Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 14

Journal of Humanities and Social Sciences ‫مجلة العلوم اإلنسانية واالجتماعية‬

Volume (3), Issue (9) : 30 Sep 2019 ‫ م‬2019 ‫ سبتمبر‬30 : )9( ‫ العدد‬،)3( ‫املجلد‬
P: 55 - 67 67 - 55 :‫ص‬
ISSN: 2522-3380

Narrator Between Reading Text and Visual Film (2000-2017)


(2000-2017) ‫ﺍﻟﺮﺍﻭﻱ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﻘﺮﻭﺀ ﻭﺍﻟﻤﺮﺋﻲ ﺍﻟﺴﻴﻨﻤﺎﺋﻲ‬ :‫ﺍﻟﻌﻨﻮﺍﻥ‬
Kawthar M. Ali ‫ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ‬
‫ﻭﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‬ Jabara ‫ﻣﺠﻠﺔ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ‬ :‫ﺍﻟﻤﺼﺪﺭ‬
University of Duhok || Kurdistan
‫ﻟﻠﺒﺤﻮﺙ ﻏﺰﺓ‬Region || Iraq ‫ﺍﻟﻤﺮﻛﺰ‬
‫ﺍﻟﻘﻮﻣﻲ‬ :‫ﺍﻟﻨﺎﺷﺮ‬
Dhiya Abdulrazaq
‫ﻋﻠﻲ‬Ayoob
‫ ﻛﻮﺛﺮ ﻣﺤﻤﺪ‬،‫ﺟﺒﺎﺭﺓ‬ :‫ﺍﻟﻤؤﻟﻒ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ‬
Faculty of Education || Koya University || Kurdistan Region || Iraq
(‫ ﻣﺸﺎﺭﻙ‬.‫ ﺿﻴﺎﺀ ﻋﺒﺪﺍﻟﺮﺯﺍﻗ)ﻢ‬،‫ﺃﻳﻮﺏ‬ :‫ﻣؤﻟﻔﻴﻦ ﺁﺧﺮﻳﻦ‬
Abstract: Written narratives (narrative text) and visual narrative (film text) share 9‫ﻉ‬ the ,3‫ﻣﺞ‬
fact that they both rely :‫ﺍﻟﻌﺪﺩ‬/‫ﺍﻟﻤﺠﻠﺪ‬
on specific
narrative events, as well as narrative technique, the events in both of the texts go on with their different states, but what
‫ﻧﻌﻢ‬ :‫ﻣﺤﻜﻤﺔ‬
differentiates these two narrative techniques is the difference that they both have in their media system and their media. For
the language of the narrative text is the word, while the language of the visual narrative2019 :‫ﺍﻟﻤﻴﻼﺩﻱ‬
is the picture. Therefor, ‫ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ‬
the literary
text is aimed at the intangible at second level. ‫ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ‬ :‫ﺍﻟﺸﻬﺮ‬
Although, the tool of expression is different in both of theme, they depend on the presence
55 - 67 of a narrator in their structures,
:‫ﺍﻟﺼﻔﺤﺎﺕ‬
in its different forms, whether it is narrated by the author himself or by a narrator. We will not talk so long abut:MD
1037827
the ‫ﺭﻗﻢ‬
definitions of the narrator and their classifications that can be found in many references, and we find that what is important
‫ﺑﺤﻮﺙ ﻭﻣﻘﺎﻻﺕ‬ :‫ﻧﻮﻉ ﺍﻟﻤﺤﺘﻮﻯ‬
to point at in this paper is the relationship between the narrator and the director along sides with the author. And the kind of
narrators by their distortive peculiarity between what is literary and what is cinematic. Arabic :‫ﺍﻟﻠﻐﺔ‬
HumanIndex
The research is of three sections the first and third of which deal with narrative :‫ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺕ‬
and visual text, they also tackle the role of‫ﻗﻮﺍﻋﺪ‬
the omniscient
2000 ‫ﻋﺎﻡ‬ narrator
‫ﻣﺎ ﺑﻌﺪ‬in narrating the story‫ﺍﻷﺩﺏ‬
‫ ﺭﻭﺍﻳﺎﺕ‬،‫ﺍﻟﺮﻭﺍﺋﻰ‬ and his،‫ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ‬
movements between
‫ﺍﻟﺴﻴﻨﻤﺎ‬ the two texts,
،‫ﻭﺍﻟﺴﻴﻨﻤﺎ‬ ‫ﺍﻷﺩﺏ‬narrative and visual one. :‫ﻣﻮﺍﺿﻴﻊ‬
The
second section studies the processing of the visual texts. In which it is unique to the narrative texts in the voice over which is
http://search.mandumah.com/Record/1037827 :‫ﺭﺍﺑﻂ‬
not achieved in the written texts.
Keywords: Narrative literature, read texts, Visual texts, , Arabic cinema, Arabic novel Novels after (2000), Narrator.

)2017 -2000( ‫الراوي بين املقروء واملرئي السينمائي‬


‫كوثر محمد علي جبارة‬
‫جامعة دهوك || إقليم كوردستان || العراق‬
‫ضياء عبد الرزاق أيوب‬
‫فاكلتي التربية || جامعة كويه || إقليم كوردستان || العراق‬
‫ بل عولج مسبقا‬،‫ لم يكن موضوع العالقة بين األدب والسينما بعيدا عن أقالم الباحثين وحواراتهم املكتوبة واملتلفزة كذلك‬:‫امللخص‬
‫واختلفت فيه اآلراء بين مؤيد ورافض وبين مشجع ومعترف بالعالقة والتأثير املتبادل ومن يقف عكس ذلك تماما من الفنانين إلى‬
‫ وطال هذا االختالف والتغاير مختلف تفصيال ت النصين ليالمم الن األدي املقروء‬،‫ ومرورا باألدباء والنقاد‬،‫املخرجين وصناع السينما‬
‫ قبل أن يمر بمراحل إلعداده وتحويله إلى ن مرئ بلغة صورية مختلفة عن لغته التي كتب بها بوصفه‬، ‫متطلبا ت الفن السينمائ املرئ‬
‫ فاختصت‬، ‫ وفي هذا البحث سنسلط الضوء على تفصيلية من تفصيال ت التحول بين النصين املقروء واملرئ السينمائ‬.‫نصا أدبيا‬
‫الدراسة هذه بموضوع الراوي؛ تشكالته والتغيرا ت التي يخضع لها أثناء انتقاله من وصفه كامنا من ورق إلى كونه صوتا يرافق الن‬
.‫ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‬.‫ ﺩﺍﺭ ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‬2021 ©
‫ ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺗﺤﻤﻴﻞ ﺃﻭ ﻃﺒﺎﻋﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻟﻼﺳﺘﺨﺪﺍﻡ‬.‫ﺟﻤﻴﻊ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‬.‫را‬
‫الكاميﺃﻥ‬
‫أبرزها ﻋﻠﻤﺎ‬
،‫بحتةﺍﻟﻨﺸﺮ‬
‫مرميةﺣﻘﻮﻕ‬ ‫تقنيا ت‬
‫ﺃﺻﺤﺎﺏ‬ ‫ﺍﻹﺗﻔﺎﻕ مكانه‬
‫ﺍﻟﻤﻮﻗﻊ ﻣﻊ‬ ‫تماما لتحل‬
‫غيابه ﻋﻠﻰ‬ ‫ﺍﻟﻤﺎﺩﺓأو إلى‬
‫ﻣﺘﺎﺣﺔ ﺑﻨﺎﺀ‬ ‫ﻫﺬﻩ املرئ‬
‫ ﻭﻳﻤﻨﻊ ﺍﻟﻨﺴﺦ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺤﻮﻳﻞ ﺃﻭ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻋﺒﺮ ﺃﻱ ﻭﺳﻴﻠﺔ )ﻣﺜﻞ ﻣﻮﺍﻗﻊ ﺍﻻﻧﺘﺮﻧﺖ ﺃﻭ ﺍﻟﺒﺮﻳﺪ ﺍﻻﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻲ( ﺩﻭﻥ ﺗﺼﺮﻳﺢ ﺧﻄﻲ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﺃﻭ ﺩﺍﺭ‬،‫ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ ﻓﻘﻂ‬
.‫ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‬

DOI: https://doi.org/10.26389/AJSRP.K180519 )55( Available at: https://www.ajsrp.com


Journal of Humanities and Social Sciences ‫مجلة العلوم اإلنسانية واالجتماعية‬
Volume (3), Issue (9) : 30 Sep 2019 ‫ م‬2019 ‫ سبتمبر‬30 : )9( ‫ العدد‬،)3( ‫املجلد‬
P: 55 - 67 67 - 55 :‫ص‬
ISSN: 2522-3380

Narrator Between Reading Text and Visual Film (2000-2017)


Kawthar M. Ali Jabara
University of Duhok || Kurdistan Region || Iraq
Dhiya Abdulrazaq Ayoob
Faculty of Education || Koya University || Kurdistan Region || Iraq
Abstract: Written narratives (narrative text) and visual narrative (film text) share the fact that they both rely on specific
narrative events, as well as narrative technique, the events in both of the texts go on with their different states, but what
differentiates these two narrative techniques is the difference that they both have in their media system and their media. For
the language of the narrative text is the word, while the language of the visual narrative is the picture. Therefor, the literary
text is aimed at the intangible at second level.
Although, the tool of expression is different in both of theme, they depend on the presence of a narrator in their structures,
in its different forms, whether it is narrated by the author himself or by a narrator. We will not talk so long abut the
definitions of the narrator and their classifications that can be found in many references, and we find that what is important
to point at in this paper is the relationship between the narrator and the director along sides with the author. And the kind of
narrators by their distortive peculiarity between what is literary and what is cinematic.
The research is of three sections the first and third of which deal with narrative and visual text, they also tackle the role of
the omniscient narrator in narrating the story and his movements between the two texts, narrative and visual one. The
second section studies the processing of the visual texts. In which it is unique to the narrative texts in the voice over which is
not achieved in the written texts.
Keywords: Narrative literature, read texts, Visual texts, , Arabic cinema, Arabic novel Novels after (2000), Narrator.

)2017 -2000( ‫الراوي بين املقروء واملرئي السينمائي‬


‫كوثر محمد علي جبارة‬
‫جامعة دهوك || إقليم كوردستان || العراق‬
‫ضياء عبد الرزاق أيوب‬
‫فاكلتي التربية || جامعة كويه || إقليم كوردستان || العراق‬
‫ بل عولج مسبقا‬،‫ لم يكن موضوع العالقة بين األدب والسينما بعيدا عن أقالم الباحثين وحواراتهم املكتوبة واملتلفزة كذلك‬:‫امللخص‬
‫واختلفت فيه اآلراء بين مؤيد ورافض وبين مشجع ومعترف بالعالقة والتأثير املتبادل ومن يقف عكس ذلك تماما من الفنانين إلى‬
‫ وطال هذا االختالف والتغاير مختلف تفصيال ت النصين ليالمم الن األدي املقروء‬،‫ ومرورا باألدباء والنقاد‬،‫املخرجين وصناع السينما‬
‫ قبل أن يمر بمراحل إلعداده وتحويله إلى ن مرئ بلغة صورية مختلفة عن لغته التي كتب بها بوصفه‬، ‫متطلبا ت الفن السينمائ املرئ‬
‫ فاختصت‬، ‫ وفي هذا البحث سنسلط الضوء على تفصيلية من تفصيال ت التحول بين النصين املقروء واملرئ السينمائ‬.‫نصا أدبيا‬
‫الدراسة هذه بموضوع الراوي؛ تشكالته والتغيرا ت التي يخضع لها أثناء انتقاله من وصفه كامنا من ورق إلى كونه صوتا يرافق الن‬
.‫املرئ أو إلى غيابه تماما لتحل مكانه تقنيا ت مرمية بحتة أبرزها الكاميرا‬

DOI: https://doi.org/10.26389/AJSRP.K180519 )55( Available at: https://www.ajsrp.com


‫المجلة العربية للعلوم ونشر األبحاث ــ مجلة العلوم اإلنسانية واالجتماعية ــ المجلد الثالث ــ العدد التاسع ــ سبتمبر ‪2019‬‬

‫ومن هنا انقسم البحث إلى ثالثة محاور اخت األول واألخير منهما بالنصين املقروء واملرئ السينمائ فعرضنا فيهما للمؤلف الضمني‬
‫وذا ت املؤلف الثانية ودورهما في عملية السرد في النصين‪ ،‬وكذلك ملوقع الراوي وتحوالته بين النصين املقروء واملرئ السينمائ ‪ ،‬أما‬
‫املحور الثان فقد انفرد بمعالجة النصوص املرمية بما تميز ت به عن النصوص املقروءة في صو ت الراوي ( ‪ )Voice over‬الذي ال يتحقق‬
‫في النصوص املقروءة‪.‬‬
‫ُ‬
‫واختير لهذا البحث عينة تحليلية من األعمال الروامية العربية التي اقتبست من أفالم سينمامية عربية منذ العام ‪ 2000‬حتى عام إعداد‬
‫هذه الدراسة‪ ،2017‬لقلة الدراسا ت األكاديمية املقارنة حول هذه األعمال وكذلك لتطور تقنيا ت الفن السينمائ الذي أدى إلى إمكانية‬
‫اقتباس النصوص حتى غير املؤهلة ألن تكون نصوصا سينمامية مرمية‪ ،‬فضال عن ابتعاد هذه األعمال عن االقتباس الحرفي لألعمال‬
‫ملبدعيهما الروائ ‪ ،‬السيناريست‪ ،‬املمثل واملخرج‪.‬‬
‫ِ‬ ‫املكتوبة ما جعل من النصين يقدمان وجتهي نظر مختلفتين‬
‫الكلمات املفتاحية‪ :‬األدب الروائ ‪ ،‬النصوص املقروءة‪ ،‬النصوص املرمية‪ ،‬السينما العربية‪ ،‬روايا ت ما بعد عام‪ ،2000‬الراوي‪Voice ،‬‬
‫‪.over‬‬

‫املقدمة‪:‬‬
‫يشترك السرد اللغوي املقروء (الن الروائ ) مع السرد الصوري املرئ (الن الفلمي) باعتمادهما على‬
‫سرد أحداث معينة وبوصفهما فنين سرديين تتوالى األحداث في كل منهما بتحوالتها وحاالتها املختلفة‪ ،‬لكن ما يجعل‬
‫هذين النظامين السرديين يختلف أحدهما عن اآلخر هو طبيعة أنظمتهما العالمية ووسامطهما‪ ،‬فلغة الن السردي‬
‫املقروء هي الكلمة بينما لغة الن السردي املرئ هي الصورة‪ ،‬لذلك يستهدف الن األدي ما هو غير محسوس ثم‬
‫املحسوسا ت بدرجة ثانية‪ ،‬ومع ان أداة التعبير مختلفة بين كل منهما‪ ،‬إال أنهما يعتمدان وجود راو في بنيتهما‪،‬‬
‫وبتشكالته املختلفة سواء أكان ذاتا ثانية للمؤلف أم راويا عاملا بكل ش يء‪ ،‬أو ما يطلق عليه (املصور األكبر) أو غيره‪،‬‬
‫ولن نطيل في الحديث عن تعريفا ت الراوي‪ ،‬وتصنيفاته لدى النقاد التي توفرها العديد من املصادر واملراجع السابقة‬
‫لهذه الدراسة‪ ،‬ونجد أننا البد من أن نشير إلى عالقة السارد‪/‬الراوي بصانع العمل الفني (املخرج) واألدي (الكاتب)‬
‫فضال عن أنواع الراوي من جانب خصوصيتها الفارقة بين ما هو أدي (مقروء) وسينمائ (مرئ )‪.‬‬

‫أهداف البحث‪ :‬يهدف البحث إلى تحقيق عدد من األهداف أهمها املقارنة بين نصين مختلفين ومتشابهين في آن‬
‫واحد‪ ،‬فهما مختلفان في اللغة واملعالجة والرؤية‪ ،‬ومتفقان في كونهما يعتمدان التقنيا ت املتشابهة أو املتطابقة في‬
‫بعض األحيان‪ ،‬فضال عن أن هذا البحث يهدف إلى الوصول إلى جوانب الراوي وتشكالته كلها التي يظهر فيها في الن‬
‫املقروء وكيف يتحول في الن املرئ أو كيف تحل الكاميرا محله فيه‪.‬‬

‫أهمية البحث‪ :‬تكمن أهمية هذا البحث في كونه يلق الضوء على جزء من مكونا ت السرد الرميسة في الن الروائ‬
‫الذي يتحول إلى نقطة ضعف في العمل املرئ السينمائ في حال اعتمد عليها صناع الن الفيلمي اعتمادا كامال‬
‫ُ‬
‫خبر‪ ،‬اجعله يحدث) بينما في الوقت نفسه تعتمد تقنية الراوي على‬‫وكليا‪ ،‬ذلك أن النصوص املرمية يحكمها مبدأ (ال ت ِ‬
‫ً‬
‫اإلخبار في األعمال السردية املقروءة‪ ،‬فكيف سيتعامل صناع العمل املرئ مع هذه اإلشكالية وهل أن وجودها فعال‬
‫أسبغ الضعف على قسم من األفالم؟ وهل باإلمكان توظيفها فيها بطريقة فنية مختلفة عما هي عليه في الن‬
‫املقروء؟ هذه التساؤال ت يجيب عنها البحث في محاوره املتعددة‪.‬‬

‫مسوغات إجراء البحث‪ :‬التغيرا ت واالنتقاال ت التي خضع لها الراوي في الن املقروء والتحوال ت التي مارسها عليه‬
‫صناع الن املرئ كانت أهم أسباب إجراء هذا البحث للنظر في النماذج الحديثة لألعمال األدبية املقروءة وكيفية‬
‫انتقالها إلى وسيط ثان انطالقا من نقطة خالف جوهرية بين هذين الوسيطين‪ ،‬وهي قضية وجود الراوي وتشكالته في‬

‫الراوي بين المقروء والمرئي السينمائي (‪)2017 - 2000‬‬ ‫(‪)56‬‬ ‫جبارة‪ ,‬أيوب‬
‫المجلة العربية للعلوم ونشر األبحاث ــ مجلة العلوم اإلنسانية واالجتماعية ــ المجلد الثالث ــ العدد التاسع ــ سبتمبر ‪2019‬‬

‫الوسيطين‪ ،‬والسيما إن قلنا أن وجود صو ت الراوي في النصوص املرمية يحقق ضعفا في الطرح السينمائ ولغته‪،‬‬
‫لكنه يحقق نجاحا في بعض النماذج املقتبسة ضمن الحدود الزمنية املحددة لهذه الدراسة‪.‬‬

‫الدراسات السابقة‪ :‬بغية إعداد هذه الدراسة اطلعنا على العديد من الدراسا ت العربية واملترجمة في الحقلين موطن‬
‫الدراسة‪ ،‬األدب الروائ والفن السينمائ ‪ ،‬وقد تبين لنا أن الدراسا ت جميعا اختصت بالروايا ت واألفالم املقتبسة‬
‫عنها في القرن املاض ي‪ ،‬وتوقفت حدود الدراسا ت جميعا قبل حلول األلفية الثانية‪ ،‬وبهذا فإن األعمال التي بين أيدينا‬
‫ُ‬
‫لم تدرس دراسا ت أكاديمية بتفاصيلها الدقيقة‪ ،‬ال من جانب النقد السينمائ البحت وال من جانب مقارنتها باألعمال‬
‫َ‬
‫األدبية املقتبسة عنها‪ ،‬وأستثني من ذلك رواية واحدة وفلمها املقتبس عنها وكالهما بعنوان واحد هو (عمارة يعقوبيان)‬
‫إذ تناولت الدكتورة (وافية بن مسعود) الرواية والفلم املقتبس عنها في دراسة مفصلة تفصيال شديدا لم تترك شاردة‬
‫وال واردة إال ألقت عليها ضوء البحث والتدقيق واملقارنة‪ ،‬في دراستها املوسومة بـ(تقنيا ت السرد بين الرواية والسينما‬
‫دراسة في السرديا ت املقارنة لرواية عمارة يعقوبيان والفيلم) وهذا ما دعانا إلى استبعاد هذه الرواية وفيلمها من‬
‫دراستنا مع أنها اقتبست في عام ‪ 2006‬أي ضمن الحدود الزمنية لدراستنا‪ ،‬أما الرسامل واألطاريح الجامعية السابقة‬
‫الحظت فيها اختالط املفاهيم الروامية والسينمامية في الدراسا ت التي تناولت هذين‬‫ُ‬ ‫املشتغلة في الحقل ذاته فقد‬
‫الوسيطين السرديين‪ ،‬ويتجلى هذا اإلرباك واالختالط في كون الباحث‪/‬الباحثة في تناولهم للموضوع يكون لديهم‬
‫توجههم الخاص وهو أحد اثنين إما سينماميا في املصادر التي نهجت نهج النقد السينمائ ‪ ،‬أو أدبيا في املصادر التي‬
‫انتهجت نهجا نقديا أدبيا‪ ،‬وهذا أدى إلى أن تكون املفاهيم النقدية الروامية ملتبسة عند أهل املعالجا ت السينمامية‬
‫ُ‬
‫حاولت‬ ‫والعكس صحيح فأصحاب املعالجا ت النقدية األدبية وجدنا لديهم املفاهيم السينمامية مرتبكة‪ ،‬ولذلك‬
‫بوصف أيضا انتهج املنهج نفسه (السرديا ت املقارنة) وأنطلق فيه من منطلق أدي أن أقف وسطا بين االثنين وأتبنى‬
‫املفاهيم الروامية من مصادرها النقدية األصلية‪ ،‬والسينمامية من مصادرها السينمامية األصلية كذلك‪ ،‬ومناقشة ماال‬
‫أتفق معه من اآلراء تحريا للدقة وحرصا على عدم الوقوع فيما وقع فيه الباحثون السابقون من التباس‪.‬‬

‫املحور األول‪ :‬املؤلف وذاته الثانية ودورهما في عملية السرد‪:‬‬


‫تميز الدراسا ت السردية بين شكلين من أشكال املؤلفين في النصوص السردية هما (املؤلف الواقعي ‪The‬‬
‫‪ )Author‬و (املؤلف املجرد أو املضمن ‪ ) The Implied Author‬أو ما يسمى (الذا ت الثانية للمؤلف ‪Author’s Second‬‬
‫‪ ، )Self‬فاملؤلف الفعلي "هو الشخ الحقيق الذي كتب الن ويقوم بتحصيل ما يجنيه منه" (ليفينجستون‬
‫وبالتينيا‪ .)328 :2013 ،‬أما املؤلف الضمني الذي يمثل (الذا ت الثانية للمؤلف) التي نراها في الروايا ت جميعا حتى‬
‫متخف في الكواليس‪ ،‬أو محرك لألقنعة" (جينيت‬ ‫ٍ‬ ‫تلك التي ال يتمثل فيها أي ر ٍاو فهي "تفترض الصورة الضمنية لكاتب‬
‫وآخرون‪ ،)41 :1989 ،‬وقد يشارك املؤلف الضمني املؤلف الحقيق باألفكار واملعتقدا ت والرغبا ت وامليول‪ ،‬وقد ال‬
‫يشاركه فيها‪ ،‬إذ قد يكون املؤلف الفعلي رقيقا في مشاعره لكنه يرتدي قناع النزعة الكلية الساخرة املريرة؛ ألجل أن‬
‫يحك حكايته بطريقة معينة‪ ،‬فهو –أي املؤلف الضمني‪ -‬الوكيل املسؤول عن طريقة كتابة الرواية في طابعها وبنائها‬
‫والحذف البالغي فيها والتأكيد على نقاط معينة فيها (ليفينجستون وبالتينيا‪ .)329 :2013 ،‬هذا في الن املقروء أما‬
‫في الن املرئ فيرى (ميسكين) أن مصطلح املؤلف ال ينطبق عادة على صناع األفالم‪ ،‬فليس لألفالم مؤلفون على‬
‫اإلطالق‪ ،‬أو على األقل مؤلفون باملعنى األدي للكلمة (ليفينجستون وبالتينيا‪ ،)39 :2013 ،‬إذ يؤمن بعض النقاد بأن‬
‫الراوي هو الناطق أو املتكلم في الفلم‪ ،‬ويذهب آخرون إلى كون مصدر السرد هو الش يء املشابه للمؤلف املفترض الذي‬
‫هو "مثل محرك العرائس الخف ‪ ،‬فهو ليس املتحدث وليس له وجود مرئ ولكنه الفنان الذي يعرف كل ش يء عن‬
‫العمل والذي يعمل من وراء الستار‪ ،‬ويحدثنا (ألبر ت الفاي ‪ )Albert Laffay‬عن الساحر العظيم الذي يختار وينظم ما‬

‫الراوي بين المقروء والمرئي السينمائي (‪)2017 - 2000‬‬ ‫(‪)57‬‬ ‫جبارة‪ ,‬أيوب‬
‫المجلة العربية للعلوم ونشر األبحاث ــ مجلة العلوم اإلنسانية واالجتماعية ــ المجلد الثالث ــ العدد التاسع ــ سبتمبر ‪2019‬‬

‫سنراه ويخبرنا انه في مركز الفيلم الروائ يقف شبح منظم االستعراض وهو التوأم الخف ملنظم لعبة الدامرة" (عزم ‪،‬‬
‫د‪ .‬ت‪ .)160 :‬وهذا بالتحديد ما تمثله الذا ت الثانية للمؤلف التي تكون حيادية إلى أبعد الحدود حتى انها تقدم عمال‬
‫كأنه بال مؤلف ويعتمد عليها صناع األفالم‪ ،‬عندما يخفون أحاسيسهم الشخصية وال يتدخلون في الفلم‪ ،‬ما ينتج فلما‬
‫موضوعيا ال يحقق عمقا وال تورطا عاطفيا (ديك‪ ،)206 :2015 ،‬وهذا ما نجده في األعمال املقروءة واملرمية كلها على‬
‫حد سواء‪ ،‬فلكل عمل أدي ذا ت ثانية للمؤلف ترويه وتقدمه لقارمه بحياد حتى تكاد حياديتها تنف وجودها‪ ،‬ونشعر‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫بوجود الذا ت الثانية للمؤلف أكثر في النصوص املقروءة من األخرى املرمية؛ والسيما النصوص التي تروى بضمير‬
‫الشخ الثالث‪ ،‬ما يشعر القارئ بوجود آخر يروي عن الشخصيا ت‪ .‬أما في النصوص املرمية فأجدها – أي الذا ت‬
‫خفاء‪ ،‬ذلك من خالل تمثلها في الكاميرا التي تنقل الحدث للمتلق ‪/‬املشاهد بحيادية تامة من‬ ‫الثانية للمؤلف‪ -‬أكثر ً‬
‫دون أي تدخل مع انها تعمل على بث بعض اإلشارا ت أحيانا باختيارها زاوية معينة أو حركة محددة لنقل الحدث‪.‬‬
‫واختفاء املؤلف وذاته وغيابهما في النصوص املرمية إنما تنف املقارنة التي من املمكن أن تحصل في النصوص املقروءة‬
‫بين الن ومؤلفه وبين الحقيقة والخيال‪ ،‬إذ تظهر النصوص املرمية كأنها بال مؤلف‪ ،‬تجري فقط ألنها البد أن تحدث‬
‫كما هو الواقع والحياة املعاشة التي تحدث‪ -‬في الظاهر‪ -‬بال أي محرك أو فاعل ظاهر للعيان‪ ،‬وإنما يحركها مؤلفها‬
‫الذي يراقب بدقة ويحرك االقنعة وهو متخف في ملكو ت خلقه‪.‬‬
‫قد تظهر أصوا ت الرواة في عدد من النصوص املقروءة واملرمية‪ ،‬وهذا الظهور يجرد نوعا مختلفا من الراوي‬
‫هو ليس ذا ت املؤلف الثانية بقدر ما هو تقنية روامية وظيفتها إيصال ما يريد كاتبها بوساطتها إلى املتلق ‪ ،‬ذلك ألن‬
‫الراوي هو الطريقة الوحيدة والوسيلة االنسب لنقل املعلومة وتحليلها وشرح األحداث للمتلق عن طريق سردها له‪،‬‬
‫إذ قد يعهد بعملية سرد األحداث إلى ر ٍاو منتدب يكون في مكان داخل السرد يروي ما يعرفه أو ما رآه أو سمع به‪ ،‬وقد‬
‫يشارك باألحداث‪ ،‬ويسمى أيضا (وكيل الراوي ‪ ) The Narrator Agent‬ويكون عكس الراوي املراقب املجرد من حيث‬
‫أنه يراقب األحداث فقط من الخارج من دون أن يكون جزءا منها أو يتماهى معها (ديك‪ ،207 :2015 ،‬وجورنو وماري‪،‬‬
‫‪ )143 :2007‬وهذا ما وجدناه في رواية (هيبتا)‪ ،‬إذ نجد الراوي العليم ينتدب راويا ثانيا لسرد األحداث‪ ،‬وهذا الراوي‬
‫املنتدب هو جزء منها يرويها بوجوده الفاعل بوصفه شخصية من الشخصيا ت غير الرميسة‪ ،‬كما يرويها بصوته في‬
‫املقاطع التي ال تظهر فيها صورته‪ ،‬وهذا ما احتفظت به النسخة املرمية من العمل (هيبتا املحاضرة األخيرة‪.)2016 ،‬‬

‫املحور الثاني‪ :‬صوت الراوي في النصوص املرئية‪:‬‬


‫قد يتحول الراوي إلى صو ت منفصل عن بناء العمل السينمائ املتكامل ليبقى في حدود السرد الخارجي‬
‫( ‪ )Voice Over‬املنطوق على مدار الصورة السينمامية غير أنه غير مسموع من داخل عاملها (لينارد ولوكهارست‪،‬‬
‫‪ )558 :2006‬وال أقصد بالصو ت الراوي هنا أصوا ت الحوارا ت التي دخلت إلى النصوص السينمامية بعد مرحلة‬
‫السينما الصامتة بل هو‪ -‬أي صو ت الراوي‪ -‬تقنية سردية أو خاصية سردية يوظفها املخرج ألغراض متعددة قد تكون‬
‫شخصية من خالل اعتماد الضمير األول (أنا) أو شخصية أخرى تكشف عن محتويا ت الخطاب أو ما يدور في الالوعي‪،‬‬
‫أو تعمل على إنعاش ذاكرة إحدى الشخصيا ت أو ذاكرتنا بوصفنا مشاهدين (ديك‪ )80 :2015 ،‬ويشير (ديك) في أكثر‬
‫من مناسبة إلى ان هذه التقنية السردية يساء استخدامها في بعض النصوص الفلمية مشيرا إلى انها تقنية قد تالمم‬
‫الكتاب الذين يخونهم خيالهم في الحصول على وسيلة أخرى لبث املعلوما ت مع كونها – أي تقنية الفويس أوفر‪ -‬أداة‬‫ّ‬
‫سردية جيدة إن وظفت في مكانها ولم تستعمل من دون نفع‪ ،‬وسوء التوظيف هذا قاد إلى أن يصل الصو ت الراوي‬
‫إلى مرحلة ال يؤيده فيها أحد (ديك‪ .)80 ،71 :2015 ،‬وقد ترتبط هذه التقنية بشكل ما بنوع الراوي العليم في الن‬
‫السينمائ مع الراوي العليم الذي يروي القصة (املكتوبة) في السرد الروائ بضمير الشخ الثالث متحركا من مكان‬

‫الراوي بين المقروء والمرئي السينمائي (‪)2017 - 2000‬‬ ‫(‪)58‬‬ ‫جبارة‪ ,‬أيوب‬
‫المجلة العربية للعلوم ونشر األبحاث ــ مجلة العلوم اإلنسانية واالجتماعية ــ المجلد الثالث ــ العدد التاسع ــ سبتمبر ‪2019‬‬

‫وزمان ما إلى مكان وزمان آخرين ومن شخصية إلى أخرى يكشف أو يخف ما يريد من تفاصيل بمحض إرادته‪ ،‬ويشير‬
‫ً‬
‫(ديك) إلى انه في الفلم يكون له "معنى معينا خاصة بالنسبة لهؤالء الذين يعتقدون أن املخرج هو مؤلف الفيلم‪ ،‬أو‬
‫على األقل هناك مخرجون على وجه األخ قد ينتمون إلى هذا العنوان وعند هذه النقطة بصرف النظر عن الجدل‬
‫حول ما إذا كان هو مؤلف الفيلم الحقيق فإن السيناريست الذي يبدع السيناريو أو املخرج الذي يعيد إبداعه فإنه‬
‫من األسهل التحدث عن (الكاميرا) التي تعرف األشياء"(ديك‪ )204 :2015 ،‬واستعملت تقنية الراوي كلي العلم في‬
‫السينما املصرية في كالسيكياتها مثل (الحرام ‪ )1965‬و (دعاء الكروان ‪ )1959‬لكنها سرعان ما ثار ت ضد هذا‬
‫خبر؛ اجعله يحدث) واملحك األساس الذي يواجهه أي كاتب‬ ‫األسلوب من سرد األحداث انطالقا من قاعدة (ال ُت ْ‬
‫خبرا عنه (ابراهيم‪ )294 :2016 ،‬لكن‬‫سيناريو هو كيفية جعل الحدث مرميا‪ ،‬وكيف يقدم السرد للمشاهد مرميا ال ُم َ‬
‫النصوص املرمية لم تتخل منه تماما‪ ،‬إذ وجدناه في نصوصنا قيد البحث مع كونها حديثة نسبيا‪ ،‬فف فلم‬
‫(عصافير النيل ‪ )2005‬نجد الراوي يحضر بصوته (‪ ،)Voice Over‬إذ ُيروى الفلم بالكامل من وجهة نظر راو خارجي‬
‫يظهر صوته وال تظهر شخصيته في الن ‪ ،‬لكن وظيفته األساس هي اإلخبار باألحداث التي ال يمكن للصورة التعبير‬
‫عنها‪ ،‬كأفكار الشخصيا ت الداخلية واألحداث التي تستلزم وقتا طويال لعرضها على املتلق ‪ ،‬ويسبب قصر زمن الن‬
‫صناعه إلى توظيف صو ت الراوي‪ ،‬وهذه التقنية تقتض ي بالضرورة أن يكون الراوي كلي العلم‬ ‫املرئ ومحدوديته يلجأ ّ‬
‫إذ يفترض به –والحال هذه‪ -‬الدخول إلى أعماق الشخصيا ت والتعبير عنها وكشف ما تشعر وتفكر به‪ .‬في فلم‬
‫(عصافير النيل) نجد صو ت الراوي يحضر بضميرين لرواية الن ‪ ،‬إذ يقوم الن املرئ خالفا للمقروء على استرجاع‬
‫األحداث بالكامل تقريبا‪ ،‬فبعد لقاء الشخصية الرميسة (عبد الرحيم) بحبيبته األولى (بسيمة) في أحد أروقة‬
‫املستشفى ويبدآن بالحديث في الدقيقة (‪ )3:50‬يعود زمن الن املرئ إلى الوراء ليستمر بسرد األحداث الحاصلة‬
‫سابقا‪ ،‬قبل زمن اللقاء‪ ،‬لذلك يتناوب صو ت الراوي الخارجي على سرد األحداث مع صو ت الشخصية (عبد الرحيم)‬
‫في بعض األحيان‪ ،‬يبدأ صو ت الراوي الخارجي بالكالم معلقا على لقاء الشخصيتين في الدقيقة (‪ )4:25‬ليعود بعد ذلك‬
‫الحوار إليهما عامدين بالزمن إلى الوراء مسترجعين ما حصل لهما ابتداء من وصول عبد الرحيم إلى مصر إلى بيت‬
‫اخته (نرجس) وحادثة الصيد الدقيقة (‪ )8:10‬التي بقيت مالزمة لهذه الشخصية حتى نهاية الفلم‪ ،‬هذه الحادثة‬
‫كشفت سذاجة هذه الشخصية وعدم استطاعتها التعايش مع أجواء املدينة الضخمة‪ ،‬هذا ما أكدته زوايا الكاميرا‬
‫ّ‬
‫وثنت عليه الحوادث الالحقة كذلك‪ ،‬ويعود صو ت الراوي للظهور في الدقيقة (‪ )18:36 -16:59‬و كذلك (‪)22:5-21:29‬‬
‫ومواضع أخرى‪ ،‬كما يظهر صو ت الشخصية (عبد الرحيم) معلقا على عدد من املشاهد من خالل االستعانة بصو ت‬
‫حواره مع (بسيمة) الحاصل في الزمن الراهن للفلم (زمن السرد) ليس بوصفه راويا حقيقيا ووحيدا‪ ،‬وإنما بوصفه‬
‫معلقا وشارحا على بعض األحداث التي ال يمكن إيضاحها بطريق الصورة‪ ،‬وهذا ما حصل مثال في الدقيقة (‪ ،)9:38‬إذ‬
‫يظهر في الشاشة مشهد خروج (عبد الرحيم) من قسم الشرطة محاطا بأخته وزوجها وأوالدهما في زمن ماض (زمن‬
‫القصة)‪ ،‬لكن الصو ت املعلق هو جزء من الحوار الجاري في (زمن السرد) مع الشخصية (بسيمة) وهذا ما يؤكده‬
‫إجابتها له وتبادل الحوار بينهما‪ ،‬فضال عن كون الكاميرا تعود إلى وجودهما سوية كل حين‪ ،‬مما يحقق انتقاال ت زمنية‬
‫بين املاض ي والحاضر أو بطريقة أدق بين زمن السرد وزمن القصة‪.‬‬
‫عمل وجود صو ت الراوي فضال عن الرجوع الصوت إلى حوارا ت الشخصيتين (عبد الرحيم ويسيمة) على‬
‫تنظيم األحداث املسرودة ترتيبا زمنيا تختلف به عما يرد في الن املقروء لتصبح أكثر تسلسال وترابطا‪ ،‬يربط بينها‬
‫خط درام من خالل تنام األحداث مع تنام الشخصيا ت الرميسة والثانوية على وفق حركة أشبه ما تكون بالدامرية‬
‫إذ ينتهي العمل عند نقطة بدايته من خالل اإلشارة إلى العتمة التي تستمر فيها الشخصيا ت والتي تصفها (نرجس) في‬
‫ّ‬
‫(البهي عثمان) إمداد قبرها في حال‬ ‫بداية الفلم في الدقيقة (‪ )30:47‬في خوفها من العتمة عندما طلبت من زوجها‬

‫الراوي بين المقروء والمرئي السينمائي (‪)2017 - 2000‬‬ ‫(‪)59‬‬ ‫جبارة‪ ,‬أيوب‬
‫المجلة العربية للعلوم ونشر األبحاث ــ مجلة العلوم اإلنسانية واالجتماعية ــ المجلد الثالث ــ العدد التاسع ــ سبتمبر ‪2019‬‬

‫ماتت بالكهرباء ولو ملدة أسبوع واحد حتى تعتاد الظلما ت‪ ،‬لكن املفارقة أنها في نهاية الفلم الدقيقة (‪ )98:41‬تبقى‬
‫أليام في العتمة وهي ال تزال على قيد الحياة‪ ،‬ويحاول أحد أبنائها إبدال (اللمبة) فيجد أنها ال تعمل من األساس فتبقى‬
‫األم حبيسة العتمة وتمو ت فيها لتدفن في عتمة ال متناهية‪ ،‬يرافقها صو ت حوارها الذي أشرنا إليه مع زوجها بتقنية‬
‫(‪.(Voice over‬‬
‫يؤدي صو ت الراوي الخارجي أيضا وظيفة أخرى يمكن للصورة التعبير عنها لكنه يأت مؤازرا لها‪ ،‬وهذه‬
‫الوظيفة هي التعبير عن مرور الزمن الطويل للقصة من خالل زمن قصير جدا في السرد‪ ،‬أي التعبير عن الثغرا ت‬
‫الزمنية‪ ،‬وهذا ما نجده في الدقيقة (‪ ،)50:45-50:22‬فف هذه الثوان العشرين تمر أريعة فصول‪ ،‬تعبر عنها الكاميرا‬
‫عن طريق تغيير أريع فريما ت يختلف الفصل في كل واحدة منها من خالل اختالف اإلضاءة واملالبس الخاصة‬
‫بالشخصية ووضعية املناخ والنباتا ت للداللة على مرور سنة أو يزيد خالل هذه الثوان ‪ ،‬يؤازرها صو ت الراوي بجملته‬
‫املختصرة قامال "الزمن بيمر بالفالحين بط ء لكن مسالم وطيب" وكان باإلمكان االكتفاء بالصور التي تتغير بتغير الجو‬
‫والزمن لكن أضيف كذلك صور الراوي لتعزيز الداللة البطيئة ملرور الزمن على شخصية (عبد الرحيم) الذي يلزم‬
‫مكانه خالل هذه الثوان العشرين التي تقابل مرور سنة كاملة عليه‪ ،‬ومالزمته ملكانه ووضعية جلوسه الواحدة تعبير‬
‫عن استمرار الوضع وجموده وبقامه في سجن خيبته لهذه املدة الزمنية بالكامل من دون أي تغيير سلبي أو إيجاي ‪.‬‬

‫املحور الثالث‪ :‬موقع الراوي وتحوالته بين النصين املقروء واملرئي السينمائي‪:‬‬
‫لكل راو في أي ن سواء أكان مقروءا أم مرميا موقعا معينا يروي منه حكايته‪ ،‬قد يتغير هذا املوقع في أثناء‬
‫الن السردي لضرورا ت يعمد إليها املؤلف أو صانع الفلم‪ ،‬وقد يكون أكثر اتضاحا في النصوص املرمية‪ ،‬إذ تبنت‬
‫السينما أكثر األشكال وضوحا لتجسيد فكرة الراوي‪ ،‬ثم تطور مفهوم الراوي في الدراسا ت السينمامية‪ ،‬مما أدى إلى‬
‫تغير السارد وتحول مسيرته ووجوده في النصوص املرمية من مرحلة الخفاء إلى مرحلة الظهور والوجود الفيزيق‬
‫(ماجد‪ )112 :2007 ،‬إذ مر الراوي في النصوص املرمية بمرحلتين‪ ،‬هما‪:‬‬
‫املرحلة األولى‪ :‬الراوي املعنوي‪ :‬ويرى بعض الباحثين أن الفلسفة األساس وراء وجود الراوي هي رغبة املؤلف‬
‫باالختفاء والبقاء خلف الكواليس‪ ،‬إمعانا في إيهام املتلق بواقعية العمل‪ ،‬ولهذا السبب ربط (بار ت ‪)Roland Barthes‬‬
‫بين الراوي ومو ت املؤلف‪ ،‬وأشار (جون هولبورن ‪ )John Holburn‬إلى أن اإليحاء بوجود السارد يحمل في الوقت نفسه‬
‫فكرة االختفاء (ماجد‪ ،)113 :2007 ،‬وكانت "أولى محاوال ت األدب الروائ لبلورة مفهوم السارد املعنوي تهدف إلى‬
‫تقديم األحداث في خط متسلسل تسلسال زمنيا مضطردا أو بنفس ترتيب وقوعها إذ يبدأ اإليحاء بوجود سارد معنوي‬
‫يقوم بفعل الق ‪ Narrating‬ويكون في هذه الحالة غير مؤكد‪ ،‬أو بمعنى آخر فإن آلية عمل السرد هي التي تقوم‬
‫بخلق هذا السارد امليتافيزيق في عقل املتلق " (ماجد‪ )115 :2007 ،‬فاألمر ال يتعلق فقط بالترتيب الزمني لألحداث‬
‫فقط بقدر ما يتعلق بالترابط املنطق بين تلك األحداث املكونة للمبنى الحكائ ‪ ،‬فيتخذ الراوي املعنوي في السرد‬
‫الفلمي التقليدي صفة تقربه من فكرة املؤلف الضمني في السرد الروائ اللذان يختلفان بدورهما عن الراوي املادي‬
‫أو املشخ (ماجد‪ )119 :2007 ،‬وهذا أكثر وجودا في النصوص املرمية؛ ألن املؤلف بذاته الثانية والراوي يختفيان‬
‫متيحان الفرصة للكاميرا لنقل الحدث للمتلق من دون اإلخبار بأنه يحدث‪ ،‬لهذا نجده أكثر حضورا في النصوص‬
‫املرمية والنصوص املقروءة املروية بضمير الغامب من وجهة نظر خارجية‪.‬‬
‫املرحلة الثانية‪ :‬الراوي املادي‪ :‬نتج هذا املفهوم للراوي بعد أن تخلى السرد الفلمي عن عملية السرد‬
‫التقليدي‪ ،‬إلى وجود شخصية ما داخل العمل السردي املرئ تتولى هي عملية السرد‪ ،‬وهذا ما انتج تغييرا جذريا في‬
‫املفاهيم السردية لعلم السرد الحديث‪ ،‬لذلك ظهر ت شخصية الراوي في الن التي يراها بعض الباحثين تقع وسطا‬

‫الراوي بين المقروء والمرئي السينمائي (‪)2017 - 2000‬‬ ‫(‪)60‬‬ ‫جبارة‪ ,‬أيوب‬
‫المجلة العربية للعلوم ونشر األبحاث ــ مجلة العلوم اإلنسانية واالجتماعية ــ المجلد الثالث ــ العدد التاسع ــ سبتمبر ‪2019‬‬

‫بين املؤلف واملشاهد؛ ألنها وسيلة أولى لسرد القصة ونقل أفكارها واالستحواذ على اهتمام املتلق " فبعد أن كانت‬
‫مالمح ودور السارد في بنية السرد الفلمي التقليدي غير مكتملة النضوج أصبحت هذه الفكرة أكثر نضوجا وفعالية‬
‫وارتكازا على آراء ومفاهيم أكثر عمقا‪ ،‬فبدأ ت تأخذ أشكاال وأبعادا فكرية وجمالية وداللية في بنية السرد الفلمي‬
‫الحديث‪ ،‬حتى أنه (أي السارد) قد أعط في بعض األحيان الحرية املطلقة للتحكم في طبيعة بناء األحداث‪ ،‬ونمط‬
‫ظهورها وفقا للبنى السردية املتعددة‪ ،‬وتشكيل األبعاد الزمنية للسرد من خالل إعطامه مهام السارد األول في البنية‬
‫الحكامية للسرد ويشكل واضح وجلي" (ماجد‪ )120 :2007 ،‬ويتخذ الراوي املادي شكلين في السرد‪ ،‬فهو إما أن يكون‬
‫شخصية مشاركة باألحداث ويكون مزودا بطاقة فيزيقية ودالال ت أيديولوجية‪ ،‬وتقع على عاتقه رواية األحداث‬
‫بالكامل‪ ،‬ويتمتع بإمكانا ت واسعة في سرد األحداث الروامية والفلمية على حد سواء "إذ يكون في أقرب نقطة من‬
‫األحداث املسرودة‪ ،‬ألن األحداث بما تحمله من أفعال قد وقعت عليه‪ ،‬أو قام هو بالجزء املهم منها في فضاء القصة‪،‬‬
‫فال تكاد تكون هناك مسافة فاصلة بينه وبين ما حدث فضال عن كونه املحور الذي تدور حوله أحداث الفلم"‬
‫(إبراهيم‪ )36 :2005 ،‬وهذا ما وجدناه في الن املرئ املقتبس عن رواية (هيبتا) الذي احتفظ بوجود الراوي‬
‫املنتدب‪ ،‬كما هو الحال في الن املقروء‪ ،‬موكال له وظيفة رواية األحداث واسترجاعها‪ ،‬مع كونه جزءا منها وشخصية‬
‫فاعلة فيها‪ ،‬ولكن املتلق ال يكتشف هذا إال في نهاية الفلم‪ ،‬والرواية‪.‬‬
‫وكذلك نجد في رواية (املستبد) نموذجا للراوي املادي في شخصيته املشاركة في األحداث التي تروى بضمير‬
‫الشخ األول (أنا) وهو كذلك ما احتفظت به النسخة املرمية من الرواية التي اقتبست أيضا بعنوان (املستبد‬
‫‪ ،)2004‬إذ بقيت الشخصية الرميسة هي الراوي لألحداث ونراها كلها أي األحداث من وجهة نظر تلك الشخصية‬
‫الرميسة‪ ،‬حتى أن املونولوجا ت استعملت مرا ت عديدة في الفلم‪ ،‬ليس فقط بوصفها مونولوجا ت داخلية‪ ،‬وإنما‬
‫وظفت بوصفها نوعا من التعليق والتحليل ملا يجري‪.‬‬
‫كما قد يكون الراوي املشارك شخصية رميسة في العمل أو شخصية أخرى غيرها‪ ،‬إذ يقوم الراوي أو‬
‫الشخصية بتغيير موقعه والسيما إن كانت الرؤى متعددة والرواة متعددون‪ ،‬فقد يشغل دور الراوي املشارك‬
‫شخصيا ت عديدة تروي كل شخصية منها ما تعرفه من األحداث من وجهة نظرها كما الحظناه في رواية (فسيفساء‬
‫دمشقية‪ ،‬الرواية املستحيلة) والنسخة املرمية املقتبسة عنها بعنوان (حراس الصمت ‪ ،)2009‬أو أن يكون ساردا غير‬
‫مشارك باألحداث (شاهد) يؤشر غياب الراوي العليم تعدد أنماط الرؤية وتعدد الرواة في الن (ماجد‪)125 :2007 ،‬‬
‫فال يمتلك الراوي أي هامش للمشاركة في الحدث الروائ ‪ ،‬أو تغيير الفعل الرميس لكون "هذا املوقع يجعل من‬
‫شخصية السارد منزاحة عن مركز الصراع‪ ،‬وهذا االنزياح هو ما يشكل مقدار املسافة الفاصلة بين السارد واألحداث‬
‫املسرودة" (إبراهيم‪ )38 :2005 ،‬ويشترط في هذا املوقع من الراوي أن يرتبط االخير باملكان والزمان اللذين ترتبط بهما‬
‫األحداث املروية‪ ،‬وكذلك عالقته بالشخصيا ت في لحظة قيامها بالفعل‪ ،‬فهو يروي ويراقب األحداث من بعيد من دون‬
‫التدخل في ما يجري أو تغيير املسار‪ ،‬إذ ان وجوده خارج الحدث ال يتيح له هذه التدخال ت ويقصر عمله على اإلخبار‬
‫فقط وإيصال املعلومة إلى املتلق (إبراهيم‪ )39 :2005 ،‬ويجرد الباحث (ماهر مجيد ابراهيم) في اطروحته للدكتوراه‬
‫نوعين آخرين من الرواة وهما "السارد املستمع" و "السارد القارئ‪-‬املؤلف" ويعني باألول منهما "يسمح للسارد بالتعرض‬
‫ألحداث ال يرتبط بها زمانيا أو مكانيا‪ ،‬أحداث قد ال تنتمي له‪ ،‬فهو ال يعرفها‪ ،‬أحداث تبلور ت وحدثت قبل وجوده‬
‫بصفة سارد فعلي‪ ،‬وهذه الخصوصية جعلت من هذا املوقع ذو(كذا) أهمية ثانوية ال تمكنه من إتمام األحداث السردية‬
‫كافة" (إبراهيم‪ )39 :2005 ،‬وهذا ما أجده ينطبق مع ما يعنيه الراوي الشاهد‪ ،‬فهو في كلتا الحالتين ال يشارك في‬
‫األحداث‪ ،‬وإنما يرويها من منظور خارجي‪ ،‬والفرق أنه قد يكون على عالقة بمكوناتها أو ال عالقة له بها‪ ،‬أي قد يكون‬

‫الراوي بين المقروء والمرئي السينمائي (‪)2017 - 2000‬‬ ‫(‪)61‬‬ ‫جبارة‪ ,‬أيوب‬
‫المجلة العربية للعلوم ونشر األبحاث ــ مجلة العلوم اإلنسانية واالجتماعية ــ المجلد الثالث ــ العدد التاسع ــ سبتمبر ‪2019‬‬

‫منفعال أو غير منفعل بها‪ .‬أما الثان منهما (السارد القارئ‪-‬املؤلف) فأرى فيه إرباكا واضحا في املفهوم واملصطلح‪ ،‬إذ‬
‫يقرنه الباحث مرة مع القارئ ومرة مع الراوي العليم وواضح ما بين هذين الركنين من فرق واختالف‪.‬‬
‫ولحل هذه اإلشكالية في املفاهيم بإمكاننا االقتصار على نوعين من الرواة يشمالن كل ما أشار إليه الباحث‬
‫وغيره وهما‪:‬‬
‫‪ -1‬الراوي الخارج عن نطاق مرويه‪ Heterodiegetic Narrator :‬ويقابل الراوي الشاهد‪ ،‬ويظهر في النصوص‬
‫السردية في تشكلين هما‪ :‬الناظم الداخلي‪ :‬ويكون غير مشارك باألحداث ولكنه منفعل بها‪ ،‬فيقترب من كونه‬
‫أحد شخصيا ت املروي‪ ،‬أو أن يظهر بوصفه ناظما خارجيا‪ ،‬وهو الذي يروي قصة غير مشارك فيها من الخارج‬
‫أي أنه غير منفعل بها كذلك ( يقطين‪ )310 :1993 ،‬ويسمي(جيرالد برنس ‪ )Gerald Prince‬هذا الراوي‬
‫بتشكالته االثنين (الراوي غير متجانس الحك ) الذي ال يكون جزءا من الحك الذي يقدمه وال شخصية فيه‬
‫(برنس‪ )87 :2003 ،‬وتشكل الناظم الخارجي هو الشكل الذي يظهر فيه الراوي في رواية (موالنا) التي تروى‬
‫بضمير الغامب‪ ،‬وكذلك في رواية (عصافير النيل)‪ .‬أما التشكل االخر (الناظم الداخلي) فنجده في رواية (هيبتا)‬
‫التي اعتمد ت على الراوي العليم الذي يروي من موقعه خارج الن السردي أحداثا غير مشارك فيها وال‬
‫منفعل بها‪ ،‬لكنه يدخل إلى بواطن الشخصيا ت ويكشف عنها‪ ،‬وهذا ما نجده في استهالل الرواية إذ يقول‬
‫الراوي "تلك العيون املحبطة التي كانت تتوقع أن ثمن املحاضرة كان البد أن يذهب في مكان أكثر فامدة‪"...‬‬
‫(صادق‪ )10 :2016 ،‬ومثلما يدخل الراوي بصفته العاملة بكل ش يء إلى دواخل الشخصية‪ ،‬فإنه في بعض‬
‫املواضع يلتزم موقعه الخارجي ويلعب دور الكاميرا الناقلة ملا يحدث أمامها‪ ،‬فف قوله "دون أن ينظر إليهم‬
‫أياد مرفوعة فابتسم ابتسامة خفيفة وهو يكتب بخط كبير ويقول ما يكتبه‬ ‫يعرف أن هناك أكثر من خمس ٍ‬
‫"(صادق‪ )11 :2016 ،‬هنا ال يكشف الراوي عن أي من مكنونا ت الشخصية وإنما ينقل ما يحصل أمامه‬
‫املحاضر (أسامة حافظ) وطالبه املستمعين ملحاضرته‬ ‫ِ‬ ‫بوصفه عين كاميرا رامية أمامها مسرح واحد فيه‬
‫(املروي لهم)‪ ،‬ويستمر الراوي الخارجي مع مراحل الحب السبعة التي رواها (أسامة) بوصفه راويا منتدبا‬
‫ويوضحها في متن الرواية من خالل قص أريع شخصيا ت (أ)(ب)(ج)(د) التي تسير في آن واحد وبالتناوب‬
‫ويرويها الراوي من وجهة نظره الخارجية‪ ،‬لكننا مع وصولنا إلى خاتمة الرواية نكتشف لعبة الراوي في كونه لم‬
‫يكن يروي قص أريع شخصيا ت مختلفة وإنما أريع مراحل من حياة شخصية واحدة كانت جالسة بين‬
‫الحضور‪ ،‬غير أنها في الن املرئ كانت شخصية الراوي نفسها‪ ،‬أي أنه يروي قصته الشخصية من خالل‬
‫املراحل التي مر بها‪ ،‬وهذا ما التزم حرفيا في الن الفلمي املقتبس عن الرواية‪ ،‬لذلك ذهبنا إلى كون الراوي‬
‫هنا في (هيبتا) املقروءة واملرمية هو راو خارج عن نطاق مرويه لكنه يظهر في التشكل األول (الناظم الداخلي)‬
‫الذي ينفعل بالحدث وال يشارك فيه وهذا يتعلق بالراوي املنتدب (أسامة) أو (شكري) في الفلم‪ ،‬في كونه‬
‫يقترب من كونه أحد شخصيا ت املروي‪ ،‬فهو في الحقيقة الشخصية الرميسة لكن ال يكشف ذلك إال مع انتهاء‬
‫العملين املقروء واملرئ ‪.‬‬
‫أما في رواية (موالنا) فالراوي واحد‪ ،‬يروي األحداث بضمير الغامب ويرويها من وجهة نظر خارجية كأنه عين‬
‫كاميرا ال يتدخل وال يبدي أية عالقة بما يجري‪ ،‬إنما يروي وينقل فقط ما تقوم به الشخصيا ت وما تفعله‪ ،‬لكنه في‬
‫الوقت ذاته راو عليم ينقل ما تفكر فيه الشخصيا ت ويدخل إلى أذهانها‪ .‬واعتمد الراوي أسلوب السرد املتوازي‬
‫والتقطيع واالنتقال بين األزمنة املاض ي‪/‬الحاضر من خالل ما يرد من استرجاعا ت في داخل الن يعود من خاللها إلى‬
‫أزمان مضت؛ ليرجع بعد ذلك إلى زمن الرواية وكل استرجاع منها مهما كان نوعه يوظفه الراوي لغرض معين كما مر‬

‫الراوي بين المقروء والمرئي السينمائي (‪)2017 - 2000‬‬ ‫(‪)62‬‬ ‫جبارة‪ ,‬أيوب‬
‫المجلة العربية للعلوم ونشر األبحاث ــ مجلة العلوم اإلنسانية واالجتماعية ــ المجلد الثالث ــ العدد التاسع ــ سبتمبر ‪2019‬‬

‫املرئ بل يوكل‬ ‫املقروء ويظهر في الن‬ ‫بنا‪ ،‬ولذلك نجد أن الراوي في رواية (موالنا) هو ناظم خارجي يظهر في الن‬
‫عملية السرد إلى الكاميرا على وفق مفهوم السارد أو املصور األكبر‪.‬‬
‫أما في رواية إبراهيم أصالن (عصافير النيل) فنبقى في مجال الراوي الخارج عن نطاق مرويه بصفته ناظما‬
‫خارجيا غير مشارك وال منفعال بما يروي‪ ،‬لكن ما يميز صو ت الراوي في مجال اقتباس العمل من نسخته املقروءة إلى‬
‫نسخة مرمية هو االحتفاظ بصو ت الراوي ( ‪ )Voice over‬في النسخة املرمية كما مر بنا‪ .‬فف النسخة املقروءة من‬
‫الرواية يتولى السارد الخارجي سرد األحداث وتقديم الشخصيا ت والحوارا ت من موقعه خارج الن املقروء راويا ‪-‬بال‬
‫تدخل‪ -‬كل ما يحدث بضمير الغامب بغير مشاركة وال انفعال بمرويه‪ ،‬فيبدأ الن مع مشهد الجدة التي تتفرج على‬
‫ابنها (عبد الرحيم) املحمول على العربة وسط الزحام‪ ،‬ليعود وينتقل إلى املشهد الثان في مكان وزمان مختلفين‬
‫وشخصيا ت مختلفة‪ ،‬ولحقه كذلك انتقال إلى مشهد آخر بمكان وزمان آخرين إلى أن تقف إحدى الشخصيا ت‬
‫(االستاذ عبدهللا) أمام الصورة التي تجمع أفراد العاملة في زمن مض ى‪ ،‬لتبدأ معه أحداث الرواية الفعلية‪ ،‬يقول‬
‫الراوي‪" :‬اقترب من اإلطار الذهبي القديم وراح يتأمل الصورة التي جلست في مقدمتها أمه نرجس‪ ،‬مازالت بصحتها وإلى‬
‫جوارها الجدة هانم‪ ،‬ضئيلة في طرحتها السوداء‪ ،‬وخلفهما كان خاله عبد الرحيم ممتلئا وشابا بشعره الطويل‬
‫املفروق‪ ،‬وبينما هو واقف انقطع النور وجاء ت دالل تحمل ملبة الجاز الكبيرة‪ ،‬وضعتها على قاعدة النافذة الطويلة‬
‫التي فتح نصفها العلوي على فضل هللا عثمان املعتم" (أصالن‪ .)15 :2005 ،‬فهذا الظالم في املكان نقل الراوي ونقلنا‬
‫معه إلى زمن مض ى يبدأ سرده كذلك بمشهد مظلم يدخل النور إليه تدريجيا كذلك في زمان ومكان مختلفين‬
‫وشخصيا ت مختلفة هي ذاتها الشخصيا ت املوجودة في الصورة التي توقف عندها الراوي في املقطع األول‪ ،‬يقول‬
‫"مرة‪ ،‬النور انقطع فجأة على نرجس وهي قاعدة تتفرج على التلفزيون‪ ،‬نرجس ارتعبت؛ ألنها ال تخاف من‬ ‫الراوي‪ّ :‬‬
‫البهي عثمان الذي كان عند جابر البقال" (أصالن‪:2005 ،‬‬ ‫ش يء في الدنيا مثل العتمة‪ ،‬ومشت خطوة واحدة في انتظار ّ‬
‫‪ )17‬وتستمر سطوة الراوي الخارجي على الن بأكمله ال يكاد يفسح مجاال لغيره لرواية حدث ما من دون أن يتدخل‬
‫ّ‬
‫(البهي) يتدخل الراوي‬ ‫كاشفا عن دواخل الشخصيا ت وما تفكر به داخل عقولها‪ ،‬فف حديث (نرجس) مع زوجها‬
‫قامال‪" :‬البهي عثمان كان أول مرة يسمع فيها كالما بهذا الشكل وقال دي تضرب يا ولية نرجس قالت‪ :‬أبدا والنبي ما‬
‫البهي عثمان سكت وتهيأ له ان اللمبة لن تضرب‪ ،‬وفكر بينه وبين نفسه "صحيح ايه الي يخليها‬ ‫ّ‬ ‫يجرى لها حاجة‬
‫تضرب" لكن عقله راح ناحية امللكين وهل يصح أن يكون الحساب في نور ملبة الكهرباء أو ال يصح واستغفر ربنا‬
‫وهرش رجله الشمال‪ ،‬وبدا له أن املوضوع غريب في نوعه‪ ،‬وغادر الكنبة وأتى بعدة الشاي" (أصالن‪)21 :2005 ،‬‬
‫فنالحظ الراوي هنا ينقل لنا ما تفكر به الشخصية في عقلها مثلما ينقل أفعالها وأقوالها كذلك من دون أن يفسح‬
‫املجال ألية شخصية من الشخصيا ت األخرى في الرواية لتولي عملية سرد حدث ما أو استرجاعه‪ ،‬وإنما تبقى السلطة‬
‫املطلقة به بوصفه راويا مسيطرا ومتسلطا على الن الروائ املقروء من أوله إلى آخره لذلك ال نجد أي تنوع أو تعدد‬
‫ملستويا ت الراوي أو ألنواعه فيها‪ ،‬وهذا ما احتفظت به النسخة املرمية من الرواية كذلك‪.‬‬
‫كما نجد كذلك صو ت الراوي الخارج عن نطاق مرويه في رواية (بيو ت وراء األشجار) يروي ما ال يشارك وال‬
‫ينفعل به أو بأحداثه بضمير الشخ الثالث‪ ،‬لكن في الن املرئ املقتبس عنها (الشرف ‪ )2000‬يغيب صو ت الراوي‬
‫تماما وتحل محله الكاميرا في نقل األحداث من زاوية تبئير من الدرجة (صفر)‪ .‬كما هو الحال تماما مع رواية (مشرحة‬
‫بغداد) التي يرويها في نسختها املقروءة راو خارجي يغيب تماما في نسختها املرمية (ورقة التو ت ‪.)2016‬‬
‫وكذلك في الن املقروء (تلك األيام) الذي يبدأ بداية تقليدية أشبه بالحكايا ت القديمة "يحكى أن رجال‬
‫مشهورا يعيش اليوم بيننا قد استطاع عن طريق غامض ال يعرفه أحد أن يتنبأ بالغيب‪ ،‬وهذا الرجل ليس مشهورا‬
‫بسبب هذه القدرة الغريبة التي حصل عليها‪ ،‬فال يوجد مخلوق واحد على ظهر األرض يعلم هذه الحقيقة" (غانم‪،‬‬

‫الراوي بين المقروء والمرئي السينمائي (‪)2017 - 2000‬‬ ‫(‪)63‬‬ ‫جبارة‪ ,‬أيوب‬
‫المجلة العربية للعلوم ونشر األبحاث ــ مجلة العلوم اإلنسانية واالجتماعية ــ المجلد الثالث ــ العدد التاسع ــ سبتمبر ‪2019‬‬

‫‪ )35 :1999‬ويستمر الراوي بهذا األسلوب التقليدي راويا األحداث ومقدما الشخصيا ت بضمير الغامب بطريقة السرد‬
‫التقليدي للراوي العالم بكل ش يء‪ ،‬أما في الن املرئ فيغيب صو ت الراوي تماما تاركا املجال لعين الكاميرا لرؤية‬
‫األحداث وسردها من دون أن تكون معروضة من وجهة نظر محددة‪.‬‬
‫‪ -2‬الراوي املتماهي بمرويه ‪ Homodiegetic Narrator‬ويتمثل في الراوي الذي يمثل جزءا من املروي الذي‬
‫يقدمه‪ ،‬أي قد يكون راويا أو شخصية ضمن األحداث التي يرويها (برنس‪ )88 :2003 ،‬ويظهر في املروي له‬
‫أيضا بشكلين‪ ،‬األول منهما يعرف بالفاعل الذات الذي تمارس الحك فيه الشخصية املركزية )الرميسة( أما‬
‫الشكل الثان فهو الفاعل الداخلي الذي تمارس الرواية فيه الشخصيا ت األخرى غير الشخصية الرميسة‬
‫(املركزية) (يقطين‪ )310 :1993 ،‬ويظهر لنا الراوي املتماهي بمرويه عندما تكون الشخصيا ت الروامية هي التي‬
‫تتولى عملية السرد‪ ،‬وهذا ما نجده في رواية (املستبد) إذ تتولى عملية السرد الشخصية الرميسة في الرواية‪،‬‬
‫وترويها بضمير املتكلم (أنا) فالشخصية تقدم مرويا هي مشاركة ومنفعلة به‪ ،‬ترويه من وجهة نظر داخلية‬
‫تالزمنا حتى نهاية الن املقروء‪ ،‬وال يكتف الراوي الشخصية بسرد األحداث في هذا الن فقط‪ ،‬وإنما يعمد‬
‫إلى التفسير والتعليل والتحليل‪ ،‬فنجده في األسطر األولى من الن املقروء يقول‪" :‬لم أكن قد انتهيت من‬
‫الغداء حين شعر ت بالنعاس‪ ،‬فقد اعتد ت على االسترخاء بعد الظهر بعد الغداء خصوصا مع تقدم الربيع‬
‫واستقرار الحر‪ ،‬اعتد ت على النوم قليال فإذا لم أنم ولو لبضع دقامق أبقى بعد الظهر بطوله متوتر األعصاب‬
‫راغبا في التدخين محدثا غير مستمع ال أحسن القيام بعمل يتطلب جهدا مهما كان يسيرا" (الضعيف‪:2001 ،‬‬
‫‪ )7‬فالراوي‪/‬الشخصية هنا لم يكتف بسرد ما يريد إخبارنا به بوصفنا متلقين‪ ،‬وإنما يعمد إلى تعليله‬
‫وتحليله‪ ،‬وهذا ما قد ال نجده مع تشكال ت أخرى من تشكال ت الراوي فيما لو لم يكن راويا عليما‪ ،‬ويستمر‬
‫الراوي بهذا االسلوب في صفحا ت الن املقروء جميعها‪ .‬أما في النسخة املرمية من رواية (املستبد) والتي‬
‫عنونها صناعها بـ(زنار النار ‪ )2004‬فنجد الراوي في الن املقروء هو الشخصية التي تشارك باألحداث‬
‫وتنفعل بها‪ ،‬فضال عن كونه ليس فقط شخصية من الشخصيا ت في الن املرئ وإنما هو الشخصية‬
‫الرميسة فيه يروي الحدث ويعيشه وينفعل به‪ ،‬ويراه املشاهد من وجهة نظره‪ ،‬أما التشكل الثان فهو التشكل‬
‫التقليدي للنصوص املرمية (الالتبئير) أي عدم وجود وجهة نظر محددة تنقلها الكاميرا‪ ،‬وإنما تنقل فقط ما‬
‫يجري بتجرد‪ ،‬وما يهمنا في هذا املوضع هو التشكل األول للراوي الذي ينقل وجهة نظره وهذا ما يظهر لنا في‬
‫لقطا ت الـ‪ POV‬في بداية الفلم مثال‪ ،‬التي تحدد لنا موقع الراوي وطبيعة سير األحداث من أي وجهة نظر‬
‫ستجري ويشاهدها املتلق ‪ .‬فف اللقطا ت التي يظهر فيها املحيط والشوارع ونقاط التفتيش في بداية الن‬
‫املرئ نجد أن الصورة مأخوذة من داخل السيارة التي ليس فيها سوى الشخصية الرميسة في العمل‪،‬‬
‫لتستعرض لنا الكاميرا ما تراه هذه الشخصية من مناظر طبيعية كانت عليها لبنان قبل الحرب في الثوان‬
‫األولى من العمل وما لحق الحرب من نقاط تفتيش تظهر في الدقيقة (‪ )1:47‬فبعد أن بدأ الخراب بالظهور‬
‫على طرفي الشارع (‪ )1:06‬لتستمر بعد ذلك لقطة وجهة النظر مع السيارة ويستقبلها املتلق من داخل‬
‫السيارة مارا في طريقه إلى وسط املدينة التي هي الساحة الرميسة لألحداث إذ تتخلى الكاميرا عن وجهة نظر‬
‫الشخصية الرميسة ليبدأ لنا التشكل الثان من تشكال ت الراوي في الن املرئ والذي توكل فيه مهمة السرد‬
‫إلى عين الكاميرا من دون تحميلها لوجهة نظر أي شخصية كانت‪ ،‬وتعود وجهة نظر الشخصية الرميسة‬
‫للظهور بين الحين واآلخر في لقطا ت معينة مثل لقطة مشاهدته لشباك الجارة (‪ )4:08‬ولقطة انتظاره لنزول‬
‫املاء من الصنبور (‪ ، )4:25‬وفضال عن لقطا ت وجهة النظر يرافقنا كذلك صو ت الراوي في مواقع معينة في‬
‫الن املرئ محاورا أو محدثا ذاته أو معلقا ومحلال ملا جرى وما يجري‪ ،‬ولكن على طريقة املونولوج بوصفه‬

‫الراوي بين المقروء والمرئي السينمائي (‪)2017 - 2000‬‬ ‫(‪)64‬‬ ‫جبارة‪ ,‬أيوب‬
‫المجلة العربية للعلوم ونشر األبحاث ــ مجلة العلوم اإلنسانية واالجتماعية ــ المجلد الثالث ــ العدد التاسع ــ سبتمبر ‪2019‬‬

‫راويا من داخل الن املرئ أي أن صوته املفترض أن يكون من داخل الكادر ليس كما هي الحال مع راوي‬
‫(عصافير النيل) القادم من خارج الكادر‪ .‬وقد يمتزج هذا النوع من الراوي في النصوص املرمية مع وجهة النظر‬
‫في البحث والتحليل‪ ،‬ذلك أن الن ينقل من وجهة نظر الراوي الذي هو في الوقت نفسه الشخصية الرميسة‬
‫في ما يروي‪ ،‬وهذا يختلف عن النصوص التي فيها راو خارجي‪ ،‬إذ يتولى سرد األحداث صوتيا في بعض من‬
‫األحيان‪ ،‬أما وجهة النظر فال تكون له بل للكاميرا وبالتأكيد لن يكون الراوي شخصية من شخصيا ت املروي‪،‬‬
‫وال ينفعل بالحدث ألنه ليس جزءا منه‪.‬‬
‫نجد كذلك تشكل الراوي املتماهي بمرويه والسارد بضمير (أنا) الشخ األول في الن املقروء (الفيل‬
‫األزرق) الذي ترويه الشخصية الرميسة‪ ،‬وهي راو مشارك ومنفعل بالحدث غير أن الفرق بينها وبين الراوي الشخصية‬
‫في ن (املستبد) املقروء مع أن كليهما شخصيتان رميستان إال أنه في رواية (الفيل األزرق) نجد العديد من‬
‫الشخصيا ت الثانوية تحيط بالراوي‪ ،‬وهذا ما لم يتوافر في رواية (املستبد)‪ ،‬فضال عن احتفاظ الشخصية الرميسة‬
‫بدورها بوصفها راويا لألحداث في (املستبد)‪ ،‬بينما تخلت عن هذا الدور في (الفيل األزرق ‪ )2014‬لصالح الكاميرا التي‬
‫قامت بفعل السرد‪.‬‬
‫أما في الن املقروء (باب الشمس) فيتولى الراوي الداخلي –كذلك‪ -‬املتماهي بمرويه سرد األحداث موظفا‬
‫الضمامر الثالثة (املتكلم‪-‬املخاطب‪-‬الغامب) وقد يكون توظيف ضمير املخاطب أمرا نادر الحدوث في النصوص‬
‫املقروءة‪ ،‬إال أن وجوده في هذا الن انما كان بسبب حضور املروي له الذي يرافق راويه الداخلي منذ بداية العمل‬
‫حتى نهايته بال أي استجابة‪ ،‬إذ تقوم الحبكة في النصين املقروء واملرئ على إصابة (يونس) بالجلطة الدماغية ودخوله‬
‫في غيبوبة‪ ،‬يحاول معها (الدكتور خليل) سرد األحداث املاضية له علها تفيد في إعادته إلى الحياة‪ ،‬يقول الراوي‪:‬‬
‫"أقض ي وقتي في غرفتك أنهي أعمالي في املستشفى وأعود إليك‪ ،‬أجلس إلى جانبك أحممك وأدلكك وأعطرك وأرشك‬
‫بالبودرة وأفرك جسمك باملراهم‪ ،‬أغطيك وأتأكد من نومك وأحدثك‪ ،‬الناس يعتقدون أنني أكلم نفس ي كاملجانين‪،‬‬
‫معك اكتشف نفس ي نفوسا كثيرة أستطيع إقامة حوار أبدي معها‪ ،‬الحقيقة أنني قرأ ت في كتاب لم أعد أذكر عنوانه‬
‫أن الوعي يمكن استعادته ملن سقط في الغيبوبة مثلك عبر الحوار‪ ،‬الدكتور أمجد قال مستحيل‪ ،‬وأنا اعرف أن ما‬
‫قرأته ليس علميا لكني أحاول‪ ،‬أحاول إيقاظك بالكالم‪ ،‬فلماذا ال تجاوبني؟ كلمة واحدة ونخل " (الخوري‪:2010 ،‬‬
‫‪ )20‬فاملزج بين املتكلم واملخاطب ينقل لنا معاناة الراوي الفلسطيني الواعي مع املروي له الذي ال يستجيب للنداء وإن‬
‫ُ ّ‬
‫ذكره بالتاريخ والنضال والحياة السابقة التي عاشها من خالل استرجاعها أمامه لعله يفيق من غيبته‪ .‬تبقى‬ ‫كان ي ِ‬
‫الفكرة هذه التي قامت عليها الرواية في الن املرئ كذلك بجزميه‪ ،‬إذ يبدأ الجزء األول مع (خليل) وفتاته (شمس)‬
‫التي تنقل لنا الكاميرا العالقة بينهما لتصل فيما بعد إلى غرفة املستشفى مع (خليل) و(يونس) و(أم حسن) التي تغادر‬
‫ويبقى األول محاوال استعادة وعي الثان من خالل سرد األحداث املاضية من حياته‪ ،‬فيتحول بذلك الراوي إلى راو‬
‫خارجي يروي الحدث محققا وجهة النظر املشهدية من خالل عرض الحدث بعين الكاميرا مع غياب الراوي الذي سبق‬
‫وأدركه املشاهد منذ البدء‪ ،‬ويتحول الراوي في الجزء الثان من (باب الشمس‪ )2005 ،‬املرئ إلى راو داخلي يروي‬
‫قصته بضمير املتكلم أيضا ملروي له غامب‪ ،‬لكن االنتقاال ت بين األزمنة صار ت أقل في الجزء الثان وصار صو ت الراوي‬
‫‪ Voice over‬يظهر مرافقا للحدث‪.‬‬

‫الخاتمة‪:‬‬
‫توصلت الدراسة إلى عدد من النتامج أهمها إن وجود الراوي في النصوص السينمامية يقتصر على املواضع‬
‫التي ال تستطيع الكاميرا نقل املشاعر للمشاهد من خالل الصورة‪ ،‬فيلجأ الن عندمذ إلى الراوي ُليخبر ما يريد أن‬

‫الراوي بين المقروء والمرئي السينمائي (‪)2017 - 2000‬‬ ‫(‪)65‬‬ ‫جبارة‪ ,‬أيوب‬
‫المجلة العربية للعلوم ونشر األبحاث ــ مجلة العلوم اإلنسانية واالجتماعية ــ المجلد الثالث ــ العدد التاسع ــ سبتمبر ‪2019‬‬

‫يخبر به املشاهد‪ ،‬وفي حال افرط صناع النصوص املرمية بتوظيف الراوي في مواضع ال حاجة لوجوده فيها فإن هذا‬
‫سيضعف من العمل املرئ تقنيا ويضعف لغته السينمامية املعتمدة على الصورة التي يتلقاها املشاهد بصريا ال على‬
‫الكلمة التي يعتمد عليها الن األدي املقروء‪ .‬أما فيما يخ الكاميرا وهي آلة التعبير عن الراوي والتي تمثل في الن‬
‫األدي تشكال من تشكال ت متعددة يظهر فيها الراوي فإنها في الن املرئ تقوم بأدوار متعددة وال تكتف بكونها راويا‬
‫فحسب‪ ،‬وإنما قد تكون راويا أو شخصية أو بطال أو مرويا له كذلك بينما في الن املقروء ال يمكنها أداء أدوار‬
‫الشخصية أو املروي له‪ ،‬ومثل غياب الكاميرا في الن املقروء وحضورها الذي ال مناص منه في الن املرئ فإن‬
‫غيب ويختف تماما في الن املقروء كما تغيب املؤثرا ت الصوتية عنها بالكامل‪ ،‬بينما تؤدي دورا ال‬ ‫صو ت الراوي ُي َّ‬
‫يمكن إغفاله في النصوص املرمية‪.‬‬

‫مصادر البحث ومراجعه‪:‬‬

‫أوال‪ :‬الكتب‬
‫‪ ‬إبراهيم‪ :‬أسماء‪ ،)2016( ،‬الرواية والسينما تراسل الوسامط‪ ،‬ضمن كتاب نحك لنحيا مجموعة البحوث املقدمة‬
‫في مؤتمر الرواية العراقية‪ ،‬مطبعة إيالف للطباعة الفنية الحديثة‪ ،‬ط‪ ،1‬بغداد‪.‬‬
‫‪ ‬أصالن‪ :‬إبراهيم (‪ ،)2005‬عصافير النيل‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬ط‪ ،1‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ ‬برنس‪ :‬جيرالد (‪ ،)2003‬قاموس السرديا ت‪ ،‬ترجمة السيد إمام‪ ،‬ميريت للنشر واملعلوما ت‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ ‬جورنو‪ :‬ماري‪-‬تيرز وماري‪ ،‬متشل (‪ ،)2007‬معجم املصطلحا ت السينمامية تقنية الكتابة للسينما‪ ،‬ترجمة‪ :‬د‪ .‬فامز‬
‫بشور‪ ،‬سلسلة الفن السابع (‪ ،)136‬منشورا ت وزارة الثقافة السورية‪ ،‬املؤسسة العامة للسينما‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،.‬دمشق‪.‬‬
‫‪ ‬جينيت‪ :‬جيرار وآخرون (‪ ،)1989‬نظرية السرد من وجهة النظر إلى التبئير‪ ،‬ترجمة‪ :‬ناجي مصطفى‪ ،‬منشورا ت‬
‫الحوار األكاديمي والجامعي‪ ،‬ط‪.1‬‬
‫‪ ‬الخوري‪ :‬الياس (‪ ،)2010‬باب الشمس‪ ،‬دار اآلداب‪ ،‬ط‪ ،6‬بيرو ت‪.‬‬
‫‪ ‬الدوخي‪ :‬د‪ .‬حمد محمود (‪ ،)2010‬جماليا ت الشعر‪-‬املسرح‪-‬السينما في نماذج من القصة العراقية‪ ،‬الهيئة العامة‬
‫السورية للكتاب‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دمشق‪.‬‬
‫‪ ‬ديك‪ :‬برنارد ف‪ ،)2015( .‬تشريح الفيلم‪ ،‬ترجمة‪ :‬مصطفى محرم‪ ،‬املشروع القوم للترجمة (‪ ،)2268‬املركز‬
‫القوم للترجمة‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ ‬صادق‪ :‬محمد (‪ ،)2016‬هيبتا‪ ،‬الراووق للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪ ،46‬مصر‪.‬‬
‫‪ ‬الضعيف‪ :‬رشيد (‪ ،)2001‬املستبد‪ ،‬دار رياض الريس للنشر والتوزيع‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬بيرو ت‪.‬‬
‫‪ ‬غانم‪ :‬فتحي (‪ ،)1999‬تلك األيام‪ ،‬الهيئة املصرية العامة للكتاب‪ ،‬د‪.‬ط‪.‬‬
‫‪ ‬القاسمي‪ :‬أحمد (‪ ،)2011‬جمالة الحك السينمائ بين الصياغة اللغوية واملعالجة السينمامية‪ ،‬سلسلة الفن‬
‫السابع (‪ ،)209‬وزارة الثقافة السورية‪ ،‬املؤسسة العامة للسينما‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دمشق‪.‬‬
‫‪ ‬ليفينجستون‪ :‬بيزلي وبالتينيا‪ :‬كارل (‪ ،)2013‬دليل روتليدج للسينما والفلسفة‪ ،‬ترجمة‪ :‬أحمد يوسف‪ ،‬املشروع‬
‫القوم للترجمة (‪ ،)2042‬املركز القوم للترجمة‪ ،‬ط‪ ،1‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ ‬لينارد‪ :‬جون ولوكهار ت‪ :‬ماري (‪ ،)2006‬املرجع في فن الدراما مرشد لدراسة املسرحيا ت‪ ،‬ترجمة وتقديم‪ :‬محمد‬
‫رفعت يونس‪ ،‬مراجعة‪ :‬أسامة مدن ‪ ،‬املشروع القوم للترجمة (‪ ،)1004‬املركز القوم للترجمة‪ ،‬ط‪ ،1‬القاهرة‪.‬‬

‫الراوي بين المقروء والمرئي السينمائي (‪)2017 - 2000‬‬ ‫(‪)66‬‬ ‫جبارة‪ ,‬أيوب‬
‫المجلة العربية للعلوم ونشر األبحاث ــ مجلة العلوم اإلنسانية واالجتماعية ــ المجلد الثالث ــ العدد التاسع ــ سبتمبر ‪2019‬‬

‫‪ ‬مجموعة باحثين (د‪ .‬ت)‪ ،‬السرد في السينما دراسا ت مختارة‪ ،‬ترجمة‪ :‬مركز اللغا ت والترجمة في أكاديمية الفنون‪،‬‬
‫تحرير ومراجعة‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬يحيى عزم ‪ ،‬سينما(‪ ،)11‬أكاديمية الفنون‪ ،‬وحدة اإلصدارا ت‪ ،‬د‪.‬ط‪.‬‬
‫‪ ‬يقطين‪ :‬د‪ .‬سعيد (‪ ،)1993‬تحليل الخطاب الروائ (الزمن‪ ،‬السرد‪ ،‬التبئير)‪ ،‬املركز الثقافي العري للطباعة‬
‫والنشر‪ ،‬ط‪ ،2‬بيرو ت‪-‬الدار البيضاء‪.‬‬

‫الرسائل واألطاريح الجامعية‪:‬‬


‫‪ ‬إبراهيم‪ :‬ماهر مجيد (‪ ،)2005‬التراكيب الزمنية في سردية الفلم السينمائ املعاصر‪،‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬قسم‬
‫الفنون السمعية واملرمية‪/‬سينما‪ ،‬كلية الفنون الجميلة‪ ،‬جامعة بغداد‪ ،‬إشراف‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬رعد عبد الجبار الشاطئ‪.‬‬
‫‪ ‬ماجد‪ :‬نهاد حامد (‪ ،)2007‬آليا ت اشتغال السرد في بنية الفلم الروائ ‪ ،‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬قسم الفنون السمعية‬
‫واملرمية‪/‬سينما‪ ،‬كلية الفنون الجميلة‪ ،‬جامعة بغداد‪ ،‬إشراف‪ :‬أ‪.‬م‪.‬د‪ .‬طه حسن الهاشمي‪.‬‬

‫الراوي بين المقروء والمرئي السينمائي (‪)2017 - 2000‬‬ ‫(‪)67‬‬ ‫جبارة‪ ,‬أيوب‬

‫)‪Powered by TCPDF (www.tcpdf.org‬‬

You might also like