Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 195

‫مقرر ‪ 101‬سلم‬

‫معارف إسالمية معاصرة‬

‫إعداد‬
‫أعضاء هيئة التدريس‪ -‬قسم الدراسات اإلنسانية‪ -‬شعبة الدراسات اإلسالمية‬
‫الفهرس‬
‫مق ّدمة ‪4 ............................................................................‬‬

‫احملاضرة األوىل‪ :‬أصول املعارف اإلسالمية ومصادرها ‪5 ....................................‬‬

‫صيَّ ِة ‪13 ....................................‬‬ ‫ِ‬


‫ات وتَ ْك ِوين الشَّخ ِ‬
‫احملاضرة الثانية‪ :‬بِـ ـ ـ ــنَـ ـ ـ ــاءُ الـ ـ ّذ َ ُ ْ‬
‫احملاضرة الثالثة‪ :‬أثر الثقافة يف تعزيز االنتماء إىل الوطن ‪43 ................................‬‬

‫احملاضرة الرابعة‪ :‬العمل التطوعي ‪55 ....................................................‬‬

‫احملاضرة اخلامسة‪ :‬منهج تلقي العقيدة اإلسالمية واالستدالل عليها ‪95 .....................‬‬

‫احملاضرة السادسة‪ :‬أركـ ــان االمي ــان ‪77 ...................................................‬‬

‫احملاضرة السابعة‪ :‬العبادة يف اإلسالم ‪55 ................................................‬‬

‫احملاضرة الثامنة‪ :‬األخالق يف اإلسالم ‪305 .............................................‬‬

‫احملاضرة التاسعة‪ :‬احلقوق والواجبات ‪327 ..............................................‬‬

‫احملاضرة العاشرة‪ :‬حقوق اإلنسان يف اإلسالم ‪315 ......................................‬‬

‫احملاضرة احلادية عشرة‪ :‬اخلالف الفقهي ‪352 ...........................................‬‬

‫احملاضرة الثانية عشرة‪ :‬احلوار بني احلضارات ‪393 ........................................‬‬

‫احملاضرة الثالثة عشرة‪ :‬التعايش مع غري املسلمني يف بالد اإلسالم ‪374 .....................‬‬

‫احملاضرة الرابعة عشرة‪ :‬الوسطية وتطبيقاهتا املعاصرة ‪380 ..................................‬‬


‫أهداف الوحدات‬
‫املوضوع واألهداف‬ ‫األسبوع‪/‬التاريخ‬ ‫م‬
‫مقدمة‬
‫‪ .3‬هتيئ ـ ــة الط ـ ــال ‪ ،‬وتعـ ـ ـريفه ابملرج ـ ــع املق ـ ــرر وأهدافـ ـ ـ ‪ ،‬وموع ـ ــد‬
‫االختب ــارات‪ ،‬وتوزي ــع ال ــدرجات‪ ،‬ونب ــذة ع ــن املراج ــع املس ــاعدة‬
‫للمقرر‪.‬‬
‫‪ .2‬مفهوم أصول املعرفة ومصادرها‬ ‫‪1‬‬
‫‪ .1‬أن يتعرف الطالب على أصول املعارف اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ .4‬أن يدرك الطالب أمهية مصادر املعرفة‪.‬‬
‫‪ .5‬أن يفـ ِّـرق الطالــب بــني مصــادر تل ِّق ـي املعــارف العامــة واملعــارف‬
‫اإلسالمية‪.‬‬
‫بناء الذات وتكوين الشخصية يف اإلسالم‬
‫ومكو هتـ ـ ـ ــا‬
‫‪ .3‬أن يتعـ ـ ـ ـ َّـرف الطّالـ ـ ـ ــب علـ ـ ـ ــى مفه ـ ـ ـ ـوم الشخصـ ـ ـ ــية ّ‬
‫وخصائصها‪.‬‬
‫يتعرف الطّالب على أصول بناء النَّفس يف خمتلف جوانبهـا‪:‬‬ ‫‪ .2‬أن َّ‬ ‫‪2‬‬
‫العلميَّة‪ ،‬والعمليَّة‪ ،‬والنفسيَّة‪.‬‬
‫‪ .1‬أن يـ ـربط الطّال ــب ب ــني أس ــس بن ــاء الـ ـ ّذات‪ ،‬وتكام ــل جوان ــب‬
‫الشخصيَّة نظراًّي وتطبيقياا‪.‬‬
‫تعزيززززز اانتمززززاء واملواطنززززةحمل واةاعلززززة عكزز ز املمتككززززات‬
‫ومكاعحة الفساد‪.‬‬
‫‪ .3‬أن يع ــرف الطال ــب أمهي ــة ا وي ــة الوطني ــة‪ ،‬وتعزي ــز وغ ــرم ــي‬
‫االنتماء الوطين‪.‬‬
‫‪ .2‬أن يع ـ ــرف الطال ـ ــب أمهي ـ ــة االنتم ـ ــاء ال ـ ــوطين‪ ،‬واحلف ـ ــا عل ـ ــى‬ ‫‪3‬‬
‫مقدرات وسالمت ‪.‬‬
‫‪ .1‬أن يدرك الطالب أمهية احملافظة على املمتلكات العامة‪.‬‬
‫‪ .4‬أن يدرك الطالب أمهية مكافحة الفساد وأثرها يف التنمية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫املوضوع واألهداف‬ ‫األسبوع‪/‬التاريخ‬ ‫م‬
‫العمل التطوعي‬
‫‪ .3‬أن يتع ـ َّـرف الطّال ــب عل ــى مع ــو العم ــل التط ــوعي و ص ــيل يف‬
‫اإلسالم‪.‬‬
‫مهمـا مـن‬
‫‪ .2‬أن يدرك الطالب أمهية العمل التطوعي‪ ،‬وكون جانبًا ً‬
‫جوانب احلضارة‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪ .1‬أن يع ــرف الطال ــب م ــاالت العم ــل التط ــوعي‪ ،‬وتن ـ ّـور ص ــورها‬
‫وأشكا ا‪.‬‬
‫‪ .4‬أن ي ــدرك الطال ــب ل ر العم ــل التط ــوعي عل ــى الف ــرد وا تم ــع‬
‫واحلضارة‪.‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ .3‬بيــان العقيــدة الصــحيحة الــمل تعصـ املســل مــن التـأثّر مبــا طــيط‬
‫‪5‬‬
‫ب من عقائد فاسدة‪.‬‬
‫‪ .2‬أن يعرف الطالب منهج التلقي واالستدالل‪.‬‬
‫أركان اإلميان‬
‫‪ .3‬أن يعرف الطالب أركان اإلميان‪.‬‬ ‫‪6‬‬
‫‪ .2‬أن يعرف الطالب أمهية الصلة الوثيقة بني أركان اإلميان‪.‬‬
‫العبادة يف اإلسالم‬
‫‪ .3‬أن يعرف الطالب معو العبادة‪.‬‬ ‫‪7‬‬
‫‪ .2‬أن مييّز الطالب بني أنوار العبادات‪.‬‬
‫األخالق يف اإلسالم‬
‫حث عليها اإلسالم‪.‬‬ ‫‪ .3‬أن يعرف الطالب األخالق المل َّ‬
‫‪8‬‬
‫‪ .2‬أن ي ـ ـ ــدرك الطال ـ ـ ــب أمهي ـ ـ ــة األخ ـ ـ ــالق يف ا تم ـ ـ ــع‪ ،‬وحتص ـ ـ ــين‬
‫ابألخالق الفاضلة‪.‬‬
‫احلقوق والواجبات‬
‫‪ .3‬أن يــدرك الطالــب الواجبــات ال ــمل يلت ــزم ــا ــا أس ـرت وبيئت ـ‬
‫‪9‬‬
‫ومتمع ‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫املوضوع واألهداف‬ ‫األسبوع‪/‬التاريخ‬ ‫م‬
‫حقوق اإلنسان يف اإلسالم‬
‫‪ .3‬أن يعرف الطالب أمهية حقوق اإلنسان كما بيّنتها الشريعة‪.‬‬
‫‪ .2‬أن يتع ـ ّـرف الطال ــب عل ــى أمهي ــة معرف ــة واع ــد الس ــلوك الف ــرد‬ ‫‪11‬‬
‫ال ــمل حت ِّقـ ـق الص ــحة اةس ــدية والنفس ــية‪ ،‬وال ــمل ألزمـ ـ حق ــوق‬
‫اإلنسان يف اإلسالم بضرورة التقيد ا‪.‬‬
‫اخلالف الفقهي وكيفية التعامل معه‬
‫‪ .3‬أن يعرف الطالب كيفية التعامل مع اخلالف الفقهي‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫‪ .2‬أن يعرف الطالب سعة الشريعة يف القضاًّي الفقهية‪.‬‬
‫‪ .1‬أن يعرف الطالب و ور اخلالف الفقهي من عصر الصحابة‪.‬‬
‫احلوار بني احلضارات‬
‫يتعرف الطالب على معو احلوار‪.‬‬ ‫‪ .3‬أن ّ‬ ‫‪12‬‬
‫يفرق الطالب بني معو احلوار واملصطلحات املتشا ة‪.‬‬‫‪ .2‬أن ِّ‬
‫‪ .1‬أن يدرك الطالب أمهية احلوار يف اإلسالم‪.‬‬
‫التعايش مع غري املسكمني‬
‫‪ .3‬أن يعرف الطالب أمهية التعايش يف ا تمع‪.‬‬
‫‪ .2‬أن يعدد الطالب أصناف غري املسلمني يف بالد اإلسالم‪.‬‬ ‫‪13‬‬
‫‪ .1‬أن يتعـ َّـرف الطالــب علــى صــور التعــايش مــع غــري املســلمني يف‬
‫بالد اإلسالم‪.‬‬
‫الوسطية وااعتدال يف اإلسالم‬
‫‪ .3‬أن يعرف الطالب معو الوسطية واالعتدال‪.‬‬ ‫‪14‬‬
‫‪ .2‬أن يعرف الطالب واعد االعتدال‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫اةاضرة األوىل‪ :‬أصول املعارف اإلسالمية ومصادرها‬

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬

‫مقدّمة‬
‫احلمد هلل ر ّ العاملني‪ ،‬والصالة والسالم على سيد األنبياء واملرسلني‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫فإن لدراسة املعارف اإلسالمية أمهية يف حياة الطالب العلمية‪ ،‬خاصة يف هذا الزمن الذ‬
‫ددت في القضاًّي‪ ،‬وتعددت في النوازل من فكرية وفقهية وغريهـا‪ ،‬ولتـدريس القضـاًّي املعاصـرة‬
‫يف ضــوء الثقافــة اإلســالمية جي ـرات إنابيــة‪ ،‬مــن أبرزهــا‪ :‬ربــط الطالــب يف معرفــة مفــاهي وأحكــام‬
‫هذ القضاًّي بثقافت الشرعية ‪.‬‬
‫ونظ ـ ـ ًـرا ـ ــذ األمهي ـ ــة‪ ،‬فق ـ ــد رأت جامع ـ ــة املل ـ ـ ـ س ـ ــعود ب ـ ــن عب ـ ــدالعزيز ت ـ ــدريس مق ـ ــرر‬
‫(‪ 303‬سل )‪ ،‬الذ يتناول أبرز ما يه الطالب اةامعي من أمـور‪ ،‬سـواء أكانـ يف العقيـدة أم‬
‫ـورا‬
‫العبــادة أم األخــالق‪ ،‬وسـواء أكانـ ضــاًّي ســابقة ولكــن ــدد طرحهــا وأصــبح تشــكل ـ ً‬
‫مـ ــن ـ ــاور النقـ ــا‪ ،‬يف حيـ ــاة الشـ ــبا ‪ ،‬أم كان ـ ـ مـ ــن الن ـ ـوازل اةديـ ــدة الـ ــمل حتتـ ــا إىل بيـ ــان‬
‫مصطلحاهتا‪.‬‬
‫يقصد من تدريس هذه املادة‪:‬‬
‫‪ .3‬ترسيخ العقيدة اإلسالمية الصحيحة وفق األسس العلمية المل هـد إليهـا القـرلن الكـر‬
‫والسنة النبوية الشريفة‪ ،‬وأرشدت إليها املعارف والعلوم املختلفة‪.‬‬
‫‪ .2‬تزويــد الطالــب اةــامعي ابملبــاد والــنظ وكليــات املعــارف اإلســالمية األساســية الــمل مــن‬
‫شأهنا أن حتمي من التيارات الفكرية املعارضة ملفاهي اإلسالم‪.‬‬
‫‪ .1‬فه معو العبادة يف اإلسالم‪ ،‬ومعرفة حكمها ودوافعها ومقاصدها‪.‬‬
‫‪ .4‬التزود ابملعارف اإلسالمية النظرية والعلمية‪ ،‬ومن خالل دراسة اماج من التـاريخ العلمـي‬
‫عند املسلمني‪.‬‬
‫‪ .5‬ربط األجيال املثقفة مبصـادر الشـريعة األساسـية (القـرلن والسـنة)‪ ،‬وتبصـريها مبـا فيهـا مـن‬
‫عناصر حق وخري وهداية و وة ملن عمل بوصـاًّيمها‪ ،‬مـع مـا فيهـا مـن دفـع إىل اغتنـام السـعادتني‬
‫الدنيوية واألخروية‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫اةاضرة األوىل‪ :‬أصول املعارف اإلسالمية ومصادرها‬

‫اةاضرة األوىل‬
‫أصول املعارف اإلسالمية ومصادرها‬

‫‪5‬‬
‫اةاضرة األوىل‪ :‬أصول املعارف اإلسالمية ومصادرها‬

‫‪ ‬أهداف الدرس‪:‬‬
‫‪ -‬هتيئة الطال ‪ ،‬وتعريفه ابملرجع املقرر وأهداف ‪ ،‬وموعد االختبارات‪ ،‬وتوزيع الدرجات‪،‬‬
‫ونبذة عن املراجع املساعدة للمقرر‪.‬‬
‫‪ -‬مفهوم أصول املعرفة ومصادرها‬
‫‪ -‬أن يتعرف الطالب على أصول املعارف اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ -‬أن يدرك الطالب أمهية مصادر املعرفة‪.‬‬
‫يفرق الطالب بني مصادر تل ِّقي املعارف العامة واملعارف اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ -‬أن ِّ‬

‫‪6‬‬
‫اةاضرة األوىل‪ :‬أصول املعارف اإلسالمية ومصادرها‬

‫أصول املعارف اإلسالمية ومصادرها‬

‫املراد بأصول املعارف اإلسالمية‪:‬‬


‫(‪)3‬‬
‫أصل الشيء‪ :‬أساس الذ يقوم علي ‪ ،‬وما يبو علي غري ‪ ،‬أو ما يتفرر عن غري ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫املعارف يف اللغة ‪:‬‬
‫أصل من عرف‪ ،‬وهو ضد اإلنكار‪ ،‬وتعود إىل معو السكون والطمأنينة‪.‬‬
‫فتق ــول‪ :‬ع ــرف ف ــالن ف ــال ً عرف ــا ً ومعرف ــة‪ .‬وه ــذا أم ــر مع ــروف‪ ،‬فثب ــوت املع ــو يف ال ــنفس‬
‫(‪)1‬‬
‫يقتضي سكوهنا إلي ‪ ،‬خبالف من أنكر شيئًا توحش من ونبا عن ‪.‬‬
‫تعاىل‪{ :‬ﲊ ﲋ ﲌ‬ ‫وهو يفيد اإلدراك الصحيح حباسة سليمة‪ ،‬كما جاء يف ول‬
‫ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ} [سورة يوسف‪.]58:‬‬
‫مفهوم املعارف العامة‪:‬‬
‫هــي اإلدراك والــوعي وفه ـ احلقــائق عــن طريــق العقــل ا ــرد‪ ،‬أو اكتســا املعلومــة ءج ـراء‬
‫ربــة وتفســري نتائ هــا‪ ،‬أو تفســري خــر مــن خــالل التأمــل يف طبيعــة األشــياء و مــل الــنفس‪ ،‬أو‬
‫(‪)4‬‬
‫ابالطالر على ار اآلخرين و راءة استنتاجاهت ‪.‬‬
‫مفه وووم املع ووارف ا‪:‬سو و م ة‪ :‬ه ــي منظوم ــة األفك ــار واملف ــاهي واحلق ــائق واملب ــاد والق ــي‬
‫(‪)5‬‬
‫املنبثقة من املرجعية اإلسالمية‪ ،‬والمل تسه يف امو اإلنسان وتنمية إدراك وتفيد يف حيات ‪.‬‬

‫(‪ )3‬يُنظر‪ :‬املع الوسيط‪)20/3( ،‬؛ التعريفات‪.)45/3( ،‬‬


‫(‪ )2‬ومن املصطلحات املقاربة مصطلح العل وبينهمـا عمـوم وخصـوف‪ ،‬فكالمهـا يشـ كان يف املفهـوم اإلاـاا املسـتند إىل‬
‫ثبوت معو يف النفس هو حقيقة العل واملعرفة‪.‬‬
‫فاملعرفة أوسع من العل فقد تشتمل على معارف علمية وغري علمية‪ .‬يُنظر‪ :‬الفروق اللغوية‪ ،‬العسكر ‪( ،‬ف‪.)80‬‬
‫(‪ )1‬يُنظر‪ :‬مع مقاييس اللغة‪ ،‬ابن فارم‪ ،‬دار الفكر‪.)283/4( ،‬‬
‫(‪ )4‬يُنظر‪ :‬غويز القثامي‪ ،‬إدارة املعرفة من منظور إسالمي‪ ،‬ا لة العلمية لقطـار كليـات الت ـارة‪ ،‬جامعـة األزهـر‪ ،‬ر‪،34‬‬
‫‪2035‬م؛ عبد هللا القرين‪ ،‬املعرفة يف اإلسالم‪.‬‬
‫(‪ )5‬يُنظــر‪ :‬فضــل علــي دي ـ ‪ ،‬مفهــوم األصــل املعــريف يف اإلســالم ومرتكزات ـ ‪ ،‬ملــة اةامعــة اإلســالمية للدراســات الشــرعية‬
‫والقانونية‪2038 ،‬م‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫اةاضرة األوىل‪ :‬أصول املعارف اإلسالمية ومصادرها‬

‫مصادر تكقي املعارف‪:‬‬


‫يُعـ ّد موضــور املصــادر جا أمهيــة خاصــة‪ ،‬فهــو ح ــر البنــاء أل نســق معــريف؛ إج مــن املصــادر‬
‫املعرفية تُسقى املعارف واألدلة‪ ،‬وتبو علي القناعات‪.‬‬
‫وتع ّد هي كالبواابت إجا أحكمها اإلنسان بشكل جيد تدخل علي سـيول مـن املعرفـة‪ ،‬وإجا‬
‫مشوشا أد إىل شتات صاحب واحنراف ‪.‬‬
‫ً‬ ‫مل ُحتك وكان‬

‫مفهوم مصادر التكقي‪:‬‬


‫ت عــن املــاء وعــن‬
‫صـ َـد ْر ُ‬ ‫املصووا ر يف اللغووة‪ :‬اــع مصــدر‪ ،‬مــن َ‬
‫الصـ َـد َر ابلتحري ـ ‪ ،‬مــن ول ـ ‪َ :‬‬
‫البالد‪ .‬ويكون اس مكان؛ أ ‪ :‬املوضع الذ يصدر من ‪ ،‬ومنـ مصـادر األفعـال؛ أ ‪ :‬األصـول‬
‫(‪)3‬‬
‫{ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ‬ ‫الـ ــمل أخـ ــذت منهـ ــا ‪ ،‬ومن ـ ـ ول ـ ـ تعـ ــاىل‪:‬‬
‫ﱪ ﱫ} [سورة القصص‪.]21:‬‬
‫فاملصدر‪ :‬هو األصل الذ يتفرر عن غري وتصدر من األشياء‪.‬‬
‫{ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ‬ ‫التلقو ووي‪ :‬ه ــو االس ــتقبال‪ ،‬ومنـ ـ ولـ ـ تع ــاىل‪:‬‬
‫ﲖ ﲗ ﲘ} [سورة فصل ‪.]15:‬‬
‫فمصوا ر التلقوي‪ :‬هـي املناهـل واملـوارد الـمل تمخـذ منهـا التشـريعات والعلـوم واملعـارف وفـق واعـد‬
‫وضوابط معينة‪.‬‬

‫أهمية مصادر التكقي‪:‬‬


‫ترز أمهية حتديد مصادر التلقي؛ كوهنا حتدد عقائد النام وتصـوراهت عـن احليـاة والكـون‪،‬‬
‫كم ــا حت ــدد التش ـريعات وال ــنظ ال ــمل حتكمه ـ ويتع ــاملون معه ــا‪ ،‬فكلم ــا كان ـ املص ــادر ص ــاحلة‬
‫وص ــاد ة كانـ ـ التص ــورات ص ــائبة وص ــحيحة‪ ،‬أم ــا إن كانـ ـ مشوش ــة أو فاس ــدة فق ــد تنقل ــب‬
‫العقائد وتضطر ‪ ،‬وتصبح ضرًاب من األكاجيب واألوهام‪.‬‬

‫(‪ )3‬يُنظر‪ :‬لسان العر ‪.)448/4( ،‬‬

‫‪8‬‬
‫اةاضرة األوىل‪ :‬أصول املعارف اإلسالمية ومصادرها‬

‫لــذا حرصـ الشـريعة اإلســالمية علــى توضــيح املرجعيــة احلاكمــة ل نســان عنــد االخــتالف‬
‫{ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ‬ ‫والتنــازر‪ ،‬ــال تعــاىل‪:‬‬
‫ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ ﳙ ﳚ ﳛ ﳜ ﳝ ﳞ ﳟ ﳠ ﳡ ﳢ}‬
‫[سورة النساء‪.]55:‬‬
‫وأويل األم امل ا مه‪ ::‬الوالة على النام‪ ،‬مـن األمـراء واحلكـام والعلمـاء‪ .‬فإنـ ال يسـتقي للنـام‬
‫أمر دينه ودنياه إال بطاعته واالنقياد ‪ ،‬ولعل السر يف حذف الفعل (وأطيعـوا) عنـد األمـر‬
‫ومقيّدة ما مل أيمروا مبعصية‪.‬‬‫بطاعته ؛ كوهنا اتبعة لطاعة الرسول‪ُ ،‬‬
‫فعنــد حصــول النـزار بــني املــتعل واةاهــل وبــني احلــاك واحملكــوم يكــون الرجــور إىل مــا أنــزل‬
‫هللا وإىل الرسول ‪-‬ﷺ‪ ،-‬وأن جل من مقتضى اإلميان‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫بل إن األمر ابلرجور للقرلن والسنة عند التنازر في دليل على حفظ هللا ما ‪.‬‬

‫وميكننا تقسيم مصادر تكقي املعرعة إىل قسمني‪:‬‬


‫‪ ‬القس األول‪ :‬مصادر تلقي املعارف العامة‪.‬‬
‫‪ ‬القس الثاين‪ :‬مصادر تلقي املعارف اإلسالمية‪.‬‬
‫وفيما أييت نفصل احلديث عن كل منهما‪.‬‬
‫القس‪ :‬األول‪ :‬مصا ر تلقي املعارف العامة‪ ،‬ويندرج حتته أربعة مصا ر‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫املصدر األول‪ :‬الفطرة‪.‬‬
‫املصدر الثاين‪ :‬العقل‪.‬‬
‫املصدر الثالث‪ :‬احلس‪.‬‬
‫املصدر الرابع‪ :‬اخلر الصادق‪.‬‬

‫(‪ )3‬يُنظر‪ :‬تفسري السعد = تيسري الكر الرمحن‪( ،‬ف‪.)381‬‬

‫‪9‬‬
‫اةاضرة األوىل‪ :‬أصول املعارف اإلسالمية ومصادرها‬

‫املصدر األول‪ :‬الفطرة‬


‫(‪)3‬‬
‫الفط ة‪ :‬هي اخللقة المل يكون عليها اإلنسان يف أول أمر ‪.‬‬
‫واملقص ووو املع ووارف الفط ي ووة‪ :‬ه ــي املع ــارف ال ــمل ي ــدركها اإلنس ــان بفطرت ـ ‪ ،‬وتك ــون كق ــوة‬
‫(‪)2‬‬
‫مودعة يف النفس‪ ،‬تظهر عند توفر شروطها وانتفاء موانعها ‪.‬‬

‫قواعد يف مصدر الفطرة‪:‬‬


‫‪ -‬أن هللا تعوواىل فط و النوواى ملووة مع فووة ااووع وا‪ :‬بووال مل ووه‪ ،‬ومع فووة الش و والبعوود منووه‬
‫وت كه‪ ،‬وال يفه من جل كل أن اإلنسان لـن يـ ك خ ً‬
‫ـريا ـط أو لـن يفعـل ش ًـرا ـط‪ ،‬بـل ـد‬
‫فعال وترًكا وتزين ل ‪.‬‬
‫يفعل أحدمها ويقبل علي ؛ بسبب دار دعا إلي ً‬
‫ومن األمثلة ملة ذلك‪:‬‬
‫‪ ‬استحسان الصدق واستقباح الكذ ‪.‬‬
‫‪ ‬استحسان العدل واستقباح الظل ‪.‬‬
‫‪ ‬استحسان اإلحسان واستقباح اإلساءة‪.‬‬
‫‪ ‬استحسان النكاح واستقباح السفاح والشذوج‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ ‬استحسان س العورات واستقباح كشفها ‪.‬‬
‫{ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ‬ ‫‪ -‬فط هللا الناى ملة مع فته وا‪:‬ميان به‪ ،‬ـال تعـاىل‪:‬‬
‫ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ} [سورة الروم‪.]10:‬‬
‫فحقيقة الفطرة ما وضـع هللا يف لـو اخللـق كلهـ ‪ ،‬مـن بـة احلـق وامليـل إليـ وإيثـار ‪ ،‬ومـن‬
‫ـال النَّـِ ‪-‬ﷺ‪َ « :-‬مـا ِم ْـن‬
‫(‪)4‬‬
‫خر عن هذا األصل فلعارض عرض لفطرتـ أفسـدها ‪ ،‬كمـا َ َ‬

‫(‪ )3‬يُنظر‪ :‬اةوهر ‪ ،‬الصحاح‪)783/2( ،‬؛ ابن منظور‪ ،‬لسان العر ‪.)59/5( ،‬‬
‫(‪ )2‬يُنظر‪ :‬الع ري ‪ ،‬مشور النهار‪( ،‬ف‪.)10‬‬
‫(‪ )1‬يُنظر‪ :‬املرجع السابق‪( ،‬ف‪.)57‬‬
‫(‪ )4‬يُنظر‪ :‬تفسري السعد = تيسري الكر الرمحن‪( ،‬ف‪.)943‬‬

‫‪11‬‬
‫اةاضرة األوىل‪ :‬أصول املعارف اإلسالمية ومصادرها‬

‫صـَـرانِِ‪ ،‬أ َْو ميَُ ِّ َســانِِ‪ ، »..‬فــاملولود يبقــى‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬
‫(‪)3‬‬
‫ِ‬
‫َم ْولُــود إَِّال يُولَـ ُـد َعلَــى الفطْـَـرةِ‪ ،‬فَـأَبَـ َوا ُ يـُ َه ِّوَدانـ أ َْو يـُنَ ّ‬
‫علـى أصــل فطرتـ حـ ينحــرف عنهــا آلفــة مــن اآلفــات؛ كال بيــة والتقليــد أو اتبــار الشــيطان‬
‫وا و ‪.‬‬
‫‪ -‬ال يفه‪ :‬من كون ا‪:‬نسان يولد ملوة الفطو ة وا‪:‬ميوان أن ي وون ماملهوا بوه ملوة التفصو ل‪،‬‬
‫ال تعاىل‪{ :‬ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ} [سورة النحل‪.]78:‬‬
‫ساذجا ال يع ف ش هكا وال توح هدا‪ ،‬بل إنه يولد لديه مع فة إمجال وة‬
‫ه‬ ‫‪ -‬ول س امل ا أنه يولد‬
‫م كو وووفة يف فط ت و ووه بوج و ووو إلو ووه م و و و ‪ ،:‬خـ ــالق مبـ ــدر ‪ ،-▐-‬فموجـ ــب الفطـ ــرة‬
‫ومقتضاها طصل شيئًا فشيئًا حبسـب كمـال الفطـرة إجا سـلم عـن املعارضـة‪ ،‬وإال فقـد مينـع‬
‫من ظهور مقتضى الفطرة اإلفساد اخلارجي‪ ،‬وهو مع سـالمتها طتـا إىل غـري مـن املصـادر؛‬
‫(‪)2‬‬
‫ح تكتمل املعرفة لدي وتتضح ‪.‬‬
‫املصدر الثاني‪ :‬احلس‬
‫احلواى‪ :‬هي وة طبيعية يف اةس ا يدرك اإلنسان األشياء اخلارجة عن ‪ ،‬وما يطرأ على‬
‫(‪)1‬‬
‫جسم من تغريات ‪.‬‬
‫ومل ه فاملع فة احلس ة‪ :‬هي املعرفة القادمة من خالل احلوام‪ ،‬من خالل شـعور اإلنسـان‬
‫(‪)4‬‬
‫حبواس وبوظائفها‪ ،‬وما ا من دور إدراكي ومعريف‪ ،‬وحدودها و يمة املعرفة المل تقدمها ‪.‬‬

‫فاحلاسووة‪ :‬هــي ــل معــريف ولــيس ً‬


‫حاكمــا‪ ،‬وهــي تــوفر املــادة اخلــام الــمل تنقلهــا إىل األداة‬
‫العقلية‪ ،‬أما األداة العقلية فهي احلاكمة‪.‬‬
‫ولقبول الوار احلسي ش طان‪ ،‬مها‪:‬‬
‫الشرط األول‪ :‬سالمة احلوام من العلل‪.‬‬
‫الشرط الثاين‪ :‬أال طصل خلل يف املوضور‪.‬‬

‫(‪ )3‬متفق علي ‪ ،‬صحيح البخار ‪)3185( ،‬؛ وصحيح مسل ‪.)2958( ،‬‬
‫(‪ )2‬يُنظر‪ :‬درء تعارض العقل والنقل‪)181/8( ،‬؛ الع ري ‪ ،‬مشور النهار‪( ،‬ف‪.)10‬‬
‫(‪ )1‬يُنظر‪ :‬ممع اللغة العربية‪ ،‬املع الفلسفي‪( ،‬ف‪.)95‬‬
‫(‪ )4‬يُنظر‪ :‬عماد الشريفني‪ ،‬مصادر املعرفة يف القرلن الكر والفلسفات ال بوية‪( ،‬ف‪.)430‬‬

‫‪11‬‬
‫اةاضرة األوىل‪ :‬أصول املعارف اإلسالمية ومصادرها‬

‫قواعد يف مصدر احلس‪:‬‬


‫‪ -‬ام و ن هللا ملووة ا‪:‬نسووان هن وهووحل لووه احلووواى‪ ،‬فــاحلوام هــي ُمنطلق ـ حنــو املعرفــة ووســيلة‬
‫اإلدراك املباشــرة‪ ،‬و ــد وردت نصــوف كثــرية تُشــري إىل احل ـوام وتُبــني أمهيتهــا‪ ،‬ومــن أعظمه ـا‬
‫الس ــمع والبص ــر‪ ،‬ــال تع ــاىل‪{ :‬ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ}‬

‫مع ــا؛ للداللــة عل ــى أمهيتهم ــا يف اإلدراك احلس ــي‪ ،‬و ـ َّـدم‬
‫[ســورة اإلنس ــان‪ ،]2:‬وعل ــة جكرمه ــا ً‬
‫السمع على البصر إشارة إىل أمهية السمع يف اإلدراك احلسي‪ ،‬فمن يفقد السمع يتع ّذر علي‬
‫تعل اللغة والعلوم خبالف البصر‪.‬‬
‫‪ -‬ال ب ند لإلنسان أن يسوتعمل احلوواى اس ه‬
‫وتعماال صوا هاا حو يصول للمع فوة الصوا اة‪،‬‬
‫{ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ‬ ‫ولـ ـ تع ــاىل‪:‬‬ ‫وم ــن جلـ ـ‬
‫ﲽﲾﲿﳀﳁﳂﳃﳄﳅﳆﳇﳈﳉﳊﳋ‬
‫ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ} [سـ ـ ــورة الغاشـ ـ ــية‪ ،]22-37:‬فقـ ـ ــد جعـ ـ ــل سـ ـ ــبحان املشـ ـ ــاهد‬
‫دليال على وجود هللا ووحدانيت ‪.‬‬ ‫احملسوسة واآلًّيت الكونية ً‬
‫بني ور احلواى مع العقل يف اب املع فة احلق‪ ،‬بل إن تعط لها‬ ‫‪-▐-‬‬ ‫‪ -‬ربط‬
‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ‬ ‫سبحل ل حن اف والذم‪ ،‬ال تعاىل‪:‬‬
‫ﱌﱍﱎﱏﱐﱑﱒﱓﱔﱕﱖﱗﱘﱙﱚﱛﱜ‬

‫ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ} [سورة األعراف‪.]375:‬‬
‫‪ -‬و وود نبووه ‪ -▐-‬إىل أن احلووواى وود ووودع وتأل ه و األم و ملووة ووع حق قتووه‪ ،‬ــال‬
‫تعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪{ :‬ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ‬
‫ﱲ} [سورة النور‪.]15:‬‬
‫‪ -‬إن جماالت املع فة احلس ة متصلة ابحملسوسـات املاديـة أو بعـامل الشـهادة‪ ،‬فـالكون كلـ مـال‬
‫رحب واسع‪ ،‬تُطلعنا في احلـوام علـى ظـاهر األشـياء ال علـى حقيقتهـا‪ُ ،‬مسـهلة الطريـق أمـام‬
‫العقل ملعرفة األشياء‪.‬‬
‫‪ -‬ممووا ينبغووي امتق وا ه مبادو يووة املع فووة احلس و ة‪ ،‬فقــد يط ـرأ علــى اإلنســان املــرض وغــري مــن‬
‫يتذو ـ ‪ ،‬بـل حـ احلـوام الصـحيحة السـليمة‬
‫العوارض األخر ؛ في ـد احللـو م ًـرا‪ ،‬بـل رمبـا مل ّ‬

‫‪12‬‬
‫اةاضرة األوىل‪ :‬أصول املعارف اإلسالمية ومصادرها‬

‫أيضا دودة وليس خار ة‪ ،‬فهي دودة إما حبدود املكان‪ ،‬فاإلنسـان ببصـر ال ميكـن‬ ‫هي ً‬
‫مثال مـا كـان بـل والدتـ‬ ‫أن ير كل شيء يف الوجود‪ ،‬أو حبدود ابلزمان‪ ،‬فال ميكن أن ير ً‬
‫وبع ــد وفاتـ ـ ‪ ،‬وك ــذا ه ــو ــدود بقدرتـ ـ واس ــتطاعت ‪ ،‬ف ــالعني ال ت ــر األش ــياء الص ــغرية ج ـ ًـدا‬
‫جدا كذل ‪.‬‬ ‫كامليكروابت والفايروسات‪ ،‬وال البعيدة ً‬
‫املصدر الثالث‪ :‬العقل‬
‫العقل هو‪ :‬للة التمييز واإلدراك لد اإلنسان‪.‬‬
‫ومل ه فاملع فة العقل ة‪ :‬هي ما يدرك اإلنسان من معارف بعقل ‪.‬‬
‫تنقس‪ :‬املعارف العقل ة إىل نومني‪:‬‬
‫النوووع األول‪ :‬املعووارف الي و ورية‪ .‬وهــي مــا اصــطلح علــى تســميت ابلبــديهيات العقليــة‪،‬‬
‫وهـي معقــوالت فطريــة هت ـ علـى الــنفس مــن غــري توســط نظـر واســتدالل‪ ،‬ونــد اإلنســان جهـ ًـدا‬
‫كبريا حملاولة التشكي فيها‪.‬‬
‫ً‬
‫(‪)3‬‬
‫ومن أمثلتها‪ :‬معرفة أن اةزء أصغر من الكل‪ ،‬وأن الواحد نصف االثنني ‪.‬‬

‫النوع الثاين‪ :‬املعارف الن ية‪ .‬وهي المل حنصل عليها ابلنظر واالستدالل‪ّ ،‬‬
‫فالتعرف على‬
‫املعرفة يكون من خالل املالحظة والت ربـة واملشـاهدة‪ ،‬واسـتقراء اةزئيـات‪ ،‬واسـتنتا مـا يناسـبها‬
‫(‪)2‬‬
‫من حقائق غري ملموسة‪ ،‬وهو املنهج الذ تُبو علي النظرًّيت العلمية ‪.‬‬

‫قواعد يف مصدر العقل‪:‬‬


‫‪ -‬يألعد العقل من أه‪ :‬ما م نز هللا به ا‪:‬نسان؛ فهو مناط الت ل ف‪ ،‬وأساى الفه‪:‬‬
‫واالستنباط الصا ح‪ ،‬فثبوت وجود هللا تعاىل يعتمد على العقل‪ ،‬وكذا صدق نبي دمحم‬

‫(‪ )3‬يُنظر‪ :‬الع ري ‪ ،‬مشور النهار‪( ،‬ف‪.)15‬‬


‫(‪ )2‬يق ــول اب ــن يم ــة ‪" :-♫-‬الره ــان ال ــذ ين ــال ابلنظ ــر في ـ العل ـ ال ب ــد أن ينته ــي إىل مق ــدمات ض ــرورية فطري ــة‪،‬‬
‫دائمـا لـزم‬
‫فإن كل عل ليس بضرور ال بد أن ينتهي إىل عل ضرور ؛ إج املقدمات النظرية لو أثبت مبقدمات نظريـة ً‬
‫ال ــدور القبلـ ــي أو التسلسـ ــل يف املـ ــمثرات يف ـ ــل ل ـ ـ ابتـ ــداء‪ ،‬وكالمهـ ــا ابطـ ــل ابلضـ ــرورة واتفـ ــاق العقـ ــالء مـ ــن وجـ ــو "‪.‬‬
‫يُنظر‪ :‬درء تعارض العقل والنقل‪.)105/1( ،‬‬

‫‪13‬‬
‫اةاضرة األوىل‪ :‬أصول املعارف اإلسالمية ومصادرها‬

‫دودا‪ ،‬مث ينمو ويقو حسب‬


‫ً‬ ‫تكامال وإاما‬
‫‪-‬ﷺ‪ ،-‬وهو مع جل ال يولد العقل ُم ً‬
‫الظروف احمليطة ب ‪ ،‬ومنهج التفكري الذ يستخدم اإلنسان‪ ،‬بل إنه ‪ -▐-‬ذم‬
‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ‬ ‫من يتبع عه بدون فه‪ :‬وال ومي وال تف ع‪ ،‬ال تعاىل‪:‬‬
‫ﱇﱈﱉﱊﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱑﱒﱓﱔﱕﱖ‬

‫ﱗ ﱘ} [سورة البقرة‪.]370:‬‬

‫‪ -‬لكمعرعة العقكية جماان تعمالن عيهما‪:‬‬


‫‪ ‬اجملال األول‪ :‬مامل الشها ة‪ .‬فالعقل ل السيادة يف عامل الشهادة مبا أعطا هللا وسخر‬
‫{ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ‬ ‫ل من أرض ومساء وجبال وأهنار‪ ،‬ال تعاىل‪:‬‬
‫ﲯﲰﲱﲲﲳﲴﲵﲶﲷﲸﲹﲺﲻﲼﲽ‬

‫ﲾﲿﳀﳁﳂﳃﳄﳅﳆﳇﳈﳉﳊﳋ‬

‫[سورة إبراهي ‪ ،]11-12:‬وعند إعمال العقل هنا‬ ‫ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ}‬


‫يكون مال إبدار‪.‬‬
‫‪ ‬اجملوال الثوواين‪ :‬االسوتدالل ملووة مووامل الغ وحل‪ .‬فالعقــل هنـا دور االســتدالل علـى وجــود‬
‫واالحت ـا للــوحي‪ ،‬والتســلي التـام ملــا يقدمـ مــن معلومـات‪ ،‬ولـ دور يف فهـ النصــوف‬
‫الشرعية بعد إثباهتا‪ ،‬ولكن ليس ل سلطة احلك النهائي‪.‬‬
‫‪ -‬إثبات العقل للغ حل هو إثبات جممل ال إثبات ك ف ة؛ ألن العقول عاجزة عن اإلثبات‬
‫املفصل‪ ،‬وال تستطيع إدراك حقيقتها وكيفيتها‪ ،‬مثل‪ :‬املوت والبعث وأهوال يوم القيامة‪،‬‬
‫والعذا يف النار والنعي يف اةنة وغري جل ‪ ،‬لذا ضر هللا األمثال يف القرلن؛ لتقرير‬
‫تنبيها للعقول على إمكان وجودها‪ ،‬ومن جل االستدالل ابلنشأة اآلخرة‬‫مسائل الغيب؛ ً‬
‫{ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ‬ ‫على النشأة األوىل‪ ،‬ال تعاىل‪:‬‬
‫ﲂﲃﲄﲅﲆﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏﲐﲑﲒ‬
‫ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ} [سورة يس‪.]75-77:‬‬

‫‪14‬‬
‫اةاضرة األوىل‪ :‬أصول املعارف اإلسالمية ومصادرها‬

‫‪ -‬ض ورة ا‪ :‬ار مبادو ية املعارف العقل ة‪ ،‬فال يستطيع اإلنسان بعقل ا رد اإلحاطـة بعـامل‬
‫الغيــب املطلــق‪ ،‬لكنـ يســتطيع إدراك ل ر واإلميــان بـ ‪ ،‬وتســلي العقــل للــنص الــذ ُ ــر بـ ؛‬
‫ألنـ لــيس لـ ــدرة علــى اإلحاطــة بـ ؛ كونـ عــاجز عــن إدراك كنهـ ‪ ،‬بــل إن مصــدر الوحيــد‬
‫الوحي‪ ،‬وهو بذل أراح العقل من عناء البحث فيما ال طائل من ورائ ‪.‬‬

‫املصدر الرابع‪ :‬اخلرب الصادق‬

‫مهما يف اب املعرفة اإلنسانية‪ ،‬فإنكـار اخلـر الصـادق يو ـع النـام‬


‫يُع ّد اخلر الصادق ركنًا ً‬
‫يف مــأزق‪ ،‬فــال ميكــن أن تقــوم ـ ائمــة يف حيــاهت االجتماعيــة والعلميــة واملعرفيــة‪ ،‬بــل إنـ يــمد‬
‫إىل تعطيل احلياة أبكملها‪.‬‬

‫ومثووال ذلووك‪ :‬يف احليــاة االجتماعيــة النــام يممنــون أبنســا ‪ ،‬ويعلموهنــا بطريــق اخلــر حـ‬
‫درا‪ ،‬وكــذا يف‬
‫مـع وجــود القـرائن إال أن اخلـر هــو األســام‪ ،‬وهـ ال يل ــمون لتحليــل ‪ DNA‬إال ً‬
‫مثال‪ ،‬تقوم على اخلر الصادق الوارد عند األطباء السابقني ‪.‬‬
‫سائر العلوم كالطبية ً‬
‫فإنكار اخلر إنكار لكل ما هو معلوم للبشـر بضـرورة وجـود ‪ ،‬بـل إن التفريـق بـني الصـدق‬
‫والكذ يف اب األخبار يزيد يقينًا بكون اخلر مصدر للمعرفة‪.‬‬

‫شروط إثبات صدق اخلرب‪:‬‬

‫‪ .3‬صدق املخر ب سواء كان بواسطة أم بدون‪.‬‬

‫‪ .2‬إمكان و ور اخلر وعدم استحالت ‪.‬‬

‫‪ .1‬انتفاء القرائن املنافية لصحة اخلر أو املشك في ‪.‬‬

‫‪ .4‬وجود الوسيلة املتصلة ابخلر‪.‬‬

‫وبن ــاء عل ــى ه ــذ األم ــور متمع ــة تص ــنف األخب ــار ص ــحيحة أو ض ــعيفة‪ ،‬مقبول ــة أو غ ــري‬
‫حسا وال معرفة‪.‬‬
‫عقال وال ً‬
‫مقبولة‪ ،‬فإجا حتقق هذ الشروط صح اخلر وال ميكن إلغاؤ ال ً‬

‫‪15‬‬
‫اةاضرة األوىل‪ :‬أصول املعارف اإلسالمية ومصادرها‬

‫واألخبار الصادقة عك نوعني باعتبار مصدرها‪:‬‬


‫النوع األول‪ :‬اارب الصا ق البش ي‪ .‬وبذل يُع ّد جزءًا من منظومة املعرفة‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫النوع الثاين‪ :‬املقصو به الوحي ا‪:‬هلي‪ :‬وهو معرفة تت اوز حدود املعرفة البشرية‪ ،‬فـال‬
‫ميك ــن اكتس ــا ا ابةه ــد البش ــر ‪ ،‬وإام ــا تع ــرف م ــن جه ــة اخل ــر الص ــادق عنه ــا‪ ،‬وهـ ـ األنبي ــاء‬
‫املعصومون‪.‬‬
‫ومنهج املعرفة اإلسالمي نعل احلاك واملمطر لغري من مصادر املعرفة األخر ‪.‬‬
‫وعل ــى جل ـ فإميانن ــا ابل ــوحي ه ــو ج ــزء م ــن اعتق ــاد أن اخل ــر الص ــادق مص ــدر للمعرف ــة‪،‬‬
‫والفارق بينهما أن املخـر ابلـوحي وخـر ينتهيـان إىل هللا ‪ ،--‬وهـذا لـ أثـر يف بـول األخبـار‬
‫(‪)2‬‬
‫وتصديقها ‪.‬‬

‫قواعد عامة لكوصول إىل معارف صحيحة‪:‬‬


‫أ‪ .‬احلذر من التقليد األعمى‪.‬‬
‫‪ .‬احلرف على طلب العل الصحيح‪.‬‬
‫ت‪ .‬التعامل ابستعالء مع االنفتاح الثقايف‪.‬‬
‫ث‪ .‬الدعوة إىل الت ربة يف ما ا الصحيح‪.‬‬

‫(‪ )3‬الوحي يف اللغة‪ :‬اإلشارة والرسالة واإل ام السريع‪.‬‬


‫اصطالحا‪ :‬إعالم هللا أنبيائ مبا يريد أن يبلغ إليه من شرر أو كتا بواسطة أو بدون واسطة‪ .‬ودليل ول تعاىل‪:‬‬
‫ً‬
‫{ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ ﳙ ﳚﳛ ﳜ ﳝ ﳞ ﳟ } [سورة‬
‫الشورى‪]51:‬‬
‫وصور أربع وهي‪:‬‬
‫‪ .3‬كالم هللا لنبي مباشرة من وراء ح ا ‪.‬‬
‫‪ .2‬كالم هللا لنبي بواسطة جريل‪.‬‬
‫‪ .1‬اإل ام‪.‬‬
‫‪ .4‬الرؤًّي الصاد ة‪ .‬يُنظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬لسان العر (‪ ،)157/35‬أبو شهبة‪ ،‬املدخل لدراسة القرلن (ف‪.)84‬‬
‫(‪ )2‬من جل تصديقنا وإمياننا حبدوث اإلسراء واملعرا ‪ ،‬منطلقـني مـن إمياننـا ابهلل تعـاىل وبقدرتـ ‪ ،‬فهـو فالـذ خلـق الكـون‬
‫ادر ‪ -▐-‬على مثل جل ‪ ،‬بل نعلنا نممن ابملع زات‪ ،‬فالذ خلق الكون هو الذ أحدث املع زة‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫اةاضرة األوىل‪ :‬أصول املعارف اإلسالمية ومصادرها‬

‫‪ .‬التحذير من تنا ل الشائعات واألخبار غري الصحيحة‪.‬‬


‫ح‪ .‬دور فيما نسمع من اكتشافات اآليت‪:‬‬
‫‪ ‬التعرف على مصدر املعلومة هل هو موثوق أم ال؟‬
‫‪ ‬مكــان نشــر املعلومــة‪ ،‬هــل هــو يف ا ــالت العلميــة احملكمــة؟ أم يف وســائل اإلعــالم‬
‫وا الت العامة؟‬
‫‪ ‬هل املعلومة منطقية وتتوافق مع مـا اكتشـاف حـ اآلن؟ لـيس ابلضـرورة أن تتوافـق‬
‫مع ناعتنا‪ ،‬بل األه توافقها مع املنهج العلمي؛ إلثبات القضاًّي العلمية‪.‬‬
‫‪ ‬يف ح ــال أش ــكل علين ــا الفهـ ـ نس ــأل أه ــل االختص ــاف؛ لي ــت اختب ــار ه ــذ املـ ـزاع‬
‫والتحقق من صحتها‪.‬‬

‫القسم الثاني‪ :‬مصادر تكقي املعارف اإلسالمية‪:‬‬


‫تنقس‪ :‬مصا ر تلقي املعارف ا‪:‬س م ة إىل ث ثة مصا ر أساس ة متفق مل ها‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫املصدر األول‪ :‬القرلن الكر ‪.‬‬
‫املصدر الثاين‪ :‬السنَّة الصحيحة‪.‬‬
‫املصدر الثالث‪ :‬اإلاار املتفق علي ‪.‬‬

‫املصدر األول‪ :‬القرآن الكريم‬


‫الق آن يف اللغة‪ :‬هو مصدر للفعل ـرأ مبعـو‪ :‬تـال‪ ،‬وجعـل املصـدر منـ امسًـا للكـالم املنـزل‬
‫{ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖ‬ ‫على نبينا دمحم ‪-‬ﷺ‪ ،-‬يشهد ذا ولـ تعـاىل‪:‬‬
‫ﳗ ﳘ ﳙ ﳚ ﳛ ﳜ} [سورة القيامة‪.]35-37:‬‬
‫اصط هحا‪ :‬هو كالم هللا املنزل علـى نبيـ «دمحم» ‪-‬ﷺ‪ ،-‬املع ـز بلفظـ ‪ ،‬املتعبـد بتالوتـ ‪،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫املنقول ابلتواتر‪ ،‬املكتو يف املصاحف‪ ،‬من أول سورة «الفاحتة» إىل لخر سورة «النام» ‪.‬‬

‫(‪ )3‬يُنظر‪ :‬املدخل لدراسة القرلن الكر ‪( ،‬ف‪.)23‬‬

‫‪17‬‬
‫اةاضرة األوىل‪ :‬أصول املعارف اإلسالمية ومصادرها‬

‫دائل حجية القرآن‪:‬‬

‫جدا‪ ،‬و ـد حظـي القـرلن منـذ و ـ نزولـ مبسـتو عـال مـن‬


‫إن موضور ثبوت القرلن مه ً‬
‫العناية والرعاية من رسول هللا ‪-‬ﷺ‪ -‬والصحابة ‪ -╚-‬كتابة وحفظًـا‪ ،‬ومون أبو ف الودال ل‬
‫اليت تثبت صاة نسبته هلل تعاىل ما يلي‪:‬‬

‫حتوودهللا هللا ا‪:‬نووس والوون ملووة أن توووا مبثوول القو آن فع ووزوا‪ ،‬مث حتـ ّداه أن أيتـوا بعشــر ســور‬
‫فقــط‪ ،‬فع ــزوا مث حت ـ ّداه أن أيت ـوا مبثــل أصــغر ســورة مــن القــرلن فل ـ يســتطيعوا‪ ،‬مــع أن الــذين‬
‫حت ّداه كانوا أبلغ اخللق وأفصحه ‪ ،‬والقرلن نزل بلغته ‪ ،‬ومـع هـذا أعلنـوا ع ـزه التـام الكامـل‪،‬‬
‫{ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ‬ ‫واألدلــة علــى هــذا التحــد مــن القــرلن كثــرية‪ ،‬منهــا ول ـ تعــاىل‪:‬‬
‫ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ} [س ـ ـ ـ ــورة‬
‫اإلسـراء‪ ،]88:‬بـل إنوه ‪ -▐-‬بوني أمو‪ :‬لوون يسوتط عوا أن ي سوبوا هوذا التاودي‪ ،‬ــال‬
‫{ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ‬ ‫تع ـ ـ ــاىل‪:‬‬
‫ﲿﳀﳁﳂﳃﳄﳅﳆﳇﳈﳉﳊﳋﳌﳍﳎﳏ‬
‫ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ} [ســورة البقــرة‪ ]24-21:‬وهووذا التاوودي ا‬
‫اق مووا امووت‬ ‫‪،‬‬

‫(‪)3‬‬
‫السماوات واألرض ‪.‬‬

‫‪ -‬ميمون الق آن وما يتعلق به‪ ،‬ومن ذلك إخبواره هموور ب وة مسوتقبل ة‪ ،‬مل يتخلـف منهـا‬
‫خر واحد‪ ،‬واألمثلة يف جل كثري منها‪:‬‬

‫‪ ‬مــا أخــر بـ ‪ -▐-‬عــن مشــركي ـريش‪{ :‬ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ} [ســورة‬


‫تــال بيــنه وبــني املســلمني‪ ،‬ومــا هــي إال‬ ‫بــل أ‬ ‫القمــر‪ ،]45:‬وهــي ليــة مكيــة نزل ـ‬
‫ســنوات يســرية ح ـ أســس املســلمون دولــته وجــاء اــع املشــركون إىل حــتفه يف غــزوة‬
‫بدر وهزموا وولوا الدبر‪ ،‬فمن أين للن ‪-‬ﷺ‪ -‬هذا اخلر لوال أن ُمنزل من عند هللا‪.‬‬

‫(‪ )3‬يُنظر‪ :‬كامل الصور‪.)40-17/2( ،‬‬

‫‪18‬‬
‫اةاضرة األوىل‪ :‬أصول املعارف اإلسالمية ومصادرها‬

‫‪ -‬صدق مبلغه وهو ال سول ‪-‬ﷺ‪ ،-‬والشواهد على جل كثرية‪ ،‬منها‪:‬‬


‫مرا يف ومـ مبكـة ال يـرون منـ إال الصـدق واألمانـة‪ ،‬حـ‬ ‫‪ ‬أن ‪-‬ﷺ‪ -‬بل بعثت لبث عُ ً‬
‫استحق لقب الصادق األمـني‪ ،‬لـذا عنـد إعـالن الـدعوة أتكـأ علـى مـا يعرفونـ مـن صـد‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َن َخـ ْـي ًال ابلـ َـواد تُِريـ ُـد أَ ْن تُغـ َ‬
‫ـري‬ ‫َخبَ ـ ْـرتُ ُك ْ أ َّ‬
‫وبعــد عــن الكــذ ‪ ،‬فقــال ـ ‪« :‬أ ََرأَيْــتَ ُك ْ لَـ ْـو أ ْ‬
‫ـال‪« :‬فَـِإِّين نَـ ِـذير‬
‫ص ـ ِّد ِ َّي؟» َــالُوا‪ :‬نَـ َع ـ ْ ‪َ ،‬مــا َجَّربْـنَــا َعلَْي ـ َ إَِّال ِص ـ ْد ًا‪َ ،‬ـ َ‬
‫َعلَـ ْـي ُك ْ ‪ ،‬أَ ُكْن ــتُ ْ ُم َ‬
‫(‪)3‬‬
‫يد» ‪.‬‬ ‫لَ ُك بـني ي َد ع َذا إ ش ِد إ‬
‫َ‬ ‫ْ َْ َ َ ْ َ‬
‫ـامال مــع مــا في ـ مــن لًّيت عاتب ـ هللا فيهــا‪ ،‬ومــن جل ـ ــول‬ ‫‪ ‬أن ـ ‪-‬ﷺ‪ -‬بلــغ القــرلن كـ ً‬
‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ‬ ‫تع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪:‬‬
‫ﱐ ﱑ} [سورة عبس‪.]4-3:‬‬

‫من خصائص القرآن الكريم‪:‬‬


‫‪ -‬خامت ال تحل وامله من مل ها‪.‬‬
‫ـامال‬
‫القــرلن الكــر لخــر الكتــب الســماوية‪ ،‬أنزلـ هللا علــى خــا األنبيــاء دمحم ‪-‬ﷺ‪ ،-‬شـ ً‬
‫{ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ‬ ‫ةميع اسن الكتـب السـابقة‪ ،‬ـال تعـاىل‪:‬‬
‫ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ} [س ــورة املائ ــدة‪ ]48:‬؛ فق ــد جع ــل هللا ه ــذا‬
‫الكتــا العظــي الــذ أنزل ـ لخــر الكتــب وخا هــا‪ ،‬أمشلهــا وأعظمهــا وأحكمهــا‪ ،‬حيــث‬
‫ـاهدا‬
‫اــع في ـ اســن مــا بل ـ ‪ ،‬وزاد مــن الكمــاالت مــا لــيس يف غــري ؛ فلهــذا جعل ـ شـ ً‬
‫(‪)2‬‬
‫وحاكما عليها كلها ‪.‬‬
‫ً‬ ‫وأمينًا‬
‫‪ -‬ت فل هللا حبف ه‪.‬‬
‫{ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ‬ ‫اختص هللا القرلن الكر تكفل حبفظ ‪ ،‬ال تعاىل‪:‬‬
‫ﲍ ﲎ} [سورة احل ر‪ ،]5:‬وأما الكتب السابقة فقد أوكل مهمة حفظها لألحبار‬

‫(‪ )3‬صحيح البخار ‪.)333/9( ،‬‬


‫(‪ )2‬يُنظر‪ :‬تفسري ابن كثري‪ ،‬ت سالمة‪.)328/1( ،‬‬

‫‪19‬‬
‫اةاضرة األوىل‪ :‬أصول املعارف اإلسالمية ومصادرها‬

‫{ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ‬ ‫والرهبان‪ ،‬ال تعاىل‪:‬‬


‫{ﱁ ﱂ‬ ‫[سورة املائدة‪ ،.]44:‬والنتي ة أهن ضيعوها‪ ،‬ال تعاىل‪:‬‬ ‫ﲇ ﲈ ﲉ}‬
‫ﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉﱊﱋﱌﱍﱎ‬
‫ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ} [سورة لل عمران‪.]387:‬‬

‫املصدر الثاني‪ :‬السُّنة الصحيحة‬


‫السنة يف اللغة‪ :‬الطريقة والسرية‪ ،‬حسنة كان أم سيئة‪.‬‬
‫ُّ‬
‫‪ :‬اختلفـ ـ تع ــاريف الس ــنة عن ــد العلم ــاء حس ــب اخ ــتالف اختصاص ــه‬ ‫يف االصو ووط‬
‫وغرضه ‪ ،‬ومن جل ما يلي‪:‬‬
‫السنة مند ملماء احلديث‪ :‬مـا أضـيف للنـ ‪-‬ﷺ‪ -‬مـن ـول أو فعـل أو تقريـر أو صـفة‬
‫ُّ‬
‫خلقية أو خلقية‪.‬‬
‫السنة مند ملماء أصول الفق ‪ :‬ما صدر عن الن ‪-‬ﷺ‪ -‬من ـول أو فعـل أو تقريـر ـا‬
‫ُّ‬
‫دليال حلك شرعي‪.‬‬
‫يصلح أن يكون ً‬

‫السنة مند ملماء الفقهاء‪ :‬ما أمر ب الشارر ً‬


‫أمرا ليس على سبيل اإللزام‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫فأهـل للحـديث نظـروا للســنة مـن اب اال تـداء والتأسـي برســول هللا‪ ،‬وأهـل األصـول نظــروا‬
‫ـيال حلكـ شـرعي مـن ح ّـل وحرمـة أو‬
‫إلي ‪-‬ﷺ‪ -‬بصفت املشرر؛ فأخذوا مـا يصـلح أن يكـون دل ً‬
‫اســتحبا وكراهــة‪ ،‬أمــا الفقهــاء فقــد أطلقوهــا علــى بعــال األحكــام الشــرعية إطال ًــا ال ــتص‬
‫بفعل الن ﷺ‪.‬‬
‫دائل حجية السُّنة‪:‬‬
‫السنة هي املصدر الثاين لتلقي العلوم الشرعية بعد القرلن الكر ‪ ،‬وهي ح ة نب اعتقـاد‬
‫مضموهنا‪ ،‬والعمل مبقتضاها‪ ،‬وثبوت الشريعة ا‪ ،‬وهذا الذ علي املسلمون عـر العصـور‪ ،‬ومون‬
‫الدال ل اليت تدل ملة ذلك‪:‬‬

‫‪21‬‬
‫اةاضرة األوىل‪ :‬أصول املعارف اإلسالمية ومصادرها‬

‫أ‪ .‬من القرآن الكريم‪:‬‬


‫{ﱁ‬ ‫‪ -‬النصوص الق آن ة اآلم بطامة ال سول ‪-‬ﷺ‪ -‬وا رتاما بطامة هللا‪ ،‬ال تعـاىل‪:‬‬
‫ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ} [س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــورة‬
‫النساء‪.]80:‬‬
‫{ﲐ ﲑ ﲒ‬ ‫‪ -‬أم و هللا تعوواىل بقبووول مووا جوواء موون الن و ‪-‬ﷺ‪ ،-‬ــال تعــاىل‪:‬‬
‫ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ} [سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــورة‬
‫احلشر‪.]7:‬‬
‫{ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ‬ ‫‪ -‬حووذر سووباانه موون الفتووه حتووذي ها شوودي هدا‪ ،‬ــال تعــاىل‪:‬‬
‫ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ} [سورة النور‪.]91:‬‬
‫{ﲬ ﲭ ﲮ‬ ‫‪ -‬ربط سباانه بني ا‪:‬ميان به وبني التااك‪ :‬إىل رسوله‪ ،‬ال تعاىل‪:‬‬
‫ﲯﲰﲱﲲﲳﲴﲵﲶﲷﲸﲹﲺﲻ‬
‫‪-‬ﷺ‪-‬‬ ‫[سورة النساء‪ ،]95:‬والتحاك يكون إلي‬ ‫ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ}‬

‫يف حيات وبعد وفات إىل سنت ‪.‬‬

‫ب‪ .‬من السُّنة املطهرة‪:‬‬


‫ـاه ُد‬‫الشـ ـ ـ ِ‬
‫‪ -‬النصو و وووص اآلم و و و ة حبف و و و احلو و ووديث وتبل غو و ووه‪ ،‬ـ ــال ‪-‬ﷺ‪« :-‬أَالَ لِيُـبَـلِّـ ـ ـ ِغ َّ‬
‫(‪)3‬‬
‫ب» ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الغَائ َ‬
‫‪ -‬األحا يث املوجبة العمل بسنته‪ ،‬ال ‪-‬ﷺ‪« :-‬علَي ُك بِسن َِّمل وسن َِّة ْ ِ ِ‬
‫اخلُلَ َفاء الْ َم ْهديِّ َ‬
‫ني‬ ‫َْ ْ ُ َُ‬
‫ت ْاأل ُُمـوِر‪ ،‬فَـِإ َّن ُك َّـل ُْ َدثَ إـة‬‫الر ِاش ِدين‪َّ ََ ،‬س ُكوا ِ ا وعضوا علَيـها ِابلنـَّو ِاج ِذ‪ ،‬وإِ ًَّّي ُك وُْ َد َ ِ‬
‫َ َْ‬ ‫َ ََ َ َْ َ‬ ‫َّ َ‬
‫(‪)2‬‬
‫إ‬
‫بِ ْد َعة‪َ ،‬وُك َّل بِ ْد َعة َ‬
‫ض َاللَة» ‪.‬‬

‫(‪ )3‬صحيح البخار ‪.)300/7( ،‬‬


‫(‪ )2‬سنن أيب داود‪.)203/4( ،‬‬

‫‪21‬‬
‫اةاضرة األوىل‪ :‬أصول املعارف اإلسالمية ومصادرها‬

‫‪ -‬حذر ‪-‬ﷺ‪ -‬من التف يق بني كتاب هللا وسنة رسوله ‪-‬ﷺ‪ ،-‬وذلك األخذ ب تاب‬
‫َّكئًـا َعلَـى أَ ِري َكتِـ ِ َأيْتِيـ ِ ْاأل َْم ُـر ِم ْـن‬
‫ني أَحـ َد ُك مت ِ‬ ‫ِ‬
‫وحده ون السنة‪ ،‬ال ‪-‬ﷺ‪َ« :-‬ال أُلْف َ َّ َ ْ ُ‬
‫اَّللِ اتَّـبَـ ْعنَا ُ» ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫ول َال نَ ْد ِر َما َو َج ْد َ ِيف كِتَا ِ َّ‬ ‫ت بِِ أ َْو نَـ َهْي ُ َعْن ُ‪ ،‬فَـيَـ ُق ُ‬ ‫ِ‬
‫أ َْم ِر َّا أ ََم ْر ُ‬
‫مصدرا للتشريع‪ ،‬واألمثلة على جل كثـرية‬
‫ً‬ ‫ت‪.‬عمل الصحابة ‪ ،-╚-‬واختاجه السنة‬
‫منها‪:‬‬

‫‪ ‬مو و و و ووف أ الصو و و ووديق ‪ -◙-‬يف ي و و و و ة امل و و و وعا ‪ ،‬عنـ ـ ـ ــدما جـ ـ ـ ــاءت فاطمـ ـ ـ ــة‬
‫‪ -▲-‬تطلب مرياثها من أبيها رسول هللا ‪-‬ﷺ‪ ،-‬وطلب يوافق ظاهر ول تعاىل‪:‬‬
‫{ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋﲌ} [سورة النساء‪ .]33:‬وعند‬
‫(‪)2‬‬
‫أيب بكر نص من رسول هللا ‪-‬ﷺ‪« :-‬إن األنبياء ال يورثـون‪ ،‬مـا تركـو صـد ة» ‪ ،‬فلـ‬
‫يعطها ألجل جل ‪ ،‬ولوال أن ‪ -◙-‬رأ أن السنة ح ة ملزمة ملا س بذل يف‬
‫مقاب ـل إص ـرار فاطم ــة ‪ -▲-‬ب ــل ــال‪« :‬إين أخش ــى إن ترك ـ ش ــيئًا م ــن أم ــر أن‬
‫(‪)4‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫أزيغ» ‪ ،‬ويف هذا بيان ألمهية النص النبو وعدم جواز خمالفت ‪.‬‬

‫ث‪ .‬من اإلمجاع‪:‬‬

‫ووال الشووافعي‪" :‬أاــع النــام علــى أن مــن اســتبان ل ـ ســنة عــن رســول هللا ‪-‬ﷺ‪ -‬مل‬
‫(‪)5‬‬
‫يكــن ل ـ أن يــدعها لقــول أحــد مــن النــام" ‪ ،‬بــل وحكم ـوا علــى كفــر منكرهــا بعــد أن‬
‫ام علي احل ة‪ ،‬والتكفري ال يكون إال على أمر طعي‪.‬‬

‫(‪ )3‬سنن أيب داود‪.)200/4( ،‬‬


‫(‪ )2‬صحيح البخار ‪.)345/8( ،‬‬
‫(‪ )1‬صحيح البخار ‪)75/4( ،‬؛ صحيح مسل ‪.)3755( ،‬‬
‫(‪ )4‬يُنظر‪ :‬كامل الصورة‪.)87/2( ،‬‬
‫(‪ )5‬يُنظر‪ :‬إعالم املو عني عن ر العاملني‪ ،‬ت‪ :‬ط عبد الرؤوف‪.)282/2( ،‬‬

‫‪22‬‬
‫اةاضرة األوىل‪ :‬أصول املعارف اإلسالمية ومصادرها‬

‫تساؤل‪ :‬لو مل يكن عندنا غري القرآنحمل وا يوجد أي حديث لكرسول ‪-‬ﷺ‪-‬؛ عهل نسزتطيع‬
‫أن نؤدي أركان اإلسالم اخلمسة بصورة صحيحة أم ا؟‬
‫الص ة‪ :‬ك مرة أمر أبدائها يف اليوم والليلة؟ أو اهتا؟ هل هو مذكور علـى التفصـيل يف القـرلن؟‬
‫اةوا ‪ :‬ال‪.‬‬
‫الزكاة‪ :‬أمر هللا يف القرلن أبدائها‪ ،‬وجكر عقوبة مانعها‪ ،‬لكن مـا املقـدار الـذ ـب فيـ الزكـاة؟‬
‫وما املقدار الذ ر منها لترأ جمة املزكي؟ هل هي مذكورة يف القرلن؟ اةوا ‪ :‬ال‪.‬‬
‫احلج‪ :‬موا ي احلج‪ ،‬وأظهر شعائر احلج رمي اةمرات‪ ،‬هل جكر يف القرلن؟ اةوا ‪ :‬ال‪.‬‬
‫ـذكورا يف القــرلن‪ ،‬واألع ــب أننــا مل نكــن نعلـ‬
‫فكــل هــذا مــذكور يف ســنة النـ ‪-‬ﷺ‪ ،-‬ولــيس مـ ً‬
‫أن ل سالم أركا ً مخسة إال من طريق السنة‪ ،‬بل لو نظر يف كثري من أبوا الشريعة سـن د أن‬
‫أحكاما مهمة مل تذكر إال يف السنة‪ ،‬وهذا ‪-‬بال ش ‪ِّ -‬‬
‫يبني أمهية السنة ومكانتها‪.‬‬ ‫ً‬
‫املصدر الثالث‪ :‬اإلمجاع املتفق عكيه‬
‫ا‪:‬مجاع يف اللغة‪ :‬يطلق ملة أحد معن ني‪ ،‬ومها‪:‬‬
‫اخلرو أو على اخلرو ‪ :‬إجا‬ ‫‪ -‬األول‪ :‬العزم على الشيء والتصمي علي ‪ ،‬تقول‪ :‬أاع‬
‫{ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ‬ ‫علي ‪ ،‬ومن ول تعاىل‪:‬‬ ‫عزم‬
‫ﱍﱎﱏﱐﱑﱒﱓﱔﱕﱖﱗﱘﱙﱚ‬

‫ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ} [سورة يونس‪ .]73:‬أ ‪ :‬اعزموا أمرك‬


‫مع شركائك ‪.‬‬
‫‪ -‬الثوواين‪ :‬االتفــاق‪ ،‬تقــول‪ :‬أاــع القــوم علــى أمــر‪ :‬إجا اتفق ـوا علي ـ ‪ ،‬ومن ـ ول ـ تعــاىل يف صــة‬
‫{ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ‬ ‫يوســف ‪ -♠-‬مــع إخوتـ ‪:‬‬
‫ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ} [سورة يوسف‪.]302:‬‬
‫ب‪.‬‬
‫أ ‪ :‬اتفقوا على إلقاء يوسف يف غيابة اةُ ّ‬

‫‪23‬‬
‫اةاضرة األوىل‪ :‬أصول املعارف اإلسالمية ومصادرها‬

‫‪ :‬اتفاق ا تهدين مـن أمـة دمحم ‪-‬ﷺ‪ -‬بعـد وفاتـ يف عصـر مـن العصـور علـى‬ ‫يف االصط‬
‫(‪)3‬‬
‫حك شرعي ‪.‬‬
‫أدلة حجية اإلمجاع‪:‬‬
‫يُع ّد اإلاـار ح ـة شـرعية نـب العمـل بـ ‪ ،‬وحتـرم خمالفتـ ‪ ،‬فهـو لـث مصـادر التلقـي بعـد‬
‫الـوحيني‪ ،‬وهـو مـن أبـرز منا ـب األمـة اإلسـالمية‪ ،‬فقـد ضـمن هللا ـا يف حـال اجتماعهـا الصــيانة‬
‫وتعظيمــا لنبيهــا ‪-‬ﷺ‪ ،-‬ح ـ تكــون األمــة معصــومة يف التبليــغ إىل يــام‬
‫ً‬ ‫مــن اخلطــأ؛ تكرميـًـا ــا‬
‫الساعة‪.‬‬
‫أ‪ .‬من الق آن‪:‬‬
‫{ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ‬ ‫اس ــتدل العلم ــاء بقول ـ ـ تع ــاىل‪:‬‬
‫ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ} [سورة النساء‪،]335:‬‬
‫فاهلل توعد ابلنار من اتبـع غـري سـبيل املـممنني‪ ،‬فـذل يوجـب اتبـار سـبيله ‪ ،‬فإاـاعه علـى أمـر‬
‫سبيال ‪ ،‬فيكون اتباع واجبًا على كل واحد من املممنني‪.‬‬ ‫كان ً‬
‫السنة‪:‬‬
‫ب‪ .‬من ُّ‬
‫تعـددت األحاديـث الـمل أخـرت بعصـمة األمــة مـن اجتماعهـا علـى اخلطـأ والضـالل‪ ،‬ومــن‬
‫ضـرُه ْ َم ْـن َخـالََف ُه ْ ‪َ ،‬حـ َّ‬ ‫جل ول ‪-‬ﷺ‪...« :-‬ولَن تَـز َال ه ِذ ِ األ َُّمةُ َائِمةً علَى أَم ِر َِّ‬
‫اَّلل‪ ،‬الَ يَ ُ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫َْ َ َ‬
‫اَّللِ» ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫َأيِْيتَ أ َْم ُر َّ‬
‫مستند اإلمجاع‪:‬‬
‫التش ـريع ح ــق خ ــالص هلل تع ــاىل‪ ،‬ل ــذا ك ــان ال ب ــد لك ــل إا ــار م ــن مس ــتند يس ــتند عليـ ـ ‪،‬‬
‫فالفتو بدون مستند ودليل ول يف ال ِّدين بال عل ‪ ،‬و د هنينا عن جل ‪ ،‬ال تعاىل‪{ :‬ﲾ ﲿ‬
‫ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ} [سورة اإلسـراء‪ ،.]19:‬لـذا ال يكـون اإلاـار إال مبسـتند شـرعي سـواء نقـل‬
‫إلينا هذا املستند أم مل يُنقل‪.‬‬

‫(‪ )3‬يُنظر‪ :‬الشوكاين‪ ،‬إرشاد الفحول إىل حتقيق احلق من عل األصول‪.)351/3( ،‬‬
‫(‪ )2‬أخرج البخار ‪)25/3( ،‬؛ ومسل ‪.)3017( ،‬‬

‫‪24‬‬
‫اةاضرة األوىل‪ :‬أصول املعارف اإلسالمية ومصادرها‬

‫تساؤل‪ :‬ما عائدة اإلمجاع مع وجود املستند الشرعي؟‬


‫طعيـة‪،‬‬ ‫‪ .3‬إن املستند الشرعي د يكون ظين الثبوت‪ ،‬أو تكـون داللتـ علـى احلكـ ليسـ‬
‫(‪)3‬‬
‫فريفع اإلاار من مرتبة الظين إىل مرتبة القطعي ‪.‬‬
‫‪ .2‬كيد احلك يف حال كان املستند طعياا‪.‬‬
‫‪ .1‬يُستغو ابإلاار عن البحث عن الدليل؛ ألن دليل بذات ‪ ،‬وإن مل يُعرف مستند ‪.‬‬

‫أمثكة عك اإلمجاع‪:‬‬
‫أمجعت األمة ملة مجلة كبعة من األح ام‪ ،‬فمن ذلك‪:‬‬
‫‪ -‬أاع األمة أن نوز للحائال التسبيح والتهليل وسائر األجكار غري القرلن‪.‬‬
‫ونزئ ‪.‬‬
‫‪ -‬أاع األمة أن من ال يستطيع رمي اةمار لعذر‪ ،‬فإن يُرمى عن ُ‬
‫رد املبيــع يف‬
‫إجا اش ـ ط اخليــار مــدة معلومــة‪ ،‬فإن ـ ميل ـ ّ‬ ‫‪ -‬أاع ـ األمــة علــى أن املش ـ‬
‫تل املدة‪.‬‬
‫ُ‬

‫(‪ )3‬األ لة الش م ة و اللتها منها ما هو طعي ومنها ما هو ظين‪ ،‬فاأل لة الش م ة هي‪:‬‬
‫‪ .3‬منها ما هو طعي الثبوت‪ :‬ما طعنا بنسبت إىل الشارر كالقرلن والسنة املتواترة‪.‬‬
‫‪ .2‬منها ما هو ظين الثبوت‪ :‬كأحاديث اآلحاد المل مل مع األمة على تلقيها ابلقبول‪.‬‬
‫وكذا من ح ث اللة النص‪:‬‬
‫صا يف املراد من ال طتمل غري معنا ‪.‬‬
‫‪ .3‬من ما هو طعي الداللة‪ :‬ما كان ن ا‬
‫تمال ألكثر من وج ‪.‬‬‫‪ .2‬من ما هو ظين الداللة‪ :‬ما كان ً‬
‫فمعىن ما كان من النصوص طعي الثبوت والداللة هو ما ال جمال ل جتها ف ه‪ ،‬وما كان ظين أحدمها أو ظن هما‬
‫فهو جمال اجتها العلماء‪.‬‬
‫فأملة النصوص رتبة ما كان طعي الثبوت والداللة‪ ،‬ومند التعارض يألق ندم القطعي ملة ال ين‪.‬‬
‫فاجا ار بني القرلن والسنة من حيث القطعية والظنية فالقرلن كل طعي الثبوت‪ ،‬ومن ما هو طعي الداللة‪ ،‬ومن مـا‬
‫هو ظين الداللة‪.‬‬
‫أما السنَّة فمنها ما هو طعي الثبوت‪ ،‬ومنها ما هو ظين الثبوت‪ ،‬وكل واحد منهما د يكون طعي الداللة و د يكون‬
‫ظين الداللة‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫اةاضرة األوىل‪ :‬أصول املعارف اإلسالمية ومصادرها‬

‫قواعد يف مصادر تكقي املعارف اإلسالمية‪:‬‬


‫آًن وسنة صوا اة أحود أهو‪ :‬مصوا ر املع فوة يف ا‪:‬سو م‪ ،‬ولوه جمواالت‬ ‫أ‪ .‬يأل ُّ‬
‫عد الوحي ه‬
‫اختص مها ون بق ة املصوا ر‪ ،‬فقـدم لنـا ً‬
‫علمـا يف كثـري مـن ا ـاالت الـمل أخفقـ فيهـا‬
‫املصــادر األخــر ‪ ،‬و ــا اخــتص ب ـ الــوحي بيان ـ الغيــب احملــال‪ :‬كأخبــار اليــوم اآلخــر‪،‬‬
‫ومصــري اإلنســان بعــد املــوت‪ ،‬وحقيقــة الــروح‪ ،‬وعل ـ الســاعة‪ ،‬وكــذل اخــتص ابلتش ـريع‬
‫وبيان أحكام ‪ ،‬وما في هداية العباد وصالحه ‪.‬‬
‫{ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ‬ ‫‪ .‬ت فو وول هللا ‪ -▐-‬حبف و و كتابو ووه‪ ،‬ــال تع ــاىل‪:‬‬
‫‪-‬ﷺ‪ ،-‬فـرغ‬ ‫ﲍ ﲎ} [سورة احل ـر‪ ،]5:‬وكذا حف لنا ما يب نه سونة نب وه‬
‫وجــود األحاديــث املوضــوعة واملكذوبــة إال أن ـ اســتطار العلمــاء ييزهــا والكشــف عنهــا‪،‬‬
‫ومــن و ــف عل ــى عل ـ احلــديث واملص ــطلح س ــيقف عل ــى اتريــخ ت ــدوين الس ــنة‪ ،‬وطريق ــة‬
‫العلماء ود ته يف تلقيها‪ ،‬واةهل بطريقة حفظ السنة واتريخ تدوينها وما يتعلق ا مـن‬
‫(‪)3‬‬
‫علوم ال يعين عدم وجود ‪.‬‬
‫ت‪ .‬من امله‪ :‬التنبه أن نصوص الوحي ل ست جمو نصووص إخباريوة كمـا يـدعي الـبعال‪،‬‬
‫وأن العب ــد مطال ــب ابلتس ــلي ــا ابلعاطف ــة دون ناع ــة عقلي ــة‪ ،‬ب وول ال وووحي ووا ‪ :‬مل ووة‬
‫الداللة العقل ة ومتيمن هلا‪ ،‬إال أن كل ما ثب ابلنقـل فـال بـد أن يكـون ح ًقـا‪ ،‬وإن مل‬
‫يعقلـ ـ اإلنس ــان م ــن ك ــل وجـ ـ ؛ ألن ه ــذا ه ــو مقتض ــى التس ــلي بص ــدق الن ـ ـ ‪-‬ﷺ‪-‬‬

‫وعصمت يف التبليغ‪ ،‬مع الش يف شيء ا يبلغ عن هللا تعاىل‪.‬‬


‫ث‪ .‬املع فووة امل تسووبة موون الوووحي مع فووة يق ن ووة مطلقووة‪ ،‬جلـ أن الــوحي بصــفت جــزءًا مــن‬
‫عل هللا ل ما ذ الصفة من كوهنـا حقيقـة مطلقـة غـري ـدودة‪ ،‬وداللـة الـوحي يف إفـادة‬
‫(‪)2‬‬
‫املعرفة الدينية داللة شرعية مسعية وعقلية ‪.‬‬

‫(‪ )3‬شبهة خر تدوين السنة‪ ،‬وأن أول من كتب البخار بعد وفاة الرسول ‪-‬ﷺ‪ -‬بـ ‪ 200‬سـنة‪ ،‬الصـحيح أن البخـار‬
‫أول من ا تصر على الصحيح يف كتاب ‪ ،‬وإال فالسنة دون منذ زمن الن ‪-‬ﷺ‪ -‬يف صحف شخصية متفر ة‪.‬‬
‫(‪ )2‬يُنظر‪ :‬ابن تيمية‪ ،‬ممور الفتاو ‪.)319/31( ،‬‬

‫‪26‬‬
‫اةاضرة األوىل‪ :‬أصول املعارف اإلسالمية ومصادرها‬

‫أيهما أعم مصادر املعرعة أم مصادر املعارف اإلسالمية؟‬


‫‪ -‬أن مصادر املعرفة أع من مصادر تلقي املعارف اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ -‬أن مصــادر املعــارف اإلســالمية ابعتبــار حــدود مــا ميكــن أن يعل ـ أوســع وأمشــل؛ كوهنــا‬
‫مرتبطة مبصدر إ ي ل مطلـق العلـ ‪ ،‬ـر عـن تفاصـيل اةنـة والنـار وأخبـار اليـوم اآلخـر‪،‬‬
‫وكذا تعريفنا ابهلل تعاىل وأبمسائ وصفات على التفصيل‪.‬‬
‫ما العالقة بني مصادر املعرعة ومصادر املعارف اإلسالمية؟‬
‫العالقة بني الفطرة والوحي‪:‬‬
‫ـدرا م ــن مص ــادر املعرف ــة يف اإلس ــالم يعتم ــد عليـ ـ ك ــدليل يف مس ــائل‬
‫ال تُعـ ـ ّد الفط ــرة مص ـ ً‬
‫االعتقادات والعبادات‪ ،‬فهي ال تصلح لذل ‪.‬‬
‫ـابال العتنــاق احلــق‬
‫لكــن غايــة العال ــة بينهمــا إثبــات وجودهــا يف كــل إنســان‪ ،‬ووجودهــا علـ ـ ً‬
‫واإلميان ب ‪ ،‬فهي متوافقة مع طبيعت المل ُجبل عليها وفُطر‪.‬‬
‫العالقة بني احلس والوحي‪:‬‬
‫‪ -‬تظهــر أمهيــة احلـوام كوهنــا طريقــة للمعرفــة‪ ،‬فبهــا يتوصــل لألمــور املعنويــة‪ ،‬و ــد جــاء جلـ‬
‫{ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ‬ ‫ول ـ ـ تع ــاىل‪:‬‬ ‫ـريا يف الش ــرر‪ ،‬وم ــن جل ـ ـ‬
‫كث ـ ً‬
‫ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ} [س ــورة النح ــل‪ ،]5:‬فلم ــا جك ــر تع ــاىل م ــن احلي ـوا ت م ــا‬
‫ـريا مــا يقــع يف الشــرر‬
‫يســار عليـ يف الســبيل احلســية نبـ علــى الطريــق الدينيــة املعنويــة‪ ،‬وكثـ ً‬
‫(‪)3‬‬
‫العبور من األمور احلسية إىل األمور املعنوية النافعة ‪.‬‬
‫‪ -‬يس ــتخدم امل ــنهج احلس ــي يف دع ــوة املت ــاهلني للس ـ ـنن الكوني ــة‪ ،‬واملنك ـ ـرين للب ــديهيات‬
‫العقلية‪ ،‬فإن املعاندين ال تفيد معه إال احلقائق املعتمدة على امللموسات واحملسوسات‪،‬‬
‫وعلى هـذا األسـام جـاءت كثـري مـن مع ـزات األنبيـاء والرسـل ‪-‬علـيه السـالم‪ -‬ماديـة‬
‫سوسة‪.‬‬
‫ستخدم املصدر احلسي يف تعلي األمور التطبيقية العملية يف ال ِّدين والدعوة إليها‪.‬‬ ‫‪ -‬يُ َ‬

‫(‪ )3‬يُنظر‪ :‬تفسري ابن كثري‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫اةاضرة األوىل‪ :‬أصول املعارف اإلسالمية ومصادرها‬

‫العالقة بني العقل والوحي‪:‬‬


‫‪ -‬أن العقل الصحيح ال يعارض الوحي الصـحيح‪ ،‬ومـا طصـل مـن تـوه معارضـة مـرد إمـا‬
‫(‪)3‬‬
‫عقال‪ ،‬أو أثر ضعيف ظن وحيًا ‪.‬‬‫إىل وه ظن ً‬
‫‪ -‬أن أدلة الوحي ليس كلها أدلة خرية خالصة‪ ،‬بل هي مشتملة على األدلة العقلية المل‬
‫تثب أصول االعتقاد‪ ،‬فمن يقرأ القرلن ند جل ‪.‬‬
‫‪ -‬عن ــد االخ ــتالف يك ــون املرج ــع ال ــوحي املعص ــوم بنصوص ـ الش ــرعية‪ ،‬ف ــالعقول تتف ــاوت‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫{ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ‬ ‫فــاحلق مــا نــزل مــن عنــد ر ّ العقــول عنــد اختالفهــا ‪ ،‬ــال تعــاىل‪:‬‬
‫ﳓ ﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ ﳙ ﳚ ﳛ ﳜ} [سورة النساء‪.]55:‬‬

‫تنبيهات‪:‬‬
‫‪ -‬أن مصا ر املع فة ترتتحل حبسحل نوع املع فة‪:‬‬
‫‪ ‬فإن كان املعرفة دينية فاملصدر األصلي هو الوحي (القرلن والسـنة)‪ ،‬واملصـادر األخـر‬
‫مساندة (الفطرة‪ ،‬احلس‪ ،‬العقل)‪.‬‬
‫‪ ‬وإن كان دنيوية ريبية حبيث ال تتعلق أبمور ال ِّدين فمصـدرها الت ربـة‪ ،‬وختضـع لألطـر‬
‫والقواعد العامة للوحي‪.‬‬
‫‪ -‬يف بنواء املع فووة الدين ووة ال بوود أن ي امووة ودو يووة املصووا ر األخو هللا كاحلســية والعقليــة؛ إج‬
‫هي ابلنسبة للمصدر األصلي (الوحي) مصادر إدراك وإثبات ل ‪ ،‬تساعد على التثبـ مـن‬
‫صحتها وتفسريها وإعما ا بصورة صحيحة؛ لبناء تصور صحيح نتعبد هللا ب ‪.‬‬
‫‪ -‬من أبو ف اوات املعوارف ا‪:‬سو م ة التوافوق والت امول بوني مصوا رها‪ :‬فاملعرفـة يف اإلسـالم‬
‫متوافق ــة ومتكامل ــة ال تع ــرف التن ــافر‪ ،‬وال حتت ــو عل ــى القطيع ــة املعرفي ــة ب ــني أجزائ ـ ؛ فهن ــاك‬

‫(‪ )3‬ول بن تيمية‪" :‬ال ميكن أن يتعارض نص صحيح مع عقل صريح‪ ،‬فإن ثب العكس فـالطعن ابلعقـل أوىل فـال ميكـن‬
‫رد ال ــنص الكام ــل ابلعق ــل الن ــا ص‪ ،‬فالعال ــة ب ــني ال ــوحي والعق ــل عال ــة تكام ــل وص ـريح املعق ــول ال يع ــارض ص ــحيح‬
‫املنقول"‪.‬‬
‫(‪ )2‬يُنظر‪ :‬ابن تيمية‪ ،‬ممور الفتاو ‪)441/39( ،‬‬

‫‪28‬‬
‫اةاضرة األوىل‪ :‬أصول املعارف اإلسالمية ومصادرها‬

‫تكامل بني احلس والـوحي‪ ،‬وتكامـل بـني النظـر والعمـل‪ ،‬وتكامـل بـني املعرفـة العلميـة واملعرفـة‬
‫(‪.)3‬‬
‫بع من ليات مبدأ التوحيد يف وحدة احلقيقة‬ ‫الغيبية‪ ،‬وكل جل‬
‫‪ -‬يألسامد ا‪:‬س م ملة تق ي املصدر املع يف الصا ح‪ ،‬ل ن ال يعوين ذلوك ضو ورة امتثوال‬
‫املتلقي والعمل مبقتيوة ذلوك املصودر وموا يف وده‪ ،‬ومثـال جلـ ‪ :‬أن كفـار ـريش مل ميـنعه‬
‫مــن اتبــار الرســول ‪-‬ﷺ‪ -‬غيــا املصــدر أو ضــعف احل ــة أو فظاظــة أســلو الــدعوة‪ ،‬بــل‬
‫{ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ‬ ‫هـ ــي يف حقيقـ ــة األمـ ــر موانـ ــع شخصـ ــية‪ ،‬ـ ــال تعـ ــاىل‪:‬‬
‫ﲼ ﲽ} [سورة القصص‪.]50:‬‬
‫‪ -‬ارتباط املع فة العمل‪ :‬فاملعرفة يف الرؤية اإلسالمية ليس غاية يف ح ّد جاهتا‪ ،‬ولكن ال ب ّد‬
‫)‪(2‬‬
‫عمال ومل‬
‫أن تلحقها مرحلة أخر تتمثّل يف السلوك أو العمل‪ ،‬فاملعرفة إجا كان تتطلب ً‬
‫{ﲊ‬ ‫وابال علي ‪ ،‬ومن النماج املذكورة يف القرلن ول تعاىل‪:‬‬
‫ً‬ ‫يعمل العارف ا كان‬
‫ﲋﲌﲍﲎﲏﲐﲑﲒﲓﲔﲕﲖﲗﲘ‬

‫ﲙﲚﲛﲜﲝﲞﲟﲠﲡﲢﲣﲤﲥﲦ‬

‫ﲧﲨﲩﲪﲫﲬﲭﲮﲯﲰﲱﲲﲳﲴﲵ‬
‫[سورة األعراف‪ ،]379-375:‬ويف تشبي هذا العامل‬ ‫ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ}‬
‫الذ انصرف عن العمل مبا عمل ابلكلب حتذير لنا؛ ح ال تصرف األعمار يف حتصيل‬
‫معارف مردة عن العمل واالتبار‪.‬‬

‫(‪ )3‬عبد هللا القرين‪ ،‬املعرفة يف اإلسالم‪( ،‬ف‪https://islamonline.net/31671 ،)21-22‬‬


‫(‪https://islamonline.net/31671 )2‬‬

‫‪29‬‬
‫اةاضرة الثانية‪ :‬بناء الذات وتكوين الشخصية‬

‫اةاضرة الثانية‬
‫الشخْصِيَّةِ‬
‫بِززززززززنَززززززززا ُء الزززذّاتِ وَتَ ْكوِي ُن َّ‬

‫‪31‬‬
‫اةاضرة الثانية‪ :‬بناء الذات وتكوين الشخصية‬

‫‪ ‬أهداف الدرس‪:‬‬
‫ومكو هتا وخصائصها‪.‬‬ ‫يتعرف الطّالب على مفهوم الشخصية ّ‬ ‫‪ -‬أن َّ‬
‫‪ -‬أن ي ــدرك الطال ــب أمهيَّ ــة بن ــاء الـ ـنَّفس وتك ــوين الشخصـ ـيَّة‪ ،‬واإلع ــداد ل ــذل يف مرحل ــة‬
‫ال ِّدراسة‪.‬‬
‫‪ -‬أن يتع ـ َّـرف الطّال ــب عل ــى أص ــول بن ــاء الـ ـنَّفس يف خمتل ــف جوانبه ــا‪ :‬العلميَّــة‪ ،‬والعمليَّ ــة‪،‬‬
‫والنفسيَّة‪.‬‬
‫‪ -‬أن يربط الطّالب بني أسس بناء ال ّذات‪ ،‬وتكامل جوانب الشخصيَّة نظراًّي وتطبيقياا‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫اةاضرة الثانية‪ :‬بناء الذات وتكوين الشخصية‬

‫‪ ‬التمهيد‪:‬‬

‫َّ‬
‫إن االنتبا للذات وبنائها‪ ،‬وشخصية اإلنسان وتكوينها‪ ،‬أمر مه للغاية‪ ،‬فهذ املسألة ال‬
‫ميرون ـذ احليـاة‪ ،‬ويتنقلـون فيهـا‪ ،‬مث ي كوهنـا وهـ‬ ‫يتنبّ ا كثري من النام‪ ،‬فإن الغالبية العظمى ّ‬
‫ال يعرفــون شــيئًا عــن أنفســه ‪ ،‬ومل ينتبه ـوا لــذواهت ‪ ،‬ومل يتفطن ـوا للقــدرات الــمل أودعهــا هللا تعــاىل‬
‫خصه ا‪.‬‬
‫فيه ‪ ،‬واملزاًّي المل ّ‬
‫ولكــي نعطــي تصــوارا يبـ ّـني أمهيــة عنايــة اإلنســان ببنــاء شخصــيت ‪ ،‬فلنتخيّــل أ َّ أرض شــيّد‬
‫ائمــا كان ـ األرض خاليــة‪ ،‬ال ختتلــف عــن غريهــا مــن‬
‫عليهــا بنــاء‪ ،‬فقبــل أن يكــون هــذا البنــاء ً‬
‫ـزم علـى بنائهــا‪ ،‬التخطــيط ــا‪ ،‬واإلعـداد ألجــل هــذا البنــاء ــا‬
‫األراضـي اةــرداء‪ ،‬فحينمــا ّ العـ ُ‬
‫يتعلق ابلغرض من ‪ ،‬وا دف من بنائ ‪ ،‬وما ينبين على جل من املسائل ا ندسية واخلطة الزمنية‪،‬‬
‫إىل غري جل ‪.‬‬

‫هــذا املثــال (بنــاء األرض) يشــب إىل ح ـ ّإد كبــري (بن وواء ا‪:‬نس ووان وتشو و ل مقل ووه وت وووين‬

‫شخص ته)‪ ،‬فإجا تنبّ اإلنسان لنفس ‪ ،‬والغاية من خلق ‪ ،‬وعمـل ألجـل بنـاء جلـ أصـبح ً‬
‫اموججـا‬
‫بورا‪ ،‬بل َّ‬
‫إن بناء اإلنسان أعظ وأه ّ من بناء اةماد‪.‬‬ ‫أرضا ً‬
‫يدا‪ ،‬وإن أمهلها أصبح ً‬‫فر ً‬
‫وبعــد بيــان أمهيــة البنــاء‪ ،‬أييت التأكيــد علــى أمهيــة هــذا األمــر يف مراحــل اإلنســان العمريــة‬
‫تكون الشخصية‪ ،‬وتشكل العقل‪ ،‬يقول الشاعر‪:‬‬ ‫البناء‪ ،‬وهو و‬ ‫األوىل؛ ألن جل هو و‬
‫ـديد‬
‫فمطلبه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا كه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًـال عليـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫إجا امل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرءُ أعيتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ امل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروءةُ ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــئًا‬

‫‪ ‬أصول بناء النفس وتكوين الشخصية‪:‬‬

‫إن مــنهج ال بيــة يف اإلســالم يقــوم علــى التكامــل والنظــرة اةامعــة‪ ،‬وعلــى ت ـرابط العناصــر‬
‫وتفاعله ــا حبي ــث ال يطغ ــى جان ــب عل ــى لخ ــر‪ ،‬وال يس ــتعلي عنص ــر عل ــى غ ــري ‪ ،‬ح ـ حتق ــق يف‬
‫مموعها االست ابة ل كيب اإلنسان نفس اةامع بني‪ :‬املادة والروح‪ ،‬والعقل والقلب‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫اةاضرة الثانية‪ :‬بناء الذات وتكوين الشخصية‬

‫و بـل احلـديث عـن هـذ األصــول نقـ ّدم هـذا التعريـف للشخصــية‪ ،‬الـذ جـاء يف ملـة علـ‬
‫ول م وون جمموم و اوة م وون ااص ووا ص الس ووم ة والوجدان ووة النزوم ووة‬
‫وام مت ام و ت‬
‫ال ــنفس أبهن ــا‪" :‬ن و ت‬
‫(‪)3‬‬
‫تعني هوية الف ومتنزه من عه من األف ا مت هزا ب نها" ‪.‬‬ ‫وا‪ :‬راك ة‪ ،‬اليت ن‬

‫نلخـص أهـ‬‫ِ‬
‫بعد هذا التعريف الذ من خاللـ نعـرف مكـو ت الشخصـية‪ ،‬ميكـن لنـا أن ّ‬
‫األصــول‪ ،‬وعمــع بــني أبــرز املكـ ِّـو ت الــمل ينبغــي علــى اإلنســان أن يهــت ّ ابســتكمال حتصــيلها يف‬
‫هذ اةوانب الثالثة‪:‬‬
‫(‪ )1‬األساى العلمي‪.‬‬
‫(‪ )2‬األساى العملي‪.‬‬
‫(‪ )3‬األساى الننفسي واألخ ي‪.‬‬
‫وهذ األسس مأخوجة من اةوانـب الـمل جـاءت يف حـديث جريـل ‪ -♠-‬املشـهور‪،‬‬
‫حينمــا س ــأل الن ـ ‪-‬ﷺ‪ -‬ع ــن اإلس ــالم واإلميــان واإلحس ــان‪ ،‬جل ـ أن ـ ‪-‬ﷺ‪ -‬حينم ــا س ــأل‬
‫وج ـ هــذ األســئلة ــال‪« :‬هووذا جربيوول أيكوو‪ :‬يعلم وو‪ :‬أم و‬ ‫الرجــل‪ ،‬بعــدما ّ‬ ‫الصــحابة عــن هــذا َّ‬
‫يوون ‪ .»:‬ففهـ العلمــاء مــن جلـ أن الـ ِّدين يتكـ ّـون مــن هــذ اةوانــب الثالثــة‪ ،‬وتتكامــل أصـول‬
‫وفروع ـ مــن خال ــا‪" ،‬فاإلســالم ل ـ نــور‪ ،‬واإلميــان ل ـ نــور أ ــو من ـ ‪ ،‬واإلحســان ل ـ نــور أ ــو‬
‫(‪)2‬‬
‫منهما؛ فإجا اجتمع اإلسالم واإلميان واإلحسان‪ ..‬امتأل القلب واةوارح بذل النور" ‪.‬‬
‫كما أن هذ األسس األربعة تراعي اةوانب المل ترّكب منها اإلنسان‪:‬‬
‫‪ -‬ال و ‪.‬‬
‫‪ -‬والعقل‪.‬‬
‫‪ -‬والسد‪.‬‬

‫نقال عن‪ :‬األمراض النفسية والعقلية ألمحد عزت‪( ،‬ف‪.)54‬‬


‫(‪ )3‬ا لد األول‪ ،‬العدد األول‪ً ،‬‬
‫(‪ )2‬مدار السالكني‪.)330/1( ،‬‬

‫‪33‬‬
‫اةاضرة الثانية‪ :‬بناء الذات وتكوين الشخصية‬

‫{ﱣ ﱤ‬ ‫والمل ال ينفصل منها جانب عن لخر‪ ،‬يقـول اإلمـام ابـن القـي ‪ " :‬ـال تعـاىل‪:‬‬
‫ـأخر أَنـ ـ س ـ ّـو الـ ـنَّفس‬
‫ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ} [س ــورة الش ــمس‪ ،]8-7:‬فَـ ْ‬
‫َكما أخـر أَنـ س ّـو البـدن ِيف َـ ْولـ ‪{ :‬ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ} [سـورة االنفطـار‪،.]7:‬‬
‫فسـ ‪ ،‬فتسوووية‬ ‫اإلنْســان كمــا ســو بدنـ ‪ ،‬بــل ســو بدنـ كالقالــب لنَ ِ‬
‫فَـ ُهــو ُسـ ْـبحان ُ ســو نفــس ِْ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫(‪)3‬‬
‫الْبدن يبع لتسوية الننفس‪ ،‬والْبدن َموضور ا كالقالب ملا ُهو موضور ل " ‪.‬‬
‫لكل أسام‪.‬‬‫وستتضح معامل جل من خالل التفصيل التاا ِّ‬
‫(‪ )1‬األساس العِكمي‪.‬‬
‫للعل ـ يف اإلســالم منزلــة رفيعــة‪ ،‬ومكانــة عاليــة ســامقة‪ ،‬ال تكــاد تــدانيها أ منزلــة أخــر ‪،‬‬
‫ِ‬
‫الســر يف جل ـ أن طريقــة معرفــة هللا تعــاىل إامــا تكــون ابلعل ـ ‪ ،‬وأن مــن غــاًّيت الوجــود اإلنســاين‬
‫و ّ‬
‫التعرف إىل هللا تعاىل من خالل ل ر يف الكون‪ ،‬ومـن خـالل أمسائـ احلسـو وصـفات العـال‪ ،‬ـال‬
‫دمحم‪.]35:‬‬ ‫هللا تعاىل‪{ :‬ﳙ ﳚ ﳛ ﳜ ﳝ ﳞ} [سورة‬
‫وإجا كـ ــان سـ ــبيل معرفـ ــة هللا تعـ ــاىل إامـ ــا تكـ ــون ابلـ ــتعل فـ ــإن شـ ــرف العل ـ ـ بشـ ــرف الغايـ ــة‬
‫السـمات الـمل يتسـ ـا‬ ‫ِ‬
‫واملوضور‪ ،‬لذل كان العل من أشرف اخلالل‪ ،‬وأعظ الصفات‪ ،‬وأجل ّ‬
‫هذا اإلنسان‪ ،‬وم كان اإلنسان غري عامل‪ ،‬فقد ُجِّرد من إنسانيت المل ـا َّهـل للخطـا ‪ ،‬و ـا‬
‫يــدل علــى جل ـ داللــة واضــحة بيِّنــة أن هللا ‪ --‬عنــدما عــرض املشــرور اإلنســاينَّ األول علــى‬
‫املالئكــة {ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ} [ســورة البقــرة‪ ]10:‬اســتغرب‬
‫{ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ‬ ‫املالئك ـ ــة وتع ّ ب ـ ـ م ـ ــن ه ـ ــذا املخل ـ ــوق‬
‫ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ} ‪.‬‬
‫{ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ‬ ‫فأراد هللا تعاىل أن يرز حقيقة اإلنسانية الكاملة بقول ‪:‬‬
‫ﱥﱦﱧﱨﱩﱪﱫﱬﱭﱮﱯﱰﱱﱲﱳﱴ‬

‫ﱵﱶﱷﱸﱹﱺﱻﱼﱽﱾﱿﲀﲁﲂﲃﲄﲅ‬

‫ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ}‬
‫[سورة البقرة‪.]11-13:‬‬

‫(‪ )3‬الروح‪( ،‬ف‪.)18‬‬

‫‪34‬‬
‫اةاضرة الثانية‪ :‬بناء الذات وتكوين الشخصية‬

‫عندها استحق لدم ـذ الصـفة اإلنسـانية الكاملـة (صـفة العلـ ) أن يكـون موضـع إجـالل‬
‫{ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ‬ ‫وتقــدير وإعظــام مــن املالئكــة‪:‬‬
‫ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ} [سورة البقرة‪]14:‬‬

‫لقــد جكــر القــرلن الكــر (مــادة‪ :‬عل ـ ) بصــيغها الصــرفيّة املختلفــة يف أكثــر مــن‪)700( :‬‬
‫موضع‪ ،‬أ ‪ :‬أننا ال نكاد عد صفحة يف كتا هللا إال وفيها جكر العل ‪ ،‬وكثرة جكر الشيء تدل‬
‫على االهتمام ب واالعتناء‪ ،‬و َّ‬
‫أن ل يمة كر ‪.‬‬

‫بعــد هــذا كل ـ و بل ـ نــدرك أن أول ليــة نزل ـ يف القــرلن الكــر ‪ ،‬ويف شــهر القــرلن الكــر‬
‫لبداية اإلسالم‪ ،‬وإلنقاج العامل من الظلمات هي لية تدعو إىل العل ‪.‬‬

‫والـ َم ْعل األسام يف القراءة والعلـ يف اإلسـالم هـي‪( :‬القو اءة اسو‪ :‬هللا تعواىل)‪ ،‬وهـذا هـو‬
‫جــوهر الفــرق بــني راءتنــا حنــن املســلمني وبــني ـراءة غــري ‪ ،‬فنقـرأ حنــن وغــري سـواء‪ ،‬نقـرأ الكــون‪،‬‬
‫ونقـرأ حقــائق احليــاة‪ ،‬وحقــائق األشــياء املختلفــة‪ ،‬لكــن اخلطــوة األوىل يف ـراءة املســل هــي القـراءة‬
‫ابسـ ـ هللا تع ــاىل‪ ،‬أ أن راءتـ ـ تعب ــد‪ ،‬فه ــو ال ي ــتعل إلش ــبار غري ــزة ال ــتعل ‪ ،‬أو هنـ ـ املعرف ــة‪ ،‬أو‬
‫الوصول إىل غاًّيت دنيوية صورة و دودة‪ ،‬إاما يقرأ ابس هللا تعـاىل‪ ،‬أ أن كـل راءتـ يف هـذا‬
‫الك ــون املنظ ــور‪ ،‬أو الكت ــا املس ــطور تنطل ــق م ــن ه ــذا القاع ــدة‪ ،‬فتك ــون راءتـ ـ علـ ـ الط ــب‪،‬‬
‫والكيمياء والفيزًّيء‪ ...‬إخل إاما هي من هذا اةانب‪.‬‬

‫وابال عليـ يـوم القيامـة‪،‬‬


‫فإن من مل يسل هذا املسل وينهج هذا النهج فإن علم يكون ً‬
‫وابال علي ـ يف ال ــدنيا ب ــل اآلخ ــرة‪ ،‬وه ــا حن ــن ن ــر ال ــذين يق ــرؤون بغ ــري ه ــذا امل ــنهج‪،‬‬
‫ب ــل يك ــون ً‬
‫وينطلقون يف راءهت بغري اس هللا‪ ،‬من منطلق ِّ‬
‫حب السيطرة أو الغلبة أو التفـوق ا َّـرد‪ ،‬يـدمرون‬
‫الكـ ــون اإلنسـ ــاين ومظـ ــاهر احليـ ــاة في ـ ـ ‪ ،‬ـ ــا ن ـ ـرا مـ ــن األسـ ــلحة امل ــدمرة‪ ،‬واألسـ ــلحة اةرثوميـ ــة‪،‬‬
‫والكيمياوية‪ ،‬ومن مظاهر اخللل املوجودة‪ ،‬من موضور طبقة األوزون‪.‬‬

‫أما األسام العلمي الذ يعنينا من حيث بناء اإلنسان وتكوين ثقافت ‪ ،‬فنأخذ مـن ـول‬

‫الن ‪-‬ﷺ‪« :-‬طلب العل فريضة على ِّ‬


‫كل مسل »‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫اةاضرة الثانية‪ :‬بناء الذات وتكوين الشخصية‬

‫‪ ‬فالعلوم تنقس‪ :‬إىل سمني‪:‬‬


‫ين‪.‬‬
‫ض م ٌّ‬
‫‪ .1‬ف ت‬
‫ض كفا ٌّي‪.‬‬
‫‪ .2‬ف ت‬
‫أوال فيبـدأ بـ ‪ ،‬مث مـا‬ ‫فعندما يريد املرء أن يتعل ال َّ‬
‫بد أن يعرف ما هو العلـ الواجـب عليـ ً‬
‫هو العل غري الواجب فيمخر ‪.‬‬
‫وإن أوىل ما ينبغي على املسل أن يتعلّم مـا يتعلـق ابلعقيـدة‪ ،‬واإلميـان أبركاهنـا السـتة‪ ،‬ومـا‬
‫يتعلّق أبركان اإلسـالم اخلمسـة‪ ،‬أ ‪ :‬بعبادتـ ‪ ،‬ومـا يتعلَّـق ـذ العبـادة ـا نـب تعلمـ ؛ كأحكـام‬
‫تالوة القرلن‪ ،‬وأحكام فق الصالة‪ ،‬والزكاة‪ ،‬والصيام‪ ،‬واحلج‪.‬‬
‫وه ــذا األس ــام األول واخلط ــوة األوىل ال ــمل ينب ــين عليه ــا م ــا أييت بع ــد لي ــل م ــن األس ــام‬
‫العملــي‪ ،‬واألســام النفســي واألخال ــي‪ ،‬فــإن العمــل ال يكــون بــال علـ ‪ ،‬وتزكيــة الــنفس ال تكــون‬
‫بال معرفة‪.‬‬

‫(‪ )2‬األساس العَمكي‪.‬‬


‫وهذا األسام يقوم على جانب العبادة يف اإلسالم‪ ،‬وأثر على شخصـية اإلنسـان املسـل ‪،‬‬
‫وال ــذ ال يغي ــب عن ـ ـ ب ــل يتك ــرر عل ــى مس ــمع ــول هللا تع ــاىل‪{ :‬ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ‬
‫ﱨ ﱩ} [سورة الذارًّيت‪ ]59:‬؛ ليعرف أن يمت إاما تتحقق ذا األسام‪ ،‬وأن العبـادات‬
‫يف خمتلف صورها ومراتبها إاما هي يف احلقيقة صلة بني العبد وربّ ‪ ،‬والعبادة يف مفهومها الشرعي‬
‫هي‪" :‬اس‪ :‬جامع ل ل ما حيبه هللا وي ضاه من األ وال واألفعال ال اه ة والباطنة"‪.‬‬
‫أن أ َّ عمـ إـل يــدخل فيمــا ســبق فإن ـ عبــادة‪ ،‬وأن العبــادات يف اإلســالم‬ ‫ونفه ـ مــن هــذا َّ‬
‫ليس صورة يف الشعائر واألركان والفرائال‪ ،‬وهذا من فضل هللا علينـا يف توسـيع هـذ الـدائرة؛‬
‫ـورا متع ــددة‪ ،‬ب ــل إنن ــا إجا أرد أن نـ ـربط ه ــذا األس ــام مب ــا ج ــاء يف‬
‫لتش ـمل جوان ــب خمتلف ــة وص ـ ً‬
‫األس ــام العلم ــي األول‪ ،‬فيمكنن ــا أن عع ــل طل ــب العل ـ ـ يف خمتل ــف اةوان ــب العلمي ــة والطبي ــة‬
‫وا ندسية وغريها ا يندر يف هذين األساسني‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫اةاضرة الثانية‪ :‬بناء الذات وتكوين الشخصية‬

‫والذ يهمنا تبيين يف هذا األسام هو‪ :‬أثو العبوا ات يف ح واة املسول‪ ،:‬والـمل ينبغـي أن‬
‫يهــت ّ نانبهــا األســام يف تكــوين شخصــيت ‪ ،‬فاإلســالم جــاء لريتقــي ابإلنســان مــن جانبـ املــاد‬
‫كرمـ هللا تعــاىل‪ ،‬و ــذا لــو أننــا ملنــا مــا جــاء يف‬
‫ويســمو بـ إىل مقامـ اإلنســاين الــذ مــن أجلـ َّ‬
‫استقالال‬
‫ً‬ ‫كتا هللا تعاىل وسنة رسول ‪-‬ﷺ‪ -‬من اآلًّيت واألحاديث المل تتحدث عن العبادة‬
‫أو مق نــة بوصــف لخــر‪ ،‬لوجــد أهنــا تمــع يف معــاين مش ـ كة‪ ،‬يف هتــذيب اإلنســان‪ ،‬وتزكيت ـ ‪،‬‬
‫واالرتقاء ب ‪ ،‬وتربيت ‪ ،‬فيما يكون يف عال ت برب ‪ ،‬ونفس ‪ ،‬وغري ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫عــن معـ ِ‬
‫ـال‪ُ « :‬كْن ـ ُ َمـ َـع النَّـِ ِّ ‪-‬ﷺ‪ِ -‬يف َس ـ َف إر فَأ ْ‬
‫َصــبَ ْح ُ يَـ ْوًمــا َ ِريبًــا مْن ـ ُ‬ ‫ـاج بْـ ِن َجبَـ إـل َـ َ‬ ‫َ ْ َُ‬
‫َوَْحن ُن نَ ِسريُ فَـ ُق ْل ُ ‪:‬‬
‫اع ُدِين ِم َن النَّا ِر‪.‬‬
‫اةنَّةَ‪ ،‬ويـب ِ‬ ‫ِ‬ ‫اَّللِ‪ ،‬أ ْ ِ ِ‬
‫َخ ْرِين ب َع َم إل يُ ْدخلُِين َْ َ َُ‬ ‫ًَّي نَِ َّ َّ‬
‫اَّللُ َعلَْي ِ‪.‬‬
‫َ َال‪ :‬لََق ْد َسأَلْ َ َع ْن َع ِظي إ ‪َ ،‬وإِنَّ ُ لَيَ ِسري َعلَى َم ْن يَ َّسَرُ َّ‬
‫ضا َن‪َ ،‬وَحتُج الْبَـْي َ ‪.‬‬
‫وم َرَم َ‬
‫صُ‬ ‫الزَكاةَ‪َ ،‬وتَ ُ‬ ‫اَّللَ َوال تُ ْش ِرُك بِِ َشْيـئًا‪َ ،‬وتُِقي ُ َّ‬
‫الصالةَ‪َ ،‬وتُـ ْمِيت َّ‬ ‫تَـ ْعبُ ُد َّ‬
‫الر ُج ِـل‬
‫صـالةُ َّ‬ ‫الص َد َةُ تُطْ ِفئ ْ ِ‬ ‫ُمثَّ َ َال‪ :‬أَال أ َُدل َ َعلَى أَبْـ َوا ِ ْ‬
‫اخلَِْري؟ َّ‬
‫اخلَطيئَةَ‪َ ،‬و َ‬ ‫ُ‬ ‫الص ْوُم ُجنَّة‪َ ،‬و َّ‬
‫ـاىل‪{ :‬ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ} [ســورة السـ دة‪]39:‬‬ ‫ِيف جــو ِ‬
‫ف اللَّْيـ ِـل‪ُ ،‬مثَّ َـ َـرأَ َـ ْولَـ ُ تَـ َعـ َ‬ ‫َْ‬
‫َح َّت بَـلَ َغ‪{ :‬ﱸ}‪.‬‬
‫ُمثَّ َ َال‪ :‬أَال أُخِر َك بِرأْ ِم ْاألَم ِر وعم ِ‬
‫ود ِ َوجُ ْرَوةِ َسنَ ِام ِ؟‬ ‫ْ َ َُ‬ ‫ُْ َ‬
‫اَّللِ‪.‬‬
‫ول َّ‬ ‫فَـ ُق ْل ُ ‪ :‬بَـلَى‪ًَّ ،‬ي َر ُس َ‬
‫الصالةُ‪ ،‬وِجروةُ سنَ ِام ِ‪ِْ :‬‬
‫اد‪.‬‬
‫اة َه ُ‬ ‫ود ُ‪َ َ ْ َ َّ :‬‬ ‫م األ َْم ِر َو َع ُم ُ‬
‫َ َال‪َ :‬رأْ ُ‬
‫الك جَلِ َ ُكلِّ ِ؟‬
‫ُمثَّ َ َال‪ :‬أَال أُخِر َك مبِِ ِ‬
‫ُْ‬
‫اَّللِ‪.‬‬
‫فَـ ُق ْل ُ لَ ُ‪ :‬بَـلَى‪ًَّ ،‬ي نَِ َّ َّ‬
‫ف َعلَْي َ َه َذا‪.‬‬ ‫َخ َذ بِلِ َسانِِ فَـ َق َال‪ُ :‬ك َّ‬
‫فَأ َ‬
‫اخ ُذو َن ِمبَا نـَتَ َكلَّ ُ بِِ!‬ ‫ول َِّ‬
‫اَّلل‪َ ،‬وإِ َّ لَ ُم َم َ‬ ‫فَـ ُق ْل ُ ‪ًَّ :‬ي َر ُس َ‬
‫فَـ َق َال‪ :‬ثَ ِكلَْت أُمـ ًّي معـاجُ‪ ،‬وهـل ي ُكـب النَّـام علَـى وج ِ‬
‫ـوه ِه ْ ِيف النَّـا ِر‪- ،‬أ َْو َ َ‬
‫ـال‪َ :‬علَـى‬ ‫َ َ ُُ‬ ‫َ َ َ َُ ََ ْ َ‬
‫صائِ ُد أَلْ ِسنَتِ ِه ْ »‪.‬‬ ‫ِ ِ‬
‫َمنَاخ ِره ْ ‪ -‬إِال َح َ‬

‫‪37‬‬
‫اةاضرة الثانية‪ :‬بناء الذات وتكوين الشخصية‬

‫(‪ )3‬األساس النَّفسي واألخالقي‪.‬‬


‫إن نف ــس اإلنس ــان تتقل ــب ب ــني اخل ــري والش ــر‪ ،‬والف ــور والتق ــو ‪ ،‬كم ــا ــال هللا ‪:--‬‬
‫{ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ} [سورة الشمس‪ ،]8-7:‬وهي بطبيعتها‬
‫{ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ}‬ ‫نح إىل الغواية و يل عن ا داية‪ ،‬كما ـال تعـاىل‪:‬‬
‫[سورة يوسف‪.]51:‬‬
‫ل ــذا فاحلاج ــة إىل تعاه ــد إص ــالحها ش ــديدة‪ ،‬والعناي ــة أبمره ــا أكي ــدة‪ ،‬وإص ــالحها يك ــون‬
‫ابلتزكيــة‪ ،‬ـال ســبحان ‪{ :‬ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ} [ســورة الشــمس‪-5:‬‬
‫‪.]30‬‬
‫{ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ‬ ‫و ـ ـ ـ ــال‪:‬‬
‫ﱛ} [سورة اةمعة‪.]2:‬‬
‫وزاد سبحان فأ س على هذ احلقيقة تنبيها وتنويها أبطول س يف الكتا ‪ ،‬أبحد عشر‬
‫سـ ًـما‪ ،‬فقــال‪{ :‬ﱌ ﱍ ﱎ} [ســورة الشــمس‪ ]3:‬إىل أن ــال‪{ :‬ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ‬
‫ﱯ} [سورة الشمس‪.]5:‬‬
‫‪ ‬تنقسم تزكية النفس إىل قسمني رئيسني هما‪:‬‬
‫(‪ )1‬التخل ة‪ )2( .‬والتال ة‪:‬‬
‫عرف اإلمام ابن القي بقول ‪" :‬التخلني من ال نذا ل‪ ،‬والتالني الفيا ل" ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫وهو ما ّ‬
‫فالتنخل ووة‪ :‬يقصــد ــا تطهووع الوونفس موون أم اضووها وأخ هووا ال ذيلووة والقب اووة‪ ،‬مثــل‪:‬‬
‫ال ـرًّيء‪ ،‬والعُ ــب‪ ،‬والكــر‪ ،‬والــبغال‪ ،‬واحلســد‪ ،‬والشــح والبخــل‪ ،‬والغضــب‪ ،‬واحلــرف علــى الــدنيا‬
‫وحبها لذاهتا وإيثارها على اآلخرة‪ ،‬والفضولية وعدم اةد يف احلياة‪...‬‬
‫وأما التنال وة‪ :‬فهـي ملؤهوا األخو ق الفاضولة وإح هلوا وو نل األخو ق ال ذيلوة بعود أن‬
‫خلن ووت منهووا‪ ،‬كالتوحيــد‪ ،‬واإلخــالف‪ ،‬والصــر‪ ،‬والتوكــل‪ ،‬واإل بــة‪ ،‬والتوبــة‪ ،‬والشــكر‪ ،‬واخلــوف‬
‫والرجــاء‪ ،‬وحســن اخلُلــق يف التعامــل مــع النــام‪ ،‬والشــفقة علــيه ‪ ،‬وأمــره ابملعــروف وهنــيه عــن‬
‫املنكر‪ ،‬ونفعه بقدر املستطار‪.‬‬

‫(‪ )3‬مدار السالكني‪.)254/2( ،‬‬

‫‪38‬‬
‫اةاضرة الثانية‪ :‬بناء الذات وتكوين الشخصية‬

‫إجن فال بد ل نسان أن يتعرف على األخالق الذميمة وعلى أسبا ا‪ ،‬ويعلـ أهنـا موجـودة‬
‫لدي ؛ ح ميكن التخلص منها فإن من مل يشعر ابملرض ويتعرف على أسباب ال ميكن عالج ‪.‬‬
‫فال بد من تطهري النفس مـن أمراضـها وأدراهنـا وتعلقهـا ابملعصـية‪ ،‬واملسـل الكـيِّس هـو مـن‬
‫فطن إىل عدوان نفسـ فأةمهـا عـن املعاصـي‪ ،‬كمـا ـال رسـول هللا ‪-‬ﷺ‪« :-‬لـيس الشـديد مـن‬
‫غلب‪ ،‬إاما الشديد من غلب نفس »‪.‬‬
‫ومــن وســائل تزكيــة الــنفس اســتقامتها علــى طاعــة هللا ولــزوم أمــر ‪ ،‬ــال تعــاىل‪{ :‬ﱐ ﱑ ﱒ‬
‫ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ} [ســورة األعلــى‪ ،]35-34:‬و ــد بين ـ اآليــة الكرميــة خط ـوات‬
‫التزكية‪ ،‬فأرشدتنا إىل أمهية الذكر وأثر يف تزكية النفس‪ ،‬ولذا ورد ال غيب يف اإلكثـار مـن الـ ِّذكر؛‬
‫{ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ‬ ‫مل ـ ــا لـ ـ ـ م ـ ــن أث ـ ــر يف إص ـ ــالحها واس ـ ــتقامتها‪ ،‬ـ ــال تع ـ ــاىل‪:‬‬
‫ﳏ ﳐ}‪ ،‬و ــال رس ــول هللا ‪-‬ﷺ‪«:-‬مث ــل ال ــذ ي ــذكر رب ـ ـ وال ــذ ال ي ــذكر مث ــل احل ــي‬
‫واملي »‪.‬‬
‫والصالة صلة بـني العبـد وربـ ‪ ،‬وهـي عونـ يف الثبـات علـى الطاعـات‪ ،‬واجتنـا املنهيـات‪،‬‬
‫{ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ‬ ‫وتزكي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنفس‪ ،‬ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال ‪:--‬‬
‫ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ} [سـ ـ ــورة العنكبـ ـ ــوت‪ ،]45:‬ولـ ـ ــذل‬
‫أعين على نفس بكثرة الس ود»‪.‬‬ ‫ال ‪-‬ﷺ‪ -‬ملن سأل مرافقت يف اةنة‪ّ « :‬‬
‫كمــا بــني لنــا القــرلن الكــر يف ليــة أخــر أن اإلنفــاق يف ســبيل هللا ســبب لتزكيــة الــنفس‬
‫أيضا‪ ،‬ال سبحان ‪{ :‬ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ} [سورة الليل‪.]38-37:‬‬
‫و ــد م ـ َّـر ش ــيء م ــن تفص ــيل جل ـ يف األس ــام الث ــاين‪ ،‬عن ــد احل ــديث ع ــن أث ــر العب ــادة يف‬
‫شخصية اإلنسان‪ ،‬ونر هنا اةانب املتعلق أبثرها يف جانب تزكيت كذل ‪.‬‬
‫ختاما‪،،‬‬
‫ً‬
‫بعد عرض األسس السابقة‪ ،‬وبيان ارتباطهـا الوثيـق نوانـب اإلنسـان املختلفـة‪ ،‬وأمهيتهـا يف‬
‫بنــاء جاتـ ‪ ،‬وكــذل الـ ابط والتكامــل فيمــا بينهــا‪ ،‬نــدرك مــن خــالل جلـ مــد حاجــة اإلنســان‬
‫ونفســا‪،‬‬
‫وروحــا‪ ،‬جسـ ًـدا ً‬
‫الســعي لتكوين ـ وتكميلـ يف جات ـ ‪ ،‬عقـ ًـال ً‬
‫لتعاهــد جل ـ ‪ ،‬واالهتمــام بـ ‪ ،‬و َّ‬
‫وعمال‪.‬‬
‫علما ً‬ ‫ً‬
‫فأنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ابلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنَّفس ال ابةسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ إنس ـ ـ ـ ـ ـ ــا ُن‬ ‫أ بـ ـ ــل علـ ـ ــى ال ـ ـ ـنَّفس واسـ ـ ــتكمل فضـ ـ ــائلها‬

‫‪39‬‬
‫اةاضرة الثالثة‪ :‬أثر الثقاعة يف تعزيز اانتماء إىل الوطن‬

‫اةاضرة الثالثة‬
‫أثر الثقاعة يف تعزيز اانتماء إىل الوطن‬

‫‪41‬‬
‫اةاضرة الثالثة‪ :‬أثر الثقاعة يف تعزيز اانتماء إىل الوطن‬

‫‪ ‬أهداف الدرس‪:‬‬
‫‪ -‬أن يعرف الطالب أمهية ا وية الوطنية‪ ،‬وتعزيز وغرم ي االنتماء الوطين‪.‬‬
‫‪ -‬أن يعرف الطالب أمهية االنتماء الوطين‪ ،‬واحلفا على مقدرات وسالمت ‪.‬‬
‫‪ -‬أن يدرك الطالب أمهية احملافظة على املمتلكات العامة‪.‬‬
‫‪ -‬أن يدرك الطالب أمهية مكافحة الفساد وأثرها يف التنمية‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫اةاضرة الثالثة‪ :‬أثر الثقاعة يف تعزيز اانتماء إىل الوطن‬

‫مفهوم اانتماء الوطين‬


‫أ‪ -‬االنتماء‪:‬‬
‫يف اللغة‪ :‬االنتسا ‪ ،‬يقال‪ :‬انتمى فالن إىل فـالن إجا ارتفع إليـ يف النـسب‪.‬‬
‫عمال ‪.‬‬ ‫‪ :‬االنتسا احلقيقي إىل أمر معني ً‬
‫فكرا و سد اةوارح ً‬ ‫يف االصط‬
‫ب‪ -‬الوطن‪:‬‬
‫يف اللغووة‪ :‬هــو املكــان الــذ يســكن اإلنســان ويقــي في ـ ‪ .‬جــاء يف خمتــار الصــحاح‪ :‬الــوطن ــل‬
‫اإلنسان‪.‬‬
‫‪ :‬هو البلد الذ تسكن أمة يشعر املرء ابرتباط ا وانتمائ إليها‪.‬‬ ‫يف االصط‬
‫ج‪ -‬االنتماء الوطين‪:‬‬
‫االنتسا احلقيقي من الفرد لوطن ‪-‬الذ ولد في أو يرجع إلي ‪ ،-‬فك ًـرا والـذ سـد‬
‫عمال‪ .‬ومبا أن االنتماء انتسا الفرد لوطن‪ ،‬فإن هذا مـا يعـر عنـ ابةنسـية؛ ألهنـا تقـوم‬
‫اةوارح ً‬
‫على أسام فكـرة التبادل بني الفرد والدولة يف احلقـوق والواجبات‪ ،‬ويغذ هذ الفكرة إحسام‬
‫روحي لد الفرد برغبت يف االنتماء إىل هذ الدولة‪ ،‬وينسب الشخص إىل وطنـ ‪ -‬حـديثًا‪ -‬مـن‬
‫خالل أعراف تدل على جل مثل ‪:‬جواز السفر‪ ،‬أو بطا ة إثبات ا وية أو شهادة امليالد‪.‬‬
‫التأصيل الشرعي لالنتماء إىل الوطن‬
‫من األمور المل دع إليها الشريعة اإلسالمية االنتماء إىل الوطن مبظاهر الصحيحة الـمل‬
‫خذ مـداها يف الشـعور الفـرد وال تت ـاوز إىل احملـذور‪ ،‬فتكـون بعيـدة عـن الغلـو والتفـريط‪ ،‬ال‬
‫تتعارض مع الدين‪ ،‬أو س مبادئ ‪ ،‬فيكون انتماء الفرد إىل وطن داخل يف االنتماء اإلسـالمي‪.‬‬
‫واالنتماء أمر عرف يف اإلسالم‪ ،‬بل إن دعـا إليـ ‪ ،‬عـلى أن يكـون جلـ االنــتماء يف ضــوء‬
‫العقيــدة اإلســالمية‪ ،‬ال طــاد عنهــا‪ ،‬والُ تنته ـ بــدعو العصــبية املمقوت ــة‪ ،‬فف ــي الق ــرلن الكــر‬
‫والســنة النبويــة دعــا اإلســالم إىل االنتمــاء الصــحيح الصــادق يف إشــارات تــدل عــلى االنــتماء إىل‬
‫الـوطن ومشروعيت منها‪:‬‬

‫‪42‬‬
‫اةاضرة الثالثة‪ :‬أثر الثقاعة يف تعزيز اانتماء إىل الوطن‬

‫أ‪ -‬ححل الوطن واحلنني إل ه‪ :‬وهو من أخطر املظاهر وأد ها مسل ًكا؛ ألنـ ال يتولــد يف الــنفس‬
‫إال ابعتب ــارات ي ــممن ــا الفــرد ويعتقــدها يف جات ـ ‪ ،‬فف ــي الق ــرلن الكــر والســنة النبويــة إشــارات‬
‫كثرية‪ ،‬تدل على مشروعية هذا احلب وضروريت ‪.‬‬
‫موون الق و آن ال و ‪ :‬حــني كــان اإلخـ ـرا م ــن ال ــوطن‪ ،‬وحرم ــان اإلن ــسان منـ ـ عقوبـ ـةُ ش ــديدة؛‬
‫اسـتخدم املشركون يف حر مع أنبيائه ‪-‬عليه السالم‪ -‬فـما أن يعلـن نبـي دعوتـ لقومـ ‪ ،‬إال‬
‫و ـامواّ ءخراج مـن بلـد ‪ ،‬وإبعـاد عـن موطنـ ‪ ،‬ولـذل وعـد هللا األنبيـاء بـأن يـرده إىل أوطـاهن‬
‫ويسكنه الـدًّير‪ ،‬ـال تعـاىل‪:‬‬
‫{ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ‬
‫ﲃﲄﲅﲆﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎ‬
‫‪.]34-31:‬‬
‫ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ} [سورة إبراهي‬
‫ومــن دالئــل االنتمــاء الصــادق احلنــني إىل الــوطن واالشــتياق إلي ـ حــني مفار ت ـ دليــل جل ـ َ ول ـ‬
‫‪ --‬لنبيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ‪-‬ﷺ‪{:-‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ} [س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــورة‬
‫القـصص‪.]85:‬‬
‫ـاجرا إىل املدينـة يف غـري الطريـق‬
‫رو القرطبـي عـن مقاتـل‪" :‬خر الن ‪-‬ﷺ‪ -‬من الغار ليال مه ً‬
‫خمافــة الطلــب ( ـريش)‪ ،‬فل ــما رج ــع إىل الطريــق‪ ،‬ونــزل اةحفــة عــرف الطريــق إىل مكــة فاشــتاق‬
‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ‬ ‫إليهــا‪ ،‬فقــال ل ـ جريــل ‪ :-♠-‬إن هللا يقــول‪:‬‬
‫ـاهرا عليها"‪.‬‬
‫ﱈ} أ ‪ :‬إىل مكـة ظ ً‬
‫ومن السنة النبوية‪ :‬أن الن ‪-‬ﷺ‪ -‬اشتاق إىل وطن ابلسمال عن ‪ ،‬وتلمس أخبار ‪ ،‬فحني دم‬
‫ت َم َّكـةَ؟"‬ ‫ِ‬
‫ـف َع ِهـ ْد َ‬‫ـيل‪َ ،‬كْي َ‬‫ـال لَـ ُ‪ًَّ " :‬ي أَص ُ‬ ‫ـث أَ ْن َد َخ َـل النَّـِ فَـ َق َ‬ ‫ُص ْـيل الغفـار مـن مكـة فَـلَـ ْ يَـ ْلبَ ْ‬ ‫أَ‬
‫ُسـلِ َ ُجيَ ُام َهـا‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ض ْ بَطْ َح ُاؤَهـا‪َ ،‬وأَ ْغ َـد َق إِ ْجخ ُرَهـا‪َ ،‬وأ ْ‬ ‫ب َجنَابـُ َها‪َ ،‬وابْـيَ َّ‬ ‫صَ‬ ‫َخ َ‬ ‫َ َال‪َ :‬وهللاّ َع ِه ْدتُـ َها َ ْد أ ْ‬
‫ـيل‪َ ،‬ال ُْحتـ ِزَّ "‪ .‬ومـن شـواهد جلـ مـا روا أنـس أن النـ‬ ‫ـال‪" :‬حسـب َ ًّي أ ِ‬
‫َص‬
‫ُ‬ ‫ـش َسـلَ ُم َها‪ ،‬فَـ َق َ َ ْ ُ َ‬ ‫َوأ ََم َّ‬
‫ض َـع َ َـتَـ ُ‪َ ،‬وإِ ْن َكـا َن َعلَـى َدابَّ إـة‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫‪-‬ﷺ‪َ " :-‬كا َن إِجَا َد َم م ْن َس َف إر فَـنَظََـر إِ َىل ُج ُـد َرات املْدينَـة أ َْو َ‬
‫َحَّرَك َهـا ِم ْـن ُحبِّ َهـا أ ‪ :‬أسـرر السـري‪ ،‬ـال ابـن بطّـال‪)" :‬حركهـا مـن حبِّهـا) يريـد مـن حبـ‬
‫للمدينـة‪...‬وتع يـل سـري إجا نظـر إليهـا مـن أجـل أن ـر الـدار نـدد الشـوق لألحبـة واألهـل‪،‬‬

‫‪43‬‬
‫اةاضرة الثالثة‪ :‬أثر الثقاعة يف تعزيز اانتماء إىل الوطن‬

‫ويمكـد احلنـني إىل الـوطن‪ ،‬ويف رسـول هللا األسـوة احلسـنة"‪ .‬ولعـل لفـظ (كـان) يف احلـديث يـدل‬
‫على تكرار هذا الفعل من الرسول ‪-‬ﷺ‪ -‬وجل است ابة لفطرة االنتماء الصادق يف اإلنسان‬
‫الطيبة‪.‬‬
‫ب‪ -‬ححل ااع للوطن‪:‬‬
‫م وون الق و آن ال و ‪ :‬مــا جــاء يف صــة إبـراهي ‪ -♠-‬ملــا أتــى ــاجر (أم إســماعيل) مكــة‬
‫{ﳃ ﳄ‬ ‫فأســكنها‪ ،‬ول ــيس ــا أنــيس وال مــاء‪ ،‬دعــا ــا ابألمــن بــل الــرزق‪ ،‬ــال هللا ‪:--‬‬
‫ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ}‬

‫[سورة البقـرة‪ .]329َ:‬و ـدم الـدعاء ابألمـن لوطنـ ؛ ألن العـيش ال يهنـأ‪ ،‬واملقـام ال طمــد‪ ،‬والنــوم‬
‫ال يلـذ‪ ،‬والـشرا ال يستساغ مــع اخلــوف‪ ،‬فوجــود األمــن يف الــوطن ضـرور ؛ لت ـوافر ـوام احليــاة‬
‫الكرميــة‪ ،‬ملكــان عبادت ـ ‪ ،‬ومــسكن أهل ـ ‪ ،‬فالــدعاء تعبــري عــن احلــب‪ ،‬ويســتفاد مــن الــدعاء ح ــب‬
‫إبـراهي ‪ -♠-‬واالنتماء الصادق وداللة علي ‪.‬‬
‫ومون السونة النبويوة‪ :‬مـا جـاء أن الرسـول دعـا ابخلـري واألمـن واالزدهـار للمدينـة حـني سـكنها‪،‬‬
‫اج َع ْـل ِا ِابمل ِدينَ ِـة ِض ْـع َف ْي َمـا َج َع ْلـ َ ِمبَ َّكـةَ ِم ْـن الْبَـَرَك ِـة"‪ .‬و ـال ‪-‬ﷺ‪:-‬‬ ‫ْ‬ ‫فقـال ‪-‬ﷺ‪" :-‬اللَّ ُهـ َّ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬
‫صاعنَا‪َ ،‬وَابرْك لَنَا يف ُم ّد َ ‪ ،‬الل ُه َّ إ َّن‬ ‫"اللَّ ُه َّ َاب ِرْك لَنَا ِيف َجيَِرَ ‪َ ،‬وَاب ِرْك لَنَا ِيف َمدينَتنَا‪َ ،‬وَابرْك لَنَا يف َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وك لِْل َم ِدينَ ِة مبِِثْ ِل َما‬ ‫إِبْـَر ِاهي َ َعْب ُد َك َو َخلِيلُ َ َونَبِي َ َوإِِّين َعْب ُد َك َونَبِي َ ‪َ ،‬وإِنَّ ُ َد َع َ‬
‫اك مل َّكةَ‪َ ،‬وإِِّين أ َْدعُ َ‬
‫َ‬
‫ـاك ملِ َّكـةَ َوِمثْلِـ ِ َم َعـ ُ" ‪ ،‬وجلـ ألن املدينـة هـي الـمل احتضـن الـدعوة اإلسـالمية‪ ،‬واسـتقبل‬ ‫َد َع َ‬
‫مرا‪ ،‬فكـان‬
‫ظل حب مكة يف لب ؛ كما هو مل يتغري‪ ،‬وحنينـ إليهـا مسـت ً‬
‫َّ‬ ‫الرسول ‪-‬ﷺ‪ -‬ولذل‬
‫ِ‬
‫ـب الرسـول ‪-‬ﷺ‪ -‬ملكـة وتعلقـ‬ ‫حب مكـة أو أشـد‪ .‬ولشـدة ح ِّ‬
‫من ح ّقها أن يكون حبها مثل ِّ‬
‫‪-‬ﷺ‪-‬‬ ‫ـب إىل إنسـان مـن بلـد األم ‪ -‬ةـأ النـ‬
‫ـا ‪ -‬وألن الطبـع ال يوافـق أن يكـون بلـد أح َّ‬
‫إىل هللا يف جلـ ابلـدعاء؛ ألن القلـو بـني إصـبعني مـن أصـابع الـرمحن يقلبهمـا كيـف يشـاء‪.‬‬
‫والـذ يظهـر ‪-‬وهللا أعلـ ‪ -‬مـن دعـاء إبـراهي ‪ -♠-‬ملكـة‪ ،‬ودمحم ‪-‬ﷺ‪ -‬للمدينـة أن‬
‫السـبب لـيس ألفضـلية البقعـة فحسـب‪ ،‬وإامـا لكـون كـل منهمـا دعـا ملوطنـ ‪ ،‬ومـوطن أهلـ ‪،‬‬
‫ومستقر عبادت ‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫اةاضرة الثالثة‪ :‬أثر الثقاعة يف تعزيز اانتماء إىل الوطن‬

‫ج‪ -‬الدفاع من الوطن‪:‬‬


‫الـ ــدفار عـ ــن الـ ــوطن دليـ ــل عـ ــلى صـ ــدق االنـ ــتماء‪ ،‬ففـ ــي القـ ــرلن الكـ ــر بيـ ــان أن القتـ ــال‬
‫{ﱡ ﱢ‬ ‫وإرخــاف النفــوم دون الــوطن ســبب مشــرور‪ ،‬يقــول هللا ‪ --‬عــن بنــي إسرائيــل‪:‬‬
‫ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ} [سورة البقرة‪.]249:‬‬
‫فطلـبه القتال دليل انتمائه احلقيقي وحبه لوطنه ‪ ،‬ف عل اإلخرا من الـدًّير‬
‫واألوطـان سـببًا مـسو ًغا ملـشروعية القتـال والـدفار عـن الـوطن‪ .‬وتـت لى يمـة االنـتماء حـني يَعِ ُـد‬
‫هللا املممنني الذين ظُلِموا‪ ،‬وأُخ ِرجوا من دًّيره بغري حـق أنـ نـاصره ‪ ،‬فليقـاتلوا يف سـبيل ‪ ،‬فقـال‬
‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ‬ ‫تعـاىل‪:‬‬
‫ﱑﱒﱓﱔﱕﱖﱗﱘﱙﱚﱛﱜﱝﱞﱟﱠ‬

‫ﱡﱢﱣﱤﱥﱦﱧﱨﱩﱪﱫﱬﱭﱮﱯﱰ‬

‫ﱱ ﱲ ﱳ} [سورة احلج‪.]40-15:‬‬
‫من السنة النبوية‪ :‬د كان للسنة النبوية دور كبـري وفعـال يف توجيـ أبنـاء األمـة إىل ضـرورة محايـة‬
‫الــدين والــوطن‪ ،‬واســتثمار الطا ــات وحتفيــز ا مـ للــدفار عــن األرض والعــرض ومحايــة املقدســات‬
‫واملكتسـبات وحفــظ بيضـة املســلمني‪ ،‬وبيـان فضــل اةهـاد وثوابـ واالسـتعداد لـ ‪ ،‬ـال النـ ﷺ‪:‬‬
‫((رابط يــوم وليلــة يف ســبيل هللا خــري مــن صــيام شــهر و يامـ ‪ ،‬وإن مــات جــر عليـ عملـ الــذ‬
‫كان يعمل ‪ ،‬وأجر علي رز ‪ ،‬وأمن الفتان))‪.‬‬
‫‪ -‬صعوبة اا وج من الوطن‪:‬‬
‫‪ :‬إن شدة تعلق النفس بوطنها وارتباطها بـ دليـل صـادق علـى انتمائهــا‪ ،‬و ــد‬ ‫من الق آن ال‬
‫تعـاىل‪{ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ‬ ‫ا ـ ن جلـ يف القرلن حبب الـنفس‪ ،‬ـال هللا‬
‫ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ} [سورة النساء‪.]99:‬‬
‫فاآليـة تــصور ظـاهرة االنــتماء الصادق‪ ،‬واالرتباط بـالوطن والتمـس بـ بوضــوح‪ ،‬فــاخلرو‬
‫مــن الــدًّير مكــافئ لقتــل الــنفس‪ ،‬واملشــقة يف الصــورتني ظــاهرة فقتـل الــنفس واخلــرو مــن الــدًّير‬
‫أمـران عزيـزان عـلى النفس يف إشارة واضحة إىل أن الـوطن ـرين الـنفس‪ ،‬و ريــب مــن الــروح؛ ألن‬
‫مضطرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫اإلنـسان ال ر من وطن إال‬

‫‪45‬‬
‫اةاضرة الثالثة‪ :‬أثر الثقاعة يف تعزيز اانتماء إىل الوطن‬

‫وع َد‬
‫متأصل يف النفس‪ ،‬وا رة عن الوطن صعبة واحلنني إلي و ‪َ K‬‬‫ومبا أن االنتماء ّ‬
‫أجرا‬ ‫ِ‬
‫هللا ‪--‬املهاجرين عن دًّيره وأوطاهن يف سبيل س َعة ورخاء‪ ،‬وملن أدرك املوت منه ً‬
‫{ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ‬ ‫عظيما‪ ،‬فقال تعاىل‪:‬‬
‫وخريا ً‬
‫كبريا‪ً ،‬‬
‫ً‬
‫ﲶﲷﲸﲹﲺﲻﲼﲽﲾﲿﳀﳁﳂﳃﳄﳅﳆﳇﳈﳉ‬
‫ﳊ ﳋ} [سورة النساء‪]300:‬؛ وألن االنتماء الصادق وحب الوطن أمران متأصالن يف‬
‫العْبيد بذنو ‪ ،‬و د يكون العقا اسيًا‪ ،‬فيُسلبون كل‬
‫النفوم فإن حكمة هللا ا تض معا بة َ‬
‫عزيز عليه ‪ ،‬يقول هللا تعاىل عن احملاربني و طار الطرق‪{ :‬ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ‬

‫ﱰﱱﱲﱳﱴﱵﱶﱷﱸﱹﱺﱻﱼ‬

‫ﱽﱾﱿﲀﲁﲂﲃﲄﲅﲆﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍ‬

‫ﲎ ﲏ} [سورة املائدة‪ ،]11:‬أ ‪ :‬يطردوا من بلد إىل بلد حبيث ال يتمكنون من القرار يف‬
‫موضع‪.‬‬
‫من السنة النبوية‪ :‬د ثب حـب الرسـول ‪-‬ﷺ‪ -‬لوطنـ وتعلقـ بـ ‪ ،‬وكراهيتـ اخلـرو منـ ‪ ،‬ومـن‬
‫جل ما كان حني نزل الوحي على الرسول ‪-‬ﷺ‪ -‬ال ل ور ة بـن نوفـل عـن ومـ ‪" :‬لَتُ َك ِّذبَـنَّـ ُ"‬
‫فَـلَ ْ يَـ ُق ْل لَ ُ النَِّ َشْيـئًا‪ُ ،‬مثَّ َ َال‪َ :‬ولَتُـ ْمِجيَـنَّ ُ"‪ ،‬فَـلَ ْ يَـ ُق ْل لَ ُ النَِّ َشْيـئًا‪ُ ،‬مثَّ َ َال‪َ ":‬ولَتُ ْخ ِر َجنَّ ُ‪ ،:‬فَـ َق َ‬
‫ـال‪:‬‬
‫اخلـُ ُـرو ِ ِمْنـ ُ َمــا َملْ تَـتَ َحـ َّـرْك َـْبـ َـل جَلِـ َ ‪ ،‬وحتركـ‬
‫أ ََو خمُْ ِرِجـ َّـي ُهـ ْ "‪ .‬فَلِـ َذلِ َ َحتََّرَكـ ْ نَـ ْف ُسـ ُ ِعْنـ َـد ِج ْكـ ِر ْ‬
‫أحاســيس نفسـ ومظــاهر حبّـ لوطنـ ‪ ،‬وظهــرت دالئــل االنتمــاء‪ ،‬وأمــارات املواطنــة‪ ،‬ونـوازر فـراق‬
‫ووضح إِلْف يف القلو ‪.‬‬ ‫الوطن‪ُ ،‬‬
‫أثر اانتماء إىل الوطن يف محاية الشباب من ااحنراف‪:‬‬
‫االنتماء الصـادق املنبثـق عـن تعـالي الـدين اإلسـالمي طقـق للفـرد مكاسـب دينيـة ودنيويـة‬
‫كثرية‪ ،‬منها‪:‬‬

‫أولًا‪ :‬آثار دينية‬


‫‪ .3‬االنتم ــاء لل ــوطن ال يس ــتقي إال ابالنتم ــاء ل س ــالم وال ــوالء هلل ورس ـول وامل ــممنني يف ك ــل‬
‫زمــان ومكــان‪ ،‬وعقــد الــوالء وال ـراء علــى أســام اللــون أو اةــنس أو العــرق أو األرض أمــر مينع ـ‬
‫اإلسالم‪ ،‬وهو من العصبيات اةاهلية املمقوتة المل حار ا اإلسالم‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫اةاضرة الثالثة‪ :‬أثر الثقاعة يف تعزيز اانتماء إىل الوطن‬

‫ـوال وعمـ ًـال‪ ،‬واتبــاعهما‪ ،‬واألخــذ أبوامرمهــا‪ ،‬وتــرك نواهيهما‪،‬‬


‫‪ .2‬االتــصال ابلكتــا والــسنة ـ ً‬
‫والســري علــى الوســطية الــمل دعــا إليه ــا اإلس ــالم‪ ،‬و ن ــب امل ــسال املنحرف ــة الــمل تــمد إىل الغلــو‬
‫والتطرف‪ ،‬وتقود إىل اإلفراط والتفريط‪.‬‬
‫‪ .1‬تقويــة الرابطــة اإلميانيــة حيــث ي ـرتبط املســل مــع غــري مــن املســلمني أبعظ ـ رابطــة وهــي‬
‫{ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ}‬ ‫اإلســالم؛ ــال تعــاىل‪:‬‬
‫[سورة احل رات‪.]30:‬‬
‫كما ال رسـول هللا ‪-‬ﷺ‪« :-‬مثـل املـممنني يف تـواده وتـرامحه وتواصـله كمثـل اةسـد‬
‫أيضـا‪:‬‬
‫الواحــد‪ ،‬إجا اشــتكى منـ عضــو تــداعى لـ ســائر اةســد ابحلمــى والســهر»‪ .‬ويف الصــحيح ً‬
‫بعضا» وشبَّ بني أصابع ‪.‬‬ ‫«املممن للمممن كالبنيان‪ ،‬يشد بعض ً‬
‫ثانيًا‪ :‬آثار عكرية‬
‫‪ .3‬احملافظة على أمن الوطن ابلقول والعمل‪ ،‬وهذا واجب كل فرد‪ ،‬والواجب على الشبا‬
‫ترسـيخ جلـ يف أجهـاهن ‪ ،‬واستشـعار للتصـد لكـل أمـر ي تـب عليـ اإلخـالل أبمـن الـوطن‬
‫وسالمت ‪ ،‬والعمل على رد جل مبختلف الوسائل واإلمكا ت املمكنة والـ ُمتاحة‪.‬‬
‫‪ .2‬اإلسـهام يف اةهـود الـمل هتـدف إىل محايـة ا تمـع وأفـراد مـن محـالت الغـزو الثقـايف‬
‫والفكـر الـمل تسـعى إىل إضـعاف مناعتـ الفكريـة والثقافيـة‪ K‬والنيـل مـن مكانـة الـوطن ومو عـ‬
‫اإل ليمي والدوا احملور ‪.‬‬
‫‪ .1‬تعزيـز روح االنتمـاء‪ ،‬و كيـد ا ويـة الوطنيـة‪ ،‬ومواجهـة نزعـات االنتمـاء الفرعـي الضـيق‬
‫الذ يمد إىل التعصب واالنغالق‪ ،‬وإىل إضعاف روح االنتماء الوطين‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬آثار نفسية‬
‫ال شـ أن صـدق االنتمـاء حينمـا يسـود حيـاة الشـبا ‪ ،‬يفـيال علـيه ءنابيـات كثـرية‬
‫منها‪:‬‬
‫‪ .3‬االستقرار النفسي‪ ،‬ألن االنتماء احتيا نفسي‪ ،‬ضـمن االحتياجـات النفسـية املختلفـة‪،‬‬
‫مستقرا من الناحية النفسية‪ ،‬ال طس ابالغ ا واالنطواء‪ ،‬وال يقلق من‬
‫ً‬ ‫فاإلنسان املنتمي يكون‬
‫يتسخط وال يتش ّكى‪.‬‬
‫املشكالت‪ ،‬وال ّ‬

‫‪47‬‬
‫اةاضرة الثالثة‪ :‬أثر الثقاعة يف تعزيز اانتماء إىل الوطن‬

‫‪ .2‬إحسام الفرد بدور يف ا تمع‪ ،‬فاالنتماء فرصة للمشاركة اإلنابية مع اآلخرين‪ ،‬والقيام‬
‫بدور ما يف احلياة‪ ،‬فاإلنسان املواطن مشغول بتطوير نفس وجات ‪ ،‬ونتهد أن يعمل شيئًا‪ ،‬خلدمة‬
‫دورا يقوم ب ‪ ،‬ور ًأًّي يستعان في ‪.‬‬
‫دين ‪ ،‬ووطن ‪ ،‬وإبراز انتمائ ‪ ،‬وبذل طس مبعو احلياة‪ ،‬وأن ل ً‬
‫‪ .1‬توافر الوحدة االجتماعية المل يستحيل أن تبو علـى أسـس راسـخة بغـري انتمـاء‪ ،‬والبعـد‬
‫إحساسـا ابحلـب للـوطن‪ ،‬ولكـل‬
‫ً‬ ‫عـن إ رة النعـرات والضـغائن والقبليـات‪ ،‬فاالنتمـاء يعطـي الفـرد‬
‫ممسسات ‪ ،‬ورجاالت وطموحات ‪ ،‬ويشعر مبسموليت حنو وطن ‪ ،‬ولذا يسعى إىل نشر احلب واخلري‬
‫يف كل مكان وزمان‪.‬‬

‫رابعًا‪ :‬آثار اجتماعية‬

‫‪ .3‬االنسـ ام التـام بـني وا األمـر واملـواطن يك ِّـون ً‬


‫درعـا حلمايـة الـوطن والـذود عنـ أمـام‬
‫تيارات الضالل‪ ،‬و اوالت األعداء يف إضعاف مواطنتنا وحبنا لوطننا‪.‬‬
‫‪ .2‬احلـرف علـى مـد جسـور احملبـة واملـودة بـني أبنـاء الـوطن‪ ،‬إلنـاد جـ إو مـن التكـاتف‬
‫واالجتمار‪ ،‬والتآلف والتآخي والتآزر‪.‬‬
‫‪ .1‬البعد عن أسبا الفر ة واالختالف‪ ،‬واحلرف على اجتمار الكلمة للصمود يف مواجهة‬
‫الظروف املختلفة‪ ،‬والتحذير من التخريب واإلفساد مبقدرات الوطن‪.‬‬

‫خامسًا‪ :‬آثار سكوكية‬


‫‪ .3‬عـدم ارسـة األعمـال التخريبيـة مـن سـف الـدماء‪ ،‬وتـدمري املنشـآت‪ ،‬وإهـدار األمـوال‬
‫والثروات‪ ،‬وإمهال تلكات الوطن ومرافق ‪ ،‬ونشر الرعب والفزر واخلوف يف املـواطنني‪ ،‬ألن هـذا‬
‫ـاف ملـا يـدعو إليـ اإلسـالم‪ ،‬ـال تعـاىل‪{ :‬ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ} [سـورة‬ ‫األمـر من إ‬
‫األعراف‪.]59:‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ـال الرسـول ‪-‬ﷺ‪« :-‬فَـِإ َّن د َمـاءَ ُك ْ َوأ َْم َـوالَ ُك ْ َوأ َْعَر َ‬
‫اضـ ُك ْ َعلَ ْـي ُك ْ َح َـرام‪َ ،‬ك ُح ْرَمـة يَـ ْـوم ُك ْ‬
‫َه َذا‪ِ ،‬يف َش ْه ِرُك ْ َه َذا‪ِ ،‬يف بَـلَ ِد ُك ْ َه َذا»‪ .‬والشريعة اإلسالمية جاءت نلب املصاحل ودفع املضار‪.‬‬
‫‪ .2‬ال شـيد يف اسـتخدام كـل الـنع والثـروات الـمل يزخـر ـا الـوطن‪ ،‬واالبتعـاد عـن مظـاهر‬
‫االسـتهالك احملظـور‪ ،‬والـ ف الزائـد‪ ،‬واحملافظـة علـى تلكاتـ ‪ ،‬كمـوارد امليـا ‪ ،‬والطر ـات واملبـاين‪،‬‬

‫‪48‬‬
‫اةاضرة الثالثة‪ :‬أثر الثقاعة يف تعزيز اانتماء إىل الوطن‬

‫اضحا يف العال ة مع هـذ‬


‫واألش ار‪ ،‬واملصانع وعوامل بنائ ورخائ وغريها‪ ،‬ويت لى االنتماء و ً‬
‫املمتلكات‪ ،‬المل ينبغـي أن تكـون عال ـة احلفـظ واالهتمـام ـا‪ ،‬ألهنـا حـق لل ميـع‪ ،‬وممشـر مـن‬
‫ممشـرات احلـرف علـى نعـ الـوطن وإمكا تـ ؛ لـذا نـب االبتعـاد عـن كـل سـلوك ال طفـظ‬
‫تلكات الوطن أو يعرضها للتلف والضيار؛ ألهنا لنفع احلاضر ونفع األجيال القادمة‪.‬‬
‫‪ .1‬احلـرف علـى سـالمة الـوطن بـدءًا مـن استشـعار الواجـب ـا الـوطن يف احلفـا علـى‬
‫أمن ‪ ،‬والدفار عن واحلرف على مسعت ‪ ،‬واستشعار املسمولية العظمى يف احلفا على ثوابت ‪.‬‬
‫ملاهر تدل عك حب الوطن واانتماء إليه‪:‬‬
‫من املظاهر اإلنابية الدالة على حب الوطن ما يبني الشكل التاا‪:‬‬
‫ملاهر حب الوطن‬

‫التضحية والدفاع عن الوطن‬ ‫االعتزاز بالعقيدة اإلسالمية‬


‫تشجيع المنتجات الوطنية‬ ‫تعزيز الوحدة الوطنية‬

‫التمسك بالعادات والتقاليد‬ ‫تقدير الرموز الوطنية‬


‫المحافظة على الممتلكات‬
‫االلتزام بالقوانين واألنظمة‬

‫المشاركة في المناسبات الوطنية‬ ‫األعمال الخيرية والتطوعية‬

‫االهتمام بالقضايا الوطنية وتبنيها‬


‫بجدية والتزام أمين‬

‫أهمية املمتككات العامة‬


‫يقصد ابملمتلكات العامة‪ :‬كـل مـا تقـوم الدولـة ببنائـ وتشـييد وتشـكيل خلدمـة كافـة أبنـاء‬
‫ا تمع مبختلف طبقاهت ومستوًّيهت ‪ ،‬كاملباين واملمسسات واحلدائق واملسـاحات العامـة‪ ،‬وتُسـ َّمى‬
‫تلكــات عامــة؛ ألن حــق االنتفــار فيهــا يكــون لوًك ـا ةميــع األف ـراد الــذين يعيشــون علــى تل ـ‬
‫األرض‪ ،‬ويستطيعون االستفادة منها بصورة عامة‪ ،‬ويت سيسها وصيانتها من املال العام‪.‬‬
‫ميكـ ــن تلخـ ــيص املمتلكـ ــات العامـ ــة أبهنـ ــا‪ :‬مـ ــا تبني ـ ـ وتمسس ـ ـ وتنشـ ــئ الدولـ ــة لرعاًّيهـ ــا؛‬
‫الســتخدام ملصــلحته وخــدمته ؛ ــدف املنفعــة العامــة‪ ،‬ومــن أمثلــة هــذ املمتلكــات العامــة مــا‬
‫يلي‪:‬‬

‫‪49‬‬
‫اةاضرة الثالثة‪ :‬أثر الثقاعة يف تعزيز اانتماء إىل الوطن‬

‫‪ -‬املرافـ ــق الصـ ــحية العامـ ــة‪ :‬تعتـ ــر املرافـ ــق الصـ ــحية مـ ــن املمتلكـ ــات العامـ ــة يف الدولـ ــة‪ ،‬مثـ ــل‪:‬‬
‫املستشفيات‪ ،‬واملراكز الطبية والصحية‪ ،‬واملستوصفات‪ ،‬والعيادات التابعة للقطار احلكومي‪.‬‬
‫‪ -‬املراف ــق التعليمي ــة العام ــة‪ :‬امل ــدارم احلكومي ــة‪ ،‬واةامع ــات احلكومي ــة‪ ،‬واملعاه ــد‪ ،‬والكلي ــات‬
‫احلكومية‪ ،‬كذل مراكز التدريب املهـين واحلـريف‪ ،‬كلهـا أمثلـة علـى املرافـق التعليميـة الـمل تعتـر‬
‫تلكات عامة‬
‫‪ -‬املرافق ال فيهية‪ :‬ختتلـف املرافـق ال فيهيـة مـن بلـد آلخـر ابخـتالف مسـتو الرفاهيـة‪ ،‬لكـن يف‬
‫العمــوم احلــدائق العامــة واملتنزه ــات واملســطحات اخلض ـراء املخصصــة للتن ــز هــي مــن ض ــمن‬
‫املمتلكات العامة‪.‬‬
‫‪ -‬املرافق األثرية‪ :‬املوا ع األثرية ابختالفها تعتر تلكات عامة‪ ،‬يت ترميمها وصـيانتها و هيلهـا‬
‫للزًّيرة من بل الدولة؛ ابعتبارها تلكات عامة‪.‬‬
‫‪ -‬املرافـ ــق الصـ ــحية العامـ ــة‪ :‬تعتـ ــر املرافـ ــق الصـ ــحية مـ ــن املمتلكـ ــات العامـ ــة يف الدولـ ــة‪ ،‬مثـ ــل‪:‬‬
‫املستشفيات‪ ،‬واملراكز الطبية والصحية‪ ،‬واملستوصفات والعيادات التابعة للقطار احلكومي‪.‬‬

‫مميزات املمتككات العامة‬


‫املمتلكات واملرافق العامة ا خصائص يزها‪ ،‬وفيما يلي نذكر لك بعال املميزات املهمة‬
‫ذ املمتلكات‪ ،‬ومنها ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬الدميومة‪ ،‬أ أهنا دائمة‪ ،‬يستفيد منها األفراد بصفة دائمة‪ ،‬مثل املدارم ووسائل النقل العام‬
‫واملستشفيات‪.‬‬
‫‪ -‬املس ــاواة‪ ،‬حي ــث إن املراف ــق طـ ـق للك ــل أن يس ــتخدمها‪ ،‬وال ب ــد أن تتحق ــق املس ــاواة ب ــني‬
‫املواطنني فيها‪.‬‬
‫‪ -‬القابلية للتغيري والتعديل‪ ،‬أ ‪ :‬أن املرافق ميكن أن يت التعديل فيها‪ ،‬وميكن التغيـري فيهـا مـا‬
‫دام ستمد دورها بشكل أفضل‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫اةاضرة الثالثة‪ :‬أثر الثقاعة يف تعزيز اانتماء إىل الوطن‬

‫كيفية اةاعلة عك املمتككات العامة‪:‬‬


‫‪ -‬الــدين اإلســالمي ديــن عظــي ش ـ ع علــى األخال يــات الســليمة‪ ،‬وابلنظــر إىل لًّيت القــرلن‬
‫الكــر عــد أن هللا ‪-‬عــز وجــل‪ -‬أمــر املســلمني واملــممنني ابحلفــا علــى املرافــق واملمتلكــات‬
‫العامة‪.‬‬
‫‪ -‬ال بد من العمل على تقوية النوازر الدينيـة الـمل حتـث الفـرد علـى منـع العبـث أو التخريـب يف‬
‫املمتلكـات العامــة‪ ،‬علـى اةميــع أن يسـاه يف توصــيل رسـالة أن التخريــب أو االعتـداء علــى‬
‫املمتلكات العامة أمر رم يف كل الشرائع السماوية‪.‬‬
‫‪ -‬ال بــد مــن العمــل علــى ســن القـوانني وفــرض العقــوابت علــى مــن ــالف التشـريعات الرادعــة‪،‬‬
‫ويع ــد الض ــر بي ــد م ــن حدي ــد عل ــى أ معت ــد عل ــى املص ــاحل العام ــة ع ــرة للغ ــري ومث ــال‬
‫لل ميع‪.‬‬
‫‪ -‬كــل العــاملني يف املمسســات العامــة علــيه القيــام بعمليــات التفقــد إن أمكــن بشــكل يــومي‬
‫للممتلكات العامة‪ ،‬ألن إجراء األعمال اخلاصة ابلصيانة علها تعيش لو أطول‪.‬‬
‫‪ -‬ال بد من االهتمام ابل مي أو االستعداد بكل الت هيزات الضرورية لتحـديث املمتلكـات إن‬
‫كان عبارة عن أجهزة أو مبان أو غريها‪.‬‬
‫‪ -‬ال بـد مـن االهتمــام بصـيانة املرافـق العامــة‪ ،‬وال بـد مــن تقـد الـدع سـواء املـاد أو اخلــدمي‬
‫والتطــوعي‪ ،‬واالش ـ اك مــع ممسســات ا تمــع املــدين ل مــي مــا تلــف مــن تلكــات وإعــادة‬
‫إحيائها من جديد‪.‬‬
‫‪ -‬ال بد من توخي احلرف وعدم استخدام األماكن املخصصة يف املنتزهات واحلدائق العامة يف‬
‫أعمال الشغب ويف عمليات إشعال النار يف األعشا واألش ار‬
‫‪ -‬ال ب ــد م ــن االنتب ــا لع ــدم حتط ــي املراف ــق ال ــمل تض ــعها الدول ــة يف الشـ ـوارر يف س ــبيل خدم ــة‬
‫املـ ـواطنني‪ ،‬مث ــل إش ــارات امل ــرور واملقاع ــد يف الشـ ـوارر و ط ــات االت ــوبيس واحملط ــات العام ــة‬
‫وحاوًّيت القمامة وأعمدة اإل رة وغريها‪.‬‬
‫‪ -‬الب ــد م ــن أن يق ــوم ك ــل عام ــل يف املنش ــآت العام ــة ابحلف ــا عليه ــا‪ ،‬عل ــى الطبي ــب حس ــن‬
‫استخدام األجهزة الطبية‪ ،‬وعلى املعل حسن استخدام املعدات واألدوات‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫اةاضرة الثالثة‪ :‬أثر الثقاعة يف تعزيز اانتماء إىل الوطن‬

‫مكاعحة الفساد‪:‬‬
‫يُعــد الفســاد جا مفهــوم مرّكـب‪ ،‬لـ أبعــاد متعــددة‪ ،‬وختتلــف تعريفات ـ ابخــتالف الزاويــة الــمل‬
‫ـادا كــل ســلوك انته ـ ًأًّي مــن القواعــد والض ـوابط الــمل يفرضــها‬
‫ينظــر مــن خال ـا إلي ـ ‪ ،‬فيعــد فسـ ً‬
‫فسادا كل سلوك يهدد املصلحة العامة‪ ،‬وكـذل أ إسـاءة السـتخدام الوظيفـة‬ ‫النظام‪ ،‬كما يع ّد ً‬
‫العامــة؛ لتحقيــق مكاســب خاصــة هــذا يف القــانون الوضــعي‪ ،‬أمــا يف الشـريعة االســالمية فالفســاد‬
‫ك ـ ـ ــل م ـ ـ ــا ه ـ ـ ــو ض ـ ـ ــد الص ـ ـ ــالح‪ ،‬ـ ـ ــال تع ـ ـ ــاىل‪{ :‬ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ} [س و و ووورة‬
‫األعراف‪.]56:‬‬
‫{ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ‬ ‫و ال تعاىل‪:‬‬
‫ﲵ ﲶﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ} [سورة النساء‪.]58:‬‬
‫{ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺﱻ ﱼ ﱽ ﱾ‬

‫ﱿ} [سورة البقرة‪.]215:‬‬


‫ِ ِِ‬
‫وم ْسـ ُـمول عــن َرعيَّتـ ؛ فَا ِإل َمـ ُ‬
‫ـام‬ ‫ويف صــحيح البخــار أن رســول هللا ﷺ ــال‪ُ (( :‬كل ُكـ ْ َر إار َ‬
‫الر ُج ُل يف ْأهلِ ِ َر إار وهو َم ْس ُـمول عـن َر ِعيَّتِـ ِ‪ ،‬وامل ْـرأَةُ يف بَـْيـ ِ َزْوِج َهـا‬
‫َر إار وهو َم ْس ُمول عن َر ِعيَّتِ ِ‪ ،‬و َّ‬
‫َ‬
‫اعيَة وهي َم ْس ُمولَة عن َر ِعيَّتِ َها‪ ،‬واخلَ ِاد ُم يف َم ِال َسيِّ ِد ِ َر إار وهو َم ْس ُمول عن َر ِعيَّتِ ِ))‪.‬‬
‫رِ‬
‫َ‬
‫ورو اإلمام أمحد عن ثوابن ال‪(( :‬لعن رسـول هللا ﷺ الراشـي‪ ،‬واملرتشـي والـرائش [يعـين‬
‫الذ ميشي بينهما]))‪.‬‬
‫وظــاهرة الفســاد تشــمل ج ـرائ متعــددة‪ ،‬مثــل‪ :‬الرشــوة واملتــاجرة ابلنفــوج‪ ،‬إســاءة اســتعمال‬
‫الســلطة‪ ،‬اإلث ـراء غــري املشــرور‪ ،‬التالعــب ابمل ـال العــام واختالس ـ أو تبديــد أو إســاءة اســتعمال ‪،‬‬
‫غسيل األموال‪ ،‬اةرائ احملاسبية‪ ،‬التزوير‪ ،‬تزييف العملة‪ ،‬الغش الت ار ‪...‬إخل‪.‬‬
‫وتعــد ظــاهرة الفســاد ظــاهرة مركبــة‪ ،‬ختــتلط فيهــا األبعــاد اال تصــادية واالجتماعيــة والثقافيــة‬
‫والسياســية؛ ولــذا تتعــدد أســبا نشــوئها‪ ،‬ومــن هــذ األســبا عــدم اتســاق األنظمــة ومتطلبــات‬
‫احلي ــاة االجتماعي ــة وض ــعف الر اب ــة‪ .‬وللفس ــاد ل ر س ــلبية متع ــددة‪ ،‬أمهه ــا‪ :‬الت ــأثري الس ــل عل ــى‬
‫عملية التنمية‪ ،‬فينحرف أبهدافها‪ ،‬ويبدد املوارد واإلمكا ت‪ ،‬ويسيء توجيهها‪ ،‬ويعوق مسريهتا‪،‬‬
‫كما يضعف فاعلية وكفاية االجهزة‪ ،‬ويتسبب يف خلق حالة من التذمر والقلق‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫اةاضرة الثالثة‪ :‬أثر الثقاعة يف تعزيز اانتماء إىل الوطن‬

‫إن محايــة النزاهــة ومكافحــة الفســاد تســتلزم ب ـرامج إصــالح شــاملة‪ ،‬حتظــى بــدع سياســي‬
‫ــو ‪ ،‬وتكتســب مضــمو ً اس ـ اتي ياا‪ ،‬يقــوم علــى تشــخيص املشــكلة ومعاةــة أســبا ا‪ ،‬وتعــاون‬
‫االجه ــزة احلكومي ــة‪ ،‬ومش ــاركة ا تم ــع وممسس ــات ‪ ،‬وإرس ــاء املب ــاد والق ــي األخال ي ــة ل ـ ـ دارة‬
‫وا تمع وتعزيزها‪ ،‬واالستفادة من اخلرات الدولية‪.‬‬
‫ومب ــا أن محاي ــة النزاه ــة ومكافح ــة الفس ــاد نمي ــع أش ــكال م ــن املب ــاد الثابت ــة يف الشـ ـريعة‬
‫اإلســالمية واألنظمــة الدوليــة‪ ،‬فــإن اململكــة العربيــة الســعودية وهــي تســتمد أنظمتهــا مــن مبــاد‬
‫وأحكــام الشـريعة االســالمية‪ ،‬عنيـ حبمايــة النزاهــة واألمانــة والتحــذير مــن الفســاد و اربتـ بكــل‬
‫صور وأشكال ‪.‬‬
‫ومن هذا املنطلق حرص اململكة على مشاركة ا تمع الـدوا اهتمامـ يف اربـة الفسـاد‪،‬‬
‫من خالل حرصـها علـى عقـد االتفا يـات‪ ،‬وحضـور املـم رات والنـدوات‪ ،‬وتعزيـز التعـاون الـدوا‪.‬‬
‫امتدادا ذا االهتمـام وضـع هـذ االسـ اتي ية حلمايـة النزاهـة ومكافحـة الفسـاد‪ ،‬وجلـ علـى‬‫و ً‬
‫النحو اآليت‪:‬‬

‫أولًا‪ :‬املنطكقات‬
‫ت كز االس اتي ية حلماية النزاهة ومكافحة الفساد على املنطلقات اآلتية‪:‬‬
‫‪ .3‬أن الــدين االســالمي احلنيــف ‪-‬عقيــدة وشـريعة ومــنهج حيــاة‪ -‬هــو الركيــزة األساســية الــمل‬
‫حتك هذ االس اتي ية‪ :‬منطلقات وأهدافًا ووسائل ولليات‪ ،‬وتعد كل عمل من شأن االحنـراف‬
‫ـادا وجرميــة‬
‫ابلوظيفــة العامــة واخلاصــة عــن مســارها الشــرعي والنظــامي الــذ وجــدت خلدمت ـ فسـ ً‬
‫تستوجب العقا يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫‪ .2‬أن محايــة النزاهــة ومكافحــة الفســاد تتحق ـق بشــكل أفضــل بتعزيــز التعــاون بــني األجهــزة‬
‫املختصة يف اململكة بشكل مستمر‪.‬‬
‫‪ .1‬أن الفساد يعوق التطوير والتنمية واالستثمارات‪.‬‬
‫‪ .4‬أن الفســاد م ـرتبط يف بعــال صــور ابلنشــاطات اإلجراميــة‪ ،‬وخاصــة اةرميــة املنظمــة عــر‬
‫احلدود الوطنية‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫اةاضرة الثالثة‪ :‬أثر الثقاعة يف تعزيز اانتماء إىل الوطن‬

‫‪ .5‬أن ظه ــور مف ــاهي وص ــور ووس ــائل حديث ــة للفس ــاد وانتش ــارها تس ــتلزم مراجع ــة وتقوميًـ ـا‬
‫مستمرا للسياسات واخلطط واألنظمة واإلجراءات والرامج ملكافحة هذا الوابء اخلطر‪.‬‬ ‫ً‬
‫ايضـا تعزيـز التعـاون بـني الـدول انطال ًـا‬
‫‪ .9‬أن حتقيق محاية النزاهة ومكافحة الفساد يتطلب ً‬
‫مــن مبــاد القــانون الــدوا واملواثيــق واملعاهــدات الدوليــة‪ ،‬ــا يســه يف تعميــق الثقــة بــني الــدول‬
‫وهتيئة مناخ افضل للعال ات فيما بينها‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬األهداف‬
‫هتدف االس اتي ية الوطنية حلماية النزاهة ومكافحة الفساد إىل حتقيق اآليت‪:‬‬
‫‪ .3‬محاية النزاهة‪ ،‬ومكافحة الفساد بش صور ومظاهر ‪.‬‬
‫‪ .2‬حتصني ا تمع السعود ضد الفساد ابلقي الدينية واألخال ية وال بوية‪.‬‬
‫‪ .1‬توجي املواطن واملقي حنو التحلي ابلسلوك‪ ،‬واح ام النصوف الشرعية والنظامية‪.‬‬
‫‪ .4‬توفري املناخ املالئ لن اح خطط التنمية‪ ،‬وال سيما اال تصادية واالجتماعية منها‪.‬‬
‫‪ .5‬اإلســهام يف اةهــود املبذولــة لتعزيــز وتطــوير وتوثيــق التعــاون اإل ليمــي والعــريب والــدوا يف‬
‫مال محاية النزاهة ومكافحة الفساد‪.‬‬
‫‪ .9‬حتقيق العدالة بني أفراد ا تمع‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬الوسائل‬
‫‪ .3‬تشخيص مشكلة الفساد عن طريق ما يلي‪:‬‬
‫أ‪ .‬تنظــي اعــدة معلومــات وطنيــة حلمايــة النزاهــة ومكافحــة الفســاد‪ ،‬تشــتمل ايــع الو ئــق‬
‫النظامية واإلدارية‪ ،‬ورصد املعلومات والبيا ت واإلحصاءات الد يقة عـن ح ـ املشـكلة‬
‫وتصــنيفها‪ ،‬وحتديــد أنواعهــا وأســبا ا ول ره ـا وأولويتهــا‪ ،‬ومــد انتشــارها زمنيً ـا ومكانيً ـا‬
‫واجتماعيًا‪.‬‬
‫‪ .‬يام األجهزة احلكومية املعنيـة حبسـب اختصاصـها ءعـداد إحصـاءات وتقـارير دوريـة عـن‬
‫املشكلة وأسبا ا‪ ،‬وأنواع واحللول املق حة‪ ،‬وحتديد‬ ‫مشكلة الفساد‪ ،‬تتضمن بيان ح‬

‫‪54‬‬
‫اةاضرة الثالثة‪ :‬أثر الثقاعة يف تعزيز اانتماء إىل الوطن‬

‫الســلبيات والصــعوابت الــمل تواج ـ تطبيــق األنظمــة واإلج ـراءات املتعلقــة حبمايــة النزاهــة‬
‫ومكافحة الفساد‪.‬‬
‫‪ .‬دع وإجراء الدراسات والبحوث املتعمقة مبوضور محاية النزاهة ومكافحة الفساد‪.‬‬
‫د‪ .‬إاتحة املعلومات املتوافرة للراغبني يف البحث والدراسة‪ ،‬وحث اةهات األكادميية ومراكز‬
‫البحوث املتخصصة على إجراء املزيد من الدراسات والبحوث يف ا ال نفس ‪.‬‬
‫نشر يف وسائل اإلعالم عن موضور محاية النزاهة ومكافحة الفساد‪.‬‬
‫ه‪ .‬رصد ما يُ َ‬
‫و‪ .‬متابعة املست دات يف املوضور على املستو احمللي أو الدوا‪.‬‬
‫‪ .2‬ي ــام األجه ــزة احلكومي ــة املعني ــة حبماي ــة النزاه ــة ومكافح ــة الفس ــاد مبمارس ــة اختصاص ــاهتا‪،‬‬
‫وتطبيق األنظمة املتعلقة بذل ‪ ،‬عن طريق ما يلي‪:‬‬
‫أ‪ .‬تزوي ــد األجه ــزة الض ــبطية والر ابي ــة والتحقيقي ــة والقض ــائية ابإلمك ــا ت املادي ــة والبش ـرية‪،‬‬
‫واخل ـ ـرات والت ــدريب‪ ،‬والتقنيـ ــة والوسـ ــائل العلمي ــة احلديثـ ــة الكافيـ ــة؛ لتمكينه ــا م ــن أداء‬
‫مهماهتا بفاعلية‪.‬‬
‫‪ .‬دراســة أنظمــة األجهــزة املختصــة حبمايــة النزاهــة‪ ،‬ومكافحــة الفســاد‪ ،‬وهياكلهــا اإلداريــة‬
‫وإجراءاهتا‪ ،‬مـع مراعاهتـا عـدم االزدواجيـة وتنـازر االختصـاف فيمـا بينهـا‪ ،‬ومنحهـا القـدر‬
‫الالزم من االستقالل اإلدار واملاا‪.‬‬
‫‪ .‬يام األجهزة احلكومية املعنيـة ‪-‬حبسـب اختصاصـها‪ -‬ابملراجعـة الدوريـة لألنظمـة املتعلقـة‬
‫مبكافحة الفساد؛ لتحديد الصعوابت المل تظهر ا من خالل التطبيق والدراسة‪ ،‬وإبـداء‬
‫املق ح ــات؛ لت ــذليل ه ــذ الص ــعوابت‪ ،‬وك ــذل لتط ــوير ه ــذ األنظم ــة ورفعه ــا لل ه ــة‬
‫املختصة؛ للنظر فيها واالستفادة يف جل ا يست د‪.‬‬
‫د‪ .‬تط ــوير وتق ــو األنظم ــة الر ابي ــة واإلداري ــة واملالي ــة‪ ،‬لض ــمان وض ــوحها وس ــهولة تطبيقه ــا‬
‫وفعاليتها‪.‬‬
‫ه‪ .‬تقليص اإلجراءات‪ ،‬وتسهيلها والتوعية ا‪ ،‬ووضعها يف أماكن ابرزة؛ حـ ال تـمد إىل‬
‫االستثناءات غري النظامية‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫اةاضرة الثالثة‪ :‬أثر الثقاعة يف تعزيز اانتماء إىل الوطن‬

‫و‪ .‬يام املسمولني ابملرا بة واملتابعة؛ للتأكد من سالمة إجراءات العمل ومطابقتها لألنظمة‪.‬‬
‫ز‪ .‬اختيــار املســمولني يف اإلدارات التنفيذي ــة الــمل ــا عال ــة ابةمهــور مــن جو الكف ــاًّيت‬
‫والتعام ـ ــل احلمي ـ ــد م ـ ــع املـ ـ ـراجعني‪ ،‬والتأكي ـ ــد عل ـ ــى م ـ ــدير اإلدارات ءهن ـ ــاء إجـ ـ ـراءات‬
‫معامالت املواطنني ومرا بة املوظفني؛ ح ال يضعوا العقبات أمام تل املعامالت‪.‬‬
‫ح‪ .‬التأكيــد علــى عــدم التمييــز يف التعامــل‪ ،‬وعــدم النظــر إىل املركــز الــوظيفي أو االجتمــاعي‬
‫للشخص‪.‬‬
‫ط‪ .‬العمل مببدأ املساءلة لكل مسمول‪ ،‬مهما كان مو ع ‪ ،‬وف ًقا لألنظمة‪.‬‬
‫‪ .‬تعزيز جهود األجهزة الضبطية املتعلقة مبكافحة الفساد‪.‬‬
‫ك‪ .‬االس ــتفادة م ــن الوس ــائل العلمي ــة احلديث ــة‪ ،‬ووس ــائل االتص ــاالت السـ ـريعة ب ــني اةه ــات‬
‫احلكومية املختصة‪.‬‬
‫ل‪ .‬ضــمان وضــوح التعليمــات اخلاصــة ابلرســوم واملســتحقات والغرامــات وتســديدها‪ ،‬وإنــاد‬
‫الســبل الو ائيــة الكفيلــة بســد الثغ ـرات الــمل تــمد إىل ولــو الفســاد إليهــا‪ ،‬مبــا يف جل ـ‬
‫التسديد عن طريق البنوك‪ ،‬وفق ضوابط مدروسة‪.‬‬
‫م‪ .‬ســرعة البـ يف ضــاًّي الفســاد‪ ،‬والعمــل مببــدأ التعــويال ملــن تضــار حقــو ه ومصــاحله ؛‬
‫مــن ج ـراء الفســاد‪ ،‬بعــد ثبــوت جل ـ حبك ـ ضــائي هنــائي مــن اةه ـة املختصــة‪ ،‬ونشــرها‬
‫بطلب من املدعي العام وموافقة ظر القضية‪.‬‬
‫ن‪ .‬العمل على توحيد الل ان جات االختصاف القضائي يف جهة ضائية واحـدة‪ ،‬ومنحهـا‬
‫االستقالل التام‪.‬‬
‫م‪ .‬التأكيد على التعـاون يف مـال املسـاعدة املتبادلـة يف اربـة الفسـاد‪ ،‬دون إخـالل ابلسـرية‬
‫املصرفية‪.‬‬
‫‪ .1‬إ رار مبدأ الوضوح (الشفافية) وتعزيز داخل ممسسات الدولة عن طريق ما يلي‪:‬‬
‫أ‪ .‬التأكيد على مسموا الدولة أبن الوضوح وسيلة فاعلة للو ايـة مـن الفسـاد‪ ،‬وأن اعتمـاد‬
‫كممارسة وتوج أخال ي يضفي على العمل احلكومي املصدا ية واالح ام‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫اةاضرة الثالثة‪ :‬أثر الثقاعة يف تعزيز اانتماء إىل الوطن‬

‫‪ .‬تسهيل اإلجراءات اإلدارية والتوعية ا‪ ،‬وإاتحتها للراغبني‪ ،‬وعـدم الل ـوء إىل السـرية إال‬
‫فيما يتعلق ابملعلومات المل س السيادة واألمن الوطين‪.‬‬
‫‪ .‬وضع نظام حلماية املال العام‪.‬‬
‫د‪ .‬توض ــيح إجـ ـراءات عق ــود مشـ ـ ًّيت احلكوم ــة واملمسس ــات العام ــة والش ــركات املس ــامهة‪،‬‬
‫وإعطاء اةمهور واملمسسات املدنية ووسائل اإلعالم حق االطالر عليها ونقدها‪.‬‬
‫ه‪ .‬كفالة حرية تداول املعلومات عن شمون الفساد بني عامة اةمهور ووسائل اإلعالم‪.‬‬
‫‪ .4‬مشاركة ممسسات ا تمع املدين يف محاية النزاهة ومكافحة الفساد عن طريق ما يلي‪:‬‬
‫أ‪ .‬إشراك بعال منسويب هذ املمسسات يف الل نة الوطنية ملكافحة الفساد املق حة‪.‬‬
‫‪ .‬إشراك هذ املمسسـات "حسـب اختصاصـها" يف دراسـة ظـاهرة الفسـاد وإبـداء مـا لـديها‬
‫من مرئيات ومق حات ّكن من احلد من ‪.‬‬
‫ـث ا يئــات املهنيــة واألكادمييــة‪ ،‬كاألطبــاء واحملــامني واملهندســني واحملاســبني علــى إبــداء‬
‫‪ .‬حـ ّ‬
‫مرئيــاهت حــول األنظمــة (الر ابيــة‪ ،‬واملاليــة‪ ،‬واإلداريــة)‪ ،‬وتقــد مق حــاهت حيــال تطويرهــا‬
‫وحتديثها‪.‬‬
‫د‪ .‬ح ــث الغ ــرف الت اري ــة والص ــناعية عل ــى إع ــداد خط ــط وبـ ـرامج لتوعي ــة رج ــال األعم ــال‬
‫والت ـ ــار مبخ ـ ــاطر الفس ـ ــاد وأس ـ ــباب ول ر ‪ ،‬وإيض ـ ــاح مرئي ـ ــاهت حي ـ ــال األنظم ـ ــة املالي ـ ــة‬
‫والت ارية‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫اةاضرة الرابعة‪ :‬العمل التطوعي‬

‫اةاضرة الرابعة‬
‫العمل التطززززززززوعي‬

‫‪58‬‬
‫اةاضرة الرابعة‪ :‬العمل التطوعي‬

‫أهداف الدرس‪:‬‬
‫يتعرف الطّالب على معو العمل التطوعي و صيل يف اإلسالم‪.‬‬
‫‪ -‬أن َّ‬
‫‪ -‬أن يدرك الطالب أمهية العمل التطوعي‪ ،‬وكون جانبًا مه اما من جوانب احلضارة‪.‬‬
‫وتنور صورها وأشكا ا‪.‬‬
‫‪ -‬أن يعرف الطالب ماالت العمل التطوعي ّ‬
‫‪ -‬أن يدرك الطالب ل ر العمل التطوعي على الفرد وا تمع واحلضارة‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫اةاضرة الرابعة‪ :‬العمل التطوعي‬

‫مفهوم التطوع وأهميته‬


‫التَّمهيد‪:‬‬
‫وفعلتهــا‬
‫أصــل ــا اإلســالم‪ّ ،‬‬
‫يعــد العمــل التطــوعي أحــد النمــاج احلضــارية والعمرانيــة الــمل َّ‬
‫األمــة اإلســالمية‪ ،‬وح ّققـ ــا ــوة اجتماعيــة ومكانــة عمرانيــة‪ّ ،‬أهلتهــا للنهــوض بكــل التكــاليف‬
‫املنوطة ابإلنسان‪ ،‬واملتعلِّقة بوظيفت يف األرض وخالفت فيها‪ ،‬وعمارت ا‪.‬‬

‫أولًا‪ :‬تعريف التطوع‬


‫(‪)3‬‬
‫التطور هو‪ :‬الترر مبا ال يلزم ا هو مشرور ‪.‬‬
‫ـادًّي أو معن ـوًًّي لفــرد أو أكثــر‪ ،‬ه ـ حباجــة إلي ـ ‪ ،‬دون مقابــل؛‬
‫ـطالحا‪ :‬تقــد املعونــة مـ ً‬
‫اص ـ ً‬
‫(‪)2‬‬
‫ابتغاء مرضاة هللا تبارك وتعاىل ‪.‬‬

‫تأصيل العمل التطوعي‪:‬‬

‫ال فــى علــى مســل إ ورود أدلــة كثــرية يف الكتــا والســنة فيهــا بيــان الفضــل والث ـوا أل ّ‬
‫نتعرف علي من جانبني شرعيني‬ ‫وج من أوج اخلري للغري‪ ،‬صيل العمل التطوعي‪ ،‬فيمكننا أن ّ‬
‫مهمني جاء تقريرمها يف القرلن الكر ‪ ،‬الثاين منهما فرر عن األول‪ ،‬ومها‪:‬‬ ‫ّ‬
‫اجلانب األول‪ :‬ااستخالف يف األرض‪.‬‬
‫فهذ اخلاصـية الـمل أكـرم هللا تعـاىل ـا اإلنسـان وش ّـرف ‪ ،‬ابختيـار للنهـوض بوظيفـة اخلالفـة‬
‫يف األرض‪{ ،‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ} [سورة البقرة‪.]10:‬‬
‫سخر هللا ل يف هـذا الكـون‪،‬‬
‫وهذا االستخالف يقتضي أن يسعى اإلنسان الكتشاف ما ّ‬
‫واستغالل وتوظيف ‪ ،‬وفق سنن هللا تعاىل ِّ‬
‫املسرية للعامل‪ .‬فهنال سنن بتة أجر هللا تعاىل الكون‬
‫وسري على مقتضاها‪.‬‬
‫على َوفقها‪ّ ،‬‬

‫(‪ )3‬انظـ ـر‪ :‬التو ي ــف عل ــى مهم ــات التع ــاريف‪ ،‬عب ــدالرؤوف املن ــاو ‪( ،‬ف‪)55‬؛ الق ــاموم الفقه ــي‪ ،‬س ــعد أيب جي ــب‪،‬‬
‫(ف‪.)214‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬العمل التطوعي يف السنة النبوية – دراسة موضوعية‪ ،‬رندة دمحم زينو‪( ،‬ف‪ )34‬بتصرف‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫اةاضرة الرابعة‪ :‬العمل التطوعي‬

‫وأنوار التسخري املختلفة جاء جكرها يف القرلن الكر ‪ ،‬يف سياق االمتنان من هللا تعاىل‬
‫{ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ‬ ‫على اإلنسان‪ ،‬يقول هللا ‪:--‬‬
‫ﲲﲳﲴﲵﲶﲷﲸﲹﲺﲻﲼﲽﲾﲿﳀﳁﳂ‬

‫ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ‬

‫ﱁﱂﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉﱊﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱑ‬

‫ﱒ} [سورة إبراهي ‪.]14-12:‬‬


‫وغـري ‪{ :‬ﳓ ﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ ﳙ ﳚ ﳛ ﳜ ﳝ}‬ ‫و ال تعاىل يف لية تع مـا سـبق‬
‫[سورة اةاثية‪.]31:‬‬
‫اجلانب الثاني‪ :‬التَّسخري ااجتماعي‪.‬‬
‫نوعــا لخــر مــن التَّكــر بتســخري اإلنســان ل نســان كمــا‬
‫أيضـا ً‬
‫فقــد بـ ّـني هللا تعــاىل يف كتابـ ً‬
‫ج ــاء يف ولـ ـ تع ــاىل‪{ :‬ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ} [س ــورة‬
‫بعيوا يف‬
‫الناى بعيوه‪ :‬ه‬
‫الزخرف‪ ]12:‬والتسخري هنا ‪-‬كما جكر املفسـرون‪ :-‬هو أن يستعمل أل‬
‫وف وتيووام‪ ،‬ينووت ‪ :‬بووذلك ن ووام العووامل‪ ،‬وت موول ف ووه حاجووات‬
‫حوووا ه‪ ،:‬ف اصوول ب وونه‪ :‬تلو ت‬
‫(‪)3‬‬
‫الناى؛ ال ل مال يف املوسع وال لنقص يف املقرت ‪.‬‬
‫{ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ‬ ‫فاهلل تعاىل ّبني ع ز بين اإلنسان عن التدبري بقول ‪:‬‬
‫ﲯﲰﲱﲲﲳﲴﲵﲶﲷﲸﲹﲺﲻﲼﲽﲾ‬

‫ـثال ف ـ ــأعل أهن ـ ـ‬


‫ـ ـ مـ ـ ً‬ ‫ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ} [س ـ ــورة الزخ ـ ــرف‪ ،]12:‬فض ـ ــر‬
‫عاجزون عن تدبري ما يصـلحه يف دنيـاه ‪ ،‬وأنـّ تعـاىل هـو الـذ سـ بيـنه معيشـته و ـ ّدرها‪،‬‬
‫يسو بينه ‪ ،‬ولكن فـاوت بيـنه يف أسـبا العـيش‪ ،‬وغـاير بـني‬ ‫ودبّر أحوا تدبري العامل ا‪ ،‬فل ّ‬
‫بعض ـا يف ح ـوائ ه‬‫بعضــه ً‬
‫منــاز ف عــل مــنه أ ـوًّيء وضــعفاء‪ ،‬وأغنيــاء و ــاويج‪ ،‬ليصــرف ُ‬
‫ويســتخدموه يف ِمهــنه ويتسـ َّ‬
‫ـخروه يف أشــغا ‪ ،‬ح ـ يتعايش ـوا وي افــدوا ويصــلوا إىل منــافعه‬
‫(‪)2‬‬
‫وطصلوا على مرافقه ‪.‬‬

‫(‪ )3‬تفسري البيضاو ‪( ،‬ف‪.)50‬‬


‫(‪ )2‬تفسري الزخمشر ‪.)248/4( ،‬‬

‫‪61‬‬
‫اةاضرة الرابعة‪ :‬العمل التطوعي‬

‫واحلكمــة يف هــذا التفــاوت امللحــو يف ايــع العصــور‪ ،‬وايــع البيئــات‪ ،‬وايــع ا تمعــات‬
‫هي‪{ :‬ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ}‪.‬‬
‫فهــذا التفــاوت يف شــمون الــدنيا وأحوا ــا هــو الــذ يــت ّ ب ـ نظــام ا تمــع والســري ب ـ علــى‬
‫بعض ـا يف ح ـوائ ه ‪ ،‬وال‬‫ال ــنهج الق ــو ‪ ،‬فل ــوال م ــن جه ــة التس ــخري‪ ،‬م ــا ص ـ ّـرف الن ــام بعض ــه ً‬
‫تعاونوا يف تسهيل وسائل املعيشة فيما بينه عن طريق العمل التطوعي‪.‬‬
‫اثنها‪ :‬منزلة أممال التطوع وفيلها‪:‬‬
‫ـريا م ــن ص ــور األعم ــال التطوعي ــة يف ثن ــاًّي م ــا ج ــاء فيـ ـ م ــن‬
‫ع ــرض لن ــا الق ــرلن الك ــر كث ـ ً‬
‫القص ــص؛ وه ــذا يس ــاعد عل ــى ترس ــيخ يم ــة التط ــور يف ا تم ــع املس ــل م ــن خ ــالل األس ــلو‬
‫(‪)3‬‬
‫القصصي الذ لف النفس ‪ ،‬وعناية القرلن بـذل تـدل علـى شـرف األعمـال التطوعيـة وعلـو‬
‫منزلتها يف اإلسالم‪.‬‬
‫و ا جاء يف القرلن الكر من صور التطور ما ام ب نبينا موسى ‪ -♠-‬عند دوم‬
‫{ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ‬ ‫مدين من سقي ماشية الفتاتني‪ ،‬يقول تعاىل‪:‬‬
‫ﱕﱖﱗﱘﱙﱚﱛﱜﱝﱞﱟﱠﱡﱢﱣﱤ‬

‫ﱥﱦﱧﱨﱩﱪﱫﱬﱭﱮﱯﱰﱱﱲﱳﱴﱵﱶ‬

‫ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ} [سورة القصص‪.]24-21:‬‬
‫فموس ــى ‪َّ -♠-‬‬
‫رق حل ــال ه ــاتني الفت ــاتني ورمحهم ــا فس ــقى م ــا غ ــري طال ــب منهم ــا‬
‫األُجــرة‪ ،‬ومل يكــن ل ـ صــد غــري وج ـ هللا تعــاىل‪ ،‬فلمــا ســقى مــا‪ ،‬وكــان جل ـ و ـ شــدة حــر‪،‬‬
‫ووسط النهار‪ ،‬لو إىل الظل مس طًا بعـد التعـب‪ ،‬ودعـا بلسـان حالـ أن ينـزل هللا بـ اخلـري‪ ،‬ومل‬
‫يزل يف هذ احلالة داعيًا رب ح رز هللا بسبب هذا العمل معينًـا يمويـ وزوجـة مباركـة هـي ابنـة‬
‫(‪)2‬‬
‫رجــل صــاحل تقــوم علــى حفــظ نفس ـ وبيت ـ ‪ ،‬وهــذا يــدل علــى فضــل العمــل التطــوعي‪ ،‬وأن هللا‬
‫يفتح ب من أبوا اخلري ما يشاء‪.‬‬

‫(‪ )3‬انظر‪ :‬مباحث يف علوم القرلن‪ ،‬الدكتور‪ :‬منار القطان‪( ،‬ف‪.)138‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬تفسري تيسري الكر الرمحن‪ ،‬السعد ‪( ،‬ف‪.)439‬‬

‫‪62‬‬
‫اةاضرة الرابعة‪ :‬العمل التطوعي‬

‫أيضا يف القرلن من صور العمل التطوعي ما ام ب جو القرنني من بناء ردم‬


‫و ا جاء ً‬
‫أيجو ومأجو ‪ ،‬يقول تعاىل‪{ :‬ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ‬

‫ﲾﲿﳀﳁﳂﳃﳄﳅﳆﳇﳈﳉﳊﳋﳌﳍﳎﳏﳐ‬

‫ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ} [سورة الكهف‪.]55-54:‬‬

‫فق ــد علـ ـ ه ــمالء الق ــوم ال ــذين ابتلـ ـوا أبج أيج ــو وم ــأجو م ــا ل ــذ القـ ـرنني م ــن الق ــوة‬
‫واال تـدار علــى كــف الشـر عــنه ‪ ،‬فبــذلوا لـ أجـرة ليفعــل جلـ ‪ ،‬وجكــروا لـ الســبب الــداعي وهــو‪:‬‬
‫إفســاد أيجــو ومــأجو يف األرض‪ ،‬لكــن امللـ الصــاحل جا القـرنني مل يكــن جا طمــع وال رغبــة يف‬
‫الدنيا‪ ،‬بل كان صد اإلصالح‪ ،‬فلذل أجا ملا طلبوا ومل أيخذ منه أجرة‪ ،‬وشـكر ربـ علـى‬
‫كينـ وا تــدار ‪ ،‬فقــال ـ ‪{ :‬ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ} أ ‪ :‬ــا تبــذلون ا وتعطــوين‪ ،‬وإامــا أطلــب‬
‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫ما يقيه من أج أيجو ومأجو‬ ‫منك أن تعينوين بقوة منك أبيديك ‪ ،‬فبو‬

‫و ــد أش ــار الرس ــول ‪-‬ﷺ‪ -‬إىل جـ ـزاء العم ــل التط ــوعي وخاص ــة يف أدق معانيـ ـ وه ــو أن‬
‫يكون اإلنسان يف حاجة أخي ‪ ،‬فقال‪« :‬من كان يف حاجة أخيـ كـان هللا يف حاجتـ ‪ ،‬ومـن فـر‬
‫(‪)2‬‬
‫عن مسل كربة‪ ،‬فـر هللا عنـ كربـة مـن كـرابت يـوم القيامـة» ‪ .‬فقـد اشـتمل هـذا احلـديث علـى‬
‫اب واسع مـن أبـوا العمـل التطـوعي؛ حيـث َّ‬
‫دل علـى فضـل إعانـة املسـل وتفـريج الكـر عنـ‬
‫وس زالت ‪ ،‬ويدخل يف كشف الكربة وتفرنها من أزا ا مبال أو وجاهتـ أو مسـاعدت ‪ ،‬والظـاهر‬
‫أيضا من أزا ا ءشارت ورأي وداللت ‪ ،‬كما أشار احلديث إىل اةزاء الـذ وعـد هللا‬
‫أن يدخل في ً‬
‫بـ ملــن ــام بــذل ‪ ،‬وهــو أنـ تعــاىل ســيعني مــن أعــان أخــا ‪ ،‬وســيفر عمــن فــر عــن أخــي‪ ،‬وهــذا‬
‫(‪)1‬‬
‫فضل عظي كلنا حنتاج يف الدنيا واآلخرة ‪.‬‬

‫(‪ )3‬انظر‪ :‬تفسري تيسري الكر الرمحن‪ ،‬السعد ‪( ،‬ف‪.)489‬‬


‫(‪ )2‬متفــق علي ـ ‪ .‬روا البخــار يف صــحيح ‪ ،‬كتــا ‪ :‬املظــامل والغصــب‪ ،‬اب ‪ :‬ال يظل ـ املســل املســل ‪ ،‬ب ـر ‪)2442( :‬؛‬
‫ومسل يف صحيح ‪ ،‬كتا ‪ :‬الر والصلة‪ ،‬اب ‪ :‬حتر الظل ‪ ،‬بر ‪.)2580( :‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬تيسري الكر الرمحن‪ ،‬السعد ‪( ،‬ف‪.)489‬‬

‫‪63‬‬
‫اةاضرة الرابعة‪ :‬العمل التطوعي‬

‫(‪)3‬‬
‫ثالثًا‪ :‬أهمية العمل التطوعي‬
‫‪ .3‬حتقــق أواصــر احملبّــة وال ـ ابط بــني املســلمني‪ :‬ففــي العمــل التطــوعي يبــذل املســل مــن مال ـ‬
‫ـديرا حلالـ وشــفق مبــا حــل بـ ‪ ،‬فت تمــع املشــاعر النبيلــة مــع‬
‫وو تـ مــا يعــود ابخلــري علــى أخيـ ؛ تقـ ً‬
‫األعمال الصاحلة؛ وتشيع املعاين السـامية‪ ،‬وتظهـر روح التـآلف والتـآخي والـ ابط‪ ،‬ـال ‪-‬ﷺ‪:-‬‬
‫«تر املممنني يف ترامحه وتواده وتعاطفه ‪ ،‬كمثل اةسـد‪ ،‬إجا اشـتكى عض ًـوا تـداعى لـ سـائر‬
‫(‪)2‬‬
‫جسد ابلسهر واحلمى» ‪.‬‬
‫‪ .2‬حتقيق مبدأ التكافل االجتماعي واملواسـاة واإليثـار‪ :‬فالعمـل التطـوعي ميثـاق خـري يشـد‬
‫ب ـ املســل عــزم أخي ـ ‪ ،‬ويدعم ـ ويقوي ـ ؛ ح ـ تــزول غمت ـ وينفــر كرب ـ ‪ ،‬ويف جل ـ أمســى معــاين‬
‫بعضــا‪ ،‬مث شــب بــني‬
‫التكافــل‪ ،‬يقــول نبينــا دمحم ‪-‬ﷺ‪« :-‬املــممن للمــممن كالبنيــان‪ ،‬يشــد بعضـ ً‬
‫جالس ــا‪ ،‬إج ج ــاء رج ــل يس ــأل‪ ،‬أو طال ــب حاج ــة‪ ،‬أ ب ــل علين ــا‬
‫أص ــابع »‪ ،‬وك ــان النـ ـ ‪-‬ﷺ‪ً -‬‬
‫(‪)1‬‬
‫يوجه ‪ ،‬فقال‪« :‬اشفعوا فلتمجروا‪ ،‬وليقال هللا على لسان نبي ما شاء» ‪.‬‬
‫‪ .1‬حتســني املســتو اال تصــاد واالجتمــاعي‪ :‬ففــي العمــل التطــوعي مــن أب ـوا اخلــري مــا‬
‫يكــون مغيثًــا ملمسســات ا تمــع العامــة أو الفرديــة مــن اإلفــالم‪ ،‬أو يكــون مســامهًا يف اســتكمال‬
‫خطـ ــط البنـ ــاء والتنميـ ــة‪ ،‬فعـ ــن أيب جر ‪ ،-◙-‬ـ ــال‪ « :‬ل ـ ـ ‪ًّ :‬ي رسـ ــول هللا‪ ،‬أ األعمـ ــال‬
‫أفضل؟ ال‪ :‬اإلميان ابهلل واةهاد يف سـبيل ‪ ،‬ـال‪ :‬لـ ‪ :‬أ الر ـا أفضـل؟ ـال‪ :‬أنفسـها عنـد‬
‫(‪)4‬‬
‫ـنعا أو تصــنع ألخــرق» ‪ ،‬ــال‬ ‫أهلهــا وأكثرهــا جينًــا‪ ،‬ــال‪ :‬ل ـ ‪ :‬فــإن مل أفعــل؟ ــال‪ :‬تعــني صـ ً‬
‫ـنعا‪ ،‬أو تصــنع ألخـرق) يعــين‪:‬‬
‫الشـيخ ابـن عثيمــني ‪ -♫-‬يف معـو ألفــا احلـديث‪( :‬تعــني ص ً‬
‫أيضـا‪ -‬صـد ة‪ ،‬ومـن‬
‫تصنع إلنسان معروفًا‪ ،‬أو تعني أخرق‪ ،‬ما يعرف‪ ،‬فتساعد وتعين ‪ ،‬فهـذا ‪ً -‬‬

‫(‪ )3‬لالستزادة يراجع‪" :‬العمل التطوعي"‪ ،‬اةمعية اخلريية الصحية لرعاية املرضى‪.‬‬
‫(‪ )2‬متف ــق علي ـ ‪ .‬روا البخ ــار يف ص ــحيح ‪ ،‬كت ــا ‪ :‬األد ‪ ،‬اب ‪ :‬رمح ــة الن ـام والبه ــائ ‪ ،‬ب ـر ‪)9033( :‬؛ ومس ــل يف‬
‫صحيح ‪ ،‬كتا ‪ :‬الر والصلة واآلدا ‪ ،‬اب ‪ :‬تراح املممنني وتعاطفه وتعاضده ‪ ،‬بر ‪.)2589( :‬‬
‫بعضا‪ ،‬بر ‪)9029( :‬؛ ومسل‬
‫(‪ )1‬متفق علي ‪ .‬روا البخار يف صحيح ‪ ،‬كتا ‪ :‬األد ‪ ،‬اب ‪ :‬تعاون املممنني بعضه ً‬
‫يف صححي ‪ ،‬كتا ‪ :‬الر والصلة‪ ،‬واآلدا ‪ ،‬اب ‪ :‬تراح املممنني وتعاطفه وتعاضده ‪ ،‬بر ‪.)2585( :‬‬
‫(‪ )4‬متفـ ــق علي ـ ـ ‪ .‬روا البخـ ــار يف صـ ــحيح ‪ ،‬كتـ ــا ‪ :‬العتـ ــق‪ ،‬اب ‪ :‬أ الر ـ ــا أفضـ ــل‪ ،‬ب ـ ـر ‪)2538( :‬؛ ومسـ ــل يف‬
‫صحيح ‪ ،‬كتا ‪ :‬اإلميان‪ ،‬اب ‪ :‬بيان كون اإلميان أفضل األعمال‪ ،‬بر ‪ )84( :‬واللفظ ل ‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫اةاضرة الرابعة‪ :‬العمل التطوعي‬

‫(‪)2‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫األعمال الصـاحلة) ‪ ،‬ويف احلـديث إشـارة إىل أن إعانـة الصـانع مهمـة كإعانـة غـري الصـانع إن‬
‫مل تكــن أوىل وأه ـ يف بعــال احلــاالت؛ ألن غــري الصــانع مظنــة اإلعانــة‪ ،‬فكــل أحــد يعين ـ غالبًــا‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫خبالف الصانع‪ ،‬فإن لشهرت بصنعت يغفل عن إعانت ‪ ،‬فهي من جنس الصد ة على املستور ‪.‬‬
‫ـال تفيــده‬ ‫الشــبا حنــو أعمـ إ‬
‫يوج ـ أو ــات الف ـراغ الــمل ميلكهــا ّ ُ‬ ‫‪ .4‬اســتثمار أو ــات الف ـراغ‪ّ :‬‬
‫وتفيــد ا تمـ َـع أبســلو إ ُمـ إـد‪ ،‬ــال ‪-‬ﷺ‪« :-‬نعمتــان مغبــون فيهمــا كثــري مــن النــام‪ :‬الصــحة‬
‫(‪)4‬‬
‫والفراغ» ‪ ،‬إج نب على املسل أن يتخري لنفسـ مـن أبـوا املباحـات مـا ميـأل بـ و ـ فراغـ ‪،‬‬
‫وخ ــري املباح ــات م ــا ك ــان نفع ـ متع ــد ًًّي م ــن الفاع ــل إىل غ ــري ال س ــيما إجا ا ن ـ ب ـ ني ــة اخل ــري‬
‫(‪)5‬‬
‫فاألعمال ابلنيات ‪.‬‬
‫‪ .5‬يقـ ّـو الشخص ــيّة ويرف ـ ُـع م ــن يم ــة ــدرات الفــرد العلمي ــة والعمليّــة‪ .‬يُع ـ ّـرف الف ــرد بقيم ــة‬
‫الفرد فرصةً لتعزيز ثقت بنفس والعمل على بناء جات و درات وتطويرها‪.‬‬ ‫جهود وندواها‪ .‬يُعطي َ‬
‫‪ .9‬يف ــتح لألف ـراد أب ـو ًااب كث ــريةً م ــن التفاع ــل واملش ــاركة والعال ــات‪ ،‬ابإلض ــافة إىل أنّ ـ يُعلّم ـ‬
‫ترتيب األولوًّيت وكيفية ّاختاج القرارات‪.‬‬
‫ليات أكر‪ ،‬عر إعاز الكث ِري من‬ ‫‪ .7‬يساعد حكومات ال ّدول على توجي جهودها يف مسمو إ‬
‫ُ‬
‫ـرف اةهـ ِـد وامل ــال‬
‫األعمــال البســيطة وس ـ ّد ثغرهتــا م ــن بــل األف ـراد‪ ،‬فــال تض ـطّر احلكومــات لصـ ِ‬
‫علي ‪.‬‬ ‫والو‬
‫الفرد من حالة اخلمول إىل اإلنتا ‪ ،‬واالستفادة من هذ الطا ات أبفضل وسيلة‪.‬‬
‫ينقل َ‬‫‪ُ .8‬‬
‫‪ .5‬يسد الثغرات والع ز يف احتياجات الـ ُم تمع من بعال املهارات‪.‬‬
‫‪.30‬يُساعد املمسسات الرمسية وا يئات واةمعيات ابحتياجات ا تم ِع احلقيقية‪.‬‬

‫(‪ )3‬شرح رًّيض الصاحلني‪ ،‬الشيخ ابن عثيمني‪)354/2( ،‬‬


‫(‪ )2‬أ الصانع احملتا ‪ :‬والذ يكون أشد حاجة من غري الصانع‪.‬‬
‫(‪ )1‬فتح البار شرح صحيح البخار ‪ ،‬ابن ح ر العسقالين‪.)350/5( ،‬‬
‫(‪ )4‬روا البخـار يف صــحيح ‪ ،‬كتــا ‪ :‬الر ــاق‪ ،‬اب ‪ :‬مــا جــاء يف الصـحة والفـراغ‪ ،‬وأن ال عــيش إال عــيش اآلخــرة‪ ،‬بـر ‪:‬‬
‫(‪)9432‬‬
‫(‪ )5‬شرح صحيح البخار ‪ ،‬ابن بطال‪ )347/30( ،‬بتصرف‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫اةاضرة الرابعة‪ :‬العمل التطوعي‬

‫جماات العمل التطوعي يف املمككة العربية السعودية‬


‫نص رار ملس الوزراء ابململكة ر (‪3421/7/5 ،)375‬هـ‪ ،‬الـذ اشـتمل علـى واعـد‬
‫ترشـيح رواد العمــل التطــوعي واختيـاره وتكـرميه ؛ علــى ا ــاالت الـمل رأ املــنظ الســعود أهنــا‬
‫أه ـ ا ــاالت التطوعيــة يف الــبالد‪ ،‬وأكــد الق ـرار أن مــا جكــر مــن ا ــاالت إامــا هــو علــى ســبيل‬
‫التغليب ال احلصر‪.‬‬
‫و د س القرار املشار إلي ماالت العمل التطوعي إىل سبعة ماالت‪:‬‬
‫‪ -1‬خدمة اجملتمع والت افل االجتمامي‪:‬‬
‫تُعـ َّـرف اخلدمــة االجتماعيــة أبهنــا‪ :‬س ـعي املــرء يف حاجــات اآلخ ـرين‪ .‬فهــي مــن اخلــدمات‬
‫(‪)3‬‬
‫سلعا مادية‪ ،‬ولكنها تل ّ حاجات األفراد املادية واملعنوية ‪.‬‬‫واألنشطة المل ال تنتج ً‬
‫أمــا التكافــل االجتمــاعي فيقصــد بـ ‪ :‬أن يكــون لحــاد ا تمــع يف كفالــة اــاعته ‪ ،‬ويكــون‬
‫(‪)2‬‬
‫كفيال يف متمع ميد ابخلري ‪.‬‬
‫كل ادر ً‬
‫‪:‬‬ ‫الق آن ال‬ ‫‪ -2‬بناء املساجد‪ ،‬وحتف‬
‫يـُ َع ـد ه ــذا ا ــال م ــن ا ــاالت املهم ــة؛ إج إن ـ يت ــيح لألف ـراد واملمسس ــات اخلاصــة فرص ــة‬
‫ـوات للعب ــادة فق ــط‪ ،‬و ــد ورد ال غي ــب يف بن ــاء‬
‫املش ــاركة يف بن ــاء بي ــوت هللا تع ــاىل ال ــمل ال تع ــد بي ـ ً‬
‫املساجد يف عدد مـن األحاديـث‪ ،‬منهـا مـا ورد عـن عثمـان بـن عفـان ‪ --‬أنـ كـان يقـول عنـد‬
‫‪-‬ﷺ‪-‬‬ ‫ــول الن ــام فيـ ـ ح ــني ب ــو مس ـ د الرس ــول ‪-‬ﷺ‪ :-‬إنك ـ أكث ــر ‪ ،‬وإين مسعـ ـ الن ـ‬
‫(‪)1‬‬
‫يقول‪« :‬من بو مس ًدا بو هللا ل مثل يف اةنة» ‪.‬‬

‫(‪ )3‬دور العمــد يف خدمــة ا تمــع احمللــي‪ ،‬ســعيد بــن عبــدهللا بــن علــي ‪-‬رســالة ماجســتري‪ ،-‬املركــز العــريب للدراســات األمنيــة‬
‫والت ــدريب ابلرًّيض‪/‬املعه ــد الع ــاا للعل ــوم األمني ــة ‪3434‬ه ــ‪( ،‬ف‪ )24‬ع ــن‪ :‬مع ـ مص ــطلحات التنمي ــة االجتماعي ــة‬
‫والعلوم املتصلة ا‪ :‬جامعة الدول العربية (ف‪.)318‬‬
‫(‪ )2‬التكافل االجتماعي يف اإلسالم‪ ،‬حلمد أبو زهرة‪( ،‬ف‪)7‬‬
‫(‪ )1‬متفق علي ‪ .‬روا البخار يف صحيح ‪ ،‬كتا ‪ :‬الصالة‪ ،‬اب ‪ :‬من بو مس ًدا‪ ،‬بر ‪)450( :‬؛ ومسل يف صحيح ‪،‬‬
‫كتا ‪ :‬املساجد ومواضع الصالة‪ ،‬اب ‪ :‬فضل بناء املساجد واحلث عليها‪ ،‬بر ‪.)511( :‬‬

‫‪66‬‬
‫اةاضرة الرابعة‪ :‬العمل التطوعي‬

‫‪ -3‬رماية املعو ني وأته له‪ ،:‬وكفالة األيتام ومن يف ح مه‪::‬‬


‫واملعوق أبن ‪ :‬الشخص الذ استقر ب عائق أو أكثر‪ ،‬يوهن درت ‪ ،‬ونعل يف حاجـة إىل‬
‫عون خارجي‪ ،‬فهو من فقد درت على مزاولة عمل ‪ ،‬أو القيـام بعمـل لخـر؛ نتي ـة لقصـور بـدين‬
‫أو جسمي أو عقلي‪ ،‬سواء أكان هذا القصور نتي ة حادث أو مرض أو ع ز والد ‪.‬‬
‫وميكن تقسي الرعاية اخلاصة ابملعا ني إىل رعاية مادية‪ ،‬وإىل رعاية معنوية ونفسية‪.‬‬
‫ومن صور هذ الرعاية ما يلي‪:‬‬
‫أ‪ .‬إنشاء الدور املتخصصة يف رماية املعا ني واأليتام واملسنني‪.‬‬
‫‪ .‬ال ماية الف ية للمعا ني واأليتام‪.‬‬
‫‪ .‬التربمات املا ية والع ن ة يف جماالت الرب وااع‪.‬‬
‫‪ .‬رماية الفئات احملتاجة‪ ،‬وأته لها للعمل‪.‬‬
‫‪ -3‬املسامهة يف تش د املنشآت الصا ة والتعل م ة وامل افق العامة أو جته زها‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫اةاضرة اخلامسة‪ :‬منهج تكقي العقيدة اإلسالمية وااستدال عكيها‬

‫اةاضرة اخلامسة‬
‫منهج تكقي العقيدة اإلسالمية وااستدال عكيها‬

‫‪68‬‬
‫اةاضرة اخلامسة‪ :‬منهج تكقي العقيدة اإلسالمية وااستدال عكيها‬

‫‪ ‬أهداف الدرس‪:‬‬
‫‪ -‬أن يدرك الطالب‪/‬ة أمهية العقيدة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ -‬تعميق إميان الطالب‪/‬ة أبمساء هللا وصفات ‪.‬‬
‫‪ -‬بيان عظمة هللا ‪ --‬من خالل توضيح بعال األمساء والصفات‪.‬‬
‫‪ -‬استنتا أمهية االلتزام ابلعقيدة الصحيحة على الفرد وا تمع‪.‬‬
‫‪ -‬االلتزام أبركان االميان وتطبيقها تطبيقا عمليًا‪.‬‬
‫‪ -‬تنقية النفوم من اخلرافات واألوهام والثقة ابهلل تعاىل والتوكل علي ‪.‬‬
‫‪ -‬تعميق عقيدة اإلميان ابليوم اآلخر يف نفس الطالب‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫اةاضرة اخلامسة‪ :‬منهج تكقي العقيدة اإلسالمية وااستدال عكيها‬

‫تعريف العقيدة اإلسالمية‪:‬‬


‫العق دة يف اللغة‪ :‬مأخوجة من العقد وهو الربط والشد بقوة‪.‬‬
‫كمــا ال‬ ‫أوال‪ :‬التع يووف االصووط حي العووام‪ :‬مــا يعقــد عليـ اإلنســان لبـ عقـ ًـدا ً‬
‫جازمــا و ً‬ ‫ه‬
‫يتطرق إلي ش ‪.‬‬
‫اثنهوا‪ :‬التع يووف االصووط حي ااوواص ا‪:‬س و م‪(( :‬اإلميــان اةــازم ابهلل‪ ،‬ومبــا نــب ل ـ يف‬
‫ألوهيت ـ وربوبيت ـ وأمسائ ـ وصــفات ‪ ،‬واإلميــان مبالئكت ـ وكتب ـ ورس ـل واليــوم اآلخــر‪ ،‬وابلقــدر خــري‬
‫وشر ‪ ،‬وبكل ما جاءت ب النصوف الصحيحة من أصول الدين وأمور الغيب وأخبار ))‪.‬‬
‫ومن مرادفات لفظ العقيدة‪ :‬التوحيد‪ ،‬والسنة‪ ،‬واإلميان‪.‬‬
‫أهمية العقيدة اإلسالمية‪:‬‬
‫للعقيدة اإلسالمية أمهية كبرية‪ ،‬تظهر يف األمور التالية‪:‬‬
‫{ﱁ ﱂ ﱃ‬ ‫‪ .3‬أن ايــع الرســل أرســلوا ابلــدعوة للعقيــدة الصــحيحة‪ ،‬ــال هللا تعــاىل‪:‬‬
‫ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ} [سورة األنبياء‪.]25:‬‬
‫‪ .2‬أن حتقيــق توحيــد األلوهيــة وإفـراد هللا ابلعبــادة هــو الغايــة األوىل مــن خلــق اإلنــس واةــن‪،‬‬
‫ال ‪{ :-▐-‬ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ} [سورة الذارًّيت‪.]59:‬‬
‫‪ .1‬أن بــول األعمــال متو ــف علــى حتقــق التوحيــد مــن العبــد‪ ،‬وكمــال أعمال ـ علــى كمــال‬
‫التوحيد‪ ،‬فأ نقص يف التوحيد د طبط العمل أو ينقص عن كمال الواجب أو املستحب‪.‬‬
‫مآال‪ -‬متو فة على صحة العقيدة‪ ،‬ا يرز أمهية تعلمها‬ ‫‪ .4‬أن الن اة يف اآلخرة ‪-‬ابتداءً أو ً‬
‫واعتقادها على املنهج الصـحيح‪ ،‬ـال ‪-‬ﷺ‪« :-‬إن هللا ح ّـرم علـى النـار مـن ـال‪ :‬ال إلـ إال هللا‬
‫يبتغي بذل وج هللا» متفق علي ‪.‬‬
‫‪ .5‬أن هــذ العقيــدة حتــدد العال ــة بــني العبــد وخالق ـ ‪ :‬معرفــة‪ ،‬وتوحيـ ًـدا‪ ،‬وعبــادة شــاملة هلل‬
‫تعاىل‪ :‬ابخلوف والرجاء‪ ،‬واملرا بة والتعظي ‪ ،‬والتقو واإل بة‪ ...‬ورعاية اتمة من هللا للعبد‪ :‬نطفة‪،‬‬
‫وإنعاما‪ ،‬وحفظًا وعناية‪.‬‬
‫كبريا‪ ،‬يف الر والبحر‪ ،‬رزًا ً‬ ‫وصغريا‪ ،‬و ً‬
‫ً‬

‫‪71‬‬
‫اةاضرة اخلامسة‪ :‬منهج تكقي العقيدة اإلسالمية وااستدال عكيها‬

‫‪ .9‬أن السعادة يف الدنيا أساسها العل ابهلل تعاىل‪ ،‬فحاجـة العبـد إليـ فـوق كـل حاجـة‪ ،‬فـال‬
‫راحة وال طمأنينة إال أبن يعرف العبد رب بربوبيت وألوهيت وأمسائ وصفات ‪.‬‬
‫‪ .7‬أن هذ العقيدة يب عن ايع التساؤالت المل ترد على جهن العبد‪ ،‬ومن جلـ ‪ :‬صـفة‬
‫اخلالق‪ ،‬ومبدأ اخللق‪ ،‬وهنايتـ ‪ ،‬وغايتـ ‪ ،‬والعـوامل الكائنـة يف هـذا الوجـود‪ ،‬والعال ـة بينهـا‪ ،‬وموضـور‬
‫القضاء والقدر‪.‬‬
‫ـح مع ـ‬
‫ويف اةملــة فــإن «العقيــدة الصــحيحة هــي األســام الــذ يقــوم علي ـ الــدين‪ ،‬وتصـ ّ‬
‫األعم ـ ـ ــال‪ ،‬كم ـ ـ ــا ـ ـ ــال تع ـ ـ ــاىل‪{ :‬ﳟ ﳠ ﳡ ﳢ ﳣ ﳤ ﳥ ﳦ ﳧ ﳨ‬

‫{ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ‬ ‫ﳩ ﳪ ﳫ ﳬ} [س ــورة الكه ــف‪ ،]330:‬و ــال تع ــاىل‪:‬‬


‫ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ} [س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــورة‬
‫الزمر‪.]95:‬‬
‫فدلّ هـذ اآلًّيت الكرميـات‪ ،‬ومـا جـاء مبعناهـا وهـو كثـري‪ ،‬علـى أن األعمـال ال تُقبـل إال‬
‫إجا كانـ ـ خالص ــة م ــن الش ــرك‪ ،‬وم ــن َمثّ ك ــان اهتم ــام الرس ــل ‪-‬ص ــلوات هللا وس ــالم عل ــيه ‪-‬‬
‫فأول ما يدعون إلي أ وامه هـو عبـادة هللا وحـد ‪ ،‬وتـرك عبـادة مـا سـوا ‪،‬‬
‫ءصالح العقيدة أ ّوًال‪ّ ،‬‬
‫تع ــاىل‪{ :‬ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ}‬ ‫كم ــا ــال‬
‫[سورة النحل‪.]19 :‬‬
‫عامــا يــدعو النــام إىل التوحيــد‪،‬‬
‫و ــد بقــي الن ـ ‪-‬ﷺ‪ -‬يف مكــة بعــد البعثــة ثالثــة عشــر ً‬
‫وإصالح العقيدة؛ ألهنا األسام الذ يقوم علي بناء الدين‪ .‬و د احتذ الدعاة واملصلحون يف‬
‫كــل زمــان حــذو األنبيــاء واملرســلني‪ ،‬فكــانوا يبــدؤون ابلــدعوة إىل التوحيــد وإصــالح العقيــدة‪ ،‬مث‬
‫يت هون بعد جل إىل األمر ببقية أوامر الدين‪.‬‬
‫ملاذا ندرس العقيدة؟‬
‫{ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ‬ ‫‪ .3‬اال تداء ابلرسل يف تعلي النام العقيد َة بـل العمـل؛ ـال تعـاىل‪:‬‬
‫{ﱁ‬ ‫ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ} [سـورة النحـل‪ ،]19:‬و ـال تعـاىل‪:‬‬
‫ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ} [سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــورة‬
‫األنبياء‪.]25:‬‬

‫‪71‬‬
‫اةاضرة اخلامسة‪ :‬منهج تكقي العقيدة اإلسالمية وااستدال عكيها‬

‫أصل الن اة‬


‫الشرك‪ ،‬وسالمةُ العبد من الكفر والشرك ُ‬ ‫‪ .2‬تصفية العقيدة من شوائب البدر و ِّ‬
‫ِ‬
‫ـحح األ ـوال واألعمـال َوفْـق مـراد هللا ‪--‬‬
‫من النار‪ ،‬لكـن ـام الن ـاة يكـون ابلفقـ الـذ يُص ّ‬
‫ومراد رسول ‪-‬ﷺ‪ -‬ويُسل العبادة من االبتدار‪.‬‬

‫‪ .1‬احلماية من الو ور يف الشرك ومن االبتدار‪.‬‬


‫‪ .4‬العل ابهلل الذ يُورث اخلشية من ‪ ،‬وعدم الو ور يف معصيت ‪.‬‬
‫‪ .5‬الن اة من ِ‬
‫الفنت؛ فال عاةَ من الفنت الع َقدية إال بتعل الـ ُمعت َقد الصحيح‪.‬‬
‫‪ .9‬اربة األفكار واملذاهب الع َقدية الباطلة‪.‬‬
‫‪ .7‬رفْع اةهل عن أنفسنا‪.‬‬

‫بطالن الدعوى بأن اإلميان يكفي دون ااهتمام بالعقيدة‪:‬‬


‫مــن خــالل مــا ســبق يف بيــان األمهيــة وســببية الدراســة‪ ،‬يتبـ َّـني بُطــالن الــدعو أبن اإلميــان‬
‫ـح العقيـدة‪َّ ،‬أمـا إجا‬
‫يكفي دون االهتمام ابلعقيدة؛ حيث إن اإلميـان ال يكـون إميـا ً إال إجا ص َّ‬
‫مل تكن العقيدة صحيحة‪ ،‬فليس هناك إميان وال دين صحيح‪.‬‬

‫أوا‪ :‬منهج تكقي العقيدة عند السكف يقوم عك عدة أسسحمل منها‪:‬‬
‫‪1‬و اال تصار يف منهج التلقي ملة الوحي‪:‬‬
‫سبب اال تصار على الوحي؛ أن العقيدة أمور غيبية وال طريق ملعرفة الغيب إال الوحي‪.‬‬
‫ومعتصما ابلوحي‬
‫ً‬ ‫وعمال وسلوًكا‪ ،‬مستمس ًكا‬
‫اعتقادا ً‬
‫ً‬ ‫ولذا يعيش املسل حيات كلها‪،‬‬
‫املتمثل يف الكتا والسنة‪ ،‬ال تعاىل‪{ :‬ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ‬

‫ﳍﳎﳏﳐﳑﳒﳓﳔﳕﳖﳗﳘﳙﳚﳛﳜﳝﳞﳟ‬

‫ﳠ ﳡ ﳢ} [سورة النساء‪.]55:‬‬
‫و ــال ‪-‬ﷺ‪ًّ« :-‬ي أيهــا النــام‪ ،‬ــد ترك ـ فــيك مــا إن اعتصــمت ب ـ فلــن تضــلوا أبـ ًـدا‪،‬‬
‫كتا هللا وسنمل» أخرج مال يف املوطأ ءسناد صحيح‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫اةاضرة اخلامسة‪ :‬منهج تكقي العقيدة اإلسالمية وااستدال عكيها‬

‫‪2‬و التسل ‪ :‬ملا جاء به الوحي مع إمطاء العقل وره احلق قي‪:‬‬
‫د يطرأ‪ :‬هل العقل مغيب يف تلقي العقيدة اإلسالمية؟‬ ‫والسمال الذ‬
‫اةوا ‪ :‬ا مييز املسلمني الذين يممنون مبا جاءت ب العقيـدة اإلسـالمية‪ ،‬أهنـ لمنـوا ـذ‬
‫العقيدة على الغيب‪ ،‬و د جاء مدح اإلميان يف القرلن الكر يف لًّيت عديدة‪ ،‬منهـا ولـ تعـاىل‪:‬‬
‫{ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ}‬
‫[سورة البقرة‪.]1-2:‬‬
‫وملا كان العقيدة تقوم على األمور الغيبية‪ ،‬كان مبناها على التسلي مبا جاء عن هللا جـل‬
‫ظاهرا وابطنًا‪ ،‬ما عقلنا منها وما مل نعقل ‪.‬‬
‫جالل ـ ‪ ،‬وعن رسول ‪-‬ﷺ‪ً -‬‬
‫فالعقل ليس مغيبًا وإاما وظيفت تتو ف عند التدبر؛ ألن العقل ال يدرك الغيب‪ ،‬فاهلل مسيـع‬
‫بصري‪ ،‬ولذا يتدبر املسـل يف جلـ وبعلـ هللا وإحاطتـ بتصـرفات عبـاد فيـدعو جلـ إىل اخلشـية‬
‫واملرا بــة‪ .‬وهــذا معــو التــدبر‪ .‬أمــا كيفيــة مســار هللا وبصــر فــال مــدخل للعقــل فيهــا؛ ألهنــا غيــب‪،‬‬
‫فاحلديث فيها افتيات على هللا‪.‬‬
‫‪3‬و ت ك االبتداع‪:‬‬
‫{ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ‬ ‫ديــن اإلســالم كامــل ال طتــا إىل تكميــل‪ ،‬ــال تعــاىل‪:‬‬
‫ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ} [سـ ــورة املائ ــدة‪ ،]1:‬فلـ ــيس ألح ــد أن ط ــدث يف هـ ــذا‬
‫الـدين أمــرا مل ِ‬
‫أيت بـ الكتــا أو السـنة‪ ،‬ــال ‪-‬ﷺ‪« :-‬مــن أحــدث يف أمـر هــذا مــا لــيس منـ‬ ‫ً‬
‫فهو رد» متفق علي ‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬منهج السكف يف ااستدال عك العقيدة‬


‫يقوم منهج أهل السنة يف االستدالل على العقيدة على األسس التالية‪:‬‬
‫‪1‬و ح ة السنة (املتوات ة واآلحا ) يف العق دة‪.‬‬
‫‪ ‬ال يف ــرق الس ــلف ب ــني الس ــنة املت ــواترة والس ــنة اآلح ــاد يف االحت ــا ‪ ،‬ب ــل م ـ م ــا ثبـ ـ‬
‫اترا كـان‬‫احلديث وصح سند فهو ح ـة؛ ألن املعيـار هـو صـحة السـند للقبـول والـرد متـو ً‬
‫لحادا‪.‬‬
‫أم ً‬

‫‪73‬‬
‫اةاضرة اخلامسة‪ :‬منهج تكقي العقيدة اإلسالمية وااستدال عكيها‬

‫‪ ‬أن خر الرسـول لحـاد‪ ،‬فلـو كـان نفـي خـر العقائـد ابآلحـاد سـائغًا لكـان دل ً‬
‫ـيال ملـن كفـر‬
‫ابلرسول ومل يصدق ما أتى ب ‪.‬‬
‫‪ ‬أن الرسول ‪ -♥-‬شخص واحد‪ ،‬لكن ملا ثب صد و امـ الـدالئل علـى‬
‫جل ـ وجــب التصــديق مبــا نقل ـ ع ـن هللا مــن أمــور التش ـريع والعقائــد‪ ،‬ــا يــدل علــى أن‬
‫املعيار هو الصدق والوثوق وليس العدد‪.‬‬
‫‪ ‬لو كان النفي ابآلحاد ح ة؛ لقرر القرلن وحل ّذر منـ ‪ ،‬بـل اآلًّيت القرلنيـة مـر ابلتثبـ‬
‫والتبني‪ ،‬سواء أتى ابخلر واحد أم عشرة‪.‬‬
‫‪2‬و ت ك التأويل املذموم لنصوص ال تاب والسنة‪.‬‬
‫نصـوف العقيـدة ال نـوز صـرفها عـن ظاهرهــا بغـري دليـل شـرعي بـ عـن املعصــوم ﷺ‪،‬‬
‫بل نب اتبار احملك ورد املتشاب إلي ‪.‬‬
‫مث ــال التأوي ــل امل ــذموم‪ :‬ول ـ تع ــاىل‪{ :‬ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ} [س ــورة ط ـ ‪.]5:‬‬
‫علوا يليق ابهلل ‪ ،--‬وهـذا هـو املـراد‪ ،‬فتأويلـ إىل أن‬‫فإن ظاهر أن هللا تعاىل عال على العر‪ً ،‬‬
‫معنــا اســتوىل ومل ـ ويــل ابطــل مــذموم‪ ،‬وحتريــف للكل ـ عــن مواضــع ؛ ألن ـ لــيس علي ـ دليــل‬
‫صحيح‪.‬‬
‫‪3‬و مدم التف يق بني ال تاب والسنة يف االستدالل‪.‬‬
‫فالكتــا والســنة وحــي مــن هللا تعــاىل والقبــول مــا واجــب علــى ح ـد س ـواء‪ ،‬ــال تعــاىل‪:‬‬
‫{ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ} [سورة الن ‪.]4-1:‬‬
‫‪ -‬فالسنة تكون موافقة للقرلن‪ :‬كما يف األمر ابلصالة‪ ،‬والنهي عن الز ‪.‬‬
‫‪ -‬وتكون السنة بيا ً للقرلن‪ :‬كما يف بيان كيفية الصالة وكيفية الزكاة‪.‬‬
‫‪ -‬وتكــون الســنة لتيــة حبك ـ جديــد مل يــرد يف القــرلن‪ :‬كمــا يف النه ـي عــن اةمــع بــني امل ـرأة‬
‫وعمتها واملرأة وخالتها يف الزوجية‪.‬‬
‫إجا تقــرر جل ـ فــإن أ دعــوة للتفريــق بــني الكتــا والســنة يف االســتدالل هــي يف وا عهــا‬
‫دعــوة ل ـ ك العمــل ابلقــرلن؛ إج إن ـ ال ميكــن للشــخص أن يصــلي إال ابلعمــل ابلســنة‪ ،‬فــالقرلن مل‬
‫يبني عدد الركعات‪ ،‬وال تفصيل القيام والقعود والتشهد‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫اةاضرة اخلامسة‪ :‬منهج تكقي العقيدة اإلسالمية وااستدال عكيها‬

‫‪4‬و صاة فه‪ :‬النصوص‪.‬‬


‫صــحة فه ـ النصــوف ركيــزة أساســية لصــحة االســتدالل‪ ،‬وال يســتطيع املــرء معرفــة م ـراد هللا‬
‫تعــاىل وم ـراد رس ـول ‪-‬ﷺ‪ -‬إال حينمــا يســتقي فهم ـ لــدالئل الكتــا والســنة‪ ،‬وخاصــة يف هــذا‬
‫العص ــر ال ــذ كث ــر فيـ ـ املتح ــدثون يف أم ــور ال ــدين ع ــر وس ــائل اإلع ــالم املختلف ــة كالفض ــائيات‬
‫واإلن ن ـ ‪ ،‬فاملعرفــة ــذ القواعــد األساســية الــمل يرتكــز عليهــا الفه ـ الصــحيح كــن مــن ييــز‬
‫املتحدثني حبق من املنحرفني عن الفه الصحيح‪ ،‬وركائز الفه الصحيح للنصوف كثرية‪ ،‬منها‪:‬‬
‫أ‪ .‬معرفة لغة العر ؛ ألهنا اللغة المل نزل ا القرلن وتكل ا الن ﷺ‪.‬‬
‫‪ .‬االعتمــاد علــى فه ـ الصــحابة؛ ألن ـ ‪-‬ﷺ‪ -‬بــني أظهــره ‪ ،‬وعايش ـوا نــزول الــوحي‪ ،‬فه ـ‬
‫أعل ـ النــام مب ـراد هللا وم ـراد رس ـول ‪-‬ﷺ‪ ،-‬وهــذا األمــر يتأكــد خاصــة إجا كثــرت البــدر‬
‫ـريا‪ ،‬فعلـيك‬
‫واألهواء‪ ،‬ال رسول هللا ‪-‬ﷺ‪« :-‬فإن مـن يعـش مـنك فسـري اختالفًـا كث ً‬
‫بسنمل وسنة اخللفاء الراشدين املهديني من بعد ‪ ،‬عضوا عليها ابلنواجذ»‪.‬‬
‫ايع ــا‪ ،‬ف ــال يعطل ــون بع ــال‬
‫ت‪ .‬ا ــع النص ــوف الـ ـواردة يف املس ــألة الواح ــدة مث األخ ــذ ــا ً‬
‫ويعملون أخر ‪.‬‬ ‫النصوف ِ‬

‫ث‪ .‬معرفـة مقاصــد التشـريع اإلســالمي‪ ،‬ــال شــيخ اإلســالم ابــن تيميــة‪( :‬الشـريعة مبناهــا علــى‬
‫حتص ــيل املص ــاحل وتكميله ــا‪ ،‬وتعطي ــل املفاس ــد وتقليله ــا حبس ــب اإلمك ــان‪ ،‬ومعرف ــة خ ــري‬
‫اخلـريين وشـر الشـرين‪ ،‬حـ يقـدم عنـد التـزاح خـري اخلـريين ويـدفع شـر الشـرين)‪ .‬ممـور‬
‫الفتاو ‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫اةاضرة السادسة‪ :‬أركان اإلميان‬

‫اةاضرة السادسة‬
‫أركززززان اإلميزززان‬

‫‪76‬‬
‫اةاضرة السادسة‪ :‬أركان اإلميان‬

‫‪ ‬أهداف الدرس‪:‬‬
‫‪ -‬أن يعرف الطالب أركان اإلميان‪.‬‬
‫‪ -‬أن يعرف الطالب أمهية الصلة الوثيقة بني أركان اإلميان‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫اةاضرة السادسة‪ :‬أركان اإلميان‬

‫أركززززان اإلميزززان‬
‫ال فــى أن أســس (العقيــدة اإلســالمية)‪ :‬اإلميــان ابهلل‪ ،‬ومالئكت ـ ‪ ،‬وكتب ـ ‪ ،‬ورســل ‪ ،‬واليــوم‬
‫اآلخر‪ ،‬والقدر خري وشر ‪.‬‬
‫وهذ األصول تسمى (أركان اإلميان)‪:‬‬
‫والركن يف اللغـة‪ :‬اةانـب األ ـو للشـيء‪ ،‬ويف االصـطالح‪ :‬مـا ال وجـود لـذل الشـيء إال‬
‫ب‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫واإلميان لغة‪ :‬نور من التصديق ا يم ن علي املخر؛ ألن ا ال يدرك املخر حبس ‪.‬‬
‫اصطالحا‪ :‬ول ابللسان‪ ،‬واعتقاد ابةنان‪ ،‬وعمل ابألركان‪.‬‬
‫ً‬ ‫و‬

‫دليل األركان‪:‬‬
‫{ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ‬ ‫من القرلن‪ :‬ال هللا تعاىل‪:‬‬
‫ﲑﲒﲓﲔﲕﲖﲗﲘﲙﲚﲛﲜﲝﲞ‬

‫ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ} [سورة البقرة‪.]285:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫أ املرجع واملآ ‪ ،‬وهو يتضمن اإلميان ابليوم اآلخر ‪.‬‬

‫(‪ )3‬ال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪" :‬االميان ليس مرادفًا للتصديق يف املعو‪ ،‬فإن كل خمر عن مشاهدة أو غيب يقال ل يف‬
‫اللغة‪ :‬صد ‪ ،‬كما يقال‪ :‬كذب ‪ ،‬فمن ال‪ :‬السماء فو نا‪ ،‬يل ل ‪ :‬صـدق‪ ،‬كمـا يقـال كـذ ‪ ،‬وأمـا لفـظ اإلميـان فـال‬
‫يستعمل إال يف اخلر عن غائب‪ ،‬مل يوجد يف الكـالم أن مـن أخـر عـن مشـاهدة‪ ،‬كقولـ ‪ :‬طلعـ الشـمس وغربـ ‪ ،‬أنـ‬
‫يقال‪ :‬لمنا ‪ ،‬كما يقال‪ :‬صد نا ‪ ،‬فإن اإلميان مشتق من األمن‪ ،‬فإاما يستعمل فيهـا يـم ن عليـ املخـر كـاألمر الغائـب‪،‬‬
‫و ذا مل يوجد ط يف القرلن الكر وغري ‪ ،‬لفظ‪ :‬لمن ل إال يف هذا النور"‪ .‬كتا "اإلميان" لشيخ اإلسالم ابـن تيميـة‪،‬‬
‫(ف‪.)279‬‬
‫ول ـ تعــاىل‪{ :‬ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺﱻ‬ ‫(‪ )2‬وكــذل‬
‫ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ} [س ـ ــورة النس ـ ــاء‪ .]319:‬و ول ـ ـ تع ـ ــاىل‪:‬‬
‫{ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ}‬
‫[سورة البقرة‪.]337:‬‬

‫‪78‬‬
‫اةاضرة السادسة‪ :‬أركان اإلميان‬

‫ويلحـ ــظ أن األصـ ــل السـ ــادم‪ -‬وهـ ــو اإلميـ ــان ابلقـ ــدر‪ -‬مل يـ ــذكر يف هـ ــذ اآليـ ــة صـ ــرطًا؟‬
‫واةـ ـوا ‪ :‬أن اإلمي ــان ابهلل يتض ــمن ‪ ،‬ف ــإن الق ــدر عائ ــد إىل علـ ـ هللا وتق ــدير للمق ــادير ومش ــيئت‬
‫و درت وخلق ‪ ،‬وكل جل داخل يف اإلميان ابهلل‪.‬‬
‫القمر‪.]45:‬‬ ‫ومن أدلة القدر اخلاصة ول تعاىل‪{ :‬ﳛ ﳜ ﳝ ﳞ ﳟ ﳠ} [سورة‬
‫ومــن الســنة‪ :‬حــديث جريــل ‪ -♠-‬املشــهور حــني ســأل الن ـ ‪-‬ﷺ‪ -‬عــن اإلميــان‪،‬‬
‫فقال ‪-‬ﷺ‪« :-‬اإلميان أن تممن ابهلل ومالئكت وكتب ورسـل واليـوم اآلخـر‪ ،‬وتـممن ابلقـدر خـري‬
‫(‪)3‬‬
‫وشر » ‪.‬‬
‫الركن األول‪ :‬اإلميان باهلل تعاىل‬
‫واإلميــان ابهلل تعــاىل هــو األصــل األول مــن أصــول اإلميــان‪ ،‬بــل هــو أصــل ألصــول اإلميــان‪،‬‬
‫فاإلميان بسائر أصول اإلميان داخل يف اإلميان ابهلل‪.‬‬
‫وا‪:‬ميان اهلل يتيمن أربعة أمور‪:‬‬
‫األول‪ :‬اإلميان بوجود هللا تعاىل‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬اإلميان بربوبيت ‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬اإلميان أبلوهيت ‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬اإلميان أبمسائ وصفات ‪.‬‬
‫فأما األمر األول وهو‪ :‬اإلميان بوجود هللا تعاىل‪:‬‬
‫فقد دل على وجود تعاىل‪ :‬الفطرة‪ ،‬والعقل‪ ،‬واحلس‪.‬‬
‫‪ .3‬أمــا داللــة الفطــرة علــى وجــود ‪ :‬فــإن كــل إنســان مفطــور علــى معرفــة أن ـ ال بــد ل ـ مــن‬
‫خالق‪ ،‬وال ينصرف عن مقتضـى هـذ الفطـرة إال مـن طـرأ علـى لبـ مـا يصـرف عنهـا‪ ،‬لقـول النـ‬
‫‪-‬ﷺ‪« :-‬ما من مولود إال يولد على الفطرة‪ ،‬فأبوا يهودان أو ينصران أو مي سـان ‪ ،‬كمـا تنـتج‬
‫(‪.)3‬‬
‫البهيمة يمة اعاء‪ ،‬هل حتسون فيها من جدعاء»‬

‫(‪ )3‬أخرج مسل ‪ ،‬كتا ‪ :‬اإلميان‪ ،‬اب ‪ :‬بيان اإلميان واإلسالم واإلحسان‪ ،‬بر ‪.)8( :‬‬
‫(‪ )3‬تقدم خترن ‪.‬‬
‫ومعو ول ‪( :‬تنتج البهيمة يمة اعاء هل حتسون فيها من جدعاء) أن البهيمة تلد البهيمة كاملة األعضاء‪ ،‬ال نقص‬
‫فيها‪ ،‬وإاما طدث فيها اةدر والنقص بعد والدهتا‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫اةاضرة السادسة‪ :‬أركان اإلميان‬

‫والفطــرة هنــا مبعــو أنـ يولــد مســتع ادا لتــأثري اإلســالم و بول ـ ‪ ،‬مــا مل تُغـ َّـري هــذ الفطــرة بتــأثري‬
‫األبوين أو غريمها‪.‬‬
‫‪ .2‬وأما داللة العقل على وجود هللا تعاىل‪ :‬فألن هذ املخلو ات سابقها والحقها ال بد ـا‬
‫مــن خــالق أوجــدها‪ ،‬فهــي مل توجــد مــن نفســها وال صــدفة‪ -‬أ ‪ :‬مــن غــري شــيء أو جــدها‪ ،‬لــذا‬
‫وجد وهو هللا ر العاملني‪.‬‬ ‫تعني أن يكون ا م ِ‬
‫ُ‬
‫و ــد جكــر هللا تعــاىل هــذا الــدليل العقلــي والرهــان القطعــي يف ســورة الطــور‪ ،‬حيــث ــال‪:‬‬
‫{ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ} [سورة الطور‪.]15:‬‬
‫وإيضاح هذا الدليل أن احملدث ال لو إما أن طدث نفس أو أن طـدث مـن غـري ـدث‬
‫أو أن يكون ل دث أحدثـ ‪ ،‬وال طتمـل األمـر غـري هـذ الثالثـة‪ ،‬فـاألول والثـاين تنعـان‪ -‬ومهـا‬
‫املنفيان يف ول تعاىل‪{ :‬ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ} [سورة الطور‪]15:‬‬
‫‪ .1‬وأمــا داللــة احلــس علــى وجــود هللا تعــاىل‪ :‬أن (لًّيت األنبيــاء) الــمل تســمى (املع ـزات)‬
‫ويشاهدها النام‪ ،‬أو يسمعون ا‪ ،‬برهان اطع على وجود مرسله ‪ ،‬وهو هللا تعـاىل؛ ألهنـا أمـور‬
‫خارجــة عــن نطــاق ــدرة البشــر‪ ،‬نريه ـا هللا تعــاىل ييـ ًـدا لرســل ونصـ ًـرا ـ ‪ ،‬مثــل‪ :‬لًّيت موســى‪،‬‬
‫وعيسى‪ ،‬وإبراهي ‪ ..‬وبقية الرسل‪.‬‬
‫ومع زة الرسول دمحم ‪ -♥-‬اخلالدة القرلن الكر ‪.‬‬
‫األمر الثاين‪ -‬ا يتضمن اإلميان ابهلل‪ -‬اإلميان بربوبيت ‪:‬‬
‫وحقيقت إفراد هللا ‪ -▐-‬ابخللق والرزق‪ ،‬واملل ‪ ،‬واحلك والتدبري‪.‬‬
‫فــإفراد ابخللــق والــرزق‪ :‬أن يعتقــد اإلنســان أن ـ ال خــالق وال رازق إال هللا‪ ،‬ــال هللا تعــاىل‪:‬‬
‫{ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ} [سورة فاطر‪.]1:‬‬
‫وأمــا إفـراد ابمللـ أبن نعتقــد أن امللـ كلـ لـ ‪ ،‬وأن كــل شــيء ملكـ ‪ ،‬فهــو املالـ لكــل‬
‫شــيء واملل ـ علــى كــل شــيء‪ ،‬كمــا ــال تعــاىل‪ { :‬ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ} [ســورة األنعــام‪،]57:‬‬
‫و ـ ــال تع ـ ــاىل‪{ :‬ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ} [س ـ ــورة الكه ـ ــف‪ ،]29:‬و ـ ــال تع ـ ــاىل‪:‬‬
‫{ﱳ ﱴﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ} [سورة يونس‪.]1:‬‬

‫‪81‬‬
‫اةاضرة السادسة‪ :‬أركان اإلميان‬

‫ومل يعل ـ أن أحـ ًـدا مــن األم ـ أنكــر ربوبيــة هللا ســبحان ‪ ،‬وكثــري مــن امللحــدين ــن أنكــر هللا‬
‫تعــاىل مكــابرون غــري معتقــدين ملــا يقولــون ملــا يقــول كمــا حصــل مــن فــرون عنــدما نســب الربوبيــة‬
‫{ﱩ ﱪ ﱫ‬ ‫لنفس ـ ـ ـ فق ـ ـ ــال‪{ :‬ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ} [س ـ ـ ــورة النازع ـ ـ ــات‪ ،]24:‬و ـ ـ ــال‪:‬‬
‫ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ} [ســورة القصــص‪ ،]18:‬لكــن جل ـ لــيس عــن عقيــدة‪ ،‬ــال هللا‬
‫تعاىل‪{ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆﱇ} [سورة النمل‪.]34:‬‬
‫و ــذا ك ــان املش ــركون يق ــرون بربوبي ــة هللا تع ــاىل م ــع إش ـراكه ب ـ يف األلوهي ــة‪ ،‬ــال هللا‬
‫تع ــاىل‪{ :‬ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ} [س ــورة‬
‫الزخرف‪.]5:‬‬
‫األمر الثالث ‪ -‬ا يتضمن اإلميان ابهلل‪ -‬اإلميان أبلوهيت ‪:‬‬
‫وهــو اعتقــاد أن ـ اإلل ـ احلــق الــذ ال يســتحق العبــادة أحــد س ـوا ‪ ،‬وأن كــل معبــود س ـوا‬
‫ابط ـ ــل‪ ،‬كم ـ ــا ـ ــال تع ـ ــاىل‪{ :‬ﳉ ﳊ ﳋﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ} [س و ووورة‬
‫البقرة‪.]163:‬‬
‫والعبــادة‪ :‬هــي كــل مــا طب ـ هللا ويرضــا مــن األ ـوال واألعمــال الظــاهرة والباطنــة‪ ،‬ويســمى‬
‫(توحيد األلوهية)‪ ،‬ألن األلوهية وصف هلل تعاىل‪ ،‬دل علي امس تعاىل (هللا)‪ ،‬فاهلل جو األلوهية‪.‬‬
‫ويقال ل ‪( :‬توحيد العبادة)‪ ،‬و(توحيد القصد والطلب) ابعتبار أن العبوديـة وصـف للعبـد‪،‬‬
‫خملصا يف جل ‪.‬‬
‫حيث إن نب علي إفراد هللا ابلعبادة والقصد ً‬
‫و(توحيد األلوهية) هو‪:‬‬
‫{ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ‬ ‫‪ .3‬موض ــور دع ــوة الرس ــل م ــن أو ـ إىل لخ ــره ‪ ،‬ــال تع ــاىل‪:‬‬
‫ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ} [سورة النحل‪.]19:‬‬
‫‪ .2‬ك ــل رس ــول يب ــدأ دعوت ـ لقومـ ـ ابألم ــر بتوحي ــد األلوهي ــة‪ ،‬كم ــا ـال ن ــوح وه ــود وص ــاحل‬
‫وشعيب علـيه السـالم‪{ :‬ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ} [سـورة األعـراف‪-55:‬‬
‫‪.[85-95‬‬

‫‪81‬‬
‫اةاضرة السادسة‪ :‬أركان اإلميان‬

‫‪ .1‬ألن هـذا التوحيـد هـو الـذ أنكـر املشـركون مـن سـائر األمـ ‪ ،‬فكانـ اخلصـومة فيـ بــني‬
‫{ﳚ ﳛ ﳜ ﳝ ﳞ ﳟ ﳠ‬ ‫الرســل وأعــدائه ‪ ،‬كمــا ــال تعــاىل عــن ــوم ن ـ هللا صــاحل‪:‬‬
‫ﳡﳢ ﳣ ﳤ ﳥ ﳦ ﳧ ﳨ ﳩ ﳪ ﳫ ﳬ ﳭ ﳮ ﳯ ﳰ} [سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــورة‬
‫هود‪.]92:‬‬
‫‪ .4‬ه ـ ــذا التوحي ـ ــد ه ـ ــو أول واج ـ ــب عل ـ ــى املكل ـ ــف‪ ،‬كم ـ ــا يف ح ـ ــديث عب ـ ــدهللا ب ـ ــن عم ـ ــر‬
‫ـال‪« :‬أمـرت أن أ اتـل النـام حـ يشـهدوا أن ال إلـ إال هللا‬ ‫‪-‬ﷺ‪-‬‬ ‫‪ -¶-‬أن رسـول هللا‬
‫مدا رسول هللا»(‪.)3‬‬
‫وأن ً‬
‫‪ .5‬هــو األســام الــذ تنبــين عليـ صــحة ايــع العبــادات‪ ،‬وبـ يتحقــق اإلخــالف الــذ أمــر‬
‫هللا ب يف ول تعاىل‪{ :‬ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ} [سورة الزمر‪.]2:‬‬
‫الشرك األكر الذ طبط مع العمل‪ ،‬كما ال تعاىل‪:‬‬ ‫فمن عبد مع هللا غري فذل‬
‫{ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ‬
‫ﲫ ﲬ ﲭ} [سورة الزمر‪.]95:‬‬
‫معىن شها ة أن ال إله إال هللا‪:‬‬
‫االعتقــاد واإل ـرار أنـ ال يســتحق العبــادة إال هللا‪ ،‬والتـزام جلـ والعمــل بـ ‪( ،‬فــال إلـ ) نفــي‬
‫استحقاق من سو هللا للعبادة كائنًا من كان‪ ،‬و(إال هللا) إثبات استحقاق هللا وحد للعبادة‪.‬‬
‫ومعو هذ الكلمة إااالُ‪ :‬ال معبود حبق إال هللا‪.‬‬
‫الرد على طائفتني‪:‬‬ ‫ِ‬
‫النصوف ّ‬ ‫سبق من‬
‫ويتضح ا َ‬
‫ـتدالال مبثــل ولـ‬
‫ـاف يف دخــول اةنــة؛ اسـ ً‬‫الطائفــة األوىل‪ :‬زعمـ أن مــرد معرفــة القلــب كـ إ‬
‫اةَنَّةَ»‪.‬‬ ‫ات َوُه َو يَـ ْعلَ ُ أَنَّ ُ ال إِلَ َ إِال َّ‬
‫اَّللُ َد َخ َل ْ‬ ‫‪-‬ﷺ‪َ « :-‬م ْن َم َ‬

‫(‪ )3‬متفــق عليـ ‪ :‬أخرجـ البخــار ‪ ،‬كتــا ‪ :‬اإلميــان‪ ،‬اب ‪{ :‬فــإن اتبـوا وأ ــاموا الصــالة وأتـوا الزكــاة فخلـوا ســبيله }‪ ،‬بـر ‪:‬‬
‫(‪)25‬؛ ومسل ‪ ،‬كتا ‪ :‬اإلميان‪ ،‬بر ‪.)22( :‬‬

‫‪82‬‬
‫اةاضرة السادسة‪ :‬أركان اإلميان‬

‫وهــو زع ـ مــردود؛ ألن (ال إل ـ إال هللا) كمــا يــدت ابلعل ـ يــدت بغــري ؛ كــالنطق ــا‬
‫واإلخالف هلل‪ ،‬وهمالء ه غُالة املرجئة‪ ،‬وإمامه اةَه ُ بن صفوان‪.‬‬

‫الطائفـ ــة الثانيـ ــة‪ :‬زعم ـ ـ أن مرتكـ ــب الكبـ ــرية خملـ ــد يف النـ ــار‪ ،‬وإن ـ ــال (ال إل ـ ـ إال هللا)‬
‫{ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ‬ ‫بقيودها املذكورة‪ ،‬وه اخلوار واملعتزلة‪ ،‬وهو مردود كذل ؛ بدليل ول تعـاىل‪:‬‬
‫ـال‪:‬‬‫ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞﲟ} [س ـ ــورة النس ـ ــاء‪ ،]48:‬ويف ح ـ ــديث أ ََيب َج ّإر َـ ـ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ظ‪،‬‬ ‫ال‪ُ ،‬مثَّ أَتَـْيـتُ ُ فـإجا ُه َـو َ ئـ ‪ُ ،‬مثَّ أَتَـْيـتُـ ُ َوَـد ْ‬
‫اسـتَـْيـ َق َ‬ ‫وه َو َ ئ ‪َ ،‬علَْي ثـَ ْو أَبْـيَ ُ‬ ‫أَتَـْي ُ الن ‪-‬ﷺ‪ُ -‬‬
‫ـات َعلَــى َجلِـ َ إِال َد َخـ َـل ْ‬
‫اةَنَّـةَ»‬ ‫ـال‪ :‬ال إِلَـ َ إِال َّ‬
‫اَّللُ ُمثَّ َمـ َ‬ ‫ـال‪َ « :‬مــا ِمـ ْـن َعْبـ إـد َـ َ‬
‫فَ َ لَ ْس ـ ُ إِلَْي ـ ِ‪ ،‬فَـ َقـ َ‬
‫ُـ ْل ُ ‪َ :‬وإِ ْن َز ََن َوإِ ْن َسَر َق؟‪َ َ ،‬ال‪َ « :‬وإِ ْن َز ََن َوإِ ْن َسَر َق»‪ُ ،‬ـ ْل ُ ‪َ :‬وإِ ْن َز ََن َوإِ ْن َسَر َق؟ َ َال‪َ « :‬وإِ ْن‬
‫ف أَِيب جَ ّإر» روا مسل ‪.‬‬ ‫َز ََن وإِ ْن سر َق» ُمثّ َال يف الرابِعة‪َ « :‬علَى ر ْغ ِ أَنْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ََ‬
‫األمر الرابع ‪ -‬ا يتضمن اإلميا ُن ابهلل‪ -‬اإلميان أبمسائ وصفات ‪:‬‬

‫إثبات ما أثبت هللا لنفس يف كتاب ‪ ،‬أو أثبت لـ رسـول ‪-‬ﷺ‪ -‬مـن األمسـاء والصـفات‬ ‫أ ‪ُ :‬‬
‫ـف‪ ،‬وال تعطيـ إـل‪ ،‬ومــن غــري تكييـ إ‬
‫ـف‪ ،‬وال ثيــل‪ ،‬ــال تعــاىل‪:‬‬ ‫علــى الوج ـ الالئــق ب ـ مــن غــري حتريـ إ‬

‫{ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ} [ســورة الشــور ‪ ،]33:‬ففــي هــذ اآليــة نفــى هللاُ‬


‫‪ -▐-‬أن ُمياثلـ شــيء‪ ،‬وأثب ـ أنـ مسيــع بصــري‪ ،‬فيسـ ّـمى ويوصــف مبــا مسّــى ووصــف ب ـ‬
‫نفس يف كتاب ‪ ،‬ومبا مسا ووصف بـ رسـول ‪-‬ﷺ‪ ،-‬وال يت ـاوز الكتـا والسـنة يف جلـ ؛ ألنـ‬
‫ال أحد أعل ُ ابهلل من هللا‪ ،‬وال أحد بعد هللا أعل ابهلل من رسول ﷺ‪.‬‬

‫والقاعــدةُ يف نصــوف األمســاء والصــفات أن اإلثبــات أييت مفصـ ًـال‪ ،‬والنفــي ممـ ًـال ‪-‬وجلـ‬
‫{ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ‬ ‫يف األغل ــب‪ ،‬فم ــن اإلثب ــات املفص ــل ولـ ـ تع ــاىل‪:‬‬
‫ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ} ‪.‬‬

‫ومن النفـي ا مـل ولـ ُ تعـاىل‪{ :‬ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ} [سـورة اإلخـالف‪.]4:‬‬


‫تع ـ ــاىل‪ :‬ﱜ‬
‫{ﱝﱞﱟ‬ ‫و ول ـ ـ ـ تع ـ ــاىل‪{ :‬ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ} [س ـ ــورة الش ـ ــور ‪ ،]33:‬و ول ـ ـ ـ‬
‫ﱠ ﱡ} [سورة املممنون‪.]53:‬‬

‫‪83‬‬
‫اةاضرة السادسة‪ :‬أركان اإلميان‬

‫الركن الثاني‪ :‬اإلميان باملالئكة‬


‫املالئكــة لغ ـةً‪ :‬اــع َملَ ـ ‪-‬بفــتح الــالم‪ ،-‬واشــتقا مــن األلوكــة واملألكــة‪ ،‬وهــي الرســالة‪،‬‬
‫فعـل‪ -‬واعـ مالئكـة ‪ -‬بتقــد الـالم علــى ا مـزة‪ ،-‬فظهــر أن لفــظ‬ ‫فملَـ أصــل مألـ ‪-‬بزنــة َم َ‬‫َ‬
‫(‪)3‬‬
‫يدل لغةً على اإلرسال ‪ ،‬وه كذل كما ال تعـاىل‪{ :‬ﲔ ﲕ ﲖ} [سـورة‬ ‫املالئكة ُ‬
‫فاطر‪.]3:‬‬
‫ـطالحا‪ :‬ع ــامل غي ـ ـ ‪ ،‬خملو ـ ــون مربوبـ ــون م ــدبرون عابـ ــدون هلل تعـ ــاىل‪ ،‬ولـ ــيس ـ ـ م ــن‬
‫اص ـ ً‬
‫خصــائص الربوبيــة واأللوهيــة شــيء‪ ،‬خلقه ـ هللا تعــاىل مــن نــور‪ ،‬ومــنحه االنقيــاد التــام ألمــر ‪،‬‬
‫والقوة على تنفيذ ‪.‬‬

‫اإلميان باملالئكة يتضمن أربعة أمور‪:‬‬


‫األول‪ :‬اإلميــان بوجــوده حقيق ـةً‪ ،‬وأهن ـ ــائمون أبنفســه ‪ ،‬يــذهبون ونيئــون‪ ،‬ويصــعدون‬
‫ويهبطون‪ ،‬ويقومون مبا أمره هللا ب أ ّ يام‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬اإلميان مبن ُمسي منه ابمس ؛ ك ريل‪ ،‬وميكائيـل‪ ،‬وإسـرافيل‪ ،‬ومالـ ‪ ،‬ومـن مل نعلـ‬
‫إااال‪.‬‬
‫ً‬ ‫امس نممن‬
‫الثالــث‪ :‬اإلميــان مبــا أخــر هللا بـ ورسـول ‪-‬ﷺ‪ -‬مــن صــفاهت ‪ ،‬وهــذ الصــفات تنقسـ إىل‬
‫سمني‪:‬‬
‫صفات ِخ ْلقية‪ .‬وصفات ُخلُقية‪.‬‬
‫أ‪ -‬فمن الصفات اانلْق ة‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أن ـ أجنح ـةً‪ :‬مــنه مــن ل ـ جناحــان‪ ،‬ومــنه مــن ل ـ ثالثــة‪ ،‬ومــنه مــن ل ـ أربعــة‪،‬‬
‫ً‬
‫ومنه من ل أكثر من جل ‪ ،‬ـال تعـاىل‪{ :‬ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ‬

‫ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ} [س ــورة ف ــاطر‪ ]3:‬وم ــنه م ــن لـ ـ س ــتمائة‬


‫جناح ك ريل‪ ،‬فقـد أخـر النـ ‪-‬ﷺ‪ -‬أنـ رل علـى صـفت الـمل خلـق عليهـا ولـ سـتمائة جنـاح‬
‫د َّ‬
‫سد األفق (متفق علي )‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫اةاضرة السادسة‪ :‬أركان اإلميان‬

‫نيًا‪ :‬ال أيكلون وال يشربون‪ :‬واسـتدل العلمـاء علـى جلـ بقولـ تعـاىل عـن ضـيف إبـراهي‬
‫مـ ـ ـ ـ ــن املالئك ـ ـ ـ ـ ــة‪{ :‬ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ} [س ـ ـ ـ ـ ــورة‬
‫هود‪.]70:‬‬
‫لثًا‪ :‬درة على التمثل‪ :‬ف ريل ثّل ملـر بش ًـرا سـوًًّي‪ ،‬وجـاء مـرة إىل النـ ‪-‬ﷺ‪ -‬يف‬
‫ـريا م ــا يتمثّـ ـل بص ــورة دحي ــة الكلـ ـ الص ــحايب‬
‫ص ــورة أعـ ـرايب‪ ،‬وم ــرة يف ص ــورة رج ــل غري ــب‪ ،‬وكث ـ ً‬
‫(‪)3‬‬
‫ثلوا بصورة رجال غرابء‪.‬‬ ‫‪♠-‬‬ ‫اةليل ‪ ،‬وكذل الرسل الذين جاؤوا إىل إبراهي ولوط‬
‫ب‪ -‬الصفات االق ة‪:‬‬
‫أوال‪ :‬طـ ـ ــاعته هلل ـ ـ ــال تع ـ ـ ـاىل‪{ :‬ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ} [سـ ـ ــورة‬
‫ً‬
‫التحر ‪.]9:‬‬
‫تعـاىل‪ { :‬ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ‬ ‫نيًا‪ :‬عبـادهت هلل ابلصـالة والتسـبيح‪ ،‬ـال‬
‫ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳏ} [سورة األعراف‪.]209:‬‬
‫{ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ‬ ‫لثً ــا‪ :‬ب ــته للم ــممنني واس ــتغفاره ـ ـ ‪ ،‬كم ــا ــال تع ــاىل‪:‬‬
‫ﲥﲦﲧﲨﲩﲪﲫﲬﲭﲮﲯﲰﲱﲲﲳ‬
‫ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ} [سورة غافر‪.]7:‬‬
‫ال‪« :‬أال أستحي من رجل تستحي‬ ‫‪-‬ﷺ‪-‬‬ ‫ابعا‪ :‬احلياء‪ ،‬كما جاء يف احلديث أن الن‬
‫رً‬
‫من املالئكة» متفق علي ‪.‬‬
‫الرابــع‪ :‬اإلميــان مبــا أخــر هللا بـ ورسـول ‪-‬ﷺ‪ -‬مــن أعمــا الــمل وكلـوا ـا‪ ،‬وهـ يف جلـ‬
‫أصناف كثرية‪ ،‬منها‪:‬‬
‫{ﲃ ﲄ‬ ‫روحــا ــال تعــاىل‪:‬‬
‫مــن وكــل ابلــوحي إىل األنبيــاء وهــو جريــل‪ ،‬و ــد مســا هللا ً‬
‫ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ}[س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــورة‬
‫الشعراء‪.]354-352:‬‬

‫(‪ )3‬انظر‪ :‬شرح النوو على صحيح مسل ‪.)39/8( ،‬‬

‫‪85‬‬
‫اةاضرة السادسة‪ :‬أركان اإلميان‬

‫ومنه ميكائيل‪ ،‬و د اشتهر عند العلماء أن موكل ابلنبات والقطر‪.‬‬

‫ومــنه إس ـرافيل‪ ،‬و ــد أاــع العلمــاء أن ـ موكــل ابلــنفخ يف الصــور املــذكور يف ول ـ تعــاىل‪:‬‬
‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ‬

‫ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ} [سورة الزمر‪.]98:‬‬

‫تعـ ــاىل‪ { :‬ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ‬ ‫وم ـ ـنه مـ ــن وكـ ــل حبمـ ــل العـ ــر‪ ،‬ـ ــال‬
‫ﱾ ﱿ ﲀ} [سورة احلا ة‪.]37:‬‬

‫{ﱳﱴﱵﱶﱷ‬ ‫ومنه خزنة اةنة والنار‪ ،‬كما ال تعاىل يف أهل النار‪:‬‬


‫ﱸﱹﱺﱻﱼﱽﱾﱿﲀﲁﲂﲃﲄﲅﲆﲇ‬

‫ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ‬

‫{ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ‬ ‫ﲖ ﲗ} [سورة الزمر‪ .]73:‬و ال يف أهل اةنة‪:‬‬


‫ﲩﲪﲫﲬﲭﲮﲯﲰﲱﲲﲳﲴﲵﲶ‬

‫ﲷ ﲸ} [سورة الزمر‪.]71:‬‬

‫تعـ ــاىل‪ { :‬ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ‬ ‫وم ــنه م ــن وكـ ــل حبف ــظ العبـ ــد وكتابـ ــة عمل ـ ـ ‪ ،‬ــال هللا‬
‫ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ} [سورة االنفطار‪.]32-30:‬‬

‫{ﱘﱙﱚﱛﱜﱝ‬ ‫ومنه من وكل بقبال أرواح العبـاد‪ ،‬ـال تعـاىل‪:‬‬


‫[سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــورة‬ ‫ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ}‬

‫النحل‪.]28:‬‬

‫الركن الثالث‪ :‬اإلميان بالكتب‬

‫الكتب‪ :‬اع كتا مبعو مكتو ‪.‬‬

‫واملراد ا هنا‪ :‬الكتب المل أنز ا هللا تعاىل على رسل رمحة للخلق‪ ،‬وهداية ‪ ،‬ليخر ـا‬
‫من شاء من الظلمات إىل النور‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫اةاضرة السادسة‪ :‬أركان اإلميان‬

‫اإلميان بالكتب يتضمن أربعة أمور‪:‬‬

‫{ﱓ ﱔ ﱕ‬ ‫األول‪ :‬اإلميــان ــا إاـ ًـاال وأهنــا كلهــا منــزل مــن عنــد هللا ح ًقــا‪ ،‬ــال تعــاىل‪:‬‬
‫ﱖﱗﱘﱙﱚﱛﱜﱝﱞﱟﱠﱡﱢﱣﱤ‬

‫ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ} [سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــورة‬
‫البقرة‪.]319:‬‬

‫الثاين‪ :‬اإلميان مبا مسي لنا منها على وج اخلصوف؛ كالتوراة‪ ،‬واإلعيل والزبور‪ ،‬وصحف إبراهي‬
‫{ﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉﱊﱋﱌﱍﱎﱏﱐ‬ ‫وموس ـ ــى‪ ،‬ـ ــال تع ـ ــاىل‪:‬‬
‫ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ} [ســورة لل عمـران‪-2:‬‬
‫{ﱣ ﱤ ﱥ‬ ‫‪ ،]4‬و ـال تعـاىل‪{ :‬ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ} [ســورة اإلسـراء‪ ،]55 :‬و ـال تعــاىل‪:‬‬
‫ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ} [سورةا ألعلى‪.]35-38:‬‬

‫الثالث‪ :‬اإلميان مبا يف هذ الكتب ً‬


‫إااالن ومبا أخر هللا ورسول ‪-‬ﷺ‪ -‬ب ـا اشـتمل عليـ‬
‫{ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ‬ ‫خصوصا‪ ،‬كما ال تعاىل يف التوراة‪:‬‬
‫ً‬
‫ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ} [سورة املائدة‪.]45:‬‬

‫‪{ :‬ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ‬ ‫و ــال تعــاىل يف صــحف موســى وإبـراهي‬


‫ﳉ ﳊ} [سورة الن ‪.]17-19:‬‬

‫ال ابع‪ :‬اإلميان ذا القرلن املنزل علـى خـا النبيـني‪ ،‬وأنـ أشـرف ولخـر كتـا نـزل مـن عنـد هللا‪،‬‬
‫وأنـ نســاخ ملــا ســبق مــن الكتــب‪ ،‬وأنـ حــاك عليهــا‪ ،‬وأنـ الــذ نــب اتباعـ بتصــديق أخبــار ‪،‬‬
‫تعـاىل‪ { :‬ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ‬ ‫وءحالل حالل ‪ ،‬وحتر حرام ‪ ،‬والعمل أبوامر ونواهي ‪ ،‬ـال‬
‫{ﱯ ﱰ‬ ‫ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ} [سـ ـ ـ ــورة التغـ ـ ـ ــابن‪ ،]8:‬و ـ ـ ـ ــال هللا تعـ ـ ـ ــاىل‪:‬‬
‫ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ} [سـ ـ ـ ــورة املائـ ـ ـ ــدة‪،]48:‬‬
‫حاكما وأمينًا علي ‪.‬‬
‫أ ‪ً :‬‬

‫‪87‬‬
‫اةاضرة السادسة‪ :‬أركان اإلميان‬

‫الغاية من إنزال الكتب‪:‬‬


‫أنزل الكتب السماوية كلها لغاية واحدة‪ :‬وهي أن يعبد هللا وحد ال شري ل ‪ ،‬وهداية‬
‫للعباد؛ ليصلوا ابتباعها إىل سعادهت يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬فمن اتبع هد هللا كان من املهتدين‬
‫{ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ‬ ‫املفلحني‪ ،‬ومن أعرض كان من األشقياء الضالني‪ ،‬ال تعاىل‪:‬‬
‫ﲳﲴﲵﲶﲷﲸﲹﲺﲻﲼﲽﲾﲿﳀﳁﳂ‬

‫ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ} [سورة ط ‪-321:‬‬
‫‪[ .]324‬سورة ط ‪.]324-321:‬‬

‫مواضع ااتفاق وااختالف بني الكتب السماوية‪:‬‬


‫تتفق الكتب السماوية يف وحدة املصدر‪ ،‬ووحدة الغاية‪ ،‬وأصول العقيدة‪ ،‬و واعد التشـريع‬
‫العامــة‪ ،‬كالعــدل‪ ،‬والقســط‪ ،‬وأداء احلقــوق‪ ،‬والنهــي عــن الفســاد واالحن ـراف‪ ،‬والــدعوة إىل مكــارم‬
‫{ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ‬ ‫األخ ـ ـ ـ ـ ــالق‪ ،‬ـ ـ ـ ـ ــال تعـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪:‬‬
‫ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ} [سورة النحل‪.]50:‬‬
‫{ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ}‬ ‫وختتلف الكتب السماوية يف الشرائع‪ ،‬ال تعاىل‪:‬‬
‫[سورة املائدة‪.]48:‬‬

‫الركن الرابع‪ :‬اإلميان بالرسل‬


‫تع يف الن وال سول والف ق ب نهما‪:‬‬
‫الن و لغووة‪ :‬مشــتق مــن النبــأ وهــو اخلــرُ الــذ ل ـ شــأن‪ ،‬وإامــا مســي الن ـ نبيًــا؛ ألن ـ ُخمْـ َـر‪،‬‬
‫و"خمِر"‪ :‬أ ر عن هللا تعاىل وحي وأمر ‪ ،‬و يل‪:‬‬ ‫وخمُِْر‪" ،‬خمُْ َر"‪ :‬أ أن هللا أخر وأوحى إلي ‪ُ ،‬‬
‫النبوة مشتقة من النبوة‪ :‬وهي ما ارتفع من األرض‪.‬‬
‫ِ‬
‫كالبعث ابلكتا ‪.‬‬ ‫البعث أبم إر؛‬ ‫ِ‬
‫اإلرسال وهو‪ُ :‬‬ ‫سول يف اللغة‪ :‬مأخوج من‬
‫وال أل‬
‫ُوحـ َـي إليـ بشــرإر وأ ُِمــر بتبليغـ ‪ ،‬والنـ‬
‫ـول هـو مــن أ ِ‬ ‫ـهور َّ‬
‫أن الرسـ َ‬ ‫وأمووا يف االصووط ‪ :‬فاملشـ ُ‬
‫هو من أ ِ‬
‫ُوح َي إلي ومل يممر ابلبالغ‪.‬‬
‫رسوال‪.‬‬
‫ً‬ ‫وعلى جل فكل إ‬
‫رسول ن ‪ ،‬وليس كل ن‬

‫‪88‬‬
‫اةاضرة السادسة‪ :‬أركان اإلميان‬

‫الرسول من أرسل إىل وم كفار؛ كنوح وه إ‬


‫ـود وموسـى‪ ،‬والنـ مـن أرسـل إىل ـوم‬ ‫َ‬ ‫و يل‪َّ :‬‬
‫إن‬
‫مممنني كأنبياء بين إسرائيل مثل‪ :‬زكرًّي وطىي‪.‬‬
‫{ﱸ ﱹ ﱺ‬ ‫وعلى هذا فالن والرسول كل منهما مرسل‪ ،‬يدل على هذا ولـ تعـاىل‪:‬‬
‫ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ} [سورة احلج‪.]52:‬‬
‫ح مة إرسال ال سل‪:‬‬
‫ملا كان العقل البشـر ال يـتمكن مـن عبـادة هللا ‪-‬تعـاىل‪ -‬علـى الوجـ الـذ يرضـا وطبـ ‪،‬‬
‫وكـذل ال يســتطيع التنظــي والتشـريع املناســب لألمــة علــى اخــتالف طبقاهتــا؛ إج ال طــيط بــذل‬
‫إال هللا وحد ؛ كان من حكمة هللا ورمحتـ أن أرسـل الرسـل وأنـزل الكتـب إلصـالح اخللـق وإ امـة‬
‫احل ة عليه ‪.‬‬
‫اإلميان بالرسل يتضمن أمورًا‪:‬‬
‫األول‪ :‬اإلميان نميع الرسل ً‬
‫إااال‪ ،‬وأهن رسل هللا ح ًقا‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬اإلميان مبن علمنا مـنه تفص ً‬
‫ـيال‪ ،‬ومبـا صـح مـن أخبـاره ‪ ،‬ـن مسـاه هللا يف القـرلن‪ ،‬وهـ‬
‫مخسة وعشرون نبيًا‪.‬‬
‫ـيال مبـا جـاء بـ نبينـا دمحم ‪-‬ﷺ‪ -‬مـن الكتـا واحلكمـة‪ ،‬ومـا أرسـل‬ ‫الثالث‪ :‬اإلميان ً‬
‫إااال وتفص ً‬
‫ب من ا د ودين احلق‪ ،‬وأن رسول هللا إىل ايع النـام‪ ،‬وأنـ خـا النبيـني فـال نـ بعـد ‪ ،‬فهـو‬
‫ح ـةُ هللا علــى عبــاد إىل يــوم القيامــة‪ ،‬وأنـ ال طريــق إىل هللا وإىل جنتـ إال ابتباعـ ‪-‬ﷺ‪ -‬فلـ‬
‫يبق رسول نب اتباعُ ُ سو دمحم ‪-‬ﷺ‪ ،-‬ولو كان أحد من أنبيـاء هللا حيًـا ملـا وسـع إال اتباعـ‬
‫َ‬
‫‪-‬ﷺ‪ ،-‬و ذا إجا نزل املسيح ابن مر يف لخر الزمان حك بشريعة دمحم ﷺ‪.‬‬
‫ال ابووع‪ :‬اإلميــان مبع ـزات الرســل وبينــاهت ‪ :‬لقــد أرســل هللا الرســل ابلبينــات وهــي اآلًّيت والراهــني‬
‫الدالة على صد ه ‪ ،‬فما من نـ إال و ـد جـاء مبـا يـدل علـى أنـ رسـول مـن عنـد هللا ـا يقتضـي‬
‫اإلميــان بـ ‪ ،‬كمــا يف احلــديث‪« :‬مــا مــن األنبيــاء مــن نـ إال ــد أعطــي مــن اآلًّيت مــا مثلـ لمــن‬
‫اتبع ــا ي ــوم‬
‫عليـ ـ البش ــر‪ ،‬وإام ــا ك ــان ال ــذ أوتيـ ـ وحيً ــا أوح ــى هللا‪ ،‬ف ــأرجو أن أك ــون أكث ــره ً‬
‫القيامة»‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫اةاضرة السادسة‪ :‬أركان اإلميان‬

‫ولنبينــا مــن الــدالئل علــى نبوت ـ مــا ال طصــى مــن اخل ـوارق‪ ،‬مثــل انشــقاق القمــر‪ ،‬وتكثــري‬
‫الطعام والشرا ‪ ،‬واإلخبار ابملغيبات وغريها‪ ،‬وأعظ جل القرلن‪.‬‬
‫وداللة القرلن على نبوة دمحم ‪-‬ﷺ‪ -‬من ثالثة أوج ‪:‬‬
‫‪ .3‬أن أمـي ال يكتـب وال يقـرأ املكتـو ‪ ،‬ومـع جلـ جـاء ـذا القـرلن العظـي املشـتمل علـى‬
‫الشرائع القومية‪ ،‬واألنباء العظيمة‪.‬‬
‫‪ .2‬ما اشتمل علي من صص األنبياء ا هو من عل الغيب‪.‬‬
‫‪ .1‬إع ــاز القــرلن للبش ـرية ‪-‬بــل للثقلــني‪ -‬أن أيت ـوا مبثلِـ أو بعش ـ ِر ســوإر مثل ـ ‪ ،‬أو ســورةإ مــن‬
‫لية من مثل ‪.‬‬ ‫مثل ‪ ،‬أو إ‬

‫الركن اخلامس‪ :‬اإلميان باليوم اآلخر‬


‫اليوم اآلخر‪ :‬يوم القيامة الذ يبعـث هللا النـام فيـ للحسـا واةـزاء‪ُِ ،‬‬
‫ومسّـي بـذل ؛ ألنـ‬
‫ال يوم بعد ‪ ،‬حيث يستقر أهل اةنة يف مناز وأهل النار يف مناز ‪.‬‬

‫اإلميان باليوم اآلخر يتضمن أمورًا‪:‬‬


‫األول‪ :‬اإلميان بكل ما يكون بعد املوت من فتنة القر‪ ،‬وعذا القر ونعيم ‪.‬‬
‫و ــذ األدلــة جهــب أهــل الســنة واةماعــة إىل اإلميــان بفتنــة القــر وعــذا القــر ونعيمـ ِّ‬
‫مفوضــني‬ ‫ُ‬
‫عل َ حقيقة جل إىل هللا‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬اإلميـان ابلبعـث‪ :‬ـال النـ ‪-‬ﷺ‪« :-‬طشـر النـام يـوم القيامـة حفـا ًة عـرا ًة غـرًال»‪ .‬متفـق‬
‫علي ‪.‬‬
‫ـال‪:‬‬ ‫‪-‬ﷺ‪-‬‬ ‫الثالث‪ :‬اإلميان ابحلسا واةزاء‪ :‬عن عد بن حـا ‪ -◙-‬عـن رسـول هللا‬
‫«لــيقفن أحــدك بــني يــد هللا لــيس بين ـ وبين ـ ح ــا وال ي ـ ج ل ـ ‪ ،‬مث ليق ـولن ل ـ ‪ :‬أمل أوت ـ‬
‫ـوال؟ فليقـولن‪ :‬بلـى‪ ،‬فينظـر عـن ميينـ فـال يــر‬
‫م ًـاال؟ فلـيقلن‪ :‬بلـى‪ ،‬مث ليقـولن‪ :‬أمل أرسـل إليـ رسـ ً‬
‫إال النــار مث ينظــر عــن مشالـ فــال يــر إال النــار‪ ،‬فليتقــني أحــدك النــار ولــو بشــق ــرة‪ ،‬فــإن مل نــد‬
‫فبكلمة طيبة» روا البخار ‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫اةاضرة السادسة‪ :‬أركان اإلميان‬

‫ولـ‬ ‫ال ابع‪ :‬اإلميان ابةنة والنار‪ :‬وأهنما موجوداتن اآلن‪ ،‬ال تفنيان أب ًـدا وال تبيـدان‪ .‬دليـل جلـ‬
‫{ﱋ ﱌ ﱍ}‪ { ،‬ﳈ ﳉ ﳊ}‪.‬‬ ‫تعاىل‪:‬‬
‫الركن السادس‪ :‬اإلميان بالقدر‬
‫ـات يف علمـ ِ وكتابتـ تقـديرا مفص ًـال‪ ،‬يشـمل‪ :‬موا يتهـا‪ ،‬وص ِ‬
‫ـفاهتا‪،‬‬ ‫القدر‪ :‬تقدير هللا للكائن ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫أل‬
‫اعها‪ ،‬ولجا ا‪ ،‬وهنايتها‪ ،‬وما شاء ▐‪.‬‬ ‫وأعدا َدها‪ ،‬وأنو َ‬
‫{ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ‬ ‫والقيوواءأل موون هللا نومووان‪ :‬كــوين وشــرعي‪ ،‬فــالكوين كقولِـ تعــاىل‪:‬‬
‫{ﲇ ﲈ ﲉ‬ ‫ـرعي كقول ـ تع ــاىل‪:‬‬
‫ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ} [س ــورة البق ــرة‪ ،]337:‬والش ـ ّ‬
‫ﲊ ﲋ ﲌ} [سورة اإلسراء‪.]21:‬‬
‫اتحل القد نر‪:-‬‬
‫يتيمن أربعة أموار – وهي م أل‬
‫أل‬ ‫ا‪:‬ميان القدر‬
‫أل‬
‫{ﳤ ﳥ ﳦ ﳧ ﳨ ﳩ ﳪ‬ ‫‪ ‬األول‪ :‬اإلميــا ُن بعل ـ ِ هللا القــد ‪ :‬ــال هللا تعــاىل‬
‫ﳫ} [سورة الطالق‪.]32:‬‬
‫{ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ‬ ‫األول‪ :‬ـ ـ ــال هللا تعـ ـ ــاىل‪:‬‬
‫َّ‬ ‫‪ ‬الثو و وواين‪ :‬اإلميـ ـ ــان ابلكتـ ـ ــا‬
‫ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ} [سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــورة‬
‫احلج‪.]22:‬‬
‫{ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ‬ ‫‪ ‬الثالووث‪ :‬اإلميــا ُن بعمـ ِ‬
‫ـوم املشــيئة‪ :‬ــال تعــاىل‪:‬‬
‫ﳁ ﳂ} [سورة األنعام‪.]317:‬‬
‫{ ﱿﲀﲁﲂﲃﲄﲅﲆﲇﲈ‬ ‫‪ ‬ال ابو ووع‪ :‬اخلل ــق‪ :‬ــال هللا تع ــاىل‪:‬‬
‫ﲉ} [سورة الزمر‪.]92:‬‬
‫و د ض نل يف القدر طا فتان‪:‬‬
‫العبد مر على عمل ‪ ،‬وليس ل في إرادة وال درة‪.‬‬ ‫إن َ‬ ‫‪ ‬إحدامها‪ :‬اةريةُ الذين الوا‪َّ :‬‬
‫العبد مستِقل بعمل ِ يف اإلرادة والقدرةِ‪ ،‬وليس ملش ِ‬
‫ـيئة هللا‬ ‫‪ ‬الثان ة‪ :‬القدريةُ الذين الوا‪ :‬إن َ‬
‫تعاىل و درت في أثر‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫اةاضرة السادسة‪ :‬أركان اإلميان‬

‫ن‬
‫الربية الش نع والوا نع‪:‬‬ ‫وال ُّ ملة الطا ن‬
‫فة األوىل‬
‫ِ‬
‫للعبد إرادة ومشيئة‪ ،‬وأضاف العمـل إليـ ‪ ،‬ـال هللا تعـاىل‪:‬‬ ‫أما الش عأل‪َّ :‬‬
‫فإن هللا تعاىل أثب َ‬
‫{ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ} [سورة لل عمران‪.]352:‬‬
‫{ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ‬ ‫و ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال تع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪:‬‬
‫ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ} [سورة الكهف‪.]25:‬‬
‫ـرق ب ــني أفعالِـ ـ ِ االختياري ـ ِـة ال ــمل يفعلُه ــا ءرادتـ ـ ؛‬ ‫ـإن ك ـ َّـل إنس ـ إ‬
‫ـان يعل ـ ُ الف ـ َ‬ ‫وأم ووا الوا ووع‪ :‬ف ـ َّ‬
‫احلمــى‪،‬‬
‫ـا‪ ،‬مــن َّ‬ ‫كاألكـ ِـل‪ ،‬والشــر ِ ‪ ،‬والبيــع‪ ،‬والش ـراء‪ ،‬وبــني مــا يقـ ُـع علي ـ بغ ـ ِري إرادت ـ ؛ كاالرتعـ ِ‬
‫السقوط من السطح‪ ،‬فهو يف األول فاعل خمتار ءرادتـ مـن غـري جـر‪ ،‬ويف الثـاين غـريُ خمتـا إر وال‬ ‫ِ‬ ‫و‬
‫يد ملا و ع علي ‪.‬‬‫مر إ‬

‫ن‬
‫والعقل‪:‬‬ ‫ن‬
‫القدرية الش نع‬ ‫وال ملة الطا ن‬
‫فة الثان ة‬
‫ـيء كـائن مبشـيئت ‪ ،‬و ـد ب َّـني هللاُ تعـاىل‬ ‫ـيء‪ ،‬وكـل ش إ‬‫فإن هللا تعاىل خـالق كـل ش إ‬ ‫أما الش عأل‪َّ :‬‬
‫ُ‬
‫ـع مبش ــيئت ِ‪ ،‬فق ــال تع ــاىل { ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ‬ ‫ِ‬ ‫يف كتابـ ـ َّ‬
‫ـال العب ــاد تق ـ ُ‬
‫أن أفع ـ َ‬
‫ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ} [سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــورة‬
‫الس دة‪.]31:‬‬
‫ـإن الكــو َن كل ـ َّ لــوك هلل تعــاىل‪ ،‬واإلنســا ُن مــن هــذا الكـ ِ‬
‫ول‪ :‬فـ َّ‬
‫ـون فهــو لــوك هلل‬ ‫وأمووا العقو أل‬
‫يتصرف يف مل ِ املال ِ إال ءجن ِ ومشيئت ِ‪.‬‬
‫َ‬ ‫تعاىل‪ ،‬وال ميكن للم ِ‬
‫ملوك أن‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫الواجبات أو ن‬
‫فعل املعاصي‪:‬‬ ‫اج القد نر ملة ت نك‬ ‫ح أل‪ :‬االحت ن‬
‫ـرك الواجبـ ِ‬
‫ـات أو فعـ ِـل‬ ‫اإلميــا ُن ابلقــد ِر علــى الوجـ املتقــدم ال يصــح أن يكــو َن ح ـةً علــى تـ ِ‬
‫َُ‬
‫احتج ابلقد ِر علـى هـذا – كمـا هـي طريقـةُ غـالةِ اةريـة وسـلفه املشـركني الـذين‬ ‫املعاصي‪ ،‬ومن َّ‬
‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ‬ ‫ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال هللا عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنه ‪:‬‬
‫وعقال‪.‬‬
‫شرعا ً‬
‫اج ابطل ً‬
‫ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ} [سورة النحو‪ ]15:‬فاحت ُ‬
‫{ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ‬ ‫فأ نم و و ووا الشو و و و عأل فقولـ ـ ـ ـ تع ـ ـ ــاىل‪:‬‬
‫ﱘﱙﱚﱛﱜﱝﱞﱟﱠﱡﱢﱣﱤﱥﱦﱧﱨ‬

‫‪92‬‬
‫اةاضرة السادسة‪ :‬أركان اإلميان‬

‫ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ} [س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــورة‬
‫األنعام‪ ،]348:‬ولو كان ح ة ابلقد ِر ما أجا ه هللا َ‬
‫أبس ُ‪.‬‬
‫{ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ‬ ‫و ول ـ تعــاىل‪:‬‬
‫ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ} [ســورة النســاء‪ ،]395:‬ولــو كــان القــدر ح ـةً للمخــالفني مل تنتـ ِ‬
‫ـف‬ ‫ُ‬
‫ءرسال ِ‬
‫الرسل‪َّ ،‬‬
‫ألن املخالفةَ بعد إرسا وا عة بقدر هللا تعاىل‪.‬‬ ‫ِ‬

‫اعتد‬
‫اجبات أو فعل من املعاصي‪ ،‬لو َ‬ ‫احملتج ابلقدر على ما ترك من الو ِ‬ ‫وأ نما مق ه ‪ :‬فإ ّن َّ‬
‫ـإن اعتـدائي كـان‬ ‫ـتج ابلقـدر‪ ،‬و ـال‪ :‬ال تَـلُمـين ف َّ‬
‫فأخـذ مالـ أو انتهـ حرمتـ مث اح َّ‬
‫عليـ شـخص َ‬
‫بقــد ِر هللا‪ ،‬مل يقبـ ْـل ح ت ـ ‪ .‬فكيــف ال يقبــل االحت ــا ابلقــدر يف اعتــداء غــري علي ـ ‪ ،‬وطــتج ب ـ‬
‫لنفس يف اعتدائ على حق هللا تعاىل؟!‪.‬‬
‫ـال الرس ــل ابلشـ ـرائ ِع َعبَـثًــا‪ ،‬تع ــاىل هللا ع ــن جل ـ ‪،‬‬
‫ـذرا لك ــان إرس ـ ُ‬
‫ـدر ع ـ ً‬
‫أيض ــا ل ــو ك ــان الق ـ ُ‬
‫و ً‬
‫ـتج ابلق ــد ِر‪ ،‬و ــال أ ْن تس ــتقي َ احلي ــاةُ عل ــى ه ــذا‬ ‫ِ‬
‫األرض أن ط ـ َّ‬ ‫وألمك ـ ًـن ك ــل ظ ــاإمل ومفس ـ إـد يف‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫التقدي ِر‪ ،‬و ذا من طتج ابلقد ِر على ترك الواجبات وفع ِـل احملرمـات ال ميكـن أن يقبـل االحت ـا َ‬
‫ابلقد ِر من غريِ كما تقدم‪.‬‬
‫ـف‪ ،‬وإن كــان‬ ‫و َّأمــا االحت ــا ابلقــد ِر علــى املصــائب في ــوز؛ ألهنــا ليسـ مــن فعـ ِـل املكلَّـ ِ‬
‫ُ‬
‫ـائب النظـ ُـر إىل القــد ِر َّ‬
‫ألن‬ ‫لدم مــن اةنـة‪ ،‬بــل نــب عنــد املصـ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫سـبيُها ــد يكــون مــن فعلـ كخــرو ِ َ‬
‫اسـتَعِ ْن ابهلل‪َ ،‬والَ تَـ ْع َ ْـز‬
‫رف َعلَى ما يَـْنـ َفعُـ َ ‪َ ،‬و ْ‬ ‫يعني على الص ِر كما جاء يف احلديث « ْ‬
‫اح ْ‬ ‫ُ‬ ‫جل‬
‫َصابَ َ َش ْيء فَالَ تَـ ُق ْل لو أين فعل كان كذا وكذا‪ ،‬ولكن د ـدر هللا ومـا شـاء فعـل‪ ،‬فـإن‬ ‫َوإ ْن أ َ‬
‫لو تفتح عمل الشيطان»‪.‬‬
‫ـوز االحت ــا ُ ابلق ـدر علــى الــذنو ِ بعــد التوبـ ِـة منهــا؛ َّ‬
‫ألن األثـ َـر امل تــب علــى‬ ‫وكــذل نـ ُ‬
‫ـال القـدر‪ ،‬وهـذا أح ُـد‬ ‫ِ‬
‫جل د زال ابلتوبة فاامحى بـ توجـ ُ اللـوم علـى املخالفـة‪ ،‬فلـ يب َـق إال ُ‬
‫ِ‬
‫لدم علــى موســى ابلقــدر كمــا يف احلــديث‪« :‬احــتج‬ ‫اةـوابني ألهـ ِـل الســنة علــى حــديث احت ــا َ‬
‫لدم وموســى فقــال موســى‪ :‬أن ـ لدم الــذ أخرج ـ جريت ـ مــن اةنــة‪ ،‬ــال لدم‪ :‬أن ـ موســى‬
‫الذ اصطفاك هللا برساالت وكالم ‪ ،‬مث تلـومين علـى أمـ إر ـد ُـ ِّدر عل َّـي بـل أن أخلـق فحـج لدم‬
‫موسى»‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫اةاضرة السابعة‪ :‬العبادة يف اإلسالم‬

‫اةاضرة السابعة‬
‫العبادة يف اإلسالم‬

‫‪94‬‬
‫اةاضرة السابعة‪ :‬العبادة يف اإلسالم‬

‫‪ ‬أهداف الدرس‪:‬‬
‫‪ -‬أن يعرف الطالب معو العبادة‪.‬‬

‫‪ -‬أن مييّز الطالب بني أنوار العبادات‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫اةاضرة السابعة‪ :‬العبادة يف اإلسالم‬

‫تعريف العبادة‪:‬‬

‫العبا ة يف اللغة‪:‬‬

‫اخلضور‪ ،‬والذل‪ ،‬واإلجعان‪ ،‬والطاعة‪.‬‬

‫‪:‬‬ ‫العبا ة يف االصط‬


‫(‪)3‬‬
‫"اس جامع لكل ما طب هللا ويرضا من األ وال واألعمال الباطنة والظاهرة" ‪.‬‬

‫و ذا املعو تكون ايع أعمال املسل عبادة هلل تعاىل الباطنة منها‪ ،‬وهـي أعمـال القلـو ‪:‬‬
‫كاخلشية‪ ،‬واخلوف واإل بة‪ ،‬واألعمال الظاهرة‪ :‬كالصالة‪ ،‬والزكاة‪ ،‬واحلـج‪ ،‬وبـر الوالـدين‪ ،‬وغريهـا‬
‫من العبادات الظاهرة والباطنة‪.‬‬

‫مكانة العبادة يف اإلسالم‪:‬‬

‫عبــادة هللا تعــاىل وتوحيــد ــا هــي الغايــة الــمل خلــق هللا ألجلهــا اةــن واإلنــس‪ ،‬ــال تعــاىل‪:‬‬
‫{ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ} [سورة الذارًّيت‪.]59:‬‬

‫وعبادة هللا تعاىل وتوحيد هي املقصود األعظ من إرسال الرسل وإنزال الكتب‪ ،‬وكل‬
‫{ﱤﱥﱦ‬ ‫رسول بعث ذا األصل العظي يناد بعبادة هللا تعاىل توحيد ‪ ،‬ال تعاىل‪:‬‬
‫ﱧﱨﱩﱪﱫﱬﱭﱮﱯﱰﱱﱲﱳﱴﱵ‬

‫ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ}‬

‫[سورة النحل‪.]19:‬‬

‫{ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ‬ ‫والعبادة هي العهد الذ أخذ هللا على بين لدم‪ ،‬ال تعاىل‪:‬‬
‫ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ}‬

‫[سورة يس‪.]93-90:‬‬

‫(‪ )3‬العبودية‪ ،‬شيخ اإلسالم ابن تيمية‪( ،‬ف‪.)18‬‬

‫‪96‬‬
‫اةاضرة السابعة‪ :‬العبادة يف اإلسالم‬

‫شروط العبادة يف اإلسالم‪:‬‬


‫جكــر العلمــاء شــرطني لقبــول العبــادة يف اإلس ــالم‪ ،‬س ـواء كان ـ مــن العبــادات الباطن ــة أو‬
‫ـوال‬
‫ـوال‪ ،‬وإجا انتفــى الشــرطان أو أحــدمها مل يكــن العمــل مقبـ ً‬
‫الظــاهرة‪ ،‬م ـ حتققــا كــان العمــل مقبـ ً‬
‫ومها‪:‬‬
‫‪ .3‬اإلخ ـ ـ ــالف هلل تع ـ ـ ــاىل‪ ،‬ـ ـ ــال تع ـ ـ ــاىل‪ { :‬ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ‬
‫ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ} [ســورة البينــة‪ ،]5:‬و ــال تعــاىل‪{ :‬ﱁ‬
‫ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ} [سورة الزمر‪]33:‬‬
‫‪ .2‬واملوافقــة واملتابعــة ملــا شــرع هللا ‪ --‬ومتابعــة هــد الن ـ ‪-‬ﷺ‪ ،-‬واملوافقــة لشــرر هللا‬
‫‪ --‬وســنة نبي ـ ‪-‬ﷺ‪ ،-‬فيقصــد ب ـ أن تكــون العبــادة مــأجو ً ــا يف شــرر هللا تعــاىل وعلــى‬
‫الكيفية المل أمر هللا ا وارتضاها‪ ،‬وهذا مقتضى القـول أبن العبـادات تو يفيـة كمـا جكـر العلمـاء‪،‬‬
‫مبعــو أن تكــون علــى مــا شـرر هللا وعلــى هــد ســنة نبينــا دمحم‪ ،‬وال عــرة ابلعبـادة إجا انتفــى عنهــا‬
‫هذا الشرط‪ ،‬بل هي مردودة على صاحبها غري مقبولة‪ ،‬وهو مأزور غري مـأجور‪ ،‬وعملـ إحـداث‬
‫(‪)3‬‬
‫يف الــدين وابت ــدار في ـ ‪ ،‬ــال ‪-‬ﷺ‪« :-‬مــن أح ــدث يف أمــر ه ــذا مــا ل ــيس من ـ فه ــو رد» ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫و ال‪« :‬إًّيك و د ت األمور‪ ،‬فإن كل دثة ضاللة‪ ،‬وكل ضاللة يف النار» ‪.‬‬
‫فهذان الش طان‪ :‬اإلخالف واملوافقة لشرر هللا تعاىل على مدارمها بول العبادة‪.‬‬
‫النية وأثرها يف العمل‬
‫وجية مالحظة مهمة‪ ،‬وهـي أن املباحـات ميكـن أن تتحـول إىل عبـادة و ربـة‪ ،‬يثـا املكلـف‬
‫عليهـا‪ ،‬إجا تـوافرت النيــة الصــاحلة واإلخــالف هلل‪ ،‬وابتعــد املكلــف عــن احلـرام؛ لــذا جعــل اإلســالم‬
‫وعقااب مرتبطًا ابلنية وشرطًا لقبول العمل‪.‬‬
‫جزاء الفعل ثو ًااب ً‬
‫«إام ــا األعم ــال ابلني ــات وإام ــا لك ــل ام ــر م ــا ن ــو ‪ ،‬فم ــن كان ـ ه رتـ ـ إىل هللا ورسـ ـول‬
‫فه رت إىل هللا ورسول ‪ ،‬ومن كان ه رت لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فه رت إىل مـا هـاجر‬
‫(‪)1‬‬
‫إلي » ‪.‬‬

‫(‪ )3‬أخرج البخار ‪ ،‬بر ‪.)2957( :‬‬


‫(‪ )2‬أخرج أمحد‪ ،)327-329/4( ،‬بر ‪.)37384( :‬‬
‫(‪ )1‬أخرج البخار ‪ ،‬بر ‪.)3( :‬‬

‫‪97‬‬
‫اةاضرة السابعة‪ :‬العبادة يف اإلسالم‬

‫مجر ويـُثَـا عليهــا‪،‬‬


‫وبنيــة التعبــد هلل تعــاىل تصــبح حيــاة اإلنســان وكــل مــا يعمــل عبــادة يُـ َ‬
‫ـريا مـن حياتـ ‪ ،‬فـإجا استشـعر العبــادة يف‬‫فاألفعـال واأل ـوال املباحـة يف حيــاة املسـل تشـغل حيـًـزا كب ً‬
‫مجر عليها بفضل هللا ومنت وسعة رمحت ‪.‬‬
‫هذ األعمال كان عبادة يُ َ‬
‫خصائص العبادة يف اإلسالم‪:‬‬

‫تتمي ــز العب ــادة يف اإلس ــالم ع ــن س ــائر األدًّين خبص ــائص ع ــدة‪ ،‬ميك ــن إنازه ــا يف النق ــاط‬
‫التالية‪:‬‬

‫‪ -1‬ران ة املصدر‪:‬‬

‫مــن أخــص خصــائص العبــادة يف اإلســالم أهنــا رابنيــة املصــدر‪ ،‬فوظــة‪ ،‬مل تتغــري ومل تتبــدل‬
‫مع مر الدهور واألزمان؛ نتي ة لتعهد هللا حبفظ كتابـ ‪ ،‬ومـا ي تـب علـى جلـ احلفـظ مـن حفـظ‬
‫السنة والشريعة‪ ،‬ال تعاىل‪{ :‬ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ} [سورة احل ر‪.]5:‬‬

‫وهذا خبالف ما حدث يف عبادات وعقائد األدًّين األخر من حتريف وتبديل وابتدار‪،‬‬
‫التحريف من ضيار ألصول‬ ‫أخر هللا تعاىل عن وجكر حتريفه لكتبه ‪ ،‬وما ترتب على جل‬
‫{ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ‬ ‫عقائده وعباداهت ‪ ،‬فقال تعاىل‬
‫ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ} [سورة البقرة‪ ،]75:‬و ال تعاىل‬
‫{ﱗ‬ ‫[سورة النساء‪ ،]49:‬و ال تعاىل‪:‬‬ ‫{ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ}‬

‫ﱘﱙﱚﱛﱜﱝﱞﱟﱠﱡﱢﱣﱤﱥﱦ‬

‫ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ} [سورة البقرة‪.]75:‬‬

‫مث ات ال ان ة‬

‫أال يعبوود هللا إال مبووا ش و ع هللا‪ ،‬وأنـ لــيس ألحــد مــن اخللــق الـزًّيدة أو النقصــان يف تشـريع‬
‫(‪)3‬‬
‫العبادات يف اإلسالم‪ ،‬ال ‪-‬ﷺ‪« :-‬من أحدث يف أمر هذا ما ليس من فهو رد» ‪.‬‬

‫(‪ )3‬روا البخار ‪ ،‬بر ‪.)2957( :‬‬

‫‪98‬‬
‫اةاضرة السابعة‪ :‬العبادة يف اإلسالم‬

‫‪ -2‬العبا ات ال ت ون إال هلل‪:‬‬


‫ومن أخص ما تتميز ب العبادة يف اإلسالم أهنا ال تصرف إال هلل‪ ،‬وهذا الشرط الذ مييز‬
‫العبادة يف اإلسالم عن غريها يف األدًّين األخر ‪ ،‬واملسل ال يتوج بعبادت ال لن مرسل وال‬
‫{ﲧ‬ ‫مقر وال إىل أحد من البشر‪ ،‬وإاما يتوج إىل هللا وحد ‪ ،‬ال تعاىل‪:‬‬ ‫إىل مل‬
‫ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ‬

‫ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ} [سورة‬
‫عيدا‪ ،‬ال‬
‫وضالال ب ً‬
‫ً‬ ‫عظيما‬
‫ظلما ً‬
‫التوبة‪ .]13:‬و د هنى هللا تعاىل عن الشرك يف العبادة وجعل ً‬
‫تعاىل‪{ :‬ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ} [سورة لقمان‪.]13:‬‬
‫‪ -3‬العموم والشمول يف العبا ات ا‪:‬س م ة‪:‬‬
‫ومــن خصــائص العبــادة يف اإلســالم أهنــا شــاملة ةميــع أعمــال العبــد وأ وال ـ ‪ ،‬فالعبــادة يف‬
‫اإلســالم ال تقتصــر علــى الشــعائر التعبديــة كالصــالة والصــيام والزكــاة واحلــج واةهــاد ‪-‬كمــا يظــن‬
‫الــبعال‪ ،-‬بــل تشــمل ايــع منــاحي احليــاة كلهــا‪ ،‬فتشــمل كــل مــا طب ـ هللا ويرضــا مــن األ ـوال‬
‫واألعمال الظاهرة والباطنة‪.‬‬
‫فمــن العبــادات القلبيــة‪ :‬خشــية هللا واإل بــة إلي ـ ‪ ،‬والصــر حلكم ـ ‪ ،‬والشــكر لنعم ـ ‪ ،‬والرضــا‬
‫بقضــائ ‪ ،‬والتوكــل علي ـ ‪ ،‬والرجــاء لرمحت ـ ‪ ،‬واخلــوف مــن عذاب ـ ‪ ،‬كــل جل ـ مــن أن ـوار العبــادة الــمل‬
‫يـُثَا عليها املسل إجا حتقق شرطاها‪ :‬اإلخالف‪ ،‬واملتابعة‪.‬‬
‫‪ -4‬الثبات ومدم التبديل والتغ ع‪:‬‬
‫من خصائص و اسن العبادات يف اإلسالم ثباهتا وبقاؤها على الصورة المل شرع عليها‬
‫منذ نزول الوحي مبا في من تشريع على نبينا ‪-‬ﷺ‪ -‬مل تتبدل تل العبادات ومل تتغري‪ ،‬فالصالة‬
‫الــمل يمديهــا املســل اليــوم هــي الصــالة يف هيئتهــا الــمل ّأداهــا نبينــا دمحم ‪-‬ﷺ‪ -‬مل تتبــدل ومل تتغــري‪،‬‬
‫والزكاة والصوم واةح وسائر العبادات اإلسالمية‪ ،‬بل إن أ تغيري أو تعـديل أو تبـديل فيهـا يعـد‬
‫بدعــة مــردودة علــى صــاحبها‪ ،‬و ــد ــال ‪-‬ﷺ‪« :-‬إن خــري احلــديث كتــا اللهـ ـ وخــري ا ــد‬
‫(‪)3‬‬
‫هد دمحم‪ ،‬وشر األمور د هتا‪ ،‬وكل بدعة ضاللة» ‪.‬‬

‫(‪ )3‬روا مسل ‪ ،‬بر ‪.)897( :‬‬

‫‪99‬‬
‫اةاضرة السابعة‪ :‬العبادة يف اإلسالم‬

‫‪ -5‬نفي الوسطاء بني العبد وربه‪:‬‬


‫ومن خصائص العبادة يف اإلسالم أال واسطة بني العبـد وربـ عنـد ديتهـا‪ ،‬فـال حاجـة إىل‬
‫توســيط رهبــان وال شــفعاء‪ ،‬كمــا هــو حــادث يف عبــادات األدًّين األخــر والفــرق املنحرفــة الــمل‬
‫تتخذ وسطاء بينها وبني هللا تعاىل‪ ،‬فاملسل يتوج مباشرة بصالت ودعائـ وسـائر عباداتـ إىل هللا‬
‫{ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ‬ ‫جــل وعــال‪ ،‬القريــب مــن عبــد إجا دعــا ‪ ،‬ــال تعــاىل‪:‬‬
‫ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ} [س ـ ـ ـ ــورة‬
‫البقرة‪.]389:‬‬
‫{ﱍﱎﱏ‬ ‫وأيم ــر تع ــاىل بدعائـ ـ مباشـ ـرة دون اخت ــاج وس ــطاء‪ ،‬ــال تع ــاىل‪:‬‬
‫ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ} [س ـ ـ ــورة‬
‫غافر‪.]90:‬‬
‫عقه التفضيل بني العبادات‪:‬‬
‫إجا كانـ العبــادة يف اإلســالم ــذ املكانــة وهــذ املـزاًّي و ــذا الشــمول الــذ يغطــي حيــاة‬
‫اإلنسـان وايــع أعمالـ الظــاهرة والباطنــة‪ ،‬فــأ األعمـال أعظـ منزلــة عنــد هللا تعــاىل يلزمهــا العبــد‬
‫ويتزود ا ح تقرب من هللا تعاىل؟‬
‫‪-‬ﷺ‪-‬‬ ‫ــال في ـ‬ ‫ال ش ـ أن اإلجابــة عــن هــذا الس ـمال عــد يف احلــديث القدســي الــذ‬
‫فيما ينقل عن رب ‪« :‬وما تقر إا عبد أبحب ـا اف ضـت عليـ ‪ ،‬وال يـزال عبـد يتقـر إا‬
‫(‪)3‬‬
‫ابلنوافل ح أحب » احلديث‪.‬‬
‫فم ـ ــن الفق ـ ـ يف ال ـ ــدين أال حن ـ ــرف عل ـ ــى الس ـ ــنن والنواف ـ ــل ونف ـ ــرط يف الف ـ ـرائال‪ ،‬فأفض ـ ــل‬
‫العبــادات‪ ،‬وأعظـ مــا يتقــر بـ العبــد إىل هللا هــو مــا اف ضـ هللا عليـ وأوجبـ مث يت بعــد جلـ‬
‫النوافل كما أخر الن ﷺ‪.‬‬
‫و ــد أورد ابــن القــي ‪ -♫-‬أ ـوال العلمــاء ومــذاهب النــام يف التفضــيل بــني العبــادات‪،‬‬
‫خمتصرا‪:‬‬
‫ً‬ ‫و ا جكر‬

‫(‪ )3‬جامع العلوم واحلك ‪ ،‬بر ‪.)157/3( ،)18( :‬‬

‫‪111‬‬
‫اةاضرة السابعة‪ :‬العبادة يف اإلسالم‬

‫أن من النام من زع أبن أفضل األعمال إىل هللا أشقها على النفس‪.‬‬
‫ومنه من زع أن أفضل األعمال الت رد والزهد يف الدنيا‪.‬‬
‫ومــن الن ــام م ــن رأوا أن أنف ــع العبــادات وأفض ــلها م ــا ك ــان فيهــا نف ــع متع ــد‪ ،‬وم ــن جل ـ ‪:‬‬
‫االشتغال مبصاحل النام‪ ،‬وتعليمه ‪.‬‬
‫و لص ا سبق أن لكل و عبادتـ األفضـل‪ ،‬وجلـ ابلعمـل علـى مرضـاة الـر يف كـل‬
‫مبا هو مقتضى جل الو ووظيفت ‪.‬‬ ‫و‬
‫و د ضـر الصـديق أبـو بكـر أرور األمثلـة يف اةمـع بـني أبـوا اخلـري ايعهـا‪ ،‬فـذات يـوم‬
‫ـائما؟» ـال أبـو بكـر ‪ :-◙-‬أ ‪ ،‬ـال‪:‬‬ ‫ال رسول هللا ‪-‬ﷺ‪« :-‬من أصبح منك اليـوم ص ً‬
‫«فمــن تبــع مــنك اليــوم جنــازة؟» ــال أبــو بكــر ‪ :-◙-‬أ ‪ ،‬ــال‪« :‬فمــن أطعـ مــنك اليــوم‬
‫يضـا؟» ـال أبـو بكـر‬
‫مسكينًا؟» ال أبـو بكـر ‪ :-◙-‬أ ‪ ،‬ـال‪« :‬فمـن عـاد مـنك اليـوم مر ً‬
‫(‪)3‬‬
‫‪ :-◙-‬أ ‪ ،‬فقال رسول هللا ‪-‬ﷺ‪« :-‬ما اجتمعن يف امر إال دخل اةنة» ‪.‬‬
‫اآلثار اإلميانية والرتبوية لكعبادات يف حياة املسكم‪:‬‬
‫وسوف نستعرض فيما يلـي جانبًـا مـن العبـادات يف اإلسـالم لبيـان اآل ر ال بويـة واإلميانيـة‬
‫يف عدد منها‪ ،‬ومن تل العبادات‪ :‬الصالة‪ ،‬والزكاة‪ ،‬والصوم‪ ،‬واحلج‪.‬‬
‫‪ .3‬راحة البال وهدوء الفكر وواحة األمان من ا والغ والقلق‪ ،‬وي تب على هـذا طمأنينـة‬
‫{ﲠﲡﲢﲣﲤﲥﲦﲧ‬ ‫ال ـ ــنفس واس ـ ــتقرار القل ـ ــب‪ ،‬و ـ ــد ـ ــال تع ـ ــاىل‪:‬‬
‫ــرة عــني الن ـ ‪-‬ﷺ‪ -‬يف الصــالة‪ ،‬وكــان إجا حزب ـ‬ ‫[ســورة البقــرة‪ .]45:‬وكان ـ‬ ‫ﲨ ﲩ}‬

‫أمر فزر إليها وأكثر منها‪.‬‬


‫‪ .2‬تربي ــة النف ــوم عل ــى الص ــر وحتم ـل املش ــاق والص ــر عل ــى طاع ــة هللا تع ــاىل‪ ،‬فف ــي القي ــام‬
‫ابلوضوء والغسـل يف أو ـات الـرد الشـديد‪ ،‬واخلـرو إىل الصـالة عنـد اجفـاض درجـات احلـرارة أو‬
‫{ﲠﲡﲢﲣﲤﲥﲦ‬ ‫ارتفاعه ــا في ـ م ــا يع ــود ال ــنفس عل ــى الص ــر‪ ،‬ــال تع ــاىل‪:‬‬
‫ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ} [سورة ط ‪.]312:‬‬

‫(‪ )3‬روا مسل ‪ ،‬بر ‪.)3028( :‬‬

‫‪111‬‬
‫اةاضرة السابعة‪ :‬العبادة يف اإلسالم‬

‫‪ .4‬ملــا ُخلــق اإلنســان ضــعي ًفا كــان يف أمــس احلاجــة إىل تقويــة صــلت ابلعزيــز اةبــار‪ ،‬ليقوي ـ‬
‫وتقربـ ـ إليـ ـ ‪ ،‬فف ــي احل ــديث‬
‫ون ــر ض ــعف ويس ــدد خط ــا ‪ ،‬والص ــالة تق ـ ّـو ص ــلة اإلنس ــان بربـ ـ ّ‬
‫الصحيح‪« :‬أ ر ما يكون العبد من رب وهو ساجد‪ ،‬فـأكثروا مـن الـدعاء‪ ،‬فقمـن أن يسـت ا‬
‫(‪)3‬‬
‫لك » ‪.‬‬
‫‪ .5‬ومن اسن الصالة املساعدة يف حل املشـكالت النفسـية للمـرء‪ ،‬فهـي "مـن أكـر العـون‬
‫(‪)2‬‬
‫علــى الثبــات يف األمــر" ‪ ،‬وإجا حــز اإلنســان أمــر وضــاق عليـ فإنـ يفــزر إىل الصــالة‪ ،‬وجلـ‬
‫ألن القلب يستنري ابلصالة‪ ،‬فيستنري الوج وينشـرح الصـدر‪ ،‬ونـد اإلنسـان الـدنيا أمامـ سـعة ال‬
‫(‪)1‬‬
‫هنايــة ــا ‪ ،‬ــال تعــاىل‪ { :‬ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ} [ســورة‬
‫البقرة‪.]45:‬‬
‫ـاهرا وابطنًــا‪ ،‬أمــا تزكيــة ابطنــة فــذل أن إخ ـرا الزكــاة إخ ـرا‬
‫‪ .9‬ويف الزكــاة تزكيــة املزكــي ظـ ً‬
‫ـرعا‪،‬‬
‫للمزك ــي نفسـ ـ م ــن الطم ــع واةش ــع واإلمس ــاك‪ ،‬وكله ــا أمـ ـراض لبي ــة وص ــفات مذموم ــة ش ـ ً‬
‫فانتشــال منهــا تطهــري لباطنـ ‪ ،‬ويف حــديث أنــس ‪ -◙-‬ــال‪ :‬أتــى رجــل مــن ــي رســول هللا‬
‫‪-‬ﷺ‪ -‬فقـال‪ًّ :‬ي رسـول هللا ! إين جو مـال كثـري وجو أهــل ومـال وحاضـرة‪ ،‬فـأخرين كيـف أصــنع‬
‫وكيــف أنف ــق؟ فقــال رس ــول هللا ‪-‬ﷺ‪« :-‬ختــر الزك ــاة م ــن مال ـ فإهن ــا طهــرة تطه ــرك‪ ،‬وتص ــل‬
‫(‪)4‬‬
‫أ رابءك‪ ،‬وتعرف حق املسكني واةار والسائل» ‪.‬‬
‫ـاهرا وملالـ ـ ‪ ،‬ف ــذل أن أداءه ــا م ــن أس ــبا دوام امل ــال وام ــو‬
‫وأم ــا تزكي ــة الزك ــاة للمزك ــي ظ ـ ً‬
‫{ ﱴﱵﱶﱷﱸﱹ‬ ‫وازدًّيد ‪ ،‬ويف استمرار يف الغو عناية لظاهر ‪ ،‬ال تعاىل‪:‬‬
‫ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ} [ســورة البقــرة‪ ،]279:‬ويف احلــديث ــال ‪-‬ﷺ‪« :-‬مــا نقــص‬
‫(‪)5‬‬
‫مال من صد ة» ‪.‬‬

‫(‪ )3‬روا مسل ‪ ،‬بر ‪.)478( :‬‬


‫(‪ )2‬تفسري القرلن العظي ‪ ،‬ابن كثري‪.)252/3( ،‬‬
‫(‪ )1‬من أحكام الصالة‪ ،‬الشيخ دمحم بن عثيمني‪( ،‬ف‪.)5‬‬
‫(‪ )4‬روا أمحد‪.)107/3( ،‬‬
‫(‪ )5‬مسند أمحد‪.)213/4( ،‬‬

‫‪112‬‬
‫اةاضرة السابعة‪ :‬العبادة يف اإلسالم‬

‫جمـ القــرلن الكــر‬


‫‪ .7‬تطهــر الــنفس مــن داء الشــح ورجيلــة البخــل‪ ،‬فالشــح لفــة نفســية‪ ،‬و ــد َّ‬
‫{ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ}‬

‫[س ــورة اإلس ـ ـراء‪ { ،]300:‬ﱔ ﱕ ﱖ} [س ــورة النس ــاء‪ ،]328:‬و ــال تع ــاىل‪:‬‬
‫{ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ} [س ــورة احلش ــر‪ ،]5:‬وم ــن اس ــن الزك ــاة‬
‫احلميدة التصد ذ اآلفات وتطهري النفس منها‪.‬‬
‫‪ .8‬تربية املسل على البذل والسخاء واإلنفاق يف ماالت أخر ؛ كي ال يقتصر إنفا ـ علـى‬
‫الزك ـ ـ ـ ـ ـ ــاة‪ ،‬ـ ـ ـ ـ ـ ــال تع ـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪ {:‬ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ} [س ـ ـ ـ ـ ـ ــورة‬
‫احلش ــر‪ ،]5:‬وامت ــدح هللا املنفق ــني وجعله ــا م ــن ص ــفات امل ــممنني‪ ،‬ــال تع ــاىل {ﱍ ﱎ ﱏ‬

‫{ﱎﱏﱐ‬ ‫ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ} [سـ ـ ــورة البقـ ـ ــرة‪ ،]1:‬ـ ـ ــال تعـ ـ ــاىل‪:‬‬


‫ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ}‬
‫[سورة لل عمران‪.]314:‬‬
‫خل ــق هللا اإلنس ــان عل ــى ح ــب ال ــدنيا‪ ،‬والرك ــون إليه ــا {ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ} [س ــورة‬
‫القيامــة‪ ،]20:‬و ــال تعــاىل {ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ} [ســورة العــادًّيت‪ ،]8:‬ومبــا أن هــذ‬
‫الدنيا فانية‪ ،‬فقد جـاءت الزكـاة لعـال القلـو مـن حـب الـدنيا‪ ،‬والسـمو ـا إىل التعلـق ابآلخـرة‬
‫المل ال تفو‪.‬‬
‫{ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ‬ ‫‪ .5‬تطهــري املزكــي مــن اآل م واملعاصــي‪ ،‬ــال تعــاىل‪:‬‬
‫ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ} [سورة التوبة‪.]301:‬‬
‫‪.30‬الن اة من النار ودخول اةنة‪ ،‬وإرث نعيمها‪ ،‬فالزكاة من األعمال الصاحلة‪ ،‬وصاحل‬
‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ‬ ‫العمل سبب من أسبا دخول اةنة ءجن هللا تعاىل‪ ،‬ال تعاىل‪:‬‬
‫ﱆﱇﱈﱉﱊﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱑﱒﱓﱔ‬

‫{ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ‬ ‫[سورة املممنون‪[ .]4-3:‬سورة املممنون‪ ،]4-3:‬إىل ول ‪:‬‬ ‫ﱕ}‬


‫ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ} [سورة املممنون‪.]33-30:‬‬
‫{ﲁ ﲂ ﲃ‬ ‫‪.33‬مضـ ــاعفة األجـ ــور‪ ،‬وتكثـ ــري الث ـ ـوا ‪ ،‬وزًّيدة احلسـ ــنات‪ ،‬ـ ــال تعـ ــاىل‪:‬‬
‫ﲄﲅﲆﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏﲐﲑ‬

‫‪113‬‬
‫اةاضرة السابعة‪ :‬العبادة يف اإلسالم‬

‫{ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ‬ ‫ﲒ ﲓ ﲔ} [س ـ ـ ـ ــورة البق ـ ـ ـ ــرة‪ ،]277:‬و ـ ـ ـ ــال‪:‬‬


‫ﳓ ﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ ﳙ ﳚ ﳛ} [س ـ ــورة النس ـ ــاء‪ ،]392:‬واآلًّيت يف‬
‫جدا‪.‬‬
‫هذا كثرية ً‬
‫تعـ ــاىل‪ { :‬ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ‬ ‫‪.32‬الفـ ــوز برمحـ ــة هللا‪ ،‬ـ ــال‬
‫ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ} [سورة األعراف‪.]359:‬‬
‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ‬ ‫‪.31‬الفــالح والســعادة‪ ،‬كمــا يف ول ـ تعــاىل‪:‬‬
‫ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ} [سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــورة‬
‫املممنون‪[ .]4-3:‬سورة املممنون‪.]4-3:‬‬
‫‪.34‬األمـن مـن أهـوال يـوم القيامــة كـاخلوف والفــزر وا لـع‪ ،‬فمــن املعلـوم أن يــوم القيامـة أهـوال‬
‫وشدائد وكرو وموا ف عصيبة‪ ،‬واإلنسان يف أمس احلاجة و تئذ إىل كل ما ينقذ من املو ف‪،‬‬
‫فإما جنة أو ر‪ ،‬فتأيت الزكاة إلنقاج ا هو في بكشف ما نزل بـ وصـرف املخـاطر احملد ـة بـ ‪،‬‬
‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ‬ ‫كمـ ـ ــا يف ول ـ ـ ـ تعـ ـ ــاىل‪:‬‬
‫ﱌ} [ســورة األنعــام‪ ،]82:‬وال شـ أن الزكــاة مــن اإلميــان‪ ،‬وال يتحقــق اإلميــان الواجــب إال ــا‪،‬‬
‫{ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ‬ ‫و ــال تع ــاىل‪:‬‬
‫ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ} [سورة البقرة‪.]277:‬‬
‫‪.35‬ما فيها من التعاطف واأللفة وسد حاجات احملتاجني‪ ،‬ويف جلـ يقـول (بريشـابنكمرت)‬
‫أحد املهتدين اةدد ل سالم‪ ،‬واص ًفا بعال اسن الزكاة يف اإلسالم فيقول‪" :‬مل أجد دينًا وضع‬
‫ـامال كاإلســالم‪ ،‬وا تمــع اإلســالمي الــذ طــرف علــى إخ ـرا الزكــاة لــو مــن‬
‫للزكــاة تش ـر ًيعا شـ ً‬
‫الفقر واحلرمان والتشرد‪ ،‬إنين أتصور لو أن العامل كل اهتد إىل ملا بقي على ظهر األرض جـائع‬
‫(‪)3‬‬
‫أو روم" ‪.‬‬
‫اآلثار اإلميانية والرتبوية لكصيام يف حياة املسكم‪:‬‬
‫يتدر فيها املممن علـى خصـال كثـرية‪ ،‬فهـو جهـاد للـنفس‪،‬‬
‫ّ‬ ‫‪ .3‬الصيام مدرسة خلقية كر‬
‫ومقاومة لألهواء ونزغات الشيطان المل د تلوح ل ‪.‬‬

‫(‪ )3‬عماد الدين خليل‪ ،‬الوا عن اإلسالم‪( ،‬ف‪.)390‬‬

‫‪114‬‬
‫اةاضرة السابعة‪ :‬العبادة يف اإلسالم‬

‫‪ .2‬تربي ــة اإلنس ــان عل ــى خل ــق الص ــر بك ــل أنواع ـ ‪ ،‬فهن ــاك ص ــر عل ــى الطاع ــة وص ــر عل ــى‬
‫(‪)3‬‬
‫املعاصي واحملرمات‪ ،‬وكذا الصر على ما يصيب الصائ من جور أو عطش أو مشقة ‪.‬‬
‫‪ .1‬تربيــة النفــوم علــى األمانــة ومرا بــة هللا تعــاىل يف الســر والعلــن؛ إج ال ر يــب علــى الصــائ‬
‫وامتناع من الطيبات إال هللا تعاىل‪.‬‬
‫‪ .4‬ومــن ل ر الصــوم تقويــة اإلرادة وشــحن العزميــة وتعويــد الــنفس علــى النظــام واالنضــباط‪،‬‬
‫دد‪.‬‬ ‫ألن الصائ يتناول الطعام والشرا يف و‬
‫‪ .5‬تنمية اإلرادة‪ ،‬وتقوية االحتمال‪ ،‬وإيثار عبادة هللا على الراحـة‪ ،‬وكلهـا عناصـر مطلوبـة يف‬
‫ال بية اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ .9‬تربيــة النف ــوم علــى األخ ــالق الفاض ــلة‪ ،‬كالصــر واحلل ـ واة ــود والكــرم‪ ،‬وتنمي ــة عاطف ــة‬
‫الرمح ــة واألخ ــوة‪ ،‬والش ــعور برابط ــة التض ــامن والتع ــاون ب ــني املس ــلمني‪ ،‬فيدفعـ ـ إحساسـ ـ ابة ــور‬
‫واحلاجة إىل صلة اآلخـرين واملسـامهة يف ضـاء حاجـاهت ‪ ،‬فتقـو أواصـر الـروابط االجتماعيـة بـني‬
‫(‪)2‬‬
‫النام‪ ،‬ويتعاون الكل يف معاةة احلاالت الطارئة ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ .7‬تعريف العبد حبقيقت ‪ ،‬وأن عبد ضعيف ال يستغين عن خالق طرفة عني ‪.‬‬
‫‪ .8‬شــعور املســل بوحــدة األمــة اإلســالمية‪ ،‬ومظــاهر وحــدة املســلمني يف عبــادة الصــيام كثــرية‬
‫منهــا‪ :‬كيفيــة الصــيام‪ ،‬ومنهــا و ـ البــدء بـ وو ـ االنتهــاء منـ ‪ ،‬ومنهــا‪ :‬االنتصــار علــى األهـواء‬
‫(‪)4‬‬
‫‪.‬‬ ‫والشهوات‪ ،‬ومنها‪ :‬اإل بال على العبادات‪ ،‬وغري جل‬
‫{ﱓ‬ ‫‪ .5‬الصــيام وســيلة للتقــو ‪ ،‬فهــو شــعبة عظيمــة مــن شــعب التقــو ‪ ،‬كمــا ــال تعــاىل‪:‬‬
‫ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ}‬
‫[سورة البقرة‪.]381:‬‬

‫(‪ )3‬رفع فوز ‪ ،‬الصوم‪ :‬أحكام وأثر يف بناء ا تمع املسل ‪( ،‬ف‪.)33‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬ممور فتاو ومقاالت متنوعة للشيخ ابن ابز‪.)40/35( ،‬‬
‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬املرجع السابق‪.)15/35( ،‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬الصيام ورمضان يف السنة والكتا ‪( ،‬ف‪.)197‬‬

‫‪115‬‬
‫اةاضرة السابعة‪ :‬العبادة يف اإلسالم‬

‫‪.30‬ماهدة النفس وختليصها ا علق ا من شوائب الدنيا ول مها‪.‬‬


‫‪ .33‬كسر حدة الشهوة واألهواء وهتذيبها وضبطها‪ ،‬وتضييق مار الشيطان‪ ،‬فإن نر من‬
‫ابن لدم مر الدم‪ ،‬والصوم يضيّق هذا ا ر ‪ ،‬كما أن وجاء وحصن حصني من الشهوات‪.‬‬
‫‪ .32‬تطهري البدن من األخالط الرديئـة‪ ،‬ويكسـب صـحة و ـوة‪ ،‬و ـد اعـ ف بـذل الكثـري مـن‬
‫(‪)3‬‬
‫اضا كثرية ‪.‬‬
‫األطباء‪ ،‬بل وعاةوا بذل أمر ً‬
‫‪ .31‬تطهــري النفــوم وتزكيتهــا مــن األخــالق الســيئة‪ ،‬كاألشــر والبطــر والبخــل‪ ،‬ويشــري (برشــا‬
‫بنكمـرت) أحـد املهتـدين اةـدد ل سـالم إىل بعـال اسـن الصـيام فيقـول‪" :‬فالصـوم يف اإلســالم‬
‫تعويــد للــنفس علــى الصــر واةهــاد ضــد الشــهوات اآلجيــة واحملرمــة‪ ،‬ومرا بــة هللا يف الســر والعلــن‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫واستشعار لطع احلرمان واةور؛ كي يعطف الصائ على احملرمني" ‪.‬‬
‫‪ .34‬تت ــأمل ال ــنفس حلبس ــها ع ــن الطع ــام والشـ ـرا ‪ ،‬فيش ــعر ب ــذل العبودي ــة‪ ،‬فتس ــكن إىل ر ــا‬
‫خاشعة‪ ،‬وتقف على مقادر ضعفها وع زها‪ ،‬ألن العبد يشعر أثناء صوم حباجت إىل يسـري‬
‫الطعام و ليل الشرا ‪ ،‬واحملتا إىل شيء جليل ل ‪.‬‬
‫اآلثار اإلميانية لكحج يف حياة املسكم‪:‬‬
‫‪ .3‬تكفـ ـري ال ــذنو ‪ ،‬وتطه ــري ال ــنفس م ــن شـ ـوائب املعاص ــي‪ ،‬فف ــي احل ــديث ع ــن أيب هري ــرة‬
‫‪ --◙-‬ــال‪ :‬مسع ـ رســول هللا ‪-‬ﷺ‪ -‬يقــول‪« :‬مــن حــج هلل فل ـ يرفــث ومل يفســق رجــع‬
‫(‪)1‬‬
‫أيضا ‪ -◙-‬أن رسول هللا ‪-‬ﷺ‪« :-‬احلج املرور ليس لـ جـزاء‬
‫كيوم ولدت أم » ‪ .‬وعن ً‬
‫(‪)4‬‬
‫إال اةنة» ‪.‬‬
‫‪ .2‬تقويــة اإلميــان‪ :‬فــاحلج يقـ ّـو اإلميــان‪ ،‬ويعــني علــى ديــد العهــد مــع هللا‪ ،‬ويســاعد علــى‬
‫التوبة اخلالصة والصدق‪ ،‬ويهذ النفس‪ ،‬ويرفع املشاعر ويهيج العواطف‪.‬‬

‫(‪ )3‬ممور فتاو ومقاالت متنوعة للشيخ ابن ابز (‪.)40/35‬‬


‫(‪ )2‬عماد الدين خليل‪ ،‬الوا عن اإلسالم‪( ،‬ف‪.)390‬‬
‫(‪ )1‬روا البخار ‪ ،‬بر ‪.)3424( :‬‬
‫(‪ )4‬مسند أمحد‪ ،‬بر ‪.)5542( :‬‬

‫‪116‬‬
‫اةاضرة السابعة‪ :‬العبادة يف اإلسالم‬

‫‪ .1‬تــذكري املســل مباضــي اإلســالم التليــد وجهــاد النـ ‪-‬ﷺ‪ -‬والســلف الصــاحل الــذين أ روا‬
‫الدنيا ابلعل والعمل الصاحل‪.‬‬
‫‪ .4‬تعويد اإلنسـان علـى الصـر وحتمـل املتاعـب وتربيـة الـنفس علـى االنضـباط والتـزام األوامـر‬
‫واجتنا النواهي‪.‬‬
‫‪ .5‬غــرم روح العبوديــة الكاملــة يف الــنفس‪ ،‬وإظهــار التــذلل واخلضــور هلل تعــاىل‪ ،‬ففــي احلــج‬
‫الت ـزام كامــل نوانــب تعبديــة ضــة مــن حيــث الزمــان واملكــان والطريقــة والعــدد‪ ،‬و ــد ال يــدرك‬
‫(‪)3‬‬
‫وخضوعا لشرع ‪.‬‬
‫ً‬ ‫تعبدا هلل‪ ،‬والتز ًاما أبمر ‪،‬‬
‫ايعا ً‬
‫املكلف احلكمة الكاملة منها‪ ،‬لكن أييت ا ً‬
‫‪ .9‬يــمد احلــج إىل تعــارف أبنــاء األمــة اإلســالمية علــى اخــتالف ألـواهن ولغــاهت وأوطــاهن ‪،‬‬
‫احدا أمام أعدائه ‪.‬‬
‫كما يمد إىل مذاكرة شمون املسلمني العامة‪ ،‬وو وفه ص ًفا و ً‬
‫‪ .7‬تــذكري املســل بيــوم احلشــر األكــر وا ــول األعظـ ‪ ،‬ألهنـ يفــار ون املــال واألهــل‪ ،‬وي كــون‬
‫أماكن االستيطان‪ ،‬ويقفون يف صعيد واحد منقطعني عن عالئق الدنيا‪ ،‬يتساو يف جل غنـيه‬
‫غري الغفران‪ ،‬وال غاية سو رضا الرمحن‪.‬‬ ‫وفقريه ‪ ،‬عزيزه وجليله ‪ ،‬ال ه‬
‫ويص ــف (ول ديورانـ ـ ) بع ــال اس ــن احل ــج ءع ــا فيق ــول‪" :‬لفريض ــة احل ــج العظيم ــة‬
‫تقو إميان املسلمني واستمساكه بدينه ‪ ،‬و ّكن الصلة ـذا العمـل‬ ‫أغراض وفوائد كثرية‪ ،‬فهي ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫العاطفي اةماعي بني املسل ودين وبين وبـني إخوانـ املـممنني" ‪ ،‬وأظـن أنـ مـن الصـعب علينـا‬
‫{ﲆ ﲇ‬ ‫أن حنصــر تل ـ املنــافع ايعهــا‪ ،‬ويغنينــا عــن جل ـ كل ـ أن جــت بقول ـ تعــاىل‪:‬‬
‫ﲈ} [سورة احلج‪.]28:‬‬

‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬بدائع الصنائع‪.)338/2( ،‬‬


‫(‪ )2‬صة احلضارة‪.)327/31( ،‬‬

‫‪117‬‬
‫اةاضرة الثامنة‪ :‬األخالق يف اإلسالم‬

‫اةاضرة الثامنة‬
‫األخالق يف اإلسالم‬

‫‪118‬‬
‫اةاضرة الثامنة‪ :‬األخالق يف اإلسالم‬

‫‪ ‬أهداف الدرس‪:‬‬
‫حث عليها اإلسالم‪.‬‬
‫‪ -‬أن يعرف الطالب األخالق المل َّ‬
‫‪ -‬أن يدرك الطالب أمهية األخالق يف ا تمع‪ ،‬وحتصين ابألخالق الفاضلة‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫اةاضرة الثامنة‪ :‬األخالق يف اإلسالم‬

‫لألخــالق يف اإلســالم منزلــة عظيمــة ومكانــة جليلــة‪ ،‬و ــد جعــل هللا األخــالق الفاضــلة مــن‬
‫خصــال التقــو ‪ ،‬وال تــت التقــو إال ــا‪ ،‬وجــاءت النصــوف العديــدة يف الكتــا والســنة اآلمــرة‬
‫ابألخالق الفاضلة واملبينة ملكانتها ومنزلتها‪.‬‬

‫تعريف األخالق‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫{ﱁ ﱂ‬ ‫األخو ق لغوة‪ :‬اـع خلـق‪ ،‬ويطلـق علــى الـدين والطبـع والسـ ية ‪ ،‬ـال تعــاىل‪:‬‬
‫ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ} [سورة الشعراء‪]317:‬‬
‫واصط هحا‪:‬‬
‫هــو هيئــة للــنفس راســخة تصــدر عنهــا األفعــال بســهولة ويُســر مــن غــري حاجــة إىل فكــر‬
‫وروية‪ ،‬فاخللق‪ :‬صفة مستقرة يف النفس‪ ،‬جات ل ر يف السلوك‪ ،‬مودة أو مذمومة‪.‬‬

‫أسس األخالق ومصادرها يف اإلسالم‪:‬‬


‫تســتند األخــالق يف اإلســالم إىل عــدة أســس فطريــة‪ ،‬وعقليــة‪ ،‬ووجدانيــة إميانيــة‪ ،‬وت ـرتبط‬
‫ارتباطًا وثي ًقا ابلشرر وأدلت ‪ ،‬نشري إىل تل األسس واملصادر ءناز يف النقاط التالية‪:‬‬

‫املصدر الفطري لألخالق‪:‬‬


‫لقد خلق هللا النام على الفطرة السليمة المل يل إىل مكارم األخالق وتنفـر مـن رجائلهـا‪،‬‬
‫وخلـق‪ ،‬ـال تعـاىل‪{ :‬ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ}‬ ‫ولقد خلق هللا اإلنسان يف أحسـن خلـق ُ‬
‫[سورة التني‪ ،]4:‬وند اإلنسان يف أعماق نفس ـوة حتـذر مـن فعـل الشـر إجا أغـر بـ وهـو مـا‬
‫(‪)2‬‬
‫يســمى دافــع الضــمري ‪ ،‬ولكــن هــذ املســمولية الوجدانيــة ــد ختبــو إجا مل تكــن تنطلــق مــن دافــع‬
‫أعظـ ـ وه ــو ال ــدافع اإلمي ــاين ومرا ب ــة هللا تع ــاىل‪ ،‬وه ــذا م ــا ميي ــز املس ــل ع ــن غ ــري ‪ ،‬م ــع اخ ــتالف‬
‫املسلمني فيما بينه يف هذ املرا بة‪.‬‬

‫(‪ )3‬ابن منظور‪ ،‬لسان العر ‪ ،‬مادة‪ :‬خلق‪.‬‬


‫(‪ )2‬أمحد أمني‪ ،‬كتا األخالق‪( ،‬ف‪.)98‬‬

‫‪111‬‬
‫اةاضرة الثامنة‪ :‬األخالق يف اإلسالم‬

‫و د أخر الن ‪-‬ﷺ‪ -‬األشج بن يس ‪ -◙-‬ما فطر علي من خصال محيدة‪ ،‬ال‬
‫‪-‬ﷺ‪« :-‬إن في خلصلتني طبهما هللا ورسـول ‪ :‬احللـ ‪ ،‬واأل ة»‪ ،‬ـال‪ًّ :‬ي رسـول هللا ـدميًا كـان‬
‫(‪)3‬‬
‫يف أو حديثًا؟ ال‪ ( :‬دميًا)‪ ،‬ال‪ :‬احلمد هلل الذ جبلين على خلقني طبهما ‪.‬‬
‫وإجا كان األخالق يف أصلها فطرية‪ ،‬فالنام يتفاوتون يف الصـفات اخللقيـة بقـدر تفـاوت‬
‫الفطرة المل فطـروا عليهـا مـن األخـالق الفاضـلة‪ ،‬و ـد أخـر النـ ‪-‬ﷺ‪ -‬مـا يثبـ هـذا التفـاوت‬
‫الفطــر يف الطبــار اخللقيــة‪ ،‬ــال ‪-‬ﷺ‪« :-‬النــام معــادن كمعــادن الــذهب والفضــة خيــاره يف‬
‫(‪)2‬‬
‫اةاهلية خياره يف اإلسالم إجا فقهـوا» و ـال ‪-‬ﷺ‪ -‬مرش ًـدا إىل هـذا املصـدر الفطـر املميـز‬
‫بـ ــني اخلـ ــري والشـ ــر‪« :‬الـ ــر حس ـ ـن اخللـ ــق‪ ،‬واإلمث مـ ــا حـ ــاك يف نفس ـ ـ وكره ـ ـ أن يطلـ ــع علي ـ ـ‬
‫(‪)1‬‬
‫النام» ‪.‬‬
‫املصدر العقكي لألخالق‪:‬‬
‫فمكارم األخالق يستحسنها العقل السلي ويميدها وطث عليها‪ ،‬خبالف رجائل األخالق‬
‫الـمل تعارضــها الفطــر والعقـول الســليمة‪ ،‬إال إجا شــا ا شـيء مــن االحنـراف فأصـبح تــر املنكــر‬
‫منكرا‪.‬‬
‫معروفًا واملعروف ً‬
‫املصدر التعكيمي املكتسب‪:‬‬
‫وهو مصدر من مصادر األخالق احلميدة‪ ،‬فاألخالق نانب كوهنا فطرية وعقلية فهي‬
‫أيضا تكتسب ابلعل والتعل ‪ ،‬وجاءت رسالة األنبياء ‪-‬عليه السالم‪ -‬داية اخللق إىل‬
‫مكتسبة ً‬
‫{ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ‬ ‫الصراط املستقي ‪ ،‬وتعليمه اخلري وكل خلق حسن‪ ،‬وتزكيته كما ال تعاىل‪:‬‬
‫ﱒﱓﱔﱕﱖﱗﱘﱙﱚﱛﱜﱝﱞﱟ‬

‫[سورة اةمعة‪ ]2:‬وكان من دعائ ‪-‬ﷺ‪« :-‬الله انفعين مبا علمتين‪،‬‬ ‫ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ}‬
‫(‪)4‬‬
‫علما» ‪.‬‬
‫وعلمين ما ينفعين‪ ،‬وزدين ً‬

‫(‪ )3‬صحيح ابن حبان‪ ،‬بر ‪.)7201( :‬‬


‫(‪ )2‬روا البخار ‪ ،‬بر ‪.)1201( :‬‬
‫(‪ )1‬روا مسل ‪ ،‬بر ‪.)2115( :‬‬
‫(‪ )4‬سنن النسائي‪ ،‬بر ‪.)7898( :‬‬

‫‪111‬‬
‫اةاضرة الثامنة‪ :‬األخالق يف اإلسالم‬

‫املصدر اإلمياني اجلزائي‪:‬‬

‫خري فهو املصدر األصل يف األخالق‪ ،‬فاإلميان ومرا بة هللا تعاىل‬ ‫وهذا املصدر وإن‬
‫الذ أعد هللا ملن لمن ب وحسن خلق مصدر من أعظ‬ ‫اةزاء والثوا‬ ‫والتطلع إىل جل‬
‫والسنة احملفزة على عمل اخلري واملهذبة‬ ‫مصادر األخالق للمسل ‪ ،‬وما أكثر نصوف الكتا‬
‫الصفات اخللقية العالية يقول تعاىل‪:‬‬ ‫لسلوك املسل ‪ ،‬ففي معرض مدح املتقني من أصحا‬
‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ‬

‫ﱎﱏﱐﱑﱒﱓﱔﱕﱖﱗﱘﱙﱚ‬

‫{ﲶ ﲷ ﲸ}‬ ‫[سورة لل عمران‪ .]314-311:‬ويقول تعاىل‪:‬‬ ‫ﱛ ﱜ}‬

‫[سورة البقرة‪ ]81:‬وأيمر هللا عباد املممنني أن يقولوا للنام الكالم احلسن ح ال يكون‬
‫ومدخال‪.‬‬
‫ً‬ ‫للشيطان‬

‫فاملص ــدر واألس ــام اإلمي ــاين اةزائ ــي يف اإلس ــالم م ــن أعظ ـ أس ــس مك ــارم األخ ــالق يف‬
‫اإلسالم‪.‬‬

‫مكانة األخالق يف اإلسالم‪:‬‬

‫األخــالق الكرميــة تــدعو إليهــا الش ـرائع اإل يــة والفطــر الســليمة‪ ،‬فالبشــر كــانوا وال يزالــون‬
‫يع ــدون الص ــر والعف ــة والشـ ـ اعة والع ــدل والص ــدق أخال ً ــا فاض ــلة ُطم ــد ص ــاحبها‪ ،‬وينب ــذون‬
‫نقيضها من الصفات القبيحة‪ ،‬وجاءت الشرائع اإل ية للـدعوة إىل مكـارم األخـالق مـع التحـذير‬
‫من التخلق ابألخالق الذميمة‪.‬‬

‫ولألخ و ق يف ا‪:‬س و م م انووة م مووة جل لووة‪ ،‬ويظهــر جل ـ مــن خــالل تل ـ النصــوف‬


‫(‪)3‬‬
‫الكثرية من كتا هللا وسنة رسول ‪-‬ﷺ‪ -‬الداعية إىل مكارم األخالق واحملذرة من مساوئها ‪.‬‬

‫(‪ )3‬اع موسوعة نضرة النعي يف أخالق سيد املرسلني مادة كبرية من تل النصوف‪ ،‬فمـن أراد االسـتزادة فليطلـع علـى‬
‫هذ املوسوعة املهمة يف موضوعها‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫اةاضرة الثامنة‪ :‬األخالق يف اإلسالم‬

‫تعوود األخ و ق احلم وودة مقص و هدا موون مقاصوود بعثتووه الن ـ ‪-‬ﷺ‪ -‬عنــدما‪ ،‬ــال‪« :‬بعث ـ‬
‫(‪)3‬‬
‫أل ـ حســن األخــالق» ‪ ،‬ويف روايــة‪« :‬مكــارم األخــالق»‪ ،‬وكــأن جــوهر اإلســالم اــع يف هــذا‬
‫املقصــد العظــي ‪ ،‬وال شـ أن خلووق املسوول‪ :‬ال يسووتق ‪ :‬وال يثوواب مل ووه إن مل ي وون ا همووا ملووة‬
‫أصل توح د هللا تعاىل‪.‬‬
‫ال ‪-‬ﷺ‪« :-‬أكمل املممنني إميا ً أحسنه خل ًقا»‪.‬‬
‫ف ــاء االرتقــاء يف مراتــب اإلميــان مقــرو ً ابالرتقــاء يف درجــات حســن اخللــق‪ ،‬وبـ ّـني الن ـ‬
‫‪-‬ﷺ‪ -‬مكــان حســن اخللــق يف ميـزان العبــد‪ ،‬ــال ‪-‬ﷺ‪« :-‬مــا مــن شــيء أثقــل يف امليـزان مــن‬
‫(‪)2‬‬
‫حسن اخللق‪ ،‬وإن هللا يبغال الفاحش البذ ء» ‪.‬‬
‫وابألخــالق الفاضــلة يتنــزل املســل منزلــة ال يتنز ــا غــري ــال ‪-‬ﷺ‪« :-‬إن املــممن ليــدرك‬
‫(‪)1‬‬
‫حبسن خلق درجة الصائ القائ » ‪.‬‬
‫ملة أن حسن االق ال يغين مون توح ود هللا تعواىل وفو وض العبوا ات‪ ،‬ألنـ ال يتحقـق‬
‫ممدًّي للفرائال المل أمر هللا ا‪.‬‬
‫ً‬ ‫اإلميان املذكور يف احلديث إجا مل يكن صاحب‬
‫وهــذا يــدل علــى أن حســن اخللــق يشــتمل علــى اــار أفعــال اخلــري‪ ،‬و ــد جــاءت نصــوف‬
‫الكتا والسنة داعية إىل التخلق ابألخالق الفاضلة وح ّذرت من مساو األخالق‪ ،‬ال رسول‬
‫(‪)4‬‬
‫هللا ‪-‬ﷺ‪« :-‬اتق هللا حيثما كن ‪ ،‬واتبع السيئة احلسنة حها‪ ،‬وخالق النام خبلق حسن» ‪.‬‬
‫{ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ‬ ‫ـذرا م ــن األخ ــالق الذميم ــة وأهله ــا‪:‬‬
‫و ــال تع ــاىل ـ ً‬
‫ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ} [سورة القل ‪.]31-30:‬‬
‫{ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ‬ ‫و ــا وصــى ب ـ لقمــان ابن ـ ــال تعــاىل‪:‬‬
‫ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖ ﳗ} [سورة لقمان‪.]38:‬‬

‫(‪ )3‬روا البخار ‪ ،‬بر ‪.)1199( :‬‬


‫(‪ )2‬سنن أيب داود‪ ،‬بر ‪.)4755( :‬‬
‫(‪ )1‬سنن أيب داود‪ ،‬بر ‪.)4758( :‬‬
‫(‪ )4‬سنن ال مذ ‪ ،‬بر ‪.)3587( :‬‬

‫‪113‬‬
‫اةاضرة الثامنة‪ :‬األخالق يف اإلسالم‬

‫وال غ ــرو أن تكـ ــون لألخ ــالق احلميـ ــدة تل ـ ـ املنزلـ ــة يف اإلسـ ــالم‪ ،‬و ــد جـ ــاءت الش ـ ـريعة‬
‫اإلس ــالمية لتحقي ــق املص ــاحل ودرء املفاس ــد‪ ،‬ف ــاءت لل ــدعوة إىل ك ــل خل ــق فاض ــل‪ ،‬واجتن ــا‬
‫نقــائص األخــالق‪ ،‬وابألخــالق الفاضــلة تتحقــق مرضــاة هللا تعــاىل‪ ،‬واألخــالق مطلــب غـ إ‬
‫ـال يف‬
‫حياة اإلنسـان بصـفة عامـة‪ ،‬ويف حيـاة املسـل بصـفة خاصـة‪ ،‬يقـول دمحم عبـدهللا دراز‪ " :‬ـد يكـون‬
‫يف وســع اإلنســان أن يســتغين طــول حيات ـ عــن بعــال مســائل العل ـ واملعرفــة فــال ختطــر ل ـ ببــال‪،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫أحدا لن يستطيع أن لي مه من املسألة األخال ية طرف عني" ‪.‬‬ ‫ولكن ً‬
‫ومـ ــن مكانـ ــة األخـ ــالق يف اإلسـ ــالم أن العبـ ــادات ال تنفـ ــع صـ ــاحبها إن كـ ــان يف سـ ــلوك‬
‫وأخال ـ ومعامالت ـ مــع النــام ســيئًا ظالـ ـ ًما كمــا ورد يف احلــديث‪ ،‬ــال ‪-‬ﷺ‪« :-‬أتــدرون مــن‬
‫املفلــس؟» ــالوا‪ :‬املفلــس فينــا مــن ال درهـ لـ وال متــار‪ ،‬ــال‪« :‬إن املفلــس مــن أييت يــوم القيامــة‬
‫بصــالة وصــيام وزكــاة‪ ،‬وأييت و ــد شــت هــذا‪ ،‬وأكــل مــال هــذا‪ ،‬وســف دم هــذا‪ ،‬وضــر هــذا‪،‬‬
‫فيعطـي هــذا مــن حســنات ‪ ،‬وهــذا مـن حســنات ‪ ،‬فــإن فنيـ حســنات بـل أن يقضــي مــا عليـ أخــذ‬
‫(‪)2‬‬
‫من خطاًّيه فطرح علي مث طرح يف النار» ‪.‬‬
‫ويف احلديث داللة علـى بو ـا‪ ،‬وإامـا جهبـ عنـ يـوم القيامـة جـزاء إسـاءت مـع النـام وهللا‬
‫أعل ‪.‬‬
‫ومكارم األخالق يف اإلسالم ضرورة اجتماعية تعني على اس ا تمعات وتعاوهنا‪ ،‬و د‬
‫وردت نص ــوف كث ــرية ت ــدعو إىل تعمي ــق أواص ــر احملب ــة والتع ــاون يف ا تمع ــات اإلس ــالمية‪ ،‬وم ـ‬
‫فقـدت تلـ األواصــر تفكـ أفـراد ا تمـع وتصــارعوا علـى أســام املنفعـة واملصــلحة مهمـا بلغـ‬
‫تل ا تمعات من التقدم العلمي والتقين‪ ،‬فكيف تكون الثقة ابلعلوم واملعارف وضمان احلقـوق‬
‫إجا فق ــدت فض ــيلة الص ــدق؟! كي ــف تك ــون أم ــة ــادرة عل ــى إنش ــاء حض ــارة ُمثل ــى ل ــوال فض ــائل‬
‫التآخي والتعاون واحملبة واإليثار؟! إن األخـالق الفاضـلة يف األفـراد واةماعـات ثِّـل املعـامل الثابتـة‬
‫المل تقوم عليها الروابط االجتماعية ويرتكز عليها صالح ا تمعات‪ ،‬ويف احلديث ال ‪-‬ﷺ‪:-‬‬
‫(‪)1‬‬
‫«إجا أاتك من ترضون خلق ودين فزوجو ‪ ،‬إال تفعلوا تكن فتنة يف األرض وفساد عريال» ‪.‬‬

‫(‪ )3‬دراسات إسالمية‪( ،‬ف‪.)300‬‬


‫(‪ )2‬روا مسل ‪ ،‬بر ‪.)2853( :‬‬
‫(‪ )1‬روا ال مذ وابن ماجة وحسن األلباين يف صحيح اةامع‪.)270( ،‬‬

‫‪114‬‬
‫اةاضرة الثامنة‪ :‬األخالق يف اإلسالم‬

‫ولو مل يكن بقدرة اإلنسان تعلـ األخـالق الفاضـلة واكتسـا ا‪ ،‬والقـدرة علـى الـتخلص مـن‬
‫بعال الصفات الذميمـة‪ ،‬و نبهـا لكـان يف جلـ منافـاة ألصـل االبـتالء والتكليـف‪ ،‬إج مـن عـدل‬
‫نفســا إال وســعها‪ ،‬ــال تعــاىل‪{ :‬ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ} [ســورة‬
‫هللا ورمحت ـ أال يكلــف ً‬
‫البقرة‪.]289 :‬‬
‫ـادرا علـى اكتسـا ـدر مـن األخـالق الفاضـلة ملـا كلفـ هللا بـذل ‪،‬‬ ‫فلو مل يكن اإلنسـان ً‬
‫كبريا من األخالق الفاضـلة مكتسـبة عـن طريـق الـتعل وماهـدة الـنفس‬ ‫درا ً‬ ‫وبناء على جل فإن ً‬
‫عل ــى اكتس ــا ا‪ ،‬فكم ــا أن ل ــد اإلنس ــان اس ــتعداد لل ــتعل فلديـ ـ ك ــذل اس ــتعداد و ــدرة عل ــى‬
‫اكتسا األخالق‪ ،‬فاألخالق فطرية وجدانية مكتسبة‪.‬‬

‫خصائص األخالق يف اإلسالم‪:‬‬


‫‪ -1‬ران ة املصدر‪:‬‬
‫وهــذ مــن أحســن اســن األخــالق يف اإلســالم أن تســتمد مشــروعيتها ومصــدريتها مــن‬
‫كتــا هللا وســنة رسـول ‪-‬ﷺ‪ ،-‬فليسـ إنســانية املصــدر كمــا هــو حــادث يف أصــول األخــالق‬
‫الغربية املادية كما بينا جل ‪ ،‬مع أن أصـلها فطـر جـاء اإلسـالم ليمكـدها وطـث عليهـا وينميهـا‪،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫كما أخر الن ‪-‬ﷺ‪« :-‬إاما بعث أل مكارم األخالق» ‪.‬‬
‫‪ -2‬االرتباط الوث ق بني العق دة والعبا ة واألخ ق‪:‬‬
‫وال شـ ـ أن ك ــل م ــن يق ــف عل ــى اآلًّيت واألحادي ــث املتقدم ــة ي ــدرك يقينً ــا أن اةان ــب‬
‫األخال ــي ل ـ مكانت ـ الكــر يف مي ـزان هللا؛ وأن ـ أصــيل وجــوهر يف بنيــان هــذا الــدين‪ ،‬وأن ـ ال‬
‫ميكن تصور انفصام الصلة بني األخالق وبني سائر جوانب الدين األخر سواء أكانـ عقيـدة‬
‫أو شريعة أو دعوة إىل دين هللا تعاىل‪.‬‬
‫أ‪ -‬ففي جانحل العقا د جند الت فم التام ب نها وبني األخ ق ح صار غيا ـا أو ضـعفها‬
‫(‪)2‬‬
‫‪-‬ﷺ‪-‬‬ ‫وبني‬
‫ممج ً بضعف اإلميان أو نقصان كما ال ‪-‬ﷺ‪« :-‬ال إميان ملن ال أمانة ل » ‪ّ ،‬‬

‫(‪ )3‬روا البيهقي‪.)352/30( ،‬‬


‫(‪ )2‬روا أمحد (‪ ،)33575‬وصحح األلباين يف صحيح اةامع (‪.)31315‬‬

‫‪115‬‬
‫اةاضرة الثامنة‪ :‬األخالق يف اإلسالم‬

‫ايعــا‪ ،‬إجا رفــع أحــدمها رفــع‬


‫اال ـ ان الشــديد بــني اإلميــان واحليــاء‪ ،‬فقــال‪« :‬احليــاء واإلميــان ــر ً‬
‫(‪)3‬‬
‫اآلخر» ‪.‬‬
‫ـا إىل هللا إال وزينـ‬ ‫ب‪ -‬ويف جانحل العبا ات واملعام ت عد أن ما من عبـادة يتقـر‬
‫وا ن أبخالق فاضلة‪ ،‬وهني فيها عن أخالق مرجولة‪ ،‬وكذل احلال يف املعامالت والعادات‪.‬‬
‫فف ـ ـ ــي الص ـ ـ ــالة أخ ـ ـ ــر هللا تع ـ ـ ــاىل أهن ـ ـ ــا‪{ :‬ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ} [س ـ ـ ــورة‬
‫العنكبوت‪]45 :‬‬
‫ويف الزكاة ال تعاىل‪{ :‬ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ} [سورة التوبة‪]301:‬‬
‫{ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ‬ ‫ويف الص ـ ـ ـ ــوم ـ ـ ـ ـ ــال تعـ ـ ـ ـ ــاىل‪:‬‬
‫ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ} [س ـ ـ ـ ــورة البق ـ ـ ـ ــرة‪ ،]381:‬و ـ ـ ـ ــال النـ ـ ـ ـ ـ ‪-‬ﷺ‪:-‬‬
‫«الصــيام جنــة‪ ،‬وإجا كــان يــوم صــوم أحــدك فــال يرفــث وال يصــخب‪ ،‬فــإن ســاب أحــد أو اتل ـ‬
‫(‪)2‬‬
‫فليقل إين امرؤ صـائ » ‪ ،‬و ـال ‪-‬ﷺ‪« -‬مـن مل يـدر ـول الـزول‪ ،‬والعمـل بـ ‪ ،‬فلـيس هلل حاجـة‬
‫(‪)1‬‬
‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ‬ ‫يف أن ي ــدر طعامـ ـ وشـ ـراب » ‪ ،‬ويف احل ــج ــال تع ــاىل‪:‬‬
‫ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ} [سورة البقرة‪.]357:‬‬
‫ويف العال ات الزوجية ال تعاىل‪{ :‬ﲱ ﲲ ﲳ} [سـورة النسـاء‪ ،]35:‬و ـال‬
‫{ﳄ‬ ‫ســبحان ‪{ :‬ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ} [ســورة البقــرة‪ ،]225:‬و ــال ســبحان ‪:‬‬
‫ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ} [سـورة البقــرة‪ ،]217:‬ويف البيـور واملعــامالت املاليــة‬
‫(‪)4‬‬
‫مسحـا وإجا‬
‫مسحا إجا ابر‪ً ،‬‬
‫عبدا ً‬
‫أيضا‪« :‬رح هللا ً‬
‫ال ‪-‬ﷺ‪« :-‬من غشنا فليس منا» ‪ ،‬و ال ً‬
‫(‪)5‬‬
‫مسحا إجا ا تضى» ‪.‬‬
‫اش ‪ً ،‬‬

‫احلاك يف املستدرك (‪ ،)58‬وصحح األلباين يف صحيح اةامع (‪.)2481‬‬ ‫(‪ )3‬روا‬


‫البخار (‪ ،)3504‬ومسل (‪.)3353‬‬ ‫(‪ )2‬روا‬
‫البخار (‪.)3501‬‬ ‫(‪ )1‬روا‬
‫مسل (‪.)303‬‬ ‫(‪ )4‬روا‬
‫البخار (‪.)2079‬‬ ‫(‪ )5‬روا‬

‫‪116‬‬
‫اةاضرة الثامنة‪ :‬األخالق يف اإلسالم‬

‫ويف كلمة جامعة تع كل معاملة أمر ‪-‬ﷺ‪ -‬ابإلحسـان يف كـل شـيء‪ ،‬حـ فيمـا يتصـور‬
‫البعال أن ال موضع ل ‪ ،‬وهو جبح احليوان ليأكل‪ ،‬فقال ‪-‬ﷺ‪« :-‬إن هللا كتب اإلحسان علـى‬
‫كل شيء‪ ،‬فإجا تلت فأحسنوا القتلـة‪ ،‬وإجا جحبـت فأحسـنوا الذحبـة‪ ،‬وليحـد أحـدك شـفرت ولـريح‬
‫(‪)3‬‬
‫جبيحت » ‪.‬‬
‫‪ -‬ويف جانــب الــدعوة إىل هللا تعــاىل يلحــظ املطــالع لســرية الن ـ ‪-‬ﷺ‪ -‬أحســن خلق ـ‬
‫وكــر خصــال كــان ل ـ ثــري كبــري يف نفــوم املــدعوين‪ ،‬كمــا كــان ســببًا يف إســالم عــدد كبــري مــن‬
‫الصحابة األوائل الذين عرفوا الن ‪-‬ﷺ‪ -‬عن ر بل البعثة وخـروا أخال ـ ‪ ،‬وأيقنـوا اسـتحالة‬
‫أن يدر الكذ على اخللق مث يكذ على اخلالق ▐‪.‬‬
‫ولعــل يف مو ــف خدنــة ‪ -▲-‬حينمــا نــزل جريــل علــى النـ ‪-‬ﷺ‪ -‬يف غــار حـراء‬
‫ـحا يف هـذا الصـدد‪ ،‬فقـد رجـع ‪-‬ﷺ‪ -‬إليهـا‪« :‬يرجـف فـماد ‪ ،‬فـدخل علـى‬
‫اموججـا واض ً‬
‫أول مرة ً‬
‫خدنــة بن ـ خويلــد ‪ -▲-‬فقــال‪ :‬زملــوين زملــوين‪ ،‬فزملــو ح ـ جهــب عن ـ الــرور‪ ،‬فقــال‬
‫خلدنة وأخرها اخلـر‪ :‬لقـد خشـي علـى نفسـي‪ ،‬فقالـ خدنـة‪ :‬كـال وهللا مـا زيـ هللا أب ًـدا‪،‬‬
‫إنـ ـ لتص ــل ال ــرح ‪ ،‬وحتم ــل الك ـ ّـل‪ ،‬وتكس ــب املع ــدوم‪ ،‬وتق ــر الض ــيف‪ ،‬وتع ــني عل ــى نوائ ــب‬
‫(‪)2‬‬
‫احلق» ‪.‬‬
‫وال ش ـ أن ـ ــد رســخ يف يقــني خدنــة ‪ -▲-‬اســتحالة أن ــز هللا رجـ ًـال كــالن‬
‫أبدا‬
‫‪-‬ﷺ‪ ،-‬ل مثل هذ اخلصال والشمائل‪ ،‬واستدل على‪" :‬ما أ سم علي من نفي جل ً‬
‫أبم ـ ــر اس ـ ــتقرائي‪ ،‬وص ـ ــفت أبص ـ ــول مك ـ ــارم األخ ـ ــالق‪ ،‬ألن اإلحس ـ ــان إم ـ ــا إىل األ ـ ــار أو إىل‬
‫األجانب وإما ابلبدن أو ابملال‪ ،‬وإما على من يستقل أبمر أو من ال يستقل‪ ،‬وجل كل ممور‬
‫(‪)1‬‬
‫فيما وصفت ب " ‪.‬‬

‫(‪ )3‬روا مسل (‪)3555‬‬


‫(‪ )2‬روا البخار (‪ ،)4‬ومسل (‪)390‬‬
‫(‪ )1‬فتح البار ‪ ،‬ابن ح ر العسقالين‪.)24/3( ،‬‬

‫‪117‬‬
‫اةاضرة الثامنة‪ :‬األخالق يف اإلسالم‬

‫اارتباط بني األخالق والثواب والعقاب يف اإلسالم‪:‬‬


‫رتب ـ الش ـريعة اإلس ــالمية املثوبــة العظيم ــة يف الــدنيا واآلخ ــرة ملــن امتث ــل ألمــر هللا تع ــاىل‬
‫أخل أبمر هللا‬
‫وختلق ابخللق احلسن يف معامالت وسلوك ‪ ،‬ويف املقابل رتب العقوبة واحلسا ملن َّ‬
‫تعــاىل‪ ،‬وشــرع العقــوابت يف الــدنيا ج ـزاءً‪ ،‬فحــني ال تثمــر وال تــمثر امل ـواعظ والق ـوارر لصــاحب‬
‫اخللــق الســيئ تكــون العقوبــة ضــرورة شــرعية لســالمة ا تمــع اإلنســاين درءًا عــن املخــاطر الــمل ــد‬
‫حتــدق اب تمــع أبكمل ـ ‪ ،‬فشــرع عقوبــة الســر ة عنــدما يهــدد أمــن ا تمــع وســالمت ‪ ،‬وحــني ال‬
‫يرتــدر الســارق عــن فعل ـ بقـوارر النصــوف الشــرعية‪ ،‬وحلمايــة خلــق احليــاء والعفــة شــرع عقوبــة‬
‫الز ‪ ،‬وصيانة للعدل وحفاظًا على األنفس من القتل شرع عقوبة القصاف‪ ،‬ومحاية للعقل مـن‬
‫الضــيار ومــا ي تــب علــى فســاد العقــول عنــد شــر اخلمــر مــن ضـيار وو ــور يف مفاســد األخــالق‬
‫شــرع عقوبــة شــر اخلمــر‪ ،‬إىل غــري جل ـ مــن العقــوابت الشــرعية الــمل شــرع ؛ حفاظًــا علــى‬
‫األخالق احلميدة من الضيار‪ ،‬ومحاية من الو ور يف مفاسد األخالق ومساوئها‪.‬‬
‫‪ -3‬الشمول‪:‬‬
‫ف ــاألخالق ت ــدخل يف ك ــل م ــاالت ال ــنفس اإلنس ــانية الظ ــاهرة منه ــا والباطن ــة‪ ،‬فتش ــمل‬
‫جانــب االعتق ــاد‪ ،‬والقلــب‪ ،‬وال ــنفس‪ ،‬والس ــلوك‪ ،‬وتشــمل ش ــمون احلي ــاة كلهــا‪ ،‬فه ــي جات ص ــلة‬
‫ابلعقيدة والعبادة واملعامالت وخمتلف العال ات‪.‬‬
‫واألخــالق يف اإلســالم تشــمل عال ــة اإلنســان خبالق ـ ‪ ،‬وبنفس ـ وبــين جنس ـ ‪ ،‬بــل و تــد‬
‫لتشمل عال ة اإلنسان ببقية املخلو ات األخر ‪.‬‬
‫ففووي جمووال م ووة ا‪:‬نسووان قالقووه ي و خلووق ا‪:‬خ و ص والصوودق بعيـ ًـدا عــن ال ـرًّيء‬
‫والنفاق‪.‬‬
‫‪ -‬ويف العبادة إخالف العبادة هلل تعاىل‪.‬‬
‫‪ -‬ومن فضائل أخالق القلب حب احلق وحب اخلري‪.‬‬
‫‪ -‬ومن فضائل أخالق النفس الصر والعفة والبعد عن احلسد‪.‬‬
‫ويف مال املعامالت والسلوك أييت خلق احلياء والصدق واإلحسان إىل اآلخرين‪ ،‬وتشـمل‬
‫السلوك الفرد واالجتماعي‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫اةاضرة الثامنة‪ :‬األخالق يف اإلسالم‬

‫‪ -4‬حتق ق العبو ية هلل تعاىل‪:‬‬


‫ومــن خصــائص األخــالق يف اإلســالم ابتغــاء وج ـ هللا تعــاىل والفــوز برض ـوان ‪ ،‬وهــي ســبب‬
‫موص ــل إىل أع ــاا اةن ــان ي ــوم القيام ــة‪ ،‬وليسـ ـ أخال ً ــا نفعي ــة كم ــا ه ــو احل ــال يف احلض ــارات‬
‫األخـر ‪ ،‬ال يقصــد ــا إال حتقيـق مصــاحل دنيويــة‪ ،‬فغايــة األخـالق يف اإلســالم حتقيــق العبوديــة هلل‬
‫تعــاىل‪ ،‬واكتســا مرضــاة هللا تعــاىل‪ ،‬وحتقيــق الســعادة يف الــدارين‪ ،‬والن ــاة مــن الشــقاء والتعاســة‬
‫وا الك يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫‪ -5‬املثال ة والوا ع ة‪:‬‬
‫إن وســطية األخــالق اإلســالمية مل تلــغ الطبيعــة البشـرية‪ ،‬بــل عملـ وتعمــل علــى توجيههــا‬
‫ابعتبارها مفاهي ضـابطة‪ ،‬تعمـل علـى توجيـ هـذ الطبيعـة‪ ،‬فهـي ال تضـاد الفطـرة وال تلغيهـا وال‬
‫(‪)3‬‬
‫تكبتها وال تقف يف سبيلها ‪.‬‬

‫‪ -6‬الثبات‪:‬‬

‫فــاألخالق يف اإلســالم ال تتغــري وال تتبــدل مــع الزمــان أو املكــان‪ ،‬كالنســبية؛ ألهنــا تعتمــد‬
‫على منهج ب ال يتغري بتغري الزمان واملكان‪ ،‬فالفضيلة بتـة ـا معاملهـا وخصائصـها‪ ،‬والرجيلـة‬
‫كذل معلومة يف اإلسالم ا معاملهـا وحـدودها‪ ،‬وال ميكـن أن تكـون الفضـيلة رجيلـة أو العكـس‬
‫مــع تغــري الزمــان أو املكــان‪ ،‬فالصــدق صــفة مــدح منــذ أن امتــدح هللا الصــاد ني يف كتابـ إىل يــوم‬
‫القيامة‪ ،‬وغريها من الصفات واألخـالق الفاضـلة‪ ،‬وكـذل مسـاو األخـالق والرجائـل الـمل حـذر‬
‫يوما من األًّيم خل ًقا حسنًا‪.‬‬‫منها اإلسالم ال تصبح ً‬
‫مناذج من األخالق الفاضكة يف اإلسالم‪:‬‬

‫الصدق‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫معا" ‪.‬‬
‫" الصدق‪ :‬مطابق ُ القول الضمري واملخر عن ً‬

‫(‪ )3‬فتح البار ‪ ،‬ابن ح ر العسقالين‪.)82/3( ،‬‬


‫(‪ )2‬الراغب‪ ،‬املفردات‪( ،‬ف‪.)277‬‬

‫‪119‬‬
‫اةاضرة الثامنة‪ :‬األخالق يف اإلسالم‬

‫والصدق رأم الفضائل وأسام مكارم األخالق‪ ،‬أمر هللا ب وأثو على املتصفني ب ‪ ،‬فقال‬
‫تعاىل‪{ :‬ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ} [سورة التوبة‪.]335:‬‬

‫وحــث علي ـ ‪-‬ﷺ‪ -‬وأخــر أن ـ الباعــث علــى كــل خــري واملوصــل إىل منــازل األب ـرار‪ ،‬فقــال‬
‫‪-‬ﷺ‪« :-‬علــيك ابلصــدق فــإن الصــدق يهــد إىل الــر‪ ،‬وإن الــر يهــد إىل اةنــة‪ ،‬ومــا ي ـزال‬
‫الرجــل يصــدق ويتحــر الصــدق ح ـ يكت ـب عنــد هللا صــدي ًقا‪ ،‬وإًّيك والكــذ ‪ ،‬فــإن الكــذ‬
‫يهد إىل الف ور‪ ،‬وإن الف ور يهد إىل النار‪ ،‬وما يزال الرجل يكذ ويتحر الكذ حـ‬
‫(‪)3‬‬
‫كذااب» ‪.‬‬
‫يُكتب عن هللا ً‬
‫فالصدق من مسات األنبياء واملالئكـة والصـاحلني مـن عبـاد هللا املـممنني‪ ،‬و ـد ثّـل الصـدق‬
‫يف حيات ‪ ،‬فكان أفضل مثال للصدق يف حيات ودعوت ﷺ‪.‬‬

‫احلكم‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وهو‪ :‬ضبط النفس عند شدة الغضب‪ ،‬وترك االنتقام مع القدرة علي ‪.‬‬
‫ويكفي احلل منزلة ومكانة أن وصف هللا نفس ب يف كتاب يف معرض جكر لفضل ورمحت‬
‫ومغفرت لعباد ‪ ،‬و ـد جـاءت صـفة احللـ مقرونـة بصـفات املغفـرة والعلـ والغـو والشـكر يف لًّيت‬
‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ‬ ‫عــدة‪ ،‬ــال تعــاىل‪:‬‬
‫{ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ‬ ‫ﱏ ﱐ} [س ـ ــورة البق ـ ــرة‪ ،]225:‬و ـ ــال تع ـ ــاىل‪:‬‬
‫ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ} [سورة البقرة‪.]291:‬‬
‫وختتــت ليــة املواريــث بقولـ تعــاىل‪{ :‬ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ} [ســورة‬
‫النساء‪.]32:‬‬
‫ويف مقاب وول احلل وو‪ :‬الغي ووحل‪ ،‬وهــو صــفة بيحــة عنــدما يكــون مبــدؤها االنتقــام للــنفس‬
‫والتشفي من األ ران‪.‬‬

‫(‪ )3‬دمحم أمحد بيومي‪ ،‬عل االجتمار الديين‪( ،‬ف‪.)305‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬مفردات الراغب (ف‪ ،)325‬هتذيب األخالق (ف‪.)21‬‬

‫‪121‬‬
‫اةاضرة الثامنة‪ :‬األخالق يف اإلسالم‬

‫العفة‪:‬‬
‫ضبط النفس عن الشهوات‪ ،‬واجتنا السرف يف امللذات و صد االعتدال‪.‬‬
‫والعفة من األخـالق احلميـدة الـمل حثـ الشـريعة اإلسـالمية عليهـا ورغبـ فيهـا‪ ،‬و ـد أمـر‬
‫{ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ‬ ‫هللا ــا نبي ـ ‪-‬ﷺ‪ -‬واملــممنني‪ ،‬ــال تعــاىل‪:‬‬
‫ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ} [سورة ط ‪.]313:‬‬
‫{ﲋ ﲌ‬ ‫وأثـ ــو جـ ــل وعـ ــز علـ ــى الفق ـ ـراء املتعففـ ــني عـ ــن املسـ ــألة‪ ،‬ـ ــال تعـ ــاىل‪:‬‬
‫ﲍﲎﲏﲐﲑﲒﲓﲔﲕﲖﲗﲘ‬

‫ﲙﲚﲛﲜﲝﲞﲟﲠﲡﲢﲣﲤﲥﲦ‬

‫ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ} [سورة البقرة‪.]271:‬‬
‫{ﱕ ﱖ ﱗ‬ ‫وأرشد تبارك وتعـاىل إىل العفـة ملـن مل يقـدر علـى النكـاح‪ ،‬ـال تعـاىل‪:‬‬
‫ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ} [ســورة النــور‪ ،.]11:‬وتكــون العفــة حبفــظ اللســان عــن‬
‫الق ــدح يف األعـ ـراض ابلس ــب والق ــذف‪ ،‬و ن ــب الغيب ــة والنميم ــة والفح ــش يف الق ــول‪ ،‬وك ــل م ــا‬
‫يستقبح ول ‪ ،‬والعفة عن أكل مال احلرام‪ ،‬مع العفة عن سمال النام وحفـظ الـنفس عـن التطلـع‬
‫إىل ما لد اآلخرين من متع احلياة الدنيا‪ ،‬والرضا والقناعة مبا در هللا ل نسان من األرزاق‪ ،‬مع‬
‫بذل األسبا الشرعية للكسب احلالل‪.‬‬
‫احل اء‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫ُخلق يبعث على ترك القبيح‪ ،‬ومينع من التقصري يف حق هللا تعاىل أو حقوق عباد ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ال الراغب‪ :‬احلياء انقباض النفس عن القبائح وتركها ‪.‬‬ ‫ومثل جل‬
‫واحلياء سمان‪ :‬غريز ومكتسب‪ ،‬واحلياء املكتسب هو الذ جعل الشـارر مـن اإلميـان‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫وهو املكلف ب دون الغريز ‪ ،‬و د ينطبع الشخص ابملكتسب ح يصري كالغريز‬

‫(‪ )3‬ابن القي ‪ ،‬مدار السالكني‪.)290/2( ،‬‬


‫(‪ )2‬املفردات‪( ،‬ف‪.)340‬‬
‫(‪ )1‬نضرة النعي ‪.)3758/5( ،‬‬

‫‪121‬‬
‫اةاضرة الثامنة‪ :‬األخالق يف اإلسالم‬

‫واحليــاء مــن صــفات املــوىل ‪( --‬احليــي) كمــا ورد يف احلــديث‪« :‬إن ربك ـ حيــي كــر ‪،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫صفرا‪ ،‬ليس فيهما شيء» ‪.‬‬
‫يستحي من عبد إجا رفع يدي إلي يدعو أن يردمها ً‬
‫وهو من صفات الن ‪-‬ﷺ‪ ،-‬فقد كان ‪-‬ﷺ‪ -‬أشد حياء من العـذراء يف خـدرها‪ ،‬كمـا‬
‫يـرو تلـ الصـفة أبـو سـعيد اخلـدر ‪ ‬ــال‪« :‬كـان النـ ‪-‬ﷺ‪ -‬أشـد حيـاءً مـن العــذراء يف‬
‫(‪)2‬‬
‫خدرها‪ ،‬فإجا رأ شيئًا يكره عرفنا يف وجه » ‪.‬‬
‫وكلم ــا زادت مرا ب ــة العب ــد ربـ ـ كم ــل حي ــاؤ ‪ ،‬إج املرا ب ــة حتم ــل العب ــد عل ــى االس ــتقامة يف‬
‫األ وال واألعمال‪ ،‬والبعد عما يغضب اخلالق وما يقدح يف مروءة العبد‪.‬‬
‫وم ــن هت ــاون يف الو ــور يف املعاص ــي نق ــص حي ــاؤ و لّـ ـ مروءتـ ـ ‪ ،‬ــال اب ــن الق ــي ‪( :‬م ــن‬
‫عقــوابت املعاصــي جهــا ُ احليــاء الــذ هــو مــادة حيــاة القلــب‪ ،‬وهــو أصــل كــل خــري‪ ،‬وجهاب ـ‬
‫(‪)1‬‬
‫جها اخلري أاع ) ‪.‬‬
‫وال يقــع يف الفحــش والبــذاءة إال مــن بعــد عــن خلــق احليــاء‪ ،‬وهــذا مصــداق حلــديث الن ـ‬
‫‪-‬ﷺ‪ ،-‬ــال ‪-‬ﷺ‪« :-‬إن ــا أدرك الن ــام م ــن ك ــالم النب ــوة األوىل‪ :‬إجا مل تس ــتح فاص ــنع م ــا‬
‫(‪)4‬‬
‫شئ » ‪.‬‬
‫عكو اهلمة‪:‬‬
‫(‪)5‬‬
‫يدور معناها حول‪ :‬استصغار ما دون النهاية من معاا األمور ‪.‬‬
‫وعلو ا مـة يشـمل حيـاة املسـل كلهـا يف عباداتـ ومعامالتـ ‪ ،‬وايـع شـمون حياتـ ‪ ،‬ولعـل‬
‫ا طسـن الو ـوف عنـد يف هـذا املقـام التصـال الوثيـق مب النـا‪ ،‬وحلاجـة الدارسـني إليـ ‪ ،‬ا مـة يف‬
‫ـح إليـ ا مـ ‪ ،‬وأشـرف غايـة تتسـابق إليهـا األمـ ‪ ،‬فـال لـص‬ ‫طلب العلـ ‪ ،‬والعلـ ُ أرفـع مقـام تطم ُ‬

‫(‪ )3‬سنن ال مذ ‪.)1559( ،‬‬


‫(‪ )2‬صحيح البخار ‪.)278( ،‬‬
‫(‪ )1‬الداء والدواء‪( ،‬ف‪.)313‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخار ‪.)9320( ،‬‬
‫(‪ )5‬اخلضر حسني‪ ،‬وسائل اإلصالح‪( ،‬ف‪.)57‬‬

‫‪122‬‬
‫اةاضرة الثامنة‪ :‬األخالق يف اإلسالم‬

‫إلي ـ الطال ــب دون أن يقاس ــي ش ــدائد ويتحم ــل متاع ــب‪ ،‬وال يس ــتهني ابلش ــدائد إال كب ــري ا م ــة‬
‫(‪)3‬‬
‫ماضي العزمية ‪.‬‬
‫الوسائل الرتبوية اكتساب األخالق الفاضكة‪:‬‬
‫‪ .1‬االهتـ ــداء بكتـ ــا هللا وسـ ــنة رس ـ ـول ‪-‬ﷺ‪ ،-‬و ـ ــد وصـ ــف عائشـ ــة ‪ -▲-‬الن ـ ـ‬
‫‪-‬ﷺ‪ -‬فقال ‪" :‬كان خلق القرلن"‪.‬‬
‫‪ .2‬الطمع يف م ضاة هللا وااوف مون مقابوه‪ ،‬فهـذا سـبيل املسـل يف كـل شـمون حياتـ مـن‬
‫عب ــادات وشـ ـرائع ومع ــامالت وس ــبل كس ــب األخ ــالق الفاض ــلة‪ ،‬واستحض ــار منزل ــة األخ ــالق‬
‫الفاضلة ومكانتها‪ ،‬وما أعد هللا ألهلها من الثوا اةزيـل يعـني علـى الصـر واملصـابرة والتخلـق‬
‫ابخللق احلسن‪.‬‬
‫‪ .3‬تعل‪ :‬األخ ق الفاضلة‪ ،‬والتدر عليها‪.‬‬
‫دوة حسنة يف حيات‬ ‫‪-‬ﷺ‪-‬‬ ‫‪ .4‬القدوة احلسنة‪ ،‬وال أعظ من أن يتخذ املسل رسول هللا‬
‫{ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ‬ ‫كلها‪ ،‬كما أرشد هللا تعـاىل إىل جلـ ‪ ،‬ـال تعـاىل‪:‬‬
‫ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ} [سورة األحزا ‪.]23:‬‬
‫وســرية رســول هللا ‪-‬ﷺ‪ -‬كلهــا تعلمنــا مكــارم األخــالق‪ ،‬كيــف ال و ــد وصــفت عائشــة‬
‫اس ــا يف حياتن ــا‬
‫‪ -▲-‬أبن ـ ك ــان خلق ـ الق ــرلن ‪-‬ﷺ‪ -‬وعلين ــا أن نتخ ــذ هدي ـ ‪-‬ﷺ‪ -‬نر ً‬
‫هنتد دي ‪-‬ﷺ‪ -‬يف سلوك وأ وال وأفعال ‪.‬‬
‫والقدوة احلسنة هي املثال الوا عي للسلوك اخللقي األمثل‪ ،‬وهذا املثال والقدوة ـد يكـون‬
‫ملموســا يقتــد بـ ‪ ،‬و ــد يكــون مثـ ًـاال حاضـ ًـرا يف الــذهن أبخبــار وســريت ‪،‬‬
‫ً‬ ‫ـاهدا‬
‫مثـ ًـاال حســيًا مشـ ً‬
‫فالقــدوة مــن أعــع املــمثرات يف تكــوين الشخصــية‪ ،‬ومــن أكثــر األســبا أثـ ًـرا يف اكتســا اخللــق‬
‫احلسن أو ما يضاد ‪.‬‬
‫‪ .5‬ال فقووة والب ئووة الصوواحلة‪ :‬وهــذ املــمثرات املهمــة يف حيــاة اإلنســان سـواء إىل اخلــري أو إىل‬
‫الشر‪ ،‬فمن أراد أن يكتسب األخالق الفاضلة فليحسن انتقاء اةلـيس الصـاحل الـذ يدلـ علـى‬

‫(‪ )3‬نضرة النعي ‪.)2584/7( ،‬‬

‫‪123‬‬
‫اةاضرة الثامنة‪ :‬األخالق يف اإلسالم‬

‫اخل ــري‪ ،‬وليبتع ــد ع ــن جل ــيس الس ــوء ال ــذ ي ــورد املهال ـ ‪ ،‬وكم ــا أخ ــر الن ـ ‪-‬ﷺ‪« :‬إام ــا مث ــل‬
‫(‪)3‬‬
‫اةليس الصاحل واةليس السوء كحامل املس و فخ الكري‪ » ...‬احلديث‪.‬‬
‫وتــدعو الشـريعة اإلســالمية إىل اختيــار اةلســاء الصــاحلني‪ ،‬ــال تعــاىل‪{ :‬ﱁ ﱂ ﱃ‬
‫ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ} [س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــورة‬
‫الكهف‪.]28:‬‬
‫ورفقــاء الســوء ضــالل يف الــدنيا وخــز وندامــة وعــداوة يف اآلخــرة‪ ،‬كمــا أخــر هللا تعــاىل‪:‬‬
‫{ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ} [سورة الزخرف‪.]97:‬‬
‫‪ .6‬جماهو وودة الو وونفس‪ :‬النف ــوم ُجبل ـ ـ عل ــى ح ــب الراحـ ــة والكسـ ــل والتفل ـ ـ م ــن القي ــود‬
‫والتكــاليف‪ ،‬ومــن أراد معــاا األمــور يلزمـ ماهــدة نفسـ وأطرهــا علــى اخلــري أطـًـرا‪ ،‬فــال هدايــة وال‬
‫{ﲐ ﲑ ﲒ‬ ‫عـ ــاح يف الـ ــدنيا واآلخـ ــرة دون ماهـ ــدة للـ ــنفس‪ ،‬كمـ ــا أخـ ــر هللا تعـ ــاىل‪:‬‬
‫ﲓ ﲔﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ} [سورة العنكبوت‪.]95 :‬‬
‫و ــد أخــر الن ـ ‪-‬ﷺ‪ -‬أن طريــق اةنــة ومــا يــمد إليهــا مــن أعمــال صــاحلة مبــا يف جل ـ‬
‫مكارم األخالق فوف مبا يشق على النفس مشقة تملة‪ ،‬حتتا إىل ماهـدة‪ ،‬كمـا ـال ﷺ‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وح َّف النار ابلشهوات» ‪.‬‬ ‫« ُح َّف اةنة ابملكار ‪ُ ،‬‬
‫عظيمــا ويــروم معــاا األمــور يلزم ـ التميــز عــن غــري اب اهــدة وبــذل الــثمن‬
‫إن مــن يريــد ً‬
‫ايعــا يف فــرف الوصــول إىل املعــاا‬
‫املناســب‪ ،‬مــن جهــد وعــزم وتضــحيات‪ ،‬وإال الســتو النــام ً‬
‫من عمل ومن مل يعمل‪.‬‬
‫‪ .7‬التواصي ااع واألم املع وف والنهي من املن ‪ :‬ومن أساليب اكتسـا األخـالق‬
‫ـث هللا تعــاىل علــى التواصــي ابخلــري‪،‬‬
‫الفاضــلة هــذا األصــل العظــي مــن أصــول اإلســالم‪ ،‬و ــد حـ َّ‬
‫وجعل مع اإلميان ابهلل تعاىل من الصفات المل ميز هللا ا عباد املممنني دون سائر اخللـق‪ ،‬ـال‬
‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ‬ ‫تع ـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪:‬‬
‫ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ} [سورة العصر‪.]1-3:‬‬

‫(‪ )3‬روا البخار ‪.)5234( ،‬‬


‫(‪ )2‬روا مسل ‪.)2822( ،‬‬

‫‪124‬‬
‫اةاضرة التاسعة‪ :‬احلقوق والواجبات‬

‫اةاضرة التاسعة‬
‫احلقوق والواجبات‬

‫‪125‬‬
‫اةاضرة التاسعة‪ :‬احلقوق والواجبات‬

‫‪ ‬أهداف الدرس‪:‬‬
‫‪ -‬أن يدرك الطالب الواجبات المل يلتزم ا ا أسرت وبيئت ومتمع ‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫اةاضرة التاسعة‪ :‬احلقوق والواجبات‬

‫احلاجــة إىل معرفــة احلقــوق وأدائهــا مــن أعظ ـ مــا يــمد إىل احملافظــة علــى ســعادة األف ـراد‬
‫وازدهار ا تمعات‪ ،‬ومن هنا جاءت أمهية التعرف على أه هذ احلقوق على النحو اآليت‪:‬‬

‫تعريف احلقوق لغة واصطالحًا‪:‬‬


‫لغة‪ :‬احلق‪ :‬نقيال الباطل‪.‬‬

‫احلق اصط هحا‪ :‬هو اختصاف ّ‬


‫يقر ب الشرر سلطةً على شيء‪ ،‬أو ا تضاء أداء من لخر‬
‫حتقي ًقا ملصلحة معينة‪.‬‬
‫و ــد ــررت الشـريعة حقوًــا عديــدة‪ ،‬وأهـ تلـ احلقــوق الــمل ينبغــي علــى املســل أداؤهــا مــا‬
‫يلي‪:‬‬
‫أولًا‪ :‬حق اهلل تعاىل‬
‫ال شـ أن حــق هللا تعــاىل هــو أعظـ احلقــوق الواجبــة علــى العبــد‪ ،‬ولعلنــا نــوجز هــذا احلــق‬
‫فيما يلي‪:‬‬
‫‪ .3‬ا‪:‬ميان به سباانه‪ ،‬وتوح ده‪ ،‬وهو أن يُعبد وال يُشـرك بـ شـيئًا يف عبادتـ ‪ ،‬وألمهيـة هـذا‬
‫وج النـ ‪ -♥-‬سـم ًاال إىل معـاج ‪ -◙-‬جات مـرة فقـال‪ًّ« :‬ي‬ ‫احلق فقد ّ‬
‫معاج‪ ،‬أتدر ما حق هللا علـى العبـاد‪ ،‬ومـا حـق العبـاد علـى هللا؟» ومل يسـع معـا ًجا إال أن‬
‫يقــول‪ :‬هللا ورس ـول أعل ـ ‪ .‬فقــال الن ـ ‪ -♥-‬ــال‪« :‬حــق هللا علــى العبــاد أن‬
‫يعبــدو وال يشــركوا ب ـ شــيئًا» احلــديث‪ ،‬وهــو معــو ولنــا أشــهد أال إل ـ إال هللا وحــد ال‬
‫(‪)3‬‬
‫شري ل ) ‪.‬‬
‫‪ .2‬وبتووه وااوووف منووه ورجووا ه ‪ ،-▐-‬وهــذ الثالثــة أساســها احملبــة‪ ،‬وال بــد مــن‬
‫التـوازن بــني اخلــوف والرجــاء‪ ،‬فمــن غلــب جانــب اخلــوف جــزر و ــنط مــن رمحــة هللا‪ ،‬ومــن‬
‫غلب جانب الرجاء تساهل يف شريعة هللا‪.‬‬
‫‪ .1‬ش و ه ‪ -▐-‬ملووة نعمووه الع مووة وآال ووه الس و مة‪ ،‬والشــكر يكــون ابلقلــب‬
‫واللسان واةوارح‪ ،‬كما ال تعاىل‪{ :‬ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ} [سورة سبأ‪.]31:‬‬

‫(‪ )3‬أخرج البخار (‪)597‬؛ ومسل (‪ )943‬واللفظ ل ‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫اةاضرة التاسعة‪ :‬احلقوق والواجبات‬

‫‪ .4‬طامتووه يف كوول مووا أم و بووه وت و ك مووا مووة منووه وفج و ‪ ،‬ولكــد الطاعــات أركــان اإلســالم‬
‫اخلمســة‪ ،‬فهــي أســام اإلســالم؛ وعليـ تبــو اب ــي األحكــام‪ ،‬ومــن لكــد أركــان اإلســالم‪،‬‬
‫إ امــة الصــلوات اخلمــس الــمل أمــر هللا ــا‪ ،‬فــأول مــا طاســب علي ـ العبــد مــن حقــوق هللا‬
‫‪-‬تب ــارك وتع ــاىل‪ -‬الص ــالة‪ ،‬ف ــإن ص ــلح أفل ــح وع ــح وإال خ ــا وخس ــر‪ ،‬فف ــي س ــنن‬
‫ال مذ والنسائي عن أيب هريرة ‪ -◙-‬ال‪ :‬مسع رسول هللا ‪-‬ﷺ‪ -‬يقول‪« :‬إن‬
‫أول ما طاسب ب العبـد يـوم القيامـة مـن عملـ صـالت ‪ ،‬فـإن صـلح فقـد أفلـح وأعـح‪،‬‬
‫وإن فسدت فقد خا وخسر‪ ،‬فإن انتقص من فريضت شيئًا‪ .‬ـال الـر تبـارك وتعـاىل‪:‬‬
‫انظـروا هـل لعبـد مــن تطـور فيكمـل ــا مـا انـتقص مـن الفريضــة‪ ،‬مث يكـون سـائر عملـ‬
‫(‪)3‬‬
‫على جل » ‪.‬‬
‫‪ .5‬التع ‪ :‬هلل تعاىل وتع ‪ :‬صفاته‪ ،‬ومن صفات كالم ‪ ،-▐-‬ومن كالم‬
‫ظاهرا وابطنًا واالستشفاء ب ‪ ،‬وتالوت‬‫ً‬ ‫القول الكر ‪ ،‬وحق القرلن تصديق والعمل ب‬
‫ل ء الليل وأطراف النهار‪ ،‬وكذا تدبر وجعل منهج حياة‪ ،‬ال تعاىل‪{ :‬ﱏ ﱐ‬
‫ﱑﱒﱓﱔﱕﱖﱗﱘﱙﱚﱛﱜﱝ‬
‫ﱞ ﱟ} [سورة اإلسراء‪.]5:‬‬
‫‪ .9‬فــإجا ُوفــق العبــد للقيــام حبقــوق هللا تعــاىل‪ ،‬فإنـ ينــال الســعادة والتوفيــق يف الــدارين‪ ،‬وينــال‬
‫أجر الطاعة ويدخل يف كوكبة أهل اإلميان وزمرة املتقني األبرار‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬حق الرسول عكيه الصالة والسالم‬
‫اإلميان ب واالع اف بنبوت ورسالت ابلقلب واللسان‪ ،‬ال يصح إسالم وال إميان إال بذل ‪،‬‬
‫وأاع العلماء على أن من وحد هللا تعاىل‪ ،‬ومل يع ف ابلرسـل فهـو كـافر غـري عـارف ابهلل تعـاىل‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫في ب تصديق الن ‪-‬ﷺ‪ -‬يف ايع ما جاء ب ابلقلب ونطق اللسان بذل ‪.‬‬
‫‪ .3‬وبته مل ه الص ة والس م احملبة الصا ة الـمل ـأل القلـب واةـوانح‪ ،‬فتقـدم علـى بـة‬
‫كــل مــن س ـوا ‪ ،‬ــال رســول هللا ‪-‬ﷺ‪« :-‬ال يــممن أحــدك حـ أكــون أحــب إليـ مــن‬
‫(‪)1‬‬
‫ولد ووالد والنام أاعني» ‪.‬‬

‫(‪ )3‬أخرج ال مذ ‪ ،‬اب ‪ :‬ما جاء أول ما طاسب علي العبد‪.)515/3( ،‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬السيف املسلول على من سب الرسول‪.)527/3( ،‬‬
‫(‪ )1‬أخرج مسل ‪ ،‬كتا ‪ :‬اإلميان‪.)175/2( ،‬‬

‫‪128‬‬
‫اةاضرة التاسعة‪ :‬احلقوق والواجبات‬

‫‪ .2‬طامتووه ‪-‬ﷺ‪ -‬يف مج ووع مووا جوواء بووه‪ ،‬واتباعـ وامتثــال ســنن ‪ ،‬واال تــداء ديـ ‪ ،‬واالنقيــاد‬
‫ـاهرا وابطنً ــا‪ ،‬حـ ـ ال يك ــون يف القل ــب ح ــر م ــن ض ــائ ‪ ،‬و ــال‬
‫حلكمـ ـ ‪ ،‬والتس ــلي ظ ـ ً‬
‫{ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ‬ ‫سـ ـ ــبحان ‪:‬‬
‫ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ} [سورة النساء‪]95:‬‬
‫{ﱢ ﱣ‬ ‫‪ .1‬الص ة مل ه ‪-‬ﷺ‪ ،-‬نقل القاضي عياض اإلاار على وجو ـا‪ ،‬ـال تعـاىل‪:‬‬
‫ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ}‬
‫[سورة األحزا ‪.]59:‬‬
‫وصــيغ الصــالة علــى الن ـ ‪-‬ﷺ‪ -‬كثــرية منهــا‪ :‬الله ـ صـ ّـل وســل علــى نبينــا‪ ،‬والصــالة‬
‫اإلبراهيمية وغريها‪.‬‬
‫‪ .4‬الدفاع منه ومن سنته ‪-‬ﷺ‪ ،-‬ونبذ البدع احملدثة املخالفة لسنت ‪.-♥-‬‬
‫‪ .5‬وبة آل ب ته وأصاابه رضوان هللا عليه أاعني‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬حق الصحابة رضوان اهلل عكيهم‬
‫للصــحابة ‪ -╚-‬فضــل عظــي علــى هــذ األمــة‪ ،‬حيــث ــاموا بنصــرة ديــن هللا ورسـول‬
‫علمـا‬
‫واةهاد يف سبيل هللا أبموا وأنفسه ‪ ،‬وحفـظ ديـن هللا حبفـظ كتابـ وسـنة رسـول ‪-‬ﷺ‪ً -‬‬
‫(‪)3‬‬
‫وتعليما‪ ،‬ح بلغو األمة نقيًا طرًًّي‪ ،‬فحقو ه على األمة من أعظ احلقوق‪ ،‬ومنها ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫وعمال‬
‫ً‬
‫‪ .3‬وبته‪ :‬القلحل‪ ،‬والثناء ملو ه‪ :‬اللسوان مبوا أسودوه مون املعو وف وا‪:‬حسوان‪ ،‬واحلـذر‬
‫مــن ســبه ‪ ،‬حيــث يقــول ‪-‬ﷺ‪« :-‬ال تســبوا أصــحايب‪ ،‬فوالــذ نفســي بيــد لــو أنفــق‬
‫(‪)2‬‬
‫أحدك مثل أُحد جهبًا ما بلغ مد أحده وال نصيف » ‪.‬‬
‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ‬ ‫؛ حتقي ًقا لقول تعاىل‪:‬‬ ‫‪ .2‬ال ضي عنه واالستغفار‬
‫ﱆﱇﱈﱉﱊﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱑﱒﱓ‬

‫ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ} [سورة احلشر‪]30:‬‬

‫(‪ )3‬تعليق خمتصر على ملعة االعتقاد للعثيمني‪.)350/3( ،‬‬


‫(‪ )2‬أخرج البخار (‪)35‬؛ ومسل (‪.)45‬‬

‫‪129‬‬
‫اةاضرة التاسعة‪ :‬احلقوق والواجبات‬

‫‪ .1‬الكف عن مساوئه المل إن صدرت عن أحد منه فهي ليلـة ابلنسـبة ـ مـن احملاسـن‬
‫والفضــائل‪ ،‬ورمب ـا تكــون صــادرة عــن اجتهــاد مغفــور‪ ،‬وعمــل معــذور‪ ،‬للحــديث الســابق‬
‫ابلنهي عن سبه ‪.‬‬

‫رابعًا‪ :‬حق واة األمر‬

‫حرص ـ الشـ ـريعة اإلس ــالمية عل ــى اجتم ــار الكلم ــة؛ ونب ــذ الفر ــة واالخ ــتالف‪ ،‬وج ــاءت‬
‫النصــوف حتــث علــى لــزوم اةماعــة وعــدم اخلــرو عنهــا‪ ،‬ولكــي تســتقي حيــاة اةماعــة ال بــد ــا‬
‫حقوق على رعيته ‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫من رار يتوىل زمامها و يادهتا‪ ،‬وه والة األمور‪ ،‬وهمالء الوالة‬

‫{ﳄ ﳅ‬ ‫‪ .3‬السوومع والطامووة أل مووة املسوولمني وأم و اء املووؤمنني؛ امتثـ ًـاال لقول ـ تعــاىل‪:‬‬
‫ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ} [سـ ــورة النسـ ــاء‪ ،]55:‬و ول ـ ـ ‪-‬ﷺ‪:‬‬
‫«علــيك بتقــو هللا والســمع والطاعــة‪ ،‬وإن مــر علــيك عبــد حبشــي‪ ،‬مــدر األط ـراف‪،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫كأن رأس زبيبة‪ ،‬يقودك بكتا هللا» ‪.‬‬

‫‪ .2‬النصح واإلرشاد ابحلكمة واملوعظة احلسنة‪.‬‬

‫خامسًا‪ :‬حق الوالدين‬

‫الوالدان جعلهما هللا سببًا للوجود‪ ،‬ومل تغفل الشريعة عن حقهما على البنني والبنات‪،‬‬
‫وجاء حقه بعد حق هللا املتضمن حلق وحق رسول ‪-‬ﷺ‪-‬؛ ألمهيت يف ول تعاىل‪{ :‬ﲇ‬

‫ﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏﲐﲑﲒﲓﲔﲕﲖﲗ‬

‫[سورة اإلسراء‪ ،]21:‬ولعظ حقهما‬ ‫ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ}‬

‫دم الن ‪ -♥-‬على اةهاد‪ ،‬ونذكر هنا شيئًا من حقوق الوالدين‪:‬‬

‫(‪ )3‬أخرج ال مـذ (‪ )2979‬واللفـظ لـ ‪ ،‬و ـال‪ :‬حـديث حسـن صـحيح؛ وصـحيح سـنن ال مـذ (‪)2357‬؛ وأبـو داود‬
‫(‪.)4907‬‬

‫‪131‬‬
‫اةاضرة التاسعة‪ :‬احلقوق والواجبات‬

‫وفعال ابملال والبـدن‪ ،‬ومسـاعدهت يف كـل مـا طتاجـان‬


‫‪ .3‬برمها وجل ابإلحسان إليهما ًوال ً‬
‫في إىل املساعدة‪.‬‬

‫‪ .2‬امتثال أمرمها يف غري معصية هللا ويف غري ما في ضرر على االبن أو البن ‪.‬‬

‫‪ .1‬لني اةانب ما يف القول‪ ،‬وبسط الوج ما‪ ،‬وإدخال السرور عليهما‪.‬‬

‫‪ .4‬القيــام خبــدمتهما علــى الوج ـ الالئــق مــا‪ ،‬وعــدم التــأفف أو الض ـ ر منهمــا عنــد الكــر‬
‫واملرض والضعف‪ ،‬وعدم استثقال جل منهما‪.‬‬

‫‪ .5‬اةلوم معهما وممانستهما‪ ،‬وعدم االنشغال عنهما ابلصوارف كاةواالت وحنوها‪.‬‬

‫‪ .9‬النظ ــر م ــا ابحـ ـ ام وت ــو ري‪ ،‬وع ــدم العب ــوم وتقطي ــب اةب ــني حبضـ ـرهت ‪ ،‬أو النظ ــر م ــا‬
‫ابحتقار وازدراء‪.‬‬

‫‪ .7‬عــدم إ رة املشــاكل أمامهمــا‪ ،‬أو حتزينهمــا ءظهــار مــا يشــكو منـ االبــن مــن هـ أو غـ ؛‬
‫ألهنما طز ن حلزن ويغتمان لذل ‪.‬‬

‫بية أمامهما‪.‬‬ ‫‪ .8‬عدم مزاولة املنكرات أمامهما‪ ،‬أو التلفظ أبلفا‬

‫سابعًا‪ :‬حق األقارب واألرحام‬

‫األرحام حقه صلته وتقديره ‪ ،‬والصر على أجاه ‪ ،‬وحسن التعامل معه ‪ ،‬والكـف عـن‬
‫طيعــته وإن ه ـ ــاطعوك؛ فعــن أيب هريــرة‪ ،‬أن رجـ ًـال ــال‪ًّ :‬ي رســول هللا‪ ،‬إن ا رابــة أصــله‬
‫ويقطعــوين‪ ،‬وأحســن إلــيه ويســيئون إا‪ ،‬وأحل ـ عــنه ونهلــون علــي‪ ،‬فقــال‪« :‬لــئن كن ـ كمــا‬
‫(‪)3‬‬
‫ل ‪ ،‬فكأاما تسفه املل‪ ،‬وال يزال مع من هللا ظهري علـيه مـا دمـ علـى جلـ » ‪ ،‬واحلـذر‬
‫{ﱭ ﱮ ﱯ‬ ‫كذل من عقوبة اللعنة المل تلحق اطعي األرحام؛ كما جـاء يف ولـ تعـاىل‪:‬‬
‫ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ} [سـ ـ ــورة دمحم‪ ،]22:‬وينبغـ ـ ــي للمسـ ـ ــل أن‬

‫(‪ )3‬روا مسل ‪ ،‬اب ‪ :‬صلة الرح وحتر طيعتها‪.)3545/4( ،‬‬

‫‪131‬‬
‫اةاضرة التاسعة‪ :‬احلقوق والواجبات‬

‫طــرف علــى عــدم ه ــره ؛ ألجــل عــرض مــن أعـراض الــدنيا كعقــار أو مــال أو ســوء ظــن أو حنــو‬
‫جل ‪.‬‬

‫ثامنًا‪ :‬حق الوطن‬

‫ر في اإلنسان إىل الدنيا وحب الـوطن فطـرة إنسـانية وخلـة بشـرية‪،‬‬ ‫الوطن املكان الذ‬
‫فهذا رسولنا الكر طن إىل مكة ويقول ‪-‬ﷺ‪ -‬ملكة‪« :‬ما أطيبـ مـن بلـدة وأحبـ إا‪ ،‬ولـوال‬
‫(‪)3‬‬
‫أن وم أخرجوين ما سكن غريك» ‪ ،‬وللوطن حقـوق عديـدة ال بـد مـن مراعاهتـا‪ ،‬ومنهـا مـا‬
‫يلي‪:‬‬

‫‪ .3‬احملافظة على املال العام وعلى ثروات الوطن ومدخراهتا‪.‬‬

‫‪ .2‬الدفار عن الوطن وعن أفراد متمع ومحايت بكل ما يستطار‪.‬‬

‫‪ .1‬احلفــا علــى اللحم ـة الوطنيــة‪ ،‬وجل ـ مــن خــالل حســن التعامــل مــع كــل مــن يســكن‬
‫الوطن‪ ،‬سواء من أهل أو من الوافدين إلي ‪.‬‬

‫‪ .4‬عدم االست ابة إىل الدعوات المل تدعو إىل الفر ة والنزار واخلرو عن طاعة والة األمـر‪،‬‬
‫والتعامل مع هذ الدعوات بكل صرامة وحزم‪.‬‬

‫‪ .5‬احل ــرف عل ــى تق ــد املص ــلحة العام ــة عل ــى املص ــاحل الشخص ــية‪ ،‬واحل ــذر م ــن اس ــتغالل‬
‫املنصب والنفوج ل ضرار ابملصاحل العامة للنام‪.‬‬
‫تاسعًا‪ :‬حق املسكم‬
‫‪-‬ﷺ‪-‬‬ ‫حق املسل على املسل من أعظ احلقـوق الـمل أمـر هللا ـا وأمـر ـا رسـول الكـر‬
‫حيث ال‪« :‬حق املسل على املسل مخس‪ ،‬رد السالم‪ ،‬وعيادة املـريال‪ ،‬واتبـار اةنـائز‪ ،‬وإجابـة‬
‫(‪)2‬‬
‫ـال‪« :‬حـق املسـل علـى‬ ‫‪-‬ﷺ‪-‬‬ ‫الدعوة‪ ،‬وتشمي العـاطس» ‪ ،‬ويف حـديث لخـر أن الرسـول‬

‫(‪ )3‬املستدرك للحاك ‪.)993/3( ،‬‬


‫(‪ )2‬صحيح البخار مع الفتح (‪)159/1‬؛ صحيح مسل بشرح النوو (‪.)120-135/5‬‬

‫‪132‬‬
‫اةاضرة التاسعة‪ :‬احلقوق والواجبات‬

‫املسل س » يل‪ :‬ما هن ًّي رسـول هللا؟‪ ،‬ـال‪« :‬إجا لقيتـ فسـل عليـ ‪ ،‬وإجا دعـاك فأجبـ ‪ ،‬وإجا‬
‫(‪)3‬‬
‫استنصح فانصح ل ‪ ،‬وإجا عطس فحمد هللا فشمت ‪ ،‬وإجا مرض فعـد ‪ ،‬وإجا مـات فاتبعـ » ‪،‬‬
‫كم ــا أنـ ـ م ــن حقـ ـ نصـ ـرت والو ــوف معـ ـ ‪ ،‬ــال رس ــول هللا ‪-‬ﷺ‪« :-‬انص ــر أخ ــاك ظال ـ ـ ًما أو‬
‫مظلومــا‪ ،‬فكيــف ننصــر ظالـ ـ ًما؟ ــال « خــذ فــوق‬
‫ً‬ ‫مظلومــا»‪ ،‬ــالو‪ًّ :‬ي رســول هللا‪ ،‬هــذا ننصــر‬
‫ً‬
‫(‪)2‬‬
‫يدي » ‪ ،‬وعن ابن عمـر ‪ -¶-‬أن النـ ‪-‬ﷺ‪ -‬ـال‪« :‬املسـل أخـو املسـل ال يظلمـ وال‬
‫(‪)1‬‬
‫ذل » ‪.‬‬
‫وتتلخص حقوق املسل‪ :‬ملة أخ ه يف التايل‪:‬‬
‫‪ .3‬السالم علي ورد سالم ‪.‬‬
‫‪ .2‬اح ام وتقدير ‪.‬‬
‫‪ .1‬عيادة املريال‪.‬‬
‫‪ .4‬نصرت ومنع من الظل ‪.‬‬
‫‪ .5‬نصح ابحلكمة واملوعظة احلسنة‪.‬‬
‫‪ .9‬إجابة دعوت ‪.‬‬
‫‪ .7‬تشميت إجا عطس فحمد هللا تعاىل‪.‬‬
‫‪ .8‬اتبار جنازت ‪.‬‬

‫عاشرًا‪ :‬حق البيئة‬


‫البيئــة احلســنة عــل اإلنســان يشــعر ابلرضــا واالطمئنــان‪ ،‬وكلمــا كان ـ البيئــة مناســبة شــعر‬
‫ـث القــرلن الكــر علــى عمــارة األرض وعــدم اإلفســاد‬ ‫اإلنســان ابالســتقرار واــال احليــاة‪ ،‬و ــد حـ َّ‬
‫فيها‪ ،‬ال تعاىل‪{ :‬ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ} [سـورة األعـراف‪ ،]59:‬والسـنة املطهـرة‬

‫(‪ )3‬األد املفرد‪.)135/3( ،‬‬


‫(‪ )2‬أخرج مسل ‪ ،‬اب ‪ :‬حتر ظل املسل ‪.)328/1( ،‬‬
‫(‪ )1‬صحيح البخار مع الفتح (‪ )2442‬واللفظ ل ؛ ومسل (‪.)2580‬‬

‫‪133‬‬
‫اةاضرة التاسعة‪ :‬احلقوق والواجبات‬

‫مل تغفل هذا اةانب حيث دع إىل االهتمام ابلبيئة ح عند يام الساعة‪ ،‬ال ‪-‬ﷺ‪« :-‬إن‬
‫(‪)3‬‬
‫ام الساعة ويف يد أحدك فسيلة‪ ،‬فإن استطار أن ال تقوم ح يغرسـها فليغرسـها» ‪ ،‬فهـذا‬
‫احلديث في حث على العمل وإعمال للبيئة ح لخر حلظة‪.‬‬
‫ـول الرسـول ‪-‬ﷺ‪« :-‬مـا‬ ‫ويعمر اإلنسان البيئة ليسعد هو ويسعد من حول ‪ ،‬ومن جلـ‬
‫زرعــا‪ ،‬فيأكــل من ـ طــري أو إنســان أو يمــة‪ ،‬إال كان ـ ل ـ ب ـ‬
‫غرس ـا‪ ،‬أو يــزرر ً‬
‫مــن مســل يغــرم ً‬
‫(‪)2‬‬
‫صد ة» ‪.‬‬
‫وللتعامل مع الب ئة آ اب مديدة منها‪ -:‬التش ع‪:‬‬
‫ـث النـ ‪-‬ﷺ‪ -‬علــى التشـ ري‪ ،‬فعــن جــابر أن النـ ‪-‬ﷺ‪ -‬فقــال ‪-‬ﷺ‪« :-‬ال‬
‫و ــد حـ َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫زرعا فيأكل من إنسان وال دابة وال شيء إال كان ل صد ة» ‪.‬‬
‫غرسا وال يزرر ً‬
‫يغرم مسل ً‬
‫‪ .3‬والتش ري يساه كذل يف إدخال البه ة للنفوم من خالل منـاظر األشـ ار اخلالبـة‪،‬‬
‫احا ل نسان أو احليوان عند حرارة الشمس‪.‬‬
‫وظل األش ار د يكون مس ً‬
‫‪ .2‬إزال ــة األج والق ــاجورات ال ــمل ه ــي م ــن ض ــمن الفس ــاد يف األرض‪ ،‬ب ــل ــد تك ــون س ــببًا‬
‫(‪)4‬‬
‫مباشرا للعنة ‪ ،‬فعن أيب هريرة أن رسول هللا ‪-‬ﷺ‪ -‬ال‪« :‬اتقوا اللّعـانني»‪ ،‬ـالوا‪ :‬ومـا اللعـا ن‬ ‫ً‬
‫(‪)5‬‬
‫ًّي رسول هللا؟ ال‪« :‬الذ يتخلى يف طريق النام أو يف ظله » ‪.‬‬
‫ومن شعب اإلميان إماطة األج عن الطريق‪ ،‬وغفر هللا لرجل؛ ألن أزال أج من الطريق‪،‬‬
‫فقد ال رسول هللا ‪-‬ﷺ‪« :-‬بينما رجل ميشي بطريـق وجـد غُصـن شـوك علـى الطريـف فـأخر ‪،‬‬
‫(‪)9‬‬
‫فشكر هللا ل فغفر ل » ‪.‬‬

‫(‪ )3‬اةامع الصحيح للسنن واملسانيد‪.)88/8( ،‬‬


‫(‪ )2‬أخرج البخار ‪ ،‬كتا ‪ :‬احلرث واملزارعة‪ ،‬بر ‪)2120( :‬؛ ومسل ‪ ،‬كتا ‪ :‬املسا اة‪ ،‬بر ‪)1571( :‬‬
‫(‪ )1‬أخرج مسل (‪ ،)1595‬كتا ‪ :‬املسا اة‪ ،‬اب ‪ :‬فضل الغرم والزرر‪ ،‬بر ‪.)1595( :‬‬
‫(‪ )4‬موسوعة األخالق للخزار‪.)533/3( ،‬‬
‫(‪ )5‬أخرج مسل ‪ ،‬كتا ‪ :‬الطهارة‪ ،‬اب ‪ :‬النهي عن التخلي يف الطرق والظالل‪ ،‬بر ‪.)938( :‬‬
‫(‪ )9‬أخرج البخار ‪ ،‬اب ‪ :‬فضل سقي املاء (‪ ،)333/1‬ويف اب ‪ :‬فضل سا ي البهائ احمل مة (‪.)793/4‬‬

‫‪134‬‬
‫اةاضرة التاسعة‪ :‬احلقوق والواجبات‬

‫‪ .1‬احلذر من تلويث ا واء‪ ،‬فقد جعل هللا سـبحان ا ـواء الطلـق مـن حـق اةميـع‪ ،‬فـال نـوز‬
‫اإلضرار ابلنام من خالل انبعاث غازات‪ ،‬أو زرائب حيوا ت‪ ،‬والمل تنبعث منها روائح كريهـة‪،‬‬
‫أو التدخني يف األماكن العامة‪ ،‬وحنو جل ا د يتسبّب ابلضرر ابلنام‪.‬‬

‫احلادي عشر‪ :‬حق احليوان‬


‫{ﲨ‬ ‫ـخرا ل نس ــان‪ ،‬فق ــال سـ ــبحان ‪:‬‬
‫خل ــق هللا ‪ -▐-‬احلي ـ ـوان وجعل ـ ـ مس ـ ً‬
‫ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ} [سـورة النحــل‪ ،]5:‬واإلسـالم حــث‬
‫وحرم إيذاء ‪ ،‬ورفع الظل عن ‪.‬‬
‫على الرفق ابحليوان ّ‬
‫فا‪:‬س م اهت ن‪ :‬احل وان وجعل له حقو ها‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ .3‬النهــي عــن جعــل البهيمــة احليــة هــدفًا يرمــى إلي ـ ‪ ،‬فعــن ابــن عبــام ‪ -¶-‬أن الن ـ‬
‫(‪)3‬‬
‫غرضا» ‪ ،‬والغرض هو ا دف للمرمى‪.‬‬
‫ال‪« :‬ال تتخذوا شيئًا في الروح ً‬ ‫‪-‬ﷺ‪-‬‬

‫‪ .2‬حت ــر تعذيبـ ـ أو إيذائـ ـ أو حبس ـ ـ ب ــال طع ــام أو شـ ـرا ل ض ـ ـرار بـ ـ ‪ ،‬فع ــن اب ــن عم ــر‬
‫‪ -¶-‬أن رســول هللا ‪-‬ﷺ‪ -‬ــال‪« :‬عــذب ام ـرأة يف هــرة س ـ نتها ح ـ مات ـ ‪،‬‬
‫فدخل فيها النار‪ ،‬ال هي أطعمتها‪ ،‬وال سقتها‪ ،‬إج حبستها‪ ،‬وال هي تركتها كـل مـن‬
‫(‪)2‬‬
‫خشا‪ ،‬األرض» ‪.‬‬
‫‪ .1‬النه ــي ع ــن ضـ ـرب ‪ ،‬أو ومسـ ـ عل ــى وجهـ ـ ‪ ،‬فق ــد كف ــل اإلس ــالم للحيـ ـوان الراح ــة نفس ــيًا‬
‫ـدًّي‪ ،‬فعــن جــابر ‪ -◙-‬أن النـ ‪-‬ﷺ‪ -‬مــر عليـ حبمــار ــد وسـ يف وجهـ ‪،‬‬ ‫وجسـ ً‬
‫(‪)1‬‬
‫فقــال‪« :‬أمــا بلغك ـ أين لعن ـ مــن وس ـ البهيمــة يف وجههــا‪ ،‬وضــر ا يف وجههــا؟» ‪.‬‬
‫والوس هي عالمة توضع بواسطة حديدة مرة ابلنار‪.‬‬
‫‪ .4‬إطعام وابألخص إجا بلغ ب احلاجـة إىل أن ـار ا ـالك‪ ،‬فـاملممن طسـن إىل احليـوان‬
‫ويطعم ـ ويســقي وال طمل ـ مــا ال يطيــق؛ عــن س ـرا ة بــن مال ـ ‪ -◙-‬ــال‪ :‬أتي ـ‬

‫(‪ )3‬أخرج مسل ‪ ،‬كتا ‪ :‬الصيد والذابئح‪ ،‬بر ‪.)3557( :‬‬


‫(‪ )2‬متفق علي ‪.‬‬
‫(‪ )1‬صحيح‪ .‬أخرج أبو داود (‪ ،)2594‬وصحح األلباين يف (صحيح اةامع) (‪.)3129‬‬

‫‪135‬‬
‫اةاضرة التاسعة‪ :‬احلقوق والواجبات‬

‫رس ــول هللا ‪-‬ﷺ‪ -‬ابةعران ــة‪ ،‬فل ـ أدر م ــا أس ــأل عنـ ـ ‪ ،‬فقل ـ ‪ًّ :‬ي رس ــول هللا‪ ،‬إين أم ــأل‬
‫حوضي أنتظر ظهر يرد علي‪ ،‬فت يء البهيمة فتشـر ‪ ،‬فهـل يف جلـ مـن أجـر؟ فقـال‬
‫(‪)3‬‬
‫رسول هللا ‪-‬ﷺ‪« :-‬ل يف كل كبد رطبة أجر» ‪.‬‬
‫‪ .5‬وجو اإلحسان إلي عند الذبح أو القتل‪ ،‬وجل ءحداد الشفار وإراحة الذبيحـة‪ ،‬وأن‬
‫(‪)2‬‬
‫ــال‪« :‬إن هللا‬ ‫‪-‬ﷺ‪-‬‬ ‫تـوار عــن البهــائ ‪ ،‬فعــن شــداد بــن أوم ــال‪ :‬ــال رســول هللا‬
‫كتب اإلحسان على كل شيء‪ ،‬فإجا تلت فأحسنوا القتلة‪ ،‬وإجا جحبـت فأحسـنوا الـذبح‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وليحد أحدك شفرت ولريح جبيحت » ‪.‬‬

‫(‪ )3‬صحيح‪ .‬أخرج احلميد (‪ ،)502‬وصحح األلباين يف (الصحيحة) (‪.)2352‬‬


‫(‪ )2‬راجع يف هذا البا ‪ :‬موسوعة األخالق للخزار‪.)487/3( ،‬‬
‫(‪ )1‬أخرج مسل ‪ ،‬كتا ‪ :‬الصيد والذابئح‪ ،‬اب ‪ :‬األمر ءحسان الذبح والقتل‪ ،‬بر ‪.)3555( :‬‬

‫‪136‬‬
‫اةاضرة العاشرة‪ :‬حقوق اإلنسان يف اإلسالم‬

‫اةاضرة العاشرة‬
‫حقوق اإلنسان يف اإلسالم‬

‫‪137‬‬
‫اةاضرة العاشرة‪ :‬حقوق اإلنسان يف اإلسالم‬

‫أهداف الدرس‪:‬‬
‫‪ .3‬أن يتعــرف الطالــب علــى أن حقــوق اإلنســان يف الش ـريعة اإلســالمية منحــة إ يــة وليس ـ‬
‫مكرمة بشرية‪ ،‬و ا أصو ا ونصوصها يف القرلن والسنة النبوية‪.‬‬
‫‪ .2‬أن يتأصل عند الطالب أمهية املعرفة مبباد حقوق اإلنسان؛ مـن أجـل تعزيـز ـي املواطنـة‬
‫والتعايش السلمي من خالل ي العدل والكرامة‪.‬‬
‫‪ .1‬نشر الوعي الثقـايف أبمهيـة حقـوق اإلنسـان‪ ،‬وضـرورة معرفتهـا نظـراًّي و ارسـتها عملياـا؛ مـن‬
‫أجــل حتقيــق هنضــة احليــاة اإلنســانية‪ ،‬والــمل مسَّاهــا القــرلن الكــر االســتخالف البشــر هلل‬
‫‪ -▐-‬يف عمارة األرض‪.‬‬
‫‪ .4‬أن يتبــني الطالــب أن حقــوق اإلنســان يف الش ـريعة اإلســالمية تــدور حــول حتقيــق مقاصــد‬
‫الشريعة اخلمسة‪ ،‬وهي‪ :‬حفظ الدين‪ ،‬والنفس‪ ،‬والعقل‪ ،‬والنسل‪ ،‬واملال‪.‬‬
‫‪ .5‬أن يتعــرف الطالــب علــى أمهيــة معرفــة واعــد الســلوك الفــرد الــمل حتقــق الصــحة اةســدية‬
‫والنفسية‪ ،‬والمل ألزم حقوق اإلنسان يف اإلسالم بضرورة التقيد ا‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫اةاضرة العاشرة‪ :‬حقوق اإلنسان يف اإلسالم‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫طالحا‪:‬‬ ‫أوال أن ِّ‬
‫نعرف احلق لغةً واص ً‬ ‫ندر بنا ً‬
‫(‪)3‬‬
‫‪ -‬احلق لغة‪ :‬هو نقيال الباطل‪ ،‬واستحق الشيء استوجب ‪.‬‬

‫‪ -‬احلق اصوط هحا‪ :‬مصـلحة بتـة للفـرد أو ا تمـع أو مـا ً‬


‫معـا‪ ،‬يقـرر الشـارر اإلسـالمي‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫رر الشارر ‪.‬‬ ‫أو احلك الذ‬
‫‪ -‬مصا ر التش يع‪:‬‬
‫تعددت مصادر التشريع المل هتـت حبقـوق اإلنسـان‪ ،‬وتطـور مفهومهـا مـع التبـدل احلضـار‬
‫والنمــو الثقــايف ل نســان‪ ،‬لكنهــا يف الشـريعة اإلســالمية جــاءت معـ ّـرة عــن الفطــرة اإلنســانية‪ ،‬و ــا‬
‫تشريع خاف و يز‪ ،‬فهي رابنية املصـدر‪ ،‬وعامـة حتقـق التكامـل والتكافـل اإلنسـاين‪ ،‬و ـا أصـالن‬
‫ام عليهما‪ ،‬ومها‪:‬‬
‫‪ .3‬القرلن الكر ‪.‬‬
‫‪ .2‬السنة النبوية املطهرة‪.‬‬
‫أنواع حقوق اإلنسان يف اإلسالم‪:‬‬
‫حق احلياة‪:‬‬
‫يعتر حق احلياة أول حق منح ل نسان مـع والدتـ ؛ ألنـ أسـام ايـع احلقـوق البا يـة الـمل‬
‫تقوم على وجود احلياة يف اإلنسان‪ ،‬ومن األحكام المل رصدها الشارر الكر لذل ‪:‬‬
‫تل النفس ا‪:‬نسان ة‪:‬‬ ‫‪ -1‬حت‬
‫حـ ّـرم هللا ‪ --‬ت ــل الــنفس اإلنس ــانية وص ــاهنا مــن ي ــد الع ــابثني‪ ،‬حيــث جع ــل االعت ــداء‬
‫عليهــا كبــرية مــن كبــائر الــذنو ‪ ،‬ومــن أشــهر النصــوف القرلنيــة الــمل بيّن ـ حرمــة جرميــة القتــل‬
‫وعظي خطرها ول تعاىل‪:‬‬

‫)‪ )3‬لسان العر ‪ ،‬ابن منظور‪.)45/30( ،‬‬


‫)‪ ) 2‬مصادر احلق يف الفق اإلسالمي‪ ،‬د‪ .‬عبد الرزاق السنهور ‪ ،‬دار إحياء ال اث‪ ،‬بريوت‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪( ،‬ف‪.)4‬‬

‫‪139‬‬
‫اةاضرة العاشرة‪ :‬حقوق اإلنسان يف اإلسالم‬

‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ‬ ‫‪.3‬‬
‫ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ} [سورة الفر ان‪ .]98:‬لقد رتب ‪ --‬عظي‬
‫املفسرون يف معو {ﱖ ﱗ}‪ ،‬ونكتفي بقول السعد ‪:‬‬
‫اةزاء مع جرمية القتل‪ ،‬واختلف ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫(جزاء) ‪ ،‬فاةزاء يشمل كل عقوبة درها هللا ‪.--‬‬
‫ايعا‪.‬‬
‫أنكر هللا ‪ --‬عظي اإلنكار على القاتل‪ ،‬ووصف أبن تل النام ً‬
‫ومن النصوص اليت ذك هتا السنة حول حت القتل‪:‬‬
‫‪ .3‬عــن عبــد هللا بــن عمــر‪ ،-¶-‬ــال‪ :‬ــال رســول هللا ‪-‬ﷺ‪« :-‬لــن يــزال املــممن يف‬
‫(‪)2‬‬
‫دما حر ًاما» ‪.‬‬ ‫فسحة من دين ‪ ،‬ما مل يصب ً‬
‫ظلمــا وعــدوا ً ‪ ،‬حيــث تقـ ّـرر هــذا‬
‫ولقــد اســتثو الشــارر مــن حــق احليــاة مــن و ــع بــدم لخــر ً‬
‫احلق لـوا األمـر شـريطة عـدم التعسـف ـذا احلـق وضـبط ابلنصـوف الشـرعية‪ ،‬وحتكمـ القاعـدة‬
‫(‪)1‬‬
‫شرعا) ‪.‬‬
‫الفقهية المل جكرها الشاط وهي‪( :‬إن حق الغري افظ علي ً‬
‫‪-2‬حت االنتاار‪:‬‬
‫االنتحــار هــو فعــل تــل اإلنســان نفس ـ ابلطريقــة الــمل تارهــا‪ ،‬س ـواء كــان املــوت النــاتج‬
‫(‪)4‬‬
‫لجال ‪.‬‬
‫عاجال أم ً‬
‫ً‬
‫ـرعا؛ ألن ـ عــدوان علــى الــنفس الــمل منحهــا هللا احليــاة‪ ،‬ومبــا أن ظــاهرة‬
‫واالنتحــار ُ ـ ّـرم شـ ً‬
‫ـديدا يـوم‬
‫ـذااب ش ً‬
‫االنتحار ال ختضع للعقوبة القضائية والزجر يف الدنيا‪ ،‬ولكن هللا ّدر للمنتحـر ع ً‬
‫القيامة؛ ألن الواجب على اإلنسان احملافظة على جسد وصيانت ؛ لكون ملـ هلل تعـاىل‪ ،‬وعليـ‬
‫واجبات وتكاليف شرعية منوطة ابحلياة واستمرارها‪.‬‬

‫(‪ )3‬تفسري ابن كثري‪.)411/1( ،‬‬


‫ـ ــول هللا تع ـ ــاىل‪{ :‬ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀﲁ}‪ ،‬بـ ـ ـر ‪:‬‬ ‫(‪ )2‬أخرجـ ـ ـ البخ ـ ــار ‪ ،‬كت ـ ــا ‪ :‬اإلمي ـ ــان‪ ،‬اب‬
‫(‪.)9481‬‬
‫(‪ )1‬املوافقات للشاط ‪ ،‬دار ابن عفان‪ ،‬ط‪3557 ،3‬م‪.)545/2( ،‬‬
‫(‪ )4‬عــامل املخــدرات واةرميــة بــني الو ايــة والعــال ‪ ،‬د‪ .‬معمــر ن ـواف ا وارنــة‪ ،‬وزارة الثقافــة‪ ،‬ا يئــة العامــة الســورية للكتــا ‪،‬‬
‫(ف‪.)55‬‬

‫‪141‬‬
‫اةاضرة العاشرة‪ :‬حقوق اإلنسان يف اإلسالم‬

‫{ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ‬ ‫تبني حك االنتحار ول تعاىل‪:‬‬


‫ومن النصوف المل ّ‬
‫ﱞﱟﱠﱡﱢﱣﱤﱥﱦﱧﱨﱩﱪﱫﱬ‬
‫ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ‬
‫ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ} [سورة النساء‪.]10-25:‬‬
‫وصف هللا سبحان اتل نفس ابلظامل املعتد الذ يستحق العذا يف النـار يف اآلخـرة‪،‬‬
‫فضال عن العذا بل يام الساعة؛ ألن كبرية مـن الكبـائر‪ ،‬وعـ ّدها ابـن ح ـر ا يتمـي (الكبـرية‬
‫ً‬
‫(‪)3‬‬
‫الرابعة عشرة بعد الثالجيائة) ‪.‬‬
‫وبيّنـ ـ نص ــوف الس ــنة النبوي ــة خط ــورة االنتح ــار‪ ،‬وأنـ ـ م ــن أبـ ـوا الفتن ــة وانقط ــار ص ــر‬
‫اإلنســان‪ ،‬وأيسـ مــن الثقــة ابهلل‪ ،‬لــذل جــاءت النصــوف يف الســنة تعــاة هــذ الظــاهرة اخلطــرية‬
‫على حياة اإلنسان‪ ،‬ومن هذ النصوف‪:‬‬
‫ـرد مــن جبـل فقتــل نفسـ فهــو‬ ‫عـن أيب هريـرة ‪ -◙-‬عــن النـ ‪-‬ﷺ‪ -‬ــال‪« :‬مـن ت ّ‬
‫حتســى مسًــا فقتــل نفس ـ فســم يف يــد‬
‫يف ر جهــن ي ـ ّد في ـ خالـ ًـدا خملـ ًـدا فيهــا أبـ ًـدا‪ ،‬ومــن ّ‬
‫أبدا‪ ،‬ومن تل نفس حبديدة فحديدت يف يد نأ ا يف بطنـ‬ ‫خالدا فيها ً‬ ‫ً‬ ‫يتحسا يف ر جهن‬‫ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫أبدا» ‪.‬‬
‫خملدا فيها ً‬
‫خالدا ً‬
‫ً‬ ‫يف ر جهن‬
‫إن تشـريع حقـوق اإلنسـان يف اإلســالم ومنهـا حـق احليـاة تشـريع جو نظـام اجتمـاعي يــز؛‬
‫كون العبد يف حيات لوًكا هلل تعاىل‪ ،‬وابلتاا فال أيم وال نوط من رمحة هللا‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ال ابن عطية يف احملرر‪" :‬اليأم من رمحة هللا وتفرن من صفة الكافرين" ‪.‬‬
‫إن حــق احليــاة فــو يف الش ـريعة ومصــان‪ ،‬وهــو مصــدر لكــل احلضــارات؛ لتســتفيد من ـ‬
‫البشـرية‪ ،‬سـواء يف حفــظ اةســد‪ ،‬ومــنح اإلنســان كــل مــا يســعد حياتـ مــن طعــام وشـرا وفــرح‪،‬‬
‫ومنع العدوان على اةسد ابلقول والفعل وتقدير جات نفسيًا‪.‬‬

‫(‪ )3‬الزواجر عن ا اف الكبائر‪ ،‬ابن ح ر ا يتمي‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ط‪3587 ،3‬م‪..)354/2( ،‬‬
‫(‪ )2‬روا البخار ‪ ،‬كتـا ‪ :‬الطـب‪ ،‬اب ‪ :‬شـر السـ والـدواء بـ ومبـا ـاف منـ واخلبيـث‪ ،‬بـر ‪)315/7( ،)5778( :‬؛‬
‫ومسل ‪ ،‬كتا ‪ :‬اإلميان‪ ،‬اب ‪ :‬غلظ حتر تل اإلنسان نفس ‪ ،‬بر ‪.)301/3( ،)375( :‬‬
‫(‪ )1‬احملرر الوجيز يف تفسري الكتا العزيز‪ ،‬ابن عطية‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪3422 ،3‬ه‪.)274/1( ،‬‬

‫‪141‬‬
‫اةاضرة العاشرة‪ :‬حقوق اإلنسان يف اإلسالم‬

‫حق اإلنسان الصحي يف الشريعة اإلسالمية‪:‬‬


‫مــن مقاص ــد الش ـريعة اإلس ــالمية حتقيــق ص ــحة جســدية ونفس ــية وعقليــة ل نس ــان‪ ،‬وه ــذا‬
‫يتطلــب وجــود مســوغات تســاه يف حتقيــق جل ـ ‪ ،‬ومنهــا الضــرورًّيت اخلمــس الــمل لطاملــا جكرهــا‬
‫الفقهاء يف كل مسألة س حاجة كل إنسان‪ ،‬ومن جل ‪:‬‬

‫أولًا‪ :‬احلقوق اليت حتفظ جسد اإلنسان‬


‫األمــور الــمل شــرعها اإلســالم وجعلهــا منــاط احلــق لل ســد هــي الغــذاء الصــحي والتــداو ‪،‬‬
‫ويف عصر الراهن الفحص الط بل الزوا ‪ ،‬وكذل مشروعية احل ر الصحي‪.‬‬
‫وأما احلق املرتبط ابلغذاء والشرا فالواجب أن أيكل اإلنسان ا رز تعاىل‪ ،‬مراعيًا‬
‫بذل لدا الطعام ونظافت وحسن طهي ؛ ألهنا من أه عوامل حتقيق الصحية اةسدية المل‬
‫ختص أجهزة اةس املتنوعة واملتكاملة لتحقيق صحة جسدية؛ ولذل جاءت النصوف حت ّذر‬
‫{ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ‬ ‫من أكل ما يمج جسد اإلنسان ويتعب ‪ ،‬ال تعاىل‪:‬‬
‫ﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏﲐﲑﲒﲓﲔﲕﲖﲗﲘ‬
‫ﲙ ﲚ} [سورة النحل‪.]335:‬‬
‫توســع اإلنســان يف العبــادة وهــي مشــروعة‪،‬‬
‫ـدخل الشــارر لتحقيــق صــحة اةســد إجا ّ‬
‫ولقــد تـ ّ‬
‫بني املشرور منها‪ ،‬فقال فيمـا يرويـ عبـد هللا بـن عمـر بـن العـاف ‪-¶-‬‬ ‫لكن الن ‪-‬ﷺ‪ّ -‬‬
‫ُخبَـ ْر أن تصوم النهـار وتقـوم الليـل؟ فقلـ ‪:‬‬
‫ال‪ :‬ال ا رسول هللا ‪-‬ﷺ‪ًّ« :-‬ي عبد هللا‪ ،‬أمل أ ْ‬
‫(‪)3‬‬
‫بلى ًّي رسول هللا‪ .‬ال‪ :‬فال تفعل‪ ،‬ص وأفطر‪ ،‬و ومن‪ ،‬فإن ةسدك علي حقاا» ‪.‬‬
‫وتدخل الشارر اإلسالمي ونظّ احلق يف الغذاء؛ ح يكون افظًا على صـحة اإلنسـان‪،‬‬ ‫ّ‬
‫يفرط يف جل ‪.‬‬ ‫فطلب من املسل أن أيكل من الطعام ما يناسب حاجت وال ّ‬
‫إن حتقيق الضوابط الصحية يف طعام املسل وشراب وعبادت طفظ ل حق حياتـ ‪ ،‬وخاصـة‬
‫ابةان ــب الو ــائي و ن ــب الع ــدو م ــن خ ــالل املت ــاح م ــن الوس ــائل الو ائي ــة‪ ،‬م ــن أمهه ــا احل ــر‬

‫(‪ )3‬روا البخــار ‪ ،‬كتــا الصــوم‪ ،‬اب ‪ :‬حــق اةس ـ يف الصــوم‪ ،‬ب ـر ‪)51/1( ،)3575( :‬؛ ومســل ‪ ،‬كتــا ‪ :‬الصــيام‪،‬‬
‫اب ‪ :‬النهي عن صوم الدهر ملن تضرر ب ‪ ،‬بر ‪.)832/2( ،)3355( :‬‬

‫‪142‬‬
‫اةاضرة العاشرة‪ :‬حقوق اإلنسان يف اإلسالم‬

‫ال‪« :‬ال‬ ‫‪-‬ﷺ‪-‬‬ ‫الصحي الذ دلّ النصوف الشرعية علي ‪ ،‬ومنها ما روا أبو هريرة أن الن‬
‫(‪)3‬‬
‫ي ِرد ُْ ِرض على م ِ‬
‫ص إّح» ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُُ‬
‫والعمل ذا التوجي حفظ لآلخرين‪ ،‬ومينع نقل العدو ونشرها بني أبناء ا تمع‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬حفظ العقل‬


‫ومبا أن العقل يقوم ابلتفكري والتأمل ومعرفة احلسن من القبيح فهو سـيكون احملـل املناسـب‬
‫حلفظ حياة اإلنسان وكرامت ‪ ،‬والتفكري السلي الذ يدرك من خالل يمة املسـاواة مـع خلـق هللا‬
‫يتيسر من وسائل احلفـظ املاديـة واملعنويـة‪ ،‬ومـن جلـ‬ ‫تعاىل‪ ،‬ولذل وجب حفظ العقل بكل ما ّ‬
‫حت ـ ــر الشـ ـ ـريعة اإلس ـ ــالمية املس ـ ــكرات واملخ ـ ــدرات‪ ،‬و ـ ــد أثبتـ ـ ـ الدراس ـ ــات احلديث ـ ــة خط ـ ــورة‬
‫املخدرات‪ ،‬وأهنا تمد إىل اإلصابة ابألمراض العصبية والعقلية والنفسي‪.‬‬
‫إن حف ــظ العق ــل ي ــمد إىل حف ــظ امل ــال‪ ،‬وحتقي ــق مقاص ــد اإلنس ــان يف عيش ـ ـ وتفك ــري‬
‫الصــحيح‪ ،‬وحتقيــق األمــن النفســي لصــاحب ؛ لــذل ــررت الشـريعة عقوبــة علــى مــن يفســد صــحة‬
‫عقل ‪ ،‬فقد جاء عن أنس بن مال أن الن ‪-‬ﷺ‪« :-‬ضر يف اخلمـر ابةريـد والنعـال‪ ،‬وجلـد‬
‫(‪)2‬‬
‫أبو بكر أربعني» ‪.‬‬
‫وجه ـ الش ـريعة اإلنس ــان ليختــار امل ــنهج القــو ؛ ليخت ــار صــحة لعقل ـ مــن الناحي ــة‬ ‫و ــد ّ‬
‫وج ـ إىل اختي ــار أب ـوا العل ـ ال ــمل مل يش ــذ أص ــحا ا‪ ،‬وأثبت ـ م ــن الناحي ــة‬
‫األخال ي ــة‪ ،‬حي ــث يُ َّ‬
‫النظرية والعملية صحتها‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬حفظ النفس‬


‫اةانب املكمل ةسد اإلنسان وعقل النفس المل أودعها هللا ‪ ،-▐-‬وجعلها سر‬
‫عظمة اخلـالق‪ ،‬فـنفس اإلنسـان هـي مـرلة حالتـ الصـحية‪ ،‬وسـالمت العقليـة‪ ،‬وكلمـا تعبـ الـنفس‬
‫وحل ا الداء‪.‬‬
‫اإلنسانية انعكس جل على أعضاء اةسد َّ‬

‫(‪ )3‬روا مسل ‪ ،‬كتا ‪ :‬السالم‪ ،‬اب ‪ :‬ال عدو وال طرية‪ ،‬بر ‪.)3741/4( ،)2223( :‬‬
‫(‪ )2‬روا البخار ‪ ،‬كتا ‪ :‬احلدود‪ ،‬اب ‪ :‬ما جاء يف ضر شار اخلمر‪ ،‬بر ‪)357/8( ،)9771( :‬؛ ومسل ‪ ،‬كتا ‪:‬‬
‫احلدود‪ ،‬اب ‪ :‬احلدود كفارات ألهلها‪ ،‬ر احلديث‪.)3113/1( ،)3709( :‬‬

‫‪143‬‬
‫اةاضرة العاشرة‪ :‬حقوق اإلنسان يف اإلسالم‬

‫لذل أول الشريعة اإلسالمية النفس اإلنسانية بعناية خاصة‪ ،‬وخاصـة يف ترويضـها علـى‬
‫اإلميان ابلقضاء والقدر من خالل الرضا والصر واحتسا األجر‪.‬‬
‫والصــر الــذ جكرتـ عمــاد العبــادة‪ ،‬مثــل الصــالة و ـراءة القــرلن واألجكــار‪ ،‬وهــي مــن أهـ‬
‫مقومات محاية الصحة النفسية‪.‬‬
‫و ــد الــنفس اإلنســانية رارهــا وســعادهتا إجا ابتعــدت عــن الش ـ وســلك املــنهج ال ـرابين‬
‫تعافـ وأصــبح يف ميـزان التقــو ‪ ،‬وتثــق أبن هللا يــرح خلقـ ومــا خلقهـ ليعــذ ‪ ،‬فاحليــاة ــر‬
‫{ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ‬ ‫إىل حيــاة لمنــة وطمأنينــة دائمــة‪ ،‬ميثّلهــا ــول هللا تعــاىل‪:‬‬
‫ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ} [سورة الف ر‪.]28-27:‬‬
‫إن مسمولية حتقيق الطمأنينة لـنفس اإلنسـان واجـب تقتضـي الفطـرة السـليمة علـى الدولـة‪،‬‬
‫وهو أعظ مقصود للكتب السماوية‪ ،‬وتزكيتها هو إصالح لألمة كاملة‪.‬‬
‫حق الكرامة‪:‬‬
‫مبا أن حقوق اإلنسان منحة إ ية وتكر خاف ل نسان‪ ،‬فإن كرامة اإلنسان من احلقوق‬
‫{ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ‬ ‫املهمة المل نص عليها صريح القرلن الكر من خالل ول تعاىل‪:‬‬
‫ﲂﲃﲄﲅﲆﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎ‬
‫ﲏ} [سورة اإلسراء‪.]70:‬‬
‫ملاهر التكريم اإلهلي لإلنسان‪:‬‬
‫ومن أعظ مظاهر التكر ‪:‬‬
‫‪ .3‬خلــق هللا تع ــاىل ل نس ــان يف أحس ــن تق ــو ‪ ،‬ونفــخ في ـ روح احلي ــاة وأض ــافها ‪ --‬ل ـ‬
‫تشـ ـ ـ ـري ًفا وتكرمي ـً ـ ـ ـا‪ ،‬ـ ـ ــال تع ـ ـ ــاىل‪{ :‬ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ}‬
‫[سورة احل ر‪.]25:‬‬
‫‪ .2‬االح ام والتكر وعدم التنمر‪ :‬إن معيار الكرامة اإلنسانية كما بيّنت النصوف الشـرعية‪،‬‬
‫ـديرا يليــق ــا كوهنــا مكرمــة مــن هللا تعــاىل‪ ،‬فــال يليــق‬
‫يتمثّــل يف عــزة نفــس اإلنســان وتقــديرها تقـ ً‬
‫بكرامة اإلنسان أن هتدر ابلتعذيب واإلهانة والشت ‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫اةاضرة العاشرة‪ :‬حقوق اإلنسان يف اإلسالم‬

‫‪ .1‬تــوفري ســبل احلمايــة والرعايــة‪ :‬إن مبــدأ الكرامــة ل نســان هــو مســمولية الدولــة واألف ـراد‪،‬‬
‫فتــوفري العــال الــالزم ل ـ وظيفــة الدولــة وا تمــع‪ ،‬والقضــاء علــى العنص ـرية جــوهر حتقيــق كرامــة‬
‫اإلنسان‪.‬‬
‫خاصـا‬
‫ـارا ً‬ ‫ومن اةوانب الـمل يّـزت ـا كرامـة اإلنسـان يف الشـريعة اإلسـالمية أن هنـاك معي ً‬
‫لر ي الكرامة اإلنسانية‪ ،‬وهو التقو المل تعين هنـا طاعـة هللا كمـا أمـر‪ ،‬حيـث تـنعكس ل ر هـذ‬
‫ـامال‪ ،‬و عــل اإلنســان يعــيش يف متمــع لمــن يشــب املثاليــة احلقيقيــة‪ ،‬ــال‬
‫الطاعــة علــى ا تمــع كـ ً‬
‫تع ـ ـ ــاىل‪{ :‬ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ‬
‫ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ} [سورة احل رات‪.]31:‬‬
‫‪ .3‬اخلالفة يف األرض‪ :‬إجا كان التقو هي املعيار يف التفاضـل بـني النـام عنـد هللا تعـاىل؛‬
‫لذل جاءت خالفة اإلنسان هلل تعاىل يف ملك الواسـع‪ ،‬فهـذا مـن أعظـ التشـريف دون اعتبـار‬
‫للون أو بيلت أو سلطت ‪.‬‬
‫مالئم ــا ــذا التك ــر‬
‫ً‬ ‫وجهـ ـ ليك ــون عملـ ـ‬
‫‪ .2‬التق ــو ‪ :‬فعن ــدما م ــنح هللا اإلنس ــان التك ــر ّ‬
‫و افظًــا عل ــى يمتـ ـ ‪ ،‬فكانـ ـ التق ــو أ ‪ :‬العم ــل ابملش ــرور‪ ،‬واحملافظ ــة عل ــى نـ ـواميس الك ــون‬
‫ومقدراتـ الــمل يشـ ك فيهــا مــع اآلخـرين‪ ،‬وهــذا يســتدعي وجــود مقيــام يتفاضــل فيـ النــام ــا‬
‫حق كرامته ‪.‬‬
‫فيتعد حق الكرامة لألمـوات مـن خـالل تكليـف األحيـاء‬ ‫‪ .1‬حق كرامة املسل وهو مي ‪َّ :‬‬
‫بواجبــات اجتماعيــة‪ ،‬مثــل‪ :‬غســل املي ـ ودفن ـ وحرمــة جســد ‪ ،‬ومــن األمثلــة علــى صــيانة حــق‬
‫األموات يف بوره ‪ :‬عدم املشي عليها أو نبشها‪ ،‬يقـول ابـن عابـدين احلنفـي‪" :‬ومـا يفعلـ جهلـة‬
‫(‪)3‬‬
‫تعل أراب ا‪ ،‬وإدخال أجانب عليه فهو من املنكر الظاهر" ‪.‬‬
‫احل ّفارين من نبش القبور المل مل ُ‬
‫لقد م ّكن الشريعة اإلسالمية الدولة والنظام االجتماعي محاية كرامة اإلنسـان دون النظـر‬
‫أل اعتبــار‪ ،‬ويف اتر نــا اإلســالمي شــاهد علــى جلـ ‪ ،‬حيــث تطالعنــا األخبــار مبو ــف حضــار‬
‫مــن اخلليفــة الراشــد عمــر بــن اخلطــا ‪ -◙-‬عنــدما ضــر األمــري الغســاين جبلــة بــن األيهـ‬

‫(‪ )3‬رد احملتار على الدر املختار‪ ،‬ابن عابدين‪ ،)11/2( ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪3552 ،2‬م‪.‬‬

‫‪145‬‬
‫اةاضرة العاشرة‪ :‬حقوق اإلنسان يف اإلسالم‬

‫أعرابيًا‪ ،‬ورفع األمر لعمر ‪ -◙-‬وهو ميثل الدولة‪ ،‬فقـد أمـر ابلقصـاف؛ ألن كرامـة اإلنسـان‬
‫ايع ــا‪ ،‬وع ـ ّـر ع ــن جل ـ ـ خليفـ ــة املسـ ــلمني عم ــر ب ــن اخلطـ ــا‬
‫فوظ ــة‪ ،‬ويتس ــاو ــا النـ ــام ً‬
‫(‪)3‬‬
‫‪-◙-‬بعبارت ‪( :‬م استعبد النام و د ولدهت أمهاهت أحر ًارا!) ‪.‬‬
‫وخالصة حق الكرامة يف الشريعة اإلسالمية أن رّابين املصدر‪ ،‬وشرع ل األحكام‪ ،‬وكرم‬
‫اإلنسان خبالفة األرض والقيام حبضارهتا‪.‬‬
‫حق احلرية‪:‬‬
‫م ــنح هللا ‪ --‬اإلنس ــان ح ــق احلري ــة فيم ــا يعين ـ عل ــى كس ــب عيش ـ وم ــا يتعل ــق أبم ــور‬
‫االجتماعية‪ ،‬ومن ضوابط تتعلق أبصل خلقة اإلنسان وتكوين ‪ ،‬وابلتـاا فحـق احلريـة لـ مفهومـ‬
‫ومصدر اخلاف يف القرلن والسنة‪ ،‬ال تعاىل‪{ :‬ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ ﳙ‬
‫ﳚﳛﳜﳝﳞﳟﳠﳡﳢﳣﳤﳥﳦﳧ‬
‫ﳨ ﳩ} [سورة‬ ‫البقرة‪.]259:‬‬
‫وحق احلرية بناء على ما سبق هو تكوين ثقافة عامة عند النـام‪ ،‬يعتمـد علـى احـ ام حـق‬
‫اآلخ ـرين يف اعتقــاد مــا شــاؤوا دون إك ـرا ‪ ،‬وميكــن أن نقــول عــن احلريــة بشــكل عــام إهنــا‪" :‬هــي‬
‫ســلطة التصــرف يف األفعــال عــن إرادة ورويــة‪ ،‬وهــي امللكــة اخلاصــة الــمل يــز الكــائن النــاطق عــن‬
‫غري ‪ ،‬ليتخذ رار دون إكـرا أو إجبـار أو سـر خـارجي‪ ،‬وإامـا تـار أفعالـ عـن ـدرة واسـتطاعة‬
‫علــى العم ــل أو اإل نــار في ـ ‪ ،‬دون ضــغط خ ــارجي‪ ،‬ودون الو ــور حت ـ ثــري ــوة أجنبيــة عن ـ ‪،‬‬
‫فاحلريــة ــدرة‪ ،‬وحــق ل نســان ــا أخيـ اإلنســان مــن جهــة‪ ،‬ومبــا يصــدر عنـ ابختيــار مــن جهــة‬
‫(‪)2‬‬
‫أخر " ‪.‬‬
‫نالحــظ أن احلريــة الدينيــة يف الشـريعة اإلســالمية منوطــة ابلعقــل والتفكــري‪ ،‬واإلرادة النا ــة‬
‫جكــر أصــحا ا أبن ســوء االختيــار وخمالفــة‬‫عــن القناعــة الذاتيــة والتحــرر مــن العبوديــة لغــري هللا‪ ،‬مث َّ‬
‫الق ـرار العقلــي تعـ ّـرض صــاحبها للخطــر والعقوبــة؛ ألن العقــل الســلي يــدل علــى حقيقــة االنقيــاد‬
‫ل ميــان ابهلل تعــاىل‪ ،‬وهنــا تبــدو نـوازر احلريــة املالزمــة للحــق‪ ،‬وابحلــق تكــون حريــة االختيــار اب ــا‬

‫(‪ )3‬حقوق اإلنسان يف اإلسالم‪ ،‬د‪ .‬دمحم الزحيلي‪ ،‬دار ابن كثري‪ ،‬ط‪2004 ،1‬م‪.)347( ،‬‬
‫(‪ )2‬احلري ــة الديني ــة يف الشـ ـريعة اإلس ــالمية أبعاده ــا وضـ ـوابطها‪ ،‬د‪ .‬دمحم الزحيل ــي‪ ،‬مل ــة جامع ــة دمش ــق للعل ــوم اال تص ــادية‬
‫والقانونية‪ ،‬ا لد ‪ ،27‬العدد األول‪2033 ،‬م‪( ،‬ف‪..)171‬‬

‫‪146‬‬
‫اةاضرة العاشرة‪ :‬حقوق اإلنسان يف اإلسالم‬

‫اإلميان الصحيح وخمالفة دوافع الشهوة والنزعات املتعلقة ابلدنيا أو اخلوف من الطواغي ‪ ،‬يقـول‬
‫الدكتور دمحم الزحيلي‪" :‬فإن وصـل اإلنسـان بتفكـري واختيـار إىل معرفـة هللا الواحـد األحـد فـذل‬
‫الدين القي ‪ ،‬دين الفطرة الذ ارتضا اإلنسان لنفسـ ‪ ،‬فين ـو يف الـدنيا‪ ،‬وطظـى برضـوان هللا يف‬
‫(‪)3‬‬
‫اآلخرة" ‪.‬‬
‫واملس ــتند الش ــرعي ــذا اال ـا م ــا روا أب ــو هري ــرة ‪ -◙-‬أن ـ ك ــان يق ــول رس ــول هللا‬
‫(‪)2‬‬
‫‪-‬ﷺ‪(( -‬ما من مولود إال يولد على الفطرة‪ ،‬فأبوا يهودان وينصران ومي سان …)) ‪.‬‬
‫إن مسو احلرية يف الشـريعة اإلسـالمية و يزهـا علـى الشـعو األخـر أهنـا منحـ املسـلمني‬
‫حريــة ت ـواز فطــرة البشــر الــمل خلق ـوا عليهــا‪ ،‬وكــذل تناســب مــدارك عقــو وكفايــة حاجــاهت ‪،‬‬
‫وه ــي حري ــة اتس ــع حـ ـ لغ ــري املس ــلمني‪ ،‬يق ــول خال ــد ب ــن الولي ــد‪( :‬إ ّ ال نك ــر أح ـ ًـدا عل ــى‬
‫(‪)1‬‬
‫اإلسالم‪ ،‬ولو كان الكافر يقاتل ح يسل لكان هذا أعظ إكرا على الدين) ‪.‬‬
‫حق التعكيم‪:‬‬
‫العل يف اإلسالم جو مكانة مهمـة وجـزء مـن الـدعوة إىل هللا‪ ،‬ـال تعـاىل مبينًـا أمهيـة العلـ ‪:‬‬
‫{ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ‬

‫الزمر‪.]5:‬‬
‫ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ} [سورة‬
‫والشاهد العملي ملكانة التعلي يف اإلسالم وأن حق فطر يالزم احلياة ومتطلبات عاحهـا‬
‫أن الن ‪-‬ﷺ‪ -‬جعل فدية األسري أبسر بدر تعلي عشرة من أبناء املسلمني‪.‬‬
‫ولتأكيــد حــق التعلــي ل نســان وضــرورة نشــر بشــكل صــحيح منعـ الشـريعة كتمـ وعلــى‬
‫{ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ‬ ‫جل العقوبـة‪ ،‬ـال تعـاىل‪:‬‬
‫البقرة‪.]355:‬‬ ‫ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ} [سورة‬

‫(‪ )3‬حقوق اإلنسان يف اإلسالم‪ ،‬د‪ .‬دمحم الزحيلي‪( ،‬ف‪.)372‬‬


‫(‪ )2‬أخرج البخار ‪ ،‬كتا ‪ :‬اةنائز‪ ،‬اب ‪ :‬ما يل يف أوالد املشركني‪ ،‬بر ‪ ،)300/2( ،)3185( :‬ولفظ ‪(( :‬كل مولود‬
‫يولـ ــد علـ ــى الفطـ ــرة‪ ،))...‬ومسـ ــل ‪ ،‬كتـ ــا ‪ :‬القـ ــدر‪ ،‬اب ‪ :‬معـ ــو كـ ــل مولـ ــود يولـ ــد علـ ــى الفطـ ــرة‪ ،‬ب ـ ـر ‪،)2958( :‬‬
‫(‪.)2047/4‬‬
‫(‪ )1‬املقاصد العامة للشريعة اإلسالمية بني األصالة واملعاصرة‪ ،‬د‪ .‬فاطمة دمحم عبد املطلب‪ ،‬دار اةنان‪ ،‬عمان‪2037 ،‬م‪،‬‬
‫(ف‪.)247‬‬

‫‪147‬‬
‫اةاضرة العاشرة‪ :‬حقوق اإلنسان يف اإلسالم‬

‫ولتحقيــق نشــر التعلــي وإظهــار احلــق في ـ ال بــد مــن وجــود أســبا تســاه يف حتقيــق هــذا‬
‫احلق و كني أفراد ا تمع من ‪ ،‬ومن جل ‪:‬‬
‫‪ .3‬دع ـ ال ـرامج التعليميــة؛ لتكــون معاصــرة‪ ،‬تناســب ميــول ورغبــات املتعلمــني‪ ،‬وإكســا‬
‫خرات تعليمية معاصرة و فعة‪ ،‬من خالل املمسسات جات الصفة الرمسية‪.‬‬
‫‪ .2‬وأن يت ـ التعلــي ابلفــرد إىل بنــاء شخصــية أخال يــة‪ ،‬وتعزيــز ــي اإلميــان ابهلل واإلحســان‬
‫إىل متمع ‪.‬‬
‫لقد سبق التشريع اإلسالمي املنظمات احلقو ية يف منح كل إنسان حق من التعلي ‪.‬‬
‫والتعلــي يف الش ـريعة كحــق تقــر ب ـ ‪ ،‬يســتو في ـ أف ـراد األمــة أطفـ ًـاال وبنــات‪ ،‬ويشــمل كــل‬
‫ســاكين الدولــة بغــال النظــر عــن ميــو ولــوهن ومكــانته االجتماعيــة‪ ،‬ألن التعلــي ســيزيل هــذ‬
‫ويعزز ي املواطنة واالنتماء للوطن‪ ،‬وحتقيق مكاسب عزت ومنعت ‪.‬‬ ‫الفوارق‪ ،‬وينظّ ا تمع‪ّ ،‬‬
‫حق اإلنسان يف املساواة‬
‫اوزا بذل‬
‫ايعا‪ ،‬مت ً‬
‫من املباد العظيمة يف اإلسالم تقرير حق املساواة بني النام ً‬
‫حدود العنصرية واللون والقرابة‪ ،‬وهي أول شريعة عمل ب حقيقة ووضع اإلسالم لذل واعد‬
‫ظمة ل ‪ ،‬وهي الة احلقوق املقررة ل نسان؛ من أجل ضمان العمل ب وعدم االحنراف عن ؛‬
‫ألن الشريعة اإلسالمية تنظر إىل اخللق أهن من أصل واحد‪ ،‬وال تفاضل بني أحد أو ااعة‬
‫على لخر‪ ،‬وهذا تقرير ول تعاىل‪{ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ‬
‫ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ}‬
‫النساء‪.]3:‬‬ ‫[سورة‬
‫ايعا ابحلقوق‬
‫إن هذا التقرير يف حق املساواة بني النام رابين‪ ،‬حيث يقرر تساو النام ً‬
‫والواجبات‪ ،‬ومنها‪( :‬احلقوق املدنية كحق التعا د والتملـ بـدون تفر ـة بـني شـريف ووضـيع‪ ،‬وال‬
‫(‪)3‬‬
‫بني غين وفقري‪ ،‬وال بني بو ومكرو ‪ ،‬وال بني ريب وبعيد) ‪.‬‬

‫(‪ )3‬حقــوق اإلنســان يف الفكــر العــريب اإلســالمي والفكــر العــاملي‪ ،‬د‪ .‬رجــاء مـراد الشــاو ‪ ،‬دار اليــازور العلميــة‪ ،‬عمــان‪،‬‬
‫ط‪2034 ،3‬م‪( ،‬ف‪.)97‬‬

‫‪148‬‬
‫اةاضرة العاشرة‪ :‬حقوق اإلنسان يف اإلسالم‬

‫ومــن مقتضــيات حــق املســاواة يف اإلســالم أن تكــون املســاواة واحــدة بــني اخللــق يف حــق‬
‫{ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ‬ ‫احل ـ ــدود الش ـ ــرعية‪ ،‬ـ ــال تع ـ ــاىل‪:‬‬
‫ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ} [ســورة املائــدة‪ .]18:‬و ــد يمصــل اإلســالم حــق املســاواة‬
‫بني املسلمني وأهل األدًّين األخر ‪ ،‬وتكون القيمة املأخوجة للمساواة هي‪" :‬تفاوهت يف الكفايـة‬
‫والعل واألخالق والتقو ‪ ،‬وغري جلـ مـن األعمـال الـمل يقـ ّدمها كـل مـنه لربـ ولنفسـ و تمعـ‬
‫(‪)3‬‬
‫ول نسانية اعاء" ‪.‬‬
‫ويف حياة نبينا دمحم ‪-‬ﷺ‪ -‬لّ املوا ف اإلنسانية والتسوية احلقو ية ذ القضية بشكل‬
‫عملي‪ ،‬وتواترت األخبار عن فعل ‪-‬ﷺ‪ -‬وهي جيرة من جيار هذا الدين احلق‪.‬‬
‫مقررا مباد احلضارة اإلنسانية القائمة على الفطرة ومـنهج‬‫ال ‪-‬ﷺ‪ -‬يف خطبة الودار‪ً ،‬‬
‫احلــق‪« :‬إن ربك ـ واحــد‪ ،‬وإن أابك ـ واحــد‪ ،‬كلك ـ آلدم ولدم مــن ت ـرا ‪ ،‬إن أكــرمك عنــد هللا‬
‫(‪)2‬‬
‫أتقاك ‪ ،‬وليس لعريب فضل على ع مي إال ابلتقو » ‪.‬‬
‫وهكــذا يظهــر لنــا املقيــام الــد يق الــذ يت ـاوز كــل ظنــون البشــر؛ لتحقيــق املســاواة هــو‬
‫العال ة الصحيحة مع هللا تعاىل‪ ،‬و د مسّاها القرلن التقو ‪ ،‬و ا استقام حياة النـام وتركـوا مـا‬
‫للــدنيا للــدنيا‪ ،‬وانشــغلوا ابحلــق الــذ يكــون جسـ ًـرا صــاحلًا لآلخــرة‪ ،‬ومــن أعظ ـ هــذ األمثلــة مــا‬
‫طبّق ـ ســيد علـ ّـي مــع النص ـراين الــذ ســرق درع ـ ‪ ،‬وملــا حتك ـ مع ـ إىل ش ـريح‪ ،‬ورأ النص ـراين‬
‫املساواة بين وبني أمري املممنني عند القاضي أعلن إسالم ‪.‬‬

‫(‪ )3‬حقــوق اإلنســان يف الش ـريعة اإلســالمية يف ضــوء مصــدريها القــرلن والســنة‪ ،‬ملــة كليــة ال بيــة‪ ،‬جامعــة األزهــر‪ ،‬العــدد‬
‫(‪2035 ،)394‬م‪.)503( ،‬‬
‫(‪ )2‬السرية النبوية على ضوء القرلن والسنة‪ ،‬دمحم أبو نسيبة‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪3427 ،8‬هـ‪.)185/2( ،‬‬

‫‪149‬‬
‫اةاضرة احلادية عشرة‪ :‬اخلالف الفقهي‬

‫اةاضرة احلادية عشرة‬


‫اخلالف الفقهي‬

‫‪151‬‬
‫اةاضرة احلادية عشرة‪ :‬اخلالف الفقهي‬

‫‪ ‬أهداف الدرس‪:‬‬
‫‪ -‬أن يعرف الطالب كيفية التعامل مع اخلالف الفقهي‪.‬‬
‫‪ -‬أن يعرف الطالب سعة الشريعة يف القضاًّي الفقهية‪.‬‬
‫‪ -‬أن يعرف الطالب و ور اخلالف الفقهي من عصر الصحابة‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫اةاضرة احلادية عشرة‪ :‬اخلالف الفقهي‬

‫التعريف‪:‬‬
‫املس ــائل اخلالفي ــة يف األحك ــام الفقهي ــة ه ــي‪" :‬ال ــمل مل يتف ــق عليه ــا م ــن يعت ــد خبالف ـ م ــن‬
‫الفقهاء"‪.‬‬

‫اخلالف سنة كونية‪:‬‬


‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ‬ ‫االختالف سنّة كونية‪ ،‬و ضية حتمية‪ ،‬يقول تعاىل‪:‬‬
‫ﱇﱈﱉﱊﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱑﱒﱓﱔﱕﱖﱗﱘ‬
‫ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ} [سورة هود‪.]335-338:‬‬
‫و ــد ــال بع ــال أه ــل العل ـ يف تفس ــريها‪" :‬ول ــذل " أ ‪ :‬للرمح ــة‪ ،‬لالجتم ــار‪ ،‬ومل لقه ـ‬
‫أيض ــا ل ــيس ــل اتف ــاق ب ــني أه ــل العل ـ ‪ ،‬وم ــنه م ــن يق ــول‪" :‬ول ــذل‬
‫لالخــتالف‪ ،‬ولك ــن ه ــذا ً‬
‫خلقه " يعين لالختالف؛ ألن سنت الكونية د ا تض جل ‪ ،‬وليس املقام هنا يف بيـان الـراجح‬
‫من القولني‪ ،‬وإاما اإلشارة إىل هذا املعو على أحد االحتمالني‪.‬‬
‫ل ــذا ف ـاالختالف أم ــر متحق ــق الو ــور‪ ،‬وال ب ــد أن ي ــدرك البش ــر التف ــاوت ال ــذ ــدر هللا‬
‫‪ --‬و ضا يف هذا اخللق‪ ،‬التفـاوت يف القـدرات‪ ،‬واإلمكـا ت‪ ،‬والعقـول‪ ،‬واملـدارك‪ ،‬التفـاوت‬
‫يف العل واملعرفة‪ ،‬فالنام يتفاوتون‪ ،‬يتفاوتون يف النظر‪ ،‬واالجتهاد يف طلب احلـق‪ ،‬إىل غـري جلـ‬
‫من اةوانب‪.‬‬

‫أسباب اختالف الفقهاء‪:‬‬


‫اختالف العلماء يف الفق هو وا ع يف األمة منذ وفاة رسول هللا ‪-‬ﷺ‪ -‬وانقطار الوحي‪،‬‬
‫ب ــل لق ــد و ــع اخل ــالف الفقه ــي يف زم ــن الرس ــول ‪-‬ﷺ‪ -‬ومل يعن ــف الرس ــول أح ــد الف ـريقني ي ــوم‬
‫ـلني أحـد العصـر إال يف بـين ريظـة»‪ ،‬فقـد فهـ‬
‫األحزا يف فهمه لقـول النـ ‪-‬ﷺ‪« :-‬ال يص ّ‬
‫بعضــه أن الرســول ‪-‬ﷺ‪ -‬أوجــب علــيه الصــالة يف بــين ريظــة‪ ،‬فــانتظروا صــالة العصــر فيهــا‪،‬‬
‫صد أن يسرعوا يف املسري فصلّوا يف الطريق‪.‬‬ ‫‪-‬ﷺ‪-‬‬ ‫وفه لخرون أن‬
‫والختالف العلماء يف املسائل الفقهية مسببات عدة‪ ،‬نلخص أمهها فيما يلي‪:‬‬

‫‪152‬‬
‫اةاضرة احلادية عشرة‪ :‬اخلالف الفقهي‬

‫أسباب اختالف العكماء‬

‫االختالف في القواعد‬ ‫تعارض‬ ‫نسيان الدليل‬ ‫عدم بلوغ الدليل‬


‫األصولية‬ ‫األدلة‬

‫االختالف فيما ال‬ ‫عدم المعرفة بداللة‬ ‫تفاوت فهم‬ ‫الشك في ثبوت‬
‫نص فيه‬ ‫األلفاظ‬ ‫األدلة‬ ‫الدليل‬

‫أولًا‪ :‬عدم بكوغ الدليل‬

‫وجل ـ أبن يصــل احلــديث إىل ــوم‪ ،‬وال يصــل إىل لخ ـرين‪ ،‬فيُبــو علــى جل ـ اخــتالف يف‬
‫استنادا على ما‬
‫ً‬ ‫األحكام‪َّ ،‬‬
‫وإاما تفاضل العلماء من الصحابة ومن بعده ‪ ،‬بكثرة العل أو جودت‬
‫بلغهـ ـ م ــن أدل ــة ونص ــوف مثبتـ ـة‪ ،‬وم ــن األمثل ــة عل ــى جلـ ـ ‪ :‬عن ــدما ُس ــئل أب ــو بك ــر الص ــديق‬
‫‪ -◙-‬عن مرياث اةدة وهو مل يبلغ احلـديث الـذ يبـني نصـيبها‪ ،‬أجـا ‪ :‬أنـ مل يعهـد ـا‬
‫‪-‬ﷺ‪-‬‬ ‫ش ــيئًا يف كت ــا هللا وس ــنة نبي ـ ‪-‬ﷺ‪ ،-‬فس ــأل الص ــحابة‪ ،‬فش ــهد بعض ــه أن الرس ــول‬
‫أعطاها السدم‪ ،‬فأنفذ ا‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬الشك يف ثبوت الدليل‬

‫د يصل الدليل إىل إوم فيأخذون ب ‪ ،‬ويبنون علي األحكام‪ ،‬ويصل إىل لخـرين فيَ ُشـكون‬
‫يف صــحت ‪ ،‬ويف مصــدا ية الــرواة‪ ،‬ويضــعفون ‪ ،‬وال يعملــون ب ـ ‪ ،‬فيحصــل االخــتالف يف األحكــام‬
‫بناءً على األدلة المل االستناد عليها‪ .‬ومن األمثلة على جل ‪ :‬شـ بعـال العلمـاء يف حـديث‬
‫ابــن مســعود ‪ -◙-‬يف مســألة "مــن مــات بعــد العقــد‪ ،‬و بــل الــدخول‪ ،‬ومل يكــن مسَّـى مهـ ًـرا‪،‬‬
‫مــاجا نــب لزوجتـ ؟" ــا أد إىل اخــتالف أحكــامه بنــاءً علــى األدلــة الــمل اســتدلوا ــا‪ .‬كــذل‬
‫لألخذ خبر الواحد ليس لغريه فيختلفون‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫د تكون لبعال العلماء شروط‬

‫‪153‬‬
‫اةاضرة احلادية عشرة‪ :‬اخلالف الفقهي‬

‫ثالثًا‪ :‬نسيان الدليل‬


‫مدونــة يف صــدر اإلســالم‪ ،‬لــذل كــان االعتمــاد فيهــا علــى احلفــظ‪ ،‬و ــد‬
‫فالســنّة مل تكــن ّ‬
‫جكـر ابــن تيميــة هــذا الســبب بقولـ ‪" :‬أن يكــون احلــديث ــد بلغـ وثبـ عنــد لكــن نســي ‪ ،‬وهــذا‬
‫يرد يف الكتا والسنة"‪ ،‬وطدث بذل اختالف يف األحكـام واملسـائل الفقهيـة؛ ألنـ مـن احملـال‬
‫على العامل إدراك العل كل وهذ فطرة البشر‪ ،‬ومن أمثلة جل ‪ :‬نسيان عمـر ‪ -◙-‬حـديث‬
‫التيم ملن أجنب إج مل ند ماءً فأف أبن ال يصلي رغ جواز التيم ‪.‬‬

‫رابعًا‪ :‬تفاوت عهم األدلة‬


‫ــد يتفــاوت العلمــاء يف اإلحاطــة ابلعلـ ‪ ،‬و ــوة فهـ النصــوف الشــرعية مــن األحاديــث أو‬
‫األخبار المل يبنون عليها األحكام‪ ،‬و د فى على العامل ما عُل لغري ‪ ،‬و ـد يفهـ مـن النصـوف‬
‫ما مل يفهم غري ‪ ،‬وفه النص أمر يعتمد على ا تهد نفس ؛ ألن البعال د يبين احلك على ما‬
‫يفه من ظاهر النص‪ ،‬بينما بعضه اآلخر د ينظر إىل معو النص واملقصود من ويبنون احلك‬
‫علي ‪.‬‬
‫وخري مثال علـى جلـ ‪ :‬اخـتالف الصـحابة يـوم األحـزا يف فهمهـ لقـول النـ ‪-‬ﷺ‪:-‬‬
‫يصلني أحد العصر إال يف بين ريظة»‪ ،‬فقد فه بعضـه أن الرسـول ‪-‬ﷺ‪ -‬أوجـب علـيه‬
‫ّ‬ ‫«ال‬
‫صــد أن يســرعوا يف‬ ‫‪-‬ﷺ‪-‬‬ ‫الصــالة يف ريظــة‪ ،‬فــانتظروا صــالة العصــر فيهــا‪ ،‬وفه ـ لخــرون أن ـ‬
‫املسري فصلّوا يف الطريق كما سبق‪.‬‬

‫خامسًا‪ :‬تعارض األدلة‬


‫ــد يُســل بثبــوت الــدليل لكن ـ يُعــارض مبــا هــو أ ــو ؛ واب التعــارض اب واســع‪ ،‬فقــد‬
‫تلــف ا تهــدون يف اةمــع وال جــيح بــني النصــوف املتعارضــة؛ ألنـ ــد توجــد نصــوف تقتضــي‬
‫حكم ــا وأخ ــر تنافيه ــا‪ ،‬وم ــن األمثل ــة عل ــى تع ــارض األدل ــة‪ :‬مس ــالة اخ ــذ األج ــرة عل ــى األجان؛‬
‫ً‬
‫فبعال العلماء ا هوا إىل التحر والبعال إىل اةواز‪ .‬وكذل د اختلف العلماء يف صفة صـالة‬
‫رجـح صـفة علـى‬ ‫حديثي أم املممنني عائشة وأيب بكر ‪ ،-¶-‬فبعضـه ّ‬ ‫ّ‬ ‫الكسوف؛ لتعارض‬
‫أخر خبصوف عدد الركعات يف الركعة الواحدة‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫اةاضرة احلادية عشرة‪ :‬اخلالف الفقهي‬

‫سادسًا‪ :‬عدم املعرعة بدالة األلفاظ‬

‫هذا سبب يعود إىل اللغة‪ ،‬وأه ما يندر حت هذا النور من األسبا ‪:‬‬

‫أ‪ -‬االشرتاك اللف ي‪:‬‬

‫واملش ك هو‪" :‬اللفـظ الواحـد الـدال علـى معنيـني خمتلفـني أو أكثـر علـى السـواء عنـد أهـل‬
‫تلـ اللغــة‪ ،‬مثــل‪ :‬العــني اسـ لعــني النــاظر‪ ،‬وعــني الشــمس‪ ،‬وعــني امليـزان‪ ،‬وعــني املــاء وهكــذا"‪،‬‬
‫ولوجود االش اك اللفظي يف بعال النصوف الشرعيّة واألدلة‪ ،‬حصل االخـتالف بـني العلمـاء يف‬
‫األحكام الشرعية‪ ،‬مثـل ولـ ‪-‬ﷺ‪« :-‬ال طـالق وال عتـاق يف إغـالق»‪ ،‬فـبعال العلمـاء فسـروا‬
‫اإلغالق ابإلكرا ‪ ،‬وبعضه ابلغضب‪.‬‬

‫ب‪ -‬وران اللف بني احلق قة واجملاف‪:‬‬

‫فاحلقيقة هي‪" :‬اللفظ املستعمل فيما وضع ل يف اصطالح التخاطب"‪.‬‬

‫وا از هو‪" :‬اللفظ املستعمل يف معو غري موضور ل يناسب املصطلح"‪.‬‬

‫وأسبا االختالف هنا‪ :‬هل يسـتعمل اللفـظ يف معنـا احلقيقـي أو ا ـاز ‪ ،‬حـال كوهنمـا‬
‫{ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ‬ ‫ول ـ تعــاىل‪:‬‬ ‫مقصــودين يف احلك ـ ‪ ،‬ومثــال جل ـ‬
‫{ﲳ‬ ‫ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ} [س ــورة املائ ــدة‪ ]18:‬و ولـ ـ تع ــاىل‪:‬‬
‫ـردد بـني احلقيقـة وا ـاز‪ ،‬وكالمهـا مقصـود ابحلكـ وهـو نقـال‬
‫ﲴ ﲵ} فلفظ (المست ) ت ّ‬
‫الوضوء‪ ،‬وبناءً على جل اختلف الفقهاء يف هذ املسألة‪.‬‬

‫ج‪ -‬تص يف اللف ‪:‬‬

‫ــا ــد ينــتج عن ـ اخــتالف يف املعــو‪ ،‬وبــذل‬ ‫فقــد تلــف العلمــاء يف تصــاريف األلفــا‬
‫اخ ـ ـ ــتالف يف التفس ـ ـ ــري‪ ،‬واحلك ـ ـ ـ ـ كقول ـ ـ ـ ـ تع ـ ـ ــاىل‪{ :‬ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ} [سـ ـ ـ ــورة‬
‫البقرة‪]282:‬؛ الحتمال لفظ (يُضار) و ور الضرر منهما إجا اعتر مبنياا للمعلوم‪ ،‬أو عليهما إجا‬
‫اعتر مبنياا للم هول‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫اةاضرة احلادية عشرة‪ :‬اخلالف الفقهي‬

‫سابعًا‪ :‬ااختالف يف القواعد األصولية‬


‫القواعــد األصـوليّة‪ :‬هــي تلـ األســس واخلطــط واملنــاهج الــمل يضــعها ا تهــد نصــب عينيـ ‪،‬‬
‫عنــد البــدء ابالســتنباط والشــرور فيـ ‪ ،‬فكـ ّـل اعــدة أصـوليّة خمُْتَـلَــف فيهــا ينشــأ عنهــا اخــتالف يف‬
‫الفرور املبنيّة عليها‪ ،‬ا ّأد إىل التمايز بني مناه ه ‪ ،‬هناك أسبا كثرية للخالف يف القواعد‬
‫أيضـا اتبـار ا ـو وفسـاد النيـة لـ‬ ‫األصـولية‪ ،‬منهـا‪ :‬اخـتالف األعـراف والنشـأة والـذكاء والفهـ ‪ ،‬و ً‬
‫دور يف جل ـ ‪ ،‬كــل واحــد مــن أهــل العل ـ ل ـ واعــد اســتنبطها مــن نصــوف الش ـريعة وســار وبَــو‬
‫ـثال يتفقــون علــى أن القــرلن أصــل‪ ،‬وأن السـنَّة أصــل‪ ،‬واإلاــار أصــل‪ .‬ومــنه مــن يــر‬ ‫عليهــا‪ ،‬فمـ ً‬
‫أصال وغري ال يرا أص ًـال‪ ،‬فيسـتدل مـن يـرا أص ًـال بقـول الصـحايب و الفـ اآلخـر‬ ‫ول الصحايب ً‬
‫مبعارضـ ــت أبن ـ ــول الصـ ــحايب ال ُطـ ــتج ب ـ ـ ‪ ،‬ومـ ــنه مـ ــن يـ ــر االستحسـ ــان‪ ،‬ومـ ــنه مـ ــن يـ ــر‬
‫االستص ــحا ‪ ،‬وم ــنه م ــن ي ــر العم ــل ابحل ــديث الض ــعيف أو احلس ــن‪ ،‬وم ــنه م ــن ين ــازر يف‬
‫ـتدل ابخلــر الضــعيف أو احلســن‬ ‫االحت ــا ابحلــديث الضــعيف أو احلســن يف األحكــام‪ ،‬فــإجا اسـ َّ‬
‫عمل ب ‪ ،‬و الف من ال ير العمـل بـ ‪ ،‬إىل غـري جلـ مـن الصـور الـمل اختلـف فيهـا أهـل العلـ ‪،‬‬
‫وهللا أعل ـ ‪ .‬ومــن األمثلــة علــى جل ـ اخــتالف العلمــاء يف حك ـ بيــع الثمــر الــذ علــى النخــل‬
‫حرم‪.‬‬
‫خبرص ًرا‪ ،‬فمنه من أجاز ومنه من َّ‬
‫ثامنًا‪ :‬ااختالف عيما ا نص عيه‬
‫ــد تل ــف العلم ــاء يف اس ــتنباط األحك ــام فيم ــا ال ن ــص في ـ ؛ وجل ـ ألن ـ إجا مل يوج ــد يف‬
‫املســألة نــص مــن ليــة أو حــديث‪ ،‬وهــذا اب واســع مــن أب ـوا االخــتالف بــني الفقهــاء؛ إج أ ّن‬
‫النصوف دودة‪ ،‬والو ائع كثرية ومت ّددة‪ ،‬و د تتماثل بعال هذ الو ـائع مـع حادثـة جـرت يف‬
‫عهد رسول هللا ‪-‬ﷺ‪ ،-‬فكان ل فيها حك ‪ ،‬و د ختتلف عنها اختالفًـا بيّـنًـا‪ ،‬وهـذا مـا حـدا أاب‬
‫بك ــر ‪ -◙-‬إىل أن نم ــع رؤوم الن ــام وفقه ــاء الصـ ـحابة كلّم ــا ح ــدث حادث ــة م ــن ه ــذا‬
‫حكمـا‪ ،‬ومـن األمثلـة علـى جلـ ‪ :‬اخلـالف يف توريـث اةـ ِّد مـع‬ ‫القبيل‪ ،‬فيتشاورون ح ندوا ا ً‬
‫الصحيحة‪ ،‬ولـذل و ـع اخلـالف فيهـا بـني‬ ‫اإلخوة‪ ،‬حيث مل يرد فيها نص من الكتا أو السنَّة َّ‬
‫احد منه يتقـامسون املـال؛ َّ‬
‫ألن اة َّـد‬ ‫الصحابة‪ ،‬فقيل‪ :‬يشارك اةد اإلخوَة يف املرياث‪ ،‬ويكون كو إ‬ ‫َّ‬
‫واإلخــوة تســاووا يف اإلدالء ابأل ‪ ،‬فاةــد أبــو واإلخــوة أبنــاؤ ‪ ،‬وهــذا ــول علـ إّـي بــن أيب طالــب‬

‫‪156‬‬
‫اةاضرة احلادية عشرة‪ :‬اخلالف الفقهي‬

‫وابن مسـعود وزيـد بـن بـ ‪ ،-╚-‬ومـذهب اإلمـام مالـ والشـافعي وأمحـد وصـاح أيب‬
‫حنيفــة‪ ،‬واســتدلوا أبدلَّــة وتوجيهــات وأ يســة كثــريةإ مــذكورة يف الكتــب املطولــة‪ .‬فــاخلالف يف هــذ‬
‫املس ــألة خ ــالف س ــائغ‪ ،‬ول ُك ـ ِّـل م ــن القـ ـولني وجهـ ـ وأدلتـ ـ ‪ ،‬فل ــيس فيه ــا م ــن الق ــرلن والسـ ـنَّة م ــا‬
‫طسمها‪ ،‬فنظر العلماء فيها نظر اجتهاد فاختلفوا‪.‬‬

‫شروط قبول اخلالف يف املسائل الفقهية‪:‬‬


‫صادرا عن ممهل خمتص عامل متهد‪.‬‬
‫الشرط األول‪ :‬أن يكون ً‬
‫الشرط الثاين‪ :‬أال الف اإلاار‪.‬‬
‫الشرط الثالث‪ :‬أال ر عن أ وال املذاهب‪.‬‬
‫الشرط الرابع‪ :‬أال يكون القول مبنياـا علـى أصـل غـري معتـر‪ ،‬مثـل‪ :‬اعتبـار احليـل املذمومـة ‪-‬‬
‫رد السنة املخصصة للقرلن‪.‬‬
‫الشرط اخلامس‪ :‬أال يكون خمال ًفا لنص صحيح صريح‪.‬‬

‫كيفية التعامل مع اخلالف الفقهي‪:‬‬


‫أوجب هللا على املسلمني اتبـار الـدليل وهـو احملـ يف العمـل والتطبيـق‪ ،‬لـذا الواجـب علـى‬
‫املسـل عنـد ورود اخلـالف أن يتبــع القـول الـذ أ نعـ دليلـ ‪ ،‬ال ألنـ وافــق هـوا ورغبـة يف نفسـ ‪.‬‬
‫فمـ ورد اخلــالف إليـ ســأل عــن كـل ــول بدليلـ ‪ ،‬وعمــل مبــا أ نعـ دليلـ وبرهانـ ‪ ،‬واألمــر عال ــة‬
‫بين وبني رب فيعمل‪ ،‬ابلذ أ نع دليل وبرهان ويقبل ب على رب ‪.‬‬
‫وهللا هو املطلع على النواًّي‪ ،‬وهو الذ سيقف العبد بني يدي ‪.‬‬

‫حكم احلاكم يرعع اخلالف‪:‬‬


‫إجا اختلف الفقهاء يف مسألة وأخذ احلاك أبحد األ وال وطبّقها‪ ،‬فإن حك احلـاك يرفـع‬
‫اخلالف خاصة يف القضاًّي احلادثة والمل ال طعية فيها ألحد القولني‪ ،‬وهـي املسـائل الـمل مل ِ‬
‫أيت‬
‫وإاما هي اجتهـادات مـن الفقهـاء بنـاءً علـى مراعـاة املصـاحل وسـد الـذرائع وحنـو‬ ‫فيها نص شرعي‪َّ ،‬‬
‫ـام مبــا رل ‪ ،‬وهــذا مبــين علــى اعــدة‪ :‬تبو ُّودل األح ووام‪ ،‬بتبو ُّودل ال نزمووان‬
‫جلـ ؛ فل مــام أن يُلــزم النـ َ‬
‫وامل ان‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫اةاضرة احلادية عشرة‪ :‬اخلالف الفقهي‬

‫أمثكة عك أن حكم احلاكم يرعع اخلالف‪:‬‬


‫‪ .3‬لو اختلفوا يف موعد دخول رمضان وج احل ة‪.‬‬
‫‪ .2‬هل نوز الرمي بل الزوال؛ فإن حك احلاك ابةواز فحك احلاك يرفع اخلالف‪.‬‬
‫‪ .1‬يادة املرأة للسيارة؛ فإن حك احلاك ابةواز فحك احلاك يرفع اخلالف‪.‬‬

‫‪158‬‬
‫اةاضرة الثانية عشرة‪ :‬احلوار بني احلضارات‬

‫اةاضرة الثانية عشرة‬


‫احلوار بني احلضارات‬

‫‪159‬‬
‫اةاضرة الثانية عشرة‪ :‬احلوار بني احلضارات‬

‫‪ ‬أهداف الدرس‪:‬‬
‫يتعرف الطالب على معو احلوار‪.‬‬
‫‪ -‬أن ّ‬
‫‪ -‬أن ِّ‬
‫يفرق الطالب بني معو احلوار واملصطلحات املتشا ة‪.‬‬
‫‪ -‬أن يدرك الطالب أمهية احلوار يف اإلسالم‪.‬‬

‫‪161‬‬
‫اةاضرة الثانية عشرة‪ :‬احلوار بني احلضارات‬

‫أولًا‪ :‬تعريف احلوار‬


‫احلوار لغة‪ :‬أصل من احلَْوُر وهو الرجور عن الشيء وإىل الشيء‪ ،‬وه يتحاورون أ ‪ :‬ي اجعون‬
‫(‪)3‬‬
‫الكالم ‪.‬‬
‫احلوووار اصووط هحا‪ :‬نــور مــن احلــديث بــني شخصــني أو ف ـريقني‪ ،‬يــت في ـ تــداول الكــالم بينهمــا‬
‫بطريق ــة متكافئ ــة‪ ،‬ف ــال يس ــتأثر أح ــدمها دون اآلخ ــر‪ ،‬ويغل ــب علي ـ ا ــدوء والبع ــد ع ــن اخلص ــومة‬
‫(‪)2‬‬
‫والتعصب ‪.‬‬

‫احلوار واملصطكحات املشابهة‪:‬‬


‫اةدال‪ ،‬املناظرة‪ ،‬املنا شة‪.‬‬

‫الفرق بني احلوار واجلدال‪:‬‬


‫اةدال شدة يف الكالم مع التمس ابلرأ والتعصب ل ‪.‬‬

‫الفرق بني احلوار واملناظرة‪:‬‬


‫املناظرة نور من أنوار احلوار‪ ،‬ولكن عند الرجور إىل تعريفها يتضح‪ :‬أن املناظرة تعتمد علـى‬
‫الد ــة العلميــة‪ ،‬والشــروط املنطقيــة‪ ،‬أكثــر مــن اعتمــاد احل ـوار علــى جل ـ ‪ ،‬فهــي تقــوم علــى وجــود‬
‫ـااب؛ بغيــة الوصــول‬
‫التضـاد بــني املتنــاظرين لالسـتدالل علــى إثبــات أمـر يتخاصــمان فيـ نفيًـا أو إنـ ً‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫إىل الصوا‬

‫الفرق بني احلوار واملناقشة‪:‬‬


‫املنا شــة نــور مــن التحــاور بــني شخصــني أو ط ـرفني‪ ،‬ولكنهــا تقــوم عل ـى أســام استقصــاء‬
‫(‪)4‬‬
‫احلسا ‪ ،‬وتعرية األخطاء وإحصائها‪ ،‬ملصلحة أحد الطرفني غالبًا ‪ ،‬ومن جلـ حـديث‪« :‬مـن‬

‫(‪ )3‬انظر‪ :‬لسان العر ‪ ،‬ابن منظور‪)238/4( ،‬؛ القاموم احمليط‪ ،‬الفريوز لابد ‪.)489/3( ،‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬احلوار لداب وضوابط يف ضوء الكتا والسنة‪ ،‬طىي زمزمي‪( ،‬ف‪.)22‬‬
‫(‪ )1‬املرجع السابق‪( ،‬ف‪.)29‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬احلوار اإلسالمي املسيحي‪ ،‬بسام داود ع ب ‪( ،‬ف‪.)22‬‬

‫‪161‬‬
‫اةاضرة الثانية عشرة‪ :‬احلوار بني احلضارات‬

‫(‪)3‬‬
‫نو ش احلسا عذ » ‪.‬‬
‫أهمية احلوار يف اإلسالم‪:‬‬
‫‪ .3‬من أه وسائل الدعوة إىل هللا‪ ،‬سواء دعوة األفراد أو اةماعات‪ ،‬وسواء دعـوة املسـلمني‬
‫ملزيـ ــد مـ ــن التفـ ــاه ونبـ ــذ اخلـ ــالف‪ ،‬أو دعـ ــوة غـ ــري املسـ ــلمني إىل اإلسـ ــالم‪ ،‬أو التفـ ــاه‬
‫والتعارف وإزالة سوء الفه ‪.‬‬
‫‪ .2‬إ امة احل ة ودفع الشبهة والفاسد من القول والرأ ؛ ملعرفة احلقيقة‪.‬‬
‫‪ .1‬وســيلة لنقــل األفكــار وتبــادل املعلومــات‪ ،‬وهــو وســيلة مــن وســائل الــتعل ‪ ،‬ويف صــحيح‬
‫البخــار أن عائشــة ‪ -▲-‬كان ـ ال تســمع شــيئًا ال تعرف ـ إال راجع ـ في ـ ح ـ‬
‫تعرف ‪.‬‬
‫‪ .4‬البحث والتنقيب؛ من أجل الوصول إىل نتائج أفضل‪.‬‬
‫وم بعُد احلوار عن غايت ‪ ،‬وشغل عن ظهور احلـق‪ ،‬ووضـوح الصـوا صـار مـن اةـدل‬
‫(‪)2‬‬
‫العقي الذ وردت النصوف يف النهي عن ‪.‬‬
‫مشروعية احلوار يف اإلسالم‪:‬‬
‫ثبت مشروعية احلوار مع الغري بنصوف كثرية يف الكتا الكر والسنة النبوية‪.‬‬
‫‪ .1‬احلوار يف القرآن‪:‬‬
‫عــين القــرلن ابحل ـوار؛ ألن ـ الطريــق األمثــل ل نــار‪ ،‬واال تنــار هــو أس ـام اإلميــان الــذ ال‬
‫(‪)1‬‬
‫ميكن أن يفرض‪ ،‬وإاما ينبع من داخل اإلنسان ‪ .‬ومن اماج احلوار يف القرلن‪.‬‬
‫النموذج األول‪:‬‬
‫{ﱁ ﱂ ﱃ‬ ‫حوار هللا ‪ --‬مع مالئكت يف موضور خلق لدم‪ ،‬ال تعاىل‪:‬‬
‫ﱄﱅﱆﱇﱈﱉﱊﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱑﱒ‬

‫ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ} [سورة البقرة‪.]10:‬‬

‫(‪ )3‬روا البخار ‪ ،‬كتا ‪ :‬الر اق‪ ،‬بر ‪.)4000( :‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬أصول احلوار ولداب يف اإلسالم‪ ،‬د‪ .‬صاحل بن محيد‪( ،‬ف‪.)7‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬مسائل علمية و ضاًّي معاصرة‪ ،‬صر بن سعيد السيف‪( ،‬ف‪.)55‬‬

‫‪162‬‬
‫اةاضرة الثانية عشرة‪ :‬احلوار بني احلضارات‬

‫النموذج الثاين‪:‬‬
‫{ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ‬ ‫ح ـوار هللا مــع رســل ‪ ،‬ــال تعــاىل‪:‬‬
‫ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ} [سورة املائدة‪]339:‬‬
‫النموذج الثالث‪:‬‬
‫{ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﱁ‬ ‫ح ـوار هللا م ــع الك ــافرين‪ ،‬ــال تع ــاىل‪:‬‬
‫ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ} [س ــورة ط ـ ـ ‪[ .]329-325:‬سـ ــورة‬
‫ط ‪]329-325:‬‬
‫النموذج ال ابع‪:‬‬
‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ‬ ‫حـوار هللا ‪ --‬مــع إبلــيس‪ ،‬ــال تعــاىل‪:‬‬
‫ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ} [سورة األعراف‪]32:‬‬
‫النموج اخلامس حوار الرسل مع أ وامه مثل‪:‬‬
‫{ﱝ ﱞ‬ ‫أ‪ .‬ما دار بني إبراهي ‪ -♠-‬وبني الرجل الذ لات هللا املل ‪ ،‬ال تعاىل‪:‬‬
‫ﱟﱠﱡﱢﱣﱤﱥﱦﱧﱨﱩﱪﱫﱬﱭ‬

‫ﱮﱯﱰﱱﱲﱳﱴﱵﱶﱷﱸﱹﱺﱻﱼ‬

‫ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ}‬
‫[سورة البقرة‪.]258:‬‬
‫ب‪ .‬حوار موسى مع فرعون مدعى األلوهية والربوبية يف سور عديدة من القرلن‪.‬‬
‫{ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ‬ ‫‪ .‬وحك ــي الق ــرلن ح ـ ـوار الن ـ ـ م ــع ام ـ ـرأة‪ ،‬ــال تع ــاىل‪:‬‬
‫ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ} [س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــورة‬
‫(‪)3‬‬
‫ا ادلة‪. ]3:‬‬

‫(‪ )3‬انظر‪ :‬مدخل إىل الثقافة اإلسالمية س الدراسات اإلسالمية‪ ،‬جامعة املل سعود‪( ،‬ف‪.)52‬‬

‫‪163‬‬
‫اةاضرة الثانية عشرة‪ :‬احلوار بني احلضارات‬

‫‪ .2‬احلوار يف السنة‪:‬‬
‫عد يف سرية الرسول ‪-‬ﷺ‪ -‬اماج كثرية ومتنوعة للحوار‪ ،‬ترد يف أشكال ش ؛ لتقـ ِّدم لنـا‬
‫(‪)3‬‬
‫الدروم المل طسن بنا االنتفار ا ‪.‬‬
‫وللاوار يف السنة النبوية أ اض ش من ذلك‪:‬‬
‫‪ .3‬الدموة إىل هللا‪ :‬بعد أن أمر الن ‪-‬ﷺ‪ -‬ابةهر ابلدعوة دعا ريش إىل اإلسالم‪َ ،‬ع ِن ابْـ ِن‬
‫ـاء‪ ،‬فَ ِ‬ ‫َن النَّـ ـِ ‪-‬ﷺ‪ -‬خ ــر إِ َىل البطْح ـ ِ‬
‫احا ْ»‬ ‫ص ــبَ َ‬
‫ـاد ‪ًَّ « :‬ي َ‬ ‫ص ــع َد إِ َىل اةَبَ ـ ِـل فَـنَ ـ َ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ََ‬ ‫ـام ‪ :‬أ َّ َّ‬ ‫َعبَّ ـ إ‬
‫ِ‬ ‫الع ُـد َّو ُم َ ِ‬ ‫اجتَ َم َع ْ إِلَْي ِ ُـَريْش‪ ،‬فَـ َق َال‪« :‬أ ََرأَيْـتُ ْ إِ ْن َح َّدثْـتُ ُك ْ أ َّ‬
‫صـبّ ُح ُك ْ أ َْو َُ ّسـي ُك ْ ‪ ،‬أَ ُكْنــتُ ْ‬ ‫َن َ‬ ‫فَ ْ‬
‫ـب‪:‬‬ ‫ـال أَبُـو ََ إ‬ ‫يد» فَـ َق َ‬ ‫ـال‪« :‬فَـِإِين نَ ِـذير لَ ُكـ بــني ي َـد عـ َذا إ ش ِـد إ‬ ‫ص ِّد ُ ِوين؟» َالُوا‪ :‬نَـ َعـ ْ ‪َ َ ،‬‬
‫َ‬ ‫ْ ََْ َ ْ َ‬ ‫ّ‬ ‫تُ َ‬
‫لخ ِرَه ــا ـ أخرج ـ ـ‬ ‫اَّلل ‪{ :--‬ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ} إِ َىل ِ‬ ‫ِ‬
‫أَ ـَـ َذا َاَ ْعتَـنَ ــا تَـبا ــا لَـ ـ َ ‪ ،‬فَـ ـأَنْـَزَل َُّ‬
‫البخار ‪.‬‬
‫‪ .2‬تثب ووت املسوولمني املستيووعفني‪ :‬عــن أيب عبيــدة بــن دمحم بــن عمــار بــن ًّيســر عــن أبيـ ــال‪:‬‬
‫ـب الن ـ ‪-‬ﷺ‪ ،-‬وجك ــر‬ ‫(أخــذ املشــركون عمــار بــن ًّيســر ‪ -◙-‬فل ـ ي كــو ح ـ سـ َّ‬
‫ل ــته خبــري‪ ،‬مث تركــو ‪ ،‬فلمــا أتــى رســول هللا ‪-‬ﷺ‪ ،-‬ــال‪ :‬مــا وراءك؟‪ ،‬ــال‪ :‬شــر ًّي رســول‬
‫هللا‪ ،‬ما تُِرْك ُ ح نِْل ُ من وجكرت ل ته خبري‪ ،‬ال‪ :‬كيف د لب ؟ ـال‪ :‬أ َِج ُـد َـ ْلـِ‬
‫(‪)2‬‬
‫مطمئنً ــا ابإلمي ــان‪ ،‬ــال‪ :‬ف ــإن ع ــادوا فع ــد ‪ ،‬ف ــأنزل هللا تع ــاىل‪{ :‬ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ‬
‫ﱲﱳﱴﱵﱶﱷﱸﱹﱺﱻﱼﱽ‬
‫ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ} [سورة النحل‪.]309:‬‬

‫‪ .1‬ا‪ :‬نوواع‪ :‬ومــن جل ـ ح ـوار الن ـ ‪-‬ﷺ‪ -‬مــع الشــا الــذ جــاء يســتأجن يف الــز ‪ ،‬فصــاح‬
‫الن ــام بـ ـ ‪ ،‬فق ــال النـ ـ ‪-‬ﷺ‪ّ :-‬رب ــو ‪ ،‬اد ُن ‪ ،‬ف ــد حـ ـ جل ــس ب ــني يديـ ـ ‪ ،‬فق ــال النـ ـ‬
‫‪-‬ﷺ‪« :-‬أحتب ـ ـ ألم ـ ـ »؟ ـ ــال‪ :‬ال جعلـ ــين هللا فـ ــداك‪ ،‬ـ ــال‪« :‬كـ ــذل النـ ــام ال طبون ـ ـ‬
‫اَّللِ ‪-‬ﷺ‪ -‬يــد علـى صــدر الشــا‬ ‫ـول َّ‬
‫ألمهــاهت »‪ ،‬مث جكــر البنـ واألخـ ‪ ،‬مث وضــع َر ُسـ ُ‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ثقافة احلوار يف اإلسالم‪ ،‬فهدة اخلضري ‪( ،‬ف‪.)590‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬إرشاد الفقي ‪ ،‬ابن كثري‪.)255/2( ،‬‬

‫‪164‬‬
‫اةاضرة الثانية عشرة‪ :‬احلوار بني احلضارات‬

‫و ــال‪« :‬الله ـ طهــر لب ـ ‪ ،‬وأغفــر جنب ـ ‪ ،‬وحصــن فرج ـ »‪ ،‬فل ـ يكــن شــيء أبغــال إلي ـ مــن‬
‫(‪)3‬‬
‫الــز ‪ .‬ومــن أســاليب ‪ -♥-‬يف اإل نــار ضــر األمثلــة مــن البيئــة كمــا يف ح ـوار‬
‫ـول‬
‫غالمـا أسـود‪ ،‬فقـال لـ َر ُس ُ‬
‫الن ‪-‬ﷺ‪ -‬مع الرجل الذ أنكر ولد عندما أعب امرأت ً‬
‫اَّللِ ‪-‬ﷺ‪« :-‬هــل لـ مــن إبــل»؟ ــال‪ :‬نعـ ‪ ،‬الـ «مــا لوهنــا»‪ ،‬ــال‪ :‬محــر‪ ،‬ــال‪« :‬هــل‬
‫َّ‬
‫اَّللِ‬ ‫ــال‪ :‬لعــل عرًــا نزع ـ ‪ ،‬فقــال َر ُسـ ُ‬
‫ـول َّ‬
‫(‪)2‬‬
‫فيهــا مــن أورق»؟ ‪ ،‬ــال‪ :‬نع ـ ‪ ،‬ــال‪« :‬أيــن جل ـ‬
‫‪-‬ﷺ‪« :-‬وهذا الغالم لعل عرًا نزع »‪( .‬متفق علي )‬

‫َخ ـ َذ ِِخبطَـ ِـام‬ ‫ـول َِّ‬ ‫َن أ َْعرابِياــا َعــرض لِرسـ ِ‬


‫اَّلل ‪-‬ﷺ‪َ -‬وُهـ َـو ِيف َس ـ َف إر‪ ،‬فَأ َ‬ ‫َ َ َُ‬ ‫‪ .4‬التعل و ‪ ::‬عــن أيب أيــو أ َّ َ‬
‫اةَنَّـ ِـة‪َ ،‬وَمــا‬
‫َخـِ ْـرِين ِمبـَـا يـُ َقـ ِّـربُِين ِمـ َـن ْ‬ ‫ـول َِّ‬ ‫َ َتِـ ِ ‪ -‬أ َْو بِ ِزَم ِام َهــا ُمثَّ َـ َ‬
‫اَّلل ‪-‬أ َْو ًَّي َُ َّمـ ُـد‪ -‬أ ْ‬ ‫ـال‪ًَّ :‬ي َر ُسـ َ‬
‫ـال‪« :‬لََقـ ْد ُوفِّ َـق‪ ،‬أ َْو‬‫ـحابِِ‪ُ ،‬مثَّ َ َ‬ ‫َص َ‬ ‫ف النَِّ ‪-‬ﷺ‪ُ ،-‬مثَّ نَظََر ِيف أ ْ‬ ‫اع ُدِين ِم َن النَّا ِر‪َ َ ،‬ال‪ :‬فَ َك َّ‬ ‫يـب ِ‬
‫َُ‬
‫اَّلل َال تُ ْشـ ِرُك بِـ ِ‬
‫ـال النَّـِ ‪-‬ﷺ‪« :-‬تَـ ْعبُ ُـد ََّ‬ ‫ـاد‪ ،‬فَـ َق َ‬
‫َع َ‬
‫ـال‪ :‬فَأ َ‬‫ـف ُـ ْلـ َ ؟ َ َ‬ ‫ـال‪َ :‬كْي َ‬ ‫لََق ْد ُه ِد َ »‪َ َ ،‬‬
‫الرِح َ »‪( .‬روا مسل )‬ ‫ص ُل َّ‬ ‫الص َالةَ‪ ،‬وتُـ ْمِيت الَّزَكاةَ‪ ،‬وتَ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َشْيـئًا‪َ ،‬وتُقي ُ َّ َ‬
‫‪ .5‬حوارات الن ‪-‬ﷺ‪-‬الكثرية مع اليهود إل امة احل ة عليه ومن األمثلة على جل ‪:‬‬

‫ـال‪ْ َ:‬يبنــا أ َ ْأم ِشـي َمـ َـع النَّـِ ‪-‬ﷺ‪ -‬يف َخـ ِر ِ الْ َم ِدينَـ ِـة َوُهـ َـو‬ ‫ود ‪َ -◙-‬ـ َ‬ ‫عـن ابـ ِن مسـع إ‬
‫ْ َ ُْ‬
‫وح‪،‬‬ ‫ال‪َ :‬س ـلُوُ َعــن الــر ِ‬ ‫ضـ ُـه ْ لِـبَـ ْع إ‬
‫ـال بَـ ْع ُ‬
‫ـيب مع ـ ‪ ،‬فمـ َّـر بِنَـ َف ـ إر ِمــن الْيـهـ ِ‬
‫ـود‪ ،‬فَـ َقـ َ‬ ‫َ َُ‬ ‫ِ إ‬
‫يَـتَـ َوَّكـأُ علَــى َعسـ َ َ ُ َ‬
‫إ‬ ‫ِ‬
‫ض ُه ْ ‪ :‬لَنَ ْسألنَّ ُ‪ ،‬فَـ َق َام َر ُجـل‬‫ض ُه ْ ‪ :‬ال تَ ْسألوُ‪ ،‬ال َنيءُ في بِ َشيء تَكَْرُهونَ ‪ ،‬فَـ َق َال بَـ ْع ُ‬ ‫َوَ َال بَـ ْع ُ‬
‫إليـ ِ فَـ ُق ْمـ ُ ‪ ،‬فَـلَ َّمـا ْاعَلَـى‬
‫ـوحى ْ‬ ‫وح؟ فَ َس َك َ ‪ ،‬فَـ ُق ْل ُ ‪ :‬إنـَّ ُ يُ َ‬
‫ِ‬
‫مْنـ ُه ْ َوَ َال‪ًَّ :‬ي َأاب الْ َقاس ! ما الر ُ‬
‫ِ‬
‫ـال‪{ :‬ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ}‬ ‫َعْن ـ ـ ـ ـ ُ َ ـ ـ ـ َ‬
‫متفق علي ‪.‬‬

‫واملوا ف والقصص يف حوار الن ‪-‬ﷺ‪ -‬أكثر من أن نسردها ونذكرها يف هذا املوضع‪.‬‬

‫(‪ )3‬روا اإلمام أمحد يف مسند ‪.‬‬


‫(‪ )2‬األورق‪ :‬هــو الــذ فيـ سـواد لــيس بصــاف‪ ،‬ومنـ يــل للرمـاد أورق‪ ،‬وللحمامــة ور ــاء‪ ،‬ومثلـ األمســر املائــل إىل السـواد‬
‫انظر‪ :‬شرح النوو على صحيح مسل ‪.‬‬

‫‪165‬‬
‫اةاضرة الثانية عشرة‪ :‬احلوار بني احلضارات‬

‫القواعد الرئيسة لكحوار‪:‬‬


‫فضال عـن املسـل ‪ -‬الصـادق‬
‫‪ .3‬أن يراد ابحلوار إظهار احلق والوصول إلي ‪ ،‬فاحملاور العا ل ‪ً -‬‬
‫حق‪ ،‬ابحث عن احلقيقة‪ ،‬ينشد الصوا ويت نب اخلطأ‪.‬‬ ‫طالب إّ‬
‫‪ .2‬العل ـ ‪ ،‬ال بــد للمحــاور أن يكــون عالـ ـ ًما ابملســألة الــمل يريــد أن طــاور فيهــا‪ ،‬فعلي ـ بــل‬
‫الدخول يف احلوار أن يسـتكمل أدواتـ العلميـة والعقليـة‪ ،‬و ـد جم هللا الـذين نـادلون بغـري‬
‫{ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ‬ ‫عل ـ ـ ـ ‪ ،‬فق ـ ـ ــال تع ـ ـ ــاىل‪:‬‬
‫ﱩ} [سورة احلج‪.]8:‬‬
‫‪ .1‬فـال تنـا ش يف موضـور ال تعرفـ جي ًـدا‪ ،‬وال تـدافع عـن فكـرة إجا مل تكـن علـى ا تنــار اتم‬
‫ا‪.‬‬
‫‪ .4‬حتديــد موضــور احلـوار ونقطــة االخــتالف‪ ،‬فقــد تلــف املتحــاوران يف مســائل عديــدة‪ ،‬مث‬
‫طــدث احل ـوار يف مســألة أخــر وبــدون أن يتفــق علــى املســألة األوىل‪ ،‬فيتشــعب احلــوار‬
‫ويطول يف أمور فرعية بعيدة عن موضور احملاورة‪.‬‬
‫‪ .5‬طعي النتائج ونسبيتها‪ ،‬من امله يف هذا األصـل إدراك أن الـرأ الفكـر نسـ الداللـة‬
‫على الصوا أو اخلطأ‪ ،‬إال يف موضور الدعوة إىل هللا‪ ،‬والذ ال نوز عليه اخلطـأ هـ‬
‫األنبياء ‪-‬عليه السـالم‪ -‬فيمـا يبلغـون عـن ر ـ ‪ ،-▐-‬ومـا عـدا جلـ فينـدر‬
‫حت املقولة املشهورة‪" :‬رأيي صوا طتمل اخلطأ‪ ،‬ورأ اآلخر خطـأ طتمـل الصـوا "‪،‬‬
‫وبنــاء علي ـ ؛ فلــيس مــن شــروط احل ـوار النــاجح أن ينتهــي أحــد الطــرفني إىل ــول الطــرف‬
‫اآلخر‪ ،‬فإن حتقق هذا واتفقنا على رأ واحد فنع املقصـود‪ ،‬وهـو منتهـى الغايـة‪ ،‬وإن مل‬
‫يكــن فــاحلوار جــح‪ ،‬إجا توصــل املتحــاوران بقناعــة إىل بــول كـ إـل مــن منه يهمــا يســوغ‬
‫لكل واحد منهما التمس ب مـا دام أنـ يف دائـرة اخلـالف السـائغ‪ ،‬ولكـن يكـون احلـوار‬
‫فاشال إجا انتهى إىل نزار و طيعة‪ ،‬وتدابر ومكايدة و هيل وختطئة(‪.)3‬‬ ‫ً‬

‫ط إال‬
‫(‪ )3‬انظـر‪ :‬أصـول احلـوار ولدابـ يف اإلســالم (ف‪ ،)21‬ومـن مقـوالت اإلمـام الشـافعي احملفوظــة‪( :‬مـا كلمـ أح ًـدا ـ ّ‬
‫أحببـ أن يوفّــق ويسـ ّدد ويعــان‪ ،‬وتكــون عليـ رعايــة هللا وحفظـ ‪ .‬ومــا ظــرين فبالَيـ ! أَظَهــر ِ‬
‫ت احل ّ ـةُ علــى لســان أو‬ ‫ْ ُ ََ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫لساين)‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫اةاضرة الثانية عشرة‪ :‬احلوار بني احلضارات‬

‫آداب احلوار‪:‬‬
‫اآلدا هــي‪ :‬القواعــد الســلوكية الــمل ينبغــي مراعاهتــا بــل احل ـوار‪ ،‬أو يف أثنائ ـ ‪ ،‬أو بعــد ‪،‬‬
‫والمل تساعد على عاح احلوار‪.‬‬
‫ومنها‪:‬‬
‫‪ .1‬التزام القول احلسن‪ :‬إن من أه ما يتوج إلي املحاور يف حوار ‪ ،‬التزام احلُسـو يف القـول‬
‫ُ‬
‫وا ادل ـ ــة‪ ،‬فف ـ ــي ك ـ ـ ـ التنزي ـ ــل‪ ،‬ـ ــال تع ـ ــاىل‪{ :‬ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ‬

‫ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ} [ســورة اإلس ـراء‪،]51:‬‬


‫فحــق العا ــل اللبيــب طالــب احلــق‪ ،‬أن ينــأ بنفسـ عــن أســلو الطعــن والت ـريح وا ــزء‬
‫والسخرية‪ ،‬وألوان االحتقار واإل رة واالستفزاز‪.‬‬
‫‪ .2‬التواضــع واللــني مــن احملــاور‪ ،‬وهــذا مــا علمنــا القــرلن‪ ،‬فقــد أمــر هللا نبي ـ موســى وأخــا‬
‫ه ــارون ‪-‬عليهمـ ــا الس ــالم‪ -‬عنـ ــد خماطب ــة فرعـ ــون الـ ــذ طغـ ــى و ـ ـ ّـر وادعـ ــى األلوهيـ ــة‬
‫والربوبية‪ ،‬فقال سبحان ‪{ :‬ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ} [سورة ط ‪.]44:‬‬
‫‪ .1‬العدل واإلنصاف‪ :‬نب على احملاور أن يكون منص ًفا‪ ،‬فال يرد احلق‪ ،‬بل علي أن يبد‬
‫إع اب ابألفكار الصحيحة واألدلة اةيدة‪ ،‬والتعصب وعدم بول احلق من الصفات‬
‫الذميمة يف كتا هللا‪ ،‬فاهلل ‪ --‬أمر ابإلنصاف ح مع األعداء ال تعاىل‪:‬‬
‫{ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ‬

‫ﲤﲥﲦﲧﲨﲩﲪﲫﲬﲭﲮﲯﲰﲱﲲﲳﲴ‬

‫ﲵ ﲶ} [سورة املائدة‪.]8:‬‬
‫ـبورا‪ ،‬فــال يغضــب ألتفـ األســبا ‪ ،‬فــإن‬
‫حليمـا صـ ً‬
‫‪ .4‬احللـ والصــر‪ :‬نــب أن يكــون احملــاور ً‬
‫جل ـ يــمد إىل النفــرة من ـ ‪ ،‬والغضــب ال يــمد إىل إ نــار اخلص ـ ‪ ،‬واحلل ـ مــن صــفات‬
‫{ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ‬ ‫امل ـ ـ ـ ـ ـ ــممنني‪ ،‬ـ ـ ـ ـ ـ ــال تع ـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪:‬‬
‫ﱛ ﱜ} [س ـ ــورة لل عم ـ ـ ـران‪ .]314:‬وأعل ـ ــى مرات ـ ــب الص ـ ــر مقابل ـ ــة اإلس ـ ــاءة‬
‫ابإلحسان‪ ،‬فإن جلـ لـ أثـر عظـي علـى احملـاور‪ ،‬وكثـري مـن الـذين اهتـدوا مل يهتـدوا لعلـ‬
‫احملاور وإاما ألدب وحسن خلق واحتمال لألج ‪.‬‬

‫‪167‬‬
‫اةاضرة الثانية عشرة‪ :‬احلوار بني احلضارات‬

‫كثريا من النام ال يصغون ابهتمام لآلخر أثناء احلوار‪ ،‬ألهن طصرون‬ ‫‪ .5‬حسن االستمار‪ً ،‬‬
‫علم ـا أبن أكث ــر‬
‫ابال‪ً ،‬‬
‫مهه ـ فيم ــا س ــيقولون ملس ــتمعه ‪ ،‬ف ــإن تكل ـ املس ــتمع مل يلق ـوا ل ـ ً‬
‫(‪)3‬‬
‫النام يفضلون املستمع اةيد على املتكل اةيد ‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬حوار التعايش بني احلضارات‬


‫هذا احلوار يهدف إىل حتسني مستو العال ـة بـني الشـعو أو الطوائـف‪ ،‬ويعـو ابلقضـاًّي‬
‫ا تمعيــة كاإلام ــاء واال تصــاد والس ــالم وأوضــار امله ـرين والالجئــني‪ ،‬وه ــذا النــور م ــن التع ــايش‬
‫والتســامح مــع أهــل األدًّين األخــر ال يرفضـ اإلســالم وال يزيــد يف مفهوم ـ عــن حســن املعاملــة‬
‫والعيش بصورة مالئمة بني كافة ا تمعات مع االختالف الديين والفكر والثقـايف‪ ،‬وهـذا احلـوار‬
‫ال يتضمن االع اف بصحة األدًّين وليس في تنازل عن أحكام الدين‪.‬‬

‫أولًا‪ :‬أهداف حوار احلضارات‬


‫هذ األهداف حت ّدها رؤيتنا حنن كمسلمني حلـوار احلضـارات‪ ،‬وأمالنـا الـمل نريـد أن حنققهـا‬
‫من خالل ‪ ،‬ومن هذ األهداف‪:‬‬
‫‪ .3‬تص ــحيح الص ــورة املش ــوهة للمس ــلمني يف ال ــدول غ ــري اإلس ــالمية‪ ،‬وكش ــف الش ــبهات‬
‫واألابطيل ضد أصول الدين وفروع ‪.‬‬
‫بتعريف اآلخر مبحاسن عقيدتنا‬ ‫‪ .2‬الدعوة إىل هللا على بصرية ومنها حق‪ ،‬وجل‬
‫{ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ‬ ‫وحضارتنا ومبادئنا وأخال نا‪ ،‬ال تعاىل‪:‬‬
‫ﲜﲝﲞﲟﲠﲡﲢﲣﲤﲥﲦﲧﲨﲩﲪﲫ‬
‫ﲬ ﲭ ﲮ} [سورة النحل‪.]325:‬‬
‫وال ش أننا مقصرون يف إبالغ رسالتنا إىل العامل من حولنا‪ ،‬وال بد من استثمار التقـدم‬
‫يف وسائل اإلعالم لصاحل اإلسالم‪.‬‬

‫(‪ )3‬انظـ ــر‪ :‬ثقافـ ــة احل ـ ـوار يف اإلسـ ــالم‪ ،‬فهـ ــدة اخلضـ ــري ‪( ،‬ف‪)597‬؛ املـ ــدخل إىل الثقافـ ــة اإلسـ ــالمية‪ ،‬س ـ ـ الدراسـ ــات‬
‫اإلسالمية‪ ،‬جامعة املل سعود‪( ،‬ف‪.)52‬‬

‫‪168‬‬
‫اةاضرة الثانية عشرة‪ :‬احلوار بني احلضارات‬

‫‪ .1‬املشاركة يف حـل مشـكالت العـامل املعاصـر؛ ألهنـا مل تعـد مقصـورة علـى بلـد واحـد أو أمـة‬
‫واحدة‪ ،‬مثال‪ :‬مشكالت البيئة‪ ،‬واألسرة واملخدرات‪ ،‬واألمراض العابرة للحدود‪.‬‬
‫‪ .4‬إ ـرار مب ــاد الع ــدل واملس ــاواة ب ــني البش ــر؛ إج ه ـ م ــن أص ــل واح ــد‪ ،‬ويعيش ــون يف ع ــامل‬
‫واحــد‪ ،‬وهــذ املبــاد معلومــة يف حضــارتنا الــمل حت ـ م اإلنســان؛ لكون ـ بشـ ًـرا خملوً ـا هلل‬
‫مكرما من ‪.‬‬
‫تعاىل ً‬
‫‪ .5‬ال ــدعوة إىل ض ــمان حقـ ــوق األدًّين أًّي ك ــان جنس ــها أو دينهـ ــا داخ ــل بالده ــا‪ ،‬وع ــدم‬
‫الضغط على أصحا ا للذوابن يف ا تمـع‪ ،‬والتخلـي عـن مبـادئه وعقائـده ؛ ألن جلـ‬
‫خمالف للحرية المل أ ّرها الوحي من هللا ‪ ،--‬وأ ّرهتا القوانني واملواثيق الدولية‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬األسس اليت ينبين عكيها حوار احلضارات‬
‫لكــي يــن ح احلــوار بــني احلضــارات ال بــد ل ـ مــن أســس ســليمة يمســس عليهــا‪ ،‬وتتقبلهــا‬
‫املثــال‪{ :‬ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ‬ ‫ايــع األط ـراف وتتعامــل مبوجبهــا‪ ،‬نــذكر منهــا علــى ســبيل‬
‫ﲓ ﲔ ﲕ ﲖﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ} [سورة الروم‪.]22:‬‬
‫‪ .3‬اح ام كل طرف لألطراف األخر أًّي كان جنسها أو لوهنا أو عقيدهتا‪ ،‬فاالختالف ال‬
‫يعين ابلضرورة التصادم والتناحر‪ ،‬فاالختالف سنة طبيعية سنها هللا تعاىل بني البشر‪،‬‬
‫وتصرفاهت وأفكاره ومعتقداهت ‪ ،‬ال تعاىل‪:‬‬ ‫وأعما‬ ‫فالبشر خمتلفون يف أشكا‬
‫‪{:‬ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖﲗ ﲘ ﲙ ﲚ‬

‫[سورة الروم‪ ،]22:‬و ال تعاىل‪{ :‬ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ} [سورة‬ ‫ﲛ ﲜ ﲝ}‬

‫الليل‪]4:‬‬
‫دخال للتع ــارف‪ ،‬ال ضـ ـ حق ــوق اآلخـ ـرين واالس ــتعالء‬
‫‪ .2‬االتف ــاق عل ــى اعتب ــار احلـ ـوار مـ ـ ً‬
‫عليه أو فرض اآلراء والدعوة إىل اتبار األ و ‪.‬‬
‫‪ .1‬االع اف ابتداءً أبن اار احلضارة اإلنسانية إرث إنسـاين عـام مشـ ك بـني أبنـاء البشـرية‬
‫مل تق ب حضارة واحدة‪ ،‬بل شارك كل حضارة بنصيب في ‪.‬‬

‫‪169‬‬
‫اةاضرة الثانية عشرة‪ :‬احلوار بني احلضارات‬

‫ثالثًا‪ :‬سبل إقامة حوار احلضارات‬


‫‪ .3‬من أه الصور املعاصرة إل امة حوار احلضارات‪ ،‬املم رات املتنوعة المل تعقد ابس حوار‬
‫ـريا مــن الشـ‬
‫وجهـا لوجـ ‪ ،‬وهــذا يزيــل كثـ ً‬
‫احلضــارات حــول األدًّين‪ ،‬وفيهــا يكــون اللقــاء ً‬
‫واللبس وسوء النيـة‪ ،‬ويـوفّر مزي ًـدا مـن االطـالر علـى احلقـائق‪ ،‬تقـول إحـد املستشـر ات‬
‫األسبانيات عن زًّيرهتا للقـاهرة عـام ‪2008‬م‪" :‬أود أن أ ـول‪ :‬إننـا حباجـة ماسـة إىل مثـل‬
‫هــذ ال ـزًّيرات لك ـ ‪ ،‬فه ـي تفــتح أمــام أعيننــا ع ـوامل ابلغــة الث ـراء وتلهمنــا الكثــري‪...‬إىل أن‬
‫تقول‪ :‬فالكتب ال تكفينا لنعرفك على حقيقتك "‪.‬‬
‫‪ .2‬أســلو اإلجــاابت واملنا شــات الكتابيــة‪ ،‬فقــد اختــذها العلمــاء مســل ًكا للح ـوار وإيصــال‬
‫املعلوم ــة أو تص ــحيحها من ــذ أ ــدم العص ــور‪ ،‬س ـ ـواء يف احل ـ ـوار م ــع غ ــري املس ــلمني وم ــع‬
‫املسلمني أنفسه من أصحا املخالفات العقدية‪.‬‬
‫‪ .1‬االســتعانة أب ـوال العقــالء واملنصــفني مــن أبنــاء احلضــارات الــمل حناورهــا‪ ،‬فيكــون كالمه ـ‬
‫ح ـ ــة علـ ــى إخ ـ ـواهن ‪ ،‬كمـ ــا ي ــذكر األسـ ــتاج عبـ ــد هللا كنـ ــون يف مق ــال احل ـ ـوار املسـ ــيحي‬
‫ـريا حبــث لثمانيــة مــن كبــار علمــاء الالهــوت الروتســتان يف‬ ‫اإلســالمي‪" :‬و ــد ظهــر أخـ ً‬
‫جامعة أكسفورد ءعل ا‪ ،‬أنكروا فيـ ألوهيـة املسـيح وبنوتـ هلل تعـاىل‪ ،‬وأخرجـو يف كتـا‬
‫خاف ختاطفت األيد "‪.‬‬
‫هــل اســتفد حنــن املســلمني مــن جلـ يف حـوار مــع احلضــارة املســيحية‪ ،‬هــل تــرج إىل‬
‫العربية ملزيد من املعرفة بطبيعة املوضور؟‬
‫‪ .4‬االس ــتفادة م ــن وس ــائل اإلع ــالم املوجه ــة م ــن ب ــالد عربي ــة وإس ــالمية‪ ،‬حن ــو ال ــبالد غ ــري‬
‫اإلســالمية‪ ،‬ومنهــا اإلجاعــات املوجهــة‪ ،‬والقن ـوات الفضــائية‪ ،‬وهــي مــن الوســائل الفعالــة‬
‫لنقل أصول حضارتنا إىل اآلخرين وتصحيح صورتنا املشوهة عنده ‪.‬‬
‫‪ .5‬االستفادة ـا تـوفر شـبكة املعلومـات الدوليـة واإلن نـ مـن فـرف هائلـة ورخيصـة الـثمن‬
‫نسبياا حلوار الثقافات واألدًّين‪ ،‬و ا عدد كثري من املوا ع الدينية املمثلة ملختلـف األدًّين‬
‫(‪)3‬‬
‫والطوائف‪.‬‬

‫(‪ )3‬انظ ــر‪ :‬احلـ ـوار يف الس ــرية النبوي ــة (ف‪)253-248‬؛ الثقاف ــة العربي ــة وعص ــر املعلوم ــات (ف‪)449‬؛ اإلس ــالم وحـ ـوار‬
‫احلضارات راءة احلاضر واستشراف املستقبل‪ ،‬أ‪.‬د‪ .‬عبدهللا بن إبراهي الطريقي‪( ،‬ف‪.)58‬‬

‫‪171‬‬
‫اةاضرة الثانية عشرة‪ :‬احلوار بني احلضارات‬

‫عوائق حوار احلضارات‪:‬‬


‫‪ .3‬الفه اخلاطئ املتوارث بني أطراف احلوار‪ ،‬فكثري من حقائق حضـارتنا اإلسـالمية مهولـة‬
‫لد اآلخر الذ نريد أن حناور ‪.‬‬
‫‪ .2‬ســيادة ثقافــة االســتعالء الــمل حتك ـ تعــامالت الغــر وح ـوار مــع اآلخــر‪ ،‬وهــذ النزعــة‬
‫االستعالئية ثلها كتاابت وأفالم‪ ،‬ومواد إعالمية وثقافية كثرية‪.‬‬
‫‪ .1‬من اةانب اإلسالمي هناك عوائق ظاهرة منها على سبيل املثال‪:‬‬
‫أ‪ .‬شعور بعال املسلمني ابحلر من أفعال بعال املنتسبني ل سالم‪.‬‬
‫‪ .‬عــائق داخلــي يــمد إىل احلــر مــن احلـوار‪ ،‬يتمثّـل يف التنــا ال الصــارخ بــني األســس‬
‫واألصــول احلضــارية الــمل نقــدمها للنــام‪ ،‬وبــني وا ــع كثــري مــن الــبالد اإلســالمية اليــوم‬
‫(‪)3‬‬
‫من التخلف يف كثري من ا االت‪ ،‬والنزاعات الداخلية والفر ة بني املسلمني ‪.‬‬

‫(‪ )3‬انظر‪ :‬احلوار يف السـرية النبويـة (ف‪)258‬؛ صـورة اإلسـالم واملسـلمني يف األد الغـريب حـ القـرن الثـامن عشـر‪ ،‬ملـة‬
‫عامل الفكر‪ ،‬الكوي ‪3584 ،‬م‪( ،‬ف‪.)53‬‬

‫‪171‬‬
‫اةاضرة الثالثة عشرة‪ :‬التعايش مع غري املسكمني يف بالد اإلسالم‬

‫اةاضرة الثالثة عشرة‬


‫التعايش مع غري املسكمني يف بالد اإلسالم‬

‫‪172‬‬
‫اةاضرة الثالثة عشرة‪ :‬التعايش مع غري املسكمني يف بالد اإلسالم‬

‫‪ ‬أهداف الدرس‪:‬‬
‫‪ -‬أن يعرف الطالب أمهية التعايش يف ا تمع‪.‬‬
‫‪ -‬أن يعدد الطالب أصناف غري املسلمني يف بالد اإلسالم‪.‬‬
‫يتعرف الطالب على صور التعايش مع غري املسلمني يف بالد اإلسالم‪.‬‬
‫‪ -‬أن َّ‬

‫‪173‬‬
‫اةاضرة الثالثة عشرة‪ :‬التعايش مع غري املسكمني يف بالد اإلسالم‬

‫التعايش مع غري املسكمني يف بالد اإلسالم‪:‬‬


‫التعايش يف اللغة‪ :‬عايش ‪ :‬عا‪ ،‬مع ‪ .‬والعيش معنا احلياة‪ ،‬وهو العيش على هذ األرض‬
‫من بين لدم كافة دون تفريق‪ ،‬وتعين االش اك يف احلياة على األلفة واحملبة‪.‬‬
‫إن أ ــى امــوج للتعــايش وأر اهــا هــو تعــايش الن ـ ‪-‬ﷺ‪ -‬يف املدينــة مــع اليهــود‪ ،‬حيــث‬
‫عاهده واتفق معه على املصاحل المل معه يف هذا البلد الذ يش كون يف سكنا ‪ ،‬بل كان‬
‫طســن إلــيه ويتلطــف يف معــاملته ؛ لعله ـ يقبلــون هــد هللا‪ ،‬ومــن جل ـ عيادت ـ لليهــود يف‬
‫مرض ‪ ،‬ومل نله من املدينة ح نقضوا العهد الذ بينه وبين ‪.‬‬
‫وجاء يف العهد الذ أعلن عمرو بن العاف ‪ -◙-‬عامل اخلليفة عمر بـن اخلطـا‬
‫‪ -◙-‬على مصر يف أثناء فتحها التعهـد املكتـو حبمايـة كنـائس النصـار ‪ ،‬و ميـنه علـى‬
‫(‪)3‬‬
‫ارسة دينه بكل حرية ‪.‬‬
‫أصناف غري املسكمني يف بالد اإلسالم‪:‬‬
‫الصنف األول‪ :‬املواطنون من غري املسلمني‪ ،‬و د اصطلح علماء الفق على تسـمية املـواطنني يف‬
‫بــالد اإلســالم مــن غــري املســلمني يف الكتــب (أبهــل الذمــة)‪ ،‬وهــو اسـ حســن‪ ،‬وهــو مبعــو (أهــل‬
‫العهد واألمان)؛ ألهن يصريون يف جمة دمحم ‪-‬ﷺ‪ -‬ويف جمـة املسـلمني‪ ،‬أ ‪ :‬يف عهـده وأمـاهن‬
‫على وج التأبيد‪.‬‬
‫ويميـ ـ ــد حسـ ـ ــن امل ـ ـ ـراد ـ ـ ــذا املصـ ـ ــطلح (أهـ ـ ــل الذمـ ـ ــة) مـ ـ ــا جـ ـ ــاء يف كتـ ـ ــا اخلليفـ ـ ــة أيب بكـ ـ ــر‬
‫‪ -◙-‬ألهـل عـران‪( :‬بسـ ميحرلا نمحرلا هللا‪ .‬هـذا مـا كتـب بـ عبـدهللا أبـو بكـر خليفـة دمحم‬
‫النـ ‪-‬ﷺ‪ -‬ألهــل عـران‪ :‬أجــاره نـوار هللا وجمــة دمحم النـ رســول هللا ‪-‬ﷺ‪ -‬علــى أنفســه ‪،‬‬
‫وأرضه ‪ ،‬وملتّه وأموا ‪ ،‬وحاشيته وعبادهت ‪.)...‬‬
‫الصوونف الث وواين‪ :‬املســتأمنون وه ـ مــن غــري املســلمني مــن الوافــدين إىل بــالد اإلســالم لعمــل أو‬
‫(‪)2‬‬
‫حنو ‪.‬‬

‫(‪ )3‬انظر‪ :‬مسائل علمية و ضاًّي معاصرة‪( ،‬ف‪.)331‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬حقوق غري املسلمني يف اإلسالم‪ ،‬د‪ .‬صاحل العايد‪( ،‬ف‪)32-5‬؛ اإلسـالم والعـر ‪ ،‬لـروم النـدور‪ ،‬تراـة‪ :‬منـري‬
‫البعلبكي‪( ،‬ف‪.)335‬‬

‫‪174‬‬
‫اةاضرة الثالثة عشرة‪ :‬التعايش مع غري املسكمني يف بالد اإلسالم‬

‫احلقوق العامة لغري املسكمني يف بالد اإلسالم‪:‬‬


‫‪ .1‬حقه‪ :‬يف حف ك امته‪ :‬ا‪:‬نسان ة‪:‬‬
‫كافرا‪ ،‬ورفع منزلت على كثري من خلق فقال تعاىل‪:‬‬
‫مسلما و ً‬
‫كرم هللا تعاىل اإلنسان بعامة ً‬
‫ّ‬
‫{ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ‬
‫ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ} [سورة اإلسراء‪ ،]70:‬بل أمر مالئكت ابلس ود أليب البشر‬
‫وتفضيال‪.‬‬
‫ً‬ ‫إعظاما لشأن اإلنسان‬
‫لدم ‪-♠-‬؛ ً‬
‫واإلسالم يمكد أن أصل البشر واحد‪ ،‬وأهن متساوون يف اإلنسانية ويف احلقوق‪.‬‬
‫ومــن احملافظـة علــى كرامــة غــري املســلمني حقهـ يف مراعــاة مشــاعره ‪ ،‬ومــادلته ابحلســو؛‬
‫{ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ‬ ‫امتثـ ـ ـ ًـاال لق ـ ـ ــول هللا تع ـ ـ ــاىل‪:‬‬
‫ﱍ} [سورة العنكبوت‪]94:‬‬
‫و د بلغ من تكر املوىل ‪-‬تبارك وتعـاىل‪ -‬ل نسـان أنـ ّحـرم علـى املسـلمني أن ينـالوا مـن‬
‫اآل ة الـمل يعبـدها املشـركون ابلسـب‪ ،‬حـ ال يـمد جلـ ـ إىل النيـل مـن هللا اإللـ احلـق‪ ،‬ويف‬
‫جل ـ تكــر ل نســان‪ ،‬فــاح ام شــعور اإلنســان حنــو األشــياء الــمل يقدســها اح ـ ام لكرامت ـ ‪ ،‬ــال‬
‫(‪)3‬‬
‫اإلمام القرط ‪ :‬فال طل ملسل أن يسبب صلباهن ‪ ،‬وال دينه ‪ ،‬وال كنائسه ‪.‬‬
‫ومن صور مراعـاة كرامـة اإلنسـان أن رسـولنا ‪ -♥-‬كـان أيمـر ابلقيـام لل نـائز‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫نفسا»‪ .‬متفق علي ‪.‬‬
‫ً‬ ‫فمرت ب جنازة فقام‪ ،‬فقيل ل ‪ :‬إهنا جنازة يهود ‪ ،‬فقال‪« :‬أليس‬
‫‪ .2‬ضمان ح ية املعتقد‪:‬‬
‫{ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ‬ ‫مل نر اإلسـالم النـام ومل يكـرهه علـى الـدخول فيـ ‪ ،‬ـال تعـاىل‪:‬‬
‫امتثاال ذ اآلية دأ املسلمون على دعوة النام‬ ‫ﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ} [سورة البقرة‪ ،]259:‬و ً‬
‫إىل اإلس ــالم وعرض ـ دون إك ـرا أو إجب ــار‪ ،‬وم ــن املق ــرر عن ــد الفقه ــاء أن ـ ل ــو أك ــر أح ــد عل ــى‬
‫طوعا‪.‬‬
‫اإلسالم فإن ال يصح إسالم وال يثب ‪،‬ح يوجد من ما يدل على إسالم ً‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬تفسري القرط ‪ ،‬سورة األنعام‪ ،‬اآلية‪.308 :‬‬
‫(‪ )2‬انظـ ــر‪ :‬احل ـ ـرًّيت واحلقـ ــوق يف اإلسـ ــالم‪ ،‬حلمـ ــد رجـ ــاء حنفـ ــي‪( ،‬ف‪)22‬؛ حقـ ــوق غـ ــري املسـ ــلمني يف بـ ــالد اإلسـ ــالم‪،‬‬
‫(ف‪.)34‬‬

‫‪175‬‬
‫اةاضرة الثالثة عشرة‪ :‬التعايش مع غري املسكمني يف بالد اإلسالم‬

‫ومل يكتـ ِ‬
‫ـف اإلســالم مبــنح احلريــة لغــري املســلمني يف البقــاء علــى ديــنه ‪ ،‬بــل كــان يف تشـريع‬
‫الســمح مــا يبــيح ـ ارســة شــعائره ‪ ،‬ومــا طــافظ علــى أمــاكن عبــاداهت ‪ ،‬وكــان أول لقــاء بــني‬
‫رس ــول هللا ‪-‬ﷺ‪ -‬والنص ــار ح ــني ج ــاء وف ــد عـ ـران النص ــار إىل املدين ــة الس ــنة التاس ــعة م ــن‬
‫صالة ‪ ،‬فقاموا يصلون إىل املشرق‪ ،‬فقال‬ ‫ا رة‪ ،‬فدخلوا مس د الرسول ‪-‬ﷺ‪ -‬وكان و‬
‫(‪)3‬‬
‫‪-‬ﷺ‪« :-‬دعوه »‪.‬‬

‫وســار علــى جلـ اخللفــاء الراشــدون‪ ،‬فقــد جــاء يف وصــية أيب بكــر ‪ -◙-‬ألســامة بــن‬
‫زيــد ومــن مع ـ ‪ ،‬فقــال‪« :‬أوصــيك بتقــو هللا‪ :‬ال ختون ـوا‪ ،‬وال تغل ـوا‪ ،‬وال ثل ـوا‪ ،‬وال تقتل ـوا طفـ ًـال‬
‫بعريا؛ إال ملأكلـ ‪ ،‬وال تعرضـوا للعبـاد‬ ‫كبريا وال امرأة‪ ،‬وال تذحبوا شاة وال بقرة وال ً‬
‫شيخا ً‬ ‫صغريا وال ً‬‫ً‬
‫والزهاد الذين يعيشون يف صوامعه يذكرون ر »‪.‬‬
‫‪.3‬حسن العش ة واملعاملة احلسنة‪:‬‬
‫أمــر هللا يف القــرلن الكــر املســلمني بــر خمــالفيه يف الــدين الــذين مل يتعرض ـوا ـ ابألج‬
‫{ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ‬ ‫والقتـ ـ ـ ـ ــال‪ ،‬ـ ـ ـ ـ ــال تعـ ـ ـ ـ ــاىل‪:‬‬
‫ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ} [سورة املمتحنة‪.]8:‬‬
‫وأوجــب اإلســالم حســن العشــرة وصــلة الــرح حـ مــع اخــتالف الــدين‪ ،‬فقــد أمــر حبســن‬
‫{ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ‬ ‫الصــحبة للوالــدين الكــافرين‪ ،‬ــال تعــاىل‪:‬‬
‫ﲃﲄﲅﲆﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏﲐﲑﲒﲓ‬
‫أيض ـ ـا‪،‬‬
‫ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ} [سـ ــورة لقمـ ــان‪ ،]35:‬والـ ــرح الكـ ــافرة توصـ ــل ابمل ــال ً‬
‫في ب على املسل نفقة أبوية الذميني‪ ،‬ومـن الـر والصـلة عيـادة املـريال‪ ،‬فقـد عـاد النـ ‪-‬ﷺ‪-‬‬
‫عم أاب طالب يف مرض (أخرج أمحد‪ ،‬وال مذ )‪.‬‬
‫ـارا ل ـ يه ــود ‪( ،‬أخرج ـ البخ ــار )‪ ،‬وم ــن ص ــور ال ــر ا دي ــة فق ــد أه ــد ‪ ،‬الن ـ‬
‫وع ــاد ج ـ ً‬
‫‪-‬ﷺ‪ -‬أاب س ــفيان ــر ع ــوة وه ــو مبك ــة‪ ،‬وَبِ ــل هدي ــة زين ــب بنـ ـ احل ــارث اليهودي ــة‪ ،‬و بـ ـل‬

‫(‪ )3‬انظر‪ :‬البداية والنهاية‪ ،‬ابن كثري‪.)53-48/5( ،‬‬

‫‪176‬‬
‫اةاضرة الثالثة عشرة‪ :‬التعايش مع غري املسكمني يف بالد اإلسالم‬

‫‪ -♥-‬هداًّي امللوك إلية كاملقو س وكسر ‪ ،‬وأهد عمر حلة جيينة ألخية مبكة وكان‬
‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫يومئذ مشرًكا‬
‫‪ .4‬حق احلماية واألمن‪:‬‬
‫نب على احلاك املسل أن يـوفر لغـري املسـلمني يف بـالد اإلسـالم احلمايـة مبالـ مـن سـلطة‬
‫شــرعية‪ ،‬ومــا لديـ مــن ــوة عســكرية‪ ،‬يقــول الرســول ‪-‬ﷺ‪« :-‬أال مــن ظلـ معاهـ ًـدا‪ ،‬أو انتقصـ‬
‫حق ـ ـ ‪ ،‬أو كلف ـ ـ ف ــوق طا ت ـ ـ ‪ ،‬أو أخ ــذ من ـ ـ ش ــيئًا بغ ــري طي ــب نف ــس من ـ ـ ‪ ،‬ف ـ ـأ ح ي ـ ـ يـ ــوم‬
‫(‪)2‬‬
‫القيامــة» ‪ .‬وكــان عمــر ‪ -◙-‬يســأل الوافــدين علي ـ مــن األ ــالي عــن حــال أهــل الذمــة؛‬
‫خشية أن يكون أحد من املسلمني لجاه ‪.‬‬

‫(‪ )3‬انظر‪ :‬حقوق غري املسلمني يف بالد اإلسالم‪( ،‬ف‪)55‬؛ التعايش مع غـري املسـلمني يف ا تمـع املسـل ‪ ،‬منقـذ السـقار‪،‬‬
‫(ف‪.)47‬‬
‫(‪ )2‬أخرج أبو داود‪ ،‬بر ‪ ،)1052( :‬و ال األلباين‪ :‬صحيح‪.‬‬

‫‪177‬‬
‫اةاضرة الرابعة عشرة‪ :‬الوسطية وتطبيقاتها املعاصرة‬

‫اةاضرة الرابعة عشرة‬


‫الوسطية وتطبيقاتها املعاصرة‬

‫‪178‬‬
‫اةاضرة الرابعة عشرة‪ :‬الوسطية وتطبيقاتها املعاصرة‬

‫‪ ‬أهداف الدرس‪:‬‬
‫‪ -‬أن يعرف الطالب معو الوسطية واالعتدال‪.‬‬
‫‪ -‬أن يعرف الطالب واعد االعتدال‪.‬‬

‫‪179‬‬
‫اةاضرة الرابعة عشرة‪ :‬الوسطية وتطبيقاتها املعاصرة‬

‫اف ق النام يف فه منهج اإلسالم وتطبيق يف حياهت ‪ ،‬إىل ثالثة أ سام‪ :‬األول‪ :‬املتسـاهل‬
‫يف ارتكا احملرمات والتنازل عـن أحكـام الـدين الواجبـة حب ـة أن اإلسـالم يسـر‪ ،‬فـال يتبـع أوامـر‬
‫هللا وال أيمــر ابلواجــب ويـ ك احملظــور‪ ،‬والثــاين‪ :‬املــتحمس واملتشــدد‪ ،‬فــيخلط بــني الزهــد والرهبنــة‪،‬‬
‫وأيمر النام ابلقيام ابملستحب وكأن واجـب‪ ،‬وينهـى النـام عـن فعـل املكـرو واملبـاح كأنـ ـرم‪،‬‬
‫زوجـا ابةهـل يف الـدين‬ ‫وكالمها خمطئ إما خللل يف ال بية أو التصور العقلـي أو املصـلحة املاديـة ً‬
‫و لـة العلـ ‪ ،‬والثالـث‪ :‬هـو املتوســط علـى مـنهج أهـل السـنة واةماعــة‪ ،‬فيطبـق أحكـام الـدين بعلـ‬
‫وبصرية مع مراعاة احلكمة واملصلحة الشرعية المل ترضي هللا‪.‬‬

‫املبحث األول‪ :‬مفهوم الوسطية وأبرز وخصائصها‪:‬‬


‫أوال‪ :‬الوسط يف اللغة‪ :‬الواو والسني والطاء بناء صحيح‪ ،‬يدل على العدول‪ ،‬والنصـف‪ ،‬وأعـدل‬
‫ه‬
‫(‪)3‬‬
‫الشيء أوسط ووسط ‪.‬‬
‫‪ :‬هـي البعـد عـن الشـطط واالحنـراف‪ ،‬وتعـين أعـدل األحـوال‪ ،‬بـني‬ ‫اثنها‪ :‬الوسوط ة يف االصوط‬
‫اإلفـ ـراط والتفـ ـريط‪ ،‬واإلفـ ـراط ه ــو‪ :‬التع ــد بت ــاوز احل ــد املس ــنون يف العب ــادات‪ ،‬وتلب ــيس احل ــق‬
‫داال علــى معــو البدعــة وخمالفــة ســنة الرســول ‪-‬ﷺ‪ ،-‬وجل ـ يف‬ ‫ابلباطــل‪ ،‬و ــذا املعــو يكــون ً‬
‫مقابل التفـريط‪ :‬وهـو وجـ لخـر للتعـد يتمثّـل يف تَّضـييع ألوامـر الشـريعة والتَّقصـري فيهـا‪ ،‬والـ َّ ك‬
‫(‪)2‬‬
‫ا والتَّهاون يف أدائها‪ ،‬وكال األمرين خمالف للوسطية المل ترتبط ارتباطًا وثي ًقا ابالستقامة ‪.‬‬
‫اثلثها‪ :‬مش وم ة الوسوط ة‪ :‬أمـرت الشـريعة اإلسـالمية ابلتوسـط واالعتـدال يف ايـع شـمون احليـاة‬
‫مبختلــف ماالهتــا‪ ،‬فهــي أمــة وســط‪ :‬يف التصــور واالعتقــاد‪ ،‬ويف التفكــري والشــعور‪ ،‬ويف العال ــات‬
‫اال تصادية والسياسية واالجتماعية‪ ،‬ويف املكان والزمـان‪ ،‬مـع الكبـري والصـغري‪ ،‬الفقـري والغـين‪ ،‬بـل‬
‫ويف التعبد هلل تعاىل‪.‬‬
‫{ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ‬ ‫ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال تع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪:‬‬
‫ﱤ ﱥ}‪[ ،‬س ــورة البق ــرة‪ ،]218 :‬و ــال ‪-‬ﷺ‪ -‬مس ــل ‪« :‬وإًّيك ـ والغل ــو يف ال ــدين‪،‬‬

‫(‪ )3‬لسان العر ‪ ،‬ابن منظور‪ ،‬مادة‪ :‬وسط‪.‬‬


‫(‪ )2‬تفسري القرلن احلكي ‪ ،‬دمحم رشيد بن علي رضا‪ ،‬ط‪3154 ،3‬هـ‪ ،‬ا يئة املصرية العامة للكتا ‪.)145/2( ،‬‬

‫‪181‬‬
‫اةاضرة الرابعة عشرة‪ :‬الوسطية وتطبيقاتها املعاصرة‬

‫تعسـروا‪ِّ ،‬‬
‫وبشـروا وال‬ ‫يسـروا وال ِ‬
‫ّ‬
‫فإاما أهل من كان بلك الغلـو يف الـدين»‪ )3(،‬و ولـ ‪-‬ﷺ‪ِ « :-‬‬
‫ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫ِ‬
‫ميسرين ومل تبعثوا معسرين»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫تن ّفروا‪ ،‬إاما بعثت ّ‬
‫ابعا‪ :‬أب ف خصا ص الوسط ة‪:‬‬ ‫ره‬
‫‪ .3‬توحيد مصادر املعرفة والعل ا‪ :‬وجل ابةمع بـني الـوحي والعقـل؛ فـالوحي هـو مصـدر‬
‫التشـريع‪ ،‬والعقــل لـ دور يف فهـ الــوحي‪ ،‬كمــا أنـ مصــدر مــن مصــادر املعرفــة البشـرية العامــة يف‬
‫احلياة‪ ،‬ونمع بني علوم الشريعة وعلوم احلياة‪ ،‬وبعلوم الشريعة يسـتقي ديـن األمـة‪ ،‬وبعلـوم احليـاة‬
‫تستقي حياهتا‪.‬‬
‫‪ .2‬التالزم بني الظاهر والبـاطن‪ :‬في مـع بـني االهتمـام أبعمـال اةـوارح وأعمـال القلـو ‪ ،‬أو‬
‫ما يعرف بفق الظاهر وفق الباطن‪.‬‬
‫‪ .1‬االتبار يف الدين‪ ،‬واإلبدار يف أمور الدنيا‪.‬‬
‫‪ .4‬الثبات يف األهداف واملرونة يف الوسائل‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وجسدا ووجدا ً بصورة متوازنة‪.‬‬
‫ً‬ ‫وروحا‬
‫عقال ً‬
‫‪ .5‬التكامل يف بناء اإلنسان ً‬
‫املبحث الثاني‪ :‬جماات الوسطية‪:‬‬
‫أولًا‪ :‬جمال ااعتقاد‬
‫من صور جل ‪:‬‬
‫‪ .3‬إن املسل يعبد هللا على عل وبصرية‪ ،‬ويوحد عبادت هلل وحد ال شري ل ‪ ،‬فليس ه‬
‫{ﱗ ﱘ ﱙ‬ ‫كالنصار واليهود‪ ،‬كما يف ول تعاىل يف سورة الفاحتة‪:‬‬
‫[سورة‬ ‫ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ}‬

‫(‪ )3‬روا النسائي يف سنن من حديث عبدهللا بن عبام‪ ،‬بر ‪ ،)1057( :‬أمحد بن شعيب النسائي‪ ،‬ت‪ :‬عبدالفتاح أبـو‬
‫غدة‪ ،‬مكتب املطبوعات اإلسالمية‪ ،‬حلب‪ ،‬ط‪ ،3‬د ت‪.‬‬
‫(‪ )2‬روا البخار يف صحيح ‪ ،‬من حديث أنس بن مال ‪ ،-◙-‬بر ‪.)95( :‬‬
‫(‪ )1‬اإلسالم دين الوسطية واالعتـدال‪ ،‬د‪.‬سـليمان بـن عبـد هللا أاب اخليـل‪ ،‬صـحيفة اةزيـرة‪ ،‬السـعودية‪ ،‬اخلمـيس ‪ 03‬يونيـو‬
‫‪2037‬م‪.‬‬

‫‪181‬‬
‫اةاضرة الرابعة عشرة‪ :‬الوسطية وتطبيقاتها املعاصرة‬

‫الفاحتة‪ ،]7-9:‬واملعو‪ :‬اهد الصراط املستقي وه أهل ا داية واالستقامة والطاعة هلل‬
‫ورسل ‪ ،‬وامتثال أوامر وترك نواهي وزواجر ‪ ،‬غري صراط املغضو عليه ‪[ ،‬وه ] الذين‬
‫فسدت إرادهت ‪ ،‬فعلموا احلق وعدلوا عن ‪ ،‬وال صراط الضالني وه الذين فقدوا العل‬
‫(‪)3‬‬
‫فه هائمون يف الضاللة ال يهتدون إىل احلق ‪.‬‬
‫‪ .2‬التوكــل علــى هللا مــع بــذل األســبا ‪ ،‬حلــديث الرجــل الــذ ســأل الرســول ‪-‬ﷺ‪ -‬عــن‬
‫(‪)2‬‬
‫دابت ي كها أو يربطها وهو متوكل علي ‪ ،‬فقال ل ‪« :‬اعقلها وتوكل» ‪.‬‬
‫{ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ‬ ‫‪ .1‬املوازن ــة ب ــني اخل ــوف والرج ــاء‪ ،‬م ــع التوب ــة وحس ــن الظ ــن ابهلل‪،‬‬
‫ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ} [سورة املائدة‪.]58:‬‬

‫ثانيًا‪ :‬جمال العبادات‬


‫ومن صور جل ‪:‬‬
‫ــال‪:‬‬ ‫‪-◙-‬‬ ‫‪ .3‬مراعـاة أحـوال النـام وظـروفه ‪ ،‬واخـتالف ـدراهت وطا ـاهت ‪ ،‬فعـن أنـس‬
‫«ما صلي وراء إمام ط أخـف صـالة وال أ مـن النـ ‪-‬ﷺ‪ ،-‬وإن كـان ليسـمع بكـاء‬
‫(‪)1‬‬
‫الص فيخفف خمافة أن تفنت أم »‪.‬‬
‫اَّللِ َألََ َّ‬
‫َخ ُـر‬ ‫اَّلل‪ِّ ،‬‬
‫إين و َّ‬ ‫ـول َِّ‬
‫ـال‪ًّ :‬ي َرس َ‬‫ومن جل حديث أيب مسعود ‪ ،-◙-‬أن َر ُج ًـال َ‬
‫ـال‪ :‬فَمـا َرأَيْـ ُ النـ َّ ‪-‬ﷺ‪َ -‬ــط‬ ‫أجـ ِـل فُـ َـال إن‪ ،‬ـَّـا يُ ِطي ُـل بنَــا فِ َيهــا‪ ،‬ـ َ‬ ‫ِِ‬ ‫عـن ِ‬
‫صـ َـالة الغَـ َـداة مـن ْ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ـال‪ًّ« :‬ي أيهــا النَّــام‪ِ َّ ،‬‬ ‫ومئـ إـذ‪ُ ،‬مثَّ ـ َ‬ ‫ِ إ‬
‫ين‪ ،‬فــأي ُك ْ مــا‬ ‫إن مــن ُك ُمنَـ ّفـ ِر َ‬ ‫ُ‬ ‫ضــبًا يف َم ْوعظَــة منـ يَ َ‬ ‫أشـ َّـد َغ َ‬
‫َ‬
‫(‪)4‬‬
‫اج ِة»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫وجز‪ِ َّ ،‬‬ ‫صلَّى ابلن ِ ِ‬
‫يف‪ ،‬وجَا احلَ َ‬ ‫فإن في ِه ُ ال َكبِ َري‪ ،‬والضَّع َ‬ ‫َّام فَـ ْليُ ْ‬ ‫َ‬

‫(‪ )3‬تفسري القرلن العظي ‪ ،‬ابن كثري القرشي الدمشقي‪ ،‬دار طيبة للنشر والتوزيع‪ ،‬الرًّيض‪ ،‬ط‪2038 ،3‬م‪.)340/3( ،‬‬
‫ُرســل ــمل وأتوَّكــل ؟ ــال‪ِ :‬‬
‫(اعق ْلهــا وتوَّكـ ْـل)‪ ،‬روا ابــن حبــان يف صــحيح مــن حــديث‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫رجــل للنَّ ـ ِّ ‪-‬ﷺ‪ :-‬أ ُ‬
‫(‪ )2‬ــال ُ‬
‫عمرو بن أمية‪ ،‬بر ‪ ،)713( :‬األمري عالء الدين علي بن بلبان الفارسي‪ ،‬ممسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪3408 ،3‬ه‪.‬ـ‬
‫(‪ )1‬روا البخار يف صحيح ‪ ،‬بر ‪.)708( :‬‬
‫(‪ )4‬روا البخار يف صحيح من حديث أيب مسعود‪ ،‬بر ‪.)7355( :‬‬

‫‪182‬‬
‫اةاضرة الرابعة عشرة‪ :‬الوسطية وتطبيقاتها املعاصرة‬

‫‪ .2‬وج ــو االلتـ ـزام ابلواجب ــات وال غي ــب يف القي ــام ابلنف ــل واملس ــتحب بش ــرط ع ــدم إره ــاق‬
‫النفس وامللل‪ ،‬عـن أنـس ‪ -◙-‬ـال‪ :‬دخـل رسـول هللا ‪-‬ﷺ‪ -‬املسـ د وحبـل ـدود‬
‫بني ساريتني‪ ،‬فقال‪« :‬ما هـذا؟» ـالوا‪ :‬لزينـب تصـلي فـإجا كسـل أو فـ ت أمسـك بـ ‪.‬‬
‫)‪(3‬‬
‫فقــال‪« :‬حلــو ليصــل أحــدك نشــاط ‪ ،‬فــإجا كســل أو ف ـ فليقعــد» ‪ ،‬فــإن هللا لغــين عــن‬
‫تعذيب أنفسنا يف عبادت ‪.‬‬
‫‪ .1‬ومن أمثلة جل ‪ :‬ال َّـرهط الثالثـة الـذين جـاؤوا إىل بيـوت النـ ِّ ‪-‬ﷺ‪ -‬فسـألوا عـن عبادتـ ‪،‬‬
‫فلمــا أُخـِـروا ــا كــأهن تقالوهــا‪ ،‬و ــالوا‪ :‬أيــن حنــن مــن رســول هللا ‪-‬ﷺ‪ -‬فقــد غُ ِفــر ل ـ مــا‬
‫ـول ‪-‬ﷺ‪ -‬جلـ خــر علــيه و ــال‪َ « :‬أمــا وهللا‬ ‫الرسـ َ‬
‫فلمــا بلــغ َّ‬
‫تقـ ّدم مــن جنبـ ومــا َّخــر؟ َّ‬
‫ـزو النســاء‪ ،‬فمــن‬ ‫ُفطــر‪ ،‬وأُص ـلِّي وأ م‪ ،‬وأتـ َّ‬
‫ِإين ألخشــا ُك هلل وأتقــاك ل ـ ‪ ،‬لكـ ِـين أصــوم وأ ِ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫مين» ‪.‬‬ ‫رغب عن ُسنَّمل فليس ِّ‬
‫‪ .4‬املوازنـ ــة بـ ــني الرخصـ ــة والعزمي ــة يف أداء العبـ ــادات‪ :‬حـ ــال احلض ــر والسـ ــفر‪ ،‬حـ ــال الصـ ــحة‬
‫واملـ ــرض‪ ،‬القـ ــدرة وعـ ــدم القـ ــدرة‪ ،‬فـ ــإن هللا طـ ــب أن تـ ــمتى رخص ـ ـ كمـ ــا طـ ــب أن تـ ــمتى‬
‫(‪)1‬‬
‫عزائم ‪.‬‬
‫يق ـ ــول هللا جـ ـ ـ ّـل وعـ ـ ـ َـال‪{ :‬ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ} [سـ ـ ــورة املائـ ـ ــدة‪،]9:‬‬
‫و ول ـ ـ ـ ـ ـ ‪{ :‬ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ} [س ـ ـ ـ ـ ــورة‬
‫البقرة‪.]289:‬‬
‫ثالثًا‪ :‬جمال املعامكة‬
‫كان رسـول هللا ‪-‬ﷺ‪ -‬مرجـع املسـلمني يف تـدبري شـموهن العامـة‪ ،‬ومـع هـذا كـان يقـوم يف‬
‫حاجــة أهلـ حـ يســمع األجان‪ ،‬نــالس الصــحابة فقــريه وغنــيه ‪ ،‬صــغريه وكبــريه ويســعى يف‬
‫حاج ــة احملت ــا رج ـ ًـال ك ــان أو ام ـ ـرأة‪ ،‬ويس ــتقبل الوف ــود أبطي ــب الثي ــا وأاله ــا ب ــدون ك ــر أو‬
‫(‪)4‬‬
‫مفاخرة ‪ ،‬ومن صور جل ‪:‬‬
‫(‪ )3‬روا البخار يف صحيح ‪ ،‬بر ‪.)3350( :‬‬
‫(‪ )2‬أخرج البخار يف صحيح ‪ ،‬بر ‪.)5091( :‬‬
‫(‪ )1‬ال غي ب وال هيب‪ ،‬زكي الدين املنذر ‪ ،‬ت‪ :‬دمحم السيد‪ ،‬دار الف ر لل اث‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪3423 ،3‬هـ‪.)347/3( ،‬‬
‫(‪ )4‬سـ ــبل ا ـ ــد يف والرشـ ــاد يف سـ ــرية خـ ــري العبـ ــاد‪ ،‬دمحم الشـ ــامي‪ ،‬ا لـ ــس األعلـ ــى للش ـ ـمون اإلسـ ــالمية‪ ،‬ط‪3438 ،3‬هـ ـ ـ‪،‬‬
‫(‪.)975 -189/9‬‬

‫‪183‬‬
‫اةاضرة الرابعة عشرة‪ :‬الوسطية وتطبيقاتها املعاصرة‬

‫{ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ‬ ‫‪ .3‬تعايش مع غري املسلمني يف ول تعاىل‪:‬‬


‫ﱲﱳﱴﱵﱶﱷﱸﱹﱺﱻﱼﱽﱾﱿﲀﲁ‬
‫ﲂﲃﲄﲅﲆﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏﲐﲑ‬
‫ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ} [سورة املمتحنة‪.]5-8:‬‬
‫‪ .2‬وهــذا الــر والقســط مطلــوابن مــن املســل يف عال تـ ابلنــام كافــة‪ ،‬مــا دامـوا مســاملني غــري‬
‫معتــدين يقاتلونـ يف دينـ ‪ ،‬و رجونـ مــن دار ‪ ،‬فهــمالء ال ــوز نصـرهت وواليــته ‪ ،‬ولــيس‬
‫املقصــود الــذين بيننــا وبيــنه مصــاحل ســلمية مش ـ كة(‪ ،)3‬ومــن جل ـ ‪ :‬كــا َن غُـ َـالم يـهـ ِ‬
‫ـود‬ ‫َُ‬
‫ـال ل ـ ‪:‬‬‫ـود ُ‪ ،‬فَـ َق َعـ َـد ِعْنـ َـد َرأْ ِس ـ ِ‪ ،‬فَقـ َ‬
‫ـأات ُ الن ـ ‪-‬ﷺ‪ -‬يَـعُـ ُ‬ ‫ض‪ ،‬ف ـ َ‬ ‫َ ْـ ُـد ُم الن ـ َّ ‪-‬ﷺ‪ ،-‬فَ َم ـ ِر َ‬
‫ِ‬
‫ـال لـ ‪ :‬أط ْـع َأاب ال َقاسـ ِ ‪-‬ﷺ‪ْ ،-‬‬
‫فأسـلَ َ ‪ ،‬فَ َخ َـر َ النـ‬ ‫ِ‬ ‫أسلِ ْ ‪ ،‬فَـنَظََر إىل أبِي ِ وهو ِعْن َد ُ فَق َ‬
‫ْ‬
‫يقول‪« :‬احلَ ْم ُد ََِّّللِ الذ أنْـ َق َذ ُ ِم َن النَّا ِر» ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫‪-‬ﷺ‪ -‬وهو ُ‬
‫‪ .1‬الـ ويح عــن الــنفس و ديــد ابملـزاح واللعــب واملداعبــة‪ ،‬وجلـ لت ديــد ملكــات وطا ــات‬
‫القلو ‪ ،‬مـع التـزام الصـدق والتوسـط‪ ،‬فقـد كـان رسـول هللا ‪-‬ﷺ‪ -‬ميـزح ولكنـ ال يقـول‬
‫ال ل صحابت ‪ًّ :-╚-‬ي رسول هللا‪ ،‬إن تداعبنا‪ ،‬فقـال‪« :‬إين ال‬ ‫إال ح اقا‪ ،‬ح‬
‫(‪)1‬‬
‫أ ول إال ح اقا»‪.‬‬
‫ولقــد أفســح لفر ــة مــن األحبــا‪ ،‬تلعــب وتــر ص‪ ،‬وســأل زوج ـ عائشــة ‪ -▲-‬أن‬
‫تش ــاهده ‪ ،‬فو ف ـ خلف ـ وخ ــدها عل ــى خ ــد حـ ـ اكتف ـ وانص ـرف ع ــنه ‪ ،‬و ــال‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫رسل حبنيفية مسحة» ‪.‬‬ ‫«لتعل يهود أن يف ديننا فسحة‪ ،‬إين أُ ِ‬

‫{ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ}‬ ‫ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال تعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاىل‪:‬‬


‫[سورة القصص‪.]77 :‬‬

‫(‪ )3‬العنف الفوضى القومية‪ ،‬جعفر اةمر ‪ ،‬جريدة الوسط‪ ،‬العدد ‪ - 4270‬اةمعة ‪ 39‬مايو ‪2034‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬روا البخار يف صحيح من حديث أنس ‪ ،-◙-‬بر ‪.)3159( :‬‬
‫(‪ )1‬روا ال مذ يف سنن من حديث أيب هريرة‪ ،‬بر ‪.)3550( :‬‬
‫(‪ )4‬السلسلة الصحيحة‪ ،‬دمحم صر الدين األلباين‪ ،‬مكتبة املعارف‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫‪184‬‬
‫اةاضرة الرابعة عشرة‪ :‬الوسطية وتطبيقاتها املعاصرة‬

‫‪ .3‬طريقة مشي ‪-‬ﷺ‪ :-‬أمر ‪-‬ﷺ‪ :-‬االعتدال يف املشي؛ ملا في من و ار وهيبة للمسل ‪،‬‬
‫وأمــر ابالعتــدال ابلكــالم؛ ملــا في ـ مــن جــالل القــدر للمــتكل ‪ ،‬وحســن اإلصــغاء مــن املســتمع‪،‬‬
‫{ﳘ ﳙ‬ ‫فالص ــوت الع ــاا ي ــمج األجن‪ ،‬ويش ــت االنتب ــا ‪ ،‬وي ــوتر األعص ــا ‪ ،‬ــال تع ــاىل‪:‬‬
‫ﳚ ﳛ ﳜ ﳝ ﳞ ﳟ ﳠ ﳡ ﳢ ﳣ ﳤ} [ســورة لقم ـان‪ ،]35:‬وا صــد‬
‫يف مشـي ‪ :‬أ ‪ :‬توســط فيـ والقصـد مــا بــني اإلسـرار والــبطء‪ ،‬يقــال‪ :‬صـد فــالن يف مشــيت ‪ :‬إجا‬
‫مشى مستوًًّي ال يد دبيب املتماوتني‪ ،‬وال يثب وثو الشياطني‪.‬‬
‫{ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ‬ ‫‪ .2‬التوســط عنــد احلــديث والقـراءة يف الصــالة‪ ،‬ــال تعــاىل‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ـول َِّ‬
‫ظ النَّـائ َ‬ ‫اَّلل ‪-‬ﷺ‪ -‬م َـن اللَّي ِـل يسـلّ ُ تس ً‬
‫ـليما‪ ،‬ال يـو ُ‬ ‫ﲐ} [سورة اإلسـراء‪ ،]330:‬وكـان رس ُ‬
‫سم ُع اليقظا َن‪ ،‬مثَّ أييت املس ِ َد فيصلِّي ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫وي ِ‬
‫ُ‬
‫(‪)2‬‬
‫رابعًا‪ :‬اجملال ااقتصادي‬
‫ســل اإلســالم املــنهج الوســط يف التعامــل مــع امللكيــة الفرديــة‪ ،‬ومل يت اهــل وا عهــا‪ ،‬وال‬
‫ـروزا يف ال ــنفس اإلنس ــانية‪ ،‬وأن ُحـ ـب التملـ ـ ميث ــل أح ــد ال ــدوافع الك ــر ل ــد‬
‫كوهن ــا أم ـ ًـرا مغ ـ ً‬
‫اإلنسان‪ ،‬ط ِّفز للعمل واإلنتا ‪ ،‬واملشاركة والسعي يف إعمار الكون‪.‬‬
‫وم ما تعارضـ مصـلحة الفـرد مـع مصـلحة اةماعـة ُـ ِّدم مصـلحة اةماعـة‪ِ ،‬مـن غـري‬
‫ظل إ للفرد أو َج ْوإر على حق يف التعويال املناسب‪ ،‬كما يف ضرورةِ نَـ ْـزِر ملكي إـة خاصـة ِمـن أجـل‬
‫عامة‪ ،‬كاحتكار السلع أو بيعها أبكثر من السوق‪.‬‬ ‫مصلحة إ‬
‫إ‬ ‫حتقيق‬
‫خالفا للرأمسالية المل دس امللكية الفرد ‪ ،‬و دمتها علـى حقـوق اةماعـة‪ ،‬فـال ضـري أن‬
‫يعــيش الثــر وميـ مــن ميـ مــن اةماعــة‪ ،‬وابملقابــل تطرفـ الشــيوعية يف إلغــاء امللكيــة الفرديــة‪،‬‬
‫و اصرة الدولة ا‪ ،‬بتأمي املمتلكات اخلاصة‪ ،‬وإجبار الشَّـعب علـى العمـل يف املـزارر اةماعيـة‪،‬‬
‫وحنو جل ‪.‬‬

‫(‪ )3‬أخرج مسل يف صحيح من حديث املقداد بن عمرو‪ ،‬بر ‪.)2055( :‬‬
‫(‪ )2‬فتــاو عــن الشــيوعية‪ ،‬د‪ .‬عبــداحللي مــود‪ ،‬دار املعــارف ‪ -‬مصــر‪ ،‬ط الثانيــة‪ ،‬د‪.‬ت‪( ،‬ف‪)15‬؛ املوســوعة امليســرة يف‬
‫األدًّين واملــذاهب واألحـزا املعاصــرة‪ ،‬إشـراف ومراجعــة د‪ .‬مــانع بــن محــاد اةهــين‪ ،‬النــدوة العامليــة للشــبا اإلســالمي‬
‫‪ -‬الرًّيض‪ ،‬ط ‪ ،1‬د‪.‬ت‪)521/2( ،‬؛ ضوابط امللكية يف الفق اإلسالمي‪ ،‬د‪ .‬عد ن خالد ال كمـاين‪ ،‬دار املطبوعـات‬
‫احلديثة ‪ -‬جدة‪ ،‬ط األوىل ‪3404‬هـ‪3584-‬م‪ ،‬ف‪37‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪185‬‬
‫اةاضرة الرابعة عشرة‪ :‬الوسطية وتطبيقاتها املعاصرة‬

‫ومن صور الوسطية ااقتصادية‪:‬‬


‫‪ .3‬ش ــرر اإلس ــالم التمل ـ ابلعق ــود املباح ــة وم ــا وض ــع الي ــد علي ـ م ــن أر إ‬
‫اض غ ــري لوك ــة‬
‫ألحد‪ ،‬وحرم الكسب احملرم كالغش والسر ة واالحتكار وغري جل ‪.‬‬
‫‪ .2‬أوجب الزكاة على الغين بنصا وشروط شرعية‪ ،‬ليت إنفا على اةماعـة وعلـى رأسـه‬
‫الفق ـراء واحملتــاجون‪ ،‬وشــرر امل ـرياث و ســم بشــكل عــادل ومت ـوازن‪ ،‬كــل جل ـ ح ـ ال تتك ـ ّدم‬
‫{ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ‬ ‫جوع ـ ـا‪ ،‬ــال تع ــاىل‪:‬‬
‫الث ــروة عن ــد أش ــخاف ولخ ــرون ميوت ــون ً‬
‫ﲎ} [سورة احلشر‪.]7:‬‬
‫‪ .1‬فــتح اب اإلنفــاق التطــوعي‪ ،‬وحــث علــى الــر واإلحســان‪ ،‬وإغاثــة امللهــوف‪ ،‬والقــرض‬
‫احلسن‪.‬‬

‫خامسًا‪ :‬جمال العالقة بني اجلنسني‬


‫وسطًا‪ ،‬يتلخص يف أن مل يقتلها أو يكبتهـا‪،‬‬‫تعامال َ‬
‫لقد تعامل اإلسالم مع الغريزة اةنسية ً‬
‫ويف املقابل مل يُطلِق ا العِنان ِّ‬
‫ونرْدها من أية يود‪ ،‬وإاما ه ّذ ا‪ ،‬وع ّدل مسارها‪.‬‬
‫ومن صور جل ‪:‬‬
‫‪ .3‬شرر إرواء الغريزة ابلطريق املشرور‪ ،‬وهو الزوا أو ِمل اليمني‪ ،‬وما عدا هذين من‬
‫شرعا‪ ،‬وأمر املرأة بعدم إظهار زينتها أمام الرجال‪ ،‬وأمرمها بغال البصر والبعد‬
‫السبل فممنور ً‬
‫{ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ‬ ‫عن الفتنة‪:‬‬
‫ﱼ ﱽ ﱾ ﱿﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆﲇ‬
‫ﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏﲐﲑﲒﲓﲔﲕﲖﲗ‬
‫ﲘﲙﲚﲛﲜﲝﲞﲟﲠﲡﲢﲣﲤﲥﲦﲧ‬
‫ﲨﲩﲪﲫﲬﲭﲮﲯﲰﲱﲲﲳﲴﲵﲶﲷﲸ‬
‫ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ‬
‫[سورة النور‪-10:‬‬ ‫ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ}‬
‫‪.]13‬‬

‫‪186‬‬
‫اةاضرة الرابعة عشرة‪ :‬الوسطية وتطبيقاتها املعاصرة‬

‫{ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ‬ ‫ويف هـ ــذا يقـ ــول سـ ــبحان ‪:‬‬


‫ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ} [ســورة‬
‫املممنون‪.]7-5:‬‬
‫إننــا ع ـد الغلــو يف نظــام الرهبنــة النص ـرانية؛ بقتــل الغريــزة اةنســية وعــدم الــزوا مصــادمني‬
‫الفط ــرة ال ــمل فط ــر هللا الن ــام عليه ــا‪ ،‬وظه ــرت بع ــدها فض ــائح القساوس ــة املتحرش ــني ابألطف ــال‬
‫األيتام‪.‬‬
‫وعــد التف ـريط واالنفــالت لــد احلضــارة الغربيــة املاديــة‪ ،‬الــمل ترك ـ احلبــل علــى الغــار‬
‫للغريزة اةنسية‪ ،‬بزع احلرية الشخصية‪ ،‬ح مل يعد للقي اإلنسانية معامل للذكر‪.‬‬
‫وك ــال املنه ــني اإلف ـراط والتف ـريط ترت ــب عليهم ــا خل ــل وتفك ـ ‪ :‬مث ــل انتش ــار األم ـراض‬
‫اةنس ــية الفتاك ــة؛ ك ــالزهر واإلي ــدز‪ ،‬ومث ــل التفكـ ـ األس ــر ‪ ،‬ووج ــود أطف ــال غ ــري الش ــرعيني‬
‫عموما‪ ،‬كما تَعِج بذل اإلحصاءات اخلاصة ابلدول األوروبية‪.‬‬ ‫واللقطاء‪ ،‬و لة النسل ً‬
‫تعــاىل‪{ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ‬ ‫‪ .2‬الوســطية يف فهـ وامــة الرجــل يف ولـ‬
‫ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ} [سورة النساء‪ ،]14:‬فليسـ هـي التسـلط‬
‫والتحك واالستبداد‪ ،‬وترك الواجب مـن املعاشـرة ابملعـروف وأداء الواجبـات املفروضـة ـا أهلـ ‪،‬‬
‫وإاما هي التنظي واإلرشاد والتوجي ‪.‬‬

‫سادسًا‪ :‬جمال اإلنفاق‬

‫ابالستمتار ابلطيبات المل خلقها لعباد ‪ ،‬دون إسراف أو‬ ‫‪-▐-‬‬ ‫أمر الـ ُمنع‬
‫الوضع يف التقتري ففي حبس‬ ‫تقتري‪ ،‬فاإلسراف مفسدة للمال وللنفس وللم تمع‪ ،‬وكذل‬
‫و ميد للمال عن وظيفت المل خلقها هللا ل ‪ ،‬وكالمها يسبِّب ً‬
‫خلال يف النظام اال تصاد ‪ ،‬يقول‬
‫‪{ :-▐-‬ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ‬ ‫هللا‬
‫{ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ‬ ‫[سورة اإلسراء‪ .]25:‬و ال تعاىل‪:‬‬ ‫ﱚ ﱛ}‬

‫{ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ‬ ‫ﱑ ﱒ} [سورة األعراف‪ .]13 :‬و ول سبحان ‪:‬‬


‫املائدة‪.]85:‬‬ ‫ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ} [سورة‬

‫‪187‬‬
‫اةاضرة الرابعة عشرة‪ :‬الوسطية وتطبيقاتها املعاصرة‬

‫م ــن أوس ــط أ ‪ :‬م ــن أ ص ــد ‪ ،‬ألن م ــنه م ــن يس ــرف يف إطع ــام أهل ـ وم ــنه م ــن يق ـ ‪.‬‬
‫فــالتقتري إف ـراط يف اإلمســاك‪ ،‬واإلس ـراف إف ـراط يف اإلنفــاق‪ ،‬ومهــا مــذمومان‪ ،‬واخللــق الفاضــل هــو‬
‫)‪)3‬‬
‫العدل والوسط ‪.‬‬
‫ومن اإلنفاق املشرور‪ :‬نفقة اإلنسـان يف مسـكن لـ ولعيالـ ‪ ،‬يتميـز ابلسـعة واةمـال وكثـرة‬
‫املرافق‪ ،‬واةمال تلف ابخـتالف العـرف‪ ،‬وال أبم بشـيء مـن الزخرفـة والت ميـل املعقـول‪ ،‬دون‬
‫الدخول يف دائرة اإلسراف والتوسعات المل هـدفها املفـاخرة‪ ،‬ومـا يشـغل عـن اآلخـرة وتطغيـ عـن‬
‫الفق ـراء والضــعفاء‪ ،‬ك صــيع اةــدران ابألح ــار النفيســة‪ ،‬وتطعيمهــا ابلفضــة والــذهب‪ ،‬وهــو مــا‬
‫ُنك ــر يف الق ــرلن عل ــى لس ــان ن ـ هللا ه ــود ‪ -♠-‬عل ــى وم ـ َع ــاد‪{ :‬ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ‬ ‫أ ِ‬
‫ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ} [سـ ــورة الشـ ــعراء‪ ،]325-328:‬فاإلنكـ ــار‬
‫لــيس علــى مــرد البنــاء الرفيــع‪ ،‬بــل علــى العبــث ب ـ ‪ ،‬ولــيس علــى اختــاج املصــانع ‪-‬أ ‪ :‬القصــور‬
‫(‪)2‬‬
‫والرو املشيدة‪ -‬بل على العيش فيها عيش من َُلَّد‪ ،‬ال عيش من ميوت ‪.‬‬
‫ومن صور ذلك‪:‬‬
‫‪ .3‬ال ـ ف والتبــذير س ــعيًا وراء املاركــات العامليــة‪ ،‬واملنافس ــة املاديــة الــمل تطغي ـ علــى الفق ـراء‬
‫ف‪،‬‬ ‫المَرأَتـِ ِ‪َ ،‬وفِ َـرا‪ ،‬لِ َّ‬
‫لضـْـي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫والضـعفاء مـن النـام‪ ،‬ـال رسـول هللا ‪-‬ﷺ‪« :-‬ف َـرا‪ ،‬ل َّلر ُج ِـل‪َ ،‬وف َـرا‪ْ ،‬‬
‫)‪(1‬‬
‫ان» ‪.‬‬ ‫الرابِع لِلشَّيطَ ِ‬
‫َو َّ ُ ْ‬
‫ـرعا وال نـوز‪ ،‬فـال‬ ‫بل إن البعال من النام يستدين لشراء تل الكماليـات‪ ،‬وهـذا ّـرم ش ً‬
‫(‪)4‬‬
‫ـول‬
‫طل طلب الدين إال للضرورة؛ حلديث بيصة ‪ ،-◙-‬ال‪ :‬حتم ْل ُ محالَةً ‪ ،‬فأتي ُ رس َ‬
‫ـأمَر لـ َ ــا ُمثَّ ــال‪ًّ :‬ي َبيصـةُ إِ َّن املســألةَ ال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هللا أســألُ ُ فيهــا‪ ،‬فقــال‪« :‬أ ـ ْ حـ تيَنــا الصــد َةُ فنـ ُ‬
‫(‪ )3‬البداية والنهاية‪ ،‬ابن كثري‪.)97/31( ،‬‬
‫(‪ )2‬املصباح املنري يف تفسري ابن كثري‪ ،‬إمساعيل ابن كثري‪ ،‬دار السالم‪ ،‬الرًّيض‪ ،‬ط‪3423 ،1‬هـ‪( ،‬ف‪.)581‬‬
‫(‪ )1‬صحيح مسل ‪ ،‬اةامع الصحيح‪ ،‬كتا ‪ :‬اللبام والزينة‪ ،‬اب ‪ :‬كراهة ما زاد على احلاجة من الفرا‪ ،،‬بر (‪.)2084‬‬
‫(‪ )4‬ول ‪ :‬محالة بفـتح احلـاء املهملـة‪ ،‬وهـو مـا يتحملـ اإلنسـان ويلتزمـ يف جمتـ ابالسـتدانة ليدفعـ يف إصـالح جات البـني‪،‬‬
‫وإاما حتل ل املسألة بسبب ‪ ،‬ويعطى من الزكاة بشرط أن يستدين لغـري معصـية‪ ،‬و ـد كانـ العـر إجا و عـ بيـنه فتنـة‬
‫ا تض غرامة يف دية أو غريها ام أحده فترر ابلتزام جل والقيام ب ‪ ،‬وكانوا إجا علموا أن أحده حتمل محالة ابدروا‬
‫إىل معونت ـ وأعطــو مــا ت ـرأ ب ـ جمت ـ ‪ .‬نيــل األوطــار مــن أحاديــث ســيد األخيــار‪ ،‬دمحم الشــوكاين‪ ،‬إدارة الطباعــة املنرييــة‪،‬‬
‫السعودية‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.)219/4( ،‬‬

‫‪188‬‬
‫اةاضرة الرابعة عشرة‪ :‬الوسطية وتطبيقاتها املعاصرة‬

‫ِ‬ ‫ألحد إ‬ ‫حتل َّإال ِ‬


‫حتم َل محالَةً فحلَّ ْ ل املسألةُ حـ يصـيبَها ُمثَّ ُميسـ َ ‪ ،‬ورجـل أصـابْت ُ‬ ‫ثالثة‪ :‬رجل َّ‬
‫ـيش‪ ،‬ورجـل أصـابْت ُ فا َـة حـ‬ ‫ـيب ِو ًامـا مـن ع إ‬ ‫جائحة اجتاح ْ مالَ فحلَّ ْ ل املسألَةُ حـ يص َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـول ثالثــة مــن َج ِو احل َ ــا مــن ومـ ‪ :‬لقـ ْد أصــابَ ْ فــال ً فا َــة فحلَّـ ْ لـ املســألةُ حـ يُصـ َ‬
‫ـيب‬ ‫يقـ َ‬
‫عيش‪ ،‬فما سواهن من املسألَِة ًّي َبيصةُ ُسح أيكلُها صاحبُها سحتًا» ‪.‬‬ ‫ِو ًاما ِم ْن إ‬
‫(‪)3‬‬

‫رسول هللاِ ‪-‬ﷺ‪ -‬إجا تُـوِّيف املممن وعلي دين سأل‪ :‬هـل تـرَك لدينِـ ِمـن َض إ‬
‫ـاء؟ فـإ ْن‬ ‫وكان َ‬
‫َ َْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫(‪)2‬‬
‫صاحبِك » ‪.‬‬ ‫الوا‪ :‬نع ‪ ،‬صلَّى علي ‪ .‬وإ ْن الوا‪ :‬ال‪ ،‬ال‪« :‬صلوا على ِ‬
‫َ‬ ‫َْ‬
‫‪ .2‬ومــن جل ـ املباهــاة وتقليــد املشــاهري‪ ،‬ونشــر جل ـ يف وســائل التواصــل االجتمــاعي‪ ،‬كــل‬
‫ضـَّـرةً‪ ،‬فَهـ ْـل‬
‫إن ا َ‬ ‫اَّللِ‪َّ ،‬‬
‫ـول َّ‬ ‫جلـ ســعيًا وراء الســمعة وطلبــا للشــهرة‪ ،‬ورو َّ‬
‫أن ْامـ َـرأَةً الَـ ْ ‪ًّ :‬ي َرسـ َ‬
‫سول َِّ‬ ‫غري الذ يـُ ْع ِط ِيين؟ َ‬ ‫ِ ِ‬
‫اَّلل ‪-‬ﷺ‪« :-‬الـ ُمتَ َشبِّ ُع مبا َملْ‬ ‫فقال َر ُ‬ ‫َعلَ َّي ُجناح إ ْن تَ َشبَّـ ْع ُ من َزْوجي َ‬
‫(‪)1‬‬
‫ط َكالبِ ِ‬
‫س ثـَ ْوَ ْيب ُزوإر» ‪.‬‬ ‫يـُ ْع َ‬
‫وأوعظنا هللا تعاىل بقصة بليغة حتكي حال ارون املريد للشهرة‪ ،‬وحب اع األموال‪،‬‬
‫{ﱁ ﱂ‬ ‫بعال من وم بذل ‪ ،‬و ين احلال الذ علي ‪ ،‬والنهاية المل لل إليها‪:‬‬ ‫وإع ا‬
‫ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ} {ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ‬

‫{ﲈ ﲉ ﲊ‬ ‫ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ}‪ ،‬والنتي ة‪:‬‬


‫ﲋ} {ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ‬

‫{ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ‬ ‫واحلق هو‪:‬‬ ‫ﲧ ﲨ}‬

‫ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ} [سورة القصص‪.]81:‬‬
‫ضوابط املوازنة بني اإلنفاق واإلمساك‬
‫أ‪ .‬التفريــق يف النفقــة بــني املقتــدر وامليســر عــن الفقــري واملعســر‪ ،‬فمــا يشـ ي امليســر ــد يعتــر‬
‫إسرافًا يف حق املعسر‪ ،‬سواء كان يمة منزل أو ثو أو أ ث‪.‬‬
‫‪ .‬التفريق بني النفقة الواجبة والضرورية‪ ،‬والنفقة الكمالية والتحسينية‪.‬‬

‫(‪ )3‬روا مسل يف صحيح ‪ ،‬بر ‪.)3044( :‬‬


‫(‪ )2‬روا النسائي يف صحيح من حديث أيب هريرة ‪ ،-◙-‬برقم‪.)3592( :‬‬
‫(‪ )1‬روا البخار يف صحيح من حديث أمساء بن أيب بكر ‪ ،-▲-‬بر ‪.)5235( :‬‬

‫‪189‬‬
‫اةاضرة الرابعة عشرة‪ :‬الوسطية وتطبيقاتها املعاصرة‬

‫األزمات‪.‬‬ ‫الرخاء وحا و‬ ‫‪ .‬التفريق بني حال النام و‬

‫ذا األسام هو كبح هو النفس الشحيحة املق ة‪ ،‬وكذل النفس‬ ‫ويتمثل البعد ال بو‬
‫الشــرهة املســرفة‪ ،‬وهــذا مــا نــب أن نــريب أوالد علي ـ س ـواء علــى مســتو اإلنفــاق الفــرد أو‬
‫(‪)3‬‬
‫اإلنفاق األسر أو اإلنفاق احلكومي ‪.‬‬

‫سابعًا‪ :‬الوسطية يف األمر باملعروف والنهي عن املنكر‬

‫وجلـ يكــون ابلتفريــق بــني الشــدة واللــني‪ ،‬والتفريــق بــني متمــع ولخــر‪ ،‬واملســائل املختلــف‬
‫فيها والمل ال خالف فيها‪ ،‬ومن لدي سلطة ومن ال ميلكها‪ ،‬وابلتدر مع املبتد من غري ‪.‬‬
‫مثرات الوسطية‪ ،‬وتتمثل يف‪:‬‬
‫‪ .3‬نيل رضا هللا تعاىل والفوز ابةنة‪.‬‬
‫‪ .2‬حتقيــق خرييــة األمــة‪ ،‬وحتقيــق العــدل والقــوة والثبــات واألمــان والطمأنينــة يف الــدين والــدنيا‬
‫معا‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ .1‬نبــذ التســاهل وال اخــي املفضــي لتمييــع الــدين‪ ،‬أو تــرك أحكام ـ ‪ ،‬أو التشــدد يف الــدين‬
‫املفضي لالبتدار يف الدين والغلو والتكفري‪.‬‬
‫‪ .4‬إمداد املسل مبنه ية واضحة و اعدة فاعلة يف التعامل مع اآلخرين‪.‬‬
‫‪ .5‬حتبيب النام يف اإلسالم وترغيبه يف االنضمام إلي ‪ ،‬فالتشـدد ينفـر مـن الـدين ولـو كـان‬
‫املدعو منتميًا ل ‪ ،‬والتساهل نعل املدعو يستخف ويسته ابإلسالم وأهل ‪.‬‬
‫‪ .9‬حتقيق مساحة اإلسالم وحكمت البالغة يف التعامل مع القضاًّي املعاصرة واملتنوعة‪.‬‬
‫‪ .7‬مراعاة أحوال النـام يف طريقـة التعامـل معهـ مبختلـف طبقـاهت وأعمـاره وأدًّيهنـ ‪ ،‬وفـق‬
‫منهج اإلسالم الصحيح بدون إفراط وال تفريط‪.‬‬

‫(‪ )3‬انظر‪ :‬حسني حسني شحات ‪ ،‬اال تصاد اإلسـالمي بـني الفكـر والتطبيـق‪( ،‬ف‪)305 ،300 ،70 ،98‬؛ دمحم الغـزاا‪،‬‬
‫ُخلق املسل ‪ ،‬دمشق‪ ،‬دار القل ‪ ،‬ط‪3428 ،23‬هـ‪2007/‬م‪( ،‬ف‪.)353‬‬

‫‪191‬‬
‫اةاضرة الرابعة عشرة‪ :‬الوسطية وتطبيقاتها املعاصرة‬

‫‪ .8‬تبين يف شخصية املسل ‪ :‬احلكمة والتواضع‪ ،‬والرمحة‪ ،‬وترك الكر والع ب‪.‬‬
‫أخعا‪ :‬فإن الوسطية هي جوهر الدين اإلسالمي ال يستقي ديننا ومتمعنا إال ب ‪ ،‬فم ما‬
‫احنـرف عــن اةــادة ضــل وأضـل‪ ،‬واململكــة العربيــة الســعودية رائـدة االعتــدال والوســطية يف احلاضــر‬
‫واملســتقبل؛ واملركــز العــاملي ملكافحــة الفكــر املتطــرف‪ :‬املســمى (اعتــدال)‪ ،‬شــاهد عيــان‪ ،‬ودليــل‬
‫برهان على كفاءة التخطيط وصدق التوجي ‪ ،‬وأن التطرف ليس من دين اإلسالم‪.‬‬

‫‪191‬‬

192

You might also like