Professional Documents
Culture Documents
المادية التاريخية عند كارل ماركس
المادية التاريخية عند كارل ماركس
المادية التاريخية عند كارل ماركس
منذ زمن ماركسُ ع ِّدلَت النظرية ووُ ِّس َعت من قبل الكتاب الماركسيين ،ولها اآلن العديد 7من األوجه الماركسية وغير
الماركسية ،ويحاجج الماركسيون بأن المادية التاريخية هي المقاربة العلمية لدراسة التاريخ.
جذورها التاريخية*:
لم يستخدم ماركس مصطلح "المادية التاريخية" ليصف نظريته ،فقد ظهر ألول مرة في كتاب فريدريك إنجلز" االشتراكية:
الطوباوية والعلمية" في عام ،1880ويتضح اهتمام ماركس المبدئي بالمادية في أطروحة الدكتوراه الخاصة به ،التي قارنت
بين الذرية الفلسفية (المذهب الذري) لديموقريطوس والفلسفة المادية إلبيقور ،وكذلك في قراءاته الوثيقة آلدم سميث وكتاب
آخرين في االقتصاد السياسي الكالسيكي.
وضّح وفصّل كل من ماركس 7وإنجلز تصورهما المادي للتاريخ ألول مرة داخل صفحات "األيدولوجية األلمانية" في عام
،1845والكتاب الذي يعتبره 7الماركسيون 7البنيويون مثل لوي ألتوسير بمثابة 7أول عمل ناضج 7لماركس ،هو مجادلة طويلة ضد
زمالء ومعاصري ماركس 7وإنجلز من الشباب الهيجليين لودفيغ فويرباخ وبرونو باور وماكس شتيرنر.
كان 7لكتاب شتيرنر عام " 1844األنا وذاتها" تأثيرً ا قويًا بشكل خاص على النظرة العالمية لماركس وإنجلز :إن نقد شتيرنر
الشديد لألخالق والتقدير الخالص لألنانية دفعت الزوجين إلى صياغة مفهوم لالشتراكية على غرار المصلحة الشخصية عوضًا
عن اإلنسانوية البسيطة وحدها ،مما أسس لهذا المفهوم في الدراسة العلمية للتاريخ ،ولعل أوضح صياغة 7قدمها ماركس 7للمادية
التاريخية كانت في مقدمة كتابه "مساهمة في نقد االقتصاد السياسي".
االفكار الرئيسية:
تنبثق المادية التاريخية من الواقع الجوهري الضمني للوجود اإلنساني :حتى يتمكن البشر من البقاء واالستمرار من جيل إلى
جيل ،من الضروري لهم إنتاج وإعادة إنتاج المتطلبات المادية للحياة ،ثم وسع ماركس 7الفكرة 7السابقة من خالل تأكيده على
أهمية هذه الحقيقة :من أجل تنفيذ اإلنتاج والتبادل ،يتعين على الناس الدخول في عالقات اجتماعية 7واضحة للغاية ،وأهمها
"عالقات اإلنتاج".
حدد ماركس 7عالقات إنتاج المجتمع( الناشئة على أساس قوى منتجة معينة) باعتبارها 7القاعدة االقتصادية للمجتمع ،كما أوضح
أنه عند تأسيس القاعدة 7االقتصادية تنشأ بعض المؤسسات السياسية والقوانين والتقاليد والثقافة ،وكذلك األفكار وطرق التفكير
واألخالق وغيرها ،وهذا ما يشكل البنية الفوقية السياسية/اإليديولوجية للمجتمع ،وهذه البنية منشأها ليس القاعدة 7االقتصادية
فقط ،ولكن سماتها 7تتوافق في نهاية المطاف مع طبيعة وتطور تلك القاعدة ،أي الطريقة التي ينظم بها الناس المجتمع ُتحدَّد عبر
القاعدة االقتصادية والعالقات الناتجة عن طريقته في اإلنتاج.
عادة ما يفترض كتاب المادية التاريخية أن المجتمع قد انتقل عبر عدة أنواع أو أنماط لإلنتاج ،أي أن طبيعة عالقات اإلنتاج
تحددها طبيعة القوى اإلنتاجية؛ كاألدوات واآلالت البسيطة في العصور البشرية الباكرة ،أو اآلالت والتكنولوجيا األكثر تقدمًا
في عصرنا الحالي.
وتشمل األساليب الرئيسية لإلنتاج التي حددها ماركس عمو ًما 7الشيوعية البدائية أو المجتمع القبلي (مرحلة ما قبل التاريخ)،
والمجتمع القديم ،واإلقطاعية ،والرأسمالية ،وفي كل من هذه المراحل االجتماعية يتفاعل 7الناس مع الطبيعة ويعيشون حياتهم
بطرق مختلفة.
يعارض 7هذا الفهم فكرة أن تاريخ البشرية هو مجرد سلسلة من الحوادث بدون أي سبب كامن 7أو تسببها كائنات أو قوى خارقة
تمارس 7إرادتها على المجتمع ،وتفترض المادية التاريخية أن التاريخ 7يتشكل كنتيجة للصراع بين الطبقات االجتماعية المختلفة
المتأصلة في القاعدة االقتصادية األساسية ،ووف ًقا لجيرالد كوهين فإن مستوى تطور القوى اإلنتاجية للمجتمع (أي القوى
التكنولوجية للمجتمع ،بما في ذلك األدوات واآلالت والمواد الخام والقوى العاملة) 7يحدد الهيكل االقتصادي للمجتمع ،بمعنى أنه
ينتقي هيكل العالقات االقتصادية األفضل في تسهيل النمو التكنولوجي ،وفي التفسير التاريخي يمكن فهم األسبقية الكلية للقوى
اإلنتاجية من خالل األطروحتين األساسيتان7:
عند القول بأن القوى المنتجة لها ميل عام إلى التطور ،فإن قراءة كوهين لماركس 7ال تدعي أن القوى المنتجة تتطور دائمًا أو
أنها ال تنحدر أب ًدا ،فقد يتوقف تطورها مؤق ًتا ،ولكن نظرً ا ألن البشر لديهم اهتمام عقالني بتطوير قدراتهم للتحكم في تفاعالتهم7
مع الطبيعة الخارجية لتلبية رغباتهم ،فإن االتجاه التاريخي يتجه بقوة نحو تطوير هذه القدرات
بشكل عام ،تكمن أهمية دراسة التاريخ في قدرة التاريخ على تفسير الحاضر ،ويؤكد جون بيالمي فوستر أن المادية التاريخية
مهمة في تفسير التاريخ من منظور علمي من خالل اتباع األسلوب العلمي ،على عكس 7نظريات أنظمة اإليمان مثل الخلقية
والتصميم الذكي الذين ال يسندون معتقداتهم إلى حقائق وفرضيات يمكن التحقق منها.
افتراض حتمي نحو مستقبل اشتراكي:
في تحليالته لحركة التاريخ ،تنبأ ماركس بانهيار 7الرأسمالية ،وتأسيس المجتمع الشيوعي في الوقت الذي يمكن فيه التغلب على
وضع وسائل اإلنتاج تحت الملكية العامة وتستخدم للصالح العام ،وفي ذكر "التحرر الصراع الطبقي القائم على الطبقية ،س ُت َ
ً
عامة في التنبؤ بالمستقبل البشري" ال ينبغي ألحد أن يتجاهل أن الطبقة العاملة هي األكثر اضطها ًدا على مستوى اإلنتاج ،ولكن
يجب على المرء أواًل أن يعرف الماضي (على سبيل المثال :تأسيس الرأسمالية ،والجزء االنتقالي من اإلقطاع).
خاتمة:
لقد حرص ماركس بنفسه على اإلشارة إلى أنه يقترح فقط توجيهًا لألبحاث التاريخية ،وأنه لم يقدم أي "نظرية تاريخية" أو
"فلسفة تاريخية كبرى" ناهيك عن "المفتاح الرئيسي للتاريخ" ،وقد أعرب إنجلز عن غضبه من األكاديميين 7الهاوين الذين
تسرعوا باعتبار معرفتهم التاريخية الهزيلة نظام نظري كبير يشرح "كل شيء" عن التاريخ ،واعتبر أن المادية التاريخية
ونظرية أساليب اإلنتاج كانت تستخدم كذريعة لعدم دراسة التاريخ.
كما انتقد فيلسوف العلوم كارل بوبر في "فقر المذهب التاريخي" و"التخمين والتكذيب" ،ادعاءات القوة التفسيرية أو
التطبيق الصحيح للمادية التاريخية من خالل القول أنه يمكن تفسير أو شرح أي حقيقة معروضة أمامه بجعلها غير قابلة
للدحض وبالتالي علم زائف ،وقد قدم الفيلسوف لشك كوالكفسكي حجج مماثلة في "التيارات الماركسية 7الرئيسية" .