Professional Documents
Culture Documents
مجلة قوارئ العدد السادس
مجلة قوارئ العدد السادس
القافلة..
1 مجلة قوارئ | العدد السادس
تاريخ،
معرفة
وعراقة!
فصل ّية تصدر عن مشروع أصدقاء القراءة | العدد السادس | نوفمبر 2016
أ .سعدية
مفرح:
ذاكرتي
كتاب،
وكتابي
ذاكرة ..عشت
دائما،
ً هكذا
وال أتذكرني
بال كتاب!
المحتويات
يف ترســيخ ثقافــة القــراءة
تسعى املجلة لبناء وتعزيزهــا يف املجتمــع ،وأن أشهر ،حتتوي على
املجتمع القارئ تكــون أداة فعالــة لتوظيــف مقاالت ولقاءات
الواعي وذلك من املقــروء الــذي يخــدم ته ّم ك ّل قارئ.
خالل حتفيز أفراده املجتمــع معرف ًيــا وثقاف ًيــا.
4 كلمة التحرير ليكونوا عنص ًرا
6 اخلطوة الثانية كيف ثم كم! مساه ًما يف التحول
9 قصة كتاب ملجتمع معريف.
12 العمى ومكعبات ماجي
14 مقابلة األستاذة سعدية مفرح
22 مسابقة أفضل مراجعة على كتاب «عبقرية عمر» للعقّ اد رئيس التحرير
27 نحو كتابات فريدة فاطمة أبوسعدة
28 يف معنى أن أكتب
30 ملخص كتاب مذكرات قارئ
35 جيش األفكار
38 أدب املقالة
43 مجلة القافلة خزانة املعرفة فريق العالقات العامة فريق اإلعداد
49 تعريف بخمسة كتب عربية غيداء الرويشد هشام العبيلي
شمس اجلطيلي هند الصبار
54 إعارة الكتب زهرة الصالح
فريق التصميم فريق المراجعة
57 املزهدون يف القراءة
Brandin» You والتدقيق
59 وصايا قارئ عتيق بدور الفصام
62 إنهم أصحابي فأروني ماذا فعل بكم صحبكم عبد الرحمن الغنيم
كلم
ة
التحـــرير
وللكتّــاب والضيــوف األكارم الذيــن احلمــد هلل رب العاملــن ،والصــاة
ظللونــا بســحائب أفكارهــم ونفائــس والســام علــى نبينــا محمــد ،وعلــى
أقالمهــم ،وللمشــاركني الرائعــن آلــه وصحبــه أجمعــن ،أمــا بعــد:
الذيــن تســابقوا يف نشــر أعمالهــم، ثمانيــة عشــر شــه ًرا بتمامهــا
وللق ـ ّراء الشــغوفني الذيــن يرتقبــون اســتغرقت رحلــة قــوارئ بــد ًءا مــن
موعدنــا معهــم كل ثالثــة أشــهر، أسـ َف َرت عن ســتة
وللمتفضلــن بالدعــوة إلــى تنــاول انطالقتهــا األولــىْ ،
مجلتنــا ،ونشــرها ،والنقــل عنهــا، أعــداد فريــدة مــن مجلتكــم األثيــرة،
ودعمهــا .ولألحبــة الذيــن لــم يتوانــوا وقــد كانــت مــع كل إصــدار جديــد
عــن محاولــة الكتابــة ،وال زالــوا تســعى للتجديــد يف موضوعاتهــا
ميتلكــون إصــرا ًرا وعز ًمــا يف صقــل والتنــوع يف طرحهــا ،مــع احملافظــة
أقالمهــم وتنميــة مواهبهــم والتــي علــى الهيــكل العــام ،والهــدف الرئيس
نثــق بأنهــا ستشــق طريقهــا عمــا الــذي انطلقــت من أجل حتقيقه ،وها
قريــب لتجــد مكانهــا يف إحــدى زوايــا هــي تواصــل رحلــة اإلبــداع واإلمتــاع
أعدادنــا املقبلــة بــإذن اهلل. خــال مســيرة عامهــا الثانــي ،والــذي
إيناعــا وإيرا ًقــا يو ًمــا إثــر
ً تــزداد فيــه
وأسرة التحرير تدعو املتخصصني يســر
يــوم .ونحمــد اهلل تعالــى أن ّ
واألكادمييــن واملثقفــن والقـ ّراء إلــى لنــا بلــوغ العــدد الســادس ،والــذي
املشــاركة يف تطويــر املجلــة ،والرفــع جــاء بعــد توفيــق اهلل ،بتضافــر
مــن مســتواها مــن جميــع اجلوانــب جهــود فريـ ٍـق متكامــل ،وأيــدي عاملــة
املوضوعيــة والشــكلية ،مــن خــال متفانيــة مخلصــة ،اســتفرغت وســعها
إحتافهــا بآرائهــم ومقترحاتهــم، وأنفقــت مــن وقتهــا لتكون عند حســن
وتزويدهــا مبلحوظاتهــم وتنبيهاتهــم، ظــن ق ّرائهــا وأصدقائهــا األوفيــاء، ّ
وتؤكــد أن ذلــك ســيكون محــل عنايــة ثــم بفضــل اجلمهــور القــارئ الــذي
وتقديــر لتحقيــق مزيـ ًدا مــن الريــادة َســعدنا بتلقــي مشــاركاته الق ّيمــة
والتم ّيــز. وآرائــه الوجيهــة وأفــكاره الن ّيــرة،
واهلل املســؤول أن يجعــل عملنــا والتــي أســهمت إســها ًما كبيــ ًرا يف
خالصــا لوجهــه الكــرمي ،وأن يوفقنــا تطــور املجلــة وإثرائهــا.
ً
إلــى مــا يحبــه ويرضــاه ،إنــه قريــب أبلــغ الشــكر للفريــق الــذي يشــعر
مجيــب. بــأن قــوارئ قطعــة مــن روحــه،
7 مجلة قوارئ | العدد السادس مجلة قوارئ | العدد السادس 6
الخطوة الثانية:
علــى حتقيــق هدفــك القرائــي الكمــي لهــذا العــام، الرقــم ليكــون هدفــك أوضــح وأدق.
لكــن ال شــيء ممــا ســبق ميكــن أن يحقــق الهــدف نعلــم إنــه ســيكون األمــر ُم ً
حبطــا بعــض الشــيء
الكيفــي مــن القــراءة ،قــد تقــرأ 244كتا ًبــا خــال
قصة كتاب:
اإلسالم والحضارة
العربية
ُد عيــت إلــى مؤمتــر املستشــرقني يف ليــدن مــن بــاد القــاع يف
صيــف ســنة 1931وســألت رصفائــي أعضــاء املجمــع العلمــي العربــي
عــن املوضــوع الــذي يــرون أن أخــوض فيــه هنــاك ،وقلــت لهــم إن
كل عضــو ال يســمح لــه الــكالم أكثــر مــن عشــرين دقيقــة ،علــى مــا
رأيــت يف مؤمتــر املستشــرقني يف أكســفورد ســنة ،1928وقــد تكلمــت
فيــه علــى نهضــة العربيــة األخيــرة ،وتعــاون العــرب واملســتعربني
علــى النهــوض بهــا ،وعلــى نشــر دفائنهــا املخطوطــة .فقــال أحــد
األعضــاء صديقــي الدكتــور أســعد احلكيــم :قــل لهــم إن اإلســام
أصبــح معرو ًفــا عنــد األمم مبــا نقــل إلــى لغاتهــم مــن كتبــه ،فليــس
مــن الالئــق بعــد اآلن ببعــض املؤلفــن أن يطلقــوا ألســنتهم فيــه مبــا ال
يليــق ،وال أن يطعــن باملســلمني والعــرب الطعــن الــذي لــم ينشــأ إال عــن
أحقــاد قدميــة وتعصبــات رديئــة .فقــال األعضــاء :هــذا هــو املوضــوع.
وقلــت لهــم :ليتنــي كنــت ق ّيــدت أشــياء عرضــت لــي ولهــا صلــة مبــا
نريــد فقالــوا :تكلــم بقــدر مــا عنــدك مــن املــادة وال يطلــب منــك
درســا خفي ًفــا ألكتــب فيــه ســبع
ً الزيــادة .فأخــذت بــدرس املوضــوع
صفحــات .وملــا أزمعــت الرحيــل حــددت احلكومــة لــي مــدة الرحلــة
أربعــن يو ًمــا فاســتقللتها ،وعدلــت مــن تلقــاء نفســي عــن الســفر،
وفــرح رئيــس الــوزراء ألنــه كان يــود أن يذهــب إلــى باريــز وكذلــك
وزيــر املاليــة ،فأبــت املفوضيــة أن جنيبهمــا إلــى رغبتهــا إذ ال غايــة
ترجــى مــن ســياحتها .وملــا عدلــت عــن الذهــاب إلــى ليــدن انصرفــت
علــي أن أعــرض لــه يف جلســات َّ إلــى درس املوضــوع الــذي اقتــرح
املؤمتــر ،واتفــق أن تركــت الــوزارة بعــد حــن فســيطرت علــى وقتــي
كمــا أشــتهي ،ومــا زال األفــق يتســع وميتــد ،وأنــا حتدثنــي نفســي
أنــي ســآخذ ممــا كتبــت محاضــرات للمجمــع العلمــي حتــى كتبــت
أكثــر مــن تســعمائة صفحــة ،كان منهــا «كتــاب اإلســام واحلضــارة
العربيــة» طبــع يف مجلديــن يف مطبعــة دار الكتــب املصريــة بالقاهــرة،
علــى نفقــة جلنــة التأليــف والترجمــة والنشــر ،وقــد ســلخت يف تأليفــه
11 مجلة قوارئ | العدد السادس مجلة قوارئ | العدد السادس 10
هــؤالء عــن األمم احلديثــة ملــا حاولــوا النهــوض وفيــه إشــارات إلــى تأثيــرات اإلســام ولغتــه يف ثــاث ســنني لــم أنقطــع فيهــا يو ًمــا واحــ ًد ا عــن
ولعمــري إن هــذا املوضــوع كان يُ ْعـ ِـوزه كتــاب جامــع
يف العصــر املاضــي ،وذكــرت مــا أتــى بــه اإلســام األقطــار املغلوبــة ،ومناقشــة مــن نالــوا مــن اإلســام التأليــف ،ومــدة اشــتغالي كل يــوم ثمانــي ســاعات
محيــط بأطرافــه كهــذا الكتــاب ســ ّد هــذا العــوز،
مــن علــوم خاصــة بــه ،ومــا عبــث بــه العابثــون يف والعــرب وكتبــوا فيهمــا بالهــوى ،واالســتدالل علــى فأكثــر .وشــاهدت تيســي ًر ا يف التقــاط مادتــه مــا
وكفــى النــاس مؤونــة نشــدان األدلــة مــن هنــا ومــن
هــذا الشــأن يف العصــور التاليــة ممــا كان فيــه نقــض أقوالهــم بــكالم علمــاء منهــم تكلمــوا نازعــن مســت
هنالــك ومــن هنــاك .إلــى أن قــال :ولذلــك ّ وقــع لــي يف تأليــف كتــاب غيــره .فكنــت أذكــر مــا
تدلــي أهلــه .وأفضــت يف سياســة األمــة العربيــة ربقــة التعصــب الدينــي .وقــد رددت فيــه أمهــات احلاجــة إلــى وضــع كتــاب يضيــق معــه مجــال تلوتــه مــن ثالثــن أو أربعــن ســنة يف هــذا املبحــث
واألمم التــي خلفتهــا كالتــرك والبربــر والشراكســة الشــبه التــي أوردهــا الشــعوبيون أعــداء العــرب أو املباحــث فأســقط يف احلــال علــى مــا أتوخــى،
املغالطــة يف فضــل العــرب ،ويأخــذ علــى املكابريــن
واألكــراد والفــرس والهنــود .وتوســعت يف إدارة واإلســام ،وعرضــت ملــا أثــر اإلســام يف أوروبــا أو املتجاهلــن أفــواه الطــرق ،فــكان هــذا الكتــابوقــرأت ورجعــت إلــى أكثــر مــن خمســمائة مصنــف
احلكومــات التــي توالــت علــى أرض املســلمني مــن مــن طريــق األندلــس وصقليــة ،ومــا كان مــن اخليــر باللغــات الثــاث ،وقــال بعــض العارفــن إنــه أجــود
الــذي أرجــو أن ينقــل إلــى لغــة مشــهورة مــن اللغــات
عهــد صاحــب الشــريعة عليــه الصــاة والســام لهاتــن اجلزيرتــن ومــا واالهمــا مــن حضــارة كتبــي تألي ًفــا؛ وذلــك ألن موضوعــه عــام جــذاب
األوربيــة فات ًنــا ،نحــن يف حاجــة إلــى أن يعلمــوا هــم
إلــى يــوم النــاس هــذا .فــكان مــن هذيــن الفصلــن العــرب ،وعرضــت مــا كان مــن تخريــب التتــار يحتــاج إلــى الرجــوع إليــه املوافــق واملخالــف،
عنــا أكثــر ممــا نحــن يف حاجــة إلــى أن نعلــم نحــن
األخيريــن موجــز مــن تاريخنــا فيــه زبــدة مــا يجــب مــن الشــرق والبربــر والصليبيــن مــن الغــرب يف والكبيــر والصغيــر ،والعربــي واإلفرجنــي ،وممــا
عــن أنفســنا».
حفظــه مــن تاريــخ اإلســام والعــرب. كيــان العــرب واإلســام ،ومــا كان مــن غــارات كتــب إلـ َّـي األميــر شــكيب أرســان فيــه« :أنــا معتقــد
وكتــاب «اإلســام واحلضــارة العربيــة» صــورة
املســتعمرين علــى ديــار اإلســام والشــرق عامــة، أنــك وفقــت فيــه توفي ًقــا كبي ـ ًر ا وأنــه خيــر مــا كتبــت
محمــد كــرد علــي ،املذكرات.3/316-318 ، مــن حالــة العــرب قبــل اإلســام وحالتهــم بعــده،
ومــا أخــذه اإلفــرجن مــن علــوم العــرب ،ومــا أخــذه بــل مــن خيــر مــا أخــرج مــن الكتــب يف هــذا العصــر،
13 مجلة قوارئ | العدد السادس مجلة قوارئ | العدد السادس 12
-ســتتكرر ،لكـ ّـن العمــل الســينمائي وإن كان لــم يصــل نشــر خوزيــه روايتــه باللغــة البرتغاليــة يف ،1995
لتصوير بشــاعة األحداث يف الرواية -نال استحســاني ومتــت ترجمتهــا لإلجنليزيــة يف .1997وحــن ُســئل
كثيــرا ،كمــا أننــي ســعدت حــن رأيــت خوزيــه نفســه ـت
يف 1998عــن والدة فكــرة هــذه الروايــة أجــاب« :كنـ ُ
يبكــي مــن ســعادته بهــذا العمــل .يكفــي الفيلــم مشــاهده جالســا يف مطعـ ٍـم مــا ،منتظ ـ ًرا أن يُق ـ ّدم لــي غذائــي،
ً
يف أروقــة املشــفى الــذي حتــول حملجــر صحــي ،للشــوارع ً
ففكــرت فجــأة ،مــاذا لــو كانــوا كلهــم عميانــا ؟ كمــا
التــي حتولــت ملكــب قمامــة ضخــم ،وللبيــت الــذي لــو كنــت أجــاوب ســؤال نفســي ،لكننــا نحــن بالفعــل
أضيئــت بــه الشــموع لعميــان إال واحــدة! هــذه املشــاهد عميــان .كانــت هــذه بــذرة الروايــة».
ترســخ يف ذهنــك توليفــة متجانســة مــع الروايــة لترســم
ّ كانــت مصافحتــي األولــى يف أغســطس 2015مــع
صــورة مكتملــة عنهمــا م ًعــا :قــراءة ومشــاهدة.
األعمــال النوبليــة ومــع ســاراماغو يف ذات الوقــت ،ال
العمــى روايــة ال تكفيهــا قــراءة واحــدة ،طوفــان أريــد أن أحــرق هنــا مضمــون هــذا العمــل ملــن لــم يقــرؤه
مــن األســئلة يــزورك منــذ أول صفحــة ويأخــذ يف أو أكــرر ســردها ملــن قرأهــا ،لكــن ذكــر أحــداث الروايــة
االزديــاد حتــى بعــد أن تطــوي آخــر صفحــة! كلّمــا باختصــار البــد منــه حتــى يتم ّكــن القــارئ مــن قــراءة
تقــرأ مراجعــة لهــذا العمــل تكتشــف بأ ّنــك قــد َغفِ لــت هــذه املقالــة .الروايــة تتحــدث عــن مــرض يصيــب
عــن مشــهد مــا ،لــم اختــار زوجــة الطبيــب كأنثــى شــع ًبا مــا يف مدينــة مــا يف زمــن مــا ،هــذا املــرض هــو
لتشــهد علــى كل شــيء؟ لــم اختــار شــخصيات الروايــة العمــى ،بالتحديــد رؤيــة البيــاض التــام .ينتقــل هــذا
األساســية مبراحلهــم العمريــة وظروفهــم االجتماعيــة املــرض كالعــدوى مــن مجهــول كان يقــود ســيارته يف
والنفســية؟ لــم النظــارة الســوداء قبــل العمــى؟ كيــف الشــارع إلــى مدينــة بأكملهــا .ولكــن شــاهدا واحــدا
يكــون التســامح حاضــ ًرا أمــام هيبــة االحتضــار؟ يبقــى بصيــرا وهــو زوجــة طبيــب العيــون الــذي أصيــب
وكيــف يكــون مشــهد االنتقــام شــفاء لغيظــك! بالعمــى بعــد كشــفه علــى املصــاب األول! هــذه الزوجــة
والســؤال الــذي مــا زلــت أطرحــه علــى ســاراماغو: التــي جتــوب مــا بــن املشــفى الــذي حتــول حملجــر
مــاذا تقصــد بالعمــى؟ رغــم أن الروايــة تقــول« :مــا صحــي ُقــذِ َف فيــه كل املصابــون بالعمــى.
العمـــــى
أصعــب أن يكــون املــرء مبصــ ًرا يف مجتمــع أعمــى»
أذكــر أننــي كنــت أغلــق عينــي وأفتحهمــا عــ ّدة
فالعمــى هــو ظــام اجلهــل والرؤيــة هــي نــور الوعــي،
مــ ّرات حتّــى وصلــت ملنتصــف الروايــة ألتأكــد بأننــي
إال أننــي مــا زلــت أحمــل تأويــات مختلفــة!
لــم أصــب بالعمــى! منــذ املشــهد األول الــذي يصــاب
ومكعبات ماجي
رغــم أن خوزيــه لــم يحــدد اســ ًما للمــكان الــذي فيــه الســائق بالعمــى يهاجمــك ســاراماغو ويتشــبث بــك
ـرأت يف إحــدى كغريــق ال يريــد أن ينقــذك بــل يريــدك أن تغــرق معــه أخــذت الروايــة منــه ح ّي ـزًا ،إال أننــي قـ ُ
ألن بعــض ـأن ســاراماغو يقصــد البرتغــال؛ ّ كذلــك .كميــة هائلــة مــن الفظاعــة يحملهــا هــذا العمــل املراجعــات بـ ّ
بــن طياتــه ،يكتــب لــك ســاراماغو بــأدق التفاصيــل املشــاهد يف الروايــة تتطابــق وص ًفــا مــع بعــض األمكنــة
بــأن خوزيــه كان هــو زوجــة ّ قــرأت كذلــك
ُ كيــف يتحــول البشــر إلــى حيوانــات إذا مــا فقــدوا فيهــا،
املــأكل واملشــرب ،مشــاهد بشــعة ترهقــك أثنــاء القــراءة الطبيــب ،مبعنــى أ ّنــه حتـ ّدث علــى لســانها يف الروايــة،
بجانــب اإلجهــاد الذهنــي والعاطفــي اللــذان يضنيانــك تتعــدد القــراءات لكـ ّـن األهــم كيــف تقــرأ أنــت العمــى؟
ُكتب بواسطة -غيداء اجلويسر @galjuwaiser
وأنــت تقــرأ صفحــات الروايــة ،لتجــد أنــك يف ذات أختــم هــذه املراجعــة املتواضعــة مبــا بــدأت بــه عبــر
ســؤال واحــد :إذن يــا ديفيــد مــا رأيــك مبكعبــات ماجــي الوقــت ال تســتطيع التوقــف عــن القــراءة! قــال ديفيــد كورنويــل الشــهير بـــ :جــون لــو كاريــه « :حتـ ّول كتابــك إلــى فيلــم هــو أشــبه برؤيــة حتــول بقرتــك
هــذه املــرة؟ ملكعبــات ماجي"نتخـ ّوف دائ ًمــا مــن تــداول خبــر إعــادة إنتــاج عمــل كتابــي لعمــل ف ّنــي ،إميانــا مــن جتــارب عديــدة
ِــي علــي
حينمــا قــررت مشــاهدة الفيلــم الــذي بُن َ بأنــه مــا مــن نســخة أخــرى ميكــن أن تتفــوق علــى العمــل األدبــي الــذي نــال ح ِّيــزًا يف قلوبنــا .لكــن خوزيــه
الروايــة والــذي شــاهده ســاراماغو بنفســه يف 2008
ســاراماغو الروائــي البرتغالــي شــاهد عملــه النوبلــي :العمــى وهــي تتحــول لفيلــم ومســرحية ومقطوعــة موســيقية
ظننــت أن خيبتــي بعــد طعــام ..صــاةُ ..حــب جلوليــا
لألوبــرا.
روبرتــس -املقتبــس مــن ســيرة ذاتيــة بنفــس العنــوان
15 مجلة قوارئ | العدد السادس مجلة قوارئ | العدد السادس 14
ويقرأهــا ..كنــت أعلــق تلــك البطاقــة وعليهــا اســمي 1.1مــا بواكيــر القــراءة والبدايــات
وصورتــي علــى صــدري كتعويــذة ضــد الفــراغ والهــراء، األولــى في عالــم القــراءة والكتابة
وأباهــي بهــا زميالتــي ،ومــن خاللهــا عرفــت أن القــراءة
عنــد أ .ســعدية؟
أيضــا ال غايــة وحســب! وأن ميكــن أن تكــون وســيلة ً
الفــأرة البيضــاء التــي قضمــت لــي فجــوة مــن اجلــدار ذاكرتــي كتــاب ،وكتابــي ذاكــرة ..عشــت هكــذا
الــذي كان يعزلنــي عــن العالــم ســترافقني دائ ًمــا لتقــوم دائ ًمــا ،وال أتذكرنــي بــا كتــاب ،لكــن مــن الطبيعــي أن
باملهمــة ذاتهــا.. تكــون البدايــة احلقيقيــة مــن املدرســة .مــا زلــت أتذكــر
قصــة الفــأرة البيضــاء مــن سلســلة املكتبــة اخلضــراء
يف كل معــرض مــن معــارض الكتــب التــي أزورهــا
التــي كانــت جائــزة التفــوق األولــى بالنســبة لــي مــن
أجدنــي أبحــث عــن سلســلة املكتبــة اخلضــراء ،وأحيانــا
إدارة املدرســة يف الصــف األول االبتدائــي .ولعلــي ال
يحلــو لــي أن ألتقــط الصــور وأنــا أمســك ببعــض
أبالــغ إن قلــت أننــي قــرأت تلــك القصــة مــرات كثيــرة
نســخها ،وكأننــي أحــاول اســترجاع تلــك اللحظــات
ج ـ ًدا لدرجــة أننــي حفظتهــا أثنــاء العطلــة الصيفيــة.
البعيــدة التــي انغمســت فيهــا ألول مــرة يف عالــم
كانــت أول كتــاب أقــرأه خــارج املنهــج وكتــب الدراســة،
القــراءة كســمكة تفقــس يف النهــر لتجــد نفســها تعــوم
حيــث اكتشــفت يف ذلــك العمــر املبكــر أن حيــاة أخــرى
يف أعماقــه تلقائ ًيــا ،ومــا زلــت أعــوم يف نهــر احلبــر
جتــري أحداثهــا علــى الــورق أجمــل بكثيــر مــن احليــاة
منــذ ذلــك الوقــت حيــث كبــرت مكتبتــي وتلونــت بــكل
التــي كنــت أعيشــها فعــا .وأن حيــاة الــورق هــذه
األلــوان؛ لكــن لألخضــر فيهــا دهشــة البــدء وأســراره،
ميكــن أن تكــون حياتــي أنــا بقليــل مــن احلــب .أحببــت
وللفــأرة البيضــاء تعويــذة البقــاء لألبــد.
القصــة والقــراءة كلهــا ..وهكــذا بقيــت النافــذة التــي
2.2متــى تضعيــن عناويــن كتبــك فتحتهــا لــي الفــأرة البيضــاء مفتوحــة دائمــا ،وتقتــرح
علــي املزيــد مــن االندهاشــات واللذائــذ واالكتشــافات
ومقاالتــك وقصائــدك ،هــل تكــون
ـت القــراءة
اخلارجــة عــن إطــار توقعاتــي .لطاملــا ع ّرفـ ُ
سعدية مفرح
أننــي أصــدق فيــروز وهــي تصــرح بــأن «أســامينا هنــي يف الثانيــة عشــرة مــن عمــري كنــت قــد بــدأت
عينينــا» ،إال أننــي ال أصــدق أن عناويــن كتبنــا هــي عيون القــراءة بشــكل منهجــي يف مكتبــة املدرســة ،حيــث
هــذه الكتــب دائمــا! وإن كانــت كذلــك فهــي أعــن جتيــد كانــت كتــب التــراث هــي مــاذي اجلميــل .أقــرأ كنــوع
التصنــع واخلــداع ،وكــم خدعنــا بعنــوان كتــاب أفضــى مــن التقمــص مــع الزمــن البعيــد ..أعيشــه بتفاصيلــه
إلــى مــا ال يشــير إليــه عنوانــه .لســت أدعــو بــأن يفضــح
الغريبــة ،وأكاد أندمــج معهــا حيــث ال فــكاك وال أريــد
العنــوان املوضــوع الــذي يتناولــه الديــوان الشــعري أو الفــكاك .كل شــيء متنحــه القــراءة لنــا علينــا تق ّبلــه
الروايــة أو أي كتــاب أخــر مباشــرة ،لكننــي أســتهجن كهديــة ال تــرد ،حتــى لــو رأينــا أننــا لســنا بحاجــة شــاعرة وكاتبــة وناقــدة وصحفيــة ،اختارتهــا جريــدة الغارديــات
فكــرة العناويــن اخلداعــة التــي حتــاول أن تقــود القــارئ،لهــا اآلن .ســتحتفظ بهــا الذاكــرة حتــى يحــن وقــت البريطانيــة كممثلــة للكويــت فــي خريطــة الشــعر العالمــي .كمــا
وخصوصــا غيــر احملتــرف إلــى مــا ال يريــد.
ً حاجتنــا لهــا أو رمبــا تتالشــى يف خاليانــا وتنتهــي فينــا،
تُ رجمــت كثيــر مــن قصائدهــا وأعمالهــا إلــى عــدد مــن اللغــات األجنبيــة.
أحــب العناويــن الالفتــة ،أحبهــا لوحدهــا أحيا ًنــا، نتكــون منهــا ونبقــى منتــح مــن بئرهــا الســري العميــق
ـدرس تجربتهــا الشــعرية فــي عــدد مــن الجامعــات المحليــة والعربيــة. تُ ـ ّ
إلــى األبــد .نتكــئ عليهــا لنكتــب كتابتنــا األولــى ونبقــى ومبعــزل عــن فكــرة الكتــاب .لكننــي أســتهجنها كفكــرة
متكاملــة إن كانــت مــن تلــك العناويــن (أو لعلهــا مدينــن لهــا حتــى الكتابــة األخيــرة. وصــدر لهــا عــدة مؤلفــات منهــا :تغيــب فأســرج خيــل ظنونــي ،وجــع
مــا زلــت أحتفــظ ببطاقــة «أصدقــاء املكتبــة» التــي العنوانــات!) اخلداعــة الكاذبــة كذ ًبــا مبينًــا .لطاملــا الذاكــرة ،ويســهر الخلــق ،ســين نحــو ســيرة ذاتيــة ناقصــة ،هــذا الجنــاح
كانــت تعطــى ألكثــر مــن يســتعير الكتــب مــن املكتبــة احتفظــت ذاكرتــي بعناويــن آســرة بــدت لــي حلظــة جناحــي.
17 مجلة قوارئ | العدد السادس مجلة قوارئ | العدد السادس 16
ا يقــول إن علــى صعيــد آخــر هنــاك رأي مثــ ً يف مــا أقــرأ وأعتبرهــا عتبــات النصــوص ومفاتيحهــا اكتشــافها كقصائــد منفلتــة مــن محيطهــا اللغــوي
املراجعــات ينبغــي أن تكــون للكتــب اجليــدة فقــط األوليــة .أنفــر مــن العناويــن املغريــة حــد االنكشــاف والشــعري ،وأذكــر علــى ســبيل املثــال ،أننــي عندمــا
وترويجــا لهــا ،أمــا الســيئة فــا
ً تشــجي ًعا علــى قراءتهــا والتــي تأتــي بأنســاق جاهــزة ومتوقعــة ،يف حــن جتذبنــي قــرأت عنــوان مجموعــة شــعرية قدميــة للشــاعر قاســم
ينبغــي أن ننشــغل بالكتابــة عنهــا حتــى وإن علــى ســبيل العناويــن التــي حتيــل إلــى الكثيــر مــن األســئلة .علــى أيــة حــداد كخبــر عابــر يف صحيفــة مــا يومهــا ،أخــذت
ا ،وهنــاك رأي يقــول إن علينــا أن االنتقــاد والتحذيــر مثـ ً حــال ،القــراءة كلهــا ســؤال مفتــوح متا ًمــا باللحظــة الشــعرية احمليطــة بالعنــوان؛ «ميشــي
نكتــب عــن اجليــد وعــن الســيىء مــن الكتــب علــى حــد مخفــو ًرا بالوعــول» ،ولــم أعــد أفكــر إال بتلــك املشــية
ســواء ونتــرك الفرصــة للقــارئ كــي يحكــم بنفســه علــى 3.3مــا رأيــك بالمراجعــات واالنطباعــات الفارهــة التــي اقتنصتهــا موهبــة الشــاعر لتكــون عنــوان
مــا يقــرأ .وهنــاك مــن يشــجع علــى اســتعراض محتويــات يدونهــا الهــواة علــى الـــ
ّ التــي ملجموعتــه الشــعرية فتأخذنــي إلــى حيــث أريــد أنــا ال
الكتــاب مــن دون تســجيل رأيــه اخلــاص يف النهايــة. إلــى حيــث يريــد الشــاعر رمبــا!
goodreads؟
يف مراجعاتــي للكتــب أحــاول أن أوازن بــن كل اآلراء كلمــا حانــت حلظــة اختيــار عنــوان لكتــاب جديــد
ال أعــرف هــذا املوقــع كثيــرا ،ولذلــك ال أســتطيع
عــادة .لكننــي يف الســنوات األخيــرة لــم أعــد أنشــغل لــي ،أو حتــى قصيــدة ،أســتعيد ل ّذتــي القدميــة يف
احلكــم عليــه بعدالة وموضوعية .حثني بعــض األصدقاء
بالســيىء مــن الكتــب ،وال حتــى أكمــل قراءتهــا ...ال حضــرة الشــاعر الــذي كان ميشــي مخفــو ًرا بالوعــول
على التسجيل به قبل سنوات قليلة ،فدخلته ألستكشفه
ا .وأشــعر أن وقتــي أثمــن مــن أن أضيعــه أســتطيع أصــ ً يف غابــة الكلمــات ،لعلــي أكتشــف مشــية أخــرى يف
مــن بــاب املعرفــة؛ ولكننــي لــم أحبــه .هنــاك مراجعــات
بقــراءات ســيئة! العمــر ميضــي ســري ًعا وعلينــا أن نســتغل غابــة أخــرى لــم يكتشــفها أحــد قبلــي!
جيــدة بالتأكيــد ،وهنــاك غيرهــا .لكنــي ال أدري ملــاذا لــم
كل ثانيــة فيــه بجمــال احليــاة والكتــب وحســب!
أنســجم مــع محتــواه رغم تكويني القرائــي اجليد .عمو ًما ال أدري إن كنــت قــد جنحــت ولــو جزئ ًيــا أم ال ،لكنني
5.5هــل تمــارس أ .ســعدية عــادة القــراءة أنا لســت ممن يكتب مالحظاته االنطباعية بعد أو أثناء نهجــا ثاب ًتــا يف اختيــار عناويــن كتبــيعمو ًمــا ال أعتمــد ً
قــراءة أي كتــاب ،ورمبــا ألنني دائما أحب اكتشــاف الكتب وقبلهــا قصائــدي .أحيا ًنــا أختــار العنــوان أثنــاء الكتابــة
االســتغراق لحظــة ومــا يوميــا،
ً
بنفســي وبعي ـ ًدا عــن آراء اآلخريــن بهــا .وغال ًبــا أحتفــظ وأحيا ًنــا قبلهــا وأحيانــا بعد االنتهاء منهــا ،ورمبا اخترت
اليومــي فــي القــراءة؟ بذلــك للكتابــة عمــا أقــرأه مــن كتــب الح ًقــا يف مراجعــات عنوا ًنــا لقصيــدة أو مقالــة أو كتــاب قبــل االنتهــاء مــن
ال أعتبرهــا عــادة بــل هــي جــزء مــن تكوينــي العقلــي محــددة مســب ًقا يف إطــار وظيفتــي الصحفيــة .أمــا الكتابــات ومقــاالت نقديــة .يقــال إن هــذا املوقع شــجع علــى القراءة ا؛ «تغيــب فأســرج خيــل العمــل ثــم غيرتــه الح ًقــا .مث ـ ً
أيضــا .أقرأ يف كل األمور واملجاالت ..اإلبداعيــة فهــي تختــار وقتهــا وظروفهــا وال أســتطيع إال والفكــري والوظيفــي ً ا ،ويقــال ً
أيضــا أنــه شــجع علــى االدعــاء .وأنــا أصدق فعـ ً
ظنونــي» ،عبــارة اخترتهــا عنوانــا لقصيــدة لــم أكــن قــد
وعملــي حلســن احلــظ يتطلــب منــي أن أكــون علــى متــاس اخلضــوع لذلــك الوقــت وتلــك الظــروف. مــا يقــال يف احلالــن ،ولكننــي أرى أن االدعــاء هنــا ً
أيضــا كتبتهــا بعــد ،وبقــي صــدى العنــوان يتــردد يف داخلــي إلــى
مباشــر ويومــي مــع القــراءة .أفضــل األوقــات بالنســبة لــي مفيــد ألنــه يســاعد علــى الترويــج للكتــب ،ويبقــى احلكــم أن تشــكلت القصيــدة وبعدهــا بثــاث أو أربــع ســنوات
ــد ،أيــن7.7مجــاالت القــراءة مفــازة ال تُ َح ّ الليــل حيــث آوي إلــى مملكتــي اجلميلــة؛ غرفتــي التــي ملســتخدمي هــذا التطبيــق ومتصفحيه. ظهــرت تلــك العبــارة علــى غــاف مجموعــة شــعرية!
تجــد أ .ســعدية مفــرح نفســها مــن حتتــوي علــى مكتبتــي ومكتبــي وســرير نومــي وقليــل مــن وعلــى العكــس مــن ذلــك عنــوان كتابــي «هــذا اجلنــاح
4.4كيــف يكـ ّـون القارئ الملكــة والقدرة
أنــواع الفنــون أو العلــوم؟ احتياجاتــي اليوميــة األخــرى ،فــا أعــود بحاجــة لشــيء جناحــي» الــذي لــم أختــره إال قبــل أن أدفــع مبســودة
مهــم غيــر مــا حتتويــه .لكــن هــذا ال يعنــي أننــي ال أقــرأ علــى كتابــة مراجعــة أو انطبــاع عــن
الكتــاب إلــى الناشــر عبــر اإلمييــل بدقائــق قليلــة فقــط..
القــراءة مفــازة ال ُتــد ..جميــل هــذا التعبيــر ،رغــم يســر كتــاب مــا؟
يف أمكنــة وأوقــات أخــرى .وجــود اآليبــاد معــي دائ ًمــا ّ أتــى هكــذا بــا تخطيــط مســبق وال استشــارة مــن أحــد.
األمــور بالنســبة لــي ،وأنــا حلســن احلــظ أحــب القــراءة يف أن املفــازات مــن طبعهــا األصيــل أنهــا ال ُتــد ،ورغــم أن
القــارئ اجليــد ال بــد أنــه ســيخرج بانطبــاع عمــا قــرأت مقدمــة الكتــاب مــرة أخيــرة وخرجــت بالعنــوان
الكتــاب الورقــي كمــا أحبهــا يف الكتــاب اإللكترونــي ..ويف القــراءة تفــارق املفــازة يف كونها ُســقيا دائمة وغيث مســتمر.
قــرأه ،وهــذا االنطبــاع يتحــول إلــى رأي إن أعمــل الفكــر وكأنني أشير إلى جناح طائرة محلق يف السماء مندغم
آيبــادي الكثيــر مــن الكتــب التــي تســعفني عندمــا أكــون أقــرأ يف كل املجــاالت؛ لكننــي أحــب قــراءة الكتــب الفكريــة
والتحليــل فيــه ،وإن كان يجيــد الكتابــه ســيفرغ هــذا بجنــاح طائــر ..كان جناحــي أنــا بالفعــل ..وأصبح عنوان
والعلــوم ،وبالتأكيــد الشــعر وكنــت أعشــق قــراءة الروايــات؛ بعيــدة عــن مكتبتــي يف البيــت ومكتبتــي يف العمــل. الــرأي يف مراجعــة يحــرص فيهــا علــى إطــاع اآلخريــن كتابــي .أمــا يف كتــاب «مجــرد مــرآم مســتلقية» ،فقــد
لكننــي تخففــت مــن ذلــك مؤخـ ًرا ،لصالــح الســيرة الذاتيــة.
علــى محتويــات الكتــاب ورأيــه فيــه .كثيــرون يحاولــون احتــرت بــن ثالثــة عناويــن واستشــرت أحــد الزمــاء
6.6الكتابــة وليــدة القــراءة ،متــى تتجلــى أتتبــع فيهــا مصائــر البشــر وأحــاول قــراءة مالمحهــم قبــل
االطــاع علــى كل مــا كتــب عــن الكتــاب الــذي يــودون الشــعراء .اســتعرض هــذا الزميــل العبــارات املقترحــة
قــراءة كلماتهــم .لكــن أدب الســيرة الذاتيــة باللغــة العربيــة أ .ســعدية كاتبــة أو ناظمــة؟
الكتابــة عنــه ،وبعضهــم يحــاول االطالع علــى كل نتاجات وأضــاف كلمــة إلحداهــا ..وتكــون العنــوان.
ا ،وهــو أدب مبتســر قياســا إلــى الروايــات مث ـ ً
ً قليــل ج ـ ًدا
كتابــة املقــاالت الصحفيــة عمــل منظــم خاضــع لــدورة وناقــص ألســباب كثيــرة. هــل هــذا هــو اإللهــام؟ أم أنــه حلظــة قــرار واع؟ لعلهــا الكاتــب حتــى إذا لــم يــرد الكتابــة إال عــن هــذا الكتــاب..
العمــل اليوميــة ،وغال ًبــا أكتــب مقاالتــي الصحفيــة بأوقــات خليــط بــن هــذا وذاك ،علــى أننــي أهتــم بقــراءة العناويــن وطبعــا كلهــا طــرق مقبولــة ومفهومــة لكتابــة املراجعــات.
19 مجلة قوارئ | العدد السادس مجلة قوارئ | العدد السادس 18
1010ال يحظــى بعــض المثقفيــن الصحافــة يف قلــب العالــم ،وربتــت علــى قلبــي بكثيــر
بالشــهرة أو الصيــت مــع مــا لديهــم مــن الطمأنينــة والصبــر وأنــا أتقلــب بــن مشــاهد الــدم
وأخبــار الدمــار .كثي ـ ًرا مــا هربــت مــن أخبارهــا إلــى
مــن مخــزون معرفــي ،مــا األســباب
الشــعر ومــن الشــعر إلــى أخبارهــا وهــذا علمنــي أن
فــي نظــرك؟ احليــاة عجلــة تــدور بــا بدايــة وال نهايــة ،وعلينــا أن
ال ينبغــي أن ينشــغل املثقــف احلقيقــي مبثــل هــذا نفهــم هــذا املنطــق الدائــري فيهــا ال لنســتمر وحســب،
الســؤال ،وال ينبغــي أن تكــون الشــهرة بحــد ذاتهــا ولكــن ً
أيضــا لكــي منشــي وال نقــع!
هد ًفــا لــه .واملخــزون املعــريف ليــس مــن شــروط
9.9هــل تدونيــن يومياتــك أو حتــى
الشــهرة أو الصيــت! وال تهــم الشــهرة هنــا إال ســبي ً
ال
ذكرياتــك؟ إن كان اإلجابــة باإليجــاب ،لتوزيــع األفــكار ،واملســاهمة بنشــرها بــن اآلخريــن.
كثيــرون مشــهورون بــا ثقافــة وال معرفــة وال شــيء فمــا غرضــك مــن ذلــك؟
نوعــا مــن الشــهرة تعتبــر أيــام املراهقــة كنــت أمتلــك كراســة أســجل علــى االطــاق ،ثــم إن هنــاك ً
وخصوصــا الشــهرة الالمعــةً فيهــا يومياتــي كل مســاء .كنــت ال أســتطيع النــوم وبــاالً علــى أصحابهــا،
قبــل االنتهــاء مــن تســجيل مــا مــر بــي مــن أحــداث ذات الوهــج املتالشــي ،والــذي يتحــول صاحبهــا إلــى
وشــخصيات خــال النهــار ،وأحيا ًنــا أرســم بعــض عبــد لهــا ..يعمــل باســتمرار علــى أال تتالشــى فيحــاول
تلــك األحــداث والشــخصيات علــى هامــش الورقــة ،أن يبقــى يف دائــرة الضــوء بأســاليب مشــروعة وغيــر
كانــت تلــك الكراســة هــي ملجئــي ومــاذي ،وحافظــة مشــروعة ترهقــه وتنتهــك خصوصيتــه بــا فائــدة
أســراري ،والشــاهدة احلاضــرة األمينــة علــى أحالمــي حقيقيــة ســوى الفائــدة املاديــة أحيا ًنــا.
1111مــن القــدوات المؤثــرة فــي حيــاة وطموحاتــي وأمنياتــي ،وحاضنــة مواهبــي األولــى يف
الكتابــة والرســم .وخــال ســنوات قليلــة جتمعــت لــدي مــن املجــاالت التــي أجدنــي فيهــا كتــب األطفــال ،االقتراحــات القرائيــة مفتوحــة أمامــي ..ال أحــب
أ .ســعدية؟
كراســات كثيــرة كنــت أخبئهــا بعيـ ًدا عــن أعــن العائلــة أعنــي الكتــب املوجهــة لألطفــال وليــس عــن األطفــال ،أن أبقــى يف دائــرة التصنيــف فــكل كتــاب غيــر قابــل
أقتــدي باألفــكار والكتــب والفنــون والقصائــد كأنهــا ســر مقــدس حتــى أصبحــت عب ًئــا أشــعر بثقلــه أقــرأ قصصهــم املصــورة واملرســومة وأناشــيدهم ذات للتصنيــف يعتبــر أحــد كتبــي املفضلــة.
واملعانــي اجلميلــة يف احليــاة ال باألشــخاص، كلمــا عـ ّـن لــي أن أعيــد قــراءة بعضهــا .لكننــي يف فتــرة النمــط اإليقاعــي ،وأحــاول أن أكتــب شــي ًئا مغايــ ًرا
فاألشــخاص متغيــرون والقيــم اجلميلــة ثابتــة. مــا شــعرت بالنــزق جتاههــا ،ولــم أعــد أســجل شــي ًئا، 8.8هــل المجــال الصحفــي معيــن للمعتــاد منهــا .لقصــص األطفــال ركــن مهــم يف مكتبتــي
بــل إننــي عمــدت علــى مــا توفــر لــدي منهــا فتخلصــت فــي توليــد المزيــد مــن اإلبــداع أحــن إليــه ،ويف أعقــد مشــكالتي احلياتيــة أجدنــي
1212كــم تســتغرقين مــن الوقــت بيــن ّ
منهــا ..واآلن لســت متأكــدة إن كنــت نادمــة علــى منســاقة إلــى هــذا الــ ّرف اســتمد منــه شــي ًئا مــن
واإلضافــة للقــارئ؟ أم أنــه ينقــل
التماعــة الفكــرة وظهورهــا فــي ذلــك أم ال .أحيا ًنــا أتذكرهــا وأحتســر علــى مــا كنــت
القــارئ إلــى مجــال ضيــق ال الطاقــة اخلالقــة.
كتــاب؟ أســجله فيهــا ،وأقــول لــو أنهــا مــا زالــت معــي حتــى اآلن
لســاعدتني علــى األقــل علــى معرفــة حتوالتــي املعرفيــة يســتطيع معــه ممارســة اإلبــداع كتــب األديــان واحلضــارات القدميــة مــن الكتــب
قــد نســتطيع التحكــم بالوقــت نســب ًيا أثنــاء تنفيــذ والفكريــة والوجدانــي ً التــي اســتهوتني يف فتــرة مــن فتــرات حياتــي ،ومــا زلــت
أيضــا ،ولســندت ذاكرتــي يف أوان ا لثقا فــي ؟
األفــكار ،لــك األفــكار نفســها ال تتقيــد بوقــت أو زمــن أبحــث عــن أي كتــاب مميــز فيهــا .عندمــا قــرأة كتــاب
تعبهــا وإرهاقهــا ،خاصــة وأننــي بــدأت أنســى الكثيــر
معــن .لألفــكار أجنحــة ال أدري متــى حتلــق بنــا..
ممــا مــر بــي وكنــت أظننــي لــن أنســاه! لكننــي أحيا ًنــا وف ًقــا لتجربتــي أرى أن املجــال الصحفــي معــن املوتــى الفرعونــي ســحرني متا ًمــا حتــى أننــي قرأتــه
أخــرى أقــول لنفســي حس ـنًا فعلــت ،ال أريــد أن أبقــى علــى القــراءة والكتابــة وعلى جتويدهمــا أيضا .علمتني مرتــن ،ومــا زلــت أحتفــظ بــه كأحــد أهــم الكتــب يف
لــكل كتــاب مــن كتبــي ظروفــه الزمنيــة .هنــاك كتــاب
أســيرة أحــداث مضــت بهــا مــن األلــم واحلــزن أكثــر الصحافــة الكثيــر مــن األشــياء اجلميلــة وســاعدتني أيضــا أدب التصــوف وســير املتصوفني مكتبتــي ،وأحــب ً
شــعري أجنزتــه كلــه تقري ًبــا خــال ليلــة واحــدة ،وهنــاك
ممــا بهــا مــن الراحــة والفــرح! وأن ذاكرتــي االنتقائيــة علــى تنظيــم وقتــي رغــم فوضويتهــا .وفيهــا تعلمــت العــرب .كمــا أننــي حاولــت مــرة معرفــة ســر اهتمــام
كتــب على بســاطتها اســتغرقت منــي أعوا ًمــا .وبعضها ما
تعمــل بكفــاءة وتشــذب حلظو ًيــا كل مــا ميــر بهــا فــا قيمــة الثوانــي يف حســاب الزمــن .أكتــب بســرعة وأقــرأ الشــاعر محمــود درويــش بقــراءة املعاجــم اللغويــة
زال يف االنتظــار ..ال أفكــر إال بتجويــد مــا أنــا فيــه خــال
يبقــى ســوى مــا ينبغــي أن يبقــى وحســب! بســرعة ولكــن باســتمتاع .وأحــاول متابعــة األخبــار فانســقت وراءه يف ســحر الكلمــات ومعانــي املفــردات،
الكتابــة ،وال يهمنــي الزمــن كثي ـ ًرا إال ألســباب تنظيميــة
واملقــاالت واملوضوعــات بنظــرة شــمولية .وضعتنــي لكننــي لــم أكمــل علــى هــذا الــدرب املعجمــي ..وتبقــى
21 مجلة قوارئ | العدد السادس مجلة قوارئ | العدد السادس 20
لمــن ال يبحثــون بيــأس ،علــى الــدوام، أصدقــاء القــراءة ،ومجلــة قــوارئ. ملكاتــه فــي اإلنشــاء والتعبير؟
أشــيد بــكل مشــروع يشــجع القــراءة بــن األجيــال النصيحــة التقليديــة القدميــة مــا زالــت صاحلــة
مسابقة
ومــن خــال تلــك املواقــف التحليليــة ،اســتنتج عندمــا قــال" :اللهــم أ ّيــد اإلســام بأبــي احلكــم بــن
هشــام أو بعمــر بــن اخلطــاب" ،ونســافر مــع العقّــاد العقّــاد أن طبيعــة اجلنــدي يف صفاتهــا املثلــى هــي
يف دالئــل وخصائــص عظمتــه ،مســتفيدين مــن هــذه أصــدق مثــال للشــخصية العمريــة.
أفضل مراجعة
اخلصائــص يف علــم النفــس وعلــم األخــاق وحقائــق
وال يــزال الع ّقــاد يتحــدث بإســهاب عن هذه الطبيعة
احليــاة ،باإلضافــة إلــى أوصافــه -رضــي اهلل عنــه.-
التــي طغــت علــى شــخصية عمــر مــن شــتى اجلوانــب،
وتتجلــى أوصــاف عمــر بــن اخلطــاب -رضــي اهلل فهــو صاحــب الفراســة والفطنــة وهــو القــوي باإلميــان،
على كتاب
عنــه -كمــا نــص عليهــا الع ّقــاد يف كتابــه باهــرة تدعونــا والشــجاع الــذي ينتصــر بدينــه يف ميــدان احليــاة
للتف ّكــر يف هــذه الشــخصية التــي عرفهــا العالــم العــادل الــذي اليخشــى يف احلــق لومــة الئــم ..حتــى
اإلســامي وكانــت وسـ ًما لنبــل األخــاق وعظــم الديــن لقّبــه الرســول -صلــى اهلل عليــه وســلم -بالفــاروق.
«عبقرية عمر»
يف نفســه ،إذ بهــا وضعــت أســس الدولــة اإلســامية
وبهــذا التسلســل الرائــع يف ســرد األفــكار
حديثــة العهــد وشــمخت واتســعت رقعتهــا وعظمــت يف
يس ـلّط الضــوء علــى إســناد مســمى مؤســس الدولــة
نفــوس أعدائهــا.
اإلســامية لعمــر بــن اخلطــاب بالرغــم مــن أن أبــا
للعقاد
موضحــا أن الســبب يف ً يرســم لنــا العقّــاد هــذه الشــخصية العظيمــة بكــر أول مــن تولــى اخلالفــة،
التــي هــي خليــط رائــع مــن الصفــات التــي تنســكب ذلــك إمنــا جــيء بــه ملعنــى آخــر غيــر معنــى الســبق،
مؤسســا للدولة اإلســامية، ً يف شــخص واحــد ،فهــي كمــا يقــول" :شــخصية عمــر فإلى جانب أن عمر يعد
مفتاحــا ملــن يبحــث وهو واضع الدســتور اإلســامي وأول من سـ ّـن النظم ً مــن أقــرب الشــخصيات العظيمــة
عنــه ،فليــس فيهــا بــاب معضــل الفتــح وإن اشــتملت والدعائــم والقوانــن للدولــة اإلســامية مــن جميــع
علــى أبــواب ضخــام" ،وهــو يف ســرده لتفاصيــل تلــك النواحــي السياســية واالقتصاديــة واالجتماعيــة.. كتب بواسطة -مرمي حمد سعيد lazord.reem@gmail.com
يوضــح بــل هــو أكبــر فــاحت يف صــدر اإلســام ،كمــا أن يف الشــخصية ال يكــف عــن االســتدالل إلــى مــا ّ الشرقية /الدمام
ويع ـزّز أقوالــه باألدلــة واملواقــف التــي تواتــرت عبــر تقــدمي أبــي بكــر باخلالفــة علــى عمــر إمنــا هــو مــن
نصــوص الــرواة عــن عمــر -رضــي اهلل عنــه -يف بــاب املوازنــة والشــروع باألصــح والصالــح ألحــوال
شــكل مبــ ّوب وبأســلوب واضــح بســيط وبعيــد عــن الزمــن ولكرامــة الصحابــة واملســلمني أجمعــن، ممــا ال يغيــب عــن ذاكــرة األدب ،أن ثمــة أســماء ظلــت خالــدة ..كان
ً
تقليــا لكفــاءة عمــر. التكلــف والتعقيــد ممــا يجعــل القــارئ شــغو ًفا وليــس العقــاد أحــد أبــرز تلــك األســماء التــي ال تــزال تصنــع يف قلوبنــا شــي ًئا،
مبعرفــة املزيــد دون ملــل عــن هــذه الشــخصية وتثــري عقولنــا بنفائــس األفــكار واملعانــي لتســمو بنــا وترقــى..
فهــو كمــا قــال الرســول الكــرمي" :لــو كان بعــدي
أمنوذجــا أخرجتــه الدنيــا ليكــون
ً الفــذة التــي كانــت
نبــي لــكان عمــر بــن اخلطــاب" ،يخلــص الع ّقــاد بعــد إن الع ّقــاد لشــخصية فريــدة متفــردة ،أعمالــه كانــت نتيجــة خليــط
مؤســس عهــد ومحــ ّول تاريــخ. ّ
املفصلــة عــن تلــك الشــخصية بصــورة ّ تلــك االلتفاتــات احليــاة التــي شــغف بهــا وكافــح فيهــا مــن أجــل العلــم ،فبالرغــم مــن
إن فكــر العقّــاد وثقافتــه الظاهــرة يف التحليــل مجملــة وحملــة عامــة يختصــر فيهــا مــا تطــرق إليــه مســيرة حياتــه الوظيفيــة والسياســية املرهقــة وبالرغــم مــن قصــر
ـول لوفاتــه ،حيــث كانــت نهايــة والبحــث يف أســرار شــخصية اخلليفــة عمــر -رضــي مــن مالمــح عمــر وصـ ً مســيرته التعليميــة؛ إذ لــم يصــل إلــى أكثــر مــن الشــهادة االبتدائيــة،
اهلل عنــه -ومــا يأتــي بــه مــن اإلشــارات والدالئــل التــي عمــر تنــم عــن رجــل عظيــم امتــأ قلبــه بــاهلل والتعلــق إال أن ذلــك لــم يثنــه عــن نهــم القــراءة شــيئاً ،فظــل يســتزيد يف كل
دعــم بهــا أقوالــه ،تــكاد جتــزم علــى أنــه كاتــب حــاذق بــه حتــى صغــرت الدنيــا يف عينيــه ،وهــو يف موضــع ّ مــا طالتــه يــداه مــن الكتــب علــى صعيــد األدب العربــي والعاملــي علــى
يهمــه املغــزى ويُعنــى باللفــظ واملعنــى؛ ليصــل إلــى احملتضــر يعــرض لنــا الع ّقــاد صــورة عمــر وهــو ال يــزال حــد ســواء ،حتــى جعــل مــن نفســه ذاك األديــب والشــاعر والفيلســوف
القــارئ بشــكل مشــرق ال غمــوض فيــه وال لبــس ،كان متمســ ًكا بأخالقــه يف البــدء باألهــم حــن الوصيــة مطبوعــا علــى
ً والسياســي واملــؤرخ والصحفــي الــذي شــاع اســمه وبقــي
ذلــك لزا ًمــا أن يدحــض بهــا حجــج املستشــرقني الذيــن وحــن اســتأذن عائشــة -رضــي اهلل عنهــا -أن يدفــن جبــن التاريــخ..
انتقصــوا مــن تلــك الشــخصية وعبقريتهــا الفريــدة عنــد رفيقيــه..
ـب قراءتنــا علــى أحــد مؤلفاتــهوهــا نحــن يف كتابــه عبقريــة عمــر نصـ ّ
وحطــوا مــن شــأنها مســتنكرين تركيبتهــا التــي جتتمــع
وهكــذا تــويف عمــر وبكــى املســلمني فقــده كأن لــم العظيمــة ،تطالعنــا أفــكاره ونخــوض معــه رحلــة حــول دراســة ألطــوار
فيهــا فضائــل األخــاق ،ويغلــب فيهــا العــدل والرحمــة
تصبهــم مصيبــة إال يومئــذ. عمــر بــن اخلطــاب -رضــي اهلل عنــه -ذاك الصحابــي الــذي أ ُ ّيــد اإلســام
والغيــرة والفطنــة واإلميــان..
بدخولــه فيــه وحتقــق بــه دعــاء النبــي الكــرمي صلــى اهلل عليــه وســلم
25 مجلة قوارئ | العدد السادس مجلة قوارئ | العدد السادس 24
رضوى عاشور
27 مجلة قوارئ | العدد السادس مجلة قوارئ | العدد السادس 26
نحـــــو
كتابات فريدة
ُكتب بواسطة -رشا اليافعي @ralseyaiily
استهالل!
معان!
كم تختبئ خلف ُجدران احلروف من ٍ
وكم ُتلِّل الكلمات من مفاهيم ،قد تختصر لنا السنني ببضع كلمات!
في العمق..
كثيـ ٌر م ّنــا يُحســن الكتابــة ،لكــن ال يُجيــد صناعــة الفكــرة اجليــدة ،القيمــة
ركام
ســيل مــن ٍِ األدبيــة ،احملتــوى املفيــد .وال غرابــة فقــد أصبحنــا أمــام
أمنوذجا)،
ً ـروف مرصوفـ ٍـة علــى قارعــة برامــج التواصــل االجتماعــي (تويتــر حـ ٍ
والعجيــب مــن (يُصفّــق لهــا) بتفضيلهــا تــارة ،وإعــادة تدويرهــا أخــرى ،ال
للمضمــون؛ بــل ألنــه شــيء مــن نــوع جديــد ،قــد ال يجيــد فهمــه ،أو ألنــه وجــد
الفكاهــة فيهــا.
عزيزي/تــي الكاتــب ينبغــي حــال الكتابــة مراعــاة الذائقــة العامــة ل ُق ّرائــك،
ولكــي أضمــن لــك خامــة ج ّيــدة مــن الكتابــات ،عليــك بااللتــزام بتعاليــم الشــرع
يف فحــوى كالمــك ،مــع اختيــار األســلوب املناســب واملوضــوع اجلديــد حينهــا
ســيكون مح ّبــوك بشــغف جلديــدك ،ودمــت كات ًبــا متميـزًا!
خالصة الفكرة:
احرص على سالمة اللغة فيما تد ّونه.
احــذر مــن األلفــاظ والتعبيــرات املخلّــة بــاآلداب واملخالفــة لتعاليــم
اإلســام.
ج ّمل تدويناتك بعالمات الترقيم.
أكثــر مــن القــراءة يف كتــب األدب ونحوهــا ،ســتتمتع بحصيلــة لغويــة
جيــدة!
ق ّدم ما ينتفع الناس به؛ كي حتصد أجره!
ِجدة املوضوع مما يجذب الناس للقراءة فيه.
29 مجلة قوارئ | العدد السادس مجلة قوارئ | العدد السادس 28
في معنى
تفوقت بجهد وحصلت على شهادة التميز ما كتبت شي ًئا وال مرة ُكتب بواسطة -أروى الزهراني
أنتم قط ملسألة الرسوب والنجاح
إنني لم ِ كنــت أحتلــل ألصبــح مخلو ًقــا جديــ ًدا أوُ دائ ًمــا rorozahrani123@gmail.com
أن أكتب
كانت دائ ًما مسألة هزمية أو نصر ألفنــى ،أ ًيــا كان الــذي يفنــى ،أحيا ًنــا شــعور ،وغال ًبــا
غنيمة أو بتر ِســمات كمشكاة تتأرجح على حائط الدنيا!
مسألة معارك ونضال والنتيجة ال تُعطى مــا متكنــت وال مــرة أن أحــدد وجهــة الســفر، أُقاوم بقائي ،يفسرني هذا التأرجح
هي املصير بحد ذاته وأســافر فيهــا بــكل رغبتــي ومقاصــدي وحــده ســقوطي حقيقــي كاملــوت ،أمــا اعتدالــي
فهــل أجــرؤ علــى تل ّبــس هــذا اللقــب والتجــول بــن ملكان وأجدني يف نقيضه كنت دائ ًما مسافرة ٍ ُ وثباتــي يف حائــط احليــاة فهــو مســألة ُمنتهيــة بالنســبة
ً
تأمــا يف القمــة وأجــد أننــي يف كل املُلقبــن بــه وأنــا النقيــض ' الضــد ' وكثيــر مــن أبــدأ مــن القمــة لــي وللحيــاة ً
أيضــا
ـعور بعِ ــث ألســفل درك األحيــان ال شــيء!
القــاع والغياهــب مــن مشــيمة شـ ٍ ـت تفاصيلهــا ُمبكـ ًرا جـ ًدا وعرفــت بــأن قضيتي
قبضـ ُ
أمتنع عن التصنيف تتقــن توفيــره احليــاة، ال تقبــل االســتئناف بعد
أنا حتى أتضوضأ من مسألة قراءتي ومن بذرة عقيم تتأكسد يف جويف عب ًثا أحيا ًنا يُخيل لي أن النص مبثابة مشيمة
لكثيــر مــن األوقــات تُفزعنــي مســألة أن يقرأنــي لشجرة يافعة تسر الناظرين لحة وآن ّية
تتكور فيها حقيقة ُم ّ
أيــة أحــد فهل يُعقل أنني أكتب؟ األمــر الــذي يجعلنــي إمــا جني ًنــا أو أ ُ ًّمــا يف الكينونــة
أتخ ّير إخوتي يف الوعكات كنت ألقول هذا لوال أن يدي أحيا ًنا
ما ُ والطريقــة وليســت يف الصنــف فحســب.
أقتنص كل ُمتأرجح بريبة يف حائط احلياة
ُ كانت مِ ً
نجل ويف ذات الوقت ماء بالطبع لن أكون شي ًئا آخر ألن ا َ
حلبكة هي أنا
مشــكاة ،ورقــة ،لوحــة ،صــورة ،نُدبــة أو حتــى نقطــة يف هــذه احلالــة رمبــا أُقــارب الكتابــة -كتابــة يف وما يف األنا ،وعالقة ذلك بي.
الوقــع وليــس الطريقــة -فاملِنجــل يــدي وهــي تقصــل ســوداء يف حائــط أو احلائــط بذاتــه كل مــا يحــدث مــن مخاضــات بعــد ذلــك تســتوجب
أقتنــص هــؤالء ألننــي وحــدي أكيــدة مــن أنهــم زُمــرةٌ الزهــر يف روحــي حــن تُباهــي بفــرط اجلــرح. أدر عــن
املتابعــة .حتــى أصــل لســطر أخيــر لــم أكــن ِ
واملــاء يــدي ،يف حالــة أخــرى حــن تكــون وديعة ج ًدا مــن أهلــي مضمونــه يصبــح فيمــا بعــد البُشــرى واخلــاص.
أهل التحلل والوالدات املتكررة والتخلق وتُســقي اليبــاب يف أوراقــي برقــة مــا ألِفنــاه وقلبــي مــن بهذه الطريقة بالضبط هي نصوصي
أولئك الذي يُزهرون أنفسهم ذات ًيا بفعل أنفسهم التفاصيــل والكلمات مخاضــا ،ومــرة ُمل ّف ًعــا
ً النــص الواحــد يكــون مــرة
ويذبلــون ً
أيضــا بطريقــة تخصهــم وال يتدخــل فيهــا ً
وأيضــا ال أشــعر متا ًمــا يف هــذه احلالــة بأننــي باألمــان ..مــرة بُشــرى لــوالدة شــعور ومــرة نع ًيــا آلخــر
أحــد أكتــب! لــم تكتمــل خلقتــه يف رحــم النــص ،وهــذا الــذي يجعلنــي
زُمرة ُمبشرة و ُمنذرة وممنوعة عن التصنيف أُ ِ
زهــر نفســي وأئ ُدهــا ،فهــل يليــق بــي أن أكــون عص ّيــة علــى أن أتســمى علــى ســبيل املباهــاة "كاتبــة"!
نصا
وحني نقرأ بعضنا لن يحدث أن نقرأ ً كاتبــة؟ ألنني لم أشعر لو ملرة أنني أكتب!
بل سنعيش حالة ،ونشهد والدة ،أو ننعى فقي ًدا ُتســك الورقــة بــكل هــدوء وثبــات وتأمــر قلمهــا ولــم أســتطع أن أؤدي الكتابــة اليوميــة املتواليــة قــط
نتعشــب ،نتفتت ،نذبل ،ننازع ،نرعــى تآل ًفــا،ّ باختيــار املهــذب مــن الكلمــات! ..األمــر مختلــف
تناس ً
ــخا. ُ نهدهــدِ هي ثابتة وأنا من طور لطور أتشكل ،أحتلل إنني أعيش حالة
لن يحدث أن نكتب أو نقرأ فحسب أشخُ ص ،أنصهر ،ألتحم ،أتخلّق أتخلّــق ،يهزنــي مخــاض الشــعور وكل مــرة أنــازع
سنقرأ رمبا يف حال إن كانت النصوص ال تخصنا هي ُتسك القلم وأنا أستمسك بعروة قلبي بطريقــة مختلفــة عمــا قبلهــا
وال تُفســرنا كمرآة.كغريــق ال يريــد أن ينقــذك بــل هــي تنجــح ألن عالقتهــا بالكتابــة ،عالقــة تلميــذ أَلِد ،أُجهِ ض ،أتل ّوى ،أركل ،أطفو ،أندلِق
يريــدك أن تغــرق معــه كذلــك .كميــة هائلــة وكتــاب فكيف أشعر بعد هذا كله أنني أكتب؟
31 مجلة قوارئ | العدد السادس مجلة قوارئ | العدد السادس 30
ملخص كتاب
وللفيلســوف مورتيمــر إدلــر نصيحــة قرأتهــا ســوف تســاعده علــى االســتمرار يف القــراءة .وأن
يف مذكراتــه اجلميلــة ح ًقــا بجزأيهــا ،وقــد د ّرس النصــوص الصعبــة مانعــة مــن القــراءة ،وحاجــزة
"الكتــب الكالســيكية" يف "جامعــة كولومبيــا" إذا تلقاهــا الطالــب ،وهــي أعلــى مــن عمــره
مذكرات قارئ
ثــم انتقــل إلــى "جامعــة شــيكاغو" ونقــل فكرتــه العقلــي ،أو كانــت لغتهــا بعيــدة املنــال.
معــه ،وكان يُلــزم طــاب الدراســات ال ُعليــا بقــراءة
إننــا نقــرأ للمتعــة ،وهــذا قــد يكــون خيــر
النصــوص ودراســتها ،ثــم االجتمــاع عليهــا يف
مدخــل للقــراءة ،فالــذي يقــرأ ألنــه مجبــر قــد ال
الفصــل ومناقشــتها ،ثــم الكتابــة عنهــا .فيُصبــح
يســتفيد وال يســتجيب لهــدف النــص ،وال يُــدرك
وشــارحا و ُمعل ًقــا علــى املــن
ً دارســا
ً الطالــب
هــدف القــراءة ودوافعهــا .فالقــراءة مــن أجــل
األصلــي .ومــرة قــال يف مقابلــة معــه عندمــا ســأله
املتعــة والتلــذذ باملغامــرات واألفــكار واملشــكالت،
املذيــع :مــاذا تقــرأ إذا انتهيــت مــن كتــاب تراثــي
والصــور الفكريــة والتاريخيــة واألدبيــة ،جتعــل
مهــم؟ قــال :أُعيــد قــراءة آخــر .وهــذه نصيحــة
مــن القــراءة رغبــة دائمــة .وعيــب هــذه الرغبــة
املتقدمــن واملتأخريــن منــا ومــن غيرنــا ،فمالنــا ال
أنهــا جتــرف القــارئ ليقــرأ فقــط ،وليســتمتع
نُحــب فعــل ذلــك؟!
ويخــرج مــن متعــة نــص ملتعــة نــص آخــر ،وهكــذا
3.3هل نقرأ أي شــيء؟ يســلمه كتــاب لكتــاب وكاتــب لكاتــب ويفقــد هــدف
القــراءة ،هــذا إن لــم جترفــه الكتــب ليفقــد هــدف
كنــت أ ُناصــر هــذه الفكــرة يف غــرارة الصبــا،
احليــاة.
ونفذتهــا زمنــاً ولــم أ ُبــالِ ،وه ّر بــت مــن الكتــب
املمنوعــة مــا اســتطعت ،وملــا ســمعت عــن كتــب 2.2كيــف نقــرأ وماذا نقرأ؟
عبــد اهلل القصيمــي بعــد قــراءة "الغربــال" مليخائيــل
يقــول ألــدوس هيكســلي" :كل مــن يعــرف كيــف
نعيمــة ،وحــواره الســاخر بالقصيمــي قلــت يف نفســي:
يقــرأ يســتطيع توســيع قدراتــه وتنويــع وجــوه املؤلــف :د .محمد األحمري ُكتب بواســطة -وراق @waraqcast
لــم ال تقــرأ لــه؟ فحرصــت علــى كتبــه فلــم أجدهــا
وجــوده ،ليجعــل حياتــه مليئــة ومهمــة ومثيــرة".
عنــد أحــد مــن معــاريف ،وال يف الــدول العربيــة التــي
لــي فيهــا أصدقــاء .فلمــا ســافرت للدراســة وجــدت وينصــح أبــو الوليــد محمــد بــن رشــد بتعلّــم علــم
الكتــب ،وكيــف ال أكتــب؟؛ وقــد بعــد أن جتــاوزت األربعــن ،غلبنــي إحســاس شــديد باحلاجــة إلــى الكتابــة عــن ُ
نفســي يف مكتبــة "جامعــة ميشــجن" التــي جمعــت واحــد يف وقـ ٍـت واحــد ،وينهــى عــن تشــتيت الذهــن،
قضيــت معظــم مــا مــر مــن ســنوات وعيــي قار ًئــا .بــدأت فوجــدت النصــوص التــي أذكــر مواقعهــا ،واألفــكار التــي مــررت
"كل الكتــب" .وهنــاك صرفــت وقــت الدراســة وهــي نصيحــة قدميــة متجــددة .يقــول" :فــإن مــن
بهــا ،والنتائــج التــي توصلــت لهــا ماثلـ ًـة للعيــانُ ،تنــادي كل منهــا مــن زاويــة قريبــة أو بعيــدة ،كلهــا تطلــب احلضــور
لقــراءة مــا اتســع لــه يومــي ،فأذهــب لهــا كل يــوم رام أن يتعلــم أشــياء أكثــر مــن واحــد يف وقــت
إلــى عالــم الوجــود ،هاربــة مــن عالــم النســيانُ ،تخيفهــا اللحظــات القادمــة ،ويروعهــا أن ُتهمــل ذات يــوم.
بعــد الــدوام .وكان ممــا تذكــرت البحــث عنــه كتــب واحــد ،لــم ميكنــه أن يتعلــم وال واحــ ًد ا منهــا".
القصيمــي ،فقــرأت لــه ،وعنــد حلظــة معينــة وهــو (متعة القراءة)
ُ
إن اجلــواب عــن "مــاذا أقــرأ؟" عمــره عمــر
شــعرت باشــمئزاز شــديد مــن
ُ يتكلــم عــن األنبيــاء
الســؤال ،غيــر أنــي أقــول لــك إن ُجــ ّل مــن قــرأت 1.1لماذا نقرأ؟
كتابتــه ،ورأيتــه يســف إلــى درجــة غيــر معقولــة
لهــم مــن قومنــا ومــن غيرنــا يقولــون :عليــك بـــ
يف شــتم الرســل واألنبيــاء .وأحسســت أن هــذه مصباح يف اليد".
ٌ يــرى أحدهــم بأنــه" :يجــدر بنــا أن نقــرأ لنكــون أقوى؛ وألن الكتــاب
"املنابــع العظمــى" ،عليــك بالكتــب األصيلــة اجليــدة،
النفســية املســتخفة الســاخطة تعانــي مــن مــرض إن القُ ـ ّر اء يأ تــون للكتــب ً
عليــك بكتــب "املؤسســن الكبــار" للعلــوم واألفــكار. بحثــا عــن القــوة ،أو املعر فــة ،أو املتعــة ،أو العــاج .غيــر أن الكتــب التــي تأتيهــا
وليــس مــن ثقافــة ومعرفــة .رميــت كتــب هــذا الثقيــل
ودع عنــك هــذه الشــروح والــردود والتعليقــات مختــا ًر ا قــد تبقــى معهــا دون اختيــار ،فتســجنك بــا و عـ ّـي بقيود هــا ،و قــد تســلبك القــوة وأ نــت تتو هــم أنهــا
املتخافــف املغــرور غيــر راغــب .ولكنــي بــدأت أشــك
وامللخصــات .وقــد كان ابــن بــاز يُنهــي كتابــاً مــن ُتعطيــك ،فالكتــب تســلب الكثيــر مــن خلــق الفطــرة ومواهبهــا ،كالبــراءة والتذ كــر واملالحظــة املطلقــة قبــل
يف القاعــدة التــي مشــيت عليهــا.
"كتــب احلديــث" ليعيــد القــراءة مــرة أخــرى، ورود العلــوم ،و قــد تهــوي بــك بعــض املعر فــة يف مغــاور اجلهــل ،مبــا تزعمــه لــك الكتــب مــن علــم قــد ال يكــون
4.4نوجــه الكتــب أم توجهنا؟ وال يتوســع يف "كتــب الفــروع" ،بــل ال يقــرأ مــا ال إال معر فــة ناقصــة ،و قــد تفتــح لــك الكتــب با ًبــا للشــقاء!
يتناســب مــع شــخصه وأدبــه .فقــد قــال إنــه بــدأ
هــل ســألت نفســك ذات يــوم عــن العالقــة بينــك ولطا ملــا ُســئلت الســؤال املعــروف :متــى بــدأت القــراءة؟ و ملــاذا أحببــت القــراءة؟ وأعتــرف أننــي ال أمتلــك
قــراءة "احمللــى" ثــم الحــظ ســاطة لســان ابــن حــزم
وبــن الكتــاب الــذي بــن يديــك؟ هــل قلــت إنــك إجا بــة دقيقــة ،غيــر أ نــي أ ظــن أن متكــن الطا لــب مــن القــراءة وتغلبــه علــى عقــدة الفهــم يف األ عــوام األو لــى
علــى العلمــاء فتــرك القــراءة.
33 السر في مجلة قوارئ | العدد السادس مجلة قوارئ | العدد السادس 32
الكتابة
5.5معايشــة النمرة: املتصــرف يف الكتــاب رهينــة يــدك ،أم هــو الرائــد
الهــادي أو املضــل املؤثــر علــى فكرتــك وتوجهــك؟ ال
قــال همنجــواي" :إن الكتابــة قــد تبــدو ســهلة،
حــرج عليــك أن تعتــرف باحلقيقــة التــي تعلمهــا مــن
غيــر أنهــا يف الواقــع أشــق األعمــال يف العالــم".
نفســك ،فــإن كانــت الصفحــات التــي مــرت بــك مــن
«الســر فــي الكتابــة أيهــا الحبيب ا جيــد اً للحديــث
رمبــا يكــون هــذا االقتبــاس مدخـ ً كتــاب ســاقتك لقــرار عملــي ســلمت بــه دون فكــر،
عــن الكتابــة ،الكتابــة كمغامــرة روحيــة ومعرفيــة فــإن كنــت شــاباً ويف بحــر الثالثــن فــا حــرج يف هــذا
أن يكــون عنــد الكاتــب فكــر يبديــه كثيــر اً ،وال لــوم عليــك أن تتبــع الكتــب ،وتســلم بكثيــر
ولغويــة .إن الكتابــة تكشــف إلنســان عــن نفســه مــا ال
هــذا قبــل كل شــيء. يكشــفه التأمــل والســكون؛ فأنــت تــرى نفســك هنــاك ممــا فيهــا ،أم إن كنــت بعــد األربعــن مــن العمــر ومــا
علــى الســطور بــكل محاســنك ومعايبــك ،فلمــاذا زالــت تســوقك الكتــب ،فأنــت أســير للمؤلفــن وقليــل
ومــن ثــم فالقالب الذي يســكب تصعــد مســرح الكتابــة وتكشــف هــذه العيــوب؟ هــل االنتفــاع بالكتــب .فبعــد هــذا العمــر مــن عشــق الكتــب
هــو مــرض الظهــور؟ أو هــل هــو حــب املعرفــة ونشــرها وصحبتــه ،مــن املؤمــل أن تكــون غلبتــه ولــو يف بعــض
فيــه فكــره يتوقــف علــى دقــة
بــن النــاس؟ أو هــي الرغبــة يف نصــر املوقــف؟ أم األحيــان ،أو غالبتــه لتنتصــر أحيانــاً عليــه.
ذوقــه فــي اختيــار األلفــاظ األكثــر انتصــار علــى الــذات؟
الكتــب القديمة:
فعاليــة فــي تأديــة المعنــى، والكتابــة -قبــل كل شــيء -إحلـــــاح علــى النفــس
ال حتقــرن الكتــب القدميــة ،فقــد جتــد عليهــا
قــد ال يعــرف الكاتــب ســببه ،وخاصــــــة يف البــدء،
وقعــا علــى الســمع.
ً واأللطــف تعليقــاً مــن فــ ّذ نبيــه ،لرمبــا كان أقــدر مــن املؤلــف
وال يتصنعــه غالب ـاً .حــن حتـــــاول الكتـــــابة أول مــرة،
الشــهير الــذي عــا جنمــه بكتابــه ،فجمهــور القُــ ّر اء
ٍ
وقــت ال تســأل نفســك" :ملــاذا أكتــب؟" ،رمبــــا بعـــــد
أمــا الفكــر فــا يولــده إال الفكــر، جنبــاء ،ومنهــم كثيــرون خيــر مــن املؤلفــن .يف مرحلــة
طويــل ســتجد وقتًــا لهــذا الســؤال" :ملــاذا نكتــب؟".
اجلامعــة كنــت أجلــس يف مكتبــة قدميــة أ ُشــتريت
وأعنــي أنــك إذا أحببــت أن يكــون
ـت فــي مدينة األدب:
6.6بيـ ٌ مــن ورثــة األديــب أحمــد عبيــد ،وقــد فهمــت أنــه
تمرن
لــك أفــكار تبديهــا فعليــك أن ّ مــن ســوريا ،مــن هوامــش كتبــه وأماكــن شــرائها،
ســمعت مــن عطــاء اهلل مهاجرانــي أن أحدهــم
واســتمتعت بتعليقاتــه ،وكنــت أفــوت محاضــرات
نفســك علــى التفكيــر .ومتــى قــال للطيــب صالــح :ملــاذا لــم تكتــب كت ًبــا جيــدة يف
غيــر مهمــة وأنــا أرافــق القــارئ الكبيــر .ويف أمريــكا
مســتوى "موســم الهجــرة إلــى الشــمال"؟ قــال :مــا
لــذة التفكيــر وجــدت فــي
عرفــت ّ
َ اســتمتعت بالكتــب املســتعملة ،واســتفدت منهــا
كان لــي وال ميكننــي كتابــة كتــاب آخــر مثلــه ،فقــد
كثيــر اً ،وقــد كنــت أعانــي مــن طــول الكتــب املطلــوب
كل خطــوة تخطوهــا ،وكل لقمــة كنــت حريصــاً علــى أن يكــون لــي بيــت يف مدينــة
قراءتهــا أســبوعياً ،وهــي كتــب تاريــخ واملؤلفــون
األدب ،وهــذا بيتــي يف مدينــة األدب بيتًــا صغيــ ًرا
تزدرهــا ،وكل قطــرة مــاء تشــربها، لــي أن الغربيــون يكثــرون الــكالم جــد اً ،وقــد تيســر ّ
جـ ًد ا ،ولكنــه مــن األملــاس! فــا عيــب أن يكــون لــك يف
اهتديــت باملعانــاة وحدهــا إلــى الكتــب التــي يتــرك
وكل ذرة غبــار أو نفحــة عطــر عمــرك عمــل واحــد فقــط ،ولكنــه عمــل متميــز.
ال ُق ـ ّر اء خطوط ـاً علــى املهــم مــن أفكارهــا وقضاياهــا،
تتنشــقها ،وفــي كل شــيء تقــع ووجــدت يف مجــات املراجعــات التــي تراجــع الكتــب
مــادة غنيــة مفيــدة ورائعــة ،وهنــاك فهــارس لهــذه
حــي وجمــاد،
ّ عليــه عينــك مــن
املراجعــات وأيــن كتبــت .فبعــد زمــن ليــس بالطويــل
ـرية تشــاهدها
وفي كل عالقة بشـ ّ اهتديــت إلــى هــذه الكنــوز فأفادتنــي بــأن أقــدم فكــرة
الكتــاب واضحــة وملخصــة ومنقــودة ،ولكنهــا أضــرت
مــا يدعــو إلــى التفكيــر .وحينئــذ ال بــي؛ ألنهــا تبعدنــي عــن الكتــاب وقراءتــه كامــ ً
ا أو
موضوعــا تكتــب فيــه».
ً تعــدم أغلبــه ،وكــم مــن ُمراجــع تخــدع مراجعتــه ،فيضــع مــن
اجليــد ويُشــيد بالــرديء!
ميخائيل نعيمة
35 مجلة قوارئ | العدد السادس مجلة قوارئ | العدد السادس 34
جيش
األفكـــــار
ُكتب بواسطة -فاطمة أبو سعدة _@_0f9
وقيــل ألحمــد بــن حنبــل :حتــى متــى مــع احملبــرة؟ كمــا كان يعتمــد يف مراجعاتــه علــى "جــزازات" الغــاف فيجعلهــا كفهــرس للفوائــد واملعلومــات التــي تكــون بــن الفكــرة التــي يع ّبــر عنهــا الكاتــب
رتبهــا علــى احلــروف ،كالفهــارس يف موضوعــات فقــال" :مــع احملبــرة إلــى املقبــرة". ا العناويــن املهمــة التــي قرأهــا ،فيلخــص فيهــا مث ـ ً وبــن الكلمــة التــي اســتخدمها لتوصيلهــا ،وذلــك
مختلفــة ،د ّو نهــا يف أثنــاء مطالعتــه للكتــب القدميــة ورؤوس املســائل واألفــكار والتعليقــات ،مــع رقــم باســتخدام قدراتــه وملكاتــه الذهنيــة مــن املالحظــة
ليلــة ثمــان عشــرة مــ َّرة والبخــاري يســتيقظ يف ٍ
واحلديثــة. الصفحــة التــي وردت فيهــا ،وبعــد االنتهــاء مــن الدقيقــة ،واخليــال اخلصــب ،والذاكــرة املهيــأة حتــى
ليُق ّيــد األشــياء التــي يســتذكرها.
تقييــد فوائــد الكتــاب ميكــن نســخ جميــع هــذه يلتقــط الفوائــد واألفــكار .يقــول رينيــه ديســكارتيس:
ومــن فوائــد التقييــد :أنــه يضمــن للقــارئ أكبــر
ـدي أنــه كان والشــافعي يحكــي عنــه صاحبــه ا ُ
حل َميْـ ّ الفوائــد املوجــودة يف الفهــرس يف دفتــر مســتقل، "إن قــراءة الكتــب اجليــدة هــي مبثابــة التحــاور مــع
قــدر ممكــن مــن االســتفادة مــن الكتــاب ،ويســهل عليــه
يخــرج يف بعــض الليالــي ،فــإذا مصبــاح منزلــه ُم ْســرج، ويستحســن أن يكــون لــكل فــن مــن العلــوم دفتــ ًرا أعظــم العقــول التــي عاشــت عبــر العصــور" .وكــم
الرجــوع إليــه متــى احتــاج لــه ،ويعينــه علــى توظيــف
فيصعــد إليــه "فــإذا قِ رطــاس و َد َواة ،فأقــولَ :مـ ْه يــا أبــا ال ،حتــى يســهل الرجــوع للمعلومــة يف مســتق ً رأســا علــى
مــن أشــخاص تغ ّيــروا وانقلبــت حياتهــم ً
قراءاتــه لتنميــة ذاتــه وســرعة تطويرهــا؛ ألنــه بذلــك
عبــد اهلل! فيقــول :تف ّكــرت يف معنــى حديــث -أو يف أيضــا الكتابــة علــى هوامــش ً مظانهــا ،وميكــن عقــب ،لعبــارة اســتوقفتهم ،أو حكمــة انتفعــوا بهــا،
يجنــي أفضــل مــا لــدى العقــول اجلبــارة ،فتصبــح فكــرة
علــي ،فأمــرت باملصبــاح ّ فخفْــت أن يذهــب مســألةِ - صفحــات الكتــاب ،واســتخدام القلــم املظهــر أو فائــدة طبقوهــا يف حياتهــم.
ـات مــن األفــكار يف
القــارئ مبالقاتهــا فكــرة أخــرى مئـ ٌ
وكتبتــه". جلمــل املهمــة ،والبعــض يضــع بطاقــات إلبــراز ا ُ
القــوة والعمــق واالمتــداد ،كمــا قــال العقــاد. ويــرى كبــار املفكريــن بــأن القــراءة الســريعة وحدهــا
ً
أيضــا صغيــرة علــى الصفحــات املهمــة ،وميكــن
ويقــول علــي الطنطــاوي" :أكثــر مــا أكتــب أكتبــه ال تصنــع مفكــ ًرا عظي ًمــا ،بــل ال بــد مــن القــراءة مــع
يحســن مــن مســتوى تفكيــره ،ويد ّربــه علــى ّ كمــا االعتمــاد علــى احلاســوب أو األجهــزة الذكيــة
عندمــا أضطجــع يف الفــراش وقــد أرخــى النعــاس التفكيــر ،يقــول جــون لــوك" :إن القــراءة ال متـ ّد العقــل
القــراءة الناقــدة ،فيصبــح لديــه نــوع مــن احلــس لتســجيلها كمالحظــات ،كمــا ميكــن رســم اخلرائــط
ّ جســمي وأغلــق أجفانــي ،هنالــك يتيقّــظ الفكــر إال مبــواد املعرفــة؛ لكــن التفكيــر هــو الــذي يجعــل
الغريــزي الــذي ميكنــه مــن وزن األفــكار ،وتقييــم الذهنيــة لتلخيــص الكتــب وتنظيــم األفــكار ،وهكــذا
وينطلــق ،فأشــعل النــور ألد ّو ن فكــرة عرضــت مــا نقــرؤه ملــ ًكا لنــا" لــذا كان مــن املتّفــق عليــه بــن
الكتــب ،وتثمينهــا ،ومــع تتابــع القــراءة والتدويــن، فاألســاليب كثيــرة ،واملهــم دائ ًمــا أن تعكــس تلــك
لــي ،فــإذا نفــ َد ت أطفأتــه ومتــ ّد دت ألنــام ،فتأتــي املفكريــن تخصيــص وقــت للقــراءة ووقــت للتفكيــر؛
ســيكون قــاد ًرا علــى التقــاط أصعــب الفوائــد مــن اإلشــارات ردود أفعــال القــارئ ودرجــة عنايتــه مبــا
فكــرة أخــرى فأعــود إلــى النــور فأشــعله .تأتينــي فــإذا قرأنــا ســاعة علــى ســبيل املثــال ،ميكــن تخصيــص
أيســر القــراءات ،كمــا قــال العقــاد .وســيجتمع لــه يقــرأ.
األفــكار مثلمــا تُقبِــل األمــواج علــى الشــاطئ، ثلــث ســاعة منهــا للتفكيــر فيكــون هــذا الوقــت مبثابــة
حصيلــة معرف ّيــة ثمينــة ممــا جمــع وق ّيــد ،وســيجد
علــي وتعاقبــت ّ موجــة بعــد موجــة ،وإذا توالــت أيضــا مراجعــة تلــك األفــكار التــي ومــن الضــروري ً البرمجــة ملــا قرأنــاه.
نفســه مــع األيــام أمــام كــم هائــل مــن املعلومــات
طــار النــوم مــن عينــي". نكتبهــا املــرة تلــو املــرة ،إليجــاد روابــط بينهــا والتمهيــد
واألفــكار التــي قــد تتحــول إلــى كتــب جديــدة ،أو وحــن يشــرع اإلنســان يف القــراءة الواعيــة
لتصنيــف منثورهــا بشــكل ج ّيــد.
وقــد د ّون كثيــر مــن العلمــاء هــذه الفوائــد يف مشــاريع ناجحــة ،أو اختراعــات عظيمــة ،وكــم مــن فــا تفوتــه قضيــة العنايــة بتقييــد الفوائــد ،فهــي
كتــب وابتــكارات وإبداعــات نراهــا اليــوم لــم تكــن كتــب مفــردة ،مثــل( :الفنــون) البــن عقيــل ،و(صيــد وفوائــد التقييــد كثيــرة ،منهــا مســاعدة القــارئ علــى مــن أهــم املهمــات وأجنــع الطــرق لتحقيــق ثمــرة
ســوى مجــرد فكــرة الحــت؛ لكــن أصحابهــا أحســنوا اخلاطــر) البــن اجلــوزي ،و(عيــون الفوائــد) البــن فــإن األفــكار واخلواطــر إذا ومضــت تذكــر مــا قــرأه ،وقــد قــال الشــافعي: ّ القــراءة،
اصطيادهــا .فاملبــدع إنســان ملّــاح يجيــد التقــاط النجــار ،و(بدائــع الفوائــد) البــن القيــم. يف الذهــن متــر برفــق كمــا متــر نســمة الهــواء
العلــ ُم صيــ ٌد والكتابــ ُة قيــ ُدهُ
األفــكار العابــرة ،واحلكــم النــادرة ،وينتبــه لألفــكار الســريعة ،فتحتــاج لرعايــة وتثبيــت وإال مــرت
وكثيــر مــن الك ّتــاب املعاصريــن أخرجــوا لنــا كت ًبــا
الصغيــرة ،وال يغيــب عــن ذهنــه بــأن األفــكار الصغيرة َ
يــودك باحلبــالِ الواثِقــة صق ّيــد ُ وانتهــت! ويف هــذا يقــول الشــيخ علــي الطنطــاوي
نتاجــا لتقييــد خواطرهــم. ق ّيمــة بديعــة لــم تكــن إال ً
هــي التــي غ ّيــرت مجــرى العالــم حتــى وصلنــا إلــى إن الفــرص ال تعــود؛ حفيدتــه":أي بن َّيــة! َّ
ْ موص ًيــا
فمــن احلماقــةِ أن تصيــد غزال ـ ًة
فضــم القليــل إلــى القليــل مــع املداومــة واالســتمرار، مــا نعيشــه اآلن .وكمــا يقــول فيكتــور هوغــو" :ليــس فهــي مثــل الذبابــة إن لــم تقتنصيهــا فســوف تطيــر
يتكــون منــه الكثيــر العجيــب ،ومعظــم النــار مــن هنــاك جيــش أقــوى مــن فكــرة حــان وقتهــا". وتعيـــدها بــن اخلالئــقِ طالِقـــة دومنــا رجعــة" .وصــدق رحمــه اهلل .ويقــول هنــري
ـرر .وحســمها بهــاء الديــن ابــن النحــاس َص َغ ِر الشـ ِ
ُم ْسـت ْ هازلــت" :اخلواطــر ســريعة الطيــران ،فــا حتتقــر
ولــو نظرنــا إلــى عظمــاء املفكريــن علــى مــر التاريــخ كمــا أنــه يســاعد القــارئ علــى إيجــاد حلــول
احللبــي بقولــه: حيلــة متكنــك مــن اقتناصهــا وإن هانــت".
ســنجد أنهــم كانــوا دائ ًمــا قــ ّراء عظمــاء ،ومــا زال لكثيــر مــن املســائل التــي يتعــرض لهــا ،وقــد كان
ُ
اليــو َم شــيءٌ وغــ ًدا مثلــ ُه ميــا وحدي ًثــا يعتنــون بالتقييــد.
العلمــاء قد ً النــاس يف مصــر يدهشــون مــن العالمــة أحمــد زكــي ممــا ال يتــركوطــرق التقييــد يف زمننــا عديــدةَّ ،
باشــا وبديهتــه يف حــل عويصــات املســائل؛ فــإن ُطــرح ـوغا للتأخيــر .فيمكــن للقــارئ إذا أراد أن يقــرأ مسـ ً
لــم التــي تُلتَ َق ْ
ــط مِ ــ ْن نُ َخ ِ
ــب العِ ِ قــال النــووي وهــو يرشــد الطالــب إلــى تعليــق
عليــه ســؤاالً يف الصحــف ،يحمــل اجلــواب عليــه مــن كتا ًبــا أن يصحــب معــه قل ًمــا ،ويجعــل لــه دفتــ ًرا
صــ ُل املــرءُ بهــا ِحكمــ ًة النفائــس والغرائــب ممــا يــراه يف املطالعــة أو يســمعه
يُ َح ّ ض َعهــا هــي
الغــد ،وكانــت اجلــزازات التــي أتقــن َو ْ خاصــا ينتخــب فيــه الفوائــد ،ويــدون األفــكار التــي
ً
ـرن فائــدة يراهــا أو يســمعها يفمــن شــيخه" :وال يحتقـ ّ
الســيْ ُل اجتمــا ُع النُّ َق ْ التــي تُعينــه علــى ذلــك ،يَرجــ ُع إليهــا يف احلــال، يعثــر عليهــا أو تخطــر لــه حــول موضــوع معـ ّـن .أو
ــط َّ وإمنــا أي فـ ٍّـن كانــت؛ بــل يُبــادِ ر إلــى كتابتهــا ،ثــم يواظــب علــى
ّ فتلبيــه وحتــ ّل إشــكاالته وإشــكاالت النــاس. يــدون علــى الصفحــة الفارغــة التــي تلــي صفحــة
مطالعــة مــا كتبــه".
39 مجلة قوارئ | العدد السادس مجلة قوارئ | العدد السادس 38
أمــا األديــب الــذي يــرى عــاج اإلنســانية يف انتقــاء فاطمــة أ بــو ســعدة _@_0f9
حكومــة دوليــة متســك بزمــام العالــم كلــه فيكتــب
إن معظــم النــار مــن مســتصغر الشــرر؛ ذلــك
يف ذلــك كت ًبــا تزيــد علــى اخلمســن كمــا فعــل
مــا قرأتــه يف الكتــب ومــا تعلمتــه مــن جتربــة
"ولــز" .مثــل هــذا وذلــك مــن األدبــاء لــم تشــهده
احليــاة ،وهــو مــا أجــرى القلــم بهــذه الكلمــات،
مصــر ،فبــؤس البائســن عالجــه مقالــة ،والعمــال
فليــس بعيــ ًد ا أن ينبــه هــذا القلــم املتواضــع
تكفــي لنصرتهــم مقالــة ،وحــل املشــكالت الدوليــة
الــذي ال يــكاد صريــره يبلــغ ســمع صاحبــه ،أدي ًبــا
حســبه مقالــة..
واحــ ًد ا مــن أئمــة األدب يف هــذا البلــد فيتجــه
فاملقالــة إ ًذا هــي عندنــا مــاذ األديــب ،الــذي وجهــة جديــدة يف كتابــة املقالــة األدبيــة.
ليــس لــه مــن دونهــا مــاذ ،وال بــأس بهــذا لــو
فاملقالــة توشــك أن تكــون يف مصــر القالــب
كانــت املقالــة األدبيــة يف مصــر أد ًبــا تعتــرف بــه
ــب فيــه األديــب خواطــره ص ّاألوحــد الــذي يَ ُ
قواعــد األدب الصحيــح .ولكــن األديــب املصــري
ومشــاعره ،فأديبنــا قصيــر ال َّن َفــس ،تكفيــه
يكتــب املقالــة التــي لــو قيســت مبعيــار النقــد
املقالــة الواحــدة ليفــرغ يف أنهرهــا القليلــة كل
األدبــي لطــارت هبــا ًء ،وألغلقــت دولــة األدب مــن
مــا يتأجــج بــه صــدره مــن عاطفــة ومــا يختلــج بــه
دونهــا األبــواب ،وإمنــا قصــدت مبعيــار النقــد مــا
األديــب نقمــة علــى وضــع مــن أوضــاع النــاس فلــم لــم يبلــغ أن يكــون ثــورة عنيفــة ،هــو موضــوع املقالــة رأســه مــن فكــرة؛ فــإن غضــب أديبنــا مــن نقــص
يــكاد يجمــع عليــه النقــاد مــن أدبــاء اإلجنليــز.
جتدهــا ،وإن افتقــدت يف مقالــة األديــب هــذا اللــون األدبيــة مبعناهــا الصحيــح؛ فــإن تضرمــت يف نفــس يلمحــه يف بنــاء اجلماعــة أو أخــاق الفــرد ،فــزع
مــن الفكاهــة احللــوة املستســاغة فلــم تصبــه ،فاعلــم األديــب ثــورة كاســحة جامحــة ،فــا يجيــز لــه نَ َق ـ َد ةُ فهــم هنالــك يقولــون إن املقالــة يجــب أن إلــى املقالــة يبــث فيهــا ثــورة غضبــه؛ وإن افتــن
أن املقالــة ليســت مــن األدب الرفيــع يف كثيــر أو متنفســا لثورتــه ،وليســلك ً األدب أن يتخــذ املقالــة تصــدر عــن قلــق يحســه األديــب ممــا يحيــط بــه أديبنــا بجمــال الطبيعــة اخلــاب جلــأ إلــى املقالــة
قليــل ،مهمــا تكــن بارعــة األســلوب رائعــة الفكــرة؛ -إن أراد -ســبيله إلــى املنابــر يلقــي ثورتــه يف مــن صــور احليــاة وأوضــاع املجتمــع ،علــى شــرط يبــث فيهــا مــا أحــس مــن عجــب وإعجاب...أمــا
وإن شــئت فاقــرأ لــرب املقالــة اإلجنليزيــة "أدِ ُس ـ ْن " موعظــة ،ألنهــا حتتمــل مــن الواعــظ أعنــف ألــوان أن يجــيء الســخط يف نقمــة هادئــة خفيفــة ،هــي األديــب الــذي يريــد أن يعالــج بــؤس البائســن
مازجــا ســخطه بفكاهتــه، ً مــا كتــب ،فلــن جتــده إال ســبيل إلــى القصيــدة -إن ً التقريــع ،أو ليلتمــس أقــرب إلــى األنــن اخلافــت منهــا إلــى العويــل فينشــر يف النــاس القصــة تلــو القصــة حتــى يبلــغ
فــكان ذلــك أفعــل أدوات اإلصــاح. كان شــاع ًر ا-ألن القصائــد ال تتنافــر بطبعهــا مــع ً
ســخطا ممــا الصــارخ ،أو ُقــل يجــب أن يكــون مــا ينشــره ألــوف الصحائــف كمــا فعــل "دكنــز" ؛
احلمــاس املشــتمل. ٍ
ومــط يف يعبــر عنــه الســاخط بهــزة يف كتفيــه أمــا األديــب الــذي يعطــف علــى العمــال فيكتــب
نريــد مــن كاتــب املقالــة األدبيــة أن يكــون لقارئــه
شــفتيه ،مصطب ًغــا بفكاهــة لطيفــة ،ال أن يكــون يف ذلــك للمســرح الروايــة يف إثــر الروايــة كمــا
شــرط املقالــة األدبيــة أن يكــون األديــب ناق ًمــا ،محد ًثــا ال معل ًمــا؛ بحيــث يجــد القــارئ نفســه إلــى سـ ً
ـخطا ممــا يدفــع الســاخط إلــى حتطيــم األثــاث فعــل "جولزورثــي" .أمــا األديــب الــذي يتلقــى
وأن تكــون النقمــة خفيفــة يشــيع فيهــا لــون باهــت جانــب صديــق يســامره ال أمــام معلــم يعنفــه؛ نريــد
ومتزيــق الثياب...هــذا الســخط علــى احليــاة خطا ًبــا مــن قارئــه تستفســره االشــتراكية فيــرد
ً
زميــا مــن التفكــه اجلميــل؛ فــإن التمســت يف مقالــة مــن كاتــب املقالــة األدبيــة أن يكــون لقارئــه
القائمــة يف هــدوء وفكاهــة ،هــذا الســخط الــذي علــى الرســالة مبجلديــن ،كمــا فعــل "برناردشــو".
41 مجلة قوارئ | العدد السادس مجلة قوارئ | العدد السادس 40
كلمــا قــرأ تســلل إلــى نفســه مــا شــاع يف ســطور والقصيــدة الغنائيــة هــو فــرق يف درجــة احلــرارة: أن ينفــر القارئــون -يــا أيهــا األدبــاء -مــن قــراءة مــا مخلصــا يحدثــه عــن جتاربــه ووجهــة نظــره ،ال أن ً
املقالــة مــن نكتــة خفيفــة وســخرية هادئــة ،دون تعلــو وتتناغــم فتكــون قصيــدة ،أو تهبــط وتتناثــر تكتبــون؛ ال تعجبــوا يــا قــادة األدب املصــري أال يقرأكــم يقــف منــه موقــف الواعــظ فــوق منبــره مييــل صل ًفــا
شــعور منــه بــأن الكاتــب يعمــد يف كتابتــه إلــى النكتــة فتكــون مقالــة أدبيــة. إال فئــة مــن طبقــة القارئــن ،ألنكــم تصــرون علــى وتي ًهــا بورعــه وتقــواه ،أو موقــف املــؤدب يصطنــع
والســخرية؛ فــإذا بالقــارئ آخــر األمــر يضحــك أو أن يقــف الكاتــب منكــم إزاء قارئــه موقــف املعلــم ال الوقــار حــن يصــب يف أذن ســامعه احلكمــة ص ًّبــا
وملــا كانــت املقالــة إمنــا تتكــئ علــى ظاهــرة
يتأثــر علــى أي صــورة مــن الصــور ،بهــذه الصــورة الزميــل ،موقــف الكاتــب ال احملــدث ،موقــف املــؤدب ال ا ؛ نريــد للقــارئ أن يشــعر وهــو يقــرأ املقالــة ثقيــ ً
مطروقــة معهــودة يف احليــاة اليوميــة لتنفــذ خاللهــا
اخلياليــة التــي أثبتهــا الكاتــب يف مقالتــه ،وقــد الصديــق ،ويصطنــع الوفــاء فــا يصــل نفســه بنفســه؛ األدبيــة أنــه ضيــف قــد اســتقبله الكاتــب يف حديقتــه
إلــى نقــد احليــاة القائمــة نق ـ ًد ا خف ًيــا يســتره غطــاء
يعجــب القــارئ :كيــف ميكــن أن يكــون يف النفــوس وإال فحدثنــي بربــك أي فــرق يجــده القــارئ بــن ليمتعــه بحلــو احلديــث ،ال أن يحــس كأمنــا الكاتــب
خفيــف مــن الســخرية ،وملــا كانــت كذلــك تســلك
البشــرية مثــل هــذه اللفتــات واللمحــات؛ ولكنــه لــن الصحيفــة األدبيــة والكتــاب املدرســي؟ أرأيــت كيــف ً
فصــا مــن دفعــه دف ًعــا عني ًفــا إلــى مكتبتــه ليقــرأ
سلســا مشــر ًقا ،فقــد يُ َظــن ً يف التعبيــر أســلو ًبا
يلبــث حتــى يتبــن أن هــذا الــذي عجــب منــه إمنــا يتحــدث الصديــق إلــى صديقــه عــن حادثــة شــهدها كتــاب!
أحيا ًنــا أنهــا ضــرب هــن مــن ضــروب األدب ال
هــو جــزء مــن نفســه أو نفــوس أصدقائــه ،فيضجــره يف عربــة التــرام وهــو يف طريقــه إليــه؟ أرأيــت كيــف
يدنــو مــن القصيــدة أو القصــة والروايــة ،والواقــع لهــذا كلــه يشــترط الناقــد اإلجنليــزي يف
أن يكــون علــى هــذا النحــو الســخيف ،فيكــون هــذا يالحــظ الصديــق لصديقــه إذ همــا يســيران مالحظــة ً
علــى عكــس ذلــك ،ألن أرفــع الفــن هــو مــا التقــى شــرطا ال أحســب شــيوخ األدب املقالــة األدبيــة
الضجــر منــه أول خطــوات اإلصــاح املنشــود. مــن هنــا ومالحظــة مــن هنــاك حــول مــا يقــع عليــه
فنــه علــى النظــرة العابــرة ،فمــا أكثــر مــن ينجــح عندنــا يقرونــه عليــه ،يشــترط أن تكــون املقالــة
البصــر؟ انقــل هــذا بيراعــة األديــب وبراعتــه يكــن لــك
ومــا دمنــا نشــترط يف املقالــة األدبيــة أن تكــون يف كتابــة القصــة والقصيــدة! ومــا أقــل مــن يجيــد علــى غيــر نســق مــن املنطــق ،أن تكــون أقــرب إلــى
منــه مقالــة أدبيــة مــن الطــراز األول؛ أمــا أن تعلــم
أقــرب إلــى احلديــث والســمر منهــا إلــى التعليــم كتابــة املقالــة! وشــأن الــذي يســتخف مبــا تطلبــه قطعــة مشــعثة مــن األحــراش احلوشــية منهــا إلــى
ا مــن عوامــل ســقوط الدولــة األمويــة، القــارئ فص ـ ً
سلســا املقالــة مــن فــن كشــأن الــذي يظــن أن الشــعر ً والتلقــن ،وجــب أن يكــون أســلوبها عذ ًبــا احلديقــة املنســقة املنظمــة؛ ويعــ َّر ف "جونســون"
أو يف أســباب انحــال املجتمــع ومــا إلــى ذلــك مــن
دفا ًقــا .أمــا إن أخــذت تشــذب أطــراف اللفــظ املرســل أيســر مــن القصيــد املقفــى؛ ولعــل عســر -ومكانتــه مــن األدب اإلجنليــزي يف الــذروة العليــا-
فصــول ،فذلــك مفيــد علــى أنــه درس علمــي ،ونافــع
هنــا وتزخــرف تركيــب العبــارة هنــاك ،كان ذلــك املقالــة ناشــئ مــن أنهــا ليــس لهــا حــدود مرســومة يعــ َّرف املقالــة فيقــول :إنهــا نــزوة عقليــة ال ينبغــي
يف عــرض اطالعــك الواســع ،ومثقــف للقــارئ كمــا
متنافــ ًر ا مــع طبيعــة الســمر احملبــب إلــى النفــوس؛ يحفظهــا املبتــدئ فينســج علــى منوالهــا كمــا يفعــل أن يكــون لهــا ضابــط مــن نظــام ،هــي قطعــة ال
يثقفــه فصــل مــن كتــاب ،ودافــع إلــى الفضيلــة علــى
هــذا مــن حيــث الشــكل .وأمــا مــن حيــث املوضــوع يف القصــة أو القصيــدة. جتــري علــى نســق معلــوم ولــم يتــم هضمهــا مــن
أنــه موعظــة منبرية...ولكــن ال تطمــح أن تكــون أدي ًبــا
فــا يجــوز عنــد الناقــد األدبــي أن تبحــث املقالــة نفــس كاتبهــا ،وليــس اإلنشــاء املنظــم مــن املقالــة
إن الــذي أريــد أن أؤكــده مــرة أخــرى هــو أن مبــا تكتــب مــن أمثــال هــذه الفصــول واألبــواب ،فلــن
ا فضــل يف موضــوع مجــرد ،كأن تبحــث مثــ ً األدبيــة يف شــيء.
املقالــة األدبيــة البــد أن تكــون نقـ ًد ا ســاخ ًر ا لصــورة تكــون بأمثالهــا يف دولــة األدب قز ًمــا وال عمال ًقــا...
النظــام الدميقراطــي أو معنــى اجلمــال أو قاعــدة
مــن صــور احليــاة أو األدب ،وهد ًمــا لــم يتشــبث بــه أنــت بهــذه الفصــول عالــم ولســت بأديــب -أنــت بهــا أيــن هــذا مــن املقالــة األدبيــة يف مصــر؟ لقــد
يف علــم النفــس والتربيــة؛ ألن ذلــك يبعدهــا عــن
النــاس علــى أنــه مثــل أعلــى ،ومــا هــو إال صنــم قــارئ ولســت بكاتــب ،وفضلــك أن نقلــت إلــى القــراء ســمعت أدي ًبــا كبي ـ ًرا يســأل أدي ًبــا كبي ـ ًرا مــرة فيقــول:
روح املقالــة مبعناهــا الصحيــح ،إذ ال بــد -كمــا
تخلّــف يف تــراث األقدمــن .أمــا إن كان الفصــل مــا قرأت...وإنــه لفضــل عظيــم ،ولكنــه شــيء واألدب هــل قــرأت مقالــي يف هــال هــذا الشــهر؟ فأجابــه:
ذكرنــا -أن تعبــر قبــل كل شــيء عــن جتربــة معينــة
املكتــوب بح ًثــا رصينًــا متســ ًقا فســ َّمه مــا شــئت، اخلالــص شــيء آخــر. أن نعــم ،فســأله :ومــاذا تــرى فيــه؟ هــل ترانــي أهملــت
ا يف النقــد مســت نفــس األديــب فــأراد أن ينقــل األثــر إلــى فقــد يكــون عل ًمــا ،وقــد يكــون فصــ ً ّ نقطــة مــن نقــط املوضــوع؟ فأجابــه قائـ ًـا :العفو ،وهل
نفــوس قرائه..ومــن هنــا قيــل إن املقالــة األدبيــة فكاتــب املقالــة األدبيــة علــى أصــح صورهــا ،هــو
ً
تاريخــا أو وص ًفــا جغراف ًيــا األدبــي ،وقــد يكــون مثلــك مــن يهمــل يف مقالــة يكتبهــا شــاردة أو واردة؟!
قريبــة جــ ًد ا مــن القصيــدة الغنائيــة ،ألن كلتيهمــا الــذي تكفيــه ظاهــرة ضئيلــة ممــا يعــج بــه العالــم
كتبــه قلــم قديــر ،ولكنــه ليــس مقالــة أدبيــة ،كمــا موضوعا
ً هــذه هــي املقالــة عنــد قــادة األدب :أن تكــون
تغــوص بالقــارئ إلــى أعمــق أعمــاق نفــس الكاتــب مــن حولــه ،فيأخذهــا نقطــة ابتــداء ،ثــم يســلم
أنــه ليــس بقصيــدة وال قصــة. إنشــائ ًيا مدرس ـ ًيا كل فضلــه أنــه جميــل اللفــظ واســع
أو الشــاعر ،وتتغلغــل يف ثنايــا روحــه حتــى تعثــر نفســه إلــى أحــام يأخــذ بعضهــا برقــاب بعــض،
النظــر ،فالفــرق بــن مقالــة األديــب وموضــوع التلميــذ
علــى ضميــره املكنــون؛ وكل الفــرق بــن املقالــة دون أن يكــون لــه أثــر قــوى يف اســتدعائها عــن عمــد
فــرق يف الكــم ال يف الكيف...فللــه درك يــا معلــم
وتدبيــر ،حتــى إذا مــا تكاملــت مــن هــذه اخلواطــر
اللغــة العربيــة يف املــدارس املصريــة! إنــك لتتعقــب
املتقاطــرة صــورة ،عمــد الكاتــب إلــى إثباتهــا يف
بتأثيــرك شــيوخ الكتــاب بــن كتبهــم وأوراقهــم ،كأنــى
مجلــة الثقا فــة ،العــدد 1941(،115م).321-323 : رزانــة ال تظهــر فيهــا حــ ّد ة العاطفــة ،ويف رفــق
بــك تضغــط علــى أذن الكاتــب بــن إبهامــك وســبابتك
بالقــارئ حتــى ال ينفــر منــه نفــور اجلــواد اجلمــوح،
حــن يحمــل قلمــه ليكتــب ،مذكــ ًرا إيــاه :هــل وفيــت
ألن واجــب األديــب احلــق أن يخــدع القــارئ كمــن
نقــط املوضــوع؟ أيــن نقــط املوضــوع؟! كال ليــس
ميعــن يف القــراءة كأمنــا هــو يســ ّر ي عــن نفســه ٌ
نقــط وال للمقالــة األدبيــة ،وال ينبغــي أن يكــون لهــا
املكروبــة عنــاء اليــوم أو يزجــي فراغــه الثقيــل ،وهــو
تبويــب وال تنظيــم؛ فــإن كانــت كذلــك ،فــا عجــب
43 مجلة قوارئ | العدد السادس مجلة قوارئ | العدد السادس 42
مــع صــدور عــدد مجلــة القافلــة األخيــر لشــهر يوليــو 2016م ،يكــون عمر
هــذه املجلــة ثالثـ ًة وســتني عا ًمــا .ولــدت مــن فكــرة ثالثــة مترجمــن يف أحــد
مكاتــب شــركة "أرامكــو" يف مدينــة الظهران الســعودية ،عــام 1951م.
تُعــد مجلــة القافلــة «مجلــة عربيــة نــادرة عنــد صدورهــا ،ونــادرة عندمــا
بلغــت نصــف قــرن بــا انقطــاع» كمــا يصفهــا املهنــدس علــي بــن إبراهيــم
النعيمــي ،وزيــر البتــرول الســعودي الســابق يف عــام 2002م مبناســبة
احتفــال املجلــة بعيدهــا الذهبــي ،وتواصــل صــدوره املــدة خمســن عا ًمــا.
ولهــذه النــدرة حكايــة تســتحق أن تــروى ملــا تضمنــه فصولهــا مــن تخطيــط
وتطويــر وإجنــاز .هــذه املجلــة التــي ارتبطــت بهــا أجيــال عــدة مــن القــراء
رئيســا يف نشــر الثقافة
ً ارتباطا ثقاف ًيا وعاطف ًيا ســنوات عديدة ،وأدت دو ًراً
والتوعيــة يف محيطهــا احمللــي ،وعلــى امتــداد الوطــن العربي ،وأرجــاء أخرى
مــن العالــم .كيــف ظهــرت؟ وكيــف اســتمرت؟ ســؤاالن نحــاول أن جنيــب
عنهمــا ،بعــد أن ننظــر ســري ًعا إلــى تاريــخ فــن املجــات يف العالــم.
لطاملــا أدت املطبوعــة الورقيــة ،والتــي تســمى "املجلــة" دو ًرا ثقاف ًيــا
وتوعو ًيــا مه ًمــا يف أنحــاء العالــم منــذ ابتكارهــا يف العــام 1663م علــى يــد
كاتــب أملانــي هـ ٍـاو للفلســفة .هــذه املطبوعــة التــي تختلــف عــن الصحيفــة
بصغــر احلجــم ،وجــودة املضمــون ،مصممـ ًة لالحتفــاظ بهــا مــدة أطــول مــن
الصحيفــة ،ولالســتفادة منهــا بشــكل أكبــر ،وأكثــر فعاليــة.
أمــا مــن أطلــق اســم مجلــة " "Magazineعلــى هــذه املطبوعــة الورقيــة
"املبتكـ�رة" فهـ�و إدوارد ك ِّيـ�ف محـ�رر مجلـ�ة" "�The Gentleman's Maga
"zineيف عــام 1731م ،نســبة إلــى الكلمــة الفرنســية " ،"Magasinاملأخــوذة
مــن كلمــة "مخــزن" يف اللغــة العربيــة ،وهــو املــكان الــذي يحتــوي البضائــع
املتنوعة.ومنــذ تلــك املرحلــة التاريخيــة ،بــدأ العالــم يهتــم ويصــدر هــذا النوع
مــن املطبوعــات ابتــدا ًء القــرن الســابع عشــر ومــا تبعــه.
ويُــؤرخ تاريــخ املجــات يف الوطــن العربــي مــن عــام 1892م ،مــع
صــدور مجلــة "الهــال" جلرجــي زيــدان ،يف مصــر ،التــي حلســن احلــظ
45 مجلة قوارئ | العدد السادس مجلة قوارئ | العدد السادس 44
ألــوان يف الغــاف األمامــي للمجلــة .وتولــى ســيف أخــرى عــن األنشــطة الرياضيــة والصحــة والســامة، الظهــران ،وقــرروا رفــع اقتــراح يقضــي بإصــدار نشــرة مــا زالــت تصــدر حتــى يومنــا هــذا ،بصحبــة مــا يزيــد
الديــن عاشــور ،أحــد كبــار موظفــي الشــركة رئاســة وأخبــار املوظفــن ،وتاريــخ اململكــة ،وأن تنشــر القصــص عربيــة باســم "الشــمس العربيــة" علــى غــرار النشــرة عــن 500مجلــة متنوعــة ومتخصصــة أخــرى يف
التحريــر عــام 1962م ،ويف العــام 1964م بــدأت املجلــة القصيــرة ،ومقتطفــات مــن الشــعر العربــي الكالســيكي، اإلجنليزيــة التــي كانــت تصدرهــا الشــركة آنــذاك امتــداد الوطــن العربــي.
تُطبــع محل ًيــا يف الدمــام ،وتبنــت مــن عــام 1967م نشــر وأن تقوم بإجراء استطالعات مصورة حول موضوعات "الشــمس والوهــج" خاصــ ًة وأن احلكومــة الســعودية
ومع تغير الزمن ووســائل اإلعالم ،وتوجهات القراء،
اســتطالعات مصــورة شــاملة عــن إحــدى املــدن يف محليــة ،وأن تســتقي أخبــار العالــم من الصحــف العربية ُقبيــل موافقتهــا علــى إصــدار "الشــمس والوهــج" ،كانــت
خصوصــا
ً ظلــت املجــات يف العالــم ويف الوطــن العربــي
اململكــة .ثــم عقــد ونشــر نــدوات أدبيــة وعلميــة بشــترك واملذيــاع مــع حتديــد اجلهــة صاحبــة اخلبــر ،أمــا أخبــار قــد اشــترطت علــى الشــركة أن تعمــل علــى إصــدار
تصــارع مــن أجــل البقــاء ،وبــدأت تفقــد قراءهــا ،بلثمــة
فيهــا كبــار املفكريــن والعلمــاء واألدبــاء العــرب ،وكان اململكــة فتؤخــذ مــن املذيــاع والصحــف التــي تصــدر يف نشــرة عربيــة حتتــوي صــو ًرا ومواضيــع تهــم النــاس.
مــن يقــول إنهــا يف الطريــق إلــى االنقــراض .فقــد توقــف
منصــور مدنــي رئيــس التحريــر .ثــم تولــى يف عــام مكــة واملدينــة والريــاض. وهــذا يتوافــق معهــد فالشــركة آنــذاك إليجــاد وســيلة
الكثيــر مــن املجــات ،مثــل مجلــة "الرســالة" ،و"أبولــو"،
1978م رئاســة حتريرهــا عبــداهلل الغامــدي ،الــذي للتقــارب معــا ملجتمــع احمللــي يف أرض االمتيــاز التــي
ويف أثنــاء العمــل علــى العــدد التجريبــي الثانــي و"أقــام" ،و"آفــاق عربيــة" ،و"الكاتب" و"الطليعة" و"الفكر
حمــل شــعار" :كتبــوا لنقــرأ ونكتــب ليقــرؤوا" يف إشــارة تعمــل فيهــا ،إذ كانــت حتــرص علــى تقويــة العالقــات
يف العــام نفســه تغيــر العنــوان مــن "األحــداث" إلــى املعاصــر" ،و"دبــي الثقافيــة" و"األديــب" و"اآلداب" ،ويو ًمــا
إلــى دعمــه لل ُكتــاب الســعوديني ،ثــم رأس حتريرهــا مــع املواطنــن الســعوديني ومحيطهــا االجتماعــي ،لتنقل
معــان ودالالت غيــر لطيفــة يف
ٍ "احلــوادث" لوجــود بعــد يــوم يتوقــف الكثيــر مــن املجــات عــن الصــدور.
وســع يف مادتهــاعبــداهلل اخلالــد عــام 1989م الــذي ّ لهــم الرســائل التنظيميــة والتوعويــة والتثقيفيــة .ويف
االســم األول.
الثقافيــة والعلميــة ،تبعــه عصــام توفيــق عــام 1999م نهايــة ذلــك العــام صــدر عــدد جتريبــي مــن صفحتــن ومــع هــذا ظلــت مجلــة «القافلــة» التــي تُعــد مِ ــن
الــذي أعــاد صياغــة هويتهــا ،ومحمــد طحــاوي يف ويف أكتوبــر عــام 1953م صــدر العــدد األول مِ ــن وحمــل اســم "األحــداث" ُطبــع مِ نــه ثــاث أعــداد فقــط أقــدم املجــات الثقافيــة والعلميــة يف اململكــة ،تصــدر
شــجع علــى اســتكتاب األعــام يف ّ عــام2001م الــذي النشــرة التــي أصبحــت مجلــة ،وحملــت اســم "قافلــة علــى اآللــة الكاتبــة. ُكل شــهرين بطباعــة فاخــرة وإخــراج مميــز يف 102
مختلــف مجــاالت املعرفــة .ويف عــام 2002توقفــت الزيــت" باللونــن األبيــض واألســود وبغــاف ملــون، صفحــة ،عــن شــركة (أرامكــو الســعودية) متجــاوزة
وهكــذا رفعــت الشــركة طل ًبــا إلــى احلكومــة
القافلــة ملــدة خمــس أشــهر ،جــرت خــال هــذه الفتــرة مِ ــن 16صفحــة مــع الغــاف يناألماميــو اخللفــي .هــذا حتديــات التغيــرات اإلعالميــة والثقافيــة يف العالــم
الســعودية إلصدار النشــرة التي حملت يف البداية اســم
دراســة شــاملة لتطويرهــا ،ثــم عــادت يف ســبتمبر مــن االســم الــذي سيســتمر معهــا ملــدة 30عام ،تطبع شــهر ًيا العربي،كمــا اتســع دورهــا مــن أن تكــون وســيلة تثقيــف
"األحــداث" ،نســب ًة للشــاب أو احلــدث اجللــل ،وتضمــن
العــام نفســه بعــدد خــاص مبناســبة مــرور 50عا ًمــا على يف بيــروت ،و ُعــن حافــظ البــارودي ،موظــف الشــركة وتوعيــة ملوظفــي الشــركة الناطقــن بالعربيــة ،إلــى
الطلــب أن النشــرة ســوف تنشــر أخبــا ًرا مهمــة ومقــاالت
صدورهــا ،ويف العــام 2003م تولــى محمــد العصيمــي منــذ عــام 1947م ،وخريــج جامعــة "غــوردون"أول رئيــس مجلــة متنوعــة تتســم بالعمــق واألصالــة ،تشــمل أبوا ًبــا
وصــور املناســبات الرســمية ،وأنشــطة املوظفــن،
رئاســة حتريرهــا ،وزاد عــدد صفحاتهــا إلــى 102 حتريــر للمجلــة. يف الفكــر واألدب ،والعلــم والثقافــة ،والفنــون ،والطاقــة،
وإعالنــات الشــركة ،كمــا ســيدعى القــراء إلــى اإلســهام
صفحــة ،ومت حتويلهــا مِ ــن مجلــة شــهرية إلــى مجلــة والصحــة ،ومراجعــات للكتــب ،وتقاريــر عــن البرامــج
وبعــد 6ســنوات مــن صــدور العــدد األول مــن يف تقــدمي املقــاالت وغيرهــا مــن شــتى املوضوعــات
تصــدر ُكل شــهرين .ويف عــام2009م رأســها صالــح التدريبيــة وورش العمــل ،وعلــى اســتطالعات صحفيــة،
املجلــة ،ظهــرت نشــرة "قافلــة الزيــت" األســبوعية يف األدبيــة والفنيــة ،وأنهــا ســتطبع علــى اآللــة الكاتبــة.
الســبتي ملــدة عــام واحــد .واليــوم يــرأس حتريرهــا محايــدة و ُمبتعــدة عــن األمــور املثيــرة للخــاف ،وتــوزع
نوفمبــر 1959م ،النشــرة التــي حــررت وطبعــت ونشــرت وكان االقتــراح يف البدايــة أن تكــون النشــرة مــن صفحــة
الشــاعر محمــد الدمينــي ،واصبحــت تُقــدم إلــى قرائهــا كل شــهرين عــن طريــق طلــب اشــتراك مجانــي داخــل
بإشــراف هيئــة حتريــر مجلــة "قافلــة الزيــت" ،وأصبــح واحــدة حتتــوي علــى أخبــا ًر وصــو ًرا ،علــى أن يزيــد عــدد
مــن خــال منصــات عــدة ،فباإلضافــة إلــى املطبوعــة وخــارج اململكــة.
لــكل مطبوعــة مســارها إال أنهمــا يلتقيــان بالهــدف ،وهو صفحاتهــا يف املســتقبل.
الورقيــة ،صــدرت نســخة إلكترونيــة علــى موقعهــا علــى
إبــراز أنشــطة الشــركة وأدوار موظفيهــا ،ونشــر الثقافــة وخــال ســنوات صدورهــا ،اســتضافت املجلــة علــى
اإلنترنــت ،وتطبيــق للهواتــف احملمولــة ،وحســابات يف وبعــد مــداوالت ومخاطبــات عديدة ،تلقت أرامكو يف
العربيــة .واســتمرت بهــذا االســم حتــى عــام 1983م، صفحاتهــا أقــام كبــار املفكريــن العرب كالعقــاد ،ومحمد
مواقــع التواصــل االجتماعــي. يونيــو1952م موافقــة جاللــة امللــك عبدالعزيــز -طيــب
حيــث تغيــر إلــى مجلــة "القافلــة". منــدور ،وأحمــد أمــن ،واملازنــي ،وجبــران ،واخلــوري،
اهلل ثــراه -علــى إصــدار النشــرة .ثــم تركــزت اجلهــود
وبهــذه املرونــة يف التكيــف واألصالــة يف احملتــوى، وعبدالقــدوس األنصــاري ،وعمــر أبــو ريشــة ،ووديــع
وخــال هــذه الفتــرة اســتمرت املجلــة يف التطويــر علــى بلــورة شــخصية النشــرة ،واختيــار رئيــس التحريــر،
اســتمرت املجلــة بوصفهــا راف ـ ًدا مــن روافــد املعرفــة، فلســطني ،وكذلــك ابــن إدريــس ،وحســن قرشــي ،وأحمــد
والتحديــث علــى مســتوى التحريــر ،واحملتــوى واإلخــراج، حيــث رأت أرامكــو أن رئيــس التحريــر ال بــد أن يكــون
يطبــع اليــوم منهــا كل شــهرين 40ألــف نســخة ،وتصــل رامــي ،وطاهــر زمخشــري ،وبشــارة اخلــوري ،وغــازي
ففــي أغســطس عــام 1954م أصبحــت املجلــة تُطبــع ســعود ًيا ولديــه خبــرة ومعرفــة باللغــة اإلجنليزيــة.
مجا ًنــا إلــى قرائهــا داخــل شــركة أرامكــو الســعودية القصيبي يف بداياته .وكانت تنقل مقاالت لـــطه حســن،
وألول مــرة بالطريقــة األوفســت احلديثــة وقتهــا ،وزاد
وداخــل اململكــة وخارجهــا ،ويُتوقــع أن عــدد القــراء أمــا عــن شــخصية النشــرة ،فقــد اُتفــق أن حتــوي والبــارودي ،واجلواهــري ،وجميــل علــوش ،ويوســف نوفــل
عدد صفحاتها إلى ،28وأصبح رئيس التحرير شــكيب
يطلعــون علــى القافلــة نحــو 455ألــف قــارئ، الذيــن ّ وآخريــن ُكثــر .كمــا كانــت املجلة مرج ًعا معتم ًدا مــن وزارة إرشــادات توعويــة ملوظفــي الشــركة ،وال تُفــرض علــى
األمــوي ،موظــف الشــركة مــن عــام ،1954والكاتــب
إذ يشــترك 7أشــخاص يف قــراءة النســخة الواحــدة املعــارف الســعودية يف نصــوص املطالعــة فيمــا مضــى .القــارئ بــل يُشــجع القــارئ علــى بــذل اجلهــد للحصــول
الصحفــي ،ومؤلــف العديــد مــن القصــص القصيــرة.
مــن كل عــدد داخــل اململكــة وخارجهــا ،وذلــك حســب عليهــا .وأن تطبــع مــرة يف األســبوع ،مــن صفحتــن علــى
ويف يوليــو 1956م زاد عــدد صفحاتهــا إلــى 36صفحــة، بــدأت حكايــة هــذه املجلــة يف ربيــع عــام 1951م بعــد
إحصائيــة جــرت ســاب ًقا. األقــل ،وأن تخصــص عمــو ًدا عــن تاريــخ اململكة،وزوايــا
ويف العــام الــذي يليــه اســتخدمت الصــورة امللونــة بأربعــة أن اجتمــع ثالثــة مترجمــن يف أحــد مكاتــب أرامكــو يف
47 مجلة قوارئ | العدد السادس مجلة قوارئ | العدد السادس 46
تعريف بخمسة
كتب عربية
ُكتب بواسطة -هشام العبيلي @hsaad78
أباطيل وأسمار
الكتــب امللهمــة ُتــدث فارقــاً يف تصوراتــك وتفكيــرك .ومــن
األكيــد أن تنشــأ يف نفســك الرغبــة والقابليــة إلعــادة قــراءة هــذا
الكتــاب َكــرة أخــرى.
مــن الكتــب امللهمــة (أباطيــل وأســمار ،تأليــف محمــود شــاكر)وهو
عبــارة عــن فصــول نُشــرت يف مجلــة الرســالةَ ،غــرض الكتــاب األول
الدفــاع عــن العربيــة ،إال أن فيــه مــن أصــول البحــث العلمــي الصحيــح
املبنــي علــى الســبر واالســتقصاء واالنتقــاء الســليم ،مــا يجعلــه عالمــة
فارقــة يف مســيرتك القرائيــة.
هــذا عوضــاً عــن الفوائــد املبثوثــة ،تبحــ ُر مــع الكتــاب يف بحــر
خضــم ،فيجــود عليــك بأنْفــس مــا فيــه.
51 مجلة قوارئ | العدد السادس مجلة قوارئ | العدد السادس 50
مــا هــذا ِ
الســفر البــاذخ! خليـ ٌق بــه أن يُعــاد ويكــرر ،متــر ٌع بالفوائــد "إن كتــاب (اإلســام بــن الشــرق والغرب)ليــس كتابـاً بســيطاً
والعِ بــر ،إنــه مــلءُ الســمع والبصــرَ .جمــع األحمــري بــن جلدتــي ميكــن للقــارئ أن يتناولــه مســترخياً أو يقتحمــه مــن أي موضــع
ا مــن القــراءة ،بــثَّ فيــه أفــكاراً وجتــارب ،حلــوالً الكتــاب تاريخـاً طويـ ً فيقــرأ صفحــة هنــا وصفحــة هنــاك ثــم يظــن أنــه قــد فهــم شــيئاً
وتأمــاتُ .ع ُمــر مــن القــراءة جتــده طــوع يديــك. .ال ...إنــه موجــه جلمهــور مــن خاصــة القــراء يتمتعــون بخلفيــة
ثقافيــة عريضــة وعميقــة ،ولهــم قــد ٌم راســخة يف تــذوق اللغــة
متنيــت أن يُقــدِ م ُقراؤنــا الكبــار علــى مثــل هــذا النــوع مــن
ُ لكــم
واألدب .يف عقــول هــؤالء ميكــن أن تتفاعــل أفــكار علــي عــزت
الكتابــة عــن جتاربهــم مــع القــراءة والكتــاب ،إذ هــي مــن زكاة مــا
وأن تثمر"انتهــى مــن مقدمــة املترجــم .
حصلــوه مــن معــارف ،وفيهــا منــار للســالكني مــن بعدهــم - .حتــدث
املؤلــف إجمــاالً عــن القــراءة والكتــب والكتابــة وشــخصية القــارئ وصــدق فيمــا قــال ،فالكتــاب صعــب جــداً ،قــد يســتحيل أن
ووصايــات ومتفرقــات. تهضمــه مــن أول قــراءة ،فهــو مــن الكتــاب التــي حتتــاج إلــى
-حشــد املؤلــف ك ّمـاً هائـ ً تكــرار وإعــادة .
ا مــن املقــروءات يف كتابــه هــذا ،ووظفهــا
توظيفــا مناســباً ،وســاقها يف أثنــاء استشــهاداته علــى مــا يريــد ،وهــذا إال أن املرحــوم عبدالوهــاب املســيري قــد ذلــل لنــا شــيئاً مــن
النــوع مــن الكتــب أعنــي الــذي يوظــف املقــروء مــن الكتــب يف الســياق صعوبــة الكتــاب ،إذ قــد أتــى علــى أفــكار الكتــاب وخلصهــا يف
نــو ٌع مــن الكتــب نــاد ٌر وعزيـ ٌز . تقدميــه ،فجعلهــا كاملمهــدة واملوطئــة ملــا ســتقرأه من أفــكار عميقة
حتتــاج إلــى تأمــل ،وإلــى أن حتملهــا علــى أحســن احملامــل ،وقــد
-يف الكتــاب تكــرار لذيــذ غيـ ُر ممــل ،يوحــي بــأن املولــف كتبــه علــى
تخالــف بعضهــا أحيان ـاً أخــرى .
أوقــات متفاوتــة .
الكتــاب فلســفي حتليلــي ،فيــه مــن روح اإلســام ،وأقــل مــن
-املؤلــف فيــه جتــرد عنــد احلكــم على الكتــب واألفكار .نعــم توافقه
ذلــك روحانيــة اإلســام .
وقــد تخالفــه لكنــه جتــرد محمــود ال يخضع ألي ســلطة فكرية.
-ذكــر األحمــري جملــة مــن الكتــب األجنبيــة املهمــة التــي لــم تترجــم
إلــى العربيــة حتــى الســاعة .
مذكرات قارئ اإلسالم بين
يقــع املؤلــف يف أوهــام قليلــة جــداً عنــد ذكــر أســماء الكتــب
واملؤلفــن ،وهــذا مــن طبيعــة النقــص البشــري - .لــو كان لــي مــن املــال
الشرق والغرب
تأليف:محمد حامد األحمري شــيء لوزعــت الكتــاب مجا ًنــا علــى القــراء ،ســيجدون فيــه مــرآة تعكــس تأليف :علي عزت بيقوفيتش
يقع الكتاب يف 474صفحة شــيئا يشــبههم. ترجمة :محمد يوسف عدس
الناشر :دار اخللود . يقع الكتاب يف 374صفحة
-ختــم املؤلــف كتابــه بقائمــة طويلــة مــن الكتــب التــي يوصــي بهــا،
طبعة :دار الشروق.
تقــع يف 15صفحــة.
53 مجلة قوارئ | العدد السادس مجلة قوارئ | العدد السادس 52
حكايــة علــى منــط قــدمي مــن الكتابــة صعــب تتنــوع كتــب الســيرة النبويــة يف أســلوبها ،وروحهــا
التنــاول ،دقيــق العبــارة ،ملّــاح اإلشــارة ،ال يكتــب مثلــه ا (نــور اليقــن يف ســيرة وطريقــة عرضهــا ،خــذ مثـ ً
أملعــي عبقــري .
إال ٌ ســيد املرســلني)حملمد اخلضــري بــك ،يعتمــد
يف كتابــه علــى الســرد التاريخــي .وأبــو احلســن
احلكايــة متثــل مــا بعــد شــهرزاد ،وســكوتها عــن
النــدوي يف كتابــه (الســيرة النبوية)يعتمــد األســلوب
الــكالم املبــاح وخــاص رقبتهــا مــن أن ينالهــا ظلــم
األدبــي .ومحمــد الغزالــي يف (فقــه الســيرة)
شــهريار ،وافتــراض الكاتــب أن شــهريار تزوجهــا بعــد.
يرتكــز يف عرضــه علــى الــروح العاطفيــة ،ناهيــك
هــذه احلكايــة ســتروق ملــن يحبــون حكايــات اجلــن
عــن األســلوب األدبــي الرشــيق ،والعــرض املاتــع
والعفاريــت ،وكيــف هــم العبــون عابثــون ببنــي آدم ،خــذ
مث ـ ً اللذيــذ ،وهــذا مــا يحفــز إلــى قــراءة مــا كتبــه هــؤالء
ا صنعــان اجلمالــي ،وجــد شــياطني اجلــن عليــه
مدخـ ً األعــام يف ســيرة محمــد عليــه الصــاة والســام،
ا مــن إميانــه ،ولــوال ســذاجة خالطــت إميانــه ملــا
فــكل منهــم يتنــاول مواقــف الســيرة وأحداثهــا -وإن
اســتطاع شــيطان اجلــن أن يص ّيــره إلــى احلــال التــي
وصــل إليهــا .املؤمــن و ٌّ تشــابهت يف أصلها-بشــكل مختلــف ،فتكتشــف يف
يف مطيــع مخلــص أمــن ،ومــن
كل مــرة شــيئا جديــدا يضيفــه إليــك هــذا املؤلــف أو
هنــا دخــل الشــيطان علــى صنعــان اجلمالــي .ال تأمــن
ذاك بحســب ميولــه وتوجهــه .
شــيطاناً أبــداً ،إنســياً كان أم جنيــاً ،وإن زعــم أن يف
طاعتــك إيــاه خالصــك وجناتــك ،فهــو غــادر خائــن . والغزالــي يف كتابــه هــذا أشــبعه عاطفــة نضاحة،
محركــة للقلــوب الركــدة ،واألنفــس الهامــدة نحــو
ســتقرأ مزيجــاً مــن عبــارات التصــوف الرقيــق،
وخيــاالً مــن قصــة حــب لــم تكتمــل ،وقتـ ً رجــل عظيــم ج ـ ُد عظيــم .كونــوا مــع محمــد صلــى
ا محمومـاً ال
اهلل عليــه وســلم يف داخلــة قلوبكــم ،أحيــوه يف
لغايــة وال هــدف ،وشــيئاً مــن اإلغــراب واخليــال .
نفوســكم.
ليالي ألف ليلة يف لفتــة ذات معنــى ،ابتــدأ الكاتــب احلكايــة برحيــل
الســندباد مــن البــاد ،واختتمهــا بعودته ،وعقــد لعودته
ومــن امللفــت اجلميــل أن املؤلــف بــدأ بكتابــة
هــذه الســيرة يف املدينــة املنــورة ،ويــا لــه مــن شــعور
فقه السيرة
جنيب محفوظ ا ض ّمــن يف العِ بــر واحلكــم والتجــارب أوردهــا فصــ ً تأليف:محمــد الغزالي
متدفــق يبعــث علــى الكتابــة وهــو ينعــم باجلــوار
تقع يف 298صفحة علــى لســان الســندباد .وكأنــه يلخــص مــا اســتفدته مــن يقــع الكتــاب يف 476صفحة
الطيــب .
الناشر:دار الشروق . احلكايــة علــى لســانك أنــت أيهــا القــارئ الســندباد . الناشــر :دار القلم .
ســتقرؤون ســيرة مختلفة ..
55 مجلة قوارئ | العدد السادس مجلة قوارئ | العدد السادس 54
إعارة الكتب
فكرة اإلعارة :
وعلــى ُحســن ال ـ ّر ِ ّد ملــا لــه مــن أثــر حســن علــى لقــد أقبــل العــرب علــى اقتنــاء الكتــب إقبــا ًال
منقطــع النظيــر ،وأغلــب الظــن أن هــذا مــا دفــع إلــى دميومــة تلــك الفضيلــة ،قــال أبــو مح َّمــد ب ـ ُن نصـ ٍـر
الســويدي:ُ ظهــور فكــرة إعــارة الكتــب إلتاحــة فرصــة القــراءة
َ ومطالعــة الكتــب لقطــاع مــن طلبــة العلــم الســيما
عجلأعاروك فار ُد ْدها على ٍ فـإ ْن
ممــ ْن ال يجــدون ســعة يف أموالهــم الفقــراء منهــم َ
ـصب ح ّتَــى تُعــا َر بـــا َمنْـ ٍـع وال نــ ِ ينفقــون بهــا علــى اقتنــاء الكتــب أو استنســاخها،
وهــذه مــن آداب إعــارة الكتــب ،بــأن يعيــد املعــار لذلــك جنــد يف كتــب التــراث أبوا ًبــا تُرغــب يف ذلــك،
ً
منهــا مثــا مــا جــاء يف كتــاب "اجلامــع ألخــاق الكتــب يف ســرعة وعجــل حتــى ال يتضايــق صاحبهــا
الــراوي والســامع" ملؤلفــه اخلطيــب البغــدادي ،ويضطــر إلــى حبســها إذا تأخــروا يف إعارتهــا،
وكتــاب "جامــع بيــان العلــم وفضلــه" البــن عبــد البــر فبســبب حبــس الكتــب املســتعارة امتنــع غيــر واحــد
القرطبــي :بــاب الترغيــب يف إعــارة الكتــب /بــاب مــن إعارتهــا.
كراهــة حبــس الكتــب املســتعارة عــن أصحابهــا ومــا
ـف بْنِ ْال َ ْر ُزبَانِ : قــال ُم َح َّمـ َد بْـ َن َخلَـ ِ جــاء يف األمــر بتعجيــل ردهــا إلــى أربابهــا /بــاب
ــب اح ِ ِلص ِ ل َّ الد ْفتَــ َر
َّ شــكر املســتعير لل ُمعيــر ..وغيرهــا مــن األبــواب أَ ِع ِــر
الشــيقة.
ِ ْ
ا ل َوثيــقِ بِال َّر ْهــنِ
وقــد حبــذ العلمــاء إعــارة الكتــب ودعــوا إلــى
ِيحــا ً ب َ
ق ــسْ َ يَ ل ه
ُ ــنَّ إ
ِ بذلهــا للمســتفيدين حتــى يتمكنــوا مــن االطــاع
صدِ يــقِ َ أَخْ ــ ُذ َر ْه ٍــن مِ ــ ْن واالســتزادة يف العلــم ،وكان القاضــي وكيــع يقــول:
"أول بركــة العلــم إعــارة الكتــب" .وقــال ابــن شــهاب
فهنــا يطلــب الشــاعر املُعيــر أن يقبــض رهنًــا (ت124 .هـــ) ليوســف بــن زيــد ،إيــاك وغلــول
الكتــب ،قــال" :ومــا غلــول الكتــب ..قــال حبســها" .وهــو يعلــم بأنــه أمــر قبيــح وال يقبلــه املجتمــع مــن
و روي أ ّنَــه أتــى أبــا العتاهيــة أحــد إخوانــه ،فقــال صديــق ،ولكنــه يــرى يف ذلــك الضمــان الوحيــد
ُ
أعر نــي دفتــر كــذا وكــذا ،فقــال أبــو العتاهيــة :إلعــادة الكتــاب.
لــهْ ِ :
وياقــوت احلمــوي (676هـــ) الــذي أنفــق مــن ـت أ َّنإ ِ ّنــي أكــر هُ ذاك ،فقــال لــه املســتعير :أ َمــا َع ِل ْمـ َ
املــكار َم موصولــ ٌة باملــكاره؟! فدفــع إليــه ال َّد فتــر .عمــره ثــاث أعــوام يف مدينــة "مــرو" ،يذكــر أنــه
ســر كل الســرور يف اإلقامــة بتلــك البلــدة ملــا يف آداب إعــارة الكتب:
أهلهــا مــن الرغــد ولــن اجلانــب ،وحســن العشــرة،
كتــب بواســطة -د .أ شــرف صالــح محمــد
رأت جماعــ ٌة مــن أصحــاب الكتــب احلــ َّل يف وكثــرة كتــب األصــول املتقنــة بهــا .ويضيــف ياقــوت:
إســداء النُّصــح إلــى املســتعيرين علَّــه يَر ّ ُد هــم إلــى "ولــوال ورود التتــار إلــى تلــك البــاد وخرابهــا ملــا ashraf-salih@hotmail.com
اجلــا َّد ة فينالــوا بُغيتَهــم ويحفظــوا حقــوق املُعِ يريــن ،فارقتهــا إلــى املمــات ملــا فيهــا مــن خزائــن الوقــف،
فأنشــد احلســ ُن بــ ُن علــي لبعــض أصحابــه: أحــب املســلمون العلــم وكرمــوا أهلــه ،وبذلــوا يف ســبيله أموالهــم وراحتهــم ،ورحلــوا مــن أجلــه الرحــات
وكانــت الكتــب ســهلة التنــاول ال يفــارق منزلــي
ً
ونســخا الطويلــة ،وبلغــوا بــه أعلــى املراتــب .وقــد اهتــم املســلمون بالكتــاب اهتما ًمــا عظي ًمــا؛ تألي ًفــا
منهــا مائتــا مجلــد وأكثــره بغيــر رهــن تكــون قيمتهــا
أ ّيُهــا املســتعي ُر مِ ِ ّ
ـــني كـتابـًــا وحفاظــا ،فكتــب التــراث حافلــة بقصــص ونــوادر وحكايــات عــن شــغف املســلمني وحبهــم للكتــب ً وجتليــ ًد ا
مائتــي دينــار".
ض لي منه ما لنفســك ترضى ِا ْر َ وبــذل كل مــا ميلكــون يف ســبيل احلصــول عليهــا ،وركــوب الصعــب يف الوصــول إليهــا .وبنــا ًء علــى هــذا
والســمات احلميــدة املطلوبــة يف الرجــل أن الشــغف عــرف املســلمون مســلك حضــاري جميــل وتعاملــوا معــه أال وهــو "إعــارة الكتــب" ،وال نعنــي هنــا
ال تــرى ر َّد مــا أَ َع ْر تُـــك نفْــ ً
ا
متســامحا يف إعــارة ُكتبــه لطــاب العلــم، ً يكــون اإلعــارة مــن املكتبــات ودور العلــم ،أو مــن الكتــب الوقــف ،إمنــا نقصــد إعــارة الكتــب مــن غيــر الــدور
وتــرى ر َّد مــا اســتع ْرتُك فرضـــا حتــى أنهــم أشــاروا إلــى ذلــك عنــد ترجمتهــم املتخصصــة يف هــذا املجــال مثــل املكتبــات اخلاصــة ،ودكاكــن الوراقــن.
57 مجلة قوارئ | العدد السادس مجلة قوارئ | العدد السادس 56
المزهدون
وجتــدر اإلشــارة أخيــ ًر ا إلــى أن البعــض رأى
مــن أبــرز النصائــح التــي حــرص الكثيــرون علــى
عــدم استســاغة اســتعارة الكتــب مــع التمكــن مــن
التنبيــه إليهــا ويف بــاب شــكر املســتعير لل ُمعيــر
شــرائها أو اســتئجارها ،وهنــاك فريــق مــن العلمــاء
جنــد أن بعــض شــيوخ الســلف قالــوا:
بخلــوا بإعــارة كتبهــم ملكانتهــا عندهــم ،وخلوفهــم
في القراءة!
ــك َّ
اللُ
مــن فقدهــا وضياعهــا أو تلفهــا .قــال مســاف ُر اب ـ ُن ــك أَ ْ
صل َ َح َ َقــ ْد َر َد ْدنَــا ِإ لَيْ َ
مح َّمــد البَلْخــي:
اســتَ َع ْرنَاهُ مِ نْــ َكا
الشــ ْك ِر َمــا ْ
َمــ َع ّ ُ
ــل مالــي ال أُبالــي ِج ِ ّ
أجــو ُد ب ُ
صبْــ ًر ا َــاك أَ ْح َســ َن النَ ِ
ّــاس َ َو َر أَيْن َ
الكتــاب
ِ وأبخــ ُل عنــد مســألةِ
بارتباطاتهــا ومشــاغلها علــى املــرء فتختفــي القــراءة ُكتب بواسطة -عبداهلل بن عمر @a_3mr اح ِت َمــاال ِلَــا َح َب ْســنَاهُ َعنْــ َكا َو ْ
مــن جدولــه اليومــي ،أو تتغيــر البيئــة التــي كانــت أفنيــت فيـــه
ُ وذلــك أ ّنَنــي
ويف احلقيقــة؛ إن هــذه الضوابــط يف اإلعــارة
حتفــزه علــى املطالعــة فيتخلــى عــن إلــف الكتــاب
ــباب الش َِّ عـــزي َز ال ُعمــر أ ّيَــا َم أو مبعنــى أصــح إجراءاتهــا إذا دلــت علــى شــيء،
مــن مفارقــات عاملنــا املثيــرة للدهشــة :أن تــرى ومخادنــة األســفار ..أو يجــد يف وســائل أخــرى
فإمنــا تــدل علــى مــدى الرقــي احلضــاري يف ذلــك
قو ًمــا مــن املثقفــن ،يحقــر أحدكــم قراءتــه إلــى أبوا ًبــا للمعرفــة أنســب لــه مــن القــراءة ،أو تعــاف وقــد ذكــرت املصــادر أن القاضــي الطــارف
الزمــان.
قراءتهــم ،وثقافتــه إلــى ثقافتهــم ،وتفكيــره إلــى نفســه رائحــة الكتــب ،فيتركهــا. (قاضــي اجلامعــة يف األندلــس) ال يُعيــر كتا ًبــا
تفكيرهم،فهــم قــو ٌم قــد أخــذوا مــن الكتــب بحــظ مــن كتبــه البتــة ،وإذا ســأله أحــد ذلــك وألــح فوائد اإلعارة:
لكــن غيــر الطبيعــي هــو أن يناصــب املــرء الكتــب
وافــر ،ونهلــوا مــن منابــع املعرفــة حتــى تضلعوا،ثــم عليــه ،أعطــاه للناســخ فنســخه ،وقابلــه ودفــع إلــى
العــداء بعدمــا تخلــى عــن عاملهــا ،وأن يزعــم أنهــا مــن الطرائــف أن القاضــي أبــا الوليــد الكنانــي،
بــدا لهــم مؤخــ ًرا أن هــذه القــراءة جهــد مهــدور، املســتعير .وأنشــد األمي ـ ُر ســعد منصــور بــن مح َّمــد
غيــر مجديــة وال نافعــة؛ كأنــه لــم ينبــت حلــم أكتافــه إذا أعــار كتا ًبــا ألحــد إمنــا يتركــه عنــده بعــدد
يزهــدون
وعمــل غيــر صالــح وال مبــرور ،وأخــذوا ّ ــي ،يقــول:اط َ ال َع ِ
مــن خيرهــا ،ولــم يتــذوق لذتهــا ،ولــم يجدهــا ذات يوم ورقاتــه أيا ًمــا ثــم ال يســامحه بعــد ذلــك ،ويقــول
النــاس يف القــراءة قــدر مــا يســتطيعون ،وينظــرون
شــي ًئا يســتحق أن يصــرف فيــه املــال ،وينصــب ألجلــه صــاح
ِ هــذه الغايــة إن كنــت أخذتــه للــدرس والقــراءة فلــن ال ت َْســتَعِ ْر شــيئني مِ ِنّــي
إليهــا باســتخفاف ،حيــث يقــول قائلهــم :ال تقــرؤوا،
البــدن ،ويطيــب معــه الســمر والســهر ،ولــم تفتــح لــه يغلــب أحــد حفــظ ورقــة كل يــوم ،وإن أردتــه للنســخ
وال تعلقــوا اآلمــال العــراض علــى القــراءة؛ فقــد بنجــاح
ِ وســوا ُهما فاطلُــب تَفُــ ْز ِ
القــراءة آفا ًقــا أرحــب ،يف تفكيــره ومنطقــه ،وقلبــه فكذلــك ،وإن لــم يكــن هــذا وال هــذا فأنــا أحــوط
قرأنــا قبلكــم ،ووصلنــا إلــى نهايــة الســكة فوجدناهــا
وروحــه ،وعالقاتــه وعاطفتــه ،ووضعــه االجتماعــي، الكتــاب فإ ّنَــه لــي ُم ٌ
ؤنــس ُ بكتابــي وأولــى برفعــه منــك .ويكشــف هــذا املوقــف أ َّمــا
توصــل إلــى مفــازة ال جــدوى مــن الســير نحوهــا!
ورمبــا رصيــده البنكــي! علــى أمــر مهــم ،وهــو الســماح بنســخ الكتــب عنــد
ــوب ف ْهــ َو َجناحــي وإعــار ةُ املر ُك ِ
أعــرف مــن هــؤالء بضعــة نفــر ،عقولهــم غيــر إعارتهــا ،حيــث يُســمح للمســتعير أن ينســخ نســخة
ال حــرج علــى املــرء أن يقــرأ أو ال يقــرأ ،أو أن
عاديــة ،ونتاجهــم جميــل ،وأســلوبهم أدبــي رشــيق، مــن الكتــاب الــذي اســتعاره ،وهــذا غايــة الكــرم
يعــود أم ُّيــا مــن جديــد إن أراد ،لكــن ال يحســن
وكلهــم قــراء -ســاب ًقا -علــى احلقيقــة ال املجــاز، يف بــذل العلــم ودون مطالبــة املؤلفــن بــأي حقــوق
باإلنســان أن يجحــد فضــل القــراءة عليــه حــن
وكلهــم ميتلــك مكتبــة عامــرة أنفــق فيهــا العزيــز تأليــف .فقــد اقتضــت ظــروف العصــر املتمثلــة يف
يســوء مــا بينــه وبينهــا؛ فاملــروءة تنكــر ذلــك ..كمــا
مــن املــال ،وســافر يف تكوينهــا إلــى معــارض الكتــب، ضعــف الوســائل املتاحــة لنشــر الكتــب علــى نطــاق
أنــه ال يحســن باملــرء أن يجعــل القــراءة شــيئا تاف ًهــا
ّ
وينظــر ،ويحلــل! وبعضهــم يؤلــف ،ويــدرب، واســع أن يتهافــت طلبــة العلــم علــى الكتــب النفيســة
يف عيــون اآلخريــن؛ فلآلخريــن حقهــم يف أن تكــون
والنــادرة ،رغبــة يف استنســاخها ،ومــن الطريــف أن
ومــن احملتمــل واملفهــوم للغايــة أن يأتــي إنــكار لهــم جتربتهــم املختلفــة ،وهــم يف غالــب األحيــان
أبــا عبــد اهلل بــن أبــي الفتــح الصــواف عبــر عــن
جــدوى القــراءة مــن لــم يقــرأ قــط؛ فاملــرء عــدو مــا ســيصلون إلــى نتيجــة مختلفــة عمــا وصــل إليــه
جهــل.. هــذا االجتــاه يف بيتــن مــن الشــعر قــال فيهمــا:
القــراء الســابقون ..املزهــدون يف القــراءة.
ومــن الطبيعــي للغايــة ً
أيضــا ..أن تضغــط احليــاة يَــا ُم ْســتَعِ ي َر كِ تَابِــي ِإ ّنَــ ُه َعلِــ ٌق
59 مجلة قوارئ | العدد السادس مجلة قوارئ | العدد السادس 58
وصايا
قارئ عتيق
ُكتب بواسطة -أحمد عبداهلل الغزي @ahmed_alghizzi
أوراق
ٍ احــذر أن تُعامـ َل الكتــب فيهــا كـــ ( مجموعــةِ ـلم القــراءة ،وتــزو ُل رهبــة البدايــات ،وتضـ ُع األولــى يف ُسـ ِ يف أم فيهــا؟! ـب َّـداف والقواقــع مــن العيـ ُ العاجزيــن واملكتفــن بتجميــع األصـ ِ
ـاب وديع ـ ٌة مــنـت ) ،الكتـ ُ ـت مــع بعضهــا ثــم ُغلِفـ ْ ُجمِ عـ ْ قد ًمــا ثابت ـ ًة يف هــذا الطريــق ،عندهــا ،وعندهــا فقــط امليــاه الضحلــة.
احلــ ُق أنــه ال هــذا وال ذاكُ .ك ُّل مــا يف األمــر أن
كاتبــهِ قــد وضعهــا عنــدك ،والودائــ ُع حقيــ ٌق بهــا أن جتــاوز بنفســك لقــراء ِة مــا ال تهــوى ،ومــا ال تشــتهي مــن
األدب كينونــة ،والكلمـ ُة جســد ،واملعنــى روح ،والتــواز ُن البدايــات عســيرةٌ دو ًمــا ،وك ُّل ٍ
أمــر يف أولــهِ شــاقٌ، ُ
ـض مــن مؤلفــه ،من أفكاره ،ومشــاعره، ُتفــظ .وهــو بعـ ٌ ـات واألفــكار ،عط ًفــا علــى أن القــراءة ليســت املوضوعـ ِ
َ
قــدر املشــقة يكــون الظفــر، ِ ُ
مطلــب ،فالكلمـة اجلميلــة اخلاليـة مــن املعنــى هي جسـ ٌد يلز ُمــك الصبــر ،فعلــى ُ
وجتاربــه ،وخبراتــه .وك ُّل هــذا ال يليـ ُق بــهِ إال أن يُصــان للمتعــةِ بالدرجــةِ األولــى ،بــل الفائــدةُ أولــى ،وأصــ ُل ٌ
ألفاظ واالنتصــارات الكبــرى ال تتأتــى إال بالكــ ِّد والتحمــل. جميــل ال حيــاةَ فيــه .واملعنى العميق الــذي ال تُبرزهُ
يف أكثــر زوايــا بيتــك ُقدســي ًة ،وأكث ُرهــا قيمــة. ـومالفائــد ِة يأتــي مــن قــراء ِة مــا جتنبت ـ ُه ســاب ًقا مــن علـ ٍ هــذا يف البدايــةِ فقــط ،ثــم ُســرعان مــا يتغيــر احلــال جميلــة ،هــو رو ٌح راقيــة يف هيئـ ٍـة قبيحة!
ومعــارف ،أو مــا لــم تتطــرق لــه بالكليــة .وحــن توط ـ ُن
لكــن تذكــر دائ ًمــا أن العبــرةَ هنــا بالكيــف ال بالكــم، حــن تبــدأ ُ يف " تعلــم " القــراءة ،فهــي " مهــارةٌ " قبــل أن
نفســك علــى القــراء ِة يف املجــال الــذي ال تهــواه ،وحــن انتــقِ مــن تقــرأ لــ ُه بدقــة ،واحــذر مــن الكتّــاب
ـاس مبــا فيهــا ال بحجمهــا أو بعددهــا ( إال ـب تُقـ ُ
فالكتـ ُ ـب احترامهــا كــي املُستَنســخني ،هــؤالء املتشــابهني أســلوبا ،وتوجهــا ،تكــو َن هوايــة ،ولهــا قواعـ ُد وآداب يجـ ُ
تُفـ ّر ُق بــن القــراء ِة ( كوســيلة ) وبــن مــا يُقــرأ ( كهــدف)، ً ً
يف عــن مــن اقتناهــا تفاخُ ـ ًرا ،أو ليلتقــط صــو ًرا معهــا، تصــل بهــا ومعهــا إلــى وفــاق.
وحــن تســتمت ُع بالوســيلة لذاتهــا حتــى ولــو ارتبطــت وأفــكا ًرا .ابتعــد عنهــم ،ثــم ابحــث عــن الكاتــب املتفــرد
فالعــد ُد مهـ ٌم ُهنــا)
بهــدف ال يــرو ُق لــك كثيــ ًرا؛ فمبــروك ،لقــد أصبحــت ٍ وهــي كالســباحة ،كلمــا تعلمهــا املــرءُ يف سـ ٍـن أصغــر بنفســه ،املتميــز بأســلوبه ،املختلــف عــن غيــره ،ذاك
األفــكار
ِ نفــس
َ كتــاب حتمــ ُل
ٍ لــذا ال تقتنــي مائــة قار ًئــا محتر ًفــا. أفــاك مــن األلفــاظ لــم تعهدهــا ،كانــت عليــهِ أســهل ،وباتــت مالزم ـ ًة ل ـ ُه طــوال حياتــه، ٍ الــذي يُدخلُــك يف
واملوضوعــات ،ثــم تقــو ُل يف نفســك:
ِ تــك تعيهــا أو وكلمــا طالــت مالزمتـ ُه لهــا انتقلــت إلــى مسـ ً
ـتوى أعلــى لــك دياجيــ َر املعانــي التــي لــم ُ وينيــ ُر َ
-أين نقرأ ؟
ميارســها املــرء تلقائ ًيــا ،ويف أيُ بحاجــة أن تقــرأَ لعشــرةٍ فأصبحــت " عــادة " ٍ أنــت لســتَ ــدرك كنههــا. تُ ُ
لــي مكتب ـ ٌة غنيــة! ..بــل هــي فقيــرة ،ضئيلــة ،ولــو
ِ
املــوت يف منفــاه، َ
أوشــك " ُجبــران " علــى -حــن ـب ) مثـ ًـا بــذات الطريقــة ،مــكان ،وعلــى أيــة كيفيــة ،وبــدونِ قيــود أو شــروط ،وبــا منهــم يتحدثــون عــن ( ا ُ
حلـ ِّ
كانــت أرففهاتنــوءُ مبــا عليهــا مــن كتــب .وتذكــر أن
أوصــى مــن حولــ ُه أن يدفنــوه يف مكتبتــهِ ملــل وال ســأم ،بــل يشــع ُر عنــد عــدم ممارســتها كأن ٍ ـك منهــم وبنفــس األســلوب ،ومــن الزاويــة عينهــا .يكفيـ َ
أكثــرت منــ ُه
َ الطعــا َم الواحــ َد ال يُغــذي جســمك ولــو
منزعجــا كالــذي
ً ناقصــا ،ويصبــح ُمرتا ًبــا
ً ـك أن احلــب والكراهية هنــاك أم ـ ًرا واحـ ُد ،ثــم ابحــث عــن آخـ َر يُنبئُـ َ
ـاس طويـ ًـا وجلــأ حتــى َســمِ ْ
نت! بلبنــان .مكتبت ـ ُه التــي اعتــز َل النـ َ
ـي شــي ًئا خلف ـ ُه لكن ـ ُه ال يعــرف مــا هــو. َ
إلقناعــك بــأن نسـ َ وثالــث يتــو ُق
ٍ لعملــة واحــدة،ٍ وجهــانِ
إليهــا .ليقــرأ ويكتُــب ،ويتأمــل ،وليخلــو بنفســهِ
القــراءةُ غــذاءٌ للعقــل ،ف ّنــوع طعــام عقلـ َ
ـك لتُغذيــه، ـزك ب ُعنـ ٍـف لتسـ َ
ـتيقظ احلــب مفتــا ٌح للرذيلــة ،ورابـ ٍـع ي ُهـ َ
عندمــا تصــ ُل إلــى أن تعتــا َد القــراءةَ فأنــت مــن
ضجيــج البشــر .وقــد كان ،ولتُنميــه ،ولتتفتــح مداركــهُ ،وليكــو َن بصحــة جيــدة، ِ وعقلــهِ بعيــ ًدا عــن احلــب مضيعــ ٌة للوقــت ليــس إال! َ ــدرك أن وتُ َ
ـواب املعرفةِ قد أُشــرعت أمامــك ،وما احملظوظــن ،فــك ُل أبـ ِ
وكمــا ُتــب. فوضــ َع جســدهُ بــن ُكنبــه ،لتصبــح بعدهــا تلــك ِ
ـب مــن كنوزهــا حتــى متتلــئ جيــوب عقلــك. الطعــام الواحــد ،عليــك إال أن تعـ َّ ِ أعجــب ممــن يســأمون مــن ُ
ـاك و( ثقافــة القطيــع ) عامـ ًة ويف األدب خاصة، وإيـ َ ( املكتبــة الصومعــة ) مــن أهــم مــزارات لبنــان ميلــون مــن واللبــاس الواحــد ،وال ّ ِ والشــراب الواحــد،
ِ
القــراءةُ قــد يبدأهــا فيــك " الفضــول " أو " التقليــد
فأنــت حــن تقتنــي كتا ًبــا ألن جميــ َع مــن حولــك قــد الســياحية - واألفــكار واملعانــي الواحــدة! ِ واألســاليب
ِ ِ
العبــارات
أوجــ َد ْت يف
" ،لكــن ال يهــم ،املهــم أن بذرتهــا قــد ِ
بدافــع مــن
ٍ اقتنيــت كتا ًبــا
َ اقتنــوه فتلــك مصيبــة .وإن مكتبتُ َ
ــك هــي ُمســتق ُر َك ومســتودعك ،وهــي أيضــا متــ ُّل وتســأم ،وترنــو للجديــد أعطافــك ،يبقــى عليــك أن تنميهــا ،حتــى تصــل بهــا للعقــلِ ذائقــ ٌة ً
ُشــهر ِة كاتبــه وعــدد متابعيــه يف مواقــع التواصــل فتلــك
صومعتُــك .قــد أقمتهــا بنفســك ،وبنيتهــا مبالــك، ً
وفرضــا ال ـاف قــد أن تصبــح جــز ًءا ال يتجــزأ ُ مــن شــخصيتك، املختلــف ،ولــو كان أقـ َل جــودةٍ أحيا ًنــا ،فاالختـ ُ
ـن مغمضــة ،وبــدون أن ـت كتا ًبــا بأعـ ُ ٍ
كارثــة .وإن اقتنيـ َ
جمعــت فيهــا عقــول صفــوة َ وصنعتهــا علــى عينــك. يُهم ـ ُل مــن فــروض يومــك. يصن ـ ُع لذتــه ،ويُضفــي عليــهِ نكه ـ ًة مميــزة.
ـب صفحاتــه واالطــاع ـف نفســك عنــا َء فتحــهِ وتقليـ َ تُ ّكلـ َ
البشــر ،وبعــض مشــاعرهم وصففتهــا جن ًبــا إلــى جنـ ٍـب
علــى محتــواه فهــذ ِه مأســاة! واحــرص عنــد البــدء أن ال تظلـ َم نفســك بقــراء ِة مــا -كيف نقرأ؟
ٍ
رفــوف متســاوية. علــى
ـف حلملـ َ
ـك ال تفهــم ،أو مــا ال ُتــب ،فأنــت هكــذا تُضيـ ُ
ســر بعي ـ ًدا عــن هــذا القطيــع ،واســبح عكــس التيــار مشــكلة القــراءة أنهــا بذاتها عص ّيــة ،جامح ٌة كاملُهرة
املكتبــة واحـ ُة نخيلُهــا الكتــب .املكتبـ ُة كــو ٌن ،والكتــب ـك يف ـب األمــر عليــك أكثــر ،فعظ ُمـ َ ا آخــر ،وت ُّصعـ َ حم ـ ً
ـودك للمنحــدر ،وكــن أنــت وال تكــن صــور ًة ُ الــذي قــد يقـ َ ـت عليهــا جت ُدهــا قــد
التــي لــم تُعســف بعــد ،كلمــا أقبلـ َ
ـاك وكواكــب.أفـ ٌ ـتد بعــد .وبالعــودة القــراء ِة ال زال طر ًيــا ،وعــو ُد َك لــم يشـ َّ
ـاس وطريقــةِ
ـئت يف اللبـ ِلغيــرك .وإن شــئت؛ فقّلــد مــن شـ َ فــرت منــك ،وكلمــا بــدأت فيهــا جتـ ُد نفسـ َ
ـك قــد مللــت،
لتشــبيه القــراءة بالســباحةِ الــذي ذكرنــاهُ ســاب ًقا نقــو ُل:
ـب املشــي والــكالم وغيرهــم ،لكــن احــذر أن تُقّل ـ َد أح ـ ًدا يف ـب طــوب .املكتبـ ُة ُك ٌّل ،والكتـ ُاملكتبـ ُة صــر ُح والكتـ ُ أو لــم جتــد تلــك املتعــة التــي يتغنــى بها اجلميــع عندك.
بــأن تعليــم الســباحةِ ال يكــو ُن بإلقــاءِ املتعلـ ِـم يف البحـ ِـر
ـك نُســخ ًة ُمشــوه ًة عــن عقلــه.قراءاتــك ،كــي ال يكــون عقلُـ َ أجــزاء.
ـدرب قبـ ًـا يف امليــا ِه التــي ال تُغــرق ،وحــن فجــأ ًة ،بــل يُـ ُ هــل يبالغــون؟ ..وهــل القــراءةُ ممتعــ ٌة ح ًقــا؟ ..
والكتب زخرف.
ُ املكتب ُة جن ٌة ،أنت ساكنُها الوحيد، ويعــرف كيــف ُ تقــوى ســاعداه ،وتــزدا ُد ثقتــ ُه بنفســه، وأيــن هــذه املتعــة ال أج ُدهــا؟
ـاف البحر. يُالعــب املــاء ويســايره ،يتعمـ ُق روي ًدا يف أعطـ ِ
راعها وتعهدها، عامــل مكتبتــك وكأنها أحد أبنائــكِ ، هــل أتخـ ُذ القــراءةَ " واج ًبــا " يوم ًيــا ،أم أجلـأُ إليهــا
وتــب، ـوط أن تبــدأ بالقــراء ِة مبــا تهــوى ُ لــذا فمــن األحـ ِ
وال تبخــل عليهــا .واجعلهــا تنمــو أمــام ناظريــك ،تكب ـ ُر ك ُمتنفــس مــن أعبــاءِ احليــاة؟
وتكبـ ُر فرحتُــك بهــا ،تنمــو وتنمــو آمالُـ َ
ـك فيهــا. لكــي يكــون التشــويق واإلثــارة دافعــن إضافيــن يذهبــانِ
ـك ُقد ًمــا .وملّــا جتتــاز هــذه اخلطــوة ،وتصعـ ُد الدرجــة بـ َ تنفســا ،فل ـ َم ال أج ُدهــا كذلــك؟ ..هــل
وإن كانــت ُم ً
63 مجلة قوارئ | العدد السادس مجلة قوارئ | العدد السادس 62
إنهم أصحابي
فأروني ماذا فعل
بكم صحبكم
وكأنــي أود لــو أكــون العاشــق الوحيــد والــو ّ
يف لهــا. ُكتــب بوا ســطة -ســمية علــي _@_B221
خُ ــذ مــا شاكســت بــه املمثلــة العظيمــة "ليــف ملتكبــر علــى أحزانــه مثلــي أن ينكــب ٍ كيــف
أوملــان" يف أحــد مذكراتهــا تقــول" :لطاملــا اعتبــرت علــى وجهــه يف َخلــوة ليــاء؟! خُ ــذ بأصابــع الضــوء
الكتــب كائنــات ح ّيــة بعــد أن صادفــت مؤلفــن النحيلــة منــي وه ّيــا لنغيــر صيغــة التســاؤل ،ملــا هــو
ً
قليــا ،فبينمــا أمــ ّر بفتــرة بارعــن غيــروا حياتــي أهــل لــه :مــن أنــا لــوال الكتــب؟
ارتبــاك مــا أبحــث عــن شــيء ال أســتطيع حتديــده،
نعــم ،أنــا وبكامــل تلــك العنجهيــة أصيــح مثــل
إذا بكتــاب معــن يظهــر ويتقــدم منــي كمــا يفعــل
أطــوا ًرا وكأنهــا ألبســتني متائــم تعيذنــي مــن أن كيــف لــي أن أشــرح جمــال الكتــب ملــن ال يعرفهــا، فتــى مخبــول مســر ًفا يف نحيبــي بأننــي ال شــيء
الصديــق ،يحمــل بــن دفتيــه األســئلة واألجوبــة
أرتفــع بحــب غيرهــا حيــث أن كل حــب ســواها رهــن كنــت أشــعر بضيــق ميتطينــي ويثقــل علــي وكأننــي يُذكــر لــوال صفحــات يفــوح منهــا عبيــر العبــرات،
التــي أبحــث عنهــا".
أدبــي يف هــذه مســؤولة عــن هــذا األمــر وواجــب الســقوط. وحلــو األفــكار ،ناهيــك عــن تلكــم األصــوات التــي
ّ
تعــج كثيــ ًر ا بأشــياء أخــذت قيمتهــا احليــاة التــي إننــا نحــن معشــر املُت ّيمــن ،نقاتــل ألجلهــا تندمــج مــع قلبــي دقــة إثــر د ّقــة ،وأنــا أقلــب بــن
ّ كانــت أولــى رحالتــي مــع الكتــب يف الصــف الفكــرة والفــن ،وهــذا اجلمــال املســدول بــن قتـ ً
ـال علــى احل ّبــة والنســمة والــذ ّر ة والهبــوة ،وهــي
أكثــر ممــا يُســتحق وتركــت هــذا النــور.
اخلامــس كنــت حينهــا قــد اســتعرت مــن املكتبــة صفيحــات و ُدول مــن الكراكيــب القيمــة جــ ًد ا ،تفتــدي بنفســها دومنــا أن تســأل. ُ
أنــا ال أعلــم ماه ّيــة املشــاعر التــي جتتاحــك املدرســية كتا ًبــا مــن النــوع القصصــي ،لــم أكــن واملُلهمــة جــ ًد ا والقاســية نــاد ًرا.
أشــعر بالقــراءة مقابــل شــعوري وكأنــه يتحــدث وأنــت تقــرأ هــذه املقالــة ،أهــي حماســة تطيــر بــك مــا أحناهــا بقلبــي وقلبــك! أمــا عزمــت أن تعقــد
ً
مفتشــا إن كنــت رحــت تركــض إلــي ،ذلــك اللقــاء األول ،جرنــي يف بحــر املعانــي ألقــرب مكتبــة؟ أو أعنــي بتلــك القســوة التــي تأخــذ منــي ثأرهــا نكاحهــا؟ وتتوســد صفحاتهــا وتنهــال علــى خيراتهــا
َ ّ
وأصبحــت تطربنــي الكلمــات وأحلــو بتــذوق متلــك شــي ًئا مــن هــذا الكنــز؟ وإن كنــت قــد عزمــت وهــي مصفوفــة أرقبهــا وأمنّــي نفســي بــأن ال وتُصافــح محاســنها ؟! أمــا اســتفهمت اســتنجاد
العبــارات علــى الرغــم أنــه لــم يكــن مســتواي علــى ذلــك ح ًقــا فأنــا راجيــ ًة منــك رجــوى صغيــرة أغــادر هــذه احليــاة وقلبــي لــم يستشــفها بعــد الشــعراء بهــا وانســاخ أبــي الطيــب مــن نرجســيته
الدراســي يف األدب والنصــوص ج ّيــدا ،حيــث كنــت يــا صديقــي: وتلــك التــي عهــدت أن أقرأهــا مــرا ًرا منهــول وهــو يحنــو ويهتــف ويهمــس" :وخيــر جليــس يف
أجــد صعوبــة يف احلصــول علــى العالمــة الكاملــة، جمالهــا ولــم أ ُعاودهــا ،تلــك القســوة التــي لطاملــا الزمــان كتــاب"!!
«حــذار مــن أن ترغــم نفســك علــى قــراءة مــا تُشــعرني بحــزن ُمتــرف يجعلنــي أنــام وأنــا أضــم
رمبــا كان الســبب أن الوقــت يذهــب وأنــا أســائل ذلــك العشــق املفــرط مــا كان حقبــة زمنيــة
ال تُطيــق وحتــب ومتيــل ،فمــا تقــرأه يشــعر مبــا كتابــي اجلديــد وعينــاي قــد انغلقــت علــى األخــرى
نفســي يف فهــم النصــوص أكثــر مــن حفظهــا ،فــكان ُســلطت عليهــا أضــواء اإلعــام أو تشــعبطت عليهــا
تُرســله إليــه وســيُقابلك بالنفــور وستشــعر حينهــا وهــي تعاتبنــي مبــا عهدتهــا.
يهمنــي جــ ًد ا الوصــول لشــعور الكاتــب حاملــا كتــب أقــام الصحافــة ،بــل إنــه ترابــط أزلــي وكل قلــب
أن القــراءة مملــة ،اختــر مــن الكتــب مــا جتــد بــأن
هــذا النــص ومــا هــو نــوع احلــزن الــذي اعتصــره إنهــم أصحابــي وشــأني بهــم شــأن ذلــك الســامع قــد عــاش معهــا ســيعلم متا ًمــا مقصــودي مــن تلــك
الكثيــر مــن داخلهــا يلتقــي بالكثيــر مــن داخلــك،
أكثــر مــن أننــي أحفــظ ملجــرد اإلجابــة علــى: الطــروب التــي تطربــه نغماتهــم وتســحره أخــرى ،آه القداســة.
فاألمــر جتــا ُذ ب والتفــاف وشــغف أكثــر مــن كونــه
(أكملــي القصيــدة .).. مــا أعــذب رائحتهــا! ومــا أل ـ ّذ طعمهــا! وال أ ُخفيكــم
قــراءة فحســب». ال أنســى أبــ ًد ا لقائــي األول بهــا حيــث عقــدت
ً
غــزل بهــا غبطتــي وغيرتــي حــال اندثــار الكتّــاب
كان أكثــر مــا يواجهنــي ويســتصعب علــي هــو العــزم متا ًمــا علــى أال أنفــك عنهــا وإن عزفــت
65 مجلة قوارئ | العدد السادس مجلة قوارئ | العدد السادس 64
من حيث
ال أدري ..افترقنا
حتــب األلــوان الصارخــة ،ويبــدو أن هــذا الوصــف ُكتب بواسطة -ندى عصام احلميدان
يكفــي ،فبرغــم مــا هــي عليــه إال أ ّنــي أحببتهــا.
@Nadalhumaidan
حسنًاُ ..قبِض علي باجلرم املشهود:
نها ٌر بارد ،رغم الشمس الدافئة.
-مــا الــذي تفعلــه؟ أليســت هــذه الزاويــة ضمــن
مستلق على األرض يف ُشرفتنا املتواضعة،
ٍ
اخلطــوط احلمــراء يف هــذا املنــزل!
تــار ًة أتأمــل غيــوم الســماءِ ..وأخــرى أتأملهــا
-نعم أعلم- ،يهمس-إضاف ًة للمطبخ.
وهــي جالســ ٌة علــى مكتبهــا تتصفــح مجلــ ًة مــا.
-ما الذي قلته؟
ـت عرشــها إلعــداد الغــداء ،تســاورني فكــرةٌ
تركـ ْ
-آه ال شــيء ،فقــط .أتســاءل :لــ َم يكمــن هــذا ما!
املــكان ضمــن خطوطــك احلمــراء؟
بــو ّدي لــو أعلــم مــاذا تتصفــح طيلـ َة هــذه األيــام،
-مــاذا!! ألــن حتتــرم خصوصيتــي يف هــذا زادت هــذه العــادة يف األيــام األخيــرة.
املنــزل! نعــم صحيــح ..نتشــارك يف حياتنــا ولكــن
أأست ُرق النظر؟ ً
قليل ،لن يضر!
ليــس لهــذه الدرجــة!
أجلــس علــى املكتــب ،أشــعر بهيبَــة املــكان..
ِ
عليــك! مــا الــذي يدعــو لــكل هــذا -ه ّونــي
أبتســم .
ا لغضــب ؟
ِ
املجالت واألوراق.. تصفحت سري ًعا بعض
ُ
ـأن أمـ ًرا مــا لفــت انتباهــك
-أنــت تعلــم ..يبــدو بـ ّ
هنــا. ال ُملفت فيها سوى أنها أدب ّية!
منك؟ با ِ
هلل عليك أمتزحني؟ األدبي ِ
ّ -اجلانب جانب لم أعرفه عنها مطل ًقا ،تفاجأت!
ٌ وهذا
-أي مــزاح؟ املوضــوع جــدي .لــم كل هــذا ّ كنــت أعتقــد بــأن الفتيــات ممــن لديهــن ميــ ٌل
ـأدب يؤثــر ذلــك تلقائ ًيــا علــى روتينهــن يف احليــاة ،االســتغراب!
لـ ِ
تفكيرهــن ،ذوقهــن يف ارتــداء املالبــس.
-لــم أعلــم بأنـ ِـك متيلــن لهــذا اجلانــب ،أخْ فيتــهِ
لذلك كانت هي بعيدةٌ متا ًما عن هذا التصور! جيـ ًدا..
لست أنا املالم هنا!
ُ باإلضافة أنه لديهــا أســلوبها اخلــاص يف احليــاة ،مزعجــة
67 مجلة قوارئ | العدد السادس مجلة قوارئ | العدد السادس 66
تكــن لتحمــل مشــاعر احلــب جتاهــي ،لتُك ِللَهــا بالــزواج، -من إ ًذا! أنا؟ ألنني أخفيته!
لــم عندمــا وصــل األمــر عنــد األدب .قــررت الفصــل
-رمبــا ،أنـ ِـت تعلمــن أننــي مهتــم يف هــذا املجــال..
بينــي وبينــه؟ ســؤال يســتحق اإلجابــة ،صحيــح؟
فلــم أخفيتــه؟
طلبــت اإلذن للخــروج مــن املنــزل ،وتُركــت أنــا
-إخفــاؤه ليــس باألمــر اجللــل ،معتقداتــك هــي
يف إثــر هجومهــا غيــر املتوقــع.لوحــدي أمللــم مــا بعثرتــه ّ
املشــكلة.
ـاعة ونصــف مــن الهــدوء الذي باغــت املكان، بعــد سـ ٍ
-أ ّية معتقدات؟
ـرس املنــزل وإذا بعامـ ٍـل للتوصيــل خلفه. رن جـ ُ ّ
-ههــه تضحكنــي! هــل تعتقــد بــأن ثــاث ســنوات
ـتلمت الطــرد وفتحتــه وإذا بــه طبـ ٌق مــن احللــوىاسـ ُ
قضيتهــا معــك ســتذهب هبــا ًء منثــو ًرا؟ أعــرف طريقــة
ُكتــب عليــه:
تفكيــرك وإن حاولــت َحجبها .ومبــا أ ّنــك مهتـ ٌم بـ ِ
ـاألدب
مبارك تألقك يف ذكرى إصدارك األول. ٌ قــد يكــون هــذا مــن األســباب التــي جعلتــك أني ًقــا يف
مظهــرك ،تأخــذ التفاصيــل الصغيــرة يف عــن االعتبار،
باإلضافــةِ إلــى مجموعــة مســتندات التــي مــا إن
وعم ّمــت بــدورك هــذه القاعــدة علــى اجلميــع.
ـت بأننــي أســتطيع إصــاح مــا تصفحتهــا ندِ مــت ومتنيـ ُ
ارتكبــت! كن..
-أنت مخطئة ،العديد من الفتيات ّ ِ
بيبلومانيا!
ونصــوص
ٍ ســخ مــن رســائل تقاطعه:
كنــت
ُ ً أدب ّي ٍــة قــد أُرســلت إلــي طــوال ثــاث ســنوات..
ـت أهــا
-ال تتباهــى بتجاربــك أمامــي! احــذر ،فلسـ َ
أتل ّهــف الســتالم الرســالة أو النــص القــادم ،فقــد اعتــاد
لتكــون َحك ًمــا تقــارن بيننــا!
صاحبهــا أن يرســلها إلـ ّـي بانتظــام كل أُســبوعّ ،
تعجبــت
حينهــا مــن إتقانــه فيمــا يكتــب. -آسف.
اتضــح بأنهــا هــي مــن
واآلن بعــد كل هــذه الفتــرةّ ، بهــن! ألــم أكــن دو ًمــا مختلفــة؟
-ثــ ّم مــا عالقتــي ّ
ناحيــة اليســار مغمضــة العينــن وقلبهــا يخفــق بشــدة كتب بواسطة -زهرة الصالح @meeladfajr تقِ ــف خلــف هــذه الكلمــات واملشــاعر العذِ بــة. شــاذة عــن القاعــدة؟!
وهــي تتخيــل املنظــر الــذي ينتظرهــا ،حاملًــا وصلــت كانــت تخطــط كشــف السـ ّر الــذي طاملــا خبأتْــه يف أغفلت هذا اجلانب..
ُ ِ
-أنت على حق
أخــذت تتجــول والدهشــة ترســم علــى مالمحهــا
فتحــت عيناهــا علــى اتســاعهما وهــي تــرى الكتــب ذات صدرهــا ،بطريقـ ٍـة خالبـ ٍـة قــد أســتبع ُد أن تكــون منهــا.
اتســاعا يــزداد ُكلمــا جالــت بعينيهــا الواســعتني علــى
ً -ال ..لم تُغفله ،بل تتجاهله.
املجلــدات الســوداء والبنيــة واخلطــوط الذهبيــة وقــد
أرفــف الكتــب املمتــدة ،منــذ مــدة طويلــة وهــي حتــاول مـ ّرت األيــام بصخبهــا الــذي اعتــاد أن تكــون عليــه،
اصطفــت أمامهــا بــكل جمــال ودالل ،وكأنهــا حتثهــا على -من قال ذلك؟
منــع نفســها مــن زيــارة هــذه املكتبــة العظيمــة التــي متتاز والــذي اختلــف هــذه املــرة أنهــا لــم ت ُكــن أمــام ناظريــه.
معانقتهــا وتقليبهــا.
مبنظــر فاتــن للكتــب املصفوفــة بعنايــة ،واملرتبــة بدقــة -أنــا يــا ســ ّيد! هــل مــن اعتــراض؟ ُتبنــي نعــم،
تقدمــت أكثــر وبــدأت تتلمــس الكتــب برفــق وتــودد متناهيــة ،لكنهــا لــم تقــ َو علــى التمنــع أكثــر ،فنفســها اســتلم بعــد مــدةٍ إصــدار مــن مجلــة أدب ّيــة ،أعتقــد
ولكنــك دائ ًمــا مــا ترانــي غيــر الئقــة ألقــف بجانبــك يف
وكأنهــا عاشــق أرهقــه الفــراق! تاقــت للكتــب. ـصـت نظــره نـ ٌ ـعرية دعيــت أنهــا مــن بــاب الترويــج والنشــر ،ولكــن لفـ َ
ـية شـ ٍ ُ ـاب أصدرتــه ،أو أمسـ ٍ حفــل توقيــع كتـ ٍ
مــا خُ تـ َم بـ ِ:
جتــرأت وبــدأت تقلــب الكتــب بــن يديهــا ،هالهــا قلبــت بصرهــا يف أرجــاء املكتبــة التــي تنتشــر فيهــا نصــا يخصنــي؟ أو وأيضــا ..هــل ســبق وأن كتبــت ً ً إليهــا،
منظــر الصفــرة احمليطــة بالــورق وملمــس الورق اخلشــن أشــعة شــمس الصبــاح ،ولفــت انتباههــا لوحــة تتوســط عكســك ســتجد كلماتــي طريقهــا دائ ًمــا ِ "وعلــى عبــار ًة تُهديهــا إلـ ّـي؟ أنــت تتفـ ّـن فيمــا تكتبــه ملعجباتــك
جعلهــا تغمــر رأســها بــن دفتــي الكتــاب وكأنهــا حتــاول املمــر وقــد ُكتــب عليهــا بخــط الثلــث العربــي وبشــكل ـك بالنهايــة ،مهمــا اعترانــا مــن بــرود مهمــا افترقنــا، األدب إليـ َ
َ لكــن حــن يصــل األمــر لــي ،غيــر مهم!لــم جعلــت
العــودة إلــى زمــن هــذا الكتــاب ،أكملــت تقليــب الكتــب الفــت (الكتــب القدميــة واملخطوطــات) مشــيرة إلــى ـوت يحـ ّدق بــي. الفتيــات األنيقــات اجلميــات ،وغيرهــن الكتابــة لغيــرك أو ملجــرد الكتابــة هــي مـ ٌ ِ حكــ ًرا علــى
وهــي تتنشــق رائحتهــا العتيقــة التــي أضفــت علــى جهــة اليســار ،لــم تقــاوم تلــك الرغبــة التــي داهمتهــا يف سـلَبت هــذا األمــر منهــن؟ ليــس األمــر أننــي أرى نفســي وأنــت احليــاة التــي تُنقذنــي عندمــا أكتــب إليــك"
املــكان عب ًقــا مختل ًفــا ،راودتهــا تلــك الفكــرة الســيئة التــي تقليــب تلــك الكتــب وشــم رائحــة ورقها األصفــر الباهت، غيــر جميلــة أو غيــر ذلــك! أعلــم بأنــه باســتطاعتي
إن َهــا هــي وإن كانــت الكلمــات غيــر كافيــة ألميزهــا،
جتعلهــا تهــرب دو ًمــا مــن زيــارة املكتبــات ،وحترجهــا مــع تقدمــت واللهفــة حتيــط بهــا إلــى نهايــة املمــر وعرجــت أن أبــدو كذلــك ..ولكننــي غيــر مهتمة! هــل هــو أمــر
فتوقيعهــا يف نهايــة النــص يثبــت ذلــك.
خاطــئ! يف املقــام األ ّول إن لــم أكــن جميلـ ًة بعينــك ،لــم
69 مجلة قوارئ | العدد السادس مجلة قوارئ | العدد السادس 68
الذوق
األدبــــــي
ُكتــب بوا ســطة -هنــد الصبــار @hind_alsbbar
كنــت أتســاءل مــا الــذي جعــل يوليســيس أو دون كيخوتــه أعمــا الً
أدبيــة ناجحــة؟ ومــا الــذي جعــل قصائــد شكســبير ال تتقــادم؟ مــا
ا ردي ًئــا؟ اجلــواب ا جي ـ ًد ا أو عم ـ ً
ا أدب ًيــا مــا عم ـ ً
الــذي يجعــل عم ـ ً
املوضوعــي أن هنــاك معاييــر معينــة تخضــع لهــا كل األنــواع األدبيــة
منهــا ،اجلــدة واالبتــكار ،الطــرح اجليــد ،التماســك ،الوحــدة الشــكلية،
اإلبــداع الفنــي وغيرهــا ،مــع أن ملختلــف الثقافــات معاييــر متباينــة
لتقريــر مــا األدب اجليــد ومــا األدب الــرديء ،إال أننــا نكتشــف دائ ًمــا
أن األعمــال الرفيعــة هــي التــي اتفــق القـ ّر اء ـ أغلبهــم ـ علــى جودتهــا.
ووجــود ضوابــط معينــة متثــل حــ ًد ا أدنــى العتبــار العمــل األدبــي
ناجحــا ،وعابـ ًر ا حلــدود زمانــه ومكانــه ،ال يعنــي أن كل جوانــب النجــاح
ً
يف العمــل مت ضبطهــا ومعرفتهــا؛ ألنــه يف كل مــرة يُقــرأ فيهــا العمــل
األدبــي قــد يُظهــر شــي ًئا جديــ ًد ا كان ســب ًبا لبقــاء وجنــاح العمــل؛
لكننــا قــد جنــد بشــكل عــام أن تلــك األعمــال التــي توصــف بــاألدب
الرفيــع أو اجليــد والتــي حتصــل علــى اتفــاق بجودتهــا يف الغالــب
هــي مــا تناولــت مالمــح التجربــة اإلنســانية التــي تتصــف بالــدوام،
والتــي ال تتغيــر والتتبــدل ،تلــك املوضوعــات العابــرة للزمــان واحلــدود
اجلغرافيــة ،يف الفــرح واملعانــاة واأللــم واملــوت والعاطفــة ،أو التــي
تناولــت أســئلة كبــرى منهــا الفلســفي والفكــري .بينمــا األعمــال التــي
كانــت موضوعاتهــا محليــة أو وقتيــة أو ماجرياتيــة؛ فإنهــا تنســى،
جودتهــا مــن عدمهــا مؤقتــة .لذلــك جنــد القصائــد العربيــة التــي
ا ال يكــون موضوعهــا املــدح والهجــاء املتعلــق بشــخصية معينــة مثــ ً
تلقــى مــن االهتمــام مــا يلقــاه الشــعر الــذي كان موضوعــه إنســان ًيا
بح ًتــا ،بخــاف غيــره مــن الشــعر الــذي كان غرضــه الغــزل أو الرثــاء
أو فلســفة الشــاعر عــن حياتــه .فالتجربــة الشــعورية لشــاعر مثــل
املعــري هــي أول مــا يتــوارد إلــى أذهاننــا عــن شــعره ومــا كتــب وال
نتذكــر وقتهــا وال نتســاءل مــا إذا كان املعــري قــد كتــب يف فتــرة مــن
73 مجلة قوارئ | العدد السادس مجلة قوارئ | العدد السادس 72
البحث عن
املقامــات العربيــة مثــال ،فالــذي مييــز هــذا النــوع فتــرات حياتــه شــي ًئا مختل ًفــا ،مــع ذلــك ال ميكــن أن
مــن األدب هــو التعقيــد اللغــوي واالنتقــاء اللفظــي، يكــون هــذا املعيــار مطل ًقــا ،فليــس كل مــن كتــب يف
واالعتمــاد عليهمــا يف رفــع العمــل كبيــر .بيــد أن هــذه املوضوعــات مت لعملــه النجــاح والبقــاء.
ثقافة مفقودة
هنــاك أعمــا الً أدبيــة جيــدة لــم تســتخدم اللغــة
قــد يكــون ً
أيضــا مــن املعاييــر التــي تــرد علــى
باحترافيــة ،ولــم يكتــب أصحابهــا بأســلوب لغــوي
ذهــن أي متســائل هــو مــدى تعقيــد العمــل وامتناعــه،
متف ـ ّر د ،بــل كان االعتمــاد فيهــا علــى توظيــف كالم
وفرضيــة مثــل فرضيــة أن األدب اجليــد يصعــب
بســيط وواضــح ،فلغــة جــورج أورويــل يف رواياتــه
فهمــه تَـ ِـرد يف ذهــن بعــض القـ ّراء ،إال أننــا ال ميكــن
ا يف ا ليســت باللغــة الفخمــة التــي جتدهــا مث ـ ً
مث ـ ً
أن نســتعمل هــذا املعيــار دائ ًمــا؛ ألن األعمــال
كتابــات جايــن أوســن .إال أنــه بــا شــك ينبغــي أن
اجليــدة ال تقــاس بتعقيدهــا ،فالغرائبــي واخليالــي
تكتــب األعمــال األدبيــة كتابــة جيــدة ،تتفــاوت تلــك
والســريالي والرمــزي املركــب غال ًبــا مــا تكــون
اجلــودة ومكانتهــا يف الرفــع بالعمــل بحســب تكامــل
ُكتــب بوا ســطة -هشــام العبيلــي @hsaad78 أعمــا الً نخبويــة علــى هامــش التأثيــر والوصــول ،ال
اخلصائــص األخــرى يف العمــل األدبــي.
ميكــن جتــاوز بســاطة الصياغــة مــع عمــق الفكــرة
أنتــج الغــرب مــن هــول مأســأة احلــرب العامليــة الثانيــة ،وكــردة فعــل حائــرة
ومــع كل املعاييــر والضوابــط والتقييمــات يف أنهــا ميــزة ترفــع بالعمــل األدبــي إلــى مرتبــة
ومصدومــة ،مســر َح الالمعقــول أو مســرح العبــث ،هادفــن إلــى تصحيـ ٍـح أو شــفاء .يف
األدب الرفيــع أكثــر مــن التعقيــد والتركيــب الــذي واجلوائــز التــي تصنــف األعمــال األدبيــة وترفــع
املقابــل -ومــع جميــع نكبــات العــرب املتأخــرة ،-لــم يُنْ ِتــج العــرب أي لــون ثقــايف مميــز
يجعــل قــراءة العمــل بالنســبة للقــارئ جه ـ ًد ا شــا ًقا .بعضهــا وتقصــي اآلخــر ،إال أن املســاحة تتســع
يليــق بهــذه املصائــب
لــكل قــارئ ،فيبقــى لــه أن يحــدد بنفســه مــا اجليــد
واللغــة واخلاصيــة اللغويــة للعمــل حتتــل مكانتهــا
ومــا هــو أشــد مــرار ًة مــن عــدم ردة الفعــل الثقافيــة ،هــو ردة الفعــل محــاكاة أدبــي مــا والســيىء بــدون أن
ٍّ عمــل
ٍ الــذي يــراه يف
أيضــا؛ لكــن هــل ترفــع بالعمــل وتهــوي بــه مبفردهــا؟ ً
وتش ـ ّبهاً باآلخريــن ،بــل واقتباس ـاً ملســرحياتهم وثقافتهــم كمــا هــي ،كــردة فعــل علــى يخجــل أو يســتنقص مــن رأيــه وأدواتــه؛ ألن ميــزة
ال شــك بأنهــا ركيــزة مهمــة ألي عمــل؛ فاللغــة هــي
مصائبنــا ،أ َوليــس لنــا عقــول مبدعــة ،وأفــكار منتجــة ،فمــا احلاجــة بنــا إلــى ســلوك األدب األولــى هــي مرونــة العمــل وتقبلــه لــكل
مــادة األديــب والكاتــب كلمــا كان أكثــر قــدرة علــى
َسـ َـن اآلخريــن حــذو القــذة بالقــذة! قــراءة وخضوعــه لــكل رأي تســاوى يف ذلــك الناقــد
توفيرهــا ملصنعــه وورشــته الكتابيــة وكان قــاد ًرا علــى
الكبيــر والقــارئ البســيط.
ولكــ َّن ثُلَّــة متيقظــة أخــذت تتفهــم املشــكلة قبــل أن تبحــث عــن احلــل العملــي تشــكيلها جيــ ًد ا كلمــا ارتقــى بعملــه ،ولنــا يف فــن
املناســب ،يف مقابــل آخريــن -ســيطويهم الزمــن -مــا زالــوا يع ِّكــرون صفــ َو هــؤالء
الباحثــن عــن مخــرج ،بــل ويحاولــون تضليلهــم ،لكــن هــل رأيــت ذبابـاً أو َقف إعصــاراً ؟
ألفــكار وإيديولوجيــات غربيــة ،أنتجهــا الغــرب وفقــاً ٍ ال زال بعضنــا صرعــى
ملرجعياتــه هــو -إن وجــدت هــذه املرجعيــات ،-لكنهــا ال تتوائــم وتنســجم مــع
مرجعيتنــا النهائيــة كمســلمني ،لكــن البعــض مــا زال يحــاول إلباســنا ثوبــاً بــدون
أكمــام وال حاشــية ،بــل ومرقعـاً ،ويُ ِصـ ُّر علينــا إال ارتــداءه ،ويخلــع عنــا ثــوب فطرتنــا.
أصبــح عاملنــا العربــي و اإلســامي أكثــر األماكــن التــي تتركــز فيهــا احلــروب
الكونيــة ،وأصبحــت طــرق القتــل والتفــن فيهــا ممــا لــم تعهــد أمتنــا مثلــه ،وكلمــا زاد
طــرف يف طــرق القتــل وفنونــه ،ازداد الطــرف اآلخــر ،وأظــن أن بعضهــم ســيفني
بعض ـاً كمــا قــال صلــى اهلل عليــه وســلم.
واخلالصــة :أننــا ال بــد وأن جنــد ردة الفعــل الثقافيــة املناســبة ،والتــي ستســاهم
بشــكل كبيــر وف ّعــال يف اســتعادة األمــة العربيــة واإلســامية عافيتهــا ،وإ ّنــا لنُحــس
موصـ ً
ا ملــا جميعـاً بأمــل يحــدوه باعــث حثيــث ،بــأن نهضتنــا القرائيــة ســتكون ُسـلَّماً ِ
نأملــه يف أمتنــا اخل ّيــرة.
75 مجلة قوارئ | العدد السادس مجلة قوارئ | العدد السادس 74
Qawaree1@gmail.com
مجلة قوارئ | العدد السادس 76
@Qawaree_
Magazine.RFriends.net