ 7‬البنيويون مثل لوي ألتوسير بمثابة‪ 7‬أول عمل ناضج‪ 7‬لماركس‪ ،‬هو مجادلة طويلة ضد‬
‫زمالء ومعاصري ماركس‪ 7‬وإنجلز من الشباب الهيجليين لودفيغ فويرباخ وبرونو باور وماكس شتيرنر‪.‬‬

‫كان‪ 7‬لكتاب شتيرنر عام ‪" 1844‬األنا وذاتها" تأثيرً ا قويًا بشكل خاص على النظرة العالمية لماركس وإنجلز‪ :‬إن نقد شتيرنر‬
‫الشديد لألخالق والتقدير الخالص لألنانية دفعت الزوجين إلى صياغة مفهوم لالشتراكية على غرار المصلحة الشخصية عوضًا‬
‫عن اإلنسانوية البسيطة وحدها‪ ،‬مما أسس لهذا المفهوم في الدراسة العلمية للتاريخ‪ ،‬ولعل أوضح صياغة‪ 7‬قدمها ماركس‪ 7‬للمادية‬
‫التاريخية كانت في مقدمة كتابه "مساهمة في نقد االقتصاد السياسي"‪.‬‬

‫االفكار الرئيسية‪:‬‬
‫تنبثق المادية التاريخية من الواقع الجوهري الضمني للوجود اإلنساني‪ :‬حتى يتمكن البشر من البقاء واالستمرار من جيل إلى‬
‫جيل‪ ،‬من الضروري لهم إنتاج وإعادة إنتاج المتطلبات المادية للحياة‪ ،‬ثم وسع ماركس‪ 7‬الفكرة‪ 7‬السابقة من خالل تأكيده على‬
‫أهمية هذه الحقيقة‪ :‬من أجل تنفيذ اإلنتاج والتبادل‪ ،‬يتعين على الناس الدخول في عالقات اجتماعية‪ 7‬واضحة للغاية‪ ،‬وأهمها‬
‫"عالقات اإلنتاج"‪.‬‬

‫حدد ماركس‪ 7‬عالقات إنتاج‪ ‬المجتمع‪( ‬الناشئة على أساس قوى منتجة معينة) باعتبارها‪ 7‬القاعدة االقتصادية للمجتمع‪ ،‬كما أوضح‬
‫أنه عند تأسيس القاعدة‪ 7‬االقتصادية تنشأ بعض المؤسسات السياسية والقوانين والتقاليد والثقافة‪ ،‬وكذلك األفكار وطرق التفكير‬
‫واألخالق وغيرها‪ ،‬وهذا ما يشكل البنية الفوقية السياسية‪/‬اإليديولوجية للمجتمع‪ ،‬وهذه البنية منشأها ليس القاعدة‪ 7‬االقتصادية‬
‫فقط‪ ،‬ولكن سماتها‪ 7‬تتوافق في نهاية المطاف مع طبيعة وتطور تلك القاعدة‪ ،‬أي الطريقة التي ينظم بها الناس المجتمع ُتحدَّد عبر‬
‫القاعدة االقتصادية والعالقات الناتجة عن طريقته في‪ ‬اإلنتاج‪.‬‬

‫عادة ما يفترض كتاب المادية التاريخية أن المجتمع قد انتقل عبر عدة أنواع أو أنماط لإلنتاج‪ ،‬أي أن طبيعة عالقات اإلنتاج‬
‫تحددها طبيعة القوى اإلنتاجية؛ كاألدوات واآلالت البسيطة في العصور البشرية الباكرة‪ ،‬أو اآلالت والتكنولوجيا األكثر تقدمًا‬
‫في عصرنا الحالي‪.‬‬

‫وتشمل األساليب الرئيسية لإلنتاج التي حددها ماركس عمو ًما‪ 7‬الشيوعية البدائية أو المجتمع القبلي (مرحلة ما قبل التاريخ)‪،‬‬
‫والمجتمع القديم‪ ،‬واإلقطاعية‪ ،‬والرأسمالية‪ ،‬وفي كل من هذه المراحل االجتماعية يتفاعل‪ 7‬الناس مع الطبيعة ويعيشون حياتهم‬
‫بطرق مختلفة‪.‬‬

‫المضامين الرئيسية في دراسة وفهم التاريخ‪:‬‬


‫أشار العديد من الكتاب إلى أن المادية التاريخية تمثل ثورة في الفكر اإلنساني‪ ،‬وخر ًقا للطرق السابقة لفهم األساسات الكامنة‬
‫للتغيير داخل المجتمعات‪ 7‬البشرية المختلفة‪ ،‬وكما يقول ماركس‪" :‬ينشأ التماسك في تاريخ البشرية" ألن كل جيل يرث قوى‬
‫اإلنتاج التي تم تطويرها في السابق‪ ،‬ويطورها بدوره قبل نقلها إلى الجيل التالي‪ ،‬عالوة على ذلك‪ ،‬كلما شمل هذا التماسك‬
‫المزيد من البشرية‪ ،‬كلما ازدادت القوى المنتجة وتوسعت لربط الناس معًا في اإلنتاج والتبادل‪.‬‬

‫يعارض‪ 7‬هذا الفهم فكرة أن تاريخ البشرية هو مجرد سلسلة من الحوادث بدون أي سبب كامن‪ 7‬أو تسببها كائنات أو قوى خارقة‬
‫تمارس‪ 7‬إرادتها على المجتمع‪ ،‬وتفترض المادية التاريخية أن التاريخ‪ 7‬يتشكل كنتيجة للصراع بين الطبقات االجتماعية المختلفة‬
‫المتأصلة في القاعدة االقتصادية األساسية‪ ،‬ووف ًقا لجيرالد كوهين فإن مستوى تطور القوى اإلنتاجية للمجتمع (أي القوى‬
‫التكنولوجية للمجتمع‪ ،‬بما في ذلك األدوات واآلالت والمواد الخام والقوى العاملة)‪ 7‬يحدد الهيكل االقتصادي للمجتمع‪ ،‬بمعنى أنه‬
‫ينتقي هيكل العالقات االقتصادية األفضل في تسهيل النمو التكنولوجي‪ ،‬وفي التفسير التاريخي يمكن فهم األسبقية الكلية للقوى‬
‫اإلنتاجية من خالل األطروحتين األساسيتان‪7:‬‬

‫تميل القوى المنتجة إلى التطور عبر التاريخ‪( 7‬أطروحة‪ ‬التطور)‪.‬‬ ‫‪.1‬‬


‫طبيعة عالقات اإلنتاج في مجتمع ما يفسرها مستوى تطور قوى اإلنتاج (أطروحة األسبقية)‪.‬‬ ‫‪.2‬‬

‫عند القول بأن القوى المنتجة لها ميل عام إلى التطور‪ ،‬فإن قراءة كوهين لماركس‪ 7‬ال تدعي أن القوى المنتجة تتطور دائمًا أو‬
‫أنها ال تنحدر أب ًدا‪ ،‬فقد يتوقف تطورها مؤق ًتا‪ ،‬ولكن نظرً ا ألن البشر لديهم اهتمام عقالني بتطوير قدراتهم للتحكم في تفاعالتهم‪7‬‬
‫مع الطبيعة الخارجية لتلبية رغباتهم‪ ،‬فإن االتجاه التاريخي يتجه بقوة نحو تطوير هذه القدرات‬

‫بشكل عام‪ ،‬تكمن أهمية دراسة التاريخ في قدرة التاريخ على تفسير الحاضر‪ ،‬ويؤكد جون بيالمي فوستر أن المادية التاريخية‬
‫مهمة في تفسير التاريخ من منظور علمي من خالل اتباع األسلوب العلمي‪ ،‬على عكس‪ 7‬نظريات أنظمة اإليمان مثل الخلقية‬
‫والتصميم الذكي الذين ال يسندون معتقداتهم إلى حقائق وفرضيات يمكن التحقق منها‪.‬‬
‫افتراض حتمي نحو مستقبل اشتراكي‪:‬‬

‫في تحليالته لحركة التاريخ‪ ،‬تنبأ‪ ‬ماركس‪ ‬بانهيار‪ 7‬الرأسمالية‪ ،‬وتأسيس المجتمع الشيوعي في الوقت الذي يمكن فيه التغلب على‬
‫وضع وسائل اإلنتاج تحت الملكية العامة وتستخدم للصالح العام‪ ،‬وفي ذكر "التحرر‬ ‫الصراع الطبقي القائم على الطبقية‪ ،‬س ُت َ‬
‫ً‬
‫عامة في التنبؤ بالمستقبل‬ ‫البشري" ال ينبغي ألحد أن يتجاهل أن الطبقة العاملة هي األكثر اضطها ًدا على مستوى اإلنتاج‪ ،‬ولكن‬
‫يجب على المرء أواًل أن يعرف الماضي (على سبيل المثال‪ :‬تأسيس الرأسمالية‪ ،‬والجزء االنتقالي من اإلقطاع)‪.‬‬
‫خاتمة‪:‬‬
‫لقد حرص ماركس بنفسه على اإلشارة إلى أنه يقترح فقط توجيهًا لألبحاث التاريخية‪ ،‬وأنه لم يقدم أي "نظرية تاريخية" أو‬
‫"فلسفة تاريخية كبرى" ناهيك عن "المفتاح الرئيسي للتاريخ"‪ ،‬وقد أعرب إنجلز عن غضبه من األكاديميين‪ 7‬الهاوين الذين‬
‫تسرعوا باعتبار معرفتهم التاريخية الهزيلة نظام نظري كبير يشرح "كل شيء" عن التاريخ‪ ،‬واعتبر أن المادية التاريخية‬
‫ونظرية أساليب اإلنتاج كانت تستخدم كذريعة لعدم دراسة التاريخ‪.‬‬

‫كما انتقد فيلسوف العلوم كارل بوبر في "فقر المذهب التاريخي" و"التخمين والتكذيب"‪ ،‬ادعاءات القوة التفسيرية أو‬
‫التطبيق الصحيح للمادية التاريخية من خالل القول أنه يمكن تفسير أو شرح أي حقيقة معروضة أمامه بجعلها غير قابلة‬
‫للدحض وبالتالي علم زائف‪ ،‬وقد قدم الفيلسوف لشك كوالكفسكي حجج مماثلة في "التيارات الماركسية‪ 7‬الرئيسية"‪ .‬‬

You might also like